البحر الرائق شرح كنز الدقائق ط احياء التراث

 ج / 9 ص -50-        50- كتاب الجنايات
______
50- كتاب الجنايات
أورد الجنايات عقيب الرهن؛ لأن كل واحد منهما للوقاية والصيانة، فإن الرهن وثيقة لصيانة المال وحكم الجناية لصيانة النفس، ألا ترى إلى قوله تعالى
{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: من الآية179] ولما كان المال وسيلة لبقاء النفس قدم الرهن على الجنايات بناء على تقدم الوسائل على المقاصد كذا في أكثر الشروح قال في غاية البيان ولكن قدم الرهن؛ لأنه مشروع بالكتاب والسنة بخلاف الجناية؛ لأنها محظورة، فإنها عبارة عما ليس للإنسان فعله ا هـ.. أقول: هذا ليس بشيء؛ لأن المقصود بالبيان في كتاب الجنايات إنما هو أحكام الجنايات دون أنفسها ولا شك أن أحكامها مشروعة ثابتة بالكتاب والسنة وأيضا فلا معنى لتأخيرها من هذه الحيثية، ثم إن الجناية في اللغة اسم لما تجنيه من شيء أي تكسبه وهي في الأصل مصدر جنى عليه شرا جناية وهو عام في كل ما يقبح ويسوء إلا أنه في الشرع خص بفعل محرم حل بالنفوس والأطراف
والأول يسمى قتلا وهو فعل من العباد تزول به الحياة.
والثاني يسمى قطعا وجرحا هذا زبدة ما في الكتاب والشروح. الكلام في الجناية من أوجه:
الأول في معرفة مشروعيتها،
والثاني في سبب وجوبها،
والثالث في تفسيرها لغة،
والرابع في تفسيرها عند الفقهاء،
والخامس في ركنها
والسادس في شرطها،

 

 ج / 9 ص -51-        ...........................................
______
والسابع في حكمها. أما الأول فهو معرفة مشروعيتها لقوله تعالى
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} [البقرة: من الآية178] الآية. وقوله صلى الله عليه وسلم: "العمد قود والقتل عدوان"1 وسبب  مشروعية القصاص رفع الفساد في الأرض وأما معناها لغة فهي في اللغة اسم لما يجنيه المرء من شر وما اكتسبه تسمية للمصدر من جنى عليه شرا وهو عام إلا أنه خص بما يحرم من الفعل وأصله من جنى الثمر وهو أخذه من الشجرة وأما في الشرع فهو اسم لفعل محرم شرعا سواء كان من مال أو نفس لكنه في عرف الفقهاء يراد به عند إطلاقه اسم الجناية الواقعة في النفس والأطراف من الآدمي والجناية الواقعة في المال تسمى غصبا والجناية الواقعة من المحرم أو في الحرم على الصيد جناية المحرم. وأما ركنه فهو القتل وهو فعل مضاف إلى العباد تزول به الحياة بمجرد العادة. وأما شرطه فالمماثلة والمعادلة في الاستيفاء؛ لأن المماثلة مشروطة في أجزية السيئات وضمان العدوانات لقوله تعالى {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا} الأنعام: من الآية160] ولأن في إيجاب الناقض بخسا بحق المظلوم. وفي إيجاب الزيادة جور على الظالم والنجس غير مشروع والحيف حرام فكان الإنصاف والانتصاف في إيجاب المماثلة إلا أنه سقط اعتبار المماثلة في محال الأفعال في الأنفس في نوع ضرورة وهو أن قتل الواحد بطريق الاجتماع غالب وجودا ويظهر من الأفراد نادرا وقوعها فقتل الجماعة بالواحد، ولو اعتبرنا المماثلة في محل الأفعال لأدى إلى فتح باب العدوان وسد باب القصاص وأية فائدة في شرع القصاص فسقط اعتبار المماثلة في الأنفس للضرورة وبقيت المماثلة في الأطراف معتبرة، فإن الإجماع على إتلاف الطرف ليس بغالب بل هو نادر.
وأما حكمه فهو وجوب القصاص والدية والإثم،
قال محمد رحمه الله تعالى القتل على ثلاثة أوجه: عمد وخطأ وشبه عمد،
فالعمد وهو أن يتعمد ضربه بسلاح وما يجري مجراه مما له حد يقطع ويجرح؛ لأن العمد والقصد مما لا يوقف عليه ولكن الضرب بآلة جارحة قابلة قاطعة دليل على القتل فيقام مقام العمد، ثم آلة القتل على ضربين آلة السلاح وغير السلاح أما السلاح فكل آلة جارحة كالسيف والسكين ونحوهما فيقتل به وهو عمد محض، ولو قتله بحديد لا حد له، نحو أن يضربه بعمود أو بصنجة حديد أو نحاس أو صفر فعلى رواية الطحاوي يكون عمدا محضا؛ لأن الحديد إذا لم يجرح يكون عمدا لقوله عليه الصلاة والسلام:
"لا قود إلا من حديد"2 والحديد أصل في القتل به وأنه منصوص عليه في إيجاب القود به والحكم في المنصوص عليه يتعلق بعين النص لا بالمعنى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره الزيلعي في "نصب الراية" "4/427" بلفظ "العمد قود والخطأ دية".
2 أخرجه الدارقطني في "سننه" "3/87".

 

 ج / 9 ص -52-        ...........................................
______
والنص الوارد في الحديد والسيف يكون واردا فيما هو في معناه في الاستعمال دلالة والنحاس يستعمل منه السلاح كما يستعمل من الحديد فيكون الحكم فيه ثابتا بدلالة النص لا بعينه، ولو ضربه بصنجة رصاص لا يكون عمدا؛ لأنه لا يستعمل منه استعمال الحديد وهو السلاح، وأما غير السلاح كالليطة والمروة والرمح الذي لا سنان فيه ونحوه إذا جرحه فهو عمد محض؛ لأنه إذا فرق الأجزاء عمل عمل السيف؛ لأنه حصل ما هو المقصود من الحديد بما هو معتاد له فلا تكون شبهة العمد اعتبار قصور الآلة ولهذا قال إذا أحرق رجلا بالنار يقتل به؛ لأن النار تفرق الأجزاء وتبعضها وتعمل عمل الحديد،
وأما شبه العمد وهو القتل بآلة لم توضع له، ولم يحصل به الموت غالبا مثل السوط الصغير والعصا الصغيرة ونحوه. فأما القتل بالعصا الكبير وبكل آلة مثقلة يحصل بها الموت غالبا لكنها غير جارحة قاطعة بل هي مدققة مكسرة وهو شبه العمد عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى خلافا لهم لما يأتي.
وأما الخطأ وهو ما لو تعمد شبها فيصيب آدميا أو يقصده فيظنه صيدا أو حربيا، فإذا هو مسلم ونوع ما هو ملحق بالخطأ كالنائم إذا انقلب على إنسان فقتله، وكذا القتل بطريق التسبب كحفر البئر ووضع الحجر في الطريق الممر؛ لأنه إذا تسبب للقتل صار كالموقع والدافع ولما لم يقصد القتل هو كالخطأ في الحكم ولا يكون فيما دون النفس شبه العمد؛ لأن ما دون النفس لا يختص إتلافه بآلة دون آلة بل يختص بآلة جارحة قاطعة، فأما القتل يختص بآلات بعضها جارحة قاطعة وبعضها لا يختلف حكم النفس باختلاف الآلات، وأما حكمها فسيأتي، ولا يخفى أن القتل على خمسة أوجه: عمد وخطأ وشبه عمد وما أجري مجرى الخطأ والقتل بسبب،
قال صاحب النهاية وجه الانحصار في هذه الخمسة هو أن القتل إذا صدر عن إنسان لا يخلو إما أن حصل بسلاح أو بغير سلاح، وإن حصل بسلاح إما أن يكون به قصد القتل أو لا، فإن كان فهو عدوان، وإن لم يكن فهو خطأ، وإن لم يكن بسلاح فلا يخلو إما أن يكون جاريا مجرى الخطأ أو لا، فإن كان فهو شبه العمد، وإن لم يكن فلا يخلو إما أن يكون معه قصد التأديب أو الضرب أو لا. فإن كان فهو شبه العمد، وإن لم يكن فلا يخلو إما أن يكون جاريا مجرى الخطأ أو لا، فإن كان فهو الخطأ، وإن لم  يكن فهو القتل بسبب وبهذا الاختصار يعرف تفسير كل واحد منها ا هـ.. أقول: فيه خلل
أما أولا فلأنه جعل القتل خطأ مخصوصا بما حصل بسلاح، وليس كذلك إذ لا شك أن القتل الخطأ كما يكون بسلاح يكون أيضا بما ليس بسلاح كالحجر العظيم والخشبة العظيمة

 

 ج / 9 ص -53-        ...........................................
______
وأما ثانيا فلأن قوله، وإن لم يكن جاريا مجرى الخطأ فهو القتل بسبب ليس بتام؛ لأن ما لا يكون جاريا مجرى الخطأ لا يلزم أن يكون القتل بسبب ألبتة بل يجوز أن يكون القتل بخطإ محض أيضا فلا يتم الحصر في القتل بسبب ولما تنبه صاحب العناية لما في وجه الحصر الذي ذكره صاحب النهاية من القصور، قال في بيان قول المصنف القتل على خمسة أوجه وذلك أنا استقرينا فوجدنا ما يتعلق به شيء من الأحكام المذكورة أحد هذه الأوجه المذكورة، ونقل ما ذكر صاحب النهاية من وجه الحصر، فقال وضعفه وركاكته ظاهران من غير تفصيل وبيان، والمراد بيان قتل يتعلق به الأحكام قال جمهور الشراح إنما قيد به؛ لأن أنواع القتل من حيث هو قتل من غير نظر إلى ضمان القتل وعدم ضمانه أكثر من خمسة أوجه كقتل المرتد والقتل قصاصا والقتل رجما والقتل بقطع الطريق وقتل الحربي حتى قال بعضهم ونظير هذا ما قاله محمد رحمه الله تعالى في كتاب الأيمان. الأيمان ثلاثة، ولم يرد جنس الأيمان؛ لأنها أكثر من ثلاثة يمين بالله تعالى ويمين بالطلاق ويمين بالعتاق والحج والعمرة وإنما أراد بذلك الأيمان بالله تعالى ا هـ.. قال قاضي خان أقول: فيما قالوا نظر إذ الظاهر أن شيئا من أنواع القتل لا يخرج عن الأوجه الخمسة المذكورة في الكتاب بل يدخل كل من ذلك في واحد من تلك الأوجه، فإن ما ذكره من قتل المرتد وقتل الحربي والقتل قصاصا أو رجما أو بقطع الطريق يكون قتلا عمدا إن تعمد القاتل ضرب المقتول بسلاح وما أجري مجرى السلاح، ويكون شبه عمد إن تعمد ضربه بما ليس بسلاح ولا ما أجري مجرى السلاح ويكون خطأ إن لم يكن بطريق التعمد بل كان بطريق الخطإ إلى غير ذلك من الأوجه المذكورة وإنما تكون تلك الأنواع المباحة من القتل خارجة عن الأحكام المذكورة لهذه الأوجه الخمسة فلا معنى للقول بأن أنواع القتل أكثر من خمسة، وإن قلت: كيف يتصور خروج تلك الأنواع من الأحكام للأوجه الخمسة للقتل إلا من نفس هذه الأوجه، وحكم الشيء ما يترتب عليه ويلزمه قلت: قد يكون ترتب الحكم على شيء مشروطا بشرط، ألا ترى أنهم جعلوا وجوب القود من أحكام القتل العمد مع أنه له شروط كثيرة منها كون القاتل عاقلا بالغا إذ لا يجب القود على الصبي والمجنون أصلا ومنها أن لا يكون المقتول جزء القاتل حتى لو قتل الأب ولده عمدا لا يجب عليه القصاص. وكذا لو قتلت الأم ولدها، وكذا الجد والجدة، ومنها أن يكون المقتول ملك القاتل حتى لا يقتل المولى بعبده، ومنها كون المقتول معصوم الدم مطلقا فلا يقتل مسلم ولا ذمي بالكافر الحربي ولا بالمرتد لعدم العصمة أصلا ولا بالمستأمن في ظاهر الرواية؛ لأن عصمته ما ثبتت مطلقة بل مؤقتة إلى غاية مقامه في دار الإسلام صرح بذلك كل ما في عامة المعتبرات فكذا كون القتل بغير حق شرطا لترتيب كل من الأحكام المذكورة للأوجه الخمسة من القتل، وليس شيء مما ذكروا من الأحكام من هذه الأنواع المذكورة لها بناء على أن

 

 ج / 9 ص -54-        موجب القتل عمدا وهو ما تعمد ضربه بسلاح ونحوه في تفريق الأجزاء كالمحدد من الحجر والخشب والنار الإثم والقود عينا
______
انتفاء شرط تلك الأحكام وهو كون القتل معصوم الدم وكون القتل بغير حق لا يقدح في شيء فالأظهر أن مراد المصنف بقوله والمراد بيان قتل يتعلق به الأحكام هو التنبيه على أن المقصود بالبيان في كتاب الجنايات إنما هو أحوال بغير حق إذ هو الذي يكون من الجنايات ويترتب عليه أحكامها دون أحوال مطلق القتل، وإن كان الأوجه الخمسة المذكورة تتناول كل ذلك.
قال رحمه الله: "موجب القتل عمدا وهو ما تعمد ضربه بسلاح ونحوه في تفريق الأجزاء كالمحدد من الحجر والخشب والنار الإثم والقود عينا" أي القتل الموصوف بهذه الصفة يوجب الإثم والقصاص متعين، قال السغناقي القتل فعل يضاف إلى العباد تزول به الحياة. وفي المنتقى ذكر ما يعرف به العمد من غيره قال محمد رجل تعمد أن يضرب يد رجل أو شيئا منه بالسيف فأخطأ فأصاب عنقه وأبان رأسه فهو عمد، ولو أراد أن يضرب يد رجل أو شيئا منه بالسيف فأخطأ فأصاب عنق غيره فهو خطأ؛ لأنه أصاب غير ما تعمد، وفي الأول أصاب ما تعمد؛ لأنه قصد إتلاف طرف ذلك الرجل، ولو رمى قلنسوة على رأسه فأصاب عنق غيره فهو خطأ، وكذلك لو قصد ضرب القلنسوة فأصابه السيف فهو خطأ، ولو رمى رجلا فأصاب حائطا، ثم رجع السهم فأصاب الرجل فهو خطأ؛ لأنه أخطأ في إصابة الحائط ورجوع السهم مبني  على إصابة الحائط لا على الرمي السابق؛ لأنه آخر السببين والحكم يضاف في آخر السببين وجودا، وقد تخلل بين الرمي والإصابة الأخيرة إصابة الحائط فقطع حكم الإصابة الأخيرة على الرمي السابق، ولو لف ثوبا فضرب به رأس إنسان فشجه موضحة فهو عمد سواء اقتصر على الشجة أو مات؛ لأنه أصاب ما تعمد به، وقد عملت الآلام عملها أثرت في الظاهر والباطن جميعا، وقد مات من غير أن يجرح قال صار خطأ، وقال محمد في الديات رجل ضرب رجلا بسيف بغمده فخرق السيف الغمد فقتله قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى لا قود عليه، وقال محمد إن كان الغمد يقتل لو ضرب به وحده يقتل؛ لأن الغمد لا يقصد به إلا الضرب إذا كان يقتل به وهو قاصد إلى القتل، وقد أصاب المقتل فوجب القصاص لأبي حنيفة أنه أصاب الضرب دون القتل؛ لأن الغمد لا يقصد به إلا الضرب عادة فصورة الخطإ هو أن يصيب خلاف ما قصد. وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى رجل ضرب رجلا بإبرة أو بشيء يشبه الإبرة تعمدا فقتله فلا قود عليه، وإن ضربه بمسلة أو نحوها فعليه القود؛ لأن الإبرة مما لا يقصد بها القتل عادة، وإن كانت الآلة جارحة؛ لأن آلة الخياطة دون القتل، فإذا تمكنت فيه شبهة عدم العمدية امتنع وجوب ما لا يجامع فأما المسلة فهي آلة جارحة يقصد بها القتل، وفي رواية أخرى عنه أنه إن غرز بالإبرة في المقتل فعليه القود وإلا فلا؛ لأن غرز الإبرة في

 

 ج / 9 ص -55-        ...........................................
______
المقتل يقصد به القتل لا التأديب. وفي الفتاوى الكبرى ضرب بحديد أو ذهب أو فضة أو شبهه أو نحاس أو رصاص أو صفر فجرحه ومات أنه يقتل، وإن رماه بصنجة ألف درهم فجرحه أو لم يجرحه فمات منه قتل، ولو ضرب بعصا رأسها مضبب بالحديد، وقد أصاب الحديد حتى جرحه أو أزهق سائر جسده أو ضربه بقفة حديد أو شبهه أو بقدر حديد فمات منه قتل، وهذا كله على قياس ظاهر الرواية على ما بينا. ولو ضربه بعصا من خشب قاد معه أو بحجر غير ممدود لا يقتل، وإن كان ممدودا حتى جرحه يقتل وعن أبي حنيفة في المجرد لو ألقى رجلا في الماء، ثم أخرج وبه رمق فمكث أياما حتى مات يقتل به، وإن كان يجيء ويذهب حتى مات لم يقتل، ولو قمط رجلا وألقاه في البحر فغرق تجب الدية، ولو سبح سباحة، ثم غرق لا دية عليه؛ لأنه غرق بعجزه وفي الأول نظر جيد. وفي الفتاوى الكبرى ما يجب القصاص في سبب دون سبب لف ثوبا فضرب به رأس رجل فشجه موضحا وجب القصاص، ولو مات لا يجب القصاص، ولو مات من ذلك يجب القصاص وما يجب في سببه ومسببه أن شجه موضحة بحديد فيها قصاص، وإن مات منها يجب القصاص وعلى عكسه ما لا يجب في سبب ولا في مسببه أن يجرحه بخشبة عظيمة فلا يجب القصاص، ولو مات كذلك، وفي الأجناس وما ليس بسلاح فيما دون النفس عمد واعترض بأن قوله موجب هذا أثر العمد والأثر متأخر وفصل بين المبتدإ وهو قوله موجبه وخبره وهو قوله والإثم بأجنبي وهو قوله أن يتعمد الضمير جاز أن يرجع إلى المضاف وأن يرجع إلى المضاف إليه، والضمير إذا احتمل فسد المعنى على أحد الاحتمالين فيتعين الإظهار بأن يقول العمد أن يتعمد وعبر بقوله موجبه دون أن يقول حكمه وأثره ليفيد أن صفته الوجوب وقد يجاب بأن المقصود الأحكام لا الحقائق فكذا قدم الحكم على التعريف، وهذا فصل بغير أجنبي فلا يضر والضمير يرجع إلى الأقرب وهو القتل؛ لأنه محل للتعمد فلا فساد. قوله ضربه أي ضرب المقتول قالوا فيخرج فيما دون النفس قوله ضربه أي ضرب المقتول قاله قاضي زاده أقول: برد على المقتول في المنتقى كما نقله في المحيط إذا تعمد أن يضرب يد رجل فأخطأ فأصاب عنق ذلك الرجل، فإن بان رأسه وقتله فهو عمد وفيه القود، وإن أصاب عنق غيره فهو خطأ، ووجه الورود أنه لم يتعمد القتل بل تعمد ضرب اليد وجرى عمدا فظهر أن الشرط، ولو للقطع لا لتقييد القتل كما قالوا أما اشتراط العمد فلأن الجناية لا تتحقق دونها ولا بد منها ليترتب عليها العقوبة لقوله عليه الصلاة والسلام:
"رفع عن أمتي الخطأ والنسيان"1 الحديث.
وأما اشتراط السلاح فلأن العمد هو القصد وهو فعل قد لا يوقف عليه؛ لأنه أمر يخفى فأقيم استعمال الآلة القاتلة غالبا مقامه، وظاهر هذا أنه إذا قتل بهذه الآلة، ثم قال لم أقصد قتله لم يقبل منه والمنقول أنه لا يقبل منه قال في

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه ابن ماجة في "سننه" كتاب الطلاق "2043" بلفظ "إن الله تجاوز عن أمتي...".

 

 ج / 9 ص -56-        ...........................................
______
المجرد قتلت فلانا بسيفي ثم قال إنما أردت غيره فأصابته درئ عنه القصاص ولا يخفى عدم الورود؛ لأنه قال ضربه لا أن يتعمد قتله؛ لأن الشرط تعمد للضرب لا تعمد للقتل بدليل تعمد قطع اليد أقول: فيه بحث وهو أن هذا القدر من التعليل يشكل بما إذا استعمل الآلة  القاتلة في القتل الخطإ كما إذا رمى شخصا بسهم أو ضربه بسيف يظنه صيدا، فإذا هو آدمي أو يظنه حربيا، فإذا هو مسلم، وهذا في نوع الخطإ في القصد، وكذا إذا رمى عرضا بآلة قاتلة فأصاب آدميا، وهذا في نوع الخطإ في الفعل، فإن استعمال الآلة القاتلة الذي جعل دليلا على القصد قد تحقق هناك أيضا مع أنه ليس بعمد بل هو خطأ محض على ما نصوا عليه قاطبة، فإن قلت: المراد باستعمال الآلة القاتلة في التعليل المذكور استعمالها لضرب المقتول لا استعمالها فيه أيضا لضرب المقتول لكن الخطأ في وصف المقتول، فإن قلت: المراد استعمالها لضرب المقتول من حيث إنه آدمي لا استعمالها لضربه مطلقا، وفي نوع الخطإ في القصد لم يتحقق الحيثية المذكورة قلت: كون الاستعمال من هذه الحيثية أمر مضمر راجع إلى النية والقصد فلا يوقف عليه كما لا يوقف على العمد فلا بد من دليل آخر خارجي فتدبر، وذكر قاضي خان أنه لا يشترط الجرح في الحديد وما يشبه الحديد من النحاس وغيره في ظاهر الراوية. وأما الإثم فلقوله تعالى
{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا} [النساء: من الآية93] الآية، أقول: لقائل أن يقول الدليل خاص والمدعى عام؛ لأن إيجاب القتل المؤثم والقود لا ينفك عن لزوم المأثم والآية المذكورة مخصوصة بقتل المؤمن اللهم إلا أن يقال الآية المذكورة، وإن أفادت المأثم في قتل المؤمن عمدا فقط بعبارتها إلا أنها تفيد المأثم في قتل الذمي أيضا بدلا بناء على ثبوت العصمة بين المسلم والذمي نظرا إلى التكليف أو الدار كما سيأتي تفصيله، فإن قيل بقي خصوص الدليل مع عموم المدعى من جهة أخرى وهي أن المذهب عن أهل السنة والجماعة أن المؤمن لا يخلد في النار، وإن ارتكب كبيرة، ولم يثبت والظاهر أن المراد بمن يقتل في الآية المذكورة هو المستحل بدلالة خالدا فيها فكان القتل بدون الاستحلال خارجا عن مدلول الآية قلنا لا نسلم ظهور كون المراد بمن يقتل في الآية المذكورة هو المستحل لجواز أن يكون المراد بالخلود المذكور فيها هو المكث الطويل كما ذكر في التفاسير فلا ينافي التعميم مذهب أهل السنة والجماعة، ولئن سلم كون المراد بذلك هو المستحل كما ذكر في الكتب الكلامية وفي التفاسير أيضا ففي الآية دلالة على عظم تلك الجناية وتحقق الإثم في قتل المؤمن عمدا بدون الاستحلال أيضا وإلا لما لزم من استحلاله الخلود في النار.
وأما القود فلقوله عليه الصلاة والسلام:
"العمد قود"1 ولقوله تعالى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ} [البقرة: من الآية178] الآية إلا أنه يتقيد بوصف العمد لقوله عليه الصلاة والسلام: "العمد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تقدم تخريجه.

 

 ج / 9 ص -57-        إلا أن يعفوا
______
قود" أي موجبه يعني أن ظاهر الآية يوجب القود بالقصاص أينما يوجد القتل ولا يفصل بين العمد والخطإ إلا أنه تقيد بوصف العمدية بالحديث المشهور الذي تلقته الأمة بالقبول وهو قوله صلى الله عليه وسلم "العمد قود" أي موجبه قود، كذا في الشروح قال صاحب الكفاية بعد ذلك لا يقال إن قوله عليه الصلاة والسلام "العمد قود" لا يوجب التقييد؛ لأنه تخصيص بالذكر فلا يدل على نفي ما عداه؛ لأنا نقول لو لم يوجب هذا الخبر تقييد الآية لم يكن القود موجب العمد فقط فلا يكون لذكر لفظ العمد فائدة ا هـ.. أقول: سؤال ظاهر الورود وينبغي أن يخطر ببال كل ذي فطرة سليمة ولكن لم أر أحدا سواه حاول ذكره وأما جوابه فمنظور فيه عندي لجواز أن يكون سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن حكم العمد فقط بأن كانت الجناية قتل العمد فصار قوله عليه الصلاة والسلام "العمد قود" جوابا عن سؤالهم ففائدة ذكر لفظ العمد حينئذ تطبيق الجواب للسؤال ومع هذا الاحتمال كيف يتعين تقييد كتاب الله بالحديث المزبور.
قال رحمه الله: "إلا أن يعفوا" يعني يجب القصاص إلا أن يعفو الأولياء فيسقط القصاص بعفوهم ولا يجب شيء هذا إذا كان العفو بغير بدل، وإن كان ببدل يجب المشروط ويتعين بالصلح لا بالقتل قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى الواجب أحدهما لا بعينه ويتعين باختيار الولي ولنا ما تلونا وروينا من قوله عليه الصلاة والسلام "العمد قود" فيقتضي أن جنس العمد وجود القود لا للمال ومن جعله موجبا للمال فقد زاد عليه وهو لا يجوز وإلى هذا المعنى أشار ابن عباس رضي الله عنهما بقوله:
"العمد قود" لا مال فيه ولأن المال لا يصلح موجبا لعدم المماثلة بينه وبين الآدمي صورة ومعنى إذ الآدمي خلق مكرما ليتحمل التكليف ويشتغل بالطاعة وليكون خليفة الله تعالى في الأرض والمال خلق لإقامة مصالحه ومبتذلا له في حوائجه فلا يصلح جابرا وقائما مقامه والقصاص يصلح للمماثلة صورة؛ لأنه قتل بقود، وكذا معنى؛ لأن المقصود بالقتل الانتقام. والثاني  فيه كالأول ولهذا سمي قصاصا وبه تحصل منفعة الأحياء بكونه زاجرا فلا يكون موجبا للمال ولهذا يضاف ما يوجب من المال في قتل العمد إلى الصلح، ألا ترى إلى قوله عليه الصلاة والسلام "لا تعقل العاقلة عمدا ولا صلحا"1، ولو كان عمدا موجبا للمال لما أضافه إلى الصلح والمراد بما روي ثبوت الخيار للمولى عند إعطاء القاتل الدية وتخييره لا ينافي رضا الآخر في غير الواجب، وهذا كما يقال للدائن خذ بدينك إن شئت دراهم، وإن شئت دنانير، وإن شئت عروضا ومعناه أن لا يأخذ غير حقه إلا برضا المدين، وهذا شائع في الكلام. ألا ترى إلى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه الدار قطني "3/178" في "سننه".

 

 ج / 9 ص -58-        .......................................
______
قوله عليه الصلاة والسلام
"لا تأخذ إلا سلمك أو رأس مالك"1 أي لا تأخذ إلا سلمك عند المضي في العقد ولا تأخذ إلا رأس مالك عند التفاسخ فخيره ومعلوم أنه لا يأخذ رأس ماله إلا برضا الآخر؛ لأن الفسخ لا يتم إلا باتفاقهم، فإذا كان المراد بالحديث ذلك أو احتمله لا يبقى حجة، والذي يدلك على ذلك ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال كان القصاص في بني إسرائيل، ولم تكن الدية فأنزل الله هذه الآية {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ} [البقرة: من الآية178] إلى قوله {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: من الآية178] والعفو في أن يقبل الدية في العمد {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ} فيما كان كتب على من كان قبلكم فأخبر أن بني إسرائيل لم تكن فيهم دية أي كان ذلك حراما عليهم أخذه عوضا عن الآدمي ويتركوه فخفف الله تعالى عن هذه الأمة ونسخ ذلك بقوله تعالى {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} الآية ونبه النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الجهة بل بينها بقوله: "من قتل له قتيل فهو بالخيار بين أن يقتص أو يعفو ويأخذ الدية التي أبيحت لهذه الأمة"2 وجعل لهم أخذها إذا أعطوها وعن أنس بن مالك أن عمة الربيع لطمت جارية فكسرت ثنيتها، فقال عليه الصلاة والسلام حين اختصموا إليه: "كتب الله القصاص"3، ولم يخير، ولو كان المال واجبا به لخير إذ من وجب له أخذ شيئين على الخيار لا يحكم له بأحدهما معينا وإنما يحكم بأن يختار أيهما شاء والذي يحققه أن الولي إن عفا عن القصاص قبل اختيار القصاص صح عفوه. ولو لم يكن هو الواجب بالقتل لما صح عفوه قبل تعينه واختياره إذ العفو عن الشيء قبل وجوبه باطل، فإن كان القصاص هو الواجب الأصلي لا ينفرد الولي بالعدول عنه إلى المال بدلا عنه؛ لأنه معاوضة ولا يجبر أحد على المعاوضة كما في سائر الحقوق ولهذا لو ترك المولى القصاص بمال آخر غير الدية كالدار ونحوها من الأعيان لا يجبر القاتل على الدفع وأن فيه إحياء نفسه ولا نسلم أن المضطر الذي ذكره يجبر على الشراء بحيث يدخل في ملكه من غير رضاه وإنما نقول يأثم إذا ترك الشراء مع القدرة عليه ومات، وكذا نقول هنا أيضا يأثم، ثم إذا لم يخلص نفسه مع القدرة عليه. وقوله والآدمي قد يضمن بالمال كما في الخطإ قلنا وجوب الضمان في الخطإ ضرورة صون الدم عن الإهدار باعتبار أنه مثل له، وهذا لأنه لما تعذر العقوبة وهو القصاص لعدم الجناية صير إليه لصون الدم عن الإهدار، ولولا ذلك لتخلط كثير من الناس وأدى إلى التفاني ولأن النفس محترمة فلا تسقط حرمتها بعذر الخاطئ كما في المال فيجب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" "4/270" وابن حجر في الدراية وقال لم أجده بهذا اللفظ "2/140".
2 أخرجه الترمذي في الديات عن رسول الله، "1406" وأبو داود في الديات "4496".
3 أخرجه البخاري في تفسير القرآن "4500" والنسائي في القسامة "4757".

 

 ج / 9 ص -59-        لا الكفارة
______
المال صيانة لها عن الإهدار ولا يقال وجوب القصاص لا ينافي وجوب المال ولا العدول إليه من غير رضا الجاني، ألا ترى أن رجلا لو قطع يد رجل وهي صحيحة ويد القاطع شلاء فالمقطوع يده بالخيار إن شاء أخذ الأرش، وإن شاء قطع يده الشلاء. وكذا لو عفا أحد الأولياء بطل حق الباقين في القصاص ووجب لهم الدية، ولو أنه وجب بالجناية لما وجب بغير رضاهم؛ لأنا نقول إنما كان لهم ذلك لتعذر استيفاء حقهم كاملا.
قال رحمه الله: "لا الكفارة" أي لا تجب الكفارة بقتل العمد، وقال الشافعي رحمه الله تجب اعتبارا بالخطإ بل أولى؛ لأنها شرعت تمحو الإثم وهو في العمد أكثر فكان أدعى إلى إيجابها ولنا أن الكفارة دائرة بين العبادة والعقوبة فلا بد من أن يكون سببها أيضا دائرا بين الحظر والإباحة لتعلق العبادة بالمباح والعقوبة بالمحظور وقتل العمد كبيرة محض فلا تناط به كسائر الكبائر مثل الزنا والسرقة والربا قال تاج الشريعة، فإن قلت: يشكل بكفارة قتل صيد المحرم، فإنه كبيرة محضة ومع هذا تجب فيه الكفارة قلت: هو جناية على المحل، ولهذا لو اشترك رجلان في قتل صيد الحرم يلزم جزاء واحد، ولو كان جناية الفعل لوجب جزاءان والجناية على المحل يستوي فيها العمل والخطأ ا هـ.. أقول: في الجواب بحث
أما أولا فلأنه لا يدفع السؤال المذكور؛ لأن مورده مضمون الدليل المزبور وهو الكفارة لا تناط بما هو كبيرة محضة لا أصل المدعى وهو أنه لا كفارة في القتل العمد، فإذا سلم كون قتل صيد الحرم كبيرة محضة يلزم أن  يشكل الدليل المزبور به سواء كان في جناية الفعل أو جناية المحل. وكون الجناية على المحل يستوي فيها العمد والخطأ إنما يفيد لو ورد السؤال على أصل المدعى، فإنه يمكن الجواب عنه حينئذ بأن ما قلناه في جناية الفعل دون جناية المحل وقتل صيد الحرم من قبيل الثانية دون الأولى
وأما ثانيا فلأنه قد تقرر في كتب أصول الفقه أن الكفارة جزاء الفعل من كل الوجوه لا جزاء المحل أصلا فلو كان قتل صيد الحرم جناية على المحل لا جناية الفعل لزم أن لا تصلح الكفارة لكون الكفارة جزاء الفعل من كل الوجوه لا جزاء المحل أصلا ولا يمكن قياسه على الخطإ؛ لأنه دونه في الإثم فشرعه لدفع الأدنى لا يدل على دفع الأعلى ولأن في قتل العمد وعيدا محكما ولا يمكن أن يقال يرتفع المأثم فيه بالكفارة مع وجود الشدة في الوعيد بنص قاطع لا شبهة فيه ومن ادعى ذلك محكما فيه بلا دليل ولأن الكفارة من المقدورات فلا يجوز إثباتها بالقياس على ما عرف في موضعه ولأن قوله تعالى
{فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ}[النساء: من الآية93] الآية كل موجبه إذ هو مذكور في سياق الجزاء للشرط فتكون الزيادة عليه نسخا ولا يجوز بالرأي.

