الجوهرة
النيرة على مختصر القدوري [كِتَابُ الْإِجَارَةِ]
الْإِجَارَةُ عَقْدٌ عَلَى الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ مَالِيٍّ يَتَجَدَّدُ
انْعِقَادُهُ بِحَسَبِ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ سَاعَةً فَسَاعَةً وَكَانَ
الْقِيَاسُ فِيهَا أَنْ لَا تَجُوزَ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ عَلَى مَا لَمْ
يُخْلَقْ وَعَلَى مَا لَيْسَ فِي مِلْكِ الْإِنْسَانِ، وَإِنَّمَا
جُوِّزَتْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَعْطِ
الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ» وَقَالَ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ وَمَنْ كُنْت خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ
غَدَرَ - أَيْ أَعْطَى بِي الذِّمَامَ - وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا وَأَكَلَ
ثَمَنَهُ وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا وَاسْتَوْفَى مِنْهُ عَمَلَهُ
وَلَمْ يُوَفِّهِ أَجْرَهُ» .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (الْإِجَارَةُ عَقْدٌ عَلَى الْمَنَافِعِ
بِعِوَضٍ) حَتَّى لَوْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَسْلِيمِ الْمَنَافِعِ
حَائِلٌ أَوْ مَنَعَهُ مَانِعٌ، أَوْ انْهَدَمَتْ الدَّارُ لَمْ يَلْزَمْهُ
الْعِوَضُ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَمْ تَحْصُلْ لَهُ فَدَلَّ عَلَى
أَنَّهَا مَعْقُودَةٌ عَلَى الْمَنْفَعَةِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ
عَقْدٌ عَلَى الِاسْتِبَاحَةِ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَالْمَهْرُ
لَازِمٌ لَهُ، وَإِنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَسْلِيمِهَا حَائِلٌ، أَوْ
مَاتَتْ عَقِيبَ الْعَقْدِ، ثُمَّ التَّمْلِيكَاتُ نَوْعَانِ تَمْلِيكُ
عَيْنٍ وَتَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ فَتَمْلِيكُ الْعَيْنِ نَوْعَانِ بِعِوَضٍ
كَالْبَيْعِ وَبِغَيْرِ عِوَضٍ كَالْهِبَةِ وَتَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ
نَوْعَانِ أَيْضًا بِعِوَضٍ كَالْإِجَارَةِ وَبِغَيْرِ عِوَضٍ
كَالْعَارِيَّةِ، وَالْوَصِيَّةِ بِالْمَنَافِعِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَصِحُّ
حَتَّى تَكُونَ الْمَنَافِعُ مَعْلُومَةً، وَالْأُجْرَةُ مَعْلُومَةً)
لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَبَدَلِهِ يُفْضِي إلَى
الْمُنَازَعَةِ كَجَهَالَةِ الثَّمَنِ، وَالْمَبِيعِ، ثُمَّ الْأُجْرَةُ
إذَا كَانَتْ دَرَاهِمَ شُرِطَ فِيهَا بَيَانُ الْمِقْدَارِ وَيَقَعُ عَلَى
نَقْدِ الْبَلَدِ فَإِنْ كَانَتْ النُّقُودُ مُخْتَلِفَةَ الْمَالِيَّةِ
فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ.
وَفِي الْيَنَابِيعِ تَقَعُ عَلَى الْغَالِبِ مِنْهَا، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ
الْغَلَبَةُ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ إلَّا إنْ يُبَيَّنَ أَحَدُهَا، وَإِنْ
كَانَتْ كَيْلِيًّا، أَوْ وَزْنِيًّا، أَوْ عَدَدِيًّا مُتَقَارِبًا
يُشْتَرَطُ فِيهِ بَيَانُ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ، وَإِنْ كَانَ لِحَمْلِهِ
مُؤْنَةٌ يُشْتَرَطُ فِيهِ بَيَانُ مَوْضِعِ الْإِيفَاءِ عِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يُشْتَرَطُ وَيُسَلِّمُهُ عِنْدَ الْأَرْضِ
الْمُسْتَأْجَرَةِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ الْأَجَلِ.
فَإِنْ بَيَّنَ الْأَجَلَ صَارَ مُؤَجَّلًا كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ،
وَإِنْ كَانَ عُرُوضًا أَوْ ثِيَابًا يُشْتَرَطُ فِيهَا بَيَانُ الْقَدْرِ
وَالصِّفَةِ، وَالْأَجَلِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ إلَّا
سَلَمًا فَيُرَاعَى فِيهَا شَرَائِطُ السَّلَمِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي
الْعَبِيدِ، وَالْجَوَارِي وَسَائِرِ الْحَيَوَانِ فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ
أَنْ تَكُونَ مُعَيَّنَةً مُشَارًا إلَيْهَا، وَإِنْ كَانَتْ مَنْفَعَةً
فَعَلَى وَجْهَيْنِ إنْ كَانَتْ مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ كَالسُّكْنَى
بِالرُّكُوبِ أَوْ الْمُزَارَعَةِ بِاللُّبْسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ جَازَ
وَكَذَا مَنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا بِخِدْمَةِ عَبْدٍ جَازَ، وَأَمَّا إذَا
قُوبِلَتْ بِجِنْسِهَا كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا بِسُكْنَى دَارٍ
أُخْرَى، أَوْ رُكُوبَ دَابَّةٍ بِرُكُوبِ دَابَّةٍ أُخْرَى، أَوْ
زِرَاعَةَ أَرْضٍ بِزِرَاعَةِ أَرْضٍ أُخْرَى فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ؛
لِأَنَّ الْجِنْسَ بِانْفِرَادِهِ يُحَرِّمُ النَّسَاءَ كَذَا فِي
الْيَنَابِيعِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ إجَارَةُ الْمَنَافِعِ بِالْمَنَافِعِ
سَوَاءٌ كَانَتْ بِجِنْسِهَا، أَوْ بِخِلَافِ جِنْسِهَا وَلَوْ اسْتَأْجَرَ
عَبْدًا يَخْدُمُهُ شَهْرًا بِخِدْمَةِ أَمَتِهِ فَهُوَ فَاسِدٌ عِنْدَنَا
لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ النَّسَاءَ لَا يَجُوزُ فِي الْجِنْسِ فَإِنْ خُدِمَ
أَحَدُهُمَا وَلَمْ يُخْدَمْ الْآخَرُ قَالَ مُحَمَّدٌ يَجِبُ أُجْرَةُ
الْمِثْلِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ
وَلَوْ كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَآجَرَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ
صَاحِبِهِ يَخِيطُ مَعَهُ شَهْرًا عَلَى أَنْ يَصُوغَ
(1/259)
نَصِيبَهُ مَعَهُ فِي الشَّهْرِ الدَّاخِلِ
لَمْ يَجُزْ مِنْ جِهَةِ أَنَّ النَّصِيبَيْنِ فِي الْعَبْدِ الْوَاحِدِ
مُتَّفِقَانِ فِي الصِّفَةِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ فِي الْعَمَلَيْنِ
الْمُخْتَلِفَيْنِ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي عَبْدَيْنِ كَذَا فِي
الْكَرْخِيِّ.
