اختلاف أبي حَنيفة وابن أبي ليلى اختلاف أبي حَنيفة وابن أبي ليلى
للإمام أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري
المتوفى سنة 182 من الهجرة
عنى بتصحيحه والتعليق عليه
أبو الوفا الأفغاني
المدرس بالمدرسة النظامية بالهند
عنيت بنشره لجنة إحياء المعارف النعمانية
بحيدر آباد الدكن بالهند
الطبعة الأولى: حق النشر والنقل محفوظ
أشرف على طبعه
رضوان محمد رضوان
وكيل لجنة إحياء المعارف النعمانية بمصر
مطبعة الوفاء
1357
(/)
بسم الله الرحمن الرحيم
قال محمد بن الحسن عن أبي يوسف قال: إذا أسلم الرجل إلى الخياط ثوبا فخاطه
قباء فقال رب الثوب: أمرتك بقميص، وقال الخياط: أمرتني بقباء، فإن أبا
حنيفة رضى الله عنه كان يقول: القول قول رب الثوب ويضمن الخياط قيمة الثوب.
وبه نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول:
(1/9)
القول قول الخياط في ذلك، ولو أن الثوب ضاع
من عند الخياط ولم يختلف رب الثوب والخياط في عمله، فإن أبا حنيفة رضي الله
عنه قال: لا ضمان عليه ولا على القصار والصباغ وما أشبه ذلك من العمال إلا
فيما جنت أيديهم. وبلغنا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: لا ضمان
عليهم. وكان ابن أبي ليلى يقول: هم ضامنون لما هلك عندهم وإن لم تجن أيديهم
فيه. قال أبو يوسف: هم ضامنون إلا أن يجيء شيء غالب.
(1/10)
باب الغصب
قال أبو يسوف: وإذا اغتصب الرجل الجارية فباعها وأعتقها المشتري فإن أبا
حنيفة رضي الله عنه كان يقول: البيع والعتق فيها باطل لا يجوز، لأنه باع
مالا يملك وأعتق مالا يملك. وبهذا نأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول: عتقه جائز
وعلى الغاصب القيمة.
قال: وإذا اشترى الرجل الجارية فوطئها ثم اطلع المشتري على عيب كان بها
دلسه البائع له، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: ليس له أن يردها بعد
الوطء، وكذلك بلنا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه
(1/11)
قال أبو يوسف: ولكنه يقول يرجع عليه بفضل
ما بين الصحة والعب من الثمن. وبه نأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول: يردها
ويرد معها مهر مثلها: والمهر في قوله يأخذ العشر من قيمتها ونصف العشر
فيجعل المهر نصف ذلك. ولو أن المشتري لم يطأ الجارية ولكنه حدث بها عيب
عنده لم يكن له أن يردها في قول أبي حنيفة، ولكنه يرجع بفضل ما بين العيب
والصحة.
(1/12)
وبه نأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول: يردها
ويرد ما نقصها العيب الذي حدث عنده.
قال: وإذا اشترى الجارية فوطئها فاستحقها رجل فقضى له بها القاضي، فإن أبا
حنيفة رضي الله عنه كان يقول: على الواطئ مهر مثلها على مثل ما يتزوج به
الجرل مثلها يحكم به ذوا عدل ويرجع بالثمن على الذي باعه ولا يرجع بالمهر.
وبه نأخذ، وكان أبي ليلى يقول: على الواطئ المهر، على ما ذكرت لك من قوله،
ويرجع على البائع بالثمن والمهر لأنه قد غره منها.
قال محمد: وكيف يرجع عليه في قول ابن أبي ليلى بما أحدث وهو الذي وطئ؟
أرأيت لو باعه ثوبا فخرقه أو أهلكه فاستحقه رجل وضمنه بالقيمة أليس إنما
يرجع على البائع بالثمن وإن كانت القيمة أكثر منه؟
قال: وإذا اشترى الرجلان جارية فوجدا بها عيبا فرضى أحدهما بالعيب ولم يرض
الآخر، فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول: ليس لواحد منهما أن يرد
حتى يجتمعا على الرد جميعا، وكان ابن أبي ليلى رحمه الله يقول: لأحدهما أن
يرد حصته وإن رضى الآخر بالعيب. وبه نأخذ.
قال: وإذا اشترى الرجل أرضا فيها نخل وفيه ثمر ولم يشترط شيئا، فإن أبا
حنيفة رضي الله عنه كان يقول: الثمر للبائع إلا أن يشترط ذلك المشتري.
وكذلك بلغنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول:
(1/13)
((من اشترى نخلا له ثمر مؤبرة فثمره للبائع
إلا أن يشترط ذلك المشتري، ومن اشترى عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن
يشترط ذلك المشتري))، وبه نأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول: الثمرة للمشتري وإن
لم يشترط، لأن ثمرة النخل من النخل.
(1/14)
باب الاختلاف في
العيب
قال أبو يوسف: وإذا اشترى الرجل من الرجل الجارية أو الدابة أو الثوب أو
غير ذلك فوجد المشتري به عيبا وقال: بعتني وهذا العيب به فأنكر ذلك البائع،
فعلى المشتري البينة، فإن لم تكن له بينة فعلى البائع اليمين بالله لقد
باعه وما هذا العيب به. فإن قال البائع: أنا أرد اليمين عليه، فإن أبا
حنيفة رضي الله عنه كان يقول: لا أرد اليمين عليه ولا يحولها عن الموضع
الذي وضعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وبه نأخذ، وكان ابن أبي ليلى
رحمه الله يقول مثل قول أبي حنيفة رضي الله عنه، إلا أنه إذا اتهم المدعى
رد اليمين عليه فيقال: احلف وردها، فإن أبى أن يحلف لم يقبل منه وقضى عليه.
قال: وإذا باع الرجل بيعًا فبرئ من كل عيب، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان
يقول: البراءة من كل ذلك جائزة ولا يستطيع المشتري أن يرده بعيب كائنا ما
كان. ألا ترى أنه لو أبرأه من الشجاج برئ من كل شجة، ولو أبرأه من القروح
برئ من كل قرحة؟ وبهذا نأخذ. وكان ابن أبي ليلى رحمه الله يقول: لا يبرأ من
ذلك حتى يسمى العيوب كلها بأسمائها، ولم يذكر أن يضع يده عليها.
(1/15)
قال: وإذا اشترى الرجل دابة أو خادما أو
دارا أو ثوبا أو غير ذلك فادعى فيه رجل دعوى، ولم يكن للمدعى على دعواه
بينة فأراد أن يستحلف المشتري الذي في يديه ذلك المتاع على دعواه، فإن أبا
حنيفة رضي الله عنه كان يقول: اليمين عليه ألبتة بالله ما لهذا فيه حق.
وبهذا نأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول: عليه أن يحلف بالله ما يعلم أن لهذا
فيه حقا.
قال وإذا اشترى المشترى بيعًا على أن البائع بالخيار شهرًا أو على أن
المشترى بالخيار شهرا، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: البيع فاسد
ولا يكون الخيار فوق ثلاثة أيام. بلغنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم
- أنه كان يقول: ((من اشترى شاة محفلة فهو بخير النظرين ثلاثة أيام إن شاء
ردها ورد معها صاعا من تمر أو صاعا من شعير)) فجعل الخيار كله
(1/16)
على قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وكان ابن أبي ليلى يقول: الخيار جائز شهرًا كان أو سنة. وبه نأخذ.
قال: وإذا اشترى الرجل بيعًا على أن البائع بالخيار يومًا وقبضه المشترى
فهلك عنده، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: المشتري ضامن بالقيمة
لأنه أخذه على بيع، وبه نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: هو أمين في ذلك لا
شيء عليه فيه. ولو أن الخيار كان للمشتري فهلك عنده فهو عليه بثمن الذي
اشتراه به في قولهما.
قال: وإذا اشترى الرجل الجارية فباع نصفها ولم يبع النصف الآخر ثم وجد بها
عيبًا قد كان البائع دلسه له، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: لا
يستطيع أن يرد ما بقى منها ولا يرجع بما نقصها العيب، ويقول: رد الجارية
كلها كما أخذتها وإلا فلا حق لك. وبه نأخذ. وكان ابن
(1/17)
أبي ليلى رحمه الله يقول: يرد ما في يده
منها على البائع بقدر ثمنها، وكذلك قولهما في الثياب وفي كل بيع.
قال: وإذا اشترى الرجل عبدًا واشترط فيه شرطا أن يبيعه من فلان أو يهبه
لفلان أو على أن يعتقه، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: البيع في هذا
فاسد. وبه نأخذ. وقد بلغنا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه نحو من ذلك وكان
ابن أبي ليلى يقول: البيع جائز والشرط باطل.
(1/18)
قال: وإذا كان لرجل على رجل مال من [ثمن]
بيع فحل المال فأخره عنه إلى أجل آخر، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان
يقول: تأخيره جائز وهو إلى الأجل الآخر الذي أخره عنه وبه نأخذ. وكان ابن
أبي ليلى يقول: له أن يرجع في ذلك إلا أن يكون ذلك على وجه الصلح منهما.
قال: ولو أن رجلا كان له على رجل مال فتغيب عنه المطلوب حتى حط عنه بعد ذلك
المال على أن يعطيه بعضه ثم ظهر له بعد. فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان
يقول: ما حط عنه من ذلك المال فهو جائز. وكان ابن أبي ليلى يقول: له أن
يرجع فيما حط عنه لأنه تغيب عنه وبه نأخذ، ولو أن الطالب قال: إن ظهر لي
فله مما عليه كذا وكذا، ولم يكن قوله هذا يوجب عليه شيئا في قولهم جميعًا.
(1/19)
قال: وإذا بع الرجل الرجل بيعًا إلى
العطاء. فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول في ذلك: البيع فاسد. كان ابن
أبي ليلى يقول: البيع جائز والمال حال. وكذلك قولهما في كل مبيع إلى أجل لا
يعرف، فإن استهلكه المشتري فعليه القيمة في قول أبي حنيفة رضي الله عنه،
وإن حدث به عيب رده ورد ما نقصه العيب، وإن كان قائمًا بعينه فقال المشتري:
لا اريد الأجل وأنا أنقد لك المال، جاز ذلك له في هذا كله في قول أبي حنيفة
وبه نأخذ.
باب بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها
قال أبو يوسف: وإذا اشترى الرجل ثمرًا قبل أن يبلغ من أصناف الغلة كلها،
فإن أبا حنفة رضي الله عنه قال: إذا لم يشترط ترك ذلك الثمر إلى أن يبلغ
فإن البيع جائز، ألا ترى أنه لو اشترى قصيلا يقصله على دوابه قبل أن يبلغ
كان ذلك جائزًا؟
قال: ولو اشترى شيئا من الطلع حين يخرج فقطعه كان جائزًا.
(1/20)
وإذا اشتراه ولم يشترط تركه فعليه أن
يقطعه، فإذا استأذن صاحبه في تركه فأذن له في ذلك فلا بأس بذلك. وبه نأخذ.
وكان ابن أبي ليلى رحمه الله يقول: لا خير في بيع شيء من ذلك حتى يبلغ. ولا
بأس إذا اشترى شيئا من ذلك قد بلغ أن يشترط على البائع تركه إلى أجل. وكان
أبو حنيفة رضي الله عنه يقول: لا خير في هذا الشرط.
قال: وإذا اشترى الرجل أرضا فيها نخل فيها حمل فلم يذكر النخل ولا الحمل،
فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: النخل للمشتري تبعًا للأرض والثمرة
للبائع إلا أن يشترط المشترى. بلغنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
أنه قال: ((من اشترى نخلا مؤبرًا فثمرته للبائع إلا أن يستثنيه المشتري)).
وبه نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: الثمرة للمشتري.
قال: وإذا اشترى الرجل مائة ذراع مكسرة من دار غير مقسومة أو عشرة أجربة من
أرض غير مقسومة، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان
(1/21)
يقول في ذلك كله: البيع باطل، ولا يجوز
لأنه لا يعلم ما اشترى كم هو من الدار، وكم هو من الأرض، وأين موضعه من
الدار والأرض؟. وكان ابن أبي ليلى رحمه الله يقول: هو جائز في البيع. وبه
نأخذ، وإن كانت الدار لا تكون مائة ذراع، فالمشتري بالخيار إن شاء ردها،
وإن شاء رجع بما نقصت الدار على البائع في قول ابن أبي ليلى.
قال: وإن كانت الآجام محظورة وقد حظر فيها سمك فاشتراه رجل
(1/22)
فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: لا
يجوز ذلك. بلغنا عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: لا تشتروا السمك في
الماء فإنه غرر. وكذلك بلغنا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وإبراهيم
النخعي. وبه نأخذ. وكان ابن ابي ليلى يقول في هذا: شراؤه جائز لا بأس به.
وكذلك بلغنا عن عمر ابن عبد العزيز.
قال: وإذا حبس الرجل في الدين وفلسه القاضي فباع في السجن واشترى وأعتق أو
تصدق بصدقة أو وهب هبة، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: هذا كله
جائز، ولا يباع شيء من ماله في الدين، وليس بعد
(1/23)
التفليس شيء، ألا ترى أن الرجل قد يفلس
اليوم ويصيب غدًا مالا؟ وكان ابن أبي ليلى رحمه الله يقول: لا يجوز بيعه
ولاش راؤه ولا عتقه ولا هبته ولا صدقته بعد التفليس، فيبيع ماله ويقضيه
الغرماء. وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى مثل قول ابن أبي ليلى ما خلا
العتاقة في الحجر، وليس من قبيل التفليس ولا نجيز شيئا سوى العتاقة من ذلك
أبدًا حتى يقضى دينه.
قال: وإذا أعطى الرجل الرجل متاعا يبيعه ولم يسم بالنقد ولا بالنسيئة فباعه
بالنسيئة، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: هو جائز. وبه نأخذ. وكان
ابن أبي ليلى يقل: البيع جائز والمأمور ضامن لقيمة المتاع حتى يدفعه لرب
المتاع، فإذا خرج الثمن من عند المشترى وفيه فضل عن القيمة، فإنه يرد ذلك
الفضل على رب المتاع، وإن كان أقل من القيمة لم يضمن غير القيمة الماضية،
ولم يرجع البائع على رب المتاع بشيء، والله تعالى أعلم.
قال: وإذا اختلف البيعان فقال البائع: بعتك وأنا بالخيار، وقال المشتري:
بعتني ولم يكن لك خيار، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: القول قول
البائع مع يمينه. وكان ابن أبي ليلى رحمه الله يقول: القول قول المشتري.
وبه نأخذ.
(1/24)
قال: وإذا باع الرجل جارية بجارية وقبض كل
واحد منهما ثم وجد أحدهما بالجارية التي قبض عيبا، فإن أبا حنيفة رضي الله
عنه كان يقول: يردها ويأخذ جاريته لأن البيع قد انتقض، وبه نأخذ، وكان ابن
أبي ليلى رحمه الله يقول: يردها ويأخذ قيمتها صحيحة، وكذلك قولهما في جميع
الرقيق والحيوان والعروض.
قال: وإذا اشترى الرجل بيعًا لغيره بأمره فوجد به عيبا، فإن أبا حنيفة رضي
الله عنه كان يقول: يخاصم المشتري ولا نبالي أحضر الأمر أم لا، ولا نكلف
المشتري أن يحضر المر، ولا نرى على المشتري يمينًا إن قال البائع [إن]
الآمر قد رضى بالعيب، وبه نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: لا يستطيع المشتري
أن يرد السلعة التي بها العيب حتى يحضر الآمر فيحلف ما رضي بالعيب، ولو كان
غائبا بغير ذلك البلد. وكذلك الرجل معه مال مضاربة أتى بلادًا يتجر فيها
بذلك المال، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: ما اشترى من ذلك فوجد به
عيبا فله أن يرده ولا يستحلف على رضا الآمر بالعيب، وكان ابن أبي ليلى رحمه
الله يقول: لا يستطيع المشتري المضارب أن يرد شيئا من ذلك حتى يحضر رب
المال
(1/25)
فيحلف بالله ما رضي بالعيب وإن لم ير
المتاع وإن كان غائبًا، أرأيت رجلا أمر رجلا فباع له متاعا أو سلعة فوجد
المشتري به عيبا أيخاصم البائع في ذلك أو نكلفه أن يحضر الآمر رب المتاع؟
ألا ترى أن خصمه في هذا البائع ولا نكلفه أن يحضر الآمر ولا خصومة بينه
وبينه، فكذلك إذا أمره فاشترى له فهو مثل أمره بالبيع، أرأيت لو اشترى
متاعا ولم يره أكان للمشترى الخيار إذا رآه أم لا يكون له خيار حتى يحضر
الآمر؟ أرأيت لو اشتر عبدًا فوجده أعمى قبل أن يقبضه فقال: لا حاجة لي فيه،
أما كان له أن يرده بهذا حتى يحضر الآمر؟ بلى له أن يرده ولا يحضر الآمر.
قال: وإذا باع الرجل ثوبا مرابحة على شيء مسمى فباع المشتري الثوب ثم وجد
البائع قد خانه في المرابحة وزاد عليه في المرابحة، فإن أبا حنيفة رضي الله
عنه كان يقول: البيع جائز لأنه قد باع الثوب، ولو كان عنده الثوب كان له أن
يرده ويأخذ ما نقد إن شاء ولا يحطه شيئا. وكان ابن أبي ليلى يقول: تحط عنه
تلك الخيانة وحصتها من الربح. وبه نأخذ.
قال: وإذا اشترى الرجل للرجل سلعة فظهر فيها عيب قبل أن ينقد الثمن، فإن
أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: له أن يردها إن أقام البينة
(1/26)
على العيب، وبه نأخذ. وكان ابن أبي ليلى
رحمه الله يقول: لا أقبل شهودًا على العيب حتى ينقد الثمن.
قال: وإذا باع الرجل على ابنه وهو كبير دارًا أو متاعا من غير حاجة ولا
عذر، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: لا يجوز ذلك على ابنه. وبه
نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: بيعه عليه جائز.
قال: وإذا باع الرجل متاعا لرجل والرجل حاضر ساكت، فإن أبا حنيفة رضي الله
عنه كان يقول: لا يجوز ذلك عليه، وليس سكوته إقرارًا بالبيع، وبه نأخذ.
وكان ابن أبي ليلى يقول: سكوته إقرار بالبيع.
قال: وإذا باع الرجل نصيبًا من داره ولم يسم ثلثًا أو ربعًا أو نحو ذلك أو
كذا وكذا سهما، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: لا يجوز البيع على
هذا الوجه. وقال أبو يوسف رحمه الله: له الخيار إذا علم إن شاء أخذو إن شاء
ترك. وكان ابن أبي ليلى رحمه الله يقول: إذا كانت الدار
(1/27)
بين اثنين أو ثلاثة أجزت بيع النصيب وإن لم
يسم، وإن كانت أسهما كثيرة لم يجز حتى يسمى.