 

 ج / 9 ص -60-        وشبهه وهو أن يتعمد ضربه بغير ما ذكر الإثم والكفارة على القاتل ودية مغلظة على العاقلة لا القود
______
قال رحمه الله: "وشبهه وهو أن يتعمد ضربه بغير ما ذكر الإثم والكفارة على القاتل ودية مغلظة على العاقلة لا القود" أي موجب القتل شبه العمد الإثم والكفارة على القاتل والدية المغلظة على العاقلة ولا يوجب القصاص. وقوله وهو أن يتعمد ضربه بغير ما ذكر أي بغير ما ذكر في العمد والذي في العمد هو المحدد وغيره هو الذي لا حد له من الأدلة وكالحجر والعصا وكل شيء ليس له حد يفرق الأجزاء وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى. وفي شرح الطحاوي شبه العمد عند الإمام تعمد الضرب بما ليس بسلاح ولا هو في معنى السلاح في تفريق الأجزاء قال محمد ويكون قصده الضرب والتأديب، وقالا إذا ضربه بحجر عظيم أو بخشبة عظيمة فهو عمد وشبه العمد أن يتعمد ضربه بما لا يقتل به غالبا ولهما أن معنى العمدية يتقاصر باستعمال آلة لا تقتل غالبا؛ لأنه يقصد به التأديب، أما التي تقتل غالبا كالسيف فكان عمدا فوجب القود، ألا ترى أنه عليه الصلاة والسلام رض بين حجرين رأس يهودي ورض رأس صبي بين حجرين، وكذا قتل المرأة التي قتلت امرأة بمسطح وهو عمود الفسطاط ولأبي حنيفة رحمه الله تعالى قوله عليه الصلاة والسلام "ألا إن قتيل خطإ العمد قتيل السوط والعصا والحجر"1 وفيه دية مغلظة مائة من الإبل منها أربعون خلفة في بطونها أولادها وبإطلاقه يتناول العصا الكبير والكلام في مثلها ولأن قضية القتل أمر مبطن لا يعرف إلا بدليل وهو استعمال الآلة القاتلة على ما بينا، وهذه الآلة لا تصلح دليلا على قصد القتل؛ لأنها غير موضوعة له ولا مستعملة فيه إذ لا يمكن القتل بها على غفلة منه ولا يقع القتل بها غالبا فقدمت العمدية كذلك فصار كالعصا الصغير، وهذا؛ لأن ما يوجب القصاص وهو الآلة المحدودة لا يختلف بين الصغير منهما والكبير؛ لأن الكل صالح للقتل لتخريب البنية ظاهرا وباطنا فكذا ما لا يوجب القصاص وجب أن يسوى بين الصغير والكبير منه حتى لا يوجب الكل القصاص؛ لأنه غير معد للقتل ولا صالح له لعدم نقض البنية ظاهرا وكان في قصد القتل شك لما فيه من القصور والقصاص نهاية في العقوبة فلا يجب مع الشك. وما روياه من رض اليهودي يحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أن اليهودي كان قاطع الطريق إذا قتل بسوط أو عصا أو غيره بأي شيء كان يقتل به حدا ويحتمل أنه جعله كقاطع الطريق لكونه ساعيا في الأرض بالفساد فقتله حدا كما يقتل قاطع الطريق، فإن ذلك جائز أن يلحق به على ما بينا في قاطع الطريق. وأما حديث المرأة، فقال عبيد بن فضيلة عن المغيرة بن شعبة أن امرأتين ضربت إحداهما الأخرى بعمود الفسطاط فقتلتها فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدية على عصبة القاتلة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه النسائي في القسامة "4794" وأحمد في "مسنده" "22982".

 

 ج / 9 ص -61-        .......................................
______
وقضى فيما في بطنها بغرة، فقال الأعرابي أغرم من لا طعم ولا شرب ولا صاح فاستهل ومثل ذلك يطل، فقال أسجع كسجع الأعراب، وفي رواية قال هذا من إخوان الكهان } من أجل سجعه فعلم بذلك أن ما روياه غير صحيح والذي يدل على ذلك حمل بن مالك على زعمهم، فإنهم قالوا قال حمل بن مالك كنت بين بنتي امرأتي فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فقتلتها وجنينها فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنينها بغرة وأن تقتل به. هكذا رووه، وقال ابن المسيب عن أبي سلمة عن أبي هريرة اقتتلت امرأتان من هذيل فضربت أحدهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى أن دية جنينها عبد وقضى بدية المرأة على  عاقلتها وورثها ولدها، فقال حمل بن مالك بن النابغة يا رسول الله أغرم من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل ومثل ذلك يطل، فقال عليه الصلاة والسلام:
"هذا من إخوان الكهان"1، وهذا هو المشهور عن حمل بن مالك فكيف يصح أن يتصور عنه خلاف ذلك. ثم لا فرق عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى بين أن يموت بضربة واحدة وبين أن يوالي عليه ضربات حتى مات كل ذلك شبه عمد لا يوجب القصاص واختلفوا على قولهما في الموالاة، وقال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى يصير عمدا بها فوجب القصاص، ولو ألقاه من جبل أو سطح أو غرقه في الماء أو خنقه حتى مات كان ذلك شبه عمد عنده وعندهما عمد وإنما كان إثما في شبه العمد؛ لأنه ارتكب محرما في دينه قاصدا له وإنما وجبت الكفارة به؛ لأنه خطأ من وجه فيدخل تحت النص على الخطإ أقول: المتبادر من قوله لدخوله تحت الخطإ أن هذه الكفارة إنما وجبت في شبه العمد باعتبار الدخول، فإن قلت: يرد عليه أن تعين الكفارة لدفع الذنب الأدنى بالشرع لا تعينها كما قالوا في العمد إذ لا شك أن شبه العمد أعلى ذنبا من الخطإ المحض، فإن الجاني في شبه العمد قد قصد الضرب وفي الخطإ لم يقصد الضرب، وقد يجاب بأن ذنب شبه العمد دائر بين الأدنى والأعلى فإلحاقه بالأدنى أولى طلبا للتخفيف فلذا وجبت فيه الكفارة، وذكر صاحب الهداية أن صاحب الإيضاح قال في الإيضاح وجدت في كتب أصحابنا أن الكفارة في شبه العمد لا تجب على قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى، فإن الإثم كامل وتناهيه يمنع شرع الكفارة؛ لأن ذلك من باب التخفيف وجوابه على الظاهر أن يقول إنه إثم الضرب؛ لأنه قصده لا إثم القتل؛ لأنه لم يصدقه، وهذه الكفارة تجب بالقتل وهو فيه مخطئ ولا تجب بالضرب، ألا ترى أنها لا تجب بالضرب بدون القتل وبعكسه تجب فكذا عند اجتماعهما يضاف الوجوب إلى القتل دون الضرب. وأما وجوب الدية فلما روينا وإنما وجبت على العاقلة؛ لأنه خطأ من وجه على ما بينا فيكون معذورا فيتحقق التخفيف كذلك ولأنها تجب بنفس القتل فتجب على العاقلة كما في الخطإ ولهذا أوجبها عمر رضي الله عنه في

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه مسلم في القسامة والمحاربين والقصاص "1681"، والنسائي في القسامة "4818".

 

 ج / 9 ص -62-        والخطأ وهو أن يرمي شخصا ظنه صيدا أو حربيا، فإذا هو مسلم أو عرضا فأصاب آدميا وما جرى بمجراه كالنائم إذا انقلب على رجل فقتله الكفارة والدية على العاقلة
______
ثلاث سنين ويتعلق بهذا القتل حرمان الميراث كالخطإ بل أولى؛ لأنه جزاء القتل وهو أولى بالمجازاة لوجود القصد منه إلى الفعل فحاصله أنه كالخطإ إلا في حق الإثم وصفة التغليظ في الدية على ما تبين من بعد إن شاء الله.
قال رحمه الله: "والخطأ وهو أن يرمي شخصا ظنه صيدا أو حربيا، فإذا هو مسلم أو عرضا فأصاب آدميا وما جرى بمجراه كالنائم إذا انقلب على رجل فقتله الكفارة والدية على العاقلة" قوله وهو أن يرمي شخصا إلى آخره تفسير لنفس الخطإ، فإنه على نوعين خطأ في القصد وخطأ في الفعل، وقد بين النوعين بقوله وهو أن يرمي شخصا ظنه صيدا أو حربيا، فإذا هو مسلم تفسير للخطإ في القصد لا في الفعل حيث أصاب ما رمى وإنما أخطأ في القصد أي الظن حيث ظن المسلم حربيا ولا الآدمي صيدا. وقوله أو عرضا فأصاب آدميا هذا بيان للخطإ في الفعل دون القصد فيكون معذورا أقول: في عبارة الشارح والمصنف هنا تسامح، فإنه قال في تفسير الخطإ في القصد وهو أن يرمي شخصا يظنه صيدا إلى آخره. وقال في تفسير الخطإ في الفعل وهو أن يرمي عرضا فيصيب آدميا ولا يخفى أن كل واحد من نوعي الخطإ غير منحصر فيما ذكره في تفسيره بل الذي ذكره في تفسير كل واحد منهما جزء من جزئياته فكان أخص منه جدا فلم يصلح؛ لأن يكون تفسيرا له فكان الظاهر أن يقال في كل واحد منهما وهو نحو أن يرمي إشارة إلى العموم كما تداركه صاحب الوقاية حيث قال: وفي الخطإ قصدا كرميه مسلما ظنه صيدا أو حربيا فعلا كرميه عرضا فأصاب آدميا ا هـ.. ثم إن صدر الشريعة قال في شرح الوقاية الخطأ ضربان خطأ في القصد وخطأ في الفعل فالخطأ الذي في الفعل أن يقصد فعلا فيصدر منه فعل آخر كما إذا رمى الغرض فأخطأ فأصاب غيره هذا هو الخطأ في الفعل وأما الخطأ في القصد هو أن لا يكون الخطأ في الفعل وإنما يكون الخطأ في قصده، فإن قصد بهذا الفعل حربيا لكن أخطأ في ذلك القصد وهو الغرض حيث لم يكن قصده ا هـ.. ورد عليه صاحب الإصلاح والإيضاح حيث قال الخطأ في الفعل أن لا يصدر عنه الفعل الذي قصده بل فعل آخر، وليس كذلك، فإنه إذا رمى عرضا فأصابه ثم رجع عنه أو تجاوز عنه إلى ما وراءه فأصاب رجلا يتحقق الخطأ في الفعل والشرط المذكور هاهنا مفقود في الصورتين، ثم إن أخطأ من وجه آخر حيث اعتبر القصد فيه وذلك غير لازم، فإذا سقط من يده خشبة أو  لبنة فقتل رجلا يتحقق الخطأ في الفعل ولا قصد فيه ا هـ.. وقول المؤلف عرضا هذا معطوف على قيد. وظاهره أن الرمي معتبر في الخطإ في الفعل، وليس كذلك، فإنه لو سقط منه خشبة أو لبنة فقتل رجلا هذا خطأ في الفعل ولا رمي. وقوله كنائم انقلب على رجل تفسير لما جرى مجرى الخطإ؛ لأن هذا ليس بخطإ حقيقة ولما وجد فعله حقيقة وجب عليه ما

 

 ج / 9 ص -63-        والقتل بسبب كحافر البئر وواضع الحجر في غير ملكه الدية على العاقلة لا الكفارة والكل يوجب حرمان الإرث إلا هذا وشبه العمد في النفس عمد فيما سواها
______
أتلفه كفعل الطفل فجعله كالخطإ؛ لأنه معذور كالمخطئ وإنما كان حكم المخطئ ما ذكره لقوله تعالى
{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: من الآية92] وقد قضى به عمر رضي الله تعالى عنه في ثلاث سنين بمحضر من الصحابة من غير نكير فصار إجماعا.
قال رحمه الله: "والقتل بسبب كحافر البئر وواضع الحجر في غير ملكه الدية على العاقلة لا الكفارة" أي موجب القتل بسبب الدية على العاقلة لا الكفارة أما وجوب الدية فلأنه سبب التلف وهو متعد فيه بالحفر فجعل كالدافع الملقي فيه فتجب فيه الدية صيانة للأنفس فتكون على العاقلة؛ لأن القتل بهذا الطريق دون القتل بالخطإ فيكون معذورا فتجب على العاقلة تخفيفا عنه كما في الخطإ بل أولى لعدم القتل منه مباشرة ولهذا لا تجب الكفارة فيه، وفي الأصل لو كان على دابة فوطئ دابته إنسان فقتله، وفي الينابيع أو سقط من سطح على إنسان فقتله هذا كله قتل خطإ ومباشرة، وفي شرح الطحاوي والكفارة تحرير رقبة في حق القادر وصيام شهرين متتابعين في حق غير القادر، ولو أفطر يوما يجب الاستئناف ولا يجوز إلا بنية من الليل ولا إطعام فيه فتعتبر القدرة وقت الأداء لا وقت الوجوب ا هـ..
قال رحمه الله: "والكل يوجب حرمان الإرث إلا هذا" أي كل نوع من أنواع القتل التي تقدم من عمد وشبهه وخطإ وما أجري مجراه يوجب حرمان الإرث إلا القتل بسبب، فإنه لا يوجب ذلك كما لا يوجب الكفارة، وقال الشافعي هو ملحق بالخطإ في أحكامه.
قال رحمه الله: "وشبه العمد في النفس عمد فيما سواها"؛ لأن إتلاف ما دون النفس لا يختص بآلة دون آلة فلا يتصور فيه شبه العمد بخلاف النفس على ما بينا والذي يدلك على هذا ما روي عن أنس بن مالك أن عمة الربيع لطمت جارية فكسرت ثنيتها فطلبوا إليهم العفو فأبوا والأرش فأبوا إلا القصاص واختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقصاص1، فقال أنس بن النضر أتكسر ثنية الربيع والذي بعثك بالحق نبيا لا تكسر ثنيتها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم
"يا أنس كتاب الله القصاص" فرضي القوم فعفوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره"2. ووجه دلالته على ما نحن فيه أننا علمنا أن اللطمة لو أتت على النفس لا توجب القصاص ورأيناها فيما دون النفس قد أوجبته بحكمه عليه الصلاة والسلام فثبت بذلك أن ما كان من النفس شبه عمد فهو عمد فيما دونها ولا يتصور أن يكون شبه عمد، والله أعلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تقدم تخريجه.
2 جزء من الحديث السابق الذي تقدم.

 

 ج / 9 ص -64-        باب ما يوجب القصاص وما لا يوجبه
يجب القصاص بقتل كل محقون الدم على التأبيد عمدا
______
باب ما يوجب القصاص وما لا يوجبه
لما فرغ من بيان أنواع القتل شرع في تفصيل ما يوجب القصاص من القتل وما لا يوجبه في باب على حدة
قال رحمه الله: "يجب القصاص بقتل كل محقون الدم على التأبيد عمدا" لما بينا وشرط أن يكون المقتول محقون الدم على التأبيد ليدفع شبهة الإباحة عنه؛ لأن القصاص نهاية في العقوبة، فيستدعي الكمال في الجناية، فلا يجب مع الشبهة واحترز بذلك عن المستأمن، فإنه غير محقون الدم على التأبيد قال في العناية: وفيه البحث من أوجه الأول أن العفو مندوب إليه وذلك ينافي وصف القصاص بالوجوب الثاني أن حقن الدم على التأبيد غير متصور؛ لأن غاية ما يتصور منه أن يكون للمسلم في دار الإسلام، وهو يزول بالارتداد والعياذ بالله تعالى الثالث أنه منقوض بمسلم قتل ابنه المسلم، فإنها موجودة فيه، ولا قصاص الرابع أن قيد التأبيد لثبوت المساواة، وإذا قتل المستأمن مسلما وجب القصاص ولا مساواة والجواب عن الأول أن المراد بالوجود ثبوت الاستيفاء ولا منافاة بينه وبين العفو وعن الثاني أن المراد بالحقن على التأبيد ما هو بحسب الأصل والارتداد عارض لا يعتبر ورجوع الحربي أصل لا عارض وعن الثالث بأن القصاص ثابت لكنه انقلب لشبهة الأبوة وعن الرابع بأن التفاوت إلى نقصان غير مانع عن الاستيفاء بخلاف العكس وفي الكافي القصاص واجب بقتل كل محقون الدم على التأبيد وليس بينهما شبهة الملك ولا شبهة الحرية يعني به  ليس المقتول بولده ولا هو عبده ولا له عليه شيء من الرق ويقتل، فإن كان القاتل سليما والمقتول به مغمى عليه أو مبرسما أو مقطوعا أو أعمى أو مقطوع الجوارح أو أشل الجوارح أو كان صبيا أو مجنونا، فإنه يقتل به وفي العيون ضرب رجلا بسيف في غمده فخرق السيف الغمد وقتله قال أبو حنيفة لا قصاص عليه وقال محمد: إن كان الغمد لو ضرب به وحده قتل قتل به وفي الكبرى والفتوى على قول أبي حنيفة قال محمد في الجامع الصغير: إذا حمي التنور فألقى فيها إنسانا أو ألقاه فيما لا يستطيع الخروج منه فأحرقته النار يجب القصاص فوضع المسألة يصير إلى أن الإحماء يكفي، وإن لم يكن فيه نار قال البقالي في فتاويه: هو الصحيح وفي البقالي إذا ألقاه في النار ثم أخرجه وبه رمق فبقي أياما مريضا من ذلك حتى مات قتل به، وإن كان يجيء ويذهب وفي الخانية فمكث أياما لم يزل صاحب فراش، وإن كان يجيء ويذهب فلا وفي الجامع الصغير أيضا وذكر شيخ الإسلام في شرح ديات الأصل إن غرق إنسانا بالماء إن كان الماء قليلا لا يقبل منه غالبا ويرجى منه النجاة في الغالب فمات من ذلك فهو خطأ العمد عندهم جميعا فأما إذا كان الماء عظيما إن كان بحيث يمكنه

 

 ج / 9 ص -65-        ...........................................
______
النجاة منه بالسباحة بأن كان غير مشدود ولا مثقل، وهو يحسن السباحة فمات، فإنه يكون خطأ العمد، وإن كان بحيث لا يمكنه النجاة فعلى قول أبي حنيفة هو خطأ العمد فلا قصاص وعلى قولهما هو عمد محض ويجب القصاص وفي الخانية ولو ألقاه في الماء فغرق من ساعته لا قصاص فيه في قول أبي حنيفة وفي قول صاحبيه يجب القصاص.
وفي المنتقى عن أبي يوسف عن أبي حنيفة رمى رجلا من سفينة في بحر أو في دجلة أو غرق كما وقع فعلى عاقلته الدية، وإن كان حين ألقاه سبح ساعة ثم غرق فلا دية فيه ولو ألقاه من سطح أو جبل أو ألقاه في بئر فعلى قول أبي حنيفة هذا خطأ العمد، وأما على قولهما إن كان موضعا يرجى منه النجاة غالبا فهو خطأ، وإن كان لا ترجى منه النجاة غالبا فهو عمد محض يجب القصاص به عندهما وفي الخلاصة لو جرح رجلا جراحة لا يتوهم معها النجاة وجرح آخر جراحة أخرى فالقاتل هو الذي جرحه جراحة لا يتوهم معها النجاة هذا إذا كانت الجراحتان متعاقبتين، فإن كانتا معا وكلاهما قاتلة يقتلان به وكذلك لو جرح رجلا جراحة لا يتوهم معها النجاة هذا إذا كانت الجراحتان متعاقبتين، فإن كانتا معا وكلاهما قاتلة يقتلان به وكذلك لو جرح رجلا جراحتين والآخر جراحة واحدة كلا منها قاتلة وإذا جرح رجلا حتى مات فعلى قول أبي حنيفة لا قصاص عليه، ولكن إن اعتاد ذلك، فالإمام يقتله حدا، وهو نظير الساحر إذا تاب، وأما على قولهما إن دام على الخنق حتى مات فعليه القصاص كما لو قتله بحجر عظيم أو خشبة عظيمة، وإن كان ترك الخنق قبل الموت ثم مات بعد ذلك، فإنه ينظر إن دام على الخنق مقدارا لا يموت الإنسان منه غالبا فلا قصاص.
وفي الظهيرية ولو قمط رجلا ثم أغلى له ماء في قدر يثخنه حتى صار كأنه نارا وألقاه في الماء فسلخ فمات قتل به، وإن كان الماء حارا لا يغلي غليا شديدا فألقاه فيه ثم مكث ساعة ثم مات وقد سقط جلده قتل به وإلا فلا، وإن هو أخرج من القدر في هذه الوجوه وقد انسلخ فمات من ساعته أو يومه أو مكث أياما يخاف عليه من ذلك قتل به، وإن عاش حتى يجيء ويذهب ومات من ذلك لم يقتل وعليه الدية، وهذا قياس قول أبي حنيفة ولو ألقاه في ماء بارد في يوم شات فمات ساعة ألقاه فعليه الدية، وكذلك لو أخذه فجعله في سطح في يوم شديد البرد فلم يزل حتى مات من البرد وكذلك لو قطه فجعله في الثلج، ولو أن رجلا قمط رجلا أو صبيا ثم وضعه في الشمس فلم يخلص حتى مات من حر الشمس فعليه الدية، ولو أن رجلا أدخل رجلا في بيت وأدخل معه سبعا وأغلق عليه الباب وأخذ الرجل السبع فقتله لم يقتل به ولا شيء عليه وكذا لو نهشته حية أو لسعته عقرب وكذا لو قمط صبيا فألقاه في الشمس أو في يوم بارد حتى مات على عاقلته الدية، ولو ضرب إنسانا ضربة لا أثر لها في نفس لا يضمن شيئا نص الإمام السرخسي.
وفي مجموع النوازل رجل صاح بآخر فجاءه فمات من صيحته تجب فيه الدية، ولو سلخ جلد وجهه ففيه الدية

 

 ج / 9 ص -66-        ...........................................
______
وإذا سقى رجلا سما فمات من ذلك فهو على ثلاثة أوجه إما أن يكون أوجره على كره أو أكرهه على شربه حتى شرب أو ناوله وشربه من غير أن يكرهه عليه، فإن أوجره إيجارا أو ناوله وأكرهه على شربه حتى شرب فلا قصاص وعلى عاقلته الدية
وفي الذخيرة ذكر المسألة في الأصل مطلقا من غير خلاف ولم يفصل بين ما إذا كان مقدرا يقتل مثله غالبا أو لا يقتل، وهذا الجواب لا يشكل على قول أبي حنيفة وذلك؛ لأن القتل حصل بحال لا يخرج  لا من حيث الحقيقة ولا من حيث الاعتبار فكان خطأ العمد على مذهبه، وأما على قول أبي يوسف ومحمد فمن مشايخنا من قال الجواب عندهما على التفصيل إن كان ما أوجره من السم مقدار ما يقتل مثله غالبا كان عمدا محضا، وإن كان قدرا لا يقتل مثله غالبا، فإنه يكون خطأ العمد ومن مشايخنا من قال بأنه على قولهم جميعا يكون خطأ العمد سواء كان مما يقتل مثله غالبا أو لا يقتل، وكان كمن أوجر رجلا سقمونيا لا تحتمله النفوس فمات لا يكون عمدا محضا وإذا تناوله فشرب من غير إكراه لم يكن عليه قصاص ولا دية سواء علم الشارب بكونه سما أو لم يعلم وفي الخانية لا قصاص عليه ولا دية؛ لأنه شرب باختياره إلا أن الدافع خدعه فلا يجب عليه إلا التعزير والاستغفار. ومن دفع سكينا إلى رجل فقتل به نفسه لم يكن على الدافع شيء وفي فتاوى الخلاصة أدخل نائما أو مغمى عليه أو صبيا في بيته فسقط عليه البيت ضمن في الصبي والمعتوه دون النائم، وإن أدخل إنسانا في بيت حتى مات جوعا أو عطشا لا يضمن شيئا عند أبي حنيفة وعندهما تجب الدية وفي الكبرى إذا طين على آخر بيتا حتى مات جوعا أو عطشا لم يضمن شيئا في قول أبي حنيفة وقالا عليه الدية وفي الخانية قال محمد يعاقب الرجل وعلى عاقلته الدية وفي الظهيرية، ولو أن رجلا أخذ رجلا فقيده وحبسه حتى مات جوعا قال محمد أوجعه عقوبة والدية على عاقلته والفتوى على قول أبي حنيفة أنه لا شيء عليه وفي المنتقى سئل محمد عن رجل ألقى رجلا حيا في قبر ومات قال فيه دية وفي الذخيرة يقاد فيه؛ لأنه قتله عمدا وفي الكبرى، ولو ألقاه حيا في قبر يقتل به؛ لأنه قتله عمدا، وهذا قول محمد والفتوى أنه على عاقلته الدية وفي الظهيرية والفتوى على قول أبي حنيفة وفي المجرد روى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة فلان قتله بحديدة أو قال بالسيف ثم قال إنما أردت غيره فأصابته درئ عنه القتل. وفي المنتقى إذا قال الرجل قتلنا فلانا بأسيافنا متعمدين ثم قال كان معي غيري لم يصدق وقتل به، ولو قال قتلت فلانا متعمدا بحديدة فلما أخذ بذلك قال كنت يومئذ غلاما لم يصدق وقتل به، ولو قال ضربت فلانا بالسيف متعمدا ثم قال لا أدري مات منها أم لا ولكنه مات وقال الولي مات من ضربتك فالقول قول القاتل وعليه نصف الدية وفي المنتقى إذا قطع حلقوم الرجل وبقي شيء قليل من الحلقوم وفيه الروح فقتله رجل آخر فلا قود عليه؛

 

 ج / 9 ص -67-        ويقتل الحر بالحر وبالعبد
______
لأن، هذا ميت، ولو مات ابنه بعد ذلك، وهو على تلك الحالة ورثه ابنه ولم يرث هو من ابنه وفي الظهيرية رجل نائم، وهو صحيح البدن فذبحه إنسان وقال ذبحته، وهو ميت، فإنه يقتل به قياسا وفي الاستحسان تجب الدية، ولو شق بطن رجل وخرج أمعاءه كلها وسقطت على الأرض إلا أنه صحيح بعد فقتله رجل فلا قود عليه وفي الخانية رجل عدا على رجل فشق بطنه وأخرج أمعاءه ثم ضرب رجل عنقه بالسيف عمدا فالقاتل هو الذي ضرب العنق عمدا، وإن كان خطأ تجب الدية وعلى الذي شق البطن ثلث الدية، وإن كان نفذ إلى الجانب الآخر يجب ثلثا الدية؛ لأنهما حاشيتان في كل منهما ثلث الدية، هذا إذا كان مما يعيش بعد الشق يوما أو بعض يوم، فإن كان الشق بحال لا يتوهم معه وجود الحياة، ولم يبق معه إلا اضطراب الموت، فالقاتل هو الذي شق البطن فيقتص في العمد وتجب الدية في الخطأ، ولو قتل رجلا، وهو في النزع فقتل القاتل به، وإن كان يعلم أنه لا يعيش وسيأتي شيء من هذا الجنس وفي فصل متفرقات الإسبيجابي إذا شهد الشهود أنه ضربه فلم يزل صاحب فراش حتى مات، فإن كان عمدا فعليه القصاص وفي الجناية رجل جرح رجلا جراحة وآخر جراحة عمدا ثم صالح المجروح أحدهما عن الجرح وما يحدث منه على مال ثم مات منهما جميعا عليه نصف الدية لوليه.
قال رحمه الله: "ويقتل الحر بالحر وبالعبد" وقال الشافعي رحمه الله تعالى: لا يقتل الحر بالعبد لقوله تعالى
{الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: من الآية178] فهذا يقتضي مقابلة الجنس بالجنس ومن ضرورة المقابلة أن لا يقتل الحر بالعبد؛ ولأن القصاص يقتضي المساواة ولا مساواة بينهما إذ الحر مالك والعبد مملوك والمالكية أمارة القدرة والمملوكية أمارة العجز ولنا العمومات نحو قوله تعالى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: من الآية45] وقوله تعالى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: من الآية178] وقوله عليه الصلاة والسلام "العمد قود"1 ولا يعارض بما تلي؛ لأن فيه مقابلة مقيدة وفيما تلونا مقابلة مطلقا فلا يحمل على المقيد على أن مقابلة الحر بالحر لا تنافي الحر بالعبد؛ لأنه ليس فيه إلا ذكر لبعض ما شمله العموم على موافقة حكمه وذلك لا يوجب تخصيص ما بقي ألا ترى أنه قابل الأنثى بالأنثى دليل على جريان القصاص  بين الحرة والأمة وفائدة هذه المقابلة في الآية على ما قال ابن عباس رضي الله عنهما كانت بين بني النضير وبني قريظة مقابلة وكان بنو قريظة أقل منهم عددا، وكان بنو النضير أشرف عندهم فتراضوا على أن العبد من بني النضير بمقابلة الحر من بني قريظة والأنثى منهم بمقابلة الذكر من بني قريظة فأنزل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تقدم تخريجه.

 

 ج / 9 ص -68-        والمسلم بالذمي
______
الله تعالى الآية ردا عليهم وبيانا على أن الجنس يقتل بجنسه على اختلاف مواضعتهم من القبيلتين جميعا فكانت اللام لتعريف العهد لا لتعريف الجنس؛ ولأنهما مستويان في العصمة إذ هي بالدين عنده وبالدار عندنا، وهي المعتبرة فيجري القصاص بينهما حسما لمادة الفساد وتحقيقا لمعنى الزجر، ولو اعتبرت المساواة في غير العصمة في النفس لما جرى القصاص بين الذكر والأنثى والقصاص يجب باعتبار أنه آدمي ولم يدخل في الملك من، هذا الوجه بل هو منفي على أصل الحرية من، هذا الوجه؛ ولهذا يقتل العبد بالعبد وكذا يقتل العبد بالحر، ولو كان مالا لما قتل وكذلك عجزه وموته وبقاء أثر كفره حكمي فلا يؤثر ذلك في سقوط العصمة ولا يؤثر شبهة، ولو أورث شبهة لما جرى القصاص بين العبيد بعضهم ببعض ووجوب القصاص في الأطراف يعتمد المساواة في الجزء المبان بعد المساواة في العصمة؛ ولهذا لا تقطع الصحيحة بالشلاء وفي النفس لا يشترط ذلك حتى يقتل الصحيح بالزمن والمفلوج ولا مساواة بين أطراف الحر والعبد إلا في العصمة فأظهرن أثر الرق فيها دون النفس لما أن العبد من حيث النفس آدمي مكلف خلق معصوما.
قال رحمه الله: "والمسلم بالذمي" يعني يقتل المسلم بالذمي وقال الشافعي: لا يقتل به لما أخرجه علي بن أبي طالب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"لا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد في عهده"1 الحديث ولنا ما تلونا من كتاب الله وما روينا من السنة، فإنه بإطلاقه يتناوله وقد صح عن عبد الرحمن بن سلمة ومحمد بن المنكدر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي برجل من المسلمين قد قتل معاهدا من أهل الذمة فأمر به فضرب عنقه فقال: "أنا أولى من وافى بذمته" والقصاص يعتمد العصمة على ما بينا في العبد وقد وجدت نظرا إلى الدار وإلى التكليف؛ ولأن شرط التكليف القدرة على ما كلف به ولا يتمكن من إقامة ما كلف به إلا بدفع أسباب الهلاك عنه وذلك بأن يكون محرم التعرض ولا نسلم أن الكفر مبيح بنفسه بل بواسطة الحراب ألا ترى أن من لا يقاتل منهم لا يحل قتله كالشيخ الفاني، وقد اندفع الحراب بعقد الذمة فكان معصوما بلا شبهة؛ ولهذا يقتل الذمي بالذمي، ولو كان في عصمته خلل لما قتل الذمي بالذمي كما لا يقتل المستأمن بالمستأمن وقد قال علي رضي الله عنه إنما بذلوا الجزية لتكون دماؤهم كدمائنا وأموالهم كأموالنا وذلك بأن تكون معصومة بلا شبهة كالمسلم؛ ولهذا يقطع المسلم بسرقة مال الذمي، ولو كانت في عصمته شبهة لما قطع كما لا يقطع في سرقة مال المستأمن؛ لأن المال تبع للنفس وأمر المال أهون من النفس، فلما قطع بسرقته كان أولى أن يقتل بقتله؛ لأن أمر النفس أعظم من المال. ألا ترى أن العبد لا يقطع

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه أحمد في "مسنده" عن عبد الله بن عمرو بن العاص "6757".

