البحر الرائق شرح كنز الدقائق ط احياء التراث

 ج / 9 ص -268-     53- كتاب الوصايا
الوصية تمليك مضاف لما بعد الموت
______
كتاب الوصايا
قال الشراح: إيراد كتاب الوصايا في آخر الكتاب ظاهر المناسبة إذ آخر الأحوال في الآدمي في الدنيا الموت والوصية معاملة وقت الموت أقول: يرد عليه أن كتاب الوصايا ليس بمورود في آخر هذا الكتاب، وإنما المورود في آخره كتاب الخنثى كما ترى نعم إن كثيرا من أصحاب التصانيف أوردوه في آخر كتبهم لكن الكلام في شرح هذا الكتاب، ويمكن الجواب من قبل الشراح حمل الآخر في قولهم في آخر الكتاب على الإضافي فإن آخره الحقيقي، وإن كان كتاب الخنثى إلا أن كتاب الوصايا أيضا آخره بالإضافة إلى ما قبله حيث كان في قرب آخره الحقيقي، ومن هذا ترى القوم يقولون وقع هذا في أوائل كذا أو أواخره فإن صيغة الجمع لا تتمشى في الأول الحقيقي والآخر الحقيقي، وإنما المخلص في ذلك تعميم الأول، والآخر للحقيقي والإضافي، والكلام في الوصية من وجوه
الأول في تفسيرها لغة، والثاني في تفسيرها شرعا والثالث في سبب المشروعية، والرابع في ركنها، والخامس في شرطها، والسادس في صفتها، والسابع في حكمها، والثامن في دليل مشروعيتها أما الوصية في اللغة فهي اسم بمعنى المصدر الذي هو التوصية، ومنه قوله تعالى
{حِينَ الْوَصِيَّةِ} [المائدة: من الآية106] ثم سمي الموصى به وصية. ومنه قوله تعالى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا} [النساء: من الآية12]
وفي الشريعة "الوصية تمليك مضاف لما بعد الموت" بطريق التبرع سواء كانت ذلك في الأعيان أو في المنافع كذا في عامة الشروح أقول: وهذا التعريف ليس بجامع لأنه لا يشمل حقوق الله تعالى، والدين الذي في ذمته، ولو قال المؤلف هي طلب براءة ذمته من حقوق الله تعالى والعباد ما لم يصلهما أو تمليك إلى آخره لكان أولى لا يقال إدخال أو في الحدود لا

 

 ج / 9 ص -269-     ...........................................
______
يجوز لأن الحدود الحقيقية ولا تعدد فيها لأنا نقول إذا أريد تعريف الحقيقة في ضمن الأفراد جاز ذلك كما تقرر قال بعض المتأخرين ثم الوصية، والتوصية، وكذا الإيصاء في اللغة طلب فعل من غيره ليفعله في غيبته حال حياته أو بعد وفاته، وفي الشريعة تمليك مضاف إلى ما بعد الموت على سبيل التبرع عينا كان أو منفعة هذا هو التعريف المذكور في عامة الكتب، وذكر في الإيضاح أن الوصية هي ما أوجبه الإنسان في ماله بعد موته أو في مرض موته والوصية بهذا المعنى هي المحكوم عليها بأنها مستحبة غير واجبة، وأن القياس يأبى جوازها فعلى هذا يكون بعض المسائل مثل مسألة حقوق الله تعالى وحقوق العباد، والمسائل المتعلقة بالوصي مذكورة في كتاب الوصايا بطريق التطفل لكن التحقيق أن هذه الألفاظ كما أنها موضوعة في الشرع للمعنى المذكور موضوعة فيه أيضا لطلب شيء من غيره ليفعله بعد مماته فقد نقل هذا عن شيخ الإسلام خواهر زاده لكن يشترط استعمال لفظ الإيصاء باللام في المعنى الأول. وبإلى في المعنى الثاني فحينئذ يكون ذكر المسائل المذكورة على أنها من فروع المعنى الثاني لا على سبيل التطفل إلى هنا لفظه ثم إن سبب الوصية سبب سائر التبرعات، وهو إرادة تحصيل الذكر الحسن في الدنيا ووصول الدرجات العالية في العقبى. وأما شرائطها فكون الموصي أهلا للتبرع، وأن لا يكون مديونا، وكون الموصى له حيا وقت الوصية، وإن لم يكن مولودا حتى إذا أوصى للجنين إذا كان موجودا حيا عند الوصية تصح، وإلا فلا، وإنما تعرف حياته في ذلك الوقت بأن ولدته قبل ستة أشهر حيا، وكونه أجنبيا حتى أن الوصية للوارث لا تجوز إلا بإجازة الورثة، وأن لا يكون قاتلا، وكون الموصى به شيئا قابلا للتمليك من الغير بعقد من العقود حال حياة الموصي سواء كان موجودا في الحال أو معدوما، وأن يكون أيضا الموصى به بقدر الثلث حتى أنها لا تصح فيما زاد على الثلث كذا في النهاية، وفي العناية أيضا بطريق الإجمال، وفي الأصل، ومن شروطها كون الموصي أهلا للتبرع فلا تصح من صبي ولا عبد، وأقول: فيه قصور بلا خلل
أما أولا فلأنه جعل من شرائطها أن لا يكون الموصي مديونا بدون التقييد بأن يكون الدين مستغرقا لتركته، والشرط عدم هذا الدين المقيد لا عدم الدين المطلق كما صرح به في البدائع غيره.
وأما ثانيا فلأنه جعل من شرائطها كون الموصى له حيا وقت الوصية، والشرط كونه موجودا وقت الوصية لا كونه حيا ألا ترى أنهم جعلوا الدليل عليه الولادة قبل ستة أشهر حيا، وتلك إنما تدل على وجود الجنين وقت الوصية لا على حياته في ذلك الوقت كما لا يخفى على العارف بأحوال الجنين في الرحم، وبأقل مدة الحمل، وعن هذا كان المذكور في عامة المعتبرات عند بيان هذا الشرط أن يكون الموصى له موجودا وقت الوصية بدون ذكر قيد الحياة أصلا،

 

 ج / 9 ص -270-     وهي مستحبة
______
وأما ثالثا فلأنه جعل من شرائطها أن يكون الموصى به مقدار الثلث لا زائدا عليه، وهو ليس بسديد على إطلاقه فإن الموصي إذا ترك ورثة فإنما لا تصح وصيته بما زاد على الثلث إن لم تجز الورثة، وإن أجازوه صحت وصيته به، وأما إذا لم يترك وارثا فتصح وصيته بما زاد على الثلث حتى بجميع ماله عندنا كما تقرر في موضعه فلا بد من التقييد مرتين مرة بأن يكون له وارث، وأخرى بأن لا يجيزه الوارث، والله أعلم.
وأما ركنها فقوله أوصيت بكذا، وأما صفتها فقد ذكرها المؤلف، وأما حكمها فالموصى له يملك المال بالقبض، وأما سبب مشروعيتها فقوله تعالى
{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: من الآية12].
قال رحمه الله: "وهي مستحبة" يعني الوصية مستحبة أقول: الحكم بالاستحباب على الوصية مطلقا لا يناسب ما سيأتي من التفصيل في الكتاب من أن الوصية بالثلث للأجنبي جائزة بدون الثلث مستحبة إن كانت الورثة أغنياء أو يستغنون بنصيبهم. وإن كانوا فقراء لا يستغنون بما يرثون فترك الوصية أولى، وأنها لا تجوز للوارث والقاتل فكان الظاهر أن يقال الوصية غير واجبة بل هي مستحبة أو جائزة اللهم إلا أن يوجبه قوله وهي مستحبة بأن المراد به أن غاية أمرها الاستحباب دون الوجوب لا أنها مستحبة على الإطلاق فكأنه قال إنها لا تصل إلى مرتبة الوجوب بل قصارى أمرها الاستحباب لكن يرد عليه النقض بالوصية لحقوق الله تعالى كالصلاة والزكاة والصوم والحج التي فرط فيها، والظاهر أنها واجبة كما صرح به الإمام الزيلعي في التبيين قال في العناية أخذا من النهاية فقوله غير واجبة رد لقول من يقول أن الوصية للوالدين والأقربين إذا كانوا ممن لا يرثون فرض، ولقول من يقول الوصية واجبة على كل أحد ممن له مروءة ويسار لقوله تعالى
{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [البقرة: من الآية180] والمكتوب علينا فرض، ولما لم يفهم الاستحباب من نفي الوجوب لجواز الإباحة قال الشارح هذا إذا لم يكن عليه حق مستحق لله، وإن كان عليه حق مستحق لله كالزكاة، والصوم أو الحج أو الصلاة التي فرط فيها فهي واجبة، والقياس يأبى جوازها لأنها تمليك مضاف إلى حال زوال الملك، ولو أضافه إلى حال قيامه بأن قال ملكتك غدا كان باطلا فهذا أولى إلا أن الشارع أجازه لحاجة الناس إليها لأن الإنسان مغرور بأمله مقصر في عمله فإذا عرض له عارض، وخاف الهلاك يحتاج إلى تلافي ما فاته من التقصير بماله على وجه لو تحقق ما كان مخالفة يحصل مقصوده. وقد يبقى الملك بعد الموت باعتبار الحاجة كما يبقى في قدر التجهيز والدين، وقد نطق بها الكتاب، وهو قوله تعالى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ}

 

 ج / 9 ص -271-     ولا تصح بما زاد على الثلث
______
[النساء: 12]. والسنة، وهو قوله عليه الصلاة والسلام
"إن الله قد تصدق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم زيادة في حسناتكم ليجعلها لكم زيادة في أعمالكم"1، وعليه إجماع الأمة ثم تصح الوصية للأجنبي بالثلث من غير إجازة الوارث ولا تجوز بما زاد على الثلث لما روي عن سعد بن أبي وقاص أنه قال جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني من  وجع اشتد بي فقلت: يا رسول الله قد بلغ بي من الوجع ما ترى، وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي أفأتصدق بثلثي مالي قال: "لا" قال قلت: فالشطر يا رسول الله قال: "لا" قال قلت: فالثلث قال: "فالثلث، والثلث كثير إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير لك من أن تذرهم عالة يتكففون الناس"2، ولأن حق الورثة تعلق بماله لانعقاد سبب الزوال إليهم، وهو استغناؤهم عن المال إلا أن الشرع لم يظهر في حق الأجانب بقدر الثلث ليتدارك تقصيره، وأظهره في حق الورثة لأن الظاهر أنه لا يتصدق به عليهم تحرزا عما يتفق لهم من التأذي بالإيثار، وقد جاء في الحديث أنه عليه الصلاة والسلام قال "الحيف في الوصية من أكبر الكبائر"3، وفسروه بالزيادة على الثلث، وبالوصية للوارث، وقوله مستحبة إلخ الأفضل لمن كان قليل المال أن لا يوصي بشيء، والأفضل لمن كان له مال كثير أن يوصي بما لا معصية فيه. وقدر الأغنياء عند الإمام إذا ترك لكل واحد من الورثة أربعة آلاف دون الوصية، وعن الإمام الفضل عشرة آلاف، وفي الموصي الذي أراد أن يوصي ينبغي أن يبدأ بالواجبات فإن لم يكن عليه شيء من الواجبات بدأ بالقرابة فإن كانوا أغنياء فالجيران،
وفي الفتاوى عامل السلطان أوصى بأن يعطى للفقراء كذا كذا من ماله قال أبو القاسم إن علم بأنه مال غيره لا يحل أخذه، وإن علم أنه مختلط بمال غيره جاز أخذه، وإن لم يعلم لا يجوز حتى يتبين أنه ماله قال الفقيه أبو الليث الجواز قول أبي حنيفة لأنه ملكه بالخلط، وعلى قولهما لا يجوز، وفي الخانية إذا أوصى أن ينفق على فرس فلان جاز، وهي وصية لصاحب الفرس.
قال رحمه الله: "ولا تصح بما زاد على الثلث" فهذه العبارة أولى من عبارة الهداية حيث قال ولا تجوز لأنه يلزم من عدم الصحة عدم الجواز ولا يلزم من عدم الجواز عدم الصحة، والمراد بعدم الصحة عدم النفاذ حتى لا ينفذ بل يتوقف على الإجازة كما سيأتي إن شاء الله تعالى قال بعض المتأخرين يعني لا يجوز بما زاد على الثلث حتى لا يجوز في حق الفاضل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه ابن ماجة في الوصايا 2709، وأحمد في مسنده 26936.
2 تقدم تخريجه.
3 ذكره الززيلعي غي "نصب الراية 4/401، وقال غريب.

 

 ج / 9 ص -272-     ...........................................
______
على الثلث بل في حق الثلث فقط لا أنه لا تجوز هذه الوصية أصلا فإن قلت: كيف جاز استعمال اللفظ في بعض مدلولاته دون بعض، وبأي وجه أمكن ذلك قلت: يجعله في حكم وصايا متعددة بأن يجعل قوله أوصيت لفلان بثلثي مالي في قوة قوله أوصيت له بثلثه دون الزائد والوصية تارة تكون منجزة. وتارة معلقة بشرط فيجب أن يعلم بأن تعلق الوصية بالشرط جائز، وفي نوادر بشر عن أبي يوسف في الإملاء إذا أوصى بثلثه لرجل على أن يحج عنه فهذا جائز إن قبل ذلك الموصى له
ابن سماعة عن أبي يوسف إذا قال في وصيته ينفق على فلان كذا، والموصى له غائب أو مات الموصي، وهو غائب فهو بمنزلة رد الوصية ولا شيء له، وكذلك إن قدم فلم يقبل، وإن قدم، وقبل فله ما مضى قال أبو يوسف رجل أوصى بثلث ماله لرجل، وقال إن أبى فهو لفلان فمات الموصى له الأول أو لم يأب فالثلث للأول، ولو أبى كان للآخر، ولو قال ثلثي وصية لفلان فإن لم يشأ ذلك فلفلان فهو مثل الأول، ولو قال ثلثي وصية لفلان إن شاء، وإن أبى فهو لفلان فمات الموصى له قبل أن يتكلم بشيء فالثلث مردود على الورثة
ابن سماعة عن محمد رجل أوصى لرجل بوصية، وقال إن لم يقبل فلان ما أوصيت له به أو قال إن رد فلان ما أوصيت به فهو لفلان فإذا الموصى له الأول حيا أو كان حيا فمات قبل الموصي، ولم يعلم بالوصية قال هي للثاني كلها قال إن أسلمت جاريتي هذه فأعتقوها فباعوها قبل أن تسلم ثم أسلمت بعد مضي البيع صح ولا ترد قال أبو حنيفة إذا قال أوصيت أن يخدم عبدي فلانا سنة ثم هو لفلان فقال فلان لا أقبل الوصية قال يخدم الورثة سنة ثم الموصى له ولا تبطل وصيته للثاني بإباء الأول الخدمة قال أعطوه فلانا بعد السنة فإن مات فلان خدم تمام السنة للورثة ثم يدفع إلى الموصى له بعد تمام السنة. وقال أبو حنيفة هذه وصية فيها يمين، وليست المسألة الأولى كهذه
إبراهيم بن رستم عن محمد قال أرضي التي في موضع كذا، وغلامي فلان لأم ولده فيصير ميراثا منها
ابن سماعة عن أبي يوسف أوصى أن ينفق على أم ولده ما قامت على ولدها، وقال إن تزوجت فلا شيء لها فتزوجت، وطلقها زوجها فرجعت إلى ولدها لم يرد عليها ما كان أوصى به لها، وقد بطل، وكذلك إن خرجت من بلادها إلى بلاد أخرى، ولو خرجت من دارها أو جاء منها شيء يعرف أنها قد تركتهم، ولم تقم عليهم فلا هذه الدار لك على أن تحج في سبيل الله أو قال هذه الدابة لك على أن تغزوا عليها في سبيل الله قال هي له، وله أن يصنع بها ما

 

 ج / 9 ص -273-     ...........................................
______
شاء عن أبي يوسف رجل أوصى بثلث ماله  لرجل، وشرط عليه أن يقضي دينه معناه شرط الموصي على الموصى له أن يقضي دين الموصي فهذا على وجوه إن كان الدين مجهولا أو كان معلوما إلا أن الثلث مجهول فالوصية باطلة، وإن كان الدين معلوما، والثلث معلوما فإن لم يكن في الثلث ذهب ولا فضة فهو جائز، ويجب له الثلث بالدين إذا قبل كما يجب في البيع، وإن كان في الثلث دراهم إن كان أكثر من الدين فإن هذا لا يجوز من قبيل أن هذا بيع دراهم بدراهم، وفضل عروض سوى ذلك، وإن كانت الدراهم التي في الثلث أقل من الدين جاز فإن قبض الثلث ساعة يموت أو قبض الدراهم التي في الثلث ساعة يموت، وقضى الدين ساعته انتقص ذلك في الدراهم ما يخصه. وجاز في العروض
أوصى بألف درهم على أن يقضي عنه فلانا خمسمائة لا يجوز، ولو قال على أن يقضي عنه فلانا منها خمسمائة جاز العلاء في نوادر هشام عن أبي يوسف إذا قال إذا مت، وهذان العبدان في ملكي فهما وصية لفلان فمات أحد العبدين ثم مات الموصي، والثاني في ملكه فالوصية باطلة، ولو قال إن مت وفلان وفلان حيان فهذا العبد وصية لهما فمات أحدهما قبل موت الموصي فإن الثاني منهما يعطى نصف العبد قال وإذا أوصى رجل لأمته أن تعتق على أن تتزوج ثم مات الموصي فقالت الأمة لا أتزوج فإنها تعتق، ويجب أن يعلم بأن الموصي متى علق عتق مملوكه بشيء بعد موته فإنه لا يخلو من وجهين أن يعلقه على فعل غير مؤقت بأن قال هي حرة إن ثبتت على الإسلام بعد موتي أو أوصى أن يعتقوها بعد موته على أن لا تتزوج أو قال هي حرة بعد موتي إن لم تتزوج أو علق عتقه على فعل مؤقت بأن قال إن مكثت مع ولدي شهرا فهي حرة أو قال أعتقوه إن لم يتزوج شهرا فإن علق عتقه بالثبات على فعل غير مؤقت حال حياته بأن قال لمملوكه حال حياته إن ثبت مع ولدي أو في هذه الدار شهرا فأنت حرة فثبتت ساعة عتقت، وكذا إذا علق عتقه بالثبات على فعل غير مؤقت بأن أوصى بأن يعتقوها على أن لا تتزوج أو قال إن لم تتزوج إذا قالت بعد موت المولى لا أتزوج فإنها تعتق إذا كانت تخرج من ثلث ماله هكذا وقع في بعض النسخ. وفي بعض النسخ إذا لم تتزوج يوما أو أقل أو أكثر فإن الوصية لها صحيحة فإن تزوجت بعد ذلك صح نكاحها ولا يبطل عتقها، ووصيتها ولا يلزمها السعاية في شيء للورثة، وهذا قول علمائنا الثلاثة قال أوصى لأم ولده بألف درهم على أن تتزوج أو قال إن لم تتزوج إن قالت لا أتزوج بعد موت الموصي فإنه يعطي لها وصيتها فإن تزوجت بعد ذلك لا يسترد الألف منها، ولو قال ما لم تتزوج شهرا فهو على ما قال لا تستحق وصيتها ما لم تترك التزوج شهرا، وإذا تزوجت قبل مضي الشهر تبطل وصيتها أوصى لها بألف درهم على أن تثبت مع ولدها فمكثت مع ولدها ساعة

 

 ج / 9 ص -274-     ...........................................
______
استحقت الوصية قال وإذا أوصى لرجل بخادمه على أن يقيم مع ابنته، ومع ابنه حتى يستغنيا ثم هي حرة فهذا على وجهين فإما كانا كبيرين أو كانا صغيرين فإن كانا كبيرين فإنها تخدم الابنة حتى تتزوج، وتخدم الابن حتى يتأهل أو يجد ما يشتري به خادما يخدمه فيستغني عن خدمتها، وإن كانا صغيرين تخدمهما حتى يبلغا، وإن مات أحدهما أو ماتا جميعا قبل أن يستغنيا فإن الجارية لا تعتق، وتبطل الوصية قال إذا أوصى لها بالعتق على أن تتزوج فلانا بعينه فقالت أفعل تعتق من ثلثه، وبعد هذا إذا أبت أن تزوج نفسها من فلان، وفلان أجنبي لا شيء عليها قال ولو أوصى بعتق عبد له على أن لا يفارق وارثه أبدا، وعليه دين يحيط به وبطلت وصيته وبيع في الدين. ولم يتعرض المؤلف لبيان ما يدخل في الوصية بطريق التبع وما لا يدخل قال محمد الولد والكسب إذا ولدا قبل موت الموصي فإنهما لا يدخلان تحت الوصية سواء كانا يخرجان من الثلث أو لا يخرجان فأما إذا حدث الولد، والكسب بعد موت الموصي إن حدثا يوم القسمة والتسليم لا يدخلان تحت الوصية ولا يسلمان للموصى له بحكم الوصية حتى لا يعتبر فيها الثلث والثلثان فأما إذا حدث الولد، والكسب قبل قبول الموصى له قبل القسمة والتسليم هل يصير موصى به حتى يعتبر خروجه من الثلث أو لا يجعل موصى به حتى لا يكون للموصى له من غير اعتبار الثلث لم يذكر محمد هذا في شيء من الكتب نصا، وقد اختلف فيه المشايخ المتأخرون ذكر القدوري أنه لا يصير موصى به حتى لا يعتبر خروجه من الثلث، وكان للموصى له من جميع المال كما لو حدث بعد القسمة والتسليم، ومشايخنا قالوا بأنه يصير موصى به حتى لا يعتبر خروجه من الثلث كما لو وجد قبل القبول،
وفي نوادر إبراهيم عن محمد فيمن أوصى لرجل بحائط فهو بأرضه  كله وصية، ولو أوصى بنخلة فهو على النخلة دون الأرض قال إنما تسمى نخلة، وهي مقطوعة، وهذا في عرفهم، وفي عرفنا تسمى نخلة، وهي قائمة أيضا فعليه تدخل أرضها،
وفي نوادر المعلى عن أبي يوسف أوصى لرجل بنخل كثير أو نخلة واحدة أو وهب أو تصدق أو باع فله ما على ظهر الأرض، ولو أوصى له بكرم أو بستان أو جمة فله ذلك بأصله ولا يشبهه هذه النخلة، وذكر المعلى عن أبي يوسف إذا أوصى بنخلة لإنسان، ولآخر بثمرها فالوصية جائزة، والنخل للموصى له بالنخل بأصله وأرضه،
وفي نوادر ابن سماعة عن محمد إذا أوصى بزق زيت فهو على الزق دون الزيت، ولو قال بزق الزيت فهو على الزق وحده، ولو بسفينة الطعام فهو على السفينة. وكذلك على هذه الوجوه في رواية الماء، وقوصرة التمر، ولو أوصى لأحد بميزان فهو على العمود والكفتين

 

 ج / 9 ص -275-     ...........................................
______
والخيوط ولا يدخل فيه السنجات والغلاف، وهذا إذا كان بغير عينه، وأما إذا كان بعينه دخل فيه، وقال أبو يوسف إذا أوصى لرجل بالميزان فله الكفتان، والعمود ولا يكون له السنجات، وأما القبان فهو له برمانته وكفته، وذكر الحسن بن زياد في كتاب الاختلاف عن أبي يوسف إذا أوصى لرجل بسيف فله النصل دون الجفن، وهو قول أبي حنيفة، وعنه أن له السيف مع جفنه، ورواية ابن سماعة موافقة لرواية الأصل، ولو أوصى بمصحف وله غلاف فله المصحف دون الغلاف في قول أبي حنيفة، وفي البقالي له بقبة تركية فهو له بالآله فلو أوصى بخملة فله الكسوة دون العيدان، وفيه أيضا عن أبي يوسف أوصى لرجل بسرج فكل شيء علق به وحرز فيه فهو له ولا يكون له غيره، وذكر الحسن في كتاب الاختلاف عن أبي يوسف في الوصية بالسرج أن له الدوفتين والركابين والمرة لا يكون لليد والرفادة والصنقة، وذكر إبراهيم عن محمد في رجل مات فأعتق عبده قال له كسوته ومنطقته، وإن قال متاعه يدخل فيه سيفه ومنطقته قال محمد هي وصية عبد الله بن المبارك لغلامه، وفي نوادر بشر عن أبي يوسف أوصى لرجل بشاة من غنمه ولم يقل من غنمي هذه فأعطى الورثة الموصى له شاة قد ولدت بعد موت الموصي قال لا يتبعها ولدها، ولو قال أوصيت لفلان بشاة من غنمي هذه فأعطوه شاة قد ولدت بعد موت الموصي ولدا قال يتبعها ولدها، ولو استهلك الوارث الولد قبل أن يعطي الشاة فلا ضمان عليه، وكذلك لو أوصى له بنخلة بأصلها، ولم يقل من نخلي هذا فهي مثل الشاة التي أوصى بها، ويعطونه أي نخلة شاءوا دون ثمرتها التي أثمرتها في حياة الموصي أو بعد وفاته، وإن كانوا استهلكوا ذلك فلا ضمان عليهم، ومما يتصل بهذا الفصل ما إذا أوصى أن تعتق جاريته هذه بعد موته ومات فقبل أن تعتق ولدت ولدا فهي مع ولدها يخرجان من الثلث عتقت الجارية، ولم يعتق الولد، وكذا لو أوصى بأن تكاتب هذه الجارية بعد موته أو أوصى أن تباع هي من نفسها أو تعتق على مال فولدت ولدا بعد موت الموصي لا تنفذ الوصية في الولد، ولو أوصى أن يتصدق بجاريته هذه على المساكين أو على فلان أو توهب من فلان فولدت ولدا بعد موته فتنفذ الوصية في الولد كما تنفذ في الجارية، ولو أوصى بأن تباع جاريته هذه من فلان بألف درهم فولدت ولدا بعد موت الموصي بيعت هي ولا يباع ولدها، ولو أوصى بأن تباع جاريته هذه، ويتصدق بثمنها على المساكين أو على فلان فولدت الجارية بعد موته ولدا فإنه تنفذ الوصية في الولد، ولو أوصى بأن تباع جاريته هذه من فلان بألف درهم فجاء عبد وقتلها فدفع بها أو قطع يدها فدفع بيدها أو وطئها وطئا بشبهة حتى غرم العقر فإنه لا يباع العبد المدفوع ولا الأرش ولا العقر فبعد ذلك ينظر إن كانت قد قتلت بطلت الوصية لفقدان محلها، وإن كانت قد قطعت يدها بيعت من الموصى له بنصف الثمن إن شاء، ولو وطئت، وهي ثيب لم ينقصها الوطء لا يحط

 

 ج / 9 ص -276-     ...........................................
______
شيء من الثمن، وكذلك إذا تلفت عينها أو يدها بآفة سماوية بيعت بجميع الثمن المشترى إلا إذا صارت إليه أصلا فصار له حصته من الثمن، ولو أوصى بأن تباع جاريته هذه من فلان بألف درهم، ويتصدق بثمنها على المساكين فأبى فلان البيع بطلت الوصيتان جميعا، وكذلك لو قتلت الجارية بعد موت الموصي، وغرم القاتل قيمتها بطلت الوصيتان، وكذلك إذا أوصى أن تكاتب جاريته، ويتصدق ببدل الكتابة أو تباع من نفسها، ويتصدق بثمنها على المساكين فولدت بعد موته ولدا بيعت هي وحدها، ولم يبع معها ولدها. وأما بيان الألفاظ التي تكون وصية، والتي لا تكون وصية روى ابن سماعة في نوادره عن محمد إذا قال الرجل اشهدوا أني أوصيت  لفلان بألف درهم، وأوصيت أن لفلان في مالي ألف درهم فالألف الأولى وصية، والأخرى إقرار، والفرق أن أوصيت لما دخلت على أن المصدرية تستعمل بمعنى ذكرت، ولهذا كان إقرارا بخلاف الأولى فإنها على بابها. وفي الأصل إذا قال في وصيته سدس داري لفلان وإني أجيز ذلك يكون وصية، ولو قال سدس في داري لفلان وإني أجيز ذلك يكون وصية، ولو قال لفلان سدس في داري فإنه يكون إقرارا، وعلى هذا إذا قال الرجل لفلان درهم من مالي يكون وصية استحسانا، وإن كان في ذكر وصيته إذا قال في مالي كان إقرارا، وإذا قال عبدي هذا لفلان، وداري هذه لفلان، ولم يقل وصية ولا كان في ذكر وصية ولا بعد موتي كانت هبة قياسا واستحسانا، وإن قبضها في حال حياته صح، وإن لم يقبضها حتى مات فهو باطل، وإن ذكرها في خلال الوصية ذكر الشيخ الإمام الزاهد أحمد الطواويسي في شرح وصايا الأصل القياس أن يكون هذا وصية، وفي الاستحسان لا يكون وصية، وإذا قال أوصيت أن يوهب لفلان سدس داري بعد موتي كان ذلك وصية عملا بقوله بعد موتي فالهبة بعد الموت هي الوصية فتصح مع الشيوع ولا يشترط قبضه في حياة الموصي، ولو قال ثلثي مالي لفلان أو قال سدس مالي لفلان ثم مات قبل أن يقبض فالقياس أن يكون هذا باطلا، وفي الاستحسان يكون وصية جائزة، وتأويله إذا قال ذلك في خلال الوصايا يكون وصية ظاهرة فصار كأنه قال ثلث مالي وصية لفلان، ولو قال هكذا فإنه جائز، وإن كان قبل القبض، وكذلك إذا قال بعد موتي لأنه لما قال بعد موتي فإنه نص على الوصية بخلاف ما إذا قال في صحته ثلث مالي لفلان لأنه لم يصرح بالوصية ولا ذكرها في خلال الوصايا ولا إضافة إلى ما بعد الموت فلا يجعل وصية بل يجعل هبة حتى لو ذكرها في خلال الوصايا أو إضافة إلى ما بعد الموت، وكان ذلك في حال الصحة يكون وصية.
والحاصل لا فرق بين حالة الصحة وحالة المرض، وروى محمد عن أبي يوسف، وعن أبي حنيفة في رجل قال في مرضه أو في صحته إن حدث لي حادث فلفلان كذا هذا وصية،

 

 ج / 9 ص -277-     ...........................................
______
وكذلك لو قال لفلان ألف درهم من ثلثي فهذا وصية، وإن لم يذكر فيها الموت، ولو قال لفلان ألف درهم من ثلث مالي أو قال من نصف مالي أو قال من ربع مالي فهو باطل، وفي الخانية قال ذلك في صحته أو مرضه إلا أن يكون عند ذكر الوصية، وفي فتاوى الليث مريض قال أخرجوا ألف درهم من مالي أو قال أخرجوا ألف درهم، ولم يزد على هذا ثم مات فإن قال ذلك في ذكر الوصية جاز، وفي الخانية، ويصرف إلى الفقراء
رجل حضرته الوفاة فقال له رجل ألا توصي فقال قد أوصيت بثلث مالي، ولم يزد عليه حتى مات يدفع كل السدس للفقراء، وفي الخانية مريض قالوا له لم لا توصي فقال قد أوصيت بأن يخرج من ثلث مالي ألفان فيتصدق بألف على المساكين، ولم يزد على ذلك حتى مات فإذا ثلث ماله ألفان قال الشيخ الإمام أبو القاسم يتصدق بالألف، ولو قال المريض أوصيت أن يخرج ثلث مالي، ولم يزد عليه قال يتصدق بجميع الثلث على الفقراء، وفي المنتقى إذا قال إن مت من مرضي هذا فأمتي هذه حرة وما كان في يدها فهو عليها صدقة قال أرى ذلك جائزا على وجه الصدقة وما كان في يدها يوم مات، وعليه البينة أن هذا كان في يدها يوم مات، ولو قال إن مت من مرضي هذا فغلماني أحرار، ويعطى فلان من مالي كذا وكذا، ويحج عني ثم برئ من مرضه ثم مرض ثانيا، وقال للشهود الذين أشهدهم على الوصية الأولى أو لغيرهم اشهدوا أني على الوصية الأولى. قال محمد أما في القياس هذا باطل لأنه قد بطلت وصيته الأولى حين صح من مرضه ذلك لكنا نستحسن فنجيز ذلك منه، ويتحاصون في الثلث، وعلى هذا القياس، والاستحسان إذا قال أوصيت لعبد ابنه بمائة درهم، وللمساكين بمائة درهم ثم قال إن مت من مرضي هذا فغلماني أحرار ثم برئ ثم مرض ثانيا ولو قال إن لم أبرأ من مرضي، وزاد في فتاوى الفضلي أو قال بالفارسية الدين الدين يتمارى من أبدا يا رين يتمارى ممن مر فحينئذ إذا برئ تبطل وصيته،
وفي الظهيرية ومجموع النوازل رجل قال لآخر في وصيته بالفارسية يتمارى دارد في ربدان مرابصين من فقد جعله وصيا في تركته، وكذا لو قال معدهم وممر يأمرهم وما يجري مجراه، ولو قال المريض عمر كان من وريد من تحول بعد أن مات أو قال مرور بدان من أصابع فمات قال يصير وصية، امرأة أوصت بأشياء، وقال في ذلك حر لسان من أما وكان بها هندان قال من هل تصح هذه الوصية وماذا يعطي قال هذه وصية لمن ليس هو من جملة أربابها، والتقدير في هذا ذلك  لما يخاطبه بذلك يعطي مالها أقرباؤها، وقد يبطل اسم التذكرة الخانية مريض أوصى بوصايا ثم برئ من مرضه ذلك، وعاش سنين ثم مرض فوصاياه ثابتة إن لم يقل إن مت من مرضي هذا أو قال إن لم أبرأ من مرضي هذا فقد أوصيت بكذا أو قال

 

 ج / 9 ص -278-     ...........................................
______
بالفارسية الدمن أرين سماري غير من فحينئذ إذا برئ بطلت وصيته، ولو قال أبرأت غرمائي، ولم يسمهم، ولم ينو أحدا منهم بقلبه. قال أبو القاسم روى ابن مقاتل عن أصحابنا أنهم لا يبرئون رجلا له دين على رجل فقال المديون إذا مت فأنت بريء من ذلك الدين قال أبو القاسم يجوز، ويكون وصية من الطالب للمطلوب، وفي النوازل سئل عن رجل كان له على رجل دين فقال له الطالب إذا مت فأنت بريء من ذلك الدين قال يجوز، وتكون وصية من الطالب للمطلوب إذا مات، وإذا قال إن مت فأنت بريء من ذلك الدين قال لا يبرأ، وهو مخاطرة، وهو بمنزلة قوله إن دخلت الدار فأنت بريء مما عليك، وفي المنتقى إذا قال الرجل ضعوا ثلثي حيث أمر الله تعالى يرد إلى الورثة، وفي الخلاصة، ولو قال ثلث مالي حيثما يرى الناس أو حيثما يرى المسلمون قيل في عرفنا ليست بوصية، وفي العيون إذا قال انظروا إلى كل ما يجوز لي أن يوصى به فأعطوه فهذا على الثلث، ولو قال انظروا ما يجوز لي أن أوصي به فأعطوه فالأمر إلى الورثة لأنه يجوز أن يوصي بدرهم وبأكثر، وقوله ما يجوز لي كذا ذكرهما هاهنا، ومراده إذا كانت الورثة كبارا كلهم أما إذا كان فيهم صغير أو من في معناه يجعل في حقه كان الموصي أوصى بدرهم لا غير لأنه هو المتيقن، وسئل أبو نصر عمن قال ادفعوا هذه الدراهم أو هذه الثياب إلى فلان، ولم يقل هي له قال إن هذا باطل لأن هذا ليس بوصية، وسئل أبو نصر الدبوسي عمن قال في وصيته ثلث مالي وقف، ولم يزد على هذا. قال إن كان ماله نقدا يعني دراهم أو دنانير وما أشبه ذلك فهذا القول منه باطل، وصار كقوله هذه الدراهم وقف، وإن كان ماله ضياعا أو نحوه صار وقفا على الفقراء، وفي الظهيرية، وقد قيل الفتوى على أنه لا يجوز ما لم يبين جهة الوقف، ولو أوصى رجل أن ما وجد مكتوبا من وصية والدي، ولم أكن نفذتها تنفذ أو أقر بذلك على نفسه إقرارا في مرضه قالوا هذه وصية إن صدقته الورثة بتصديقهم، وإن كذبوه كان من الثلث بخلاف الدين، وفي الخانية بخلاف الدين الذي لا طالب له إلا الله تعالى، وكان حكمه حكم الزكاة والكفارات، وسئل محمد بن مقاتل عمن أوصى أن يعطى للناس ألف درهم قال الوصية باطلة، ولو قال تصدقوا بألف درهم فهو جائز، ويعطى للفقراء، وفي الخلاصة لو قال لعبده أنت لله لا يعتق، وقال محمد الوصية جائزة، وتصرف إلى وجوه البر، وفي الخانية، وفي مسألة العتق إن أراد به العتق عتق، وإن أراد به أنه لله لا يلزمه شيء. والوصية تارة تكون بالألفاظ، وتارة تكون بالإشارة المفهمة قال في فتاوى أبي الليث مريض أوصى، وهو لا يقدر على الكلام لضعفه فأشار برأسه يعلم منه أنه يعتمد قال ابن مقاتل تجوز وصيته عندي ولا تجوز عند أصحابنا، وكان الفقيه أبو الليث يقول إذا فهم منه الإشارة يجوز. وفي فتاوى أبي الليث إذا كتب وصيته ثم قال أنفذوا ما في هذا الكتاب تنفذ وصيته

 

 ج / 9 ص -279-     والجحود لا يكون رجوعا
______
هكذا ذكر في كتاب الشهادات قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل هو باطل لأن هذا يكون للأغنياء والفقراء جميعا، ولو قال ست ورمر إن مررر وإن كسد كانت الوصية جائزة لأن هذا اللفظ يراد به القربة، وقال الإمام علي بن الحسن السغدي قوله وإن كسد ليس من لساننا فلا أعرف هذا، وإذا قرئ صك الوصية على رجل فقيل له أهو كذا فأشار برأسه نعم يجوز ذلك على ما تقدم.
قال رحمه الله: "والجحود لا يكون رجوعا" يعني لو جحد الوصية فإنه لا يكون رجوعا، وليس هذا كجحود الموكل الوكالة، وجحود أحد الشريكين، وجحود المودع الوديعة، والمستأجرين فعلى رواية الجامع لا يكون فسخا، وعلى رواية المبسوط يكون فسخا، وجه رواية الجامع أن الجحود كذب حقيقة فإنه قال أنا لم أوص، ويحتمل الفسخ مجازا لأنهما يتفقان في المعنى الخاص لأن الفسخ رفع العقد من الأصل، والجحود الكذب لا يكون رجوعا، وإن أراد الفسخ يجعل فسخا لا كذبا صونا لكلام العاقل عن الكذب والفساد، وحملا لأمره على الصحة والسداد لقوله عليه الصلاة والسلام "لا تظنن بكلمة خرجت من أحد شرا، وأنت تجد لها من الخير محلا"1 فلا يجعل جحود الموصي فسخا منه لأنه ممن يتعود بالفسخ، وسيأتي تمامه إن شاء الله تعالى.
قال أبو يوسف لو أوصى لرجلين ثم رجع عن إحدى الوصيتين، ولم يبين أيتهما تلك حتى مات فللوارث أن يبطل أيتهما شاء، ويمضي الأخرى فإن كان الوارث صغيرا فأبو الوصي، وإن لم يكن  له وصي فالحاكم، ولو أوصى بأرض ثم حفرها فهذا رجوع، وإن زرع فيها إنسان فهو رجوع، وإن زرعها حنطة فليس برجوع لأن حفر الكرم وغرس الأشجار للاستدامة والاستقرار، ولم يتعرض المؤلف للرجوع عن بعض الوصية، ونحن نذكر ذلك تتميما للفائدة قال في المبسوط ولو قال أوصيت بهذه الألف لفلان فقد أوصيت لفلان منها بمائة فليس هذا برجوع فالمائة بينهما نصفان تسعمائة للأول لأن عطف الوصية الثانية على الأولى في المائة، والعطف يقتضي الاشتراك مع المعطوف عليه فيما عطف، وإنما عطف في المائة فيوجب الاشتراك بينهما في المائة، ولو قال قد أوصيت لفلان وفلان بألف إلا بمائة لأحدهما فالمائة لهذا، والتسعمائة للأول منهما، وكذا هذا في الإقرار، وقد مرت في الإقرار، ولو أوصى لرجل بثلث ماله ثم قال قد أوصيت لفلان بما أحب من ثلثه فإن أحب الثلث كله كان الثلث بينهما نصفين، وإن أحب كله إلا درهما ضرب له بالثلث إلا درهما لأنه فوض إلى الأول إرادة الوصية للثاني فما أراده الأول،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره المحاملي في أماليه 1/395 موقوفا على سيدنا عمر رضي الله عنه.

 

 ج / 9 ص -280-     وأحبه يكون للثاني إلا إذا أراد كله يكون الثلث بينهما كما لو أوصى بالثلث لهذا، وبالثلث لهذا فيكون الثلث بينهما نصفين لما يأتي فكذا هذا ,. ولو قال العبد الذي أوصيت به لفلان فهو لفلان كان رجوعا لأن اللفظ يدل على قطع الشركة بخلاف ما إذا أوصى به لرجل ثم أوصى به لآخر لأن المحل يحتمل الشركة، واللفظ صالح لها، وكذا إذا قال بها فهو لفلان وارثي يكون رجوعا عن الأول، ويكون وصية للوارث، وحكمه أنه يجوز إن أجازته الورثة، ولو كان فلان الآخر ميتا حين أوصى فالوصية الأولى على حالها لأن الوصية الأولى إنما تبطل ضرورة كونها للثاني فلم تكن فبقي الأول على حاله، ولو كان فلان حين قال ذلك حيا ثم مات قبل موت الموصي فهو للوارث لبطلان الوصية الأولى بالرجوع، والثانية بالموت، وقد تقدم بعض هذه المسائل فراجعه.

باب الوصية بثلث المال
إنسان أوصى لهذا بثلث ماله، ولآخر بثلث ماله، ولم تجز الورثة فثلثه لهما
______
باب الوصية بثلث المال
لما كان أقصى ما يدور عليه مسائل الوصايا عند عدم إجازة الورثة ثلث المال ذكر تلك المسائل التي تتعلق بها في هذا الباب بعد ذكر مقدمات هذا الكتاب كذا في النهاية والغاية.
قال رحمه الله: "أوصى لهذا بثلث ماله، ولآخر بثلث ماله، ولم تجز الورثة فثلثه لهما" أي إذا لم تجز الورثة الوصيتين كان الثلث بينهما لأن ثلث المال يضيق عن حقهما إذ لا يزاد عليه عند عدم الإجازة، وقد تساويا في سبب الاستحقاق فيستويان في الاستحقاق، والمحل يقبل الشركة فيكون الثلث بينهما نصفين لاستواء حقهما، ولم يوجد ما يدل على الرجوع عن الأول. ولو أوصى لرجل بسيف قيمته مائة درهم، ولآخر بسدس ماله، وليس له سوى السيف وخمسمائة درهم نقدا وعروضها فما فضل على سدس السيف فهو لصاحبه، والسدس بينه وبين صاحب السدس نصفان، ولصاحب السدس سدس الخمسمائة عند أبي حنيفة، وعندهما السيف بينهما على سبعة لصاحب السدس سبعه أما تخريج أبي حنيفة فلأن القسمة في السيف عنده على سبيل المنازعة لأنه عين شائع فلا يكون ملحقا بالميراث فنقول اجتمع في السيف وصيتان وصية بالثلث، ووصية بالسدس فاجعل السيف على ستة أسهم ولا منازعة لصاحب السدس فيما زاد فيه، وذلك خمسة أسهم تسلم للموصى له بلا منازعة بقي سهم استوت منازعتهما فيه فيكون بينهما نصفين فإن كسره بالنصف فأضعف حتى يزول الكسر فأما التخريج لهما فلأن القسمة عندهما على سبيل العول والمضاربة فيضرب الموصى له بالكل بستة، ويضرب الموصى له بالسدس بسهم فصار السيف على سبعة، ولو أوصى بثلث ماله لآخر مع هذا، ولم تجز الورثة فصاحب

 

 ج / 9 ص -281-     ...........................................
______
السدس في الثلث بسدس خمسمائة وثلث سدس السيف، وصاحب السيف بخمسة أسداس السيف إلا سدس سبعة عند أبي حنيفة لأنه اجتمع في السيف ثلاث وصايا وصية بالكل، ووصية بالثلث، ووصية بالسدس فاجعل السيف على ستة فلا منازعة لأحد فيما زاد على الثلث، وذلك أربعة فسلم لصاحب السيف بقي سهمان لا منازعة لصاحب السدس فيما زاد على سهم واحد يدعيه صاحب السيف. وصاحب الثلث فيكون بينهما نصفين فانكسر الحساب بالنصف فأضعف حتى يزول الكسر فصار السيف على اثني عشر لصاحب السيف أربعة ونصف ضعفية فصار تسعة، ولصاحب الثلث نصف سهم ضعفية بقي سهمان استوت منازعة الكل فيهما فيكون بينهم أثلاثا فانكسر بالأثلاث فاضرب اثني عشر في ثلاثة فيصير ستة وثلاثين  لصاحب السيف سبعة صارت مضروبة في ثلاثة فصار له ثلاثة، والمنكسر سهمان ضربتهما في ثلاثة فصارت ستة يستقيم بينهم لكل واحد سهمان ثم اجعل كل مائة من الخمسمائة على ستة وثلاثين لأن القيمة في السيف مائة، وقد صار على ستة وثلاثين فاضرب خمسة في ستة وثلاثين فصار مائة وثمانين فإن أجازت الورثة فلصاحب الثلث ثلثه، وذلك ستون، ولصاحب السدس سدسه، وذلك ثلاثون فلصاحب السيف سبعه، وذلك ستة وثلاثون فصار سهام الوصايا مائة وستة عشر فإن لم تجز الورثة يجعل الثلث على قدر سهام الوصايا، وذلك مائة وستة عشر، وجميع المال ثلثمائة وثمانية وسبعون والسبعة سدسه يكون ثلاثة وستين فيدفع إليهم من الثلث مثل ما كان يدفع عند الإجازة من جميع المال فيدفع إلى صاحب السيف ستة وثلاثين، وإلى صاحب الثلث ستين، وإلى صاحب السدس ثلاثين فحصل سهام الوصايا مائة وستة مثل ثلث المال، وأما عندهما يقسم على سهام العول، والمضاربة فيضرب صاحب السيف بالسيف كله، وذلك ستة، وصاحب الثلث بالثلث، وذلك سهمان. وصاحب السدس بسدس السيف، وذلك سهم فصار السيف على تسعة، ولما صار السيف وقيمته مائة على تسعة أسهم صار كل مائة من الخمسمائة على سبعة فيصير خمسة وأربعين، وإن أجازت الورثة فلصاحب الثلث ثلثه، وذلك خمسة عشر، ولصاحب السدس سدسه، وذلك سبعة ونصف فإن كسر السيف فأضعفه فصار سبعين، وأضعف السيف، وذلك تسعة فيصير ثمانية عشر فضم ذلك تسعون فصار جميع المال مائة وثمانية لصاحب الثلث خمسة عشر أضعفناه فصار له ثلاثون، ولصاحب السدس سبع ونصف أضعفناه فصار خمسة عشر، ولصاحب السيف تسعة أضعفناه صار ثمانية عشر لو زادت سهام الوصايا على الثلث فهي لهم إن أجازه الورثة فإن لم يجيزوا يقسم الثلث بينهم على قدر أنصبائهم لا على قدر سهام الوصايا فيضرب كل واحد في الثلث بجميع حقه، والوصايا سدس وثلث، وسدس أيضا لأن السيف سدس جميع المال لأن قيمته مائة، وجميع المال ستمائة فيصير ثلث المال

 

 ج / 9 ص -282-     وإن أوصى لآخر بسدس ماله فالثلث بينهما أثلاثا وإن أوصى لأحدهما بجميع ماله، ولآخر بثلث ماله، ولم تجز الورثة فثلثه بينهما نصفان ولا يضرب الموصى له بأكثر من الثلث إلا في المحاباة والسعاية والدراهم المرسلة
______
أربعة سدسان وثلث، وذلك سهمان فيصير جميع المال اثني عشر سهما لصاحب الثلث سهمان سدس في السيف، وخمسة أسداسها في باقي المال فانكسر بالأسداس فاضرب أصل الفريضة، وذلك اثني عشر في ستة فيصير اثنين وسبعين كان لصاحب السيف سهم في ستة فصار ستة كله في السيف، وكان لصاحب الثلث سهمان ضربناهما في ستة صار اثني عشر سدسه في السيف، وذلك سهمان، والباقي في المال فكان لصاحب السدس سهم ضربته في ستة. وهي له سهم في السيف، وخمسة أسهم في باقي المال فبلغت سهام الوصايا أربعة وعشرين، وذلك ثلث جميع المال.
قال رحمه الله: "وإن أوصى لآخر بسدس ماله فالثلث بينهما أثلاثا" معناه مع الوصية الأولى، وهي الوصية بثلث ماله لأن كل واحد منهما يستحق بسبب صحيح شرعي فضاق الثلث عن حقهما إذ لا مزيد للوصية على الثلث فيقسمان الثلث على قدر حقهما فيجعل السدس بينهما لأنه الأقل فصار ثلاثة أسهم لصاحب السدس سهم واحد، ولصاحب الثلث سهمان
قال رحمه الله: "وإن أوصى لأحدهما بجميع ماله، ولآخر بثلث ماله، ولم تجز الورثة فثلثه بينهما نصفان" وهذا عند أبي حنيفة.
قال رحمه الله: "ولا يضرب الموصى له بأكثر من الثلث إلا في المحاباة والسعاية والدراهم المرسلة" عنده وعندهما الثلث بينهما أرباعا بينهم سهم لصاحب الثلث وثلاثة أسهم لصاحب الجميع، وقد بيناه فيضرب الموصى له بما زاد على الثلث لأن الموصي قصد شيئين الاستحقاق والتفصيل وامتنع الاستحقاق لحق الورثة ولا مانع من التفصيل فيثبت كما في السعاية، وأختيها ولأبي حنيفة أن الوصية بما زاد على الثلث وقعت بغير مشروع عند عدم الإجازة من الورثة إذ لا يتصور نفاذها بحال فتبطل أصلا ولا يعتبر الباطل. والتفصيل ثبت في ضمن الاستحقاق فيبطل ببطلان الاستحقاق كالمحاباة الثابتة في ضمن البيع فتبطل ببطلان البيع بخلاف الوصية بالدراهم المرسلة، وأختيها لأن لها نفاذا في الجملة بدون إجازة الورثة بأن كان في المال سعة فيعتبر فيها التفاضل فيضرب كل واحد منهم بجميع حقه لكونه مشروعا، ولاحتمال أن يصل كل واحد منهم إلى جميع حقه بأن يظهر له مال فيخرج الكل من الثلث، وقال في الهداية، وهذا بخلاف ما إذا أوصى بعين من تركته قيمتها تزيد على الثلث فإنه يضرب بالثلث، وإن احتمل أن يزيد المال فيخرج من الثلث لأن هناك  الحق يتعلق بعين التركة بدليل أنها

 

 ج / 9 ص -283-     ...........................................
______
لو هلكت التركة، واستفاد مالا آخر تبطل الوصية، وفي الدراهم المرسلة لو هلكت الدراهم تنعقد فيما يستفاد فلم يكن متعلقا بعين ما تعلق به حق الورثة، وهذا ينتقض بالمحاباة فإنها تعلقت بالعين مثله، ومع هذا يضرب بما زاد على الثلث، وقول المؤلف إلا في المحاباة أي في ثلاث مسائل أحدها المحاباة والثانية السعاية والثالثة الدراهم المرسلة أي المطلقة، وعندهما الثلث بينهما أرباعا سهم لصاحب الثلث وثلاثة أسهم لصاحب الجميع فيضرب الموصى له بما زاد على الثلث لأن الوصية أخت الميراث، والوارث يضرب بكل حقه في التركة فكذا هذا، وبه قالت الثلاثة، وله أن الموصى له يضرب بما يستحقه، وهو لا يستحق ما وراء الثلاث إلا بإجازة الورثة، ولم توجد بخلاف الدراهم المرسلة، وأختيها لأن لها نفاذا في الجملة بدون إجازة الورثة بأن كان في المال سعة فيعتبر فيها التفاضل فيضرب كل واحد منهم بجميع حقه لكونه مشروعا صورة المحاباة أن يكون عبدان قيمة أحدهما ألف ومائة، وقيمة الآخر ستمائة، وأوصى بأن يباع واحد منهما بمائة درهم لفلان، ولآخر بمائة لفلان آخر فقد حصلت المحاباة لأحدهما بألف درهم والآخر بخمسمائة فإن خرج ذلك من ثلث المال أو أجازت الورثة جاز ذلك، وإن لم يكن له مال غيرهما أو لم تجز الورثة جاز محاباتهما بقدر الثلث فيكون الثلث بينهما أثلاثا يضرب الموصى له بالألف بحسب وصيته، وهي الألف، والموصى له الآخر بحسب وصيته، وهي خمسمائة فلو كان هذا كسائر الوصايا وجب أن لا يضرب الموصى له بألف على قياس قوله بأكثر من خمسمائة وستة وستين وثلثي درهم لأن عنده الموصى له بأكثر من الثلث لا يضرب إلا بالثلث، وهذا ثلث ماله صورة السعاية أن يوصي بعتق هذين العبدين قيمة أحدهما ألف، وقيمة الآخر ألفان ولا مال له غيرهما فإن أجازت الورثة يعتقان معا، وإن لم تجز الورثة يعتقان من ثلث المال وثلث ماله ألف الثلث الذي قيمته ألف فيعتق منه هذا القدر مجانا، وهو ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون، والثلث الذي قيمته ألفان في ألف، وخمسمائة ثلاثة أرباع قيمته لأنه حينئذ لا يضرب الذي قيمته ألفان إلا بألف فوجب أن يكون بينهما نصفان صورة الدراهم المرسلة أن يوصي لأحدهما بألف، ولآخر بألفين وثلث ماله ألف، ولم تجز الورثة يكون الثلث بينهما أثلاثا يضرب كل واحد منهما بقدر حصته فللموصى له بالألف ثلثه ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث درهم، وللموصى له بألفين صفقة ستمائة وستة وستون وثلثا درهم. وكان قياس أصل أبي حنيفة أن يكون الألف بينهما نصفين كذا في العيني قال في المبسوط فصل في البيع في الثلث، وهو على نوعين بيع لا محاباة، والثاني بيع فيه محاباة، وإذا ترك عبدا لا غير، وقيمته ألف، وقد أوصى أن يباع من فلان بألف ثم أوصى به فهو على ثلاثة أوجه أما إن أوصى بالعين أو بالمال أو بالثلث فإن أوصى به بعينه بعد ذلك أو قبله لآخر فلم تجز الورثة أو

 

 ج / 9 ص -284-     ...........................................
______
أجازت، ولم يجز صاحبه فللموصى له بالرقبة سدس العبد، ويباع ما بقي من الآخر بخمسة أسداس الألف فيكون للورثة قيل هذا قولهما، وعند أبي حنيفة نصف سدس العبد للموصى له بالرقبة، ويباع خمسة أسداسه، ونصف سدسه من الآخر بقيمته فيكون للورثة فتخريجهما أن حقهما في الثلث قد استويا في حق الوصايا عندهما لأنه أوصى لكل واحد منهما بكل العبد لأحدهما بالبيع، وللآخر بالرقبة فيجعل الثلث بينهما نصفين، وإذا صار الثلث على سهمين صار الكل على ستة أسهم يسلم للموصى له بالرقبة نصف الثلث، وذلك سدس الكل، ويباع الباقي من الموصى له بالبيع، ويكون الثمن كله للورثة لا حق لصاحب الرقبة فيه لأن الوصية بالرقبة وصية بالعين ألا ترى أنه لو هلكت العين بعد موت الموصي بطلت الوصية والتخريج لأبي حنيفة أن للموصى له بالرقبة جزءا من اثني عشر جزءا من الرقبة لأن وصية صاحب الرقبة فيما زاد على الثلث تبطل ضربا، واستحقاقا عنده فيضرب هو في الثلث بقدر الثلث. وللموصى له بالبيع يضرب بجميع الرقبة، وذلك ثلاثة لأن شيئا من وصيته لا يبطل بعد إجازة الورثة فصار الثلث على أربعة، والعبد كله على اثني عشر سهما يسلم لصاحب الرقبة سهم من ثلاثة، وذلك جزء من اثني عشر جزءا، ويباع الباقي بأحد عشر جزءا من الألف، وقيل المذكور في الكتاب قول الكل، وإن أجازوا، ورضي بذلك صاحب البيع يضرب كل واحد بكمال وصيته فيقسم نصفين نصفه لصاحب الرقبة، ونصفه يباع من الآخر فيكون ثمنه بين الورثة لأن حقيهما قد استويا عند إجازة الورثة فتساويا  ضربا واستحقاقا، وقيل عند أبي حنيفة على أربعة أوجه، والوجه الثاني لو أوصى أن يباع العبد من رجل بألف، وأوصى بجميع ماله لآخر فهذا كالمسألة الأولى في قول أبي حنيفة إلا أن صاحب الجميع يأخذ سدس الألف من الورثة من جملة الثمن مع أخذه من سدس الرقبة، وفي المسألة الأولى ليس له من الثمن شيء لأنه أوصى له بالمال هنا، والثمن لمالك الرقبة فيجوز تنفيذ ثمنه في الثمن، وهناك أوصى له بالعين، وهي الرقبة والثمن غير فلا يمكن تكميل وصيته من الثمن، وإن أجازوا بيع نصف العبد ثم أخذ صاحب الجميع ثمنه فلا شيء للورثة، وقيل عند أبي حنيفة إن لم يجيزوا فمن اثني عشر كما في المسألة الأولى فهما مرا على أصلهما، وعلى قول أبي يوسف ينبغي أن يباع العبد كله من الموصى له بالبيع بألف ثم يعطى الموصى له بالمال ثلث الثمن لأن هذا أمكن تنفيذ الوصيتين لاختلاف محل حقهما لأن حق أحدهما في الرقبة، وحق الآخر في مطلق المال. والثمن مال كالرقبة فتنفذ كلاهما لهما لما مات الموصي جاء أولا تنفيذ الوصية، ومحل ذلك ماله، والرقبة ماله فتنفذ فيها ولا يجوز التأخير إذ في التأخير توهم الإبطال بهلاك الموصى به، والوجه الثالث لو أوصى أن يباع من فلان بألف، وأوصى بثلث ماله لآخر فقول محمد كقول أبي حنيفة في هذا يأخذ صاحب الثلث جزءا من اثني عشر جزءا من الرقبة، ويباع الباقي

 

