الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير لمن يطالع الجامع الصغير

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْحَمد لله رب الْعَالمين وَصلَاته على سيدنَا مُحَمَّد وعَلى آله وَأَصْحَابه أَجْمَعِينَ
وَبعد فَإِن مُحَمَّد بن الْحسن (رَحمَه الله) وضع كتابا فِي الْفِقْه وَسَماهُ الْجَامِع الصَّغِير قد جمع فِيهِ أَرْبَعِينَ كتابا من كتب الْفِقْه وَلم
ـــــــــــــــــــــــــــــ

قَوْله وَسَماهُ الْجَامِع الصَّغِير ذكر الصَّدْر الشَّهِيد فِي خطْبَة شَرحه ان مَشَايِخنَا كانون يعظمون مسَائِل هَذَا الْكتاب تَعْظِيمًا ويقدمونه على سَائِر الْكتب تَقْدِيمًا وَكَانُوا يَقُولُونَ لَا يَنْبَغِي لأحد أَن يتقلد الْقَضَاء وَالْفَتْوَى مَا لم يحفظ مسَائِل هَذَا الْكتاب فَإِن مسَائِله من أُمَّهَات الْمسَائِل فَمن حوى مَعَانِيهَا وَحفظ مبانيها صَار من زمرة الْفُقَهَاء وَصَارَ أَهلا للْفَتْوَى وَالْقَضَاء وَذكر فَخر الْإِسْلَام الْبَزْدَوِيّ فِي أول شَرحه كَانَ أَبُو يُوسُف يتَوَقَّع من مُحَمَّد أَن يروي كتابا عَنهُ فصنف مُحَمَّد هَذَا الْكتاب وأسنده عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة فَلَمَّا عرض على أبي يُوسُف استحسنه وَقَالَ حفظ أَبُو عبد الله إِلَّا مسَائِل أَخطَأ فِي رِوَايَتهَا فَلَمَّا بلغ ذَلِك مُحَمَّدًا قَالَ حَفظتهَا وَنسي هُوَ وَذكر قاضيخان فِي شَرحه إِن الْجَامِع الصَّغِير قيل من تصنيف أبي يُوسُف وَقَالَ بَعضهم من تصنيف مُحَمَّد فَإِنَّهُ حِين فرغ من تصنيف الْمَبْسُوط أمره أَبُو يُوسُف أَن يصنف كتابا ويروي عَنهُ فصنف هَذَا

(1/67)


يبوب الْأَبْوَاب لكل كتاب مِنْهَا كَمَا بوب كتب الْمَبْسُوط ثمَّ إِن القَاضِي الإِمَام أَبَا طَاهِر الدباس بوبه ورتبه ليسهل على المتعلمين حفظه ودراسته
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْكتاب وذكرالأتقاني فِي (بَاب الْأَذَان) من شرح الْهِدَايَة الْمُسَمّى بغاية الْبَيَان ذكر مُحَمَّد فِي الْجَامِع الصغيرفي رِوَايَة الْمسَائِل مُحَمَّد عَن يَعْقُوب (وَهُوَ اسْم أَبى يُوسُف) عَن أبي حنيفَة حَتَّى لَا يكون وهم التَّسْوِيَة فِي التَّعْظِيم بَين الشَّيْخَيْنِ لِأَن الكنية للتعظيم وَكَانَ مُحَمَّد مَأْمُورا من أبي يُوسُف أَن يذكرهُ باسمه حَيْثُ يذكر أَبَا حنيفَة فَعَن هَذَا قَالَ مَشَايِخنَا إِن من الْأَدَب أَن لَا يَدْعُو الطّلبَة بَعضهم لبَعض بِلَفْظ مَوْلَانَا عِنْد أستاذهم احْتِرَازًا عَن التَّسْوِيَة بَين الْأُسْتَاذ والتلميذ
قَوْله وَلم يبوب الْأَبْوَاب إِلَخ أَي جمع مسَائِل مُتَفَرِّقَة فِي كتاب مثلا مسَائِل الصَّلَاة فِي كتاب الصَّلَاة ومسائل الصَّوْم فِي كتاب الصَّوْم وَلم يفصل الْأَبْوَاب تَحت كل كتاب وَالْفرق بَين الْكتاب وَالْبَاب أَن الْكتاب عِنْدهم عبارَة عَن طَائِفَة من الْمسَائِل اعْتبرت مُسْتَقلَّة شملت أنواعاً أَو لم تشْتَمل فَقَوْلهم طَائِفَة كالجنس وَقَوْلهمْ اعْتبرت مُسْتَقلَّة أَي مَعَ قطع النّظر عَن تبعيتها للْغَيْر أَو تَبَعِيَّة غَيرهَا إِيَّاهَا فَيدْخل فِيهِ كتاب الطَّهَارَة وَإِن كَانَ هُوَ من تَوَابِع الصَّلَاة وَكَذَا كتاب الصَّلَاة وَإِن كَانَ مستتبعاً للطَّهَارَة فاعتبار الِاسْتِقْلَال قد يكون لانقطاعه عَن غَيره ذاتاً كانقطاع كتاب اللّقطَة عَن كتاب الْمَفْقُود مثلا وَقد يكون بِمَعْنى اعتباري يُؤثر فِي ذَلِك كانقطاع كتاب الطَّهَارَة عَن الصَّلَاة وَقَوْلهمْ شملتت أنواعاً ككتاب الصَّلَاة وَالطَّهَارَة أَو لم تشْتَمل ككتاب الْآبِق والمفقود مثلا فَإِن كَانَ مَا تَحْتَهُ أَنْوَاع فَكل نوع مُشْتَمل على الجزئيات يُسمى بِالْبَابِ كباب نواقض الْوضُوء وَنَحْوه وَإِن قصد فصل طَائِفَة من الجزئيات يُسمى ذَلِك فصلا فَعلم أَن الْفَصْل لَا يُوجد بِدُونِ الْبَاب وَالْبَاب لَا يُوجد بِدُونِ الْكتاب وَالْكتاب قد يُوجد بِدُونِ الْبَاب

(1/68)


ثمَّ ان الْفَقِيه احْمَد بن عبد الله بن مَحْمُود تِلْمِيذه كتبه عَنهُ بِبَغْدَاد فِي دَاره وقرأه عَلَيْهِ فِي شهور سنة اثْنَيْنِ وَعشْرين وَثَلَاث مائَة وَالله أعلم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَالْبَاب قد يُوجد بِدُونِ الْفَصْل هَذَا هُوَ الْمَعْرُوف عِنْدهم وَذكر بَعضهم فِي تَفْسِيرهَا وُجُوهًا أخر قد بسطناها فِي السّعَايَة فِي كشف مَا فِي شرح الْوِقَايَة وفقنا الله لإتمامه وَيسر علينا اختتامه

(1/69)


كتاب الصَّلَاة
بَاب مَا ينْقض الْوضُوء وَمَا لَا ينْقضه
مُحَمَّد عَن يَعْقُوب عَن أبي حنيفَة (رَضِي الله عَنْهُم) فِي رجل قلس
ـــــــــــــــــــــــــــــ

قَوْله كتاب الصَّلَاة قدمهَا على بَاقِي الْأَركان لكَونهَا عُمْدَة الْأَركان فَإِنَّهَا عماد الدّين وعمود الشَّرْع المتين وَهِي الفارقة بَين الْكفْر وَالْإِسْلَام وَأول مَا يسْأَل عَنهُ يَوْم الْقِيَامَة وأدرج فِيهِ مسَائِل الطَّهَارَة لكَونهَا من توابعها وَهُوَ أحسن من صَنِيع الْمُتَأَخِّرين حَيْثُ يضعون للطَّهَارَة كتابا على حِدة مَعَ ذكرهم بَاقِي شُرُوط الصَّلَاة فِي كتاب الصَّلَاة وَقدم مسَائِل الْوضُوء من بَين مسَائِل الطَّهَارَة لكَونه متكرراً فِي كل يَوْم وَلَيْلَة مرّة بعد مرّة بِخِلَاف غَيره من الطهارات فَكَانَ الِاحْتِيَاج إِلَى معرفَة مَا يتَعَلَّق بِهِ أَكثر والاهتمام بِهِ أوفر وَقدم منهامسائل نواقض الْوضُوء لِأَن وجوب الْوضُوء لَا يكون إِلَّا بِالْحَدَثِ فَأَرَادَ أَن يُشِير إِلَى مَا ينْقض الْوضُوء وَيُوجب الْحَدث أَولا وَجعل مسَائِل الِاسْتِحَاضَة بَابا على حِدة لِأَن نوع مُسْتَقل من أَصْنَاف النواقض فإفراده أولى ثمَّ عقبه يذكر مَا يتَوَضَّأ بِهِ لكَونه آلَة للْوُضُوء والاحتياج إِلَيْهَا إِنَّمَا يكون بعد الْوُجُوب وَهُوَ بالنواقض ثمَّ عقبه بِذكر التَّيَمُّم لِأَنَّهُ خلف عَن الْوضُوء وليعلم أَنه لَيْسَ فِي هَذَا الْكتاب اسْتِيعَاب جَمِيع الْمسَائِل الْمُتَعَلّقَة بِالْكتاب أَو بِالْبَابِ وَلَا ذكر أَكْثَرهَا بل غَرَضه فِي كل بَاب إِنَّمَا هُوَ ذكر مَا وصل إِلَيْهِ بِوَاسِطَة أبي يُوسُف فَلذَلِك صَار جَامعا صَغِيرا
بَاب مَا ينْقض الْوضُوء وَمَا لَا ينْقضه
قَوْله مَا ينْقض فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَن الناقض نفس لاخارج لَكِن من حَيْثُ

(1/71)


أقل من مَلأ فِيهِ قَالَ لَا ينْقض وضوءه وَإِن قلس مَلأ فِيهِ مرّة أَو طَعَاما أَو مَاء نقض الْوضُوء وَإِن كَانَ بلغماً نقض فِي قَول أبي يُوسُف وَلم ينْقض فِي قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد (رحمهمَا الله)
مُحَمَّد عَن يَعْقُوب عَن أبي حنيفَة (رَضِي الله عَنْهُم) فِي نفطة قشرت فَسَالَ مِنْهَا مَاء أَو دم أَو غَيره عَن رَأس الْجراح نقض الْوضُوء وَإِن لم يسل لم ينْقض دَابَّة خرجت من رَأس الْجرْح أَو اللَّحْم سقط لم ينْقض الْوضُوء وَإِن خرجت من الدبر نقضت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْخُرُوج وَقيل الناقض خُرُوجه وَقيل غير ذَلِك وَالْكل مَبْسُوط فِي السّعَايَة
قَوْله أقل من مَلأ فِيهِ اخْتلفُوا فِي حد مَلأ الْفَم فَقَالَ بَعضهم إِن كَانَ بِحَيْثُ لَو ضم شَفَتَيْه لم يعلم النَّاظر أَنه فِي فَمه فَهُوَ أقل والا فَهُوَ مَلأ الْفَم وَهَذَا مَذْهَب أَكثر الْمَشَايِخ وَهُوَ الصَّحِيح كَذَا فِي التاتار خَانِية
قَوْله لَا ينْقض وَقَالَ زفر ينْقض وَاحْتج بِمَا روى مَرْفُوعا القلس حدث وَلم يفصل بَين الْقَلِيل وَالْكثير وأصحابنا احْتَجُّوا بِمَا روى الطَّحَاوِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن عَائِشَة مَرْفُوعا من قاء أَو رعف فِي صلَاته فلينصرف وليتوضأ وليبن على صلَاته مَا لم يتَكَلَّم وَمَا رَوَاهُ زفر مَحْمُول على الْقَيْء مَلأ الْفَم وَقَالَ الشَّافِعِي لَا ينْقض وَإِن كَانَ مَلأ الْفَم لما روى أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قاء فَلم يتوضأوهو مَحْمُول عندنَا على الْقَلِيل
قَوْله وَإِن كَانَ إِلَخ إِن كَانَ بلغماً فَإِن نزل من الرَّأْس لَا ينْقض الْوضُوء وَإِن صعد من الْجوف فَكَذَلِك عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِن كَانَ مَلأ الْفَم نقض لِأَنَّهُ شَيْء خَارج هما يَقُولَانِ إِن البلغم شَيْء لزج فَلَا يحْتَمل النَّجَاسَة الا قَلِيلا

(1/72)


بَاب الْمُسْتَحَاضَة
مُحَمَّد عَن يَعْقُوب عَن أبي حنيفَة فِي مُسْتَحَاضَة تَوَضَّأت لوقت صَلَاة أجزاها حَتَّى يدْخل وَقت صَلَاة أُخْرَى فَإِن تَوَضَّأت لصَلَاة الصُّبْح أجزاها حَتَّى تطلع الشَّمْس فَإِن توضات حِين تطلع الشَّمْس أجزاها حَتَّى يذهب وَقت الظّهْر وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة يطلقهَا زَوجهَا فَيَنْقَطِع الدَّم عَنْهَا حِين تطلع الشَّمْس فَإِن زَوجهَا يملك الرّجْعَة حَتَّى يذهب وَقت الظّهْر أَو تَغْتَسِل قبل ذَلِك
ـــــــــــــــــــــــــــــ

قَوْله فَسَالَ مِنْهَا أَي خرج بِنَفسِهِ وَأما إِذا اخرجه فَفِيهِ خلاف فَفِي الْهِدَايَة وَشرح الْوِقَايَة أَنه لَا ينْقض ومختار صَاحب فتح الْقَدِير وَغَايَة الْبَيَان وَالْكَافِي والقنية وَالْبَزَّازِيَّة وَغَيرهَا النَّقْض كَمَا بسطناه فِي السّعَايَة
قَوْله نقض لما أخرج ابْن عدي فِي الْكَامِل عَن زيد بن ثَابت مَرْفُوعا الْوضُوء من كل دم سَائل وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن سُلَيْمَان رَآنِي رَسُول الله (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَقد سَالَ من أنفي دم فَقَالَ أحدث وضوء وَغير ذَلِك من الْأَخْبَار لَكِن أسانيدها ضَعِيفَة كَمَا بسطناها فِي السّعَايَة
قَوْله لم ينْقض الْوضُوء لِأَن النَّجس مَا عَلَيْهَا وَذَلِكَ قَلِيل غير أَن الْقَلِيل فِي السَّبِيلَيْنِ حدث لوُجُود السيلان وَلَيْسَ بِحَدَث فِي غير السَّبِيلَيْنِ لعدمه
بَاب الْمُسْتَحَاضَة
قَوْله لوقت صَلَاة وَقَالَ الشَّافِعِي تتوضأ لكل مَكْتُوبَة لحَدِيث الْمُسْتَحَاضَة تتوضأ لكل صَلَاة رَوَاهُ ابْن ماجة وَلنَا مَا رَوَاهُ أَبُو حنيفَة عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة إِن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لفاطمة بنت

(1/73)


بَاب مَا يجوز بِهِ الْوضُوء وَمَا لَا يجوز
مُحَمَّد عَن يَعْقُوب عَن أبي حنيفَة فِي رجل لم يجد إِلَّا سُؤْر الْكَلْب قَالَ لَا يتَوَضَّأ بِهِ وَيتَيَمَّم فَإِن لم يجد إِلَّا سُؤْر الْحمار تَوَضَّأ وَتيَمّم فَإِن لم يجد إِلَّا نَبِيذ التَّمْر تَوَضَّأ وَلم يتَيَمَّم وَقَالَ أَبُو يُوسُف يتَيَمَّم وَلَا يتَوَضَّأ وَقَالَ مُحَمَّد يتَوَضَّأ بِهِ ثمَّ يتَيَمَّم وَلَا يتَوَضَّأ بِشَيْء من الْأَشْرِبَة غير نَبِيذ التَّمْر وَإِن تَوَضَّأ بسؤر سِبَاع الطير أَو الْفَأْرَة أَو الْحَيَّة أَو السنور كره وأجزاه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حُبَيْش توضيء لوقت كل صَلَاة
قَوْله حَتَّى يذهب وَقت الظّهْر هُوَ قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو يُوسُف أجزاها حَتَّى يدْخل وَقت الظّهْر وَهُوَ قَول زفر وأصل هَذَا أَن طَهَارَتهَا تنْتَقض عِنْد خُرُوج الْوَقْت عِنْدهمَا وَعند زفر بِدُخُول الْوَقْت وَعند أبي يُوسُف بِأَيِّهِمَا كَانَ وَالصَّحِيح مَا قَالَه أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد لِأَن الشَّرْع أسقط اعْتِبَار السيلان فِي الْوَقْت بِاعْتِبَار الْحَاجة وَخُرُوج الْوَقْت يدل على زَوَال الْحَاجة
قَوْله حَتَّى يذهب إِلَخ هَذَا إِذا كَانَ حَيْضهَا أقل من عشرَة أَيَّام أما إِذا كَانَت أَيَّامهَا عشرَة لَا يبْقى عدتهَا بِمُجَرَّد انْقِطَاع دَمهَا من الْحَيْضَة عِنْد طلوب الشَّمْس
بَاب مَا يجوز بِهِ الْوضُوء وَمَا لَا يجوز
قَوْله وَيتَيَمَّم لِأَنَّهُ نجس بِدلَالَة الْإِجْمَاع وَهُوَ وجوب غسل الْإِنَاء من ولوغه ثَلَاثًا وَعند الشَّافِعِي يغسل سبعا
قَوْله تَوَضَّأ وَتيَمّم لِأَنَّهُ مُشكل لاخْتِلَاف الْآثَار فِيهِ وَلِأَن اعْتِبَاره بِلَحْمِهِ يُوجب نَجَاسَته واعتباره بعرقه يُوجب طَهَارَته فَيجمع بَينهمَا احْتِيَاطًا وبأيهما بَدَأَ جَازَ
قَوْله تَوَضَّأ اعْتِمَاده على حَدِيث ابْن مَسْعُود لَيْلَة الْجِنّ أَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام لما قضى حَاجته قَالَ لَهُ هَل مَعَك مَاء فَقَالَ لَا الا نَبِيذ التَّمْر فَقَالَ

(1/74)


وَإِن تَوَضَّأ بِمَاء فِي إِنَاء نظيف لم يجز لغيره أَن يتَوَضَّأ مِنْهُ وَالله أعلم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تَمْرَة طيبَة وَمَاء طهُور فَتَوَضَّأ بِهِ وَأَبُو يُوسُف ادّعى نسخه بِآيَة التَّيَمُّم لِأَنَّهَا مَدَنِيَّة والْحَدِيث كَانَ بِمَكَّة وَمُحَمّد لما جهل التَّارِيخ أحب الْجمع بَينهمَا احْتِيَاطًا كَذَا ذكره الصَّدْر الشَّهِيد وَذكر أَيْضا أَن نوح بن أبي مَرْيَم حكى رُجُوع أبي حنيفَة إِلَى قَول أبي يُوسُف وَالْحق أَن دَعْوَى النّسخ لَا يَصح فَإِن لَيْلَة الْجِنّ كَانَت سِتّ مَرَّات بَعْضهَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ كَمَا ذكره صَاحب آكام المرجان فِي أَحْكَام الجان وَمَا ذهب إِلَيْهِ أَبُو حنيفَة هُوَ مَذْهَب ابْن عَبَّاس وَعلي كَمَا فِي طسنن الدَّارَقُطْنِيّ والْحَدِيث الَّذِي احْتج بِهِ وَإِن خدش فِيهِ المحدثون فِيهِ بخدشات إِلَّا أَنَّهَا مدفوعة بأسرها كَمَا هُوَ ظَاهر على الماهر
قَوْله وَلَا يتَوَضَّأ إِلَخ جَريا على قَضِيَّة الْقيَاس وَعند الْأَوْزَاعِيّ يجوز التوضئ بِسَائِر الأنبذة بِالْقِيَاسِ على نَبِيذ التَّمْر
قَوْله غير نَبِيذ التَّمْر النَّبِيذ الَّذِي اخْتلف فِيهِ أَصْحَابنَا هُوَ الَّذِي صَار حلواً وَلم يشْتَد بِأَن تلقي فِي المَاء تُمَيْرَات حَتَّى صَار حلواً وَأما إِذا غلا وَاشْتَدَّ وَقذف بالزيد فقد صَار مُسكرا فَلَا يجوز التوضئ بِهِ بِإِجْمَاع اصحابنا
قَوْله وَإِن توضأإلخ إِن تَوَضَّأ بسؤر سِبَاع الطير كالصقر والبازي وَمَا يسكن فِي الْبيُوت مثل الفارة والحية والوزغة والسنور يكره وَقَالَ أَبُو يُوسُف فِي الأمالي لَا يكره فِي السنور خَاصَّة بالأثر وَهُوَ مَا روى أَن النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ يصغي لَهَا الْإِنَاء فيشرب فَأَخذه فَتَوَضَّأ وَلَهُمَا مَا روى مَرْفُوعا الْهِرَّة سبع وَلم يرد بِهِ الْحَقِيقَة وَإِنَّمَا أَرَادَ بَيَان الحكم وَلَا حكم هَهُنَا سوى هَذَا والْحَدِيث مَحْمُول على مَا قبل التَّحْرِيم أَو على أَنَّهَا لم تكن تَأْكُل الفارة عَادَة للْمَاء فَلَا يكون معدناً
قَوْله لم يجز لغيره إِلَخ لِأَنَّهُ صَار مُسْتَعْملا وَالْمَاء الْمُسْتَعْمل غير طهُور بالِاتِّفَاقِ إِلَّا عِنْد زفر وَاخْتلفُوا فِي طَهَارَته فَعَن أبي حنيفَة ثَلَاث رِوَايَات قَالَ