 

 ج / 9 ص -69-        ولا يقتلان بمستأمن والرجل بالمرأة والكبير بالصغير والصحيح بالأعمى والزمن وناقص الأطراف وبالمجنون والولد بالوالد ولا يقتل الرجل بالولد
______
بسرقة مال مولاه ويقتل بقتل مولاه لما ذكرنا والذي يدلك على ما قلنا أن الذمي لو قتل ذميا ثم أسلم القاتل قبل أن يقتل قتل به فعلم أن المراد به الحربي إذ هو لا يقتل به مسلم ولا ذمي ولا يقال معناه لا يقتل ذو عهد مطلقا أي لا يحل قتله فيكون ابتداء كلام؛ لأنا نقول، هذا لا يستقيم لوجهين: أحدهما: أن ذا عهد مفرد وقد عطف على جملة فيأخذ الحكم منها؛ لأن المعطوف الناقص يأخذ الحكم من المعطوف عليه التام كما يقال قام زيد وعمرو أو يقال قتل زيد بعمرو وخالد أي: كلاهما قام أو قتل ولا يجوز أن يقدر له خبر آخر والظاهر أن المعنى يأبى ذلك؛ لأن المراد بسوق الكلام الأول نفي القتل قصاصا لا نفي مطلق القتل فكذا الثاني تحقيقا للعطف إذ لا يجوز ذلك ألبتة في المفرد ألا ترى إلى قوله تعالى
{وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ} [فاطر:19] أن المنفي الاستواء في البصر والعمى لا في كل وصف؛ ولهذا أجري القصاص بينهما لاستوائهما في العصمة وكذا نقصان حال الكافر بكفره لا يزيل عصمته فلا عبرة به كسائر الأوصاف الناقصة كالشلل والأنوثة ولا نسلم أن كفره مبيح للقتل بل حرابه هو المبيح، وقد ذكرناه غير مرة بخلاف ما ذكر من الملك والأخت من الرضاع، فإنه مبيح للوطء، وإنما امتنع في الأخت المذكورة بعارض فأورث شبهة.
قال رحمه الله: "ولا يقتلان بمستأمن" أي لا يقتل المسلم ولا الذمي بحربي دخل دارنا بأمان؛ لأن دمه ليس بمحقون على التأبيد فانعدمت المساواة وكذا كفره باعث على الحراب لقصده الرجوع  إلى دار الحرب ويقتل المستأمن بالمستأمن قياسا لوجود المساواة بينهما ولا يقتل استحسانا لوجود المبيح
قال رحمه الله: "والرجل بالمرأة والكبير بالصغير والصحيح بالأعمى والزمن وناقص الأطراف وبالمجنون" يعني يقتل الرجل الصحيح بهؤلاء، وهو معطوف على ما تقدم من قوله ويقتل الحر بالحر إلخ لا على ما يليه من قوله ولا يقتلان بمستأمن، وإنما جرى القصاص بينهم لوجود المساواة بينهم في العصمة والمساواة فيها هي المعتبرة في، هذا الباب، ولو اعتبرت فيما وراءها لانسد باب القصاص ولظهر الفتن.
قال رحمه الله: "والولد بالوالد" لما تلونا وروينا من العمومات ولما ذكرنا من المعاني قال رحمه الله: "ولا يقتل الرجل بالولد" لقوله عليه الصلاة والسلام:
"لا يقاد الوالد بولده

 

 ج / 9 ص -70-        والأم والجد والجدة كالأب وبعبده ومدبره ومكاتبه وبعبد ولده وبعبد ملك بعضه وإن ورث قصاصا على أبيه سقط
______
ولا السيد بعبده"1؛ ولأن الوالد لا يقتل ولده غالبا لوفور شفقته فيكون ذلك شبهة في سقوط القصاص؛ ولأن الأب لا يستحق العقوبة بولده؛ لأنه سبب لإحيائه فمن المحال أن يكون الولد سببا لإفنائه؛ ولهذا لا يقتله إذا وجده في صف المشركين مقاتلا أو زانيا، وهو محصن، وهذا؛ لأن القصاص يستحقه الوارث بسبب انعقد للميت خلافه، ولو قتل به كان القاتل هو الابن نيابة وطولب بالفرق بين هذا وبين من زنى بابنته، وهو محصن، فإنه يرجم أجيب بأن الرجم حق الله على الخصوص بخلاف القصاص لا يقال فيجب أن يحد إذا زنى بجارية ابنه؛ لأنا نقول ثبت له حق الملك بقوله عليه الصلاة والسلام: "أنت ومالك لأبيك"2.
قال رحمه الله: "والأم والجد والجدة كالأب" سواء كان من جهة الأب أو من جهة الأم؛ لأنه جزؤهم فالنص الوارد في الأب يكون واردا فيهم دلالة فكانت الشبهة شاملة للجميع في جميع صور القتل وقال مالك رحمه الله تعالى إن قتله ضربا بالسيف فلا قصاص عليه لاحتمال أنه قصد تأديبه، وإن كان ذبحه ذبحا فعليه القصاص؛ لأنه عمد لا شبهة فيه ولا تأويل بل جناية الأب أغلظ؛ لأن فيه قطع الرحم فصار كمن زنى بابنته حيث يرجم كما لو زنى بالأجنبية والحجة عليه ما روينا وما بينا وليس هذا كالزنا ببنته؛ لأن الأب لوفور شفقته يجتنب ما يضر ولده بل يتحمل الضرر عنه حتى يسلم ولده فهذا هو العادة الفاشية بين الناس فلا يتوهم أن يقصد قتل ولده، فإن وجد ما يدل على ذلك فهو من العوارض النادرة فلا يتغير بذلك القواعد الشرعية ألا ترى أن السفر لما كان فيه المشقة غالبا كان له أن يترخص برخصة المسافرين فلا يتغير ذلك بما يتفق فيه لبعضهم من الراحة ولا كذلك الزنا.
قال رحمه الله: "وبعبده ومدبره ومكاتبه وبعبد ولده وبعبد ملك بعضه" يعني لا يقتل بهؤلاء لما روينا؛ ولأنه لو وجب القصاص لوجب له كما إذا قتله غيره ولا يجوز له أن يوجب على نفسه عقوبة وكذا لا يستوجب ولده القصاص عليه لما بينا والقصاص لا يتجزأ فيسقط في البعض لأجل أنه ملك البعض فيسقط في الكل لعدم التجزؤ
قال رحمه الله تعالى ", وإن ورث قصاصا على أبيه سقط" لما ذكرنا أن الابن لا يستوجب العقوبة على أبيه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرج شطره الأول الترمذي في الديات عن رسول الله "1400" وأحمد في "مسنده" "99".
2 أخرجه أبو داود في البيوع "3530" وابن ماجة في التجارات "2291".

 

 ج / 9 ص -71-        وإنما يقتص بالسيف
______
وصورة المسألة فيما إذا قتل الأب أخ امرأته ثم ماتت امرأته قبل أن يقتص به، فإن ابنه يرث القصاص الذي لها على أبيه فسقط لما ذكرنا كما إذا قتل امرأته وليس لها ابن إلا ابنها منه فيسقط القصاص.
قال رحمه الله: ", وإنما يقتص بالسيف" وقال الشافعي رحمه الله تعالى يقتص بمثل ما قتل إن قتله بفعل مشروع، وإن قتله بغير فعل مشروع كلواطة يتخذ له خشبة ويفعل به كما فعل ولنا ما رواه سفيان من قوله عليه الصلاة والسلام
"لا قود إلا بالسيف"1، وهو نص على نفي استيفاء القود بغير السيف فكيف يلحق به دلالة ما كان سلاحا من غير السيف وهل يتصور أنه يدل كلام واحد على نفي شيء وإثباته معا والحق أن يكون المراد بالسيف في الحديث المزبور السلاح مطلقا بطريق الكتابة كما أشار إليه المصنف بقوله والمراد به السلاح وصرح به صاحب الكافي والكفاية حيث قالا ولنا قوله عليه الصلاة والسلام "لا قود إلا بالسيف" والمراد بالسيف السلاح هكذا فهمت الصحابة رضي الله تعالى عنهم وقال في النهاية، فإن قيل يحتمل أن يكون المراد من الحديث لا قود يجب إلا بالسيف لا أن يكون معناه لا قود يستوفى قلنا القود اسم لفعل هو جزاء القتل دون ما يجب شرعا، وإن حمل عليه كان مجازا؛ ولأن القود قد يجب بغير السيف كالقتل بالنار والإبرة فلم يمكن حمله عليه لوجود وجوب القود بدون القتل بالسيف، وإنما السيف مخصوص بالاستيفاء ا هـ.. وما رواه كان مشروعا ثم نسخ كما نسخت المثلة أو يكون اليهودي ساعيا في الأرض بالفساد فيقتل كما يراه الإمام ليكون أردع، وهذا هو الظاهر؛ ولأن اليهودي كان أخذ المال  ألا ترى إلى ما روي في الخبر عن أنس بن مالك أنه قال: عدا يهودي على جارية فأخذها بما معها.2 الحديث، وهذا شأن قطاع الطريق، وهذا يقتل بأي شاء الإمام ويؤيد، هذا المعنى ما روي أنه عليه الصلاة والسلام قتل اليهودي بخلاف ما كان قتل به الجارية. والاستيفاء إما أن يكون بحكم الإرث أو الملك أو بحكم السلطنة والولاية والمستحق للقصاص والدية الورثة مثل ما يستحق ماله على فرائض الله تعالى. يدخل في ذلك الزوج والزوجة والوارث يقوم مقام المورث في استحقاق كل ما كان له من الأملاك والحقوق إلا أن الدية تجب حقا للميت ابتداء حتى تقضى منها ديونه وتنفذ وصاياه ثم تثبت للورثة بطريق الخلافة والوراثة عند أبي حنيفة رضي الله عنه حتى لو أقام واحد من الورثة البينة على القصاص لا يملك أن يقتص وحده ولا ينفرد أحدهم بالاستيفاء إذا كانوا كبارا حتى يجتمعوا؛ لأنا لو أطلقنا للبعض الاستيفاء مع غيبة الباقين

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه ابن ماجه في الديات "2668".
2 ذكره ابن حجر في "فتح الباري" "12/200".

 

 ج / 9 ص -72-        مكاتب قتل عمدا وترك وفاء ووارثه سيده فقط أو لم يترك وفاء له وارث يقتص
______
يؤدي إلى إبطال حق الباقين في الاستيفاء وكذلك ليس للسلطان استيفاؤه مع الكبير عنده خلافا لهما حجتهم أن ملك القصاص ثابت في المحل للكل بدليل أنهم يملكون الاعتياض والعفو عنه ويستوفى بحكم الملك عن الاختيار، ولو مات أحدهم يورث نصيبه وهذه فوائد الملك وثمراته وملك الصغير معصوم محترم وأثر العصمة أن لا يقدر أحد على إبطاله إلا بعوض له إذ استيفاؤه معجلا منجزا يكون منتظما دافعا للمفسدة، وهي صون القود وحفظه عن نظيره فالفوات إليها إما بجهة الغيبة أو بجهة الموت، فإن مدة الصبا مدة مديدة والموت في هذه المدة المديدة غير نادر وتغييب القاتل نفسه على وجه لا يطلع أحد عليه مخافة على نفسه غالب وليس بنادر.
قال رحمه الله: "مكاتب قتل عمدا وترك وفاء ووارثه سيده فقط أو لم يترك وفاء له وارث يقتص" أما الأول، وهو ما إذا ترك وفاء ولا وارث له سوى المال فالمذكور هنا هو قولهما وعن محمد رحمه الله تعالى لا يجب القصاص؛ لأن سبب الاستحقاق قد اختلف؛ ولأن المولى يستحقه بالولاية بأن مات حرا أو بالملك إن مات عبدا فاشتبه الحال فلا يستحق؛ لأن اختلاف السبب كاختلاف المستحق فيسقط أصلا كما إذا كان له وارث غير المولى فصار كما لو قال لغيره بعني هذه الجارية بكذا وقال المولى زوجتها منك لا يحل له وطؤها لاختلاف الحكم ولهما أن المولى هو المستحق للقصاص على التقديرين بيقين، وهو معلوم فلا يضر مجرد اختلاف السبب؛ لأن السبب لا يراد لذاته، وإنما يراد لحكمه وقد حصل بخلاف المستشهد به لاختلاف حكم السببين ولا يدري بأيهما يحكم فلا يثبت الحل بدون تعيين السبب، وأما الثاني، وهو ما إذا لم يترك وفاء له وارث غير المولى فلأنه مات رقيقا لانفساخ الكتابة بموته لا عن وفاء فظهر أنه قتل عبدا عمدا فيكون القصاص للمولى بخلاف معتق البعض إذا قتل ولم يترك وفاء له حيث لا يجب القصاص؛ لأن العتق في البعض لا يفسخ بموته عاجزا؛ ولأن الاختلاف في أنه يعتق كله أو بعضه ظاهر فأشبه المستحق فأورث ذلك شبهة كالمكاتب إذا قتل عن وفاء أقول: فيه نظر؛ لأنه قد مر من قبل أن أصل أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله هو أن اختلاف السبب الذي لا يفضي إلى منازعة ولا إلى الاختلاف، الحكم لا يبالي به؛ ولهذا كان للمولى القصاص عندهما فيما إذا قتل المكاتب عمدا وليس له وارث سوى المال وترك وفاء فكيف يتم تعليل عدم وجوب القصاص عند أبي حنيفة في مسألة معتق البعض إذا مات عاجزا بأن المولى يستحق القصاص في بعضه بالولاية وفي بعضه بالملك فلا يثبت له الاستحقاق بسببين مختلفين ولا إفضاء إلى المنازعة على مقتضى، هذا التعليل ولا إلى الاختلاف في الحكم فمن أين لا يثبت له الاستحقاق عنده بمجرد اختلاف السبب ثم أقول: لعل المراد بقولهم بخلاف معتق البعض إذا مات ولم يترك وفاء فأما إذا كان له وارث غير المولى يرشد إليه ذكر مخالف هذه المسألة في حيز قوله، وإن لم يترك وفاء وله ورثة أحرار إلى

 

 ج / 9 ص -73-        وإن ترك وفاء ووارثا لا وإن قتل عبد الرهن لا يقتص حتى يجتمع الراهن والمرتهن
______
آخره فحينئذ يصح تتميم ما حمله المصنف في تعليله بقوله؛ لأن العتق في البعض لا ينفسخ بالعجز بأن يقال فالمولى يستحق القصاص في البعض المملوك بالملك والوارث يستحقه في البعض المعتق بالإرث فيكون السببان راجعين إلى الشخصين فيبالي باختلافهما للإفضاء إلى المنازعة تأمل تقف. واشتراط الوارث وقع اتفاقا، فإنه إذا لم يكن له وارث أيضا الحكم كذلك لموته رقيقا، وذكر ذلك لينبه على أنه لا فرق بين أن يكون له وارث أو لم يكن بخلاف المسألة الأولى
قال رحمه الله: "وإن ترك وفاء ووارثا لا"
أي لا يقتص، وهذا بالإجماع، وإن اجتمع  المولى والوارث لاشتباه من له الحق؛ لأنه إن مات حرا كما قال علي وابن مسعود رضي الله عنهما فالقصاص للوارث، وإن مات عبدا كما قال زيد بن ثابت رضي الله عنه فالقصاص للمولى قال ابن قاضي زاده على عبارة الهداية أقول: أطلق الوارث هاهنا ولم يقيده بالحر وقيده في الصورة الآتية حيث قال: وإن لم يترك وفاء وله ورثة أحرار، وكان الأولى أن يعكس الأمر، فإنه إذا كان الوارث هاهنا رقيقا فالظاهر أنه يجب القصاص للمولى عند أبي حنيفة وأبي يوسف لكون حق الاستيفاء للمولى خاصة إذ لا ولاية للأرقاء على استيفاء القصاص فلم يشتبه من له الحق هاهنا، وأما إذا كانت الورثة أرقاء في الصورة السابقة فيجب القصاص للمولى وحده في قولهم جميعا كما إذا كانت ورثته أحرارا؛ لأنه مات عبدا في تلك الصورة والتقييد بالأحرار يشعر بكون الحكم في الأرقاء خلاف ذلك على أن مفهوم المخالفة معتبر عندنا أيضا في الروايات كما صرحوا به، فإن قلت: الرقيق لا يكون وارثا؛ لأن الرق أحد الأمور الأربعة التي تمنع عن الإرث كما تقرر في علم الفرائض فلا احتياج إلى تقييد الوارث بالحر بل لا وجه له لإشعاره بكون الرقيق أيضا وارثا قلت: المراد بالوارث هنا من كان من شأنه أن يرث والرقيق كذلك؛ لأنه يرث عند زوال الرق لا من يرث بالفعل فيحتمل التقييد بالحرية وإلا يلزم أن لا يتم تقييد الورثة بالأحرار في الصورة الآتية أيضا مع أنها قيدت بها في الكتاب بل في أصل الجامع الصغير للإمام الرباني.
قال رحمه الله: "وإن قتل عبد الرهن لا يقتص حتى يجتمع الراهن والمرتهن"؛ لأن الراهن لا يليه لما فيه من إبطال حق المرتهن في الدين؛ لأنه لو قتل القاتل لبطل حق المرتهن في الدين لهلاك الرهن بلا بدل وليس للراهن أن يستوفي تصرفا يؤدي إلى بطلان حق الغير وذكر في العيون والجامع الصغير لفخر الإسلام أنه لا يثبت لهما القصاص، وإن اجتمعا فجعلاه كالمكاتب الذي ترك وفاء وارثا ولكن الفرق بينهما ظاهر، فإن المرتهن لا يستحق القصاص؛ لأنه لا ملك له ولا وفاء فلا يشبه من له الحق بخلاف المكاتب على ما بينا وفي العيون العبد المرهون إذا قتل عمدا، فإن

 

 ج / 9 ص -74-        ...........................................
______
اجتمعا على القصاص فلهما أن يقتصا في قول أبي حنيفة وأبي يوسف ويكون المستوفى هو الراهن وقال محمد وزفر لا قصاص وعلى القاتل القيمة وفي الينابيع روى هشام عن أبي حنيفة وأبي يوسف أنه يؤخذ من القاتل قيمته ويكون رهنا مكانه وروى ابن الوليد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة أنهما إذا اتفقا على القصاص وقيمته أقل من الدين أو مثله فلهما ذلك، وإن اختلفا فلهما قيمته وتكون رهنا مكانه ثم على قول أبي يوسف إذا اجتمعا على القصاص سقط الدين عن المرتهن في الرواية الظاهرة، وإن اجتمعا على أخذ القيمة يرجع المرتهن على الراهن بدينه كالعبد الموصى بخدمته. ولو قال المؤلف، وإن قتل عبد فيه حقان تامان لا يقتص حتى يجتمعا لكان أولى وأخصر أما كونه أولى فلأنه يشمل العبد الموصى برقبته لإنسان وبخدمته لآخر وغيره وقولنا حقان ليفيد أنه إذا كانا مالكين فلا بد من اجتماعهما وكونه أخصر أظهر وقولنا تامان ليخرج العبد المبيع المقتول قبل القبض كما سيأتي وفي فتاوى الفضلي الموصى به إذا قتل قبل أن يقبل الموصى له الوصية فلا قصاص للوارث ولا للموصى له إن اتفقا أنه مات قبل قبول الموصى له ثم بعد ذلك ينظر إن قبل الموصى له الوصية رجع على القاتل بقيمته ولا ترجع الورثة بذلك والموصى برقبته لرجل وبخدمته لآخر إذا قتل عمدا فلا قصاص فيه إلا أن يجتمعا وفي الكبرى إن اتفقا بطل حق صاحب الخدمة ويستوفيه صاحب الرقبة، وإن لم يرض صاحب الخدمة، فإنه تجب القيمة على القاتل ويشتري بها عبدا آخر ويكون حاله مثل حال الأول وفي القدوري قال أبو يوسف العبد الممهور إذا قتل قبل قبض المرأة وبدل الخلع إذا قتل قبل قبض الزوج وبدل الصلح عن دم العمد إذا قتل في يد الغاصب عمدا، فإن شاء المالك اقتص من القاتل، وإن شاء ضمن الغاصب قيمة عبده ثم يرجع الغاصب على القاتل، وإن قتل العبد المبيع قبل القبض فالقصاص للمشتري إن أجاز البيع؛ لأنه المالك، وإن نقص فللبائع؛ لأن البيع ارتفع وظهر أنه المالك. وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى وفي العيون وفي فتاوى الفضلي العبد المبيع إذا قتل قبل القبض عمدا يخير المشتري بين المضي والرد، فإن اختار المضي فله أن يقتص ولكن لا يكون له الاستيفاء إلا بعد نقد الثمن فقد جوزوا إجازة البيع بعد الموت هنا، ولو رد المشتري المبيع، للبائع أن يقتص في قول أبي حنيفة وإذا أدى الثمن قال أبو يوسف لا يقتص البائع، وعند  محمد تجب القيمة في الوجهين لاشتباه المستحق وفي نوادر ابن سماعة عن محمد رجل قطع يد عبد رجل أو شجه رجل ثم إن المولى باعه ثم رد عليه بعيب بقضاء قاض أو وهبه المولى من إنسان ثم رجع في الهبة بقضاء أو بغيره ثم مات العبد من الجناية، فإن مولى العبد يرجع على الجاني بجميع قيمته وفي نوادر بشر عن أبي يوسف لو أن أمة قطعت يدها خطأ وباعها المولى من إنسان على أنه بالخيار وردت على المولى فماتت عنده من القطع فعلى القاطع قيمتها تامة،

 

 ج / 9 ص -75-        ولأبي المعتوه القود والصلح لا العفو بقتل وليه
______
وإن كان القطع عمدا درأت القصاص استحسانا وفي نوادر داود بن رشيد عن محمد عبد قطع رجل يده ثم مات ثم اختلف القاطع والمولى في قيمته يوم القطع فقال القاطع كانت قيمته يوم القطع ألفي درهم فالقول قول القاطع، فإن غرم ذلك أو لم يغرم حتى تلفت اليد ومات فعلى قاطع اليد وعاقلته الدية. وأما النفس فلا يصدق واحد منهما عليها فيغرم القاتل قيمة النفس يوم تلفت ويكون على العاقلة ألف وخمسمائة منها أرش اليد رجل فقأ عيني عبد وقطع الآخر رجله أو يده فبرئ، وكانت الجناية عنهما معا فعليهما قيمته أثلاثا ويأخذان العبد فيكون بينهما على قدر ذلك وكذلك لو كانت جراحة من اثنين معا جراحة هذا في عضو وجراحة هذا في عضو يستغرق ذلك القيمة كلها، فإنه يدفعه إليهما ويغرمان القيمة على قدر أرش جنايتهما ويكون بينهما على ذلك، وإن مات منهما والجناية خطأ فعلى كل واحد منهما أرش جراحته على حدة من قيمة عبد صحيح وما بقي من النفس عليهما نصفان، وإن علم أن إحدى الجراحتين قبل الأخرى وقد مات منهما فعلى الجارح الأول أرش جراحته من قيمته صحيحا وعلى الجارح الثاني أرش جراحته من قيمته مجروحا الجراحة الأولى وما بقي من قيمته فعليهما نصفان، وإن برئ منهما والجراحة الأخرى تستغرق القيمة والأولى تستغرق القيمة فعلى الأول أرش جراحته وعلى الثاني أرش جراحته وفي نوادر ابن سماعة عن أبي يوسف رجل حمل على عبد رجل مختوما ورجل آخر حمل عليه مختومين، وكان بغير إذن المولى فمات من ذلك كله فعلى صاحب المختوم ثلث القيمة وعلى صاحب المختومين ثلثا القيمة، وهو قول أبي حنيفة.
وفي نوادر هشام عن أبي يوسف رجل قتل رجلا فجاء رجل وادعى أنه عبده وأقام البينة وشهدوا أنه كان عبده فأعتقه، وهو حر اليوم، فإن كان له وارث قضى لوارثه بالقصاص في العمد وبالدية في الخطأ، وإن لم يكن له وارث فلمولاه قيمته في الخطأ والعمد. وفي الذخيرة عبد مقطوع اليد جاء إنسان وقطع رجله إن قطع من هذا الجانب فعلى القاطع نقصان قيمة العبد المقطوعة يده، وإن قطعها من الجانب الآخر فعليه نصف قيمة العبد المقطوع يده وفي مختصر الكافي وعلى هذا: البائع إذا قطع يد العبد المبيع قبل التسليم إلى المشتري فيسقط نصف الثمن، ولو كان العبد مقطوع اليد فقطع البائع يده الثانية قبل التسليم يغرم النقصان ويسقط من المشتري بقدره من الثمن حتى لو انتقض ثلث لسقط ثلث الثمن، وكذلك لو كان مكان قطع اليد فقء العين وفي الظهيرية، ولو كان العبد مقطوع اليد فقطع إنسان يده الأخرى كان على قاطع اليد الثانية نقصان قيمته مقطوع اليد.
قال رحمه الله: "ولأبي المعتوه القود والصلح لا العفو بقتل وليه" يعني إذا قتل رجل قريبا للمعتوه فلولي المعتوه استيفاء القصاص وله أن يصالح؛ لأن له تمام الشفقة والرأفة وله ولاية على المعتوه فقام مقامه؛ ولأن في الصلح منفعة المعتوه قال جمهور الشراح، هذا إذا صالحا على مثل

 

 ج / 9 ص -76-        والقاضي كالأب والوصي يصالح فقط والصبي كالمعتوه
______
الدية أما إذا صالحا على أقل من الدية لم يجز ويجب كمال الدية ولنا فيه نظر؛ لأن لفظ محمد في الجامع الصغير مطلق حيث جوز صلح أبي المعتوه وعن دم قريبه مطلقا؛ لأنه قال وله أن يصالح من غير قيد بقدر الدية فينبغي أن يجوز الصلح على أقل من الدية عملا بإطلاقه، وإنما جاز صلحه على المال؛ لأنه أنفع للمعتوه من القصاص فإذا جاز استيفاء القصاص فالصلح أولى والنفع يحصل بالقليل والكثير. ألا ترى أن الكرخي قال في مختصره وإذا وجب لرجل على رجل قصاص في نفس أو فيما دونها فصالح صاحب الحق من ذلك على مال، فذلك جائز قليلا كان المال أو كثيرا كان ذلك دون دية النفس أو أرش الجراحة أو أكثر إلى هنا لفظ صاحب العناية أقول: نظره ساقط جدا، فإن لأصحاب التخريج من المشايخ صرف إطلاق كلام المجتهد إلى التقييد إذا اقتضاه الفقه كما صرحوا به وله نظائر كثيرة في مسائل الفقه والله تعالى أعلم. أما القتل فلأن القصاص شرع للتشفي ودرك الثأر، وكل ذلك راجع إلى  النفس بولايته ولاية على نفسه فيليه كالإنكاح بخلاف الأخ وأمثاله حيث لا يكون لهم استيفاء قصاص وجب للمعتوه؛ لأن الأب لوفور شفقته جعل التشفي الحاصل للابن؛ ولهذا يعد ضرر ولده ضرا على نفسه، وأما العفو فلا يصح؛ لأنه إبطال لحقه بلا عوض ولا مصلحة فلا يجوز، وكذلك إن قطعت يد المعتوه عمدا لما بينا والوصي كالأب في جميع ما ذكرنا إلا في القتل، فإنه لا يقتل؛ لأن القتل من باب الولاية على النفس حتى لا يملك تزويجه ويدخل تحت، هذا الإطلاق الصلح عن النفس واستيفاء القصاص في الطرف إذا لم يسر القود في النفس وذكر في كتاب الصلح أن الوصي لا يملك الصلح في النفس؛ لأنه فيها بمنزلة الاستيفاء، وهو لا يملك الاستيفاء وجه المذكور هنا. وهو المذكور في الجامع الصغير أن المقصود من الصلح المال والوصي يتولى التصرف فيه كما يتولى الأب بخلاف القصاص؛ لأن القصد التشفي، وهو مختص بالأب ولا يملك العفو؛ لأن الأب لا يملكه في النفس؛ لأن المقصود متحد، وهو التشفي، وفي الاستحسان يملكه؛ لأن الأطراف يسلك فيها مسلك الأموال؛ لأنها خلقت وقاية للأنفس كالمال فكان استيفاؤه بمنزلة التصرف فيه، والقاضي بمنزلة الأب فيه في الصحيح ألا ترى أن من قتل ولا ولي له يستوفيه السلطان والقاضي بمنزلته فيه، وهذا أولى والصبي كالمعتوه لما عرف في موضعه.
قال رحمه الله: "والقاضي كالأب والوصي يصالح فقط والصبي كالمعتوه" يعني أن القاضي يملك استيفاء القصاص في الصغير الذي لا ولي له، وهو قول المتأخرين من أصحابنا وذكر الناطفي أنه لا يملك والوصي يملك الصلح ولا يملك استيفاء القصاص، هذا الكلام فيما إذا كان المجني عليه مولى الصغير أو المعتوه فلو جنى صغير أو مجنون على نفس أو طرف وأراد الأب أن يصالح عن ذلك فله ذلك وقوله والوصي يصالح فقط، هذا إذا كان القصاص في النفس، وأما إذا كان في الأطراف ففي رواية الأصل ليس له ذلك، وعلى رواية الجامع الصغير له ذلك وذكر شيخ الإسلام أنه يملك ذلك على وجه الاستحسان وقوله والصبي كالمعتوه يعني ولي الصبي

 

 ج / 9 ص -77-        وللكبار القود قبل كبر الصغار
______
يملك ما قدمناه في أن ولي المعتوه يملكه وفي العيون إذا ثبت القتل عليه ثم جنى القاتل قال محمد: في القياس يقتل وفي الاستحسان تؤخذ منه الدية.
قال رحمه الله: "وللكبار القود قبل كبر الصغار" يعني إذا كان القصاص مشتركا بأن قتل رجل وله أولاد كبار وصغار فللكبار أن يقتلوا القاتل قبل أن يبلغ الصغار، وهذا عند أبي حنيفة وقالا ليس لهم ذلك حتى يبلغ الصغار؛ لأن القصاص مشترك بينهم؛ ولأن الكبار ليس لهم ولاية على الصغار حتى يستوفوا حقهم فتعين التأخير كما لو كان الكل كبارا وفيهم كبير غائب أو كان أحد الوليين غائبا في العبد المشترك بخلاف ما إذا عفا الكبير حيث صح عفوه، وإن بطل حق الصغير في القصاص، فإنه بطل بعوض فجعل كلا بطلان ولأبي حنيفة ما روى أن عبد الرحمن بن ملجم حين قتل عليا قتل به، وكان في أولاد علي صغار، وكان بمحضر من الصحابة من غير نكير فحل محل الإجماع؛ ولهذا لو استوفى بعض الأولياء القتل بنفسه لا يضمن شيئا، ولو لم يكن له ذلك لضمن كما لو قتل من وجب عليه القصاص أجنبي فافترقا وبخلاف ما إذا كان بين الموليين وأحدهما صغير؛ لأن سبب الملك أو الولاء، وهو غير متكامل وفي مسألتنا القرابة، وهي متكاملة قال الشارح؛ ولأنه حق لا يتجزأ؛ لأن سببه، وهي القرابة لا تتجزأ أقول: في تمام الاستدلال بعدم تجزؤ سبب القصاص، وهو القرابة على عدم تجزؤ القصاص نفسه فيه خفاء؛ لأن العقل لا يجد محذورا في كون السبب بسيطا والمسبب مركبا كيف والظاهر أن القرابة التي لا تتجزأ كما أنها سبب لاستحقاق القصاص في القتل العمد كذلك هي سبب أيضا لاستحقاق الدية في القتل الخطأ مع أنه لا شك أن الدية تتجزأ؛ لأنها مال، والمال يتجزأ بلا ريب، فالأظهر في بيان كون القصاص حقا لا يتجزأ ما ذكر في الكافي ومعراج الدراية تقرير دليل الإمامين، وهو أن القتل غير متجزئ ثم إن بعض الفضلاء طعن في قولهم هاهنا إن سبب القصاص هو القرابة حيث قال كيف يكون سببه القرابة، وهو يثبت للزوج والزوجة ا هـ.. أقول: نعم السبب للزوج والزوجة هو الزوجية وفي العتق والمعتقة هو الولاء دون القرابة إلا أن الظاهر أن قولهم هاهنا، وهو القرابة إما بناء على التغليب ليكون أولياء القتل في الأكثر قرابة، وإما بناء على أنهم أرادوا بالقرابة هاهنا الاتصال الموجب للإرث دون حقيقة القرابة فيعم الكل وقيدنا محل الخلاف بكون القصاص بين الأخوين فلو كان بين الأب  والأولاد الصغار أو بيت الجد والأولاد الصغار فللأب والجد أن يستوفي القصاص بالإجماع وفي الجامع هذه المسألة على وجهين إما أن يكون القتل عمدا أو خطأ، فإن كان خطأ، فإن كان الشريك الكبير أبا الصغير كان له أن يستوفي جميع الدية حصة نفسه بحكم الملك وحصة الصغير بحكم الولاية، وإن كان الشريك الكبير أخا أو عما ولم يك وصيا للصغير يستوفي حصة نفسه ولا يستوفي حصة الصغير، وإن كان القتل عمدا إن كان الشريك الكبير

 

 ج / 9 ص -78-        وإن قتله بمر يقتص إن أصابه الحديد وإلا لا كالخنق والتغريق ومن جرح رجلا عمدا فصار ذا فراش حتى مات يقتص وإن مات بفعل نفسه وزيد وأسد وحية ضمن زيد نصف الدية
______
أبا كان له أن يستوفي القصاص بالإجماع، وإن كان الشريك الكبير أجنبيا بأن قتل عبد، وهو مشترك بين أجنبيين أحدهما صغير والآخر كبير ليس للأجنبي أن يستوفي القصاص بالإجماع وفي المنتقى إلا أن يكون الصغير ابنا فيستوفى حينئذ، وإن كان الشريك الكبير أخا أو عما فعلى قول أبي حنيفة له أن يستوفي القصاص قبل بلوغ الصغير وعلى قولهما ليس له ذلك حتى يبلغ الصغير، وعلى، هذا الاختلاف إذا كان الشريك الكبير معتوها أو مجنونا والكبير أخو المعتوه أو عمه وأراد السلطان أن يستوفي حصة الصغير مع الكبير لا شك أن على قول أبي حنيفة له ذلك، وأما على قولهما ليس له ذلك وأجمعوا على أن القصاص إذا كان كله للصغير ليس للأخ الكبير ولاية الاستيفاء والعبد المشترك بين صغير وكبير إذا قتل عمدا حتى وجب القصاص فأراد الكبير أن يستوفي القصاص بعض مشايخنا قال إنه على الخلاف وبعضهم قال لا يستوفيه الكبير بالإجماع رجل له عبدان قتل أحدهما الآخر عمدا فللولي أن يستوفي القصاص من القاتل ذكره محمد في آخر إعتاق الأصل في باب جناية الرقيق
قال رحمه الله: "وإن قتله بمر يقتص إن أصابه الحديد وإلا لا كالخنق والتغريق"، هذا إذا أصابه بحد الحديد من غير خلاف، وإن أصابه بظهرها أو بالعود لا كالخنق والتغريق فهو على الخلاف الذي ذكرناه في أول الباب والمر عود في طرفها حديدة قال العيني المر بفتح الميم وتشديد الراء، وهو خشبة طويلة في رأسها حديدة عريضة من فوقها خشبة عريضة يضع الرجل رجله عليها ويحفر بها الأرض وبالفارسية تسمى بيل.
قال رحمه الله: "ومن جرح رجلا عمدا فصار ذا فراش حتى مات يقتص" يعني إذا جرح إنسان آخر فصار المجروح صاحب فراش حتى مات، فإنه يقتص من الجارح؛ لأن الجرح سبب ظاهر لموته فيحال الموت عليه ما لم يوجد ما يقطعه كحز الرقبة أو البرء منه.
قال رحمه الله: "وإن مات بفعل نفسه وزيد وأسد وحية ضمن زيد نصف الدية"؛ لأن فعل الأسد والحية جنس واحد لكونه هدرا في الدنيا والآخرة وفعله بنفسه جنس آخر لكونه هدرا في الدنيا معتبرا في الآخرة حتى يأثم به وفعل زيد معتبر في الدنيا والآخرة فصارت ثلاثة أجناس هدر مطلقا ومعتبر مطلقا ومعتبر من وجه دون وجه، وهو فعله بنفسه فيكون الثابت فعلا واحدا فيجب على زيد ثلث الدية ثم إن كان فعل زيد عمدا تجب عليه الدية في ماله وإلا فعلى العاقلة لما عرف في موضعه، وفي المبسوط وغيره المشاركة في القتل لا يخلو إما أن يشارك القاتل من لا يكون فعله مضمونا أو يشاركه من يكون فعله مضمونا، فإن شاركه من لا يكون فعله مضمونا كالسبع

 