 ج / 9 ص -285-     ...........................................
______
من الموصى له بالبيع يأخذ أحد عشر جزءا من الألف إلا أن صاحب الثلث يأخذ من الثمن تمام الثلث ثم موصى له بثلث ماله، والثمن ماله، وعند أبي يوسف يباع الكل من الموصى له بالبيع، ويعطى من الثلث الثمن إلى صاحبه، ولو أوصى بالعبد إلى رجل، وقيمته ألف، وأوصى أن يباع من آخر بمائة درهم فعند أبي حنيفة نصف السدس من العبد للموصى له به، ويباع الباقي من صاحب البيع من ثلثي قيمة العبد فيسلم للورثة لأن عنده يصير الثلث على أربعة أسهم لصاحب الرقبة ربع السدس، وهو جزء من اثني عشر جزءا، ويباع الباقي من صاحب البيع بثلثي قيمة العبد بثلث قيمته، وذلك ستمائة وستة وستون وثلثان فيسلم ذلك للورثة لأنهما وصيتان وصية بالبيع، ووصية بالمحاباة في الثمن لأن الوصية بالمحاباة إنما تنفذ من الثلث فينظر إلى ما بقي من الثلث بعدما أخذ صاحب الرقبة، وذلك ثلاثة أجزاء فيسلم ذلك المقدار له وما بقي، وهو ثلث المال حق الورثة، وعنده الوصية بالمحاباة مقدمة على سائر الوصايا، ولكن محاباة منفذة تثبت في ضمن عقد لازم لا يملك الموصي الرجوع عنها. وهذا وصية بمحاباة غير منفذة، وعند محمد لصاحب الرقبة سدس العبد، ويباع الباقي بثلثي الألف لأن حقهما في الثلث على السواء فيضرب كل واحد منهما بجميع حقه فيكون الثلث بينهما نصفين نصفه لصاحب الرقبة، ونصفه يباع من صاحب البيع بثلثي القيمة فإن كان أوصى بجميع ماله لرجل، وأن يباع من آخر بمائة، ولم تجز الورثة فقياس قول أبي حنيفة أن يكون للموصى له جميع المال ثلث العبد، ويباع ما بقي، وهو أحد عشر جزءا من اثني عشر جزءا بمائتي سهم وثلث، وبمائتي سهم وربع من أربعمائة أو سبعة عشر سهما من قيمة العبد يأخذ الموصى له بالمال خمسة أسهم، وربع سهم من الثمن تمام وصيته ومائتان وثمانية وسبعون للورثة، وعند محمد سدس العبد للموصى له بالمال، ويباع خمسة أسداسه من الآخر سبعة وعشرين من اثنين وأربعين من قيمة العبد سهم للموصى له بالمال تمام وصيته وثمانية وعشرون للورثة، وهذه المسألة ملقبة بالعروس لحسن تخريجها ووضوح طريقها أما تخريجها لمحمد أن حق الموصي في الثلث على السواء فيسلم للموصى له بالمال نصف الثلث، وهو سدس العبد، ويباع خمسة أسداسه من الآخر بسبعة وعشرين من اثنين وأربعين من قيمة العبد إذ هذان وصيتان وصية بجميع المال، ووصية بالمحاباة لصاحب البيع بسبعمائة إلا أنه قد بطل من وصيته سدسه، وذلك مائة وخمسون من تسعمائة لأن سدس الرقبة صار مستحقا للموصى له بالمال بوصيته فبطلت فيه الوصية بالبيع. والوصية بالمحاباة في ضمن الوصية بالبيع فتبطل ببطلانها ألا ترى أن الموصى له بالبيع لو قال لا أريد الشراء، وأريد المحاباة لا يكون له ذلك فبقيت الوصية في سبعمائة وخمسين، وهو يضرب بالثلث بهذا القدر في الآخر يضرب بجميع المال، وذلك القدر لأنه، وإن أخذ سدس المال وكفى، ولكن يضرب بجميع المال لتيقن

 

 ج / 9 ص -286-     وبنصيب ابنه بطل، وبمثل نصيب ابنه صح
______
مقدار حقه فيحسب عليه ما أخذه من الرقبة، وهو السدس ويعطى له ما بقي فصار حقه في أربعة أسهم، وحق الموصى له بالبيع في ثلاثة أسهم  كل سهم مائتان وخمسون فتكون جملته سبعة فصار الثلث على سبعة صار الكل أحدا وعشرين فحق صاحب المال أربعة، وقد سلم له ثلاثة ونصف، وهو سدس العبد بقي له نصف سهم إلى تمام حقه، وحق الورثة في أربعة عشر فظهر أن خمسة أسداس العبد تباع من صاحب البيع بأربعة عشر سهما سهم تمام حقه فقد نفذنا وصية المحاباة في ثلاثة فتكون الجملة على سبعة، والباقي للورثة، وهو أربعة فاستقام الثلث والثلثان ومحمد أخرجه على ضعف ذلك تحرزا، وأما تخريج أبي يوسف أنه يباع جميع العبد من الموصى له بالبيع بثمانية وأربعين سهما من سبعة وخمسين سهما من قيمة العبد لأنه اجتمع هاهنا وصيتان وصية بالألف، ووصية بالمحاباة بتسعمائة فاجعل كل مائة سهما فيصير حق أحدهما عشرة. وحق الآخر تسعة فتكون جملته تسعة عشر سهما فهذا سهام الثلث فتكون الجملة سبعة وخمسين لصاحب المحاباة تسعة أسهم فيباع العبد بما بقي، وذلك ثمانية وأربعون فيعطي لصاحب المال عشرة، وللورثة ثمانية وثلاثين فاستقام الثلث والثلثان، وأما تخريج أبي حنيفة، وهو أن هنا وصيتين وصية بالألف، ووصية بالمحاباة تسعمائة إلا أن وصية الألف فيما زاد على الثلث تبطل ضربا، واستحقاقا عند عدم إجازة الورثة فبقي حقه في ثلث الألف، ويبطل من وصية المحاباة سهم، وذلك خمسة وسبعون لأنه بطل الوصية بالبيع في نصف سدس الرقبة لاستحقاق الموصي بالمال لما بينا في حقه في ثمانمائة وخمسة وعشرين فخمسة وعشرون ربع ماله، وقد انكسر ذلك بالأرباع، وحق صاحب المال في ثلث الألف، وذلك ثلثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث فقد انكسر بالأثلاث فاضرب ثلاثة في أربعة فيكون اثني عشر ثم اجعل كل مائة على اثني عشر كل سهم ثمانية دراهم وثلث درهم فصار حق صاحب المال أربعين سهما، وحق صاحب البيع تسعة، وتسعين سهما فيكون الثلث مائة وتسعة وثلاثين سهما فيكون كل المال أربعمائة وسبعة عشر سهما فحق صاحب المال أربعون سهما، وصل إليه من ذلك أربعة وثلاثون وثلاثة أرباع سهم لأنه، وصل إليه من العبد نصف سدسه، وذلك جزء من اثني عشر جزءا فصار العبد على أربعمائة وأربعة عشر سهما جزءا من اثني عشر جزءا منه يكون أربعة وثلاثين وثلاثة أرباع سهم بقي إلى تمام حقه خمسة أسهم وربع سهم، وحق الورثة مائتان وثمانية وسبعون. وإذا أوصى أن يباع من الرجل بألف، وهي قيمته، ولآخر بثلث ماله قال أبو يوسف لا شيء لصاحب الثلث من الرقبة، ويباع العبد فيكون له ثلث ثمنه، وقد ذكرنا هذا فيما أوصى لرجل بجميع ماله، وقولهما في هذا معروف.
قال رحمه الله: "وبنصيب ابنه بطل، وبمثل نصيب ابنه صح" أي الوصية بنصيب ابنه باطلة

 

 ج / 9 ص -287-     ...........................................
______
والوصية بمثل نصيب ابنه صحيحة، وقال زفر كلتاهما صحيحة لأن الجميع ماله في الحال، وذكر نصيب الابن للتقدير به، ولأنه يجوز أنه حذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه فقوله أوصيت بنصيب ابني أي بمثل نصيبه، ومثله شائع لغة قال الله تعالى
{وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} أي أهلها، ولنا أن نصيب الابن ما يصيبه بعد الموت فكان وصية بمال الغير بخلاف ما إذا أوصى بمثل نصيب ابنه لأن مثل الشيء غيره، وإنما يجوز حذف المضاف إذا كان هناك ما يدل عليه كما في الآية لأن السؤال يدل على المسئول، وهو الأهل، ولم يوجد هنا ما يدل على المحذوف فلا يجوز، وفي الأصل الوصية بنصيب الابن أو بمثل نصيب الابن إن لم تجز الورثة لم يجز أو يجز بعضهم، وقال محمد رجل هلك وترك أما وأبا، وأوصى لرجل بنصيب بنت لو كانت فالوصية من سبعة عشر منها الموصى له خمسة أسهم، وللأم سهمان، وللأب عشرة أسهم قال ولو ترك ابنا فأوصى بنصيب ابن آخر لو كان، وأجازت الورثة الوصية فالفريضة من خمسة عشر للموصي سبعة أسهم، وللابن سبعة، وكذلك إذا أوصى بمثل نصيب ابنه لو كان الجواب كما قلنا. وفي شرح الطحاوي قال ومن أوصى لرجل بمثل نصيب ابنه فهذا لا يخلو أما إن كان أوصى له بمثل نصيب ابنه أو بنصيب ابنه كان له ابن أو لم يكن ابن أو ابنه فلو كان، وليس له ابن ولا ابنه فإنه تجوز الوصية فإن كان أكثر من الثلث فيحتاج إلى إجازة الورثة فإن كان ثلثا أو أقل جازت من غير إجازة نحو ما إذا أوصى بمثل نصيب ابنه، وله ابن واحد صار موصيا له بنصف المال، ولو كان له ابنان يكون بينهما نصفين كذلك هاهنا يكون المال بينهما نصفين نصف للابن ونصف للموصى له إن أجاز الابن، وإن لم يجز الابن فللموصى له الثلث، وإن كان له ابنان فإنه يكون للموصى له ثلث المال ولا  يحتاج إلى الإجازة، ولو أوصى بمثل نصيب ابنه، وله ابنة واحدة فإنه يكون للموصى له نصف المال إن أجازت الابنة، وإن لم تجز فله الثلث، ولو كانت له ابنتان، والمسألة بحالها فيكون للموصى له ثلث المال، ولو أوصى بنصيب ابن لو كان فالجواب فيه كما لو أوصى بمثل نصيب ابنه قال وإذا هلك الرجل، وترك أخا وأختا، وأوصى لرجل بنصيب ابن لو كان فأجاز فللموصى له جميع المال ولا شيء للأخ والأخت، ولو أوصى بمثل نصيب ابن لو كان للموصى له نصف المال إن أجاز، وإن لم يجز فللموصى له ثلث المال إن أجاز أو لم يجز روى بشر عن أبي يوسف، وفي الأمالي هلك وترك ابنين وأوصى لرجل بنصف ماله، ولآخر بمثل نصيب أحد الابنين، ولم تجز الورثة. قال الثلث بين الموصى لهما يضرب فيها صاحب النصف بنصف المال، والآخر بتسع المال فإن أجاز الابنان وصيتهما يأخذ صاحب النصف تمام النصف أربعة ونصفا من تسعة، وصاحب مثل النصيب يأخذ سهمين من تسعة، ويبقى للابنين تسعان ونصف، ولو كان أوصى لرجل بنصيب أحد الابنين، وأوصى لآخر بمثل نصيب

 

 ج / 9 ص -288-     ...........................................
______
الآخر،وأجاز الابنان كان لهما نصف المال، وللابنين النصف، ولو لم يجيزا فالثلث بينهما نصفان، وإن أجاز أحدهما دون الآخر فللذي أجاز الربع اعتبارا لوجود الإجازة، وللذي لم يجز الثلث قال وإذا هلك الرجل، وترك أبا وابنا، وأوصى لرجل بمثل نصيب ابنه أو بنصيب ابن لو كان، وأجاز فللموصى له خمسة من أحد عشر، وللأب سهم، وللابن خمسة، وإن لم يجيزا فللموصى له الثلث أولا، والباقي بين الأب، والابن أسداسا، وإن أجاز أحدهما دون الآخر، وذكر في الكتاب أنه ينظر إلى حال الإجازة، وحال عدم الإجازة فالفريضة عند الإجازة من أحد عشر للموصى له خمسة، وعند عدم الإجازة الفريضة من تسعة للموصى له ثلثه فيضرب أحد الفريضتين في الأخرى فيصير تسعة وتسعين فعند عدم الإجازة للموصى له الثلث ثلاثة وثلاثون، وللأب سدس وما بقي أحد عشر، وللابن خمسة من أحد عشر، وللابن خمسة أسداس وما بقي خمسة وخمسون، وعند الإجازة للموصى له خمسة من أحد عشر مضروبا في تسعة فيكون خمسة وأربعين، وللأب سهم مضروبا في تسعة فيكون تسعة فتفاوت ما بين الحالتين في حق الموصى له اثنا عشر سهما من ذلك من نصيب الأب. وذلك من تسعة إلى أحد عشر وعشرة من نصيب الابن، وذلك من خمسة وأربعين إلى خمسة وخمسين فإذا أجاز، ولو قال أوصيت بثلث مالي للمسجد جاز عند محمد، وقال أبو يوسف لا يجوز إلا أن يقول ينفق على المسجد، وفي الخانية، ولو أوصى بثلث ماله للمسجد عين المسجد أو لم يعين فهي باطلة في قول أبي يوسف جائزة في قول محمد، ولو أوصى بأن ينفق ثلثه على المسجد جاز في قولهم، وفي النوازل إذا أوصى لأرباب المسجد المعين، وعمارته، وفي ثمن آجر وجبس وغيره فيما احتيج إليه وما كان فيه مصلحة جاز، ولو بجنب هذا المسجد نهر يجري ماؤه بالمسجد ففسد النهر، ولم يصل إلى المحلة جاز أن ينفقوا منها في ذلك عند تبين الضرر، وفي العيون عن محمد إذا قال ثلث مالي للكعبة جاز، ويعطى مساكين مكة، ولو قال لثغور فلان فالقياس أن يبطل، وفي الاستحسان يجوز الظهيرية، ولو قال لبيت المقدس جاز، وينفق عليه، وفي سراجه قيل هذا في عرفهم، ولو أوصى بثلث ماله يسرج به في المسجد يجوز، ولو أوصى بثلث ماله للسراج لا يجوز، وهو نظير ما لو أوصى بدرهم لشاة فلان أو برذون فلان فإنه لا يجوز، ولو أوصى بثلث ماله ليعلف به دواب فلان يجوز، ونظيره لو أوصى بثلث ماله في أكفان فقراء المسلمين يجوز. ولو أوصى بثلث ماله لموتى الفقراء لا يجوز فلو أوصى بمثل نصيب أحدهما وثلث أو ربع ما بقي، ودرهم للآخر، وصورة المسألة رجل مات وترك ثلاث بنين، وأوصى بمثل نصيب أحدهم ودرهم وثلث، وربع ما بقي من الثلث فيجعل ثلث المال سهاما، ولو أحاط بالنصيب سهم، وبالدراهم سهم لأنه متى كان في الوصية درهم يجعل لكل سهم درهم حتى يصير الحساب كله جنسا

 

 ج / 9 ص -289-     فإن كان له ابنان فله الثلث، والقياس أن يكون له النصف عند إجازة الورثة وبسهم أو جزء من ماله فالبيان إلى الورثة
______
واحدا فإذا ذهب اثنان من أربعة عشر يبقى اثني عشر فاعط بالثلث سهمين، وبربعه سبعة يبقى خمسة فأعط بالدرهم الأخير سهما يبقى أربعة فهذه فاضلة عن سهام الوصايا ترد إلى الورثة فرده إلى ثلث المال فيصير أربعة وثلاثين، وحاجتنا إلى ستة لأنا لو أعطينا بالنصيب سهمين فيجب أن يكون نصيب الابنين ستة، والخطأ الثاني وقع بزيادة مائة وعشرين، والأول بزيادة تسعة وعشرين فاضرب الثلث الأول في الثاني، وهو ثمانية وعشرون يصير أربعمائة وخمسة وثلاثين ثم اطرح  الأقل من الأكثر يبقى ثلاثة وأربعون فهذا هو الثلث، وإذا أردت معرفة النصيب فاضرب النصيب الأول، وهو سهم في المقطع الثاني، وهو ثمانية وعشرون فيصير ثمانية وخمسين ثم اطرح الأكثر من الأقل يبقى ثلاثون فظهر عند النصيب ثلاثون وثلث المال ثلاثة وأربعون فيعطي بالنصيب من الثلث ثلاثين يبقى ثلاثة عشر فيعطي بالدراهم سهما يبقى اثني عشر سهما فيعطى ثلث ما بقي، وربعه سبعة بقي خمسة فيعطى من الدرهم الآخر سهم يبقى أربعة فرده الأربعة إلى ثلثي المال، وبيان تعليله في المحيط. وأما لو أوصى بمثل نصيب الابن إلا ثلث ما بقي من الثلث صورتها ترك ثلاث بنين، وأوصى لرجل بمثل نصيب أحدهم إلا ثلث ما يبقى من الثلث بعد النصيب فالفريضة تسعة وثلاثون، والثلث ثلاثة عشر، والنصيب بعد الابنين شبهة، وبيان تخريجه في المحيط، وأما لو قال في المسألة المتقدمة إلا ثلث ما يبقى من الثلث بعد الوصية فأصل الفريضة ما ذكرنا في الفصل الأول، وأما لو قال في صورة المسألة إلا ثلث ما بقي مطلقا قال عامة مشايخنا عن أبي يوسف والحسن بن زياد يخرج كما خرجنا في الفصل الأول قال محمد يخرج على الفصل الثاني وما بمثل نصيب الابن إلا مثل نصيب الآخر فلو مات عن ابن واحد، وأوصى لرجل بمثل نصيبه إلا بمثل نصيب آخر لو كان له الثلث أجاز الابن أو لم يجز، وإن ترك ابنين، وأوصى بمثل نصيبه إلا مثل نصيب آخر لو كان له الثلث أجاز الابن أو لم يجز، وإن ترك ابنين، وأوصى بمثل نصيب أحدهما لرجل إلا مثل نصيب الواحد لو كان أو أوصى لآخر بثلث ما يبقى من الثلث فالقسمة خمسة عشر سهمان لصاحب النصيب، وسهم لصاحب ثلث ما يبقى، ولكل ابن ست، وتخريجه في المحيط.
قال رحمه الله: "فإن كان له ابنان فله الثلث، والقياس أن يكون له النصف عند إجازة الورثة" لأنه أوصى له بمثل نصيب ابنه لكل واحد منهما النصف. وجه الأول أنه قصد أن يجعله مثل ابنه إلا أن يزيد نصيبه على نصيب ابنه، وذلك بأن يجعل الموصى له كأحدهم
قال رحمه الله: "وبسهم أو جزء من ماله فالبيان إلى الورثة" أي إذا أوصى بسهم أو جزء من

 

 ج / 9 ص -290-     قال سدس مالي لفلان ثم قال ثلث مالي له له ثلث ماله وإن قال سدس مالي لفلان ثم قال سدس مالي له له السدس
______
ماله كان بيان ذلك إلى الورثة فيقال لهم أعطوه ما شئتم لأنه مجهول يتناول القليل والكثير والوصية لا تمتنع بالجهالة، والورثة قائمون مقام الموصي فكان إليهم بيانه، سوى هنا بين السهم والجزء، وهو اختيار بعض المشايخ، والمروي عن أبي حنيفة أن السهم عبارة عن السدس نقل ذلك عن ابن مسعود، وعن إياس بن معاذ، وقال في الجامع الصغير له أخس سهام الورثة إلا أن يكون أقل من السدس فحينئذ يعطى له السدس، وقال في الأصل له أخس سهام الورثة إلا أن يكون أكثر من السدس فلا يزاد عليه جعل السهم يمنع النقصان، وذكر في الهداية أنه يمنع الزيادة ثم قال في تعليقه أنه يذكر، ويراد به السدس ويذكر ويراد به سهم من سهام الورثة لأن السهم يراد به نصيب أحد الورثة عرفا لا سيما في الوصية فيصرف إليه، وهذا في عرفهم، وأما في عرفنا فهو الذي ذكرناه أولا
قوله ويجزئ قال صاحب التسهيل أقول: دلت هذه المسألة على أن أحدا لو أقر بمجهول كقوله لفلان علي دين، ولم يبين قدره فمات مجهلا تجبر ورثته على البيان، وكذا لو أقيم البينة على إقراره بمجهول ينبغي أن تقبل وتجبر ورثته على البيان ا هـ.. ورد عليه بعض المتأخرين حيث قال بعد نقل ذلك قلت ما ذكره قياس مع الفارق لأن الإقرار، ولو بمجهول يوجب تعلق الغير به من وقت الإقرار فيجبر المقر على بيانه بطلب المقر له فإذا فات الخبر في حياته بوفاته سقط سيما إذا كان بتقصير من المقر له فلم تنب عنه ورثته بخلاف الوصية بمجهول لعدم ثبوت حق الغير إلا بعد موت الموصي فقبل موته لا يجبر على بيانه، وبعد موته تعلق الحق بتركته ولا يمكن جبره فيجبر من يقوم مقامه إحياء لحق ثابت.
قال رحمه الله: "قال سدس مالي لفلان ثم قال ثلث مالي له له ثلث ماله" لأن الثلث متضمن للسدس فيدخل فيه فلا يتناول أكثر من الثلث.
قال رحمه الله: "وإن قال سدس مالي لفلان ثم قال سدس مالي له له السدس" يعني سدسا واحدا سواء قال ذلك في مجلس واحد أو في مجلسين لأن السدس ذكر معرفا بالإضافة إلى المال، والمعرف إذا أعيد معرفا كان الثاني عين الأول، وهكذا قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى
{فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} [الشرح:5  6] لن يغلب عسر يسرين وفي الهداية ولو قال ثلث مالي لفلان، وسدس مالي له، وأجازت الورثة فله ثلث المال، ويدخل السدس  فيه لأن الكلام الثاني يحتمل أنه أراد به زيادة الثلث على الأول حتى يتم له السدس، ويحتمل أنه أراد به إيجاب ثلث على السدس حتى يصير المجموع نصفا. وعند

 

 ج / 9 ص -291-     وإن أوصى بثلث دراهمه أو غنمه، وهلك ثلثاه له ما بقي
______
الاحتمال لا يثبت له إلا القدر المتيقن فيجعل السدس داخلا في السدس حملا لكلامه على المتيقن هذا هو المذكور في الشروح قال بعض المتأخرين بعد ذكر الدليل على هذا المنوال هكذا قالوا، وهذا كما ترى حمل الكلام على أحد محتمليه، ولك أن تقول لما كان الكلام محتملا للمعنيين، وكان القدر الثابت به يتعين على الاحتمالين الثلث قلنا ما يثبت به من الوصية لأن المتيقن ثبوت الثلث بمجموع الاحتمالين لا بأولهما إلى هنا كلامه.
قال رحمه الله: "وإن أوصى بثلث دراهمه أو غنمه، وهلك ثلثاه له ما بقي" أي إذا أوصى بثلث دراهمه أو بثلث غنمه، وهلك ثلثا ذلك، وبقي ثلثه، وهو يخرج من ثلث ما بقي من ماله فله جميع ما بقي من الدراهم والغنم، وقال زفر له ثلث ما بقي من ذلك النوع لأن كل واحد منهما شركة بينهما، والمال المشترك يهلك ما هلك منه على الشركة، ويبقى الباقي كذلك فصار كما إذا أوصى به أجناسا مختلفة، ولنا أن حق بعضهم يمكن جمعه في البعض الباقي فصار كما إذا أوصى بدرهم أو بعشرة دراهم أو بعشرة رءوس من الغنم فهلك ذلك الجنس كله إلا القدر المسمى فإنه يأخذه إذا كان يخرج من ثلث بقية ماله بخلاف الأجناس المختلفة فإنه لا يمكن الجمع فيها جبرا فكذا تقديما، والمال المشترك إنما يهلك الهالك منه على الشركة أن لو استوى الحقان أما إذا كان أحدهما مقدما على الآخر فالهالك يصرف إلى المؤخر كما إذا كان في التركة ديون ووصايا وورثة ثم هلك بعض التركة فإن الهالك يصرف إلى المؤخر، وهو الوصية والإرث لأن الدين مقدم عليهما، وهنا الوصية مقدمة على الإرث لقوله تعالى
{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: من الآية12] فيصرف الهلاك إلى الإرث تقديما للوصية على وجه لا ينقص حق الورثة على الثلثين من جميع التركة لأنه لا يسلم للموصى له شيء حتى يسلم للورثة ضعف ذلك، وكذا إذا هلك البعض في المضاربة يصرف الهلاك للربح لأن رأس المال مقدم على ما عرف في موضعه الأصل في هذا الباب أن يحتاج إلى معرفة الوصية المقيدة والمطلقة والعين والدين كما سبكه المؤلف وأنواع الوصية بهما وأحكامها. قال أبو يوسف العين الدراهم والدنانير دون التبر والحلي والعروض والثياب، والدين كل شيء يكون واجبا في الذمة من ذهب أو فضة أو حنطة، ونحو ذلك لأن العين عند الإطلاق ينصرف للذهب والفضية المضروبين، وأما غيرهما فيسمى في اللغة عروضا وسلعة وحليا وصياغة، وأما أنواع الوصية بهما فالوصية نوعان مرسلة ومقيدة فالمرسلة أن يوصي بجزء شائع من ماله نحو أن يوصي بثلث ماله وربعه، والمقيدة أن يوصي بثلث مال بعينه بأن يوصي بثلث دراهمه أو دنانيره أو بثلث الغنم فالوصية المقيدة حكمها أن يكون حقه مقدما على حق الورثة، وعلى حق الوصية المرسلة، ولو هلك شيء منها قبل القسمة يصرف الهلاك إلى الورثة لا إلى الموصى له حيث كانت الوصايا تخرج من ثلث مال

 

 ج / 9 ص -292-     ...........................................
______
الميت بأن كان له مال آخر يعطى للموصى له كل الموصى به لأنه قيدها بنوع من المال فتقيد بذلك النوع، ولهذا لا يزداد حقه بزيادة مال الميت، وكذا لا ينقص بنقصانه لأن حقه لم يثبت شائعا في جميع التركة فكان حقه مقدما على حق الورثة لقوله تعالى
{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: من الآية12] فصار الهلاك مصروفا إلى المؤخر حقه لا إلى المقدم لأنه ما لم يفضل عن الوصية لا يصير حقا للورثة. وإنما حكم الوصية المرسلة فهو أن صاحبها بمنزلة واحد من الورثة لأن حقه ثبت شائعا في جميع التركة حتى يزاد حقه بزيادة المال، وينقص بنقصانه كحق الورثة فصارت التركة كالمشتركة بينه وبين الورثة فما توى من شيء من التركة يتوى على الشركة وما بقي يبقى على الشركة فكان وارثا حكما ومعنى وموصى له اسما، والعبرة للحكم والمعنى، ولهذا لو اجتمع في التركة وصية مقيدة، ووصية مرسلة تقدم الوصية المقيدة ثم تقاسم الوصية المرسلة مع الورثة على قدر حقوقهم، وأما ما يتعلق بمسائل الهلاك والاستحقاق فلو أوصى لرجل بثلث ماله فما هلك أو استحق فهو على الحقين لأن الوصية مطلقة مرسلة لأنه أضاف الوصية إلى جميع ماله على العموم والشيوع فيكون له ثلث كل شيء من ماله فكان شريكا في التركة بمنزلة أحد الورثة فما هلك يهلك على الشركة فإن أوصى بثلث الدراهم وثلث الدنانير ثم هلك عشرون دينارا بعد موت الموصي أو قبل موته كان له ثلث ما بقي  نصفه من الدراهم ونصفه من الدنانير لأن هذه وصية مقدمة لأنه أوصى له بثلث دراهمه ودنانيره فقد قيد الوصية بنوع مال مخصوص، ولم يضفها إلى مال مرسل فكانت وصية مقيدة فتعلق بذلك المال بقاء وبطلانا، ولو كان أوصى بسدس الدراهم وسدس الدنانير أخذ السدس كله من الباقي لأن الهلاك مصروف إلى حق الورثة فيبقى حق الموصى له في سدس جميع المال، وذلك خمسة دنانير كما كان قبل الهلاك فكان له خمسة دنانير من العشرة الباقية إذ أصله ثلاثون وخمسون درهما من الدنانير، وكذلك الإبل والبقر على هذا. وإذا مات عن ألف وعبد قيمته ألف، وأوصى أن يعتق عبده، ولرجل بثلث ماله، ولآخر بسدس ماله فالثلث بينهم على أحد عشر للعبد ستة، ولصاحب الثلث أربعة، ولآخر واحد ففي هذه المسألة يقسم على سبيل العول والمضاربة لا على سبيل المنازعة بالإجماع لأن المنازعة لا تتحقق هاهنا لأنه لا يجتمع في رقبة العبد وصيتان لأن حق الموصى له بالثلث في السعاية لا في الرقبة لأن الموصى له بثلث مال مطلقة بمنزلة أحد الورثة، وحق الورثة في السعاية إذا كان العبد موصى بعتقه لأنهم لا يملكون العبد الموصى بعتقه، وإن كان لا يخرج من الثلث لأنه معتق البعض، ومعتق البعض لا يملك، وكذلك الموصى له بالثلث مرسلا، وإذا لم يثبت حقه في رقبة العبد فلا تنازع في العبد فيقسم على سبيل العول والمضاربة لا على سبيل المنازعة، والوجه فيه أن يحتاج إلى فريضة لها نصف

 

 ج / 9 ص -293-     ولو رقيقا أو ثيابا أو دورا له ثلث ما بقي
______
وثلث وسدس لأن العبد موصى له بنصف ماله لأن ماله ألفان ألف وعبد قيمته ألف، ولآخر ثلث ماله، ولآخر سدس ماله، وأقل حساب يخرج منه هذه السهام اثنا عشر فنصفه ستة وثلثه أربعة، وسدسه سهم فيكون كله أحد عشر فإذا صار الثلث على أحد عشر فصار الجميع ثلاثة وثلاثين فللعبد من ثلث المال ستة، والعبد من جميع المال نصفه، وذلك ستة عشر ونصف فيعتق منه ستة أجزاء، ويسعى في عشرة ونصف سهم، وللموصى له سدس جزء واحد من أحد عشر من الثلث. ويبقى اثنان وعشرون ضعف ذلك للورثة فقد استقام الثلث والثلثان، ولو استحق نصف العبد، وضاع نصف الألف فالثلث على ستة ثلاثة للعبد وسهمان لصاحب الثلث وسهم لصاحب السدس لأنه لما استحق نصف العبد انتقصت نصف وصية العبد فبقي وصيته في ثلاثة أسهم، ولما ضاع نصف الألف انتقص نصف وصية الموصى له بالثلث، وهو سهمان لأنها ضاعت عليه، وعلى الورثة لأنه بمنزلة أحد الورثة، ووصية صاحب السدس باقية على حالها في سهم واحد لأن وصيته مقيدة بألف فصار الهلاك مصروفا إلى الورثة لأن وصيته تخرج من ثلث ماله إذا كان سدس الألف بعينها فلما ضاع نصفها انقلب ثلثه سدس ما بقي لأن سدس الكل ثلث النصف، وإذا صار ثلث المال ستة صار الجميع ثمانية عشر ونصفه تسعة فيعتق من العبد ثلاثة أجزاء من تسعة، ويسعى في ستة فيضم ذلك إلى النصف الآخر فيصير كله خمسة عشر للموصى له بالسدس سهم من تسعة من الخمسمائة الباقية يبقى أربعة عشر فيبقى المال على أربعة عشر سهمان لصاحب الثلث، واثنا عشر للورثة، وخرجه محمد على سبعة لأن بين نصيب صاحب الثلث وبين الورثة موافقة بالنصف فإن نصيب صاحب الثلث سهمان ونصيب الورثة اثنا عشر وبين العبد والدين موافقة بالنصف فاختصر نصيب كل واحد على نصفه فصار سبعة.
قال رحمه الله: "ولو رقيقا أو ثيابا أو دورا له ثلث ما بقي" أي إذا أوصى بثلث رقيقه أو ثيابه أو بثلث دوره فهلك ثلثا ذلك، وبقي الثلث، وهو يخرج من ثلث ما بقي من ماله كان له ثلث الباقي كما قال زفر لأن الجنس مختلف فلا يمكن جمعه بخلاف الأول على ما بينا قالوا هذا إذا كانت الثياب من أجناس مختلفة، وإن كانت من جنس واحد فهي بمنزلة الدراهم، وكذا كل مكيل أو موزون كالدراهم لما بينا، وقيل هذا قول أبي حنيفة في الرقيق والدور لأنه لا يرى الجبر على المقاسمة فيهما، وقيل هذا قول الكل لأن الجميع إنما يتحقق بقضاء القاضي عن اجتهاد عندهما ولا يتحقق بدون القضاء بل يتعذر ولا قضاء هنا فلم يتحقق الجمع إجماعا، والأشبه أن يكون على الخلاف لأن كل ما أمكن جمعه بدون القضاء أمكن جمعه تقديرا، وهذا هو الفقه في هذا الباب ألا ترى أنه أمكن الجمع بدون القضاء عندهما فيما إذا كانت الوصية بثلث الدراهم أو الغنم على ما بينا.

 

 ج / 9 ص -294-     وبألف، وله عين ودين فإن خرج الألف من ثلث العين دفع إليه
______
قال رحمه الله: "وبألف، وله عين ودين فإن خرج الألف من ثلث العين دفع إليه" أي إذا أوصى بألف درهم، وله عين، ودين فإن خرج من ثلث العين دفع  إليه لأن إيفاء حق كل واحد ممكن من غير بخس بأحد قال في المبسوط أصل المسألة متى كانت التركة بعضها قائم، وبعضها غير قائم تقسم القائمة بين الورثة، والموصى له على السهام التي تقسم لو كانت كلها قائمة اعتبارا للبعض بالكل ثم ما أصاب المديون من العين القائمة من التركة جعل قصاصا بما عليه إذا كان ما عليه مثل حقه في العين أو أكثر فإن كان أقل فبقدره، وهذا إذا كانت التركة من جنس الدين، وإن كانت من خلاف جنسه بأن كانت عروضا، والدين دراهم أو دنانير فعن رواية الوصايا أنه يجعل نصيبه قصاصا بما عليه، وهو القياس، وفي رواية هذا الكتاب يحتبس عنه من العين حتى يوفي ما عليه استحسانا فإن لم يوف وطلب صاحب الدين من القاضي أن يبيع نصيبه يبيع القاضي، ويقضي من ثمنه دينا ثم المسائل مشتملة على فصول: فصل في الوصية بالسهام في العين والدين، وفصل في الوصية بالدراهم والسهام معينة، وفصل بالوصية بالدراهم والعروض رجل مات وترك ابنين، ومائة درهم عينا ومائة دينار على أحد ابنيه، وأوصى لرجل بالثلث كان له نصف العين، والنصف لغير المدين لأن العين تقسم بينهم أثلاثا ثلثه للموصى له وثلثه لمن لا دين عليه وثلثه للدين إلا أن المدين لا يعطيه نصيبه لأن ما عليه أكثر مما له، والتركة من جنس الدين فيحسب ما له قصاصا بما عليه لأن ما عليه أكثر مما له، والتركة من جنس الدين فإن ما يخص الابن المدين ذهب بحصته مما عليه ستة وستون وثلثان، ويؤدي ثلاثة وثلاثين وثلثا بين الابن غير المدين، والموصى له نصفين لأن حقهما سيان، ولو أوصى بربع العين، والدين كان له نصف العين لأن جميع مال الميت مائتا درهم للموصى له ربعه. وذلك خمسون يبقى مائة وخمسون لكل ابن خمسة وسبعون إلا أنه لا يعطى للمدين شيء من العين بل يطرح عنه نصيبه من الدين لأنه لا فائدة في ذلك فيطرح مما عليه نصيبه، وذلك خمسة وسبعون، ويؤدي ما بقي عليه، وهو خمسة وعشرون، ويقسم ذلك مع المائة العين بين الموصى له وبين غير المدين على خمسة أسهم سهمان للموصى له، وذلك خمسة، وثلاثة أخماسه للابن الذي لا دين عليه، ويبرأ المدين عن مثلها فرق بين الوصية بخمس مطلق وبين الوصية بخمس مقيد، والفرق أن الوصية بالعين والدين وصية مقيدة، والموصى له المقيد يضرب بجميع وصيته يوم الموت إذا كانت وصيته تخرج من ثلث ماله لما بينا، وهذا وصيته تخرج من ثلث ماله لأن وصيته من العين والدين أربعون درهما منهما، وقد خرج من العين قدر وصيته، وزيادة فيأخذ وصيته من العين، وذلك أربعون، وأما الموصى له المطلق يضرب في المال بقدر عشر ماله في العين يوم القسمة لأن حقه في العين المطلق المرسل لا في العين فيكون له خمس المال المرسل، وذلك ثلاثة وثلاثون وثلث من

 

 ج / 9 ص -295-     وإلا فثلث العين، وكلما خرج شيء من الدين له ثلثه حتى يستوفي  الألف
______
العين، ولو أوصى لرجل بربع ماله، ولآخر بثلث ماله كان نصف العين بينهما على ثمانية لصاحب الربع أربعة، وأربعة لصاحب الثلث لأن أصل الفريضة من ثلاثة إذا لم تجز الورثة سهم الموصى له بقي سهمان بين الاثنين نصفين لكل واحد سهم لأن ما يصيب المدين من العين يطرح لأن ما عليه أكثر مما له. واقسم المائة العين بين الابن غير المدين وبين الموصى لهما نصفين لكل واحد خمسون، ويحسب للابن المدين ما عليه خمسون مثل ما حصل للابن غير الابن فصار العين من مال الميت حقيقة وحكما مائة وخمسين مائة عين حقيقة وخمسون عين حكما، وهو قدر ما استوفاه الابن المدين، وبقي على المدين خمسون ناويا ما دام معتبرا فلا بد من مال الميت ثم ما أصاب الموصى له من نصف العين يقسم بينهما على سبعة لأن أقل حساب له ثلث وربع اثنا عشر فحق الموصى له بالثلث في أربعة، وحق الموصى له بالربع في ثلاثة فصار جميع ذلك سبعة فاقسم الثلث على سبعة أربعة لصاحب الثلث وثلاثة لصاحب الربع فإن أيسر الابن المدين، وقدر على الأداء اعتبر المال كله فيكون بين الورثة، والموصى لهما أثلاثا ثم مال الموصى لهما بينهما على سبعة لأنه لما أيسر ظهر أن مال الميت كان مائتين فيكون ثلث ماله ستة وستين وثلاثين فيقسم دين الموصى لهما على سبعة كما وصفنا، وإذا كان له مائة درهم عينا ودينا على امرأته ثم مات، وترك امرأته وابنه، وأوصى بثلث ماله لرجل قسم العين بين الابن، والموصى له على أحد عشر للموصى له أربعة فإن قدرت المرأة على الأداء كان للموصى له ثلث كل المال ستة وستون وثلثان، وللمرأة ثمن الباقي ستة عشر وثلثان تؤدي الفضل فإذا أدت قسم بين الابن والموصى له على أحد عشر
قال رحمه الله: "وإلا فثلث العين، وكلما خرج شيء من الدين له ثلثه حتى يستوفي  الألف" أي إن لم يخرج الألف من ثلث العين دفع إلى الموصى له ثلث العين ثم كلما أخرج شيء من الدين دفع إليه ثلثه حتى يستوفي حقه. وهو الألف لأن الموصى له شريك الوارث في الحقيقة ألا ترى أنه لا يسلم له شيء حتى يسلم للورثة ضعفه، وفي تخصيصه بالعين بخس في الورثة لأن العين مقدمة على الدين، ولأن الدين ليس بمال في مطلق الحال، ولهذا لو حلف أنه لا مال له، وله دين على الناس لا يحنث، وإنما يصير مالا عند الاستيفاء، وباعتباره تتناوله الوصية فيعتدل النظر بقسمة كل واحد منهما من الدين والعين أثلاثا هذا إذا أوصى لواحد فلو أوصى لاثنين قال في الأصل في الوصية بالدين والعين والثياب والمتاع والسلاح والذهب والفضة والحديد وما أشبه ذلك ذكر في فتاوى الفضل إذا كان رجل أوصى بثلث ماله الدين لرجل، والآخر بثلث ماله العين والعين والدين مائة اقتسما ثلث مائة العين نصفين فإن خرج من الدين خمسون ضم إلى العين، وكان ثلثه جميع ذلك بينهما على خمسة أسهم، ولو أوصى بثلث العين لرجل، وبثلث

 

 ج / 9 ص -296-     وبثلثه لزيد وعمرو، وهو ميت فلزيد كله
______
العين لرجل آخر، والدين لآخر، ولم يخرج من الدين شيء من الدين اقتسما ثلث ذلك خمسون درهما بينهما أثلاثا في قول أبي يوسف ومحمد، وأما على قول أبي حنيفة الثلث بينهما في هذه المسألة على خمسة أيضا، وإذا كان لرجل مائة درهم عينا، ومائة درهم دينا على أجنبي فأوصى الرجل بثلث ماله لرجل فإنه يأخذ ثلث العين ذكر في فتاوى الفضل أن من أوصى بدين له على رجل أن يصرف على وجوه البر تعلقت الوصية بالدين. فإن وهب بعض الدين لمديونه بعد ذلك تبطل الوصية بقدر ما وهب كأنه رجوع عن وصيته بذلك القدر قال البقالي، وتدخل الحنطة في الدين قال هو، ويدخل في الوصية بالعين الدراهم والدنانير.
قال رحمه الله: "وبثلثه لزيد وعمرو، وهو ميت فلزيد كله" أي إذا أوصى لزيد وعمرو بثلث ماله، وعمرو ميت فالثلث كله لزيد لأن الميت ليس بأهل للوصية فلا يشارك الحي الذي هو أهل كما إذا أوصى لزيد بجدار وعن أبي يوسف أنه إذا لم يعلم بموته كان له نصف الثلث لأن الوصية عنده صحيحة لعمرو فلم يوص للحي إلا بنصف الثلث بخلاف ما إذا علم بموته لأن الوصية لعمرو لم تصح فكان راضيا بكل الثلث للحي هذا إذا كان المزاحم معدوما من الأصل أما إذا خرج المزاحم بعد صحة الإيجاب يخرج بحصته ولا يسلم للآخر كل الثلث لأن الوصية صحت لهما، وتثبت الشركة بينهما فبطلان حق أحدهما بعد ذلك لا يوجب زيادة حق الآخر، مثاله إذا قال ثلث مالي لفلان ولفلان ابن عبد الله إن مت، وهو فقير فمات الموصي، وفلان ابن عبد الله غني كان لفلان نصف الثلث، وكذا لو قال ثلث مالي لفلان إن كان عبد الله في البيت، ولم يكن عبد الله في البيت كان لفلان نصف الثلث لأن بطلان استحقاقه لفقد شرطه لا يوجب الزيادة في حق الآخر، ومتى لم يدخل في الوصية لفقد الأهلية كان الكل للآخر، وقد قدمناه في بعض هذه المسائل. وفي الزيادات أصله أن الوصية متى أضيفت إلى شخصين معينين إن كانا أهلا للاستحقاق كان الثلث بينهما لأن الإيجاب لهما قد صح لوجود الأهلية فيهما عند الإيجاب، وإن انعدمت أهلية أحدهما عند الاستحقاق بالموت فتثبت المزاحمة في الإيجاب بسبب إيجاب النصف لكل واحد منهما كما لو أوصى بالثلث لأجنبي، ولوارثه لم يكن للأجنبي إلا نصف الثلث، وإن لم يثبت الاستحقاق لصحة الإيجاب لهما لوجود الأهلية فيهما، وإن لم يكن أحدهما أهلا للاستحقاق عند الإيجاب كان الثلث كله للأهل كما لو أوصى بالثلث لفلان ولحائط ولو قال أوصيت بثلث مالي بين فلان وفلان، وأحدهما ميت فنصف الثلث للآخر، وكذلك لو قال بين فلان وبين هذا، وأشار إلى حائط ونحوه لأن كلمة بين تقتضي الاشتراك أو التنصيف ألا ترى أنه لو قال ثلث مالي بين فلان وفلان، وسكت لم يكن له إلا نصف الثلث، وكلمة بين ملفوظ سواء كانا حيين أو أحدهما حي، والآخر ميت فكان الاشتراك بموجب اللفظ لا بحكم المزاحمة في المحل

 

 ج / 9 ص -297-     ...........................................
______
بخلاف ما لو قال ثلث مالي لفلان وفلان، وأحدهما ميت لأن الاشتراك والتنصيف هنا بحكم المزاحمة لا بموجب اللفظ لأن اللفظ يقتضي الإفراد بالكل لما بينا، ولو قال ثلث مالي لفلان، ولعقبه ثم مات الموصي فالثلث كله لفلان والوصية لعقبه باطلة لأنه جمع بين الموجود والمعدوم في الإيجاب لأن عقب فلان من يخلفه بعد موته فلا يتصور له عقب في حياته. واستحقاقه الوصية حال حياة الموصى له، والعقب معدوم، والإيجاب للمعدوم لا يصح، ولو قال لفلان، ولولد عبد الله فالثلث كله لفلان لأن الوصية لولد عبد الله إنما تتناول ولده  عند موت الموصي لا عند الإيصاء لأنه أرسل الموصى له، ولو أرسل الموصى به فقال ثلث مالي لفلان فينصرف إلى ثلث ماله يوم موت الموصي لا يوم الوصية فكذلك الموصى له ولا ولد لعبد الله يوم موت الموصي فلا يصح إيجاب الوصية له فصار كأنه أوصى لفلان لا غير، وتحقيقه أن العين تعرف بالإشارة إليها لا بالصفة فلم يشترط الوصف لتناول الإيجاب وغيره، والدين إنما يعرف بصفته، وإنما يتناول الإيجاب إذا وجد فيه تلك الصفة عند موت الموصي فلم توجد الصفة فلم يتناوله الإيجاب فكان الثلث للآخر، وكذلك لو قال ثلث مالي لفلان إن مت، وهو حر، ولفلان بن فلان فإن مات، وهو حر فالثلث بينهما، وإن مات قبل موته كان للثاني النصف لا غير لما قلنا، ولو قال ثلث مالي لفلان، ولمن افتقر من ولد فلان ثم مات الموصي، وولد فلان كلهم أغنياء فالثلث كله لفلان لأنه ضم إلى فلان شخصا موصوفا بأنه فقير وما أشار إلى العين فيكون مرسلا لا معينا فتتعين فيه حال الموت لا وقت الإيصاء، وقوله لمن افتقر يتناول من احتاج بعد أن كان غنيا دون من كان فقيرا من الأصل لأن هذا اللفظ إنما يستعمل فيمن احتاج بعد الغناء. وفي المبرة معه زيادة ثواب، وقد ندب الشرع إليه لقوله عليه الصلاة والسلام
"أكرموا ثلاثة عزيز قوم ذل وغنيا افتقر وعالما بين جهال" فيجوز أن يكون للموصي قصد بالتخصيص هذه الزيادة، ولو أوصى لامرأته بأحد العبدين، وللأجنبي بالآخر كان للأجنبي ثلثا عبده يبدأ به أربعة من ستة فصار كل عبد على ستة، وكلاهما اثنا عشر، وللمرأة ربع ما بقي من العبدين سهمان من ثمانية بالميراث سهم ونصف من عبدهما ونصف سهم من الأجنبي يبقى لهما من وصيتها أربعة ونصف، ويبقى للأجنبي من وصيته اثنان فيضرب كل واحد بذلك في الستة الباقية فإذا أردت تصحيح الفريضة جعلت كل عبد مائة وستة وخمسين سهما لأن الباقي للمرأة أربعة، وللأجنبي سهمان فيكون ستة ونصفا فانكسر بالنصف فأضعف ليزول الكسر فصار ثلاثة عشر فإذا صار نصف المال على ثلاثة عشر صار الكل ستة وعشرين فاضرب أصل الحساب، وذلك اثنا عشر في ستة وعشرين فيصير ثلاثمائة وخمسين يأخذ الموصى له مائة وأربعة، والباقي للمرأة بوصيتها وميراثها لأن الأجنبي يأخذ أولا ثلثي عبده، وذلك مائة وأربعة أسهم، وتأخذ المرأة ربع

 

 ج / 9 ص -298-     ولو قال بين زيد وعمرو لزيد نصفه
______
ما بقي، وذلك اثنان وخمسون بقي مائة وخمسة وستون سهما يقسم بينهم على ثلاثة سهما تسعة أسهم من ذلك، وذلك ثلاثمائة وثمانية، وأربعون للأجنبي من عبده الموصى به له فإذا ضممت ذلك إلى مائة، وأربعة صار كل مائتين واثنين وخمسين. أصله أن الوصية للقاتل بمنزلة الوصية للوارث حتى لا تجوز إلا بإجازة الورثة عند أبي حنيفة، وعندهما لا تجوز أصلا لما يأتي في بابه، وإذا أوصى بماله كله لقاتله ولا وارث له، وبكله لأجنبي قيل للأجنبي ثلث المال، والثلث للقاتل لأن ثلثي المال صار مستحقا للأجنبي بوصية قوية، والمستحق بالوصية القوية تبطل فيه الوصية الضعيفة ضربا، واستحقاقا يبقى ثلث المال استوت وصيتهما فيه لأن وصيتهما فيما زاد على الثلث ضعيفة حتى لا تنفذا بإجازة الوارث فإذا تساويا في الوصية تساويا في القسمة،
وإذا ماتت امرأة، وتركت زوجها، وأوصت لأجنبي بثلث مالها، ولقاتلها بمالها للزوج ثلثاه، والثلث الباقي بين الأجنبي والقاتل أثلاثا عند محمد للقاتل منه سهمان، ويكون المال كله من تسعة للأجنبي أولا ثلاثة، وللزوج ثلاثة للأجنبي سهم، وللقاتل سهمان، وعند محمد الباقي بينهما نصفين لأن عنده القاتل لا يضرب بما صار مستحقا للزوج بالميراث، وإنما يضرب بما بقي، وهو الثلث، وللأجنبي كذلك فصار الثلث بينهما نصفين، والقسمة من ستة للأجنبي النصف ثلاثة، وللزوج سهمان، وللقاتل سهم، وعند أبي يوسف لا تجوز الوصية للقاتل أبدا، وإن لم يكن وارث، وتبين أنها إذا لم يكن لها وارث غير الزوج جاز إقرارها لأن المانع من صحة إقرار المريض لوارثه حق سائر الورثة حتى لو صدقوه كان الإقرار صحيحا، وقد فقد المانع هذا لانعدام الوارث لها فصح إقرارها. وإذا قتلها زوجها وأجنبي عمدا ثم عفت عنهما فأوصت للأجنبي بنصف مالها جازت الوصية ولا ميراث للزوج لأنه قاتلها، والقتل العمد يحرم من الميراث فقد التحقت بمن لا وارث لها أصلا فجازت الوصية للقاتل لأن المانع من جواز الوصية وجود الوارث ولا وارث لها ففقد المانع.
قال رحمه الله: "ولو قال بين زيد وعمرو لزيد نصفه" أي إذا قال ثلث مالي بين زيد وعمرو، وعمرو ميت كان لزيد نصف الثلث لأن كلمة بين توجب  التنصيف فلا يتكامل لعدم المزاحمة بخلاف ما إذا قال لفلان وفلان فبان أحدهما ميتا حيث يكون للحي كل الثلث لأن الجملة الأولى كلام يقتضي الاختصاص بالحكم لأن العطف يقتضي المشاركة في الحكم المذكور، والمذكور وصية بكل الثلث، والتنصيف بكل المزاحمة فإن زالت المزاحمة تكامل، ألا ترى أن من قال ثلث مالي لفلان، وسكت كان له جميع الثلث، ولو قال ثلث مالي بين فلان وسكت لم يستحق الثلث كله بل نصفه ألا ترى إلى قوله تعالى
{وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ}

 

 ج / 9 ص -299-     وبثلثه له ولا مال له له ثلث ما يملكه عند الموت
______
[القمر: 28] اقتضى أن يكون النصف بدليل قوله تعالى
{لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الشعراء: 155]
قال رحمه الله: "وبثلثه له ولا مال له له ثلث ما يملكه عند الموت" لأن الوصية عقد الاستخلاف مضاف إلى ما بعد الموت، ويثبت حكمه بعده فيشترط وجود المال عند الموت سواء اكتسبه بعد الوصية أو قبلها بعد أن لم يكن الموصى به عينا أو عينا معينا، وأما إذا أوصى بعين أو بنوع من ماله كثلث غنمه فهلكت قبل موته فتبطل الوصية لأنها تعلقت بالعين فتبطل بفواتها قبل الموت حتى لو اكتسب غنما أخرى أو عينا أخرى بعد ذلك لا يتعلق حق الموصى له بذلك. ولم يكن له غنم عند الوصية فاستفادها ثم مات فالصحيح أن الوصية تصح لأنها لو كانت بلفظ المال تصح فكذا إذا كانت بلفظ نوعه لأن المعتبر وجوده عند الموت لا غير، ولو قال له شاة من مالي، وليس له غنم يعطى له قيمة شاة لأنه لما أضاف الشاة إلى المال علمنا أن مراده الوصية بمالية الشاة إذ ماليتها توجد في مطلق المال ألا ترى إلى قوله عليه الصلاة والسلام
"في خمس من الإبل السائمة شاة"1، وعين الشاة لم توجد في الإبل، وإنما توجد في ماليتها، ولو أوصى بشاة، ولم يضفها إلى ماله ولا غنم قيل لا تصح لأن المصحح إضافتها إلى المال، وبدون الإضافة إلى المال تعتبر صورة الشاة، ومعناها، وقيل تصح لأنه لما ذكر الشاة، وليس في ملكه شاة علم أن مراده المالية، ولو قال شاة من غنمي ولا غنم له فالوصية باطلة لأنه لما أضافها إلى الغنم علمنا أن مراده عين الشاة حيث جعلها جزءا من الغنم بخلاف ما إذا أضافها إلى المال، وعلى هذا خرج كل نوع من أنواع المال كالبقر والثوب، ونحوها اعلم أنه وقع في عبارة الوقاية ولا شاة له موضع ولا غنم له الواقع في عبارة الهداية في وضع هذه المسألة فقال صدر الشريعة في شرحه للوقاية،
واعلم أنه قال في الهداية ولا غنم له، وقال في المتن ولا شاة له وبينهما فرق لأن الشاة فرد من الغنم. وإذا لم يكن له شاة لا يكون له غنم لكن إذا لم يكن له غنم لا يلزم أن لا يكون له شاة لاحتمال أن يكون له واحدة لا كثير فعبارة الهداية تتناول صورتين ما إذا لم يكن له شاة أصلا وما يكون له شاة لا غنم له في الصورتين تبطل الوصية، وعبارة المتن لم تتناول إلا الصورة الأولى، ولم يعلم منها الحكم في الصورة الثانية فعبارة الهداية أشمل، وأحوط ا هـ.. كلامه. ورد عليه صاحب الإصلاح والإيضاح حيث قال في شرحه إنما قال ولا شاة، ولم يقل ولا غنم له كما قال صاحب الهداية لأن الشاة فرد من الغنم، وإذا لم يكن له شاة لا يكون له غنم بدون العكس، والشرط

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البخاري في الزكاة 1454 والترمذي في الزكاة عن رسول الله 621.