(1/75)


بَاب فِيمَن تيَمّم ثمَّ ارْتَدَّ عَن الْإِسْلَام
مُحَمَّد عَن يَعْقُوب عَن أبي حنيفَة فِي مُسلم تيَمّم ثمَّ ارْتَدَّ عَن الْإِسْلَام ثمَّ أسلم فَهُوَ على تيَمّمه نَصْرَانِيّ تيَمّم ينوى بتيممه الْإِسْلَام ثمَّ أسلم لم يكن متيمماً وَهُوَ قَول مُحَمَّد وَقَالَ أَبُو يُوسُف هُوَ متيمم نَصْرَانِيّ تَوَضَّأ لَا يُرِيد الْوضُوء ثمَّ أسلم فَهُوَ متوضئ إِمَام صلى فِي مصلى الْكُوفَة فأحدث أَو أحدث رجل خَلفه تيَمّم وَبنى رجل فِي رَحْله مَاء قد نَسيَه فَتَيَمم وَصلى ثمَّ ذكره فِي الْوَقْت فقد تمت صلَاته وَهُوَ قَول مُحَمَّد وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا يجْزِيه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مُحَمَّد وَهُوَ رِوَايَة عَنهُ إِنَّه طَاهِر غير طهُور وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَهُوَ رِوَايَة عَنهُ نجس نَجَاسَة خَفِيفَة وَقَالَ الْحسن بن زِيَاد وَهُوَ رِوَايَة عَنهُ نجس نَجَاسَة غَلِيظَة
بَاب فِيمَن تيَمّم ثمَّ ارْتَدَّ عَن الْإِسْلَام
قَوْله فَهُوَ على تيَمّمه وَقَالَ زفر يبطل لِأَنَّهُ عبَادَة فَيبْطل كَسَائِر الْعِبَادَات وَإِنَّا نقُول الْبَاقِي بعد التَّيَمُّم صفة كَونه طَاهِرا وَاعْتِرَاض الْكفْر على هَذِه الصّفة لَا يُبْطِلهَا كَمَا لَو اعْترض على الْوضُوء وَالْوُضُوء لَيْسَ بِعبَادة عندنَا فَكَذَلِك التَّيَمُّم لِأَنَّهُ شَرط الْعِبَادَة وَشرط الشَّيْء لَا يكون حكمه حكم ذَلِك الشَّيْء كَغسْل الثَّوْب وَستر الْعَوْرَة
قَوْله هُوَ متيمم لِأَن شَرط صِحَّته أَن يَنْوِي بِهِ عبَادَة وَقد وجد فصح وهما يَقُولَانِ بلَى وَلَكِن عبَادَة لَا صِحَة لَهَا إِلَّا بِالطَّهَارَةِ وَلم يُوجد هَهُنَا لِأَن الْإِسْلَام يَصح بِدُونِهَا
قَوْله تيَمّم وَبنى أصل هَذَا أَن التَّيَمُّم لصَلَاة الْعِيد قبل الشُّرُوع فِيهَا جَائِز

(1/76)


بَاب فِي النَّجَاسَة تقع فِي المَاء
مُحَمَّد عَن يَعْقُوب عَن أبي حنيفَة فِي عقرب أَو نَحْوهَا مِمَّا لَا دم لَهُ يَمُوت فِي المَاء فَإِنَّهُ لَا يفْسد المَاء ضفدع أَو نَحوه مِمَّا يعِيش فِي المَاء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عندنَا لِأَن صَلَاة الْعِيد لَا تقضي خلافًا للشَّافِعِيّ وَكَذَلِكَ التَّيَمُّم لصَلَاة الْجِنَازَة جَائِز عندنَا وَأما بعد الشُّرُوع فِي صَلَاة الْعِيد للْبِنَاء فَكَذَلِك عِنْد أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا يتَيَمَّم لِأَن الْمُبِيح كَانَ خشيَة الْفَوْت وَقد أَمن بِالشُّرُوعِ لِأَن اللَّاحِق يقْضِي مَا فَاتَهُ بعد فرَاغ الإِمَام وَأَبُو حنيفَة يَقُول لَا بل الْمُبِيح قَائِم لِأَنَّهُ يَوْم ازدحام فقلما يسلم الْمَرْء فِي ذَلِك عَن أَمر ينْتَقض بِهِ صلَاته
قَوْله قد نَسيَه قيد بِالنِّسْيَانِ لِأَن فِي الظَّن لَا يجوز لَهُ التَّيَمُّم بِالْإِجْمَاع وَلَو كَانَ المَاء فِي إِنَاء فِي ظَهره أَو مُعَلّقا بعنقه أَو مَوْضُوعا بَين يَدَيْهِ ثمَّ نَسيَه وَتيَمّم لَا يجْزِيه بِالْإِجْمَاع لِأَنَّهُ نسي مَا لَا ينسى فَلَا يعْتَبر كَذَا ذكره المحبوبي فِي شرح الْجَامِع الصَّغِير
قَوْله لَا يجْزِيه لَهُ أَنه فَاتَ شَرطه وَهُوَ طلب المَاء فِي معدنه فَلَا يجوز كَمَا لَو ترك الطّلب فِي العمرانات وهما يَقُولَانِ إِن السّفر مَوضِع الْحَاجة الْأَصْلِيَّة للْمَاء فَلَا يكون معدناً
بَاب فِي النَّجَاسَة تقع فِي المَاء
قَوْله فَإِنَّهُ لَا يفْسد المَاء لما أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه من حَدِيث بَقِيَّة عَن سلمَان مَرْفُوعا يَا سلمَان كل طَعَام وَقعت فِيهِ دَابَّة لَيْسَ لَهَا دم فَمَاتَتْ فَهُوَ حَلَال أكله وشربه ووضوءه
قَوْله فَإِنَّهُ لَا يُفْسِدهُ لِأَن هَؤُلَاءِ لَيْسَ لَهَا دم سَائل وَلذَا يعيشون فى المَاء فَلَو كَانَ لهَؤُلَاء دم سَائل لاختنقت فِي المَاء
قَوْله بَعرَة إِلَخ أَشَارَ إِلَى أَن الثَّلَاث كثير فَإِنَّهُ ذكر البعرة والبعرتين

(1/77)


يَمُوت فِي الْجب فَإِنَّهُ لَا يُفْسِدهُ بَعرَة أَو بعرتان تسقطان فِي بِئْر أوخرؤ حمام أوعصفور يَقع فِي المَاء لم يفْسد المَاء شَاة بَالَتْ فِي بِئْر فَإِنَّهَا تنزح وَقَالَ مُحَمَّد لَا ينجسها ذَلِك عُصْفُور أَو فارة مَاتَت فِي بِئْر فأخرجت حِين مَاتَت يستقى مِنْهَا عشرُون دلوا إِلَى ثَلَاثِينَ وانها كَانَت دجَاجَة أَو سنور فأربعون أَو خَمْسُونَ وَإِن كَانَت شَاة نزحت حَتَّى يغلب المَاء وَكَذَلِكَ إِن انتفخت شَيْء من ذَلِك أَو تفسخ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَسكت عَن ذكر الثَّلَاث وَالْقِيَاس أَن يفْسد لِأَن النَّجَاسَة إِذا وَقعت فِي المَاء الْقَلِيل تفْسد المَاء وَالِاسْتِحْسَان أَن فِي الْقَلِيل ضَرُورَة وبلوى لِأَن الْآبَار الَّتِي فِي الفلوات لَيست لَهَا رُؤُوس حاجزة والمواشي تبعر حولهَا فتلقيها الرّيح فِيهَا
قَوْله فَإِنَّهَا تنزح أصل هَذَا أَن بَوْل مَا يُؤْكَل لَحْمه نجس عِنْدهمَا وطاهر عِنْد مُحَمَّد
قَوْله عشرُون دلواً ذكر الصَّدْر الشَّهِيد وَصَاحب الْهِدَايَة وَغَيرهمَا فِي دَلِيله حَدِيث أنس أَنه قَالَ فِي الْفَأْرَة إِذا مَاتَت فِي الْبِئْر وأخرجت سَاعَته ينْزح عشرُون دلواوذكروا فِي دَلِيل حكم الدَّجَاجَة حَدِيث أبي سعيد أَنه قَالَ إِذا مَاتَت الدَّجَاجَة فِي الْبِئْر ينْزح اربعون دلوا وَقَالَ ابْن الْهمام فَيفتح الْقَدِير أخْفى هذَيْن الْحَدِيثين قُصُور نَظرنَا وَقَالَ الشَّيْخ علاؤ الدّين رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ فَلْيَكُن روايتهما فِي غيرشرح مَعَاني الآثارانتهى
قَوْله فأربعون أَو خَمْسُونَ أخرج الطَّحَاوِيّ فِي شرح مَعَاني الْآثَار بِسَنَدِهِ عَن الشّعبِيّ أَنه قَالَ فِي الطير والسنور وَنَحْوهمَا يَقع فِي الْبِئْر ينْزح أَرْبَعُونَ دلواً وَأخرج عَنهُ أَنه قَالَ فِي الدَّجَاجَة يَمُوت فِي الْبِئْر ينْزح مِنْهَا سَبْعُونَ دلواوأخرج عَن إِبْرَاهِيم أَنه قَالَ فِي السنور أَرْبَعُونَ دلواً وَأخرج عَن حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان

(1/78)


بَاب افي النَّجَاسَة تصيب الثَّوْب أَو الْخُف أَو النَّعْل
مُحَمَّد عَن يَعْقُوب عَن أبي حنيفَة فِي ثوب أَصَابَهُ من دم السّمك أَكثر من قدر الدِّرْهَم لم يُنجسهُ وَإِن أَصَابَهُ من الروث واخثاء الْبَقر وخرء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَن قَالَ فى الدَّجَاجَة ينْزح أَرْبَعُونَ دلواً أَو خَمْسُونَ دلواً
قَوْله شَاة وَكَذَلِكَ إِذا وَقع آدمى فَمَاتَ لما أخرج الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَابْن أبي شيبَة وَغَيرهم أَن زنجياً وَقع فِي بِئْر زَمْزَم وَمَات فَأمر ابْن عَبَّاس بنزح كل مَائِهَا وَأخرج الطَّحَاوِيّ وَابْن أبي شيبَة وَغَيرهمَا أَن حَبَشِيًّا وَقع فِي زَمْزَم وَمَات فَأمر ابْن الزبير بنزح ماءها فَجعل المَاء لَا يَنْقَطِع فَنظر فَإِذا عين تجْرِي من قبل الْحجر الْأسود فَقَالَ ابْن الزبير حسبكم ولبعض الْمُحدثين على هَذِه الرِّوَايَات وُجُوه من الخدشات قد ذَكرنَاهَا فِي السّعَايَة فِي كشف مَا فِي شرح الْوِقَايَة وبهذه الْآثَار وأمثالها اسْتدلَّ أَصْحَابنَا (رَحِمهم الله) لتنجس مياه الْآبَار بِوُقُوع النَّجَاسَة وَفِيه نظر بعد قد تكفلنا بِذكرِهِ فِي السّعَايَة وفقنا الله لإتمامه
قَوْله حَتَّى يغلب الماءأشار إِلَى أَن ينْزح المَاء كُله وَهَذَا إِذا أمكنه وَإِن لم يُمكنهُ ينْزح حَتَّى يَغْلِبهُمْ المَاء وَلم يقدر الْمِقْدَار لِأَن الْآبَار مُتَفَاوِتَة فينزح إِلَى أَن يعجز وَهُوَ الصَّحِيح وَعَن مُحَمَّد رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَة مِائَتَان وَخَمْسُونَ دلواً وَفِي رِوَايَة ثَلَاث مائَة دلو وَكَذَا عَن أبي يُوسُف رِوَايَتَانِ وَعَن أبي حنيفَة أَنه يُفَوض إِلَى رَأْي المبتلي
قَوْله وَكَذَلِكَ أَي ينْزح المَاء كُله لِأَن النَّجَاسَة خلطت إِلَى كل المَاء
بَاب فِي النَّجَاسَة تصيب الثَّوْب أَو الْخُف أَو النَّعْل
قَوْله لم يُنجسهُ لِأَن ذَلِك لَيْسَ بِدَم حَقِيقَة وَلِهَذَا إِذا شمس أَبيض وَالدَّم إِذا شمس أسود
قَوْله حَتَّى يفحش هَذَا لعُمُوم الْبلوى وَحده عِنْد مُحَمَّد الرّبع من الشَّيْء

(1/79)


الدَّجَاج أَكثر من قدر الدِّرْهَم لم يجز الصَّلَاة فِيهِ وَكَذَلِكَ الْخُف والنعل وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يُجزئ فِي الروث وأخثاء القر حَتَّى يفحش ثوب أَصَابَهُ بَوْل فرس لم يُفْسِدهُ حَتَّى يفحش وَهُوَ قَول أَي يُوسُف وَبَوْل الْحمار إِذا أَصَابَهُ أَكثر من قدر الدِّرْهَم أفْسدهُ وَقَالَ مُحَمَّد بَوْل الْفرس لَا يُفْسِدهُ وَإِن فحش خف أَصَابَهُ رَوْث أَو عذرة أَو دم أَو مني فيبس فحكه أجزاه وَفِي الرطب لَا يجزى حَتَّى يغسل وَالثَّوْب لَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الَّذِي أَصَابَهُ نَحْو الدخريص والكم والذيل وَعند أبي يُوسُف شبر فِي شبر وَعنهُ ذِرَاع فِي ذِرَاع
قَوْله وَهُوَ قَول أبي يُوسُف لِأَن نَجَاسَته مُخْتَلف فِيهَا فأورث الشُّبْهَة وَقَالَ مُحَمَّد لَا يمْنَع وَإِن فحش لِأَنَّهُ طَاهِر عِنْده
قَوْله أفْسدهُ الْإِجْمَاع فَأَبُو حنيفَة سوى بَين روثه وبوله وهما فرقا بَين الْبَوْل والروث فِي وصف النَّجَاسَة للضَّرُورَة تثبت فِي روثه دون الْبَوْل فَإِن الروث يبْقى على وَجه الأَرْض دون الْبَوْل
قَوْله أجزاه فِي قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَقَالَ مُحَمَّد لَا يجوز حَتَّى يغسل إِلَّا فِي الْمَنِيّ خَاصَّة وَفِي الرطب لَا يُجزئ إِلَّا الْغسْل عِنْدهم جَمِيعًا فِي ظَاهر الرِّوَايَة وَعَن أبي يُوسُف أَنه إِذا مَسحه التُّرَاب على سَبِيل الْمُبَالغَة يطهر ومشايخنا اعتمدوا على هَذِه الرِّوَايَة اعْتِبَار الضَّرُورَة وَالْفَتْوَى عَلَيْهِ وَالثَّوْب لَا يُجزئ فِيهِ إِلَّا الْغسْل إِلَّا فِي الْمَنِيّ فمحمد قَاس الْخُف بِالثَّوْبِ فِي الْيَابِس حَتَّى

(1/80)


يجزى فِيهِ إِلَّا الْغسْل وَإِن يبس إِلَّا فِي الْمَنِيّ خَاصَّة وَقَالَ مُحَمَّد لَا يجزى فِي الْخُف أَيْضا وَإِن يبس حَتَّى يغسل إِلَّا المنى خف أَصَابَهُ بَوْل فيبس لم يجزه حَتَّى يغسلهُ ثوب أَصَابَهُ من خرء مَا لَا يُؤْكَل لَحْمه من الطير أَكثر من قدر الدِّرْهَم جَازَت الصَّلَاة فِيهِ وَقَالَ مُحَمَّد لَا يجزى ثوب أَصَابَهُ من بَوْل مَا يُؤْكَل لَحْمه أَجْزَأت الصَّلَاة فِيهِ حَتَّى يفحش وَقَالَ مُحَمَّد يجزى وَإِن فحش ثوب أَصَابَهُ من لعاب الْحمار أَو الْبَغْل أَكثر من قدر الدِّرْهَم أَجْزَأت الصَّلَاة فِيهِ ثوب انتضح عَلَيْهِ من الْبَوْل مثل رُؤُوس الامر فَذَلِك لَيْسَ بِشَيْء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَنه لَا يجوز عِنْده إِلَّا بِالْغسْلِ وهما فرقا وَقَالا إِن الْجلد شَيْء صلب فَالظَّاهِر أَنه لَا يتشرب فِيهِ النَّجَاسَة الا الْقَلِيل وَلَا كَذَلِك الثَّوَاب لِأَنَّهُ شَيْء رخو يتشرب فِيهِ النَّجَاسَة وَلَا كَذَلِك الرطب وَهَذَا كُله إِذا كَانَت النَّجَاسَة متجسدة فَأَما إِذا لم يكن كالبول وَالْخمر وَغير ذَلِك إِذا أصَاب الثَّوْب أَو الْخُف فَإِنَّهُ لَا يطهر إِلَّا بِالْغسْلِ وَإِن يبس لِأَنَّهُ لَا جاذب لَهُ فَلَا يكون معفواً
قَوْله جَازَت الصَّلَاة فِيهِ اخْتلفُوا على قَوْلهمَا أَن جَوَاز الصَّلَاة كَانَ بِطَهَارَتِهِ أَو لكَونه مُقَدرا بالكثير الْفَاحِش وَالصَّحِيح أَنه نجس عِنْدهم وَلَكنهُمْ قدروه بالكثير الْفَاحِش لَا لطهارته حَتَّى لَو وَقع فِي المَاء الْقَلِيل أفْسدهُ وَقد قيل إِنَّه لَا يُفْسِدهُ لتعذر صون الْأَوَانِي عَنهُ لِأَنَّهَا تطير فِي الْهَوَاء وتذرق من الهوا
قَوْله وَقَالَ مُحَمَّد لَا يجزى لِأَن عين هَؤُلَاءِ نجس فَيكون خرؤهن نجسا قَوْله أَجْزَأت الصَّلَاة فِيهِ لِأَنَّهُ مُشكل فَإِن كَانَ الْإِشْكَال فِي طهوريته كَانَ طَاهِرا وَإِن كَانَ الْإِشْكَال فِي طَهَارَته كَمَا قَالَ الْبَعْض فَلَا ينجس بِهِ الطَّاهِر بِالشَّكِّ
قَوْله فَذَلِك لَيْسَ بِشَيْء لِأَنَّهُ لَا يُمكن الِاحْتِرَاز عَنهُ فَيسْقط اعْتِبَاره

(1/81)


بَاب فِي صَلَاة الْمَرْأَة وَربع سَاقهَا مَكْشُوف
مُحَمَّد يقعوب عَن أبي حنيفَة فِي امْرَأَة صلت وَربع سَاقهَا مَكْشُوف تعيد وَإِن كَانَ أقل من الرّبع لم تعد وَالشعر والبطن والفخذ كَذَلِك وَهُوَ قَول مُحَمَّد وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا تعيد إِذا كَانَ أقل من النّصْف جنب أَخذ صرة من الدَّرَاهِم فِيهَا سُورَة من الْقُرْآن أَو الْمُصحف بغلافه فَلَا بَأْس وَلَا يَأْخُذهَا فِي غير صرة وَلَا الْمُصحف فِي غير غلاف قَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَالَّذِي على غير وضوء وَكَذَلِكَ وَيكرهُ اسْتِقْبَال الْقبْلَة بالفرج فِي الْخَلَاء وَالله أعلم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لمَكَان الضَّرُورَة وَمَا لَا يُمكن الِاحْتِرَاز عَنهُ يكون عفوا
بَاب فِي صَلَاة الْمَرْأَة وَربع سَاقهَا مَكْشُوف
قَوْله تعيد أصل هَذَا أَن قَلِيل الانكشاف لَيْسَ بمانع لجَوَاز الصَّلَاة وَالْكثير مَانع فهما قدر الْكثير بِالربعِ لِأَن الرّبع قَامَ مقَام الْكل فِي بعض الْمَوَاضِع وَأُرِيد بِالربعِ ربع الْعُضْو الَّذِي انْكَشَفَ لَا ربع جَمِيع الْبدن حَتَّى قَالَا فِي الثَّوْب ربع الذيل وَربع الدخريص وَأَبُو يُوسُف قدره بِالزِّيَادَةِ على النّصْف اعْتِبَارا بِالْحَقِيقَةِ لِأَنَّهُ إِذا زَاد على النّصْف فَهُوَ كثير
قَوْله والشعرأراد بِهِ مَا على الرَّأْس وَأما المسترسل هَل هُوَ عَورَة فِيهِ رِوَايَتَانِ
قَوْله وَلَا يَأْخُذهَا لِأَن الْجَنَابَة والْحَدِيث حلتا الْيَدَيْنِ وَلِهَذَا فرض غسلهمَا فِي الْحَالين وَالْجنب لَا يقْرَأ الْقُرْآن والمحدث يقرء لِأَن الْجَنَابَة حلت فِي الْفَم دون الحَدِيث
قَوْله وَيكرهُ لِأَن فِيهِ ترك تَعْظِيم الْكَعْبَة وَفِي الاستدبار رِوَايَتَانِ وَيكرهُ

(1/82)


