الاختيار لتعليل المختار كِتَابُ الْآبِقِ أَخْذُهُ أَفْضَلُ إِذَا
قَدَرَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ الضَّالُّ وَيَدْفَعُهُمَا إِلَى
السُّلْطَانِ، وَيُحْبَسُ الْآبِقُ دُونَ الضَّالِّ، وَمَنْ رَدَّ الْآبِقَ
عَلَى مَوْلَاهُ مِنْ مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا فَلَهُ
عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا وَبِحِسَابِهِ إِنْ نَقَصَتِ الْمُدَّةُ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
لَوْ ضَاعَتِ اللُّقَطَةُ فَوَجَدَهَا آخَرُ لَا يَكُونُ الْأَوَّلُ
خِصْمًا فِيهَا ; لِأَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي الِالْتِقَاطِ وَلَيْسَ
كَالْمُسْتَوْدَعِ ; لِأَنَّ حِفْظَ الْوَدِيعَةِ عَلَيْهِ فَلَهُ
أَخْذُهَا.
قَالَ: (وَمَنِ ادَّعَى اللُّقَطَةَ يَحْتَاجُ إِلَى الْبَيِّنَةِ) ;
لِأَنَّهَا دَعْوَى (فَإِنْ أَعْطَى عَلَامَتَهَا جَازَ لَهُ أَنْ
يَدْفَعَهَا إِلَيْهِ وَلَا يُجْبَرَ) لِجَوَازِ أَنَّهُ عَرَفَهَا مِنْ
صَاحِبِهَا أَوْ رَآهَا عِنْدَهُ، وَلِأَنَّ حَقَّ الْيَدِ كَالْمِلْكِ
فَلَا تُسْتَحَقُّ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ كَالْمِلْكِ إِلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ
لَهُ الدَّفْعُ عِنْدَ الْعَلَامَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ -: «فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَعَرَّفَ عِفَاصَهَا
وَوِكَاءَهَا فَادْفَعْهَا إِلَيْهِ» فَحَمَلْنَاهُ عَلَى الْإِبَاحَةِ
جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ «الْبَيِّنَةُ عَلَى
الْمُدَّعِي» ، وَلَوْ صَدَّقَهُ وَدَفَعَهَا إِلَيْهِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ
ثُمَّ جَاءَ آخَرُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَ
أَيَّهُمَا شَاءَ، وَلَا يَرْجِعَ الْقَابِضُ عَلَى الدَّافِعِ، وَإِنْ
دَفَعَهَا بِقَضَاءٍ فَهُوَ مَجْبُورٌ فَيَرْجِعُ عَلَى الْقَابِضِ لَا
غَيْرُ.
قَالَ: (وَلُقَطَةُ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ سَوَاءٌ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ
عَرِّفْهَا سَنَةً» مُطْلَقًا، وَلِأَنَّهَا لُقَطَةٌ، وَفِي التَّصَدُّقِ
بَعْدَ سَنَةِ إِيصَالِهَا إِلَى مَالِكِهَا بِقَدْرِ الْوُسْعِ عَلَى مَا
تَقَدَّمَ فَيُشْرَعُ، وَتَأْوِيلُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - فِي الْحَرَمِ: «لَا تَحِلُّ لُقَطَتُهُ إِلَّا لِمُنْشِدٍ»
أَيْ لِمُعَرِّفٍ، وَالتَّخْصِيصُ بِالْحَرَمِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ
السُّقُوطُ طَمَعًا أَنَّهَا لِلْغُرَبَاءِ.
[كِتَابُ الْآبِقِ]
وَهُوَ الْعَبْدُ الْهَارِبُ، أَبَقَ الْعَبْدُ إِذَا هَرَبَ وَتَأَبَّقَ
إِذَا اسْتَتَرَ، وَيُقَالُ: احْتَبَسَ الْآبِقُ إِذَا هَرَبَ وَاسْتَتَرَ
عَنْ مَوْلَاهُ احْتَبَسَ عَنْهُ.