. (قَوْلُهُ: وَمَا جَازَ أَنْ يَكُون ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ جَازَ أَنْ
يَكُون أُجْرَةً فِي الْإِجَارَةِ) ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ ثَمَنُ
الْمَنْفَعَةِ فَيُعْتَبَرُ بِثَمَنِ الْمَبِيعِ وَمَا لَا يَصْلُحُ
ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أُجْرَةً كَالْحَيَوَانِ
فَتَبَيَّنَ أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُنْعَكِسٍ وَكَذَا اسْتِئْجَارُ الظِّئْرِ
بِطَعَامِهَا وَكِسْوَتِهَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اسْتِحْسَانًا،
وَإِنْ لَمْ يَجِدْ ذَلِكَ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ.
(قَوْلُهُ: وَالْمَنَافِعُ تَارَةً تَصِيرُ مَعْلُومَةً بِالْمُدَّةِ
كَاسْتِئْجَارِ الدُّورِ لِلسُّكْنَى، وَالْأَرَضِينَ لِلزِّرَاعَةِ
فَيَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ) ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَ
الدُّورِ، وَالْأَرْضِ لَا تَكُونُ مَعْلُومَةً إلَّا بِتَقْدِيرِ
الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّةَ إذَا لَمْ تَكُنْ مَعْلُومَةً اخْتَلَفَ
الْمُتَعَاقِدَانِ فِيهَا فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: شَهْرٌ، وَالْآخَرُ:
أَكْثَرُ فَيَقَعُ التَّنَازُعُ.
(قَوْلُهُ: أَيَّ مُدَّةٍ كَانَتْ) يَعْنِي طَالَتْ، أَوْ قَصُرَتْ
لِكَوْنِهَا مَعْلُومَةً وَهَذَا إذَا كَانَتْ مَمْلُوكَةً أَمَّا إذَا
كَانَتْ الْأَرْضُ مَوْقُوفَةً اسْتَأْجَرَهَا مِنْ الْمُتَوَلِّي إلَى
طَوِيلِ الْمُدَّةِ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَ السِّعْرُ بِحَالِهِ لَمْ
يَزْدَدْ وَلَمْ يَنْتَقِصْ فَإِنَّهُ يَجُوزُ، وَإِنْ غَلَى أَجْرُهُ
مِثْلَهَا فَإِنَّهُ يَفْسَخُ ذَلِكَ وَيُجَدِّدُ الْعَقْدَ ثَانِيًا،
وَفِيمَا مَضَى مِنْ الْمُدَّةِ يَجِبُ بِقَدْرِهِ مِنْ الْمُسَمَّى،
وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ بِحَالٍ لَا يُمْكِنُ فَسْخُهَا بِأَنْ كَانَتْ
مَزْرُوعَةً فَإِنَّهَا إلَى وَقْتِ الزِّيَادَةِ يَجِبُ فِيهَا مِنْ
الْمُسَمَّى بِقَدْرِهِ وَبَعْدَ الزِّيَادَةِ إلَى تَمَامِ السَّنَةِ
يَجِبُ أَجْرُ مِثْلِهَا، وَأَمَّا إذَا نَقَصَتْ أُجْرَتُهَا أَيْ
رَخُصَتْ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَنْفَسِخُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ
قَدْ رَضِيَ بِذَلِكَ.
وَفِي الْهِدَايَةِ الْإِجَارَةُ فِي الْأَوْقَافِ لَا تَجُوزُ أَكْثَرَ
مِنْ ثَلَاثِ سِنِينَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَيْ لَا يَدَّعِيَ
الْمُسْتَأْجِرُ مِلْكَهَا فَإِنْ أَجَّرَ الْوَقْفَ بِأَجْرِ الْمِثْلِ
وَلَمْ تَزْدَدْ الرَّغَبَاتُ وَلَا غَلَا السِّعْرُ لَمْ تَنْفَسِخْ
الْإِجَارَةُ أَمَّا إذَا ازْدَادَتْ الرَّغَبَاتُ وَغَلَا السِّعْرُ
فُسِخَتْ وَيُجَدَّدُ الْعَقْدُ بِالزَّائِدِ وَيُؤْخَذُ فِيمَا مَضَى
بِقَدْرِ الْمُسَمَّى وَعَلَى هَذَا أَرْضُ الْيَتِيمِ، ثُمَّ
الْمُعْتَبَرُ بِالزِّيَادَةِ عِنْدَ الْكُلِّ أَمَّا إذَا زَادَ وَاحِدٌ
فِي أُجْرَتِهَا مُضَارَّةً فَلَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي
الْحَوَانِيتِ الْمَوْقُوفَةِ.
(قَوْلُهُ: وَتَارَةً تَصِيرُ مَعْلُومَةً بِالتَّسْمِيَةِ كَمَنْ
اسْتَأْجَرَ رَجُلًا عَلَى صَبْغِ ثَوْبٍ، أَوْ خِيَاطَتِهِ، أَوْ
اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا مِقْدَارًا مَعْلُومًا إلَى
مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ أَوْ يَرْكَبَهَا مَسَافَةً سَمَّاهَا) ؛ لِأَنَّهُ
إذَا بَيَّنَ الثَّوْبَ أَنَّهُ مِنْ الْقُطْنِ، أَوْ الْكَتَّانِ، أَوْ
الصُّوفِ، أَوْ الْحَرِيرِ وَبَيَّنَ لَوْنَ الصِّبْغِ وَقَدْرَهُ وَجِنْسَ
الْخِيَاطَةِ أَنَّهَا فَارِسِيَّةٌ، أَوْ رُومِيَّةٌ وَبَيَّنَ
الْقَصَارَةَ أَنَّهَا مَعَ النَّشَا أَوْ دُونَهُ وَبَيَّنَ الْقَدْرَ
الْمَحْمُولَ عَلَى الدَّابَّةِ وَجِنْسَهُ، وَالْمَسَافَةَ صَارَتْ
الْمَنْفَعَةُ مَعْلُومَةً فَيَصِحُّ الْعَقْدُ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ
دَابَّةً لِيُشَيِّعَ عَلَيْهَا رَجُلًا، أَوْ يَتَلَقَّاهُ فَهُوَ فَاسِدٌ
إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ مَوْضِعًا مَعْلُومًا؛ لِأَنَّ التَّشْيِيعَ
يَخْتَلِفُ بِالْقُرْبِ، وَالْبُعْدِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى
الْكُوفَةِ فَلَهُ أَنْ يَبْلُغَ عَلَيْهَا مَنْزِلَهُ اسْتِحْسَانًا،
وَالْقِيَاسُ أَنْ تَنْقَضِيَ الْإِجَارَةُ بِبُلُوغِهِ إلَى أَدْنَى
الْكُوفَةِ وَعَلَفُ الدَّابَّةِ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَسَقْيُهَا عَلَى
الْمُؤَجِّرِ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ فَإِنْ عَلَفَهَا الْمُسْتَأْجِرُ
بِغَيْرِ إذْنِهِ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُؤَجِّرِ
فَإِنْ شَرَطَ عَلَفَهَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لَمْ يَجُزْ الْعَقْدُ؛
لِأَنَّ قَدْرَ ذَلِكَ مَجْهُولٌ، وَالْبَدَلُ الْمَجْهُولُ لَا يَجُوزُ
الْعَقْدُ بِهِ وَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّتَهُ بِعَلَفِهَا لَمْ
يَجُزْ لِجَهَالَةِ الْأُجْرَةِ وَمِنْ شَرْطِهَا أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً
وَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ عَبْدًا، أَوْ أَمَةً لِلْخِدْمَةِ، أَوْ
لِلطَّبْخِ فَنَفَقَتُهُ عَلَى الْمَالِكِ لِمَا ذَكَرْنَا.