 ج / 9 ص -79-        ومن أشهر على المسلمين سيفا وجب قتله
______
والبهيمة والحربي والمرتد أو جرح إنسان نفسه ثم جرحه آخر أو قطع الإمام يد السارق في سرقة ثم قطع آخر يده أو جرحه ومات فلا قصاص على القاتل بالإجماع، وإن شاركه من يكون فعله مضمونا كالخاطئ والصبي والمجنون فلا قصاص على واحد منهما، ولو كان مكان العمد خطأ تجب دية واحدة، ولو جرحه رجلان عامدا ثم مات أحد الجارحين ثم مات المجروح أو رمى رجلان إلى آخر فمات أحدهما ثم أصاب السهمان فمات من ذلك هل يجب القصاص على الحي قال بعضهم يجب؛ لأن فعل كل واحد منهما موجب وقال بعضهم: لا يجب؛ لأن فعل أحدهما إنما ينعقد موجبا بعد الإصابة فلا ينعقد أحدهما موجبا بانفراده. رجلان قتلا رجلا أحدهما بالسيف، والآخر بالعصابة يقضى بالدية على عاقلة صاحب العصا والقصاص على صاحب السيف وفي المبسوط أصله أن النفس متى تلفت بجنايات ووجب المال، فإنه ينظر إن تلفت بجنايات بني آدم فالعبرة فيها بعدد الجاني ولا عبرة بعدد الجنايات في حق الضمان حتى لو جرح واحد عشر جراحات خطأ وجرحه آخر واحدة خطأ فالدية عليهما نصفان؛ لأن فعل الإنسان في نفسه معتبر؛ لأنه لا ينقلب عن حكمه في الدنيا، وهو القصاص والدية أو الإثم في الآخرة فاعتبر عدد الجاني لا عدد الجنايات؛ لأن كل جناية تصلح أن تكون سبب الموت لو انفردت والعلة  لا تترجح بالزيادة من جنسها فاعتبر الكل جناية واحدة وإذا تلفت بجنايات البهائم وبجنايات بني آدم فلا عبرة بعدد الجنايات؛ لأن فعل البهائم هدر أصلا؛ لأنه لا يناط به حكم ما فاعتبر جنايات البهائم كلها كجناية واحدة؛ لأن حكم الكل واحد، وهو الهدر، هذا كرجل به جروح ودماميل قاتلة فجرحه رجل آخر فمات من الكل يضمن الجارح نصف الدية ويرفع النصف ويسقط عنه اعتبار عدد الدماميل؛ لأنها مهدرة، ولو قطع رجل يده ولصاحبه فشجه وعقره كلب فكسر رجله وافترسه سبع فعلى القاطع نصف الدية؛ لأن النفس تلفت بجنايات أربع واحدة فصار كأنها تلفت بجنايتين إحداهما معتبرة والأخرى مهدرة. ولو قطع يده رجل وجرحه آخر وجرح هو أيضا نفسه وافترسه سبع ضمن القاطع ربع الدية والجارح ربعها؛ لأن النفس تلفت بجنايات أربعة ثنتان منها من بني آدم وهما معتبرتان وواحدة من غير بني آدم، وهي مهدرة فقد تلفت بجناية كل واحد من الأجنبيين ربعه وقد سبق بيانه.
قال رحمه الله: "ومن أشهر على المسلمين سيفا وجب قتله" ولا شيء بقتله لقوله عليه الصلاة والسلام
"من شهر على المسلمين سيفا فقد أبطل دمه"؛ ولأن دفع الضرر واجب فوجب عليهم قتله إذا لم يكن دفعه إلا به ولا يجب على القاتل شيء؛ لأنه صار باغيا بذلك وكذا إذا أشهر على رجل سلاحا فقتله أو قتله غيره دفعا عنه فلا يجب بقتله شيء لما بينا ولا يختلف بين أن يكون بالليل أو بالنهار في المصر أو خارج المصر؛ لأنه لا يلحقه الغوث بالليل ولا في خارج المصر،

 

 ج / 9 ص -80-        ومن شهر على رجل سلاحا ليلا أو نهارا في المصر أو غيره أو شهر عليه عصا ليلا أو نهارا في غيره فقتله المشهور عليه فلا شيء عليه ومن شهر عصا نهارا في مصر فقتله المشهور عليه قتل به وإن شهر المجنون على غيره سلاحا فقتله المشهور عليه عمدا تجب الدية
______
فكان له دفعه بالقتل بخلاف ما إذا كان في المصر نهارا وفي النوادر يغسل ويصلى عليه وعن الثاني يغسل ولا يصلى عليه
قال رحمه الله: "ومن شهر على رجل سلاحا ليلا أو نهارا في المصر أو غيره أو شهر عليه عصا ليلا أو نهارا في غيره فقتله المشهور عليه فلا شيء عليه" لما بينا من المنقول والمعقول
قال رحمه الله: "ومن شهر عصا نهارا في مصر فقتله المشهور عليه قتل به"؛ لأن العصا خفيفة والغوث غير منقطع في المصر فكان بالقتل معتديا، وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى ظاهر؛ لأنه ليس كالسلاح عنده وقيل عندهما يحتمل أن يكون على الخلاف المذكور في العمد؛ لأنه كالسلاح عندهما حتى يجب القصاص بالقتل به، وقد بيناه وقيل، هذا في الزمان المتقدم أما اليوم إذا شهر عليه العصا في مصر وقتله لا شيء عليه؛ لأن الناس تركوا الإغاثة والغوث.
قال رحمه الله: "وإن شهر المجنون على غيره سلاحا فقتله المشهور عليه عمدا تجب الدية" وعلى هذا، الصبي والدابة وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى لا تجب الدية في الصبي والمجنون وقال الشافعي رحمه الله تعالى لا يجب الضمان في الكل؛ لأنه قتله دافعا عن نفسه فصار كالبالغ العاقل، وهذا؛ لأنه يصير محمولا على قتله بفعله كأن قال له اقتلني وإلا قتلتك وكون الدابة مملوكة للغير لا تأثير له في وجوب الضمان كالعبد إذا شهر سيفا على رجل فقتله، فإنه لا يجب الضمان فكذا، هذا فصار كالعبد إذا صال على الحر فقتله ولأبي يوسف إن فعل الصبي والمجنون معتبر أصلا حتى لا يعتبر في حق وجوب الضمان؛ لأن جناية العجماء جبار وكذا عصمتها لحقها وعصمة الدابة لحق المالك فكان فعلهما مسقطا لحقهما لعصمتهما فلا يضمنان ويضمن الدابة بخلاف الصيد إذا صال على المحرم أو صيد الحرم على الحلال؛ لأن الشارع أذن في قتله ولم يوجب علينا تحمل أذاه ألا ترى أن الخمس الفواسق أباح قتلها مطلقا لتوهم الأذى منها فما ظنك إذا تحقق الأذى ومالك الدابة لم يأذن فيجب الضمان وكذا عصمة عبد الغير لحق نفسه وفعله محظور فتسقط به عصمته ولنا أن الفعل من هذه الأشياء غير متصف بالحرمة فلم يقع بغيا فلا تسقط العصمة به لعدم الاختيار الصحيح؛ ولهذا يجب القصاص على الصبي والمجنون بقتلهما، فإذا لم تسقط كان قضيته أن يجب القصاص؛ لأنه قتل نفسا معصومة إلا أنه لا يجب القصاص لوجود المبيح، وهو دفع الشر فتجب الدية

 

 ج / 9 ص -81-        ولو ضربه الشاهر فانصرف فقتله الآخر قتل القاتل ومن دخل عليه غيره  ليلا فأخرج السرقة فاتبعه فقتله فلا شيء عليه قاتل دون مالك
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال رحمه الله تعالى "ولو ضربه الشاهر فانصرف فقتله الآخر قتل القاتل" معناه إذا شهر رجل على رجل سلاحا فضربه الشاهر فانصرف ثم إن المضروب، وهو المشهور عليه ضرب الضارب، وهو الشاهر فقتله فعليه القصاص؛ لأن الشاهر لما انصرف بعد الضرب عاد معصوما مثل ما كان؛ لأن حل دمه كان باعتبار شهره وضربه، فإذا رجع على وجه لا يريد ضربه ثانيا اندفع شره فلا حاجة إلى قتله لارتفاع شره بدونه فعادت عصمته، فإذا قتله بعد ذلك، فقد قتل رجلا معصوما ظلما فيجب عليه القصاص.
قال رحمه الله: "ومن دخل عليه غيره  ليلا فأخرج السرقة فاتبعه فقتله فلا شيء عليه" لقوله عليه الصلاة والسلام
"قاتل دون مالك"1 أي لأجل مالك؛ ولأن له أن يمنعه بالقتل ابتداء فكذا له أن يسترد به انتهاء إذا لم يقدر على أخذه منه، ولو علم أنه لو صاح عليه يطرح ماله فقتله مع ذلك يجب عليه القصاص؛ لأن قتله بغير حق، وهو بمنزلة المغصوب منه إذا قتل الغاصب حيث يجب عليه القصاص؛ لأنه يقدر على دفعه بالاستعانة بالمسلمين والقاضي فلا تسقط عصمته بخلاف السارق، والذي لا يندفع بالصياح والله تعالى أعلم.

....................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باب القصاص فيما دون النفس
يقتص بقطع اليد من المفصل، وإن كانت يد القاطع أكبر وكذا الرجل ومارن الأنف والأذن
______
باب القصاص فيما دون النفس
لما فرغ من بيان القصاص في النفس شرع في بيان القصاص فيما دون النفس؛ لأن الجزء يتبع الكل
قال رحمه الله تعالى "يقتص بقطع اليد من المفصل، وإن كانت يد القاطع أكبر وكذا الرجل ومارن الأنف والأذن" لقوله تعالى
{وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: من الآية45] أي ذو قصاص لقوله تعالى {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} [المائدة: من الآية45] والقصاص ينبني على المماثلة فكل ما أمكن فيه رعاية للمماثلة يجب فيه القصاص وما لا فلا وقد أمكن في هذه الأشياء التي ذكرناها ولا عبرة بكبر العضو؛ لأنه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه النساائي في تحريم الدم "4081".

 

 ج / 9 ص -82-        والعين إن ذهب ضوءها، وهي قائمة، وإن قلعها لا والسن، وإن تفاوتا وكل شجة تتحقق فيها المماثلة
______
لا يوجب التفاوت في المنفعة وإذا قلنا أن المدار عن التساوي في المنفعة فلا تقطع اليمنى باليسرى ولا الصحيحة بالشلاء ولا يد المرأة بيد الرجل ولا يد الحر بيد العبد وقيد بقوله من المفصل؛ لأنه لو قطع ذلك من غير المفصل لا قصاص فيه وفي النوادر روى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى أنه إذا قطع شحمة أذنه يقتص منه، وإن قطع نصف أذنه، وكان يقدر أن يقتص مثل ذلك اقتص منه؛ لأن شحمة الأذن لها حد معلوم وللأذن مفاصل معلومة فإذا قطع منها شيء يعلم أن القطع من أي المفصل أمكن القصاص، وكذلك إذا قطع غضروف الأذن قطعا يستطاع فيه القصاص اقتص منه يعمل ذلك بحديدة أو بغير حديدة، وإن جذب أذنه فانتزع شحمته لا قصاص فيه وعليه الأرش في ماله، وإن كان أذن القاطع سكا أي صغيرة الخلقة وأذن المقطوع صحيحة كبيرة كان بالخيار إن شاء ضمنه نصف الدية، وإن شاء قطعها على صغرها، وكذلك لو كانت أذن القاطع مقطوعة أو خرماء أو مشقوقة كان المقطوع بالخيار، وإن كانت الناقصة هي المقطوعة كان له حكومة عدل لا قصاص فيه وفي نوادر ابن سماعة عن محمد، ولو قطع المارن، وهو أرنبة الأنف ففيها القصاص، وإن قطع من أصله لا قصاص عليه؛ لأنه عظم، وليس بمفصل ولا قصاص في العظم قال أبو حنيفة: لو قطع ذكره من أصله أو من الحشفة اقتص منه؛ لأنه أمكن استيفاؤه على سبيل المساواة إذ له حد معلوم فأشبه اليد من الكوع.
قال رحمه الله: "والعين إن ذهب ضوءها، وهي قائمة، وإن قلعها لا والسن، وإن تفاوتا وكل شجة تتحقق فيها المماثلة" لقوله تعالى
{وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} [المائدة: من الآية45] يعني لو ضرب العين فأذهب ضوءها، وهي قائمة يجب القصاص؛ لأنه أمكن بأن تحمى لها المرآة ويجعل على وجهه قطن رطب وتشد عينه الأخرى ثم تقرب المرآة من عينه بخلاف ما إذا انقلعت حيث لا يقتص منه لعدم إمكان رعاية المماثلة، وكانت هذه الحادثة وقعت في زمن عثمان رضي الله تعالى عنه فشاور الصحابة فقال علي رضي الله تعالى عنه يجب القصاص فبين إمكان الاستيفاء بالطريق التي ذكرناها ثم هنا لم يعتبر الكبر والصغر حتى أجري القصاص في الكل باستيفاء الكل واعتبر بالشجة في الرأس إذا كانت استوعبت رأس المشجوج، وهي لم تستوعبه رأس الشاج فأثبت للمشجوج الخيار إن شاء اقتص وأخذ بقدر شجته، وإن شاء أخذ أرش ذلك؛ لأن ما لحقه من الشين أكثر؛ لأن الشجة المستوعبة لما بين قرنيه أكثر شينا من الشجة التي لم تستوعب ما بين قرنيه بخلاف قطع العضو، فإن الشين فيه لا يختلف، وكذا منفعته لا تختلف فلم يمكن إلا القصاص لوجود المساواة فيه من كل وجه، وإذا قلعت لا يجب حيث لا يمكن المماثلة إذ لا قدرة لنا أن نفعل به

 

 ج / 9 ص -83-        ...........................................
______
كما فعل من غير زيادة ولا نقصان؛ فلهذا لا يجب القصاص، وفي الهداية، ولو قلع السن من أصله يقلع الثاني تماثلا قال صاحب الكافي: وعامة شراح الكتاب في هذا المقام، ولو قلع السن من أصله لا يقلع سنه قصاصا لتعذر اعتبار المماثلة فربما تفسد به المماثلة، ولكن تبرد بالمبرد إلى موضع أصل السن، وعزاه الشارح إلى المبسوط. أقول: أسلوب تحريرهم هاهنا محل تعجب، فإن أحدا منهم لم يتعرض لما ذكر في الكتاب لا بالرد ولا بالقبول بل ذكروا المسألة على خلاف ما ذكر في الكتاب، وكان من دأب الشراح  التعرض لما في الكتاب إما بالقبول، وإما بالرد فكأنهم لم يروا أصلا نعم القول الذي نقلته هاهنا عن المصنف غير مذكور في بعض النسخ لكنه واقع في كثير من النسخ ليس بمثابة أن لا يطلع عليه أحد من الشرائع كيف، وقد أخذه صاحب الوقاية فذكره في متنه حيث قال ولا قود في عظم إلا في السن فتقلع إن قلعت وتبرد إن كسرت، وكان ما أخذه متن الوقاية هو الهداية كما صرح به صاحبه، وكذا ذكره في كثير من المتون ثم إن التحقيق هاهنا هو أنه إذا قلع سن غيره هل يقلع سنه قصاصا أم يبرد بالمبرد إلى أن ينتهي إلى اللحم فيه روايتان كما أفصح عنه في المحيط البرهاني حيث قال إن كانت الجناية بكسر بعض السن يؤخذ من سن الكاسر بالمبرد مقدار ما كسر من سن الآخر، وهذا بالاتفاق، وإن كانت الجناية بقلع سن ذكر القدوري أنه لا يقلع سن القالع، ولكن يبرد سن القالع بالمبرد إلى أن ينتهي إلى اللحم ويسقط الباقي وإليه مال شمس الأئمة السرخسي وذكر شيخ الإسلام في شرحه أنه يقلع سن القالع، وإليه أشار محمد في الجامع الصغير حيث ذكر بلفظ النزع والنزع والقلع واحد وفي الزيادات نص على القلع إلى هنا لفظ المحيط. وأما الشفتان ففي كل واحد منهما نصف الدية إن كان خطأ، وأما إذا كان عمدا فذكر الطحاوي في شرحه عن الإمام إذا قطع شفة رجل السفلى أو العليا، وكان يستطاع أن يقتص منه بقدر ما فعل يجب القصاص، وإن قطع بعضه لا يجب ويقتص العليا بالعليا والسفلى بالسفلى وقوله والسن إن تفاوتت يعني يجب قطع السن بالسن إذا أمكنت المماثلة، وإن تفاوتا في الصغر والكبر وإلا فلا، وفي المنتقى إذا أراد أن يقلع سن آخر ظلما فله أن يقتله إذا كان في موضع لا يغيثه الناس، وفي الذخيرة، ومن أراد أن يبرد سن آخر فليس له أن يقتله، وإن كان لا يغاث وفي الأصل ينبغي أن يؤخذ الضرس بالضرس والثنية بالثنية والناب بالناب ولا يؤخذ الأعلى بالأسفل بل بالأعلى، وفي الخلاصة الحاصل أن النزع مشروع والأخذ بالمبرد احتياط وفي الجامع الصغير وإذ كسر سن إنسان وسن الكاسر أكبر يقتص منه، وكذلك في القلع ولا قصاص في السن الزائدة، وإنما فيها حكومة عدل، وإذا كسر سن إنسان، والسن المكسورة مثل ربع سن الكاسر يقتص منه ولا يكون على قدر الصغر والكبر بل يكون على قدر ما كسره من السن وفي الحاوي، فإن كان سن المنزوع أطول وأعظم لم يكن له إلا القصاص، وإن

 

 ج / 9 ص -84-        ...........................................
______
كسر إن كان مستويا يمكن استيفاء القصاص منه اقتص منه بمبرد، وإن لم يكن مستويا ولا يستطاع أن يقتص كان عليه أرشه، وفي الخلاصة، وإن كسر ثلثا ليس بمستو بحيث لا يستطاع أن يقتص منه فعليه أرش ذلك في كل سن خمس من الإبل أو من البقر. وفي المنتقى إذا كسر من سن رجل طائفة منها انتظر بها حولا، فإذا تم الحول ولم يكمل فعليه القصاص تبرد بالمبرد ويطلب لذلك طبيب عالم أو يقال لها قيمتها كم ذهب منها ؟، فإن قال ذهب منها النصف يبرد من سن القالع النصف وفيه أيضا إذا كسر من رجل بعضها وسقط ما بقي، فإن أبا يوسف كان يقول يجب القصاص وفي القدوري لا قصاص في المشهور وروى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة إذا نزع الرجل سن رجل فنبت نصفها فعليه نصف أرشها ولا قصاص في ذلك، فإن نبتت بيضاء تامة ثم نزعها آخر ينتظر بها سنة، فإن نبتت وإلا اقتص منه ولا شيء على الأول وقال ابن أبي مالك قال أبو يوسف: يجب عليه، فإن نبتت صفراء، فعليه حكومة عدل، وقال ابن سماعة في السن إذا نزعت ينتظر بها سنة، فإن لم تنبت اقتص منه، وفي جامع الفتاوى في الإملاء يقتص من ساعته، وإن نبتت صفراء ففيها حكومة عدل وروى ابن مالك عن أبي حنيفة في السن إذا نزعت ينتظر بها البرد ثم يقتص من الجاني، وفي شرح الطحاوي إذا كسر بعض سن إنسان عمدا ثم اسود الباقي بذلك أو احمرت أو اخضرت أو دخلها عيب بوجه من الوجوه فلا قصاص. ويجب الأرش في مال الجاني، وبهذه الرواية تبين أن ما ذكره القاضي الإمام صدر الإسلام والصدر الشهيد في الجامع الصغير فإذا كسر بعض سن إنسان واسود الباقي يجب فيها حكومة عدل ليس بصحيح، ولو قال المجني عليه أنا أستوفي القصاص في المكسور وأترك ما اسود ليس له ذلك وإذا ضرب سن إنسان فتحرك ينتظر فيه حولا، فإن احمر أو اخضر أو اسود تجب الدية كاملة في مال الجاني، وإن اصفر اختلف المشايخ فيه هكذا ذكر شيخ الإسلام في شرحه قال بعضهم: يجب كمال أرش السن كما في الأسود والأحمر، وقال بعضهم يجب حكومة عدل وذكر  شيخ الإسلام أحمد الطواويسي في شرحه أن في هذا الفصل اختلاف الروايات وروى عن أبي يوسف أنه يلزمه كمال الأرش كما في الأسود وعن محمد أنه قال ينظر في ذلك، فإن كان يلحقه من الشين بسبب الاصفرار ما يلحقه من الشين بسبب الاسوداد يلزمه كمال الأرش وإلا فيقدر الشين وعن أبي حنيفة أنه يلزمه حكومة عدل وذكر القدوري أن هشاما روى عن محمد عن أبي حنيفة أن سن الحر إذا اصفرت فلا شيء، وإن كان عبدا ففيه حكومة عدل وعن أبي يوسف عن أبي حنيفة أن فيه الحكومة وروي عن أبي مالك عن أبي يوسف أن الصفرة إذا اشتدت حتى صارت كالخضرة ففيها كمال الأرش، وإن كانت دون ذلك ففيها الحكومة ثم إن محمدا أوجب كمال الأرش باسوداد السن ولم يفصل بين أن يكون السن من الأضراس التي لا ترى أو من القوارض التي ترى قالوا ويجب

 

 ج / 9 ص -85-        ...........................................
______
أن يكون الجواب فيها على التفصيل إن كان السن من الأضراس التي لا ترى إن فاتت منفعة المضغ بالاسوداد يجب الأرش كاملا، وإن لم تفت منفعة المضغ يجب فيه حكومة عدل. وإن كان السن قائمة من القوارض التي ترى وتظهر من الأسنان فيجب كمال الأرش بالاسوداد، وإن لم تفت منفعته. وفي الينابيع، ولو ضرب سن إنسان فتحركت سنه الأخرى فجاء للقاضي ليظهر أثر فعله، فإن أجله القاضي حولا وقد سقطت سنه فاختلفا قبل السنة فقال المضروب من ضربك وقال الضارب لا بل من ضرب رجل آخر فالقول للمضروب، وإن جاء بعد السنة واختلفا القول للضارب، ولو لم تسقط لا شيء على الضارب وعن أبي يوسف أنه تجب حكومة عدل في الألم وفي شرح الطحاوي، ومن ضرب رجلا حتى سقط أسنانه كلها، وهي اثنان وثلاثون سنا منها عشرون أضراس وأربعة أنياب وأربع ثنايا وأربع ضواحك، فإن عليه دية وثلاثة أخماس الدية، وهي من الدراهم ستة عشر ألفا في السنة الأولى ثلثا الدية ثلث من الدية الكاملة وثلث من ثلاثة أخماس الدية وفي السنة الثانية ثلث الدية وفي السنة الثالثة، وهي ما بقي من الدية والثلاثة أخماس، وإذا قلع الرجل سن رجل خطأ ثم نبتت فلا شيء على القالع عند علمائنا وروي عنهما في النوادر أنه يجب الأرش والصحيح ما قلنا؛ لأن القياس يأبى وجوب الأرش بالقلع، وإن لم تنبت؛ لأن المتلف ليس بمال ولكنا تركنا القياس بالنص، وإنما أوجب النص الأرش إذا لم تنبت مكانه أخرى فإذا نبتت مكانه أخرى يقع على أصل القياس فإذا نبتت أخرى سوداء بقي الأرش على حاله وإذا نزع سن رجل عمدا أو انتزع المنزوع سنه سن النازع ثم نبتت سن الأول فعلى الأول أرش سن الثاني، ولو نبت معوجا يجب حكومة عدل. وإن نبتت سوداء جعل كأنها لم تنبت وفي الكافي، ولو قلع سن غيره فردها صاحبها إلى مكانها ونبت عليها اللحم فعلى القالع كمال الأرش وقال الشافعي في قول: عليه الضمان بخلاف ما لو قطع شجرة رجل فنبتت مكانها أخرى حيث لا يسقط الضمان السغناقي ذكر في المبسوط، ولو قلع سن رجل فنبتت كما كانت فلا شيء عليه في ظاهر الرواية ويرجع على الجاني بقدر ما يحتاج إليه من ثمن الدواء وأجرة الأطباء وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول لا يجب شيء، وفي الينابيع وقال أبو يوسف: لو نبتت سن البالغ بعد القلع لا يسقط الأرش بل تلزمه الدية كاملة بخلاف سن الصبي وقال أبو حنيفة: لا شيء في سن الصبي وقال أبو يوسف: فيها حكومة عدل، وإذا لم تنبت يجب فيها الأرش كاملا، وإذا قلع الرجل ثنية رجل عمدا واقتص له من ثنية القالع ثم نبتت ثنيته لم يكن للمقتص له أن يقلع تلك الثنية التي نبتت ثانيا، ومثله لو نبتت ثنية المقتص له، ولم تنبت ثنية المقتص منه غرم المقتص للمقتص منه أرش ثنيته قال في الأصل: إذا قلع الرجل سن رجل فأخذ المقلوع سنه وأثبتها في مكانها فثبتت فقد كان القلع خطأ فعلى القالع أرش السن كاملا قال شيخ الإسلام: وهذا إذا لم يعد إلى حالته الأولى بعد

 

 ج / 9 ص -86-        ...........................................
______
الثبات في المنفعة والجمال، والغالب أن لا يعود إلى تلك الحالة، وإذا تصور عود الجمال والمنفعة بالإثبات لم يكن على القالع شيء كما لو نبتت السن المقلوعة. قال في الأصل إذا نزع ثنية رجل وثنية الجاني سوداء فالمجني عليه بالخيار، وعلى نحو ما ذكرنا في مسألة العين وتفريع هذه المسألة على نحو تفريع مسألة العين، وفي السغناقي عن أبي يوسف فيما إذا قلع سن رجل بالغ ثم نبت مكانها أخرى يجب حكومة العدل لمكان الألم فيقوم، وبه هذا الألم فيجب ما انتقص منه بسبب الألم من القيمة، ولو نزع ثنية رجل وثنية النازع سوداء، فلم  يتخير المجني عليه شيئا حتى سقطت السن السوداء، ونبتت مكانها أخرى صحيحة فقد بطل حق المجني عليه، وفي الكافي وكذا إذا لم يكن للقالع ثنية حين قلع ثم نبتت، فلا قصاص له وله الأرش، ولو قلع رجل ثنية رجل وثنية القالع مقلوعة فنبتت ثنيته بعد القلع، فلا قصاص فيه وللمقلوع ثنيته أرشها، وفي المجرد عن أبي حنيفة إذا نزع سن إنسان ينبغي للقاضي أن يأخذ ضمينا من النازع ثم يؤجله سنة من النزع فإذا مضت سنة، ولم تنبت اقتص منه، وعلى هذا إذا ضرب إنسان إنسانا واسود السن فقال الضارب: إنما اسودت من ضربة حدثت فيها بعد ضربتي فالقول للمضروب استحسانا هكذا ذكر المسألة في الأصل وهكذا روى ابن سماعة عن أبي يوسف، وفي المنتقى في الباب الأول من الجنايات رواية الحسن عن أبي حنيفة في عين هذه الصورة أن القول قول الضارب، وليس هذا في شيء من الجنايات إلا في السن للأثر. وفي النوازل سئل عن رجل ضرب على وجه رجل فتناثرت أسنانه كلها قال يجب لكل سن دية خمسمائة قال الفقيه إن كانت جملتها اثنين وثلاثين، ويجب عليه ستة عشر ألفا، وإن كانت أسنانه ثلاثين فعليه خمسة عشر ألفا، ولو كانت ثمانية وعشرين، فعليه أربعة عشر ألفا، وفي السراجية في سن الرجل خمسمائة وفي سن المرأة نصف ذلك وفي الفتاوى أمره بنزع سنه ثم اختلفا فقال الآمر: أمرتك بغير هذا، فإنه قال القول قول الآمر مع يمينه، فإذا حلف فأرش السن على عاقلة المأمور أو في ماله لا رواية في هذا وفي المنتقى قالوا وليس في نفس الآدمي شيء من الأعضاء ديته زائدة على دية النفس إلا الأسنان رجلان قاما في اللعب ليتضاربا بالوكز يعني "مسه درن حابرل" فركب أحدهما الآخر وكسر سنه فعلى الضارب القصاص ولكن بالشرائط التي قلنا؛ لأن هذا عمد والمسألة كانت واقعة الفتوى على هذا وفي الظهيرية، ولو قال كل واحد منهما "درن" فوكز أحدهما صاحبه لا شيء عليه، وهو الصحيح بمنزلة قوله اقطع يدي فقطعها، وإذا قلع سن صبي آخر حولا فمات الصبي قبل تمام الحول فلا شيء على الجاني في قول أبي حنيفة، وقال أبو يوسف: فيه حكومة عدل وفي الكبرى قال فيه حكومة عدل، وإذا ضرب سن رجل فاسود سن الرجل ثم جاء آخر فنزعها فعلى الأول تمام أرشها، وفي الخانية خمسمائة وعلى الثاني حكومة عدل وإذا نزع سن رجل وسن الثاني سوداء أو

 

 ج / 9 ص -87-        ولا قصاص في عظم وطرفي رجل وامرأة وحر وعبد وعبدين
______
صفراء أو حمراء أو خضراء والنزع كان عمدا يخير المجني عليه إن شاء اقتص منه. وإن شاء ضمنه أرش سنه خمسمائة، وإن كان المعيوب سن المجني عليه فله حكومة عدل ولا يقتص سنه لسنه وفي الخانية، ولو ضرب سن إنسان فاسودت وسن الجاني سوداء أو حمراء أو خضراء أو صفراء كان المجني عليه بالخيار إن شاء ضمنه، وإن شاء استوفى القصاص ناقصا وفي الكبرى، ولو نزع سن رجل فنبت نصفها فعليه نصف أرشها، وإن نبتت صفراء ففيها حكومة عدل.
قال رحمه الله: "ولا قصاص في عظم" لقوله عليه الصلاة والسلام
"لا قصاص في العظم"1 وقال عمر وابن مسعود: لا قصاص في عظم إلا في السن، وهذا هو المراد بالحديث وبموضوع صاحب الكتاب؛ ولأن القصاص ينبني عن المساواة، وقد تعذر اعتبارها في غير السن، واختلف الأطباء في السن هل هو عظم أو طرف عصب يابس فمنهم من ينكر أنه عظم؛ لأنه يحدث وينمو بعد تمام الخلقة ويلين بالخل فعلى هذا لا يحتاج إلى الفرق بينه، وبين سائر العظام؛ لأنه ليس بعظم فلعل صاحب الكتاب ترك السن لذلك؛ لأنه لم يدخل تحت الاسم؛ ولذا لم يستثنه في الحديث ولئن قلنا بأنه عظم فالفرق بينه وبين سائر العظام أن المساواة فيه ممكنة بأن يبرد بالمبرد بقدر ما كسر منه وكذلك إن قلع سنه، فإنه لا يقلع سنه قصاصا لتعذر اعتبار المماثلة فيه فلربما تفسد به، وإنما يبرد بالمبرد إلى موضع أصل السن كذا ذكره في النهاية معزيا إلى الذخيرة والمبسوط.
قال رحمه الله: "وطرفي رجل وامرأة وحر وعبد وعبدين" أي لا قصاص في الطرف بين الرجل والمرأة فقوله وطرف رجل وامرأة إلى آخره، فإن قيل سلمنا وجود التفاوت في القيمة في الأطراف، وأنه يمنع الاستيفاء لكن المعقول منه منع استيفاء الأكمل بالأنقص دون العكس، فإن الشلاء تقطع بالصحيحة، وأنتم لا تقطعون يد المرأة بيد الرجل ولا يد عبد بحر. والجواب إنا قد ذكرنا أن الأطراف يسلك بها مسلك الأموال؛ لأنها خلقت وقاية للأنفس كالمال، فالواجب أن يعتبر التفاوت المالي شائعا مطلقا، والشلل ليس منه، فيعتبر مانعا من جهة الأكمل كذا في العناية، ولا مماثلة بين طرفي الذكر والأنثى للتفاوت بينهما في القيمة  بتقسيم الشارع، ولا بين الحر والعبد ولا بين العبدين للتفاوت في القيمة، وإن تساويا فيها بالظن، فصار شبهة منع القصاص، فإن قيل إن استقام عدم المماثلة في الحر والعبد لم يستقم بين العبدين لإمكان تساوي قيمتهما بتقويم المقومين أجيب بأن التساوي إنما يكون بالحزر والظن والمماثلة المشروطة شرعا لا تثبت بذلك كالمماثلة في الأموال الربوية بخلاف طرفي الحرين؛ لأن استواءهما متيقن بتقويم الشرع وبخلاف

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره الزيلعي في "نصب الراية" "4/350".