قَالَ: (أَخْذُهُ أَفْضَلُ إِذَا قَدَرَ عَلَيْهِ) ; لِأَنَّهُ إِحْيَاءٌ
لَهُ وَإِبْقَاءٌ لَهُ عَلَى مِلْكِهِ (وَكَذَلِكَ الضَّالُّ) ، وَقِيلَ:
تَرْكُ الضَّالِّ أَوْلَى ; لِأَنَّهُ يَقِفُ مَكَانَهُ فَيَجِدُهُ
صَاحِبُهُ بِخِلَافِ الْآبِقِ.
قَالَ: (وَيَدْفَعُهُمَا إِلَى السُّلْطَانِ) لِعَجْزِهِ عَنْ حِفْظِهِمَا
(وَيَحْبِسُ الْآبِقَ دُونَ الضَّالِّ) ; لِأَنَّهُ يَخَافُ إِبَاقَ
الْآبِقِ دُونَ الضَّالِّ.
قَالَ: (وَمَنْ رَدَّ الْآبِقَ عَلَى مَوْلَاهُ مِنْ مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ
أَيَّامٍ فَصَاعِدًا فَلَهُ عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا وَبِحِسَابِهِ
إِنْ نَقَصَتِ الْمُدَّةُ) لِمَا رُوِيَ عَنْ
(3/35)
فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ
أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فَلَهُ قِيمَتُهُ إِلَّا دِرْهَمًا (س) ، وَأُمُّ
الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرُ كَالْقِنِّ وَالصَّبِيُّ كَالْبَالِغِ،
وَيَنْبَغِي أَنْ يُشْهِدَ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ لِيَرُدَّهُ، وَلَوْ أَبَقَ
مِنْ يَدِهِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ رَهْنًا فَالْجُعْلُ
عَلَى الْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ كَانَ جَانِيًا فَعَلَى مَوْلَاهُ إِنْ
فَدَاهُ، وَعَلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ إِنْ أَعْطَاهُ لَهُ، وَحُكْمُهُ
فِي النَّفَقَةِ كَاللُّقَطَةِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَقُولُ: «جُعْلُ الْآبِقِ أَرْبَعُونَ
دِرْهَمًا» .
وَاجْتَمَعَتِ الصَّحَابَةُ عَلَى وُجُوبِ الْجُعْلِ لَكِنِ اخْتَلَفُوا
فِي مِقْدَارِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ أَرْبَعُونَ، وَمِنْهُمْ مَنْ
قَالَ دُونَهَا، فَقُلْنَا بِوُجُوبِ الْأَرْبَعِينَ فِي مَسِيرَةِ
السَّفَرِ وَمَا دُونَهَا فَمَا دُونَ تَوْفِيقًا بَيْنَ أَقْوَالِهِمْ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَلِأَنَّ ذَلِكَ حَامِلٌ عَلَى رَدِّ الْآبِقِ
وَصِيَانَةٌ لَهُ عَنِ الضَّيَاعِ إِذِ الْحِسْبَةُ قَلِيلَةٌ، وَقَوْلُهُ
فِي نُقْصَانِ الْمُدَّةِ بِحِسَابِهِ أَنَّهُ مُفَوَّضٌ إِلَى رَأْيِ
الْإِمَامِ، وَقِيلَ: يَقْسِطُ لِكُلِّ يَوْمٍ ثَلَاثَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا
وَثُلُثًا فَيُقَدِّرُ الرَّضْخَ بِقَدْرِهِ وَقِيلَ بِاصْطِلَاحِهِمَا.