قال: وإذا ختم الرجل على شراء. فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: ليس
ذلك بتسليم للبيع حتى يقول: سلمت. وبه نأخذ، وكان ابن أبي ليلى رحمه الله
يقول: ذلك تسليم للبيع.
قال: وإذا بيع الرقيق والمتاع في عسكر الخوارج وهو متاع من متاع المسلمين
أو رقيق من رقيقهم قد غلبوهم عليه، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول:
لا يجوز ويرد على أهله وبه نأخذ، وكان ابن أبي ليلى رحمه الله يقول: هو
جائز. وإن كان المتاع قائما بعينه والرقيق قائما بعينه وقتل الخوارج قبل أن
يبيعوه رد على أهله في قولهم جميعًا.
قال: وإذا باع الرجل المسلم الدابة من النصراني فادعاها نصراني آخر وأقام
عليها بينة من النصارى، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: لا تجوز
شهادتهم، من قبل أن يرجع بذلك على المسلم وكان ابن أبي ليلى رحمه الله
يقول: شهادتهم جائزة على النصراني ولا يرجع على المسلم بشيء. وبه نأخذ.
(1/28)
قال: وإذا باع الرجل بيعًا من بعض ورثته
وهو مريض، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: لا يجوز بيعه ذلك إذا مات
من مرضه. وكان ابن أبي ليلى يقول: بيعه جائز بالقيمة. وبه نأخذ.
قال: وإذا استهلك الرجل مالا لولده وولده كبير والرجل غنى، فإن أبا حنيفة
رضي الله عنه كان يقول: هو دين على الأب، وبه نأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول:
لا يكون له دين على ابيه، وما استهلك أبوه من شيء لابنه فلا ضمان عليه فيه.
قال: وإذا اشترى رجل جارية بعبد وزاد معها مائة درهم ثم وجد بالعبد عيبًا
وقد ماتت الجارية عند المشترى، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: يرد
العبد ويأخذ منه مائة درهم وقيمة الجارية صحيحة، فإن كانت الجارية هي التي
وجد بها العيب وقد مات العبد، ردت الجارية وقسم قيمة العبد على المائة
الدرهم وعلى قيمة الجارية فيكون له ما أصاب المائة الدرهم ويرد ما أصاب
قيمة الجارية من قيمة العبد. وبه نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول في هذا: إن
وجد بالعبد عيبا رده وأخذ قيمته صحيحًا. وكذلك الدراهم التي هي في يديه.
قال: وإذا اشترى الرجل ثوبين من رجل وقبضهما فهلك أحدهما ووجد بالثوب الآخر
عيبًا فأراد رده فاختلفا في قيمة الهالك، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان
يقول: القول قول البائع مع يمينه. وبه نأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول: القول
قول المشترى.
(1/29)
باب المضاربة
قال أبو يوسف رضي الله عنه: وإذا أعطى الرجل الرجل ثوبًا يبيعه على أن ما
كان فيه من ربح فبينهما نصفان، أو أعطاه دارًا يبنيها ويؤاجرها على أن
أجرتها بينهما نصفان، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول في ذلك كله:
فاسد، وللذي باع أجر مثله على رب الثوب ولباني الدار أجر مثله على رب
الدار. وبه نأخذ. وكان ابن ابي ليلى يقول: هو جائز والأجر والربح بينهما
نصفان. وكان ابن أبي ليلى يجعل هذا بمنزلة الأرض للزراعة والنخل للعاملة.
قال: وإذا كان مع الرجل مال مضاربة فادانه ولم يأمره بذلك زب المال ولم
ينه، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: لا ضمان على المضارب، وما ادان
من ذلك فهو جائز. وبه نأخذ، وكان ابن أبي ليلى رحمه الله يقول: المضارب
ضامن إلا أن يأتي بالبينة أن رب المال أذن له في النسيئة، ولو أقرضه قرضًا
ضمن في قولهما جميعًا، لأن القرض ليس من المضاربة. حدثا أبو حنيفة عن حميد
بن عبد الله بن عبيد الأنصاري. عن أبيه عن جده أن عمر بن الخطاب رضي الله
عنه
(1/30)
أعطى مال يتيم مضاربة فكان يعمل به في
العراق ولا يدري كيف قاطعه على الربح. حدثنا أبو حنيفة عن عبد الله بن علي
عن العلاء بن عبد الرحمن
(1/31)
ابن يعقوب عن أبيه أن عثمان بن عفان رضي
الله عنه أعطى مالا مقارضة يعني مضاربة وحدثنا أبو حنيفة عن حماد عن
إبراهيم أن
(1/32)
عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أعطى زيد
بن خليدة مالا مقارضة.
باب السلم
قال أبو يوسف: وإذا كان لرجل على رجل طعام أسلم إليه فيه فأخذ بعض
طعامهوبعض رأس ماله، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: هو جائز. بلغنا
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ذلك المعروف الحسن الجميل.
وبه نأخذ. وكان ابن ابي ليلى يقول: إذا أخذ بعض رأس ماله فقد فسد السلم
ويأخذ رأس ماله كله.
(1/33)
قال: وإذا أسلم الرجل في اللحم، فإن أبا
حنيفة رضي الله عنه كان يقول: لا خير فيه لأنه غير معروف. وبه نأخذ. وكان
ابن ابي ليلى يقول: لا بأس به. ثم رجع أبو يوسف إلى قول ابن أبي ليلى وقال:
إذا بين مواضع اللحم فقال: أفخاذ وجنوب ونحو هذا، فهو جائز.
(1/34)
باب الشفعة
قال أبو يوسف رضي الله عنه: إذا تزوجت امرأة على شقص من دار، فإن أبا حنيفة
رضي الله عنه كان يقول: لا شفعة في ذلك لأحد. وبه نأخذ. وكان ابن أبي ليلى
يقول: للشفيع الشفعة بالقيمة وتأخذ المرأة قيمة ذلك منه. وقال أبو حنيفة
رضي الله عنه: كيف يكون ذلك وليس هذا شراء يكون فيه شفعة إنما هذا نكاح؟
أرأيت لو طلقها قبل أن يدخل بها كم للشفيع منها، وبم يأخذ بالقيمة أو
بالمهر؟ وكذلك إذا اختلعت بشقص من دار في قولهما جميعًا.
(1/35)
قال أبو يوسف: وإذا اشترى الرجل دارًا وبنى
فيها بناء ثم جاء الشفيع يطلبها بالشفعة، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان
يقول: يأخذ الشفيع الدار ويأخذ صاحب البناء النقض. وبه نأخذ. وكان ابن أبي
ليلى يجعل الدار والبناء للشفيع ويجعل عليه قيمة البناء وثمن الدار الذي
اشتراها به صاحب البناء وإلا فلا شفعة له.
قال: وإذا اشترى الرجل أرضا أو دارًا، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان
يقول: لصاحب الشفعة الشفعة حين علم، فإن طلب الشفعة وإلا فلا شفعة له. وبه
نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: هو بالخيار ثلاثة أيام بعد علمه.
(1/36)
قال: وإذا أخذ الرجل الدار بالشفعة من
المشترى ونقده الثمن، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: العهدة على
المشترى الذي أخذ المال. وبه نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: العهدة على
البائع لأن الشفعة وقعت يوم اشترى المشترى للشفيع.
قال: وإذا كانت الشفعة لليتيم، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: له
الشفعة. فإن كان له وصى أخذها بالشفعة، وإن لم يكن له وصى كان على شفعته
إذا أدرك، فإن لم يطلب الوصي الشفعة بعد علمه فليس لليتيم شفعة إذا أدرك.
وكذلك الغلام إذا كان أبوه حيًا، وبه نأخذ. وكان ابن ابي ليلى يقول: لا
شفعة للصغير.
وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: الشفعة للشريك الذي لم يقاسم، وهي بعده
للشريك الذي قاسم والطريق واحدة بينهما وهي بعده للجار الملاصق. وإذا اجتمع
الجيران وكان التصاقهم سواء، فهم شركاء في الشفعة. وكان ابن أبي ليلى يقول
بقول أبي حنيفة حتى كتب أبو العباس أمير
(1/37)
المؤمنين يأمره أن لا يقضى بالشفعة إلا
للشريك الذي لم يقاسم، فأخذ بذلك وكان لا يقضى إلا للشريك الذي لم يقاسم.
وهذا قول أهل الحجاز. وكذلك بلغنا عن على وابن عباس رضي الله عنهم.
قال: وإذا اشترى الرجل الدار وسمى أكثر مما أخذها به فسلم ذلك الشفيع ثم
علم بعد ذلك أنه أخذها بدون ذلك، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: هو
على شفعته، لأنه إنما سلم بأكثر من الثمن. وبه نأخذ.
وكان ابن أبي ليلى رحمه الله تعالى يقول: لا شفعة له لأنه قد سلم ورضى.
أخبرنا الحسن بن عمارة عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس
(1/38)
رضي الله عنهما وعن الحكم عن يحيى عن علي
رضي الله عنه أنهما قالا: لا شفعة إلا لشريك لم يقاسم. أخبرنا الحجاج بن
أرطاة عن عمرو ابن شعيب عن عمرو بن الشريد عن أبيه قال: قال رسول الله -
صلى الله عليه وسلم -
(1/39)
((الجار أحق بسقبه ما كان)) أخبرنا أبو
حنيفة عن أبي أمية عن المسور بن مخرمة أو عن سعد بن مالك رضي الله عنهم
قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الجار أحق بسقيه)).
(1/40)
باب المزارعة
قال أبو يوسف رضي الله عنه: وإذا أعطي الرجل الرجل أرضًا مزارعة بالنصف أو
الثلث أو الربع أو أعطي نخلا أو شجر المعاملة بالنصف، أو أقل من ذلك أو
أكثر، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: هذا كله باطل لأنه استأجره
بشيء مجهول. يقول: أرأيت لو لم يخرج من
(1/41)
ذلك شيء أليس كان عمله ذلك بغير أجر؟ وكان
ابن أبي ليلى رحمه الله يقول: ذلك كله جائز، بلغنا عن رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - أنه أعطي خيبر بالنصف فكانت كذلك حتى قبض، وخلافة أبي بكر رضي
الله عنه، وعامة خلافة عمر رضي الله عنه. وبه نأخذ. وإنما قياس هذا عندنا
مع الأثر، ألا تر أن الرجل يعطي الرجل مالا مضاربة بالنصف ولا بأس بذلك؟
وقد بلغنا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعن عبد الله بن مسعود وعن عثمان
بن عفان رضي الله عنهما أنهم أعطوا مالا مضاربة. وبلغنا عن سعد بن أبي
وقاص، وعن ابن مسعود رضي الله عنهما أنهما كانا يعطيان أرضهما بالربع
والثلث.
(1/42)
باب الدعوى والصلح
قال أبو يوسف رضي الله عنه: وإذا ادعى الرجل الدعوى قبل رجل في دار أو دين
أو غير ذلك فأنكر ذلك للمدعى عليه الدعوى ثم صالحه من الدعوى وهو منكر
لذلك، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول في هذا جائز. وبه نأخذ. وكان
ابن أبي ليلى لا يجيز الصلح على الإنكار، وكان أبو حنيفة يقول: كيف لا يجوز
هذا وأجوز ما يكون الصلح على الإنكار؟ وإذا وقع الإقرار لم يقع الصلح.
قال: وإذا صالح الرجل الطالب عن المطلوب والمطلوب متغيب، فإن أبا حنيفة رضي
الله عنه كان يقول: الصلح جائز. وبه نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: الصلح
مردود لأن المطلوب متغيب عن الطالب. وكذلك لو أخر عنه دينا عليه وهو متغيب
كان قولهما جميعا على ما وصفت لك.
قال: وإذا صالح الرجل الرجل أو باع بيعًا أو أقر يدين فأقام البينة أن
الطالب أكرهه على ذلك، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: ذلك كله جائز
ولا أقبل منه بينة أنه أكرهه. وبه نأخذ وكان ابن أبي ليلى
(1/43)
يقول: أقبل البينة على الإكراه وأرد ذلك
عليه. وقال أبو يوسف: إذا كان الإكراه في موضع أبطل فيه الدم قبلت البينة
على الإكراه. وتفسير ذلك أن رجلا لو شهر على رجل سيفًا فقال: لتقرن أو
لأقتلنك فقال: أقبل منه البينة على الإكراه وأبطل عنه ذلك الإقرار.
قال: وإذا اختصم الرجلان إلى القاضي فأقر أحدهما بحق صاحبه بعد ما قاما من
عند القاضي وقامت عليه بذلك بينة وهو يجحد ذلك، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه
كان يقول: ذلك جائز. وبه نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: لا إقرار لمن خاصم
إلا عندي، ولا صلح لهما إلا عندي.
قال: وإذا اصطلح الرجلان على حكم يحكم بينهما فقضى بينهما بقضاء مخالف لرأي
القاضي فارتفعا إلى ذلك القاضي، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول:
ينبغي لذلك القاضي أن يبطل حكمه ويستقبل الحكم بينهما. وبه نأخذ. وكان ابن
أبي ليلى يقول: حكمه عليهما جائز.
(1/44)
باب الصدقة والهبة
قال أبو يوسف رضي الله عنه: وإذا وهبت المرأة لزوجها هبة أو تصدقت أو تركت
له من مهرها ثم قالت: أكرهني وجاءت على ذلك ببينة، فإن أبا حنيفة رضي الله
عنه كان يقول: لا أقبل بينتها وأمضى عليها ما فعلت من ذلك. وكان ابن أبي
ليلى رحمه الله يقول: أقبل بينتها على ذلك وأبطل ما صنعت.
قال: وإذا وهب الرجل هبة وقبضها الموهوب له وهي دار فبناها بناء وأعظم
النفقة، أو كانت جارية صغيرة فأصلحها أو صنعها حتى شبت وأدركت، فإن أبا
حنيفة رضي الله عنه كان يقول: لا يرجع الواهب في شيء من ذلك ولا في كل هبة
زادت عند صاحبها خيرا، ألا ترى أنه قد حدث فيها في ملك الموهبة له شيء لم
يكن في ملك الواهب؟ أرأيت إن ولدت الجارية ولدا
(1/45)
كان للواهب أن يرجع فيه ولم يهبه له ولم
يملكه قط؟ وبهذا نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: له أن يرجع في ذلك كله وفي
الولد.
قال: وإذا وهب الرجل جارية لابنه، وابنه كبير وهو في عياله، فإن أبا حنيفة
رضي الله عنه كان يقول: لا تجوز إلا أن يقبض. وبه نأخذ.
وكان ابن ابي ليلى يقول: إذا كان الولد في عيال أبيه وإن كان قد أدرك فهذه
الهبة جائزة. وكذلك الرجل إذا وهب لامرأته.
قال: وإذا وهب الرجل دارًا لرجلين أو متاعا وذلك المتاع مما يقسم فقبضاه
جميعًا، فإن ابا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: لا تجوز تلك الهبة إلا أن
يقسم لك لواحد منهما منها حصته. وكان ابن أبي ليلى يقول: الهبة جائزة. وبه
نأخذ. وإذا وهب اثنان لواحد وقبض فهو جائز. وقال أبو يوسف: هما سواء.
(1/46)
قال: وإذا كانت الدار لرجلين فوهب أحدهما
حصته لصاحبه ولم يقسمه له، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: الهبة في
هذا باطلة ولا تجوز، وبه نأخذ. ومن حجته في ذلك أنه قال: لا تجوز الهبة إلا
مقسومة معلومة مقبوضة. بلغنا عن أبي بكر رضي الله عنه أنه نحل عائشة أم
المؤمنين رضي الله عنها جذاذ عشرين وسقا من نخل له بالعالية فلما حضره
الموت قال لعائشة: إنك لم تكونى قبضته وإنما هو مال الوارث
(1/47)
فصار بين الورثة لأنها لم تكن قبضته. وكان
إبراهيم يقول: لا تجوز الهبة إلا مقبوضة. وبه نأخذ. وكان ابن أبي ليلى
يقول: إذا كانت الدار بين رجلين فوهب أحدهما لصاحبه نصيبه فهذا قبض منه
للهبة، وهذه معلومة وهذه جائزة. وإذا وهب الرجلان دارًا لرجل فقبضها فهو
جائز في قول أبي حنيفة رضي الله عنه، ولا يفسد الهبة أنها كانت لاثنين. وبه
نأخذ.
قال: وإذا وهب الرجل للرجل الهبة وقبضها دارًا أو أرضا ثم عوضه بعد ذلك
منها عوضًا وقبض الواهب، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: ذلك جائز
ولا يكون فيه شفعة. وبه نأخذ. وليس هذا بمنزلة الشراء. وكان ابن ابي ليلى
يقول: هذا بمنزلة الشراء ويأخذ الشفيع بالشفعة بقيمة العوض. ولا يستطيع
الواهب أن يرجع في الهبة بعد العوض في قولهما جميعًا.
قال: وإذا وهب الرجل للرجل هبة في مرضه فلم يقبضها الموهبة له حتى مات
الواهب، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: الهبة في هذا باطلة لا تجوز.
وبه نأخذ. قال: ولا تكون له وصية إلا أن يكون ذلك
(1/48)
في ذكر وصيته. وكان ابن أبي ليلى يقول: هي
جائزة من الثلث. حدثنا الحجاج بن أرطاة عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس
رضي الله عنهما قال: ((لا تجوز الصدقة إلا مقبوضة)) حدثنا الأعمش عن
إبراهيم
(1/49)
قال: ((الصدقة إذا علمت جازت، والهبة لا
تجوز إلا مقبوضة)). وكان أبو حنيفة رضي الله عنه يأخذ بقول ابن عباس رضي
الله عنهما في الصدقة. وهو قول أبي يوسف رضي الله عنه.
باب في الوديعة
قال أبو يوسف رضي الله عنه: وإذا استودع الرجل رجلا وديعة فقال المستودع:
أمرتني أن أدفعها إلى فلان فدفعتها إليه، [وقال رب الوديعة: كذبت لم آمرك]
قال أبو حنيفة رضي الله عنه: فالقول قول رب
(1/50)
الوديعة، والمستودع ضامن. وبهذا نأخذ. وكان
ابن أبي ليلى يقول: القول قول المستودع ولا ضمان عليه وعليه اليمين.
قال: وإذا استودع الرجل الرجل وديعة فجاء آخر يدعيها معه، فقال المستودع:
لا أدري أيكما استودعني هذه الوديعة؟ وأبى أن يحلف لهما وليس لواحد منهما
بينة، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: يعطيهما تلك الوديعة بينهما
نصفين ويضمن لهما أخرى مثلها بينهما، لأنه أتلف ما استودع بجهالته ألا ترى
أنه لو قال: هذا استودعنيها ثم قال أخطأت بل هو هذا كان عليه أن يدفع
الوديعة إلى الذي أقر له بها أولا ويضمن للآخر مثل ذلك؟ لأن قوله أتلفه،
وكذلك الأول إنما أتلفه هو بجهله. وبهذا نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول في
الأول: ليس عليه شيء والوديعة والمضاربة بينهما نصفان.