 

 ج / 9 ص -88-        وطرف الكافر والمسلم سيان وقطع يد من نصف ساعد وجائفة برئ منها ولسان وذكر إلا أن تقطع الحشفة
______
الأنفس؛ لأن الخلاف فيها متعلق بإزهاق الروح، ولا تفاوت فيه قال صاحب الكفاية: فإن قيل قوله تعالى
{وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ} [المائدة: من الآية45] مطلق يتناول موضع النزاع فيكون حجة عليكم قلنا قد خص منه الحربي. والمستأمن والعام إذا خص منه شيء يجوز تخصيصه بخبر الواحد فخصصناه بما روي عن عمران بن حصين أنه قال قطع عبد لقوم فقراء أذن عبد لقوم أغنياء فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقض بالقصاص ا هـ. أقول: فيه نظر أما أولا: ؟ فلأنه قد تقرر في علم الأصول أن النص العام إذا خص منه شيء بكلام مستقل موصول به يكون ذلك العام المخصص منه البعض ظنيا في الباقي فيجوز تخصيصه بخبر الواحد، وأما إذا خرج من النص العام شيء مما هو مفصول عنه غير موصول به فلا يكون ذلك ظنيا في الباقي بل يكون باقيا على حالته الأولى، ولا شك أن مخرج الحربي والمستأمن من الآية المذكورة ليس بكلام موصول بها فتكون باقية على قطعيتها الأصلية فلا يجوز تخصيصها بخبر الواحد وقد مر منا غير مرة نظير هذا النظر في محاله. وأما ثانيا؛ فلأن حديث عمران بن حصين إنما يفيد عدم جريان القصاص في الأطراف بين العبدين ولا يفيد عدم جريانه فيما بين الرجل والمرأة ولا بين الحر والعبد فبقي الاعتراض بإطلاق الآية المذكورة في هاتين الصورتين ولم يتم الجواب.
قال رحمه الله: "وطرف الكافر والمسلم سيان" أي مثلان فيجري القصاص بينهما للتساوي في الأرش وقال الشافعي: لا يجري لما ذكرنا من أصله
قال رحمه الله: "وقطع يد من نصف ساعد وجائفة برئ منها ولسان وذكر إلا أن تقطع الحشفة" أي لا قصاص في هذه الأشياء لعدم المماثلة فيها؛ لأن في القطع من نصف الساعد كسر العظم ويتعذر التساوي فيها إذ لا ضابط له، وفي الجائفة البرء نادر فلا يمكن أن يخرج الثاني جائفة على وجه يبرأ منه، فيكون إهلاكا، فلا يجوز والذكر واللسان ينقبضان وينبسطان فلا يمكن اعتبار المماثلة فيهما إلا أن يقطع من الحشفة؛ لأن موضع القطع معلوم فيصار إليه وعن أبي يوسف أنه إذا قطع من أصلهما يجب بخلاف ما إذا قطع بعضها لتعذر اعتبار المماثلة فيه قال في الينابيع: إذا قطع اليد من العضو والرجل من الفخذ فعندهما فيه الدية، وما فوق الكتف والقدم، ففيه حكومة عدل وعند أبي يوسف ما فوق الكعب والقدم مع الأصابع وفي الخلاصة دية اليد تجب مؤجلة في سنتين ثلثاها في السنة الأولى والباقي في السنة الثانية وإذا كسر يد عبد رجل أو رجله لا يجب في الحال شيء. ولو قطع أصبعا زائدة وفي يده مثلها لا قصاص بالإجماع وقال أبو حنيفة في الأقطعين والأشلين إنه لا قصاص، وهو قول أبي يوسف في رواية الحسن عنه وكذلك مقطوع

 

 ج / 9 ص -89-        ...........................................
______
الإبهام أو الأصابع كلها إذا قطع إنسان يده فلا قصاص في قول أبي حنيفة إنه لا قصاص فيه، وفيه حكومة عدل، ولو كسر عظما من ساعد أو ساق أو غيره ففيه حكومة عدل وفي ثدي المرأة دية كاملة ولا ذكر له في الكتب وفي كسر الصلب دية كاملة إن منعه عن الجماع وأحدبه فأما إذا لم يحدبه ولم يمنعه من الجماع فهذا على نوعين: إما أن يبقى للجراحة أثر ففيه حكومة عدل ولم يجب كمال الدية، وأما إذا لم يبق لها أثر لم يجب فيه شيء، وقد مر هذا فيما تقدم، وفي الظهيرية وكذا صدر المرأة إذا انكسر وانقطع الماء منه ففيه الدية وفي الصلب إذا دق لكن يقدر على الجماع ففيه حكومة عدل، وإن لم يقدر وصار أحدب فدية كاملة، وإن عاد إلى حبله ولم ينقص ولكن فيه أثر الضرب ففيه حكومة عدل، وإن لم يكن فيه أثر فلا شيء فيه في قول أبي حنيفة، وعندهما تجب أجرة الطبيب وفي الذكر كمال الدية وفي ذكر الخصي حكومة عدل سواء كان يتحرك أو لا يقدر الخصي على الوطء أو لا يقدر وعلى هذا الخلاف ذكر العنين. وأما ذكر الشيخ الكبير إن كان يتحرك ولا يقدر على الوطء فالجواب فيه كالجواب في ذكر الخصي وذكر العنين وفي التهذيب، وفي ذكر الخصي والعنين حكومة عدل، وهو ما يرى القاضي بمشورة أهل البصيرة، وقيل يقوم إن لو كان عبدا مجبوبا وغيره فتجب  نسبة النقصان من ديته كما لو نقص عشر القيمة يجب عشر الدية والأول أصح. وفي التجريد المرأة إذا أفضاها فصارت لا تستمسك البول والغائط أو أحدهما ففيه دية كاملة وفي الأنثيين كمال الدية وإذا قطع الحشفة يجب كمال الدية، فإن قطع باقي الذكر، فإن كان قبل تخلل البرء تجب دية كاملة ويجعل كأنه قطع الذكر بدفعة واحدة، وإن تخلل بينهما برء فيجب كمال الدية في الحشفة وحكومة العدل في الباقي، وإذا قطع الذكر والأنثيين من الرجل الصحيح خطأ إن بدأ بقطع الذكر ففيه ديتان، وفي التجريد، وكذا إذا قطعها من جانب واحد، ولو بدأ بقطع الأنثيين ثم بالذكر ففي الأنثيين الدية كاملة وفي الذكر حكومة عدل، وإن قطعهما من جانب الفخذ معا فعليه ديتان وفي التحفة وفي الأنثيين إذا قطعهما مع الذكر جملة واحدة في حالة واحدة يجب عليه ديتان دية بإزاء الذكر ودية بإزاء الأنثيين، وإذا قطع الذكر أولا ثم الأنثيين يجب ديتان أيضا؛ لأن بقطع الذكر قطع منفعة الأنثيين، وهي إمساك المني فأما إذا قطع الأنثيين أولا ثم الذكر تجب الدية بقطع الأنثيين وتجب بقطع الذكر حكومة العدل. وفي الأليتين إذا قطعتا كمال الدية وفي الظهيرية وفي أحدهما نصف الدية وفي المنتقى عن محمد إذا قطع إحدى أنثييه وانقطع ماؤه دية ونصف قال ولا نعلم ذهاب الماء إلا بإقرار الجاني فإذا قطع الباقي من إحدى الأنثيين يجب نصف الدية ولم يذكر في الكتاب الحكم في العمد والظاهر الأنثيين أنه يجب فيه القصاص حالة العمد وفي الرجلين كمال الدية في الخطأ وفي أحدهما نصف الدية وفي كل أصبع من أصابع الرجلين عشر الدية وفي الرجلين في العمد القصاص

 

 ج / 9 ص -90-        .......................................
______
إذا قطع من مفصل القدم أو من مفصل الركبة أو من مفصل الورك، وإن قطعت من غير المفصل لا يجب القصاص وفي الذخيرة وكذلك الحكم في أصابع الرجلين إن قطعت من المفصل عمدا يجب القصاص، وإذا قطع الرجل خطأ من نصف الساق تجب الدية لأجل القدم وحكومة العدل فيما وراء القدم والكلام فيه نظير الكلام في اليد إذا قطعت من نصف الساعد، وإن كسر فخذه فبرئت واستقامت فلا شيء عليه، وفي قول أبي يوسف حكومة عدل وذكر أبو سليمان عن محمد في كتاب الخراج قال أبو حنيفة: ما انكسر من إنسان يدا أو رجلا أو غير ذلك وبرئ وعاد كهيئته فليس فيه عقل، وإن كان فيه نقص بأن برئ العظم وبقي فيه ورم ففيه من عقله بحساب ما نقص، وكذلك في الجراحة الجسد إذا برئ وعاد كهيئته، فليس فيه شيء، ولو كان في شيء من ذلك شلل ففيه حكومة عدل إلا الجائفة، فإن فيها ثلث دية النفس. وإذا طعن برمح أو غيره في دبره وصار لا يستمسك الطعام في جوفه ففيه الدية وإذا ضرب فسلسل بوله، وصار بحال لا يستمسكه ففيه الدية، وإذا ضرب فقطع فرج امرأة وصارت بحال لا يمكن جماعها ففيه الدية وفي الينابيع وكذا لو قطع فرجها من الجانبين حتى وصل إلى العظم، وإن قطع أحدهما ففيه نصف الدية وفي فتاوى سمرقند، فإن جامع امرأة لا يجامع مثلها فماتت فعلى عاقلته ديتها وفي جنايات المنتقى إذا جامع امرأة فأفضاها حتى لا تستمسك البول فلا شيء عليه، وهذا قول أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف: إن كانت لا تستمسك البول فعليه الدية في ماله، وإن كانت تستمسك فعليه ثلث الدية، وفي الكبرى، وإن كانت بحيث تستمسك ففيها ثلث الدية، وفي فتاوى الخلاصة رجل جامع صغيرة لا يجامع مثلها فماتت، فإن كانت أجنبية، فالدية على العاقلة، وإن كانت منكوحته فالدية على العاقلة، والمهر على الزوج، ولو أزال بكارة امرأة بالحجر أو غيره يجب المهر وفي الينابيع، وإن زنى بها مطاوعة وأفضاها فلا شيء عليه عندهما، وقال أبو يوسف: تجب الدية على عاقلته، وفي الينابيع وإذا ضرب امرأة فأفضاها وصارت بحيث لا تستمسك، فإن كانت بكرا يجب جميع الدية ولا يجب المهر عندهما. وقال محمد رحمه الله يجمع بينهما وفي التجريد وقال أبو يوسف: وإذا وطئ امرأة بشبهة فأفضاها وصارت لا تستمسك البول تجب الدية ولا مهر لها وقال محمد: لها المهر والدية، ولو دق فخذها أو يدها من الوطء فأرش ذلك في ماله؛ لأنه قد يقع على جسدها وفي المجامع يتعمد ذلك فهذا منه عمد وعن أبي يوسف عن محمد رجل جامع امرأة ومثلها يجامع فماتت من ذلك فلا شيء عليه وقال أبو يوسف: إذا جامع امرأة فذهب منها عين أو أفضاها إن ماتت فهو ضامن، وقال محمد: يضمن في هذا كله إلا الإفضاء والقتل في الجماع، وهو قول أبي حنيفة فيما حكى عن هشام عن محمد قال: وهو قول أبي يوسف وعن الفقيه أبي نصر الدبوسي إذا دفع أجنبية فوقعت وذهبت عذرتها  فعلى الدافع مهر مثلها والتعزير وعن الشيخ الإمام أبي

 

 ج / 9 ص -91-        وخير بين الأرش والقود إن كان القاطع أشل أو ناقص الأصابع أو كان رأس الشاج أكبر
______
حفص الكبير سئل عمن دفع امرأة فذهبت عذرتها ثم طلقها قبل الدخول بها كان عليه نصف المهر في قول أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن أبي يوسف عليه جميع المهر بكر دفعت بكرا أخرى فزالت عذرتها قال محمد على الدافعة مهر مثل الأخرى
قال رحمه الله: "وخير بين الأرش والقود إن كان القاطع أشل أو ناقص الأصابع أو كان رأس الشاج أكبر" قيد بحالة القطع فجعلها قيدا في التخيير؛ لأنها لو تغيرت بعد القطع لا يخير كما سيأتي بيانه وأطلق في الشلاء فشمل ما إذا كان ينتفع بها أو لا فلو قيد في الشلاء فقال شلاء ينتفع بها لكان أولى كما سنبينه أيضا أما الأول، فهو ما إذا كانت يد القاطع شلاء أو ناقصة الأصابع ويد المقطوع صحيحة كاملة الأصابع؛ فلأن استيفاء حقه متعذر فيخير بين أن يتجوز بدون حقه في القطع وبين أن يأخذ الأرش كاملا ثم إذا استوفى القصاص سقط حقه في الزيادة، وقال الشافعي: يضمنه النقصان؛ لأنه قدر على استيفاء البعض فيستوفى ما قدر عليه، وما تعذر استيفاؤه يضمنه ولنا أن الباقي وصف فلا يضمن بانفراده فصار كما لو تجوز بالرديء مكان الجيد، ولو سقطت يده المعيبة قبل اختيار المجني عليه بطل حقه ولا شيء له عليه، فإن حقه تعين في القصاص لما مر أن موجب العمد القود عينا وحقه ثابت فيه قبل اختياره بخلاف ما إذا قطعت بقود أو سرقة حيث يجب عليه الأرش وقال الشافعي يجب عليه الأرش في الموضعين؛ لأنه لما تعذر استيفاء الحق ظهر أنه كان مستحقا عليه بخلاف النفس إذا وجبت على القاتل فقتل بجناية أخرى حيث لا يضمن، وأما الثاني، وهو ما إذا كانت رأس الشاج أكبر بأن كانت استوعبت ما بين قرني المشجوج وفي استيفاء ما بين قرني الشاج زيادة على ما فعل، وفي استيفاء قدر حقه لا يلحق الشاج من الشين مثل ما يلحق المشجوج فيتخير ثم لو اختار القود يبدأ من أي الجانبين شاء؛ لأنه حقه في ذلك المحل، فكان له أن يتخير. ولو كانت رأس المشجوج أكبر تخير أيضا لتقرير الاستيفاء كملا وفي السراجية ولا يقطع الإبهام بالسبابة ولا بالوسطى. والحاصل أنه لا يؤخذ شيء من الأعضاء إلا بمثله من القاطع قال محمد في الأصل وإذا قطع الرجل يد آخر وفيها ظفر سوداء يجب القصاص، وإن لم يكن ظفر يد القاطع مسودا؛ لأن الاسوداد لا يوجب نقصانا في منفعة اليد، وهي البطش ألا ترى أنه لو قطع إنسان يده خطأ كان على عاقلة القاطع نصف الدية وإذا لم يكن للاسوداد في الظفر أثر في نقصان دية اليد صار وجود هذا العيب وعدمه بمنزلة اليد الشلاء، وإن كان نقصانا يوهن في البطش حتى يجب بقطعها حكومة عدل لا نصف الدية كان بمنزلة اليد الشلاء واليد الصحيحة لا تقطع بالشلاء وإذا قطع يد رجل عمدا ويد القاطع ناقصة فهذا على وجهين إما أن تكون ناقصة من حيث الصفة بأن كانت شلاء أو كانت ناقصة من حيث الأصابع بأن كانت ناقصة أصبع أو أصبعين، فإن كان النقصان من حيث الصفة فالمقطوع يده بالخيار، فإن اختار

 

 ج / 9 ص -92-        ...........................................
______
القطع فلا شيء له مع القطع عندهم جميعا، وإن شاء لم يقطع واحد يده حتى يصل إليه بدل حقه على الكمال من ماله، وكان الشهيد برهان الأئمة يقول إنما يثبت الخيار للمقطوعة يده في هذه الصورة إذا كانت اليد الشلاء مما ينتفع بها مع ذلك، فأما إذا كانت غير منتفع بها فهي ليست بمحل القصاص فلا يخير المجني عليه حينئذ بل له دية صحيحة كما لو لم يكن للقاطع يد أصلا. وبه يفتى وتفريع المسألة بعد هذا على حسب ما ذكرنا في العين والسن الكبرى وكذا لو كان القاطع صحيح اليد عند القطع فشلت يده بعد ذلك لا خيار للمجني عليه بين القصاص والأرش بل يقطع الشلاء أو يترك ولا شيء له، وإن كانت ناقصة بعد القطع فهذا على وجهين إن كان النقصان حاصلا لا بفعل أحد، وإن كانت ناقصة من حيث القدر فكذلك يتخير، فإن اختار القطع فلا شيء له على القاطع وقال الشافعي رحمه الله: أخذ منه أرش ما كان فائتا من الأصابع هذا إذا كانت ناقصة وقت القطع فأما إذا انتقصت بعد القطع فهذا على وجهين إن كان النقصان حاصلا لا بفعل أحد بأن سقط أصبع من أصابعه بآفة سماوية الجواب فيه كالجواب فيما إذا كانت ناقصة وقت القطع، وكل جواب عرفته ثم فهو الجواب هنا، وإن كان بفعل أحد بأن قطع أصبعا من أصابعه ظلما أو قطع القاطع أصبعا أو قضى به حقا واجبا عليه فالجواب فيه كالجواب في اليد هكذا ذكر شيخ الإسلام في شرحه فهذا إشارة إلى أن للمقطوع يده الخيار في الفصول  كلها غير أن النقصان إذا كان بآفة سماوية واختار قطع اليد لا شيء له من الأرش عنده، وذكر شمس الأئمة الحلواني في شرحه أنه إن قطع أصبعه بقصاص وجب عليه في الأصبع فللمقطوعة يده الخيار، وإن قطع يده ظلما فلا خيار للقاطع، وليس له إلا القصاص. وأشار إلى الفرق فقال: إذا قطع أصبعه قصاصا فقد قضى بها حقا مستحقا عليه فيصير متلفا بعد حق صاحب الحق فيكون له الخيار ولا كذلك ما إذا قطع يده ظلما، وهذا الفرق إشارة إلى أنها لو سقطت بآفة سماوية فلا خيار له ذكر الشيخ أحمد الطواويسي في شرحه أنها إذا قطعت بقصاص فله الخيار وإذا قطعت ظلما أو بآفة سماوية فلا خيار له هذا إذا كانت يد القاطع قائمة وقت القطع فأما إذا كانت فائتة وقت القطع بأن قطع يمين رجل ولا يمين للقاطع فحق المقطوع في الأرش في ماله؛ لأنه لا يجد عين حقه، وكان له بدل حقه، وإن كانت يد القاطع قائمة وقت القطع ثم فاتت بعد ذلك، فهذا على وجهين أما إن فاتت لا بفعله بأن فاتت بآفة سماوية بأن وقعت فيها أكلة فسقطت أو قطعها إنسان ظلما أو فاتت من جهته بأن قضى حقا واجبا، وإن أتلفه بنفسه بأن قطع يمينه، فإن فاتت بعد القطع لا بفعله، فإنه يبطل حق المقطوع يده، وذلك؛ لأن حق المقطوع يده في العين فيفوت حقه بفوات العين كالعبد الجاني إذا هلك وكمال الزكاة إذا هلك ولا يضمن القاطع يده، وإذا قطع المفصل الأعلى من أصبع رجل عمدا أو اقتص منه ثم قطع أحدهما بعد ذلك يد صاحبه عمدا فلا قصاص بينهما، وفي النوازل

 

 ج / 9 ص -93-        ...........................................
______
مقطوع الإبهام من يده اليمنى إذا قطع ساعد مثله لا قصاص. وقال محمد إذا قطع الرجل أصبع رجل من المفصل ثم قطع يد آخر وبدأ باليد ثم قطع الأصبع وذلك كله في يد واحد بأن كان في اليمنى وفي اليسرى وحضر صاحب الأصبع والمقطوعة يده وطلبا من القاضي القصاص، فإن القاضي يقطع أولا لصاحب الأصبع ثم يخير صاحب اليد، فإن شاء قطع الثاني لجهته ولا شيء له من أرش الأصبع، وإن شاء لم يقطع يده، وكان له دية اليد في ماله فرق بين هذا وبين ما إذا قطع يمنى رجلين ثم جاءا أو طلبا حقهما من القاضي، فإن القاضي لا يبدأ بأحدهما بل يقضي لهما بالقصاص في يمينه ودية في ماله هذا الذي ذكرنا إذا كان صاحب الأصبع، وصاحب اليد حاضرين، فأما إذا كان أحدهما حاضرا، والآخر غائبا، فإن كان الحاضر صاحب الأصبع فلا يقطع الأصبع له، وإن كان الحاضر صاحب اليد، فإنه يقطع له، وإذا جاء صاحب الأصبع بعد ذلك، فإنه يأخذ أرش الأصبع من ماله، ولو قطع رجل أصبع رجل من المفصل الأعلى ثم آخر قطع من المفصل الأوسط ثم آخر قطع أصبعا أخرى من المفصل السفلى، وذلك كله في أصبع واحد هذا على وجهين إما أن يكون صاحب الأصابع حضورا أو بعضهم غائبا، فإن كان الكل حضورا وطلبوا من القاضي حقهم، فإن القاضي يقطع من المفصل الأعلى لصاحب المفصل الأعلى، وإن كان صاحب الأسفل والأوسط ثابتا في الأعلى؛ لأنهما لا حق لهما في قطع المفصل الأعلى إلا على سبيل الشركة؛ لأن القاطع لم يضع السكين على المفصل من أصابعهما، وإنما وضع على صاحب المفصل إلا على حق صاحب الأعلى من كل وجه ثم خير صاحب المفصل الأوسط، وإنما وضع على صاحب المفصل الأوسط من كل وجه؛ لأن حقه كان في مفصلين؛ لأن الفائت منفصلان فبفوات أحدهما يتخير كما خير صاحب اليد بعدما قطعنا الأصبع لصاحب الأصبع. فإن شاء قطع من القاطع مفصله الوسطى ولا شيء له من دية الأصبع، وإن شاء لم يقطع وضمنه ثلث دية الأصبع؛ لأنه فوت عليه من أصبع مفصلين فيضمن ثلث دية الأصبع، وإن حضر أحدهم وغاب الآخران، فإن كان الحاضر صاحب المفصل الأعلى يقطع، فإن قطع المفصل الأعلى له ثم حضر الآخران، فإنهما يخيران على الوجه الذي ذكرنا، فإن اختار القطع لم يضمن لأحد منهما شيئا، وإن قطع كف رجل من مفصل ثم قطع الآخر مرفقه، وكانا حاضرين، فإنه يبدأ بحق صاحب الكف وفي الكافي قطع يمين رجلين فقطع أحدهما إبهامه وقطع الآخر كفه فعلى قاطع اليدين خمسة آلاف درهم لقاطع الإبهام أربعة آلاف ولقاطع الكف ألف درهم، وإن بدأ الأجنبي فقطع أصبعا من أصابع القاطع ثم قطع أحد صاحبي القصاص بعد ذلك أصبعا من أصابع اليدين ثم عاد الأجنبي فقطع أصبعا من أصابع القاطع ثم إن الذي لم يقطع شيئا من أصابع القاطع قطع الكف وعليها أصبع، فإن القاضي يقضي على القاطع بدية يديه وأخذ ربعها للذي أخذ الكف وثلاثة أرباع للذي قطع الأصبع ولا يجعل 

 

 ج / 9 ص -94-        فصل
وإن صولح على مال وجب حالا وسقط القود
______
الأصبع الذي قطعه الأجنبي قبل قطع صاحبي القصاص قائما حكما، فإن اجتمع صاحب القصاص على قطع الكف مع الأصبعين فالدية المأخوذة تقسم بينهم لقاطع الأصبع، والآخر الخمسة إتمامها وفي الجامع الصغير رجل قطع يد رجل من المفصل وليس في الكف إلا أصبع واحد ففيه عشر الدية. فإن كان فيه أصبعان فالخمس ولا شيء في الكف وقالا ينظر إلى أرش الأصبع بالكف، فيكون عليه الأكثر، ويدخل القليل في الكثير سئل أبو يوسف ومحمد عن رجل قطع يد رجل خطأ ثم قطع رجله من خلاف خطأ ماذا يجب عليه فقالا يجب عليه دية كاملة لكل عضو نصفها وفي الجامع الصغير الحسامي رجل قطعت يده فاقتص له من اليد ثم مات يقتل المقتص منه وعن أبي يوسف أنه لا يقتص.
فصل
لما كان تصور الصلح بعد تصور الجناية أتبع الصلح ذلك في فصل على حدة
قال رحمه الله: "وإن صولح على مال وجب حالا وسقط القود" يعني إذا صالح القاتل أولياء المقتول على مال عن القصاص سقط القصاص ووجب المال حالا قليلا كان المال أو كثيرا لقوله تعالى
{فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: من الآية178] الآية ولقوله عليه الصلاة والسلام "أولياء المقتول بين خيرتين أن يأخذوا المال أو يقتلوا القاتل" بخلاف حق القذف، فإنه حق الله تعالى فلا يجري فيه العفو ولا التعويض وبخلاف ما إذا كان القليل خطأ حيث لا يجوز بأكثر من الدية؛ لأنه دين ثابت في الذمة فيكون أخذ أكثر منها ربا، وإنما وجب حالا؛ لأنه دين وجب بالعقد والأصل في مثله الحلول كالثمن والمهر بخلاف الدية؛ لأنها لم تجب بالعقد، وإنما وجبت بسقوط القود؛ ولأنه موجب العقد؛ ولأنه لم يرض ببذل المال إلا مقابلا به فيوفر عليه مقصوده، وهو الحال. وقوله: وإن صولح إلخ أطلق في العبارة فشمل ما إذا كان المقتول متعددا والقاتل واحدا قبل القضاء بالقصاص أو بعده والإطلاق في محل التقييد لا ينبغي فلو قال: وإن صالح في واحد قبل القضاء بالقصاص أو بعده إلى آخره كان أولى؛ لأن في قولنا في واحد يخرج ما إذا كان المقتول متعددا والقاتل واحدا أو حصل العفو وبقولنا قبل القضاء أو بعده يفيد أنه إذا كان المقتول واحدا، فالعفو يسقط القصاص قبل القضاء وبعده بخلاف ما إذا كان المقتول متعددا على تفصيل يأتي بيانه.

 

 ج / 9 ص -95-        وتنصف إن أمر الحر القاتل وسيد القاتل رجلا بالصلح عن دمهما على ألف ففعل فإن صالح أحد الأولياء من حظه على عوض أو عفا فلمن بقي حظه من الدية
______
قال رحمه الله: "وتنصف إن أمر الحر القاتل وسيد القاتل رجلا بالصلح عن دمهما على ألف ففعل" معناه لو كان القاتل حرا وعبدا فأمر الحر القاتل ومولى العبد رجلا بأن يصالح عن دمهما على ألف درهم ففعل المأمور فالألف على الحر والعبد نصفان؛ لأنه مقابل بالقصاص، وهو عليهما على السواء فيقسم بدله عليهما بالسواء؛ ولأن الألف وجبت بالعقد، وهو مضاف إليهما فينصف موجبه، وهو الألف عليهما
قال رحمه الله: "فإن صالح أحد الأولياء من حظه على عوض أو عفا فلمن بقي حظه من الدية"؛ لأن كل واحد منهم متمكن من التصرف في نصيبه استيفاء وإسقاطا بالعفو وبالصلح؛ لأنه يتصرف في خالص حقه فينفذ عفوه وصلحه فسقط به حقه من القصاص، ومن ضرورية سقوط حقه سقوط حق الباقين أيضا فيه؛ لأنه لا يتجزأ ألا ترى أنه لا يتجزأ ثبوتا فكذا سقوطا وفي عبارة المصنف قصور من وجهين: الأول: أنه يقال صالح عن كذا وذكر في الكتاب كلمة من الثاني قوله من نصيبه يوهم تجزؤ القصاص وقد قدمنا أنه لا يتجزأ قال الشارح بخلاف ما لو قتل رجلين فعفا أولياء أحدهما حيث يكون لأولياء الآخر قتله؛ لأن الواجب فيه قصاصان لاختلاف القاتل والمقتول فسقوط أحدهما لا يسقط الآخر ألا ترى أنهما يفترقان ثبوتا وكذا بقاء بخلاف ما نحن فيه. فإذا سقط انقلب نصيب من لم يعف مالا؛ لأنه تعذر استيفاؤه، فيجب المال كما في الخطأ، فإن سقوط القصاص فيه لمعنى في القتل، وهو كونه مخطئا ولا يجب للعافي شيء؛ لأنه أسقط حقه المتعين بفعله ورضاه بلا عوض بخلاف شركائه لعدم ذلك منهم فينقلب نصيبهم مالا والورثة في ذلك كلهم سواء وقال مالك والشافعي لا حق للزوجين في القصاص، ولا في الدية؛ لأن في الوراثة خلافه، وهي بالنسب دون السبب لانقطاعه بالموت وقال ابن أبي ليلى: لا يثبت حقهما في القصاص؛ لأن سبب استحقاقهما العقد والقصاص لا يستحق بالعقد ألا ترى أن الوصي لا يثبت له حق في القصاص؛ لأن المقصود في القصاص التشفي والانتفاع، وذلك يختص به الأقارب الذين ينصر بعضهم بعضا؛ ولهذا لا يكون أحدهما عاقلة الآخر لعدم التناصر ولنا قوله عليه الصلاة والسلام
"من ترك مالا أو حقا فلورثته"1 الحديث والقصاص حقه فيكون  لجميعهم كالمال وأمر عليه الصلاة والسلام بتوريث امرأة أسيم الضبابي من دية زوجها أسيم }؛ ولأن القصاص حق يجري فيه الإرث حتى إذا قتل وله ابنان فمات أحدهما عن ابن كان القصاص بين الابن وبين ابن الابن فيثبت كسائر الورثة والزوجية تبقى بعد الموت حكما كما في حق الإرث أو يثبت الإرث

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البخاري بلفظ: "من ترك مالا فلورثته" في الحوالات "2297" ومسلم في الفرائض "1619".

 

 ج / 9 ص -96-        ويقتل الجمع بالمفرد
______
مستندا إلى سببه، وهو الجرح، وكان علي رضي الله عنه يقسم الدية على من أحرز الميراث والدية حكمها حكم سائر الأموال؛ ولهذا لو أوصى بثلث ماله تدخل الدية فيه. والقصاص بدل النفس كالدية فيورث كسائر أمواله؛ ولهذا لو انقلبت مالا يقضى به دينه وتنفذ به وصاياه واستحقاق الإرث بالزوجية كاستحقاقه بالقرابة لا بالعقد ألا ترى أنه لا يرتد بالرد بخلاف الوصية؛ ولهذا يتبين أن الاستحقاق ليس بالعقد بل بالعقد ولا يلزم من عدم التناصر وعدم العقل عدم الإرث للقصاص ألا ترى أن النساء من الأقارب لا يعقلن ويرثن القصاص والدية أقرب منه إذ المرأة لا تعقل عنها أبناؤها الكبار ويرثونها.
قال رحمه الله: "ويقتل الجمع بالمفرد" لما روي أن سبعة من أهل صنعاء قتلوا واحدا فقتلهم عمر به وقال لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم؛ ولأن القتل بطريق التغالب والقصاص شرع حكمه للزجر فيجعل كل واحد منهم كالمنفرد به فيجري القصاص عليهم جميعا تحقيقا لمعنى الإحياء، ولولا ذلك لسد باب القصاص وفتح باب التغالب إذ لا يوجد القتل من واحد غالبا؛ لأنه يقاومه الواحد فلم يقدر عليه فلم يحصل إلا نادرا والنادر يشرع فيما يغلب لا فيما يندر قال صاحب النهاية: هذا جواب الاستحسان، وفي القياس لا يلزمهم القصاص؛ لأن المعتبر في القصاص المساواة لما في الزيادة من الظلم على المتعدي، وفي النقصان من البخس بحق المعتدى عليه ولا مساواة بين العشرة والواحد في شيء هذا يعلم ببداهة العقل فالواحد من العشرة يكون مثلا للواحد فكيف تكون العشرة مثلا للواحد وأيد هذا القياس قوله تعالى
{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: من الآية45] وذلك ينفي مقابلة النفوس بنفس ولكن ترك هذا القياس بما روي أن سبعة من أهل صنعاء قتلوا رجلا فقضى عمر رضي الله عنه بالقصاص عليهم وقال لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم به انتهى كلامه. أقول: فيه بحث؛ لأنه صرح بأن هذا القياس مقيد بقوله تعالى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: من الآية45] وقال في بيانه وذلك ينفي مقابلة النفوس بنفس فعلى ذلك يلزم من ترك هذا القياس ترك العمل بمدلول الآية المذكورة، وذا لا يجوز بما روي عن عمر رضي الله عنه؛ لأن عمر إن كان منفردا في قضائه وقوله المزبورين فظاهر؛ لأن قول صحابي واحد وفعله لا يصلحان للمعارضة لكتاب الله تعالى فضلا عن الرجحان عليه، وإن انضم إليه إجماع الصحابة حيث كانوا متوافرين ولم ينكر عليه أحد منهم فحل محل الإجماع كما صرح به في العناية وغيرها، فكذلك إذ قد تقرر في أصول الفقه أن الإجماع لا يكون ناسخا للكتاب، ولا السنة كما لا يكون القياس ناسخا لشيء منهما فالحق في أسلوب تحرير هذا المقام أن لا يتعرض لحديث كون الآية المذكورة مؤيدة لما هو مقتضى القياس في هذه المسألة وأن يبين عدم المنافاة بين مدلول تلك الآية، وبين جواب الاستحسان هاهنا وسيجيء منا الكلام في التوفيق بينهما

 

 ج / 9 ص -97-        والفرد بالجمع اكتفاء
______
بعيد القول إن شاء الله تعالى قالوا القتل بطريق التغالب غالب والقصاص شرع لحكمة الزجر فيجب تحقيقا لحكمة الإحياء قال صاحب العناية لقائل أن يقول ما ذكرتم من المقتول إن لم يكن قياسا على مجمع عليه لا يكون معتبرا في الشرع، وإن كان فلا يربو عن القياس المقتضي لعدمه المؤيد بقوله تعالى
{أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: من الآية45]. والجواب أنه قياس سائر أبواب العقوبات المرتبة على ما يوجب الفساد من أفعال العباد ويربو على ذلك بقوة الباطن، وهو إحياء كلمة الإحياء وقوله تعالى {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: من الآية45] لا ينافيه؛ لأنهم في إزهاق الروح الغير المتجزئ عن مجموعهم وجعلهم كشخص واحد ا هـ.. كلامه. أقول: فيه نظر؛ لأن جعل الأشخاص المتعددة الذوات في الحقيقة شخصا واحدا بمجرد صدور إزهاق الروح الغير المتجزئ عن مجموعهم وجعلهم متساوين كشخص واحد بحيث يتحقق بين ذلك الشخص الواحد وبين هؤلاء الجماعة مماثلة معتبرة في القصاص بعيد جدا عن مساعدة العقل والنقل وأيضا ينافي هذا ما سيأتي في تعليل المسألة الآتية من أن الأصل أن كل واحد منهم قاتل بوصف الكمال الصادر منهم بهذا الاعتبار فثلاث متعددة على عدد رءوسهم فحصلت المماثلة المعتبرة في القصاص ، والحق عندي هاهنا أن يقال أن قوله تعالى {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} لا ينافي ما قالوا في هذه المسألة إذ لا دلالة فيه على اعتبار الوحدة في النفس بل فيه مجرد مقابلة جنس النفس بجنس النفس كما ترى والمقصود منه الاحتراز عن أن تقتل النفس بما في قوله تعالى {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ} [المائدة: من الآية45] ونحوهما، وأما أنه هل تحقق المماثلة المعتبرة في القصاص عند تعذر النفس في جانب القاتل والمقتول. وإنما يستفاد ذلك من دليل آخر ألا ترى أن العين اليمنى لا تقتص بالعين اليسرى وكذا العكس مع أن قوله تعالى {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} لا يدل عليه نظرا إلى ظاهر إطلاقه بل إنما يستفاد ذلك من دليل آخر فكذا هنا تبصر.
قال رحمه الله: "والفرد بالجمع اكتفاء" يعني إذا قتل واحد جماعة يقتل بهم يعني إذا حضر الأولياء وطلبوا يقتل بهم وقال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: يقتل بالأول فقط ولنا أنه لو قتل كل واحد منهم بوصف الكمال فيقتل بهم لحصول التماثل، وفي الحاوي قتل رجل فقيل له لم قتلت فلانا ؟ فقال قد كان ذلك كله مكتوبا في اللوح المحفوظ ثم قال آخر لم قتلت غلامي ؟، فقال قتلت عدوي يقتل وفي المحيط وإذا قتل واحد رجلين يقتص بهما ولا يغرم الدية؛ لأن بقتله صار كل واحد منهما مستوفيا حقه على الكمال؛ لأن حق كل واحد منهما في عدم الحياة وبقتل الواحد حصل لهما إعدام الحياة معنى لما بينا، وإن حضر أحدهما والآخر غائب كان للحاضر أن يستوفي القصاص؛ لأن كل واحد في إتلاف كل النفس واستيفاء البعض لمكان المزاحمة ولا مزاحمة هنا؛ لأن حق الحاضر قد ظهر عند القاضي وحق الغائب لم يظهر وصار كأحد الشفيعين

 