(قَوْلُهُ: وَتَارَةً تَصِيرُ مَعْلُومَةً بِالتَّعْيِينِ، وَالْإِشَارَةِ
كَمَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَنْقُلَ لَهُ هَذَا الطَّعَامَ إلَى
مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ) قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ وَمَا لَمْ يَحُطَّ الطَّعَامَ
مِنْ رَأْسِهِ لَا تَجِبُ لَهُ الْأُجْرَةُ؛ لِأَنَّ الْحَطَّ مِنْ تَمَامِ
الْعَمَلِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ: إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا شَهْرًا فَإِنْ
كَانَ الْعَقْدُ حَصَلَ فِي غُرَّةِ الشَّهْرِ يَقَعُ عَلَى الْهِلَالِ
فَإِذَا انْسَلَخَ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ، وَإِنْ كَانَ حَصَلَ فِي بَعْضِ
الشَّهْرِ يَقَعُ عَلَى ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا سَنَةً
إنْ وَقَعَ فِي غُرَّةِ الشَّهْرِ يَقَعُ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا
بِالْأَهِلَّةِ اتِّفَاقًا، وَإِنْ وَقَعَ فِي بَعْضِ الشَّهْرِ وَقَعَ
عَلَى تِلْكَ السَّنَةِ كُلِّهَا بِالْأَيَّامِ ثَلَاثِمِائَةٍ وَسِتِّينَ
يَوْمًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا
بِالْأَهِلَّةِ وَالشَّهْرُ الْوَاحِدُ بِالْأَيَّامِ بِحَسَبِ مَا بَقِيَ
مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ فَيَكْمُلُ فِي آخِرِ الشَّهْرِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ
أَثْوَارًا لِلْحَرْثِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِهَا بِالْعَمَلِ بِأَنْ
يَسْتَأْجِرَهُ لِيَحْرُثَ لَهُ أَرْضًا مَعْلُومَةً يُعَيِّنُهَا، أَوْ
يُقَدِّرُهَا بِالْمُدَّةِ بِأَنْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْرُثَ عَلَيْهِ
يَوْمًا، أَوْ يَوْمَيْنِ، أَوْ شَهْرًا وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ مَعَ هَذَا
مَعْرِفَةَ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ بِالصَّلَابَةِ
وَالرَّخَاوَةِ (مَسْأَلَةٌ) :
(1/260)
اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي أُجْرَةِ
الْعَوْنِ الَّذِي يَبْعَثُهُ الْقَاضِي مَعَ الْمُدَّعِي إلَى خَصْمِهِ
قَالَ بَعْضُهُمْ يَجِبُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَلَى
الْمُتَمَرِّدِ وَكَذَا السَّارِقُ إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ فَأُجْرَةُ
الْقَاطِعِ وَثَمَنُ الدُّهْنِ الَّذِي يَحْسِمُ بِهِ الْعُرُوقَ عَلَى
السَّارِقِ؛ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ مِنْهُ سَبَبُ وُجُوبِهَا وَهُوَ
السَّرِقَةُ.
(قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الدُّورِ، وَالْحَوَانِيتِ لِلسُّكْنَى،
وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ مَا يَعْمَلُ فِيهَا) الْحَوَانِيتُ هِيَ
الدَّكَاكِينُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ الْمُتَعَارَفَ فِيهَا
السُّكْنَى فَتَنْصَرِفُ إلَيْهِ وَهُوَ لَا يَتَفَاوَتُ إذَا لَمْ يَكُنْ
فِيهِ مَا يُوهِنُ الْبِنَاءَ فَصَارَتْ الْمَنَافِعُ مَعْلُومَةً فَلَا
يُحْتَاجُ إلَى تَسْمِيَةِ نَوْعِهَا. (قَوْلُهُ: وَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ
فِيهَا كُلَّ شَيْءٍ إلَّا الْحَدَّادَ، وَالْقَصَّارَ وَالطَّحَّانَ)
لِأَنَّ ذَلِكَ يُوهِنُ الْبِنَاءَ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْعَقْدِ إلَّا
أَنْ يَشْتَرِطَهُ فَإِذَا رَضِيَ بِهِ صَاحِبُ الدَّارِ جَازَ وَيَعْنِي
بِالطَّحَّانِ رَحَى الْمَاءِ وَرَحَى الثَّوْرِ لَا رَحَى الْيَدِ وَقَالَ
بَعْضُهُمْ يُمْنَعُ مِنْ الْكُلِّ وَقِيلَ إنْ كَانَ رَحَى الْيَدِ
يَضُرُّ بِالْبِنَاءِ مُنِعَ مِنْهُ، وَإِلَّا فَلَا وَبِهَذَا كَانَ
يُفْتِي الْحَلْوَانِيُّ، وَأَمَّا كَسْرُ الْحَطَبِ فَلَا يُمْنَعُ عَنْ
كَسْرِ الْمُعْتَادِ مِنْهُ وَقِيلَ يُمْنَعُ مِنْهُ كَذَا فِي
الْفَوَائِدِ وَلَهُ أَنْ يَسْكُنَ الدَّارَ بِنَفْسِهِ وَيُسْكِنَ
غَيْرَهُ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا لَيْسَ لَهُ أَنْ
يُؤَجِّرَهَا حَتَّى يَقْبِضَهَا فَإِذَا قَبَضَهَا ثُمَّ أَجَّرَهَا
فَإِنَّهُ يَجُوزُ إذَا أَجَّرَهَا بِمِثْلِ مَا اسْتَأْجَرَهَا، أَوْ
أَقَلَّ، وَإِنْ أَجَّرَهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا اسْتَأْجَرَهَا جَازَ إلَّا
أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْأُجْرَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ جِنْسِ الْأُولَى لَا
يَطِيبُ لَهُ الزِّيَادَةُ وَيَتَصَدَّقُ بِهَا، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ
خِلَافِ جِنْسِهَا طَابَتْ لَهُ الزِّيَادَةُ فَإِنْ كَانَ زَادَ فِي
الدَّارِ شَيْئًا كَمَا لَوْ حَفَرَ فِيهَا بِئْرًا أَوْ طَيَّنَهَا، أَوْ
أَصْلَحَ أَبْوَابَهَا أَوْ شَيْئًا مِنْ حِيطَانِهَا طَابَتْ لَهُ
الزِّيَادَةُ، وَأَمَّا الْكَنْسُ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ زِيَادَةً وَلَهُ
أَنْ يُؤَجِّرَهَا مَنْ شَاءَ إلَّا الْحَدَّادَ، وَالْقَصَّارَ
وَالطَّحَّانَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَضُرُّ بِالْبِنَاءِ،
وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْقُولًا أَوْ
غَيْرَ مَنْقُولٍ فَإِنْ اسْتَأْجَرَ مَنْقُولًا لَمْ يَجُزْ
لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يُؤَجِّرَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ،
وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَنْقُولٍ وَأَرَادَ أَنْ يُؤَجِّرَهُ قَبْلَ
الْقَبْضِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ
كَالِاخْتِلَافِ فِي الْبَيْعِ وَقِيلَ لَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ
بِالِاتِّفَاقِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي بَابِ
الْمُرَابَحَةِ، وَإِذَا أَجَّرَ الْمُسْتَأْجِرُ الدَّارَ، أَوْ الْأَرْضَ
مِمَّنْ آجَرَهُ إنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَجُزْ إجْمَاعًا وَكَذَا
بَعْدَ الْقَبْضِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، ثُمَّ إذَا كَانَ لَا
يَصِحُّ عِنْدَنَا هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ نَقْضًا لِلْعَقْدِ الْأَوَّلِ؟
فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْعَقْدَ يَنْفَسِخُ.
(قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْأَرَاضِي لِلزِّرَاعَةِ
وَلِلْمُسْتَأْجِرِ الشِّرْبُ وَالطَّرِيقُ) ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ
تُعْقَدُ لِلِانْتِفَاعِ وَلَا انْتِفَاعَ إلَّا بِالشِّرْبِ وَالسُّلُوكِ
إلَيْهَا فَصَارَ ذَلِكَ مِنْ مُقْتَضَاهَا وَلَا يَدْخُلَانِ فِي
الْبَيْعِ إلَّا بِذِكْرِ الْحُقُوقِ، أَوْ الْمَرَافِقِ؛ لِأَنَّ
الْمَقْصُودَ مِنْهُ مِلْكُ الرَّقَبَةِ لَا الِانْتِفَاعُ فِي الْحَالِ
وَلَا بَأْسَ بِاسْتِئْجَارِ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ قَبْلَ رِيِّهَا إذَا
كَانَتْ مُعْتَادَةً لِلرِّيِّ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ الَّتِي
عَقَدَ الْإِجَارَةَ عَلَيْهَا، وَإِنْ جَاءَ مِنْ الْمَاءِ مَا يَزْرَعُ
بِهِ بَعْضَهَا فَالْمُسْتَأْجِرُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ نَقَضَ
الْإِجَارَةَ كُلَّهَا، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَنْقُضْهَا وَكَانَ عَلَيْهِ
مِنْ الْأَجْرِ بِحِسَابِ مَا رَوَى مِنْهَا كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ الْعَقْدُ حَتَّى يُبَيِّنَ مَا يَزْرَعُ فِيهَا،
أَوْ يَقُولَ: عَلَى أَنْ أَزْرَعَ فِيهَا مَا أَشَاءُ) يَعْنِي أَنَّ
لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَنْ يَفْسَخَ الْعَقْدَ مَا لَمْ
يَزْرَعْهَا أَمَّا لَوْ زَرَعَهَا وَمَضَتْ الْإِجَارَةُ صَحَّتْ
وَلَزِمَهُ الْمُسَمَّى بِخِلَافِ سَائِرِ الْإِجَارَاتِ الْفَاسِدَةِ
وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ وَلَمْ يُسَمِّ
مَا يَحْمِلُ عَلَيْهَا وَحَمَلَ عَلَيْهَا حَمْلًا مُتَعَارَفًا فَبَلَغَ
ذَلِكَ الْمَوْضِعَ فَإِنَّ لَهُ الْمُسَمَّى، وَإِنْ عَطِبَتْ فِي
الطَّرِيقِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ اخْتَصَمَا قَبْلَ أَنْ
يَحْمِلَ عَلَيْهَا شَيْئًا انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ لِفَسَادِ الْعَقْدِ
فِي الِابْتِدَاءِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ وَلَوْ لَمْ يُبَيِّنْ مَا
يَزْرَعُ فِيهَا وَلَا قَالَ عَلَى أَنْ أَزْرَعَ فِيهَا مَا أَشَاءُ
فَإِنَّ الْإِجَارَةَ فَاسِدَةٌ فَإِنْ اخْتَصَمَا قَبْلَ الزِّرَاعَةِ
فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَفْسَخَ فَإِنْ زَرَعَ فِيهَا
الْمُسْتَأْجِرُ شَيْئًا قَبْلَ الْفَسْخِ تَعَيَّنَ ذَلِكَ بِالْعَقْدِ
وَلِلْمُؤَجِّرِ الْمُسَمَّى مِنْ الْأُجْرَةِ وَلَوْ قَالَ: عَلَى أَنْ
أَزْرَعَ فِيهَا مَا أَشَاءُ فَهُوَ جَائِزٌ وَلَهُ أَنْ يَزْرَعَ فِيهَا
مَا يَشَاءُ.
(قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ السَّاحَةَ لِيَبْنِيَ فِيهَا أَوْ
يَغْرِسَ فِيهَا نَخْلًا، أَوْ شَجَرًا فَإِذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ
لَزِمَهُ قَلْعُ ذَلِكَ وَيُسَلِّمُهَا فَارِغَةً) لِأَنَّهُ لَا نِهَايَةَ
لِذَلِكَ وَلَيْسَ هَذَا كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَهَا لِلزَّرْعِ فَانْقَضَتْ
الْمُدَّةُ، وَفِيهَا زَرْعٌ فَإِنَّهَا تَبْقَى بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ إلَى
وَقْتِ الْإِدْرَاكِ؛ لِأَنَّ لِلزَّرْعِ نِهَايَةً مَعْلُومَةً فَيُمْكِنُ
تَوْفِيَةُ الْحَقَّيْنِ وَنَظِيرُهُ مِنْ الْغَرْسِ وَالشَّجَرِ إذَا
انْقَضَتْ الْمُدَّةُ، وَفِيهَا ثَمَرٌ فَإِنَّهُ
(1/261)
يُؤَخَّرُ إلَى إدْرَاكِهِ بِالْأُجْرَةِ
لِهَذَا الْمَعْنَى كَذَا فِي الْقَاضِي، وَإِنْ انْقَضَتْ الْإِجَارَةُ،
وَفِي الْأَرْضِ رَطْبَةٌ فَإِنَّهَا تُقْلَعُ؛ لِأَنَّ الرِّطَابَ لَا
نِهَايَةَ لَهَا فَأَشْبَهَتْ الشَّجَرَةَ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ
يَخْتَارَ صَاحِبُ الْأَرْضِ أَنْ يَغْرَمَ لَهُ قِيمَةَ ذَلِكَ مَقْلُوعًا
وَيَكُونَ لَهُ) إنَّمَا يَكُونُ الْخِيَارُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ إذَا
كَانَتْ الْأَرْضُ تَنْقُصُ بِالْقَلْعِ فَحِينَئِذٍ يَتَمَلَّكُهُ
بِالْقِيمَةِ مَقْلُوعًا، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْمُسْتَأْجِرُ بِذَلِكَ،
وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ لَا تَنْقُصُ بِالْقَلْعِ فَلَيْسَ لَهُ
تَمَلُّكُهُ بِالْقِيمَةِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْمُسْتَأْجِرُ بِذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: أَوْ يَرْضَى بِتَرْكِهِ عَلَى حَالِهِ فَيَكُونَ الْبِنَاءُ
لِهَذَا، وَالْأَرْضُ لِهَذَا) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فَلَهُ أَنْ لَا
يَسْتَوْفِيَهُ وَيَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مَا هُوَ لَهُ.
(قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الدَّوَابِّ لِلرُّكُوبِ، وَالْحَمْلِ)
؛ لِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ مَعْلُومَةٌ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَطْلَقَ
الرُّكُوبَ جَازَ لَهُ أَنْ يُرْكِبَهَا مَنْ شَاءَ) عَمَلًا
بِالْإِطْلَاقِ لَكِنْ إذَا رَكِبَ بِنَفْسِهِ، أَوْ أَرْكَبَ وَاحِدًا
لَيْسَ لَهُ أَنْ يُرْكِبَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ مُرَادًا مِنْ
الْأَصْلِ وَالنَّاسُ يَتَفَاوَتُونَ فِي الرُّكُوبِ فَصَارَ كَأَنَّهُ
نَصَّ عَلَى رُكُوبِهِ فَإِنْ رَكِبَهَا الْمُسْتَأْجِرُ، أَوْ غَيْرُهُ
بَعْدَ مَا عُيِّنَ رَاكِبُهَا فَعَطِبَتْ ضَمِنَ قِيمَتَهَا وَعَلَى هَذَا
إذَا اسْتَعَارَ دَابَّةً لِلرُّكُوبِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ. (قَوْلُهُ:
وَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ ثَوْبًا لِلُّبْسِ وَأَطْلَقَ) لِمَا ذَكَرْنَا
مِنْ تَفَاوُتِ النَّاسِ فِي اللُّبْسِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ قَالَ: عَلَى
أَنْ يَرْكَبَهَا فُلَانٌ، أَوْ يَلْبَسَ الثَّوْبَ فُلَانٌ فَأَرْكَبَهَا
غَيْرَهُ، أَوْ أَلْبَسَ الثَّوْبَ غَيْرَهُ كَانَ ضَامِنًا إنْ عَطِبَتْ
الدَّابَّةُ، أَوْ تَلِفَ الثَّوْبُ) لِأَنَّ النَّاسَ مُتَفَاوِتُونَ فِي
ذَلِكَ فَصَحَّ التَّعْيِينُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَعَدَّاهُ. (قَوْلُهُ:
وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِ فَأَمَّا
الْعَقَارُ وَمَا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِ فَإِذَا
شَرَطَ فِيهِ سَاكِنًا فَلَهُ أَنْ يُسْكِنَ غَيْرَهُ) لِعَدَمِ
التَّفَاوُتِ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ سَمَّى قَدْرًا، أَوْ نَوْعًا يَحْمِلُهُ عَلَى
الدَّابَّةِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ خَمْسَةُ أَقْفِزَةٍ حِنْطَةً فَلَهُ أَنْ
يَحْمِلَ مَا هُوَ مِثْلُ الْحِنْطَةِ فِي الضَّرَرِ أَوْ أَقَلُّ
كَالشَّعِيرِ وَالسِّمْسِمِ) لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ، أَوْ لِكَوْنِهِ
خَيْرًا مِنْ الْأَوَّلِ وَذَكَرَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَنَّ لَهُ أَنْ
يَحْمِلَ مِثْلَ كَيْلِ الْحِنْطَةِ شَعِيرًا لَا وَزْنًا وَبَعْضُهُمْ
سَوَّى بَيْنَ الْكَيْلِ، وَالْوَزْنِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً
لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ شَعِيرًا فَحَمَلَ عَلَيْهَا
عَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ حِنْطَةً فَعَطِبَتْ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ الْحِنْطَةَ
أَثْقَلُ مِنْ الشَّعِيرِ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ إذَا اسْتَأْجَرَهَا
لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا شَعِيرًا فَحَمَلَ عَلَيْهَا فِي أَحَدِ
الْجَوْلَقَيْنِ حِنْطَةً، وَفِي الْآخَرِ شَعِيرًا فَعَطِبَتْ فَعَلَيْهِ
نِصْفُ الضَّمَانِ وَنِصْفُ الْأُجْرَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لَهُ أَنْ
يَحْمِلَ مَا هُوَ أَضَرُّ مِنْ الْحِنْطَةِ كَالْمِلْحِ، وَالْحَدِيدِ
وَالرَّصَاصِ) لِأَنَّ ضَرَرَ ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ ضَرَرِ الْحِنْطَةِ
وَهُوَ لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ
عَلَيْهَا قُطْنًا سَمَّاهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ مِثْلَ وَزْنِهِ
حَدِيدًا) لِأَنَّهُ أَضَرُّ بِالدَّابَّةِ فَإِنَّ الْحَدِيدَ يَقَعُ مِنْ
الدَّابَّةِ عَلَى مَوْضِعٍ وَاحِدٍ مِنْ ظَهْرِهَا، وَالْقُطْنُ
يَنْبَسِطُ عَلَى ظَهْرِهَا فَكَانَ أَخَفَّ عَلَى الدَّابَّةِ وَأَيْسَرَ
فَإِنْ هَلَكَتْ ضَمِنَ قِيمَتَهَا وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ
بِحَمْلِهِ صَارَ مُخَالِفًا فَصَارَ كَالْغَاصِبِ كَذَا فِي الْقَاضِي،
وَأَمَّا إذَا سَلِمَتْ فَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ قَالَ فِي شَرْحِ
الْإِرْشَادِ وَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ الْحَدِيدَ لَمْ
يَكُنْ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا مِثْلَ وَزْنِهِ قُطْنًا.