قال: وإذا استودع الرجل وديعة فاستودعها المستودع غيره [في غير عياله] فإن
أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: هو ضامن لأنه خالف. وبهذا نأخذ، وكان ابن
ابي ليلى يقول: لا ضمان عليه.
(1/51)
قال: وإذا مات الرجل وعليه دين معروف وقبله
وديعة بغير عينها، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: جميع ما ترك بين
الغرماء وصاحب الوديعة بالحصص. وبهذا نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: هو
للغرماء وليس لصاحب الوديعة شيء لأن الوديعة شيء مجهول ليس بشيء بعينه.
وقال أبو حنيفة: فإن كانت الوديعة بعينها فهي لصاحب الوديعة إذا علم ذلك،
وكذلك قال ابن أبي ليلى. حدثنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه قال في
الرجل يموت وعنده الوديعة وعليه دين: إنهم يتحاصون الغرماء وأصحاب الوديعة.
حدثنا الحجاج بن أرطاة عن أبي جعفر، وعطاء مثل ذلك. حدثنا الحجاج عن الحكم
عن إبراهيم مثله.
(1/52)
باب في الرهن
قال أبو يوسف: ولو ارتهن الرجل رهنا فوضعه على يدى عدل برضا صاحبه فهلك من
عند العدل وقيمته والدين سواء، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: الرهن
بما فيه وقد بطل الدين. وبه نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: الدين على
الراهن كما هو والرهن من ماله لأنه لم يكن في يدي المرتهن إنما كان موضعا
على يدي غيره.
قال: وإذا مات الراهن وعليه دين والرهن على يدى عدل، فإن أبا حنيفة رضي
الله عنه كان يقول: المرتهن أحق بهذا الرهن من الغرماء. وبه نأخذ. وكان ابن
أبي ليلى يقول: الرهن بين الغرماء والمرتهن بالحصص على قدر أموالهم. وإذ
كان الرهن في يدى المرتهن فهو أحق به من الغرماء وقولهما جميعًا فيه واحد.
قال: وإذا رهن الرجل الرجل دارًا ثم استحق منها شقص وقد قبضها المرتهن، فإن
أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: الرهن باطل لا يجوز. وبهذا نأخذ حفظى عنه
في كل رهن فاسد وقع فاسدًا فصاحب المال أحق به حتى يستوفى ماله يباع لديه.
وكان ابن ابي ليلى يقول: ما بقى من الدار فهو
(1/53)
رهن بالحق. وقال أبو حنيفة رضي الله عنه:
وكيف يكون ذلك وإنما كان رهنه نصيبا غير مقسوم؟
قال: وإذا وضع الرجل الرهن على يدى عدل وسلطه على بيعه عند محل الأجل ثم
مات الراهن، فإن أبا حنفة رضي الله عنه كان يقول: للعدل أن يبيع الرهن، ولو
كان موت الراهن يبطل بيعه لأبطل الرهن وبه نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول:
ليس له أن يبيع وقد بطل الرهن وصار بين الغرماء، وللمسلط أن يبيعه في مرض
الراهن ويكون للمرتهن خاصة في قياس قوله.
قال: وإذا ارتهن الرجل دارًا ثم أجرها باذن الراهن، فإن أبا حنيفة رضي الله
عنه كان يقول: قد خرجت من الرهن حين أذن له أن يؤجرها وصارت بمنزلة
العارية. وبه نأخذ وكان ابن أبي ليلى رحمه الله يقول: هي رهن على حالها
والغلة للمرتهن قضاء من حقه.
باب الحوالة والكفالة في الدين
قال أبو يوسف رضي الله عنه: وإذا كان لرجل على رجل دين فكفل له به عنه رجل،
فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: للطالب أن يأخذ أيهما شاء، فإن كانت
حوالة لم يكن له أن يأخذ الذي أحاله لأنه قد أبرأه. وبهذا نأخذ. وكان ابن
أبي ليلى يقول: ليس له أن يأخذ الذي عليه الأصل فيهما جميعًا لأنه حيث قبل
منه الكفيل فقد أبرأه من المال
(1/54)
إلا أن يكون المال قد توى قبل الكفيل فيرجع
به على الذي عليه الأصل، وإن كان كل واحد منهما كفيلا عن صاحبه كان له أن
يأخذ أيهما شاء في قولهما جميعا.
قال: وإذا أخذ الرجل من الرجل كفيلا بنفسه ثم أخذ منه بعد ذلك آخر بنفسه،
فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: هما كفيلان جميعا، وبه نأخذ. وكان
ابن أبي ليلى يقول: قد برئ الكفيل الأول حين أخذ الكفيل الآخر.
قال: وإذا كفل الرجل للرجل بدين غير مسمى، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان
يقول: هو له ضامن. وبهذا نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: لا يجوز عليه
الضمان في ذلك لأنه ضمن شيئا مجهولا غير مسمى، وهو أن يقول الرجل للرجل:
أضمن ما قضى لك به القاضي عليه من شيء وما كان لك عليه من حق وما شهد لك به
الشهود، وما أشبه هذا، فهو مجهول.
(1/55)
قال: وإذا ضمن الرجل دين ميت بعد موته
وسماه ولم يترك الميت وفاء ولا شيئا ولا قليلا ولا كثيرا، فإن أبا حنيفة
رضي الله عنه كان يقول: لا ضمان على الكفيل لأن الدين قد توى. وكان ابن أبي
ليلى يقول: الكفيل ضامن. وبه نأخذ. وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: إن ترك
شيئا ضمن الكفيل بقدر ما ترك، وإن كان ترك وفاء فهو ضامن لجميع ما تكفل به.
قال: وإذا كفل العبد المأذون له في التجارة، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه
كان يقول: كفالته باطلة لأنها معروف وليس يجوز له المعروف، وبه نأخذ. وكان
ابن أبي ليلى يقول: كفالته جائزة لأنها من التجارة وإذا أفلس المحتال عليه،
فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: لا يرجع على الذي أحاله حتى يموت
المحتال عليه ولا يترك مالا. وكان ابن أبي ليلى
(1/56)
رحمه الله يقول: له أن يرجع إذا أفلس.
وبهذا نأخذ.
قال: وإذا وكل الرجل رجلا في شيء فأراد الوكيل أن يوكل بذلك غيره، فإن أبا
حنيفة رضي الله عنه كان يقول: ليس له ذلك إلا أن يكون صاحبه أمره أن يوكل
بذلك غيره، وبه نأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول: له أن يوكل غيره إذا أراد أن
يغيب أو مرض، فأما إذا كان صحيحا حاضرًا فلا. قال أبو حنيفة: وكيف يكون له
أن يوكل غيره ولم يرض صاحبه بخصومه غيره وإنما رضى بخصومه؟!
(1/57)
قال: وإذا وكل رجل رجلا بخصومه وأثبت
الوكالة عند القاضي ثم أقر على صاحبه الذي وكله أن تلك الخصومة حق لصاحبه
الذي يخاصمه أقر به عند القاضي، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول:
إقراره جائز. قال محمد: وبه نأخذ. وإن أقر عند غير القاضي وشهد عليه
الشهود، فإقراره باطل ويخرج من الخصومة. وقال أبو يوسف: إقراره عند القاضي
وعند غيره جائز عليه. وكان ابن أبي ليلى يقول: إقراره باطل.
قال: وإذا وكل رجل رجلا في قصاص أوحد، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان
يقول: لا تقبل في ذلك وكالة. وبه نأخذ. وروى أبو يوسف أن أبا حنيفة قال:
أقبل من الوكيل البينة في الدعوى في الحد والقصاص ولا أقيم الحد ولا القصاص
حتى يحضر المدعى. وقال أبو يوسف: لا أقبل البينة إلا من المدعى ولا أقبل في
ذلك وكيلا. وكان ابن أبي ليلى يقول: تقبل في ذلك الوكالة.
قال: وإذا كانت في يدى رجل دار فادعاها رجل فقال الذي هي في يديه وكلني بها
فلان لرجل غائب أقوم له عليها، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: لا
أصدقه إلا أن يأتي على ذلك ببينة وأجعله خصما. وبه نأخذ
(1/58)
وقال أبو يوسف رحمه الله بعد: إن كان متهما
أيضا لم أقبل منه بينة وجعلته خصما إلا أن يأتي بشهود أعرفهم. وكان ابن أبي
ليلى يقول: أقبل منه وأصدقه ولا نجعل بينهما خصومة. وكان ابن أبي ليلى بعد
ذلك يقول: إذا اتهمته سألته البينة على الوكالة فإن لم يقم البينة جعلته
خصما.
قال: وإذا كان للرجل على الرجل مال فجاء رجل فقال: قد وكلني بقبضه منك
فلان، فقال الذي عليه المال: صدقت، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول:
أجبره على أن يعطيه إياه، وبه نأخذ، وكان ابن أبي ليلى
(1/59)
يقول: لا أجبره على ذلك إلا أن يقيم بينة
عليه وأقول: أنت أعلم فإن شئت فأعطه وإن شئت فاتركه.
قال: وإذا وكل الرجل رجلا في شيء، فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان
يقول: لا تثبت وكالته إلا أن يأتي معه بخصم. وبه نأخذ. وكان ابن أبي ليلى
يقول: نقبل بينته على الوكالة ونثبتها له وليسمعه خصم. وقد كان أبو يوسف
رحمه الله إذا جاءه رجل قد عرفه يريد أن يغيب فقال: هذا وكيلي في كل حق لي
يخاصم فيه، قبل ذلك وأثبت وكالته، وإذا تغيب الخصم وكل له وكيلا وقضى عليه.
قال: وإذا وكل رجل رجلا بكل قليل وكثير، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان
يقول: لا يجوز بيعه لأنه لم يوكله بالبيع إلا أن يقول: ما صنعت من شيء فهو
جائز. وبه نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: إذا وكله في كل قليل وكثير فباع
دارًا أو غير ذلك كان جائز.
(1/60)
قال: وإذا وكلت المرأة وكيلا بالخصومة وهي
حاضرة، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: لا أقبل إلا أن يرضى الخصم.
وكان ابن أبي ليلى يقول: نقبل ذلك ونجيزه. وبه نأخذ.
باب في الدين
قال أبو يوسف رضي الله عنه: وإذا كان على الرجل دين وكان عنده وديعة غير
معلومة بعينها، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: ما ترك الرجل فهو بين
الغرماء وأصحاب الوديعة بالحصص، وبه نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقل: ليس
لصاحب الوديعة شيء إلا أن يعرف وديعته
(1/61)
بعينها، فتكون له خاصة. وقال أبو حنيفة رضي
الله عنه: هي دين في ماله ما لم يقل قبل الموت: قد هلكت. ألا ترى أنه لم
يعلم لها سبيل ذهبت فيه؟ وكذلك كل مال أصله أمانة. وبه نأخذ.
قال: وإذا أقر الرجل في مرضه الذي مات فيه بدين وعليه دين بشهود في صحته
وليس له وفاء، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: يبدأ بالدين المعروف
الذي في صحته، فإن فضل عنهم شيء كان للذين أقر لهم في المرض بالحصص، ألا
ترى أنه حين مرض أنه ليس يملك من ماله شيئًا، ولا تجوز وصيته فيه لما عليه
من الدين؟ فكذلك إقراره له. وبه نأخذ. وكان ابن أبي ليلى رحمه الله يقول:
هو مدق فيما أقر به، والذي أقر له في الصحة والمرض سواء.
قال: وإذا استدانت امرأة وزوجها غائب، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان
يقول: أفرض لها على زوجها نفقة مثلها في غيبته. ثم رجع عن ذلك فقال: لا شيء
لها وهي متطوعة فيما أنفقت والدين عليها خاصة. وكان
(1/62)
ابن أبي ليلى لا يفرض لها نفقة إلا فيما
يستقبل. وكذلك بلغنا عن شريح وبهذا نأخذ.
قال: وإذا كان لرجل على رجل مال وله عليه مثله، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه
كان يقول: هو قصاص. وبه نأخذ، وكان ابن ابي ليلى يقول: لا يكون قصاصًا إلا
أن يتراضيا به. فإن كان لأحدهما على صاحبه مال مخالف لذلك لم يكن ذلك
قصاصًا في قولهما جميعًا
(1/63)
قال: وإذا أقر وارث بدين وفي نصيبه وفاء
بذلك الدين، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: يستوفى الغريم من ذلك
الوارث المقر جميع ماله من نصيبه، لأنه لا ميراث له حتى يقضي الدين. وبه
نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: إنما يدخل عليه من الدين بقدر نصيبه من
الميراث، فإن كان هو وأخ له دخل عليه النصف، وإن كانوا ثلاثة دخل عليه
الثلث، والشاهد عنده منهم وحده بمنزلة المقر، وإن كانا اثنين جازت شهادتهما
في جميع الميراث في قولهما جميعًا إذا كانا عدلين، فإن لم يكونا عدلين كان
ذلك في أنصابهما على ما فسرنا من قول أبي حنيفة وابن أبي ليلى.
قال: وإذا كتب الرجل بقرض في ذكر حق ثم أقام بينة أن أصله كان مضاربة. فإن
أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: آخذه به وإقراره على نفسه بالقرض أصدق من
دعواه. وبه نأخذ. وكان ابن ابي ليلى يقول: أبطله عنه وأجعله عليه مضاربة
وهو فيه أمين. وإذا أقام الرجل على الرجل البينة بمال في ذكر حق من شيء
جائز فأقام الذي عليه الدين البينة أنه من ربا، وأنه قد أقر أنه قد كتب ذكر
حق من شيء جائز، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: لا أقبل منه المخرج
ويلزمه المال بإقراره أنه ثمن شيء جائز. وبه نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقبل
منه البينة على ذلك ويرده إلى رأس المال.
(1/64)
قال: وإذا أقر الرجل بمال في ذكر حق من بيع
ثم قال بعد ذلك: لم أقبض المبيع ولم تشهد عليه بينة بقبضه، فإن أبا حنيفة
رضي الله عنه كان يقول: المال له لازم ولا ألتفت إلى قوله. وكان ابن ابي
ليلى يقول: لا يلزمه شيء من المال حتى يأتي الطالب بالبينة أنه قد قبض
المتاع الذي به عليه ذكر الحق. وقال أبو يوسف رحمه الله: أسأل الذي له الحق
أبعت هذا؟ فإن قال: نعم. قلت: فأقم البينة على أنك قد وفيته متاعه، فإن قال
الطالب: لم أبعه شيئًا لزمه المال.
قال: وإذا ادعى الرجل على الرجل ألف درهم وجاء عليه بالبينة فشهد أحد
شاهديه بالألف وشهد الآخر بألفين، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: لا
شهادة لهما لأنهما قد اختلفا. وكان ابن أبي ليلى يجيز من ذلك ألف درهم
ويقضى بها للطالب. وبه نأخذ. ولو شهد أحدهما بألف وشهد
(1/65)
الآخر بألف وخمسمائة كانت شهادة الألف
جائزة في قولهما جميعًا، وإنما أجاز هذا أبو حنيفة لأنه كان يقول: قد سمى
الشاهدان جميعًا ألفًا وقال الآخر خمسمائة فصارت هذه مفصولة من الألف.
قال: وإذا شهد الرجل على شهادة رجل وشهد آخر على شهادة نفسه في دين أو شراء
أو بيع، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: لا تجوز شهادة شاهد على
شهادة شاهد ولا يقبل عليه إلا شاهدان. وكذلك بلغنا عن علي بن أبي طالب رضي
الله عنه. وبه نأخذ. وكان ابن أبي ليلى
(1/66)
يقول: أقبل شهادة شاهد على شهادة شاهد.
وكذلك بلغنا عن شريح وإبراهيم.
قال: وإذا شهد الشهود على دار أنها لفلان مات وتركها ميراثا بين فلان
وفلان، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: إن شهدوا أنهم لا يعلمون له
وراثا غير هؤلاء جازت الشهادة. وبه نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: لا تجوز
شهادتهم إذا قالوا: لا نعلم له وارثًا غير هؤلاء حتى يثبتوا ذلك فيقولوا:
لا وارث له غيرهم، وإذا جاء وارث غيرهم ببينة أدخله معهم في الميراث. ولم
تبطل شهادة الأولين في قولهما.
قال: وإذا شهد الشهود على زنا قديم أو سرقة قديمة، فإن أبا حنيفة
(1/67)
رضي الله عنه كان يقول: يدرأ الحد في ذلك،
ويقضى بالمال وينظر في المهر لأنه قد وطئ فإذا لم يقم الحد بالوطء فلابد من
مهر، وكذلك بلغنا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: أيما قوم شهدوا
على حد لم يشهدوا عند حضرة ذلك فإنما شهدوا على ضغن فلا شهادة لهم. وبه
نأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول: أقبل شهادتهم وأمضى الحد. فأما السركان فإن
أتى به وهو غير سكران فلا حد عليه، وإن كان أخذ وهو سكران فلم يرتفع إلى
الوالي حتى ذهب السكر عنه إلا أنه في يدي الشرط أو عامل الوالي فإنه يحد.
قال: وإذا شهد الشهود عند القاضي بشهادة فادعى المشهود عليه أنهم شهدوا
بزور وقال: أنا أجرحهم وأقيم البينة أنهم استؤجروا وأنهم قوم فساق، فإن أبا
حنيفة رضي الله عنه كان يقول: لا أقبل الجرح على مثل هذا. وبه نأخذ. وكان
ابن ابي ليلى يقبله. فأما غير ذلك من محدود في قذف أو شريك أو عبد فهما
يقبلان في هذا الجرح جميعًا، وحفظى عن أبي يوسف أنه قال بعد: يقبل الجرح
إذا شهد من أعرفه وأثق به
(1/68)
قال: وإذا شهد الوصي للوارث الكبير على
الميت بدين أو صدقة في دار أو هبة أو شراء، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان
يقول: لا يجوز ذلك، وكان ابن ابي ليلى يقول: هو جائز، وبه نأخذ. وإذا شهد
الوصى على غير الميت للوارث الكبير بشيء له خاصة فشهادته جائزة في قولهما
جميعًا.
قال: وإذا ادعى رجل دينًا على ميت فشهد له شاهدان على حقه وشهد هو وآخر على
وصية ودين لرجل عليه، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: شهادتهم جائزة
لأن الغريم يضر نفسه بشهادته. وبه نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: لا تجوز
شهادته، وإذا شهد أصحاب الوصايا بعضهم لبعض لم تجز، لأنهم شركاء في الوصية
الثلث بينهم. وقال أبو يوسف: أصحاب الوصايا والغرماء سواء، لا تجوز شهادة
بعضهم لبعض.