 

 ج / 9 ص -300-     وبثلثه لأمهات أولاده، وهن ثلاث وللفقراء والمساكين وأمهات أولاده ثلاث يقسم الثلث أخماسا فلهن ثلاثة أسهم، ولكل طائفة من المساكين والفقراء سهم
______
عدم الجنس لا عدم الجمع حتى لو وجد الفرد تصح الوصية يفصح عن ذلك قول الحاكم الشهيد في الكافي، ولو قال شاة من غنمي أو قفيز من حنطتي فإن الحنطة اسم جنس لا اسم جمع. ا هـ.. وقال في حاشيته أخطأ هذا صدر الشريعة حيث قال تبطل الوصية في الصورتين. ا هـ.. وقصد بعض المتأخرين أن يجيب عنه بعدما نقل كلام صدر الشريعة، واعترض عليه بعض الأفاضل بما حاصله أن عبارة الوقاية هي الصواب، وأن الحكم في وجود الفرد صحة الوصية، وزعم أن الشرط عدم الجنس لا عدم الجمع قلت بعد تسليم إن الغنم جمع أو اسم جمع لا اسم جنس، وإن بقي الغنم كما وقع في عبارة الهداية وعامة الكتب هو الصواب، وأنه لا تصح الوصية بوجود شاة واحدة لأن الشرط عدم الجمع لا عدم الجنس كما زعمه المعترض لأنه أوصى بشاة من غنمه فإذا لم يكن له غنم بل فرد لم يتحقق شاة من غنمه فتبطل الوصية فهذا هو السر في تعميم الغنم دون الشاة إلى هنا كلامه.
قال رحمه الله: "وبثلثه لأمهات أولاده، وهن ثلاث وللفقراء والمساكين وأمهات أولاده ثلاث يقسم الثلث أخماسا فلهن ثلاثة أسهم، ولكل طائفة من المساكين والفقراء سهم" وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد يقسم أسباعا لأن المذكور لفظ الجمع، وأدناه في الميراث اثنان قال الله تعالى
{فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: من الآية11] وقال {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ} [النساء: من الآية11] الآية، والمراد بالاثنتين اثنان فكان من كل طائفة اثنان، وأمهات الأولاد ثلاثة فكان المجموع سبعة فيقسم أسباعا قلنا اسم الجنس المحلى  بالألف واللام يتناول الأدنى مع احتمال الكل كالمفرد المحلى بهما لأنه يراد بهما الجنس إذا لم يكن ثم معهود قال الله تعالى {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} [الأحزاب: من الآية52] وقال الله تعالى {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [الانبياء: من الآية30] ولا يحتمل ما بينهما فتعين الأدنى لتعذر إرادة الكل، ولهذا لو حلف لا يشتري العبد يحنث بواحد فيتناول من كل فريق واحدا، وأمهات الأولاد ثلاثة فتبلغ السهام خمسة، وليس فيما تلى زيادة على ما ذكر لأن المذكور في الاثنين نكرة، وكلامنا في المعرفة حتى لو كان فيما نحن فيه منكرا قلنا كما لو قال ثم هذه الوصية تكون لأمهات أولاده اللاتي يعتقن بموته دون اللاتي عتقن في حياته من أمهات الأولاد لأن الاسم لهن في العرف واللاتي عتقن حال حياته موال لا أمهات أولاده. وإنما تصرف إليهن الوصية عند عدم أولئك لعدم من يكون أولى منهن بهذا الاسم ولا يقال إن الوصية لمملوكه بما له لا تجوز لأن العبد لا يملك شيئا، وإنما يجوز له الوصية بالعتق أو برقبته لكونه عتقا فوجب أن يكون لأمهات أولاده اللاتي يعتقن حال حياته لأنا نقول القياس أن لا تجوز الوصية لهن لأنها لو جازت لهن لكنه حال

 

 

 ج / 9 ص -301-     ...........................................
______
نزول العتق بهن لكون العتق والتمليك معلقا بالموت، والتعليق يقع عليهن، وهن إماء فكذا تملكهن يقع، وهن إماء، وهو لا يجوز إلا أنا جوزناه استحسانا لأن الوصية مضافة إلى ما بعد عتقهن لا حال حلول العتق بهن بدلالة حال الموصي لأن الظاهر من حاله أن يقصد بإيصائه وصية صحيحة لا باطلة، والصحيحة هي المضافة إلى ما بعد عتقهن كذا في عامة الشروح، وعزاه جماعة من الشراح إلى الذخيرة، وسئل الإمام قاضي خان والإمام المحبوبي عن هذا فقالا أما جواز الوصية لأمهات أولاده فلأن أوان ثبوت الوصية وعملها بعد الموت، وهن حرائر بعد الموت فتجوز الوصية لهن كما ذكره صاحب النهاية نقلا عنهما ثم قال في العناية فإن قيل الوصية بثلث المال لعبده جائزة ولا يعتق بعد موته، وأم الولد ليست أقل حالا منه فكيف لم تصح لها الوصية قياسا، وأجيب بأن الوصية بثلث المال للعبد إنما جازت لتناوله ثلث رقبته فكانت وصية برقبة إعتاقا. وهو يصح منجزا ومضافا بخلاف أم الولد فإن الوصية ليست إعتاقا لأنها تعتق بموت المولى، وإن لم يكن ثمة وصية أصلا، ولقائل أن يقول الوصية بثلث المال أما إن صادفتها بعد موت المولى وهي حرة أو أمة فإن كان الأول فلا وجه لنفي القياس، وإن كان الثاني فكذلك لأنها كالعبد الموصى له بثلث المال، والجواب أنها ليست كالعبد لأن عتقها لا بد وأن يكون بموت المولى فلو كان بالوصية أيضا توارد علتان مستقلتان على معلول واحد بالشخص، وهو ثلث رقبتها، وذلك باطل إلى هنا لفظ العناية، وفي نوادر بشر عن أبي يوسف، ولو أوصى لأمهات أولاده بألف ولمواليه بألف، وله أمهات أولاد عتقن في حياته، ومواليات اعتبر كل فريق على حدة، ولو أوصى بثلث ماله لمواليه، ولم يذكر أمهات الأولاد دخلت أمهات الأولاد في الوصية، وظاهر قوله وهن ثلاثة أنهن لو كن ثنتين يقسم المال على أربعة لهن، ولو أوصى لأولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم والعلوية والشيعة ومحب أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم والفقهاء والعلماء أصحاب الحديث سئل الفقيه أبو جعفر عن رجل أوصى لأولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر أبو نصر بن يحيى كان يقول الوصية لأولاد الحسن والحسين ولا يكون لغيرهما فأما العلوية فهل يدخلون في هذه الوصية لأنه كان للحسن رضي الله عنه بنت زوجت من ولد عمر رضي الله عنهم وإذا أوصى للعلوية فقد حكي عن الفقيه أبي جعفر أنه لا يجوز لأنهم لا يحصون. وليس في هذا الاسم ما ينبئ عن الفقر والحاجة، ولو أوصى لفقهاء العلوية يجوز، وعلى هذه الوصية للفقهاء لا تجوز، ولو أوصى لفقرائهم تجوز، وقد حكي عن بعض مشايخنا أن الوقف على معلم في المسجد يعلم الصبيان فيه يجوز لأن عامتهم الفقراء، والفقراء فيهم الغالب فصار الحكم لغلبة الفقر كالمشروط، وقال الشيخ الإمام شمس الأئمة الحلواني كان القاضي الإمام يقول على هذا القياس إذا أوصى لطلبة علم كورة أو لطلبة علم كذا يجوز، ولو

 

 ج / 9 ص -302-     وبثلثه لزيد وللمساكين لزيد نصفه ولهم نصفه وبمائة لرجل، وبمائة لآخر فقال لآخر أشركتك معهما له ثلث ما لكل منهما، وبأربعمائة له، وبمائتين لآخر فقال لآخر أشركتك معهما له نصف ما لكل واحد منهما
______
أعطى الوصي واحدا من فقراء الطلبة أو من فقراء العلوية جاز عند أبي يوسف، وعند محمد لا يجوز إلا إذا صرف إلى اثنين منهم فصاعدا، وإذا أوصى للشيعة ومحبي آل محمد المقيمين ببلدة كذا فاعلم بأن في الحقيقة كل مسلم شيعة ومحب لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يصح في ديانتهم إلا ذلك، وأما ما وقع عليه ممن أراد به الموصي فمراده الذين ينصرفون بالميل إليهم، وصاروا موسومين بذلك دون غيرهم فقد قيل  الوصية باطلة فأما إذا كانوا لا يحصون فيكون للفقراء استحسانا على قياس مسألة اليتامى، وقال الفقيه أبو جعفر ولم يكن في بلدنا أحد يسمى فقيها غير أبي بكر الأعمش شيخنا، وقد اختار أبو بكر الفارسي، وبذل مالا كثيرا لطلبة العلم حتى نادوه في مجلس أيها الفقيه، وإذا أوصى لأهل العلم ببلدة كذا فإنه يدخل فيه أهل الفقه وأهل الحديث ولا يدخل فيه من يتعلم الحكمة. وفي الخانية وهل يدخل فيه من يتعلم الحكم، وهل يدخل فيه المتكلمون لا ذكر فيه، وعن أبي القاسم فعلى قياس هذه المسألة لا يدخل في الوصية المتكلمون، وإذا أوصى بثلث ماله لفقراء طلبة العلم من أصحاب الحديث الذين يختلفون إلى مدرسة منسوبة في كورة كذا لا يدخل متعلمو الفقه إذا لم يكونوا من جملة أصحاب الحديث، ويتناول من يقرأ الأحاديث، ويسمع، ويكون في طلب ذلك سواء كان شافعي المذهب أو حنفي المذهب أو غير ذلك، ومن كان شافعي المذهب إلا أنه لا يقرأ الأحاديث ولا يسمع ولا يكون في طلب ذلك لا يتناوله اسم أصحاب الحديث.
قال رحمه الله: "وبثلثه لزيد وللمساكين لزيد نصفه ولهم نصفه" أي إذا أوصى بثلث ماله لزيد والمساكين كان لزيد النصف وللمساكين النصف، وهذا عندهما، وعند محمد ثلثه لفلان وثلثاه للمساكين، وقد بينا مأخذ كل واحد من الفريقين.
قال رحمه الله: "وبمائة لرجل، وبمائة لآخر فقال لآخر أشركتك معهما له ثلث ما لكل منهما، وبأربعمائة له، وبمائتين لآخر فقال لآخر أشركتك معهما له نصف ما لكل واحد منهما" يعني إذا أوصى لرجل بمائة درهم، ولآخر بمائة ثم قال لآخر قد أشركتك معهما فله ثلث كل مائة، ولو أوصى لرجل بأربعمائة درهم، ولآخر بمائتين ثم قال لآخر قد أشركتك معهما كان له نصف ما لكل واحد منهما لأن الشركة للمساواة لغة، ولهذا حمل قوله تعالى
{فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: من الآية12] على المساواة. وقد أمكن إثبات المساواة بين الكل في الأول لاستواء المالين فيأخذ هو من كل واحد منهما ثلث المائة فتم له ثلثا المائة، ويأخذ من كل واحد منهما

 

 ج / 9 ص -303-     وإن قال لورثته لفلان علي دين فصدقوه فإنه يصدق إلى الثلث فإن أوصى بوصايا عزل الثلث لأصحاب الوصايا، والثلثان للورثة، وقيل لكل صدقوه فيما شئتم وما بقي من الثلث فللوصايا
______
ثلثي المائة ولا يمكن المساواة بين الكل في الثانية لتفاوت المالين فحملناه على مساواة الثالث مع كل واحد منهما بما سماه له فيأخذ النصف من كل واحد من المالين، ولو أوصى لرجل بجارية، ولآخر بجارية أخرى ثم قال لآخر أشركتك معهما فإن كانت قيمة الجاريتين متفاوتة له نصف كل واحدة منهما بالإجماع، وإن كانت قيمتهما على السواء فله ثلث كل واحدة منهما عندهما، وعند أبي حنيفة له نصف كل واحدة منهما بناء على أنه لا يرى قسمة الرقيق فيكونان كجنسين مختلفين، وهما يريانها فصار كالدراهم المتساوية، ولو أوصى لرجل بثلث ماله ثم قال لآخر أشركتك أو أدخلتك أو جعلتك معه فالثلث بينهما لما ذكرنا قال صاحب العناية وما ذكره المؤلف استحسان، والقياس له نصف كل مائة لأن لفظ الاشتراك يقتضي التسوية عند الإطلاق قال الله تعالى
{فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: من الآية12] وقد أشرك الثالث فيما أوصى به لكل واحد منهما في استحقاق المائة، وذلك يوجب أن يكون له نصف كل مائة وجه الاستحسان أنه أثبت الشركة بينهم، وهي تقتضي المساواة، وإنما ثبتت المساواة إذا لم يؤخذ من كل واحد منهما نصف المائة فعلم بهذا أنه شركة معهما جملة واحدة فلا يعتبر بإشراكه إياه مع كل واحد منهما متفرقا ا هـ..
قال رحمه الله: "وإن قال لورثته لفلان علي دين فصدقوه فإنه يصدق إلى الثلث" وهذا استحسان، والقياس أن لا يصدق لأن الإقرار بالمجهول، وإن كان صحيحا لا يحكم به إلا بالبيان، وقوله فصدقوه مخالف للشرع لأن المدعي لا يصدق إلا بحجة فتعذر جعله إقرارا مطلقا فلا يعتبر فصار كمن قال كل من ادعى علي شيئا فأعطوه فإنه باطل لكونه مخالفا للشرع إلا أن يقول إن رأى الموصي أن يعطيه فحينئذ يجوز من الثلث وجه الاستحسان أنا نعلم قصده تقديمه على الورثة، وقد أمكن تنفيذ قصده بطريق الوصية، وقد يحتاج إليه من يعلم بأصل الحق عليه دون مقداره فيسعى في تفريغ ذمته فيجعل وصية جعل التقدير فيها إلى الموصى له كأنه قال لهم إذا جاءكم فلان وادعى شيئا فأعطوه من مالي ما شاء فهذه معتبرة فكذا هذا فيصدق إلى الثلث
قال رحمه الله: "فإن أوصى بوصايا" أي مع ذلك "عزل الثلث لأصحاب الوصايا، والثلثان للورثة، وقيل لكل صدقوه فيما شئتم وما بقي من الثلث فللوصايا" أي لأصحاب الوصايا لا يشاركهم فيه صاحب الدين، وإنما عزل الثلث والثلثان لأن الوصايا حقوق معلومة في الثلث، والميراث معلوم في الثلثين، وهذا ليس  بدين معلوم ولا وصية معلومة فلا يزاحم المعلوم، وقدمنا عزل المعلوم، وفي الإقرار فائدة أخرى، وهي أن أحد الفريقين قد يكون أعرف بمقدار هذا

 

 ج / 9 ص -304-     ولأجنبي ووارثه له نصف الوصية، وبطل وصيته للوارث
______
الحق وما يتعلق به، وربما يختلفون في الفضل إذا ادعاه الخصم فإذا أقر فقد علمنا أن في التركة دينا شائعا في جميع التركة فيؤمر أصحاب الوصايا والورثة ببيانه فإذا بينوا شيئا أخذ أصحاب الوصايا بثلث ما أقروا به، والورثة بثلثي ما أقروا به لأن إقرار كل فريق نافذ في حق نفسه فتلزمه بحصته، وإن ادعى المقر له أكثر من ذلك حلف كل فريق على نفي العلم لأنه تحليف على فعل الغير. قال الشارح قال العبد الضعيف الراجي عفو ربه الكريم: هذا مشكل من حيث إن الورثة كانوا يصدقونه إلى الثلث ولا يلزمهم أن يصدقوه في أكثر من الثلث لأن أصحاب الوصايا أخذوا الثلث على تقدير أن تكون الوصايا تستغرق الثلث كله، ولم يبق في أيديهم من الثلث شيء فوجب أن لا يلزمهم تصديقه قال صاحب العناية حاصله أنه تصرف يشبه الإقرار لفظا، ويشبه الوصية تنفيذا فباعتبار شبه الوصية لا يصدق في الزيادة على الثلث، وباعتبار شبه الإقرار يجعل شائعا في الأثلاث ولا يخصص بالثلث الذي لأصحاب الوصايا عملا بالشبهين، وقد سبقه تاج الشريعة إلى بيان حاصل هذا المقام بهذا الوجه أقول: فيه كلام، وهو أن العمل بمجموع الشبهين إن كان أمرا واجبا فكيف يصلح ذلك تعليلا كما هو الظاهر المعروف فما بالهم لم يعملوا بشبه الإقرار في هذا التصرف إذا لم يوص بوصايا غير ذلك كما تقدم بل جعلوه وصية جعل التقدير فيها إلى الموصى له كما إذا قال إذا جاءكم فلان وادعى شيئا فأعطوه من مالي ولم يعتبر، وأشبه الإقرار قط حيث لم يجعلوا له حكما أصلا في تلك الصورة، وإن لم يكن ذلك أمرا واجبا فكيف يصلح ذلك تعليلا لجواب هذه المسألة في هذه الصورة، واعترض عليه بعض الفضلاء بوجه آخر حيث قال فيه بحثا فإنه لا يؤخذ بقوله في هذه الصورة لا في الثلث ولا في أقل منه بل يؤخذ بقول الورثة وأصحاب الوصايا فتأمل ا هـ.. وقصد بعض المتأخرين أن يجيب عنه فقال في الحاشية بعد نقل ذلك قلت بعد تسليم ذلك إن عدم التصديق في الزيادة على الثلث لا يوجب التصديق في الثلث فالمعنى لا يصدق في صورة دعوى الزيادة بل يؤخذ بقولهم فلا اعتبار فتأمل ا هـ..
قال رحمه الله: "ولأجنبي ووارثه له نصف الوصية، وبطل وصيته للوارث" أي إذا أوصى لأجنبي ووارثه كان للأجنبي نصف الوصية، وبطلت للوارث لأنه أوصى بما يملك وبما لا يملك فصح فيما يملك، وبطل في الآخر بخلاف ما إذا أوصى لحي وميت حيث يكون الكل للحي لأن الميت ليس بأهل للوصية فلا تصح، وبخلاف الوارث فإنه من أهلها، ولهذا تصح بإجازة الورثة فافترقا، وعلى هذا إذا أوصى للقاتل والأجنبي وهذا بخلاف ما إذا أقر بعين أو دين لوارثه، ولأجنبي حيث لا تصح في حق الأجنبي أيضا لأن الوصية إنشاء تصرف، وهو تمليك مبتدأ لهما، والشركة تثبت حكما للتمليك فتصح في حق من يستحقه دون الآخر لأن بطلان التمليك

 

 ج / 9 ص -305-     ...........................................
______
لأحدهما لا يوجب بطلان التمليك من الآخر أما الإقرار بها إخبارا عن كائن، وقد أخبر بوصف الشركة في الماضي ولا وجه إلى إثباته بدون هذا الوصف لأنه خلاف ما أخبر به ولا إلى إثبات هذا الوصف لأنه يصير الوارث فيه شريكا، ولأنه لو قبض الأجنبي شيئا كان للوارث أن يشاركه فيه فيبطل في ذلك القدر فلا يكون مفيدا قال في النهاية قال التمرتاشي: هذا إذا تصادقا أما إذا أنكر الأجنبي شركة الوارث أو أنكر الوارث شركة الأجنبي فإنه يصح إقراره في صحة الأجنبي عند محمد لأن الوارث مقر ببطلان حقه، وبطلان حق شريكه فيبطل في حقه ولا يبطل في حق الآخر. وعندهما يبطل في الكل لأن حق الوارث لم يتميز عن حق الأجنبي، وإنما أوجبه مشتركا بينهما كما بينا، وفي المبسوط مسائله على فصول أحدها في الوصية لأجنبي ولوارثه، والثاني في الوصية للأجنبي مع أحد الزوجين، والثالث في الوصية للأجنبي وللقاتل، والرابع في الوصية بالبيع من الوارث أو من الأجنبي رجل أوصى لأجنبي، ولوارثه فللأجنبي نصف الوصية لأن الإيصاء ابتداء إيجاب، وقد أضيف إلى ما يملكه، وإلى ما لا يملكه فيصح فيما يملكه، ويبطل فيما لا يملكه، ولم يبطل هذا ببطلان الآخر لأن الشركة بينهما في حكم الإيجاب، وببطلان بعض الحكم لا يبطل الإيجاب بخلاف ما لو أقر المريض لأجنبي، ولوارثه في كلام واحد حيث يبطل الكل عند أبي حنيفة وأبي يوسف لأن الاشتراك هناك يخبر عنه لأن الإقرار  إخبار عن كائن سابق، والخبر بناء على المخبر به فكان المخبر به بمنزلة العلة، والخبر بمنزلة الحكم للعلة فإذا لم يثبت المخبر عنه، وهو الاشتراك لم يثبت حكمه، وهو الخبر أصله أن الوارث إذا كان بحال لا يجوز جميع الميراث فالوصية بمقدار الثلث للأجنبي مقدمة في التنفيذ في حق هذا الوارث، وفيما زاد على الثلث مؤخرة فإن الوصية بالثلث تقع نافذة من غير إجازة فكانت وصية قوية مستحكمة فتكون في التنفيذ مقدمة. والوصية بما زاد على الثلث واهية ضعيفة لأنها لا تجوز إلا بالإجازة لتعلق حق الورثة به فكانت مؤخرة عن حق الورثة لأن حقهم متأكد فإذا وصل إلى الوارث حقه صار كمن لا وارث له فتنفذ وصيته فيه، والثاني أن من لا وارث له تصح وصيته بجميع المال الموجود المطلق، وهي مالكيته، وأهليته
امرأة ماتت عن زوج، وأوصت بنصف مالها لأجنبي جاز، وللزوج الثلث، وهو نصف الثلثين، وللموصى له النصف يبقى سدس لبيت المال لأن وصية الأجنبي بقدر الثلث وصية مؤكدة فكانت في التنفيذ مقدمة فصار الثلث مستحقا بالوصية فيبطل الإرث فيه فيبقى تركتها ثلثي المال فللزوج نصف ذلك، وهو ثلث الكل يبقى ثلث آخر، وليس له مستحق بالميراث فتنفذ فيه الوصية في ثلثه، وذلك سدس فوصل إلى الموصى له نصف المال، وبقي سدس لا وصية ولا وارث فيه فيصرف إلى بيت المال، وكذلك لو مات الرجل عن امرأته، وأوصى بماله كله

 

 ج / 9 ص -306-     وبثياب متفاوتة لثلاثة فضاع ثوب، ولم يدر أي والوارث يقول لكل هلك حقك بطلت
______
لأجنبي، ولم تجز الوصية فللمرأة السدس وخمسة أسداسه للموصى له لأن الثلث صار مستحقا بالوصية بقيت التركة بثلثي المال فللمرأة ربع ذلك، والباقي للموصى له لأن الوصية مقدمة على بيت المال، ولو ماتت عن زوج، وأوصت لقاتلها بالنصف يأخذ الزوج النصف أولا، وللقاتل النصف الآخر، وهي وصية ضعيفة لأنه بمنزلة الوارث فيقدم الميراث عليها فيستحق الزوج أولا نصف المال بالإرث، والنصف الباقي فارغ عن حق الورثة فتنفذ الوصية فيه للقاتل. كما تنفذ الوصية للقاتل في تركة من لا وارث له، ولو تركت عبدين قيمتهما سواء، وأوصت بأحدهما لزوجها فله العبدان بالإرث والوصية لأنه مستحق لما فضل عن فرضه فيكون عاريا عن حق الغير فصحت الوصية لفقد المانع أصله أن الوصية للوارث بالثلث بمنزلة الوصية للأجنبي بما زاد على الثلث حتى لا تنفذ كل واحدة منهما إلا بإجازة الورثة لأنها صادفت محلا تعلق به حق بعض الورثة فيتوقف على إجازتهم.
قال رحمه الله: "وبثياب متفاوتة لثلاثة فضاع ثوب، ولم يدر أي والوارث يقول لكل هلك حقك بطلت" أي إذا أوصى بثلاثة ثياب متفاوتة، وهي جيد ووسط ورديء لثلاثة أنفار لكل واحد منهم بثوب فضاع منها ثوب ولا يدري أيهم، والوارث يجحد ذلك بأن يقول لكل واحد منهم هلك حقك أو حق أحدكم ولا يدري من هو الهالك فلا أدفع إليكم شيئا بطلت الوصية لأن المستحق مجهول، وجهالته تمنع صحة القضاء، وتحصيل غرض الموصي فيبطل كما إذا أوصى لأحد الرجلين، وقول المؤلف والوارث يقول إلى آخره، ومعنى جحودهم أن يقول الوارث لكل واحد منهما الثوب الذي هو حقك قد هلك أقول: في ظاهر تعبير المؤلف هاهنا فساد لأن هلاك كل واحد منهم إنما يتصور فيما إذا ضاعت الأثواب الثلاثة معا، والغرض في وضع المسألة أن ضياع ثوب واحد منها غير معلوم بخصوصه فكيف يصح أن يقول الوارث لكل واحد منهم الثوب الذي هو حقك قد هلك فإنه كذب ظاهر لا ينبغي أن يسمع أصلا فضلا عن أن يترتب عليه حكم شرعي. بل قوله لواحد منهم الثوب الذي هو حقك قد هلك يقتضي الاعتراف بكون الثوبين الباقيين لصاحبه، والأولى في التعبير ما ذكر في الجامع الصغير سيما للصدر الشهيد والإمام قاضي خان، وهو أن المراد بجحود الوارث أن يقول حق واحد منكم بطل ولا ندري من بطل حقه، ومن بقي حقه فلا نسلم إليكم شيئا، والذي يمكن في توجيه كلام المصنف أن يكون مراده معنى جحوده أن يقول الوارث لكل واحد بعينه الثوب الذي قد هلك يحتمل أن يكون حقك فكأنه سامح في العبارة بناء على ظهور المراد، ووافقه صاحب الكافي في هذه العبارة مع ظهور كمالها

 

 ج / 9 ص -307-     إلا أن يسلموا ما بقي فلذي الجيد ثلثاه ولذي الرديء ثلثاه، ولذي الوسط ثلث كل
______
قال رحمه الله: "إلا أن يسلموا ما بقي" أي إلا أن يسلم الورثة ما بقي من الثياب فحينئذ تصح الوصية لأنها كانت صحيحة في الأصل، وإنما بطلت بجهالة طارئة مانعة من التسليم فإذا سلموا الباقي زال المانع فعادت صحيحة كما كانت فتقسم بينهم
قال رحمه الله: "فلذي الجيد ثلثاه ولذي الرديء ثلثاه، ولذي الوسط ثلث كل" أي لصاحب الجيد ثلثا الثوب الجيد، ولصاحب الرديء يعطى  ثلثا الثوب الرديء، ولصاحب الوسط ثلث كل واحد منهما فيصيب كل واحد منهم ثلثا ثوب لأن الاثنين إذا قسما على ثلاثة أصاب كل واحد منهما الثلثان، وإنما أعطي لصاحب الوسط ثلث كل واحد منهم، وللآخرين الثلثين من ثوب واحد لأن صاحب الجيد لا حق له في الرديء بيقين لأنه إنما يكون هو الرديء أو الوسط ولا حق له فيهما. واحتمل أن يكون حقه في الرديء بأن كان الهالك هو الجيد أو الوسط، واحتمل أن لا يكون له فيه حق بأن يكون الهالك أجود، ويحتمل أن يكون في الرديء بأن يكون الهالك أردأ، ويحتمل أن يكون له فيهما حق بأن كان الهالك هو الوسط فإذا كان كذلك أعطى كل واحد منهم حقه من محل يحتمل أن يكون هو له لأن التسوية بإبطال حق كل واحد منهم إليه، وهم في احتمال بقاء حقه وبطلانه سواء، وفيما قلنا إيصال حق كل واحد منهم بقدر الإمكان، وتحصيل غرض الموصي من التفضيل فكان متعينا،
وفي العيون إذا أوصى لرجل بثياب جيدة فله ما يلبس من الجباب والقمص والأردية والطيلسان والسراويلات والأكسية ولا يكون له شيء من القلانس والخفاف والجوارب، وفي الخانية فإن ذلك ليس من الثياب، وفي فتاوى الفضلي قال بالفارسية حامه من هروشيد وبدر ويشان وهيد فهذا في عرفنا يقع على جميع ثياب بدنه إلا الخف فإنه يبعد أن يراد بهذا اللفظ في عرفنا الخف، ويدخل في الوصية بالثوب الديباج وغيره مما يلبس عادة من كساء أو فرو هكذا ذكر في السير ولا يدخل فيه البساط والستر، وكذا العمامة، والقلنسوة لا تدخل ذكره في السير، وقد قيل إذا كانت العمامة طويلة يجيء منها ثوب كامل تدخل تحت الوصية، وفي فتاوى أهل سمرقند إذا أوصى بمتاع بدنه يدخل تحت الوصية القلنسوة، والخف، واللحاف، والدثار، والفراش لأنه يصون بهذه الأشياء بدنه عن الحر، والبرد، والأذى. وفي السير أن اسم المتاع في العادة يقع على ما يلبسه الناس، ويبسط، وعلى هذا يدخل في الوصية بالمتاع الثياب والفراش والقمص، والستر هل يدخل فيها أو لا ؟ فقد اختلف المشايخ أشار محمد في السير إلى أنه يدخل، وإذا أوصى لرجل بفرس بسلاحه سئل أبو يوسف أهو على سلاح الرجل أو على سلاح الفرس قال على سلاح الرجل قال البقالي في فتاويه وأدنى ما يكون من السلاح سيف وترس ورمح

 

 ج / 9 ص -308-     وببيت عين من دار مشتركة، وقسم، ووقع في حظه فهو للموصى له، وإلا مثل ذرعه
______
وقرص، ولو أوصى له بذهب أو فضة، وللموصي سيف محلى بذهب أو فضة كانت الحلية له، وبعد هذا ينظر إن لم يكن في نزع الحلية ضرر فاحش ينزع الحلية من السيف، وتعطى للموصى له، وإن كان في نزعها ضرر فاحش ينظر إلى قيمة الحلية، وإلى قيمة السيف فإن كانت قيمة السيف أكثر تخير الورثة إن شاءوا أعطوا الموصى له قيمة الحلية مصوغا من خلاف جنسها، وصار السيف مع الحلية لهم، وإن كانت قيمة الحلية أكثر يخير الموصى له إن شاء أعطى، وأخذ السيف، وإن شاء أخذ القيمة. وإن كانت قيمتهما على السواء كان الخيار للورثة، ولو أوصى لرجل بفرو، وللموصي جبة بطانتها ثوب فرو وظهارتها ثوب فرو كان للموصى له الثوب، والآخر للورثة، ولو أوصى بجبة حرير، وله جبة، وبطانتها حرير دخلت تحت الوصية إن كانت الظهارة حريرا والبطانة حريرا كذلك الجواب، وإن كانت البطانة حريرا فلا شيء له، ولو أوصى له بحلي يدخل كل ما يطلق عليه اسم الحلي سواء كان مفصصا بزمرد وياقوت أو لم يكن. ويكون جميع ذلك للموصى له، ولو أوصى له بذهب، وله ثوب ديباج منسوج من ذهب فإن كان الذهب مثل الثوب مثل الغزل فليس له شيء إن كان الذهب فيه شيء جرى كان ذلك للموصى له وما وراء ذلك للورثة فيباع الثوب، ويقسم الثمن على قيمة الذهب وما سواه فما أصاب الذهب فهو للموصى له، ولو أوصى له بحلي دخل تحتها الخاتم من الذهب، وهل يدخل تحتها الخاتم من الفضة فإن كان من الخواتم التي تستعملها الرجال دون النساء لا يدخل، وهل يدخل فيه اللؤلؤ والياقوت والزبرجد فإن كان مركبا في شيء من الذهب والفضة يدخل بالاتفاق، وإن لم يكن مركبا فعلى قول أبي حنيفة لا يدخل لأنه ليس بحلي، وعلى قولهما يدخل أصل المسألة إذا حلفت المرأة لا تلبس حليا، ولبست عقد اللؤلؤ لا يخالطه ذهب ولا فضة لا تحنث في يمينها عند أبي حنيفة، وعندهما تحنث، ولو لبست عقد لؤلؤ مركب من ذهب وفضة تحنث في يمينها بالإجماع، ولو أوصى له بحديد، وله سرج ركاباه من حديد نزع الركابان، وأعطيا للموصى له، والباقي للورثة، وفي المنتقى إذا أعتق عبدا له، وقال كسوته له فله خفاه وقلنسوته وقميصه وسراويله وإزاره ولا يدخل  فيه منطقته ولا سيفه، وإن قال له متاعه دخل السيف، والمنطقة أيضا، وهي وصية عبد الله بن المبارك لغلامه.
قال رحمه الله: "وببيت عين من دار مشتركة، وقسم، ووقع في حظه فهو للموصى له، وإلا مثل ذرعه" معناه إذا كانت الدار مشتركة بين اثنين فأوصى أحدهما ببيت بعينه لرجل فإن الدار تقسم فإن وقع البيت في نصيب الموصي فهو للموصى له، وإن وقع في نصيب الآخر فللموصى له مثل ذرع البيت، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى، وقال محمد رحمه الله له نصف البيت إن وقع في نصيب الموصي، وإن وقع في نصيب الآخر كان له مثل ذرع نصف

 

 ج / 9 ص -309-     ...........................................
______
البيت لأنه أوصى بملكه، وبملك غيره لأن الدار كلها مشتركة فتنفذ في ملكه، ويتوقف الباقي على إجازة صاحبه ثم إذا ملكه بعد ذلك فالقسمة التي هي مبادلة لا تنفذ الوصية السابقة كما إذا أوصى بملك الغير ثم اشتراه ثم أصابه بالقسمة عين البيت كان للموصى له نصفه لأنه عين ما أوصى به، وإن وقع في نصيب صاحبه كان مثل نصف البيت لأنه يجب تنفيذها في البدل عند تعذر تنفيذها في عين الموصى به كالجارية الموصى بها إذا قتلت تنفذ الوصية في بدلها بخلاف ما إذا بيع العبد الموصى به حيث لا تتعلق الوصية بثمنه لأن الوصية تبطل بالإقدام على البيع على ما بينا في مسائل الرجوع عن الوصية ولا تبطل بالقسمة، ولهما أنه إذا أوصى بما يستقر ملكه فيه بالقسمة لأنه يقصد الإيصاء بما يمكن الانتفاع به على الكمال ظاهرا، وذلك يكون بالقسمة لأن الانتفاع بالمشاع قاصر، وقد استقر ملكه في جميع البيت إذا وقع في نصيبه فتنفذ الوصية فيه، ومعنى المبادلة في القسمة تابع. وإنما المقصود الإقرار تكميلا للمنفعة، ولهذا يجبر على القسمة فيه قال صاحب النهاية في بحث، وهو أنه قال في كتاب القسمة، والإقرار هو الظاهر في المكيلات، والموزونات، ومعنى المبادلة هو الظاهر في الحيوانات والعروض وما نحن فيه من العروض فكيف كانت المبادلة فيه تابعة، وأجيب بأنه قال هناك بعد قوله ومعنى المبادلة هو الظاهر في العروض إلا أنها إذا كانت من جنس واحد أجبر القاضي على القسمة عند طلب أحد الشركاء وما نحن فيه كذلك فكان معنى المبادلة فيه تابعا كما ذكر هاهنا لأن الجبر لا يجري في المبادلة، ويكون معنى قوله هناك، ومعنى المبادلة هو الظاهر في الحيوانات والعروض إذا لم تكن من جنس واحد، وإلى هذا أشار بقوله وإنما الإقرار تكميلا ولا تبطل الوصية إذا وقع البيت كله في نصيب شريكه، ولو كانت مبادلة لبطلت كما لو باع الموصى به فعلى اعتبار الإقرار صار كأن البيت كله في نصيب شريكه، ولو كانت مبادلة كله ملكه من الابتداء، وإذا وقع في نصيب الآخر تنفذ في قدر ذرعان البيت جميعه من الذي وقع في نصيب الموصي لأنه عوضه، ومراد الموصي من ذكر البيت تقديره به غير أنا نقول يتعين البيت إذا وقع البيت في نصيبه جمعا بين الجهتين التقدير والتمليك، وإذا وقع في نصيب الآخر عملنا بالتقدير أو نقول أنه أراد التقدير على اعتبار وقوع البيت في نصيب شريكه، وأراد التمليك على اعتبار وقوعه في نصيبه ولا يبعد أن يكون لكلام واحد جهتان باعتبارين ألا ترى أن لكلام واحد جهتين فيمن علق بأول ولد تلده أمته طلاق امرأته وعتق ذلك الولد فيتقيد في حق العتق بالولد الحي لا في حق الطلاق ثم إذا وقع البيت في نصيب غير الموصي. والدار مائة ذراع، والبيت عشرة أذرع يقسم نصيب الموصي بين الموصى له والورثة على عشرة أسهم عند محمد تسعة للورثة، وسهم للموصى له فيضرب الموصى له بنصف البيت، وهو خمسة أذرع، وهم بنصف الدار إلا نصف

 

 ج / 9 ص -310-     والإقرار مثلها
______
البيت الذي صار له، وهم خمسة وأربعون ذراعا، ونصيب البيت من الدار خمسون ذراعا فيجعل كل خمسة منها سهما فصار عشرة أسهم، وعندهما تقسم على خمسة أسهم لأن الموصى له يضرب بجميع البيت، وهو عشرة أذرع، وهم بنصف كله إلا البيت الموصى به، وهو أربعون ذراعا فيجعل كل عشرة أذرع سهما فصار المجموع خمسة أسهم سهم للموصى له وأربعة لهم
قال رحمه الله: "والإقرار مثلها" أي الإقرار ببيت معين من دار مشتركة مثل الوصية به حيث يؤمر بتسليم كله إن وقع البيت في نصيب المقر عندهما، وإن وقع في نصيب الآخر يؤمر بتسليم مثله، وعند محمد يؤمر بتسليم النصف أو قدر النصف، وقيل محمد معهما في الإقرار، والفرق له على هذه الرواية أن الإقرار بملك الغير صحيح حتى أن من أقر بملك الغير لغيره ثم تملكه يؤمر بالتسليم إلى المقر له والوصية  بملك الغير لا تصح حتى لو ملكت بوجه من الوجوه ثم مات لا تنفذ فيه الوصية قال في الأصل الإقرار بالوصية من الوارث، والشهادة عليها، وإقرار الوارث بالدين الوديعة والشركة قال وإذا أقر الوارث أن أباه أوصى بالثلث لفلان وشهدت الشهود أنه أوصى بالثلث لآخر كان الثلث كله للمشهود له ولا يكون للذي أقر له الوارث من الثلث شيء ولا يضمن الوارث للمقر له شيئا إذا هلك المال في يده قبل الدفع أو دفع إلى المشهود له بقضاء قاض أو بغير قضاء قال وإذا أقر الوارث أن أباه أوصى بالثلث لفلان ثم قال بعد ذلك بل أوصى به لفلان أو قال أوصى به لفلان لا بل لفلان فإنه يكون للأول في الوجهين جميعا ولا يضمن الوارث شيئا للثاني إذا هلكت التركة في يده قبل الدفع للأول بقضاء، وإن دفع للأول بغير قضاء قاض صار ضامنا للثاني ثم إن محمدا فرق بين هذا وبين الإقرار الوديعة قال إذا أقر الرجل أن هذا العبد وديعة لفلان ثم قال لا بل لفلان، ودفع العبد إلى الأول بقضاء قاض أو بغير قضاء فإنه يضمن للثاني قيمة العبد في الحالين، ومنها لو دفع الوارث الثلث إلى الأول بقضاء قاض فإنه لا يضمن للثاني عندهم جميعا، وهذا الذي ذكرنا كله إذا كان الإقرار للثاني منفصلا عن الأول فأما إذا كان متصلا كان الثلث بينهما نصفين، ونظير هذا الإقرار الوديعة لو أقر أن هذا العبد عنده وديعة لفلان، وفلان أو قال وديعة عنده لفلان آخر متصلا كان العبد بينهما نصفين كأنه قال هذا العبد وديعة عندي لفلان ثم قال لا بل لفلان فإن العبد كله للأول فكذا هذا قال وإذا أقر الوارث بوصية ألف درهم بعينها ثم أقر ذلك بعد بالثلث لآخر ثم رفع ذلك إلى القاضي فإنه يدفع الألف إلى الأول. وكان الجواب فيه كالجواب فيما إذا أقر بالثلث لآخر ثم رفع ذلك إلى القاضي فإنه يدفع الألف إلى الأول ثم إذا أقر بعد ذلك للثاني فإن الثلث كله يدفع للأول ولا يكون للثاني فيه شيء كذلك هذا الجواب فيما لو أقر

 

 ج / 9 ص -311-     وبألف عين من مال آخر فأجاز رب المال بعد موت الموصي، ودفعه صح، وله المنع بعد الإجازة وصح إقرار أحد الابنين بعد القسمة بوصية أبيه في ثلث نصيبه
______
بوصية بغير عينها. والجواب فيما لو أقر بألف بعينها لأن الوصايا تنفذ من الثلث فصار الثلث كله مستحقا للأول بالإقرار الأول، وكان الجواب فيما لو أقر بألف قال محمد في الجامع في الرجل يموت ويترك وارثين، وألفي درهم فيأخذ كل واحد منهما ألفا فغاب أحدهما وأقر الحاضر لرجل أن الميت أوصى له بثلث أخذ المقر له من الحاضر ثلث ما في يده فرق بين هذا وبين ما إذا أقر الحاضر بدين له فإنه يأخذ كل ذلك من نصيبه، وإن أقر أحدهما بوديعة بعينها، وذلك في نصيبه، وكذبه الآخر فإنه يؤخذ ذلك كله من المقر، وإن أقر بوديعة مجهولة يستوفي الكل من نصيبه، ولو أقر أحدهما بشركة بينه وبين الآخر، وكذبه الآخر صح في نصيبه، ويقسم ما في يده بين المقر والمقر له ولا يأخذ المقر له من الجاحد شيئا لأن إقرار كل مقر يصح في حقه ولا يصح في حق غيره، ونظير هذا ما قالوا في رجل مات وترك بنتين، وأقرت إحدى البنتين بأخ مجهول، وكذبتها البنت الأخرى فإن الأخ المقر له يأخذ من نصيب البنت المقرة، وفي الكافي ابنان اقتسما تركة الأب ألفا ثم أقر أحدهما لرجل أن الأب أوصى له بثلث ماله فالمقر يعطيه ثلث ما في يده استحسانا. وقال زفر يعطيه نصف ما في يده قياسا، ولو كان البنون ثلاثة، والتركة ثلاثة آلاف فاقتسموها فجاء رجل وادعى أن الميت أوصى له بثلث ماله، وصدقه واحد منهم فإنه يعطيه عند زفر ثلاثة أخماس ما في يده، وعندنا يعطيه ثلث ما في يده.
قال رحمه الله: "وبألف عين من مال آخر فأجاز رب المال بعد موت الموصي، ودفعه صح، وله المنع بعد الإجازة" أي إذا أوصى لرجل بألف درهم بعينها من مال غيره فأجاز صاحب المال بعد موت الموصي، ودفع إليه جاز، وله الامتناع من التسليم بعد الإجازة لأنه تبرع بمال الغير فيتوقف على إجازة صاحبه فإن أجاز كان منه هذا ابتداء تبرع فله أن يمتنع من التسليم كسائر التبرعات بخلاف ما إذا أوصى بالزيادة على الثلث أو للقاتل أو للوارث فأجازتها الورثة حيث لا يكون لهم أن يمنعوا من التسليم لأن الوصية في نفسها صحيحة لمصادفتها ملكه، وإنما امتنع لحق الورثة فإذا أجازوها سقط حقهم فتنفذ من جهة الموصي على ما بيناه من قبل كذا ذكر الشارح.
قال رحمه الله: "وصح إقرار أحد الابنين بعد القسمة بوصية أبيه في ثلث نصيبه" معناه إذا قسم الابنان تركة أبيهما، وهي ألف درهم مثلا ثم أقر أحدهما لرجل أن أباه أوصى له بثلث ماله فإن المقر يعطيه ثلث ما في يده، وهذا استحسان، والقياس يعطيه نصف ما في يده. وهو قول زفر لأن إقراره بالثلث له تضمن إقراره بمساواته إياه، والتسوية في إعطاء النصف ليبقى له النصف فصار  كما إذا أقر أحدهما بأخ ثالث لهما، وهذا لأن ما أخذه المنكر كالهالك فيهلك عليهما وجه

 

 ج / 9 ص -312-     وبأمة فولدت بعد موته، وخرجا من ثلثه فهما له، وإلا أخذ منها ثم منه
______
الاستحسان أنه أقر له بثلث شائع في جميع التركة، وهي في أيديهما فيكون مقرا له بثلث ما في يده وبثلث ما في يد أخيه فيقبل إقراره في حق نفسه ولا يقبل في حق أخيه لعدم الولاية عليه فيعطيه ثلث ما في يده، ولأنه لو أخذ منه نصف ما في يده أدى إلى محظور، وهو أن الابن الآخر ربما يقر به فيأخذ نصف ما في يده فيأخذ نصف التركة فيزداد نصيبه على الثلث، وهو خلف، وقيدنا بالوصية ليحترز عن الدين قال بخلاف ما إذا أقر أحدهما بالدين على أبيهما حيث يأخذ صاحب الدين المقر له جميع ما في يد المقر حتى يستوفي دينه ولا شيء للمقر إن لم يفضل منه شيء لأن الدين مقدم على الميراث فيكون مقرا بتقدمه عليه فيقدم عليه ولا كذلك الوصية لأن الموصى له شريك للورثة فلا يأخذ شيئا إلا إذا سلم للوارث ضعف ذلك ولا نسلم أنه أقر له بالمساواة بل أقر له بثلث التركة، وإنما حصلت المساواة باتفاق الحال، ولهذا لو لم يكن له أخ فأقر له بالوصية لا يزيد حقه على الثلث، ولو كان مقرا له بالمساواة لمساواة حالة الانفراد أيضا بخلاف ما إذا أقر بأخ ثالث، وكذبه أخوه حيث يكون ما في يد المقر بينهما نصفين لأنه أقر له بالمساواة فيساويه مطلقا. ولهذا لو كان وحده أيضا ساواه فيكون ما أخذه المنكر هالكا عليهما ا هـ.. كلام الشارح. وهذا حيث لا بينة، وأما إذا كان إقرار وبينة قال في المبسوط أقر أن فلانا أوصى لفلان بالثلث، وقامت البينة لآخر يدفع إليه ولا يضمن الوارث شيئا لأن الشهادة حجة على الكافة، والإقرار حجة قاصرة على المقر، وليس بحجة في حق المشهود له فثبتت وصية المشهود له في حق المقر له، ولم تثبت وصية المقر له في حق المشهود له فيكون هو أولى باستحقاق الثلث من المقر له كما لو أقر ذو اليد بالدار لرجل، وأقام الآخر البينة على أنها ملكه يقضى بها للمشهود له فكذا هذا.
قال رحمه الله: "وبأمة فولدت بعد موته، وخرجا من ثلثه فهما له، وإلا أخذ منها ثم منه" أي إذا أوصى لرجل بجارية فولدت بعد موت الموصي ولدا، وكلاهما يخرجان من جميع الثلث فهما للموصى له لأن الأم دخلت في الوصية أصالة، والولد تابع حين كان متصلا بها، وعبارته صادقة بما إذا ولدت قبل القبول والقسمة فلو قال فولدت بعدهما إلى آخره لكان أولى لأنها إذا ولدت قبل القسمة، والتركة مبقاة على ملك الميت قبلها حتى يقضى منها ديونه، وتنفذ وصاياه دخل ولدها في الوصية فيكونان للموصى له، وإن لم يخرجا من الثلث ضرب الموصى له بالثلث، وأخذ ما يخصه من الأم أولا فإن فضل شيء أخذه من الولد، وهذا عند أبي حنيفة، وعندهما يعطي له الثلث منهما بالحصص قال الشارح وعبارة المؤلف صادقة بما إذا حدثت قبل القبول أو بعده. قال في المبسوط أصله أن التركة قبل القسمة مبقاة على حكم الميت حتى أن الزيادة الحادثة قبل القسمة تعد من مال الميت حتى يقضى دينه، وتنفذ وصاياه لأن الموصى له والورثة

 

 ج / 9 ص -313-     ...........................................
______
تتملك والوصية من جهة الميت فيعتبر بما لو ملك المال من غيره بالبيع أو بالنكاح، والزوائد الحادثة من المبيع والمهر قبل القبض حادثة على ملك المالك حتى يصير لها حصة من الثمن بالقبض لأن ما يملك يكون مبقى على ملك المملك فكذا هذا، وظاهر قوله قبل القسمة أنها بعد القسمة ليست بمبقاة فتكون الزوائد للموصى له ثم السائل على فصلين أحدهما في الزيادة، والثاني في النقصان، والزيادة الحادثة من الموصى به كالولد والغلة والكسب والأرش بعد موت الموصي قبل قبول الموصى له الوصية يصير موصى بها حتى تعتبر من الثلث لأنها حدثت بعد انعقاد سبب الملك للموصى له في الأصل فإذا حدثت بسبب الملك فيه إلى وقت الموت تدخل تحت الوصية كالمبيعة إذا ولدت في مدة الخيار، واختار من له الخيار البيع فتصير الزيادة مبيعة حتى تصير لها حصة من الثمن فأما إذا حدثت قبل الموصى له قبل القسمة هل يصير موصى بها لم يذكره محمد، وذكر القدوري أنه لا يصير موصى بها حتى كانت للموصى له من جميع المال كما لو حدثت بعد القسمة لأن الزيادة حدثت بعد ملك الموصى له، وبعد تأكد ملكه لأنه ملك الرقبة وتصرف فيه جميعا فصار كالزيادة الحادثة من المبيعة بعد القبض. وقال مشايخنا يصير موصى بها حتى يعتبر خروجها من الثلث لأنها حدثت بعد الملك قبل تأكد الملك في الأصل لأن ملكه لم يتأكد، ولم يتقرر بعد لأنه لو هلك ثلث التركة وصارت الحادثة بحيث لا تخرج من ثلث ماله تكون من الحادثة بقدر ثلث الباقي فصار كالزيادة الممهورة الحادثة قبل القبض تصير مهرا حتى تسقط  بالطلاق قبل الدخول، وقد ملكت الرقبة والتصرف جميعا لأن ملكها غير متأكد قبل القبض حتى لو هلك هلك على الزوج لا عليها ثم ألحق الكسب بالولد في الوصية، وفي البيع لم يلحقه بالولد لأن الكسب بدل المنفعة، والمنفعة يجوز أن تملك بالوصية مقصودا فكذلك بدلها أيضا بخلاف البيع فلم يمكن أن يجعل الكسب مبيعا مقصودا بحكم الوارد بالبيع لأن القبض يرد عليه مقصودا لهما أن الزيادة متى حدثت قبل القبض تصير موصى بها حكما ولأبي حنيفة أن الحادث قبل القبض صار مقصودا لكنه تبعا لا أصلا، وهذا البيان أنها كانت باقية على ملك الميت فلو تصرف فيه الوارث صح قال فيه أيضا رجل له أمة قيمتها ثلاثمائة درهم ولا مال له غيرها فأوصى بها لرجل ثم مات فباعها الوارث بغير محضر من الموصى له فولدت في يد المشتري ولدا قيمته ثلثمائة درهم ثم جاء الموصى له فلم يجز الموصى له البيع سلم للمشتري ثلثي الجارية وثلثي الولد، وللموصى له ثلث الجارية وثلث الولد لأن الجارية مشتركة بين الورثة وبين الموصى له، وبيع أحد الشريكين لا ينفذ إلا في نصيبه فنفذ البيع في حصة الورثة، وهو ثلث الجارية، ولم ينفذ في حصة الموصى له. وهو ثلثها فسلم له ثلث الجارية، والزيادة حدثت بعد نفاذ التصرف الذي حكم القسمة، والقبض فيكون ثلثا الولد بعد نفاذ

 

 ج / 9 ص -314-     ...........................................
______
البيع نفذ على ملك المشتري فلا يعد من مال الميت وثلثه حدث على ملك الميت فيكون ذلك من مال الميت فصار مال الميت يوم القسمة ثلثي الجارية قيمتها مائتا درهم، ولو كانت ازدادت في مدتها فصارت قيمتها ستمائة فثلثاها سالم للمشتري وثلثها للموصى له وثلث ثلثها للورثة لأن مال الميت أربعمائة لأن البيع نافذ في ثلثي الجارية فحدثت ثلثا الزيادة على ملك المشتري فبقي مال الميت قيمتها ثلاثمائة وثلث الزيادة قيمته مائة فصار مال الميت قيمته أربعمائة فيكون ثلثها للموصى له، وذلك مائة وثلاثة وثلاثون وثلث، وثلثمائة من أصل الجارية وثلاثة وثلاثون من الزيادة لأن قيمة ثلثي الجارية مائتان فيكون ثلثها مائة وثلاثة وثلاثين وثلث ثلثها للورثة ستة وثلاثون وثلث، ولو أن الجارية نقصت حتى صارت تساوي مائة أخذ الموصى له ثلثها، ويرجع على الورثة من قيمتها بأربعة وأربعين وأربعة أتساع درهم تمام ثلث المال لأن الجارية مشتركة بين المشتري والموصى له ثلثاها للمشتري وثلثها للموصى له فما ضاع ضاع على الحصتين وما بقي بقي على الحصتين فللموصى له ثلث الجارية قيمته ثلاثة وثلاثون وثلث لأن المال، وحق الموصى له يعتبر يوم القسمة. وقد انتقص من قيمة الجارية ثلثاها فذهب ثلثا حقه، وقيمتها في حق الورثة تعتبر يوم البيع لأنه استهلكها الوارث بالبيع فتعتبر قيمتها يوم الاستهلاك، ويوم البيع كانت قيمة ثلثي الجارية مائتي درهم فصار مال الميت مائتين وثلاثة وثلاثين وثلثا فللموصى له ثلث ذلك، وهو سبعة وسبعون وسبعة أتساع درهم قبل الورثة، ولم يجعل للموصي أن ينقض البيع فيما بقي من حقه لأنه يؤدي إلى الدور لأن ما نقص فيه كأنه لم يبعه الورثة، وإذا هلك شيء منه هلك من مال الميت فيحتاج إلى أن ينقص وصيته عن ذلك، وإذا انتقصت بعد البيع بقدر ما انتقصت وصيته فإذا نفذ البيع عاد حق الموصى له، واحتجت إلى النقص فيؤدي إلى ما لا يتناهى، وسهم الدور ساقط فلم يكن حق البعض في الابتداء كي لا يؤدي إلى الدور
رجل أوصى لرجل بشاة من غنمه، وقد لحقت الأولاد بالأمهات بعد موته فللورثة أن يعطوه شاة بدون ولدها، وإن قال شاة من غنمي سلموا معها ولدها وما جلب من لبنها، وجزءا من صوفها إن كان قائما وما كان مستهلكا من ذلك فلا يضمونه لأن الوصية تناولت شاة من قطيع معين فتدخل زوائدها تحت الوصية، ولذلك لو أوصى بنخلة، ولم يقل من نخلي هذه يعطونه نخلة دون ثمرتها، وإن قال من نخلي هذه، وقد أثمرت بعد موته تبعها الثمر، هذا إذا أوصى بمعين فلو أوصى بأحدهما قال فيه أيضا. ولو أوصى بإحدى هاتين الأمتين فولدت إحداهما أعطاه الورثة أيتهما شاءوا فلو أعطوا التي ولدت تبعها ولدها، ولو قال قد أوصيت بجارية من جواري هؤلاء أو قال بشاة من غنمي هذه فولدت في حياة الموصي فأراد الورثة بعد موته أن

 

 ج / 9 ص -315-     ولابنه الكافر أو الرقيق في مرضه فأسلم الابن أو أعتق قبل موت الأب ثم مات بطل كالهبة وإقراره والمقعد والمفلوج والأشل والمسلول إن تطاول ذلك، ولم يخف منه الموت فهبته من كل المال
______
يعطوه من الأولاد لم يكن لهم ذلك، وإن أعطوه جارية أو شاة أو نخلة تبعها ثمرها ولا يتبعها أولادها، وثمرتها الحادثة قبل موت الموصي لأنه إنما وجب له ذلك بالوصية بعد الموت، وبعد الموت الإيجاب لا يتناول الزوائد الحادثة قبل الموت فإن هلكت الأمهات إلا واحدة بعد موت الموصي كان حقه في هذه الواحدة، وإن لم يبق شيء من  الأمهات دفعوا إليه الأموال.
قال رحمه الله: "ولابنه الكافر أو الرقيق في مرضه فأسلم الابن أو أعتق قبل موت الأب ثم مات بطل كالهبة وإقراره" أي إذا أوصى لابنه الكافر أو لابنه الرقيق في مرضه فأسلم الابن أو عتق قبل موت الأب ثم مات من ذلك المرض بطلت الوصية له كما تبطل الهبة له، والإقرار له بالدين أما الوصية فلأن المعتبر فيها حالة الموت، وهو وارث فيها فلا تجوز له، والهبة حكمها مثل الوصية لما عرف في موضعه، وأما الإقرار فإن كان الابن كافرا فلا إشكال فيه لأن الإقرار وقع لنفسه، وهو وارث بسبب كان ثابتا عند الإقرار، وهو البنوة فيمتنع لما فيه من تهمة إيثار البعض فكان كالوصية فصار كما إذا كان له ابن، وأقر لأخيه في مرضه ثم مات الابن قبل أبيه، وورثه أخوه المقر له فإن كان الإقرار له يكون باطلا لما ذكرنا كذا هذا. بخلاف ما إذا أقر لامرأة في مرضه ثم تزوجها حيث لا يبطل الإقرار لها لأنها صارت وارثة بسبب حادث، والإقرار يلزمه بنفسه، وهي أجنبية حال صدوره فيلزم لعدم المانع من ذلك، ويعتبر من جميع المال بخلاف الوصية لها لأنها إيجاب عند الموت، وهي وارثة فلهذا اتحد الحكم فيهما في الوصية، وافترقا في الإقرار حتى كانت الزوجة قائمة عند الإقرار، وهي غير وارثة فإن كانت نصرانية أو أمة ثم أسلمت قبل موته أو أعتقت لا يصح الإقرار لها لقيام السبب حال صدوره، وإن كان الابن عبدا فإن كان عليه دين لا يصح إقراره لأن الإقرار وقع له، وهو وارث عند الموت فتبطل كالوصية، وإن لم يكن عليه دين صح الإقرار لأنه وقع للمولى إذ العبد لا يملك، وقيل الهبة له جائزة لأنها تمليك في الحال، وهو لا يملك فيقع للمولى، وهو أجنبي فيجوز بخلاف الوصية لأنها إيجاب عند الموت، وهو وارث عنده فيمتنع، وفي عامة الروايات هي في المرض كالوصية فيه لأنها، وإن كانت منجزة صورة فهي كالمضاف إلى ما بعد الموت حكما لأن حكمها يتقرر عند الموت ألا ترى أنها تبطل بالدين المستغرق ولا تجوز بما زاد على الثلث، والمكاتب كالحر لأن الإقرار والهبة يقع له، وهو وارث عند الموت فلا يجوز كالوصية كذا ذكر الشارح.
قال رحمه الله: "والمقعد والمفلوج والأشل والمسلول إن تطاول ذلك، ولم يخف منه الموت فهبته من كل المال" لأنه إذا تقادم العهد صار من طبعه كالعمى والعرج، وهذا لأن المانع من وإلا فمن الثلث

 

 ج / 9 ص -316-     التصرف مرض الموت، ومرض الموت لا يكون سببا للموت غالبا، وإنما يكون سببا للموت إذا كان بحيث يزداد حالا فحالا إلى أن يكون آخره الموت، وأما إذا استحكم وصار بحيث لا يزداد ولا يخاف منه الموت لا يكون سببا آخره الموت كالعمى ونحوه، ولهذا لا يستقل بالتداوي
قال رحمه الله: "وإلا فمن الثلث" أي إن لم يتطاول يعتبر تصرفه من الثلث إذا كان صاحب فراش ومات منه في أيامه لأنه من ابتدائه يخاف منه الموت، ولهذا يتداوى فيكون من مرض الموت، وإن صار صاحب فراش بعد التطاول فهو كمرض حادث به حتى تعتبر تبرعاته من الثلث كذا ذكر الشارح، والله تعالى أعلم.