(قَوْلُهُ: وَإِذَا اسْتَأْجَرَهَا لِيَرْكَبَهَا فَأَرْدَفَ مَعَهُ
رَجُلًا آخَرَ فَعَطِبَتْ ضَمِنَ نِصْفَ
(1/262)
قِيمَتِهَا) يَعْنِي مَعَ الْأُجْرَةِ
وَهَذَا إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ تُطِيقُ حَمْلَهُمَا أَمَّا إذَا كَانَتْ
لَا تُطِيقُ ضَمِنَ كُلَّ الْقِيمَةِ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَقَيَّدَ
بِقَوْلِهِ فَأَرْدَفَ رَجُلًا؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرْدَفَ صَبِيًّا لَا
يَسْتَمْسِكُ ضَمِنَ مَا زَادَ الثِّقَلُ، وَإِنْ كَانَ يَسْتَمْسِكُ
فَهُوَ كَالرَّجُلِ، وَإِنَّمَا ضَمِنَ نِصْفَ قِيمَتِهَا وَلَمْ
يُعْتَبَرْ الثِّقَلُ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ قَدْ يَضُرُّهَا حَمْلُ
الرَّاكِبِ الْخَفِيفِ وَيَخِفُّ عَلَيْهَا رُكُوبُ الثَّقِيلِ لِعِلْمِهِ
بِالْفُرُوسَةِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا
مِقْدَارًا مِنْ الْحِنْطَةِ فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْهُ
فَعَطِبَتْ ضَمِنَ مَا زَادَ الثِّقَلُ) لِأَنَّهَا عَطِبَتْ بِمَا هُوَ
مَأْذُونٌ وَغَيْرُ مَأْذُونٍ وَالسَّبَبُ الثِّقَلُ فَانْقَسَمَ
عَلَيْهِمَا إلَّا إذَا كَانَ حِمْلًا لَا تُطِيقُهُ مِثْلُ تِلْكَ
الدَّابَّةِ فَحِينَئِذٍ يَضْمَنُ كُلَّ قِيمَتِهَا لِعَدَمِ الْإِذْنِ
فِيهِ أَصْلًا لِخُرُوجِهِ عَنْ عَادَةِ طَاقَةِ الدَّابَّةِ قَالَ فِي
شَرْحِهِ لَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ فِي قَدْرِ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهُ
اسْتَوْفَى مَنْفَعَتَهَا فِيهِ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ.
وَقَوْلُهُ " الثِّقَلِ " بِكَسْرِ الثَّاءِ وَتَحْرِيكِ الْقَافِ وَلَوْ
اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى مَكَان فَجَاوَزَ ذَلِكَ الْمَكَانَ فَإِنَّهُ
يَصِيرُ مُخَالِفًا وَبِالْخِلَافِ صَارَ ضَامِنًا، ثُمَّ إذَا عَادَ
وَسَلَّمَ الدَّابَّةَ إلَى صَاحِبِهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ الْأُجْرَةُ
لِلذَّهَابِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِلْمَجِيءِ إذَا كَانَ قَدْ
اسْتَأْجَرَهَا ذَاهِبًا وَجَائِيًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَاوَزَ الْمَكَانَ
صَارَ مُخَالِفًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَالْأُجْرَةُ
وَالضَّمَانُ لَا يَجْتَمِعَانِ عِنْدَنَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ إذَا
اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى الْحِيرَةِ فَجَاوَزَ بِهَا إلَى
الْقَادِسِيَّةِ، ثُمَّ رَدَّهَا إلَى الْحِيرَةِ فَنَفَقَتْ فَهُوَ
ضَامِنٌ وَكَذَا الْعَارِيَّةُ فَقِيلَ: تَأْوِيلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ
إذَا اسْتَأْجَرَهَا ذَاهِبًا لَا جَائِيًا لِيَنْتَهِيَ الْعَقْدُ
بِالْوُصُولِ إلَى الْحِيرَةِ فَلَا يَصِيرُ بِالْعَوْدِ مَرْدُودًا إلَى
يَدِ الْمَالِكِ مَعْنًى أَمَّا إذَا اسْتَأْجَرَهَا ذَاهِبًا وَجَائِيًا
يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمُودَعِ إذَا خَالَفَ، ثُمَّ عَادَ إلَى
الْوِفَاقِ فَإِنَّهُ يَرْتَفِعُ عَنْهُ الضَّمَانُ وَقِيلَ الْجَوَابُ
مُجْرًى عَلَى الْإِطْلَاقِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً
إلَى مَكَانِ مَعْلُومٍ فَلَمْ يَذْهَبْ بِهَا وَجَلَسَ فِي دَارِهِ حَتَّى
مَضَتْ الْمُدَّةُ فَعَطِبَتْ يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ بِحَبْسِهِ لَهَا
وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ حَبَسَهَا فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ
مَأْذُونٍ فِيهِ وَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَهَا إلَى مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ
فَرَكِبَهَا إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ إذَا هَلَكَتْ، وَإِنْ
كَانَ أَقْرَبَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُخَالِفًا وَلَا أُجْرَةَ
عَلَيْهِ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا إلَى مَكَان مَعْلُومٍ فَذَهَبَ مِنْ
غَيْرِ الطَّرِيقِ الْعَامِّ إنْ كَانَ النَّاسُ يَسْلُكُونَهُ لَا يَصِيرُ
مُخَالِفًا، وَإِنْ سَلَكَ طَرِيقًا لَا يَسْلُكُهُ النَّاسُ فَإِنَّهُ
يَضْمَنُ إذَا هَلَكَتْ.
وَإِذَا لَمْ تَهْلِكْ وَبَلَغَ الْمَوْضِعَ الْمَعْلُومَ، ثُمَّ رَجَعَ
وَسَلَّمَ الدَّابَّةَ إلَى صَاحِبِهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ
الْأُجْرَةُ الْمُسَمَّاةُ وَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا إلَى مَكَان مَعْلُومٍ
لِيَرْكَبَهَا فَذَهَبَ بِهَا وَلَمْ يَرْكَبْهَا وَلَمْ يَحْمِلْ
عَلَيْهَا شَيْئًا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ وَكَذَا إذَا
اسْتَأْجَرَ دَارًا لِيَسْكُنَهَا فَسَلَّمَ الْمَفَاتِيحَ إلَيْهِ
وَمَضَتْ الْمُدَّةُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ سَوَاءٌ
سَكَنَهَا، أَوْ لَمْ يَسْكُنْ إلَّا إذَا مَنَعَهُ مَانِعٌ مِنْ
سُلْطَانٍ، أَوْ غَيْرِهِ، وَإِذَا عَطِبَتْ الدَّابَّةُ
الْمُسْتَأْجَرَةُ، أَوْ الْعَبْدُ الْمُسْتَأْجَرُ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ
وَلَا خِلَافٍ وَلَا جِنَايَةٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ
الْمُسْتَأْجَرَةَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ سَوَاءٌ كَانَتْ
الْعَيْنُ الْمُسْتَأْجَرَةُ فِي الْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ، أَوْ
الْفَاسِدَةِ فَإِنَّهَا أَمَانَةٌ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً
لِيَرْكَبَهَا عُرْيًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْكَبَهَا إلَّا عُرْيًا
وَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَرْكَبَهَا بِسَرْجٍ لَمْ يَرْكَبْهَا عُرْيًا،
وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا لِلْحَمْلِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَرْكَبَهَا، وَإِنْ
اسْتَأْجَرَهَا لِلرُّكُوبِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا مَتَاعًا
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَلْقِيَ عَلَيْهَا، وَلَا يَتَّكِئُ عَلَى
ظَهْرِهَا بَلْ يَكُونُ رَاكِبًا عَلَى الْعُرْفِ، وَالْعَادَةِ فَإِنْ
انْقَضَتْ الْإِجَارَةُ هَلْ يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ رَدُّ
الدَّابَّةِ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ مِنْ صَاحِبِهَا قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا
يَلْزَمُهُ مِنْ غَيْرِ مُطَالَبَةٍ؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ كَالْوَدِيعَةِ
وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ غَيْرُ
مَأْذُونٍ لَهُ فِي إمْسَاكِهَا فَلَزِمَهُ الرَّدُّ فَإِنْ حَبَسَهَا فِي
بَيْتِهِ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ مَنْفَعَتِهَا حَتَّى تَلِفَتْ إنْ كَانَ
حَبَسَهَا لِعُذْرٍ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِلَّا ضَمِنَ.