قال: وإذا شهد الرجل لامرأته، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: لا
تجوز شهادته لا، وكذلك بلغنا عن شريح. وبهذا
(1/69)
نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: شهادته لها
جائزة.
قال: وإذا شهد الرجل على شهادة وهو صحيح البصر ثم عمى فذهب بصره. فإن أبا
حنيفة رضي الله عنه كان يقول: لا تجوز شهادته تلك إذا شهد بها. بلغنا عن
علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه رد شهادة أعمى شهد عنده. وكان ابن أبي
ليلى يقول: شهادته جائزة. وبه نأخذ، إذا كان شيء لا يحتاج أن يقف عليه.
قال: وإذا أقر الرجل بالزنا أربع مرات في مقام واحد عند القاضي، فإن أبا
حنيفة رضي الله عنه كان يقول: هذا عندي بمنزلة مرة واحدة ولا حد عليه في
هذا. وبه نأخذ. بلغنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن
(1/70)
ماعز بن مالك رضي الله عنه أتاه فأقر عنده
بالزنا فرده، ثم أتاه الثانية فأقر عنده فرده، ثم أتاه الثالثة فأقر عنده
فرده، ثم أتاه الرابعة فأقر عنده فسأل قومه هل تنكرون من عقله شيئا؟ قالوا:
لا، فأمر به فرجم.
وبه نأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقيم الحد إذا أقر أربع مرات في مقام واحد.
قال: وإذا اقر الرجل بالزنا عند غير قاض أربع مرات، فإن أبا حنيفة رضي الله
عنه كان لا يرى ذلك شيئا ولا يحده. وبه نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: إذا
قامت عليه الشهود بذلك أحده.
قال: وإذا رجع الرجل عن شهادته بالزنا وقد رجم صاحبه بها، فإن أبا حنيفة
رضي الله عنه كان يقول: يضرب الحد ويغرم ربع الدية، وبه نأخذ، وكان ابن أبي
ليلى يقول: أقتله، فإن رجعوا أربعتهم قتلتهم ولا
(1/71)
لغرمهم الدية، فإن رجع ثلاثة في قول أبي
حنيفة رضي الله عنه ضربوا الحد وغرم كل واحد منهم ربع الدية.
قال: وإذا شهد الشهود عند القاضي على عبد وحلوه ووصفوه وهو في بلدة أخرى
فكتب القاضي شهادتهم على ذلك، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: لا
أقبل ذلك ولا أدفع إليه العبد، لأن الحلية قد توافق الحلية وهو ينتفع
بالعبد حتى يأتي به إلى القاضي الذي كتب له، أرأيت لو كانت جارية جميلة
والرجل غير أمين أكنت أبعث بها معه؟ وكان ابن أبي ليلى يقول: يختم في عنق
العبد ويأخذ من الذي جاء بالكتاب كفيلا ثم يبعث به إلى القاضي، فإذا جاءه
العبد والكتاب الثاني دعا الشهود، فإن شهدوا أنه عبده أبرأ كفيله وقضى
بالعبد أنه له وكتب له بذلك كتابا إلى القاضي الذي أخذ منه الكفيل حتى يبرئ
كفيله. وبه نأخذ.
قال: وإذا شهد الرجل من أهل الكوفة شهادة فعدل بمكة وكتب بها قاضي مكة إلى
قاضي مصر في مصر غير مصره بالشهادة وزكى هناك وكتب بذلك إلى قاضي الكوفة
فشهد قوم من أهل الكوفة أن هذا الشاهد فاسق، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه
كان يقول: شهادتهم لا تقبل عليه أنه فساق. وبه نأخذ وكان ابن أبي ليلى رحمه
الله يقول: نرد شهادته ويقبل قولهم.
(1/72)
وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: لا ينبغي
للقاضي أن يفعل ذلك، لأنه قد غاب عن الكوفة سنين فلا يدري ما أحدث ولعله قد
تاب.
قال: وإذا شهد الشاهدان من اليهود على رجل من النصارى وشهد شاهدان من
النصارى على رجل من اليهود، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: ذلك
جائز، لأن الكفر كله ملة واحدة. وبه نأخذ. وكان
(1/73)
ابن أبي ليلى لا يجيز ذلك ويقول: لأنهما
ملتان مختلفتان. وكان أبو حنيفة يورث اليهودي من النصراني والنصراني من
اليهودي ويقول: أهل الكفر بعضهم من بعض وإن اختلفت مللهم. وبه نأخذ. وكان
ابن أبي ليلى لا يورث بعضهم من بعض.
قال: وإذا شهد الشهود عند قاضي الكوفة على عبد وحلوه ووصفوه أنه لرجل، فإن
أبا حنيفة رضي الله عنه قال: لا أكتب له. وقال ابن أبي ليلى: أكتب له
شهادتهم إلى قاضي البلد الذي فيه العبد، فيجمع القاضي الذي العبد في بلده
بين الذي جاء بالكتاب وبين الذي عنده العبد، فإن كان للذي عنده العبد حجة
وإلا بعث بالعبد مع الرجل الذي جاء بالكتاب مختوما في عنقه وأخذ منه كفيلا
بقيمته ويكتب إلى القاضي بجواب كتابه بذلك، فيجمع قاضي الكوفة بين البينة
وبين العبد حتى يشهدوا عليه بعينه ثم يرده مع الذي جاء به إلى قاضي البلد
الذي كان فيه العبد حتى يجمع بينه وبين خصمه ثم يمضي عليه القضاء ويبرأ
كفيله. وبه نأخذ. قال أبو يوسف: ما لم تجيء تهمة أو أمر يستريبه من العلام.
(1/74)
وإذا سافر الرجل المسلم فحضره الموت فأشهد
على وصيته رجلين من أهل الكتاب، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: لا
تجوز شهادتهما، وبه نأخذ لقول الله عز وجل: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ
مِنْكُمْ}. وكان ابن أبي ليلى يقول: ذلك جائز.
وكان أبو حنيفة رضي الله عنه لا يرى على شاهد الزور تعزيرًا غير أنه يبعث
به إلى سوقه إن كان سوقيا، وإلى مسجد قومه إن كان من العرب فيقول: القاضي
يقرئكم السلام ويقول: إنا وجدنا هذا شاهد زور فاحذروه وحذروه الناس. وذكر
ذلك أبو حنيفة عن
(1/75)
القاسم عن شريح وكان ابن أبي ليلى يقول:
عليه التعزير ولا يبعث به ويضربه خمسة وسبعين سوطا. قال أبو يوسف: أعزره
ولا أبلغ به أربعين سوطا، ويطاف به. وقال أبو يوسف: بعد ذلك: أبلغ به خمسة
وسبعين سوطًا.
(1/76)
قال: وإذا اختلف الشاهدان في الموطن الذي
شهدا فيه فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: لا نعزرهما، ويقول: لأني لا
أدري أيهما الصادق من الكاذب إذا كانا شهدا على فعل؟ فإن كانا شهدا على
إقرار فإنه كان يقول: لا أدري لعلهما صادقان جميعًا وإن اختلفا في الإقرار.
وبه نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يرد الشاهدين وربما ضربهما وعاقبهما. وكذلك لو
خالف المدعى الشاهدين في قول أبي حنيفة رضي الله عنه فشهدا بأكثر مما ادعى،
فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: لا نضربهما ونتهم المدعى عليهما.
وكان ابن ابي ليلى ربما عزرهما وضربما وربما لم يفعل.
قال: وإذا لم يطعن الخصم في الشهد، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول:
لا يسأل القاضي عن الشاهد. وكان ابن أبي ليلى يقول: يسأل عنه.
(1/77)
وبهذا نأخذ. وكان أبو حنيفة رضي الله عنه
لا يجيز شهادة الصبيان بعضهم على بعض. وبه نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يجيز
شهادة الصبيان بعضهم على بعض.
باب في الأيمان
قال أبو يوسف رضي الله عنه: وإذا ادعى الرجل على الرجل دعوى وجاء بالبينة،
فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: لا نرى عليه يمينا مع شهوده. ومن
حجته في ذلك أنه قال: بلغنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:
((اليمين على المدعى عليه والبينة على المدعى)) فلا نجعل على المدعى ما لم
يجعل عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لا تحول اليمين عن
(1/78)
الموضع الذي وضعها عليه النبي - صلى الله
عليه وسلم -. وبه نأخذ.
وكان ابن أبي ليلى يقول: على المدعى اليمين مع شهوده، وإذا لم يكن له شهود
لم يستحلفه وجعل اليمين على المدعى عليه، فإن قال المدعى عليه: أنا أرد
اليمين عليه فإنه لا يرد اليمين عليه إلا أن يتهمه فيرد اليمين عليه إذا
كان كذلك، وهذا في الدين.
قال: وإذا ورث الرجل ميراثا دارًا أو أرضًا أو غير ذلك فادعى رجل فيها دعوى
ولم تكن له بينة فأراد أن يستحلف الذي ذلك في يديه، فإن أبا حنيف رضي الله
عنه كان يقول: اليمين على علمه أنه لا يعلم لهذا فيه حقا، وكذلك كان ابن
أبي ليلى يقول أيضًا. وإنما جعل أبو حنيفة رضي الله عنه على هذا اليمين على
علمه، لأن الميراث لزمه، إن شاء وإن أبى، والبيع
(1/79)
لا يلزمه إلا بقبول، وإذا كان الشيء لا
يلزمه إلا بفعله وقبول منه مثل البيع والهبة والصدقة، فاليمين في ذلك
ألبتة. والميراث لو قال: لا أقبله كان قوله ذلك باطلا وكان الميراث له
لازما فلذلك كانت اليمين على علمه في الميراث. وبه نأخذ. وكان ابن أبي ليلى
يقول: اليمين عليه على علمه في جميع ما ذكرت لك من بيع وغير ذلك.
قال: وإذا استحلف المدعى المدعى عليه على دعواه فحلفه القاضي على ذلك ثم
أتى بالبينة بعد ذلك على تلك الدعوى، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقبل
منه ذلك، لأنه بلغنا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وشريح
(1/80)
أنهما كانا يقولان: اليمين الفاجرة أحق أن
ترد من البينة العادلة، وبهذا نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: لا أقبل منه
البينة بعد اليمين وبعد فصل القضاء.
باب الوصايا
قال أبو يوسف: وإذا أوصى الرجل بسكنى دار أو بخدمة عبد أو بغلة بستان أو
أرض، وذلك ثلثه أو أقل، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: ذلك جائز.
وبه نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: لا يجوز ذلك، والوقت في ذلك وغير الوقت
في قول ابن أبي ليلى سواء.
(1/81)
قال: وإذا أوصى الرجل للرجل بأكثر من ثلثه
فأجاز ذلك الورثة في حياته وهم كبار ثم ردوا ذلك بعد موته، فإن أبا حنيفة
رضي الله عنه كان يقول: لا تجوز عليهم تلك الوصية، ولهم أن يردوها، لأنهم
أجازوا وهم لا يملكون الإجازة ولا يملكون المال. وكذلك بلغنا عن عبد الله
بن مسعود رضي الله عنه وشريح. وبهذا نأخذ. وكان ابن أبي ليلى
(1/82)
يقول: إجازتهم جائزة عليهم لا يستطيعون أن
يرجعوا إلى شيء منها. ولو أجازوها بعد موته ثم أرادوا أن يرجعوا فيها قبل
أن تنفذ الوصية لم يكن ذلك لهم وكانت إجازتهم جائزة في هذا الموضع في
قولهما جميعًا.
قال: وإذا أوصى رجل بثلث ماله لرجل وبماله كله لآخر فرد ذلك الورثة كله إلى
الثلث، فإن أبا حنيفة رضى الله عنه كان يقول: الثلث بينهما نصفان لا يضرب
صاحب الجميع بحصة الورثة من المال. وكان ابن أبي ليلى يقول: الثلث بينهما
على أربعة أسهم يضرب صاحب المال بثلاثة أسهم ويضرب صاحب الثلث بسهم واحد.
وبه نأخذ.
باب المواريث
قال أبو يوسف رضي الله عنه: وإذا مات الرجل وترك أخاه لأبيه وأمه وجده، فإن
أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: المال كله للجد وهو بمنزلة الأب في كل
ميراث. وكذلك بلغنا عن أبي بكر الصديق وعن
(1/83)
عبد الله بن عباس وعن عائشة أم المؤمنين
وعن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهم أنهم كانوا يقولون: الجد بنزلة الأب
إذا لم يكن له أب. وكان ابن أبي ليلى يقول في الجد بقول علي بن أبي طالب
رضي الله عنه: للأخ النصف وللجد النصف. وكذلك قال زيد بن ثابت وعبد الله بن
مسعود رضي الله عنهما في هذه المنزلة.
قال: وإذا أقرت الأخت، وهي لأب وأم وقد ورث معها العصبة بأخ لأب، فإن أبا
حنيفة رضي الله عنه كان يقول: نعطيه نصف ما في يدها، لأنها أقرت أن المال
كله بينهما نصفان فما كان في يدها منه فهو بينهما نصفان.
(1/84)
وبه نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: لا
نعطيه مما في يدها شيئًا لأنها أقرت بما في يدي العصبة، وهو سواء في الورثة
كلهم ما قالا جميعًا.
قال: وإذا مات الرجل وترك امرأة وولدها ولم يقر بحبل امرأته ثم جاءت بولد
بعد موته وجاءت بامرأة تشهد على الولادة، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان
يقول: لا أقبل هذا ولا أثبت نسبه ولا أورثه بشهادة امرأة. وكان ابن أبي
ليلى يقول: أثبت نسبه وأورثه بشهادتها وحدها. وبه نأخذ.
قال: وإذا كان للرجل عبدان ولدا في ملكه كل واحد منهما من أمته فأقر في
صحته أن أحدهما ابنه ثم مات ولم يبين ذلك، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان
يقول: لا يثبت نسب واحد منهما ويعتق من كل واحد منهما نصفه ويسعى في نصف
قيمته، وكذلك أمهاتهما. وبه نأخذ. وكان
(1/85)
ابن أبي ليلى يقول: يثبت نسب أحدهما ويرثان
ميراث ابن ويسعى كل واحد منهما في نصف قيمته، وكذلك أمهاتهما.
قال: وإذا كانت الدار في يدى رجل فأقام ابن عم له البينة أنها دار جدهما
والذي هي في يديه منكر لذلك، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: لا أقضى
بشهادتهم حتى يشهدوا أن الجد تركها ميراثا لأبيه ولأبي صاحبه لا يعلمون له
وارثا غيرهما ثم توفي أبو هذا وترك نصيبه منها ميراثا لهذا لا يعلمون له
وارثا غيره. وكان ابن ابي ليلى يقول: أرتضى له بشهادتهم وأسكنه في الدار مع
الذي هي في يديه ولا يقتسمان حتى تقوم البينة على المواريث، كما وصفت لك في
قول أبي حنيفة. ولا يقولان: لا نعلم في قول ابن أبي ليلى لكن يقولان لا
وارث له غيرهما في قول ابن ابي ليلى. وقال أبو يوسف: أسكنه ولا يقتسمان.
قال: وإذا توفي الرجل وترك امرأته وترك في بيته متاعا، فإن أبا حنيفة رضي
الله عنه كان يحدث عن خماد عن إبراهيم أنه قال: ما كان للرجال
(1/86)
من المناع فهو للرجل، وما كان للنساء فهو
للمرأة، وما كان للرجال والنساء فهو للباقي منهما، للمرأة كانت أو الرجل،
وكذلك الزوج إذا طلق والباقي الزوج في الطلاق، وبه كان يأخذ أبو حنيفة وأبو
يوسف رضي الله عنهما. ثم قال بعد ذلك: لا يكون للمرأة إلا ما يجهز به مثلها
في ذلك كله، لأنه يكون رجل تاجر عنده متاع النساء من تجارته أو صانع، أو
تكون رهونا عند رجل. وكان ابن أبي ليلى يقول: إذا مات الرجل أو طلق، فمتاع
البيت كله متاع الرجل إلا الدرع والخمار وشبهه إلا أن تقوم لأحدهما بينة
على دعواه. ولو طلقها في دارها كان أمرهما على ما وصفت في قولهما جميعًا.
(1/87)
قال: وإذا أسلم الرجل على يدى الرجل ووالاه
وعاقده ثم مات ولا وارث له، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: ميراثه
له. بلغنا ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعن عمر بن الخطاب رضي
الله عنه وعن ابن مسعود رضي الله عنه. وبهذا نأخذ. وكان ابن أبي ليلى
(1/88)
لا يورثه شيئا. حدثني مطرف عن الشعبي أنه
قال: لا ولاء إلا لذي نعمة. حدثنا الليث بن أبي سليم عن أبي الأشعث
الصنعاني عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه أنه سئل عن الرجل يسلم على يدى
الرجل فيموت ويترك مالا فهو له وإن أبى فلبيت المال. حدثنا أبو حنيفة عن
إبراهيم
(1/89)
ابن محمد عن أبيه عن مسروق أن رجلا من أهل
الأرض والى ابن عم له فمات وترك مالا فسألوا ابن مسعود رضي الله عنه عن ذلك
فقال: ماله له.
باب في الأوصياء
قال أبو يوسف: ولو أن رجلا أوصى إلى رجل فمات الموصى إليه فأوصى إلى آخر،
فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: هذا الآخر وصى
(1/90)
الرجلين جميعًا. وبهذا نأخذ وكذلك بلغا عن
إبراهيم، وكان ابن أبي ليلى رحمه الله تعالى يقول: هذا الآخر وصى الذي أوصى
إليه ولا يكون وصيًا الأول إلا أن يكون الآخر أوصى إليه بوصية الأول فيكون
وصيهما جميعًا، وقال أبو يوسف رحمه الله بعد: لا يكون وصيا للأول إلا أن
يقول الثاني قد أوصيت إليك في كل شيء أو يذكر وصية الآخر.
قال: ولو أن وصيا لأيتام اتجر لهم بأموالهم أو دفعها مضاربة، فإن أبا حنيفة
رضي الله عنه كان يقول: هو جائز عليهم ولهم. بلغنا ذلك عن إبراهيم النخعي.
وكان ابن أبي ليلى يقول: لا تجوز عليهم والوصي ضامن لذلك. وقال ابن أبي
ليلى أيضًا: على اليتامى الزكاة في أموالهم فإن أداها
(1/91)
الوصي عنهم فهو ضامن. وقال أبو حنيفة رضي
الله عنه: ليس على يتيم زكاة حتى يبلغ، ألا ترى أنه لا صلاة عليه ولا فريضة
عليه؟ وبهذا نأخذ.