باب العتق في المرض والوصية بالعتق
تحريره في مرضه
______
باب العتق في المرض والوصية بالعتق
لما كان الإعتاق في المرض من أنواع الوصية، وكان له أحكام مخصوصة أفرده بباب على حدة، وأخرجه عن صريح الوصية لأن الصريح هو الأصل
قال رحمه الله: "تحريره في مرضه" يعني يكون وصية فإن خرج من الثلث لا سعاية عليه، وسيأتي حكم ذلك إن شاء الله تعالى أطلق في كونه وصية فشمل ما إذا عجل البدل أو بعضه فمات السيد أو مات العبد قبل السيد، وترك مالا وما إذا أعتق على مال أو لا قال في المبسوط مسائله تشتمل على فصول إحداها في تعجيل المعتق بعض السعاية إلى مولاه، والثاني في ترك السعاية بعد موته، والثالث في تعجيل بعض السعاية في حياته وترك السعاية بعد موته، وإذا أعتق عبدا في مرضه قيمته ثلثمائة فعجل العبد لمولاه مائتي درهم فأنفقها ثم مات ولا مال له غيرها يسعى في ثلثي المائة الباقية، وسلم له ثلث المائة، وهو حر لأن العتق في مرض الموت وصية، وفي الوصايا يعتبر مال الميت يوم القسمة لا يوم الوصية، والموت ومال الميت يوم القسمة مائة درهم لأنه لما عجل ثلثي السعاية في حياة المولى صح التعجيل لأنه عجل بعد وجود سبب الوجوب لأن السعاية تجب عليه بعد الموت لكن بالسبب السابق، وهو العتق أو تعجيل الحكم بعد وجود سبب الوجوب جائزة كتعجيل الزكاة وغيرها فصار المعجل ملكا للمولى، وقد أنفقها في حياته  في حاجته. والوصايا تنفذ عما يفضل عن حاجته الحالية، والفاضل عن حاجته يوم القسمة مائة درهم، وقد أوصى للعبد بجميع المائة فيكون له ثلث المائة الباقية، ولو عجل قيمته كلها فأنفقها لم يسع في شيء لأنه أدى قيمة نفسه مرة بعدما صار مكاتبا عند أبي

 

 ج / 9 ص -317-     ومحاباته
______
حنيفة، وحرا مديونا عندهما فلا يلزمه أخرى كالمكاتب الحقيقي إذا أدى بدل الكتابة مرة يعتق فكذا هذا، ولو عجل شيئا، واكتسب العبد ألف درهم ثم مات العبد، وترك بنتا ومولاة ثم مات السيد فللمولى من الألف خمسمائة وعشرون، وسعاية العبد من ذلك أربعون، وميراثه أربعمائة وثمانون، والباقي للبنت، ولو عجل للمولى قيمته كلها فأنفقها المولى، والمسألة بحالها فللبنت من تلك الألف ستمائة، ولوارث المولى أربعمائة، ولو اكتسب العبد ومات عن ثلاثمائة، وترك بنتا وامرأة ثم مات المولى في مرضه فلورثة المولى من ذلك مائتان وثمانية وعشرون درهما، وأربعة أسباع درهم، وللبنت سبعة وخمسون درهما وسبع دراهم، وللمرأة أربعة عشر درهما وسبع دراهم، ولو ترك بنتين وامرأة ومولاة، والمسألة بحالها قسمت الثلاثمائة على سبعة وستين للمولى من ذلك ثلاثة وأربعون سعاية وخمسة ميراثا، وللبنتين ستة عشر، وللمرأة ثلاثة، وإذا أعتق في مرضه عبدا قيمته ثلاثمائة ثم اكتسب العبد ثلاثمائة ثم مات، وترك بنتا ثم مات المولى وله أيضا ثلاثمائة وصية فمن ذلك مائتان وأربعون للمولى من ذلك مائة وعشرون من إرثه، وللبنت مائة وعشرون، وتخريجه لأبي حنيفة في المحيط، ولو عجل مائة إلى المولى فأكلها ثم مات، وترك ثلاثمائة، وبنتا ومولاة فللمولى من ذلك مائة درهم بالسعاية، ومائة بالميراث، ولو أعتق عبدين في المرض قيمة كل واحد منهما ثلاثمائة لا مال له غيرهما فمات أحدهما، وترك ألف درهم اكتسبها بعد العتق ولا وارث له غير المولى سعى الحي في أربعين درهما، وكانت للمولى مع الألف الذي تركه الميت لأن ماله ألف وثلاثمائة متروكة عن الميت وثلاثمائة قيمة الحي، ولو أوصى بستمائة لما أعتق العبدين في مرضه وستمائة أكثر من ثلث ماله فإذا لم تجز الورثة يجعل ماله على ثلاثة أسهم سهم للعبدين بالوصية بينهما نصفين فانكسر فأضعف فصار ستة؛ للمولى أربعة وللعبد سهمان، وتخريجه يطلب في المحيط قال الشارح إن حكم التحرير حكم الوصية يعتبر من الثلث، ومزاحمة أصحاب الوصايا في التصرف لا حقيقة الوصية.
قال رحمه الله: "ومحاباته" يعني في مرضه وصية تعتبر من الثلث قال في المحيط والمحاباة في المرض وصية وأطلق المحاباة فشمل ما إذا كان في نكاح أو بيع أصله أن الوصية عقد إرث صحيحة لأن منافع البضع عند الدخول متقومة، وإذا تزوج المريض امرأة على مائة درهم ولا مال له غيرها، ومهر مثلها خمسون درهما ثم ماتت المرأة ثم مات الزوج كان وصيتها ثلاثة وثلاثين درهما وثلثا. وتخريجه أن مال الزوج لما حابى به، وهو خمسون وما ورث منها، وذلك نصف مهر مثلها خمسة وعشرون فصار مال الزوج خمسة وسبعين فيجعل ذلك على ثلاثة أسهم سهم للمرأة يعود نصفه إلى الزوج بالميراث فانكسر فأضعف فصار ستة سهمان للمرأة يعود سهم من نصيبها إلى الزوج بالميراث، وهذا هو السهم الدائر فيطرح من نصيب الزوج يبقى له

 

 ج / 9 ص -318-     وهبته وصية
______
ثلاثة، وللمرأة سهمان فيصير مال الزوج في الآخرة على خمسة وسبعين خمساها للمرأة الثلث، وذلك ثلاثون من خمسة وسبعين فلها ثلاثون درهما بالوصية من مائة، ويرد عشرون على ورثة الزوج نقصا للوصية بالمحاباة ثم يضم ثلاثون إلى مهر مثلها، وذلك خمسون فصار ثمانين للزوج نصفه، وذلك أربعون، وينقص أربعون ثم ما أصاب الزوج من أربعين يضم إلى ما أخذه بنقص الوصية، وذلك عشرون فصار له ستون، وقد نفذنا الوصية في ثلاثين فاستقام الثلث والثلثان، وأما تخريج أبي يوسف أن مال الزوج لما حابى به، وذلك خمسون فيكون لها ثلث المحاباة، وذلك ستة عشر وثلثان ولا يعتبر ماله بما يرث منها لما بينا في الباب المتقدم ثم يضم ستة عشر وثلثين إلى مهر مثلها، وذلك خمسون فيصير ستة وستين وثلثين للزوج نصف ذلك بالميراث، وذلك ثلاثة وثلاثون وثلث فهذا مال استفاده الزوج بالميراث فيجعل على ثلاثة أسهم سهم للمرأة فيعود نصفه إلى الزوج بالميراث فانكسر فأضعف صار ستة؛ للمرأة سهمان فيعود منها سهم إلى الزوج فهذا هو السهم الدائر فاطرحه من نصيب الزوج يبقى له ثلاثة، وللمرأة سهمان. وذلك ثلاثة وثلاثون وثلث على خمسة خمساه للمرأة، وذلك ثلاثة عشر وثلث درهم يضم ذلك إلى ستة عشر فصار ثلاثين، وأما تخريج محمد بأن للمرأة ثلث المحاباة، وذلك ستة عشر وثلثان يضم ذلك إلى مهر مثلها، وذلك خمسون فصار ستة  وستين وثلثا درهم فيجعل ذلك على سهمين سهم للزوج فقد مات الزوج عن سهم للمرأة ثلث ذلك بالوصية فانكسر بالثلث فاضرب سهمين في ثلاثة فصار ستة للزوج ثلاثة، وللمرأة سهم فصار المال، وهو ستة وستون وثلثان على خمسة خمس ذلك للمرأة، وذلك ثلاثة عشر وثلث يضم إلى ما أعطينا لها في الابتداء، وذلك ستة عشر وثلثان فصار وصيتها ثلاثين.
قال رحمه الله: "وهبته وصية" يعني حكمها حكم الوصية أي إذا وهب المريض في مرضه يكون حكمه حكم الوصية أطلق في الهبة فشمل ما إذا عادت للمريض أو لم تعد، وللأجنبي، وللوارث قال في المنتقى وهب المريض لرجل أمة، وقيمتها ثلاثمائة ولا مال له غيرها فباعها الموهوب له للواهب، وهو صحيح بمائة درهم، ولم يقبض المائة ثم مات الواهب من مرضه، والجارية تسلم لورثة الواهب، ويأخذون من الموهوب له ثلاثة وثلاثين درهما وثلثا لأنه حين باعها إياه كان كأنه قد استملك الجارية وصارت قيمتها دينا عليه، وهي ثلثمائة فكانت هذه الثلاثمائة زيادة في مال الميت فصار ماله ستمائة إلا أن عليه دين مائة درهم فصار ماله الذي تجوز فيه وصيته خمسمائة درهم فللموهوب له ثلثها. وذلك مائة وستة وستون وثلثان فيكون ذلك وصية له من قيمة الأمة يبقى عليه مائة وثلاثة وثلاثون وثلث، وقد كان له على الواهب مائة دينا يبقى عليه ثلاثة وثلاثون وثلث، ولو وهب المريض أمة قيمتها ستمائة درهم فباعها الموهوب له من الواهب

 

 ج / 9 ص -319-     ...........................................
______
بمائتي درهم ثم ماتا جميعا ولا مال لواحد منهما غيرها فإن الجارية تباع، وتدفع المائتين إلى ورثته لأن الهبة قد نفذت من الثلث فينفذ بيعه من الواهب في الثلث لأن بيع المريض لا يجوز إلا بمثل قيمته، وقيمته ثلثها مائة درهم فيرد ذلك القدر من ثمنها إلى تركة الموهوب له
مريض وهب عبده لرجل، وعليه دين محيط بقيمته ولا مال له غيرها فأعتقه الموهوب له قبل موت المريض جاز عتقه لأنه أعتق ما يملكه، وإن أعتقه بعد موته لم يجز عتقه لأنه تعلق حق الغريم به بيعا واستيفاء وصار مستغرقا بدينه فانقضت الهبة من الأصل، وعاد إلى قديم ملكه فظهر أنه أعتق ما لا يملكه
قال محمد مريض أقر لعبد رجل أنه ابنه ثم مات قال أبو يوسف إن صدقه السيد في حياة المريض ورثه لأنه ثبت نسبه منه بتصادقهما فإن صدقه بعد موته لا يرثه لأن إقراره قد بطل بموته، وذكر الحسن بن زياد عن أبي يوسف في مريض له ابن معروف، وهو عبد لرجل فأقر المريض أن المولى قد أعتق ابنه قال إن صدقه في حياته ورثه إذا مات، وإن صدقه بعد موته لم يرثه لما بينا.
ولو وهب أحد الزوجين لصاحبه في المرض أصله أن أجوبتهم لمسائل الباب متفقة، وتخاريجهم لها مختلفة فأبو حنيفة اعتبر جميع مال الموصي في القسمة وطرح السهم الدائر من جملة المال لأن الدور يقع بسبب المال المستفاد بالميراث، وأنه لو لم يرث منها شيئا بأن كان عليها دين مستغرق لجميع ماله لم يقع الدور ومحمد اعتبر القسمة في المال الموصى به وطرح السهم الدائر من المال المستفاد بالوصية لأن الدور يقع من ذلك فإنه لو لم يستفد شيئا بالوصية بأن كان على الزوج دين مستغرق يقع الدور، والصحيح ما قاله أبو حنيفة لأن الوصية للمرأة، والمرأة للزوج من وصيتها إنما توزع من مال الزوج لا من مالها فكان العمل من ماله فكان طرح السهم الدائر من نصيبه أولى. ثم المسائل على فصول
أحدها في هبة الزوج لامرأته في مرضه،
والثاني في هبته في مرضه لامرأته ووصيته لأجنبي،
والثالث في هبة كل واحد من الزوجين لصاحبه، وإذا وهب لامرأته في مرضه مائة درهم لا مال له غيرها وماتت ومات، وتركت عصبة للزوج لورثة الزوج ستون ببعض الهبة، وجازت في أربعين للزوج من ذلك عشرة بميراثه، ولعصبتها عشرون لأنها لما ماتت قبل موت الزوج صارت أجنبية، ولم تبق وارثة قبل موت الزوج فصحت الهبة لها فلم تبطل الهبة لها، وإن كانت الهبة المنفذة وصية والوصية تبطل بموت الموصى له قبل موت الموصي لأنها هبة حقيقية حتى ملكها الموهوب

 

 ج / 9 ص -320-     ...........................................
______
له في الحال وصية حكما حتى تنفذ من الثلث. والهبة لا تبطل بموت الموهوب له قبل موت الواهب بعدما تمت بالقبض، وباعتبار أنها وصية تنفذ من الثلث عملا بالشبهين ولا يجوز إبطالها بالشك بعد صحتها ثم تخريجه لأبي حنيفة، وهو أن جميع المال للزوج المائة الموهوبة فيجعل على ثلاثة أسهم لحاجتين لأجل الوصية للمرأة، وذلك سهم وسهمان للزوج ماتت المرأة عن سهم فيكون ميراثا بين زوجها وعصبتها نصفين، وقد انكسر بالنصف فأضعف فصار ستة فصار للزوج أربعة، ولها سهمان  فيعود إلى الزوج سهم بالميراث منها، وهو السهم الدائر فاطرحه من نصيب الزوج فكان نصيبه أربعة فبقي له ثلاث، ولها سهمان فصار جميع مال الزوج على خمسة خمسا المائة، وذلك أربعون لها بالوصية، وللزوج ثلاثة أخماسها ستون ثم يعود إلى الزوج نصف حصتها بالميراث فصار للزوج ثمانون، ولعصبتها عشرون، وأما تخريج أبي يوسف، وهو أن مال الزوج ما يرث منها لا جميع ما وهب منها لأن هذه هبة منفذة، ولهذا لا تبطل بموتها قبل موت الزوج فيعتبر بما لو وهبها في الصحة ثم ماتت، والزوج وارثها يعتبر مال الزوج ما ورث منها لا جميع الموهوب فكذا هذا، وقد ورث الزوج منها ستة عشر درهما وثلثي درهم لأن لها ثلث المائة ثلاثة وثلاثين وثلث فيكون للزوج نصفه، وذلك ستة عشر درهما وثلثان ثم لها خمسا ستة عشر بعد طرح السهم الدائر من الوجه الذي بينا، وذلك ستة دراهم وثلثان يضم إلى ما أعطينا لها في الابتداء. وذلك ثلاثة وثلاثون وثلث فصار لها أربعون ثم يرث الزوج منها عشرين فيصير لورثة الزوج ثمانون، وأما تخريج محمد بأن لها ثلث المائة، وذلك ثلاثة وثلاثون وثلث فيجعل ذلك المال على سهمين لحاجتك إلى النصف للزوج بالميراث فيكون لها ثلث ذلك السهم بالوصية فانكسر بالثلث فاضرب أصل الفريضة، وذلك سهمان في ثلاثة فصار ستة فاطرح السهم الدائر من جميع السهام فصار خمسة فلها خمسي ثلاثة وثلاثين وثلث، وذلك ستة دراهم وثلثان فصار لها أربعون، وللورثة ثمانون، ولو كان لها مائة أخرى، والمسألة بحالها فإنه يرد إلى ورثة الزوج عشرون درهما ببطلان الهبة، وأربعون درهما بالميراث، وتخريجه أن مال الزوج مائتا درهم وخمسون درهما، وللمرأة بالوصية خمسا ذلك بعد طرح السهم الدائر، وذلك مائة ثم يعود إلى الزوج نصفها بالميراث، وذلك خمسون فصار للزوج مائتان، وقد نفذنا الوصية في مائة فاستقام الثلث والثلثان، ولو كان للمرأة مائتا درهم ثم سوى ذلك ولا مال للزوج سوى ما وهب، والمسألة بحالها جازت الهبة في ستين، وتخريجه أن مال الزوج يوم القسمة مائة وخمسون المائة الموهوبة وخمسون ميراثا فيجعل ذلك على ثلاثة للمرأة سهم وللزوج سهمان ثم سهم المرأة يصير ميراثا بين زوجها وعصبتها فانكسر بالنصف فضعف فصار لها سهمان ثم عاد إلى الزوج سهم بالميراث فصار في يد الزوج خمسة فالسهم الخامس هو الدائر فاطرحه من نصيب الزوج بقي نصيبه ثلاثة، وبقي حق

 

 ج / 9 ص -321-     ...........................................
______
المرأتين سهمين فصار مال الزوج على خمسة فلها خمساه. وذلك ستون، ويرد أربعون إلى الزوج فصار في يد الزوج تسعون ثم يعود نصف ما صار لها بالوصية إلى الزوج، وذلك ثلاثون فصار للزوج مائة وعشرون، وقد نفذت الوصية في ستين فاستقام الثلث والثلثان، ولو كان على أحدهما دين قضي دينه أولا ثم ما فضل ينفذ التبرع في ثلثه وهب لامرأته في مرضه مائة لا مال له غيرها، وعليه دين خمسون ثم ماتت المرأة قبله أخذ رب الدين خمسين، وجازت وصيتها في عشرين يعود نصفه إلى الزوج بالميراث فيكون لورثة الزوج أربعون، ولورثتها عشرة لأن الوصية تنفذ من المال الفارغ عن الدين وخمسون درهما من مال الزوج مشغول بالدين فيجعل كالهالك، ويعتبر ماله الفارغ خمسون، وقد أوصى بذلك كله فتنفذ الوصية من الثلث، ولها خمسا خمسين بعد طرح السهم الدائر على ما بينا، وذلك عشرون فلها عشرون بالوصية، وترد ثلاثين على ورثة الزوج ثم يعود نصف ما صار لها بالوصية من الزوج، وبالميراث، وذلك عشرة فصار له أربعون، وقد نفذنا الوصية في عشرين، ولو وهب لها ثمانين درهما، وكان عليها عشرة دينا كانت وصيتها ثلاثين درهما، وتخريجه أن مال الزوج خمسة وسبعون لأن دين المرأة نصفه على الزوج لأن قدر ما يصير للمرأة بالوصية كان ملكا للزوج، ويعود إلى ملكه بالميراث فصار كالقائم في ملكه لما عاد إليه مثله فكذا هذا ونصف الدين من ذلك المال فكان نصف الدين على الزوج معنى واعتبارا، وذلك خمسة. والمشغول بالدين كالهالك في حق تنفيذ الوصية فيبقى مال الزوج خمسة وسبعين فيجعل ذلك على ثلاثة أسهم سهم لها يعود نصفه إلى الزوج بالميراث فانكسر فأضعف ستة سهمان للمرأة، وأربعة للزوج ثم يعود سهم من سهمي المرأة إلى الزوج بالميراث فيصير له خمسة فالسهم الخامس هو السهم الدائر فاطرح من نصيب الزوج فصار ماله على خمسة أسهم خمساه للمرأة، وذلك ثلاثون يقضى من ذلك دينها عشرة يبقى عشرون فارغا عن الدين والوصية فيعود نصف ذلك إلى الزوج بالميراث، وذلك عشرة فصار لها ستون، ولو وهب لها مائة، وعليها عشرة دراهم، والمسألة بحالها فلها  ثمانون وثلثان بالوصية، وتخريجه على ما ذكرنا. ولو وهب لها مائة درهم، وأوصى لرجل بثلث ماله قسمت المائة على أحد عشر سهما سهمان للمرأة وسهمان للموصى له وسبعة لورثة الزوج في قول أبي حنيفة ثم يرث الزوج منهما سهما فيكون لورثته ثمانية أسهم، وعلى قولهما تقسم على أحد وعشرين لها ستة، وللموصى له سهمان ثم ترجع منها ثلاثة إلى الزوج بالإرث، وتخريجه لأبي حنيفة، وهو أنه اجتمع في مال الزوج وصيتان وصية للمرأة، ووصية للآخر بالثلث، ولم تجز الورثة فيجعل ثلث المال بينهما نصفين لأن عنده الموصى له بأكثر من الثلث لا يضرب إلا بالثلث فصار كأنه أوصى لكل واحد منهما بالثلث. فيقسم على طريق العول لا على سبيل المنازعة لأن هذه الوصية بمعنى الميراث لأن حق كل واحد منهما شائع في كل التركة فاجعل ثلث المال على

 

 ج / 9 ص -322-     ...........................................
______
سهمين لحاجتك إلى النصف فصار حقه في سبعة، وبقي حق الموصى لهما في أربعة كما كان فصار مال الزوج في الآخرة على أحد عشر ثم يعود سهم من سهام المرأة إلى الزوج بالميراث فيصير لورثة الزوج ثمانية، وقد نفذنا الوصية في أربعة، وبقي لعصبة المرأة سهم، وللموصى له بالثلث سهمان، وأما تخريجهما أن من أصلهما أن الموصى له بالجميع يضرب في الثلث بجميع حقه، والموصى له بالثلث يضرب بالثلث فتضرب المرأة بثلاثة أسهم، وللأجنبي بسهم فصار الثلث على أربعة وصار الجميع على اثني عشر لورثة الزوج ثمانية، وللموصى لهما أربعة للمرأة من ذلك ستة، وللأجنبي سهمان فقد ماتت المرأة عن سبعة فيعود نصفها إلى الزوج بالميراث، وهو ثلاثة ونصف، وهذا مال استفاده الزوج لم تنفذ فيه الوصية فيصير بين الموصى لهما وبين ورثة الزوج فهي السهام الدائرة فاطرحها من نصيب الزوج، ونصيبه ستة عشر بقي له ثلاثة عشر، وللموصى له ثمانية فقد صار المال في الآخرة على أحد وعشرين للمرأة ستة يعود نصفها إلى الزوج بالميراث فصار له ستة عشر بقي للمرأة ثلاثة، وللأجنبي سهما لأن عند محمد تطرح السهام الدائرة من جميع المال بقي أحد وعشرون فتقسم على نحو ما ذكرنا، ولو كانت هي التي أوصت بثلث مالها، ولم يوص الزوج جازت الوصية في ثلاثة أسهم من ثمانية أسهم سهم من ذلك للموصى له. وسهم يعود إلى الزوج بميراثه منها، وسهم لورثتها، وتخريجه أن تجعل المال على ثلاثة أسهم سهم للمرأة بالوصية، وقد انكسر هذا السهم بين ورثتها، والموصى له على ثلاثة فاضرب ثلاثة في ثلاثة فصار تسعة فثلاثة بين الموصى له والزوج والعصبة على ثلاثة مستقيم لكل واحد سهم فقد عاد إلى الزوج سهم بالميراث، وهو السهم الدائر فاطرحه من نصيب الزوج يبقى للزوج خمسة، وللمرأة ثلاثة فصار مال الزوج ثمانية ثم يعود سهم مما صار لها إلى الزوج بالميراث فيصير لورثة الزوج ستة، وقد نفذت الوصية في ثلاثة، ولو تركت ابنها وزوجها، ولم يوص إلا لها بالهبة فالهبة في أربعة أسهم من أحد عشر سهما، وتخريجه أن يجعل مال الزوج، وذلك مائة على ثلاثة أسهم للمرأة ثلاثة انكسر على ورثتها بالربع فاضرب ثلاثة في أربعة فصار اثني عشر صار للمرأة أربعة، وقد استقامت بين ورثتها فيعود سهم إلى الزوج بالميراث فهو السهم الدائر فاطرحه من نصيب الزوج يبقى له سبعة، وبقي حقها في أربعة فصار مال الزوج على أحد عشر فيعود سهم إلى الزوج بالميراث منها فصار له ثمانية، وقد نفذنا الوصية في أربعة فصار مال الزوج على أحد عشر امرأة وهبت لزوجها في مرضها مائة درهم، ووهب لها في مرضه مائة درهم ولا مال لهما غيرهما ثم ماتا معا لم يرث أحدهما من صاحبه، ويحوز كل واحد منهما نصف الهبة لأنهما لما ماتا معا لم يبق كل واحد وارثا لصاحبه لأنه ميت وقت موت صاحبه فجازت الهبتان في النصف. وتخريجه أن مال الزوج يوم القسمة مائة وثلاثة وثلاثون.

 

 ج / 9 ص -323-     ولم يسع إن أجيز فإن حابا فحرر فهي أحق، وبعكسه استويا
______
قال رحمه الله: "ولم يسع إن أجيز" أي إذا أجازت الورثة العتق في المرض فلا سعاية على المعتق لأن العتق في المرض وصية على ما بيناه، وهو يجوز بإجازة الورثة فلا يلزمه شيء لأن المنع لحقهم فيسقط بالإجازة على ما بينا هذا إذا لم يخرج من الثلث.
قال رحمه الله: "فإن حابا فحرر فهي أحق، وبعكسه استويا" أي إذا حابا ثم أعتق فالمحاباة أولى فإن أعتق ثم حابا فهما سواء، وهو المراد بقوله وبعكسه استويا، وأطلق في المحاباة فشمل الدراهم والدنانير والأجل والبيع والإقالة، وهذا عند أبي حنيفة، وقالا هما سواء في المسألتين، والأصل فيهما أن الوصايا إذا لم يكن فيها ما جاوز الثلث فلكل واحد من أصحاب الوصايا أن يضرب بجميع وصيته في الثلث لا يقدم  البعض على البعض إلا بالعتق الموقع في المرض، والعتق المعلق بموت الموصي كالتدبير الصحيح سواء كان مطلقا أو مقيدا، والمحاباة في المرض بخلاف ما إذا قال إذا مت فهو حر بعد موتي بيوم، والمعنى فيه أن كل ما يكون منفذا عقيب الموت من غير حاجة إلى التقييد فهو في المعنى أسبق مما يحتاج إلى تقييد بعد الموت، والترجيح يقع بالسبق لأن ما ينفذ بعد الموت من غير تنفيذ ينزل منزلة الديوان فإن صاحب الدين ينفرد باستيفاء دينه إذا ظفر بجنس حقه. وفي هذه الأشياء يصير مستوفيا بنفس الموت، والدين مقدم على الوصية فكذا الحق الذي في معناه وغيرها من الوصايا قد تساوت في السبب، والتساوي فيه يوجب التساوي في الاستحقاق فإذا ثبت هذا فهما يقولان إن العتق أقوى لأنه لا يلحقه الفسخ والمحاباة يلحقها الفسخ ولا معتبر بالتقدم في الذكر لأنه لا يوجب التقديم إلا إذا اتحد المستحق، واستوت الحقوق على ما يجيء بيانه إن شاء الله تعالى
وأبو حنيفة يقول أن المحاباة أقوى لأنها تثبت في ضمن عقد المعاوضة فكان تبرعا بمعناها لا بصفتها حتى يأخذه الشفيع، ويملكه العبد والصبي المأذون لهما، والإعتاق تبرع صيغة ومعنى فإذا وجدت المحاباة أولا دفعت الأضعف، وإذا وجد العتق أولا، وثبت، وهو لا يحتمل الدفع كان من ضروراته المزاحمة، وعلى هذا قال أبو حنيفة إذا حابى ثم أعتق يقسم الثلث بين المحابتين نصفين ثم ما أصاب المحاباة الأخيرة قسم بينهما وبين العتق لأن العتق مقدم عليهما فيستويان، ولو أعتق ثم حابى ثم أعتق قسم الثلث بين العتق الأول وبين المحاباة وما أصاب العتق قسم بينه وبين العتق الثاني ولا يقال إن أصحاب المحاباة تسترد ما أصاب العتق الذي بعده في المسألتين لكونه أولى منه لأنا نقول لا يمكن ذلك لأنه لا يلزم منه الدور. بيانه أن صاحب المحاباة الأول في المسألة الأولى لو استرد من العتق لكونه أولى لاسترد منه صاحب المحاباة الثاني لاستوائهما ثم استرد العتق لأنه يساوي صاحب المحاباة الثاني،

 

 ج / 9 ص -324-     ...........................................
______
وفي المسألة الثانية لو استرد صاحب المحاباة، وهكذا إلى ما لا يتناهى، والسبيل في الدور قطعه، وعندهما العتق أولى من الكل، وفي المحيط إذا أسلم الرجل في مرضه مائة درهم في عشرة أكرار حنطة تساوي مائة درهم ثم مات قبل حلوله فإن شاء الذي عليه السلم يعجل ثلثي الطعام، وكان الثلث عليه إلى أجله، وإن شاء رد عليهم رأس المال لأن المريض حابى بالأجل لأنه اشترى بمائة طعاما يساوي مائة، وأجله في جميع ماله، وتأجيل المال بمعنى الوصية بجميع المال لأن الوارث يصير ممنوعا من جميع المال إلى الأجل متى صحت الوصية بجميعه، وإن أبوا فالوصية تصح بقدر الثلث فيصح التأجيل بقدر الثلث، وبطل في الثلثين فإذا بطل الأجل في الثلث يخير المسلم إليه لأنه لزمه زيادة شيء لم يرض منه لأن المسلم إليه إنما رضي أن يكون جميع الطعام عليه مؤجلا فإذا لزمه تعجيل ثلثي الطعام، والمعجل خير من المؤجل فقد لزمه زيادة شيء لم يرض به فيخير، ولو كان الطعام يساوي خمسين فإن شاء عجل الطعام كله ورد سدس المال، وإن شاء فسخ ورد كل المال لأنه حابى بالثمن وبالأجل. وقد تقدم اعتبار المحابتين جميعا لأنه ينقسم ثلثا المال عليهما نصفين لأنه لو حابى بالثمن لا غير كان لصاحب المحاباة ثلث المائة، وكذلك لو حابى بالأجل كان له ثلث الطعام إلى أجله فإذا صار نصف المال للمحاباة كان بالثمن كان نصف ثلث الطعام إلى أجله، وإذا صار الثلث للمحابتين جميعا متى اختار المسلم إليه المضي في السلم أنه يرد ثلث رأس المال إلى رب السلم حتى ينقسم ثلث المال على المحابتين جميعا ينقض السلم في الثلث فإذا دخل الأجل، وأدى المسلم إليه سدس الطعام يسترد منه نصف الثلث من رأس المال لأنه بحلول الأجل ذهب بالمحاباة في الأجل، وبقيت المحاباة في الثمن، ومتى استرد نصف الثلث تنقض الإقالة في السلم بعد استقرارها في رأس المال، وأنه لا يجوز فلهذه الضرورة تعذر اعتبار المحاباة بالأجل مع المحاباة بالثمن فكان إلغاء المحاباة بالأجل أولى لأنه بيع، وإذا لغت المحاباة بالأجل صار كأنه حابى بالثمن لا غير فيخير، وإذا أسلم المريض عشرة دراهم في كر يساوي عشرين ثم أقاله ثم مات جازت الإقالة في ثلثي الكر، ويقال للمسلم إليه أد ثلث الكر، ورد عليهم ثلثي رأس المال لأن المحاباة في مرض الموت وصية والوصية معتبرة في الثلث، ولو أسلم عشرة دراهم في كر يساوي ثلاثين درهما، وقد حابى بعشرين، والعشرة من عشرين قدر نصفه، ولو أخذ منه رأس المال، وأنفقه جازت الإقالة في ثلث الكر، وبطلت في ثلثيه. ويقال للمسلم إليه أد إلى الورثة ثلثي الكر، وارجع عليهم  بثلثي العشرة لأن ثلث ماله مثل ثلث المحاباة لأن ماله يوم القسمة ستة دراهم وثلاثين، وقد حاباه بعشرين فيكون ثلث ماله مثل ثلث المحاباة فتجوز الإقالة في ثلثي الكر، وبطلت في ثلثه فرد المسلم إليه إلى الورثة ثلثي الكر، وقيمته عشرون إلا أن على رب السلم ستة دراهم وثلاثين دينا لأنه قبض عشرة دراهم من المسلم إليه رأس المال ثلثه بحق

 

 ج / 9 ص -325-     ...........................................
______
جواز في ثلثي الكر وثلثه بغير حق لبطلان الإقالة في ثلثي الكر، وقد استهلكها فصار ذلك دينا عليه، والإقالة قبل قبض السلم، وبعده سواء عندهما، وعند أبي حنيفة هو بعد القبض ابتداء بيع لما عرف أن الإقالة فسخ عندهما، وعنده بيع جديد، وإذا اشترى في مرضه عبدا قيمته مائة بخمسين درهما فلم يتقابضا حتى تقايلا البيع فالبائع بالخيار إن شاء رد العبد، وأخذ ثمنه، وبطلت الإقالة، وإن شاء سلم لهم ثلث العبد، وأخذ منهم ثلث الخمسين لأن ثلث المال مثل ثلث المحاباة لأن ثلث المال المشترى ثلاثة وثلاثون وثلث لأن ماله عند قسمته مائة، وقد حابى بخمسين فتجوز الإقالة في ثلثي العبد ولا تجوز في ثلثه ثم يخير بين فسخ الإقالة وبين أن يجيزه أو لم يجيزه في السلم لأن الإقالة في البيع تحتمل الفسخ ما دام المعقود عليه قائما. وفي السلم لا تحتمل الفسخ لأنه لا يمكن أن يجعل بيعا مستقلا لأن الاستدلال بالسلم فيه قبل القبض لا يجوز، ولو أسلم عشرين درهما في كر يساوي عشرة في مرضه، وله على الناس ديون فلم يخرج حتى أبطل القاضي السلم أو أعطى الكر ورد سدس رأس المال ثم خرج الدين جاز ذلك، ولم يرد على المسلم إليه شيء إلا أن يخرج الدين قبل أن يختصموا فإن خرج مقدار ما يخرج المحاباة من الثلث سلم له المحاباة لأن المحاباة عشرة لأن ماله العين عشرون درهما، والدين لا يعد مال الميت ما لم يقبض لأنه قد لا يخرج فيكون ثلث ماله ستة دراهم وثلثان فتصح المحاباة بقدر، ويتخير بين الفسخ والمضي لأن السلم يحتمل الفسخ، وقد تعين على المسلم إليه شرط عقده فيتخير فإذا أبى المسلم إليه الفسخ، ونقض القاضي السلم فإنه لا ينتقض النقض بعد ذلك فإن زال السبب المقتضي للنقض، وهو عدم خروج المحاباة من ثلث ماله لأن القضاء بالنقض لا يحتمل البطلان كما لو قضى بفسخ البيع بسبب العيب ثم زال العيب لا يعود البيع، وإن زال المقتضي للفسخ، وهو العيب فكذا هذا، وإن خرج من الدين قبل النقض مقدار ما يخرج المحاباة من الثلث سلم له المحاباة لأن الدين بالقبض صار عينا فيعتبر ماله يوم القسمة، وإذا أسلم إلى مريض عشرة دراهم في كر يساوي أربعين فأنفق رأس المال ثم مات ولا مال له غير الكر فرب السلم بالخيار إن شاء نقض السلم، ورجع على الورثة بدراهمه، وإن شاء أخذ الكر، وأعطى عشرين درهما لأنه تغير عليه شرط عقده فإن رضي أن يسلم له جميع الكر بعشرة دراهم، والآن لا يسلم له الجميع بعشرة. وعقده مما لا يحتمل الفسخ فيتخير فإن مضى في السلم أخذ جميع الكر ورد عشرين لأن المسلم إليه حاباه بقدر ثلاثين فإنه باع ما يساوي أربعين بعشرة، والمحاباة أكثر من ثلث ماله فتنفذ الوصية من الثلث، وجميع ماله بعد الدين ثلاثون لأن عشرة من الكر مشغول بالعشرة التي استهلكها المسلم إليه فالمشغول بالدين لا يعدل مال الميت لأن الدين مقدم على الوصية، والفارغ من الدين قدر ثلثين فيكون له عشرة بالوصية، ويرد عشرا على الورثة هكذا ذكره الحاكم في مختصره، وذكر الفقيه أبو بكر البلخي في،

 

 ج / 9 ص -326-     ...........................................
______
وجيزه أنه متى اختار المضي يأخذ نصف الكر، ويترك النصف لأنه يكون لرب السلم نصف الكر قيمته عشرون عشرة منها تعوض ما قبض، وهو رأس المال، وعشرة بغير عوض بالمحاباة، وهو ثلث مال الميت، والصحيح ما ذكر الحاكم لأن في هذا تبعيض على ورثة المسلم إليه بغير رضاهم، وهذا لا يجوز كما في العبد والثوب الواحد فإن كان على الميت دين يحيط بتركته لم تجز المحاباة في التركة لأن المحاباة في المرض وصية والوصية تنفذ من ثلث المال الفارغ عن الدين، ولم يوجد، ولو أسلم إلى مريض عشرة في كر قيمته مائة فقبض رأس المال، وأنفقه ومات، وقد أوصى بثلث ماله فإن شاء رب السلم نقض السلم، وأخذ دراهمه، ويجوز للآخر وصيته، وإن شاء أخذ الكر، وأعطى الورثة ستين درهما ولا شيء لصاحب الوصية في قول أبي حنيفة، وعندهما يتحاصان في الثلث يضرب فيه رب السلم بتسعين وصاحب الوصية بثلاثين، وهو ثلث المال فيكون الثلث بينهما على أربعة فيأخذ رب السلم الكر. ويؤدي سبعة وستين درهما ونصفا منها تسعة ربع الثلث لصاحب الوصية، وتخريجه أن عند أبي حنيفة المحاباة أولى من الوصية ومال الميت قيمته مائة إلا أن عشرة منها مشغولة بالدين  فيبقى ماله الفارغ بين رب السلم والموصى له على أربعة لأن الوصية بالمحاباة وصية بجميع ماله، وذلك تسعون والوصية الأخرى بالثلث، وذلك ثلاثون فيقسم الثلث على سبيل العول عندهما على أربعة ثلاثة أرباعه لصاحب المحاباة، وذلك ثلاث وعشرون ونصف وأربعة للموصى له الآخر، وإذا كان للمريض على رجلين كر حنطة يساوي ثلاثين، ورأس ماله عشرة، وأقالهما ومات، وأحدهما غائب قيل للحاضر رد ثلاثة أعشار نصف رأس المال، وذلك درهم ونصف، وأد سبعة أعشار نصف الكر، وذلك يساوي عشرة ونصفا فإذا قدم الغائب جازت الإقالة في نصف الكر فيؤدي القادم نصف رأس المال حصته درهم ونصف، وربع الكر قيمته سبعة دراهم ونصف، وترد الورثة على الحاضر الطعام الذي أخذوه قدر ثلثه من عشرة ونصف، ويأخذون منه درهما من رأس المال، والثلث على سهمين، والجميع على ستة للغائب فيطرح نصيبه لأنه مستوفى وصيته بقي خمسة خمس للحاضر وأربعة للورثة فيكون للحاضر خمس ما عليه، وعليه نصف كر قيمته خمسة عشر، وخمس خمسة ثلاثة دراهم فيكون له ثلاثة دراهم ثلاثة أعشار ثلث ماله فصحت الإقالة بقدر ثلاثة أعشار ثلث ماله فصحت الإقالة بقدر ثلاثة أعشار نصف الكر، وذلك أربعة ونصف. وبطلت في سبعة أعشار نصف الكر فيرد ذلك، وقيمته عشرة ونصف إلا أن درهما ونصفا العوض ما أدى من درهم من رأس المال وثلاثة محاباة، وإذا ظهرت وصية الحاضر ثلاثة دراهم ظهر أن وصية الغائب مثل ذلك فقد نفذنا الوصية في ستة، وأعطينا الورثة ضعفها اثني عشر فقد استقام الثلث والثلثان، وإذا حضر الغائب فقد صحت الإقالة في نصف الكر
رجل اشترى أبويه، وأخاه في مرضه بثلاثة آلاف درهم، وقيمتهم سواء ففي قياس قول أبي

 

 ج / 9 ص -327-     وإن أوصى أن يعتق عنه بهذه المائة عبدا فهلك منها درهم لم تنفذ
______
حنيفة تجوز الوصية بالعتق للأم والأخ، والثلث بينهما، وللأب ما بقي، وتسعى الأم في نصف قيمتها، والأخ في نصف قيمته، وقال محمد الوصية كلها للأخ جائزة لأنه لا يرث بأن يعتق مع الأبوين ولا وصية للأم، ولها الميراث مع الأب، وتسعى فيما زاد على حصتها.
قال رحمه الله: "وإن أوصى أن يعتق عنه بهذه المائة عبدا فهلك منها درهم لم تنفذ" بخلاف الحج، وهذا قول أبي حنيفة في العتق، وقالا يعتق عنه بما بقي لأنه وصية بنوع قربة فيجب تنفيذها ما أمكن قياسا على الوصية بالحج، وله أنه وصية بالعتق بعبد يشترى بمائة من ماله، وتنفيذها فيمن يشتري بأقل منه تنفيذ في غير الموصى له، وذلك لا يجوز بخلاف الوصية بالحج لأنها قربة محضة هي حق الله تعالى، والمستحق لم يتبدل وصار كما إذا أوصى لرجل بمائة فهلك بعضها يدفع إليه الباقي. وقيل هذا الخلاف مبني على الخلاف في العتق هل هو حق الله تعالى أو حق العبد، وقيدنا بالمائة لأنه لو ذكر الثلث، وقال وهو ألف فظهر أنه أقل فالوصية باطلة، ولو أوصى بأن يشترى بثلث ماله وهو ألف عبدا يعتق عنه فإذا هو أقل من ذلك فالوصية باطلة. قيل هذا قول أبي حنيفة، وقيل قول الكل، والفرق لهما أن الوصية لهما وقع الشك في صحتها فلا تصح بالشك ولا كذلك مسألة الكتاب لأنها كانت صحيحة فلا تبطل بالشك هذا إذا أوصى له بالعتق فقط فلو أوصى له بالعتق وبالمال قال في الفتاوى سئل أبو القاسم عمن أوصى إلى رجل فقال إذا بلغ ولدي فأعتق عبدي هذا وأعطه مائتي درهم، والعبد مفسد، وهو في تعب منه فرضي العبد أن يعتق في الحال ولا يطلب صلته قال لا يجوز عتق الوصي قبل الوقت الذي أقر به الموصي، وسئل أبو بكر عمن أوصى بعتق عبديه، وأوصى لهم بصلة، وللعبيد متاع وكسوة كسا لهم صاحبهم، ومتاع وهبة لهم من غير المولى قال لا يكون للعبيد من المتاع إلا ما يواري جسدهم، وفي المنتقى إذا قال في مرضه الذي مات فيه إن مت من مرضي هذا ففلانة حرة وما كان في يدها من شيء فهو عليها صدقة قال أرى ذلك جائزا على وجه الصدقة. ولها ما كان في يدها يوم مات، وعليها البينة أن هذا كان في يدها يوم مات، وفي فتاوى الفضلي أوصى بعتق أمة، وأن يعطى لها بعد العتق من ثلث ماله كذا قال إن كانت الأمة معينة جازت لها الوصية بالعتق، وبالمال جميعا، وإن كانت بغير عينها جازت الوصية بالعتق ولا تجوز الوصية بالمال إلا أن يقول جعلت ذلك مفوضا إلى الوصي إن أحب أعطى التي أعتقها فيكون ذلك وصية جائزة كقوله ضع ثلث مالي حيث شئت ألا ترى أنه لو أوصى أن تباع أمته ممن أحب جاز، ويخير الوارث على أن يبيعها ممن أحب، وإن أبى ذلك الرجل أن يشتريها بقيمتها حط عن قيمتها مقدار ثلث ما للموصي أوصى أن يشتري عبدا في بلد كذا  بمائة، ويعتق يعتبر بلد الموصي لا بلد العبد، وفي الجامع إذا أوصى بثلثه يشتري منه كل سنة بمائتي درهم عبدا فيعتق أو قال من ثلثي فإنه

 

 ج / 9 ص -328-     وبعتق عبده فمات فجنى، ودفع بطلت
______
يشتري بذلك في أول السنة، ويعتق عنه ولا يوزع على المدة هذا إذا لم يعينه فإن كان معينا قال في الأصل وإذا أوصى أن تعتق عنه جارية بعينها، وهي تخرج من الثلث أو أوصى أن يشترى له نسمة بعينها، وتعتق عنه فاشتريت له، وجنى عليها جناية قبل العتق فإن الأرش للورثة، وإن اشترى به ما لا يمكن إعتاقه يكون صارفا وصية الميت إلى غير ما أوصى، وهذا لا تجوز، وكذلك لو كان الأرش عبدا مدفوعا فيها فلو أعتق فإنه لا يعتق، وكان ما اكتسب من مال فهو للورثة.
قال رحمه الله: "وبعتق عبده فمات فجنى، ودفع بطلت" أي إذا أوصى بعتق عبد فمات المولى فجنى العبد، ودفع بالجناية بطلت الوصية لأن الدفع قد صح لأن حق ولي الجناية يقدم على حق الموصي فكذا على حق الموصى له، وهو العبد نفسه لأنه يتلقى الملك من جهة الموصي، وملك الموصي باق إلى أن يدفع، وبه يزول ملكه فإذا خرج به عن ملكه بطلت الوصية كما إذا باعه الوصي أو وارثه بعد موته بالدين هذا إذا قتل خطأ فلو قتل عمدا فتارة يقتل مولاه عمدا، وتارة يقتل غيره قال في المبسوط أصله أن الدم متى انقلب مالا فإنه يعتبر ذلك من مال الميت حتى تنفذ منه وصيته، ويقضى دينه لأن ذلك بدل نفسه بعد وفاته كما لو كان القتل خطأ، والدم متى كان مشتركا بين اثنين فعفا أحدهما يعتبر مال الميت خمسة آلاف حصة غير العافي ولا يجعل كأن العافي أتلف القصاص، وأنه ليس بمال فلا يمكننا أن نجعله مستوفيا للمال، ولهذا شهود القصاص إذا رجعوا لم يضمنوا، وتقسم التركة بعد تنفيذ الوصية على السهام التي كانت تقسم قبل الوصية حتى يكون ضرر نقصان الوصية عائدا على الكل بقدر حصصهم لأن حقوقهم في التركة على السواء فما يلحقهم من الضرر بسبب تنفيذ الوصية يجب أن يكون على الكل لأن الاستحقاق بالوصية بمنزلة الهلاك. وهلاك بعض التركة يكون على الكل فكذا الاستحقاق فإذا أعتق عبدا قيمته ألف في مرضه ثم قتله عمدا، وله وليان فعفا أحدهما أخذ غير العافي نصف الدية فقاسمه أخاه على اثني عشر سهما للعافي، وعتق العبد بلا سعاية لأن جميع مال الميت ستة آلاف خمسة آلاف بعد الوصية بالعتق فتقسم بينهما على اثني عشر سهما لأن الباقي بعد الوصية يقسم على السهام التي كانت قبل الوصية، وقبل الوصية كان يقسم مال الميت بين الاثنين على اثني عشر لأن حق العافي في نصف العبد خمسة، وحق الساكت في خمسة آلاف وخمسمائة، وإن كانت قيمة العبد ثلاثة آلاف سعى في ثلاثمائة وثلاثة وثلاثين فيقسم ذلك مع نصف الدية بين الاثنين على ستة عشر للعافي ثلاثة أسهم، والباقي للساكت لأن مال الميت ثمانية آلاف وثلاثة آلاف قيمة العبد وثلث ماله ألفان وستمائة وستة وستون وثلثا درهم فيعتق منه هذا القدر بغير سعاية، ويسعى في الباقي، وذلك ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث فبقي مال الميت خمسة آلاف وثلاثمائة وثلاثين فيقسم بين الاثنين على ستة عشر لأن حق العافي في نصف العبد، وذلك ألف وخمسمائة، وحق الساكت ثلاثة

 

 ج / 9 ص -329-     ...........................................
______
عشر سهما، ولو لم يكن في المال وصية يقسم المال على هذه السهام فكذلك بعد الوصية، وإن مات العبد قبل أن يسعى فللعافي سدس نصف الدية، والباقي للآخر لأن الباقي من المال بعد الوصية. وهلاك بعض التركة يقسم بين الورثة على السهام التي كانت تقسم قبل الوصية والهلاك، ولو لم يكن في المال وصية يقسم مال الميت بين الاثنين على ستة أسهم لأن حق العافي في نصف العبد، وذلك ألف ومائتان وخمسون، وحق الساكت في العبد كذلك، وفي نصف الدية خمسة آلاف فيكون حقه في ستة آلاف ومائتين وخمسين فاجعل كلا بألف ومائتين وخمسين سهما فيصير حق العافي في سهم، وحق الساكت في خمسة فيكون كله ستة أسهم فيقسم بعد الوصية، والهلاك على هذه السهام فيكون للعافي سهم من ستة، وذلك سدس نصف الدية، ولو كان على المقتول دين ألف قضي الدين من نصف الدية ثم اقتسما الباقي على سبعة أسهم سهم للعافي لأن العبد صار مستوفيا نصيبه قدر ألفي درهم لأنا نجعل الباقي من مال الميت بعد الدين، وذلك أربعة آلاف درهم ثلثي مال الميت يزيد عليه مثل نصفه، وذلك ألفان فقد صار العبد مستوفيا من وصيته قدر ألفين فصار كأن الميت ترك خمسة آلاف درهم، وقيمته ألفان فيكون كله سبعة آلاف فذهب بالدين ألفان  وبالوصية ألف بقي من المال أربعة آلاف فيقسم ذلك بين الاثنين على سبعة أسهم لأن قبل الوصية، والدين حق العافي في نصف العبد قيمته ألف درهم، وحق الساكت في نصف العبد ألف وخمسة آلاف نصف الدين فاجعل ألفا سهما فصار حق العافي في سهم، وحق الساكت في ستة أسهم، وكذلك بعد الوصية. والدين يقسم على هذه السهام، ولو كان له عبدان قيمة كل واحد ألفان، والمسألة بحالها سعى كل واحد في خمسمائة يضم ذلك إلى نصف الدية يقسم بينهما على تسعة للعافي سهمان لأن جميع مال الميت تسعة آلاف خمسة نصف الدية، وأربعة قيمة العبدين، وقد أوصى بأربعة آلاف وثلث ماله ثلاثة آلاف فيكون بين العبدين نصفين لاستواء وصيتهما فأصاب كل عبد ألف وخمسمائة، وذلك ثلاثة أرباعه فيعتق من كل واحد، ويسعى في أربعة فيضم ألف السعاية إلى خمسة آلاف نصف الدية فيصير ستة آلاف يقسم بينهما على تسعة لأن حق العافي في نصف العبدين، وذلك ألفان، وحق الساكت كذلك، وله أيضا نصف الدية فيكون نصيبه سبعة آلاف فيكون تسعة أسهم فيقسم ستة آلاف على تسعة أسهم للعافي من ذلك سهمان، وذلك ألف وثلاثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث، والباقي للساكت فإن مات أحد العبدين قبل أن يؤدي شيئا سعى الباقي في ستمائة إلى نصف الدية، ويقسم بين الورثة على اثنين وأربعين سهما ثمانية ونصف من مال العافي، والباقي للساكت لأن الميت صار مستوفيا وصيته، وذلك سهم من ستة لأن الثلث كان بينهما نصفين على سهمين بقي خمسة أسهم سهم من ذلك العبد الحي، وأربعة أسهم للورثة، وجميع مال الميت سبعة آلاف نصف الدية وألفان قيمة العبد الحي فيكون للعبد الحي خمس سبعة آلاف،

 

 ج / 9 ص -330-     وإن فدى لا
______
وخمس السبعة آلاف ألف وأربعمائة فقد صار مستوفيا من وصيته ذلك القدر. ويسعى من ستمائة إلى تمام قيمته فيظهر أن الميت صار مستوفيا من وصيته ذلك القدر أيضا لأن حقهما سواء فصار مال الميت ثمانية آلاف وأربعمائة خمسة آلاف نصف الدية، وألفان قيمة العبد الحي، وألف وأربعمائة قيمة العبد الميت وما زاد على ذلك صار مستوفيا من وصيته هذا القدر أيضا لأن حقهما صار تاويا فلا يحتسب من مال الميت، وقد نفذنا الوصية في ألفين وثمانمائة بقي للورثة خمسة آلاف وستمائة ضعف ما نفذنا الوصية فيه فيقسم ذلك بين الابنين على أربعة وثمانين من غير كسر لأن قيمة الحي ألفان، وجميع مال الميت ثمانية آلاف، وأربعمائة فاجعل لكل مائة سهما فصار أربعة وثمانين سهما سبعة عشر للعافي لأن حقه في ألف وسبعمائة، والباقي للساكت، ولو كان للميت ألف عينا ومات أحد العبدين سعى العبد الحي في أربعمائة، ويقسم بين الابنين على ثمانية وأربعين فنقول قيمة العبد ثلاثة آلاف وستمائة، وألف قائمة بين الابنين نصفين لكل واحد ألفان وثلاثمائة، وقد كان للساكت نصف خمسة آلاف فصار نصيبه سبعة آلاف وثلاثمائة فاجعل كل مائة سهما فيصير كل ألف عشرة أسهم فيصير نصيب العافي ثلاثة وعشرين، ونصيب الساكت ثلاثة وسبعين فصار مال الميت مقسوما بينهما على ستة وتسعين، وإذا أوصى لرجل بعبد بعينه يساوي أربعة آلاف درهم لا مال له غيره ثم قتل رجلا عمدا وله ابنان فعفا أحدهما كان للموصى له ثلاثة أرباع العبد، ويرد ربعه، ويضم إلى نصف الدية الذي يؤخذ من القاتل فيقتسمانه على أربعة وخمسين للعافي من ذلك اثنا عشر يأخذ منها أربعة ونصفا من العبد، والباقي من نصف الدية، وتخريجه أن مال الميت كله تسعة آلاف خمسة آلاف دية، وقيمة العبد أربعة آلاف، وقد أوصى بأربعة آلاف، والموصى له بأكثر من الثلث إذا لم تجز الورثة لا يضرب إلا بقدر الثلث فيكون للموصى له ثلث ماله ثلاثة آلاف، وذلك ثلاثة أرباع العبد، ويرد ربعه إلى الورثة فيحصل للورثة ستة آلاف فيقسم ذلك بينهما على تسعة أسهم لأن العبد كان بينهما نصفين لكل واحد منهما ألفان، وللساكت خمسة آلاف نصف الدية فاجعل كل ألف سهمين فصار حق الساكت في سبعة، وحق العافي في سهمين، وستة آلاف على تسعة لا تستقيم فتضرب ستة في تسعة فصار أربعة وخمسين كان للعافي سهمان ضربناهما في ستة فصار له اثنا عشر، وللساكت سبعة ضربناها في ستة فصار اثنين وأربعين ثم العافي يأخذ أربعة ونصفا من العبد الباقي في الدية لأن العبد مع الدية جنسان مختلفان فيختلف المقصود بخلاف السعاية مع الدية لأن السعاية من جنس الدية دراهم أو دنانير فلم يختلف  المقصود فلهذا لم يتبين حق كل واحد منهما في السعاية، والمرض
قال رحمه الله: "وإن فدى لا" أي لا تبطل الوصية إن فداه الورثة. وكان الفداء في أموالهم لأنهم هم الذين التزموه، وجازت الوصية لأن العبد ظهر عن الجناية فصار كأنه لم يجز هذا إذا

 

 ج / 9 ص -331-     ...........................................
______
كانا خطأ، وولي الجناية واحدا فلو كان له وليان والقتل عمدا فعفا أحدهما، واختار أخذ العبد قال في المبسوط فلو عفا عنه ولي المقتول في العمد، وهو عبد قيمته عشرة آلاف، وأوصى لرجل بثلث ماله فاختاره مولى الجناية أخذ العبد كان له سدس العبد وسدسه للموصى له بالثلث وأربعة أسداسه للورثة عند أبي حنيفة، وإن اختار الفداء فدى بخمسة أسداس الدية، وأخذ صاحب الثلث سدس الدية من الورثة لأن عنده الموصى له بالثلث يساوي الموصى له بالجميع لأن الموصى له بالثلث لا يضرب بالزيادة فصار الثلث على سهمين وصار الجميع على ستة فالولي يملك سدس العبد، ويدفع خمسة أسداس إلى الورثة ثم الموصى له بالثلث يأخذ جميع ما بقي من الثلث من يد الورثة، وذلك سدس الكل، وبقي للورثة سدس العبد، ومتى كانت الدية والقسمة سواء لا يختلف الجواب بين الدفع والفداء، وإن كانت قيمته ألف درهم فحكم الدفع كذلك، وإن فداه فدى ثلثه بثلث الدية يأخذ الموصى له من ذلك ثلثي ألف من ثلث الدية، والباقي للورثة، وعلى قولهما أن مولى العبد يضرب في الثلث بجميع العبد وصاحب الثلث يضرب بالثلث فيقسم ثلث المال على أربعة لمولى العبد ثلاثة أرباع الثلث، ويدفع الباقي إلى الورثة فيأخذ صاحب الثلثين من الورثة ربع الثلث فيجري الجواب على قولهما على مقتضى هذا. ولو كانت قيمته خمسة آلاف فحكم الدفع لا يختلف فإن فداه فدى خمسة أسباعه بخمسة أسباع الدية سهم من ذلك لصاحب الثلث، وأربعة للورثة، وتخريجه في المحيط، ولو قتل خطأ وللمقتول وليان قال ولو دفع العبد بالجناية لأحد الوليين ثم مات العبد قال في المبسوط ولو قتل عبد لرجل رجلا خطأ، وله وليان فدفع نصفه أحدهما، والآخر غائب ثم مات العبد ولا مال له غيره فإن الولي الغائب يرجع على القابض بربع قيمة العبد لأن نصف العبد الجاني مات، وأخلف بدلا لأن النصف الذي قبضه الحاضر مضمون عليه وأن قبضه للاستيفاء قبض ضمان فقد فات نصف المقبوض عن خلف، وهو القيمة وفات النصف الذي غير مقبوض بلا خلف لأن العبد في مولى الجاني أمانة، وليس بمضمون فيرجع الغائب بنصف قيمته ما هو مضمون على القابض، وهو ربع قيمة الكل، ولو كان قد أنصفه منه بنفس الدية ثم مات العبد، وحضر الغائب فإنهما يقتسمان نصفه نصفين، ويرجعان على مولى العبد بنصف الدية أيضا فيكون بينهما نصفين، ولو فدى من أحدهما ثم قتل العبد، وأخذ السيد قيمته دفع نصف القيمة إلى الغائب لأن اختيار الفداء في حق أحدهما لا يكون اختيارا للفداء في حق الآخر ما دام قائما لأنه لا ضرر على الآخر في ذلك فإنه لو اختار الدفع إليهما كأن يصل إليه نصف العبد، وهذا العبد قائم معنى لقيام بدله، وهو القيمة لأن البدل قائم مقام المبدل معنى، واعتبارا فيدفع البدل إلى الغائب لأنه بدل حقه ولا يتراجعان، وإن كان دفع القيمة إلى الغائب فهو كدفع نصف العبد إليه، ولو دفع إليه نصف العبد لا يتراجعان. فكذا إذا دفعه معنى واعتبارا قيل المراد بنصف

 

 ج / 9 ص -332-     وبثلثه لزيد وترك عبدا فادعى زيد عتقه في صحته، والوارث في مرضه فالقول للوارث ولا شيء لزيد إلا أن يفضل من ثلثه شيء أو يبرهن على دعواه
______
القيمة نصف الدية، ومن أصحابنا من قال اختيار الفداء للحاضر لا يكون اختيارا للدية في حق الغائب عند أبي حنيفة لأن أحد الورثة لا ينتصب خصما عن الباقين فتكون المسألة الثانية على قول أبي حنيفة، والأولى على قولهما، ولو دفع نصفه إلى أحدهما، واختار الفداء من الآخر، وهو معسر لا يقدر على شيء فإنه يرجع على أخيه بربع العبد، وإن كان مستهلكا بربع القيمة، وقال في الأصل بربع الدية، وهو محمول على أن القيمة مثل الدية فهذا قولهما، وفي قول أبي حنيفة لا يرجع على الآخر بربع القيمة لكن يتبع مولى العبد بنصف الدية متى أقر لأن عنده اختيار الفداء من المفلس لا يصح لما مر في كتاب الديات.
قال رحمه الله: "وبثلثه لزيد وترك عبدا فادعى زيد عتقه في صحته، والوارث في مرضه فالقول للوارث ولا شيء لزيد إلا أن يفضل من ثلثه شيء أو يبرهن على دعواه" أي إذا أوصى بثلث ماله لزيد، وله عبد، وأقر الموصى له، والوارث أن الميت أعتق هذا العبد فقال الموصى له أعتقه في الصحة، وقال الوارث أعتقه في المرض فالقول قول الوارث ولا شيء للموصى له إلا أن يفضل من الثلث شيء أو تقوم البينة أن العتق كان في الصحة لأن  الموصى له يدعي استحقاق ثلث ماله سوى العبد لأن العتق في الصحة ليس بوصية فينفذ من جميع المال، والوارث ينكر استحقاقه ثلث ماله غير العبد لأن العتق في المرض وصية. وهو مقدم على غيره من الوصايا فذهب الثلث بالعتق فبطل حق الموصى له بالثلث فكان منكرا لاستحقاقه، والقول للمنكر مع اليمين، ولكن العتق حادث، والحوادث تضاف إلى أقرب الأوقات للتيقن بها فكان الظاهر شاهدا للورثة فيكون القول قولهم مع اليمين فلا شيء للموصى له إلا أن يفضل من الثلث شيء من قيمة العبد فإنه لا مزاحم له فيه فيسلم له ذلك أو تقوم له البينة أن العتق وقع في الصحة فيكون له جميع العبد لأن الثابت بالبينة كالثابت معاينة، والموصى له خصم بالإجماع إلا أنه ثبت حقه فكذا العبد أما عند أبي حنيفة فظاهر لأن العتق حق العبد على ما عرف من مذهبه فيكون خصما فيه لإثبات حقه، وأما عندهما فلأن العتق فيه حق العبد، وإن كان حقا بعد فيكون بذلك خصما، وهو نظير حد القذف فإنه حق الله تعالى، وفيه حق العبد فيكون خصما بذلك، وكذا السرقة الحد فيها حق الله تعالى فاسترداد المال حق العبد فلا بد من خصومته حتى يقطع السارق كذا في الشارح هذا إذا كان الموصى له غير العبد فلو كان هو العبد قال في الأصل رجل مات، وترك عبدا وورثة صغارا، وترك دينا على رجل فأقام العبد بينة أن مولاه أعتقه، وأوصى إليه، ومن عليه الدين حاضر فالشهادة جائزة، ويقضى بالعتق، وبالوصايا للعبد، وينبغي في قياس قول أبي حنيفة أن لا تقبل شهادتهما في العتق. وإن كانت الورثة كبارا، وأقام العبد بينة على ذلك فالشهادة جائزة، ويقضى بالعتق وبالوصايا، هذا