. (قَوْلُهُ: فَإِنْ) (كَبَحَ الدَّابَّةَ بِلِجَامِهَا) أَيْ جَذَبَهَا
إلَى نَفْسِهِ بِعُنْفٍ. (أَوْ ضَرَبَهَا فَعَطِبَتْ) (ضَمِنَ عِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ)
(1/263)
وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ
فِي ذَلِكَ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَضْمَنُ إذَا فَعَلَ مِنْهُ
فِعْلًا مُتَعَارَفًا، وَأَمَّا إذَا ضَرَبَهَا ضَرْبًا غَيْرَ مُعْتَادٍ،
أَوْ كَبَحَهَا كَبْحًا غَيْرَ مُعْتَادٍ فَعَطِبَتْ ضَمِنَ إجْمَاعًا
وَهَذَا عِنْدَهُمَا بِخِلَافِ الْمُعَلِّمِ إذَا ضَرَبَ الصَّبِيَّ
بِدُونِ الْإِذْنِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ لِإِمْكَانِ التَّعْلِيمِ بِلَا
ضَرْبٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْفَهْمِ وَالتَّمْيِيزِ بِخِلَافِ
الدَّابَّةِ قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ قَالَ أَصْحَابُنَا جَمِيعًا فِي
الْمُعَلِّمِ، وَالْأُسْتَاذِ الَّذِي يُسَلَّمُ إلَيْهِ الصَّبِيُّ فِي
صِنَاعَةٍ إذَا ضَرَبَاهُ بِغَيْرِ إذْنِ أَبِيهِ، أَوْ وَصِيِّهِ فَمَاتَ
ضَمِنَا، وَأَمَّا إذَا ضَرَبَاهُ بِإِذْنِ الْأَبِ، أَوْ الْوَصِيِّ لَمْ
يَضْمَنَا وَهَذَا إذَا ضَرَبَاهُ ضَرْبًا مُعْتَادًا يُضْرَبُهُ مِثْلُهُ
أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ ضَمِنَا عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَأَمَّا
إذَا ضَرَبَ الْأَبُ ابْنَهُ فَمَاتَ ضَمِنَ وَكَذَا الْوَصِيُّ إذَا
ضَرَبَ الصَّبِيَّ لِلتَّأْدِيبِ فَمَاتَ ضَمِنَ وَلَا يَرِثَانِ
وَعَلَيْهِمَا الْكَفَّارَةُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَضْمَنَانِ وَيَرِثَانِ
وَعَلَيْهِمَا الْكَفَّارَةُ، وَأَمَّا إذَا ضَرَبَ الزَّوْجُ امْرَأَتَهُ
لِنُشُوزٍ، أَوْ نَحْوِهِ فَمَاتَتْ فَهُوَ ضَامِنٌ إجْمَاعًا وَلَا يَرِثُ
وَلَوْ وَطِئَهَا فَمَاتَتْ مِنْ وَطْئِهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَ
أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَكَذَا إذَا أَفْضَاهَا؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ
لَهُ فِي الْوَطْءِ فَلَا يَضْمَنُ مَا يَحْدُثُ مِنْهُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ مَاتَتْ مِنْ وَطْئِهِ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ
الدِّيَةُ، وَإِنْ أَفْضَاهَا، وَالْبَوْلُ لَا يَسْتَمْسِكُ فَالدِّيَةُ
فِي مَالِهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْتَمْسِكُ فَثُلُثُ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ،
وَأَمَّا إذَا كَسَرَ فَخِذَهَا فِي حَالَةِ الْوَطْءِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ
إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ كَسْرَ الْفَخِذِ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ وَهُوَ غَيْرُ
حَادِثٍ مِنْ الْوَطْءِ الْمَأْذُونِ فِيهِ.
[الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكِ وَالْأَجِيرُ الْخَاصّ]
(قَوْلُهُ: وَالْأُجَرَاءُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَجِيرٌ مُشْتَرَكٍ وَأَجِيرٍ
خَاصٍّ، فَالْمُشْتَرَكُ كُلُّ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ حَتَّى
يَعْمَلَ كَالْقَصَّارِ وَالصَّبَّاغِ) ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرَكَ مَنْ
يَعْمَلُ لِلْمُسْتَأْجِرِ وَلِغَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ مُخْتَصًّا
بِعَمَلِهِ وَكَذَلِكَ الْخَيَّاطُ وَالصَّبَّاغُ. (قَوْلُهُ: وَالْمَتَاعُ
أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ إنْ هَلَكَ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا عِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ وَزُفَرَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ هُوَ مَضْمُونٌ) عَلَيْهِ بِالْقَبْضِ
فَيَضْمَنُهُ إذَا تَلِفَ فِي يَدِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ تَلَفُهُ مِنْ
شَيْءٍ غَالِبٍ لَا يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ كَالْحَرِيقِ
الْغَالِبِ - وَهُوَ أَنْ يَأْخُذَ بِجَمِيعِ حَوَانِيتِ الْبَيْتِ -،
وَالْعَدُوِّ الْمُكَابِرِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْمَنَعَةِ وَمَوْتِ
الشَّاةِ، ثُمَّ عِنْدَهُمَا إنَّمَا يَضْمَنُ إذَا كَانَ الْمَتَاعُ
الْمُسْتَأْجَرُ عَلَيْهِ مُحْدَثًا فِيهِ عَمَلٌ أَمَّا لَوْ أَعْطَاهُ
مُصْحَفًا لِيَعْمَلَ لَهُ غِلَافًا، أَوْ سَيْفًا لِيَعْمَلَ لَهُ
جِفْنًا، أَوْ سِكِّينًا لِيَعْمَلَ لَهَا نَصْلًا فَضَاعَ الْمُصْحَفُ،
أَوْ السَّيْفُ، أَوْ السِّكِّينُ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ إجْمَاعًا؛
لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَأْجِرْهُ عَلَى إيقَاعِ الْعَمَلِ فِي ذَلِكَ،
وَإِنَّمَا اسْتَأْجَرَهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْمَتَاعُ
أَمَانَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ حَصَلَ بِإِذْنِ
صَاحِبِهِ وَهُمَا يَقُولَانِ هُوَ مَضْمُونٌ احْتِيَاطًا لِأَمْوَالِ
النَّاسِ؛ لِأَنَّ الْأُجَرَاءَ إذَا عَلِمُوا أَنَّهُمْ يَضْمَنُونَ
اجْتَهَدُوا فِي الْحِفْظِ وَاخْتَارَ الْمُتَأَخِّرُونَ عِنْدَ الْفَتْوَى
فِي الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ الصُّلْحَ عَلَى النِّصْفِ وَذَكَرَ أَبُو
اللَّيْثِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، ثُمَّ إذَا
وَجَبَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا إذَا هَلَكَ بَعْدَ الْعَمَلِ
فَصَاحِبُهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ مَعْمُولًا
وَيُعْطِيهِ الْأُجْرَةَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ غَيْرَ
مَعْمُولٍ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أُجْرَةٌ وَلَوْ ادَّعَى الْأَجِيرُ
الرَّدَّ عَلَى صَاحِبِهِ وَهُوَ يُنْكِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَجِيرِ
عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَلَكِنْ لَا يُصَدَّقُ فِي
دَعْوَى الْأُجْرَةِ وَعِنْدَهُمَا الْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الثَّوْبِ؛
لِأَنَّ الثَّوْبَ مَضْمُونٌ عِنْدَ الْأَجِيرِ فَلَا يُصَدَّقُ عَلَى
الرَّدِّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ.