بَاب الْأَذَان
مُحَمَّد عَن يَعْقُوب عَن أبي حنيفَة الْأَفْضَل للمؤذن أَن يَجْعَل إصبعيه فِي أُذُنَيْهِ وَإِن لم يفعل فَحسن وَيسْتَقْبل بِالشَّهَادَتَيْنِ الْقبْلَة ويحول رَأسه يَمِينا وَشمَالًا بِالصَّلَاةِ والفلاح وَإِن اسْتَدَارَ فِي الصومعة فَحسن (والتثويب فِي الْفجْر حَيّ على الصَّلَاة حَيّ على الْفَلاح مرَّتَيْنِ بَين الْأَذَان وَالْإِقَامَة حسن وَكره فِي سَائِر الصَّلَوَات وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا أرى بَأْسا أَن يَقُول الْمُؤَذّن السَّلَام عَلَيْك أَيهَا الْأَمِير وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته حَيّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مد الرجلَيْن إِلَى الْكَعْبَة فِي النّوم وَغَيره عمدا من غير عذر
قَوْله فِي الْخَلَاء سَوَاء كَانَ فِي الصَّحرَاء أَو الْبُنيان لأحاديث وَردت فِي ذَلِك أخرجت فِي الصِّحَاح كَحَدِيث لَا تستقبلوا الْقبْلَة ببول وَلَا غَائِط وَلَا تستدبروها وَغير ذَلِك وَهُوَ مَذْهَب جمع من الصَّحَابَة مِنْهُم أَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ كَمَا روى فِي سنَن أبي داؤد وَغَيره وَذهب الشَّافِعِي وَغَيره إِلَى أَنه يكره فِي الصَّحرَاء دون الْبُنيان وَهُوَ مَذْهَب ابْن عمر وَغَيره أخذا مِمَّا روى إِنَّه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام جلس لقَضَاء الْحَاجة مستدبر الْكَعْبَة والأحوط هُوَ الْمَذْهَب الأول لتقدم الْأَحَادِيث القولية
بَاب الْأَذَان
قَوْله وَإِن لم يفعل فَحسن أَي الْأَذَان حسن لَا ترك الْفِعْل لِأَن ذَلِك وَإِن لم يكن من السّنَن الْأَصْلِيَّة لكنه فعل أَمر بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِلَالًا فَلَا يَلِيق أَن يُوصف

(1/83)


على الصَّلَاة حَيّ على الْفَلاح على الصَّلَاة يَرْحَمك الله مُؤذن أذن على غير وضوء وَأقَام قَالَ لَا يُعِيد وَالْجنب إِلَى أَن يُعِيد وَإِن لم يعد أجزاه وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة تؤذن ويترسل فِي الْأَذَان ويحدر فِي الْإِقَامَة وَيجْلس بَين الْأَذَان وَالْإِقَامَة إِلَّا فِي الْمغرب قَالَ يَعْقُوب رَأَيْت أَبَا حنيفَة يُؤذن فِي الْمغرب وَيُقِيم وَلَا يجلس وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يجلس أَيْضا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تَركه بالْحسنِ كَذَا قَالَ صَاحب النِّهَايَة وَلغيره من شرَّاح الْهِدَايَة توجيهات أخر ذكرتها فِي رسالتي سماحة الْفِكر فِي الْجَهْر بِالذكر وأحسنها مَا قَالَ الْعَيْنِيّ إِن مَعْنَاهُ إِن لم يفعل وضع إصبعيه بل وضع أَصَابِعه على الْأُذُنَيْنِ فحس لِأَنَّهُ قد روى أَحْمد عَن أبي مَحْذُورَة أَنه جعل أَصَابِعه الْأَرْبَعَة مَضْمُومَة ووضعها على أُذُنَيْهِ
قَوْله بِالشَّهَادَتَيْنِ قيل المُرَاد بِهِ الْأَذَان وَالْإِقَامَة والأوضح أَن المُرَاد بِهِ كلمتا الشَّهَادَة فِي الْأَذَان وَالْغَرَض أَنه يسْتَقْبل من بَدْء الْأَذَان إِلَى الشَّهَادَتَيْنِ ويحول رَأسه فِي الحيعلتين لِأَنَّهُ خطاب للْقَوْم
قَوْله فِي الصومعة يُرِيد إِذا لم يسْتَطع إِقَامَة سنة الصَّلَاة والفلاح وَهُوَ تَحْويل الرَّأْس يَمِينا وَشمَالًا مَعَ ثبات قَدَمَيْهِ لاتساع صومعته أما بِغَيْر حَاجَة فَلَا
قَوْله والتثويب إِلَخ هَذَا هُوَ التثويب الْمُحدث وَإِنَّمَا اخْتصَّ بِالْفَجْرِ لاختصاصه بِوَقْت يسْتَحبّ فِيهِ النّوم فاستحب زِيَادَة الْإِعْلَام وَلم ير عَامَّة مَشَايِخنَا الْيَوْم بأسافي الصَّلَوَات كلهَا لتغير أَحْوَال النَّاس
قَوْله وَالْجنب أحب إِلَى إِلَخ جملَته أَن الْإِقَامَة يكره مَعَ الحدثين لما فِيهِ من الْفَصْل بَين الْإِقَامَة والشروع فِي الصَّلَاة وَالْأَذَان مَعَ الْجَنَابَة يكره رِوَايَة وَاحِدَة وَمَعَ الْحَدث فِيهِ رويتان وَلَا يجب إِعَادَة الْأَذَان وَالْإِقَامَة للْحَدَث وبسبب الْجَنَابَة رِوَايَتَانِ وَالْأَشْبَه أَن يُعَاد الْأَذَان دون الْإِقَامَة لِأَن تكْرَار الْأَذَان مَشْرُوع دون الْإِقَامَة

(1/84)


فِي الْمغرب جلْسَة خَفِيفَة رجل صلى فِي بَيته أَو صلى فِي سفر بِغَيْر أَذَان وَإِقَامَة كره وتجزيه رجل صلى فِي مَسْجِد قد صلى فِيهِ أَهله فبغير أَذَان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَإِقَامَة
قَوْله أجزاه يَعْنِي الصَّلَاة لِأَنَّهُ لَو تَركهَا أصلا لجازت الصَّلَاة فَهَذَا أولى
قَوْله وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة لِأَنَّهَا إِن لم ترفع صَوتهَا فَكَأَنَّهَا لم تؤذن وَإِن رفعت صَوتهَا فقد ارتكبت الْمَحْظُور
قَوْله إِلَّا فِي الْمغرب هَذَا عِنْد أبي حنيفَة وَقَالا يجلس فِي الْمغرب أَيْضا جلْسَة خَفِيفَة هما يَقُولَانِ إِنَّه لَا بُد من الْفَصْل والجلسة هِيَ الَّتِي تحقق الْفَصْل كالجلسة بَين الْخطْبَتَيْنِ وَأَبُو حنيفَة يَقُول بِقِيَام سَاعَة يحصل الْفَصْل فَلَا حَاجَة إِلَى الجلسة عِنْد الشَّافِعِي يفصل بِرَكْعَتَيْنِ
قَوْله رَأَيْت إِلَخ هَذَا يُفِيد مَا روى عَنهُ من عدم جُلُوسه فِي أَذَان الْمغرب وَأَن الْمُسْتَحبّ أَن يكون الْمُؤَذّن عَالما بِأَحْكَام الشَّرْع لما رَوَاهُ ابْن ماجة مَرْفُوعا ليؤذن لكم خياركم
قَوْله فِي بَيته أَرَادَ بِالْبَيْتِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ مَسْجِد لِأَنَّهُ كالمفازة أما إِن كَانَ لَهُ مَسْجِد حَيّ فَالْأَفْضَل أَن يكون بِأَذَان وَإِقَامَة وَإِن تَركهمَا لَا يكره لِأَن أَذَان الْحَيّ وَالْإِقَامَة يكفيهم
قَوْله فبغير أَذَان وَإِقَامَة ظَاهِرَة أَنه أَعم مَا إِذا صلى وَحده أَو صلى بِجَمَاعَة وَأَصله مَا رَوَاهُ أَبُو داؤد وَغَيره عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أبْصر رجلا يُصَلِّي وَحده فَقَالَ أَلا رجل يتَصَدَّق على هَذَا فَيصَلي مَعَه وَفِي رِوَايَة فَقَامَ الرجل فصلى مَعَه وَقَالَ الشُّرَّاح الَّذِي كَانَ يُصَلِّي وَحده كَانَ

(1/85)


بَاب فِي الإِمَام أَيْن يسْتَحبّ لَهُ أَن يقوم وَمَا يكره لَهُ أَن يُصَلِّي إِلَيْهِ
مُحَمَّد عَن يَعْقُوب عَن أبي حنيفَة لَا بَأْس أَن يكون مقَام الإِمَام فِي الْمَسْجِد وَسُجُوده فِي الطاق وَيكرهُ أَن يقوم فِي الطاق وَلَا بَأْس أَن يُصَلِّي إِلَى ظهر رجل قَاعد يتحدث وَأَن يُصَلِّي وَبَين يَدَيْهِ مصحف مُعَلّق أَو سيف أَو يُصَلِّي على بِسَاط فِيهِ تصاوير وَلَا يسْجد على التصاوير وَأَن يكون سُجُوده دون وسَادَة فِيهَا تصاوير وَيكرهُ أَن يكون فَوق رَأسه فى السّقف أَو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عَليّ بن أبي طَالب وَالَّذِي صلى مَعَه أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ وَلم يرو أَنه أذن أَو أَقَامَ وَوَجهه ظَاهر إِذْ لما اكْتفى للْمُصَلِّي فِي بَيته بِأَذَان مَسْجِد الْحَيّ يَكْتَفِي بِهِ فِي الْمَسْجِد بِالطَّرِيقِ الأولى وَبِه قَالَ بعض مَشَايِخنَا إِنَّه لَا يُؤذن لَكِن يُقيم وَقَالَ بَعضهم يُؤذن وَيُقِيم لما روى عَن أنس أَنه دخل مَسْجِد بني رِفَاعَة قد صلى فِيهِ فَأذن وَأقَام وَصلى جمَاعَة ذكره البُخَارِيّ فِي صَحِيحه تَعْلِيقا وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو يعلى وَغَيرهمَا
بَاب فِي الإِمَام أَيْن يسْتَحبّ لَهُ أَن يقوم وَمَا يكره لَهُ أَن يُصَلِّي إِلَيْهِ
وَيكرهُ لِأَنَّهُ يشبه اخْتِلَاف المكانين أَلا ترى أَن الإِمَام إِذا كَانَ فِي الدّكان مُنْفَردا يكره
قَوْله وَلَا بَأْس إِلَخ وَمن النَّاس من كره ذَلِك لما روى أَن رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم نهى أَن يُصَلِّي الرجل وَعِنْدهم قوم يتحدثون أَو نائمون وتأويله عندنَا أَنهم إِذا رفعوا صوتهم على وَجه يخَاف مِنْهُ وُقُوع الْغَلَط
قَوْله وَيكرهُ أَن يكون فَوق رَأسه إِلَخ هَذَا إِذا كَانَت الصُّورَة كَبِيرَة يَبْدُو للنَّاظِر وَأما إِذا كَانَت لَا تبدو من بعيد لَا يكره
قَوْله فِي الثَّوْب لِأَنَّهُ إعزاز بهَا وَفِي الْبسَاط استهانة بهَا
قَوْله مَقْطُوعًا لِأَنَّهُ لَا يعبد بِدُونِ الرَّأْس وَقطع الرَّأْس أَن يمحي رَأسه بخيط يخاط عَلَيْهِ حَتَّى لَا يبْقى للرأس أثر أصلا أما إِذا خيط مَا بَين الرَّأْس

(1/86)


بَين يَدَيْهِ أَو بحذائه تصاوير أَو صُورَة معلقَة وَلَا تفْسد صلَاته فِي الْفُصُول كلهَا وَيكرهُ التصاوير فِي الثَّوْب وَلَا تكره فِي الْبسَاط وَإِذا كَانَ رَأس الصُّورَة مَقْطُوعًا فَلَيْسَ بتمثال وَإِن مرت امْرَأَة بَين يَدَيْهِ لم يقطع الصَّلَاة ويدرؤها
بَاب فِي تَكْبِير الرُّكُوع وَالسُّجُود
مُحَمَّد عَن يَعْقُوب عَن أبي حنيفَة يُصَلِّي وَيكبر مَعَ الانحطاط وَيَقُول سمع الله لمن حَمده مَعَ الرّفْع ويحذف التَّكْبِير حذفا وَيَقُول الإِمَام سمع الله لمن حَمده وَيَقُول من خَلفه رَبنَا لَك الْحَمد وَلَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والجسد فَلَا يعْتَبر ذَلِك لِأَن من الطُّيُور مَا هُوَ مطوق كالصلصل وَنَحْوه
قَوْله لم يقطع الصَّلَاة لحَدِيث أبي سعيد مَرْفُوعا لَا يقطع الصَّلَاة شَيْء
قَوْله ويدرؤها فِي بعض النّسخ بعد هَذَا وَيَنْبَغِي أَن يسْتَتر بحائط أَو سَارِيَة أَو شَجَرَة أَو عود أَو عنزة وَيقرب من الستْرَة وَيجْعَل الستْرَة على حَاجِبه الْأَيْمن أَو على الْأَيْسَر ويدرء الْمَار إِذا مر بَين يَدَيْهِ وَلم يكن لَهُ ستْرَة أَو مر بَينه وَبَين الستْرَة وَعَلِيهِ شرح الصَّدْر الشَّهِيد
بَاب فِي تَكْبِير الرُّكُوع وَالسُّجُود
قَوْله وَيكبر للأنه (عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام) كَانَ يكبر مَعَ كل خفض وَرفع
قَوْله ويحذف التَّكْبِير لِأَن الْمَدّ فِي أَوله خطاء لكَونه استفهاماً وَهُوَ يَقْتَضِي أَن لَا يثبت عِنْده كبرياء الله وَفِي آخِره لحن من حَيْثُ اللُّغَة لِأَن أفعل التَّفْضِيل لَا يحْتَمل الْمَدّ فِي اللُّغَة
قَوْله وَلَا يَقُولهَا هُوَ لقَوْله (عَلَيْهِ السَّلَام) إِذا قَالَ الإِمَام وَلَا الضَّالّين

(1/87)


يَقُولهَا هُوَ وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يَقُولهَا هُوَ وَقَالَ أَبُو يُوسُف سَأَلت أَبَا حنيفَة عَن الرجل يرفع رَأسه من الرُّكُوع فِي الْفَرِيضَة أيقول اللَّهُمَّ اغْفِر لي قَالَ يَقُول رَبنَا لَك الْحَمد ويسكت وَكَذَلِكَ بَين السَّجْدَتَيْنِ يسكت رجل ركع قبل الإِمَام أَو سجد فأدركه الإِمَام بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُود أجزاه رجل انْتهى إِلَى الإِمَام وَهُوَ رَاكِع فَكبر ووقف حَتَّى رفع رَأسه وَأمكنهُ الرُّكُوع لم يعْتد بهَا رجل أحدث فِي رُكُوعه أَو سُجُوده تَوَضَّأ وَبنى وَلَا يعْتد بالركعة الَّتِي أحدث فِيهَا رجل ذكر وَهُوَ رَاكِع أَو ساجد أَن عَلَيْهِ سَجْدَة فَانْحَطَّ من رُكُوعه فسجدها أَو رفع من سُجُوده فسجدها فَإِنَّهُ يُعِيد الرَّكْعَة والسجدة فَإِن لم يعد أجزاه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَقولُوا آمين وَإِذا قَالَ سمع الله لمن حَمده قُولُوا رَبنَا لَك الْحَمد قسم بَينهمَا وَالْقِسْمَة تنَافِي الشّركَة وَأما الْمُنْفَرد ذكر فِي صَلَاة المبسوطأنه يجمع بَين التسميع والتحميد عِنْد أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَسكت عَن ذكر أبي حنيفَة
قَوْله يَقُولهَا هُوَ هَذَا هُوَ الْمُعْتَمد وَبِه وَردت الْأَحَادِيث وَاخْتلفُوا فِي لفظ التَّحْمِيد فَمنهمْ من ذكر رَبنَا لَك الْحَمد وَمِنْهُم من قَالَ رَبنَا وَلَك الْحَمد وَمِنْهُم من قَالَ اللَّهُمَّ رَبنَا لَك الْحَمد وَمِنْهُم من قَالَ اللَّهُمَّ رَبنَا وَلَك الْحَمد وَبِكُل ذَلِك وَردت الْأَخْبَار النَّبَوِيَّة وأولاها الْأَخير كَمَا بسطناها فِي السّعَايَة وَاخْتلفُوا فِي الدُّعَاء وَالذكر فِي القومة وَبَين السَّجْدَتَيْنِ وَالْأَحَادِيث متظاهرة على جَوَاز ذَلِك كَمَا بسطناها فِيهَا
قَوْله وَكَذَلِكَ بَين السَّجْدَتَيْنِ إِلَخ هَذَا مُخَالف لما جَاءَ فِي الْأَخْبَار الصِّحَاح من زِيَادَة الْأَدْعِيَة فِي القومة وَبَين السَّجْدَتَيْنِ من ذَلِك مَا روى أَبُو داؤد وَغَيره عَن ابْن عَبَّاس كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول بَين السَّجْدَتَيْنِ اللَّهُمَّ اغْفِر لي وارحمني وارزقني وروى البُخَارِيّ وَغَيره عَن رِفَاعَة كُنَّا نصلي وَرَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا رفع رَأسه من الرَّكْعَة قَالَ الرجل رَبنَا وَلَك الْحَمد حمداً كثيرا طيبا مُبَارَكًا فِيهِ فَلَمَّا انْصَرف قَالَ من الْمُتَكَلّم بِهَذَا قَالَ رجل أَنا قَالَ رَأَيْت بضعَة وَثَلَاثِينَ ملكا يبتدرونها وَالْأَخْبَار فِي أَمْثَال ذَلِك كَثِيرَة وَحمل أَصْحَابنَا الزِّيَادَات المروية على النَّوَافِل وَهُوَ وَإِن كَانَ مُسْتَقِيمًا فِي بعض الْأَخْبَار أشكل فِي بَعْضهَا

(1/88)


بَاب الرجل يدْرك الْفَرِيضَة فِي جمَاعَة وَقد صلى بعض صلَاته
مُحَمَّد عَن يَعْقُوب عَن أبي حنيفَة فِي رجل صلى من الظّهْر رَكْعَة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كَحَدِيث رِفَاعَة وَحمل كثير مِنْهُم كعلي الْقَارِي وَغَيره على أَنَّهَا كَانَت فِي بعض الأحيان وعَلى هَذَا لَا بَأْس بِالزِّيَادَةِ أَحْيَانًا اتبَاعا للأحاديث وَذكر كثير مِنْهُم فِي وَجه الْمَنْع أَنه يُؤَدِّي إِلَى تنفير الْمُؤمنِينَ فيفهم مِنْهُ أَنه لَو لم يكن ذَلِك فَلَا بَأْس بِهِ وَقد صرح بِهِ ابْن أَمِير حَاج فِي شرح منية الْمُصَلِّي وَقد حققنا الْمقَام بِمَا لَا مزِيد عَلَيْهِ فِي السّعَايَة فَعَلَيْك بِهِ
قَوْله أجزاه قَالَ زفر لَا يَصح لِأَن مَا أَتَى بِهِ وَقع فَاسِدا وَهَذَا بِنَاء عَلَيْهِ فَلَا يَصح لِأَنَّهُ بِنَاء على الْفَاسِد وَلنَا أَن الْمُشَاركَة فِي جُزْء كَاف كَذَا قَالَ الصَّدْر الشَّهِيد وَأَصله مَا روى فِي الصِّحَاح أَن بعض أَصْحَابه (صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَسلم) كَانُوا يَرْكَعُونَ ويسجدون قبل رُكُوعه وَسُجُوده فزجرهم النَّبِي (عَلَيْهِ السَّلَام) ومنعهم وَلم يرَوا أَنه أَمرهم بِإِعَادَة صلَاتهم فَعلم أَن التَّقْدِيم لَيْسَ بمفسد نعم هُوَ مَكْرُوه أَشد الْكَرَاهَة
قَوْله لم يعْتد بهَا أَي لَا يصير مدْركا لتِلْك الرَّكْعَة عندنَا خلافًا لزفَر لِأَنَّهُ أدْركهُ فِي مَاله حكم الْقيام وَلنَا أَن الِاقْتِدَاء شركَة وَبِنَاء وَالْقِيَام لَيْسَ من جنس الرُّكُوع حَقِيقَة فَلَا يتَحَقَّق الشّركَة
قَوْله وَلَا يعْتد إِلَخ أَي يُعِيد مَا أحدث فِيهِ وَلَو لم يعد لم يجزه لِأَن الِانْتِقَال من الرُّكْن إِلَى الرُّكْن مَعَ الطَّهَارَة شَرط وَلم يُوجد
قَوْله فَإِنَّهُ يعيدإلخ ليَقَع أَفعَال الصَّلَاة مرتبَة وَإِن لم يعد أجزاه لِأَن التَّرْتِيب فِي أَفعَال الصَّلَاة لَيْسَ بِفَرْض عندنَا فِي مَا شرع مكرراً خلافًا لزفَر
بَاب الرجل يدْرك الْفَرِيضَة فِي جمَاعَة وَقد صلى بعض صَلَاة
قَوْله رَكْعَة وَإِن لم يُقيد الأولى بِالسَّجْدَةِ وَيقطع يشرع مَعَ الإِمَام وَهُوَ الصَّحِيح وَإِلَيْهِ مَال فَخر الْإِسْلَام
قَوْله ثمَّ يدْخل مَعَ الْقَوْم إحرازاً لفضيلة الْجَمَاعَة لِأَن الصَّلَاة بِالْجَمَاعَة