 

 ج / 9 ص -333-     ...........................................
______
على خلاف رواية الأصل. وفي نوادر إبراهيم عن محمد رجل مات، ولرجل عليه دين، وأوصى بثلث ماله أو بدرهم سماه لرجل فأخذها الموصى له ثم جاء الغريم، والورثة شهود أو غيب، وقدم الموصى له إلى القاضي، والموصى له لا يكون خصما للغريم هذا إذا حصلت الوصية له بقدر الثلث، وإذا حصلت الوصية بما زاد على الثلث إلى جميع المال وصحة الوصية بأن لم يكن للميت وارث فالموصى له خصم الغريم في هذه الحالة، ويعتبر الموصى له في هذه الحالة بالوارث قال محمد رحمه الله في الجامع رجل هلك وترك ثلاثة آلاف درهم، وأقام وارثا واحدا فأقام رجل البينة أن الميت أوصى له بثلث ماله، وجحد الوارث ذلك قضى القاضي له بالثلث، وأعطاه بذلك، وهو ألف درهم ثم جاء رجل، وأقام البينة أن الميت أوصى له بثلث ماله، وأحضر الموصى له إلى القاضي فالقاضي يجعله خصما، ويأمره أن يدفع نصف ما في يده إلى الثاني فإن قضى القاضي على الأول بنصف الثلث، ولم يكن عنده شيء بأن هلك الثلث في يده أو استهلكه، وهو فقير، والوارث لم يكلف الثاني إعادة البينة، وكان للموصى له الثاني أن يشارك الوارث فيما في يده، ويأخذ خمس ما في يد الوارث، ولو كان الموصى له هو الغائب فأحضر الثاني الوارث إلى القاضي قضى على الأول، وإن كان القاضي قضى بوصية الأول. ولم يدفع إليه شيئا حتى خاصمه الثاني، والوارث غائب فإن خاصمه إلى ذلك القاضي بعينه جعل خصما، وإن خاصمه إلى قاض آخر لم يجعله خصما، ولو كان الموصى له الأول هو الغائب، والوارث حاضر لم يدفع المال إلى الأول فالوارث خصم للموصى له الثاني، وهذا كله إذا أقر الموصى له الأول بأن كان المال الذي في يده بحكم الوصية أو كان ذلك معلوم للقاضي فإذا لم يكن شيء من ذلك فقال الأول هو مالي ورثته عن أبي الميت وما أوصى لي بشيء وما أخذت من ماله شيئا فإنه يكون خصما للموصى له الثاني بمنزلة ما لو ادعى رجل عبدا في يد رجل أنه اشتراه من فلان بكذا، وقال ذو اليد هو عبدي ورثته عن أبي يكون خصما، ويقضى عليه للمدعي كذا هنا، وإن قال هذا المال عندي وديعة لفلان الميت الذي يدعي الوصية من جهته أو قال غصبته منه فهو خصم إلا أن يقيم بينة على ما قال قال رجل أقام بينة على وارث ميت إن الميت أوصى بهذه الجارية بعينها، وهي ثلث ماله، وقضى القاضي بذلك، ودفعها إليه، وغاب الوارث ثم أقام الآخر البينة على الموصى له أن الميت أوصى له بها ذكروا رجوعا قضى القاضي بكل الجارية للثاني، وإن لم يذكروا رجوعا قضى بنصفها للثاني للمزاحمة والمساواة، ويكون هذا قضاء على الوارث غاب أو حضر حتى أن الموصى له الأول لو أبطل حقه كان كل الجارية للثاني فإن غاب الموصى له، وحضر الوارث لم ينتصب الوارث خصما للموصى له الآخر خاصمه إلى القاضي الأول أو إلى غيره فإن كان القاضي قضى للأول بالجارية فلم يدفعها إليه حتى خاصم الثاني الوارث فإن خاصمه  فيها إلى القاضي الأول لم

 

 ج / 9 ص -334-     ...........................................
______
يجعله خصما، وإن خاصمه إلى قاض آخر يجعله خصما ثم القاضي إذا سمع بينة الثاني على الوارث في هذا الفصل. وهو ما إذا خاصمه الثاني عند قاض آخر قضى للثاني بنصف الجارية سواء شهد شهوده على الرجوع عن الأول أو لم يشهدوا على الرجوع إنما يشكل فيما إذا شهدوا على الرجوع، ولو أقام الأول بينة أن الميت أوصى له بثلث ماله، ودفعه القاضي إليه ثم أقام الثاني البينة على الأول أن الميت رجع عن الوصية الأولى، وأوصى بثلث ماله للثاني فالقاضي يأخذ الثلث من الأول، ويدفعه إلى الثاني قال محمد في الجامع الصغير رجل له على آخر ألف درهم قرض أو كان غصب منه ألف درهم، وكانت في يد الغاصب قائمة بعينها أقام رجل البينة أن فلانا استودعه ألف درهم، وهي قائمة بعينها في يد المودع فأقام رجل البينة أن صاحب المال توفي، وأوصى له بهذا الألف التي هي قبل هذا الرجل، والرجل مقر بالمال لكنه يقول لا أدري مات فلان أو لم يمت لم يجعل القاضي بينهما خصومة حتى يحضر وارث أو وصي كذلك، ونظيرها إذا ادعى عينا في يد رجل أنه اشتراها من فلان الغائب وصاحب اليد يقول أنا مودع الغائب أو غصبته منه لا ينتصب خصما للمودع كذا هنا، وهذا الذي ذكرنا إن كان الذي قبله المال مقرا بذلك فإن كان الذي في يده المال قال هذا ملكي، وليس عندي من مال الميت شيء صار خصما للمدعي وصار كرجل ادعى عينا في يد رجل أنه اشتراه من فلان الغائب، وصاحب اليد يقول هو لي ينتصب خصما للمدعي كذا هذا، وإن جعله القاضي خصما في هذا الوجه قضى له بثلث ما في يد المدعى عليه إلا أن يقيم البينة أن الميت ترك ألف درهم غير هذا الألف. وأن الوارث قبض ذلك فحينئذ يقضي القاضي للموصى له بكل هذا الألف، ولو حضر الوارث بعد ذلك، وقال لم أقبض من مال الميت شيئا ما لم يلتفت إلى قوله فإن أقام البينة أن فلانا مات، ولم يدع وارثا ولا وصيا يقبل القاضي بينته ثم عاد محمد إلى صدر المسألة فقال لو أن الموصى له أقام البينة أن فلانا مات، ولم يدع وارثا، وأوصى إليه بالألف التي قبل فلان، وقال الشهود لا نعلم له وارثا، والذي قبله المال مقر بالمال الذي قبله فالقاضي يقضي بالمال للموصى له قال محمد في الجامع رجل بيده ألف درهم دين أو كان الألف في يده غصبا أو وديعة أو كانت الألف لهذا فغاب صاحب المال فقام رجل وادعى أن صاحب المال أوصى له بهذا الألف الذي قبل هذا الرجل ولا بينة له فصدقه الذي قبله المال فهذا على وجهين أما إن أقر المدعي أن لصاحب المال وارثا غائبا أو قال لا أدري أله وارث أم لا أو قال المدعي ليس لصاحب المال وارث، وإن كان صاحب المال رجلا نصرانيا أسلم، ولم يترك أحدا، وصدقه الذي قبله في ذلك ففي الوجه الأول القاضي لا يقضي على الذي في يديه المال في الوجوه الأربعة الغصب الوديعة والدين والإيصاء إلا أن القاضي يتلوم في ذلك ويتأنى ولا يعجل فإن جاء مدع أو وارث، وإلا قضى القاضي بالمال للمدعي، وإن كان

 

 ج / 9 ص -335-     ...........................................
______
المال وديعة عند رجل كان له أن يضمن القابض بإجماع، وهل له أن يضمن المودع فعلى قول محمد رحمه الله كان له ذلك. وعلى قول أبي يوسف رحمه الله ليس له ذلك، وإن كان المال دينا فلصاحب المال أن يضمن الغريم، وليس له أن يضمن القابض، وإن ضمن الغريم كان للغريم أن يرجع على القابض، وأما إذا كان المال وصل إليه من قبل أبيه أوصى إليه أبوه، وصورة هذا، وتفسيره إذا كان الرجل ألف درهم دفعها إلى رجل، وجعله وصيا فيه ثم مات الموصى له فوصل المال إلى ابن الموصي من جهة أبيه الذي كان أوصى بها إلى ابنه، وكان في يديه فدفع إلى هذا المدعي بأمر القاضي ثم جاء صاحب المال حيا، ولكن حضر وارثه فأقام البينة أنه أخوه من أبيه وأمه لا وارث له غيره فلا ضمان على الذي قبله المال في الوجوه كلها، وإن الذي في يده المال أقر أن هذا أخ صاحب المال، وأنه قد مات إلا أني لا أدري أهذا وارثه أم لا لم يقض القاضي في ذلك زمانا فلم يظهر له وارث آخر، ودفع المقر المال إلى المقر له بأمر القاضي ثم جاء صاحب المال حيا قال محمد في الكتاب فهو بمنزلة الموصى له في جميع ما وصفت لك في حق التضمين، ولو بقي صاحب المال حيا لكن جاء رجل، وأقام البينة أنه ابنه قال في الكتاب هذا بمنزلة الموصى له في جميع ما وصفت لك في أنه لا ضمان على الذي قبله المال في الفصول كلها، وأن الضمان على القابض، ولو أن الذي في يديه المال أقر لرجل أنه ابن الميت، وأن للميت ابنا آخر، وقال الابن المقر له ليس  له ابن آخر تلوم القاضي زمانا. وإذا تلوم زمانا، ولم يحضر وارث آخر دفع المال كله إليه ثم قال في الكتاب إذا تلوم القاضي زمانا، ولم يظهر للميت ابن آخر أمر القاضي الذي قبله المال أن يدفع المال كله إلى المدعي، ويأخذ منه كفيلا ثقة وما لم يعطه كفيلا ثقة لا يدفع المال نظرا للغائب لجواز أن يكون للميت ابن آخر فمن مشايخنا من قال هذا قولهما أما على قول أبي حنيفة لا يأخذ كفيلا، وقال بعض المشايخ لا بل هذا على الاتفاق فإن جاء وارث آخر فلا ضمان على الذي قبله المال في الوجوه كلها، ولكن الضمان على القابض، وكفيله، ولو كان الذي حضر ادعى أن له على صاحب المال ألف درهم دين، وأنه مات فصدقه الذي قبله المال في ذلك لم يلتفت القاضي إلى ذلك، ولم يجعل بينهما خصومة حتى يحضر الوارث في الوجوه الأربعة، وهذا إذا أنكر المدعي أن للميت وارثا، وقال لا أدري له وارث أم لا فإن أقر الذي قبله المال، والمدعي أنه ليس له وارث فالقاضي يتلوم، ويتأنى زمانا ثم إذا تلوم زمانا، ولم يظهر له وارث فالقاضي لا يدفع المال إلى المقر، ولكن ينصب لنصيب الميت وصيا ليستوفي مال الميت على الناس، ويوفي ما على الميت للناس، وإذا نصب بأمر المدعي بإقامة البينة على الوصي فإن أقام البينة على هذا الوصي يأمر القاضي الوصي بأن يدفع حقه إليه، وإذا دفع ثم جاء صاحب المال حيا. والمال مستهلك عند المقر له كان الجواب في الوجوه كلها الأربعة الوديعة، والدين،

 

 ج / 9 ص -336-     ولو ادعى رجل دينا، والعبد عتقا، وصدقهما الوارث سعى في قيمته وتدفع إلى الغريم
______
والغصب، والإيصاء كما قلنا في الفصل الأول، ولو لم يجئ صاحب المال حيا لكن حضر وارثه، وجحد الدين لم يلتفت إلى جحوده، وكان قضاء القاضي ماضيا ولا يكلف المدعي المدين إقامة البينة على الوارث، وقال في الجامع الصغير رجل له وديعة أو غصب أو دين عليه فجاء رجل، وأقام البينة أن صاحب المال قد توفي، وهذا المدعي أخوه لأبيه وأمه ووارثه لا وارث له غيره، والذي قبله المال جاحد للمال أو مقر بالمال منكر لما سواه فالمدعى عليه خصم له فإذا قضى القاضي له بالمال كله فقبضه ثم جاء صاحب المال حيا، وقد هلك في يد القابض فإن كان الذي عنده غاصبا فصاحب المال بالخيار إن شاء ضمن الشهود، وإن شاء ضمن الغاصب، وإن شاء ضمن الأخ فإن اختار تضمين الغاصب كان الغاصب بالخيار، وإن شاء ضمن الشهود، ورجعوا على الأخ، وإن شاء ضمن الأخ لا يرجع على أحد ولا يرجع على الشهود، وإن كان الذي عليه المال مودوعا فلا ضمان لصاحب المال على الشهود فإذا أخذ صاحب المال الدين من الغريم كان الغريم بالخيار إن شاء ضمن الشاهدين أو ضمن الأخ فإن ضمن الشهود رجعوا على الأخ، وإن ضمن الأخ لا يرجع على الشهود، ولو لم يأت صاحب المال حيا فلا يتحقق موته كما شهدت الشهود فجاء رجل، وأقام بينة أني ابن الميت قضى القاضي بذلك فلا ضمان على الدافع في الوجوه كلها، ولكن الابن مخير إن شاء ضمن الشهود، وإن شاء ضمن الأخ فإن ضمن الأخ لم يرجع على الشهود، وإن ضمن الشهود رجعوا على الأخ. ولو لم يقم الثاني بينة أنه ابن الميت لكنه أقام بينة أنه أخو الميت لأبيه وأمه ووارثه قضى القاضي ببينته، ويقضي القاضي له بنصف ما قبض الأول من الميراث ولا ضمان على الذي قبله المال في الصور كلها ولا ضمان على الشهود هنا.
قال رحمه الله: "ولو ادعى رجل دينا، والعبد عتقا، وصدقهما الوارث سعى في قيمته وتدفع إلى الغريم" وهذا عند أبي حنيفة، وقالا يعتق ولا يسعى في شيء لأن الدين، والعتق في الصحة ظهرا معا بتصديق الوارث في كلام واحد فصار كأنهما وجدا معا أو ثبت ذلك بالبينة والعتق في الصحة لا يوجب السعاية، وإن كان على المعتق دين، وله أن الإقرار بالدين أقوى من الإقرار بالعتق، ولهذا يعتبر إقراره بالدين من جميع المال، وبالعتق من الثلث، والأقوى يدفع الأدنى فصار كإقرار المورث نفسه بأن ادعى عليه رجل دينا وعبده عتقا في صحته فقال في مرضه صدقتما فإنه يعتق العبد، ويسعى في قيمته فكذا هذا، وقضية الدفع أن يبطل العتق في المرض أصلا إلا أنه بعد وقوعه لا يحتمل البطلان فيدفع من حيث المعنى بإيجاب السعاية عليه، ولأن الدين أسبق فإنه لا مانع له من الاستناد فيستند إلى حالة الصحة ولا يمكن استناد العتق إلى تلك الحالة لأن الدين يمنع العتق في حال المرض مجانا فتجب السعاية، وعلى هذا الخلاف إذا مات وترك ألف درهم فقال رجل لي على الميت ألف درهم دين وقال آخر هذا الألف كان لي وديعة فعنده الوديعة أقوى،

 

 ج / 9 ص -337-     وبحقوق الله قدمت الفرائض، وإن أخرها كالحج والزكاة والكفارات
______
وعندهما سواء كذا في الهداية، وقال في النهاية ذكر فخر الإسلام والكيساني الوديعة أقوى عندهما لا عنده عكس  ما ذكر في الهداية بخلاف إقرار المورث نفسه لأن إقراره بالدين يثبت في الذمة، وبالوديعة يتناول العين فيكون صاحبها أولى لتعلق حقه بها، وإقرار الوارث بالدين يتناول عين التركة كإقراره الوديعة يتناول العين، وصاحب الكافي ضعف أيضا ما ذكره صاحب الهداية، وجعل الأصح خلافه، وفي الفتاوى سئل أبو القاسم عمن أوصى إلى رجل فقال إذا أدرك ولدي فأعتق عبدي هذا، وأعطه مائتي درهم، والعبد معه، وهو في لعب منه فرضي العبد أن يعتق في الحال ولا يطلب منه شيئا قال لا يجوز عتق العبد قبل الوقت الذي أقر به الوصي، وسئل أبو بكر عمن أوصى بعتق عبده، وأوصى له بصلة، وللعبد متاع وكسوة من سيده وهبة وهبها له غير المولى قال لا يكون للعبد من ذلك المتاع إلا ما يواري عورته.
قال رحمه الله: "وبحقوق الله قدمت الفرائض، وإن أخرها كالحج والزكاة والكفارات" لأن الفرض أهم من النفل، والظاهر منه البداية بالأهم قال في الأصل إذا اجتمعت الوصايا فإن كان ثلث المال يوفي بالكل أو أجازت الورثة الوصايا بأسرها نفذت الوصايا بأسرها، وإن لم تجز الورثة الوصايا فإن كانت الوصايا كلها للعباد يقدم الأقوى فالأقوى، وإلا بدئ بما بدأ به كما سيأتي في القول التي بعدها فإن كان في الوصايا عتق قدم على غيره، وإن استوت في القوة فإنهم يتحاصون فيها بأن يضرب بقدر حقه في الثلث، وقد تقدم، وإن كانت الوصايا كلها لله تعالى إن كانت النوافل كلها عينا بأن أوصى أن يتصدق بمائة على فقير بعينه، وأوصى بأن يعتق نسمة بعينها تطوعا فإنهما يتحاصان ولا يبدأ بما بدأ به الميت فإن كان صاحب النسمة لا يبيع النسمة بما يخصها أو ماتت النسمة في يد صاحبها حتى وقع العجز عن تنفيذ الوصية فإنه يكمل وصية الموصى له بالمائة لأن صحة الوصية للعبد صحت ثم بطلت لأنا نعتبر البطلان بوقوع اليأس عن تنفيذ الوصية للعبد فأما إذا كانت الوصايا كلها فرائض، وقد استوت في الوكالة، وليس معها وصية للمعين بأن أوصى بأداء الزكاة، وبحجة الإسلام، وبأن يعتق عنه عبد عن كفارة يمين فإن على قول الفقيه أبي بكر البلخي يبدأ بما بدأ به الميت بخلاف ما لو أوصى بعتق في كفارة فطر فإنه يبدأ بكفارة الفطر أو القتل، وإن أخرها الميت. وقد روى أبو يوسف في الأمالي عن أبي حنيفة والحسن بن زياد عن أبي حنيفة أنه يبدأ بالحج ثم بالزكاة ثم بالعتق عن كفارة اليمين سواء بدأ بالحج أو أخر، وفي الكافي، وروي عن أبي يوسف أنه يقدم عليه الزكاة بكل حال ثم يقدم الحج على الكفارات، وكفارة الظهار والقتل واليمين مقدم على صدقة الفطر، وصدقة الفطر مقدمة على الأضحية، وعلى هذا القياس يقدم بعض الواجبات كالنذر يقدم على الأضحية وما ليس بواجب يقدم منه ما قدمه الموصي فإن أوصى بعتق في كفارة قتل أو كفارة يمين أو ظهار يبدأ بكفارة القتل، وإن أخرها الميت، وإن كانت الكفارة كفارة اليمين ساوت كفارة القتل في القوة والوكالة بخلاف ما إذا أوصى بالعتق في كفارة

 

 ج / 9 ص -338-     ...........................................
______
يمين، وبالعتق في كفارة ظهار، وبكفارة جزاء الصيد، وبكفارة الحلف في الأذى فإنه يبدأ بما بدأ به الميت، وروى القاضي الإمام الجليل في شرح مختصر الطحاوي عن أصحابنا أنه يبدأ بالزكاة ثم بالحج ثم بالعتق عن الكفارة هذا كله إذا لم يكن مع الفرائض نفل فإن كان النفل بغير العين بأن أوصى بأن يحج عنه حجة الإسلام، ويعتق عنه نسمة لا بعينها تطوعا فالفرض أولى، وإن أخره الميت، وهذا استحسان، والقياس أن يبدأ بالنفل إذا كان الميت بدأ بالنفل فأما إذا كان مع الفرائض عين بأن أوصى بحجة الإسلام، وبأن يعتق عنه معين يتحاصان سواء بدأ بالعتق أو أخر هذه جملة ما أورده الشيخ الإمام المعروف بخواهر زاده. وذكر الشيخ الإمام الزاهد أحمد الطواف في شرحه، ويسن أن بعد الفرائض تقدم الكفارة على النذور، وفي الذخيرة تقدم كفارة القتل على غيرها من الكفارات، وعلى النذور، وتقدم النذور على الأضحية، وصدقة الفطر، وتقدم صدقة الفطر على الأضحية لأنها واجبة بالاتفاق، وإن كان مع الفرض وصية بعتق، ونفل ليس بمعين بأن أوصى لرجل بمائة درهم، وأوصى بعتق نسمة لا بعينها فإنه يجب التوزيع والمحاصة لتظهر صحة المعين فإذا ظهر صحة المعين من الثلث خرج المعين عن الوسط بقي بعد هذا فرض ونفل، وليس بعين فيقدم الفرض فإن بقي بعد الفرض شيء ولا يؤخذ بذلك نسمة قالوا يصرف إلى الموصى له بالعين، وفي فتاوى الخلاصة فإن كان مع شيء من هذه الوصايا حق الله نحو أن يقول ثلث مالي في الحج والزكاة والكفارة، ولزيد  قسم على أربعة أسهم، وفي فتاوى أبي الليث إذا قال أخرجوا من مالي عشرين ألفا فأعطوا فلانا كذا وفلانا كذا حتى بلغ أحد عشر ألفا ثم قال: والباقي للفقراء ثم مات فإذا ثلث ماله تسعة آلاف درهم، والورثة لم يجيزوا فإنه ينفذ من وصية كل واحد منهم تسعة أجزاء من عشرين جزءا، ويبطل من وصية كل واحد منهم أحد عشر جزءا من عشرين جزءا أو يجعل قوله والباقي للفقراء بعدما سمى عشرين ألفا، وذلك لكل واحد من ذلك نصيبهما حتى بلغ أحد عشر ألفا فإنه قال أعطوا ثلث مالي لفلان كذا حتى بلغ أحد عشر ألفا. ثم قال وأعطوا الباقي للفقراء فإذا بلغ ماله تسعة آلاف أو أكثر إلى أحد عشر ألفا لا شيء للفقراء، ويعطى كل واحد من أصحاب الوصايا حصة كاملة إن كان الثلث أحد عشر ألفا ثم يعطى كل واحد منهم تسعة أجزاء من أحد عشر جزءا من وصيته، ويبطل سهمان من أحد عشر، وفي الواقعات للناطقي الواجبات في الوصايا على أربع مراتب ما أوجبه الله تعالى أبدا كالزكاة والحج، والثاني ما أوجبه على العبد بسبب من جهته ككفارة اليمين وكفارة الظهار وكفارة القتل، والثالث ما أوجبه على نفسه من غير ثبوته عليه بالنذر كقوله على صدقة أو عتق وما أشبهه، والرابع التطوع كقوله تصدقوا عني بعد وفاتي، وقد اختلفت الرواية في الحج مع الزكاة فعن أبي حنيفة في المجرد أنه تقدم حجة الإسلام، وإن أخر الحج عن الزكاة في الوصية لفظا، وفي نوادر ابن رستم إذا أوصى

 

 ج / 9 ص -339-     وإن تساوت في القوة بدئ بما بدأ به وبحجة الإسلام أحجوا عنه رجلا من بلده يحج عنه راكبا
______
بالزكاة والحج والفرض يبدأ بما بدأ به الميت فعلى هذا الترتيب الذي بيناه يجب إيفاؤها مرتبة إذا لم يف ثلث ماله بذلك كله.
قال رحمه الله: "وإن تساوت في القوة بدئ بما بدأ به" لأن الظاهر من حال المريض يبدأ بما هو الأهم عنده، والثابت بالظاهر كالثابت فصار كأنه نص على تقديمه باعتبار حاله فتقدم الزكاة على الحج لتعلق حق العبد بها، وعن أبي يوسف أن الحج يقدم، وهو قول محمد، وهما يقدمان على الكفارة لرجحانهما عليها لأنه جاء الوعيد فيهما ما لم يأت في غيرهما قال الله تعالى
{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: من الآية34] الآية، وقال تعالى  {فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ} [التوبة: من الآية35] وقال تعالى: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: من الآية97] مكان قوله ومن ترك الحج إلى غير ذلك من النصوص والأخبار الواردة فيهما. وكذا ما ورد نص بوعيد فيه يقدم وما ليس بواجب قدم منه ما قدمه الموصي لما بينا،
وقد تقدم أن الوصايا إذا اجتمعت لا يقدم البعض على البعض إلا العتق والمحاباة على ما بينا من قبل ولا معتبر بالتقديم ولا بالتأخير ما لم ينص عليه، ولهذا لو أوصى لجماعة على التعاقب يستوون في الاستحقاق ولا يقدم أحد على أحد غير أن المستحق إذا اتحد، ولم يف الثلث بالوصايا كلها يقدم الأهم فالأهم باعتبار أن الموصي يبدأ بالأهم عادة فيكون ذلك كالتنصيص عليه لأن من عليه قضاء من صلاة أو حج أو صوم لا يشتغل بالنفل من ذلك الجنس، ويترك القضاء عادة، ولو فعل ذلك نسب إلى الحيف قدمنا لو كان معها وصية لآدمي.
قال رحمه الله: "وبحجة الإسلام أحجوا عنه رجلا من بلده يحج عنه راكبا" لأنه وجب عليه أن يحج من بلدة فيجب عليه الإحجاج كما وجب لأن الوصية لأداء ما هو الواجب عليه، وإنما اشترط أن يكون راكبا لأنه لا يلزمه أن يحج ماشيا فوجب عليه الإحجاج على الوجه الذي لزمه، وفي النوازل وقال نصير رجل مات، وأوصى بأن يحج عنه فحج عنه ابنه ثم مات في الطريق قال إن لم يكن له وارث غيره فإنه يحج عن الميت من وطنه، ويغرم الوارث ما أنفق في الطريق، وقال محمد بن سلمة الذي يحج عن الميت لا يتداوى من مال الميت ولا يحتجم ولا يشتري منه ماء ليتوضأ أو يغتسل من الجنابة ولا بأس بأن يشتري ما يغسل به ثيابه وبدنه ورأسه من الوسخ. ولم يتعرض المؤلف للوصية بالصدقة، ونحن نذكر ذلك تتميما للفائدة. وهذا يشتمل على أقسام الأول إذا أوصى بالتصدق بشيء فيتصدق بغيره سئل ابن مقاتل عمن أوصى أن يتصدق عنه بألف

 

 ج / 9 ص -340-     ......................................
______
درهم فتصدق عنه بالحنطة أو على عكسه قال يجوز قال الفقيه معناه أنه أوصى أن يتصدق عنه بألف درهم حنطة، ولكن سقط ذلك عن السؤال فقيل له إن كانت الحنطة موجودة فأعطى قيمته دراهم قال أرجو أن يجوز، وفي النوازل، وبه نأخذ، وفي الظهيرية رجل قال تصدقوا بثلث مالي، وورثته فقراء فإن كانوا كبارا فأجاز بعضهم لبعض جاز للموصي أن يعطيهم من ذلك شيئا، وعن محمد لو أوصى بصدقة ألف درهم بعينها فتصدق الوصي مكانها بألف من مال الميت جاز، وإن هلكت  الأولى قبل أن يتصدق الوصي يضمنه الورثة مثلها، وعنه أنه تبطل الوصية، ولو أوصى بأن يتصدق بشيء من ماله على فقراء الحج هل يجوز أن يتصدق على غيرهم من الفقراء قال الشيخ الإمام أبو نصر يجوز ذلك، وإن أوصى بالدراهم، وأعطاهم حنطة لم يجز قال الفقيه، وقد قيل إنه يجوز، وبه نأخذ، وسئل خلف عمن أوصى أن يتصدق بهذا الثوب قال إن شاءوا تصدقوا بعينه، وإن شاءوا باعوا وأعطوا ثمنه، وإن شاءوا أعطوا قيمة الثوب، وأمسكوا الثوب، وقال محمد بن سلمة بل يتصدق بعينه كما هو. وكذا اللقطة، ولو نذر، وقال لله علي أن أتصدق بهذا الثوب جاز أن يتصدق بقيمته قال الفقيه أبو الليث رحمه الله بقول خلف نأخذ فإنه ذكر في الزيادات فيمن أوصى أن يباع هذا العبد، ويتصدق بثمنه على المساكين جاز لهم التصدق بعين العبد فثبت أن التصدق بالعين وبالثمن على السواء، وسئل أبو القاسم عمن أوصى إلى رجل، وقال له بالفارسية فلان نعم راجام كر فأعطاه ثمن الكرباس قال هذا يقع على المخيط، وفي الأجناس، وفي نوادر ابن سماعة عن محمد إذا أوصى أن يتصدق عنه بألف درهم فتصدق بقيمتها دنانير يجوز، وفي الخانية روى ابن سماعة عن محمد أنه يجوز، ولو أوصى أن يتصدق بثمنه فليس له أن يمسك الثوب للورثة، ويتصدق بقيمته، ولو قال اشتر عشرة أثواب، وتصدق بها فاشترى الوصي فله أن يبيعها ويتصدق بثمنها، وكذلك لو قال تصدقوا بثلث مالي وله دور وأرضون فللوصي أن يبيع تلك الدور والأرضين، ويتصدق بالثمن، وكذلك لو قال تصدقوا بثلث مالي، وبهذا العبد فللوصي أن يبيع ذلك العبد، ويتصدق بالثمن، وعن محمد إذا أوصى أن يتصدق عنه بألف درهم بعينها فتصدق الوصي بألف أخرى مكانها من مال الميت جاز ,. والحاصل أن الحي إذا نذر بالتصدق بمال نفسه فتصدق بمثله أو قيمته ففيه روايتان فإن هلكت الألف التي عينها الوصي قبل أن يتصدق الوصي ضمن الوارث مثلها، وعنه أيضا لو أوصى بألف درهم بعينها تصدق عنه فهلكت الألف بطلت الوصية. وفي النوازل إذا أوصى لرجل بهذه البقرة لم يكن للورثة أن يتصدقوا بثمنها قال الفقيه، وبه نأخذ القسم الثاني من هذا النوع إذا أوصى أن يتصدق على مسكين بعينه فتصدق على غيره ضمن، وفي نوادره إذا أوصى أن يتصدق على مساكين مكة أو مساكين الري فتصدق الوصي على غير هذا الصنف ضمن إن كان الآخر حيا، وكذلك لو أوصى أن يتصدق على المرضى من الفقراء أو الشيوخ من الفقراء فتصدق على الشباب من الفقراء ضمن في ذلك كله، ولم يقيد هذه

 

 ج / 9 ص -341-     وإلا فمن حيث يبلغ ومن خرج من بلده حاجا فمات في الطريق، وأوصى بأن يحج عنه يحج عنه من بلده
______
المسألة بحياة الآمر، وفي الخانية، ولو قال لله علي أن أتصدق على فلان فتصدق على غيره لو فعل ذلك بنفسه جاز، ولو أمر غيره بالتصدق ففعل المأمور ذلك ضمن المأمور، ولو قال لله علي أن أتصدق على مساكين مكة فله أن يتصدق على غيرهم، وعن أبي يوسف رواية أخرى فيمن أوصى أن يتصدق عنه على فقراء مكة فتصدق على فقراء غيرها أنه يجوز، وسئل أبو نصر عمن أوصى أن يتصدق عنه لهم فتصدق على غيرهم من الفقراء قال يجوز على ما تقدم عنه، وفي أمالي الحسن قول أبي حنيفة كقول محمد، والمذكور في الأمالي إذا أوصى لمساكين الكوفة فقسم الوصي في غير مساكين الكوفة ضمن، ولم يفرق بين حياة الآمر وبين وفاته والفتوى على الجواز في هذه المسائل.
وفي نوادر أبي يوسف إذا قال لعبده تصدق بهذه العشرة الدراهم على عشرة مساكين فتصدق بها على مسكين واحد دفعة واحدة جاز قال وهذا على أن الآمر في الصدقة ليس على عدد المساكين، ولو قال تصدق بها على عشرة لا يجوز، وفي الظهيرية لو قال تصدق بها على مسكين واحد فأعطاها عشرة مساكين جاز، ولو قال في عشرة أيام فتصدق في يوم واحد جاز، وكذا في الخانية، وفي الفتاوى سئل إبراهيم بن يوسف عمن أوصى لفقراء أهل بلخ فالأفضل أن لا يتجاوز بلخا، ولو أعطى فقراء مكة، وكورة أخرى جاز.
قال رحمه الله: "وإلا فمن حيث يبلغ" أي إن لم يبلغ ثلث النفقة إذا أحجوا عنه من بلده حجوا من حيث يبلغ، والقياس أن لا يحج عنه لأنه أوصى بالحج على صفة، وقد عدمت تلك الصفة فيه، ولكن جاز ذلك استحسانا لأن مقصوده تنفيذ الوصية فيجب تنفيذها ما أمكن ولا يمكن على هذا الوجه فيوفى به على وجه ممكن، وهو أولى من إبطاله بخلاف العتق، وقد فرقنا بينهما فيما إذا أوصى بأن يشتري عبدا بمال قدره فضاع بعضه على قول أبي حنيفة.
قال رحمه الله: "ومن خرج من بلده حاجا فمات في الطريق، وأوصى بأن يحج عنه يحج عنه من بلده" وإن أحجوا عنه من  موضع آخر فإن كان أقرب من بلده إلى مكة ضمنوا النفقة، وإن كان أبعد لا ضمان عليهم لأنهم في الأول لم يحصلوا مقصوده بصفة الكمال، والإطلاق يقتضي ذلك، وفي الثاني حصلوا مقصوده وزيادة. وهذا عند أبي حنيفة، وقالا يحج عنه من حيث مات استحسانا لأن سفره بنية الحج وقع قربة، وسقط فرض من قطع المسافة بقدره، وقد وقع أجره على الله
{وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً} [النساء: من الآية100] الآية، ولم ينقطع سفره بموته بل كتب له حج مبرور فيبدأ من ذلك المكان كأنه من أهل ذلك المكان بخلاف ما إذا خرج من بيته للتجارة لأن

 

 ج / 9 ص -342-     سفره لم يقع قربة فيحج عنه من بلده ولأبي حنيفة أن الوصية تنصرف إلى الحج من بلده لأنه الواجب عليه على ما قررناه، وعمله قد انقطع بالموت لقوله عليه الصلاة والسلام "كل عمل ابن آدم ينقطع بموته إلا ثلاث"1 الحديث، والمراد بالثلاث في حق أحكام الآخرة من الثواب، وهذا الخلاف فيمن له وطن، وأما من لا وطن له فيحج عنه من حيث مات بالإجماع لأنه لو حج بنفسه إنما كان يتجهز من حيث هو فكذا إذا حج غيره لأن وطنه حيث حل
قال رحمه الله: "والحاج عن غيره مثله" أي المأمور بالحج عن الغير فحج عنه فمات في الطريق فحكمه حكم الحاج عن نفسه إذا مات في الطريق حتى يحج عنه كما بينا من وطنه عند أبي حنيفة، وعندهما من حيث مات الأول، وقد ذكرناها في كتاب الحج، والله أعلم.

والحاج عن غيره مثله
باب الوصية للأقارب وغيرهم
جيرانه ملاصقوه
______
باب الوصية للأقارب وغيرهم
قال في العناية إنما أخر هذا الباب عما تقدم؛ لأن في هذا الباب ذكر أحكام الوصية لقوم مخصوصين، وفيما تقدم ذكر أحكامها على وجه العموم، والخصوص أبدا يتلو العموم وقوله: جيرانه كان حق الكلام أن يقدم ذكر الوصية للأقارب نظرا إلى ما في الترجمة ويجوز أن يقال الواو لا تدل على الترتيب، وأن يقال قدم ذكر الجيران للاهتمام بهم
قال رحمه الله: "جيرانه ملاصقوه" يعني لو أوصى إلى جيرانه يصرف ذلك للملاصقين لجداره وهذا عند أبي حنيفة وهو القياس؛ لأنه مأخوذ من المجاورة وهي الملاصقة ولهذا حمل قوله عليه الصلاة والسلام
"الجار أحق بشفعته"2 حتى لا يستحق الشفعة غير الملاصق بالجوار ولأنه لما تعذر صرفه إلى الجميع صرف إليه ألا ترى أنه يدخل فيه جار المحلة وجار الأرض وجار القرية فوجب صرفه إلى أخص الخصوص وهو الملاصق في الاستحسان، وفي قولهما جار الرجل هو من يسكن محلته ويجمعهم مسجد المحلة؛ لأن الكل يسمون جارا عرفا وشرعا قال عليه الصلاة والسلام: "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد"3 ففسر بكل من سمع النداء ولأن المقصود بالوصية للجيران برهم، والإحسان إليهم واستحسانه ينتظم الملاصقين وغيرهم إلا أنه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرج نحوه مسلم في "صحيحه"
2 أخرجه الترمذي في الأحكام عن رسول الله 1369، وأبو داود في البيوع 3518.
3 أخرجه الحاكم في "المستدرك" 1/373.

 

 ج / 9 ص -343-     وأصهاره كل ذي رحم محرم من امرأته
______
لا بد من الاختلاط ليتحقق منهم معنى الاسم، والاختلاط عند اتحاد المسجد، وقال الشافعي رحمه الله: الجار إلى أربعين دارا من كل جانب لقوله عليه الصلاة والسلام
"حق الجار أربعون دارا هكذا وهكذا"1 قلنا هذا ضعيف عند أهل النقل فلا يصح الاحتجاج به ويستوي فيه الجار الساكن، والمالك، والذكر، والأنثى، والمسلم، والذمي؛ لأن الاسم يتناول الكل ويدخل فيه العبد الساكن عنده؛ لأن مطلق هذا يتناوله ولا يدخل عندهما؛ لأن الوصية له وصية لمولاه وهو ليس بجار بخلاف المكاتب؛ لأن استحقاق ما في يده للاختصاص به ثبت له ولا يملكه المولى إلا بالتمليك منه ألا ترى أنه يجوز له أخذ الزكاة وإن كان مولاه غنيا بخلاف القن، والمدبر وأم الولد فالأرملة تدخل؛ لأن سكناها مضاف إليها ولا تدخل التي لها بعل؛ لأن سكناها غير مضاف إليها وإنما هي تبع فلم تكن جارا حقيقة، وفي المنتقى ولو أوصى بثلث ماله لجيرانه فإن كانوا يحصون يقسم على أغنيائهم وفقرائهم ولذلك لو قال لأهل محلة كذا أو لأهل مسجد كذا؛ لأنه ليس في اللفظ ما يدل على التخصيص قال محمد رحمه الله رجل أوصى بمائة درهم لرجل من جيرانه ثم أوصى لجيرانه بمائة ينظر فيما أوصى لهذا وفيما يصيبه مع الجيران فيدخل الأقل في الأكثر؛ لأن المائة إذا كانت أكثر فإنه يستحقها باسم الجيرة وقد آثره الموصي بتعين المائة فلا يستحق شيئا آخر فإذا كان نصيبه مع الجيران أكثر يكون رجوعا عما سمي له وشركا له مع الجيران كلهم. ولو أوصى بثلث ماله لمجاوري مكة فإن الوصية جائزة فإن كانوا لا يحصون صرف إلى أهل الحاجة منهم وإن كانوا يحصون قسمت على رءوسهم واختلفوا في تفسير الإحصاء وتقديره على قول أبي يوسف لا يحصون إلا بكتاب وحساب فإنهم لا يحصون، وقال محمد: إن كانوا أكثر من المائة لا يحصون وإن كانوا أقل يحصون وقيل الأمر  موكول إلى رأي القاضي وهو الأحوط، وقال أبو يوسف لكهول أهل بيته فهو لأبناء الثلاثين إلى الأربعين، والشاب إذا احتلم إلى ثلاثين، والشيخ من كان شيبه أكثر فهو شيخ وإن كان السواد أكثر فهو ليس بشيخ، وعن أبي يوسف في رواية أخرى أن الكهل من له أربعون سنة إلى خمسين وذكر في موضع آخر إذا بلغ ثلاثا وثلاثين سنة صار كهلا، وقال في موضع آخر إذا بلغ الثلاثين وخالطه الشيب فهو كهل وإن لم يخالطه فهو شاب، وفي بعض الروايات الاعتبار بالسن؛ لأنه أمكن مراعاة في حق الكل على نهج واحد، وفي بعضها اعتبر من حيث الأمارة، والعلامة فإن الناس يتعارفون ذلك وأطلقوا الاسم عند وجود العلامة وهو الشمط، والشيب
قال رحمه الله: "وأصهاره كل ذي رحم محرم من امرأته" لما روي أنه عليه الصلاة والسلام لما تزوج صفية أعتق كل من ملك من ذي رحم محرم منها إكراما لها وكانوا يسمون أصهار

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه الهيثمي في "مجمع الزوائد" 8/168.

 

 ج / 9 ص -344-     وأختانه زوج كل ذي رحم محرم منه
______
النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا التفسير اختيار محمد وأبي عبيد الله، وفي الصحاح: الأصهار أهل بيت المرأة ولم يقيده بالمحرم، وقال القرافي في قوله تعالى
{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً} [الفرقان: من الآية54] النسب ما لا يحل نكاحه، والصهر الذي يحل نكاحه كبنات العم، والخال وأشباههن من القرابة التي يحل تزويجها، وعن ابن عباس خلاف ذلك فإنه قال حرم الله من النسب سبعا ومن الصهر سبعا {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: من الآية23] إلى قوله تعالى {وَبَنَاتُ الْأُخْتِ} [النساء: من الآية23] ومن الصهر سبعا بقوله تعالى {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: من الآية23] إلى قوله {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} [النساء: من الآية23] قال في المغرب عقيب ذكره قاله الأزهري وهذا هو الصحيح لا ارتياب فيه هذا هو المذكور في كتب اللغة وكذا يدخل فيه كل ذي رحم محرم من زوجة أبيه وزوجة ابنه وزوجة كل ذي رحم محرم منه؛ لأن الكل أصهار وشرطه أن يموت وهي منكوحته أو معتدته من طلاق رجعي لا من بائن سواء ورثت بأن أبانها في المرض أو لم ترث؛ لأن الرجعي لا يقطع النكاح، والبائن يقطعه، وقال الحلواني: الأصهار في عرفهم كل ذي رحم محرم من نسائه الذي يموت هو وهن نساؤه أو في عدة منه، وفي عرفنا أبو المرأة وأمها ولا يسمى غيرهما صهرا
قال رحمه الله: "وأختانه زوج كل ذي رحم محرم منه" كأزواج البنات، والعمات، والخالات؛ لأن الكل يسمى ختنا وكل ذي رحم محرم منه محرم من أزواجهن؛ لأنهن يسمون أختانا وقيل هذا في عرفهم، وفي عرفنا لا يتناول إلا أزواج المحارم ويستوي فيه الحر، والعبد قال إذا أوصى بثلث ماله لأختانه أو لأختان فلان فاعلم أن الأختان أزواج كل ذي رحم محرم منه كأزواج البنات، والأخوات، والعمات، والخالات وكذا كل ذي رحم محرم من أزواج هؤلاء من ذكر أو أنثى فهما أختان. كذا ذكر محمد في الكتاب قال مشايخنا وهذا بناء على عرف أهل الكوفة أما في سائر البلدان اسم الختن يطلق على زوج البنت وزوج كل ذي رحم محرم منه ولا يطلق على ذي رحم محرم منه من أزواج هؤلاء، والعبرة للعرف، وفي الكافي: ويستوي فيه الحر، والعبد، والأقرب والأبعد، واللفظ يشمل الكل قال: ولا يكون الأختان من قبل أبي الموصي يريد به أن امرأة الموصي إذا كانت لها بنت من زوج آخر ولها زوج فزوج ابنتها لا يكون ختنا للموصي فلو أوصى لأصهاره من نساء الموصي فهي صهره هكذا ذكر محمد في الكتاب وتقدم غيره، والأخذ بما ذكر محمد أولى؛ لأنه موافق للعرف وإنما يدخل تحت الوصية من كان صهرا للوصي يوم موته لما ذكرنا أن المعتبر حالة الموت وذلك إنما يكون إذا كانت المرأة التي يثبت بها الصهر منكوحة له عند الموت أو معتدة عنه بطلاق رجعي أما إذا كانت بائنة بثلاث تطليقات أو بتطليقة بائنة فلا وكذلك في مسألة الأختان إنما تدخل تحت الوصية من كان ختنا للموصي عند موته وذلك إنما يكون لقيام النكاح بين محارمه وأزواجهن عند موت الموصي، ويستوي أن تكون المرأة أمة أو

 

 ج / 9 ص -345-     وأهله زوجته وآله أهل بيته
______
حرة على دينه أو غير دينه كما في المنتقى إذا قال: أوصيت لزوجة ابني بكذا فهو على زوجها يوم مات الموصي، ولو قال لأزواج ابنتي ولابنته أزواج قد طلقوا، وزوج حال الموت لم يطلقها فالوصية للكل ولو أوصى لامرأة ابنه فهذا على امرأة ابنه يوم موت الموصي وإنما يدخل تحت الوصية امرأة واحدة حتى لو كان لابنه امرأة يوم الوصية وتزوج بامرأة أخرى ثم مات الموصي فالخيار إلى الورثة يعطون أيتهما شاءوا ويجبرون على أن يبينوا في أحدهما.
قال رحمه الله: "وأهله زوجته" وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله، وقالا رحمهما الله يتناول كل من يعولهم وتضمهم نفقته غير مماليكه اعتبارا بالعرف وهو مؤيد بالنص، قال الله تعالى:
{وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} [يوسف: من الآية93] وقال تعالى {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ} [لأعراف: من الآية83]، والمراد من كان في عياله ولأبي حنيفة أن الاسم حقيقة للزوجة يشهد بذلك النص، والعرف قال الله تعالى: {وَسَارَ بِأَهْلِهِ} [القصص: من الآية29]، والمطلق ينصرف إلى الحقيقة المستعملة.
قال رحمه الله: "وآله أهل بيته"، وقال عليه الصلاة والسلام
"من تأهل ببلدة فهو منها"1؛ لأن الآل القبيلة التي ينسب إليها فيدخل فيه كل من ينسب إليه من قبل آبائه إلى أقصى أب له في الإسلام الأقرب، والأبعد، والذكر، والأنثى، والمسلم، والكافر، والصغير، والكبير فيه سواء ولا يدخل فيه أولاد البنات وأولاد الأخوات ولا أحد من قرابة أمه؛ لأنهم لا ينسبون إلى أبيه وإنما ينسبون إلى آبائهم فكانوا من جنس آخر؛ لأن النسب يعتبر من الآباء، وفي المبسوط: ولو أوصى بماله لقرابته فالقرابة من قبل الأب؛ لأن القرب يثبت بالاتصال من الجانبين فإن أوصى لذوي قرابته أو لذوي أرحامه فعند أبي حنيفة هو لكل ذي رحم محرم منه اثنان فصاعد الأقرب وعندهما يستحقه الواحد ويستوي فيه المحرم وغير المحرم، والبعيد، والقريب وهو قول الشافعي لهما أن القرابة اسم عام يعم الكل ويشملهم بدليل أنه لما نزل قوله تعالى {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء:214] دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قبائل قريش وأنذرهم  فأكثر بني هاشم ليس بمحرم منه وبعيد عنه في القرابة ولأن إطلاق القريب في استعمال الكلام في الأباعد من الأقارب أكثر من إطلاقه على الأقرب من الأقارب فإنه يقال لمن بعد منه هذا قريب مني ولا يقال لمن قرب منه كالعم هذا قريبي. والقرابة اسم جنس فيتناول الواحد فصاعدا كاسم الرجل وأبو حنيفة اعتبر في استحقاق أربعة شرائط
أحدها أن يكون المستحق اثنين فصاعدا إذا كانت الوصية باسم الجمع وهو قوله قرابتي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره الزيلعي في "نصب الراية" 3/271.

 

 ج / 9 ص -346-     وجنسه أهل بيت أبيه
______
من القرب ومعنى الاجتماع فيه وهو مقابلة الفرد بالفرد، والجمع من وجه ملحق بالجمع من كل وجه في الميراث فكذا في الوصية؛ لأنها أخت الميراث،
والثاني أنه يعتبر الأقرب فالأقرب؛ لأنه علق استحقاق المال باسم القرابة، وفي الميراث يقدم الأقرب فالأقرب ويكون الأبعد محجوبا بالأقرب فكذا في الوصية؛ لأنهما أخوان لقوله عليه الصلاة والسلام
"الوصية أخت الميراث"1، والأختية تقتضي الاستواء، والمشاركة في أصل الاستحقاق.
والثالث أن يكون ذو رحم محرم من الموصي حتى إن أولاد العم لا تستحقه بهذه الوصية؛ لأن المقصود من الوصية صلة القرابة فيختص بها من يستحق الصلة بالقرابة وهو القرابة المحرمة للنكاح الموجبة للصلة؛ لأنه يتعلق بها صلة استحقاق النفقة، والعتق عند دخوله في ملكه،
والرابع: أن لا يكون ممن يرث من الموصي؛ لأن قصد الموصي صحة الوصية ولا تصح الوصية للوارث ويستوي فيه الرجال، والنساء؛ لأن اسم القرابة يتناولهما لصفة واحدة وليس في لفظ الموصي ما يدل على تفضيل الذكر على الأنثى ولا يدخل فيه الوالدان، والولد؛ لأنهما لا ينطبق عليهما اسم القرابة لقوله تعالى
{لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [البقرة: من الآية180] فقد عطف الأقربين على الوالدين، والمعطوف غير المعطوف عليه ولأن الجزئية، والبعضية بينهما ثابتة واسم القرابة لا يطلق مع وجود الجزئية، والبعضية في عرف الاستعمال، والجد، والجدة وولد الولد من ذكر وأنثى يدخلون في هذه الوصية؛ لأنهم ينسبون إليه بواسطة القريب، وروى الحسن عن أبي حنيفة أن الجد لا يدخل بمنزلة الأب لأن اسم الأب يتناوله ويتناول اسم القريب عند أبي حنيفة فلو كان واحدا يستحق نصف الوصية؛ لأن ما زاد على الواحد ليس له نهاية معلومة فلا يعتبر للمزاحم أكثر من الواحد كما في الميراث.
قال رحمه الله: "وجنسه أهل بيت أبيه"؛ لأن الإنسان يتجنس بأبيه فصار كأنه هو بخلاف قرابته حيث يدخل فيه جهة الأب، والأم؛ لأن الكل يسمون قرابته فلا يختص بشيء منهم وكذا أهل نسبته وأهل نسبه فيكون حكمه حكم جميع ما ذكرنا ويدخل فيه الأب، والجد؛ لأن الأب أصل النسب، والجد أصل نسب أبيه، وقال في الكافي: لو كان الأب الأكبر حيا لا يدخل تحت الوصية؛ لأن الوصية للمضاف لا للمضاف إليه ولو أوصت المرأة لجنسها أو لأهل بيتها لا يدخل ولدها؛ لأن ولدها ينسب إلى أبيه لا إليها إلا أن يكون أبوه من قوم أبيها وقرابته.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لم أعثر عليه.