قال: ولو أن وصى ميت ورثته كبار وصغار ولا دين على الميت ولم يوص بشيء باع
عقارًا من عقار الميت، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول في ذلك: بيعه
جائز على الصغار والكبار. وكان ابن أبي ليلى يقول: يجوز على الصغار والكبار
إذا كان ذلك مما لابد منه. وقال أبو يوسف
(1/92)
رحمه الله: بيعه على الصغار جائز في كل شيء
كان منه بد أو لم يكن، ولا يجوز على الكبار في شيء من بيع العقار إذا لم
يكن الميت أوصى بشيء يباع فيه أو يكون عليه دين.
باب في الشركة والعتق وغيره
قال أبو يوسف رضي الله عنه: وإذا اشترك الرجلان شركة مفاوضة ولأحدهما ألف
درهم وللآخر أكثر من ذلك، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: ليست هذه
بمفاوضة. وبهذا نأخذ. وكان ابن ابي ليلى يقول: هذه مفاوضة جائزة والمال
بينهما نصفان.
قال: ولو أن عبدًا بين رجلين أعتق أحدهما نصيبه وهو موسر، كان الخيار للآخر
في قول أبي حنيفة رضي الله عنه، فإن شاء أعتق العبد كما أعتق صاحبه، وإن
شاء استسعى العبد في نصف قيمته فيكون الولاء بينهما، وإن
(1/93)
شاء ضمن شريكه نصف قيمته ويرجع الشريك بما
ضمن من ذلك على العبد ويكون الولاء للشريك كله، وهو عبد ما بقى عليه من
السعاية شيء، وكان ابن أبي ليلى رحمه الله تعالى يقول: هو حر كله يوم أعتقه
الأول والأول ضامن لنصف القيمة ولا يرجع بها على العبد وله الولاء، ولا
يخير صاحبه في أن يعتق العبد أو يستسعيه. ولو كان الذي أعتق العبد معسرًا
كان الخيار في قول أبي حنيفة للشريك الآخر، إن شاء ضمن العبد نصف قيمته
يسعى فيها والولاء بينهما، وإن شاء أعتقه كما أعتق صاحبه والولاء بينهما.
وكان ابن أبي ليلى يقول: إذا كان معسرًا سعى العبد للشريك الذي لم يعتق في
نصف قيمته ويرجع بذلك العبد على الذي أعتقه والولاء كله للذي أعتقه وليس
للآخر أن يعتق منه شيئا. وكان يقول: إذا أعتق شقصًا في مملوك فقد أعتقه كله
ولا يتبعض العبد فيكون بعضه رقيقًا وبعضه حرًا. وبه نأخذ
(1/94)
أرأيت ما أعتق منه أيكون رقيقًا؟ فإن كان
ما أعتق منه يكون رقيقًا فقد عتق، فكيف يجتمع في معتق واحد عتق ورق؟ ألا
ترى أنه لا يجتمع في امرأة بعضها طالق وبعضها غير طالق وبعضها امرأة للزوج
على حالها؟ وكذلك الرقيق. وبهذا نأخذ إلا خصلة لا يرجع العبد بما سعى فيه
على الذي أعتقه. وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: لا يعتق بعضه وبعضه رقيق.
وهذا كله بمنزلة العبد ما دام منه شيء رقيق أو يسعى في قيمته، أرأيت لو أن
الشريك قال: نصيب شريكي منه حر وأما نصيبي فلا، هل كان يعتق منه مالا يملك
وإذا أعتق منه ما يملك فكيف يعتق منه مالا يملك، وهل يقع عتق فيما لا يملك
الرجل؟
قال: ولو أن عبدًا بين رجلين كاتبه أحدهما بغير إذن صاحبه ولا رضاه فأنكر
ذلك صاحبه قبل أن يؤدي المكاتب شيئا، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول:
المكاتبة باطلة ولصاحبه أن يردها لأنها منفعة تصل إليه وليس
(1/95)
ذلك له دون صاحبه. وبه نأخذ وكان ابن ابي
ليلى يقول: المكاتبة جائزة وليس للشريك أن يردها. ولو أن الشريك أعتق العبد
كان العتق باطلا في قول ابن أبي ليلى حتى ينظر ما يصنع في المكاتبة، فإن
أداها إلى صاحبها عتق وكان الذي كتب ضامنا لنصف القيمة والولاء كله له وكان
أبو حنيفة رضي الله عنه يقول: عتق ذلك جائز ويخير المكاتب، فإن شاء ألغى
الكتابة وعجز عنها، وإن شاء سعى فيها، فإن عجز عنها كان الشريك الذي كاتب
بالخيار إن شاء ضمن الذي أعتق إن كان موسرًا، وإن شاء استسعى العبد في نصف
قيمته، وإن شاء أعتق العبد، فإن ضمن الذي أعتق كان له أن يرجع على العبد
بما ضمن.
(1/96)
قال: ولو أن مملوكا بين اثنين دبره أحدهما،
فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: ليس للآخران يبيعه لما دخل فيه من
العتق، وبه نأخذ.
وكان ابن أبي ليلى يقول: له أن يبيع حصته.
وإذا ورث أحد المتفاوضين ميراثا، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: هو
له خاصة، وبهذا نأخذ. قال: وتنقض المفاوضة إذا قبض ذلك، وكان ابن أبي ليلى
يقول: هو بينهما نصفان.
قال: وإن كان العبد بين اثنين فدبره أحدهما ثم أعتقه الآخر ألبتة. فإن أبا
حنيفة رضي الله عنه كان يقول: الذي دبره بالخيار إن شاء أعتق وإن شاء
استسعى العبد في نصف قيمته مدبرًا وإن شاء ضمن المعتاق نصف قيمته مدبرًا إن
كان موسرًا ويرجع به المعتق على العبد والولاء بينهما نصفان وكان ابن ابي
ليلى يقول: التدبير باطل والعتق جائز والمعتق ضامن لنصف قيمته إن كان
موسرًا، وإن كان معسرًا سعى فيه العبد ثم يرجع على المعتق
(1/97)
والولاء كله للمعتق. وقال أبو يوسف: إذا
دبره أحدهما فهو مدبر كله وهو ضامن نصف قيمته، وعتق الآخر باطل لا يجوز
فيه.
باب في المكاتب
قال أبو يوسف رضي الله عنه: وإذا كاتب الرجل المكاتب على نفسه، فإن أبا
حنيفة رضي الله عنه كان يقول: ماله لمولاه إذا لم يشترط المكاتب ذلك. وبه
نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: المكاتب له المال وإن لم يشترط.
قال: وإذا قال المكاتب: قد عجزت وكسر مكاتبته ورده مولاه في الرق، فإن أبا
حنيفة رضي الله عنه كان يقول: ذلك جائز. وبهذا نأخذ. وقد بلغنا
(1/98)
عن عبد الله بن عمر أنه رد مكاتبا له حين
عجز وكسر مكاتبته عند غير قاض، وكان ابن أبي ليلى رحمه الله يقول: لا يجوز
ذلك إلا عند قاض. وكذلك لو أتى القاضي فقال: قد عجزت، فإن أبا حنيفة رضي
الله عنه كان يرده. وبهذا نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: لا أرده حتى يجتمع
عليه نجمان قد حلا عليه في يوم خاصم إليه. ثم قال أبو يوسف بعد: لا أرده
حتى أنظر فإن كان نجمه قريبًا وكان يرجى لم يعجل عليه.
قال: وإذا تزوج المكاتب أو وهب هبة أو أعتق عبدًا أو كفل بكفالة أو كفل عنه
رجل لمولاه بالذي عليه. فإن أبا حنيفة رضى الله عنه كان يقول: هذا كله باطل
لا يجوز. وبه نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: نكاحه وكفالته باطل وما تكفل
به رجل عنه لمولاه فهو جائز، وأما عتقه وهبته فهو موقوف، فإن عتق أمضى ذلك،
وإن رجع مملوكا فذلك كله مردود.
(1/99)
وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: كيف يجوز
عتقه وهبته وكيف تجوز الكفالة عنه لمولاه؟ أرأيت رجلا كفل لرجل عن عبده
كفالة أليست باطلا؟ فكذلك مكاتبه. وبهذا نأخذ. وبلغنا عن إبراهيم أنه قال:
لا يجوز أن يكفل الرجل للرجل بمكاتبة عبده، لأنه عبده وإنما كفل له بماله.
وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: إذا كان له مال حاضر فقال: أؤديه اليوم أو
غدا، فإنه كان يقول: يؤجله ثلاثة أيام.
باب في الأيمان
قال أبو يوسف رضي الله عنه: وإذا قال الرجل لعبده: إن بعتك فأنت
(1/100)
حر ثم باعه، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه
كان يقول: لا يعتق، لأن العتق إنما وقع عليه بعد البيع وبعد ما خرج من ملكه
وصار لغيره. وبهذا نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: يقع العتق من مال البائع
ويرد الثمن على المشترى، لأنه حلف يوم حلف وهو في ملكه. وكذلك لو قال
البائع: إن كلمت فلانا فأنت حر فباعه ثم كلم فلانا، فإن أبا حنيفة رضي الله
عنه كان يقول: لا يعتق، ألا ترى أنه قد خرج من ملك البائع الحالف؟ أرأيت لو
أعتقه المشترى أيرجع إلى الحالف وقد صار مولى للمشترى؟ أرأيت لو أن المشترى
ادعاه وزعم أنه ابنه فأثبت القاضي نسبه وهو رجل من العرب وجعله ابنه ثم كلم
البائع ذلك الرجل الذي حلف عليه أن لا يكلمه أبطل دعوى هذا ونسبه ويرجع
الولاء إلى الأول؟ وكان ابن أبي ليلى يقول في هذا: يرجع الولاء إلى الأول
ويرد الثمن ويبطل النسب، وإذا قال الرجل لامرأته: أنت طالق إن كلمت فلانا
ثم طلقها واحدة بائنة أو واحدة، يملك
(1/101)
الرجعة وانقضت عدتها ثم كلم فلانا، فإن أبا
حنيفة رضي الله عنه كان يقول: لا يقع عليه الطلاق الذي حلف به، لأنها قد
خرجت من ملكه، ألا ترى أنها لو تزوجت زوجا غيره ثم كلم الأول فلانا وهي عند
هذا الرجل لم يقع عليها الطلاق وهي تحت غيره. وبه نأخذ، وكان ابن أبي ليلى
يقول: يقع عليها الطلاق، لأنه حلف بذلك وهي في ملكه.
قال: وإذا قال الرجل: كل امرأة أتزوجها أبدًا فهي طالق ثلاثا وكل مملوك
أملكه فهو حر لوجه الله تعالى فاشترى مملوكا وتزوج امرأة، فإن أبا حنيفة
رضى الله عنه كان يقول: يقع العتق على المملوك والطلاق على المرأة، ألا ترى
أنه طلق بعد ما ملك وأعتق بعد ما ملك؟ وقد بلغنا عن علي رضي الله عنه أنه
كان يقول: لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك. فهذا إنما وقع بعد
الملك كله، ألا ترى أنه لو قال: إذا تزوجتها
(1/102)
أو ملكتها فهي طالق صارت طالقا؟ وبهذا
نأخذ، ألا ترى أن رجلا لو قال لأمته: كل ولد تلدينه فهو حر ثم ولدت بعد عشر
سنين كان حرا؟ فهذا عتق ما لم يملك، ألا ترى أن رجلا لو كانت عنده امرأة
فقال لها: إن تزوجتك فأنت طالق ثلاثا ثم طلقها واحدة بائة ثم تزوجها في
العدة أو بعدها أن ذلك واقع عليها، لأنه حلف وهو يملكها ووقع الطلاق وهو
يملكها؟ أرأيت لو قال لعبد له: إن اشتريتك فأنت حر فباعه ثم اشتراه أما كان
يعتق؟ وكان ابن أبي ليلى يقول: لا يقع في ذلك عتق ولا طلاق إلا أن يوقت
وقتًا، فإن وقت وقتًا في سنين معلومة، أو قال: ما عاش فلان أو فلانة أو وقت
مصرا من الأمصار أو مدينة أو قبيلة لا يتزوج ولا يشترى منها مملوكا، فإن
ابن أبي ليلى يوقع على هذا الطلاق. وأما قول أبي حنيفة رضي الله عنه فإنه
يوقع في الوقت وغير الوقت، وقد بلغنا عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه
أنه قال: إذا وقت وقتًا أو قبيلة أو ما عاشت فلانة وقع. وإذا قال الرجل: إن
وطئت فلانة فهي حرة فاشتراها فوطئها، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول:
لا تعتق، من قبل أنه حلف وهو
(1/103)
لا يملكها، وبه نأخذ. وكان ابن أبي ليلى
يقول: تعتق فإن قال: إن اشتريتك فوطئتك فأنت حرة فاشتراها فوطئها، فهي حرة
في قولهما جميعا.
باب في العارية وأكل الغلة
قال أبو يوسف: وإذا أعار الرجل الرجل أرضًا يبنى فيها ولم يوقت وقتًا ثم
بدا له أن يخرجه منها بعد ما بنى، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول:
نخرجه. ويقال للذي بنى: انقض بناءك. وبهذا نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول:
الذي أعاره ضامن لقيمة البنيان والبناء للمعير، وكذلك بلغنا عن شريح. فإن
وقت له وقتًا فأخرجه قبل أن يبلغ ذلك الوقت فهو ضامن لقيمة البناء في
قولهما جميعًا.
قال: وإذا أقام الرجل البينة على أرض ونخل فيها أنها له وقد أصاب الذي هي
في يديه من غلة النخل والأرض والثمن، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول:
الذي كانت في يديه ضامن لما أخذ من الثمرة. وبه نأخذ. وكان ابن ابي ليلى
يقول: لا ضمان عليه في ذلك.
(1/104)
قال: وإذا زرع الرجل الأرض، فإن أبا حنيفة
رضي الله عنه كان يقول: الزرع للذي كانت في يديه وهو ضامن لما نقصت الأرض
في قول أبي حنيفة رضي الله عنه ويتصدق بالفضل. وكان ابن أبي ليلى يقول: لا
يتصدق بشيء وليس عليه ضمان.
قال: وإذا أخذ الرجل أرض رجل إجارة سنة وعملها وأقام فيها سنتين، فإن أبا
حنيفة رضي الله عنه كان يقول: هو ضامن لما نقصت الأرض في السنة الثانية
ويتصدق بالفضل ويعطي أجر السنة الأولى، وكان ابن أبي ليلى يقول: عليه أجر
مثلها في السنة الثانية.
قال: وإذا وجد الرجل كنزًا قديما في أرض رجل أو داره، فإن أبا حنيفة رضي
الله عنه كان يقول: هو لرب الدار وعليه الخمس وليس للذي وجده منه شيء، وكان
ابن أبي ليلى يقول: هو للذي وجده وعليه الخمس ولا شيء لصاحب الدار والأرض
فيه. وبه نأخذ، والله أعلم.
باب في الأجير والإجارة
قال أبو يوسف رضى الله عنه: وإذا اختلف الأجير والمستأجر
(1/105)
في الأجرة، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان
يقول: القول قول المستأجر مع يمينه إذا عمل العمل، وبهذا نأخذ، وكان ابن
أبي ليلى يقول: القول قول الأجير فيما بينه وبين أجر مثله إلا أن يكون الذي
ادعى أقل فيعطيه إياه، وإن لم يكن عمل العمل تحالفا وترادا في قول أبي
حنيفة رضي الله عنه، وينبغي كذلك في قول ابن أبي ليلى. وقال أبو يوسف بعد:
إذا كان شيء متقارب قبلت قول المستأجر وأحلفته، وإذا تفاوت لم أقبل وأجعل
للعامل أجر مثله إذا حلف.
(1/106)
قال: وإذا استأجر الرجل بيتا شهرًا يسكنه
فسكنه شهرين أو استأجر دابة إلى مكان فجاوز بها ذلك المكان، فإن أبا حنيفة
رضي الله عنه كان يقول: الأجر فيما سمى ولا أجر له فيما لم يسم، لأنه قد
خالف وهو ضامن حين خالف ولا يجتمع عليه الضمان والأجرة. وبهذا نأخذ. وكان
ابن أبي ليلى يقول: له الأجر فيما سمى، وفيما خالف إن سلم، وإن لم يسلم ذلك
ضمن ولا نجعل عليه أجرًا في الخلاف إذا ضمنه.
قال: وإذا تكارى الرجل دابة ليحمل عليها عشرة مخاتيم فحمل عليها أكثر من
ذلك فعطبت الدابة، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: هو ضامن قيمة
الدابة بحساب ما زاد عليها وعليه الأجر تاما إذا كانت قد بلغت
(1/107)
المكان، وبه نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول:
عليه قيمتها تامة ولا أجر عليه.
قال: وإذا غرقت السفينة الملاح فغرق الذي فيها وقد حمله بأجر فغرقت في مده
أو معالجته السفينة، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: هو ضامن. وبه
نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: لا ضمان عليه في المد خاصة.
باب القسمة
قال أبو يوسف رضي الله عنه: وإذا كانت الدار صغيرة بين اثنين أو شقص قليل
في دار لا يكون بيتًا، فإن أب حنيفة رضي الله عنه كان يقول: أيهما طلب
القسمة وأبى صاحبه قسمت له، ألا ترى أن صاحب القليل ينتفع بنصيب صاحب
الكثير؟ وبهذا نأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول: لا يقسم شيء منها.
(1/108)
باب الصلاة
قال أبو يوسف رضي الله عنه: وإذا أتى الرجل إلى الإمام في أيام التشريق وقد
سبقه بركعة فسلم الإمام عند فراغه، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول:
يقوم الرجل فيقضي ولا يكبر معه، لأن التكبير ليس من الصلاة إنما هو بعدها،
وبه نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: يكبر ثم يقوم فيقضى.
قال: وإذا صلى الرجل في أيام التشريق وحده أو المرأة، فإن أبا حنيفة رضي
الله عنه كان يقول: لا تكبير عليه ولا تكبير على من صلى في جماعة في غير
مصر جامع ولا تكبير على المسافرين، وكان ابن أبي ليلى يقول: عليهم التكبير
أخبرنا أبو يوسف عن عبيدة عن إبراهيم أنه قال: التكبير
(1/109)
على المسافرين وعلى المقيمين وعلى الذي
يصلي وحده وفي جماعة، وعلى المرأة، وبه نأخذ. حدثنا مجالد عن عامر مثله.
قال: وإذا أدرك الإمام وهو راكع فكبر معه ثم لم يركع حتى رفع الإمام رأسه،
فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: يسجد معه ولا يعتد بتلك الركعة.
أخبرنا بذلك عن الحسن عن الحكم عن إبراهيم. وبه نأخذ.
(1/110)
وكان ابن أبي ليلى يقول: يركع ويسجد ويحتسب
بذلك من صلاته، وكان أبو حنيفة رضي الله عنه ينهى عن القنوت في الفجر. وبه
نأخذ.