قَالَ: (فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا
فَلَهُ قِيمَتُهُ إِلَّا دِرْهَمًا) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَهُ الْجُعْلُ
كَامِلًا لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ. وَلَهُمَا أَنَّهُ إِنَّمَا شُرِعَ
ذَلِكَ لِمَصْلَحَةِ الْمَالِكِ فَيَنْقُصُ مِنْ قِيمَتِهِ دِرْهَمٌ
لِتَحْصُلَ لَهُ الْفَائِدَةُ. قَالَ: (وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ
كَالْقَنِّ) ; لِأَنَّهُمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ إِحْيَاءِ الْمِلْكِ
(وَالصَّبِيُّ كَالْبَالِغِ) ; لِأَنَّهُ مَئُونَةُ الْمِلْكِ، وَلَوْ
رَدَّهُ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهِ فَلَا جُعْلَ لَهُمَا ; لِأَنَّ الْحِفْظَ
عَلَيْهِمَا وَهُمَا يَتَوَلَّيَانِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ أَحَدُ
الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْآخَرِ، وَكَذَلِكَ الِابْنُ ; لِأَنَّ الْعَادَةَ
جَرَتْ بِالرَّدِّ مِنْ هَؤُلَاءِ تَبَرُّعًا وَاصْطِنَاعًا، وَلَوْ رَدَّ
عَبْدَ أَبِيهِ أَوْ أَخِيهِ أَوْ سَائِرِ قَرَابَتِهِ لَا جُعْلَ لَهُ
إِنْ كَانَ فِي عِيَالِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلَهُ الْجُعْلُ، وَلَوْ
قَالَ لِغَيْرِهِ: أَبَقَ عَبْدِي إِنْ وَجَدْتَهُ فَخُذْهُ، فَقَالَ:
نَعَمْ، فَرَدَّهُ لَا جُعْلَ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ وَعَدَهُ بِرَدِّهِ
فَصَارَ مُتَبَرِّعًا. رَدَّ أَمَةً وَمَعَهَا وَلَدُهَا فَلَهُ جُعْلٌ
وَاحِدٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَاهِقًا فَيَجِبُ ثَمَانُونَ دِرْهَمًا،
وَلَوْ صَالَحَ عَنِ الْجُعْلِ عَلَى عِشْرِينَ دِرْهَمًا جَازَ، وَلَوْ
صَالَحَهُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ يَحُطُّ الْفَضْلَ لِأَنَّ
الْمُسْتَحَقَّ أَرْبَعُونَ فَالزِّيَادَةُ رِبًا.
قَالَ: (وَيَنْبَغِي أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ لِيَرُدَّهُ) عَلَى
مَا بَيَّنَّا فِي اللُّقَطَةِ مِنَ الِاخْتِلَافِ وَالتَّعْلِيلِ.
قَالَ: (وَلَوْ أَبَقَ مِنْ يَدِهِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ) ; لِأَنَّهُ
أَمَانَةٌ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِي أَخْذِهِ وَلَا شَيْءَ لَهُ
لِأَنَّهُ مَا رَدَّهُ عَلَى مَالِكِهِ. قَالَ: (وَإِنْ كَانَ رَهْنًا
فَالْجُعْلُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ) لِأَنَّهُ وَجَبَ بِجِنَايَةِ الرَّهْنِ
وَهِيَ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ وَلِأَنَّهُ أَحْيَا مَالِيَّتَهُ وَهِيَ
حَقُّهُ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ خَالِيًا عَنِ الدَّيْنِ فَعَلَى
الْمَالِكِ بِقَدْرِهِ مِنَ الْجُعْلِ كَمَا فِي الْفِدَاءِ فِي
الْجِنَايَةِ، وَلِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْقَدْرِ الْمَضْمُونِ عَلَيْهِ،
وَلَوْ كَانَ بَيْنَ جَمَاعَةٍ فَالْجُعْلُ عَلَيْهِمْ بِقَدْرِ
الْأَنْصِبَاءِ ; لِأَنَّهُ مَئُونَةُ الْمِلْكِ (وَإِنْ كَانَ جَانِيًا
فَعَلَى مَوْلَاهُ إِنْ فَدَاهُ، وَعَلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ إِنْ
أَعْطَاهُ لَهُ) ; لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ لِمَنْ يَسْتَقِرُّ الْمِلْكُ لَهُ
وَالْجُعْلُ يَتْبَعُ الْمَنْفَعَتَيْنِ. قَالَ: (وَحُكْمُهُ فِي
النَّفَقَةِ) فِي التَّبَرُّعِ وَإِذْنِ الْقَاضِي وَحَبْسِهِ بِهَا بَعْدَ
الرَّدِّ (كَاللُّقَطَةِ) اشْتَرَى آبِقًا فَرَدَّهُ
(3/36)
|