 

 ج / 9 ص -347-     وإن أوصى لأقاربه أو لذوي قرابته أو لأرحامه أو لأنسابه
______
قال رحمه الله: "وإن أوصى لأقاربه أو لذوي قرابته أو لأرحامه أو لأنسابه" فهي للأقرب فالأقرب من كل ذي رحم محرم منه ولا يدخل الوالدان، والولد، والوارث ويكون للاثنين فصاعدا وهذا عند أبي حنيفة، وقالا: الوصية لكل من ينسب إلى أقصى أب له في الإسلام وإن لم يسلم بعد أن أدرك الإسلام أو أسلم على ما اختلف فيه المشايخ، وفائدة الاختلاف تظهر في مثل أبي طالب وعلي رضي الله عنه  إذا وقعت الوصية لأقرباء النبي صلى الله عليه وسلم لا يدخل فيه أولاد أبي طالب وعلى هذا وقعت الوصية على قول من شرط الإسلام ويدخلون على قول من شرط إدراك الإسلام، ومن شرط إسلامه صرفه إلى أولاد علي لا غير ولا يدخل أولاد عبد المطلب بالإجماع؛ لأنه لم يدرك الإسلام لهما أن الاسم يتناول الكل؛ لأن لفظة القريب حقيقة للكل إذ هي مشتقة من القرابة فيكون اسما لكل من قامت به. فيتناول مواضع الخلاف ضرورة ولأبي حنيفة أن الوصية أخت الميراث، وفي الميراث يعتبر الأقرب فالأقرب فكذا في أخته؛ لأن الأخت لا تخالف الأخت في الأحكام ولأن المقصود من هذه الوصية تلافي ما فرط في إقامة الواجب وهو صلة الرحم، والوجوب يختص بذي الرحم المحرم، ولا معتبر بظاهر اللفظ بعد انعقاد الإجماع على تركه فإن كلا منهما قيده بما ذكره والإمام الشافعي قيده بالأب الأدنى ولا تدخل قرابة الأولاد عندنا؛ لأنهم لا يسمون أقرباء عادة ومن يسمي، والده قريبا يكون منه عقوقا إذ القريب في عرف أهل اللغة: من تقرب إلى غيره بواسطة غيره وتقرب الوالد، والولد بنفسه لا بغيره ولهذا عطف القريب على الوالدين في قوله تعالى:
{الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [البقرة: من الآية180]، والعطف للمغايرة ولو كان منهم لما عطفوا عليهما ويدخل فيه الجد، والجدة وولد الولد في ظاهر الرواية. وعن أبي حنيفة وأبي يوسف أنهم لا يدخلون وقيل ما ذكراه إلى أنه يصرف إلى أقصى أب له في الإسلام كان في ذلك الزمان حين لم يكن في أقرباء الإنسان الذين ينسبون إلى أقصى أب له في الإسلام كثرة وأما في زماننا ففيهم كثرة لا يمكن إحصاؤهم فيصرف الوصية إلى أولاد أبيه وجده وجد أبيه وأولاد أمه وجد أمه وجدته وجدة أمه ولا يصرف إلى أكثر من ذلك. ويستوي الحر، والعبد، والمسلم، والكافر، والصغير، والكبير، والذكر، والأنثى على المذهبين وإنما يكون للاثنين فصاعدا عنده؛ لأن المذكور فيه بلفظ الجمع، وفي الميراث يراد بالجمع المثنى فكذا في الوصية؛ لأنها أخته قال الراجي عفو ربه: هذا ظاهر في الأقارب وأما في الإنسان فمشكل؛ لأنه جمع نسب، وفيه لا تدخل قرابته من جهة الأم فكيف دخلوا فيه هنا قال في الأصل: ولو ترك الموصي ولدا يجوز ميراثه وترك عمين وخالين فالوصية عند أبي حنيفة للعمين وإنما شرط قيام الولد كي لا يكون العمان وارثين، وعند أبي يوسف ومحمد الوصية بين العمين، والخالين أرباعا لاستوائهم في تناول اسم القريب ولو كان عما وخالين فللعم النصف، والباقي للخالين عند أبي حنيفة وعندهما الوصية بينهم بالسوية وإن ترك

 

 ج / 9 ص -348-     فإن كان له عمان وخالان ولو كان له عم وخالان كان له النصف ولهما النصف
______
عما وعمة وخالا وخالة فالوصية للعم، والعمة عند أبي حنيفة، وفي الكافي: إذا أوصى لأقاربه وله عمان وخالان فالوصية لعميه عند أبي حنيفة وعندهما يقسم بينهم أرباعا وكذا في قوله: لأرحامه ولذوي أرحامه ولأنسابه ولذوي أنسابه، ولو قال لذوي قرابته أو لذي نسبته أو لقرابته فالجواب ما ذكرنا إذ هنا لا يعتبر الجمع عند أبي حنيفة فإنه يدخل تحت الوصية الأقرب فالأقرب، والواحد فصاعدا بلا خلاف. وفي الكافي ولو أوصى لذوي قرابته لا يشترط فيه الجمع لاستحقاق الكل حتى لو كان له عم وخالان فكله للعم عنده قال ويعتبر في هذه المسائل قرابة الموصى له وقت موت الموصي لا وقت الإيصاء قال في الأصل: وإن لم يكن للموصي ذو رحم في هذه المسائل فالوصية باطلة عند أبي حنيفة، وفي النوازل، وفي الظهيرية: الوصية للقرابة إذا كانوا لا يحصون اختلف المشايخ في جوازها قال بعضهم: إنها باطلة، وقال محمد بن سلمة: إنها جائزة وعليه الفتوى؛ لأنها قربة لكونها صلة، ولو أوصى بثلث ماله لأهل بيته دخل في الوصية كل من يتصل به من قبل آبائه إلى أقصى أب له في الإسلام يستوي فيه المسلم، والكافر، والذكر، والأنثى، والمحرم، والقريب، والبعيد ونسب الإنسان من قبل أبيه وكل من يتصل به من قبل آبائه إلى أقصى أب في الإسلام فهو من أهل بيت نسبته فيدخل تحت الوصية ولا يدخل تحت الوصية أولاد البنات قال إلا إذا كان أزواجهن من بني أعمام الوصي وعشيرته ولا يدخل فيه أولاد الأخوات ولا أحد من قرابة أم الموصي وإذا أوصى لجنسه فهذا وما لو أوصى لأهل بيته سواء؛ لأن الإنسان من جنس قوم أبيه ألا ترى أن إبراهيم ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قرشيا وكذلك أولاد الخلفاء يصلحون للخلافة وإن كان أكثرهم من الإماء واعتبروا من جنس قوم آبائهم فصار قوله: وجنسه وقوله لأهل بيته سواء وكل من يتصل به إلى أقصى أب في الإسلام يدخل تحت الوصية إن أوصى لآله فهذا وما لو أوصى لأهل بيته سواء؛ لأنهم يستعملون استعمالا  واحدا. يقال: آل محمد وأهل بيت محمد وآل عباس وأهل بيت عباس إذا أوصى بثلث ماله لأهله أو لأهل فلان فالوصية للزوجة خاصة دون من سواها قياسا إلا أنا استحسنا وجعلنا الوصية لكل من يكون في عياله وتلزمه نفقتهم ويضمهم بيته ولا يدخل تحت الوصية مماليكه فلو كان أهل في بلدتين أو في بيتين دخلوا تحت الوصية لعموم اللفظ.
قال رحمه الله: "فإن كان له عمان وخالان" فهي لعميه؛ لأنهما أقرب كما في الإرث ولفظ الجمع يراد به المثنى في الوصية على ما بينا فكذا هنا وهذا عند أبي حنيفة وعندهما يكون بينهم أرباعا؛ لأنهم لا يعتبرون الأقرب، وقد تقدم
قال رحمه الله: "ولو كان له عم وخالان كان له النصف ولهما النصف" أي لو كان له عم

 

 ج / 9 ص -349-     ولو له عم وعمة استويا ولولد فلان للذكر، والأنثى سواء
______
وخالان كان للعم نصف ما أوصى به وللخالين النصف؛ لأن اللفظ جمع فلا بد من اعتبار معنى الجمع فيه وهو الإتيان في الوصية على ما عرف فيضم إلى العم الخالان ليصير جمعا فيأخذ هو النصف؛ لأنه أقرب ويأخذان النصف بخلاف ما إذا أوصى لذي قرابته حيث يكون جميع اعتبار الوصية للعم إذ هو الأقرب ولو كان له عم واحد لا غير كان له نصف الوصية لما بينا أنه لا بد من اعتبار الجمع فيه ويرد النصف إلى الورثة لعدم من يستحقه؛ لأن اللفظ جمع وأدناه اثنان في الوصية فيكون لكل واحد منهما النصف. والنصف الآخر يرد إلى الورثة.
قال رحمه الله: "ولو له عم وعمة استويا"؛ لأن قرابتهما مستويان ومعنى الجمع قد تحقق بهما فاستحقا حتى لو كان له أخوال معهما لا يستحقون شيئا؛ لأنهما أقرب ولا حاجة إلى الضم إليهما لكمال النصاب بهما ولو انعدم المحرم بطلت الوصية؛ لأنها متقيدة بهذا فلا بد من مراعاته وهذا كله عند أبي حنيفة وعندهما لا تبطل ولا تختص الأعمام بالوصية دون الأخوال لما عرف من مذهبهما وقدمنا بيانه.
قال رحمه الله: "ولولد فلان للذكر، والأنثى سواء" يعني لو أوصى لأولاد فلان للذكر، والأنثى سواء؛ لأن اسم الولد يشمل الكل وليس في اللفظ شيء يقتضي التفضيل فتكون الوصية بينهم على السواء قال في العيني على الهداية قال الفقيه أبو الليث: ولو أوصى لولد فلان ولفلان ولد الصلب وله ولد ولد فالوصية كلها له وليس لولد الولد شيء، وقال شمس الأئمة في شرح الكافي: لو كان له ولد واحد ذكرا أو أنثى فجميع الوصية له وذكر الكرخي بخلاف ذلك فقال: إذا أوصى بثلث ماله لولد فلان وله ولد الصلب ذكرا أو أنثى كان الثلث لهم بعد أن يكون اثنين فصاعدا ولم يكن لولد ولده شيء ولو كان لصلبه واحد أو له ولد ولد كان للذي لصلبه نصف الثلث ذكرا كان أو أنثى وكان ما يبقى لولد ولده بالسوية الذكر، والأنثى. وهذا كله قول أبي حنيفة ا هـ..
ولو أوصى لولد فلان أو لابن فلان فهذا على وجهين إما إن كان فلان أبا قبيلة يعني أبا جماعة كثيرة كتميم لبني تميم وأسد لبني أسد أو كان فلان أبا خاص ليس بأب لجماعة كثيرة واعلم بأن أولى الأسامي في هذا الباب الشعب بفتح الشين سمي شعبا لتشعب القبائل منها، ولهذا بدأ الله تعالى بذكره فقال:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات: من الآية13] ثم القبيلة ثم العمارة ثم البطن ثم الفخذ ثم الفصيلة فمضر شعب وكنانة قبيلة وقريش عمارة وقصي بطن وهاشم أبو جد النبي صلى الله عليه وسلم فخذ، وعبد المطلب فصيلة. وإذا أوصى لبني قريش وقريش عمارة فإنه لا يدخل تحت الوصية أولاد مضر وكنانة وتدخل أولاد قريش وأولاد قصي وهاشم وأولاده، والعباس وأولاده وإذا أوصى لبني قصي وهم بطنه فإنه لا يدخل تحت الوصية أولاد مضر وكنانة وأولاد قريش ويدخل من دونهم، وإذا أوصى لبني هاشم الذي هو فخذ

 

 ج / 9 ص -350-     ...........................................
______
فإنه لا يدخل تحت الوصية من فوقهم ويدخل من دونهم من أولاد الفصيلة. ولو أوصى لبني الفصيلة فإنه لا يدخل تحت الوصية أولاد العباس وأولاد أبي طالب وأولاد علي ولا يدخل من فوقهم قال الشيخ الزاهد أحمد الطواويسي: مثال الفخذ مضر. ومثال البطن بنو هاشم ومثال القبيلة قريش ومثال الشعب العرب، وفي الذخيرة: وإذا أوصى لولد علي وهم فخذ لا يدخل تحته من فوقهم، وهم أولاد قريش؛ لأنهم فوقهم فإذا عرفنا هذه الجملة جئنا إلى المسألة التي ذكرناها وهو ما إذا أوصى بثلث ماله لبني فلان وفلان القبيلة وله أولاد ذكور وإناث فإن ثلث ماله يكون بين الذكور، والإناث من أولاده بالسوية إذا كانوا يحصون بالإجماع وإن كن أناسا كلهن ولم يذكر هذا في الكتاب قالوا ينبغي أن يكون الثلث لهن وإن كانوا ذكورا كلهم يستحقون كله فأما إذا كان فلان أبا واحدا وله أولاد ذكور كلهم فإن ثلث ماله لهم وإن كان أولاده إناثا كلهن لا شيء لهن  وإن كان فلان أبا خاصا وأولاد فلان ذكورا أو إناثا اختلفوا فيه قال أبو حنيفة وأبو يوسف: الوصية للذكور منهم دون الإناث، وقال محمد: بأن الوصية للذكور، والإناث بينهم بالسوية إذا كانوا يحصون، وقد روى أبو يوسف بن خالد السمني عن أبي حنيفة مثل قول محمد حكى الكرخي أنه كان يقول ما ذكره في هذه الرواية قول أبي حنيفة الآخر وما يرويه يوسف بن خالد السمني قوله الأول وكان يجعل لأبي حنيفة قولا كان أولا وآخرا في هذه المسألة، فيقول قوله الأول قياس وقوله الآخر استحسان فإن لم يكن لفلان أولاد صلبية وكان له أولاد أولاد هل يدخلون تحت الوصية يدخلون كلهم. وإن كان له أولاد بنات فإنهم لا يدخلون تحت الوصية وإن كانوا ذكورا كلهم أو كانوا ذكورا وإناثا لا غير وإن كان أولاد البنات إناثا كلهن فلا شك أنه لا شيء لهن، وفي الذخيرة: سئل عن هذه المسألة فقال أولاد البنات لا يدخلون تحت الوصية ثم أنشد

بنونا بنو أبنائنا وبناتنا                       بنوهن أبناء الرجال الأباعد

هذا إذا أوصى لبني فلان فأما إذا أوصى لولد فلان ولفلان بنات لا غير دخلن تحت الوصية بخلاف ما لو أوصى لبني فلان ولفلان بنات لا شيء لهن فإن كان لفلان بنون وبنات فالثلث بينهم عندهم جميعا ويكون ثلث ماله بينهم بالسوية لا يفضل الذكور على الإناث قال فإن كانت له امرأة حامل دخل ما في بطنها في الوصية أيضا ولا تدخل أولاد الأولاد تحت هذه الوصية كولد فلان وولد فلان وولد فلان في الحقيقة من يولد لفلان وللذي يولد منه ابنه وابنته لصلبه فأما ولد ابنه أو ابنته يولد من ابنه أو ابنته ولم يتولد من فلان وكان حقيقة هذا الاسم لولد الصلب فما دام لفلان ولد صلبه لا يدخل ولد ابنه وهذا إذا كان فلان أبا خاصا فإذا كان هو أبا فخذ فأولاد الأولاد يدخلون تحت الوصية حال قيام ولد الصلب وإن لم يكن له ولد إلا ولدا واحدا كان الثلث له بخلاف ما لو أوصى لأولاد فلان وله ولد واحد فإنه يستحق النصف. وإذا أوصى لأولاد فلان

 

 ج / 9 ص -351-     ...........................................
______
وليس لفلان أولاد لصلبه يدخل تحت الوصية أولاد البنين وهل يدخل فيه أولاد البنات ففيه روايتان في دخول بني البنات أما بنات البنات لا يدخلون في الوصية رواية واحدة.
ولو أوصى لأولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم العلوية، والشيعية، والفقهاء، والعلماء وأصحاب الحديث صحت الوصية وسئل الفقيه أبو جعفر عن رجل أوصى لأولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر أن أبا نصر بن يحيى كان يقول الوصية لأولاد الحسن، والحسين ولا تكون لغيرهما فأما العمرية فهل يدخلون في هذه الوصية قال ينظر كل من كان ينسب إلى الحسن، والحسين ولا يكون لغيرهما فأما العمرية فهل يدخلون في هذه الوصية ويتصل بما يدخل في هذه الوصية؛ لأنه كان رضي الله عنه زوج ابنتيه من ولد عمر رضي الله عنه. وإذا أوصى للعلوية فقد حكي عن الفقيه أبي جعفر أنه لا يجوز؛ لأنهم لا يحصون وليس في هذا الاسم ما ينبئ عن الفقر أو ذي الحاجة ولو أوصى لفقراء العلوية يجوز وعلى هذا الوصية للفقهاء لا تجوز ولو أوصى لفقرائهم يجوز وقد يحكى عن بعض مشايخنا أن الوقف على معلمي الصبيان في المساجد يجوز؛ لأن عامتهم فقراء، والفقر فيهم هو الغالب فصار حكم غلبة الفقر كالمشروط. قال الشيخ الإمام شمس الأئمة الحلواني: كان الإمام القاضي يقول على هذا القياس إذا أوصى لطلبة علم كورة كذا أو لطلبة علم كذا يجوز ولو  أعطى الوصي واحدا من فقراء الطلبة أو من فقراء العلوية جاز عند أبي يوسف وعند محمد لا يجوز إلا إذا صرف إلى اثنين منهم. وإذا أوصى للشيعة ومحبيه قال محمد: اعلم بأن كل مسلم شيعة ومحب لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما ما وقع عليهم الوهم من أنهم الذين يعرفون بالميل إليهم وصاروا موسومين بذلك دون غيرهم فقد قيل الوصية باطلة قياسا إذا كانوا لا يحصون وإذا أوصى لفقراء الفقهاء حكي عن الفقيه أبي جعفر أنه قال الفقيه عندنا من بلغ من الفقه الغاية وليس المتفقة بفقيه وليس له من الوصية بنصيب قال الفقيه أبو جعفر أنه لم يكن في بلدنا أحد يسمى فقيها غير أبي بكر الأعمش شيخنا، وقد أهدى أبو بكر الفارسي مالا كثيرا لطلبة العلم حين نادوه في مجلس أيها الفقيه. وإذا أوصى لأهل العلم ببلدة كذا فإنه يدخل فيه أهل الفقه وأهل الحديث ولا يدخل من يتعلم الحكمة، وفي الخانية ولا يدخل من يتعلم الحكمة مثل كلام الفلسفة وغيره؛ لأن هؤلاء يسمون المتفلسفة لا طلبة علم وهل يدخل فيه المتكلمون فلا ذكر لهذه المسألة أيضا في الكتب. وعن أبي القاسم إن كتب  الكلام ليست كتب علم يعني في العرف ولا يسبق إلى الفهم فلا يدخل تحت كتب العلم فعلى قياس هذه المسألة لا يدخل في الوصية المتكلمون وإذا أوصى بثلث ماله على فقراء طلبة العلم من أصحاب الحديث الذين يختلفون إلى مدرسة منسوبة في كورة كذا فالمتعلم للفقه إذا لم يكونوا من جملة أصحاب الحديث لا يتناول شفعوي المذهب، ويتناول من يقرأ الأحاديث ويسمع، ويكون في طلب ذلك سواء كان شفعوي المذهب أو حنفي المذهب أو غير ذلك ومن كان

 

 ج / 9 ص -352-     ...........................................
______
شفعوي المذهب إلا أنه لا يقرأ الأحاديث ولا يسمع ولا يكون في طلب ذلك لا يتناوله اسم أصحاب الأحاديث، قال في المحيط ولو أوصى لبني فلان فإن كانوا لا يحصون فالوصية باطلة؛ لأنا عجزنا عن تنفيذ هذه الوصية؛ لأنه لا يمكنه تنفيذها للكل؛ لأنهم لا يحصون فبطلت الوصية كما لو أوصى لواحد من عرض الناس بخلاف ما لو أوصى للفقراء؛ لأن الوصية للفقراء وقعت لله تعالى، والفقراء مصارف ولهذا لا يرتد بردهم وجاز صرفها إلى الواحد منهم عند أبي يوسف؛ لأنه واحد معلوم فوقعت الوصية له بخلاف الوصية لبني فلان؛ لأنها تناولت الأغنياء كما تناولت الفقراء فيقع للغني لا لله تعالى حتى ترتد برده، ولو أوصى لبني فلان وهم لا يحصون فإن كانوا فقراء جازت الوصية؛ لأنها وقعت لله تعالى. وإن كانوا أغنياء لا يجوز؛ لأنها وقعت للعباد، وقد تعذر تنفيذها ثم لا يخلو إما إن كان فلان أبا قبيلة أو فلان أب أو جد فإن كان فلان أبا قبيلة وهم ذكور وإناث فالثلث بينهم بالسوية إن كانوا يحصون؛ لأن النساء إذا اختلطن بالرجال يدخلن في خطاب الرجال قال الله تعالى:
{أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: من الآية43] وقد تناول ذلك الرجال، والنساء جميعا وقوله تعالى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: من الآية11] وقد تناول الذكور، والإناث فإن كن إناثا خلصا لم يذكره في الكتاب وقالوا على قياس تعليل محمد لهذه المسألة يكون الثلث لهن؛ لأنه ذكر، وقال يحسن أن يقال هذه المرأة من بني فلان إذا كان فلان أبا أو جدا وله أولاد بنات فلا شيء لهن وإن كانوا ذكورا وبنات فالثلث للذكور خاصة عند أبي حنيفة وعندهما للذكور، والإناث وذكر في بعض النسخ قول أبي يوسف مع أبي حنيفة وهو الأصح وعند محمد: يدخل الإناث لمحمد أن الإناث متى اختلطت بالذكور يتبعن الذكور ويغلب الذكور على الإناث فإنه يقال بنو آدم وبنو هاشم وبنو تميم فإنه يتناول الذكور، والإناث ولهذا لو أوصى لإخوة فلان دخل الإخوة، والأخوات تحت الوصية لما ذكرنا من الآية لهما أن حقيقة هذا اللفظ يطلق على الذكور خاصة وإنما يطلق على الذكور، والإناث حالة الاختلاط مجازا، والعمل بالحقيقة واجب ما أمكن مع أن في استعمال هذا المجاز اشتراكا؛ لأن فلانا إذا كان أبا أو جدا. فكما يذكر اسم الأب ويراد به الذكور، والإناث يذكر ويراد به الذكور خاصة دون الإناث؛ لأنه قد تخلو أولاده عن الإناث وإطلاق هذا الاسم على الذكور خاصة حقيقة مستعملة وعلى الإناث خاصة مجاز غير مستعمل فحالة الاختلاط وقع الشك في دخول الإناث تحت الوصية فلا يدخل بالشك بخلاف ما لو أوصى لبني تميم؛ لأن المقصود ليس هو الأعيان، والأشخاص وإنما المقصود مجرد الأسباب، والوصية للإخوة على هذا الخلاف تكون وصية للإخوة دون الأخوات عندهما؛ لأن اسم الإخوة لا يتناول الأخوات بحقيقته بل بمجازه ولهذا قال الله تعالى: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: من الآية176] فقد فسر الإخوة بالرجال، والنساء ولو تناول اسم

 

 ج / 9 ص -353-     ...........................................
______
الإخوة الأخوات لم يحتج إلى هذا التفصيل ولو وجد في الوصية مثل هذا التفسير بأن قال بإخوة فلان رجالا ونساء دخلت الأخوات فيها وليس لولد الولد شيء وإن كانوا مع ولد الصلب وإن لم يكن لفلان ولد صلب فالوصية لابن ابنه دون بنات ابنه؛ لأن ولد الابن يسمى ولدا إلا أنه ناقص في الإضافة، والانتساب إليه؛ لأنه يضاف إليه بواسطة، والناقص لا يدخل تحت مطلق اسم المضاف كأولاد البنات فعند الإطلاق يحمل على ولد الصلب؛ لأنه أحق بهذا الاسم فإن تعذر حمله على الحقيقة حمل على المجاز تجريا للجواز ولأن ابن الابن قائم مقام ابن الصلب حال عدم الصلب في الميراث حجبا واستحقاقا وسقط اعتبار نقصان الإضافة إليه شرعا. فكذلك الوصية؛ لأنها أخت الميراث ولو أوصى لبني فلان بالثلث ولم يكن لفلان بنون يوم الوصية فهو لبنيه الذين حدثوا قبل موت الموصي؛ لأن الوصية تمليك من الموصي للموصى له بعد الموت فيعتبر وجود الموصى له وقت موت الموصي ولهذا صحت الوصية بثلث ماله وإن لم يكن له مال عند  الوصية وإن كان لفلان بنون أربعة وولد له آخران ثم مات الموصي فالثلث للباقين وللمولودين سواء؛ لأنه متى أضاف الوصية إلى بني فلان مطلقا ولم يسم تقع الوصية لبنيه الموجودين وقت الموت لا لبنيه الموجودين وقت الوصية؛ لأن الوصية تمليك مضاف إلى ما بعد الموت فيعتبر الملك وقت الموت. حتى لو قال أوصيت بالثلث لبني فلان هؤلاء وسماهم تقع لبنيه الموجودين وقت الوصية حتى تبطل بموتهم ولا يكون لبنيه الموجودين عند الموت ولو قال: لولد فلان دخل الذكور، والإناث؛ لأن الولد يتناول الكل حقيقة وكذلك الجنين؛ لأنه ولده وإنما تصح الوصية للجنين بشرط أن ينفصل حيا وتعليق الوصية بالشرط، والإحصار جائزة فإن الوصية بالمعدوم للمعدوم جائز وإن كان له بنات وبنو ابن فالوصية للبنات؛ لأن اسم الولد يتناوله البنات الصلبية حقيقة وولد الابن مجازا؛ لأن الاسم مشتق من التوليد، والتفرع. والبنت الصلبية متولدة عنه حقيقة وولد الابن متولد بواسطة فإن لم يكن له ولد صلب فالوصية لولد الابن الذكور، والإناث سواء كان ولد الابن مضافا أو منسوبا إليه بواسطة الأب، وفي الإضافة إليه نوع قصور فعند الإطلاق ينصرف الاسم إلى الولد الصلبي؛ لأنه أحق وعند عدمه يحمل على ولد الابن مجازا ولا شيء لولد البنت؛ لأن ولد البنت غير منسوب إليه ومضاف إليه؛ لأنه من جهة الآباء دون الأمهات على ما مر بشرحه في كتاب الوقف ولو لم يكن له إلا ولد واحد فكل الثلث له؛ لأن اسم الولد يتناول الواحد فصاعدا. ولو أوصى بالثلث لأكابر ولد فلان وله أولاد بعضهم أبناء سبعين وبعضهم أبناء ستين وبعضهم أبناء أربعين فالوصية لأبناء ما زاد على الخمسين أو في النصف الأول شيء فكذلك السيد إذا قال: أكابر رقيقي أحرار ولو قال ثلث مالي بين بني فلان وبني فلان ولأحدهما ثلاث بنين وللآخر واحد كان الثلث بينهم على عدد رءوسهم وإن لم يكن للآخر ابن رد نصف الثلث إلى الورثة، ولو قال بين أعمامي وأخوالي وله عم وخال فالثلث بينهم؛ لأن أقل الجمع في باب الوصية، والميراث اثنان لما بينا وإن كان له عم

 

 ج / 9 ص -354-     ...........................................
______
واحد أو عمان وليس له خال رد نصف الثلث للورثة. ولو قال لإخواني وله أخ واحد وهو يعلم أو لا يعلم فله نصف الثلث. ولو قال: ثلث مالي لفلان ولبنيه وللمساكين فإذا لفلان ابن واحد فالثلث بينهما أرباعا لفلان سهم ولابنه سهم وللمساكين سهم ويرجع سهم إلى الورثة؛ لأنه قال لبني فلان، والابن الواحد لا يكون بنين ويكون الابنان بني فلان؛ لأن اسم الجمع يطلق على الابنين. ولو أوصى بثلثه لآل فلان أو لأهل بيت فلان وليس له بيت ولا قرابة فإنه يعطي الرجل الذي سماه وعياله الذي يعوله من ولده وتدخل امرأته فيهم الفتاوى رجل أوصى بثلث ماله لبني فلان وهم ثلاثة قبل موت الموصي فإن كان أبوهم حيا فالثلث بينهما نصفان وإن كان ميتا بطل ثلث الوصية فالثلثان بينهما نصفان قال الفقيه أبو الليث: وبه نأخذ؛ لأن أباهم لو مات لا يبقى له ولد سواهما فانصرفت الوصية إلى عددهما فصار كأنه قال: ثلث مالي لفلان وفلان فلما مات أحدهم بطلت وصيته. وإذا أوصى بثلثه لقرابة بني فلان وهم لا يحصون دخل مواليهم وموالي مواليهم وموالي الموالاة وحلفاؤهم يقسمه بين من يقدر عليه منهم بالسوية؛ لأن كل فريق من هؤلاء ينسبون إلى فلان بالبنوة قال عليه الصلاة والسلام
"إن مولى القوم منهم وحليف القوم منهم"1، والحليف من والى قوما ويحلفون له على الموالاة، والقريب من يصير بغير حلف وإن أعطى الكل أو واحدا منهم جاز عند أبي يوسف. وقال محمد: يعطيه ابنين فصاعدا لما يأتي في باب الوصية للفقراء وإن كان فلان أبا خاصا وليس بأبي قبيلة ولا جد فالثلث لبنيه لصلبه ولم تدخل الموالي، والحليف في الوصية؛ لأن مواليهم أبعد إلى فلان من بني بنيه وبنو بنيه لا يدخلون تحت الوصية فالموالي أولى؛ لأنهم لا ينسبون إليه إذا لم تكن القبيلة مضافة إليه. ولو أوصى ليتامى أو أرامل بني فلان فالوصية جائزة يحصون أو لا قال في الأصل، واليتيم كل من مات أبوه ولم يبلغ الحلم غنيا كان أو فقيرا وقول محمد حجة في اللغة؛ لأنه من أرباب اللغة وهكذا قال الخليل ولهذا قال عليه الصلاة والسلام "لا يتم بعد الحلم"2 ثم اليتيم في اللغة مأخوذ من اليتم وهو الانفراد، والمباينة عن الشيء كما يقال هذه الدرة يتيمة لانفرادها عن أشكالها ونظائرها وتسمى المرأة يتيمة مجازا لانفرادها عن قوة القلب إلا أنه في عرف الشرع اسم لمن انفرد عن أبيه في حال صغره، والأرملة كل امرأة فقيرة فارقها زوجها أو مات عنها دخل بها أو لم يدخل وقول محمد حجة وهكذا قال  صاحب الزاهر، والأرملة المرأة التي لا زوج لها مأخوذ من قولهم أرمل القوم إذا فنى زادهم، والذكر يسمى أرملا مجازا ثم اليتامى إن كانوا يحصون فالثلث بينهم بالسوية يدخل الغني، والفقير فيه وإن كانوا لا يحصون فهو للفقراء خاصة من يقدر عليهم منهم؛ لأن اليتامى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه الدارمي في "سننه" كتاب السير 2528.
2 أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" 6/416.

 

 ج / 9 ص -355-     يذكرون ويراد بهم الفقراء المحتاجون قال الله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [لأنفال: من الآية41] الآية ذكر اليتامى وأراد بهم المحتاجين. وبهذا تبين أن اسم اليتيم لغة مما ينبئ عن الحاجة فيكون هذا وصية بالصدقة، والوصية بالصدقة وصية لله تعالى فتكون جائزة؛ لأن الله تعالى معلوم فأنكر تخصيص المحتاجين إلى من يقوم مقامهم بإضافة الوصية إليهم تصحيحا لعقده ولو أعطاه واحدا فعلى الخلاف الذي مر. فإن أوصى بثلثه لأيامى بني فلان أو ثيب بني فلان أو أبكار بني فلان ولم يحصوا فالوصية باطلة لجهالة الموصى له وليس في اسم الأيم ما ينبئ عن الحاجة حتى يحمل على الوصية بالصدقة بخلاف الأرامل، واليتامى على ما مر فإن كن يحصين فهو بينهم بالسوية، والأيم كل امرأة لا زوج لها جومعت حراما أو حلالا بلغت أو لم تبلغ غنية أو فقيرة، وقال الكرخي: وأبو القاسم الصفار الجماع، والأنوثة ليست بشرط لثبوت هذا الاسم حتى قالا بأن الرجل، والبكر إذا يدخلان تحت الوصية بدليل قول الشاعر
 

إن القبور تنكح الأيامى                          النسوة الأرامل اليتامى


 والقبور كما تضم الثيب تضم البكر، والصحيح قول محمد؛ لأنه حجة في اللغة هكذا قاله الخليل بن أحمد في العين ولهذا قال عليه الصلاة والسلام
"الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر في نفسها"1 عطف البكر على الأيم، والمعطوف غير المعطوف عليه،
قال رحمه الله: "ولورثة فلان للذكر مثل حظ الأنثيين" يعني لورثة فلان يدفع للذكر قدر حظ الأنثيين؛ لأنه اسم مشتق من الوراثة وترتب الاسم على المشتق يدل على العلية ألا ترى أن الله تعالى لما نص على الوراثة بقوله
{وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: من الآية233] ترتب الحكم عليهما حتى وجبت النفقة بقدرها. ثم شرط هذه الوصية أن يموت فلان الموصى لورثته قبل موت الموصى حتى يعرف ورثته منهم حتى لو مات الموصي قبل موت الموصي لورثته بطلت الوصية بخلاف ما إذا أوصى لولده، ولو كان مع ورثته موصى له آخر قسم بينهم وبينه على الرءوس ثم ما أصاب الورثة جمع وقسم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين.

ولورثة فلان للذكر مثل حظ الأنثيين
باب الوصية بالخدمة، والسكنى، والثمرة
______
باب الوصية بالخدمة، والسكنى، والثمرة
لما فرغ من بيان الوصية المتعلقة بالأعيان شرع في بيان الوصية المتعلقة بالمنافع وأخر هذا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه مسلم في النكاح 1421، والترمذي في النكاح عن رسول الله 1108، والنسائي في النكاح 3260.

 

 ج / 9 ص -356-     وتصح الوصية بخدمة عبده وسكنى داره مدة معلومة وأبدا فإن خرج العبد من ثلثه سلم إليه ليخدمه
______
الباب؛ لأن المنافع بعد الأعيان وجودا فأخرها عنها وضعا
قال رحمه الله: "وتصح الوصية بخدمة عبده وسكنى داره مدة معلومة وأبدا"؛ لأن المنافع يصح تمليكها في حال الحياة ببدل أو بغير بدل وكذا بعد الممات للحاجة كما في حكم الأعيان ويكون محبوسا على ملك الميت في حق المنفعة حتى يستوفيه الموصى له على ملكه كما يستوفي الموقوف عليه المنافع على حكم ملك الواقف قال في الاختيار شرح المختار وليس للموصى له أن يؤجرها؛ لأنه ملك المنافع بغير بدل والذي يملك أن يؤجر هو الذي يتملك المنافع بعوض، قال في الهداية: وليس له أن يخرج العبد من بلد الموصي إلا إذا كان الموصى له وأهله في بلد أخرى فيخرجه إلى بلده لخدمته؛ لأن المقصود من الوصية الخدمة ومتى أمكن توصله إلى الخدمة من بلد الموصي فلا يخرجه منها، وأفاد بقوله مدة وأبدا أنها تجوز مؤبدة ومؤقتة كما في العارية وتفسيرها أن يقوم الوارث مقام المورث فيما كان له وذلك في عين تبقى، والمنفعة عوض يعني وكذا الوصية بغلة الدار، والعبد جائزة؛ لأنها بدل المنفعة، والمجوز للوصية بها الحاجة وهي تشمل الكل إذ الموصي يحتاج إلى التقرب إلى الله تعالى بما يقدر عليه وكذا الموصى له محتاج إلى قضاء حاجته بأي شيء كان
قال رحمه الله: "فإن خرج العبد من ثلثه سلم إليه ليخدمه"؛ لأن حق الموصى له في الثلث لا يزاحمه الورثة فيه قال في الأصل يجب أن يعلم بأن الوصية بخدمة الرقيق وسكنى الدار وغلة الرقيق، والدور، والأرضين، والبساتين جائزة في قول علمائنا رحمهم الله تعالى وإذا جازت الوصية بخدمة الرقيق وسكنى الدور وغلة الرقيق فنقول إذا أوصى لرجل بخدمة عبده سنة ولا مال له غيره فهذا على وجهين إما أن تكون السنة معينة بأن قال: أوصيت بخدمة هذا العبد مثلا سنة سبعين وأربعمائة أو كانت غير معينة بأن لم يقل سنة كذا. وكل وجه من ذلك على وجهين إما أن يكون العبد يخرج من

 

 ج / 9 ص -357-     ...........................................
______
ثلث  ماله أو لا يخرج من ثلث ماله فإن أوصى له بخدمة عبده في سنة بعينها ومضت تلك السنة بعينها قبل موت الموصي بطلت الوصية وإن مات الموصي قبل دخول تلك السنة التي عينها ثم دخلت تلك السنة التي عينها ينظر إلى العبد إن كان العبد يخرج من ثلث ماله أو لا يخرج من ثلث ماله ولكن أجازت الورثة الوصية فإنه يسلم العبد الموصى به إليه حتى يستوفي وصيته وإن كان لا يخرج العبد من الثلث، ولم تجز الورثة الوصية فإن العبد يخدم الموصى له يوما، والورثة يومين حتى تمضي السنة التي عينها فإذا مضت تلك السنة التي عينها سلم العبد للورثة هذا إذا كانت السنة بعينها وإن كانت السنة بغير عينها إن كان العبد يخرج من ثلث ماله أو لا يخرج وقد أجازوا فيسلم العبد إلى الموصى له حتى يستخدمه سنة كاملة ثم يرده على الورثة فإن كان العبد لا يخرج من ثلث ماله ولم تجز الورثة فإنه يخدم الموصى له بالخدمة وكان يجب أن يعين السنة التي وجد فيها الموت وكل وجوب عرفته فيما إذا أوصى له بخدمة عبده سنة فهو الجواب فيما إذا أوصى له بغلة داره سنة أو سكنى داره سنة عين السنة أو لم يعين السنة إلى آخر ما ذكرنا في الخدمة، وفي المنتقى برواية المعلى عن أبي يوسف إذا أوصى لرجل بسكنى داره ولم يوقت كان ذلك ما عاش. وعن محمد عن أبي حنيفة إذا أوصى بغلة عبده هذا لفلان ولم يسم وقتا وهو يخرج من ثلث ماله فله غلته حال حياته، وإن كانت الغلة أكثر من الثلث وكذلك الوصية بغلة البستان أو بسكنى الدار أو خدمة العبد، وهو قول أبي يوسف ومحمد، وفي نوادر بشر عن أبي يوسف إذا أوصى بخدمة عبده أو سكنى داره لعبد رجل جاز للعبد الموصى له ولا يجوز لمولاه ويسكن العبد الدار ولا يسكن مولاه فإن مات العبد الموصى به بطلت الوصية وإن بيع أو أعتق بقيت الوصية، وفي نوادر ابن سماعة عن أبي يوسف رجل أوصى أن يخدم عبده فلانا حتى يستغني فإن كان فلان صغيرا خدمه حتى يدرك وإن كان كبيرا فالوصية باطلة قال: وإذا أوصى لهما بالسكنى فالسكنى بينهما بخلاف العبد فإنه يقسم الخدمة بينهما ولم يقسم العين. وفي الكافي ولو اقتسموا الدار مهايأة من حيث الزمان يجوز أيضا إلا أن الأول أولى، ولو أوصى له بغلة عبده أو بثمرة بستانه فإنه يجوز ولو لم يكن له مال غيره كان له ثلث الغلة، والثمرة بخلاف الخدمة وليس للورثة بيع ما في أيديهم من ثلثي الدار، وعن أبي يوسف أن لهم ذلك ولو خرب ما في يده من الدار كان له أن يزاحم الورثة فيما في أيديهم، ولو أوصى بغلة عبده أو داره فاستخدمه وسكنها بنفسه. قيل يجوز ذلك قال، والأصح أنه لا يجوز وليس للموصى له بالخدمة، والسكنى أن يؤجر العبد أو الدار، وفي الظهيرية وعليه الفتوى، وقال الشافعي له ذلك. وإذا أوصى رجل بثمرة بستانه فهو على وجهين إما إن قال أبدا أو لم يقل فإن كان في بستانه ثمر وهو يخرج من ثلث ماله كان له ذلك ولم يكن له ما يحدث من الثمار بعد ذلك إلى أن يموت هذا إذا كان في البستان ثمار قائمة يوم الموت فأما إذا لم يكن في البستان ثمار قائمة بعد الموت فالقياس أن تبطل الوصية ولا تصرف الوصية إلى ما يحدث من الثمار بعد الموت ولكن في الاستحسان لا تبطل الوصية ويكون للموصى له ما يحدث من الثمار بعد موت الموصي إذا كان البستان يخرج من ثلث ماله وهذا الذي ذكرنا كله إذا لم ينص على الأبد فأما إذا قال أوصيت لك بثمرة بستاني أبدا فحدث في البستان شجر من أصول النخيل وأثمر دخل غلة ذلك في الوصية وإن قاسم الوصي الموصى له بثلث غلة البستان مع الورثة فأغل الذي لهم ولم يغل الذي له فإنه يشاركه ويشاركونهم في الغلة قال: وللورثة أن يبيعوا ثلثي البستان فيكون المشتري شريكا

 

 ج / 9 ص -358-     ...........................................
______
للموصى له بالغلة بخلاف ما لو باعوا الكل فإنه لا يجوز البيع في حصة الثلث. وفي المنتقى: إذا أوصى بسكنى داره لرجل ولا مال له غيرها قال أبو حنيفة: ليس للورثة أن يبيعوا الثلثين. وقال أبو يوسف لهم أن يبيعوا الثلثين ولهم أن يقاسموا فيكون لصاحب الوصية الثلث قال أبو حنيفة: لو كانت هذه الوصية بغلة الدار كان للموصى له ثلث الغلة ولم يكن لهم أن يقسموا الدار فإذا خاف إذا قسمت أن لا تغل فليس له شيء، وقال أبو يوسف يقاسموا فيكون له الثلث فإذا أغل فهو له وإن لم يغل فليس له شيء وللورثة أن يبيعوا ثلثهم قبل القسمة وبعدها. وإذا أوصى الرجل لرجل بغلة أرضه وليس عليها نخل ولا شجر وليس له مال غيرها فإنها تؤجر فيعطي صاحب الغلة ثلث الأجر وإن كان فيها شجر أعطى ثلث ما يخرج من النخيل ولا يدفع له مزارعة بالنصف أو الثلث وإن كانت الزراعة إجارة الأرض إذا كان البذر من قبل  العامل؛ لأنها ليست بإجارة من كل وجه بل إجارة وشركة حتى إذا لم تخرج الأرض شيئا لا يكون لصاحب الأرض شيء وقد ذكرنا أن الوصية باسم الغلة تنصرف إلى الإجارة من كل وجه ولم تنصرف إلى المزارعة.
وإذا أوصى أن تؤاجر أرضه منذ سنين مسماة كل سنة بكذا وهي جميع ماله فإنه ينظر إلى أجرتها فإن كان المسمى أجر مثلها وجب تنفيذ هذه الوصية وإن كان المسمى أقل من أجر مثلها فإن كانت المحاباة بحيث تخرج من ثلث مال الميت فإنه تنفذ هذه الوصية وإن كانت المحاباة بحيث لا تخرج من ثلث مال الميت يقال للموصى له بالإجارة إن أردت أن نؤجر منك هذه الأرض فبلغ الأجر إلى تمام الثلثين. فإن بلغ تؤجر الأرض منه وإن لم يبلغ لا تؤجر الأرض منه وكان الجواب في الإجارة كالجواب فيما إذا أوصى أن تباع أرضه من فلان بكذا وذلك جميع ماله هناك إن كان المسمى مثل قيمة الأرض أو أكثر أو أقل من قيمة الأرض بغبن يسير تباع منه وإن كان بغبن فاحش فإن كان المحاباة بحيث لا تخرج من ثلث ماله يقال للموصى له بالبيع إن أردت أن تباع منك هذه الأرض فبلغ الثمن إلى تمام ثلثي القيمة فإن بلغ تباع الأرض منه وإن لم تبلغ فإنها لا تباع الأرض منه فكذا في الإجارة، ومن مشايخنا من قال لا يجوز أن يكون الجواب في الإجارة كالجواب في البيع، ومنهم من قال ما ذكره محمد من الجواب صحيح في الإجارة وإذا أوصى وليس له بستان ثم اشترى بستانا ثم مات فالوصية جائزة من الثلث. وإذا أوصى لإنسان بشاة من غنمه ولم يقل يوم الموت إن كان في ملكه يوم الوصية صحت الوصية وتعلق بها حتى إذا هلكت بعد ذلك بطلت الوصية وإن لم يكن في ملكه غنم يوم الوصية كانت الوصية باطلة ولو قال: أوصيت لك بشاة من غنمي يوم الموت فالوصية جائزة وإن لم يكن في ملكه غنم يوم الوصية وإذا أوصى رجل لرجل بغلة بستانه فأغل البستان سنة أو سنتين أو أكثر من ذلك قبل موت الموصي ثم مات الموصي فليس للموصى له من تلك الغلة شيء إنما يكون له من الغلة ما يكون في البستان يوم

 

 ج / 9 ص -359-     ...........................................
______
مات الموصي وما يحدث بعد موته في المستقبل إلى أن يموت الموصى له فأما ما يوجد من غلة البستان قبل موت الموصي بعد الوصية فإنه لا يكون للموصى له من ذلك شيء.
وإذا أوصى رجل لرجل بغلة بستانه ثم إن الموصى له بالغلة اشترى البستان من ورثة الميت فذلك جائز وتبطل وصيته وكذلك لو لم تبعه الورثة ولكنهم تراضوا على شيء دفعوه إليه على أن يسلم الغلة ويبرأ منها فإن ذلك جائز وكذلك الصلح عن سكنى الدار وخدمة العبد جائز وإن كان بيع هذه الحقوق لا يجوز وذكر مسألة الصلح عن مسألة النخيل، وفي نوادر بشر عن أبي يوسف وذكر فيها القياس، والاستحسان وصورة ما ذكر عنه: " إذا أوصى بغلة نخلة ثلاث سنين وصالح عنها وقبض الدراهم منهم فالصلح باطل قياسا؛ لأن هذا صالح عن مجهول لا يدري أيكون أو لا يكون لكن استحسن وأجيز هذا الصلح.
وإذا أوصى رجل بغلة داره أو بغلة عبده للمساكين جاز ذلك من ثلث ماله وإذا ثبت أن الوصية بالغلة لله تعالى جائزة كالمنفعة وإذا أوصى بظهر دابته في سبيل الله لإنسان بعينه جازت هذه الوصية عندهم جميعا فأما إذا أوصى بظهر دابته في سبيل الله ولم يعين أحدا فإن المسألة على الخلاف فعلى قول أبي حنيفة وأبي يوسف لا يجوز وهو القياس في سبيل الله، وعلى قول محمد يجوز سئل أبو بكر عمن أوصى بغلة كرمه لإنسان قال يدخل فيه القوائم، والأوراق، والحطب، والثمر ألا ترى أنه لو دفع الكرم معاملة فكل هذه الأشياء تكون بينهما كذا هذا. وفي فتاوى أبي الليث إذا أوصى بثمر كرمه ثلاث سنين للمساكين فمات ولم يحمل كرمه ثلاث سنين شيئا قال نصير بطلت الوصية، وفي النوازل: وليس على الورثة شيء بعد ذلك، وقال محمد بن مسلمة يوقف ذلك الكرم وإن خرج من الثلث بتصدق بغلته ثلاث سنين قال الفقيه: قول محمد بن مسلمة موافق لقول أصحابنا فإنهم قالوا فيمن أوصى بخدمة عبده سنة لفلان وفلان غائب فمتى رجع فإن العبد يخدمه سنة فلو قال يخدمه هذه السنة فقدم فلان قبل مضي السنة بطلت الوصية كذلك الغلة. وفي العيون إذا أوصى لرجل أن يزرع له في كل سنة في أرضه فالبذر، والخراج، والسقي على الموصى له فإن أوصى له أن يزرع كل سنة عشرة أجربة فالبذر، والسقي، والخراج من مال الميت، ولو أوصى لرجل بثمر نخل قد بلغ أو زرع استحصد أو لم يحصد فالخراج على الموصى له فالأصل فيه أن كل شيء لو أصابته آفة لم يلزم صاحب الأرض  الخراج فإذا أوصى به لغيره فعلى الموصى له الخراج، وكذلك لو أوصى بثمرة نخله أو زرع قد أدرك فخراجه على الموصى له ولو قطع الثمرة وحصد الزرع ثم أوصى به لرجل فالخراج على الموصي ومما يتصل بهذا الفصل ما قال محمد في الجامع: رجل مات وترك عبدا لا مال له غيره وأوصى بخدمة عبده سنة لرجل وأوصى بخدمته سنتين لرجل آخر ثم مات ولا مال له غيره فللورثة أن يجيزوا ذلك لهم خدمة للعبد تقسم على تسعة أيام للورثة ستة أيام ولهما ثلاثة أيام فإذا مضى ثلاث سنين سلم

 

 ج / 9 ص -360-     فإن خرج العبد من ثلثه سلم إليه ليخدمه وإلا خدمة الورثة يومين، والموصى له يوما وبموته يعود إلى ورثة الموصي ولو مات في حياة الموصي بطلت
______
لورثة الميت رقبته ومنفعته؛ لأنه مال الميت وقد خلا عن الدين، والوصية فيكون للورثة. ولو كان العبد يخرج من ثلث المال أو لم يخرج بل أجازت الورثة ذلك قسمت خدمة العبد أثلاثا يوما للموصى له بالسنة ويومين للموصى له بالسنتين فيحصل استيفاء الوصيتين في ثلاث سنين ولا حق للورثة في خدمة العبد، ولو كان أوصى لرجل بخدمة العبد سنة سبعين ومائة ولآخر سنة إحدى وسبعين ومائة، والخدمة، والعبد لا تخرج من الثلث ولم تجز الورثة قسمت الخدمة في سنة إحدى وسبعين ومائة على ستة أيام للورثة أربعة أيام ولكل واحد من الموصى لهما يوم وإذا مضت هذه الوصية تبطل وصية الموصى له بسنة سبعين، وفي سنة إحدى وسبعين تقسم خدمة العبد أثلاثا على ثلاثة يوم للموصى له بسنة إحدى وسبعين ويومان للورثة فإذا مضت هذه السنة بطلت الوصية ولو كان العبد يخرج من الثلث أو لا يخرج لكن أجازت الورثة كانت خدمة العبد كلها في سنة سبعين له.
وفي الجامع أيضا: رجل أوصى لرجل بسكنى داره سنة وأوصى لآخر بسكناها سنتين ثم مات ولا مال له غير الدار وأبى الورثة أن يجيزوا ذكر أن الدار تقسم بينهم ثلثا الدار تسكنها الورثة وثلث الدار يقسم بين الموصى لهما نصفين يسكن لكل واحد منهما سدس الدار حتى تمضي سنة فإذا مضى سنة فالموصى له بسكنى الدار سنة يدفع السدس إلى الموصى لهما بسكنى الدار سنتين فيسكن ثلث الدار سنة أخرى ثم تعود الدار إلى الورثة. وفي الظهيرية ولو كانت الدار لا تتحمل القسمة كان الحكم فيها كالحكم في العبد وهذا إذا لم تخرج الدار، والعبد، والثمرة من الثلث فأما إذا خرج من الثلث أو أجازت الورثة قسمت الدار، والغلة، والسكنى كلها في السنة الأولى بين الموصى لهما نصفين، وفي السنة الثانية كلها لصاحب السنتين
قال رحمه الله: "فإن خرج العبد من ثلثه سلم إليه ليخدمه"؛ لأن حق الموصى له في الثلث لا يزاحمه الورثة فيه وقد قدمنا ما فيه
قال رحمه الله: "وإلا" أي وإن لم يخرج من الثلث "خدمة الورثة يومين، والموصى له يوما"؛ لأن حقه في الثلث وحقهم في الثلثين كما في الوصية بالعين ولا يمكن قسمة العبد؛ لأنه لا يتجزأ فصرنا إلى المهايأة فيخدمهم أثلاثا وقد قدمنا تفاصيل المسألة
قال رحمه الله: "وبموته يعود إلى ورثة الموصي" أي بموت الموصى له يعود العبد أو الدار إلى ورثة الموصي؛ لأنه أوجب الحق للموصى له ليستوفي المنافع على حكم ملكه فلو انتقل إلى وارث الموصى له استحقها أبدا من ملك الموصي بغير رضاه وذلك غير جائز.
قال رحمه الله: "ولو مات في حياة الموصي بطلت" أي لو مات الموصى له قبل موت

 

 ج / 9 ص -361-     وبثمرة بستانه فمات، وفيه ثمرة له هذه الثمرة وإن زاد أبدا له هذه الثمرة وما يستقبل كغلة بستانه وبصوف غنمه وولدها ولبنها له الموجود عند موته قال أبدا أولا
______
الموصي بطلت الوصية؛ لأنها تمليك مضاف إلى ما بعد الموت، وفي الحال ملك الموصي ثابت فيه ولا يتصور تملك الموصى له بعد موته فبطلت وقدمناه.
قال رحمه الله: "وبثمرة بستانه فمات، وفيه ثمرة له هذه الثمرة وإن زاد أبدا له هذه الثمرة وما يستقبل كغلة بستانه" أي إذا أوصى بثمرة بستانه ثم مات، وفيه ثمرة كان له هذه الثمرة وحدها وإن قال له ثمرة بستاني أبدا كان له هذه الثمرة وثمرته فيما يستقبل ما عاش، وإن أوصى له بغلة بستانه فله الغلة القائمة عليه، وما يستقبل فحاصله أنه إذا أوصى بالغلة استحق القائم، والحادث وإن أوصى بالثمرة لا يستحق إلا القائم إلا إذا زاد أبدا فحينئذ تصير كالغلة فيستحقه وهو المراد بقوله وإن زاد أبدا له هذه الثمرة وما يستقبل فيحتاج إلى الفرق بينهما، والفرق أن الثمرة اسم للموجود عرفا فلا يتناول المعدوم إلا بدلالة زائدة مثل التنصيص على الأبد فتتناول المعدوم، والموجود بذكره عرفا وأما الغلة فتنتظم الموجود وما يكون بعرض الوجود ولا يراد المعدوم إلا بدليل زائد عليه وإنما قيده بقوله، وفيه ثمرة؛ لأنه إذا لم يكن في البستان ثمرة، والمسألة بحالها فهي كمسألة الغلة في تناولها للثمرة المعدومة ما عاش الموصى له وإنما كان كذلك؛ لأن الثمرة اسم للموجود حقيقة ولا يتناول المعدوم إلا مجازا فإذا كان في البستان ثمرة عند موت الموصي صار مستعملا في الحقيقة فلا يتناول المجاز وإذا لم  يكن فيه يتناول المجاز ولا يجوز الجمع بينهما إلا أنه إذا ذكر لفظ الأبد فيتناولهما عملا بعموم المجاز لا جمعا بين الحقيقة، والمجاز وقد قدمنا تفاصيله.
قال رحمه الله: "وبصوف غنمه وولدها ولبنها له الموجود عند موته قال أبدا أولا" أي إذا أوصى بهذه الأشياء كان له الموجود عند موته ولا يستحق ما سيحدث بعد موته سواء قال أبدا أو لم يقل؛ لأنه إيجاب عند الموت فيعتبر وجود هذه الأشياء عنده فهذا هو الحرف لكن جازت الوصية في الغلة المعدومة، والثمرة المعدومة على ما بينا؛ لأنها تستحق بغير الوصية من العقود كالمزارعة، والمعاملة فلأن تستحق بالوصية أولى؛ لأنها أوسع بابا من غيرها وكذا الصوف على الظهر، واللبن في الضرع، والولد الموجود في البطن يستحق بجميع العقود تبعا ويجعل مقصودا فكذا بالوصية ثم مسائل هذا الباب على وجوه ثلاثة منها ما يقع على الموجود، والمعدوم وذكر الأبد أو لم يذكر كالوصية بالخدمة، والسكنى، والغلة، والثمرة إذا لم يكن في البستان شيء من الثمرة عند موته ومنها على الموجود دون المعدوم ذكر الأبد أو لم يذكر كالوصية باللبن في الضرع، والصوف على الظهر

 

 ج / 9 ص -362-     ...........................................
______
ومنها ما يقع على الموجود، والمعدوم إن ذكر الأبد وإلا فعلى الموجود فقط كالوصية بثمرة بستانه، وفيه ثمرة.
ولم يتعرض المؤلف للوصية بالكفن، والدفن وبقراءة القرآن على القبور ونحوه فنذكر ذلك تتميما للفائدة قال في واقعات الناطفي: إذا أوصى بأن يكفن بألف دينار أو بعشرة آلاف درهم فله أن يكفن بالوسط الذي ليس فيه إسراف ولا تقتير ولا تضييق، وقال في موضع آخر يكفن بكفن المثل وهو أن ينظر إلى ثيابه حال حياته للخروج للجمعة، والعيدين، والوليمة وقيل للفقيه أبي بكر البلخي لم اعتبرت ثياب الجمعة، والوليمة ولم تعتبر ثياب البذلة كما قال الصديق: الحي أحوج إلى الجديد من الميت قال ذلك في زمان لم يكن معه غيره، وفي النوازل سئل أبو القاسم عن امرأة صاحبة فراش أوصت ابنتها أن تكفنها بستين درهما بما يساوي ثلثمائة درهم قال: إن لم تفعل ذلك بإذن جميع الورثة وهم كبار ضمنتها جملة الثياب إن كانت الكل وضيعة ولا يحسب منها شيء وإن كان البعض رفيعة دون البعض مما كان فيه يكفن مثلها لم تضمن وما زاد على ذلك ضمنته، وفي فتاوى الخلاصة، والمختار: أنها متبرعة في الكل إن فعلت من مالها أو من التركة تضمن وسئل أيضا عمن أوصى بأن يكفن له بثمن كذا وفعل الموصى له ذلك فلا ضمان عليه ولو وجد ميراثا وذلك الشيء للورثة، وسئل أبو بكر عن امرأة أوصت إلى زوجها أن يكفنها من مهرها الذي لها عليه قال أمرها ونهيها في باب الكفن باطل، وفي فتاوى الخلاصة قال وصيتها في تكفينها باطلة. ولو لم تترك مالا يكون كفنها في بيت المال دون الزوج بلا خلاف بين علماؤنا قال في الفقيه أبو الليث رحمه الله هذا الجواب ظاهر الرواية عن أصحابنا وروى خلف عن أبي يوسف أن الكفن على الزوج كالكسوة، وعن محمد أنه لا يجب قال: وبقول أبي يوسف نأخذ قال الفقيه أبو بكر فيمن أوصى بأن يكفن في ثوب أن هذه الوصية باطلة، وفي الظهيرية: ولو أوصى أن يكفن في ثوب كذا ويدفن في موضع كذا فالوصية في تعيين الكفن وموضع القبر باطلة، وفي روضة الزندوسني إذا أوصى بأن يكفن في خمسة أثواب أو في ستة أثواب جازت وصيته ويراعى شرائطه، وفي الخلاصة: ولو أوصى بأن يدفن في مقبرة كذا تعرف لفلان الزاهد تراعى شرائطه وإن أوصى بأن يدفن مع فلان لا يصح، وقال إبراهيم بن يوسف فيمن مات ولم يترك شيئا قال إن مات وترك ثوبا واحدا يكفن فيه وإلا يسأل قدر ثوب ويكفن فيه ولا يسأل الزيادة رجلا كان أو امرأة قال الفقيه هذا قول إبراهيم، وقال ابن سلمة وغيره: يكفن في ثلاثة أثواب وكلا القولين حسن أوصى بأن يدفن في داره فوصيته باطلة؛ لأنه ليس في وصيته منفعة له ولا لأحد من المسلمين فلو دفن فيها فهو كدفنهم بغير وصية يرفع الأمر إلى القاضي فإن رأى الأمر برفعه فعل وإن أوصى أن يدفن في داره فهو باطل إلا أن يوصي أن تجعل داره مقبرة للمسلمين. وفي الخلاصة ولو أوصى بأن يدفن في بيته لا يصح ويدفن في مقابر المسلمين ولو

 

 ج / 9 ص -363-     ...........................................
______
أوصى بأن يصلي عليه فلان فقد ذكره في العيون أن الوصية باطلة، وفي الفتاوى العتابية وهو الأصح، وفي نوادر ابن سماعة أنها جائزة ويؤجر إن صلى عليه، والفتوى على ما ذكر في العيون وعن أبي يوسف إذا أوصى بثلث ماله في أكفان موتى المسلمين أو في حفر مقابر المسلمين أو في سقاية المسلمين قال هذا باطل. ولو أوصى بثلثه في أكفان فقراء المسلمين أو في حفر مقابرهم فهذا جائز. وفي فتاوى الخلاصة ولو أوصى بأن تتخذ داره مقبرة فمات  فوارثه مخير في دفنه فيها، ولو أوصى بأن يتخذ داره خانا ينزل فيه الناس لا يصح وعليه الاعتماد بخلاف ما لو أوصى بأن تتخذ سقاية رجل مات ولم يوص إلى أحد فباعت امرأته دارا من تركته لكن بغير إذن سائر الورثة فالبيع في نصيبها جائز وإن لم يكن على الميت دين محيط بعد ذلك ينظر إن كفنته بكفن مثله ترجع في مال الميت وإن كفنته بأكثر من كفن المثل لا ترجع إلا بقدر كفن المثل رجل أوصى بأن يكفن له من ثمن كذا فلم يفعل الوصي من ثمن كذا وكأن وجد المشتري أو لم يجد لا يضمن الوصي ذلك الشيء، ولو اشترى الوصي كفنا فدفن فيه الميت فظهر فيه عيب فهو والوصي يرجعان على البائع بالنقصان. والأجنبي لا يرجع وإذا أوصى أن يدفن في مسح كأن اشترى وتغل يده وتقيد رجله فهذه وصية بما ليس بمشروع فبطلت ويكفن كفن مثله ويدفن كما يدفن سائر الناس إذا دفن الميت في قبر فيه ميت آخر قال إذا بلي الأول حتى لم يبق منه شيء من العظام وغيره يجوز وإن بقي فيه العظام فإنه يهال عليه التراب ولا تحرك العظام ويدفن الثاني بقرب الأول إن شاءوا ويجعل بينهما حاجز من الصعيد ولو أوصى بأن يحمل بعد موته إلى موضع كذا ويدفن هناك ويبنى هناك رباط من ثلث ماله فمات ولم يحمل إلى هناك قال أبو بكر وصيته بالرباط جائزة، ووصيته بالحمل باطلة ولو حمله الوصي يضمن ما أنفق في حمله قال الفقيه: هذا إذا حمل بغير إذن الورثة ولو حمل بإذنهم وهم كبار فلا ضمان إذا أوصى بأن يطين قبره ويوضع على قبره قبة فالوصية باطلة إلا أن يكون في موضع يحتاج إلى التطيين فيجوز سئل أبو القاسم عمن دفع إلى ابنته خمسين درهما في مرضه، وقال: إن مت أنا فاعمري قبرا بخمسة دراهم واشتري بالباقي حنطة وتصدقي بها قال الخمسة الوصية بها لا تجوز وينظر إلى القبر الذي أمر بعمارته فإن كان يحتاج إلى العمارة للتخصيص لا للزنية عمر بقدر ذلك، والباقي يصدق على الفقراء وإن كان أمر بعمارته على الحاجة التي لا بد منها فوصيته جائزة وإذا أوصى أن يدفع إلى إنسان كذا من ماله ليقرأ القرآن على قبره فهذه الوصية باطلة. قال إن كان القارئ معينا ينبغي أن تجوز الوصية له على وجه الصلة دون الأجر قال أبو نصر وكان يقول لا معنى لهذه الوصية؛ لأن هذا بمنزلة الأجرة، والإجارة في ذلك باطلة وهو بدعة ولم يفعلها أحد من الخلفاء.
وقد ذكر مسألة قراءة القرآن على القبور في الاستحسان، سئل عن شيء يلقى في

 

 ج / 9 ص -364-     ...............................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القبر بجنب الميت مثل المضربة ونحوها قال لا بأس به وهو بمنزلة الزيادة في الكفن , وفي الخانية وبعضهم أنكر ذلك , وقال إذا كان محشوا لا تبقى تحته , والمحشو ليس من جنس الكفن فقد ذكر محمد في حق الشهيد ينزع عنه السلاح , والفرو , والحشو ولو كان من جنس الكفن لما أمر بنزعه وسئل أبو القاسم عمن أوصى أن نحفر عشرة أقبر قال إن عين مقبرة ليدفن فيها الموتى فالوصية جائزة ; لأن ذلك عمارة المقبرة وأنها قربة وإن كان الحفر لدفن أبناء السبيل وللفقراء من غير أن يبين موضعا فالوصية باطلة , وفي الواقعات عن محمد إذا أوصى بأن يحفر مائة قبر استحسن ذلك في محلته ويكون على الكبير , والصغير وبعض مشايخنا اختاروا أنه لو لم يعين المقبرة لا يجوز وإذا أوصى أن تدفن كتبه لم يجز إلا أن يكون فيها شيء لا يفهمه أحد ويكون فيه فساد فينبغي أن يدفن , والكتب التي فيها الرسل , وفيها اسم الله ويستغني عنها صاحبها بحيث أن لا يقرأها واجب محو ما فيها من اسم الله ولم يحفر لها ويلقيها في الماء الجاري الكثير فلا بأس به وإن لم يفعل ودفنها في أرض طاهرة ولا ينالها قذر كان حسنا. ولا يجوز أن يحرقها بالنار حتى يمحو ما كان من أسماء الله تعالى وأسماء رسله وملائكته , وفي الخانية: وعن بعض أهل الفضل رجل أوصى بأن تباع كتبه ما كان خارجا من العلم وتوقف كتب العلم ففتش كتبه فكان فيها كتب الكلام فكتبوا إلى أبي القاسم الصفار أن كتب الكلام تباع ; لأنها خارجة عن العلم , وفي الظهيرية فعلى هذا لو أوصى رجل لأهل العلم بشيء من ماله لا يدخل فيه أهل الأصول وقد ذكرنا شيئا من هذه المسائل مع مسألة دفع المصحف في كتاب الاستحسان.