(1/89)


ثمَّ أُقِيمَت الصَّلَاة فَإِنَّهُ يُصَلِّي أُخْرَى ثمَّ يدْخل مَعَ الْقَوْم وَالَّتِي صلى وَحده نَافِلَة وَإِن كَانَ قد صلى ثَلَاثًا من الظّهْر أتمهَا أَرْبعا وَدخل مَعَ الْقَوْم فِي الصَّلَاة مُتَطَوعا وَإِن صلى من الْفجْر رَكْعَة ثمَّ أُقِيمَت قطع الصَّلَاة وَدخل مَعَهم رجل دخل مَسْجِدا قد أذن فِيهِ كره لَهُ أَن يخرج حَتَّى يُصَلِّي فَإِن كَانَ قد صلى وَكَانَت الظّهْر أَو الْعشَاء فَلَا يأس بِأَن يخرج مَا لم يَأْخُذ فِي الْإِقَامَة فَإِن أَخذ فِيهَا لم يخرج حَتَّى يُصليهَا تَطَوّعا وَإِن كَانَت الْعَصْر أَو الْمغرب أَو الْفجْر خرج وَلم يصل رجل انْتهى إِلَى الإِمَام فِي الْفجْر وَلم يصل ركتي الْفجْر فخشى أَن يفوتهُ رَكْعَة وَيدْرك الْأُخْرَى فَإِن يُصَلِّي رَكْعَتي الْفجْر عِنْد بَاب الْمَسْجِد فَإِن خشِي فوتهما دخل مَعَ الإِمَام وَلم يصل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أفضل بِخمْس وَعشْرين دَرَجَة وَصَلَاة الْمُنْفَرد وَاحِدَة فَإِن كَانَ قَائِما أَو رَاكِعا يقطعهَا مَا لم يقيدها بِالسَّجْدَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حكم فعل الصَّلَاة وَلذَلِك لَو حلف أَن لَا يُصَلِّي لَا يَحْنَث بِهَذَا الْقدر بِخِلَاف النَّفْل فَإِنَّهُ إِذا شرع فِيهِ وَهُوَ قَائِم فِي الرَّكْعَة الأولى فَإِنَّهُ لَا يقطعهَا لِأَن ذَلِك القطيع لَيْسَ للتكميل
قَوْله أتمهَا أَرْبعا 0 لِأَنَّهُ ثَبت شُبْهَة الْفَرَاغ وَبعد حَقِيقَة الْفَرَاغ لَا يحْتَمل النَّقْض فَكَذَلِك بعد الشُّبْهَة وَهُوَ الْجَواب فِي الْعَصْر وَالْعشَاء إِلَّا فِي الشُّرُوع مَعَ صَلَاة الإِمَام فِي صَلَاة الْعَصْر لِأَن التَّنَفُّل بعد الْعَصْر مَكْرُوه قَوْله قطع الصَّلَاة لِأَنَّهُ إِن أضَاف رَكْعَة أُخْرَى يثبت حَقِيقَة الْفَرَاغ فَتعذر إِحْرَاز فضل الْجَمَاعَة
قَوْله خرج وَلم يصل لكراهية التَّطَوُّع فيهمَا وَكَذَا الْمغرب أما فِي الْفجْر وَالْعصر فَظَاهر وَأما الْمغرب فالتنفل بعْدهَا مَشْرُوع لَكِن شفعاً لَا وترا فَإِن دخل فِيهَا يَنْبَغِي أَن يضيف رَكْعَة أُخْرَى لِأَنَّهُ يُوَافق السّنة وَإِن كَانَ مُخَالفا للْجَمَاعَة
قَوْله عِنْد بَاب المسجدأما أَنه يُصَلِّي فِي الْمَسْجِد وَإِن قَامَت الْجَمَاعَة

(1/90)


رَكْعَتي الْفجْر وَلم يقضهما وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَقَالَ مُحَمَّد أحب إِلَى أَن يقضيهما إِذا ارْتَفَعت الشَّمْس رجل أدْرك من الظّهْر رَكْعَة وَلم يدْرك الثَّلَاث فَإِنَّهُ لم يصل الظّهْر فِي جمَاعَة وَقَالَ مُحَمَّد قد أدْرك فضل الْجَمَاعَة رجل أَتَى مَسْجِدا قد صلى فِيهِ فَلَا بَأْس أَن يتَطَوَّع قبل الْمَكْتُوبَة مَا بَدَأَ لَهُ مَا دَامَ فِي الْوَقْت وَالله أعلم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَلِأَن سنة الْفجْر آكدها قَالَ النَّبِي (عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام) صلوهما وَإِن طردتكم الْحِيَل وَأما عِنْد بَاب الْمَسْجِد فَإِن الِاشْتِغَال بالنفل عِنْد اشْتِغَال الإِمَام مَكْرُوه
قَوْله وَلم يقضهما لَا قبل طُلُوع الشَّمْس لِأَن حَقِيقَة السّنة قد فَاتَت بذهاب وَقتهَا فَأشبه مُطلق التَّنَفُّل وَذَلِكَ مَكْرُوه بعد الصُّبْح وَكَذَلِكَ لَا يقضيهما بعد ارْتِفَاع الشَّمْس وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَقَالَ مُحَمَّد أحب إِلَى أَن يقضيهما بعد الطُّلُوع لحَدِيث لَيْلَة التَّعْرِيس وهما يَقُولَانِ إِن السّنة جَاءَت بِالْقضَاءِ تبعا لَا غير
قَوْله فَإِنَّهُ لم يصل فِي جمَاعَة أصل المسئلة فِي الْجَامِع الْكَبِير وَهُوَ أَن الرجل إِذا قَالَ عَبده حر إِن صلى الظّهْر بِجَمَاعَة مَعَ الإِمَام فَسبق بِبَعْضِهَا لم يَحْنَث لِأَنَّهُ لم يصل الظّهْر مَعَ الإِمَام فَإِنَّهُ مُنْفَرد بِبَعْضِهَا فَلَو قَالَ عَبده حر إِن أدْرك الظّهْر مَعَ الإِمَام فَسبق بِبَعْضِهَا حنث وَإِن أدْرك فِي الْقعُود لِأَن إِدْرَاك الشَّيْء بِإِدْرَاك آخِره وَمن الْمُتَأَخِّرين من قَالَ لَا يصير مدْركا لفضل أَدَاء الصَّلَاة بِجَمَاعَة لَكِن يصير مدْركا فَضِيلَة إِدْرَاك الْجَمَاعَة وَهَذَا بَاطِل بِصَلَاة الْخَوْف فَإِنَّهُ لم تقسم إِلَّا لينال كل وَاحِد من الطَّائِفَتَيْنِ ثَوَاب الْجَمَاعَة
قَوْله فَلَا بَأْس قَالَ بعض مَشَايِخنَا أَرَادَ بِهِ أَن يتَطَوَّع قبل الْعَصْر وَالْعشَاء دون الْفجْر وَالظّهْر لِأَن سنة الْفجْر وَاجِبَة وَفِي ترك سنة الظّهْر جَاءَ وَعِيد من الشَّرْع وَبَعْضهمْ قَالُوا أَرَادوا بهل الْكل وَالْإِنْسَان مَتى صلى الْمَكْتُوبَة وَحده من

(1/91)


بَاب مَا يفْسد الصَّلَاة وَمَا لايفسده
مُحَمَّد عَن يَعْقُوب عَن أبي حنيفَة فِي رجل أَن فِي الصَّلَاة أَو تأوه أَو بَكَى فارتفع بكاؤه قَالَ إِن كَانَ من ذكر الْجنَّة أَو النَّار لم يقطعهَا وَإِن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
غير جمَاعَة لَا بَأْس بِأَن يتركهما لِأَن النَّبِي (عَلَيْهِ وَالسَّلَام) لم يأنهما إِلَّا عِنْد أَدَاء الْمَكْتُوبَة بِالْجَمَاعَة وَالْأول أصح وَالْأَخْذ بِهِ أحوط
بَاب مَا يفْسد الصَّلَاة وَمَا لَا يُفْسِدهُ
قَوْله أَن صَوت الأنين صَوت المتوجع والمتحزن وَهُوَ مَاض مشدد النُّون من الأنين وتأوه فعل مَاض من التأوه وَهُوَ أَن يَقُول أوه والأنين أَن يَقُول آه
قَوْله لم يقطعهَا لِأَنَّهُ يدل على زِيَادَة الْخُشُوع لِأَن فِي الْبكاء من ذكر الْجنَّة وَالنَّار زِيَادَة الرَّغْبَة والرهبة وَفِيه تَعْرِيض سُؤال الْجنَّة والتعوذ من النَّار وَلَو صرح بِهِ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أسئلك الْجنَّة وَأَعُوذ بك من النَّار لم يضرّهُ فَكَذَا هَهُنَا
قَوْله فَقَالَ لَهُ رجل إِلَخ لحَدِيث مُعَاوِيَة بن الحكم السّلمِيّ قَالَ إِنَّه شمت الْعَاطِس خلف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرَمَانِي الْقَوْم بِأَبْصَارِهِمْ فَقلت ثكلت أُمَّاهُ مَا لَهُم ينظرُونَ إِلَيّ شرزا فَجعلُوا أَيّدهُم على أَفْوَاههم فَعلمت أَنهم يسكتوني فَلَمَّا فرغ من صلَاته قَالَ وَالله مَا رَأَيْت معلما أحسن تَعْلِيما مِنْهُ وَالله مَا ضَرَبَنِي وَلَا كرهني وَلَا شَتَمَنِي وَلَكِن دَعَاني وَأمر بِالْإِعَادَةِ وَقَالَ إِن صَلَاتنَا هَذِه لَا يصلح فِيهَا شَيْء من كَلَام النَّاس وَإِنَّمَا هِيَ التسبح والتحميد وقرأة الْقُرْآن
قَوْله أَو استفتح يُرِيد أَن المستفتح لَيْسَ فِي الصَّلَاة والفاتح فِي الصَّلَاة فَسدتْ صلَاته لِأَنَّهُ جَوَاب لَهُ فَكَانَ كلَاما وَذكر فِي كتاب الصَّلَاة وَشرط لفساد الصَّلَاة الْفَتْح مكرراً وَلم يشْتَرط هَهُنَا
قَوْله أَو أجَاب إِلَخ هُوَ قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا تفْسد صلَاته وَهَذَا إِذا أَرَادَ جَوَابه فَإِن أَرَادَ إِعْلَامه أَنه فِي الصَّلَاة لم تفْسد صلَاته

(1/92)


كَانَ من وجع أَو مُصِيبَة قطعهَا رجل تنحنح فِي الصَّلَاة لعذر بِهِ فَحصل مِنْهُ حُرُوف فَهُوَ عَفْو وَإِن كَانَ لغيره عذر يَنْبَغِي أَن تفْسد الصَّلَاة عِنْدهمَا رجل عطس فَقَالَ لَهُ رجل فِي الصَّلَاة يَرْحَمك الله أَو استفتح فَفتح عَلَيْهِ فِي صلَاته أَو أجَاب رجلا فِي الصَّلَاة بلآ إِلَه إِلَّا الله فَهَذَا كَلَام وَإِن فتح على الإِمَام لم يكن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بِلَا خلاف أَبُو يُوسُف يَقُول إِن هَذَا ثَنَاء فَلَا يتَغَيَّر بالعزيمة وهما يَقُولَانِ إِن هَذَا خرج مخرج الْجَواب فِي مَحَله وَهُوَ يحْتَمل أَن يكون جَوَابا فَصَارَ كلَاما
قَوْله لم يكن كلَاما أَي مُفْسِدا للصَّلَاة لقَوْله (عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام) إِذا استطعمك الإِمَام فأطعموه وَلَكِن هَذَا إِذا كَانَ فِيهِ إصْلَاح صَلَاة
قَوْله وَلم يشبه الحَدِيث فسره بِالْأَصْلِ بِأَنَّهُ إِذا دَعَاهُ مَا يَسْتَحِيل سُؤَاله من الْعباد كالمغفرة وَنَحْوهَا فَإِنَّهُ لَا يفْسد وَلَو سَأَلَ شَيْئا مِمَّا لَا يَسْتَحِيل سُؤَاله من الْعباد مثل قَوْله اللَّهُمَّ زَوجنِي فُلَانَة فَسدتْ
قَوْله وَكَذَلِكَ إِن صلى أَي الْخَطِيب إِلَّا إِذا قَرَأَ آيَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا صلوا عَلَيْهِ وسلموا تَسْلِيمًا} فَيصَلي السَّامع فِي نَفسه وَهَذَا إِذا كَانَ قَرِيبا من الإِمَام وَإِن كَانَ بَعيدا اخْتلف الْمَشَايِخ فِيهِ والأحوط السُّكُوت
قَوْله يتبعهُ لِأَنَّهُ مُجْتَهد فِيهِ وَطَاعَة الإِمَام وَاجِب فِي الْمُجْتَهد فَلهُ أَن يُتَابِعه لِأَنَّهُ تبعه وهما قَالَا إِنَّه مَنْسُوخ فَلَا يجب على الْمُقْتَدِي اتِّبَاعه وَإِذا لم يُتَابِعه قيل إِنَّه يقف قَائِما فيتابعه من هَذَا الْوَجْه لِأَن الْمُتَابَعَة فِي الأَصْل وَاجِبَة عَلَيْهِ وَقيل يقْعد تَحْقِيقا للمخالفة ودلت المسئلة على أَن الْمُقْتَدِي فِي الْوتر من كلَاما

(1/93)


وَهُوَ قَول مُحَمَّد وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِذا أجَاب بلآ إِلَه إِلَّا الله لم يكن كلَاما وليدع فِي الصَّلَاة بِكُل شَيْء فِي الْقُرْآن وَمَا أشبه الدعا وَلم يشبه الحَدِيث إِمَام قَرَأَ آيَة التَّرْغِيب أَو التَّرْهِيب قَالَ يستمع من خَلفه ويسكت وَكَذَلِكَ الْخطْبَة وَكَذَلِكَ إِن صلى على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجل صلى الْفجْر خلف إِمَام يقنت قَالَ يسكت وَهُوَ قَول مُحَمَّد وَقَالَ أَبُو يُوسُف يتبعهُ
بَاب فِي تَكْبِيرَة الِافْتِتَاح
مُحَمَّد عَن يَعْقُوب عَن أبي حنيفَة فِي رجل افْتتح الصَّلَاة بِالْفَارِسِيَّةِ أَو قَرَأَ فِيهَا بِالْفَارِسِيَّةِ أَو ذبح وسمى بِالْفَارِسِيَّةِ وَهُوَ يحسن الْعَرَبيَّة أجزاه وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا يجْزِيه وَإِن لم يحسن الْعَرَبيَّة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
رَمَضَان يَدْعُو كَمَا يَدْعُو الإِمَام وَلَا يسكت كَمَا هُوَ قَول بَعضهم لِأَن الِاخْتِلَاف فِي الْمُتَابَعَة هَهُنَا وَهُوَ مَنْسُوخ يكون إِجْمَاعًا ثمَّة بِالطَّرِيقِ الأولى
بَاب فِي تَكْبِيرَة الِافْتِتَاح
قَوْله لَا يجْزِيه هَذَا تنصيص على أَن من قرء الْقُرْآن بِالْفَارِسِيَّةِ لَا تفْسد صلَاته إتفاقاً وَإِنَّمَا الشَّأْن فِي جَوَاز الصَّلَاة مَعهَا هما يَقُولَانِ إِنَّه مَأْمُور بالنظم وَالْمعْنَى جَمِيعًا فَإِذا ترك النّظم يجب أَن لَا يجْزِيه وَأَبُو حنيفَة يَقُول بِأَنَّهُ مَأْمُور بهما لَكِن النّظم غير لَازم فِي حق جَوَاز الصَّلَاة وَذكر أَبُو بكر الرَّازِيّ عَن أبي حنيفَة أَنه رَجَعَ إِلَى قَوْلهمَا وَعَلِيهِ الِاعْتِمَاد
قَوْله إِن كَانَ يحسن التَّكْبِير زَاد فِي كتاب الصَّلَاة وَهُوَ يعلم أالصَّلَاة يفْتَتح بِالتَّكْبِيرِ وَالصَّحِيح مَا ذكره هَهُنَا لِأَن الْجَهْل لَيْسَ بِعُذْر فِي دَار الْإِسْلَام
قَوْله فقد نقض الظّهْر لِأَنَّهُ نوى لَا تَحْصِيل مَا لَيْسَ بحاصل فَصحت النِّيَّة

(1/94)


أجزاه رجل افْتتح الصَّلَاة بلآ إِلَه إِلَّا الله أَو بِغَيْرِهِ من أَسمَاء الله (تَعَالَى) أجزاه وَإِن افْتتح باللهم اغْفِر لي لم يجزه وَهُوَ قَول مُحَمَّد وَقَالَ أَبُو يُوسُف (رَحمَه الله) إِن كَانَ يحسن التَّكْبِير لم يجزه إِلَّا الله أكبر وَالله الْكَبِير رجل افْتتح الظّهْر وَصلى رَكْعَة ثمَّ افْتتح الْعَصْر أَو التَّطَوُّع فقد نقض الظّهْر وَإِن افْتتح الظّهْر بَعْدَمَا صلى مِنْهَا رَكْعَة فَهِيَ هِيَ ويجتزأ بِتِلْكَ الرَّكْعَة
بَاب فِي الْقِرَاءَة فِي الصَّلَاة
مُحَمَّد عَن يَعْقُوب عَن أبي حنيفَة (رَضِي الله عَنْهُم) قَالَ فِي الْقِرَاءَة فِي الصَّلَاة فِي السّفر سَوَاء تقْرَأ بِفَاتِحَة الْكتاب وَأي سُورَة شِئْت وَيقْرَأ فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَدخل فِيهِ فَبَطل الأول ضَرُورَة فَصَارَ كمن بَاعَ شئا بِأَلف ثمَّ بِأَلفَيْنِ ينتفض الأول وَينْعَقد الثَّانِي
قَوْله ويجتزأ لِأَن النِّيَّة الثَّانِيَة قد لغت فَبَقيَ فِيهَا كَمَا لم ينْو أصلا وَلم يبْق إِلَّا مُجَرّد التَّكْبِير وَذَلِكَ لَا يُوجب قطع الصَّلَاة
بَاب فِي الْقِرَاءَة فِي الصَّلَاة
قَوْله وَأي سُورَة شِئْت اسْتدلَّ على سنية التَّخْيِير بالمنقول والمعقول أما الْمَنْقُول فَمَا روى سُوَيْد قَالَ وَخَرجْنَا حجاجاً مَعَ عمر فصلى بِنَا الْفجْر بألم تَرَ كَيفَ ولإيلاف وَعَن ابْن مَيْمُون قَالَ صلى بِنَا عمر فِي السّفر الْفجْر فَقَرَأَ قل يآيها الْكَافِرُونَ وَقل هُوَ الله أحد وَعَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم قَالَ كَانَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقرؤن فِي السّفر بالسور الْقصار وَعَن أبي وَائِل قَالَ صلى بِنَا ابْن مَسْعُود فِي السّفر فِي الْفجْر بآخر بني إِسْرَائِيل روى ذَلِك كُله ابْن أبي شيبَة كَذَا فِي (البناية) وَالْمَشْهُور فِي الِاسْتِدْلَال مَا روى أَبُو داؤد فِي سنَنه عَن عقبَة بن عَامر قَالَ كنت أَقُود برَسُول الله نَاقَته فِي السّفر فَقَالَ لي يَا عقبَة أَلا أعلمك خير سورتين قرئنا فعلمني قل أعوذ بِرَبّ الفلق وَقل أعوذ بِرَبّ النَّاس فَلَمَّا نزل لصَلَاة

(1/95)