 ج / 9 ص -98-        فإن حضر واحد قتل وسقط حق البقية ولا يقطع يد رجلين بيد
______
إذا حضر فقضى له بالجميع فكذا هذا، ولو كان قطع اليدين لهما فقطع لأحدهما والمسألة بحالها فللآخر دية يده بخلاف القصاص بالنفس إذا قضي لأحدهما وقتله لم يجب للآخر شيء؛ لأن فوات حقه في الاستيفاء يكون سببا لقصور في المحل، فإنهما إذا اجتمعا واستوفيا صار كل واحد منهما مستوفيا حقه على الكمال، فلا تجب معه الدية، وأما في الطرف فوات حقه بسبب قصور في المحل لا يضر عن إيفاء حق كل واحد منهما فيجب الضمان، ولو عفا أحدهما قبل القضاء بالقصاص أو الدية بطل حقه واقتص للآخر؛ لأن المزاحمة قد انقطعت بالعفو فبقي حق الآخر في الكل. وإن عفا بعد القضاء بالقصاص وصالح ولي المقتول فالدية بينهما فلو قتل وقطع اليد من آخر وأخذ الدية فللساكت دية اليد عند محمد وقالا للساكت أن يقطع اليد على أن لهما حق استيفاء القصاص في يد واحدة واستيفاء دية واحدة ولا قصاص مع وجود الموافقة والملاءمة وانعدام المنازعة والمشاجرة ولكنه أقصى ما يجب لهما، وهو أن يجتمعا على القطع وأخذ الدية بينهما، فصار الحال بعد القضاء كالحال قبله، ولو أخذ الدية عن اليد ثم عفا أحدهما يكون للآخر نصف الدية؛ لأنهما لما قبضا فقد ملكاها، ومن ضرورة ثبوت الملك في المستوفى أن لا يبقى الحق في اليد فسقط حق كل واحد منهما في نصف اليد كي لا يجتمع البدل والمبدل في ملك واحد، فلا يتمكن من استيفاء كل اليد بدون نصيب العافي فبطل حقه في القصاص فامتنع القطع؛ لأن موجبه الدية في نصيبه كما إذا كان خطأ، ولو أخذا بالدية كفيلا ثم عفا أحدهما فللآخر القصاص؛ لأن الكفالة توقيف
قال رحمه الله: "فإن حضر واحد قتل وسقط حق البقية" كموت القاتل حتف أنفه لفوات محل الاستيفاء فصار كموت العبد الجاني وفيه خلاف الإمام الشافعي؛ لأن الواجب عنده أحدهما على ما بينا، فإن أحدهما قضى الآخر لفوات المحل وقد قدمناه.
قال رحمه الله: "ولا يقطع يد رجلين بيد" معناه إذا قطع رجلان يد رجل فلا قصاص على واحد منهما وقال الإمام الشافعي تقطع أيديهما ومحل الخلاف فيما أخذ سكينا واحدا من جانب وأمراها على يده حتى انقطعت هو يعتبرها بالأنفس؛ لأن الأطراف تابعة لها، وملحقة بها فأخذت حكمها بخلاف ما إذا أمر أحدهما السكين من جانب، والآخر من جانب حتى التقت السكينان في الوسط وبانت اليد حيث لا يجب القصاص فيه على واحد منهما؛ لأنه لم يوجد من كل واحد منهما إمرار السلاح على بعض العضو ولنا أن كل واحد منهما قاطع للبعض؛ لأن ما انقطع بقوة أحدهما أن يقطع بقوة الآخر فلا يجوز أن يقطع الكل بالبعض والاثنين بالواحد لانعدام المساواة فصار كما إذا أمرها كل واحد من جانب الآخر بخلاف النفس، فإن شرط فيه المساواة في العصمة لا غير وفي

 

 ج / 9 ص -99-        ...........................................
______
الطرف يعتبر المساواة في النفع والقيمة؛ ولهذا لا تقطع  الصحيحة بالشلاء والنفس السالمة من العيوب تقتل بالمفلوج والمسلول، وكذا الاثنان بالواحد فلا يصح القياس على النفس؛ ولأن زهوق الروح لا يتجزأ فأضيف إلى كل واحد كلا وقطع العضو يتجزأ ألا ترى أنه يمكن أن يقطع البعض ويترك الباقي وفي القتل لا يمكن ذلك؛ ولهذا لو أمر أحدهما السكين على قفاه والآخر على حلقه حتى التقتا في الوسط ومات منهما يجب القصاص وفي اليد لا يجب؛ ولأن القتل بطريق الإجماع غالب مخالفة الغوث لا في القطع؛ لأنه يحتاج إلى مقدمات بطيئة فيلحقه الغوث بسببها كالنداء، ويقول ثبت وجوب القصاص في النفس والاجتماع على خلاف القياس والطرف ليس مثلها، فلا يلحق بها وقوله رجلان مثال وليس بقيد قال في التجريد إذا قطع رجلان يدي رجل فلا قصاص عليهما وعليهما الدية وكذا ما زاد على هذا العدد في هذا الحكم سواء. وقال محمد: رحمه الله في الزيادات رجل قطع المفصل الأعلى من أصبع رجل وبرئ منه ثم عاد وقطع الثاني أيضا ثم اختصما إلى القاضي فالقاضي يقضي على القاطع بالقصاص في المفصل الثاني هذا الذي ذكرنا إذا قطع المفصل الأعلى، وبرئ ثم عاد وقطع المفصل الثاني، فإنه يقطع أصبع القاطع من المفصل الأسفل، ويجعل كأنه قطع المفصلين بدفعة واحدة فمن مشايخنا من قال ما ذكر هاهنا قولهما أما على قول أبي حنيفة رحمه الله للمقطوع مفصلاه أن يقطع المفصل الأعلى ثم الأسفل ومنهم من قال هذا قول الكل، ولو قطع المفصل الأعلى واقتص من القاطع ثم عاد وقطع المفصل الثاني وبرئ يجب لوجود المساواة فرق بين هذا وبين رجلين مقطوعي الأصابع قطع أحدهما كف صاحبه لا يقطع كف القاطع أقول: فيه نظر؛ لأن المساواة ممكنة فينبغي أن يقطع لإمكانها فتدبره وكذا إذا كان مقطوع الكف قطع أحدهما زند صاحبه لا يقطع زند القاطع، ولو قطع من أصبع رجل نصف مفصل وكسر وبرئ ثم قطع ما بقي من المفصل وبرئ فلا قصاص عليه في شيء من ذلك أما في النصف الأول فلحلول الجناية في العظم، وأما في النصف الثاني فلعدم المساواة؛ لأن أصبع القاطع حال ما قطع الثاني من المفصل صحيحة والأصبع المقطوعة من نصف المفصل ناقصة. ولو لم يحل بينهما برء يجب القصاص في المفصل وجعل كأنه قطع المفصل بدفعة واحدة وكذلك لو قطع الأصابع من رجل وعاد وقطع الكف إن لم يحل بينهما يجب القصاص في يد كأنه قطع الكل دفعة واحدة، وإن حال بينهما برء يجب القصاص في الأصابع وحكومة عدل في الكف وكذا إذا قطع حشفة إنسان خطأ ثم عاد وقطع باقي الذكر إن كان قبل تخلل البرء تجب دية واحدة، وإن كان تخلل بينهما برء يجب كمال الدية في الحشفة وحكومة عدل في الباقي، ولو قطع المفصل الأعلى من أصبع رجل فقبل البرء قطع النصف من المفصل الثاني ثم برئ القصاص وجعل كأنه من الابتداء قطع النصف من المفصل الثاني وهناك لا

 

 ج / 9 ص -100-     ...........................................
______
يجب القصاص بل يجب الأرش فهذا ذلك، ولو برئ من القطع الأول ثم قطع النصف من المفصل الثاني يجب القصاص في المفصل الأعلى لوجود الشرط ويجب نصف الأرش في الثاني. وفي الظهيرية، ولو قطع آخر كفه ثم قطع آخر مرفقه فمات، فإن كان عمدا فقصاص النفس على الثاني ودية القاطع على الأول، وهذا قول علمائنا الثلاثة وقال زفر: إن كان عمدا، وإن كان خطأ ولم يتخلل البرء فدية النفس عليهما، وإن قطع أصبع رجل عمدا ثم قطع آخر كفه خطأ فمات يقتص من قاطع الأصبع، وعلى عاقلة الآخر دية النفس وقال زفر: لا يقتص ولكل واحد منهما نصف الدية، وإذا ضرب رجل على يد رجل فشلت اليد فعليه دية كاملة، وفي النوازل وسئل شداد عن رجل قطع رأس أصبع رجل من مفصله قال يقتص منه، فإن اقتص منه ثم قطع أحدهما يد صاحبه، فقال: ليس بينهما قصاص وفي العيون رجل قطع أصبع رجل خطأ فجاء آخر وقطع كفه عمدا فمات منها جميعا في قول الإمام لا يجب القصاص وعلى كل واحد منهما نصف الدية وبه قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى وقال أبو يوسف رحمه الله يقطع من الكف وعلى عاقلة الذي قطع الأصبع دية الأصبع وفي شرح الطحاوي، ومن قطع يد مرتد فأسلم فمات فلا شيء على القاطع، ولو قطع يده، وهو مسلم فارتد فمات فعليه دية اليد لا غير، ولو رجع إلى الإسلام ثم مات فعلى قول أبي حنيفة وأبي يوسف عليه دية النفس، وفي قول محمد عليه دية اليد وكذلك لو لحق بدار الحرب ولم يقض القاضي بلحوقه ثم عاد مسلما فمات تجب دية اليد لا غير، وفي شرح الطحاوي.  ومن قطع من رجل يدا أو رجلا أو أصبعا أو أنملة من أصبع أو ما سوى ذلك مفصلا من المفصل عمدا فعليه القصاص بعد البرء من الجناية ولا قصاص عليه قبل ذلك وإذا قطع رجل يد آخر عمدا، فإن كان القاطع والمقطوع حرين مسلمين أو كتابيين أو أحدهما مسلم والآخر كتابي يجري القصاص بينهما أو كانا امرأتين حرتين مسلمتين أو إحداهما مسلمة والأخرى كتابية أو كانتا ذميتين يجب القصاص، ولو كانا عبدين أو أحدهما عبد والآخر حر أو أحدهما ذكر والآخر أنثى فلا قصاص بينهما والأرش في ماله حالا هذا كله بيان حكم العمد رجعنا إلى بيان حكم الخطأ فنقول وبالله التوفيق اليدين إذا قطعتا خطأ الدية لفوات جنس المنفعة على الكمال وفي أحدهما نصف الدية ولا تفضل اليمين على الشمال، وإن كانت اليمين أكثر بطشا من الشمال؛ لأن العبرة في الجنايات لجنس المنفعة لا للزيادة، وفي اليد إذا قطعت من نصف الساعد دية اليد وحكومة عدل فيما وراء الكف، وهو قول الحنفي والشافعي روى صاحب الأمالي عن أبي يوسف أنه لا يجب في الساعد شيء، وهو قول زفر ومالك وسفيان والثوري، وكذلك على هذا الاختلاف إذا قطع اليد من المرفق أو المنكب، فإنه يجب في الكف دية اليد وحكومة العدل فيما وراء الكف. وعن أبي يوسف، ومن تابعه في المسألة الأولى أنه يجب دية اليد لا غير والصحيح قول أبي حنيفة وفي الظهيرية، ولو قطع رجل ثلاث أصابع من كف رجل خطأ ثم قطع آخر أصبعين ثم شلت الكف من الجراحتين

 

 

 ج / 9 ص -101-     وضمنا ديتها وإن قطع واحد يميني رجلين فلهما قطع يمينه ونصف الدية وإن حضر واحد فقطع يده له فللآخر عليه نصف الدية
______
فعلى الأول دية ما قطع وعلى الثاني دية ما قطع وما بقي من الكف بعد الأصابع فهو نصفان فما يصيب صاحب الأكثر دخل أرش الأقل في الأكثر، وأما النصف الآخر إن كان الآخر قطع أصبعين فعليه خمسا دية للأصل، وهو عشر الدية وفي الأنملة حكومة عدل والظفر إذا نبت كما كان لا شيء فيه، وإن نبت على عيب فحكومة دون الأولى وفي الينابيع إذا قطع اليد من العضد والرجل من الفخذ فعندهما فيه الدية وما فوق الكف والقدم ففيه حكومة عدل. وعند أبي يوسف ما فوق الكعب إلى القدم تبع للأصابع وإذا كسر يد عبد رجل أو رجله لا يجب في الحال شيء وفي الكافي، ولو قطع اليد وفيها ثلاث أصابع فعليه ثلاثة أخماس دية اليد ولا شيء في الكف بالإجماع وقاطع يد لا كف له فلا قصاص عليه في الساعد وقال أبو يوسف: إذا كانا سواء اقتص منه وعلى هذا الاختلاف إذا قطع كف رجل، وفيها أصبع زائدة، وفي يد القاطع أصبع زائدة، ولو قطع أصبعا زائدا في يده مثلها لا قصاص بالإجماع وقال أبو حنيفة في الأقطعين والأشلين أنه لا قصاص، وهو قول أبي يوسف في رواية الحسن عنه وكذلك مقطوع الإبهام والأصبع كلها إذا قطع يد أشل فلا قصاص في قول أبي حنيفة وأبي يوسف وفي الخانية، ولو قطع أظافر اليدين أو الرجلين روى الحسن عن أبي حنيفة أنه لا قصاص فيه وفيه حكومة عدل، ولو كسر عظما من ساعد أو ساق أو ترقوة أو غيره ففيه حكومة عدل.
قال رحمه الله: "وضمنا ديتها" أي ضمن القاطعان دية المقطوع؛ لأن التلف حصل بفعلهما فيجب عليهما نصف الدية على كل واحد منهما الربع فتجب في مالهما؛ لأن العاقلة لا تتحمل العمد.
قال رحمه الله: ", وإن قطع واحد يميني رجلين فلهما قطع يمينه ونصف الدية" يعني إذ حضرا معا سواء كان القطع جملة واحدة أو على التعاقب وقال الشافعي: إن قطعهما على التعاقب يقطع للأول منهما ويغرم أرش اليد للثاني ولنا أن المساواة في سبب الاستحقاق ويوجب المساواة في الاستحقاق ولا عبرة في التقدم والتأخر كالغريمين في الشركة، وهذا؛ لأن حق كل واحد منهما ثابت في كل اليد لتقرر السبب في حق كل واحد منهما، وهو القطع وكونه مشغولا بحق الأول لا يمنع تقرر السبب في حق الثاني؛ ولهذا لو كان القاطع لهما عبدا استويا في استحقاق رقبته، ولو كان يمنع بالأول لما شاركه الثاني بخلاف الرهن؛ لأنه استيفاء حكما فلا يثبت للثاني بعدما ثبت للأول كالاستيفاء حقيقة فإذا لم يمنع الأول بثبوت حق الثاني فيها استويا فيها يقطع لهما إذا حضرا معا لعدم الأولوية ويقضي لهما بنصف الدية يقسمانه نصفين لاستوائهما فيه بخلاف

 

 ج / 9 ص -102-     وإن أقر عبد بقتل عمد يقتص منه وإن رمى رجلا عمدا فنفذ السهم منه إلى آخر يقتص للأول وللثاني الدية
______
ما إذا كان القصاص في النفس حيث يكتفي فيه بالقتل لهما ولا يقضي لهما بالدية لما بينا من الفرق فيما تقدم وقدمنا له مزيد بيان فارجع إليه
قال رحمه الله: "وإن حضر واحد فقطع يده له فللآخر عليه نصف الدية"؛ لأن للحاضر أن  يستوفي حقه ولا يجب عليه التأخير حتى يحضر الآخر ثبوت حقه بيقين وحق الآخر متردد لاحتمال أن لا يطلب أو يعفو مجانا أو صلحا فصار كأحد الشفيعين إذا حضر والآخر غائب حيث يقضي له بالشفعة في الكل لما قلنا. ثم إذا حضر الآخر بعدما قطعت للآخر وطلب يقضي له بالدية؛ لأن يده وفاؤها حق مستحق عليه فيضمنها لسلامتها له، ولو قضى بالقصاص بينهما ثم عفا أحدهما قبل استيفاء الدية فللآخر القود عند أبي حنيفة وأبي يوسف وعند محمد له الأرش؛ لأن القصاص بالقضاء أثبت الشركة بينهما فعاد حق كل واحد منهما إلى البعض، فإذا عفا أحدهما فقد منع الآخر من استيفاء الكل ولهما أن الإمضاء من القضاء في العقوبات فالعفو قبله كالعفو قبل القضاء، ولو قطع أحدهما يد القاطع من المرفق سقط القصاص لذهاب اليد التي فيها القصاص بالقطع ظلما ولا ينقلب مالا كما إذا قطعها أجنبي أو سقطت بآفة سماوية ولهما نصف الدية على حالها؛ لأنها واجبة قبل قطعها ولا تسقط بالقطع ظلما ثم القاطع الأول بالخيار إن شاء قطع ذراع القاطع، وإن شاء ضمنه دية اليد وحكومة عدل في قطع الذراع إلى المرفق؛ لأن يد القاطع كانت مقطوعة من الكف حين قطع القاطع الأول من المرفق فكانت كالشلاء وعلى هذا لو كان المقطوع يده واحدا فقطع القاطع من المرفق سقط حقه في القصاص ووجب عليه القصاص وللمقطوع من المرفق الخيار إن شاء قطع من المرفق، وإن شاء أخذ الأرش لما ذكرنا وقدمنا له مزيد بيان.
قال رحمه الله: ", وإن أقر عبد بقتل عمد يقتص منه". وقال زفر: رحمه الله لا يصح إقراره؛ لأنه يؤدي إلى إبطال حق المولى فصار كالإقرار بالقتل خطأ أو بالمال ولنا أنه غير متهم في مثله لكونه يلحقه الضرر به فيصح؛ ولأن العبد يبقى على أصل الحرية في حق الدم عملا بآدميته ألا ترى أن إقرار المولى عليه بالحدود والقصاص لا يجوز، فإذا صح لزمه إبطال حق المولى ضرورة وذلك لا يضر وكم من شيء يصح ضمنا، وإن كان لا يصح قصدا بخلاف الإقرار بالمال؛ لأنه إقرار على المولى بإبطال حقه قصدا؛ لأن موجبه بيع العبد أو الاستيفاء وكذا إقراره بالقتل خطأ؛ لأن موجبه دفع العبد أو الفداء على المولى ولا يجب على العبد شيء ولا يصح سواء كان العبد محجورا عليه أو مأذونا له في التجارة؛ لأنه باطل.
قال رحمه الله: "وإن رمى رجلا عمدا فنفذ السهم منه إلى آخر يقتص للأول وللثاني الدية"

 

 ج / 9 ص -103-     فصل
ومن قطع يد رجل ثم قتله أخذ بالأمرين، ولو عمدين أو مختلفين أو خطأين تخلل بينهما برء أو لا إلا في خطأين لم يتخلل بينهما برء فتجب دية واحدة كمن ضرب رجلا مائة سوط فبرئ من تسعين ومات من عشرة
______
لأن الأول عمد والثاني أحد نوعي الخطأ، وهو الخطأ في الفعل فكأنه رمى إلى حربي وأصاب مسلما والفعل الواحد يتعدد بتعدد أثره والله تعالى أعلم.
فصل
لما فرغ من ذكر حكم الجناية الواحدة شرع في ذكر الجنايات المتعددة؛ لأن الاثنين بعد الواحد.
قال رحمه الله: "ومن قطع يد رجل ثم قتله أخذ بالأمرين، ولو عمدين أو مختلفين أو خطأين تخلل بينهما برء أو لا إلا في خطأين لم يتخلل بينهما برء فتجب دية واحدة كمن ضرب رجلا مائة سوط فبرئ من تسعين ومات من عشرة" يعني إذا قطع يده ثم قتله يجب عليه موجب القطع وموجب القتل إن كانا عمدين أو أحدهما عمد، والآخر خطأ أو كانا خطأين وتخلل بينهما برء وفي خطأين لم يتخلل بينهما برء فتجب عليه دية واحدة فحاصله أن الكل لا يتداخل إلا في خطأين، فإنهما يتداخلان فيجب فيهما دية واحدة إذا لم يتخلل بينهما برء، وإن تخلل بينهما برء لا يتداخلان أما الأول، وهو ما إذا كانا عمدين فالمذكور قول أبي حنيفة، وعندهما يتداخلان فيقتل حدا ولا يقطع يده؛ لأن الجمع بينهما ممكن لتجانس الفعلين وعدم تخلل البرء بينهما فصار كالخطأين، وهذا؛ لأن الجمع بين الجراحات واجب ما أمكن؛ لأن القتل يقع بضربات غالبا، واعتبار كل ضربة على حدتها يؤدي إلى الجرح فيجمع تيسيرا إلا أن لا يمكن بأن يختلف حكم الفعلين كالعمد والخطأ أو يتخلل البرء بينهما؛ لأن البرء قاطع للسراية فلا يمكن أن يجعل الثاني تتميما للأول فيعتبر على حاله وأمكن ذلك قبل البرء فصار كسراية الأول وله أن الجمع متعذر؛ لأن حز الرقبة يمنع سراية القطع كالبرء حتى لو صدر من شخصين وجب على كل واحد منهما القصاص. فكذا إذا كان من شخص واحد فتقطع أولا يده ثم يقتلوه إن شاءوا، وإن شاءوا قتلوه من غير قطع؛ لأن القصاص يعتمد المساواة في الفعل وذلك بأن يكون القتل بالقتل والقطع بالقطع واستيفاء القطع بالقتل متعذر لاختلافهما حقيقة وحكما؛ ولأن المماثلة صورة ومعنى يكون باستيفائهما وبالاكتفاء بالقتل  لم توجد المماثلة إلا معنى فلا يصار إليه مع القدرة على المماثلة صورة ومعنى

 

 ج / 9 ص -104-     ...........................................
______
فيخير الولي بخلاف ما إذا مات من السراية؛ لأن الفعل واحد وبخلاف ما إذا كانا خطأين؛ لأن الموجب فيه الدية، وهو بدل المحل والمقتول واحد ألا ترى أن عشرة لو قتلوا واحدا خطأ يجب عليهم دية واحدة لاتحاد المحل، وإن تعدد الفعل، ولو قتلوه عمدا قتلوا به جميعا؛ لأن القصاص جزاء الفعل، وهو متعدد، وإن اتحد؛ ولأن أرش اليد لو وجب كان يجب عليه عند الجزاء؛ لأنه وقت استحكام أثر الفعل ولا سبيل إليه؛ لأنه حينئذ تجب دية النفس بالجزاء فيجتمع وجوب بدل الجزاء، والكل في حالة واحدة، وهو محال، ولو وجب ذلك لوجب بقتل النفس الواحد ديات كثيرة للأطراف؛ لأنها تتلف بتلف النفس أما القتل والقطع فقصاصان فأمكن اجتماعهما وبخلاف ما إذا قطع وسرى حيث يكتفي بالقطع لاتحاد الفعل، وأما الثاني، وهو ما إذا كانا مختلفين بأن كان أحدهما خطأ والآخر عمدا والثالث. وهو ما إذا كانا خطأين وتخلل بينهما برء فلأن الجمع غير ممكن فيهما لاختلاف حكم الفعلين في الأول ولتخلل البرء في الثاني، وهو قاطع للسراية فيعطى لكل فعل حكم نفسه وقوله لا في خطأين لم يتخلل بينهما برء فتجب دية واحدة هذا إخراج من قوله وأخذ بالأمرين أي موجبي فعله إلا في هذه الصورة، فإنهما يتداخلان لا يؤخذ إلا بالقتل فيجب فيه دية النفس لا غير، وقد بينا وجهه في أثناء البحث وقوله كمن ضرب رجلا مائة سوط فبرئ ومن تسعين ومات من عشرة يعني تجب فيه دية واحدة كما إذا كان القطع والقتل خطأين ولم يتخلل بينهما برء، وإنما كان كذلك؛ لأن الضربات التي برئ منها، ولم يبق لها أثر سقط أرشها لزوال الشين، وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى وعن أبي يوسف فيها حكومة عدل، وعن محمد أنه يجب فيها أجرة الطبيب وثمن الأدوية وستأتي المسألة بأدلتها في فصل الشجاج إن شاء الله تعالى، ولو بقي لها أثر بعد البرء يجب موجبه مع دية النفس بالإجماع؛ لأن الأرش يجب باعتبار الشين في النفس، وهو ببقاء الأثر، ولو قطع أصبعه أو يده ثم قطع الآخر ما بقي من اليد فمات كان القصاص على الثاني في النفس دون الأول ويقطع أصابع الأول أو يده وقال زفر والشافعي: يقتلان لهما أن زوال الحياة مضاف إلى القطعين؛ لأنه اتصل الموت بهما قبل البرء وزال أثرهما وليس أحدهما بإضافة الإزهاق إليه أولى من الآخر، فأضيف إليهما كما لو قطع كل واحد منهما يدا على حدة قبل البرء ولنا أن زوال الحياة ألم الثاني غير قطع الأول فصار زوال الحياة مضافا إلى القطع الثاني فصار الثاني قتلا دون الأول بخلاف ما لو قطع كل واحد يدا على حدة أو أصبعا على حدة؛ لأن محل قطع الأول قائم وقت الموت. فيتصور منه حدوث زيادة الألم فحصل بألم حدث القطعين فصار الموت مضافا إليهما وإذا قطع المفصل الأعلى من أصبع رجل فبرئ ولم يقتص حتى قطع مفصلا آخر من تلك الأصبع يقطع له المفصل الأعلى دون الأسفل وعليه أرش الأسفل؛ لأن القصاص مبناه على المساواة وحال قطع الثاني لا يمكن المساواة لسلامة أصبع القاطع وفوات مفصل المقطوع؛ ولأن

 

 ج / 9 ص -105-     ...........................................
______
أصبع القاطع، وإن كانت مستحقة بالقصاص ولكن ملك القصاص ملك ضرورة لا يثبت إلا عند الاستيفاء فقتله يكون مقصودا به مملوكية صاحبه؛ ولهذا لو قلنا لو قطعت يد من عليه القصاص إن كان عمدا يجب القصاص، وإن كان خطأ يجب الأرش له لا لمن له القصاص؛ لأنه لم توجد المساواة حال قطع الثاني، وكذلك لو أبرأ الثاني ثم قطع المفصل الثالث، ولو لم يكن القطعين برئ ووجب له القصاص في كل الأصابع بقطعها من أصلها مرة واحدة؛ لأنه لم يتخلل بين القطعين برء وجعلنا كلا الفعلين جناية كأنه قطع ابتداء من المفصل الثاني بفعل واحد، وفي المبسوط أصله إن تعذر استيفاء القصاص لتعذر القتل أنه متى جاء من قبل القاتل فصار إلى المال اعتبارا بالخطأ، فإن هناك امتنع استيفاء القصاص بمعنى من جهة القاتل، وهو الخطأ فإذا تعذر صيانة الاستيفاء، القصاص من قبل من له الحق لا يصار إلى المال؛ لأن الشرع غير حقه في القصاص لكن هو الذي فوته وفرط بإتيان ما أعجزه، فأهدره فلم يبق مستحقا للنظر. وإذا أقر القاتل بالخطأ وادعى الولي العمد لم يقتص ولزمه الدية استحسانا وقال زفر: لا يلزمه شيء قياسا؛ لأن ما أقر به لم يثبت؛ لأنه كذبه المدعي في إقراره بمقتضى دعواه القصاص، وصار كما لو أقر القاتل بالعمد وادعى الولي الخطأ لا يلزمه شيء فكذا هذا ولنا أنهما تصادقا على القتل إلا أنه تعذر استيفاء القصاص بمعنى من قبل  القاتل، وهو دعوى الخطأ فتجب الدية صونا لدمه عن الهدر؛ ولأن في زعم الولي أن القصاص هو الواجب إلا أنه لما أقر بالخطأ، فقد أقر بالمال، وللولي ترك القصاص وأخذ المال ولم يكن به صريحا فيكون له أخذ المال، ولو أقر بالعمد وادعى الولي الخطأ بطل حقه؛ لأن تعذر استيفاء القصاص جاء من قبل من له الحق الزيادات، ولو ادعى الولي العمد على رجلين، فقال أحدهما: أنا قطعت يده عمدا، وهذا الآخر قطع رجله عمدا وأنكر الآخر الجناية قال يقتص من المقر؛ لأنهما تصادقا على وجوب القود ولم تتمكن الشبهة فيه حين أنكر الآخر الجناية؛ لأنه يمكن الشبهة إنما يكون باختلاط الموجب وغير الموجب في المحل، وذلك لا يتصور قبل وجوب الجناية من الآخر وإذا ادعى الولي الخطأ فلا شيء على المقر؛ لأنه لما أنكر الآخر الجناية صار كالعدم، فبطل دعواه الخطأ وإقرار القاتل بالعمد في هذا لا يجب شيء. وإن مات رجل من قطع يده ورجله فقال رجل: قطعت يده عمدا وقال قطع عمرو رجله عمدا فقال الولي: بل أنت قطعتهما يجب القصاص عليه؛ لأنهما تصادقا على وجوب القصاص والشركة لم تثبت لعدم دعواه، فإن قال الولي: لا أدري من قطع رجله فلا شيء على قاطع اليد؛ لأن قاطع الرجل مجهول يجوز أن يكون خاطئا أو صبيا أو مجنونا فتعذر إيجاب القصاص وتعذر استيفاء القصاص جاء من قبل من له الحق، فإن جهل قاطع الرجل جهل قاطع اليد فلا يجب المال، ولو قال الولي بعد ذلك فلان قطع رجله عمدا وأنكر فلان ليس له أن يقتل المقر قياسا، وله أن يقتله استحسانا؛ لأن الولد لا يعرف

 

 ج / 9 ص -106-     فإن عفا المقطوع عن القطع فمات ضمن القاطع الدية، ولو عفا عن القطع وما يحدث منه أو عن الجناية لا فالخطأ من الثلث والعمد من كل المال
______
قاتل أبيه عند كثرتهم فيعذر في التناقض وعبر المؤلف بمن التي لفظها مفرد ومعناه جمع؛ لأنه لا فرق في الحكم بين ما إذا كان الفاعل مفردا أو متعددا.
قال رحمه الله: "فإن عفا المقطوع عن القطع فمات ضمن القاطع الدية، ولو عفا عن القطع وما يحدث منه أو عن الجناية لا فالخطأ من الثلث والعمد من كل المال" يعني لو قطع يد رجل عمدا أو خطأ فقال المقطوع عفوت عن القطع، فمات ضمن القاطع في العمد الدية بخلاف ما لو قال عفوت عن الجناية كما سيأتي وأطلق المؤلف في قوله والخطأ من ثلث المال، ولم يفرق بين ما إذا كان العافي يخرج ويجيء أو كان لا يخرج ولا يجيء سيأتي بيانه. وقوله بإطلاقه قول الإمام وفي الجامع الصغير رجل قطع يد رجل ظلما عمدا، فعفا المقطوع يده عن القطع ثم سرى إلى النفس ومات أو شج إنسان موضحة عمدا فعفا المشجوج رأسه عن الشجة ثم سرى إلى النفس ومات يجب أن يعلم بأن هنا مسألتين إحداهما في العمد، والأخرى في الخطأ، وكل مسألة على وجوه إما أن يقول المقطوعة يده عفوتك عن الجناية أو يقول عفوتك عن القطع وما يحدث منه، فإن كانت الجناية عمدا فقال المقطوعة يده أو قال المشجوجة رأسه عفوتك عن الجناية صح العفو وبرئ من القطع أو الشجة أو مات حتى لا يجب شيء في الحالين ثم تصح البراءة عن جميع المال سواء برئ أو مات، وإن قال عفوتك عن القطع، ولم يقل وما يحدث من القطع أو قال عفوتك عن الشجة ولم يقل وما يحدث منها صح العفو عندهم جميعا، فلو مات تجب الدية. قال أبو حنيفة: مع أن العفو باطل، والقصاص أن يجب على المعفو عنه القصاص إلا أني أستحسن وجوب الدية في ماله وقال أبو يوسف ومحمد بأن العفو عنه جائز ولا شيء على المعفو عنه لا القصاص ولا الدية هذا الذي ذكرنا إذا كانت الجناية عمدا، فإذا كانت خطأ إن عفا عن الجناية أو عن القطع وما يحدث منه صح العفو سواء برئ ومات إلا أنه إن عفا في حال يخرج ويجيء ويذهب بعد الجناية وأنه على قول بعض المشايخ يعتبر من جميع ماله وذكر في المنتقى في هذه الصورة أنه يعتبر من ثلث المال، وإن عفا عن القطع إن اقتصر عن القطع إن برئ صح العفو بلا خلاف من جميع المال، وإن صار قاتلا فعلى قول أبي حنيفة العفو باطل، وكان على عاقلة القاتل الدية وعندهما العفو جائز كما لو عفا عن القطع وعما يحدث منه إلا أنه إن عفا في حالة حكم الصحة بأن كان يذهب، ويجيء يصح من جميع المال وعلى قياس رواية المنتقى من ثلث المال، وإن عفا في حال حكم المرض بأن صار صاحب فراش يعتبر من ثلث المال، ولو قال عفوت عن الجناية أو عن القاطع وما يحدث منه كان عفوا عن دية النفس بالإجماع حتى إذا مات سقط كل الدية فيه غير أنه يعتبر من الثلث في الخطأ؛ لأن موجبه المال، وقد تعلق به حق الورثة فيعتبر من الثلث كسائر

 

 ج / 9 ص -107-     وإن قطعت امرأة يد رجل عمدا أو تزوجها على اليد ثم مات فلها مهر مثلها والدية في مالها وعلى عاقلتها لو خطأ
______
أمواله بخلاف ما إذا كان عمدا حيث يصح من جميع المال؛ لأن موجبه القصاص ولم يتعلق بحق الورثة؛ لأنه  ليس بمال. قال في العناية: فيه بحث، وهو أن القصاص موروث بالاتفاق، فكيف لم يتعلق به حق الورثة ثم قال: والجواب عنه أن المصنف نفى تعلق حق الورثة به لا كونه موروثا ولا تنافي بينهما؛ لأن حق الورثة إنما يثبت بطريق الخلافة وحكم الخلف لا يثبت مع وجود الأصل والقياس في المال أيضا أن لا يثبت فيه تعلق حق الورثة إلا بعد موت المورث لكن ثبت ذلك شرعا بقوله عليه الصلاة والسلام:
"لأن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس"1 وتركهم أغنياء إنما يتحقق بتعلق حقهم بما يتعلق به التصرف فيه والقصاص ليس بمال فلا يتعلق به لكنه موروث ا هـ.. أقول: في تقرير البحث المذكور خلل فاحش وفي تحرير الجواب المزبور التزام ذلك أما الأول؛ فلأنه سيجيء في أول باب الشهادة في القتل أن القصاص ثبت لورثة القتيل ابتداء لا بطريق الوراثة منه كالدين والدية فقوله إن القصاص موروث بالاتفاق كذب صريح وقد مر نظير هذا من صاحب العناية في الفصل السابق، وثبت بطلانه هناك أيضا فتذكر، وأما الثاني؛ فلأنه لم يقع التعرض فيه لكون القصاص غير موروث من المقتول عند إمامنا الأعظم بل سبق الكلام على وجه يشعر بكونه موروثا بالاتفاق ألا ترى إلى قوله في خاتمته والقصاص ليس بمال فلا يتعلق به لكونه موروثا وفي المحيط ويكون هذا وصية للعاقلة سواء كان القاتل واحدا منهم أو لم يكن؛ لأن الوصية للقاتل إذا لم تصح للقاتل تصح للعاقلة كمن أوصى لحي وميت فالوصية كلها للحي ا هـ.. وظهر هنا من قول صاحب المحيط وصية للعاقلة فساد ما اعترض به من أن الوصية للقاتل لا تصح ومن أن القاتل كواحد من العاقلة فكيف جاءت الوصية له بجميع الثلث فتأمل ويظهر من أن القول بأنه وصية أنه لو لم يكن له مال في العمد تسعى العاقلة في ثلثي الدية، وفي الخطأ إن خرجت الدية من الثلث فلا سعاية، ولو لم تخرج من الثلث يسقط بقدر ما يخرج وتسعى العاقلة في البقية كما سيأتي في نظائره في كتاب الوصايا، وهذا من خصائص هذا الكتاب.
قال رحمه الله: "وإن قطعت امرأة يد رجل عمدا أو تزوجها على اليد ثم مات فلها مهر مثلها والدية في مالها وعلى عاقلتها لو خطأ" يعني لو تزوج امرأة على قطعها يده عمدا فمات الزوج منه فلها مهر مثلها والدية في مالها وعلى عاقلتها لو خطأ، وهذا قول الإمام ولم يفصل المؤلف بين ما إذا مات قبل الدخول أو بعده لكن في قوله مهر المثل يشير إلى أنه بعد الدخول وفي الكافي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البخاري في الوصايا "2742" والترمذي في الوصايا عن رسول الله "2116".