باب وصية الذمي
ذمي جعل داره بيعة أو كنيسة في صحته فمات فهي ميراث
______
باب وصية الذمي
لما فرغ من وصية المسلمين شرع في وصية أهل الكتاب وترجم بالذمي؛ لأنه ملحق بالمسلمين في المعاملات
قال رحمه الله: "ذمي جعل داره بيعة أو كنيسة في صحته فمات فهي ميراث"؛ لأنه بمنزلة الوقف عند أبي حنيفة، والوقف عنده  لا يلزم فيورث فكذا هذا وأما عندهما فلا لأن هذا معصية فلا يصح وإن كانت قربة في معتقدهم بقي إشكال على قول أبي حنيفة وهو أن هذا عندهم كالمسجد عندنا، والمسلم ليس له أن يبيع المسجد فوجب أن يكون الذمي كذلك؛ لأنهم عنده يتركون وما يعتقدون وجوابه أن المسجد محرز عن حقوق العباد فصار خالصا لله ولا كذلك البيع في حقهم فلأنها لمنافع الناس؛ لأنهم يسكنون فيها ويدفنون فيها أمواتهم فلم تصر محرزة عن حقوقهم فكان

 

 ج / 9 ص -365-     وإن أوصى بذلك لقوم مسمين فهو من الثلث وبداره كنيسة لقوم غير مسمين صحت كوصية حربي مستأمن بكل ماله لمسلم أو ذمي
______
ملكه فيها تاما. وفي هذه الصورة يورث المسجد أيضا على ما يجيء بيانه.
قال رحمه الله: "وإن أوصى بذلك لقوم مسمين فهو من الثلث" أي إذا أوصى أن يبني داره بيعة أو كنيسة لمعينين فهو جائز من الثلث؛ لأن الوصية فيها معنى الاستخلاف ومعنى التمليك فأمكن تصحيحها على اعتبار المعنيين
قال رحمه الله: "وبداره كنيسة لقوم غير مسمين صحت كوصية حربي مستأمن بكل ماله لمسلم أو ذمي" يعني إذا أوصى بداره أن تبنى كنيسة لقوم غير مسمين صحت كما تصح لحربي.. . إلخ أما الأول وهو ما إذا أوصى إلى قوم مسمين فهو قول أبي حنيفة وعندهما الوصية باطلة؛ لأنها معصية حقيقة وإن كان في معتقدهم قربة، والوصية بالمعصية باطلة؛ لأن تنفيذها تقرير للمعصية ولأبي حنيفة أن هذه قربة في معتقدهم ونحن أمرنا أن نتركهم وما يدينون فيجوز بناء على معتقدهم ألا ترى أنه لو أوصى بما هو قربة حقيقة وهو معصية في معتقدهم لا تجوز الوصية اعتبارا لاعتقادهم فكذا عكسه. ثم الفرق لأبي حنيفة بين بنائها وبين الوصية بها أن البناء ليس بسبب لزوال الملك وإنما يزول ملك الباقي بأن يصير محرزا خالصا لله تعالى كما في مساجد المسلمين، والكنيسة لا تحرز لله تعالى على ما بيناه فيورث عنه بخلاف الوصية؛ لأنها وضعت لإزالة الملك غير أن ثبوت مقتضى الوصية وهو الملك امتنع فيما ليس بقربة عندهم فيبقى فيما هو قربة عندهم على مقتضاه فيزول ملكه فلا يورث قال مشايخنا: هذا فيما أوصى ببنائها في القرى وأما في المصر فلا يجوز بالاتفاق؛ لأنهم لا يمكنون من إحداث البيعة في الأمصار وعلى هذا الخلاف. إذا أوصى بأن يذبح خنازيره ويطعم المشركين من غير تعيين لما ذكرنا وإن كان لقوم معينين جاز بالاتفاق
فحاصله أن وصايا الذمي على ثلاثة أقسام وهو ما إذا أوصى بما هو قربة عندنا وعندهم كما إذا أوصى بأن يسرج في بيت المقدس أو بأن يغزي الترك وهو من الروم سواء كان القوم معينين أو غير معينين؛ لأنه وصية بما هو قربة عندنا، وفي معتقدهم أيضا قربة
ومنها ما هو باطل بالاتفاق وهو ما إذا أوصى بما هو ليس بقربة عندنا ولا عندهم كما إذا أوصى للمغنيات، والنائحات أو أوصى بما هو قربة عندنا وليس في معتقدهم كما إذا أوصى بالحج وببناء المساجد للمسلمين أو بأن تسرج مساجدنا؛ لأنه معصية عندهم إلا أن يكون لقوم بأعيانهم فيصح باعتبار التمليك

 

 ج / 9 ص -366-     ...........................................
______
ومنها ما هو مختلف فيه وهو ما إذا أوصى بما هو قربة عندهم. وليس بقربة عندنا كبناء الكنيسة لقوم غير معينين ونحوه، فعند أبي حنيفة يجوز وعندهما لا يجوز فإن كان لقوم معينين يجوز في الكل على أنه تمليك لهم وما ذكره من الجهة من تسريج المساجد ونحوه خرج منه على طريق المشورة لا على طريق الإلزام حتى لا يلزمهم أن يصرفوه في الجهة التي عينها هو بل يفعلون به ما شاءوا ولأنه ملكهم، والوصية إنما صحت باعتبار التمليك لهم وصاحب البدعة إذا كان لا يكفر فهو في حق الوصية بمنزلة المسلم؛ لأنا أمرنا ببناء الأحكام على ظاهر الإسلام وإن كان يكفر فهو بمنزلة المرتد فيكون على الخلاف المعروف في تصرفاته
قال صاحب الهداية: في المرتدة الأصح أنه تصح وصاياها؛ لأنها تبقى على الردة بخلاف المرتد؛ لأنه يقتل أو يسلم فجعلها كالذمية، وقال السغناقي في النهاية: ذكر صاحب الكتاب في الزيادات الخلاف على هذا، وقال بعضهم لا تكون بمنزلة الذمية وهو الصحيح حتى لا تصح منها وصية، والفرق بينها وبين الذمية أن الذمية تقر على اعتقادها، وأما المرتدة فلا تقر على اعتقادها. ا هـ..
وقال صاحب العناية: بعد أن نقل هذا من النهاية، والظاهر أنه لا منافاة بين كلاميه؛ لأنه قال هناك الصحيح وهاهنا الأصح وهما يصدقان ا هـ..
أقول: هذا ليس بشيء إذ لا شك أن مراد من قال في الخلافيات هو الصحيح ترجيح هذا القول على القول الآخر لا بيان مجرد صحته مع رجحان الآخر كما أن مراد من قال هو الأصح ترجيحه على الآخر بل قوله هو الصحيح أدل على الترجيح من قوله هو الأصح ولا ريب أن ترجيح أحدهما على الآخر ينافي  ترجيح الآخر عليه ولا يمكن أن يصدقا معا. قال الراجي عفو ربه: الأشبه أن تكون كالذمية تجوز وصيتها؛ لأنها لا تقتل ولهذا يجوز جميع تصرفاتها وكذا الوصية كأنه أراد بقوله: صاحب الكتاب صاحب الهداية وذكر السغناقي أن من ارتد عن الإسلام إلى النصرانية أو اليهودية أو المجوسية فحكم وصاياه حكم من انتقل إليهم فما صح منهم صح منه وهذا عندهما، وأما عند أبي حنيفة فوصيته موقوفة ووصايا المرتدة نافذة بالإجماع؛ لأنها لا تقتل عندنا، وقال قاضي خان: المرتدة الصحيح أنها كالذمية فيجوز منها ما جاز من الذمية وما لا فلا، وأما الثاني وهو ما إذا أوصى الحربي لمسلم فلأنه أهل للتمليك منجزا كالهبة ونحوها فكذا مضافا.
ولو أوصى بأكثر من الثلث أو بماله كله جاز؛ لأن امتناع الوصية بما زاد على الثلث لحق الورثة، وليس لورثته حق شرعي؛ لأنهم أموات في حقنا ولأن حرمة ماله باعتبار الأمان، والأمان كان لحقه لا لحق ورثته وليس لورثته حق شرعي وقد أسقط حقه فيجوز

 

 ج / 9 ص -367-     وقيل إذا كان ورثته معه لا يجوز بأكثر من الثلث إلا بإجازة منهم؛ لأنه بالأمان التزم أحكامنا، فصار كالذمي. ولو أوصى ببعض ماله نفذت الوصية في الثلث ورد الباقي لورثته وكذا لو أوصى لمستأمن مثله ولو أعتق عبده عند الموت أو دبره جاز ذلك كله من غير تقييد بالثلث لما بينا وكذا إذا أوصى له مسلم أو ذمي بوصية جاز؛ لأنه ما دام في دار الإسلام فهو كالذمي في المعاملات ولهذا تصح عقود التمليكات منه وتبرعاته في حال حياته فكذا عند مماته وعن أبي حنيفة وأبي يوسف وصية الذمي للحربي المستأمن لا تجوز؛ لأنه في دارهم حكما حتى يمكن من الرجوع إليها، والأول أظهر؛ لأن الوصية تمليك مبتدأ ولهذا يجوز للذمي؛ لأنهم التزموا أحكام الإسلام فيما يرجع إلى المعاملات. ولو أوصى لخلاف ملته جاز اعتبارا بالإرث؛ لأن الكفر كله ملة واحدة، ولو أوصى لحربي لا يجوز؛ لأن الإرث ممتنع كتباين الدارين فكذا الوصية؛ لأنها أخته وعلى رواية الجامع الصغير ينبغي أن تجوز كالمسلم ولو أوصى لمستأمن في دار الإسلام ينبغي أن يكون على الروايتين المذكورتين في المسلم، والله أعلم.

باب الوصي وما يملكه
ولو أوصى إلى رجل فقبل عنده ورد عنده يرتد
______
باب الوصي وما يملكه
لما فرغ من بيان أحكام الموصى له شرع في بيان أحكام الموصي إليه وهو الوصي وقدم أحكام الموصى له لكثرتها وكثرة وقوعها فكانت الحاجة إلى معرفتها أمس.
قال رحمه الله: "ولو أوصى إلى رجل فقبل عنده ورد عنده يرتد"
يعني قبل عند الموصي؛ لأن الموصي ليس له ولاية إلزامه التصرف ولا عذر من جهته؛ لأنه يمكنه أن يوصي إلى غيره قال في الذخيرة: المراد بعنده يعني بعلمه ورده بغير علمه سواء كان عنده أو في مجلس غيره، قال في المبسوط مسائله مشتملة على فصول
فصل في حق الإيصاء وكيفيته،
وفصل في قبوله ورده،
وفصل فيمن يجوز إليه الإيصاء ومن لا يجوز،
وفصل في عزله الرجل إذا حضره الموت ينبغي أن يوصي ويكتب وصيته لقوله عليه الصلاة والسلام
"لا يحل لرجل يؤمن بالله، واليوم الآخر يبيت إلا ووصيته تحت رأسه"1 ويكتب كتاب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لم أجده.

 

 ج / 9 ص -368-     ...........................................
______
الوصية هذا ما أوصى فلان بن فلان فإنه يشهد: أن لا إله إلا الله، وأن محمدا ا عبده ورسوله وأن الجنة حق، والنار حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور، وأن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين أي في هذه الوصية لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
"من كان آخر كلمته شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله وجبت له الجنة"1 ثم يكتب وأنا العبد المذنب الضعيف المفرط في طاعته المقصر في خدمته المفتقر إلى رحمته الراجي لفضله، والهارب من عدله ترك من المال الصامت كذا، ومن الرقيق كذا ومن الدور كذا وعليه من الدين. كذا إن كان عليه دين ويسمي الغريم واسم أبيه كي لا تجحد الورثة دينه فيبقى الميت تحت عهدته ويكتب إن مت من مرضي هذا فأوصيت بأن يصرف مالي إلى وجوه الخيرات وأبواب البر تداركا لما فرط في حياته وتزودا وذخرا لآخرته وأنه أوصى إلى فلان بن فلان ليقوم بقضاء ديونه وتنفيذ وصيته وتمهيد أسباب ورثته فعليه أن يتقي الله حق تقاته ولا يتقاعد في أموره في وصيته ولا يتقاصر عن إيفاء حقوقه واستيفائه فإن تقاعد فإن الله تعالى حسيب عليه ويشهد على ذلك وإنما يصح الإشهاد إذا علم الشهود بما في الصك، والشهادة على الوصية بدون العلم لا تجوز لقوله عليه الصلاة والسلام للشاهد "إذا علمت مثل الشمس فاشهد وإلا فدع"2، ولو قال الشهود بعد  ما قرءوا الصك: نشهد عليك فحرك رأسه بنعم، ولم ينطق لم تجز شهادتهم فإن اعتقل واحتبس لسانه روي عن أبي يوسف أنه تجوز وتعتبر إشارته، وهو قول الشافعي له أن الإشارة تقوم مقام العبارة حالة عجزه عن النطق، والعبادة قياسا على الأخرس؛ لأن العجز عن النطق من تحقق يستوي فيه العارض، والأصلي فيما تتعلق صحته بالنطق كالعجز عن القراءة فإنه تجوز صلاة الأخرس بغير قراءة، وتجوز صلاة من اعتقل لسانه بغير قراءة فكذا هذا ولنا أن الإشارة تدل على النطق، والعبادة إنما تتصل إلى البدل حالة اليأس عن النطق وهنا لم يقع اليأس عن النطق؛ لأن اعتقال لسانه واحتباسه لا يدوم بل بعرض الزوال، والانتقال في كل ساعة فلا تقوم الإشارة مقام العبارة وأن الإشارة محتملة غير معلمة. إلا أن في الأخرس تقدم منه إشارات مفهومة وآلة واضحة على مراداته الباطنة فزال الاحتمال عن إشاراته فقامت مقام نطقه وعبارته وهنا لم يتقدم منه إشارات معلومة حتى يعلم بإشاراته مراداته فبقيت إشارته محتملة غير مفهمة فلا تقوم مقام عبارته فأما إذا طالت الغفلة أو الحبسة في لسانه ودام هل تعتبر إشارته اختلف المشايخ فيه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه أحمد في "مسنده" بلفظ: "من كان آخر كلامه لاإله إلا الله وجبت له الجنة" 21622.
2 ذكره الزيلعي في "نصب الراية" 4/82.

 

 ج / 9 ص -369-     ...........................................
______
قيل لا تعتبر اعتبارا للمعنى الأول وهو أنه لم يقع اليأس عن النطق فلا تقوم إشارته مقام عبارته
وقيل تعتبر، وقد روى هذا أبو عمر والصغاني عن أبي حنيفة اعتبارا للمعنى الثاني؛ لأنه لما طالت الغفلة صار له إشارة معهودة فتقوم مقام النطق كما في الأخرس وإضافة الوكالة إلى ما بعد الموت وصية؛ لأن الإيصاء توكيل بعد الموت، والوصاية قبل الموت وكالة. ولو أوصى إلى رجل في ماله كان وصيا فيه، وفي ولده وإذا أوصى إليه في أنواع وسكت عن نوع فالوصي في نوع يكون وصيا في الأنواع كلها عندنا خلافا للشافعي؛ لأنه لو لم تعم وصايته تقع الحاجة إلى نصب وصي آخر فجعل من اختاره الميت وصيا ببعض أموره وصيا في كلها أولى من جعل غيره وصيا؛ لأن الموصي لم يرض بتصرف غيره في شيء من الأمور ورضي بتصرف هذا في بعض الأمور؛ لأنه استصلحه واستصوبه في الوصاية فكون هذا وصيا على العموم أولى. ولو قال لفلان وصي إلى أن يقدم فلان فهو كما قال وذكر القدوري الأول وصي مع الثاني ولا يصح تخصيصه بزمان دون زمان وجه ظاهر الرواية أن الإيصاء قابل للتوقيت؛ لأنه توكيل أو إثبات ولاية وكلا الأمرين قابل للتوقيت فيتوقت وصاية الأول بقدوم فلان فإذا قدم فلان انعزل الأول كما لو وكل وكيلا إلى أن يقدم فلان، وصار الثاني وصيا؛ لأنه علق وصية الأول بالشرط وتعليق الإيصاء بالشرط جائز؛ لأنها وكالة وتعليق الوكالة، والنيابة بالشرط جائز كما لو قال: إن سافرت فأنت وكيلي في أمري صح كما لو قال: أوصيت إلى عمرو ما لم يقدم زيد وسكت فقدم زيد كان عمرو وصيا بعد قدوم زيد وكان أقام عمرا وصيا؛ لأنه مختار الميت ووصيه أولى من إقامة غيره بخلاف ما لو قال أوصيت إلى عمرو ما لم يقدم زيد فإذا قدم زيد فقد أوصيت إلى زيد كان كما قال؛ لأنه لم يبق عمرو وصيا معه بعد قدوم زيد فإنه لا يحتاج إلى إقامة من ليس بمختار الميت مقام عمرو ولا بد من قبول الموصى له؛ لأنه متبرع بالعمل ويلحقه ضرر العهدة فلا بد من قبوله، والتزامه، وإذا أوصى إليه فقبل قبل موته أو بعده ثم رد لم يخرج؛ لأن الموصي ما أوصى إلا إلى من يعتمد عليه من الأصدقاء، والأمناء فلو اعتبر القبول بعد الموت فربما لا يقبل فلا يحصل غرضه وهو الوصي الذي اختاره. وقيل لو صح رده بعد الموت تضرر به وصار مغرورا من جهته؛ لأنه اعتمد على قبوله بأن يقوم بجميع التصرفات بعد وفاته، والوصي بقبول الوصاية التزم ذلك بمحضر منه فلو صح رده وقع الموصي في ضرر ويصير مغرورا من جهة الوصي فصارت الوصاية لازمة عليه شرعا بالتزامه نظرا للموصي دفعا للضرر عنه بخلاف الوصية بالمال؛ لأنه ثمة لو لم يصح رده بعد موته لا يتضرر الميت؛ لأنه يعود الثلث إلى الورثة بل الضرر على الموصى له ولو قبل في حياة الموصي ثم رده في حياته مواجهة يصح ولا يصح بدون محضر الموصي أو علمه لما فيه من

 

 ج / 9 ص -370-     ...........................................
______
الغرور كما في الوكيل؛ لأن الموصي طلب منه الالتزام بعد الوفاة لإحالة الحياة ولا يمكنه في الأخيرة أن يوصي إلى غيره فتضرر به ولو لم يقبل في حياته فهو بالخيار بعد موته إن شاء قبل، وإن شاء رد؛ لأن هناك الميت مغرور وهنا ليس كذلك؛ لأنه يمكنه أن يسأل أن يقبله أو لا يقبله فإذا لم يفعل واعتمد على أنه يقبله بعد موته ولم يوص إلى غيره فقد قصر في أمره فصار مغترا من جهة نفسه لا مغرورا من جهة الوصي،
والقبول تارة يكون بالقبول وتارة بالفعل فالقبول  بالفعل كتنفيذ في وصيته أو شراء شيء للورثة أو قضاء دين كقبوله بالقول إذ الوصاية قد تمت وتقررت بموت الوصي شرعا فإنها لا تقبل البطلان من جهة الموصي. إلا أن للموصى له ولاية الرد حتى لا يلزمه ضرر الوصاية بغير رضاه وليس من صيرورته وصيا بغير علمه ضرر على الوصي إذا كانت له ولاية الرد، والإبطال كمن أقر لغيره بمال يثبت حكمه حتى لو مات المقر قبل القبول توقف على قبول المقر له فإذا تصرف الوصي في التركة تصرفا يدل على قبوله تلزمه الوصاية؛ لأنه لا يقدر على الرد إلا برد التصرف ولا يمكنه رد التصرف فلا يبقى له ولاية الرد لزمته الوصاية ضرورة وعن أبي يوسف في المنتقى الدخول في الوصية أول مرة غلط، والثاني خيانة، والثالث سرقة وإذا ظهرت من الوصي خيانة عزله القاضي، ونصب آخر؛ لأن الأمانة في الإيصاء أصل؛ لأن منفعة الإيصاء وفائدتها تحصل بها ثم الأوصياء ثلاثة عدل كاف،
وغير عدل كاف،
وفاسق مخوف على ماله
فالعدل الكافي لا يعزله القاضي وإن عزله ينعزل وصار جائزا؛ لأن للقاضي سطوة يد، وولاية شاملة على الكافة خصوصا على مال الميت، والصغار فيكون عزل القاضي كعزل الميت لو كان حيا، قال صاحب الفصولين: المختار عندي أنه لا ينعزل. ولو لم يعلم القاضي أن للميت وصيا، والوصي غائب فأوصى إلى رجل فالوصي هو وصي الميت دون وصي القاضي؛ لأنه اتصل به اختيار الميت دون وصي القاضي كما إذا كان القاضي عالما،
والعدل الذي ليس بكاف أو ضعيف لا يقدر على التصرف وحفظ التركة بنفسه يضم إليه غيره. ولا يعزله لاعتماد الموصي عليه لأمانته وصيانته حتى لا ينقطع عن الميت منفعة عدالته ويضم إليه آخر حتى يزول ضرر عدم كفايته وهدايته،
والفاسق المخوف على ماله يعزله القاضي ونصب آخر مكانه؛ لأن في إبقائه على الوصية

 

 ج / 9 ص -371-     وإلا لا
______
إضرارا بالميت، والميت لا يقدر على عزله فقام القاضي مقامه في العزل. وفي الفتاوى: ولو قال الوصي لي على الميت دين ولا بينة له قيل بأن للقاضي أن يخرجه من الوصاية؛ لأنه يستحل الأخذ من مال الميت وقيل لا يخرجه إلا إذا ادعى شيئا بعينه أخرجه من يده، والمختار أن القاضي يقول للموصى له إما أن تقيم البينة عليه حتى تستوفي، وأما أن تبرئه من الدين وإما أن أخرجك من الوصاية فإن أبرأه وإلا أخرجه وذكر الخصاف في آداب القاضي أن للقاضي أن يجعل للميت وصيا آخر في مقدار ذلك الدين خاصة حتى يقيم الأول البينة على الوصي؛ لأن البينة لا تقبل إلا على الخصم ولا يخرجه من الوصاية مريض.
قال لآخر: اقتض ديوني صار وصيا في قول أبي حنيفة، وقال محمد ما لم يقل اقض ديوني ونفذ وصاياي لا يصير وصيا سئل نصير بن يحيى عن قوم ادعوا على الميت دينا ولا بينة لهم، والوصي يعلم بذلك قال يبيع الوصي بعض التركة من الغريم ثم يجحد الغريم الثمن فيصير قصاصا عن ماله وإن كانت التركة متاعا أودعهم ثم يجحدون.
وقال نصير بن أبي سليمان وصي شهد عنده عدل أن لهذا على الميت ألف درهم قال يسعه أن يعطيه بقوله وإن خاف الضمان وسعه أن لا يعطيه فإن كان هذا شيئا بعينه كجارية ونحوها فعلم الوصي أنها لهذه أو كان الميت غصبها قال هذا يدفعها إلى المغصوب منه
قال رحمه الله: "وإلا لا" أي إن لم يرد عنه بل ردها في غير وجهه لا ترتد؛ لأن الوصي مات معتمدا عليه ولم يصح رده في غير وجهه؛ لأنه صار مغرورا من جهته فيرد رده عليه فيبقى وصيا على ما كان كالوكيل إذا عزل نفسه في غيبة الموكل ولم يقبل ولم يرد حتى مات الموصي فهو بالخيار إن شاء قبل وإن شاء رد؛ لأن الموصي ليس له ولاية إلزامه فيكون مخيرا. قال في الهداية: بخلاف الوكيل بشراء عبد بغير عينه احترازا عن الوكيل بشراء عبد بعينه؛ لأنه لا يملك عزل نفسه فاعتبر علم الموكل كما في الوصي؛ لأنه يؤدي إلى غرور الموكل بخلاف ما إذا كان وكيلا بشراء شيء بعينه له أن يعزل نفسه بغير محضر الموكل على قول بعض المشايخ وإليه أشار صاحب الهداية في كتاب الوكالة في فصل الشراء بقوله ولا يملكه على ما قيل إلا بمحضر من الموكل على هذا عرفت أن ما قال بعضهم في شرحه قول صاحب الهداية مخالفا لعامة روايات الكتب كالتتمة، والذخيرة وغيرهما ليس بشيء؛ لأن مراد ما ذكر في التتمة وغيرها من قولهم الوكيل لا يملك إخراج نفسه عن الوكالة بغير علم الموكل ما إذا كان وكيلا بشراء شيء بعينه ومراد صاحب الهداية هنا ما إذا كان وكيلا بشراء شيء بغير عينه فتوافقت الروايات جميعا ولم

 

 ج / 9 ص -372-     وبيع التركة كقبوله وإن مات الموصي فقال لا أقبل ثم قبل صح إن لم يخرجه قاض منذ قال لا أقبل
______
تختلف إلى هنا كلام صاحب الغاية وإلى هذا مال صاحب العناية أيضا كما يظهر من تقريره في شرحه.
قال رحمه الله: "وبيع التركة كقبوله" شرع المؤلف يبين أن القبول تارة يكون باللفظ وتارة يكون بالفعل  فالقبول بالفعل بأن يبيع الوصي التركة قبل القبول باللفظ فهو قبول دلالة الالتزام وهو معتبر بالموت وينفذ البيع لصدوره من الموصي سواء علم بالإيصاء أو لم يعلم بخلاف الوكيل حيث لا يكون وكيلا من غير علم؛ لأن التوكيل إنابة في حال قيام ولاية الموكل. ولا يصح من غير علم كإثبات الملك في البيع، والشراء فلا بد من العلم وطريق العلم به أن يخبره واحد من أهل التمييز، وقد تقدم بيانه أما الإيصاء فخلافه؛ لأنه مختص بحال انقطاع ولاية الميت فلا يتوقف على العلم كالوراثة
قال رحمه الله: "وإن مات الموصي فقال لا أقبل ثم قبل صح إن لم يخرجه قاض منذ قال لا أقبل" أي الموصي إليه إن لم يقبل حتى مات الموصي فقال لا أقبل ثم قال أقبل فله ذلك إن لم يكن القاضي أخرجه من الوصية حين قال لا أقبل؛ لأن مجرد قوله لا أقبل لا يبطل الإيصاء؛ لأن فيه ضررا بالميت وضرر الموصى له في الإبقاء مجبور بالثواب ودفع الضرر الأول أولى إلا أن القاضي إذا أخرجه عن الوصية يصح ذلك؛ لأنه مجتهد فيه فكان له إخراجه بعد قوله لا أقبل كما أن له إخراجه بعد قبوله أولا؛ لأنه نصب ناظرا فإذا رأى غيره أصلح منه كان له عزله ونصب غيره وربما يعجز هو عن ذلك فيتضرر بالوصية فيدفع القاضي الضرر وينصب حافظا لمال الميت متصرفا فيه فيدفع الضرر من الجانبين، ولو قال: أقبل بعدما أخرجه القاضي لا يلتفت إليه؛ لأنه قبل بعدما بطلت الوصية بإخراج القاضي إياه قال في العناية وطولب بالفرق بين الموصى له، والموصي إليه. فإن قبول الأول في الحال غير معتبر حتى لو قبل حال حياة الموصي ثم رده بعد وفاته كان صحيحا بخلاف الثاني فإنه إذا قبله في حال الحياة ثم رده بعد الموت لا يصح، وفي أن قبوله حال حياته معتبر وقبول الأول في حال الحياة غير معتبر وأجيب بأن الإيصاء يقع للميت فكان ردها بغير علمه إضرارا به فلا يجوز بخلاف الأول وقوله بخلاف الوكيل بشراء عبده بغير عينه أو يبيع ماله حيث يصح رده في غيبته وبغير علمه؛ لأنه لا ضرر قال صاحب النهاية: هذا الذي ذكره مخالف لعامة روايات الكتب من الذخيرة وأدب القاضي للصدر الشهيد، والجامع الصغير للمحبوبي، وفي كل واحد منهما ما يدل على أن الوكيل إذا عزل نفسه من غير علم الموكل لم يخرج عن الوكالة حال غيبة الموكل وقول المؤلف إن لم يخرجه قاض إلى

 

 ج / 9 ص -373-     وإلى عبد وكافر وفاسق بدل بغيرهم وإلى عبده وورثته صغار صح
______
آخره اختلف المشايخ في هذا الإخراج قال في العناية: فمنهم من قال حكم في فصل مجتهد فيه فينفذ وإليه ذهب الإمام السرخسي واختاره المصنف ومنهم من قال: إنما صح؛ لأنها لو صحت بقبوله كان للقاضي أن يخرجه ويصح الإخراج فهذا أولى وإليه ذهب الحلواني.
قال رحمه الله: "وإلى عبد وكافر وفاسق بدل بغيرهم" أي إذا أوصى إلى هؤلاء المذكورين أخرجهم القاضي ويستبدل غيرهم مكانهم وأشار المصنف إلى شروط الولاية
 فالأول: الحرية،
والثاني: الإسلام.
والثالث: العدالة فلو ولى من ذكر صح ويستبدل غيره وذكر القدوري أن للقاضي أن يخرجهم عن الوصية وهذا يدل على أن الولاية صحيحة؛ لأن الإخراج يكون بعد الدخول، وذكر محمد في الأصل أن الوصية باطلة قيل معناه ستبطل، وقيل في العبد باطلة لعدم الولاية على نفسه، وفي غيره معناه ستبطل وقيل في الكافر باطلة أيضا لعدم ولايته على المسلم ووجه الصحة ثم الإخراج أن أصل النظر ثابت لقدرة العبد حقيقة وولاية الفاسق على نفسه وعلى غيره على ما عرف من أصلنا وولاية الكافر تتم في الجملة إلا أنه لم يتم النظر لتوقف ولاية العبد على إجازة مولاه وتمكنه من الحجر بعدها، والمعادة الدينية دالة على ترك النظر في حق المسلم واتهام الفاسق بالخيانة فيخرجهم القاضي عن الوصية ويقيم غيرهم مقامهم إتماما للنظر وشرط في الأصل أن يكون الفاسق مخوفا منه على المال؛ لأنه يكون عذرا في إخراجه وتبديله بغيره بخلاف ما إذا أوصى إلى مكاتبه أو مكاتب غيره حيث يجوز؛ لأن المكاتب في منافعه كالحر وإن رد بعد ذلك فالجواب فيه كالجواب في القن، والصبي كالقن لو بلغ الصبي وعتق العبد وأسلم الكافر لم يخرجهم القاضي عن الوصية وإذا تصرف الصبي أو العبد أو الذمي قبل أن يخرجهم القاضي من الوصاية هل ينفذ تصرفهم اختلف فيه المشايخ فمنهم من قال ينفذ ومنهم من قال لا ينفذ وهو الصحيح. ولو أوصى إلى عاقل فجن جنونا مطبقا قال أبو حنيفة ينبغي للقاضي أن يجعل مكانه وصي للميت فإن لم يفعل القاضي حتى أفاق الوصي كان وصيا على حاله، وفي نوادر إبراهيم عن محمد إذا أوصى إلى رجل فقال إن مت أنت فالوصي بعدك فلان فجن الأول جنونا مطبقا فالقاضي يجعل مكانه وصيا حتى يموت الذي جن فيكون  الذي سماه الموصي وصيا فقد ذكر ابن سماعة عن محمد رحمه الله في نوادره فيمن أوصى إلى ابن صغير له قال يجعل القاضي له وصيا يجوز أمره وإذا بلغ ابنه جعله وصيا وأخرج الأول إن شاء ولا يخرج إلا بالإخراج.
قال رحمه الله: "وإلى عبده وورثته صغار صح" أي إذا أوصى إلى عبد نفسه وورثته صغار

 

 ج / 9 ص -374-     وإلا لا ومن عجز عن القيام ضم إليه غيره ويبطل فعل أحد الوصيين
______
جاز الإيصاء إليه وهذا عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف: لا يجوز وهو القياس؛ لأن الولاية منعدمة لما أن الرق ينافيها ولأن فيه الولاية للمملوك على المالك، وفي هذا قلب المشروع ولأن الولاية الصادرة من الأب لا تتجزأ في اعتبار هذه الولاية تجزؤها لا يملك بيع رقبته، وهذا خلاف الموضوع ولأبي حنيفة أنه مخاطب مستبد بالتصرف فيكون أهلا للوصاية وليس لأحد عليه الولاية فإن الصغار وإن كانوا ملاكا فليس لهم ولاية التصرف فلا منافاة فإن قيل إن لم يكن لهم ذلك فللقاضي أن يبيعه فيتحقق المنع، والمنافاة. أجيب بأنه إذا ثبت الإيصاء لم يبق للقاضي ولاية بخلاف ما إذا كان في الورثة كبار أو أوصى إلى عبد الغير؛ لأنه لا يستبد إذا كان للمولى منعه بخلاف الأول؛ لأنه ليس له بيعه وإيصاء المولى إليه يؤذن بكونه ناظرا لهم فصار كالمكاتب، والوصايا قد تجزأ على ما رواه الحسن عن أبي حنيفة كما إذا أوصى لرجلين أحدهما يكون في الدين، والآخر في العين فيكون كل واحد منهما وصيا فيما أوصى إليه خاصة أو نقول يصار إليه كي لا يؤدي إلى إبطال أصله وتعيين الوصف بإبطال عموم الولاية أولى من إبطال أصل الإيصاء، وقول محمد فيه مضطرب، ويروى مع أبي حنيفة ويروى مع أبي يوسف
قال رحمه الله: "وإلا لا" يعني إن لم تكن الورثة صغارا بأن كانوا كلهم أو بعضهم كبارا لا يجوز الإيصاء؛ لأن الكبير له أن يمنعه أو يبيع نصيبه فيمنعه المشتري فيعجز عن الوفاء بما التزم فلا يفسد.
قال رحمه الله: "ومن عجز عن القيام ضم إليه غيره"؛ لأن في الضم رعاية الحقين حق الوصي وحق الورثة؛ لأن تكميل النظر يحصل به؛ لأن النظر يتم بإعانة غيره ولو شكا الوصي إليه ذلك فلا يجيبه حتى يعرف ذلك حقيقة؛ لأن الشاكي قد يكون كاذبا على نفسه ولو ظهر للقاضي عجزه أصلا استبدل به غيره رعاية للنظر من الجانبين. ولو كان قادرا على التصرف وهو أمين فيه ليس للقاضي أن يخرجه؛ لأنه مختار الميت، ولو اختار غيره كان دونه فكان إبقاؤه أولى ألا ترى أنه قدم على أب الميت مع وفور شفقته فأولى أن يقدم على غيره، وكذا إذا شكا الورثة أو بعضهم الوصي إليه لا ينبغي له أن يعزله حتى تبدو له منه خيانة؛ لأنه استفاد الولاية من الميت غير أنه إذا ظهرت الخيانة فاتت الأمانة، والميت إنما اختاره لأجلها وليس من النظر إبقاؤه بعد فواتها ولو كان حيا لأخرجه منها فينوب القاضي منابه عند عجزه ويقيم غيره مقامه كأنه مات ولا وصي له.
قال رحمه الله: "ويبطل فعل أحد الوصيين" أي إذا أوصى إلى اثنين لم يكن لأحدهما أن يتصرف في مال الميت فإن تصرف فيه فهو باطل وهذا عند أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف

 

 ج / 9 ص -375-     ...........................................
______
ينفرد كل واحد منهما بالتصرف ثم قيل الخلاف فيما إذا أوصى إلى كل واحد منهما بعقد وأما إذا أوصى إليهما معا أو أوصى إليهما بعقد على حده ومحل الخلاف إذا كان ذلك في عقدين وأما إذا كان في عقد واحد فلا ينفرد أحدهما بالإجماع فكذا ذكره الكيساني وقيل الخلاف في الفصلين جميعا، ذكره أبو بكر الإسكاف، وقال في المبسوط وهو الأصح ولا يخفى أن المراد من البطلان التوقف على إجازة الآخر أو رده بخلاف الوكيلين إذا وكلهما متفرقا حيث ينفرد كل واحد منهما بالتصرف بالإجماع. والفرق أن ضم الثاني في الإيصاء دليل على عجز الأول عن المباشرة وحده وهذا؛ لأن ضم الإيصاء إلى الثاني يقصد به الاشتراك مع الأول، وهو يملك الرجوع عن الوصية للأول فيملك اشتراك الثاني معه، وقد يوصي الإنسان إلى غيره على أنه يتمكن من إتمام مقصوده وحده ثم يتبين له عجزه عن ذلك فيضم إليه غيره، فصار بمنزلة الإيصاء إليهما معا ولا كذلك الوكالة فإن رأي الموكل قائم ولو كان الوكيل عاجزا لباشر بنفسه لتمكنه من ذلك ولما وكل علم أن مراده أن ينفرد كل واحد منهما بالتصرف ولأن وجوب الوصية عند الموت فيثبت لهما معا بخلاف الوكالة المتعاقبة فإذا ثبت أن الخلاف فيهما معا فأبو يوسف يقول: إن الوصايا سبيلها الولاية وهي وصف شرعي لا يتجزأ فيثبت لكل واحد كاملا كولاية الإنكاح للأخوين وهذه؛ لأن الوصايا خلافة، وإنما تتحقق الخلافة إذا انتقلت إليه كذلك فلأن اختيار الموصي أيهما يؤذن باختصاص كل واحد منهما بالشفقة  إليه ولهما أن الولاية تثبت عند الموت فيراعى وصف ذلك، وهو وصف الاجتماع؛ لأنه شرط مفيد؛ لأن رأي الواحد لا يكون كرأي الاثنين ولم يرض الموصي إلا بالاثنين فصار كل واحد في هذا السبب بمنزلة شطر العلة وهو لا يثبت به الحكم فكان باطلا بخلاف الأخوين في النكاح؛ لأن السبب هناك القرابة، وقد قامت بكل واحد منهما كلا ولأن الإنكاح حق مستحق لها على الولي حتى لو طالبته بإنكاحها من كفء يخطبها يجب عليه وهاهنا حق التصرف للوصي. ولهذا بقي مخيرا في التصرف ففي الوليين أولى حتما على صاحبه، وفي الوصيين استوفى حقا لصاحبه، فلا يصح نظير الأول إيفاء دين عليهما ونظير الثاني استيفاء دين لهما حيث يجوز في الأول دون الثاني بخلاف مواضع الاستثناء؛ لأنها من باب الضرورة لا من باب الولاية على ما نبينه ومواضع الضرورة مستثناة دائما أبدا وهو ما استثناه في الكتاب وأخواتها. وفي التتارخانية رجل أوصى إلى رجلين فمات أحدهما، وأوصى إلى صاحبه جاز ويكون لصاحبه أن يتصرف وروي أنه لا يجوز، والصحيح الأول، وفي فتاوى أبي الليث: إذا أوصى إلى رجلين فقبل أحدهما وسكت الآخر فقال الذي قبل للساكت بعد موت الموصي: اشتر هذا للميت فقل نعم كان قبولا للوصية وإذا أوصى إلى رجلين، وقال لهما ضعا ثلث مالي حيث شئتما فمات أحدهما قبل أن يفعلا ذلك بطلت الوصية ويرجع الثلث لورثة

 

 ج / 9 ص -376-     ...........................................
______
الميت، ولو قال جعلت ثلث مالي للمساكين، والمسألة بحالها قال يجعل القاضي وصيا آخر، وإن شاء يقول للثاني منهما أقسم أنت وحدك وعلى قول أبي يوسف الآخر له أن يتصدق وحده، وفيه أيضا سئل أبو القاسم عمن أوصى إلى رجلين بأن يشتريا من ماله عبدا بكذا درهما ولأحد الوصيين عبد قيمته أكثر مما سماه الموصي هل للوصي الآخر أن يشتري العبد بما نص الموصي. قال إن فوض الموصي إلى كل واحد أن ينفرد في ذلك فشراؤه من صاحبه جائز، ولو باع ذلك صاحب العبد من أجنبي وسلمه إليه لم يشتريا جميعا للميت، وفي الخانية: فهذا أصوب. وفيه أيضا سئل أبو بكر عمن أوصى إلى رجل، وقال: اعمل فيه برأي فلان قال هو وصي تام، وله أن يعمل بغير رأي فلان، وفي قول آخر الثاني هو الوصي التام، والأول هو وصي ناقص قال الفقيه أبو الليث وبعضهم قالوا كلاهما وصيان في الوجهين جميعا، وقال بعضهم: الأول هو الوصي وبه قال نصير، وقال أبو نصر إن قال: اعمل فيه برأي فلان فهو الوصي خاصة وإن قال لا تعمل إلا برأي فلان فهما وصيان وهو أشبه بقول أصحابنا فإنهم قالوا فيمن وكل آخر ببيع عبده، وقال بالشهود فباعه الوكيل بغير شهود جاز وكذلك لو قال بعه بمحضر فلان فباعه بغير محضر فلان يجوز ولو قال لا تبع إلا بالشهود أو قال لا تبع إلا بمحضر من فلان فباع بغير شهود أو بغير محضر فلان لا يجوز وعلى هذا إذا قال الموصي بعلم فلان أو قال إلا بعلم فلان. وإذا أوصى الرجل إلى رجلين، وقال لهما: ضعا ثلث مالي حيث شئتما أو قال أعطياه ممن شئتما ثم اختلفا في ذلك فقال أحدهما أعطيه فلانا، وقال الآخر: أعطيه فلانا آخر لم يكن لواحد منهما ذلك عند أبي حنيفة ومحمد خلافا لأبي يوسف، وفي الخانية: رجل أوصى بنصيب بعض ولده إلى رجل وبنصيب البعض إلى رجل آخر فهما يشتركان في الكل ولو أوصى إلى رجل بدين وإلى آخر أن يعتق عبده أو ينفذ وصيته فهما وصيان في كل شيء في قول أبي حنيفة. وقال أبو يوسف ومحمد كل واحد منهما وصي على ما سمي له لا يدخل الآخر معه. وكذا لو أوصى بميراثه في بلد كذا إلى رجل وبميراثه في بلد كذا إلى رجل وبميراثه في بلد أخرى إلى آخر، وقال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل إذا جعل الرجل رجلا وصيا على ابنه وجعل رجلا آخر وصيا على ابنه أو جعل أحدهما وصيا في ماله الحاضر وجعل الآخر وصيا في ماله الغائب فإن كان شرط أن لا يكون كل واحد منهما وصيا فيما أوصى إلى الآخر يكون الأمر على ما شرط عند الكل، وإن لم يكن شرط ذلك فحينئذ تكون المسألة على الاختلاف، والفتوى على قول أبي حنيفة، وفي الوصيتين من جهة الأبوين، ومعهم وصي الأم قال محمد في الزيادات: جارية بين رجلين جاءت بولد فادعياه جميعا حتى ثبت النسب منهما وصارت الجارية أم ولد لهما على ما عرف ثم أنهما أعتقا الجارية واكتسبت اكتسابا ثم ماتت وأوصت إلى رجل ولم تدع وارثا غير ابنها هذا وهو صغير لم يبلغ كان ولاية التصرف في مال

 

 ج / 9 ص -377-     إلا في التجهيز وشراء الكفن وحاجة الصغار، والاتهاب لهم ورد وديعة عين وقضاء دين
______
الولد وحفظه للولدين لا لوصي الأم فإن غاب الوالدان تظهر ولاية وصي الأم فتثبت له ولاية الحفظ  ولكن إنما تثبت الولاية فيما ورث الصغير من الإمام، وفيما كان للصغير قبل موت الأم لا فيما ورث الصغير بعد ذلك وكما ثبت له ولاية الحفظ ثبت له ولاية كل تصرف هو من باب الحفظ كبيع المنقول وبيع ما يتسارع إليه الفساد وإن غاب أحد الوالدين، والآخر حاضر. فكذلك الجواب عند أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف أحد الأبوين ينفرد بالتصرف في مال الصغير فولاية التصرف في مال الصغير وحفظه للوالد دون وصي الأم. ولو مات أحد الأبوين بعد موت الأم ولم يدع وارثا غير هذا الصغير وأوصى إلى رجل، والوالد الآخر حاضر فالميراث كله للصغير وولاية التصرف في التركتين للأب الثاني لا لوصي وإن كان الوالد الثاني غائبا فلوصي الأم حفظ ما تركت الأم فيما كان من باب الحفظ وإن مات الوارث الثاني بعد ذلك وأوصى إلى رجل فوصيه يكون أولى من وصي الأب الذي مات قبله وأولى من وصي الأم فإن كان للأب الذي مات أولا أب وهو جد هذا الغلام وباقي المسألة بحالها فوصي الأب الذي مات آخرا أولى بالتصرف في مال الصغير وكذلك لو كان الأب الذي مات آخرا أبا وهو جد الغلام كانت وصيته أولى من أبيه وإن مات ووصي الأب الذي مات آخرا ولم يوص إلى أحد ومات الأب الذي مات آخرا ولم يوص إلى أحد، وقد ترك الأب الذي مات أولا أبا جد هذا الغلام ووصيا فإن وصي الأب الذي مات أولا أولى من وصيه فإن كان مات الوالدان أحدهما قبل الآخر ولكل واحد منهما أب وأوصى كل واحد إلى رجل إن عرف الذي مات أولا من الذي مات آخرا فولاية التصرف في المال لوصي الذي مات آخرا وإن مات هذا الموصي ولم يوص إلى أحد ومات الأب الذي عرف موته آخرا ولم يوص إلى أحد وباقي المسألة بحالها فولاية التصرف في المال للجدين لا ينفرد أحدهما به.
قال رحمه الله: "إلا في التجهيز وشراء الكفن"؛ لأن في التأخير فساد الميت، ولهذا يملكه الجيران أيضا في الحضر، والرفقة في السفر
قال رحمه الله: "وحاجة الصغار، والاتهاب لهم"؛ لأنه يخاف هلاكهم من الجوع، والعري وانفراد أحدهما بذلك خير، ولهذا يملكه كل من هو في يده
قال رحمه الله: "ورد وديعة عين وقضاء دين"؛ لأنه ليس هو من باب الولاية وإنما هو من باب الإعانة ألا ترى أن صاحب الحق يملكه إذا ظفر به بخلاف اقتضاء دين الميت؛ لأنه رضي بأمانتهما جميعا في القبض ولأن فيه معنى المبادلة وعند اختلاف الجنس حقيقة المبادلة ورد المغصوب ورد المبيع في البيع الفاسد من هذا القبيل وكذا حفظ المال فلذلك ينفرد به أحدهما

 

 ج / 9 ص -378-     وتنفيذ وصية معينة وعتق عبد معين والخصومة في حق الميت
______
دون صاحبه وما استثناه القدوري في مختصره بقوله إلا في شراء الكفن للميت وتجهيزه وطعام الصغار وكسوتهم ورد وديعة بعينها وقضاء دين وتنفيذ وصية بعينها وعتق عبد بعينه، والخصومة في حقوق الميت. ا هـ.. وهذه تسعة أشياء كما ترى قصر القدوري الاستثناء عليها في مختصره واقتفى أثره صاحب الهداية: وزاد فيها على ذلك أشياء بقوله ورد المغصوب، والمشتري شراء فاسدا، وحفظ الأموال وقبول الهبة وبيع ما يخشى عليه التوى، والتلف وجمع الأموال الضائعة وهذه التي زادها في الهداية على ما في الكتاب ستة أشياء فيصير مجموع الأشياء المعدودة خمسة عشر. ا هـ...
قال رحمه الله: "وتنفيذ وصية معينة وعتق عبد معين"؛ لأنه لا يحتاج فيه إلى رأي.
قال رحمه الله: "والخصومة في حق الميت"؛ لأن الاجتماع فيه متعذر ولهذا ينفرد بها أحد الوكيلين أيضا ولو مات أحدهما جعل القاضي مكانه وصيا آخر أما عندهما فظاهر؛ لأن الباقي منهما عاجز عن الانفراد بالتصرف فيضم القاضي إليه وصيا ينظر إلى الميت عند عجز الميت، وأما عند أبي يوسف فلأن الحي منهما وإن كان يقدر على التصرف فالموصي قدر أن يجعل وصيين يتصرفان وذلك ممكن لتحقيق نصب وصي آخر مكان الأول قال في الهداية: وقضاء دين قال في الغاية: والمراد بالتقاضي الاقتضاء وكذا كان المراد في عرفهم ا هـ.. وهذا يوهم أن لا يكون الاقتضاء الذي هو القبض معنى التقاضي في الوضع، واللغة بل كان معناه في العرف مع أن الأمر ليس كذلك كما صرح به المصنف في باب الوكالة بالخصومة من كتاب الوكالة حيث قال: الوكيل بالتقاضي يملك القبض على أصل الرواية؛ لأنه في معناه وضعا إلا أن العرف بخلافه وهو قاض على الوضع. ا هـ.. ويدلك على كون معناه ذلك في الوضع ما ذكر في كتب اللغة قال في القاموس: تقاضاه الدين قبضه منه، وقال في الأساس تقاضيته ديني وبديني، واقتضيته ديني واقتضيت منه حقي أي أخذته ا هـ.. ولم يتعرض المصنف لتصرفات الأب ووكيل  الأب، والجد، والقاضي وأمين القاضي في مال الصغير ونحن نذكر ذلك قال في الأصل: الأب إذا باع مال نفسه من ابنه الصغير أو اشترى مال ابنه الصغير لنفسه جاز استحسانا، والقياس أن لا يجوز ثم اختلف المشايخ في أنه هل يشترط لإتمام هذا العقد الإيجاب، والقبول، والصحيح أنه لا يشترط حتى إن الأب إذا قال بعت هذا من ولدي بكذا أو قال اشتريت منه هذا بكذا فإنه يتم العقد ولا يحتاج إلى أن يقول بعت واشتريت، وإليه أشار في الكتاب فإنه قال إذا باع من ولده وأشهد على ذلك جاز ولم يشترط القبول هكذا ذكر الناطفي في واقعاته ثم إن محمدا ما ذكر الإشهاد في الكتاب على وجه الشرط لجواز هذا البيع وتمامه وإنما ذكره على وجه الاستيثاق لحق

 

 ج / 9 ص -379-     ...........................................
______
الصغير حتى يتم معاملة الصغير ويجوز هذا البيع من الابن بمثل القيمة أو بما يتغابن الناس في مثله، وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه لا يجوز هذا العقد إلا بمثل القيمة، وفي هذا الغبن اليسير على هذه الرواية يمنع ولكن ما ذكره في ظاهر الرواية أصح. ولو وكل الأب رجلا ببيع عبد له من ابن له، والابن صغير لا يعبر عن نفسه ففعل الوكيل ذلك لا يجوز، ولو وكل الصغير بعد البلوغ وكيلا ووكل الأب أيضا ذلك الوكيل فباع هذا من ذلك لا يجوز كذا هنا ولو كان الأب حاضرا وقبل من الوكيل جاز، وتكون العهدة من جانب الابن على الأب، ومن جانب الأب على الوكيل وقيل على العكس ذكر هشام في نوادره وعن محمد: إذا اشترى الأب عبد ابنه الصغير شراء فاسدا فمات العبد قبل أن يستعمل العبد أو يقبضه أو يأمره بعمل مات من مال الصغير، وفي المنتقى اشترى من ابنه عبدا، والعبد في يد الأب فمات العبد فهو من مال الابن حتى يأمره الوالد بعمل أو يقبضه وإذا كان لرجل ابنان فباع مال أحدهما من الآخر وهما صغيران فإن قال: بعت عبدا بني فلان من فلان جاز ذلك هكذا ذكر المسألة في الديات ولم يذكر ثمة إنهما إذا بلغا فالعهدة على من تكون وقد اختلفوا فيه، والصحيح أن العهدة عليهما ولو وكل الأب رجلا حتى باع مال أحدهما من الآخر يجوز، وإذا وكل رجلا بذلك يجب أن يجوز ويجاب بأن الأب لكمال شفقته ملك هؤلاء وكيله لفقدها. ولو وكل الأب وكيلا بالبيع ووكيلا بالشراء فباع الوكيل يجوز، وفي الزيادات الأب إذا باع مال الصغير من أجنبي بمثل القيمة فهو على ثلاثة أوجه فإن كان الأب عدلا عند الناس أو كان مستورا بحال يجوز البيع حتى لو كبر الابن لم يكن له أن ينقض البيع عند المشايخ وبه أخذ الصدر الشهيد إذا كان خيرا للصغير بأن باع بضعف قيمته، وإن باع ما سوى العقار من المنقولات ففيه روايتان في رواية: يجوز ويؤخذ الثمن ويوضع على يد عدل، وفي رواية: لا يجوز إلا إذا كان خيرا للصغير على نحو ما قلنا، وفي نوادر هشام عن أبي يوسف الأب إذا باع لابنه الصغير ما ثمنه عشرة دراهم بدرهم يجوز وإن اشترى له ما ثمنه درهم بعشرة دراهم لم يجز، وفي الأصل سوى بين البيع، والشراء في هذه الصورة وأشباهها وذكر شمس الأئمة الحلواني في أدب القاضي في أبواب الوصايا أن الصغير إذا ورث مالا، والأب مبذر مستحق الحجر على قول من يرى ذلك لا تثبت الولاية للأب، وفي المنتقى عن محمد: رجل باع عبد ابنه الصغير من رجل بألف ثم قال في مرضه: قد قبضت من فلان من الثمن مائتين فمات في مرضه لم يجز إقرار الأب وكان للوصي أن يأخذ الثمن من المشتري كما لو لم يوجد هذا الإقرار من المريض ولو قال في مرضه قبضتها من فلان فضاعت كان مصدقا ولو قال: قبضتها واستهلكتها لم يكن مصدقا. ولا يبرأ المشتري منها ولا يكون للمشتري إذا أخذ منه الثمن أن يرجع على الأب أو في ماله الزيادات عن محمد إذا اشترى الأب لابنه الصغير شيئا ونقد الثمن من ماله

 

 ج / 9 ص -380-     ...........................................
______
ينوي أن يرجع ولم يشهد على ذلك ولم يقض له القاضي بالرجوع وسعه فيما بينه، وبين ربه أن يرجع، وفي المنتقى: عن أبي يوسف رجل اشترى دارا لابنه الصغير فعلى الأب أن ينقد الثمن فإن مات قبل أن ينفذ فهو في ماله خاصة يعني مال الأب ولا يرجع به في مال الابن، ولو اشترى لابنه دارا وأشهد عند عقد البيع أنه يرجع عليه بالثمن كان له أن يرجع عليه به وكذلك كل شيء يشتريه مما لا يجبر الأب عليه وكذلك كل دين كان على الأب، وضمن للأب عنه، وذكر في نوادر بشر عن أبي يوسف تفصيلا فيما اشترى الأب لابنه قال إن كان اشترى شيئا يجبر الأب عليه فإن كان طعاما أو كسوة ولا مال للصغير لا يرجع الأب عليه وإن أشهد أنه يرجع عليه وإن كان المشتري شيئا يجبر الأب عليه بأن كان المشترى طعاما أو كسوة وللصغير مال أو كان المشترى دارا أو ضياعا إن كان الأب  شهد وقت الشراء أنه يرجع وإن لم يشهد لا يرجع، وعن أبي حنيفة فيما إذا اشترى دارا أو ضيعة أو مملوكا لابنه الصغير فإن كان للابن مال فالرجوع بالثمن على التفصيل إن أشهد وقت الشراء أنه يرجع وإن لم يشهد لا يرجع وإن لم يكن للابن مال لا يرجع أشهد على الرجوع أو لم يشهد ثم في بعض المواضع يشترط الإشهاد وقت الشراء، وفي بعضها: يشترط الإشهاد وقت نقد الثمن. ونقول: إذا أشهد وقت نقد الثمن إنما نقد الثمن ليرجع إليه، وروى الحسن بن مالك عن أبي يوسف عن أبي حنيفة رجل اشترى لابنه الصغير ثوبا ودفعه إليه في صحته ثم أدى الثمن في مرضه لا يرجع على الابن بشيء.
وروى بشر عن أبي يوسف رجل تزوج امرأة على أمة لابنه الصغير فهو جائز، وإذا أسلم الأمة يصير متعديا، ويضمن قيمة الأمة في قول أبي حنيفة، وفي قول أبي يوسف لا يصح إمهار الأمة ويكون على الأب قيمتها للزوجة، وفي الذخيرة: اشترى الأب قريب الصبي أو المعتوه لا يجوز على الصبي، والمعتوه ويجوز على الأب، ولو اشترى للمعتوه أمة كان استولدها بحكم النكاح يلزم الأب قياسا، وفي الاستحسان يجوز وهذا القياس، والاستحسان على قول أبي حنيفة ومحمد وعلى قول أبي يوسف لا يجوز أصلا فهذه المسألة على أن الأب إذا باع مال الصغير بدين نفسه من رب الدين بمثل ما عليه من الدين على قول أبي حنيفة ومحمد يجوز ويصير الثمن قصاصا بدينه ويصير هو ضامنا للصغير خلافا لأبي يوسف: وأجمعوا على أن الأب إذا أراد أن يوفي دينه من مال الصغير ليس له ذلك هكذا ذكر شمس الأئمة السرخسي في شرحه أن الأب لا يملك قضاء دين نفسه من مال الصبي، وذكر القاضي الإمام صدر الإسلام في شرح كتاب الرهن أنه يجوز. ويحتمل أن يكون في المسألة روايتان وإذا صح رهن الأب متاع الصغير بدين نفسه عندهما فهلك الرهن في يد المرتهن هلك بما فيه ويضمن الأب للصغير قيمة الرهن إن كانت القيمة مثل الدين أو أقل أما إذا كانت القيمة أكثر من الثلث يضمن

 

 ج / 9 ص -381-     ...........................................
______
مقدار الدين، ولا يضمن الزيادة، وذكر شمس الأئمة في شرح كتاب الرهن أن للأب أن يستقرض مال ولده لنفسه، وذكر شيخ الإسلام في شرحه أنه ليس له ذلك، وذكر شمس الأئمة الحلواني روى الحسن عن أبي حنيفة أنه ليس للأب أن يستقرض مال الصغير من الأجنبي، وذكر شمس الأئمة السرخسي في الروايات الظاهرة ليس له ذلك، وفي الذخيرة واختلف المشايخ في الأب في اختلاف الروايتين عن أبي حنيفة، والصحيح أن الأب بمنزلة الوصي لا بمنزلة القاضي، والأب إذا أقرض مال نفسه لولده الصغير وأخذ رهنا من مال ولده جاز له ذلك هكذا ذكر شمس الأئمة الحلواني وخواهر زاده، وفي نوادر ابن سماعة: عن محمد لا يجوز وسيأتي له مزيد مسائل المعتوه والتصرف عليه لا يصح حتى تمضي عليه سنة من يوم صار معتوها، قال ولا أحفظ فيه عن أبي حنيفة وأبي يوسف شيئا، قال ابن سماعة قال محمد وقت في ذلك شهرا ثم بعد رجوعه من الذي قدره بسنة وكل جواب عرفته في الجنون فهو الجواب في المعتوه؛ لأنهما يستويان في الأحكام. وإذا أرسل الأب غلامه في حاجة ثم باعه من ابن صغير له جاز ولا يصير الأب قابضا من ابنه بمجرد البيع حتى لو هلك الغلام قبل أن يرجع إلى الولد هلك من مال الوالد بخلاف ما إذا وهبه منه حيث يصير قابضا له عن الابن بنفس الهبة وإن لم يرجع العبد حتى بلغ الولد ثم رجع إلى الولد لا يصير الوالد قابضا حتى لو هلك قبل أن يقبضه الوالد هلك من مال الولد وإن انتقض البيع، وفي حيل الأصل ذكر طريق براءة الأب عن الثمن الذي وجب عليه لابنه الصغير فقال يخرج الأب مقدار الثمن من مال نفسه ثم يقول الأب إني اشتريت وقد قبضتها لابني بكونه في يدي ويشهد على ذلك وعن محمد في نوادره أنه قال لا يبرأ عن الثمن ما لم يشتر لابنه بذلك الثمن من مال نفسه شيئا وعلى هذا إذا أنفق من مال ابنه الصغير في حاجة نفسه حتى وجب عليه الضمان ثم أراد أن يبرأ عنه فهو على ما قلنا، وفي الهاروني الثمن الذي لزم الأب بشراء مال ولده فلا يبرأ الأب منه حتى يكون في يده عن ابنه وديعة وإذا باع داره من ابنه في عياله، والأب ساكن فيها لا يصير الابن قابضا حتى يفرغها الأب حتى لو انهدمت الدار، والأب فيها يكون الهلاك على الأب وكذلك لو كان فيها متاع الأب أو عياله وهو غير ساكن فيها فإن فرغها الأب صار الابن قابضا فإن عاد الأب بعدما تحول منها فسكنها أو جعل فيها متاعا أو سكنها عياله وكان غنيا صار بمنزلة الغاصب، وفي الهاروني. ولو باع الأب من ابنه الصغير جبة، وهي على الأب  أو طيلسانا هو لابسه أو خاتما في أصبعه لا يصير الابن قابضا حتى ينزع ذلك الأب وكذلك في الدابة، والأب راكبها وكذلك إن كان عليها حمل حتى ينزعه عنها. ولو قال الأب: اشهدوا أني قد اشتريت جارية ابني هذا بألف درهم وابنه صغير في عياله جاز الشراء ويصير الأب قابضا بنفس الشراء إن كانت في يده، والثمن دين عليه لا يبرأ إلا بالطريق الذي قلنا، وفي