(1/111)
ويحدث به عن رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - أنه لم يقنت إلا شهرًا واحدًا حارب حيًا من المشركين فقنت يدعو
عليهم وأن أبا بكر رضي الله عنه
(1/112)
لم يقنت حتى لحق بالله عز وجل، وأن ابن
مسعود رضي الله عنه لم يقنت في سفر ولا في حضر، وأن عمر بن الخطاب رضي الله
عنه لم يقنت، وأن ابن عباس رضي الله عنهما لم يقنت، وأن عد الله بن عمر رضي
الله عنهما لم يقنت وقال: يأهل العراق أنبئت أن إمامكم يقوم لا قارئ قرآن
ولا راكع، يعني بذلك القنوت، وأن عليًا رضي الله عنه قنت في حرب يدعو على
معاوية فأخذ أهل الكوفة عنه ذلك، وقنت معاوية رضي الله عنه بالشام
(1/113)
يدعو على علي رضي الله عنه فأخذ أهل الشام
عنه ذلك. وكان ابن أبي ليلى يرى القنوت في الركعة الآخرة بعد القراءة وقبل
الركوع في الفجر، ويروى ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قنت بهاتين
السورتين: اللهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك الخير، ونشكرك ولا
نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى
ونحفد، ونرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك بالكفار ملحق، وكان يحدث عن ابن
عباس عن عمر رضي الله عنهم بهذا الحديث ويحدث عن علي رضي الله عنه أنه قنت.
(1/114)
باب صلاة الخوف
قال أبو يوسف رضي الله عنه: وكان أبو حنيفة رضي الله عنه يقول في صلاة
الخوف: يقوم الإمام وتقوم معه طائفة فيكبرون مع الإمام ركعة وسجدتين
ويسجدون معه فينفتلون من غير أن يتكلموا حتى يقفوا بإزاء العدو ثم تأتي
الطائفة التي كانت بإزاء العدو فيستقبلون التكبير ثم يصلي بهم الإمام ركعة
أخرى وسجدتين ويسلم الإمام فينفتلون هم من غير تسليم ولا يتكلموا فيقوموا
بإزاء العدو وتأتي الأخرى فيصلون ركعة وحدانا ثم يسلمون، وذلك لقول الله عز
وجل: {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا
(1/115)
مَعَك}. وكذلك بلغنا عن عبد الله بن عباس
وإبراهيم النخعي. وكان ابن أبي ليلى يقول: يقوم الإمام والطائفتان جميعًا
إذا كان العدو بينهم وبين القبلة فيكبر ويكبرون ويركع ويركعون جميعًا ويسجد
الإمام والصف الأول ويقوم الصف الآخر في وجوه العدو، فإذا رفع الإمام رفع
الصف الأول رءوسهم وقاموا وسجد الصف المؤخر، فإذا فرغوا من سجودهم قاموا ثم
تقدم الصف المؤخر، ويتأخر الصف الأول فيصلي بهم الإمام الركعة الأخرى
(1/116)
كذلك ويحدث بذلك ابن أبي ليلى عن عطاء بن
أبي رباح عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن رسول الله - صلى الله عليه
وسلم -. وكان ابن أبي ليلى يقول: إذا كان العدو في دبر القبلة قام الإمام
وصف معه مستقبل القبلة والصف الآخر مستقبل العدو ويكبر ويكبرون جميعا ويركع
ويركعون جميعا ثم يسجد الصف الذي مع الإمام سجدتين ثم ينفتلون فيستقبلون
العدو ويجيء الآخرون فيسجدون ويصلي بهم الإمام الركعة الثانية فيركعون
جميعا ويسجد معه الصف الذي معه ثم ينفتلون فيستقبلون العدو ويجيء الآخرون
فيسجدون ويفرغون ثم يسلم الإمام وهم جميعا.
(1/117)
قال: وإذا جهر الإمام في صلاة لا يجهر فيها
بالقراءة عمدًا، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: قد أساء وصلاته
تامة، وكان ابن أبي ليلى يقول: يعيد بهم الصلاة.
قال: وإذا صلى الرجل أربع ركعات بالليل ولم يسلم فيها، فإن أبا حنيفة رضي
الله عنه كان يقول: لا بأس بذلك. وكان ابن أبي ليلى يقول: أكره ذلك له حتى
يسلم في كل ركعتين. وبه نأخذ.
قال: وكان أبو حنيفة رضي الله عنه يكبر على الجنائز أربعا، وكان ابن أبي
ليلى يكبر خمسا على الجنائز.
(1/118)
قال: وكان أبو حنيفة رضي الله عنه يكره أن
يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، وكان ابن أبي ليلى يقول: إذا جهرت فحسن،
وإذا أخفيت فحسن.
قال: وذكر عن ابن أبي ليلى عن رجل توضأ ومسح على خفيه من حدث ثم نزع الخفين
قال: يصلي كما هو، وحدث بذلك عن الحكم عن إبراهيم.
(1/119)
وذكر أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه
قال: لا يصلي حتى يغسل رجليه وبه نأخذ. قال: وذكر عن الحكم أيضا عن إبراهيم
أنه قال: لا بأس بعد الآى في الصلاة.
قال: وإذا توضأ الرجل بعض وضوئه ثم لم يتمه حتى جف ما قد غسل، فإن أبا
حنيفة رضي الله عنه كان يقول: يتم ما قد بقى ولا يعيد على ما مضى، وبه
نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: إذا كان في طلب الماء أو في الوضوء فإنه يتم
ما بقى، وإن كان قد أخذ في عمل غير ذلك أعاده على ما جف.
(1/120)
حدثنا ابن أبي ليلى عن الحكم عن سعيد بن
جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لا يمسح وجهه من التراب في
الصلاة حتى يتشهد ويسلم وبه نأخذ. حدثنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه
كان يمسح التراب عن وجهه في الصلاة قبل أن يسلم، وكان أبو حنيفة رضي الله
عنه لا يرى بذلك بأسا. وبه نأخذ.
(1/121)
باب الزكاة
قال أبو يوسف رضي الله عنه: وإذا كان على رجل دين ألف درهم وله على الناس
دين ألف درهم وفي يده ألف درهم، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: ليس
عليه زكاة فيما في يديه حتى يخرج دينه فيزكيه.
وكان ابن أبي ليلى يقول: عليه فيما في يديه الزكاة.
(1/122)
قال: وكان ابن أبي ليلى يقول: زكاة الدين
على الذي هو عليه. فقال أبو حنيفة رضي الله عنه: بل هي على صاحبه الذي هو
له إذا خرج، كذلك بلغنا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وبهذا نأخذ.
(1/123)
قال: وإذا كانت أرض من أرض الخراج. فإن أبا
حنيفة رضي الله عنه كان يقول: ليس فيها عشر، لا يجتمع عشر وخراج. وبه نأخذ.
وكان ابن أبي ليلى يقول: عليه فيها العشر مع الخراج.
قال: وإذا كانت الأرض من أرض العشر، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول:
في كل قليل وكثير أخرجت من الحنطة والشعير والزبيب والتمر والذرة وغير ذلك
من أصناف الغلة، العشر ونصف العشر. والقليل والكثير في ذلك سواء وإن كانت
حزمة من بقل. وكذلك حدثنا
(1/124)
أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم. وكان ابن
أبي ليلى يقول: ليس في شيء من ذلك عشر إلا في الحنطة والشعير والتمر
والزبيب، ولا يكون فيه العشر حتى يبلغ خمسة أوسق فصاعدًا. والوسق عندنا:
ستون صاعا. والصاع مختوم بالحجاجي وهو ربع بالهاشمي الكبير، وهو ثمانية
أرطال، والمد رطلان، وبه نأخذ. وقال أبو يوسف: ليس في البقول والخضراوات
(1/125)
عشر ولا أرى في شيء من ذلك عشرا إلا الحنطة
والشعير والحبوب.
وليس فيه شيء حتى يبلغ خمسة أوسق.
(1/126)
قال: وإذا كان لرجل إحدى وأربعون بقرة، فإن
أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: إذا حال عليها الحول ففيها مسنة وربع عشر
مسنة وما زاد فبحساب ذلك إلى أن تبلغ ستين بقرة. وأظنه حدثه أبو حنيفة عن
حماد عن إبراهيم، وكان ابن أبي ليلى يقول: لا شيء في الزيادة على الأربعين
حتى تبلغ ستين بقرة. وبه نأخذ. وبلغنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
أنه قال: ((لا شيء في الأوقاص)) والأوقاص عندنا ما بين الفريضتين. وبه
نأخذ.
(1/127)
قال: وإذا كان للرجل عشرة مثاقيل ذهب ومائة
درهم فحال عليها الحول، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول في الزكاة:
يضيف أقل الصنفين إلى أكثرهما ثم يزكيه إن كانت الدنانير أقل من عشرة دراهم
بدينار تقوم الدراهم دنانير ثم يجمعها جميعًا فتكون أكثر من عشرين مثقالا
من الذهب فيزكيها في كل عشرين مثقالا نصف مثقال فما زاد فليس فيه شيء من
الزكاة حتى يبلغ أربعة مثاقيل فيكون فيها عشر مثقال، وإذا كانت الدنانير
أكثر من عشرة دراهم بدينار قوم الدنانير دراهم وأضافها إلى الدراهم فتكون
أكثر من مائتي درهم. ففي كل مائتين خمسة دراهم ولا شيء فيما زاد على
المائتين حتى يبلغ أربعين درهما، فإذا بلغت ففي كل أربعين زادت بعد
المائتين درهم. وكان ابن أبي ليلى يقول: لا زكاة في شيء من ذلك حتى يبلغ
الذهب عشرين مثقالا وتبلغ الفضة مائتي درهم ولا يضيف بعضها إلى بعض ويقول:
هذا مال مختلف بمنزلة رجل له ثلاثون شاة وعشرون بقرة وأربعة أبعرة فلا يضاف
بعضها إلى بعض. وقال ابن أبي ليلى:
(1/128)
ما زاد على المائتي الدرهم والعشرين
المثقال من شيء فبحساب ذلك ما كان من قليل أو كثير، وبهذا نأخذ في الزيادة
وقال أبو حنيفة رضي الله عنه
(1/129)
ليس فيما زاد على المائتين شيء حتى يبلغ
أربعين درهما، وكذلك بلغنا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وقال ابو يوسف
رضي الله عنه: لا يقوم الذهب ولا الفضة إنما الزكاة على وزنه، جاءت بذلك
السنة، إن كان له منها خمسة عشر مثقالا ذهبا لم يكن عليه فيها زكاة ولو كان
قيمتها ألف درهم، لأن الحديث إنما جاء في عشرين مثقالا. ولو كان له مع ذلك
أربعون درهما لم يزكه حتى يكون خمسين درهما، فإذا كمل من الأخرى أوجبت فيه
الزكاة. وكذلك لو كان نصف من هذا ونصف من هذا ففيه الزكاة فيضيف بعضه إلى
بعض ويخرجه دراهم أو دنانير، وإن شاء زكى الذهب والفضة بحصتهما أي ذلك فعل
أجزأه. ولو كان له مائتا درهم وعشرة مثاقيل زكى المائتي الدرهم بخمسة دراهم
وزكى العشرة المثاقيل بربع مثقال.
(1/130)
قال: ولو أن رجلا له مائتا درهم وعشرة
مثاقيل ذهبًا، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: إذا حال عليها الحول
يضيف بعضه إلى بعض ويزكيه كله. وقال ابن أبي ليلى: هذان مالان مختلفان تجب
الزكاة على الدراهم ولا تجب على الذهب، وقال أبو يوسف: فيه الزكاة كله، ألا
ترى أن التاجر يكون له المتاع للتجارة وهو مختلف فيقومه ويضيف بعضه إلى بعض
ويزكيه، وكذلك الذهب والفضة. وقد بلغنا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه
أمر رجلا تاجرًا أن يقوم تجارته عند الحول فيزكيها.
باب الصيام
قال أبو يوسف رضي الله عنه: وإذا اكتحل الرجل في شهر رمضان أو غير رمضان
وهو صائم، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: لا بأس بذلك. وبه نأخذ.
وكان ابن أبي ليلى يكره ذلك ويكره أن يدهن شاربه بدهن يجد طعمه وهو صائم.
(1/131)
قال: وإذا صام الرجل يوما من شهر رمضان فشك
أنه من شهر رمضان ثم علم بعد ذلك أنه من رمضان، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه
قال: يجزيه وبه نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: لا يجزيه ذلك وعليه قضاء يوم
مكانه.
(1/132)
قال: وإذا أفطرت المرأة يوما من رمضان
متعمدة ثم حاضت من آخر النهار، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: ليس
عليها كفارة وعليها القضاء. وبه نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: عليها
الكفارة وعليها القضاء.
(1/133)
قال: وإذا وجب على الرجل صوم شهرين من
كفارة إفطار من رمضان، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: ذانك الشهران
متتابعان ليس له أن يصومهما إلا متتابعين. وذكر أبو حنيفة نحوًا من ذلك عن
النبي - صلى الله عليه وسلم -. وبه نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: ليسا
بمتتابعين.
(1/134)
قال: وإذا توضأ الرجل للصلاة المكتوبة فدخل
الماء حلقه وهو صائم في رمضان ذاكرًا لصومه، فإن أبا حنيفة رضي اله عنه كان
يقول: إن كان ذاكرًا لصومه حين توضأ فدخل الماء حلقه فعليه القضاء، وإن كان
ناسيًا لصومه فلا قضاء عليه. وذكر ذلك أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم. وكان
ابن أبي ليلى يقول: لا قضاء عليه إذا توضأ لصلاة مكتوبة، وإن كان ذاكرًا
لصومه. وقد ذكر عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: إذا توضأ
لصلاة مكتوبة وهو صائم فدخل الماء حلقه فلا شيء عليه، وإن كان توضأ لصلاة
تطوع فعليه القضاء.
(1/135)
باب في الحج
قال أبو يوسف: وكان أبو حنيفة رضي الله عنه يقول: لا تشعر البدن ويقول:
الإشعار مثله. وكان ابن أبي ليلى يقول: الإشعار في السنام من الجانب
الأيسر، وبه نأخذ.
قال: وإذا أهل الرجل بعمرة فأفسدها فقدم مكة وقضاها، فإن أبا حنيفة
(1/136)
رضي الله عنه كان يقول: يجزيه أن يقضيها من
التنعيم، وبه نأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول: لا يجزيه أن يقضيها إلا من
ميقات بلاده.
قال: وإذا أصاب الرجل من صيد البحر شيئا سوى السمك، فإن أبا حنيفة رضي الله
عنه كان يقول: لا خير في شيء من صيد البحر سوى السمك، وبه نأخذ، كان ابن
أبي ليلى يقول: لا بأس بصيد البحر كله
(1/137)
وقال أبو يوسف رحمه الله: سألت أبا حنيفة
رضي الله عنه عن حشيش الحرم فقال: أكره أن يرعى من حشيش الحرم شيئًا أو
يحتش منه. قال: وسألت ابن أبي ليلى عن ذلك فقال: لا بأس أن يحتش من الحرم
ويرعى منه. قال: وسألت الحجاج بن أرطاة فأخبرني أنه سأل عطاء بن أبي رباح
(1/138)
فقال: لا بأس أن يرعى وكره أن يحتش. وبه
نأخذ. قال أبو يوسف رحمه الله: سألت أبا حنيفة رضي الله عنه قال: لا بأس أن
يخرج من تراب الحرم وحجارته إلى الحل. وبه نأخذ. قال: وسمعت ابن أبي ليلى
يحدث عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم أنهما كرها
أن يخرج من تراب الحرم وحجارته إلى الحل شيئًا. وحدثنا شيخ عن رزين مولى
علي بن عبد الله بن عباس أن علي بن عبد الله كتب إليه
(1/139)
أن يبعث إليه بقطعة من المروة يتخذها مصلى
يسجد عليها.
قال: وإذا أصاب الرجل حماما من حمام الحرم، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان
يقول: عليه قيمته. وبه نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: عليه شاة.
وسمعت ابن أبي ليلى يقول في حمام الحرم عن عطاء بن أبي رباح شاة.
(1/140)
قال: وسئل أبو حنيفة عن المحرم يصيب الصيد
فيحكم عليه فيه عناق أو جفرة أو شبه ذلك فقال: لا يجزئ في هدى الصيد إلا ما
يجزئ في هدى المتعة: الجذع من الضأن إذا كان عظيما أو الثنى من المعز
والبقر والإبل فما فوق ذلك لا يجزئ ما دون ذلك، ألا ترى إلى قول الله عز
وجل في كتابه في جزاء الصيد: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ}؟ وسألت ابن ابي
ليلى عن ذلك فقال: يبعث به وإن كان عناقا أو حملا. قال أبو يوسف: آخذ
بالأثر في العناق والجفرة. وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: في ذلك كله قيمته.
وبه نأخذ
(1/141)
وذكر عن خصيف الجزري عن أبي عيدة عن عبد
الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: في بيض النعامة يصيبه المحرم ثمنه.
وحدثنا داود ابن أبي هند عن عامر مثله. وسمعت ابن أبي ليلى يقول عن عطاء بن
(1/142)
أبي رباح: في البيضة درهم. وقال أبو حنيفة
رضي الله عنه: قيمتها
باب الديات
قال أبو يوسف رضي الله تعالى عنه: وإذا قتل الرجل الرجل عمدًا وللمقتول
ورثة صغار وكبار، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: للكبار أن يقتلوا
صاحبهم إن شاءوا. وكان ابن أبي ليلى يقول: ليس لهم أن
(1/143)
يقتلوا حتى يكبر الأصاغر. وبه نأخذ. حدثنا
أبو يوسف عن رجل عن أبي جعفر أن الحسن بن علي رضي الله عنهما قتل ابن ملجم
بعلى. وقال أبو يوسف: وكان لعلي أولاد صغار.
قال: وإذا اقتتل القوم فانجلوا عن قتيل لم يدر أيهم أصابه، فإن أبا حنيفة
رضي الله عنه كان يقول: هو على عاقلة القبيلة التي وجد فيها إذا لم يدع ذلك
أولياء القتيل على غيرهم، وكان ابن أبي ليلى رحمه الله تعالى يقول: هو على
عاقلة الذين اقتتلوا جميعًا إلا أن يدعى أولياء القتيل على غير أولئك.
وبهذا نأخذ.
(1/144)
قال: وإذا أصيب الرجل وبه جراحة فاحتمل فلم
يزل مريضًا حتى مات، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: ديته على تلك
القبيلة التي أصيب فيهم. قال محمد: وبه نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: ليس
عليهم شيء. وكان أبو حنيفة رضي الله عنه يقول: القصاص لكل وارث. وبه نأخذ.