الْحَضَر فِي الْفجْر فِي الرَّكْعَتَيْنِ بِأَرْبَعِينَ أَو خمسين آيَة سوى فَاتِحَة الْكتاب وَكَذَلِكَ فِي الظّهْر وَالْعصر وَالْعشَاء سَوَاء وَفِي الْمغرب دون ذَلِك وَيطول الرَّكْعَة الأولى من الْفجْر على الثَّانِيَة وركعتا الظّهْر سَوَاء وَقَالَ مُحَمَّد (رَحمَه الله) أحب إِلَيّ أَن يطول الرَّكْعَة الأولى على الثَّانِيَة فِي الصَّلَوَات كلهَا رجل قَرَأَ فِي الْعشَاء فِي الْأَوليين سُورَة وَلم يقْرَأ بِفَاتِحَة الْكتاب لم يعد فِي الآخرين وَإِن قَرَأَ فِي الْأَوليين بِفَاتِحَة الْكتاب وَلم يزدْ عَلَيْهَا قَرَأَ فِي الآخريين بِفَاتِحَة الْكتاب وَسورَة وجهر رجل فَاتَتْهُ الْعشَاء فَصلاهَا بعد طُلُوع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الصُّبْح صلى بهما صَلَاة الصُّبْح فَلَمَّا فرغ من الصَّلَاة الْتفت إِلَيّ وَقَالَ يَا عقبَة كَيفَ رَأَيْت وَأما الْمَعْقُول فَهُوَ أَن للسَّفر أثرا فِي إِسْقَاط شطر الصَّلَاة فَلِأَن يُؤثر فِي تَخْفيف الْقِرَاءَة أولى
وَاعْلَم أَن مُحَمَّدًا فِي الْجَامِع الصَّغِير لم يُقيد الحكم بالعجلة فَإِذا إِطْلَاقه جَرَيَان هَذَا الحكم سَوَاء كَانَ فِي حَالَة العجلة أَو غَيرهَا وَاخْتَارَ الْإِطْلَاق صَاحب الْكَنْز أَيْضا لَكِن قيد شرَّاح الْجَامِع الصَّغِير وَمِنْهُم الصَّدْر الشَّهِيد حَيْثُ قَالَ وَهَذَا فِي حَالَة الضَّرُورَة وَأما فِي حَالَة الِاخْتِيَار وَهُوَ أَن يَكُونُوا آمِنين فِي السّفر فيقرء فِي الْفجْر نَحْو سُورَة البروج وَانْشَقَّ وَفِي الظّهْر مثل ذَلِك وَفِي الْعَصْر وَالْعشَاء دون ذَلِك وَفِي الْمغرب بالقصار جدا انْتهى وتبعهم صَاحب (الْهِدَايَة) وَقد رده صَاحب (الْبَحْر) تبعا لصَاحب (الْحِلْية)
قَوْله وَفِي الْمغرب دون ذَلِك لما روى عَن عمر أَنه كتب إِلَى أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ أَن اقْرَأ فِي صَلَاة الْفجْر وَالظّهْر بطوال الْمفصل وَفِي الْعَصْر وَالْعشَاء بأوساط الْمفصل وَفِي الْمغرب بقصار الْمفصل والمقادر لَا تعرف إِلَّا سَمَاعا
قَوْله أحب إِلَيّ لحَدِيث قتاده أَنه (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) كَانَ يطول

(1/96)


الشَّمْس فَإِن أم فِيهَا جهر وَإِن كَانَ وَحده خَافت إِمَام قَرَأَ فِي الْمُصحف فَصلَاته فَاسِدَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد (رحمهمَا الله) هِيَ تَامَّة وَيكرهُ وَيكرهُ أَن يُوَقت شَيْئا من الْقُرْآن لشَيْء من الصَّلَوَات أُمِّي صلي بِقوم يقرؤن وَيقوم أُمِّيين فصلاتهم فَاسِدَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف (رَحمَه الله) صَلَاة الرَّكْعَة الأولى على الثَّانِيَة
قَوْله لم يعد لِأَنَّهُ مَحل للْأَدَاء فَلَا يكون محلا للْقَضَاء وَإِن قرء فِي الْأَوليين الْفَاتِحَة دون السُّورَة قَرَأَهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ وجهر وَذكر فِي الأَصْل أحب إِلَى أَن يقرأهما فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَذكر هَهُنَا مَا يدل على الْوُجُوب وَزَاد عَلَيْهِ أَيْضا قَوْله وجهر وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا يقْضِي السُّورَة أَيْضا وَقَوله جهر منصرف إِلَى السُّورَة وَحدهَا ليَكُون الْقَضَاء مُوَافقا للْأَدَاء وَمن مَشَايِخنَا من قَالَ إِنَّه منصرف إِلَيْهِمَا جَمِيعًا حَتَّى لَا يُؤَدِّي إِلَى أَمر غير مَشْرُوع وَهُوَ الْجمع بَين الْجَهْر والمخافتة فِي رَكْعَة وَاحِدَة وَهُوَ الصَّحِيح
قَوْله خَافت أَي حتما وَقَالَ بعض الْمَشَايِخ يتَخَيَّر بَين الْجَهْر والمخافتة والجهر أفضل كَمَا فِي الْوَقْت وَالْأول أصح لِأَن سَبَب الْجَهْر أحد الشَّيْئَيْنِ إِمَّا الْجَمَاعَة وَإِمَّا الْوَقْت لَكِن فِي حق الْجَمَاعَة حتم وَفِي حق الْمُنْفَرد فِي الْوَقْت مُخَيّر وَكِلَاهُمَا فَائِتَة هَهُنَا فَلَا يجْهر وَاخْتلفُوا فِي حد الْجَهْر والمخافتة فَقَالَ الْكَرْخِي أدنى الْجَهْر أَن يسمع نَفسه وأقصاه أَن يسمع غَيره وَأدنى المخافتة أَن يحصل الْحُرُوف وَقَالَ الْفَقِيه أَبُو جَعْفَر الهندواني وَالشَّيْخ الإِمَام أَبُو بكر مُحَمَّد بن الْفضل البُخَارِيّ أدنى الْجَهْر أَن يسمع غَيره وَأدنى المخافتة أَن يسمع نَفسه إِلَّا لمَانع وَمَا دون ذَلِك مجمجمة وَلَيْسَ بقرأة وَهُوَ الْمُخْتَار
قَوْله إِمَام إِلَخ لأبي حنيفَة فِي حكم الْفساد وَجْهَان أَحدهمَا أَنه عمل

(1/97)


الإِمَام وَمن لَا يقْرَأ تَامَّة إِمَام قَرَأَ فِي الْأَوليين ثمَّ قدم فِي الآخريين أُمِّيا فَسدتْ صلَاتهم وَإِن قدمه فِي التَّشَهُّد وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد (رحمهمَا الله) إِلَّا أَن يقدمهُ بعد الْفَرَاغ من التَّشَهُّد إِمَام حصر فَقدم غَيره أجزاهم وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد (رحمهمَا الله) لَا يجزيهم رجل صلى أَربع رَكْعَات تَطَوّعا لم يقْرَأ فِيهِنَّ شَيْئا أعَاد رَكْعَتَيْنِ وَإِن لم يقْرَأ فِي الثَّانِيَة وَالرَّابِعَة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كثيرا وهُوَ حمل الْمُصحف وتقليب الأوراق حَتَّى لَو كَانَ مَوْضُوعا بَين يَدَيْهِ وَهُوَ لَا يقلب وَلَا يحمل يَصح صلَاته وَالثَّانِي أَنه تعلم من الْمُصحف وَهَذَا الْمَعْنى يُوجب التَّسْوِيَة فِي الْفُصُول كلهَا
قَوْله هِيَ تَامَّة وَيكرهُ لِأَنَّهَا عبَادَة انضافت إِلَى عبَادَة فَكَانَ أَحَق بِالصِّحَّةِ وَإِنَّمَا يكره لِأَنَّهُ يشبه صَنِيع أهل الْكتاب
قَوْله (تَامَّة) لِأَنَّهُ مَعْذُور صلى بمعذورين وبمن لَا عذر لَهُ فَيجوز صلَاته وَصَلَاة من هُوَ بِمثل حَاله كَمَا فِي العاري إِذا صلى بِقوم كاسين وَقوم عارين وَوجه قَول أبي حنيفَة أَن الإِمَام ترك الْقِرَاءَة مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهَا فَلَا يجوز صلَاته أصلا وَلَا يجوز صلَاتهم أَيْضا لِأَنَّهُ بِنَاء عَلَيْهِ
قَوْله فَسدتْ صلَاتهم لِأَنَّهُ اسْتخْلف من لَا يصلح إِمَامًا لَهُ وَلَهُم فتفسد صلَاته وَإِن قدمه بَعْدَمَا قعد قدر التَّشَهُّد فَكَذَلِك عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا لَا تفْسد وَهِي مسئلة من الْمسَائِل الإثني عشرِيَّة
قَوْله لَا يجزيهم لِأَنَّهُ نَادِر فَأشبه الْجَنَابَة فِي الصَّلَاة وَله أَن جَوَاز الِاسْتِخْلَاف فِي بَاب الْحَدث للعجز عَن الْمُضِيّ وَالْعجز هَهُنَا ألزم بِخِلَاف الْجَنَابَة لِأَنَّهَا نادرة وَالْعجز عَن القرأة فِي الصَّلَاة غير نَادِر
قَوْله وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِلَخ فَأَبُو يُوسُف جعل القرأة ركنا زَائِدا ففواته فِي الشفع الأول لَا يمْنَع صِحَة الشُّرُوع فِي الشفع الثَّانِي وَمُحَمّد جعلهَا ركنا أَصْلِيًّا

(1/98)


أعَاد أَرْبعا وَإِن لم يقْرَأ فِي الْأَوليين أَو فِي الآخريين أعَاد اللَّتَيْنِ لم يقْرَأ فيهمَا وَهُوَ قَول مُحَمَّد (رَحمَه الله) إِلَّا إِذا لم يقْرَأ فِي الثَّانِيَة وَالرَّابِعَة فَإِنَّهُ يُعِيد رَكْعَتَيْنِ وَقَالَ أَبُو يُوسُف (رَحمَه الله) يُعِيد أَرْبعا وَإِن لم يقْرَأ فِيهِنَّ جَمِيعًا وَتَفْسِير قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يُصَلِّي بعد صَلَاة مثلهَا يَعْنِي رَكْعَتَيْنِ بِقِرَاءَة وَرَكْعَتَيْنِ بِغَيْر قِرَاءَة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَإِذا فَاتَ فِي الشفع الأول أَو فِي أَحدهمَا لم يَصح الشُّرُوع فِي الثَّانِي وَأَبُو حنيفَة توَسط بَينهمَا فَجَعلهَا أصلا من وَجه من حَيْثُ إِنَّه لَا يَصح الصَّلَاة بِدُونِهِ وزائداً من وَجه من حَيْثُ إِنَّه يحْتَمل الإِمَام عَن الْمُقْتَدِي فَمن حَيْثُ أه أُصَلِّي ففواته فِي الشفع الأول يمْنَع الشُّرُوع فِي الشفع الثَّانِي وَمن حَيْثُ أَنه زَائِد ففواته فِي أَحدهمَا لَا يمْنَع الشُّرُوع فِي الشفع الثَّانِي
قَوْله وَتَفْسِير قَوْله إِلَخ رفع هَذَا الْخَبَر إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يثبت وَإِنَّمَا هُوَ مَوْقُوف على عمر وَابْن مَسْعُود رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة وَفِي جَامع الْإِسْبِيجَابِيّ هَذَا التَّفْسِير يرْوى عَن أبي يُوسُف وَلما ورد هَذَا الْخَبَر عَاما وَقد خص مِنْهُ الْبَعْض لِأَنَّهُ يُصَلِّي سنة الْفجْر ثمَّ فرض الْفجْر وهما مثلان وَكَذَا يُصَلِّي سنة الظّهْر أَرْبعا ثمَّ فرض الظّهْر أَرْبعا هما مثلا وَكَذَا يُصَلِّي الظّهْر رَكْعَتَيْنِ فِي السّفر ثمَّ السّنة رَكْعَتَيْنِ فَلَمَّا لم يكن الْعَمَل بِعُمُومِهِ قَالَ مُحَمَّد المُرَاد بِهِ أَنه لايصلي بعد الصَّلَاة نَافِلَة رَكْعَتَانِ بِقِرَاءَة وركعتان بِغَيْر قِرَاءَة يَعْنِي لَا يُصَلِّي النَّافِلَة كَذَلِك حَتَّى لَا يكون مثلا للْفَرض بل يقْرَأ فِي جَمِيع رَكْعَات النَّفْل فَيكون الحَدِيث بَيَانا لفرضية القرأة فِي جَمِيع رَكْعَات النَّفْل وَحمل بَعضهم هَذَا الْخَبَر على النَّهْي عَن إِعَادَة الصَّلَاة بِسَبَب الوسوسة ذكره فِي (الذَّخِيرَة) وَقيل كَانُوا يصلونَ الْفَرِيضَة ثمَّ يصلونَ بعْدهَا أُخْرَى فنهوا عَن ذَلِك وَحمله الشَّافِعِي على الْمُمَاثلَة فِي الْعدَد وَلَيْسَ بِشَيْء للْإِجْمَاع فِي رَكْعَتي الْفجْر مَعَ الْفجْر

(1/99)


بَاب مَا يكره من الْعَمَل فِي الصَّلَاة
مُحَمَّد عَن يَعْقُوب عَن أبي حنيفَة (رَضِي الله عَنْهُم) قَالَ لَا بَأْس بقتل الْحَيَّة وَالْعَقْرَب فِي الصَّلَاة وَيكرهُ عد الْآي وَالتَّسْبِيح فِيهَا رجل ظن أَنه أحدث فَخرج من الْمَسْجِد ثمَّ علم أَنه لم يحدث فَإِنَّهُ يسْتَقْبل وَإِن لم يكن خرج من الْمَسْجِد صلى مَا يقي رجل صلى تَطَوّعا رَكْعَة رَاكِبًا ثمَّ نزل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بَاب مَا يكره من الْعَمَل فِي الصَّلَاة
قَوْله لَا بَأْس لحَدِيث اقْتُلُوا الأسودين وَلَو كُنْتُم فِي الصَّلَاة وَالْمرَاد الْحَيَّة وَالْعَقْرَب فَدلَّ الحَدِيث على إِبَاحَة قتل الْحَيَّات كلهَا
قَوْله وَيكرهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ من أَعمال الصَّلَاة وَعَن أبي يُوسُف وَمُحَمّد أَنَّهُمَا لم يريَا بِهِ بَأْسا فِي الْفَرَائِض والنوافل
قَوْله فَإِنَّهُ يسْتَقْبل لِأَن اخْتِلَاف المكانين مُبْطل للتحريمة إِلَّا بِعُذْر وَفِي الْمَفَازَة يعْتَبر مَكَان الصُّفُوف فِي حق جَوَاز الْبناء لِأَن الصُّفُوف بِمَنْزِلَة الْمَسْجِد وَلَو لم يخرج من الْمَسْجِد لَكِن اسْتخْلف غَيره على ظن أَنه أحدث ثمَّ تبين أَنه لم يحدث فَسدتْ صلَاتهم جَمِيعًا لِأَن الِاسْتِخْلَاف عمل كثير لم يتَحَمَّل فِي الصَّلَاة إِلَّا بِعُذْر وَلَا عذر هَهُنَا
قَوْله فَإِنَّهُ يَبْنِي إِلَخ فرق بَعضهم بِأَن النُّزُول عمل قَلِيل وَالرُّكُوب عمل كثير وَهَذَا الْفرق يشكل بِمَا لَو رفع أَو وضع على السرج وضعا لم يبن وَإِن لم يُوجد مِنْهُ الْعَمَل الْكثير وَالْفرق الصَّحِيح هُوَ أَن إِحْرَام الرَّاكِب انْعَقَد مجوزاً للرُّكُوع وَالسُّجُود وَلَا مُوجبا لِأَنَّهُ يؤمي مَعَ الْقُدْرَة على النُّزُول فَإِن أومى صَحَّ وَإِن نزل وَركع وَسجد صَحَّ أَيْضا فَأَما إِحْرَام النَّازِل انْعَقَد بِوُجُوب الرُّكُوع وَالسُّجُود لَا مجوزاً فَحسب فَلَا يقدر على ترك مَا وَجب بِغَيْر عذر

(1/100)


فَإِنَّهُ يَبْنِي وَإِن صلى رَكْعَة نازلاً ثمَّ ركب اسْتقْبل رجل صلى بِقوم رَكْعَة ثمَّ دخل رجل مَعَه فِي الصَّلَاة فأحدث الإِمَام فقدمه فَأَتمَّ صَلَاة الإِمَام ثمَّ قهقه أَو أحدث مُتَعَمدا أَو تكلم أَو خرج من الْمَسْجِد فَسدتْ صلَاته وَصَلَاة الْقَوْم تَامَّة فَإِن لم يحدث الإِمَام وَقعد قدر التَّشَهُّد ثمَّ قهقه أَو أحدث مُتَعَمدا فَسدتْ صَلَاة الَّذِي لم يدْرك أول الصَّلَاة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد (رحمهمَا الله) لَا تفْسد وَإِن تكلم الإِمَام أَو خرج من الْمَسْجِد لم تفْسد فِي قَوْلهم
ـــــــــــــــــــــــــــــ

قَوْله ثمَّ قهقه إِلَخ يَعْنِي ضحك بالقهقهة وَهِي أَن يسمع صَوته من بحذائه وَهُوَ مُفسد للصَّلَاة وَكَذَلِكَ الضحك وَهُوَ أَن يسمع صَوته نَفسه وَأما التبسم فَلَا يفْسد وَاخْتلفُوا فِي انْتِقَاض الْوضُوء بالقهقهة مَعَ اتِّفَاقهم بِأَنَّهُ لَا ينْتَقض بالأخيرين فَقَالَت الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة وَمن تَبِعَهُمْ إِنَّهَا لَيست بناقضة للْوُضُوء وأصحابنا حكمُوا بانتقاض الْوضُوء بهَا إِذا وَقعت فِي الصَّلَاة زجرا وتشديداً لأحاديث مُسندَة ومرسلة وَردت بذلك وَقد طَال كَلَامهم فِي الْأَحَادِيث قدحاً وجرحاً وَالْحق أَنه لَيْسَ يضر شَيْئا فَإِن بعض أسانيدها صَحِيحَة وَبَعضهَا وَإِن كَانَت ضَعِيفَة لَكِنَّهَا تتقوى بالاعتضاد والشواهد كَمَا حققنا كل ذَلِك فِي رسالتنا الهسهسة بِنَقْض الْوضُوء بالقهقهة وزدنا على مَا ذكرنَا فِيهَا فِي شرحنا شرح الْوِقَايَة فبطالع فَإِنَّهُ لتحقيق الْمسَائِل مَبْسُوط كَاف ولتفصيل الدَّلَائِل منتخب واف
قَوْله فَسدتْ صلَاته لِأَن مَا يقطعهَا فِي حَقه تحللها لَا فِي حَقهم لِأَنَّهُ وجد بعد الْفَرَاغ من الْأَركان والفرائض
قَوْله لَا تفْسد لَهما أَن هَذَا الْعَارِض لم يُؤثر فِي حق فَسَاد صَلَاة الإِمَام فَلَا يُؤثر فِي حق فَسَاد صَلَاة الْمَسْبُوق لِأَنَّهُ بِنَاء عَلَيْهِ وَأَبُو حنيفَة يَقُول إِنَّه يُؤثر فِي حق الإِمَام إِلَّا أَنه لَا تفْسد صلَاته للغنية عَن الْبناء ويؤثر فِي حق الْمَسْبُوق لِحَاجَتِهِ إِلَى الْبناء

(1/101)


بَاب فِي سَجْدَة التِّلَاوَة
مُحَمَّد عَن يَعْقُوب عَن أبي حنيفَة (رَحِمهم الله) فِي رجل قَرَأَ سَجْدَة خلف الإِمَام قَالَ لَا يسجدها الإِمَام وَلَا هُوَ وَلَا أحد من الْقَوْم وَلَا إِذا فرغوا وَقَالَ مُحَمَّد (رَحمَه الله) يسجدها من سمع بعد فَرَاغه وَإِن سمعوها من رجل لَيْسَ مَعَهم سجدوها فِي صلَاتهم لم تجزهم وَلم تفْسد إِذا فرغوا فَإِن سجدوها فِي صلَاتهم وأعادوها وَإِن قَرَأَهَا الإِمَام فَسَمعَهَا رجل لَيْسَ مَعَه فِي الصَّلَاة فَدخل مَعَه ب سجدها لم يكن عَلَيْهِ أَن يسجدها هُوَ وَأَن دخل فِيهَا قبل ان يسجدها سجده مَعَه إِن لم يدْخل مَعَه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بَاب فِي سَجْدَة التِّلَاوَة
قَوْله وَلَا إِذا فرغوا لِأَن سَبَب الْوُجُوب حصل مِمَّن هُوَ مَحْجُور فَلَا يعْتَبر حكمه كَطَلَاق الصَّبِي وَالْمَجْنُون وتصرفاتهما بِخِلَاف الْحَائِض وَالْجنب لِأَنَّهُمَا منهيان غير محجورين والمنهي لَهُ إِذا أَتَى بِمَا هُوَ الْمنْهِي عَنهُ يعْتَبر وَيصِح كَالصَّلَاةِ فِي الأَرْض الْمَغْصُوبَة
قَوْله سجدوها إِذا فرغوا إِلَخ لِأَن السَّبَب قد صَحَّ وَالْمَانِع قد زَالَ وَلَو سجدوها فِي الصَّلَاة لم تجزهم وَلم تفْسد صلَاتهم أما عدم الْجَوَاز فلأنهما لَيست السَّجْدَة صلاتية فَلَا تُؤَدّى فِي الصَّلَوَات وَأما عدم الْفساد فَلِأَن السَّجْدَة من أَفعَال الصَّلَاة كالسجدة الثَّالِثَة وَأما وجوب الْإِعَادَة فلأنهما لَيست بصلاتية وَذكر المُصَنّف فِي الْكتاب أَنه ذكر فِي النَّوَادِر أَنه تفْسد صلَاتهم وَمن مَشَايِخنَا من قَالَ ذَلِك قِيَاس وَهُوَ قَول مُحَمَّد وَهَذَا اسْتِحْسَان وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَالصَّحِيح مَا ذكرنَا
قَوْله لم يقْض لِأَنَّهَا صلاتية فَلَا تُؤَدّى خَارج الصَّلَاة
قَوْله وَاجِبَة لِأَن آيَات السَّجْدَة كلهَا دَالَّة على الْوُجُوب