 

 ج / 9 ص -382-     ...........................................
______
الذخيرة وإذا استأجر الأب للصغير أجيرا بأكثر من أجر مثله فالأجرة على الأب إذا كان بحيث لا يتغابن الناس فيه، وذكر شيخ الإسلام في شرح السير أن الإجارة تنفذ على الصغير قال القاضي ركن الإسلام علي السغدي لو غصب إنسان دار صبي قال بعض الناس: يجب عليه أجرة المثل فما ظنك في هذا ومن المشايخ من روى وجوب أجر المثل إلا إذا كان النقصان خيرا للصغير فحينئذ يجب النقصان وإذا هلك الرجل وترك أبا وأوصى كان للأب أن ينفذ وصاياه ولو مات وعليه ديون كثيرة وورثة صغار وترك متاعا وعقارا لم يكن للأب أن يبيع شيئا من التركة هكذا ذكر الخصاف في أدب القاضي، وفي الذخيرة: قال محمد رحمه الله لم يذكر هذا الفصل في المبسوط على هذا البيان فإنه أقام الجد مقام الأب فإنه قال إذا ترك وصيا، وأبا فالوصي أولى فإن لم يكن له وصي فالأب أولى. وإن مات الأب وأوصى لوصيه فهو أولى ثم وصى القاضي، وعن محمد القاضي إذا باع مال الصغير من رجل وسلمه للمشتري ثم وجد المشتري عيبا فليس له أن يخاصم القاضي في الرد بالعيب وكذلك إذا باع بعض أمناء القاضي مال اليتيم فليس للمشتري خصومة معه في الرد؛ لأنه نائب عن القاضي وحكمه حكم المنوب عنه القاضي إذا باع على صغير دارا فإذا هي لصغير آخر هو في ولايته لا يجوز هكذا روي عن محمد، وفي المنتقى: القاضي إذا باع مال اليتيم من نفسه أو باع مال نفسه من اليتيم ذكر في السير الكبير أنه لا يجوز، وأشار إلى المعنى، وقال: لأن بيع القاضي مال الصغير يكون على وجه الحكم وحكم القاضي لنفسه باطل وذكر في نوادر ابن رستم في أول مسائل النكاح عن محمد أن القاضي إذا زوج الصغيرة اليتيمة من ابنه الصغير وكذلك لو زوجها ممن لا تقبل شهادته له لا يجوز؛ لأن نكاح القاضي يكون على وجه الحكم، ولا يجوز حكمه لابنه الصغير ولا لمن لا تقبل شهادته له قال الناطفي في أجناسه من مسائل البيوع ذكر محمد في السير الكبير أن بيع القاضي مال الصغير من نفسه لا يجوز على قول محمد، وأما على قول أبي حنيفة ينبغي أن يجوز، وفي واقعات الناطفي: إذا اشترى مال اليتيم لنفسه من وصي اليتيم يجوز وإن كان القاضي جعله وصيا؛ لأن الوصي نائب عن الميت لا عن القاضي إذا باع أمين القاضي مال الصغير بأمر القاضي وقبض المشتري المبيع ولم يسلم الثمن حتى أمر القاضي الأمين أن يضمن الثمن عن المشتري فضمن صح ضمانه وكذلك الجواب في أمين القاضي. والأب إذا باع مال الصغير وضمن الثمن عن المشتري لا يصح ضمانه وإذا أراد القاضي نصب الوصي ففي أي موضع ينصب فقد ذكرنا هذا الفصل بتمامه في أدب القاضي وذكرنا ثمة: أن القاضي إذا أراد نصب الوصي لصغير هل يشترط حضرة الصغير أو لا يشترط وإذا نصب القاضي وصيا للصغير، وخص له نوعا من الأنواع تقتصر وصايته على ذلك النوع فالوصاية من قبل القاضي قابلة للتخصيص بخلاف الوصاية من جهة

 

 ج / 9 ص -383-     ووصي الوصي وصي التركتين وتصح قسمته عن الورثة مع الموصى له ولو عكس لا
______
الأب، وفي الفتاوى رجل عن غير وصي فقال القاضي لرجل: جعلتك وكيلا في تركة فلان فهو وكيل في حفظ الأموال خاصة حتى يقول له: بع واشتر ولو قال: جعلتك وصيا فهو وصي بأمر القاضي وبه نأخذ، وفي نوادر بشر عن أبي يوسف إذا اشترى القاضي من متاع اليتيم لنفسه شيئا فهو بمنزلة الوصي فإذا رفع إلى قاض آخر نظر فيه فإن كان خيرا لليتيم أجازه وإلا لم يجزه وكره القاضي شراءه، وفي الذخيرة: القاضي إذا استأجر لليتيم أجيرا بأكثر من أجر المثل بحيث لا يتغابن الناس، ولم يعلم القاضي بذلك فللأجير أجر مثل عمله في مال اليتيم ولو قال القاضي تعمدت الجواز تنفذ الإجارة على القاضي ويجب جميع الأجر في مال القاضي وإذا أقرض مال اليتيم صح.
قال رحمه الله: "ووصي الوصي وصي التركتين" أي إذا مات الوصي فأوصى إلى غيره فهو وصي في تركته وتركة الميت الأول، وقال الشافعي لا يكون وصيا في تركة الميت الأول؛ لأن الميت فوض إليه التصرف ولم يفوض إليه الإيصاء إلى غيره فلا يملكه ولأنه رضي برأيه ولم يرض برأي غيره فصار كوصي الوكيل فإنه يكون وصيا في مال الوكيل خاصة دون مال الموكل ولأن العقد لا يقتضي  مثله ألا ترى أن الوكيل ليس له أن يوكل ولا للمضارب أن يضارب. وكذا الوصي ليس له أن يوصي في مال الموصى له ولنا أن الوصي تصرف بوصية مستقلة إليه فيملك الإيصاء إلى غيره كالجد ألا ترى أن الولاية التي كانت ثابتة للموصي تنتقل إلى الوصي ولهذا يقدم على الجد ولو لم ينتقل إليه لم يقدم عليه كالوكيل لما لم ينتقل إليه الولاية لم يتقدم على الجد فإذا انتقلت إليه الولاية يملك الإيصاء والذي يوضح ذلك أن الولاية التي كانت للوصي تنتقل إلى الجد في النفس وإلى الوصي في المال ثم الجد قام مقام الأب فيما ينتقل إليه حتى ملك الإيصاء فيه فكذلك الوصي ثم الجد وهذا؛ لأن الإيصاء إقامة غيره مقامه فيما له ولايته، وعند الموت كانت له ولاية في التركتين فينزل الثاني منزلته في التركتين ولا نسلم أنه لم يرض برأي من أوصى إليه الوصي بل وجد ما يدل عليه؛ لأنه لما استعان به في ذلك مع علمه أنه تعتريه المنية صار راضيا بإضافته إلى غيره لا سيما على تقدير حصول الموت قبل تتميم مقصوده وهو ما فوض إليه بخلاف الوكيل؛ لأن الموكل فيه يمكنه أن يحصل مقصوده بنفسه فلم يوجد دلالة الرضا بالتفويض إلى غيره بالتوكيل.
قال رحمه الله: "وتصح قسمته عن الورثة مع الموصى له ولو عكس لا" يعني قسمة الوصي مع الموصى له عن الورثة جائزة وعكسه لا يجوز وهو ما إذا قاسم الوصي الورثة عن الموصى له؛ لأن الوارث خليفة الميت حتى يرد بالعيب ويرد عليه ويصير مغرورا بشراء الميت شيئا غر

 

 ج / 9 ص -384-     ...........................................
______
فيه الميت. والوصي أيضا خليفة الميت حتى يرد بالعيب حتى يكون خصما عن الوارث إذا كان غائبا فتنفذ قسمته عليه حتى لو حضر الغائب وقد هلك ما في يد الوصي ليس له أن يشارك الموصى له أما الموصى له فليس بخليفة عنه من كل وجه؛ لأنه ملكه بسبب جديد، ولهذا لا يرد بالعيب ولا يرد عليه ولا يصير مغرورا بشراء الميت فلا يكون خصما عند غيبته حتى لو هلك ما قرر عليه عند الموصي كان له ثلث ما بقي؛ لأن القسمة لم تنفذ عليه غير أن الوصي لا يضمن؛ لأنه أمين فيه وله ولاية الحفظ في التركة كما إذا هلك بعض التركة قبل القسمة فيكون له ثلث الباقي؛ لأن الموصى له شريك الورثة فيتوى ما توى من المال المشترك على الشركة ويبقى ما بقي من على الشركة وله البيع في مال الصغار، والقسمة في معنى البيع وله ولاية الحفظ في مال الكبار فجاز له بيعه للحفظ إلا العقار فإنه محفوظ بنفسه فلا يجوز له بيعه وقسمته على الورثة الكبار حال غيبتهم في معنى البيع فلا يضمن إذا هلك في يده، وفي المبسوط وقسمة الوصي إما أن تكون مع الموصى له أو فيما بين الورثة أما قسمته مع الموصى له جائزة مع الصغار، وفي المنقول وقبض نصيبهم وأما في العقار لا تجوز على الكبير؛ لأن القسمة بيع معنى وله ولاية بيع المنقول على الكبار دون بيع العقار هكذا ذكره في المبسوط. وذكر في اختلاف زفر ويعقوب أن القسمة في العقار لا تجوز عند أبي حنيفة وزفر وعند أبي يوسف ومحمد تجوز قسمة الوصي على الموصى له الغائب مع الورثة وذكر في اختلاف زفر ويعقوب أن عند أبي يوسف تجوز؛ لأن الميت أقام الوصي مقام نفسه وأثبت الولاية له فيما يحتاج إليه عند عجزه بنفسه وهو يحتاج في تنفيذ وصاياه إلى إيصال التركة إلى الورثة؛ لأنه يثاب بوصول التركة إلى الورثة كما يثاب بوصول الوصية إلى الموصى له فيجب أن يملك ذلك نظرا للموصى وعلى قياس قوله يجب أن يملك القسمة على الكبار الحضور وقضاء الدين من الحاجة الفاضلة فيمكن تأخيرها إذا امتنعوا عن القسمة حتى يحضر الغائب بخلاف الحاجة الضرورية لا يمكن تأخيرها؛ لأن في التأخير توهم الضياع، وفي الضياع ضرر على الميت فلا يجوز تأخيرها، وفي تأخير الحاجة الفاضلة وإن كانت توهم الضياع، وفي الضياع ضرر على الميت إلا أنه لا ضرر فيه على الميت فيجوز تأخيرها، وفي كل موضع لا تحل القسمة إذا ضاع أحد النصيبين يضيع على الشركة وما يبقى يبقى على الشركة. وقسمة الوصي الميراث بين الصغار لا يجوز؛ لأن القسمة بمعنى البيع ولا يجوز شراء الوصي مال أحد الصغيرين للصغير الآخر؛ لأن بيعه مقيد بشرط أن يكون فيه منفعة ظاهرة للصغير فإن كان لأحدهما فيه منفعة ظاهرة يكون الآخر فيه مضرة ظاهرة فلم يجز البيع فلم تجز القسمة. وعند محمد لا يلي العقد من الجانبين بكل حال، والحيلة في جواز هذه القسمة أن يبيع حصة أحد الصغيرين مشاعا وإن كانوا ثلاثة باع حصة أحد الصغار من آخر ثم يقاسم مع المشتري ثم حصة

 

 ج / 9 ص -385-     فلو قاسم الورثة وأخذ نصيب الموصى له فضاع رجع بثلث ما بقي وإن أوصى الميت بحجة فقاسم الورثة فهلك ما في يده أو دفع إلى من يحج عنه فضاع في يده يحج عنه بثلث ما بقي وصح قسمة القاضي وأخذ حظ الموصى له إن غاب
______
أحد الصغيرين كي يمتاز حق أحدهما عن الآخر، وإن كانوا الورثة صغارا وكبارا، والكبار غيب  لا تجوز قسمته في العقار؛ لأنه لا يلي بيعه على الكبار فكذلك قسمته، وفي العروض له ولاية القسمة كما يلي بيعها؛ لأن الكبار الغيب التحقوا بالصغار في هذه الحالة فصار كأن الكل صغار ولو كان الكل صغارا تجوز قسمته فكذا هذا وإن كان الكبار حضورا جاز قسمته عن الصغار مع الكبار؛ لأن هذه قسمة جرت بين اثنين، والقسمة بين الصغار جرت من الواحد؛ لأنه لا يلي القسمة من الجانبين فلم تجز القسمة في حق الصغار جملة فالقسمة في حق الكبار صحيحة؛ لأنها جرت بين الكبير، والوصي في نصيب الصغار وإذا قسم الوصيان التركة بين الورثة وأخذ كل واحد منهما نصيب بعضهم فالقسمة فاسدة؛ لأن القسمة لا تكون إلا بين اثنين وكلاهما كشخص واحد لا يملك أحدهما التفرد بالقسمة عندهما وعند أبي يوسف وإن كان ينفرد أحدهما بالقسمة إلا أن كل واحد وكل صاحبه في القسمة فتصير قسمته مع صاحبه كقسمته مع نفسه.
قال رحمه الله: "فلو قاسم الورثة وأخذ نصيب الموصى له فضاع رجع بثلث ما بقي" أي لو قاسم الوصي الورثة وأخذ نصيب الموصى له فضاع ذلك في يده رجع الموصى له بثلث ما بقي لما بينا أن الموصى له شريك الورثة فيرجع الموصى له على ما في يد الورثة إن كان باقيا فيأخذ بثلثه لعدم صحة القسمة في حقه وإذا هلك في أيديهم فله أن يضمنهم قدر الثلث ما قبضوا، وإن شاء ضمن الوصي ذلك القدر؛ لأنه متعد فيه بالدفع إليهم، والورثة بالقبض فيضمن أيهما شاء.
قال رحمه الله: "وإن أوصى الميت بحجة فقاسم الورثة فهلك ما في يده أو دفع إلى من يحج عنه فضاع في يده يحج عنه بثلث ما بقي" أي إذا أوصى بأن يحج عنه فقاسم الوصي الورثة فهلك ما في يد الوصي فإنه يحج عن الميت من ثلث ما بقي وكذلك إذا دفعه إلى رجل ليحج عنه فضاع ما دفعه إليه يحج عنه بثلث الباقي وهذا عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف: إن كان المقرر مستغرقا للثلث بطلت الوصية ولم يحج عنه وإن لم يكن مستغرقا للثلث يحج عنه بما بقي من الثلث إلى تمام الثلث، وقال محمد: لا يحج عنه بشيء وقد قررناه في المناسك.
قال رحمه الله: "وصح قسمة القاضي وأخذ حظ الموصى له إن غاب" أي إن غاب الموصى له؛ لأن الوصية صحيحة وإن كان قبل القبول ولهذا لو مات الموصى له قبل القبول تصير الوصية ميراثا لورثته. والقاضي ناظر في حق العاجز وإقرار نصيب الغائب وقبضه من النظر فينفذ ذلك عليه حتى لو حضر الغائب وقد هلك المقبوض في يد القاضي أو أمينه لم يكن له على الورثة

 

 ج / 9 ص -386-     وبيع الوصي عبدا من التركة بغيبة الغرماء وضمن الوصي إن باع عبدا أوصى ببيعه، والتصدق بثمنه إن استحق العبد بعد هلاك ثمنه عنده
______
سبيل ولا على القاضي وهذا في المكيل، والموزون؛ لأنه إقرار، ومعنى المبادلة فيه تابع حتى جاز أخذه لأحد الشريكين من غير قضاء ولا رضا ولهذا يجوز بيع نصيبه مرابحة وأما ما لا يكال ولا يوزن فلا يجوز؛ لأن القسمة فيه مبادلة كالبيع وبيع مال الغير لا يجوز فكذا القسمة.
قال رحمه الله: "وبيع الوصي عبدا من التركة بغيبة الغرماء" أي يصح بيع الوصي عبدا لأجل الغرماء؛ لأن الوصي قائم مقام الموصي ولو تولاه بنفسه حال حياته يجوز بيعه وإن كان مريضا مرض الموت بغير محضر عن الغرماء فكذا الوصي لقيامه مقامه وهذا؛ لأن حق الغرماء يتعلق بالمال لا بالصورة، والبيع لا يبطل المالية؛ لأنه أخلف شيئا، وهو الثمن بخلاف العبد المأذون له في التجارة حيث لا يجوز للمولى بيعه؛ لأن الغرماء لهم حق الاستيفاء بخلاف ما نحن فيه.
قال رحمه الله: "وضمن الوصي إن باع عبدا أوصى ببيعه، والتصدق بثمنه إن استحق العبد بعد هلاك ثمنه عنده" معناه إذا أوصى ببيع عبده، والتصدق بثمنه على المساكين فباع الوصي العبد وقبض الثمن فضاع الثمن في يده وهو المراد بالهلاك المذكور في المختصر ثم استحق العبد بعد ذلك ضمن الوصي الثمن للمشتري؛ لأنه هو العاقد فتكون العهدة عليه؛ لأن المشتري منه لم يرض ببدل الثمن إلا ليسلم له المبيع ولم يسلم فقد أخذ البائع وهو الوصي مال الغير بغير رضاه فيجب عليه رده ولم يتعرض لضمان الوصي في الاستقراض ولا في الطعام، الوديعة، والبيع بطلب الغرماء أو بغير طلب ونحن نذكر ذلك تتميما للفائدة. قال في المبسوط: فالوصي تارة يضمن وتارة لا يضمن فإذا أمر الوصي المستودع أن يقرض مال اليتيم فأقرض ضمن المستودع؛ لأن الوصي لا يملك الإقراض من مال الصبي فلا يملك التوكيل والأمر به فلم يصح الأمر بالإقراض، ولو قضى الوصيان دينا لرجل ثم شهدا أن له على الميت دينا لم يحز ويضمنان إن ظهر دين آخر؛ لأنهما بشهادتهما يدفعان عن أنفسهما مغرما؛ لأنهما صارا ضامنين ما دفعا إلى الأول؛ لأنهما دفعا بغير أمر القاضي ولو شهدا به قبل أن يقضيا جاز؛ لأنهما  بشهادتهما لم يجرا إلى أنفسهما نفعا ولا يدفعان مغرما وهو لزوم قضاء الدين. ومسائل الإطعام على فصول: الأول: لو أوصى بأن يطعم عشرة مساكين لكفارة يمينه، وغدى الوصي عشرة ثم ماتوا قال محمد رحمه الله يغدي ويعشي عشرة أخرى ولا يضمن الوصي؛ لأنه غداهم بأمر الموصي؛ لأن التغدية إطعام ولكنه لم يكمل، وفات الإكمال لا بمعنى من جهته فلا يصير متعديا وإن قال: أطعموا عني عشرة مساكين غداء وعشاء، ولم يسم كفارة فغدى عشرة ثم ماتوا فإنه يعشي عشرة سواهم؛ لأن الواجب

 

 ج / 9 ص -387-     ...........................................
______
في كفارة اليمين سد عشرة خلات ورد عشرة جوعات وذلك يحصل بالتغدية، والتعشية وبالموت فات ذلك فيغدي ويعشي غيرهم فأما إذا نص على الإطعام غداء وعشاء فالجمع، والتفريق سواء وروى هشام عن أبي يوسف أنه إن قال: أطعم عني عشرة مساكين فغدى عشرة ثم ماتوا يضمن الوصي قياسا ولا يضمن استحسانا ويعشي غيرهم؛ لأنه أمرهم بالإطعام مطلقا فالتحق بالإطعام الواجب شرعا في الكفارة؛ لأنه نص على الغداء، والعشاء فسواء فرق أو جمع جاز. رجل أودع رجلا مالا، وقال: إن مت فادفعه إلى ابني فدفعه إليه وله وارث غيره ضمن حصته ولا يكون هذا وصيا؛ لأنه لم يفوض إليه التصرف في التركة فبقي أمينا للورثة، والأمين إذا دفع مال الورثة إلى أحدهم ضمن، وإن قال أدفعه إلى فلان غير وارث ضمن المال الذي دفعه إليه قال أبو يوسف: إذا خلط الوصي مال اليتيم بماله، فضاع فلا ضمان عليه؛ لأن له ولاية حفظه كيفما كان
مريض اجتمع عنده قرابته يأكلون من ماله قال أبو القاسم الصفار: إن أكلوا بأمر المريض فمن كان منهم وارثا ضمن ومن كان غير وارث حسب ذلك من ثلثه قال الفقيه أبو الليث: احتاج المريض إلى تعاهدهم في مرضه فأكلوا معه ومع عياله بغير إسراف فلا ضمان عليهم.
رجل مات وعليه دين فباع وصيه رقيقه للغرماء وقبض الثمن فضاع عنده أو مات بعض الرقيق في يد الوصي قبل أن يسلم إلى المشتري فالمشتري يرجع بالثمن على الوصي ويرجع به الوصي على الغرماء؛ لأنه في البيع عامل للغرماء ومن عمل لغيره ولحقه فيه ضمان رجع به على المعمول له ولو استحق العبد ورجع المشتري بالثمن على الوصي لم يرجع الوصي بالثمن على الغرماء إلا أن يكون الغرماء أمروه ببيعه وكذلك لو قال الغرماء له بع رقيق الميت واقضنا لم يرجع عليهم ولو كانوا قالوا: بع عبد فلان هذا رجع بالثمن عليهم؛ لأنهم عينوه إلا أن يكون الثمن من دينهم فلا يرجع عليهم بأكثر من دينهم. ولو قال له: بع هذا العبد فإنه لفلان فقال الوصي لا أبيعه ثم باعه ثم استحق، وقد ضاع الثمن رجع به الوصي على الغريم ولو لم يكن على الميت دين ولكن الوصي باع الرقيق للورثة الكبار فهم في جميع هذه الوجوه كلها بمنزلة الغرماء وإن كانوا صغارا لم يرجع عليهم في الاستحقاق، ولو باع القاضي رقيق الميت للغرماء فضاع الثمن عنده ثم استحق الرقيق رجع المشتري بالثمن على الغرماء لا على القاضي؛ لأنهم بمنزلة بيع الغرماء كأنهم نالوا البيع بأنفسهم.
رجل أوصى بعتق عبد ثم جنى العبد جناية بعد موت الموصي فأعتقه الوصي وهو يعلم بالجناية فهو ضامن أرش الجناية وإن لم يعلم ضمن قيمته ولا يرجع بذلك على أحد؛ لأن الميت إنما أوصى بعتقه قبل أن يجني فلما جنى لم يكن للوصي أن يعتقه إلا أن يضمن الجناية عنه فإذا

 

 ج / 9 ص -388-     ويرجع في تركة الميت وفي مال الطفل إن باع ماله واستحق المبيع  رجع في مال الصغير وهو على الورثة في حصتهم وصح احتياله بماله لو خيرا له
______
أعتقه فهو متطوع في عتقه، والجناية لازمة له فإن قال الوصي عند القاضي: قد اخترت إمساك العبد وأشهد على نفسه بذلك شهودا فليس له أن يرجع، ويدفع العبد فإن لم يكن لهم مال غير العبد فعليه أن يبيع ويؤدي أرش الجناية من ثمنه فإن مات العبد قبل أن يبيعه بعد ما اختاره فالجناية دين على الأيتام حتى يؤدوها.
قال رحمه الله: "ويرجع في تركة الميت"؛ لأنه عامل له فيرجع به في تركته كالوكيل. وكان أبو حنيفة يقول أولا لا يرجع الوصي على أحد؛ لأنه تبين بطلان الوصية باستحقاق العبد فلم يكن عاملا للورثة فلا يرجع عليهم بشيء ثم رجع إلى ما ذكره هنا، ويرجع في جميع التركة، وعند محمد أنه يرجع في الثلث؛ لأن الرجوع بحكم الوصية فيأخذ حكمها ومحل الوصية الثلث ونحن لا نسلم أنه يرجع عليه بحكم الوصية بل بحكم الغرور، وذلك دين عليه، والدين عليه يقضى من جميع التركة، وإن كانت التركة قد هلكت أو لم يكن بها وفاء فلا يرجع بشيء كما في سائر ديون الميت، وفي المنتقى: لا يرجع الوصي في مال الميت بشيء وإنما يرجع على المساكين الذين تصدق عليهم بالثمن؛ لأنه عامل لهم فكان غرمه عليهم.
قال رحمه الله: "وفي مال الطفل إن باع ماله واستحق المبيع  رجع في مال الصغير"؛ لأنه عامل له
قال رحمه الله: "وهو على الورثة في حصتهم" أي الصبي يرجع على الورثة بحصته لانتقاض القسمة باستحقاق ما أصابه
قال رحمه الله: "وصح احتياله بماله لو خيرا له" أي يجوز احتيال الوصي بمال اليتيم إذا كان فيه خير بأن يكون الثاني أملأ إذ الولاية نظرية وإن كان الأول أملأ لا يجوز؛ لأن فيه تضييع مال اليتيم على بعض الوجوه وهو على تقدير إن حكم بسقوطه حاكم يرى سقوط الدين إذا مات الثاني مفلسا أو جحد الحوالة أو لم يكن له عليه بينة ولا يرى رجوع الدين على الأول. وقوله لو خيرا بين أنه يصح احتياله إذا كان الثاني خيرا من الأول ولم يبين حكم ما إذا كانوا سواء ففي الذخيرة: واختلف الناس فيه ذكر المحبوبي إن كان الثاني مثل الأول لا يجوز بخلاف بيعه مال اليتيم بمثل قيمته حيث يجوز، والحوالة لا تجوز قال الإمام الإسبيجابي في شرح الطحاوي اعلم أن للوصي أن يأخذ الكفيل بدين الميت؛ لأن الكفالة لا توجب براءة الأصيل ولو احتال بماله وأخذ الكفيل بشرط براءة الأصيل فإنه ينظر إن كان ذلك خيرا لليتيم فإنه يجوز إذا كان المحال عليه أملأ حتى لو أدرك، وقد أخذ الدين فليس له أن يفسخ الحوالة وإن لم يكن أملأ من المحيل

 

 ج / 9 ص -389-     أو بيعه وشراؤه بما يتغابن
______
فإنه لا يجوز هذا إذا ثبت الدين بمداينة الميت وأما إذا ثبت بمداينة الوصي فإنه يجوز سواء كان خيرا لليتيم أو شرا له إلا أنه إذا كان خيرا له فإنه يجوز بالاتفاق حتى إنه إذا أدرك وأراد أن ينقض ذلك ليس له ذلك وإن كان شرا له جاز ذلك ويضمن الوصي لليتيم عندهما وعند أبي يوسف لا يجوز إذا كان شرا.
قال رحمه الله: "أو بيعه وشراؤه بما يتغابن" أي يجوز بيع الوصي وشراؤه بما يتغابن الناس في مثله ولا يجوز بما لا يتغابن الناس؛ لأن الولاية نظرية ولا نظر في الغبن الفاحش بخلاف اليسير؛ لأنه لا يمكنه التحرز عنه ففي اعتباره انسداد باب الوصاية بخلاف العبد، والصبي المأذون لهما في التجارة، والمكاتب حيث يجوز بيعهم وشراؤهم بالغبن الفاحش عند أبي حنيفة؛ لأنهم يتصرفون بحكم المالكية، والإذن فك الحجر، والصبي يتصرف بحكم النيابة الشرعية نظرا فيتقيد بموضع النظر وعندهما لا يملكونه؛ لأن التصرف بالغبن الفاحش تبرع وهم ليسوا من أهلهما ولا ضرورة إليه وهذا إذا تبايع الوصي للصغير مع الأجنبي وأما إذا اشترى شيئا من مال اليتيم لنفسه أو باع شيئا منه من نفسه جاز عند أبي حنيفة إذا كان فيه منفعة ظاهرة وهو أن يبيع ما يساوي خمسة عشر بعشرة ويشتري ما يساوي عشرة بخمسة عشر وإن لم يكن فيه نفع فلا يجوز وعلى قول محمد وأظهر الروايات عن أبي يوسف أنه لا يجوز بيعه من نفسه بكل حال هذا في وصي الأب وأما وصي القاضي فلا يجوز بيعه من نفسه بكل حال؛ لأنه وكيل وللأب أن يشتري شيئا من مال الصغير لنفسه إذا لم يكن فيه ضرر على الصغير بأن كان بمثل القيمة، والغبن يسير، وقال المتأخرون من أصحابنا لا يجوز للوصي بيع عقار الصغير إلا أن يكون على الميت دين أو يرغب المشتري فيه بضعف الثمن أو يكون للصغير حاجة إلى الثمن قال الصدر الشهيد وبه يفتى وأطلق المصنف في البيع، والشراء فشمل العروض، والعقار وما يخاف عليه الفساد وغير ذلك وتقدم حكم العقار. وإذا كانت الورثة كلهم صغارا وسيأتي حكم تصرفه وإذا كانوا كبارا أو مختلطين وإذا ادعى رد الوديعة ثم مسائله ثلاثة أقسام:
قسم يصدق فيه بالاتفاق،
وقسم لا يصدق فيه بالاتفاق،
وقسم اختلفوا فيه
أما الأول إذا قال الوصي: إن أباك ترك رقيقا وأنفقت عليهم أو قال اشتريت رقيقا وأديت الثمن ثم ماتوا فإنه يصدق؛ لأنه أقر بما هو مسلط عليه من جهة الشرع؛ لأنه مسلط على ما فيه إصلاح الصغير، والإنفاق عليه وعلى رقيقه مقدار حاجتهم إصلاح لهم فيصدق فيه ولو قال:

 

 ج / 9 ص -390-     وبيعه على الكبير في غير العقار
______
اشتريت من فلان العبيد الذي في يده ودفعت الثمن وأنكر ذو اليد يصدق على الصبي دون ذو اليد؛ لأنه مسلط على الشراء، والبيع وتنمية مال الصبي فإنه إصلاح لها لكي لا يستأصلها النفقة، ولو قال استأجرت رجلا لرد الآبق صدق اتفاقا؛ لأن الاستئجار فعل هو مسلط عليه شرعا لما فيه من إصلاح الصغير وإحيائه،
وأما القسم الثاني لو قال أنفقت من مالي لأرجع عليك لم يصدق ولذلك لو قال: استهلكت مالا فأديت ضمانه وأنفقت على أخ لك كان زمنا لم يصدق؛ لأنه أقر بما لم يكن مسلطا عليه؛ لأنه غير مسلط على الإنفاق من مال نفسه ولا على الإنفاق من مال اليتيم على محارمه قبل فرض القاضي
وأما القسم الثالث لو قال أبق غلامك وأديت جعل الآبق وأديت  خراج أرضك عشر سنين. وقال الوارث: لم تؤد إلا حظ سنة صدق الوصي عند أبي يوسف خلافا لمحمد وكذلك لو اختصما، والأرض لا تصلح للزراعة بأن غلب عليها الماء، وقال الصبي: كانت كذلك، وقال الوصي: كانت صالحة فعلى الخلاف وعلى الأول لو كانت تصلح للحال يصدق الوصي إجماعا بعدما أنفقا على مدة المالك؛ لأن الوصي أقر بما ليس بمسلط عليه شرعا؛ لأن ذلك ليس من الغلة، والتسليط يتحقق على فعل الغير فلا يصدق فيه كما لو قال إن عبدك جنى ففديته بكذا أو استهلك مال إنسان فأديت ضمانه من مالك لا يصدق فكذا هذا لأبي يوسف أنه أقر بما هو مسلط عليه شرعا في ماله؛ لأنه بدل مال الصبي وأخذ بإزائه عوضا يعد له أو منفعة فإنه لا يتمكن من المزارعة إلا بالخراج فكان الخراج بدل ماله ليقع مقابله وكذلك إصلاح أمر أرضه، والوصي مسلط على التصرف في مال الصبي إذا كان فيه إصلاح وإرفاق ولو أحضر الوصي رجلا إلى القاضي فقال إن هذا رد عبد الصبي من الإباق فوجب له الجعل، وفي يدي مال هذا الصبي فأعطيه هل يصدقه القاضي قيل هذا على الخلاف أيضا وقيل: لا يصدقه بالإنفاق فيحتاج أبو يوسف إلى الفرق بينهما، والفرق أنه ثمة ادعى وجوب الجعل في ماله لغيره وهو غير مسلط على الدعوى لغيره في مال الصبي وهنا ادعى أنه كان الجعل من مال الصغير ولم يدع الجعل في ماله للحال فكان مسلطا على التصرف في مال الصغير لإحياء ماله وإصلاحه.
قال رحمه الله: "وبيعه على الكبير في غير العقار" أي بيع الوصي على الكبير الغائب جائز في كل شيء إلا في العقار؛ لأن الأب لا يلي العقار ويلي ما سواه فكذا وصيه؛ لأنه قائم مقامه وكان القياس أن لا يملك الوصي غير العقار أيضا ولا الأب كما لا يملك على الكبير الحاضر إلا أنه لما كان فيه حفظ ماله جاز استحسانا فيما يخاف عليه الفساد؛ لأن حفظ ثمنها أيسر، وهو يملك

 

 ج / 9 ص -391-     ولا يتجر في ماله
______
الحفظ، وأما العقار فمحفوظ بنفسه فلا حاجة فيه للبيع ولو كان عليه دين باع العقار ثم إن كان الدين مستغرقا باع كله بالإجماع وإن لم يكن مستغرقا باع بقدر الدين عندهما لعدم الحاجة إلى الأكثر من ذلك. وعند أبي حنيفة جاز له أن يبيع كله؛ لأنه يبيعه بحكم الولاية فإذا ثبت في البعض ثبت في الكل؛ لأنها لا تتجزأ ولو كان يخاف هلاك العقار ويملك بيعه؛ لأنه تعين حفظا للمنقول، والأصح أنه لا يملك لأنه نادر، وقال في الغاية: فإن قلت علم حكم ما إذا كان الكل كبارا غيبا أو الكل صغارا بقي حكم ما إذا كان بعضهم كبارا وبعضهم صغارا قال في المحيط: وإن كانت الورثة صغارا وكبارا، وعلى الميت دين أو أوصى لوصيه بيع العروض، والعقار عند أبي حنيفة وعندهما يبيع المنقول وحصة الصغير في العقار وأما حصة الكبار الحضر فلا يملك بيعها، وإن كانوا غائبين فيملك وقد تقدم بيانه.
قال رحمه الله: "ولا يتجر في ماله" أي الوصي لا يتجر في مال اليتيم؛ لأن المفوض إليه الحفظ دون التجارة فإن قلت هذه العبارة على إطلاقها غير صحيحة؛ لأن المنقول في جامع الفصولين، وفي غيره أن للوصي أن يتجر في مال اليتيم وينبغي أن يكون المراد، ولا يتجر لنفسه في مال اليتيم كما صرح به قاضي خان ووصي الأخ، والعم، والأم في مال تركتهم ميراثا للصغير بمنزلة وصي الأب في الكبير الغائب بخلاف مال آخر للصغير غير ما تركه الموصي حيث لا يملك الوصي بيعه؛ لأن الوصي قائم مقام الموصي وهو الأخ ومن بعده وليس لواحد منهم التصرف في مال الصغير فكذا وصيهم بخلاف الأب، والجد حيث يكون لهم ولاية التصرف في مال الصغير مطلقا من غير تقييد فيما تركه ميراثا. فكذا وصيه يملك ذلك ويشهد للقيد الذي ذكرناه ما في المبسوط: وللوصي أن يأخذ مال الصغير مضاربة؛ لأنها تجارة وليس له أن يؤاجر نفسه من اليتيم؛ لأن القيام بمصالح اليتيم واجب على الوصي فلا حاجة إلى استئجاره
وصي كان في يده ألف درهم لأخوين فقال دفعت إلى أحدهما نصيبه وكذبه المدفوع إليه فالباقي بينهما نصفان ولا يضمن الوصي؛ لأنه أمين فيه وهو مسلط على الدفع، والرد فيصدق فيه،
وصي عنده ألفان ليتيمين فأدركا فدفع إلى أحدهما ألفا وصاحبه الآخر حاضر وجحد القابض القبض منه يغرم الوصي خمسمائة بينهما؛ لأن قسمته لا تجوز ولو كان القابض مقرا كان للآخر أن يأخذ منه خمسمائة وإن شاء ضمن الوصي ورجع بها عليه؛ لأنها لما لم تجز القسمة بقي الآخر شريكا فيما قبضه صاحبه فله أن يأخذ نصيبه منه، والوصي بالدفع صار ضامنا ومتى أدى الضمان ملك المضمون وهو نصيب الجاحد  رجع بنصيبه على صاحبه. ولو قال لهما بعدما

 

 ج / 9 ص -392-     ...........................................
______
كبرا قد دفعت إليكما ألفا فصدقه أحدهما وكذبه الآخر رجع المنكر على أخيه بمائتين وخمسين درهما وإن أنكر لم يكن لهما على الولي شيء؛ لأنه أمين ادعى رد الأمانة إلى صاحبها، ولو قال الوصي دفعت إلى كل واحد منكما خمسمائة على حدة وصدقه أحدهما وكذبه الآخر. رجع المكذب على الوصي بمائة وخمسين درهما؛ لأن قسمته لا تجوز عليهما، وهما حاضران ولو كانا غائبين جازت القسمة عليهما.
رجل مات وترك ابنين صغيرين فلما أدركا طلبا ميراثهما، فقال الوصي: جميع تركة أبيكما ألف، وقد أنفقت على كل واحد منكما خمسمائة فصدقه أحدهما وكذبه الآخر رجع المكذب على المصدق بمائتين وخمسين ولا يرجع على الوصي في ذلك عند زفر وهو رواية عن أبي حنيفة، وفي رواية عن ابن أبي مالك عن أبي يوسف أنه يرجع؛ لأن الوصي أمين ادعى صرف الأمانة إلى نفقتهما وحاجتهما وهو مسلط عليه من جهة الشرع فيصدق فيه في حق براءة نفسه عن الضمان ولا يصدق في إبطال حق المكذب فيما وصل إلى المقر بالنفقة فصار المقر مقرا بالشركة فيما وصل إليه وذلك خمسمائة، وقال أبو يوسف: لا يرجع المقر على المنكر بشيء، والقول قول الوصي؛ لأنه تصدق في الإنفاق على المنكر؛ لأنه مسلط عليه وهو مأمور من جهة الشرع فيصدق فيه فثبت الإنفاق عليه فصار كأنه وصل إليه خمسمائة معاينة، وفي الفتاوى رجل باع ضيعة اليتيم من مفلس يعلم أنه يعجز عن استيفاء ثمنه منه قال يؤجل القاضي المشتري ثلاثة أيام فإن نقده الثمن، وإلا نقض البيع، وقال نصير بن يحيى: للموصي أن يأكل من مال اليتيم ويركب دابته إذا ذهب في حاجته. قال الفقيه أبو الليث: هذا إذا كان محتاجا لقوله تعالى
{وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: من الآية6] فإن لم يكن محتاجا لا يجوز لقوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً} [النساء: من الآية10] الآية من غير تفصيل ولكن هذه الآية صارت منسوخة بالأولى، وذكر في المنتقى لا يركب الوصي من مال اليتيم في حاجته إلا بإذن القاضي، والنفقة من مال الموصي. وفي فتاوى الفضلي وصي أخذ أرض الصبي مزارعة قال لا يجوز إن شرط البذر على اليتيم؛ لأنه صار مؤاجرا نفسه ببعض الخارج وليس له أن يؤاجر نفسه من الصبي وإن كان البذر منه يجوز عندهما إذا كان خيرا لليتيم؛ لأنه صار مستأجرا أرضه ببعض من بذره وله أن يستأجر أرض الصبي بالدراهم فكذا ببعض الخارج، وفي واقعات الناطفي: قال: ولو أخذ الوصي مال اليتيم وأنفقه في حاجة نفسه ثم وضع مثل ما أنفق لا يبرأ عن الضمان إلا أن يبلغ اليتيم فيدفعه إليه أو يشتري لليتيم شيئا ثم يقول للشهود: كان علي لليتيم كذا وكذا وأنا أشتري ذلك له فيصير قصاصا ويبرأ عن الضمان.
رجل بنى جدارا بين دار بين الصغيرين لهما عليه حمولة ويخاف السقوط ولكل واحد

 

 ج / 9 ص -393-     ووصي الأب أحق بمال الطفل من الجد
فصل في الشهادة
 شهد الوصيان أن الميت أوصى لزيد معهما لغت شهادتهما
______
منهما وصي فطلب أحدهما مرمته، وأبى الآخر فالقاضي يبعث أمينا لينظر فيه فإن رأى في تركته ضررا عليهما أجبر الآبي حتى يبني مع صاحبه بخلاف ما لو أبى أحد الشريكين؛ لأنه قد رضي بإدخال الضرر عليه فلا يجبر. وهاهنا أراد الوصي إدخال الضرر على اليتيم فيجبر.
وصي على يتيمين فباع دار أحدهما فإذا هي لليتيم الآخر فهو جائز، وقد تقدم ما يخالف ذلك في قوله: وتنفيذ وصية معينة وإذا باع القاضي على أنهما لفلان فإذا هي لآخر لا يجوز؛ لأن هذا قضاء، والقضاء إذا كان المقضي عليه مجهولا لا يجوز.
قال رحمه الله: "ووصي الأب أحق بمال الطفل من الجد"، وقال الشافعي رحمه الله: الجد أحق؛ لأن الشرع أقامه مقام الأب عند عدمه حتى أحرز ميراثه فيتقدم على وصيه ولنا أن ولاية الأب تنتقل إليه بالإيصاء فكانت ولايته قائمة معنى فيقدم عليه في المال، والجد في الولاية؛ لأنه أقرب إليه وأشفق عليه حتى ملك الإنكاح دون الوصي.
فصل في الشهادة
قال صاحب النهاية لما لم تكن الشهادة في الوصية أمرا يختص بالوصية أخر ذكرها لعدم عراقتها فيها
قال رحمه الله: "شهد الوصيان أن الميت أوصى لزيد معهما لغت شهادتهما" أي بطلت؛ لأنهما يجران نفعا لأنفسهما بإثبات العين لهما فترد للتهمة فإذا ردت ضم القاضي إليهما ثالثا؛ لأن في ضمن شهادتهما إقرارا منهما بوصي آخر معهما للميت وإقرارهما حجة على أنفسهما فلا يتمكنان من التصرف بعد الوصي لامتناع تصرفهم بدونه فصار حقهما بمنزلة ما لو مات أحد الأوصياء الثلاثة. وجاز ذلك للقاضي مع وجود الوصي لامتناع تصرفهم بدونه فصار  كأنه مات ولم يوص لأحد فيضم إليهما ثالثا ليمكنهم التصرف وهذا وجه الاستحسان فيجب الضم، قال صاحب النهاية: فإن قيل إذا كان للميت وصيان فالقاضي لا يحتاج إلى أن ينصب عن الميت وصيا آخر فإذا لم يكن له ذلك من غير شهادة فكذلك عند أداء الشهادة إذا تمكنت التهمة فيه قلنا القاضي وإن كان لا يحتاج إلى نصب الوصي لكن الموصى إليهما متى شهدا بذلك كان من زعمهما أنهما لا تدبير لهما في هذا المال إلا بالثالث فأسند من هذا الوجه ما لم يكن ثمة وصي وهناك تقبل الشهادة فكذا هنا كذا ذكره الإمام المحبوبي في باب القضاء بالشهادة من قضاء

 

 ج / 9 ص -394-     إلا أن يدعي زيد وكذا الابنان
______
الجامع الصغير وإلى هنا لفظ النهاية واقتفى أثره كثير من الشراح منهم صاحب العناية، وقال تاج الشريعة لو سألا من القاضي أن يجعل هذا لرجل وصيا معهما برضاه فعلى القاضي أن يجيبهما إلى ذلك ا هـ.. ثم إن هذا حال الضم إلى الوصيين مطلقا وأما فيما نحن فيه فيجب على القاضي أن يضم الثالث إليهما ألبتة وإن بطلت شهادتهما كما مضى عليه في عامة الكتب المعتبرة. ا هـ.. ولم يتعرض لما إذا أنكر المشهود عليه أو صدقه ولم يقبل أو قبل ورد أو لم يرد ونحن نذكره تتميما للفائدة قال في الأصل: وإذا كذبهما المشهود عليه أدخل معهما رجلا آخر سوى المشهود عليه، ومن مشايخنا من قال ما ذكروا من أنه يدخل معهما ثالثا. هذا قول أبي حنيفة ومحمد عند أبي يوسف لا يدخل معهما ثالثا ومنهم من يقول: لا بل المذكور في الكتاب قولهم جميعا وهو الظاهر فإنه لم يوجد فيه خلاف وإن صدقهما، وقال لا أقبل الوصية قال أدخلت معهما ثالثا بخلاف ما لو قبل ثم أبى لا يقبل رده وإباؤه إلى هنا لفظ المحيط ثم إن بعض المتأخرين استشكل هذا المقام بوجه آخر فقال فيه: إن وجوب كون المضموم هذا المدعي إثر شهادة المتهم مع أنه لا تقبل شهادة المتهم فكيف يترتب عليهما أثر ا هـ.. أقول: ليس هذا بشيء؛ لأن شهادة المتهم إنما لا تقبل في إثبات حق شرعي وإيجابه في إسقاط شيء كمؤنة التعيين فيما نحن فيه فإن شهادتهما تسقط عن القاضي مؤنة التعيين، وإن لم تثبت الوصاية كما أشار إليه المصنف بقوله فيسقط بشهادتهما مؤنة التعيين عنه أما الوصاية فتثبت بنصب القاضي وكم من شيء يكون حجة في الدفع ولا يكون حجة في الإثبات كالاستصحاب ونحوه فيجوز أن تكون شهادة المتهم أيضا كذلك فيترتب عليها أثر الدفع، وقد أفصح عنه صاحب العناية حيث قال: وجه الاستحسان أن القاضي ملك نصب الوصي إذا كان طالبا، والموت معروفا فلا يثبت للقاضي بهذه الشهادة ولاية لم تكن وإنما أسقطنا عنه مؤنة التعيين ومثاله أن القرعة ليست بحجة ويجوز استعمالها في تعيين الأنصباء لدفع التهمة عن القاضي فصلحت دافعة لا موجبة فكذلك هذه الشهادة تدفع عنه مؤنة التعيين ا هـ..
قال رحمه الله: "إلا أن يدعي زيد" أي يدعي زيد أنه وصي معهما فحينئذ تقبل شهادتهما وهذا استحسان والقياس أن لا تقبل كالأول وجه الاستحسان أنه يجب على القاضي أن يضم إليهما ثالثا على ما بينا آنفا وتسقط بشهادتهما مؤنة التعيين عنه فيكون وصيا معهما بنصب القاضي إياه كما إذا مات ولم يترك وصيا فإنه ينصب وصيا ابتداء فهذا أولى.
قال رحمه الله: "وكذا الابنان" يعني لو شهد الابنان أن أباهما أوصى إلى رجل وهو منكر لا تقبل شهادتهما لقول شريح لا أقبل شهادة خصم ولا مرتاب أي متهم وإن ادعى الشهود له

 

 ج / 9 ص -395-     وكذا لو شهدا لولد صغير بمال على الميت أو لكبير بما للميت
______
الوصاية تقبل استحسانا على أنه نصب وصيا ابتداء على ما ذكرنا في شهادة الوصيين بذلك بخلاف ما إذا شهدا أن أباهما وكل هذا الرجل بقبض ديونه بالكوفة حيث لا تقبل سواء ادعى الرجل الوكالة أو لم يدع؛ لأن القاضي لا يملك نصب الوكيل عن الحي بطلبهما ذلك بخلاف الوصي.
قال رحمه الله: "وكذا لو شهدا لولد صغير بمال على الميت" أي لو شهد الوصيان لوارث صغير بمال على الميت لا تقبل فشهادتهما باطلة؛ لأنهما يثبتان ولاية التصرف لأنفسهما في ذلك فصارا متهمين أو خصمين فلا تقبل
قال رحمه الله: "أو لكبير بما للميت" يعني إذا شهد الوصيان لولد كبير بمال الميت لا تقبل شهادتهما أيضا؛ لأنهما يثبتان ولاية الحفظ وولاية بيع المنقول لأنفسهما عند غيبة الوارث بخلاف شهادتهما لكبير بخلاف التركة لانقطاع ولايتهما عنه؛ لأن الميت أقامها مقام نفسه في تركته لا في غيرها. بخلاف ما إذا كان الوارث صغيرا أو الموصي أبا حيث لا تقبل شهادتهما في الكل؛ لأن لوصي الأب التصرف في مال الصغير جميعه فيكونان متهمين فلهذا لم يقيده بالمال الموروث منه في حق الصغير وقيده به في الكبير  وهذا عند أبي حنيفة، وقالا إذا شهدا لوارث كبير يجوز في الوجهين أي في التركة وغيرها؛ لأن ولاية التصرف لا تثبت لهما في مال الميت إذا كان الورثة كبارا فعرت عن التهمة بخلاف ما إذا كانوا صغارا على ما بيناه، والحجة عليهما ما بيناه، وفي المحيط. إذا شهد غرماء الميت أنه أوصى لفلان بكذا لا تقبل شهادتهم قياسا ولو شهد أحدهما أنه أوصى لفلان بثلث ماله وشهد الآخر أنه أوصى له بثلث ماله، وقال: اعطوا منه فلانا ألف درهم قال محمد يعطي الموصى له ثلث المال ولا ينقص منه ألفا فكأنه أوصى له بثلث الألف؛ لأنهما اتفقا على الشهادة بالثلث وانفرد أحدهما بشهادة الألف لفلان فما اتفقا عليه يقبل، وما انفرد أحدهما به يرد؛ لأن القائم به شهادة فرد وصار بمنزلة ما لو استثنى أحدهما شيئا من الألف، وإذا شهد شاهدان أن الميت أوصى لهذين بدراهمه، وشهد شاهدان أنه أوصى لهما بدنانير أو اثنان بعبد، والآخران بدراهم جازت الشهادة؛ لأن كل فريق يشهد على عقد الوصية لا على الملك ويمكن إثبات العقدين ومتى كان الموصى به واحدا بطلت الشهادتان. كما لو شهد أحد الفريقين بالبيع من هذا، والآخر ببيعه من هذا لم تقبل ومتى كان الموصى به مختلفا، فقد أمكن إثبات الوصيتين فتقبل. وإذا شهد الوصيان لرجل كبير أنه ابن الميت جاز وإن كان صغيرا لم يجز قياسا؛ لأنهما يقبضان ميراثه فيكونان متهمين، وتقبل استحسانا على النسب وعلى التزويج؛ لأن المشهود به النسب واستحقاق الميراث إنما يثبت حكما لبيان النسب لا مقصودا بالشهادة.

 

 ج / 9 ص -396-     ولو شهد رجلان لرجلين على ميت بدين ألف درهم وشهد الآخران للأولين بمثله تقبل وإن كانت شهادة كل فريق بوصية ألف لا
______
قال رحمه الله: "ولو شهد رجلان لرجلين على ميت بدين ألف درهم وشهد الآخران للأولين بمثله تقبل وإن كانت شهادة كل فريق بوصية ألف لا" وهذا عند محمد، وقال أبو يوسف لا تقبل في الدين أيضا، ويروي أبو حنيفة مع محمد ويروي مع أبي يوسف وعن أبي يوسف مثل قول محمد وروى الحسن عن أبي حنيفة أنهم إذا جاءوا معا وشهدوا فالشهادة باطلة وإن شهد اثنان لاثنين فقبلت ثم ادعى الشاهدان بعد ذلك على الميت بألف درهم فشهد لهما الأولان تقبل قال في العناية: جنس هذه المسائل أربعة أوجه.
الأول ما اختلفوا فيه وهو الشهادة بالدين،
والثاني ما اتفقوا على عدم جوازه وهو الشهادة بالوصية بجزء شائع من التركة كالشهادة بألف مرسلة أو بثلث المال،
والثالث ما اتفقوا على جوازه وهو أن يشهد الرجلان بجارية وشهد المشهود لهما للشاهدين بوصية عبد،
والرابع وهو المذكور في الكتاب آخرا هو أن يشهد الرجلان بجارية ويشهد المشهود لهما للشاهدين بوصية عبد يعني ويشهد المشهود لهما للشاهدين بألف مرسلة أو بثلث المال ومبنى ذلك كله على تهمة الشركة فما ثبت فيه التهمة لا تقبل الشهادة فيه وهو الثاني، والرابع وما لم تثبت فيه التهمة قبلت كالثالث على ما ذكر في الكتاب، وأما الوجه الأول فقد وقع الاختلاف فيه بناء على ذلك أيضا. ا هـ.. أقول: تقسيم صاحب العناية وتقريره هنا مختل؛ لأنه إن أراد بالأوجه الأقسام الكلية فهي ثلاثة لا غير
أحدها ما اتفقوا على جوازه
وثانيها ما اتفقوا على عدم جوازه
وثالثها ما اختلفوا فيه، وما عداه وجها رابعا داخل في القسم الثاني لا محالة وإن أراد بها الأمثلة فهي خمسة لا أربعة كما تدل عليه عبارة الكتاب فلا وجه لجعل الاثنين منها وجها واحدا على أن قوله الأول ما اختلفوا فيه، والثاني ما اتفقوا على عدم جوازه، والثالث ما اتفقوا على جوازه لا يساعده كون مراده بالأوجه هو الأمثلة بل يقتضي كون مراده بها هو الأقسام الكلية المذكورة. كما لا يخفى ثم أن صاحبي النهاية، والكفاية وإن ذهبا أيضا إلى كون الأوجه في جنس هذه المسائل أربعة إلا أن تقريرهما لا ينافي كون المراد بالأوجه هو الأمثلة، والمسائل دون

 

 ج / 9 ص -397-     ...........................................
______
الأقسام الكلية، والأصول كما ينافيه تقرير صاحب العناية فإنهما قال وجنس هذه المسائل على أربعة أوجه في الوجه الأول تقبل الشهادة بالإجماع وهو أن يشهد الرجلان بوصية عين أخرى كالجارية؛ لأنه لا شركة للمشهود فيه فلا تتمكن التهمة، وفي الوجه الثاني: لا تقبل بالإجماع وهو أن يشهد الرجلان بالوصية بجزء شائع كالوصية بثلث ماله وشهد المشهود لهما للشاهدين بألف مرسلة أيضا، وفي الوجه الثالث لا تقبل أيضا وهو أن يشهد الرجلان أن الميت أوصى للشاهدين الأولين بثلث ماله؛ لأن الشهادة مثبتة للشركة، وفي الوجه الرابع اختلفوا فيه وهو الشهادة بالدين ثم إن الحق أن تثبت القسمة هاهنا كما فعله الفقيه أبو الليث في كتاب نكت الوصايا حيث قال: وإذا شهد أربعة نفر شهد هذان لهذين، وهذان لهذين على الميت فإن هذا على ثلاثة  أوجه في وجه تقبل شهادتهما بالاتفاق، وفي وجه لا تقبل بالاتفاق، وفي وجه اختلفوا فيه ثم فعل كل وجه بالثلاثة. ودليله كما فعل شمس الأئمة السرخسي في شرح الكافي للحاكم الشهيد حيث قال: وهاهنا ثلاثة فصول
أحدها ما لا تقبل فيه الشهادة بالاتفاق،
والثاني ما تقبل فيه الشهادة بالاتفاق،
والثالث ما اختلفوا فيه وبين كل واحد منهما لمحمد أن الدين يجب في الذمة وهي قابلة لحقوق شتى فلا شركة فيه إذا لم يجب بسبب واحد ولهذا يختص أحدهما بما قبض ولا يكون للآخر حق المشاركة ولا ينتقل بالموت من الذمة إلى التركة ألا ترى أن التركة لو هلكت لا يسقط الدين وأن للوارث أن يستخلص التركة بقضاء الدين من محل آخر فلا يمكن الشركة بينهم فصار كما لو شهد الفريقان في حال حياته بخلاف الوصية فإن حق الموصى له يتعلق بالعين المتروكة حتى لا يبقى بعد هلاك التركة وليس للوارث أن يستخلص التركة ويعطيه من محل آخر ولو قبض أحد الفريقين شيئا كان للفريق الآخر حق المشاركة فكان كل فريق مثبتا لنفسه حق المشاركة في التركة فلا تصح شهادتهما ولأبي يوسف أن الدين بالموت يتعلق بالتركة لخراب الذمة ولهذا لا يثبت الملك فيها للوارث ولا ينفذ تصرفه فيها إذا كان مستغرقا بالدين فشهادة كل فريق للآخر تلاقي محلا اشتركا فيه فصار نظير مسألة الوصية فلا تقبل بخلاف الشهادة في حال الحياة؛ لأن الدين في ذمته لبقائها في المال فلا تتحقق الشركة وجه رواية الحسن أنهما إذا جاء معا كان ذلك بمعنى المعاوضة فتتفاحش التهمة فترد. بخلاف ما إذا كان على التعاقب؛ لأن الأول قد مضى وثبت بمعنى المعاوضة فلا تهمة، والثاني لا يزاحمه الأول عند صدوره فصار كالأول، والوصية بجزء شائع كالوصية بالدراهم المرسلة فيما ذكرنا من الأحكام

 

 ج / 9 ص -398-     ...........................................
______
حتى لا تقبل فيها شهادة الفريقين؛ لأنها تثبت التركة ولو شهد رجلان أنه أوصى لرجلين بعين كالعبد وشهد المشهود لهما أنه أوصى للشاهدين بثلث ماله أو بالدراهم المرسلة فهي باطلة؛ لأن الشهادة في هذه الصورة مثبتة للشركة بخلاف ما إذا شهد رجلان لرجلين أنه أوصى لهما بعين أخرى حيث تقبل الشهادتان؛ لأن لا شركة فلا تهمة والله تعالى أعلم.