وكان ابن أبي ليلى يجعل لكل وارث قصاصا إلا الزوج والمرأة
(1/145)
قال: وإذا وجد القتيل في قبيلة، فإن أبا
حنيفة رضي الله عنه كان يقول: القسامة على أهل الخطة والعقل عليهم وليس على
السكان ولا على المشترين شيء. وبه نأخذ. ثم قال أبو يوسف بعد: على المشترين
والسكان وأهل
(1/146)
الخطة. وكان ابن أبي ليلى يقول: الدية على
السكان والمشترين معهم وأهل الخطة وكذلك إذا وجد في الدار فهو على أهل
القبيلة: قبيلة تلك الدار والسكان الذين فيها في قول ابن أبي ليلى. وكان
أبو حنيفة رضي الله عنه يقول: على عاقلة أرباب الدور خاصة وإن كانوا
مشترين. وأما السكان فلا. وبهذا نأخذ ثم رجع أبو يوسف إلى قول ابن أبي
ليلى. وقول أبي حنيفة المعروف: ما بقى من أهل الخطة رجل فليس على المشتري
شيء.
قال: وإذا قطع رجل يد امرأة أو امرأة يد رجل، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه
كان يقول: ليس في هذا قصاص، ولا قصاص فيما بين الرجال والنساء فيما دون
النفس ولا فيما بين الأحرار والعبيد فيما
(1/147)
دون النفس، ولا قصاص بين الصبيان في النفس
ولا غيرها، وكذلك حدثنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم. وبه نأخذ. وكان ابن
أبي ليلى يقول: القصاص بينهم في ذلك وفي جميع الجراحات التي يستطاع فيها
القصاص.
قال: وإذا قتل الرجل رجلا بعصا أو بحجر فضربه ضربات حتى مات من ذلك، فإن
أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: لا قصاص بينهما. وكان ابن ابي ليلى يقول:
بينهما القصاص. وبه نأخذ
(1/148)
قال: وإذا عض الرجل يد الرجل فانتزع
المعضوض يده فقلع سنا من أسنان العاض، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان
يقول: لا ضمان عليه في السن لأنه قد كان له أن ينزع يده من فيه، وبه نأخذ.
وقد بلغا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن رجلا عض يد رجل فانتزع
يده من فيه فنزع ثنيته فأبطلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال:
((أيعض أحدكم أخاه عض الفحل)). وكان ابن أبي ليلى يقول: هو ضامن لديه السن.
وهما يتفقان فيما سوى ذلك مما يجنى في الجسد سواء في الضمان.
(1/149)
قال: وإذا نفحت الدابة برجلها وهي تسير،
فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: لا ضمان على صاحبها، لأنه بلغنا عن
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((الرجل جبار)). وبه نأخذ. وكان
ابن أبي ليلى يقول: هو ضامن في هذا لما أصابت.
(1/150)
قال: وكان أبو حنيفة رضي الله عنه يقول في
الرجل إذا قتل العبد: إن قيمته على عاقلة القاتل. وبه نأخذ، وكان ابن أبي
ليلى يقول: لا تعقله العاقلة. ثم رجع أبو يوسف فقال: هو مال لا تعقله
العاقلة وعلى القاتل قيمته بالغا ما بلغ حالا.
(1/151)
باب السرقة
قال أبو يوسف رضي الله عنه: وإذا أقر الرجل بالسرقة مرة واحدة والسرقة
تساوي عشرة دراهم فصاعدًا، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: أقطعه،
ويقول: إن لم أقطعه جعلته عليه دينا ولا قطع في الدين. وكان ابن أبي ليلى
يقول: لا أقطعه حتى يقر مرتين. وبهذا نأخذ. ثم رجع إلى قول أبي حنيفة.
وإن كان المسروق منه غائبا، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه قال: لا أقطعه
(1/152)
وبهذا نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: أقطعه
إذا أقر مرتين وإن كان المسروق منه غائبًا.
قال: وإن كانت السرقة تساوي خمسة دراهم، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان
يقول: لا قطع فيها. بلغنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
(1/153)
وعن علي وعن ابن مسعود رضي الله عنهما أنهم
قالوا: لا تقطع اليد إلا في عشرة دراهم. وبهذا نأخذ. وكان ابن أبي ليلى
يقول: تقطع اليد في خمسة دراهم ولا تقطع في دونها.
(1/155)
قال: وإذا شهد الشاهدان على رجل بالسرقة
والمسروق منه غائب، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: لا أقبل الشهادة
والمسروق منه غائب، أرأيت لو قال: لم يسرق مني شيئا أكنت أقطع السارق؟ وبه
نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: أقبل الشهادة عليه وأقطع السارق.
قال: وإذا اعترف الرجل بالسرقة مرتين وبالزنا أربع مرات ثم أنكر بعد ذلك،
فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: يدرأ عنه الحد فيهما جميعا ونضمنه
السرقة. وقد بلغنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين اعترف عنده
ماعز بن مالك رضي الله عنه وأمر به أن يرجم هرب حين
(1/156)
أصابته الحجارة، فقال رسول الله - صلى الله
عليه وسلم -، فهلا خليتم سبيله!، حدثنا بذلك أبو حنيفة يرفعه إلى النبي -
صلى الله عليه وسلم -. وبه نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: لا أقبل رجوعه
فيهما جميعا وأمضى عليه الحد.
قال: وإذا دخل الرجل من أهل الحرب إلينا بأمان فسرق عندنا سرقة، فإن أبا
حنيفة رضي الله عنه كان يقول: يضمن السرقة ولا يقطع، لأنه
(1/157)
لم يأخذ الأمان لتجرى عليه الأحكام. وكان
ابن أبي ليلى يقول: تقطع يده، وبه نأخذ. ثم رجع إلى قول أبي حنيفة رضي الله
عنهما.
باب القضاء
قال أبو يوسف رضي الله عنه: وإذا أثبت القاضي في ديوانه الإقرار وشهادة
الشهود ثم رفع إليه ذلك وهو لا يذكره، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان
يقول: لا ينبغي له أن يجيزه. وكان ابن أبي ليلى يجيز ذلك. وبه نأخذ. قال
أبو حنيفة رضي الله عنه: إن كان يذكره ولم يثبته
(1/158)
عنده أجازه. وبه نأخذ. وكان ابن أبي ليلى
يقول: لا يجيزه حتى يثبته عنده، وإن ذكره.
قال: وإذا جاء رجل بكتاب قاض إلى قاض والقاضي لا يعرف كتابه ولا خاتمه، فإن
أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: لا ينبغي للقاضي الذي أتاه الكتاب أن
يقبله حتى يشهد شاهدا عدل على خاتم القاضي وعلى ما في الكتاب كله إذا قرئ
عليه، عرف القاضي الكتاب والخاتم أو لم يعرفه، ولا يقبله إلا بشاهدين على
ما وصفت، لأنه حق، وهو مثل شهادة على شهادة. وقال: لا يقبل الكتاب حتى يشهد
الشهود أنه قرأه عليهم وأعطاه نسخة معهم يحضرونها هذا القاضي مع كتاب
القاضي. وبه نأخذ. ثم رجع أبو يوسف. وكان ابن أبي ليلى يقول: إذا شهدوا على
خاتم
(1/159)
القاضي قبل ذلك منهم، وبه نأخذ.
قال: وإذا قال الخصم للقاضي: لا أقر ولا أنكر، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه
كان يقول: لا أجبره على ذلك ولكنه يدعو المدعي بشهوده. قال: وكان ابن أبي
ليلى لا يدعه حتى يقر أو ينكر. وكان أبو يوسف إذا سكت يقول له: احلف
مرارًا، فإن لم يحلف قضى عليه.
قال: وإذا أنكر الخصم الدعوى ثم جاء بشهادة الشهود على المخرج
(1/160)
منه، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول:
أقبل ذلك منه. وبهذا نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: لا أقبل منه بعد
الإنكار مخرجا. وتفسير ذلك أن الرجل يدعى قبل الرجل الدين فيقول: ما له
قبلي شيء، فيقيم الطالب البينة على ماله ويقيم الآخر البينة أنه قد أوفاه
إياه. وقال أبو حنيفة: المطلوب صادق بما قال: ليس قبلي شيء، وليس قوله هذا
با كذاب لشهوده على البراءة.
قال: وإذا ادعى رجل قبل رجل دعوى، فقال: عندي المخرج، فإن أبا حنيفة رضي
الله عنه كان يقول: ليس هذا عندي بإقرار إنما يقول: عندي البراءة، وقد تكون
عنده البراءة من الحق ومن الباطل. وبهذا نأخذ.
(1/161)
وكان ابن أبي ليلى يقول: هذا إقرار فإن جاء
بمخرج وإلا ألزمه الدعوى وأبو حنيفة يقول: إن لم يأت بالمخرج لم تلزمه
الدعوى إلا ببينة.
قال: وإذا أقر الرجل عند القاضي بشيء فلم يقض به القاضي عليه ولم يثبته في
ديوانه ثم خاصمه إليه فيه بعد ذلك، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه قال: إذا
ذكر القاضي ذلك أمضاه عليه. وبهذا نأخذ، وكان ابن أبي ليلى رحمه الله يقول:
لا يمضي ذلك عليه وإن كان ذاكرا له حتى يثبته في ديوانه.
(1/162)
باب الفرية
قال أبو يوسف: وإذا قال رجل لرجل من العرب: يا نبطي أو لست من بني فلان
لقبيلة، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: لا حد عليه في ذلك وإنما
قوله هذا مثل قوله يا كوفي يا بصري يا شامي. حدثنا أبو يوسف عمن حدثه عن
عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس رضي الله عنهما بذلك. وأما قوله: لست من بني
فلان، فهو صادق ليس هو من ولد فلان لصلبه وإنما هو من ولد الولدان، القذف
هاهنا إنما وقع على أهل الشرك الذين كانوا في الجاهلية. وبهذا نأخذ، وكان
ابن أبي ليلى يقول: فيهما جميعًا الحد.
قال: وإذا قال الرجل لرجل: لست ابن فلان وأمه أمة أو نصرانية وأبوه مسلم،
فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: لا حد على القاذف
(1/163)
إنما وقع القذف هاهنا على الأم ولا حد على
قاذفها. وبه نأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول في ذلك: عليه الحد.
قال: وإذا قذف رجل رجلا فقال: يا ابن الزانيين وقد مات الأبوان، فإن أبا
حنيفة رضي الله عنه كان يقول: إنما عليه حد واحد لأنها كلمة واحدة. وبهذا
نأخذ، إن فرق القول أو جمعه فهو سواء وعليه حد واحد، وكان ابن أبي ليلى
يقول: عليه حدان ويضربه الحدين في مقام واحد
(1/164)
وقد فعل ذلك في المسجد وإذا قال الرجل
للرجل: يا ابن الزانيين أو قالت المرأة للرجل: يا ابن الزانيين والأبوان
حيان، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: إذا كانا حيين بالكوفة لم يكن
على قاذفهما الحد إلا أن يأتيا يطلبان ذلك ولا يضرب الرجل حدين في مقام
واحد وإن وجبا عليه
(1/165)
جميعًا. وبه نأخذ.
قال: ولا يكون في هذا أبدا إلا حد واحد. وكان ابن أبي ليلى يضربهما جميعا
حدين في مقام واحد ويضرب المرأة قائمة ويضربهما حدين في كلمة واحدة ويقيم
الحدود في المسجد أظن أبا حنيفة رضي الله عنه قال: لا
(1/166)
ولا يكون على من قذف بكلمة أو كلمتين أو
جماعة أو فرادى إلا حد واحد، فإن أخذه بعضهم فحد له كان لجميع ما قذف.
بلغنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وبه نأخذ. وقال: لا تقام
الحدود في المساجد.
قال: ومن قذف ابا رجل وأبوه حي لم يحد له حتى يكون الأب الذي يطلب. وإذا
مات كان للابن أن يقوم بالحد. وإن كان له عدة بنين فأيهم قام به حد له.
وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: لا يضرب الرجل حدين في مقام واحد وإن وجبا
عليه جميعًا ولكنه يقيم عليه أحدهما ثم يحبس حتى يخف الضرب ثم يضرب الحد
الآخر، وإنما الحدان في شرب وقذف أوزنا وقذف، أوزنا وشرب، فأما قذف كله
وشرب كله مرارًا أوزنا مرارا فإنما عليه حد واحد
(1/167)
قال: ولو كان الأبوان المقذوفان حيين كانا
بمنزلة الميتين في قول ابن أبي ليلى. وأما في قول أبي حنيفة فلا حق للولد
حتى يجيء الوالدان أو أحدهما يطلب قذفه وإنما عليه حد واحد في ذلك كله.
قال: وإذا قذف الرجل رجلا ميتا، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: لا
يأخذ بحد الميت إلا الولد أو الوالد. وبهذا نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول:
يأخذ أيضًا الأخ والأخت، وأما غير هؤلاء فلا.
قال: وإذا قذف الرجل امرأته وشهد عليه الشهود بذلك وهو يجحد، فإن أبا حنيفة
رضي الله عنه كان يقول: إذا رفع إلى الإمام خبره حبسه حتى يلاعن، وبهذا
نأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول: إذا جحد ضربته الحد ولا أجبره على اللعان
منها إذا جحد
(1/168)
باب النكاح
قال أبو يوسف رضي اله عنه: وإذا تزوج المرأة بغير مهر مسمى فدخل بها، فإن
لها مهر مثلها من نسائها، لا وكس ولا شطط. وقال أبو حنيفة رضي الله عنه:
نساؤها أخواتها وبنات عمها، وبه نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: نساؤها أمها
وخالاتها.
قال: وإذا زوج الرجل ابنته وهي صغيرة ابن أخيه وهو صغير يتيم في حجره، فإن
أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: النكاح جائز وله
(1/169)
الخيار إذا أدرك. وبه نأخذ. وكان ابن أبي
ليلى يقول: لا يجوز ذلك عليه حتى يدرك. ثم رجع أبو يوسف وقال: إذا زوج
الولي فلا خيار وهو مثل الأب.
قال: وإذا تزوج الرجل المرأة وامرأة أبيها، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان
يقول: هو جائز. بلغنا ذلك عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما أنه فعل ذلك،
وبه نأخذ: تزوج عبد الله بن جعفر امرأة على رضي الله
(1/170)
عنهم وابنته جميعا، وكان ابن أبي ليلى
يقول: لا يجوز النكاح. وقال: كل امرأتين لو كانت إحداهما رجلا لم يحل لها
نكاح صاحبتها فلا ينبغي للرجل أن يجمع بينهما
(1/171)
قال: وإذا نظر الرجل إلى فرج المرأة من
شهوة، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: تحرم على ابنه وعلى أبيه،
وتحرم عليه أمها وابنتها.
(1/172)
بلغنا ذلك عن إبراهيم. وبلغنا عن عمر بن
الخطاب رضي الله عنه أنه خلا بجارية له فجردها وأن ابنا له استوهبها فقال
له: إنها لا تحل لك. وبلغنا
(1/173)
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال:
ملعون من نظر إلى فرج امرأة وأمها وبه نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: لا
يحرم من ذلك شيء ما لم يلمسه.
قال: وإذا نظر الرجل إلى فرج أمته من شهوة، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان
يقول: لا تحل لأبيه ولا لابنه، ولا تحل له أمها ولا بنتها، وبه نأخذ، وكان
ابن أبي ليلى يقول: هي له حلال حتى يلمسها.
(1/174)
قال: وإذا تزوج الرجل المرأة بشاهدين من
غير أن يزوجها ولي والزوج كفء لها، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول:
النكاح جائز ألا ترى أنها لو رفعت أمرها إلى الحاكم وأبى وليها أن يزوجها
كان للحاكم أن يزوجها ولا يسعه إلا ذلك ولا ينبغي له غيره؟ فكيف يكون ذلك
من الحاكم والولي جائزا ولا يجوز ذلك منها وهي قد وضعت نفسها في الكفاءة؟
بلغنا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن امرأة زوجت ابنتها فجاء أولياؤها
فخاصموا الزوج إلى علي رضي الله عنه فأجاز على النكاح. وكان ابن
(1/175)
أبي ليلى لا يجيز ذلك. وقال أبو يوسف: هو
موقوف وإن رفع إلى الحاكم وهو كفء أجزت ذلك كأن القاضي هاهنا ولي بلغه أن
ابنته قد تزوجت فأجاز ذلك.
قال: وإذا تزوج الرجل المرأة فأعلن المهر وقد كان أسر قبل ذلك مهرا وأشهد
شهودا عليه وأعلم الشهود أن المهر الذي يظهره فهو كذا وكذا سمعة يسمع بها
القوم وأن أصل المهر هو كذا وكذا الذي في السر ثم تزوج فأعلن الذي قال، فإن
أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: المهر هو الأول
(1/176)
وهو المهر الذي في السر والسمعة باطل الذي
أظهر للقوم. وبه نأخذ
(1/177)
وكان ابن أبي ليلى يقول: السمعة هي المهر
والذي أسر باطل. أخبرنا أبو يوسف عن مطرف عن عامر قال: إذا أسر الرجل مهرًا
وأعلن أكثر من ذلك أخذ بالعلانية. أخبرنا أبو يوسف عن الحسن بن عمار عن
الحكم عن شريح وإبراهيم مثله.
قال: وإذا زوج الرجل ابنته وقد أدركت، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان
يقول: إذا كرهت ذلك لم يجز النكاح عليها لأنها قد أدركت وملكت أمرها فلا
تكره على ذلك. بلغنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:
(1/178)
والبكر تستأمر في نفسها وإذنها صماتها، فلو
كانت إذا أكرهت أجبرت على ذلك لم تستأمر. وبه نأخذ. وكان ابن أبي ليلى
يقول: النكاح جائز عليها وإن كرهت.
(1/179)
قال: وإذا تزوج الرجل المرأة ثم اختلفا في
المهر فدخل بها وليسبينهما بينة، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول في
ذلك: لها مهر مثلها إلا أن يكون ما أدعت أقل من ذلك فيكون لها ما ادعت،
وكان ابن أبي ليلى يقول: إنما لها ما سمى لها الزوج وليس لها شيء غير ذلك.
وبه نأخذ. ثم قال أبو يوسف: بعد أن أقر الزوج بما يكون مهر مثلها أو قريبا
منه قبل منه وإلا لم يقبل منه.
(1/180)
قال: وإذا أعتقت الأمة وزوجها حر، فإن أبا
حنيفة رضي الله عنه كان يجعل لها الخيار، إن شاءت اختارت نفسها، وإن شاءت
أقامت مع زوجها. وكان ابن أبي ليلى يقول: لا خيار لها، ومن حجة ابن أبي
ليلى في بريرة أنه يقول: كان زوجها
(1/181)
عبدا. ومن حجة أبي حنيفة في ذلك أنه يقول:
إن الأمة لا تملك نفسها ولا نكاحها. وقد بلغنا عن رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - أنه خير بريرة حين عتقت. وقد بلغنا عن عائشة رضي الله عنها أن
زوج بريرة
(1/182)
كان حرًا.