(1/102)


سجدها وكل سَجْدَة وَجَبت فِي الصَّلَاة فَلم يسجدها فِيهَا لم يقْض والسجدة وَاجِبَة رجل قَرَأَ سَجْدَة فسجدها ثمَّ قَرَأَهَا فِي مَجْلِسه فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يسجدها فَإِن قَرَأَهَا وَلم يسجدها حَتَّى قَرَأَهَا ثَانِيَة فِي مَجْلِسه فَعَلَيهِ سَجْدَة وَاحِدَة وَإِن قَرَأَهَا فسجدها ثمَّ ذهب فَرجع فقرأها سجدها ثَانِيَة وَإِن لم يسْجد للأولى حَتَّى رَجَعَ فقرأها سجد سَجْدَتَيْنِ وَيكرهُ أَن يقْرَأ السُّورَة فِي الصَّلَاة أَو غَيرهَا ويدع السَّجْدَة وَكَانَ لَا يرى بَأْسا بِاخْتِصَار السُّجُود فِي غير الصَّلَاة وَهُوَ أَن يقْرَأ السَّجْدَة من بَين السُّورَة قَالَ أحب إِلَى أَن يقْرَأ قبلهَا آيَة وَالله أعلم
ـــــــــــــــــــــــــــــ

قَوْله فَعَلَيهِ سَجْدَة وَاحِد لِأَن الشَّرْع جعل التِّلَاوَة المكررة المتعددة حَقِيقَة متحدة حكما عرف ذَلِك بِحَدِيث أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ معلم الْحسن وَالْحُسَيْن أَنه كَانَ لَا المكررة يسْجد فِي الْمجْلس الا مرّة وَاحِدَة وَكَانَ ذَلِك لَا يخفى على عَليّ رَضِي الله عَنهُ وَلم يُنكر عَلَيْهِ لَكِن إِنَّمَا جعل متحداً عِنْد إِمْكَان الِاتِّحَاد وَإِمْكَان الِاتِّحَاد باتحاد الْمجْلس فَإِن تبدل الْمجْلس فَلَا إِمْكَان فَلَا يتحد وَكَذَلِكَ إِن تبدل مجْلِس التَّالِي دون السَّامع يتَكَرَّر الْوُجُوب على السَّامع أَيْضا لِأَن الحكم يُضَاف إِلَى السَّبَب وَالسَّبَب هُوَ التِّلَاوَة هَكَذَا ذكره بعض مَشَايِخنَا من الْمُتَأَخِّرين فِي شرح هَذَا الْكتاب وَذكر الإِمَام المنتسب اسبيجاب فِي شرح مُخْتَصر الطَّحَاوِيّ أَن عَلَيْهِ سَجْدَة وَاحِدَة لِأَن مجْلِس السَّامع مُتحد وَسبب الْوُجُوب فِي حَقه هُوَ السماع وَعَلِيهِ الْفَتْوَى وَلَو تبدل مجْلِس السَّامع دون التَّالِي يتَكَرَّر الْوُجُوب بالِاتِّفَاقِ أما على قَول ذَلِك الْبَعْض فَلِأَن الضَّرُورَة أبطلت الْعدَد وأثبتت الِاتِّحَاد فِي حق التَّالِي فَلَا يتَبَيَّن ذَلِك فِي حق غَيره وَأما قَول القَاضِي الإِمَام فَلِأَن سَبَب الْوُجُوب فِي حق السَّامع هُوَ السماع وَقد تبدل مجْلِس السَّامع فيتكرر الْوُجُوب لِأَنَّهُ لَيْسَ مجْلِس التِّلَاوَة وَفِي تسدية الثَّوْب يتَكَرَّر الْوُجُوب لِأَن الْمجْلس لَيْسَ بمتحد وَلَو قَرَأَهَا فِي غُصْن شَجَرَة ثمَّ انْتقل إِلَى غُصْن آخر

(1/103)


بَاب السَّهْو فِي الصَّلَاة وَالتَّسْلِيم فِيهَا
مُحَمَّد عَن يَعْقُوب عَن أبي حنيفَة (رَحِمهم الله) فِي رجل صلى الظّهْر خمْسا وَقعد فِي الرَّابِعَة قدر التَّشَهُّد قَالَ يضيف إِلَيْهَا رَكْعَة أُخْرَى ثمَّ يتَشَهَّد ثمَّ يسلم ثمَّ يسْجد سجد السَّهْو ثمَّ يتَشَهَّد ثمَّ يسلم رجل صلى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
اخْتلفت الْمَشَايِخ فبه وَالصَّحِيح هُوَ الْإِيجَاب
بَاب السَّهْو فِي الصَّلَاة وَالتَّسْلِيم فِيهَا
قَوْله يضيف إِلَخ لِأَنَّهُ لما قعد على رَأس الرَّابِعَة تمت صلَاته وَلم يبْق عَلَيْهِ إِلَّا إِصَابَة لفظ السَّلَام وَأَنَّهَا لَيست بفريضة بل هِيَ وَاجِبَة حَتَّى وَجَبت سُجُود السَّهْو بتأخيرها سَاهِيا بِأَن شكّ فَشَغلهُ تفكره حَتَّى أَخّرهَا وَإِنَّمَا يضيف الرَّكْعَة الْأُخْرَى لِأَن التنقل بِرَكْعَة عندنَا لَيْسَ بمشروع قَوْله ثمَّ يسلم اخْتلفت الْمَشَايِخ فِيهِ قَالَ بَعضهم يسلم تَسْلِيمَة من تِلْقَاء وَجهه وَقَالَ بَعضهم يسلم تسليمتين وَهَذَا أصح
قَوْله لم يبن لوُقُوع سَجْدَة السَّهْو فِي وسط الصلاه ولمو بنى جَازَ لِأَن التَّحْرِيمَة بَاقِيَة
قَوْله وَقَالَ مُحَمَّد إِلَخ أَصله أَن سَلام من عَلَيْهِ السَّهْو يُخرجهُ من حُرْمَة الصَّلَاة خُرُوجًا مَوْقُوفا عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف لِأَنَّهُ سَلام عمد وَأَنه مُحَلل فِي نَفسه لَكِن توقف هَهُنَا لمَكَان الْحَاجة وَقَالَ مُحَمَّد لَا يُخرجهُ لِأَنَّهُ لَو أخرجه لَا يُمكنهُ إِقَامَة الْوَاجِب
قَوْله فَعَلَيهِ أَن يسْجد سُجُود للسَّهْو لِأَن نِيَّة الْقطع بَاطِلَة عِنْدهم لِأَنَّهَا حصلت مبدلة للمشروع
قَوْله من الرِّجَال قد قدم مُحَمَّد فِي الْمَبْسُوط ذكر الْحفظَة على ذكر الْبشر وأخره فِي الْجَامِع الصَّغِير فَظن مِنْهُ بعض أَصْحَابنَا أَن مَا ذكره فِي الْمَبْسُوط مَبْنِيّ على قَول أبي حنيفَة الأول فِي تَفْضِيل الملائكه على الْبشر

(1/104)


وَمَا رَكْعَتَيْنِ تَطَوّعا فسهي فِيهَا ثمَّ سجد للسَّهْو ثمَّ أَرَادَ أَن يُصَلِّي أُخْرَيَيْنِ لم بَين رجل سلم عَلَيْهِ سَجْدَة السَّهْو فَدخل رجل فِي صلَاته بعد التَّسْلِيم فَإِن سجد الإِمَام كَانَ دَاخِلا وَإِلَّا لم يكن دَاخِلا وَقَالَ مُحَمَّد دَاخل هُوَ سجد الإِمَام أَو لم يسْجد رجل سلم يُرِيد قطع الصَّلَاة وَعَلِيهِ سَهْو فَعَلَيهِ أَن يسْجد للسَّهْو وَيَنْوِي بالتسليمة الاولى من عَن يَمِينه من الرِّجَال والنِّسَاء والحفظه وَكَذَلِكَ فِي الثَّانِيَة وَإِن كَانَ الإِمَام فِي الْجَانِب الايمن اَوْ الايسر نَوَاه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ذكره فِي الْجَامِع بِنَاء على قَوْله الآخر فِي تَفْضِيل الْبشر على الْمَلَائِكَة وَلَيْسَ كَمَا ظنُّوا فَإِن الْوَاو لَا يُوجب التَّرْتِيب كَذَا فِي النِّهَايَة وَفِي الْبَحْر قَالَ فَخر الْإِسْلَام فِي شرح الْجَامِع الصَّغِير إِن للبداية أثرا فِي الاهتمام فَدلَّ مَا ذكره فِي الْجَامِع (وَهُوَ آخر التصنيفين) أَن مؤمني الْبشر أفضل من الْمَلَائِكَة وَهُوَ مَذْهَب أهل السّنة خلافًا للمعتزلة
قَوْله وَالنِّسَاء قَالَ الصَّدْر الشَّهِيد فِي شَرحه هَذَا فِي الزَّمن الأول فَأَما فِي زَمَاننَا فَلَا يَنْوِي الاا الرِّجَال والحفضه لِأَن جمَاعَة النِّسَاء صَارَت مَنْسُوخَة انْتهى وَذكر صَاحب الْهِدَايَة مثله وصَححهُ والْحق أَن الِاخْتِلَاف هَهُنَا فَإِن مَا ذكره فِي الْجَامِع الصَّغِير مَبْنِيّ على حضورهن وَمَا ذكره الْمَشَايِخ من أَنه لَا يَنْوِي مَبْنِيّ على عدم حضورهن فَصَارَ الْمدَار فِي النِّيَّة وَعدمهَا على حضورهن وَعَدَمه حَتَّى لَو كَانَ من المقتدين النِّسَاء والخناثي والصّبيان ينويهم اتِّفَاقًا كَذَا فِي الْبَحْر والحلية وَفِي النَّهر الْفَائِق لاينوي النِّسَاء فِي زَمَاننَا لكَرَاهَة حضورهن حضرن أم لَا وَمَا فِي الْبَحْر من أَن الْمدَار على عدم حضورهن وحضورهن لَا يتم إِلَّا على قَول من علل الْعَدَم بِالْعدمِ انْتهى قلت لايخفى عَلَيْك مَا فِيهِ فَإِن كَرَاهَة حضورهن لَا يَقْتَضِي عدم النِّيَّة مَعَ أَن الْكَرَاهَة إِنَّمَا تخْتَص بالشواب وَأما الْعَجَائِز فيرخص لَهُنَّ فِي زَمَاننَا ايضا فِي الْحُضُور فِي الْمغرب والْعشَاء والْفجْر نعم لَو علل عدم النِّيَّة بِمَا ذكره بعض محشي الْهِدَايَة من أَن الْمُصَلِّي لَو نواهن يتَوَجَّه خاطره إلَيْهِنَّ بِفساد الزَّمَان لَكَانَ الحكم بِعَدَمِ النِّيَّة وَلَو حضرن فِي مَوْضِعه لَكِن فِيهِ مَا فِيهِ

(1/105)


بَاب فِيمَن تفوته الصلاه
مُحَمَّد عَن يقوب عَن أبي حنيفَة رَحِمهم الله فِي رجل فَاتَتْهُ صَلَاة يَوْم وَلَيْلَة أَو أقل فصلى صَلَاة دخل وَقتهَا قبل أَن يبْدَأ بِمَا فَاتَهُ لم يجز وَإِن فَاتَهُ أَكثر من يَوْم وَلَيْلَة أجزته الَّتِي بَدَأَ بهَا رجل صلى الْعَصْر وَهُوَ ذَاكر أَنه لم يصل الظّهْر أَو صلى الْفجْر وَهُوَ ذَاكر أَنه لم يُوتر فَهِيَ فَاسِدَة إِلَّا أَن يكون فِي آخر الْوَقْت وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد رحمهمَا الله ترك الْوتر لَا يفْسد الْفجْر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بَاب فِيمَن تفوته الصَّلَاة
قَوْله وَإِن فَاتَهُ أَكثر إِلَخ هَذَا مَذْهَبنَا بِنَاء على أَن التَّرْتِيب فِي الصَّلَوَات الْمَكْتُوبَة فرض عندنَا وَعند الشَّافِعِي سنة لِأَن كل وَاحِد من الفرضين أصل بِنَفسِهِ فَلَا يكون شرطا لغيره وَلنَا الحَدِيث الْمَعْرُوف أَنه (عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام) قَالَ من نَام عَن صَلَاة أَو نَسِيَهَا فليصلها إِذا ذكرهَا فَإِن ذَلِك وَقتهَا جعل وَقت التَّذَكُّر وقتا للفائنة فال يكون وقتا للوقتية ثمَّ هَذَا التَّرْتِيب يسْقط بِعُذْر النسْيَان وضيق الْوَقْت وَكَثْرَة الْفَوَائِت تَحَرُّزًا عَن فَوَات الوقتية عَن الْوَقْت وحد الْكَثْرَة أَن تزيد على صَلَاة يَوْم وَلَيْلَة فَصَاعِدا تَحَرُّزًا عَن فَوَات الوقتية عَن الْوَقْت وحد الْكَثْرَة أَن تزيد على صَلَاة يَوْم وَلَيْلَة فَصَاعِدا فَيصير سِتا لِأَن كَثْرَة الشَّيْء مَا يدْخل فِي حد التّكْرَار
قَوْله فَهِيَ فَاسِدَة لَكِن إِذا فَسدتْ الْفَرْضِيَّة لَا يبطل أصل الصَّلَاة عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَقَالَ مُحَمَّد يبطل أصلا ثمَّ عِنْد أبي حنيفَة فَرضِيَّة الْعَصْر فَسدتْ فَسَادًا مَوْقُوفا حَتَّى لَو صلى سِتَّة صلوَات أَو أَكثر وَلم يعد الظّهْر انقلبت كلهَا جَائِزَة وَقَالا فَسدتْ فَسَادًا باتاً
قَوْله ترك الْوتر لَا يفْسد الْفجْر هَذَا بِنَاء على أَن الْوتر وَاجِب عَن ابي

(1/106)


بَاب فِي الْمَرِيض يُصَلِّي قَاعِدا
مُحَمَّد عَن يَعْقُوب عَن أبي حنيفَة قَالَ لَا يؤم الْقَاعِد الَّذِي يؤمي الْقَوْم قيَاما يَرْكَعُونَ ويسجدون وَلَا قوما قعُودا يَرْكَعُونَ ويسجدون ويؤم قوما يؤمُّونَ مثله رجل افْتتح الصَّلَاة تَطَوّعا ثمَّ أعيى قَالَ لَا بَأْس أَن يتَوَكَّأ على عَصا أَو على حَائِط أَو يقْعد وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد (رحمهمَا الله) يكره إِلَّا لمن بِهِ عِلّة فَإِن لم يكن بِهِ عِلّة لم يجز رجل صلى فِي السَّفِينَة قَاعِدا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حنيفَة وَعِنْدَهُمَا سنة وَعَن أبي حنيفَة ثَلَاث رِوَايَات فِي رِوَايَة قَالَ سنة وَفِي رِوَايَة فرض وَفِي رِوَايَة وَاجِب وَالصَّحِيح أَنه وَاجِب
بَاب فِي الْمَرِيض يُصَلِّي قَاعِدا
قَوْله وَلَا قوما إِلَخ وَقَالَ زفر يَصح ذَلِك كُله لانه الصَّلَاة وَاحِدَة وَلنَا أَن الِاقْتِدَاء حَرَكَة وَبِنَاء وَالْبناء لَا تحقق بالمعدوم
قَوْله قَالَ لَا بَأْس لِأَنَّهُ عذر وَبِدُون الْعذر إساءة أدب وَقَالا لَا يجوز اعْتِبَارا للشروع بِالنذرِ وَأَبُو حنيفَة يَقُول الشَّارِع إِنَّمَا يلْزمه بِالشُّرُوعِ مَا شرع فِيهِ وَمَا لَا ينْفَصل عَمَّا شرع فِيهِ عَنهُ وَالْقِيَام فِي الأولى ينْفَصل عَن الْقيام فِي الثَّانِيَة فَلَا يلْزمه
قَوْله إِلَّا من عذر وَكَذَلِكَ إِذا صلى جَالِسا للْعُذْر وَهُوَ قَادر على الْخُرُوج إِلَى الأَرْض جَازَ وَالْأَفْضَل هُوَ الْخُرُوج وَقَالا لَا يجْزِيه لِأَن الْقيام فرض فَلَا يتْرك إِلَّا بِعُذْر وَله أَن الْعذر فِي السَّفِينَة غَالب وَهُوَ دوران الرَّأْس وَالْغَالِب كالمتحقق
قَوْله وَيُوجه إِلَخ إرادية الْمَرِيض الَّذِي قرب مَوته لِأَنَّهُ فِي معنى الْمَيِّت وَاخْتِيَار أهل بِلَادنَا هُوَ الاستلقاء لكَونه أيسر لخُرُوج الرّوح وَالْأول هُوَ السّنة
قَوْله كَمَا يوضع فِي اللَّحْد وَفِي الْبُرْهَان شرح مواهب الرَّحْمَن يُوَجه فِي الْقَبْر إِلَى الْقبْلَة على جنبه الْأَيْمن لما روى ابو داؤد وَالنَّسَائِيّ ان رجلا قَالَ

(1/107)


من غير عِلّة أجزاه وَالْقِيَام أفضل وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد (رحمهمَا الله) لَا يجْزِيه إِلَّا من عذر قَالَ وَيُوجه الْمَرِيض إِلَى الْقبْلَة كَمَا يُوضح فِي اللَّحْد وَإِذا وَجه للصَّلَاة جعل وَجهه قبل الْقبْلَة وَالله أعلم
بَاب فِي صَلَاة السّفر
مُحَمَّد عَن يَعْقُوب عَن أبي حنيفَة (رَحِمهم الله) رجل خرج من
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يَا رَسُول الله مَا الْكَبَائِر قَالَ تسع فَذكر مِنْهَا استحلال الْحَرَام قبلتكم أَحيَاء وأمواتاً وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك وَقَالَ قد احْتج الشَّيْخَانِ بِرِوَايَة هَذَا الحَدِيث غير عبد الحميد بن سِنَان انْتهى قلت أخرجه ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه أَيْضا عَن عُمَيْر اللَّيْثِيّ وَأخرج عَليّ بن الْجَعْد فِي الجعديات عَن ابْن عمر قَالَ سَمِعت رَسُول الله يَقُول الْكَبَائِر تسع الْإِشْرَاك بِاللَّه وَقذف المحصنة وَقتل النَّفس المؤمنة والفرار من الزَّحْف وَأكل الرِّبَا وَأكل مَال الْيَتِيم وعقوق الْوَالِدين الْمُسلمين وَالسحر والإلحاد فِي الْحرم قبلتكم أَحيَاء وأمواتاً وَفِي شرح الْهِدَايَة للعيني قَالَ السغناقي فِي النِّهَايَة الِاضْطِجَاع على سِتَّة أَنْوَاع فِي حَالَة الْمَرَض على شقَّه الْأَيْمن عرضا للْقبْلَة وَفِي حَالَة الصَّلَاة وَهُوَ الاستلقاء وَفِي حَالَة النزع فَإِنَّهُ يوضع كَمَا يوضع حَالَة الْمَرَض وَفِي حَالَة الْغسْل بَعْدَمَا مضى بجنبه فَلَا رِوَايَة فِيهِ عَن أَصْحَابنَا إِلَّا أَن الْعرف فِيهِ أَنه يضجع مُسْتَلْقِيا على قَفاهُ طَويلا نَحْو الْقبْلَة وفى حَالَة الصَّلَاة عَلَيْهِ مُعْتَرضًا للْقبْلَة على قَفاهُ وَفِي حَالَة الْوَضع فِي اللَّحْد فَإِنَّهُ يوضع على شقَّه الْأَيْمن قلت هَذَا كُله بِالْعرْفِ وَالْقِيَاس وَلم يذكر فِيهِ أثرا وَلَا حَدِيثا انْتهى كَلَام الْعَيْنِيّ وَفِي غنية الْمُسْتَمْلِي شرح منية الْمُصَلِّي يُوَجه الْمَيِّت إِلَى الْقبْلَة فِي الْقَبْر على جنبه الْأَيْمن وَلَا يلقى على ظَهره
قَوْله جعل وَجهه قبل الْقبْلَة يَعْنِي مُسْتَلْقِيا على قَفاهُ وَرجلَاهُ نَحْو الْقبْلَة وَقَالَ الشَّافِعِي السّنة أَن ينَام على جَانِبه الْأَيْمن
بَاب فِي صَلَاة السّفر
قَوْله ثَلَاثَة أَيَّام إِلَخ لقَوْله (عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام) يمسح الْمُقِيم يَوْمًا

(1/108)


الْكُوفَة إِلَى الْمَدَائِن قَالَ قصر وَأفْطر وَيقصر فِي مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام ولياليها سير الْإِبِل ومشي الْأَقْدَام قوم حاصروا فِي أَرض الْحَرْب مَدِينَة أَو حاصروا أهل الْبَغي فِي دَار الْإِسْلَام فِي غير مصر أَو حاصروا فِي الْبَحْر فنووا إِقَامَة خَمْسَة عشر يَوْمًا فَإِنَّهُم يقصرون ويفطرون وَالله أعلم
مسَائِل لم تدخل فِي الْأَبْوَاب