 

 ج / 9 ص -108-     ...........................................
______
أما أن يكون القطع عمدا أو خطأ وكل مسألة على ثلاثة أوجه إما إن تزوجها على القطع أو على القطع وما يحدث منه أو على الجناية وقد برئ من ذلك أو مات، فإن كان القطع عمدا وبرئ من ذلك صحت التسمية وصار أرش اليد مهرا لها عندهم جميعا قال الشارح فإذا كان القطع عمدا، فهذا تزوج على القصاص في الطرف، وهو ليس بمال على تقدير الاستيفاء وعلى تقدير السقوط أولا، فإذا لم يصلح مالا لا يصلح مهرا فيجب لها مهر المثل إذا مات ولا يجب القصاص لا يقال لا يجري القصاص بين الرجل والمرأة في الأطراف فكيف يكون تزويجا عليه؛ لأنا نقول الموجب الأصلي في العمد القصاص، وإنما سقط للتعذر ثم تجب عليه الدية، فإذا سرى تبين أنه قتل ولم يتناوله العفو فتجب الدية لعدم العفو عن النفس، وذلك في مالها؛ لأن العاقلة لا تتحمل العمد ا هـ.. قال في النهاية، فإن قلت: لم لم يجب القصاص هاهنا على المرأة مع أن القطع كان عمدا، وهي قتل من الابتداء فإذا مات ظهر أن الموجب الأصلي هو القصاص ولما لم يصلح القصاص مهرا صار كأنه تزوج، ولم يذكر شيئا وفيه القصاص فكذا هاهنا ؟. قلت: نعم كذلك إلا أنه لما جعل القصاص مهرا جعل ولاية استيفاء القصاص للمرأة، ولو استوفت القصاص تستوفيه من نفسها، وهو محال ولما سقط القصاص بقي النكاح بلا تسمية فيجب مهر المثل كما إذا لم يسم ابتداء ا هـ.. ولو تزوجها على موجب القطع جاز، فإن طلقها بعد الدخول بها أو مات عليها سلم لها جميع الأرش، وإن طلقها قبل الدخول بها سلم لها من ذلك ألفان وخمسمائة ورد على الزوج ألفان وخمسمائة؛ لأنه تزوجها في الحاصل على خمسة آلاف، فإن طلقها قبل الدخول بها يسلم لها نصف ذلك ويلزمها أن ترد النصف على الزوج هذا إذا أبرئ من القطع، وإن مات من ذلك فالتسمية باطلة عندهم جميعا، ولها مهر مثلها وقيد بقوله مهر مثلها المفيد أنه بعد الدخول لا قبل الدخول فلها المتعة ثم القياس أن لا تجب عليها الدية في قول أبي حنيفة وفي الاستحسان تجب الدية في  مالها وعلى قولهما صح العفو ولم يكن عليها لا قصاص ولا دية لو مات هذا إذا تزوجها على القطع قيد بذكر اليد فقط؛ لأنه إذا تزوجها على القطع وما يحدث منه إن برئ من ذلك صار أرش يده مهرا لها عندهم جميعا ويسلم لها ذلك، وإن كان أكثر من مهر مثلها، وإن مات من ذلك بطلت التسمية، وكان لها مهر مثلها وسقط القصاص مجانا بغير شيء ولا ميراث لها من زوجها؛ لأنها قاتلته وعليها عدة المتوفى عنها زوجها وقيد بقوله عمدا؛ لأنها إذا كانت الجناية خطأ وقد تزوجها على القطع إن برئ من ذلك صار أرش يده مهرا لها. فإن دخل بها أو مات عنها سلم لها جميع ذلك وسقط عن العاقلة، وإن طلقها قبل الدخول بها سلم لها نصف ذلك، وذلك ألفان وخمسمائة وتؤدي العاقلة ألفين وخمسمائة إلى زوجها فأما إذا مات من ذلك بطلت التسمية في قول أبي حنيفة، وكان لها مهر مثلها وعلى عاقلتها دية الزوج وعندهما تصح التسمية وتصير دية

 

 ج / 9 ص -109-     ...........................................
______
الزوج مهرا لها فأما إذا تزوجها على القطع وما يحدث أو على الجناية إن برئ من ذلك صار أرش يده مهرا لها، وإن مات ثم ينظر إلى مهر مثلها وإلى الدية، فإن كان مهر المثل مثل الدية لا شك أن الكل يسلم لها سواء تزوجها بعد القطع في حال ما يجيء ويذهب أو بعدما صار صاحب فراش، وإن كان مهر مثلها أقل من الدية، فإن كان تزوجها في حال يجيء ويذهب، فالكل يسلم لها، وإن كانت الزيادة إلى تمام الدية تخرج من ثلث مال الزوج وتعتبر الزيادة على مهر مثلها وصية للعاقلة، وإن كانت لا تخرج الزيادة على مهر مثلها من ثلث ماله فيقدر ما يخرج من الثلث يسقط عن العاقلة ويعتبر ذلك وصية لهم هذا إذا لم يطلقها الزوج قبل موته حتى مات، فإن طلقها قبل موته قبل الدخول بها سلم لها من ذلك خمسة آلاف مهر مثلها وصية للعاقلة ويسقط عن العاقلة، وإن كان مهر مثلها أقل من خمسة آلاف إن كانت الزيادة على غير مهر مثلها إلى تمام خمسة آلاف يخرج من ثلث ماله فكذا يسقط عن العاقلة خمسة آلاف. وإن كان لا يخرج فبقدر ما يخرج من الثلث مقدار مهر مثلها يسقط عن العاقلة ويردون الباقي إلى ورثة الزوج وكذلك إن تزوجها على الجناية فالجواب فيه من أوله إلى آخره كالجواب فيما إذا تزوجها على القطع وما يحدث به إسماعيل بن عمار عن أبي يوسف في رجل قتل عمدا وله وليان فصالح أحد وليي القاتل عن جميع الدين على خمسين ألفا فللذي صالح خمسة وعشرون ألفا والآخر الباقي هذا إذا تزوجها المقطوع يده فلو تزوجها وليه قال امرأة قتلت رجلا خطأ فتزوجت ولي المقتول على الدية التي وجبت على العاقلة فذلك جائز والعاقلة برئت، فإن طلقها قبل الدخول بها رجع على العاقلة بنصف الدية رجل شج رجلا موضحة عمدا أو صالحه المشجوج عن الموضحة وما يحدث منها على مال مسمى قبضه ثم شجه رجل آخر موضحة عمدا ومات من الموضحتين فعلى الآخر القصاص ولا شيء على الأول، وكذلك لو كان الصلح مع الأول بعدما شجه الآخر قال أبو الفضل فقد استحسن في موضع آخر من هذا الكتاب أن له القصاص على الآخر إذا كان شجه بعد صلح الأول رجل شج رجلا موضحة عمدا وصالحه عنها وما يحدث عنها على عشرة آلاف درهم وقبضها ثم شجه آخر خطأ ومات منها فعلى الثاني خمسة آلاف درهم على عاقلته ويرجع الأول في مال المقتول بخمسة آلاف درهم، وإن كانت الشجتان عمدا جازا إعطاء الأول وقتل الآخر الإسبيجابي جامع الفتاوى. وعن أبي يوسف في جامعه إذا صالح الشاج من موضحة الخطأ على خمسمائة درهم ثم مات منها يحط عن العاقلة الثلث وبطل الصلح ويرجع الشاج بما دفع وفي الكبرى، وهذا الجواب على قولهما خاصة أما على قول أبي حنيفة والصلح والعفو عن الشجة لا يتناول ما يحدث منها، فإذا مات المشجوج هاهنا صار وجود الصلح كعدمه عنده، ولو انعدم الصلح عنده فالدية على عاقلة الشاج كذا هنا وفي الظهيرية، وإن وقع الصلح على خمسة عشر ألفا بعد قضاء القاضي بعشرة

 

 ج / 9 ص -110-     وإن تزوجها على اليد وما يحدث منها أو على الجناية فمات منه فلها مهر المثل ولا شيء عليها ولو خطأ رفع عن العاقلة مهر مثلها ولهم ثلث ما ترك وصية
______
آلاف فهذا الصلح باطل لما فيه من الزيادة على الدية، وإن كان المقضي به مائة من الإبل فاصطلحا على مائة وخمسين إن وقع الصلح نسيئة لا شك أنه لا يجوز، وإن كان يدا بيد إن كان الإبل بأعيانها ثم اصطلحوا على مائة وخمسين من الإبل بأعيانها كان ذلك جائزا هذا إذا وقع الصلح على أكثر من النوع الذي وقع به القضاء أما إذا وقع الصلح على أقل مما وقع به القضاء، فإنه يجوز حالا ونسيئة وإذا اصطلحا على خلاف جنس ما وقع به القضاء وقد صالحه على أكثر مما قضى به، فإنه يجوز هذا  الذي ذكرنا إذا اصطلحا بعد القضاء أو الرضا أما إذا اصطلحا قبل القضاء إن كان المصالح عليه أكثر من الدية، فإنه لا يجوز ابن سماعة عن محمد في رجل جرحه رجلان جراحة عمدا فقضى بالقصاص على أحدهما ثم مات من الجراحتين قال لورثته أن يقتلوا الآخر. ولو جرحه رجل جراحة عمدا وعفا عنه ثم جرحه آخر عمدا فلم يعف حتى مات منهما فلا قود على الثاني وسئل أبو سلمة عن جماعة كانوا يرمون على كل كلب عقور فأخطأ واحد منهم فأصاب صغيرة فماتت وعرف أن هذا سهم فلان ولكن لم يشهد أحد أنه رماه فلان فصالح صاحب السهم على كرم ثم طلب المصالح رد الصلح قال إن كان يعلم أن المصالح هو الذي جرحها وأن الصبية ماتت من تلك الجراحة فالصلح ماض، فإن علم أن الجارح صاحب السهم ولكن استغاثت الصغيرة بأبيها فلطمها أبوها فسقطت وماتت ولم يدر أنها ماتت من اللطمة أو من الرمي قال: فإن كان الصلح من الأب بإذن سائر الورثة فالصلح جائز والبدل لسائر الورثة ولا ميراث للأب، وإن كان الميراث بغير إذنهم فالصلح باطل وفي نوادر هشام قال سألت محمدا عن قلع سن صبي أو حلق رأس امرأة فصالح الجاني أبا الصبي أو المرأة على دراهم ونبت الشعر أو السن فأخبر أن أبا حنيفة يرد الدراهم قال: وكذلك أقول: وكذلك قول محمد قال: وكذلك إن كان هذا كسر يده فصالحه عنها ثم جبرا وصحت قال نعم قلت: فإن زعم صاحب اليد أن يده قد ضعفت، وليست كما كانت قال أمر من ينظر إليها، فإنه لا يكاد يخفى.
قال رحمه الله: "وإن تزوجها على اليد وما يحدث منها أو على الجناية فمات منه فلها مهر المثل" كما لو تزوجها على خمر أو خنزير وقد تقدم.
قال رحمه الله: "ولا شيء عليها"؛ لأنه رضي بسقوط القصاص على أنه يصير مهرا، وهو لا يصير مهرا فسقط أصلا فصار كما إذا سقط القصاص بشرط أن لا يصير مالا، فإنه يسقط مجانا وقد تقدم
قال رحمه الله: "ولو خطأ رفع عن العاقلة مهر مثلها ولهم ثلث ما ترك وصية"؛ لأن التزوج

 

 ج / 9 ص -111-     ولو قطع يده فاقتص له فمات الأول قتل به
______
على اليد وما يحدث منها أو على الجناية تزوج على موجبها وموجبها هنا الدية، وهي تصلح مهرا فصحت التسمية إلا أنه يقدر مهر مثلها يعتبر من جميع المال؛ لأنه ليس فيه محاباة والمريض لا يجبر عليه من التزوج؛ لأنه من الحوائج الأصلية فينفذ قدر مهر مثلها من جميع المال، وما زاد على ذلك من الثلث؛ لأنه تبرع والدية على عاقلتها، وقد صارت مهرا فيسقط كلها عنهم إن كان مهر مثلها مثل الدية أو أكثر ولا يرجع عليهم بشيء؛ لأنهم كانوا يتحملون عنها بسبب جنايتها، فإذا صار ذلك ملكا لها يسقط عنهم أصلا فلا يغرمون لها، وإن كان مهر مثلها أقل من الدية سقط عنهم أيضا؛ لأنه وصيته لهم فيصح؛ لأنهم أجانب، وإن كان لا يخرج من الثلث سقط عنهم قدر الثلث وأدوا الزيادة إلى الولي؛ لأن الوصية لا نفاذ لها إلا من الثلث ثم قيل لا يسقط قدر نصيب القاتل؛ لأن الوصية للقاتل لا تصح والأصح أنه يسقط كله؛ لأنه أوصى لمن تجوز له الوصية فهو كمن أوصى لحي وميت، فإن الوصية كلها تكون للحي؛ ولأنه لو لم يسقط نصيبه لكان ذلك القدر هو الواجب بالقتل فتتحمله العاقلة عنه فينقسم أيضا فيلزم مثل ذلك عن نصيبه منه أيضا ثم هكذا ,. وهكذا إلى أن لا يبقى منه شيء فلو أبطلنا الوصية في صحته ابتداء لزمنا تصحيحها انتهاء فصححناها ابتداء قصرا للمسافة وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله كذلك الجواب فيما إذا تزوجها على اليد أيضا؛ لأن العفو عن اليد عفو عما يحدث منه عندهما فصار الجواب في الفصلين واحدا أقول: في عبارة المصنف احتمال آخر، وهو أنه يجوز أن يكون معناها وللعاقلة ثلث ما ترك الميت وصية فيشمل الدية وغيرها، ولو قال المؤلف، ولو خطأ دفع عن العاقلة مهر مثلها والباقي وصية، فإن خرج من الثلث سقط وإلا فثلث المال لكان أولى وقول المؤلف رفع إلى آخره، فأفاد أن مهر المثل أقل من الدية كما بيناه.
قال رحمه الله: "ولو قطع يده فاقتص له فمات الأول قتل به" يعني رجل قطع يد رجل فاقتص له فمات المقطوع الأول قتل المقطوع الثاني به، وهو القاطع الأول قصاصا؛ لأنه تبين أن الجناية كانت قتلا عمدا من الأول واستيفاء الحق الأول لا يوجب سقوط حقه في القتل؛ لأن من له القصاص في النفس إذا قطع طرف من عليه القصاص ثم قتله لا يجب عليه شيء إلا أنه مسيء ألا ترى أنه لو أحرقه بالنار لا يجب عليه شيء غير الإساءة فإذا بقي له فيه القصاص فلوارثه أن يقوم مقامه وعن أبي يوسف أنه يسقط حقه في القصاص؛ لأن إقدامه على القطع دليل على أنه أبرأه عن غيره قلنا إنما قدم عليه على ظن أنه حقه فيه  لا حق له في غيره وبعد السراية تبين أن حقه في القود فلم يكن مبرئا عنه بدون علمه قيد بقوله الأول؛ لأنه لو مات المقتص منه، وهو المقطوع قصاصا من القطع فديته على عاقلة المقتص له عند أبي حنيفة. وقال أبو يوسف ومحمد والشافعي لا شيء عليه؛ لأنه استوفى حقه، وهو القطع فيسقط حكم سرايته إذ الامتناع عن السراية خارج عن

 

 ج / 9 ص -112-     وإن قطع يد القاتل وعفا ضمن القاتل دية اليد
______
وسعه فلا يتقيد بشرط السلامة كي لا ينسد باب القصاص فصار كالإمام وإذا قطع يد السارق فسرى إلى النفس ومات كالنزاع والفصاد والحجام والختان وكما لو قال لغيره اقطع يدي فقطعها ومات، وهذا؛ لأن السراية تبع لابتداء الجناية فلا يتصور أن يكون ابتداء الفعل غير مضمون وسرايته مضمونة ولأبي حنيفة أن حقه في القطع والموجود قتل حتى لو قطع ظلما كان قتلا فلم يكن مستوفيا حقه فيضمن، وكان القياس أن يجب القصاص إلا أنه سقط للشبهة فوجبت الدية بخلاف ما ذكروا من المسائل؛ لأن إقامة الحد واجب على الإمام.
قال رحمه الله: "وإن قطع يد القاتل وعفا ضمن القاتل دية اليد"، وهذا عند الإمام قال في الكافي ولا فرق بين ما إذا قضى له بالقصاص أو لا وعندهما لا شيء عليه يعني لو قتل إنسان آخر عمدا فقطع ولي المقتول يد القاتل وعفا ضمن الدية أطلق فشمل ما إذا كان قتل فقط أو قتل وقطع وما إذا مات من القطع أو برئ وليس كذلك فلو قال المؤلف في قتل فقط لكان أولى؛ لأنه علم مما تقدم لو قطع وقتل له فعلهما، ولو قال دية اليد لو برئ لكان أولى؛ لأنه محل الخلاف لهما أنه قطع يدا من نفس لو أتلفها لا يضمن كما لو قطع يد مرتد ثم أسلم ثم سرى، وهذا؛ لأنه استحق إتلافه بجميع أجزائه إذ الأجزاء تبع للنفس فبطل حقه بالعفو فيما بقي لا فيما استوفاه؛ ولهذا لو لم يعف لا يجب عليه ضمان اليد وكذا إذا عفا ثم سرى لا يضمن، والقطع الساري أفحش من المقتصر أو قطع وما عفا وما سرى ثم جز رقبته قبل البرء وبعده فصار كما لو كان له قصاص في اليد فقطع أصابعه ثم عفا عن اليد، فإنه لا يضمن أرش الأصابع والأصابع من الكف كالأطراف من النفس ولأبي حنيفة أنه استوفى غير حقه فيضمن، وهذا؛ لأن حقه في القتل لا في القطع، وكان القياس أن يجب القصاص إلا أنه سقط للشبهة إذ كان له أن يتلف الطرف تبعا للنفس، وإذا سقط القود وجبت الدية، وإنما لم يضمن في الحال لاحتمال أن يصير قتلا بالسراية فيظهر أنه استوفى حقه وحقه في الطرف ثبت ضرورة ثبوت القتل وهذه الضرورة عند الاستيفاء لا قبله. فإذا وجد الاستيفاء ظهر حقه في الأطراف تبعا وإذا لم يستوف لم يظهر حقه في الطرف لا أصلا ولا تبعا فتبين أنه استوفى غير حقه فأما إذا لم يعف، فإنما لم يضمن لمانع، وهو قيام الحق في النفس لاستحالته أن يملك قتله وتكون أطرافه مضمونة عليه، فإن زال المانع بالعفو ظهر حكم السبب وإذا سرى فهو استيفاء للقتل فتبين أن العفو كان بعد الاستيفاء، ولو قطع وما عفا وبرئ فهو على الخلاف في الصحيح، ولو قطع ثم حز رقبته قبل البرء فهو استيفاء؛ لأن القطع انعقد على وجه يحتمل السراية، وكان حز رقبته تتميما لما انعقد له القطع فلا يضمن حتى لو حز رقبته بعد البرء فهو على الخلاف في الصحيح على أنا لا نسلم ظهور حقه عند الاستيفاء في التواقع، وإنما دخلت في النفس لعدم إمكان التحرز عن إتلافها والأصابع تابع قياما والكف تابع لها عرضا؛ لأن منفعة

 

 ج / 9 ص -113-     البطش تقوم بالأصابع بخلاف الطرف، فإنه تابع للنفس من كل وجه والله أعلم.
لما كانت الشهادة في القتل أمرا متعلقا بالقتل أوردها بعد ذكر حكم القتل؛ لأن ما يتعلق بالشيء يكون أدنى درجة من ذلك الشيء

باب الشهادة في القتل
ولا يقيد حاضر بحجته إذا أخوه غاب عن خصومته، فإن بعد لا بد من إعادته ليقتلا، ولو خطأ أو دينا لا
______
قال رحمه الله: "ولا يقيد حاضر بحجته إذا أخوه غاب عن خصومته، فإن بعد لا بد من إعادته ليقتلا، ولو خطأ أو دينا لا" يعني إذا قتل رجل وله وليان بالغان عاقلان أحدهما حاضر والآخر غائب فأقام الحاضر بينة على القتل لا يقتل قصاصا، فإن عاد الغائب فليس لهما أن يقتلا بتلك البينة بل لا بد لهما من إعادة البينة للقتل عند الإمام وقالا لا يعيد، ولو كان القتل خطأ أو دينا لا يعيدها بالإجماع وأجمعوا على أن القاتل يحبس إذا أقام الحاضر البينة؛ لأنه صار متهما بالقتل والمتهم يحبس وأجمعوا على أنه لا يقضي بالقصاص ما لم يحضر الغائب؛ لأن المقصود القصاص والحاضر لا يتمكن من الاستيفاء بالإجماع بخلاف ما إذا كان خطأ أو دينا، فإنه يتمكن من استيفاء نصيبه في غيبة الآخر فلم  تجب إعادتها بعد والوارث ينتصب خصما عن نفسه وعن شركائه فيما يدعي للميت، وعلى الميت ولأبي حنيفة أن القصاص غير موروث؛ لأنه يثبت بعد الموت للتشفي ودرك الثأر، والميت ليس من أهله، وإنما يثبت للورثة ابتداء بطريق الخلافة بسبب انعقد للميت أي يقومون مقامه فيستحق به ابتداء من غير أن يثبت للميت كالعبد يقبل الهدية يقع الملك فيها للمولى ابتداء بطريق الخلافة عنه، وإنما كان كذلك؛ لأن القصاص ملك الفعل في المحل بعد موت المجروح ولا يتصور الفعل من الميت؛ ولهذا صح عفو الورثة قبل موت المجروح، وإنما صح عفو المجروح؛ لأن السبب انعقد له. وفي قوله تعالى
{وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً} [الاسراء: من الآية33] نص على أن القصاص يثبت للوارث ابتداء بخلاف الدية والدين؛ لأن الميت أهل لملك المال؛ ولهذا لو نصب شبكة وتعلق بها صيد بعد موته يملكه وأصل الاختلاف راجع إلى أن استيفاء القصاص حق الورثة عنده، وحق الميت عندهما فإذا كان القصاص يثبت حقا للورثة عنده ابتداء لا ينتصب أحدهم خصما عن الآخرين في إثبات حقهم بغير وكالة منهم وبإقامة الحاضر البينة لا يثبت القصاص في حق الغائب فيفيدها بعد حضوره ليتمكن من الاستيفاء ولا يلزمه أن القصاص إذا انقلب مالا يصير حقا للميت؛ لأنه إذا انقلب مالا صار صالحا لقضاء حوائجه، فصار مفيدا بخلاف القصاص، ولا يصح الاستدلال بصحة عفو المورث؛ لأنه إنما يصح في جواب الاستحسان لوجود

 

 ج / 9 ص -114-     فإن أثبت القاتل عفو الغائب لم يعد وكذا لو قتل عبدهما وأحدهما غائب وإن شهد وليان بعفو ثالثهما لغت
______
سببه على ما بينا، وهو الاستدلال معارض بعفو الوارث، فإنه يجوز أيضا قبل موت المورث بعد الجرح استحسانا لوجود السبب فلولا أن الحق يثبت فيما له ابتداء لما صح عفوه أقول: فيه بحث؛ لأن ما تمسكا به لا ينهض حجة على أبي حنيفة رحمه الله وما تمسك به ينهض حجة عليهما فكيف يتحقق التدافع، وذلك أن القصاص، وإن كان حقا للوارث عنده باعتبار ثبوته للوارث بناء على أن القصاص لا يثبت إلا بعد الموت والميت ليس من أهل أن يثبت له هذا الحق؛ لأنه شرع للتشفي ودرك الثأر والميت ليس بأهل لذلك لكنه حق للمورث أيضا عنده باعتبار انعقاد سببه الذي هو الجناية في حق المورث. وقد صرح به كثير من أصحاب الشروح فأبو حنيفة رحمه الله راعى فيما نحن فيه جهة كون القصاص حقا للوارث، فقال باشتراط إعادة البينة إذا حضر الغائب احتيالا للدرء وقال بصحة العفو منه أيضا احتيالا للدرء أيضا، وأما عندهما فالقصاص حق ثابت للمورث ابتداء من كل الوجوه ثم ينتقل بعد موته إلى الوارث بطريق الوراثة كسائر أملاكه فيتجه عليهما المؤاخذة بصحة العفو من الوارث حال حياة المورث بالإجماع فتدبر.
قال رحمه الله: "فإن أثبت القاتل عفو الغائب لم يعد" معناه أن القاتل لو أقام بينة أن الغائب قد عفا عنه كان الحاضر خصما، وسقط القصاص ولا تعاد البينة لو حضر؛ لأنه ادعى حقا على الحاضر، وهو سقوط حقه في القصاص وانقلاب نصيبه مالا ولا يتمكن من إثباته إلا بإثبات العفو من الغائب فانتصب الحاضر خصما عن الغائب في الإثبات عليه بالبينة، فإذا قضى عليه صار الغائب مقتضيا عليه تبعا له.
قال رحمه الله: "وكذا لو قتل عبدهما وأحدهما غائب" أي لو كان عبد بين رجلين فقتل عمدا وأحد الموليين غائب فحكمه مثل ما ذكرنا أحد في الوليين حتى لا يقبل بينة أقامها الحاضر من غير إعادة بعد عود الغائب، ولو أقام القاتل البينة أن الغائب قد عفا، فالشاهد خصم ويسقط القصاص لما بينا فحاصله أن هذه المسألة مثل الأولى في جميع ما ذكرنا إلا أنه إذا كان القتل عمدا أو خطأ لا يكون الحاضر خصما عن الغائب بالإجماع والفرق لهما في الكل. ولأبي حنيفة في الخطأ أن أحد الورثة خصم عن الباقين على ما بينا ولا كذلك أحد الموليين على ما عرف في موضعه وقدمنا له مزيد بيان عند ذكر الكبير والصغير فارجع إليه
قال رحمه الله: "وإن شهد وليان بعفو ثالثهما لغت" أي إذا كان أولياء المقتول ثلاثة فشهد اثنان منهم على الثالث أنه عفا فشهادتهما باطلة؛ لأنهما يجران لأنفسهما نفعا، وهو انقلاب القود مالا، وهو عفو منهما وزعمهما معتبر في حق أنفسهما إطلاق في قوله بعفو ثالثهما فشمل ما إذا كان في

 

 ج / 9 ص -115-     فإن صدقهما القاتل فالدية لهم أثلاثا وإن كذبهما فلا شيء لهما، وللآخر ثلث الدية
______
العمد والخطأ وقيد في المحيط الخطأ حيث قال: فشهادتهما جائزة في الخطأ إذا لم يقبضا نصيبهما ا هـ.. وإنما قيد به؛ لأنهما إذا قبضا نصيبهما لم يحتاجا إلى إثبات عفو الغائب؛ لأن العفو حصل منهما، وهو قيد حسن لا بد منه، ولو قيد به المؤلف لكان  أولى وذكر في المبسوط في كتاب الصلح والمأذون في دين بين ثلاثة شهد اثنان على الثالث أنه أبرأ عن نصيبه لا تقبل؛ لأن شهادتهما تجر لأنفسهما مغنما؛ لأن شهادتهما تقطع شركة المشهود عليه في الباقي من الدين فلا تقبل كما لو شهد أنه أبرأه عن نصيبه بعدما قبضا نصيبهما وجه هذه الرواية التي ذكرها المؤلف أنهما بشهادتهما لا يثبتان لأنفسهما حق المشاركة للمشهود عليه؛ لأنهما لم يقبضا شيئا من الدين. ولو حولا نصيبهما مالا، وإنما منعت ثبوت المشاركة للمشهود عليه متى قبضا نصيبهما والشاهد يملك المنع ولا يملك الإبطال، وإذا شهد شاهدان بالعفو على الخطأ فقضى به ثم رجعا ضمنا ما اتلفاه نصفين لأنهما أبطلا على المشهود عليه دينا مؤجلا فيضمنان لذلك شهد شاهدان على ولي الدم أنه أخر القاتل اليوم إلى الليل على جعل معلوم ولم يكن عفوا ولا مال له؛ لأن تأخير الحق لا يقتضي سقوطه فكذا تأجيل القتل لا يقتضي سقوطه والمال باطل؛ لأنه لو وجب عوضا عن الأجل والاعتياض عن الأجل باطل، ولو شهدا على أنه أخذ الجعل على أن يعفو عنه يوما كان صلحا؛ لأنه عفا عن القصاص يوما والعفو لا يقبل التأقيت فصح العفو وبطل التأقيت، وصار كما لو طلق امرأته وأعتق عبده على ألف إلى الليل جاز الصلح وبطل التأقيت فكذا هذا وقوله على أن يعفو لم يخرج مخرج العدة، وإنما يراد به الإخبار كالرجل يقول للمرأة تزوجتك على ألف درهم فقبلت فهو نكاح فكان المراد منه الإيجاب فكذا هذا.
قال رحمه الله: "فإن صدقهما القاتل فالدية لهم أثلاثا" أي صدقهما القاتل دون الولي المشهود عليه؛ لأن تصديقه لهما إقرار لهما بثلثي الدية ويلزمه؛ لأنهم كانوا يزعمون أن نصيب الولي المشهود عليه قد سقط بعفوه، وهو ينكر فلا يقبل قولهم عليه فوجب عليه كل الدية وللمنكر ثلثها
قال رحمه الله: "وإن كذبهما فلا شيء لهما، وللآخر ثلث الدية" أي إن كذبهما القاتل أيضا بعد أن كذبهما الولي المشهود عليه بالعفو فلا شيء للوليين الشاهدين؛ لأن شهادتهما عليه إقرار ببطلان حقهما عليه في القصاص فصح إقرارهما في حق أنفسهما. وإن ادعيا انقلابهما مالا فلا يصدقا في دعواهما إلا ببينة، وللولي المشهود عليه ثلث الدية؛ لأن شهادتهما عليه بالعفو، وهو ينكر بمنزلة إقرارهما بالعفو فينقلب نصيبهما مالا، وفي النهاية، وإن كذبهما المشهود عليه يجب على القاتل دية كاملة بينهم أثلاثا فجعل الضمير فاعل كذبهما المشهود عليه لا القاتل قال الشارح: وإن صدقهما الولي المشهود عليه وحده دون القاتل ضمن القاتل ثلث الدية للولي المشهود عليه؛ لأنه

 

 ج / 9 ص -116-     ...........................................
______
أقر له بذلك، فإن قيل كيف له الثلث، وهو قد أقر أنه لا يستحق على القاتل شيئا بدعواه العفو قلنا ارتد إقراره بتكذيب القاتل إياه فوجب له ثلث الدية عليه، وفي الجامع الصغير كان هذا الثلث للشاهدين لا للمشهود عليه، وهو الأصح؛ لأن المشهود عليه يزعم أنه قد عفا أو لا شيء له وللشاهدين على القاتل ثلث الدية دينا في ذمته والذي في يده، وهو ثلث الدية مال القاتل، وهو من جنس حقهما فيصرف إليهما لإقراره لهما بذلك كمن قال لفلان علي ألف درهم فقال المقر له ليس ذلك لي، وإنما هو لفلان، فإنه يصرف إليه فكذا هنا، وهذا كله استحسان والقياس أن لا يلزم القاتل شيء؛ لأن ما ادعاه الشاهدان على القاتل لم يثبت لإنكاره وما أقر به القاتل للمشهود عليه قد بطل بإقراره بالعفو؛ لكونه تكذيبا له. وجوابه أن القائل بتكذيب الشاهدين قد أقر للمشهود عليه بثلث الدية لزعمه أن القصاص قد سقط بشهادتهما كما إذا عفا والمقر له لم يكذب القاتل حقيقة بل أضاف الوجوب إلى غيره فجعل الواجب للشاهدين، وفي مثله لا يرتد الإقرار كمن قال لفلان علي كذا، فقال المقر له ليس لي ولكنه لفلان على ما بينا قيد المؤلف بقوله، ولو شهد اثنان، وإن كان الحكم في الواحد كذلك؛ لأنه إذا علم أن شهادة الاثنين باطلة علم ببطلان شهادة الواحد الفرد من باب أولى ولم يتعرض لما إذا شهدا معا أو متعاقبا ونحن نذكر ذلك ونذكر شهادة الفرد تتميما للفائدة قال في المبسوط له وليان اثنان فشهد أحدهما على صاحبه أنه عفا فهو على قسمين إما أن يشهد أحدهما على صاحبه بالعفو أو يشهد كل واحد منهما على صاحبه بالعفو أما القسم الأول فهو على خمسة أوجه إما أن يصدقه صاحبه، والقاتل جميعا أو كذباه أو كذبه صاحبه وصدقه القاتل أو على عكسه أو سكتا جميعا، فالعفو واقع في الفصول كلها؛ لأن الشاهد متى أقر بعفو صاحبه، فقد أقر بسقوط القصاص في نصيبه، وإذا سقط يسقط في نصيب  الآخر كما لو عفا الشاهد عن نصيبه، وأما الدية إن تصادقا فللشاهد نصف الدية؛ لأن الثابت بالتصادق والموافقة كالثابت بالمعاينة، وإن كذباه فلا شيء للشاهد، ويجب للآخر نصف الدية؛ لأنه لما شهد بالعفو فقد أقر ببطلان حقه في القصاص فصح وادعى انقلاب نصيب نفسه مالا فلم يصدق ويحول نصيب الآخر مالا؛ لأن تعذر استيفاء القصاص في نصيبه من جهة غيره؛ لأن سقوط القصاص مضاف إلى شهادة بالعفو، فكان بمنزلة العفو منه. وإن كذبه صاحبه وصدقه القاتل ضمن الدية بينهما؛ لأنه لما صدقه فقد أقر له بنصف الدية فلزمه وادعى بطلان حق المشهود عليه بالعفو فلم يصدق نصيب الساكت مالا؛ لأن في زعم الشاهدين نصيبه تحول مالا بعفو صاحبه والقاتل صدقه فيه فوجب له نصف الدية على القاتل، وفي نصيب صاحبه لم يسقط من جهته؛ لأنه لم يثبت عفوه في حقه لتكذيبه، وإنما سقط بإقرار الشاهد فينقلب نصيبه مالا، وإن كذبه القاتل وصدقه صاحبه ضمن نصف الدية للمشهود عليه ولا يضمن للشاهد شيئا وقال زفر: لا شيء لهما؛ لأن العفو ثبت في حقهما بتصادقهما، ولم