قال: وإذا تزوجت وزوجها غائب كان قد نعى إليها فولدت من زوجها الآخر ثم جاء
زوجها الأول، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: الولد للأول وهو صاحب
الفراش. وقد بلغنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((الولد
للفراش وللعاهر الحجر)). وكان ابن أبي ليلى يقول
(1/183)
الولد للآخر لأنه ليس بعاهر. والعاهر:
الزاني لأنه متزوج. وكذلك بلغنا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وبه
نأخذ.
(1/184)
باب الطلاق
قال: أخبرنا أبو يوسف عن الأشعث بن سوار عن الحكم عن إبراهيم عن ابن مسعود
رضي الله عنه أنه كان يقول في الحرام: إن نوى به يمينًا فيمين وإن نوى
طلاقا فطلاق وهو ما نوى من ذلك. وإذا قال الرجل:
(1/186)
كل حل على حرام، فإن أبا حنيفة رضي الله
عنه كان يقول: القول قول الزوج، فإن لم يعن طلاقا فليس بطلاق وإنما هي يمين
يكفرها، وإن عنى الطلاق ونوى ثلاثا فثلاث، وإن نوى واحدة فواحدة بائنة، وإن
نوى طلاقا ولم ينو عددا فهي واحدة بائنة. وكذا إذا قال لامرأته: هي على
(1/187)
حرام. وكذلك إذا قال لامرأته: خلية أو برية
أو بائن أو بتة فالقول
(1/188)
قول الزوج وهو ما نوى، إن نوى واحدة فهي
واحدة بائنة، وإن نوى ثلاثًا فثلاث بلغنا ذلك عن شريح وإن نوى اثنتين فهي
واحدة بائنة، وإن
(1/189)
لم ينو طلاقا فليس بطلاق غير أن عليه
اليمين ما نوى طلاقا. وبه نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول في جميع ما ذكرت:
هي ثلاث تطليقات لاندينه في شيء منها ولا نجعل القول قوله في شيء من ذلك.
قال: وإذا قال الرجل لامرأته: أمرك في يدك فقالت: قد طلقت نفسي ثلاثا، فإن
أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: إذا كان الزوج نوى ثلاثا فهي ثلاث، وإن
كان نوى واحدة فهي واحدة بائنة. وبه نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: هي ثلاث
ولا يسأل الزوج عن شيء.
(1/190)
قال: وكان أبو حنيفة رضي الله عنه يقول في
الخيار: إن اختارت نفسها فواحدة بائنة، وإن اختارت زوجها فلا شيء. وبه
نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: إن اختارت نفسها فواحدة يملك بها الرجعة،
وإن اختارت زوجها فلا شيء.
(1/191)
قال: وإذا قال الرجل لامرأته ولم يدخل بها:
أنت طالق أنت طالق أنت طالق، طلقت بالتطليقة الأولى ولم يقع عليها
التطليقتان الباقيتان. وهذا قول أبي حنيفة رضي الله عنه. بلغنا عن عمر بن
الخطاب وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت وإبراهيم رضي الله عنه بذلك، لأن
امرأته ليست عليها
(1/192)
عدة فقد بانت منه بالتطليقة الأولى وحلت
للرجال، ألا ترى أنها لو تزوجت بعد التطليقة الأولى قبل أن يتكلم بالثنية
زوجا كان نكاحها جائزًا؟ فكيف يقع عليها الطلاق وهي ليست بامرأته وهي امرأة
غيره؟ وبه نأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول: عليها الثلاث التطليقات إذا كانت
من الرجل في مجلس واحد على ما وصفت لك.
وإذا شهد شاهد على رجل أنه طلق امرأته واحدة وشهد آخر أنه طلقها اثنين، فإن
أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: شهادتهما باطلة لأنهما قد اختلفا، وكان
ابن أبي ليلى يقول: يقع عليها من ذلك تطليقة نهما قد اجتمعا عليها. وبهذا
نأخذ.
(1/193)
قال: وإذا طلق الرجل امرأته ثلاثا وقد دخل
بها، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول في ذلك: لها السكنى والنفقة حتى
تنقضي عدتها، وبه نأخذ. وكان ابن ابي ليلى يقول: لها السكنى وليس لها
النفقة. وقال أبو حنيفة
(1/195)
رضي الله عنه: لم وقد قال الله عز وجل في
كتابه: {فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}؟ وبلغنا عن
عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه جعل للمطلقة ثثا السكنى والنفقة.
قال: وإذا آلى الرجل من امرأته فحلف لا يقربها شهرًا أو شهرين أو ثلاثا، لم
يقع عليه بذلك إيلاء ولا طلاق، لأن يمينه كانت على أقل من أربعة أشهر.
حدثنا بذلك سعيد بن أبي عروبة عن عامر
(1/196)
الأحول عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس
رضي الله عنهما وهو قول أبي حنيفة. وبه نأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول: هو
مول منها إن تركها أربعة أشهر بانت بالايلاء، والايلاء: تطليقة بائنة.
(1/197)
وإذا حلف الرجل لا يقرب امرأته في هذا
البيت أربعة أشهر فتركها أربعة أشهر فلم يقربها فيه نولا في غيره، فإن أبا
حنيفة رضي الله عنه كان يقول: ليس عليه في هذا إيلاء، ألا ترى أن له أن
يقربها في غير ذلك البيت ولا تجب عليه الكفارة؟ وإنما الإيلاء كل يمين تمنع
الجماع أربعة أشهر لا يستطيع أن يقربها إلا أن يكفر يمينه. وبه نأخذ. وكان
ابن أبي ليلى يقول في هذا: هو مول إن تركها أربعة أشهر بانت بالايلاء
والإيلاء تطليقة بائنة.
قال: وإذا ظاهر الرجل من امرأته فقال: أنت على كظهر أمي يوما أو وقت وقا
أكثر من ذلك، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: هو مظاهر منها لا
يقربها في ذلك الوقت حتى يكفر كفارة الظهار، فإذا مضى ذلك الوقت سقطت عنه
الكفارة وكان له أن يقربها بغير كفارة. وبه نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول:
هو مظاهر منها أبدا، وإن مضى ذلك الوقت فهو مظاهر لا يقربها حتى يكفر كفارة
الظهار.
(1/198)
قال: وإذا ارتد الزوج عن الإسلام وكفر، فإن
أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: بانت منه امرأته إذا ارتد، لا تكون مسلمة
تحت كافر. وبه نأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول: هي امرأته على حالها حتى
يستتاب، فإن تاب فهي امرأته، وإن أبى قتل وكان لها ميراثها منه.
قال: وإذا رجعت المرأة من أهل الإسلام إلى الشرك، كان هذا والباب الأول
سواء في قولهما جميعا، غير أن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: يعرض على
المرأة الإسلام، فإن أسلمت خلى سبيلها، وإن أبت حبست في السجن حتى تنوب ولا
تقتل. بلغنا ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(1/199)
وكان ابن أبي ليلى يقول: إن لم تتب قتلت،
وبه نأخذ. ثم رجع إلى قول أبي حنيفة رضي الله عنه، وكيف تقتل وقد نهى رسول
الله - صلى الله عليه وسلم -
(1/200)
عن قتل النساء في الحروب من أهل الشرك؟
فهذه مثلهم.
(1/201)
قال: وإذا قال الرجل: كل امرأة أتزوجها فهي
طالق، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: هو كما قال، وأي امرأة تزوجها
فهي طالق واحدة. وبهذا نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: لا يقع عليه الطلاق،
(1/202)
لأنه عمم فقال: كل امرأة أتزوجها، فإذا سمى
امرأة مسماة أو مصرا بعينه أو جعل ذلك إلى أجل، فقولهما فيه سواه، ويقع به
الطلاق.
قال: وإذا قال الرجل لامرأة: إن تزوجتك فأنت طالق أو قال: إذا تزوجت إلى
كذا وكذا من الأجل امرأة فهي طالق، أو قال: كل امرأة أتزوجها من قرية كذا
وكذا فهي طالق، أو من بني فلان فهي طالق، فهما جميعًا كانا يقولان: إذا
تزوج تلك فهي طالق، وإن دخل بها فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: لها
مهر ونصف مهر بالدخول ونصف مهر بالطلاق الذي وقع عليها قبل الدخول، وبه
نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: لها نصف مهر، ويفرق بينهما في قولهما
جميعًا.
(1/203)
قال: وإذا قذف الرجل امرأته وقد وطئت وطئًا
حراما قبل ذلك، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: لا حد عليه ولا لعان.
وبه نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: عليه الحد. ولو قذفها غير زوجها لم يكن
عليه حد
(1/204)
في قول أبي حنيفة، وكان ابن أبي ليلى يقول:
عليه الحد ينبغي في قول ابن أبي ليلى أن يكون مكان الحد اللعان.
قال: وإذا قال الرجل لامرأته: لا حاجة لي فيك، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه
كان يقول: ليس هذا بطلاق وإن أراد به الطلاق. وبه نأخذ.
(1/205)
[وكان ابن أبي ليلى يقول: هي تطلق ثلاثًا]
وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: وكيف يكون هذا طلاقا وهو بمنزلة: لا أشتهيك
ولا أريدك ولا أهواك ولا أحبك؟ فليس في شيء من هذا طلاق.
قال: وإذا قذف الرجل وهو عبد امرأته وهي حرة وقد أعتق نصف العبد أحد
الشريكين وهو يسعى للآخر في نصف قيمته، فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه
كان يقول: هو عبد ما بقى عليه شيء من السعاية وعليه حد العبد. وكان ابن أبي
ليلى يقول: هو حر وعليه اللعان، وبه نأخذ. وكذلك ل شهد شهادة أبطلها أبو
حنيفة وأجازها ابن أبي ليلى، ولو قذف رجل هذا العبد الذي يسعى في نصف قيمته
لم يكن عليه حد في قول أبي حنيفة رضي الله عنه، لأنه بمنزلة العبد، وكان
على قاذفه الحد في قول ابن أبي ليلى، وبه نأخذ. ولو قطع هذا العبد يد رجل
متعمدا لم يكن عليه
(1/206)
القصاص في قول أبي حنيفة رضي الله عنه. وبه
نأخذ، وهو بمنزلة العبد، وكان عليه القصاص في قول ابن أبي ليلى، وهو بمنزلة
الحر في كل قليل أو كثير أو حد أو شهادة أو غير ذلك، وهو في قول أبي حنيفة
رضي الله عنه بمنزلة العبد ما دام عليه درهم من قيمته. وكذلك هو في قولهما
جميعًا لو أعتق جزءًا من مائة جزء أو بقى عليه جزء من مائة جزء من كتابته
إن شاء الله تعالى، وإن كان أمة بين اثنين ولها زوج عبد أعتقها أحد موليها
وقضى عليها بالسعاية للآخر، لم يكن لها خيار في النكاح في قول أبي حنيفة
حتى تفرغ من السعاية وتعتق، وكان لها الخيار في قول ابن أبي ليلى يوم يقع
العتق عليها. وبه نأخذ. ولو طلقت يومئذ كانت عدتها وطلاقها في قول أبي
حنيفة
(1/207)
رضي الله عنه عدة أمة وطلاق أمة، وكانت
عدتها وطلاقها في قول ابن أبي ليلى عدة حرة وطلاق حرة. ولو لم يكن لها زوج
وأرادت أن تتزوج لم يكن لها ذلك حتى يأذن الذي له عليها السعاية. فهي في
قول أبي حنيفة بمنزلة الأمة، وفي قول ابن أبي ليلى بمنزلة الحرة.
قال: وإذا قال الرجل لامرأته: أنت طالق إن شاء فلان وفلان غائب لا يدري أحي
هو أو ميت أو فلان ميت قد علم بذلك، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول:
لا يقع عليها الطلاق، وبهذا نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: يقع عليها
الطلاق. قال أبو حنيفة: وكيف يقع عليها الطلاق ولم يشأ فلان؟
قال: وإذا قذف الرجل امرأته وقامت لها البينة وهو يجحد، فإن أبا حنيفة رضي
الله عنه كان يقول: يلاعن، وبه نأخذ، وان ابن أبي ليلى يقول: يلاعن ويضرب
الحد.
(1/208)
وإذا تزوج العبد بغير إذن مولاه فقال له
مولاه: طلقها، فإن أبا حنيفة كان يقول: ليس هذا بإقرار بالنكاح إنما أمره
بأن يفارقها فكيف يكون هذا إقرارًا بالنكاح؟ وبه نأخذ. وكان ابن أبي ليلى
يقول: هذا إقرار بالنكاح.
قال: وإذا طلق الرجل امرأته تطليقة بائنة فأراد أن يتزوج في عدتها
(1/209)
خامسة، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان
يقول: لا أجيز ذلك وأكرهه له. وكان ابن ابي ليلى يقول: هو جائز. وبه نأخذ.
قال: وإذا طلق الرجل امرأته ثلاثا وهو مريض، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه
كان يقول: إن مات بعد انقضاء العدة فلا ميراث لها منه، وبه نأخذ. وكان ابن
أبي ليلى يقول: لها الميراث ما لم تتزوج.
قال: وإذا طلق الرجل امرأته في صحته ثلاثا فجحد ذلك الزوج وادعته
(1/210)
عليه المرأة ثم مات الرجل بعد أن استحلفه
القاضي، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: لا ميراث لها. وبه نأخذ.
وكان ابن أبي ليلى يقول: لها الميراث إلا أن تقر بعد موته أنه كان طلقها
ثلاثًا.
(1/211)
قال: وإذا خلا الرجل بامرأته وهي حائض أو
وهي مريضة ثم طلقها قبل أن يدخل بها، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول:
لها نصف المهر وبه نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: لها المهر كاملا.
وإذا قال الرجل لامرأته: إن ضممت إليك امرأة فأنت طالق واحدة فطلقها فبانت
منه وانقضت العدة ثم تزوج امرأة أخرى ثم تزوج تلك المرأة التي حلف عليها،
فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: لا يقع عليها الطلاق من قبل أنه لم
يضمها إليها. وبه نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: يقع عليها الطلاق.
(1/212)
قال: وإذا قال الرجل: إن تزوجت فلانة فهي
طالق فتزوجها على مهر مسمى ودخل بها، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول:
هي طالق واحدة بائنة وعليها العدة ولها مهر ونصف. نصف من ذلك بالطلاق، ومهر
بالدخول. وبه نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: لها نصف مهر بالطلاق وليس لها
بالدخول شيء، ومن حجته في ذلك أن رجلا آلى من امرأته فقدم بعد أربعة أشهر
فدخل بامرأته، ثم أتى ابن مسعود رضي الله عنه
(1/213)
فأمره أن يخطبها فخطبها وأصدقها صداقا
مستقبلا، ولم يبلغنا أنه جعل في ذلك الوطء صداقا. ومن حجة أبي حنيفة رضي
الله عنه أنه قال: قد وقع الطلاق قبل الجماع فوجب لها نصف المهر، وجامعها
بشبهة فعلية المهر، ولو لم أجعل عليه المهر جعلت عليه الحد. وقال أبو
حنيفة: كل جماع يدرأ فيه الحد ففيه صداق لابد من الصداق، إذا درأت الحد وجب
الصداق.
(1/214)
وإذا لم أجعل الصداق فلابد من الحد. قال
أبو يوسف: حدثني محدث عن حماد عن إبراهيم أنه قال فيه: لها مهر ونصف مهر،
مثل قول أبي حنيفة.
وإذا قال الرجل لامرأته: إن دخلت الدار فأنت طالق إن شاء الله فدخلت الدار،
فإن أبا حنيفة وابن أبي ليلى رضي الله عنهما قالا: لا يقع الطلاق. ولو قال:
أنت طالق إن شاء الله ولم يقل: إن دخلت الدار، فإن أب حنيفة رضي الله عنه
قال: لا يقع الطلاق. وقال: هذا والأول سواء، وبه نأخذ. حدثنا أبو حنيفة عن
حماد عن إبراهيم أنه قال في ذلك: لا يقع الطلاق ولا العتاق وأخبرنا عبد
الملك بن أبي سليمان عن عطاء بن أبي رباح أنه قال: لا يقع الطلاق [وقال ابن
أبي ليلى: يقع الطلاق هنا،
(1/215)
وكذلك العتاق]
قال: وإذا طلق الرجل امرأته واحدة فانقضت عدتها فتزوجت زوجا ودخل بها ثم
طلقها ثم تزوجها الأول، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه قال: هي على الطلاق
كله. وبه نأخذ. وقال ابن أبي ليلى: هي على ما بقى.
(1/216)
باب الحدود
قال أبو يوسف رضي الله عنه: وإذا أقيم الحد على البكر وجلد مائة جلدة، فإن
أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: لا أنفيه من قبل أنه بلغنا عن علي بن أبي
طالب رضي الله عنه أنه نهى عن ذلك وقال: كفى بالنفي فتنة. وبه نأخذ. وكان
ابن أبي ليلى يقول: ينفي سنة إلى بلد غير بلد
(1/218)
الذي فجر ب، وروى ذلك عن رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - وعن أبي بكر وعلي رضي الله عنه.
قال: وإذا زنى المشركان وهما ثيبان، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه قال:
(1/220)
ليس على واحد منهما الرجم. وكان ابن أبي
ليلى يقول: عليهما الرجم. ويروى ذلك عن نافع عن ابن عمرو رضي الله عنهما عن
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((أنه رجم يهوديًا ويهودية)). وبه نأخذ
(1/221)
قال أبو يوسف: قال أبو حنيفة: لا تقام
الحدود في المساجد، وروى
(1/222)
ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وبه نأخذ. وكان ابن أبي ليلى رحمه الله يقول: نقيم الحدود في المساجد، وقد
فعل ذلك.
قال أبو يوسف رضي اله عنه: وإذا وطئ الرجل جارية أمه فقال: ظننت أنها تحل
لي، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: يدرأ عنه الحد.
(1/223)
فإذا أقر بذلك في مقام واحد أربع مرات لم
يحد وعليه المهر. وبه نأخذ، وقال ابن أبي ليلى وأنا أسمع: أقر عندي رجل أنه
وطئ جارية أمه فقال له: أوطئتها؟ قال: نعم. فقال له: أوطئتها؟ قال: نعم.
فقال له: أوطئتها؟ قال: نعم. قال له الرابعة: وطئتها؟ قال: نعم. قال ابن
أبي ليلى: فأمرت به فجلد الحد.
(1/224)
وأمرت الجلواز فأخذه بيده فأخرجه من باب
الجسر نفيًا. قال أبو حنيفة رضي الله عنه: ليس ينبغي للحاكم أن يقول له:
أفعلت؟ ولا توجب عليه الحد بإقرار أربع مرات في مقام واحد. ولو قال: وطئت
جارية أمي في أربعة مواطن لم يكن عليه حد، لأن الوطء قد يكون حلالا وحرامًا
فلم يقر هذا الزنا والله تعالى أعلم.
(1/226)
|