مُحَمَّد عَن يَعْقُوب عَن أبي حنيفَة (رَضِي الله عَنْهُم) فِي رجل أم قوما فِي لَيْلَة مظْلمَة فتحرى الْقبْلَة وَصلى إِلَى الْمشرق وتحرى من خَلفه فصلى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَلَيْلَة وَالْمُسَافر ثَلَاثَة أَيَّام ولياليها قدر بِهِ أدنى مُدَّة سفر وروى عَن أبي حنيفَة أَنه اعْتبر بِثَلَاث مراحل وَعَن مُحَمَّد أَنه اعْتبر خَمْسَة عشر فرسخاً وَيعْتَبر فِي الْجَبَل بِقدر مَا يَلِيق بِحَال الْجَبَل وَإِن كَانَ فِي السهل يقطع بِمدَّة يسيرَة وَفِي الْبَحْر يعْتَبر أَن يكون الرِّيَاح مستوية غير غالبة وَلَا سَاكِنة فينظركم تسير السفن فَيجْعَل ذَلِك أصلا
قَوْله قوم حاصروا إِلَخ وَجه المسئلة أَن حَالهم مُبْطل لعزيمتهم لأَنهم إِنَّمَا يُقِيمُونَ لغَرَض فَإِذا حصل الْغَرَض انزعجوا فَلم تلاق النِّيَّة محلهَا فلغت
مسَائِل لم تدخل فِي الْأَبْوَاب

قَوْله فِي لَيْلَة مظْلمَة الخ اما لوصلوا منفردين صحت صَلَاة الْكل وَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ التَّفْصِيل وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَن وضع هَذِه المسئلة مشكلة لِأَن صَلَاة اللَّيْل جهرية فَيعلم كل من المقتدين حَال الإِمَام بِصَوْتِهِ وَأجِيب عَنهُ بِوُجُوه الأول أَنه يحْتَمل أَن يكون الْجَمَاعَة فِي قَضَاء صَلَاة جهرية الثَّانِي أَنه يجوز أَن يتْرك الإِمَام سَهوا الثَّالِث أَنه لَا يلْزم من سَماع صَوته معرفَة جِهَته فلعلهم عرفُوا أَنه لَيْسَ خَلفهم وَلَكِن لم يحصل لَهُم التَّمْيِيز أَنه إِلَى أَي جِهَة توجه كَذَا فِي البناية وَغَيرهَا

(1/109)


بَعضهم إِلَى الْمغرب وَبَعْضهمْ إِلَى الْقبْلَة وَبَعْضهمْ إِلَى دبر الْقبْلَة وَكلهمْ خلف الإِمَام لَا يعلمُونَ مَا صنع الإِمَام أجزاهم رجل صلى وَلم ينْو أَن يؤم النِّسَاء فَدخلت امْرَأَة فِي صلَاته ثمَّ قَامَت إِلَى جنبه لم تفْسد عَلَيْهِ صلَاته وَلم تجزها صلَاتهَا رجل أم رجلا وَاحِدًا فأحدث فَخرج فالمأموم إِمَام نوى أَو لم ينْو وَصَلَاة اللَّيْل إِن شِئْت فصل بتكبيرة رَكْعَتَيْنِ وان شئتت
ـــــــــــــــــــــــــــــ

قَوْله أجزاهم لِأَن الْقبْلَة هِيَ الْكَعْبَة وَعند الْعَجز ينْتَقل عَنْهَا إِلَى جِهَتهَا وَلَكِن من شَرط الصِّحَّة أَن لَا يعلمُوا مَا صنع الإِمَام فَإِن علمُوا فَسدتْ صلَاتهم لأَنهم علمُوا بخطأ الإِمَام وَمن شَرطه أَن لَا يتقدموا إمَامهمْ فَمن تقدم فَسدتْ صلَاته
قَوْله لم تفْسد عَلَيْهِ صلَاته إِنَّمَا تفْسد صَلَاة الرجل بالمحاذاة لِأَنَّهُ تَارِك مَكَان نَفسه وَهُوَ الْمَكَان الْمُتَقَدّم على مَكَان الْمَرْأَة وَمُقْتَضى الْأَمر تَأْخِير الْمَرْأَة وَهُوَ قَوْله (عَلَيْهِ السَّلَام) أخروهن من حَيْثُ أخرهن الله لِأَنَّهُ عبارَة فِي إِيجَاب التَّأْخِير وَمن ضَرُورَة تَأْخِيرهَا كَونه مقدما والمورد الْجَمَاعَة الْمُطلقَة وَهِي بِالشّركَةِ والكمال فاندفعت غير الْمَنوِي إمامتها بِقَيْد الشّركَة لِأَن الشّركَة لَا يكون بِدُونِ الِاقْتِدَاء بِالْإِمَامِ وَلَا يَصح اقتداؤها اذا لم ينْو الإِمَام إمامتها خلافًا لزفَر وَالْفرق لنا أَنَّهَا بالاقتداء تلْزم الإِمَام فرض الْمقَام فَيتَوَقَّف على الْتِزَامه
قَوْله نوى أَو لم ينْو لتعينه للخلافة كالخلافة الْكُبْرَى إِذا لم يصلح للخلافة إِلَّا وَاحِد يتَعَيَّن للخلافة من غير اتِّفَاق وَإِن كَانَ خَلفه من لَا يصلح للخلافة فَالْأَصَحّ أَنه تفْسد صَلَاة الْمُقْتَدِي لِأَنَّهُ بَقِي فِي الْمَسْجِد بِلَا إِمَام
قَوْله والأذنان من الرَّأْس إِلَخ كيفيته على مَا نقل عَن الْحلْوانِي أَنه يدْخل الْخِنْصر فِي صماخ الْأُذُنَيْنِ ويحركهما وَفِي الأَصْل يمسح داخلهما مَعَ الْوَجْه وفوقهما مَعَ الرَّأْس وَالْمُخْتَار ان يمسح داخلهما بالسبابتين وخارجهما بالابهامين

(1/110)


أَرْبعا وَإِن شِئْت سِتا وَذكر فِي الْإِمْلَاء ثَمَانِي رَكْعَات وَصَلَاة النَّهَار رَكْعَتَانِ وَأَرْبع وَيكرهُ أَن تزيد وَإِن فعلت لزمك وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد (رحمهمَا الله) صَلَاة اللَّيْل مثنى مثنى والأذنان من الرَّأْس يمسح مقدمهما ومؤخرهما مَعَ الرَّأْس
بَاب فِي صَلَاة الْجُمُعَة
مُحَمَّد عَن يَعْقُوب عَن أبي حنيفَة (رَحِمهم الله) فِي إِمَام صلى الْجُمُعَة فنفر النَّاس عَنهُ قبل أَن يرْكَع وَيسْجد إِلَّا النِّسَاء الصّبيان اسْتقْبل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كَذَا فِي الْمُجْتَبى ووالبناية وَفِي فتح الْقَدِير عَن الْحلْوانِي وَشَيخ الْإِسْلَام أَنه يدْخل الْخِنْصر فِي أُذُنَيْهِ ويحركهما كَذَا فعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالَّذِي فِي سنَن ابْن ماجة بِإِسْنَاد صَحِيح عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مسح أُذُنَيْهِ فَأدْخل السبابتين وَخَالف إبهاميه إِلَى ظَاهر أُذُنَيْهِ فَمسح ظاهرهما وباطنهما انْتهى وَاسْتدلَّ أَصْحَابنَا على أَن الْمسنون هُوَ مسحهما بِمَاء الرَّأْس بِأَحَادِيث قولية وفعلية من ذَلِك حَدِيث الأذنان من الرَّأْس رُوِيَ بطرق مُخْتَلفَة وَبَعضهَا وَإِن كَانَ فِيهِ ضعفا إِلَّا أَنه ينجبر بِالْكَثْرَةِ
بَاب فِي صَلَاة الْجُمُعَة
قَوْله بَاب فِي صَلَاة الْجُمُعَة لَهَا شَرَائِط وَهِي سِتَّة ذكر مُحَمَّد فِي النَّوَادِر مِنْهَا ثَلَاثَة بِلَا خلاف وَهِي الْجَمَاعَة وَالْخطْبَة وَالْوَقْت وَاثْنَانِ فِيهَا خلاف وَهُوَ الْوَالِي والمصر شَرط عندنَا وَعند الشَّافِعِي لَيْسَ بِشَرْط وَالسَّادِسَة الْأَدَاء على سَبِيل الاشتهار شَرط حَتَّى لَو أغلق الْأَمِير أبوب الْحصن وَصلى بِالنَّاسِ وَعَسْكَره لَا يجوز
قَوْله وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِلَخ هما يَقُولَانِ إِنَّه شَرط الِانْعِقَاد فال يشْتَرط دوامها كالخطبة وَتَكْبِيرَة الِافْتِتَاح وَأَبُو حنيفَة يَقُول بلَى انها شَرط الِانْعِقَاد

(1/111)


الظّهْر وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد (رحمهمَا الله) إِذا افْتتح الصَّلَاة ثمَّ نفر النَّاس عَنهُ صلى الْجُمُعَة وَإِن نفروا عَنهُ بَعْدَمَا ركع وَسجد سَجْدَة أَو نفروا إِلَّا الْمُسَافِرين وَالْعَبِيد أَو بَقِي من الرِّجَال ثَلَاثَة وَذَلِكَ أدنى مَا يكون بَقِي على الْجُمُعَة أَمر عبدا أَو مُسَافِرًا يخْطب وَيُصلي الْجُمُعَة أجزاهم رجل صلى الظّهْر يَوْم الْجُمُعَة ثمَّ خرج يُرِيد الْجُمُعَة انْتقض الظّهْر وَقَالا لَا ينْتَقض حَتَّى يدْخل فِي الْجُمُعَة وَيكرهُ أَن يُصَلِّي الظّهْر فِي جمَاعَة يَوْم الْجُمُعَة فِي سجن وَغير سجن فَإِن صلى قوم أجزاهم فِي الْجُمُعَة بمنا إِن كَانَ الإِمَام أَمِير الْحجاز أَو كَانَ الْخَلِيفَة مُسَافِرًا جمع وَإِن كَانَ غير الْخَلِيفَة وَغير أَمِير الْحجاز وَهُوَ مُسَافر فَلَا جُمُعَة فِيهَا وَقَالَ مُحَمَّد (رَحمَه الله) لَا جُمُعَة بمنا وَلَا جُمُعَة بِعَرَفَات فِي قَوْلهم جَمِيعًا إِمَام خطب يَوْم الْجُمُعَة بتسبيحة أجزته وَقَالا (رحمهمَا الله) لَا تجزيه حَتَّى يكن كلَاما يُسمى خطْبَة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والانعقاد يتَحَقَّق بِالشُّرُوعِ فِي الصَّلَاة وَالشَّرْع لَا يتم إِلَّا بِالسَّجْدَةِ هَذَا إِذا نفر النَّاس كلهم أَو بَقِي من لَا يصلح إِمَامًا كالنسوان وَالصبيان وَإِن بَقِي ثَلَاثَة مِمَّن يصلح للْإِمَامَة بني على الْجُمُعَة عندنَا وَعند الشَّافِعِي لَا بُد من اربعين رجلا وهم احرارا وَكَذَلِكَ إِن بَقِي ثَلَاثَة من العبيد والمسافرين بني على الْجُمُعَة عندنَا وَقَالَ الشَّافِعِي يفتتخ الظّهْر لِأَنَّهُ لَا تلزمهم الْجُمُعَة فَلَا ينْعَقد بهم الْجُمُعَة كالنسوان وَالصبيان وَلنَا أَن من صلح إِمَامًا صلح مقتدياً وهما يصلحان إِمَامًا فيصلحان مقتدياً
قَوْله أجزاهم لقَوْله (عَلَيْهِ السَّلَام) اسمعوا وَأَطيعُوا أمراءكم وَلَو أَمر عَلَيْكُم عبد حبشِي اجدع
قَول حَتَّى يدْخل الْجُمُعَة لِأَنَّهُ أَمر بِنَقْض الظّهْر حكما بِوَاسِطَة أَدَاء الْجُمُعَة وَلم يُوجد وَأَبُو حنيفَة يَقُول بلَى إِلَّا أَن السَّعْي من خَصَائِص الْجُمُعَة فَقَامَ مقَام الْأَدَاء فِي مَوضِع الِاحْتِيَاط

(1/112)


بَاب فِي الْعِيدَيْنِ وَالصَّلَاة بِعَرَفَات وَالتَّكْبِير فِي أَيَّام التَّشْرِيق
مُحَمَّد عَن يَعْقُوب عَن أبي حنيفَة (رَضِي الله عَنْهُم) عيدَان اجْتمعَا فِي يَوْم وَاحِد فَالْأول سنة وَالْآخر فَرِيضَة وَلَا يتْرك وَاحِد مِنْهُمَا ويجهر
ـــــــــــــــــــــــــــــ

قَوْله وَيكرهُ إِلَخ لِأَن فِي عقد الْجَمَاعَة لِلظهْرِ مُعَارضَة بِالْجمعَةِ على سَبِيل الْمُخَالفَة والمعارضة على سَبِيل الْمُوَافقَة بِدعَة فَهَذَا أولى
قَوْله فِي قَوْلهم جَمِيعًا لِأَنَّهَا مفازة وَأما منى فمحمد يَقُول إِنَّهَا قَرْيَة وَلَيْسَ بِمصْر والمصر شَرطه وهما يَقُولَانِ بلَى فِي عَامَّة السّنة كَذَلِك لَكِنَّهَا تمصرت أَيَّام الْمَوْسِم لوُجُود شَرَائِط الْمصر وَفِي الْمصر الَّذِي تُقَام فِيهِ الْجُمُعَة أَقْوَال ذكر الْكَرْخِي أَنه كل مَوضِع فِيهِ وَال ومفت فَهُوَ مصر جَامع وَعَن أبي يُوسُف كل مَوضِع فِيهِ أَمِير وقاض تنفذ الْأَحْكَام وَيُقِيم الْحُدُود فَهُوَ مصر جَامع وَهُوَ قريب من الأول وَعَن عبد الله الثَّلْجِي أحسن مَا سَمِعت أَنهم إِذا اجْتَمعُوا فِي أكبر مَسَاجِدهمْ لم يسعهم فِيهِ فَهُوَ مصر جَامع
قَوْله وَقَالا لَا تجزيه إِلَخ لِأَن الْوَاجِب خطْبَة وَلَيْسَ كل كَلَام خطْبَة فَيَنْصَرِف إِلَى الْمُعْتَاد وَأَبُو حنيفَة يَقُول قَالَ الله تَعَالَى {فَاسْعَوْا إِلَى ذكر الله وذروا البيع} وَهُوَ أَمر مُطلق من غير فصل بَين ذكر وَذكر فَوَجَبَ الْعَمَل بِالسنةِ فِي حق التَّكْمِيل دون النّسخ لِأَن فِي النّسخ إِلْغَاء وصف الْإِطْلَاق وَأَنه خلاف الأَصْل وَلِأَن الْعَمَل بِالْكتاب أولى من الْعَمَل بِالسنةِ
بَاب فِي الْعِيدَيْنِ وَالصَّلَاة بِعَرَفَات وَالتَّكْبِير فِي أَيَّام التَّشْرِيق
قَوْله فَالْأول سنة إِلَخ فَلَا يتْرك وَاحِدًا مِنْهَا أما فَرضِيَّة الثَّانِيَة فَلِأَنَّهَا وَاجِبَة وَالْأولَى وَاجِبَة وَإِنَّمَا سَمَّاهُ سنة لِأَنَّهُ ثَبت وُجُوبهَا بِالسنةِ
قَوْله ويجهر كَذَلِك رَوَاهُ زيد بن أَرقم ونعمان بن بشير وَلَا يجْهر فِي الظّهْر وَالْعصر وَهُوَ عندنَا خلافًا لمَالِك لِأَنَّهُمَا شرعتا فِي وقتهما فَلَا يتغيران عَمَّا شرعا عَلَيْهِ

(1/113)


بِالْقِرَاءَةِ فِي الْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَة وَلَا يجْهر فِي الظّهْر وَالْعصر يَوْم عَرَفَة وَإِن صلى الإِمَام الظّهْر وَالْعصر بِعَرَفَات بِغَيْر خطْبَة أجزاه محرم صلى الظّهْر يَوْم عَرَفَة فِي منزله وَالْعصر مَعَ الإِمَام لم تجزه الْعَصْر وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد (رحمهمَا الله) تجزيه وتكبير التَّشْرِيق من صَلَاة الْفجْر من يَوْم عَرَفَة إِلَى صَلَاة الْعَصْر من يَوْم النَّحْر وَهُوَ أَن يَقُول الله أكبر الله أكبر لَا إِلَه الا الله
ـــــــــــــــــــــــــــــ

قَوْله أجزاه لِأَن الْخطْبَة لم تشرع خلفا عَن شَيْء من الْأَركان وَإِنَّمَا الْخطْبَة إِعْلَام مَا يَفْعَله الْحَاج بِخِلَاف الْخطْبَة يَوْم الْجُمُعَة لِأَنَّهَا شرعت خلفا عَن الرَّكْعَتَيْنِ
قَوْله تجزيه لِأَن تَقْدِيم الْعَصْر كَانَ لحق الْوُقُوف وَكَانَ نسكا فِي حق من لَهُ الْوُقُوف وَالْمُنْفَرد وَالْجَمَاعَة فِيهِ سَوَاء وَله أَن تَقْدِيمه كَانَ لحق الْجَمَاعَة فَلم يكن نسكا فِي حق الْمُنْفَرد وَلِأَنَّهُ مُحْتَاج إِلَى الْجَمَاعَة لأَنهم إِذا تفَرقُوا قل مَا يَجْتَمعُونَ ثمَّ عِنْد أبي حنيفَة الإِمَام وَالْجَمَاعَة شَرط فِي حق الظّهْر وَالْعصر لتقديم الْعَصْر لِأَنَّهُ عرف مُرَتبا على ظهر كَامِل بِالْجَمَاعَة والامام فَلَا يتَعَدَّى إِلَى مادونه حَتَّى لَو صلى الظّهْر فِي منزله بِجَمَاعَة ثمَّ صلى الْعَصْر مَعَ الإِمَام لم يجزه الْعَصْر إِلَّا فِي وَقتهَا وَلِهَذَا قُلْنَا لَو صلى الظّهْر بِالْجَمَاعَة وَهُوَ غير محرم أَو محرم بِإِحْرَام الْعمرَة ثمَّ أحرم لِلْحَجِّ مُتَمَتِّعا لم يصل الْعَصْر إِلَّا فِي وَقتهَا لأَنا وجدنَا الْعَصْر مُرَتبا على ظهر كَامِل بِالْإِحْرَامِ فِي الْحَج وَلذَلِك فضل كَامِل فَلم يَصح ترتيبه على غَيره قِيَاسا وَقَالَ زفر الإِمَام لَيْسَ بِشَرْط لِأَن المغير عَن السّنَن الْمَشْرُوع هُوَ الْعَصْر فَيجب مُرَاعَاة شَرط الْمَشْرُوع فِي ذَلِك خَاصَّة حَتَّى لَو صلى الظّهْر بِجَمَاعَة فِي منزله ثمَّ صلى الْعَصْر مَعَ الإِمَام أجزاه
قَوْله إِلَى صَلَاة الْعَصْر من يَوْم النَّحْر وَهُوَ ثَمَان صلوَات وَهُوَ قَول ابْن مَسْعُود وَبِه أَخذ أَبُو حنيفَة وَقَالَ عَليّ إِلَى صَلَاة الْعَصْر من آخر أَيَّام التَّشْرِيق وَذَلِكَ ثَلَاث وَعِشْرُونَ صَلَاة وَبِه أَخذ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لِأَنَّهُ أَكثر فَكَانَ الْأَخْذ بِهِ أحوط
قَوْله وَهَذَا على المقيمين إِلَخ لحَدِيث عَليّ لَا جُمُعَة وَلَا تَشْرِيق وَلَا

(1/114)


وَالله أكبر الله أكبر وَللَّه الْحَمد مرّة وَاحِدَة وَهَذَا على المقيمين فِي الْجَمَاعَات الْمَكْتُوبَة وَلَيْسَ على جماعات النِّسَاء إِذا لم يكن مَعَهُنَّ رجل وَقَالَ ابو يُوسُف وَمُحَمّد (رَحمهَا الله) التَّكْبِير من صَلَاة الْفجْر من يَوْم عَرَفَة إِلَى صَلَاة الْعَصْر من آخر أَيَّام التَّشْرِيق على كل من صلى صَلَاة مَكْتُوبَة قَالَ يَعْقُوب صليت بهم الْمغرب فَقُمْت فسهوت أَن أكبر فَكبر أَبُو حنيفَة (رَضِي الله عَنهُ) قَالَ والتعريف الَّذِي يصنعه النَّاس لَيْسَ بِشَيْء وَالله أعلم
بَاب فِي حمل الْجِنَازَة وَالصَّلَاة عَلَيْهَا
مُحَمَّد عَن يَعْقُوب عَن أبي حنيفَة قَالَ يقوم الَّذِي يُصَلِّي على الرجل وَالْمَرْأَة بحذاء الصَّدْر قوم صلوا على جَنَازَة ركباناً اجزاهم فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فطر وَلَا أضحى إِلَّا فِي مصر جَامع وَأَرَادَ بالتشريق التَّكْبِير وَلَا يجب التَّشْرِيق على جماعات النِّسَاء إِذا لم يكن مَعَهُنَّ رجل وَلَا على جمَاعَة الْمُسَافِرين إِذا لم يكن مَعَهم مُقيم
قَوْله فَكبر إِلَخ فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَن الإِمَام إِذا سهى يكبر الْمُقْتَدِي لِأَن التَّكْبِير مَشْرُوع فِي أثر الصَّلَاة فِي حرمتهَا بِخِلَاف سُجُود السَّهْو اذا تَركهَا الاما لَا يسْجد الْمُقْتَدِي
قَوْله والتعريف إِلَخ هُوَ أَن يجْتَمع النَّاس يَوْم عَرَفَة فِي مَوضِع تَشْبِيها بِأَهْل عَرَفَة لِأَن هَذِه الْأَشْيَاء لم تعرف قربه إِلَّا فِي مَكَان مَخْصُوص وزمان مَخْصُوص
بَاب فِي حمل الْجِنَازَة وَالصَّلَاة عَلَيْهَا
قَوْله بحذاء الصَّدْر وروى الْحسن عَن أبي حنيفَة أَنه يقوم من الرجل بحذاء رَأسه وَمن الْمَرْأَة بحذاء وَسطهَا لِأَن أنسا رَضِي الله عَنهُ هَكَذَا فعل وَوجه ظَاهر الرِّوَايَة أَن الصَّدْر مَحل أشرف الْأَعْضَاء وَهُوَ الْقلب فَوَجَبَ تَقْدِيمه