 

 ج / 9 ص -117-     ...........................................
______
يثبت في حق القاتل لتكذيبه فسقط نصيب الشاهد ولم يجب لتكذيب نصف الدية فيبرأ القاتل ولنا أن القاتل لما أكذب الشاهد في الشهادة بالعفو، فقد كذبه فيما ادعى عليه من نصف الدية وأقر للمشهود عليه بنصف الدية في ماله؛ لأنه زعم أن نصيب المشهود عليه إنما سقط لمعنى جاء من قبل الشاهد لا من جهته، فإنه أنكر عفو المشهود عليه والمشهود عليه لما صدق الشاهد في شهادته فقد أقر بذلك المال للشاهد والمقر له بالمال إذا قال للمقر ما أقررت به ليس لي، وإنما هو لفلان كان المقر به لفلان كمن أقر بمائة لزيد فقال زيد: هي لعمرو صارت المائة لعمرو فكذا هذا.
وأما القسم الثاني لو شهد كل واحد منهما على صاحبه بالعفو فلا يخلو إما أن يشهدا معا أو متعاقبا، فإن شهدا معا إن كذبهما القاتل بطل حقهما؛ لأن كل واحد منهما أقر بسقوط القصاص في نصيبه نصف الدية، وأنه وجب له على القاتل؛ لأن كل واحد منهما زعم أن حق العافي في القصاص قد سقط، وانقلب نصيبه مالا، فصح إقرارهما بسقوط القصاص؛ لأنهما لا يتهمان في حقهما ولم يصح بالمال على القاتل؛ لأنه دعوى والدعوى لا تثبت إلا بحجة، وكذلك إن صدقهما القاتل؛ لأنه متى صدق أحدهما في دعواه، فقد كذب الآخر في دعواه من المال؛ لأن العافي لا يجب له شيء، فقد تعارض التصديق والتكذيب بالشك، فصار كأنه سكت، وإن صدقهما على التعاقب فلهما دية كاملة؛ لأنه لما صدق الأول في دعواه المال فقد كذب الثاني في دعواه المال فإذا صدق الثاني بعد ذلك فقد صدقه بعدما كذبه والتصديق بعد التكذيب جائز وبتصديق الثاني إن صار مكذبا فيما ادعاه إلا أنه كذبه بعدما نفذ حكم التصديق بالسكوت عليه، وكان التكذيب منه رجوعا عن إقراره، فلم يصح، وأما إذا شهد متعاقبا، فإن كذبهما القاتل، فللشاهد آخرا نصف الدية ولا شيء للأول؛ لأن القاتل لما كذب الأول فقد زعم أن للثاني نصف الدية ولم يثبت عفوه ولم يوجد منه تكذيب القاتل في إقراره فوجب له نصف الدية والأول قد أقر بسقوط القصاص في نصيبه بنصف دية وجبت له على القاتل وقد كذبه القاتل في ذلك فلم يثبت وكذبه إن صدقهما معا فلا شيء للأول. وللثاني نصف الدية؛ لأنه تعارض التصديق والتكذيب منه في حق كل واحد منهما فتساقطا فصار كأنه سكت، ولو سكت يجب للثاني نصف الدية ولا يبطل بتكذيب القاتل؛ لأن تكذيب القاتل باطل في حق الثاني، وإن صدقه الثاني وكذبه الأول فللثاني نصف الدية ولا شيء للأول؛ لأنه ثبت عفو الأول في حق القاتل بتصديق الثاني في شهادته ولم يثبت عفو الثاني بتكذيب الأول في شهادته، ولو عفا أحد الوليين وعلم الآخر أن القتل حرام عليه فقتل عليه القصاص وله نصف الدية في مال القاتل؛ لأن قتله تمحض حراما، وإن لم يعلم بالحرمة فعليه الدية في ماله علم بالعفو أو لم يعلم؛ لأنه اشتبه عليه؛ لأن ظنه استند إلى دليل يوجب الاشتباه، وهو القياس على سائر الحقوق المشتركة بين اثنين إذا أبرأ أحدهما لا يبطل حق الآخر فكانت ظنا في موضع الاشتباه فأورث شبهة لسقوط القصاص؛ ولهذا

 

 ج / 9 ص -118-     وإن أشهدا أنه ضربه فلم يزل صاحب فراش حتى مات يقتص وإن اختلفا شاهد القتل في الزمان أو المكان أو فيما وقع به القتل أو قال أحدهما قتله بعصا وقال الآخر لم ندر بماذا قتله بطلت
______
اشتبه على عمر رضي الله عنه مع جلالة قدره في العلم حيث شاور ابن مسعود في ذلك على ما ذكرنا.
قال رحمه الله: "وإن أشهدا أنه ضربه فلم يزل صاحب فراش حتى مات يقتص"؛ لأن الثابت بالبينة كالثابت معاينة، وفي ذلك القصاص على ما عرف والشهادة على قتل العمد يتحقق على هذا الوجه؛ لأنه إذا كان مخطئا لا يحل لهم أن يطلقوه  بل يقولون قصد غيره فأصابه؛ لأن الموت بسبب الضرب إنما يعرف إذا صار بالضرب صاحب فراش وأقام على ذلك حتى مات قال الشارح وتأويله إن أشهدوا أنه ضربه بشيء جارح أقول: قال في الكفاية: إنما أوله لتكون المسألة مجمعا عليها قال في معراج الدراية: الإطلاق في الجامع الصغير إن كان قولهما فهو مجرى على إطلاقه، وإن كان قول الكل فتأويله أن تكون الآلة جارحة قال جمهور الشراح: فإن قيل الشهود شهدوا على الضرب بشيء جارح ولكن الضرب به قد يكون خطأ فكيف يثبت القود مع أنهم لم يشهدوا أنه كان عمدا ؟ قلنا لما شهدوا أنه ضربه، وإنما يشهدون أنه قصد غيره فأصابه وقالوا كذلك ذكره شيخ الإسلام خواهر زاده.
قال رحمه الله: "وإن اختلفا شاهد القتل في الزمان أو المكان أو فيما وقع به القتل أو قال أحدهما قتله بعصا وقال الآخر لم ندر بماذا قتله بطلت"، ولو قال المؤلف، ولو شهد أربعة بقتل واختلفوا في الزمان أو المكان أو فيما وقع به القتل أو قالا قتله بعصا وقال الآخر: لم ندر بماذا قتله بطلت لكان أولى؛ لأنه إذا علم ببطلان شهادة المثنى عند الاختلاف علم بطلان شهادة الفرد من باب أولى؛ لأن القتل لا يتكرر، فالقتل في زمان أو في مكان غير القتل في مكان آخر أو في زمان آخر، وكذا القتل بآلة غير القتل بآلة أخرى وتختلف الأحكام باختلاف الآلة فكان على كل قتل شهادة فرد فلم تقبل؛ ولأن اتفاق الشاهدين شرط للقبول ولم يوجد؛ ولأن القاضي يقضي بكذب أحدهما لاستحالة اجتماع ما ذكرنا فلا تقبل بمثله ,. وكذا لو كمل النصاب في كل واحد منهما لتيقن القاضي بكذب أحد الفريقين دون الآخر حيث يقبل الكامل منهما لعدم المعارض أطلق في المكان، وهو مقيد بالكبير قال شيخ الإسلام خواهر زاده في شرح ديات الأصل أنهما إذا اختلفا في المكان يتسامح متقاربان كبيت صغير فشهد أحدهما أنه رآه قتله في هذا الجانب وشهد الآخر أنه قتله في الجانب الآخر، فإنه تقبل الشهادة استحسانا وكذلك لو اختلفا في الآلة وفي الإسبيجابي كما إذا قال أحدهما قتله بالسيف وقال الآخر قتله بالقصاص وقيدنا بما ذكر؛

 

 ج / 9 ص -119-     وإن شهدا أنه قتله وقالا لا ندري بماذا قتله
______
لأنهما لو اختلفا في القاتل لا تقبل كما سيأتي واعلم بأن الكلام في الآلة على فصول أحدهما أن يتفقا على الآلة بأن شهدا أنه قتله عمدا بالسيف أو قتله بالعصا، فإن شهدا أنه قتله بالسيف إن ذكرا صفة التعمد بأن قالا قتله عمدا بالسيف، فإنه تقبل شهادتهما ويقضى عليه بالقصاص، ولو قالا قتله بالسيف خطأ تقبل شهادتهما ويقضى بالدية على العاقلة، وإن سكتا عن ذكر صفة العمد والخطأ، فهذا وما لو ذكرا صفة العمد سواء، وإن قالا لا ندري قتله عمدا أو خطأ، فإنه تقبل هذه الشهادة ويقضى بالدية في مال القاتل، وهذا الذي ذكرنا أن الشهادة مقبولة جواب الاستحسان والقياس أن لا تقبل هذه الشهادة، وإن شهدا أنه قتله بالعصا إن كان العصا صغيرا لا تقتل مثله غالبا، فإنه تقبل الشهادة ويقضى بالدية عندهم جميعا كما لو ثبت معاينة سواء شهدا بالعمد أو بالخطأ وأطلقا. وإن كان العصا كبيرا تقتل مثله غالبا فعلى قول أبي حنيفة الجواب عنه كالجواب فيما لو شهدوا أنه قتله بالسيف، وأما إذا بين أحدهما الآلة وقال الآخر: لا أدري بماذا قتله؛ فلأن المطلق يغاير المقيد؛ لأنه معدوم والمقيد موجود فاختلفا وكذا أيضا حكمهما مختلف، فإن من قال قتله بعصا يوجب الدية على العاقلة، ومن قال لا أعلم بماذا قتله على القاتل فاختلف المشهود به فبطلت، وهو المراد بقوله وقال أحدهما: قتله بعصا وقال الآخر لم ندر بماذا قتله وكذا لو شهد أحدهما بالقتل معاينة والآخر على إقرار القاتل بذلك كان باطلا لاختلاف المشهود به. فإن شهد أحدهما بالقتل معاينة والآخر على إقرار القاتل بذلك كان باطلا لاختلاف المشهود به، فإن أحدهما فعل يوجب القصاص والآخر الدية.
قال رحمه الله: "وإن شهدا أنه قتله وقالا لا ندري بماذا قتله" يعني بأي شيء قتله وجب عليه الدية في ماله استحسانا والقياس أن لا تقبل هذه الشهادة أصلا؛ لأنهما شهدا بقتل مجهول؛ لأن الآلة إذا تقوم فقد جهل القتل؛ لأن القتل يختلف حكمه باختلاف الآلة فيكون هذا غفلة من الشهود وجه الاستحسان أنهما شهدا بقتل مطلق والمطلق ليس بمجهول لإمكان العمل به فيجب أقل موجبه، وهو الدية فلا يحمل قولهما لا ندري على الغفلة بل يحمل على أنهما سعيا للدرء المندوب إليه في العقوبات استحسانا للظن ومثل ذلك سائغ شرعا؛ لأن الشرع أطلق الكذب في إصلاح  ذات البين على ما قاله عليه الصلاة والسلام
"ليس بكذاب من أصلح بين اثنين فقال خيرا أو أنمى خيرا"1 فهذا مثله أو أحق منه فيحمل عليه فلا يثبت جهلهما أو اختلافهما بالشك، وإنما وجبت الدية في ماله دون العاقلة؛ لأن المطلق يحمل على الكمال فلا يثبت الخطأ بالشك وقال محمد رحمه الله: رجل قتل وله وليان لا وارث له غيرهما فأقام أحدهما، وهو عبد الله بينة على

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه مسلم في "صحيحه" "2606" والترمذي في "سننه" "1938".

 

 ج / 9 ص -120-     ...........................................
______
صاحبه، وهو زيد أنه عمدا وأقام زيد على أجنبي بينة أنه قتله عمدا قبلت البينتان عند أبي حنيفة رحمه الله وعلى الولي المشهود عليه، وهو زيد نصف الدية في ماله لصاحبه وعلى المشهود عليه الأجنبي نصف الدية في ماله لصاحبه، وإن كان القتل خطأ، فعلى عاقلة كل واحد منهما نصف الدية وقال أبو يوسف ومحمد: بينة الابن على أخيه أولى ويقضى له على الأخ المشهود عليه بالقود إن كان عمدا، وإن كان خطأ فله الدية على عاقلته وبطلت بينة الابن المشهود عليه بالقود واختلف المشايخ في الميراث قال بعضهم: الميراث بينهما أرباعا ثلاثة أرباع لعبد الله وربعه لزيد وقال بعضهم: الميراث بينهما نصفان، وهو الأصح. ولو أقام كل واحد منهما البينة على صاحبه أنه قتل أباهما عمدا أو خطأ فعلى قول أبي يوسف ومحمد تهاترت البينتان ولا تجب الدية والميراث بينهما، وأما على قول أبي حنيفة يقضى لكل واحد منهما على صاحبه بنصف الدية إن كان القتل عمدا ويتقاصان، وإن كان خطأ فعلى عاقلة كل منهما الدية، ولو كان البنون ثلاثة فأقام عبد الله على زيد بينة أنه قتل الأب، وأقام محمد وزيد على عبد الله أنه قتل الأب فهنا تقبل البينتان بالاتفاق ولا يجب القصاص على واحد منهم بالاتفاق ثم على قول أبي حنيفة رحمه الله يقضى لكل واحد منهم على صاحبه بثلث الدية في ماله إن كان عمدا وعلى عاقلته إن كان خطأ ويكون الميراث بينهم أثلاثا، وأما على قول أبي يوسف ومحمد يقضى لكل واحد منهم على صاحبه بنصف الدية، ولو أقام عبد الله البينة على زيد وعمرو أنهما قتلا أباهم عمدا أو خطأ وأقام زيد وعمرو البينة على عبد الله أنه قتل أباهم عمدا أو خطأ تهاترت البينتان عندهما وانتصف الوراثة بينهما أثلاثا كما لو لم توجد إقامة البينة فأما على قول أبي حنيفة يقضى لعبد الله على زيد وعمرو بنصف الدية في مالهما إن كان عمدا وعلى عاقلتهما إن كان خطأ ففي مال عبد الله، وإن كان خطأ فعلى عاقلته والميراث يكون نصفه لعبد الله ونصفه لزيد وعمرو. ولو أقام عمرو على زيد البينة أنه قتل أباهم ولم يقم واحد منهما البينة على عبد الله، فإنه يقال لعبد الله ما تقول في هذا، وإنما وجب السؤال لعبد الله؛ لأنه صاحب حق في هذا الدم إذ هو ليس بقاتل فعد هذه المسألة على ثلاثة أوجه إما أن يدعي عبد الله على أحدهما بعينه أو لم يدع على واحد منهما بأن قال لم يقتله واحد منهما أو ادعى عليهما بأن قال هما قتلاه، فإن ادعى القتل على واحد بعينه، وهو عمرو فعلى قياس أبي حنيفة يقضي على عمرو بثلاثة أرباع الدية، ويكون ذلك بينه وبين عبد الله نصفين، فإن كان القتل عمدا ففي مال عمرو، وإن كان خطأ فعلى عاقلة عمرو ويقضى لعمرو على زيد بربع الدية، ويكون ذلك في مال زيد إن كان عمدا، وإن كان خطأ فعلى عاقلته، وأما الميراث فنصفه لعبد الله ونصفه لزيد وعمرو، وأما على قول أبي يوسف ومحمد يقضى لعبد الله على عمرو بالقود إن كان عمدا ويقضى بالدية على عاقلة عمرو إن كان خطأ ويكون ذلك بين عبد الله وزيد نصفين ويكون الميراث بينهما

 

 ج / 9 ص -121-     وإن أقر كل واحد منهم أنه قتله وقال الولي قتلاه جميعا له قتلهما، ولو كان مكان الإقرار شهادة لغت
______
نصفين أيضا، وإن لم يدع عبد الله القتل على واحد منهما بأن قال لم يقتله واحد ففي قياس قول أبي حنيفة يقضى لعمرو على زيد بربع الدية إن كان عمدا ففي ماله، وإن كان خطأ فعلى عاقلته ولا شيء لعبد الله من الدية ويكون الميراث أثلاثا وعند أبي يوسف ومحمد لا يقضى هاهنا بشيء لا بالدية ولا بالقصاص، وإن ادعى القتل عليهما بأن قال قتلتماه فعلى قول أبي حنيفة لا يقضى لعبد الله بشيء من الدية. وأما الميراث فنصفه لعبد الله ونصفه لهما، وأما على قول أبي يوسف ومحمد فقد تهاترت بينة كل واحد منهما على صاحبه ولا بينة لعبد الله على ما يدعي فلا يقضى بشيء من الدية والميراث يكون بينهم أثلاثا، ولو ترك المقتول أخا وابنا فأقام الأخ البينة على الابن أنه قتل الأب، وأقام الابن البينة على الأخ أنه هو الذي قتل الأب كانت بينة الابن أولى بخلاف ما إذا كانا ابنين حيث يقضى هناك بنصف الدية على قول أبي حنيفة وهاهنا بينة الابن أولى ولم يذكر الخلاف، ولو ترك المقتول ابنين وأخا فأقام كل واحد من الابنين البينة على صاحبه بالقتل وصدق الأخ أحدهما أو صدقهما كان التصديق من  الأخ والعدم بمنزلة واحدة، فإن أقام الأخ بينة أنهما قتلاه بعد أن أقام كل واحد من الابنين البينة على صاحبه أنه هو القاتل فعلى قول أبي يوسف مع محمد البينة بينة الأخ ويكون الميراث له ويقتل الابنين إن كان القتل عمدا، وإن كان خطأ فعلى عاقلتهما الدية ولم يذكر قول أبي حنيفة رحمه الله في هذه المسألة وينبغي أن يكون عنده أن لا تقبل بينة الأخ، وإن ترك ثلاث بنين فأقام اثنين منهم على الثالث أنه قتل أباهم وأقام الثالث بينة بذلك على الأجنبي فعلى قول أبي يوسف ومحمد بينة الابنين أولى فيقضي القاضي بالقصاص على الثالث للآخرين إن كان عمدا وبالدية على عاقلته إن كان خطأ. ولا يرث الابن المشهود عليه ويكون الميراث بين الابنين على بينة الثالث فيقضي للاثنين على الثالث بثلثي الدية إن كان عمدا، ففي ماله، وإن كان خطأ فعلى عاقلته ويقضى للثالث على الأجنبي بثلث الدية، ويكون الميراث بينهم أثلاثا وإذا قتل الرجل وترك ثلاثا فأقام الأكبر بينة على الأوسط أنه قتل الأب وأقام الأوسط بينة على الأصغر بذلك وأقام الأصغر بينة على الأجنبي بذلك ففي قياس قول أبي حنيفة رحمه الله يقضى لكل واحد منهم على الذي أقام عليه البينة بثلث الدية، وأما على قول أبي يوسف ومحمد يقضى للأكبر على الأوسط بنصف الدية وللأوسط على الأصغر بنصف الدية ولا يقضى للأصغر على الأجنبي بشيء.
قال رحمه الله: "وإن أقر كل واحد منهم أنه قتله وقال الولي قتلاه جميعا له قتلهما، ولو كان مكان الإقرار شهادة لغت" يعني لو أقر رجلان كل واحد منهما أنه قتل زيدا منفردا فقال الولي قتلاه جميعا له قتلهما، وإن شهد اثنان على رجل أنه قتله وشهد آخران على آخر أنه قتله بطلت

 

 ج / 9 ص -122-     ...........................................
______
الشهادة والفرق بينهما أن كل واحد من الإقرار والشهادة يثبت أن كل القتل وجد من المقر والمشهود عليه ومقتضاه أن يجب القصاص عليه وحده؛ لأن معنى قوله أنا قتلته انفردت بقتله وكذا قول الشهود قتله فلان يوجب انفراده بالقتل وقول الولي قتلهما تكذيب له حيث ادعى اشتراكهما في القتل. فكأنه قال لم يفرد أحدكما بقتله بل شاركه الآخر، وهذا القدر من التكذيب يمنع صحة قبول الشهادة لادعائه فسقهم به دون الإقرار؛ لأن فسق المقر لا يمنع صحة الإقرار، ولو قال في الإقرار صدقتما ليس له أن يقتل واحدا منهما؛ لأن تصديق كل واحد منهما تكذيب للآخر؛ لأن كل واحد منهما يدعي الانفراد بالقتل بتصديقه فوجب ذلك فصار كأنه قال لكل واحد منهما قتلت وحدك ولم يشاركك فيه أحد فيكون مقرا بأن الآخر لم يقتله بخلاف الأول، وهو ما إذا قال قتلتماه تصديق لهما قلنا هو تصديق ضمني والضمني يتسامح فيه ما لا يتسامح في القصدي، وهو قوله صدقتما، ولو أقر رجل أنه قتله وقامت البينة على الآخر أنه قتله وقال الولي: قتله كلاكما كان له أن يقتل المقر دون المشهود عليه؛ لأن فيه تكذيبا لبعض موجبه على ما مر وعلى هذا لو قال لأحد المقرين صدقت أنت قتلت وحدك كان له أن يقتله؛ لأنهما تصادقا على وجوب القتل عليه وحده وكذا إذا قال لأحد المشهود عليهما أنت قتلته كان له أن يقتله لعدم تكذيب المشهود له، وإنما كذب الآخرين وكذلك الحكم في الخطأ في جميع ما ذكرنا وفي الأصل ادعى الولي العمد أو الخطأ وصدق المدعى عليه أو كذب ويدخل فيه اختلاف الشاهدين الأصل إن تعذر استيفاء القصاص بعد ظهور القتل إن كان لمعنى من جهة الولي لا تجب الدية. وإن كان لمعنى من جهة القاتل تجب الدية استحسانا، فإنه يخرج على الأصل الذي قلنا فرع على ما إذا ادعى الولي الخطأ وأقر القاتل بالعمد فقال لو صدق الولي بعد ذلك القاتل وقال إنك قتلته عمدا فله الدية على القاتل بالعمد وعن أبي يوسف في نوادر ابن سماعة إذا ادعى الولي الخطأ وأقر القاتل بالعمد فعلى القاتل الدية وقال محمد رحمهما الله في الزيادات: ادعى رجل على رجلين أنهما قتلا وليه عمدا بحديدة فله عليهما القصاص فقال أحدهما: صدقت وقال الآخر ضربته أنا خطأ بالعصا، فإنه يقضى لولي القتل عليهما بالدية في مالهما في ثلاثة سنين، وهذا الذي ذكرناه استحسان والقياس أن لا يقضى عليهما بشيء، ولو ادعى الولي العمد عليهما وصدقه أحدهما في ذلك وأنكر الآخر القتل فلا شيء على المقر وفي الخانية، ولو ادعى الخطأ عليهما وأقر أحدهما بالعمد وجحد الآخر فلم يقض بشيء، ولو ادعى العمد عليهما فأقر أحدهما وجحد الآخر القتل قتل المقر، ولو أقر أحدهما بالعمد والآخر بالخطأ وأنكر شركة الخاطئ قتل العامد، ولو قال رجل لرجل قتلت أنا وفلان وليك عمدا وقال فلان قتلناه خطأ وقال  الولي للمقر بالعمد أنت قتلته وحدك عمدا، فإن للولي أن يقتل المقر، وإن ادعى الولي الخطأ في هذه الصورة لا يجب شيء. رجل

 

 ج / 9 ص -123-     ...........................................
______
قطع يده ورجله ومات منهما فقال رجل قطعت يده عمدا وفلان قطع رجله ومات من ذلك وقال الولي: لا بل أنت قطعت ذلك كله عمدا، فإن للولي أن يقتله، وإن قال لا أدري من قطع رجله لا يكون له أن يقطع المقر، وإن أزال الولي الجهالة بعد ذلك وقال زفر إذا بين صح بيانه حتى كان له أن يقتل المقر قال مشايخنا، وهذا إذا بين الولي قبل أن يقضي القاضي ببطلان حقه في القصاص قبل المقر حيث قال لا أدري من قطع رجله فأما إذا قضى بذلك ثم بين لا يصح بيانه ولا يكون له أن يقتل المقر وفي نوادر بشر عن أبي يوسف رجل قال لرجل أنا قتلت وليك عمدا فصدقه وقتله ثم جاء آخر وقال أنا الذي قتلته وحدي وصدقه فعليه دية الذي قتله وله على الآخر الدية قال محمد رحمه الله في الزيادات ادعى رجل على رجلين أنهما قتلا وليه عمدا بالسيف وقضى له عليهما بالقصاص فأقر أحدهما بالقتل وأقام آخر شاهدين على الآخر أنه قتله وحده عمدا كان للمدعي أن يقتل المقر مكان العمد وليس له أن يقتل المشهود عليه وبطلت شهادة الشاهدين، ولو كان مكان قتل العمد قتل الخطأ وباقي المسألة بحالها لا شيء على المشهود عليه من الدية وعلى المقر نصف الدية، وإن أقر بالكل وفيها أيضا رجل قتل مقطوع اليدين وادعى وليه أن فلانا قطع يده اليمنى عمدا وفلان قطع يده اليسرى عمدا ومات منهما فقال المدعى عليه: أنا قطعت يده اليسرى عمدا ولا أدري من قطع يده اليمنى إلا أني أعلم أن اليمنى قطعت عمدا ومات من القطع وقال المدعى عليه قطعت اليد اليسرى ومات منها خاصة لا شيء على المقر. ولو قال الولي: قطع فلان يده اليسرى عمدا ولا أدري من قطع اليمنى إلا إني أعلم أن اليمنى قطعت عمدا فمات منهما فلا قود عليه وعليه نصف الدية استحسانا والقياس أن لا يلزمه شيء من الدية وفيها أيضا رجل ادعى على رجل أنه شج وليه موضحة عمدا ومات منها وجحد المدعى عليه ذلك فجاء المدعي بشاهدين فشهدا بالموضحة وبالموت منها كما ادعاه المدعي وشهد الآخر بالموضحة والبرء قبلت شهادتهما على الموضحة وقضى بالقصاص في الموضحة. فمن مشايخنا من قال ما ذكره من الجواب قول أبي يوسف ومحمدا ما على قول أبي حنيفة رحمه الله ينبغي أن لا تقبل هذه الشهادة ولا يقضى بشيء ومنهم من قال لا بل هذا قول الكل، ولو ادعى الموضحة والبرء منها وشهد أحد الشاهدين بالموضحة والبرء والآخر بالسراية لا تقبل الشهادة، ولو ادعى الولي أنه مات منها، وجاء بشاهدين شهد أحدهما كما ادعاه المدعي وشهد الآخر أنه بريء من ذلك قبلت الشهادة على الشجة وقضى بأرشها في مال الجاني وكذلك لو كان الميت عند رجل فادعى مولاه أن الشاج شجه موضحة عمدا ومات منها وأن له عليه القود وجاء بشاهدين فشهد أحدهما كما ادعى المدعي وشهد الآخر أنه برئ منها فالقاضي يقضي بأرش الشجة في مال الجاني والله أعلم.

 

 ج / 9 ص -124-     باب في بيان اعتبار حالة القتل
المعتبر حالة الرمي فتجب الدية بردة المرمي إليه قبل الوصول لا بإسلامه والقيمة بعتقه
______
باب في بيان اعتبار حالة القتل
لما كانت الأحوال صفات لذواتها ذكرها بعد القتل وما يتعلق به
قال رحمه الله: "المعتبر حالة الرمي" في حق الحل والضمان عند ذلك
قال رحمه الله: "فتجب الدية بردة المرمي إليه قبل الوصول" يعني لو رمى رجل رجلا مسلما فارتد المرمي إليه والعياذ بالله قبل وصول السهم إليه ثم وقع به السهم تجب على الرامي الدية وهذا عند الإمام وقالا لا شيء عليه؛ لأن التلف حصل في محل لا عصمة له؛ لأنه بارتداده أسقط تقوم نفسه فصار مبرئا للرامي عن موجبه كما لو أبرأه في هذه الحالة، وللإمام أن الضمان يجب بفعله وهو الرمي؛ لأنه هو الذي يدخل تحت قدرته دون الإصابة ولا فعل له أصلا بعده فيصير قاتلا بالرمي ألا ترى أنه لو رمى إلى صيد وهو مسلم ثم ارتد والعياذ بالله تعالى فأصاب السهم الصيد وهو مرتد فجرحه ومات بالجرح حل أكله وكذلك لو كفر بعد الرمي قبل الإصابة جاز تكفيره وكان القياس أن يجب القصاص لما ذكرنا لكنه سقط بالشبهة قال في النهاية وقولهما إنه بالارتداد صار مبرئا له عن ضمان الجناية غير صحيح لأن اعتقاد المرتد أن الردة لا تبطل التقوم فكيف يصير مبرئا عن ضمان الجناية غير صحيح كذا في الجامع الصغير لقاضي خان والتمرتاشي والمحبوبي.
قال رحمه الله: "لا بإسلامه" أي لا يجب شيء بإسلام المرمي إليه بأن رمى إلى حربي أو مرتد  فأسلم قبل الإصابة ثم أصابه بعدما أسلم وهذا بالإجماع لأن الرمي لم ينعقد موجبا للضمان لعدم تقوم المحل لأن المرتد والحربي لا عصمة لدمهما
قال رحمه الله: "والقيمة بعتقه" يعني لو رمى إلى عبد فأعتقه المولى بعد الرمي قبل الإصابة فأصابه السهم فمات لزم الرامي القيمة عند الإمام وقال محمد له فضل ما بين قيمته مرميا وغير مرمي لأن العتق قطع السراية وإذا انقطعت بقي مجرد الرمي وهي جناية تنتقص بها قيمة المرمي إليه بالإضافة إلى ما قبل الرمي فيجب عليه ذلك حتى لو كانت قيمته ألف درهم قبل الرمي وثمانمائة بعده لزمه مائتان لأن العتق قاطع للسراية ألا ترى أن من قطع يد عبد ثم أعتقه مولاه ثم مات منه لا يجب عليه إلا أرش اليد مع النقصان الذي نقصه القطع إلى العتق وهو بنفس الرمي فصار جانيا عليه لأنه يوجب النقصان ولأبي حنيفة رحمه الله أن الرامي يصير قاتلا له من وقت الرمي وهو مملوك في تلك الحالة بخلاف القطع والجرح لأن كل واحد منهما إتلاف لبعض المحل

 

 ج / 9 ص -125-     ولا يضمن الرامي برجوع شاهد الرجم بعد الرمي وحل الصيد بردة الرامي لا بإسلامه ووجب الجزاء بحله لا بإحرامه
______
والإتلاف يوجب الضمان للمولى لأنه ورد على محل مملوك له ثم إذا سرى لا يوجب شيئا لأنه لو أوجب شيئا لوجب للعبد لا للمولى لانقطاع حق المولى عنه وظهور حقه فيه فيصير النهاية مخالفة للبدية فصار ذلك كتبدل المحل وعند تبدل المحل لا تتبدل السراية فكذا هنا أما الرمي فقبل الإصابة به ليس بإتلاف شيء منه لأنه لا أثر له في المحل. وإنما قلت فيه الرغبات فلا يجب فيه الضمان قبل الاتصال بالمحل وعند الاتصال بالمحل يستند الوجوب إلى وقت الانعقاد فلا تخالف النهاية البداية فتجب قيمته للمولى وقال زفر رحمه الله عليه الدية لأن الرمي إنما صار علة عند الإصابة إذ الإتلاف لا يصير علة من غير تلف يتصل به، ووقت التلف المتلف حر فتجب ديته وأبو يوسف مع أبي حنيفة فيه والفرق له بين هذا وبين ما تقدم من مسألة الارتداد أنه اعترض على الرمي ما يوجب عصمة المحل فيما تقدم، فحصل ذلك بمنزلة الإبراء أما هنا اعترض على الرمي بما يؤكد عصمة المحل وهو الإعتاق فلا تبطل به الجناية.
قال رحمه الله: "ولا يضمن الرامي برجوع شاهد الرجم بعد الرمي" معناه إذا قضى القاضي برجم رجل فرماه رجل ثم رجع أحد الشهود بعد الرمي قبل الإصابة ووقع عليه الحجر فلا شيء على الرامي لما أن المعتبر حالة الرمي وهو مباح الدم.
قال رحمه الله: "وحل الصيد بردة الرامي لا بإسلامه" معناه إذا رمى مسلم صيدا فارتد قبل وقوع السهم بالصيد حل أكله ولو رماه وهو مجوسي فأسلم قبل الوقوع لا يحل لأن المعتبر حالة الرمي في حق الحل والحرمة إذ الرمي هو الذكاة لأنه فعله ويدخل تحت قدرته لا الإصابة فتعتبر الأهلية وعدمها عنده
قال رحمه الله: "ووجب الجزاء بحله لا بإحرامه" أي لو رمى المحرم صيدا فحل قبل الإصابة ثم أصاب وجب عليه الجزاء. وإن رماه وهو حلال فأحرم قبل الإصابة فوقع الصيد وهو محرم لا يجب عليه الجزاء لأن الجزاء يجب بالتعدي، وهو الرمي في حالة الإحرام ووجد ذلك في الأول دون الثاني، والأصل في مسائل هذا الكتاب أن يعتبر وقت الرمي بالاتفاق وإنما عدل أبو يوسف ومحمد عن ذلك فيما إذا رمى إلى مسلم فارتد والعياذ بالله قبل الإصابة باعتبار أنه صار مبرئا له على ما بينا في أول هذا الفصل والله تعالى أعلم بالصواب.