(1/115)


فِي الْقيَاس وَلَا يجزيهم فِي الِاسْتِحْسَان وَلَا بَأْس بِالْإِذْنِ فِي صَلَاة الْجِنَازَة صبي سبى مَعَه أحد أَبَوَيْهِ فَمَاتَ لم يصل عَلَيْهِ حَتَّى يقربا لإسلام وَهُوَ يعقل وَإِن لم يسب مَعَه أَبَوَيْهِ صلى عَلَيْهِ أدنى مَا تكفن الْمَرْأَة فِي ثَلَاث
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مَوضِع الشَّفَاعَة والْحَدِيث يحمل على أَن جنازتها لم تكن منعوشة فَأَرَادَ ان يحول بَينهمَا وَبَين الرِّجَال
قَوْله فِي الِاسْتِحْسَان لِأَنَّهُ صَلَاة من وَجه لوُجُود التَّحْرِيمَة وَلِهَذَا يشْتَرط فِيهِ الطَّهَارَة واستقبال الْقبْلَة فَلَا يجوز رَاكِبًا من غير عذر اسْتِحْسَانًا
قَوْله وَلَا بَأْس بِالْإِذْنِ لِأَن التَّقَدُّم فِي الصَّلَاة حق الْوَلِيّ فَيملك إِبْطَاله بالتقديم وَفِي بعض النّسخ بِالْأَذَانِ وَهُوَ أَن يعلم النَّاس بَعضهم بَعْضًا وَلَا يُنَادي فِي الْأَسْوَاق لِأَنَّهُ من عادات الْجَاهِلِيَّة
قَوْله صلى عَلَيْهِ لِأَن الْإِسْلَام يثبت بالتبعية مرّة وبالأصالة أُخْرَى وَالْأَصْل فِي التّبعِيَّة الأبوان لِأَن الْحَضَانَة لَهما ثمَّ لأهل الدَّار لِأَن الْحَضَانَة عَلَيْهِم فَإِذا كَانَ مَعَ الصَّبِي المسبى أحد أَبَوَيْهِ لَا يعْتَبر الدَّار
قَوْله وَالرجل فِي ثَوْبَيْنِ هَذَا بَيَان الْكِفَايَة وَأما بَيَان الضَّرُورَة فَهُوَ أَن يُكفن فِي مَا يُوجد لِأَن حَمْزَة اسْتشْهد وَعَلِيهِ نمرة إِذا غطى بهَا رَأسه بَدَت قدماه وَإِذا غطى بهَا قدماه بَدَت رَأسه فَغطّى بهَا رَأسه وَجعل على قَدَمَيْهِ الْإِذْخر
قَوْله وَالسّنة فِي الرجل إِلَخ كَيْفيَّة التَّكْفِين أَن يَجْعَل اللفافة بسطاً أَولا وَهِي مَا يستر من الْفرق إِلَى الْقدَم ثمَّ تبسط الْإِزَار ثمَّ يقمص الْمَيِّت ثمَّ يوضع على الْإِزَار ويعطف الْإِزَار من قبل الْيَسَار ثمَّ من قبل الْيَمين ثمَّ تعطف اللفافة كَذَلِك هَذَا فِي حق الرِّجَال وَأما الْمَرْأَة فتلبس الدرْع أَولا وَتجْعَل شعرهَا ضفرتين ويسترسل على صدرها فَوق الدرْع ثمَّ يَجْعَل الْخمار فَوق ذَلِك ثمَّ يعْطف الزار من قبل الْيَسَار ثمَّ من قبل الْيَمين ثمَّ تعطف اللفافة ثمَّ الْخِرْقَة ترْبط فَوق ذَلِك على بَطنهَا وثدييها
قَوْله وتضع إِلَخ وَعند الشَّافِعِي السّنة أَن يحملهَا رجلَانِ وَوضع السَّابِق

(1/116)


أَثوَاب ثَوْبَيْنِ وخمار وَالرجل فِي ثَوْبَيْنِ وَالسّنة فِي الْمَرْأَة خَمْسَة أَثوَاب درع وخمار وَإِزَار ولفافة وخرقة ترْبط على ثدييها والبطن وَالسّنة فِي الرجل إِزَار وقميص ولفاقة وتضع مقدم الْجِنَازَة على يَمِينك ثمَّ مؤخرها على يَمِينك ثمَّ مقدمها على يسارك ثمَّ مؤخرها على
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مِنْهُمَا مقدمها على أصل عُنُقه وَالْآخر مِنْهُمَا وضع مؤخرها على صَدره لِأَن جَنَازَة سعد بن معَاذ هَكَذَا حملت وَإِنَّا نقُول كَانَ ذَلِك لازدحام الْمَلَائِكَة حَتَّى كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يمشي على رُؤُوس الْأَصَابِع
قَوْله يصنع هَذَا يَعْنِي يحمل الْجِنَازَة مَعَ ثَلَاثَة نفر وَكَانَ ذَلِك دَلِيل تواضع
قَوْله على اللَّحْد هَذَا هُوَ السّنة دون الشق وَعند الشَّافِعِي السّنة الشق وَاسْتدلَّ بتوارث أهل الْمَدِينَة وَلنَا قَوْله (عَلَيْهِ السَّلَام) اللَّحْد لنا والشق لغيرنا قان تعذر اللَّحْد فَلَا بَأْس بتابوت يتَّخذ للْمَيت لَكِن السّنة أَن يفرش فِيهِ التُّرَاب أَولا ليصير فِي معنى اللَّحْد
قَوْله وَلَا يسجى قبر الرجل بِهِ قَالَ أَحْمد وَمَالك وَالْمَشْهُور من مَذْهَب الشَّافِعِي أَن يسجى قبر الرجل وَالْمَرْأَة وَتعلق بِحَدِيث ضَعِيف وَهُوَ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ستر قبر سعد بِثَوْب ثمَّ قَالَ لَا أحفظه إِلَّا من حَدِيث يحيى بن عقبَة وَهُوَ ضَعِيف وروى عَن عَليّ أَنه مر بِقوم قد دفنُوا مَيتا وبسطوا على قَبره ثوبا فَجَذَبَهُ وَقَالَ إِنَّمَا يصنع هَذَا بِالنسَاء وروى عَن أنس أَنه شهد دفن أبي زيد الْأنْصَارِيّ فخمر الْقَبْر بِثَوْب فَقَالَ ارْفَعُوا ثوبكم إِنَّمَا يخمر النِّسَاء
قَوْله الْآجر (ضم الْجِيم وَتَشْديد الرَّاء) الَّذِي يبْنى بِهِ فَارسي مُعرب وَإِنَّمَا يكره لِأَن بالآجر أثر النَّار فَيكْرَه تفاؤلا

(1/117)


يسارك قَالَ مُحَمَّد (رَحمَه الله) رَأَيْت أَبَا حنيفَة (رَضِي الله عَنهُ) يصنع هَذَا ويقوله وَيكرهُ أَن يوضع مقدم السرير أَو مؤخره على اصل الْعُنُق اَوْ على الصَّدْر ويسجى قبر الْمَرْأَة بِثَوْب حَتَّى يَجْعَل اللَّبن على اللَّحْد وَلَا يسجى قبر الرجل وَيكرهُ الْآجر على الْقَبْر وَيسْتَحب اللَّبن والقصب كَافِر مَاتَ وَله ولي مُسلم فَإِنَّهُ يغسلهُ ويتبعه ويدفنه
بَاب الشَّهِيد يغسل أم لَا
مُحَمَّد عَن يَعْقُوب عَن أبي حنيفَة فِي مُسلم قَتله اهل الْحَرْب اَوْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ

قَوْله وَيسْتَحب اللَّبن والقصب لِأَنَّهُ (عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام) جعل على قَبره طن من قصب أخرجه ابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه حَدثنَا مَرْوَان بن مُعَاوِيَة عَن عُثْمَان بن الْحَارِث عَن الشّعبِيّ مُرْسلا قَالَ فِي الْمغرب الظَّن (بِالضَّمِّ) الحزمة من الْقصب قَالَ شمس الْأَئِمَّة الْحلْوانِي (رَحمَه الله) هَذَا فِي قصب الْعَمَل وَأما الْقصب الْمَعْمُول (يَعْنِي بوربا بافته أزفي) فقد اخْتلف الْمَشَايِخ فِيهِ قَالَ بَعضهم لَا يكره لِأَنَّهُ قصب وَقَالَ بَعضهم يكره لِأَنَّهُ لم يرد السّنة بالمعمول وَأما الْحَصِير فإبقاؤه فِي الْقَبْر مَكْرُوه لِأَنَّهُ لم ترد بِهِ السّنة
قَوْله فَإِنَّهُ يغسلهُ كَذَا أَمر عَليّ رَضِي الله عَنهُ لَكِن يغسل كَغسْل الثَّوْب النَّجس وَلَا يُرَاعى سنة اللَّحْد وَإِنَّمَا يحْفر حفيرة لَهُ وَلَا يوضع فِيهِ بل يلقى فِيهِ فَإِن لم يكن لَهُ ولي مُسلم دفع إِلَى أهل دينه ليفعلوا بِهِ مَا شاؤوا
بَاب الشَّهِيد يغسل أم لَا
قَوْله بَاب الشَّهِيد أصل الْبَاب أَن شَرط سُقُوط الْغسْل أَن يكون الْقَتْل ظلما من كل وَجه وَلم يرتث وَلَا يقتاص عَن دَمه عوضا دنياوياً لِأَن الأَصْل فِيهِ شُهَدَاء أحد وَقد قتلوا ظلما وَلم يرتثوا وَلم يقتاصوا عوضا دنياوياً وقتيل أهل الْحَرْب شَهِيد بِأَيّ وَجه كَانَ تسبيباً أَو مُبَاشرَة فَكل من ينْسب قَتله إِلَى اهل الْحَرْب

(1/118)


اهل الْبَغي اَوْ قطاع الطَّرِيق فَبِأَي شَيْء قَتَلُوهُ لم يغسل وَمن وجد فِي المعركة قَتِيلا لم يغسل وَمن وجد جريحاً فَارْتثَّ فَمَاتَ بَعْدَمَا أرتث من الْجراحَة غسل وَإِن مَاتَ فِي المعركة لم يغسل وَدفن فِي ثِيَابه وَنزع عَنهُ الحشو وَالْجَلد والفرو وَالسِّلَاح والقلنسوة وَقَالَ مُحَمَّد (رَحمَه الله) فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كَانَ شَهِيدا وَأهل الْبَغي وقطاع الطَّرِيق بِمَنْزِلَة أهل الْحَرْب لِأَن الْكل يُحَاربُونَ الله (تَعَالَى)
قَوْله لم يغسل وَيصلى عَلَيْهِ فِي قَول أهل الْعرَاق وَيَقُول أهل الْمَدِينَة لَا يغسل هم يَقُولُونَ إِن الصَّلَاة على الْمَيِّت اسْتِغْفَار لَهُ وَالسيف محاء للذنوب وَنحن نقُول الصَّلَاة على الْمَيِّت من حق الْمُسلم على الْمُسلم كَرَامَة لَهُ والشهيد أولى بِهَذِهِ الْكَرَامَة وَمِنْهُم من يَقُول إِن الشَّهِيد حَيّ بِالنَّصِّ وَلَا يصلى على الْحَيّ وَهَذَا ضَعِيف لِأَنَّهُ حَيّ فِي أَحْكَام الْآخِرَة فَأَما فِي أَحْكَام الدُّنْيَا فَهُوَ ميت يقسم مِيرَاثه وَيجوز لزوجته أَن تتَزَوَّج بعد انْقِضَاء الْعدة وَالصَّلَاة على الْمَيِّت من أَحْكَام الدُّنْيَا إِلَّا أَنه لَا يغسل ليَكُون مَا عَلَيْهِ شَاهدا على خَصمه يَوْم الْقِيَامَة وَلِهَذَا لَا ينْزع عَنهُ جَمِيع ثِيَابه وَلَكِن ينْزع عَنهُ السِّلَاح لِأَنَّهُ كَانَ لبسه لدفع الْبَأْس فقد انْقَطع وَلِأَن دفن الْقَتْلَى مَعَ الأسلحة من فعل أهل الْجَاهِلِيَّة وَكَذَلِكَ مَا لَيْسَ من جنس الْكَفَن كالسراويل والقلنسوة والمنطقة والخاتم وَالسيف هَكَذَا نَقله مُحَمَّد عَن جمَاعَة من التَّابِعين
قَوْله وَمن وجد فِي المعركة قَتِيلا وَبِه جِرَاحَة أَو الدَّم يخرج من الْعين أَو الْأذن أَو بِهِ أثر الْخرق لَا يغسل لوُجُود الدّلَالَة
قَوْله فَارْتثَّ المرتث من صَار خلقا فِي حكم الشَّهَادَة مَأْخُوذ من ثوب رث أَي خلق وَإِذا حمل من مصرعه حَيا فَمَاتَ فِي أَيدي الرِّجَال أَو مرض فِي خيمة فَهُوَ مرتث لِأَنَّهُ نَالَ بعض الرَّاحَة فَأَما إِذا جر بِرجلِهِ من بَين صفّين لكيلا تطأه الْخُيُول فَإِنَّهُ يغسل لانه نَقله من مصرعه لم يكن لإيصال الرَّاحَة وَلَو أكل أَو شرب فَإِنَّهُ يغسل لِأَنَّهُ نَالَ بعض الرَّاحَة
قَوْله غسل لِأَن فِيهِ الدِّيَة والقسامة إِلَّا أَن يعلم أَنه قتل بحديدة ظلما

(1/119)


السّير الْكَبِير ينْزع عَنهُ السَّرَاوِيل وَيزِيدُونَ وينقصون مَا شاؤوا وَمن وجد فِي الْمصر قَتِيلا غسل إِلَّا أَن يعلم أَنه قتل بحديدة مَظْلُوما جنب قتل شَهِيدا غسل وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد (رحمهمَا الله) لَا يغسل
بَاب فِي حكم الْمَسْجِد
مُحَمَّد عَن يَعْقُوب عَن أبي حنيفَة (رَضِي الله عَنْهُم) فِي رجل جعل بَيته مَسْجِدا وَتَحْته سرداب أَو فَوْقه بَيت وَجعل بَاب الْمَسْجِد إِلَى الطَّرِيق وعزله فَلهُ أَن يَبِيعهُ وَإِن مَاتَ ورث عَنهُ وَكَذَلِكَ إِن اتخذ وسط دَاره مَسْجِدا وَأذن للنَّاس بِالصَّلَاةِ فِيهِ وَقَالَ مُحَمَّد (رَحمَه الله) لَا يُبَاع وَلَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَإِنَّهُ لَا يغسل عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ لِأَن الْوَاجِب فِيهِ الْقصاص وَهُوَ أحد بدلي الدَّم وَلنَا أَن الْقصاص عُقُوبَة وشهداء أحد استوجبوا على قَاتلهم الْعقُوبَة فِي الدُّنْيَا إِن وجدوا وَفِي العقبي إِن لم يوجدوا
قَوْله لَا يغسل لِأَن مَا وَجب بالخنابة سقط بِالْمَوْتِ وَالثَّانِي لم يجب بِسَبَب الشَّهَادَة وَلأبي حنيفَة أَن حَنْظَلَة قتل جنبا فغسلته الْمَلَائِكَة للتعليم كَمَا فِي قصَّة آدم (صلوَات الله عَلَيْهِ)
بَاب فِي حكم الْمَسْجِد
قَوْله فَلهُ أَن يَبِيعهُ لِأَنَّهُ لم يخلص لله (تَعَالَى) فَلَا يصير مَسْجِدا فَلَا يثبت أَحْكَامه وَلَو كَانَ السرداب لمصَالح الْمَسْجِد صَحَّ كَمَا هُوَ فِي مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس
قَوْله لم يكن لَهُ لِأَنَّهُ لما صَحَّ وخلص لله (تَعَالَى) صَار محرزا عَن التَّمْلِيك والتملك وَهَذَا إِذا سلم إِلَى الْمُتَوَلِي أَو صلى فِيهِ بِجَمَاعَة أما إِذا لم يسلم وَلم يصل بِجَمَاعَة لم يَصح عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد لِأَن التَّسْلِيم عِنْدهمَا شَرط وَلم يُوجد وَعند أبي يُوسُف صَحَّ لِأَن التَّسْلِيم عِنْد أبي يُوسُف لَيْسَ يُورث

(1/120)


وَلَا يُوهب رجل اتخذ أرضه مَسْجِدا لم يكن لَهُ أَن يرجع فِيهِ وَلَا يَبِيعهُ وَلَا يُورث عَنهُ وَيكرهُ المجامعة فَوق الْمَسْجِد وَالْبَوْل والتخلي وَلَا بَأْس بالبول فَوق بَيت فِيهِ مَسْجِد وَلَا بَأْس بِأَن ينقش الْمَسْجِد بالجص والساج وَمَاء الذَّهَب وَإِذا كَانَ التمثال مَقْطُوع الرَّأْس فَلَيْسَ بتمثال وَيكرهُ غلق بَاب الْمَسْجِد وَالله اعْلَم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بِشَرْط وَلَو صلى فِيهِ وَاحِد لم يَصح التَّسْلِيم عِنْد أبي حنيفَة لِأَن الْمَسْجِد وضع لأَدَاء الْجَمَاعَة وَلم يُوجد وَعند مُحَمَّد صَحَّ لِأَن حكم الْمَسْجِد وضع للْأَدَاء مُطلقًا وَقد وجد
قَوْله وَيكرهُ لِأَن حكم الْمَسْجِد ثَابت فِي الْهَوَاء والعرصة جَمِيعًا وَلِهَذَا قُلْنَا إِن من قَامَ على سطح الْمَسْجِد وَهُوَ مقتدي بِالْإِمَامِ وَهُوَ خَلفه صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ وَكَذَا إِذا صعد إِلَيْهِ الْمُعْتَكف لَا يبطل اعْتِكَافه وَلَا يحل للحائض وَالْجنب وَالنُّفَسَاء الْوُقُوف على سطح الْمَسْجِد وَهَذَا كُله دَلِيل على أَنه لَو حلف لَا يدْخل هَذِه الدَّار وَهَذَا الْمنزل فَقَامَ على السَّطْح حنث وَقَالَ الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث فِي الْفَتَاوَى هَذَا فِي بِلَادهمْ أما إِن كَانَ الْحَالِف من بِلَاد الْعَجم لَا يَحْنَث مَا لم يدْخل الدَّار لأَنهم لَا يعْرفُونَ ذَلِك دُخُولا فِي الدَّار وَعَلِيهِ الْفَتْوَى
قَوْله وَلَا بَأْس إِلَخ لِأَنَّهُ سطح الْبَيْت وَلَا يخلوا بيُوت الْمُسلمين عَن هَذَا
قَوْله وَلَا بَأْس بِأَن ينقش إِلَخ فِيهِ دَلِيل على أَن الْمُسْتَحبّ غَيره وَهُوَ الصّرْف إِلَى الْفُقَرَاء وَقَالَ بَعضهم إِنَّه يجوز وَلَا يسْتَحبّ وَهُوَ الصَّحِيح وَعَلِيهِ الْفَتْوَى وَأما التجصيص فَحسن لِأَنَّهُ تحكيم الْبناء بِأَن جعل الْبيَاض فَوق السوَاد وَهَذَا إِن كَانَ من مَال نَفسه فَلَا بَأْس وَمن مَال الْوَاقِف لَا يستحسن لما فِيهِ من التضييع حَتَّى قَالُوا يضمن الْمُتَوَلِي
قَوْله وَيكرهُ لِأَنَّهُ مصلى للنَّاس فَلَا يَصح مَنعه عَن النَّاس لقَوْله تَعَالَى {وَمن أظلم مِمَّن منع مَسَاجِد الله أَن يذكر فِيهَا اسْمه وسعى فِي خرابها} قَالَ مَشَايِخنَا لَا بَأْس بالغلق فِي غير أَوَان الصَّلَاة لِأَنَّهُ لَا يُؤمن على مَتَاع الْمَسْجِد

(1/121)