(قَوْلُهُ: وَمَا تَلِفَ مِنْ عَمَلِهِ كَتَخْرِيقِ الثَّوْبِ مِنْ دَقِّهِ
وَزَلَقِ الْحَمَّالِ وَانْقِطَاعِ الْحَبْلِ الَّذِي يَشُدُّ بِهِ
الْمُكَارِي الْحِمْلَ وَغَرَقِ السَّفِينَةِ مِنْ مَدِّهَا مَضْمُونٌ)
لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ حَصَلَتْ بِفِعْلِهِ، وَإِنْ جَفَّفَ
الْقَصَّارُ ثَوْبًا عَلَى حَبْلٍ فَمَرَّتْ بِهِ حَمُولَةٌ فِي الطَّرِيقِ
فَخَرَّقَتْهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ
تَجْفِيفُهُ إلَّا عَلَى حَبْلٍ، أَوْ حَائِطٍ بِهَذَا جَرَتْ الْعَادَةُ
فَصَارَ ذَلِكَ مَأْذُونًا فِيهِ فَلَمْ يَضْمَنْ وَالضَّمَانُ عَلَى
سَائِقِ الْحَمُولَةِ؛ لِأَنَّهُ أُذِنَ لَهُ فِي الِاجْتِيَازِ بِشَرْطِ
السَّلَامَةِ وَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ فَصَارَ جَانِيًا بِسَوْقِهِ
فَلِهَذَا لَزِمَهُ
(1/264)
الضَّمَانُ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّهُ لَا
يَضْمَنُ بِهِ بَنِي آدَمَ مِمَّنْ غَرِقَ مِنْهُمْ فِي السَّفِينَةِ، أَوْ
سَقَطَ مِنْ الدَّابَّةِ لَمْ يَضْمَنْهُ) وَإِنْ كَانَ بِسَوْقِهِ
وَقَوْدِهِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ ذَلِكَ أَمَّا إذَا تَعَمَّدَهُ
ضَمِنَهُمْ، وَإِنَّمَا لَمْ يَضْمَنْ بَنِي آدَمَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ
ضَمِنَهُمْ لَكَانَ مُوجَبُ ضَمَانِهِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَالْعَاقِلَةُ
لَا تَضْمَنُ بِالْأَقْوَالِ وَعَقْدُ الْإِجَارَةِ قَوْلٌ وَلِأَنَّ بَنِي
آدَمَ فِي أَيْدِي أَنْفُسِهِمْ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا فَصَدَ الْفَصَّادُ
أَوْ بَزَّغَ الْبَزَّاغُ وَلَمْ يَتَجَاوَزْ مَوْضِعَ الْمُعْتَادِ فَلَا
ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا عَطِبَ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ تَجَاوَزَهُ ضَمِنَ) ؛
لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي ذَلِكَ وَهَذَا إذَا كَانَ الْبَزْغُ
بِإِذْنِ صَاحِبِ الدَّابَّةِ أَمَّا إذَا كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَهُوَ
ضَامِنٌ سَوَاءٌ تَجَاوَزَ الْمَوْضِعَ الْمُعْتَادَ أَمْ لَا وَلَوْ
قَطَعَ الْخَتَّانُ حَشَفَةَ الصَّبِيِّ فَمَاتَ مِنْهُ يَجِبُ عَلَيْهِ
نِصْفُ الدِّيَةِ، وَإِنْ بَرِئَ مِنْهَا يَجِبُ عَلَيْهِ كُلُّ الدِّيَةِ؛
لِأَنَّهُ إذَا مَاتَ حَصَلَ مَوْتُهُ بِفِعْلَيْنِ أَحَدُهُمَا مَأْذُونٌ
فِيهِ وَهُوَ قَطْعُ الْجِلْدَةِ وَالثَّانِي غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ
وَهُوَ قَطْعُ الْحَشَفَةِ، وَأَمَّا إذَا بَرِئَ جُعِلَ قَطْعُ
الْجِلْدَةِ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ، وَقَطْعُ الْحَشَفَةِ غَيْرُ مَأْذُونٍ
فِيهِ فَوَجَبَ ضَمَانُ الْحَشَفَةِ كَامِلًا وَهُوَ الدِّيَةُ كَذَا فِي
شَاهَانْ. (قَوْلُهُ: وَالْأَجِيرُ الْخَاصُّ هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ
الْأُجْرَةَ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ فِي الْمُدَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ
كَمَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا شَهْرًا لِلْخِدْمَةِ، أَوْ لِرَعْيِ
الْغَنَمِ) وَإِنَّمَا سُمِّيَ خَاصًّا؛ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِعَمَلِهِ
دُونَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَعْمَلَ لِغَيْرِهِ فِي
الْمُدَّةِ.
(قَوْلُهُ: وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأَجِيرِ الْخَاصِّ فِيمَا تَلِفَ فِي
يَدِهِ) بِأَنْ سُرِقَ مِنْهُ، أَوْ غُصِبَ. (قَوْلُهُ: وَلَا مَا تَلِفَ
مِنْ عَمَلِهِ) بِأَنْ انْكَسَرَ الْقِدْرُ مِنْ عَمَلِهِ، أَوْ تَخَرَّقَ
الثَّوْبُ مِنْ دَقِّهِ وَهَذَا إذَا كَانَ مِنْ عَمَلٍ مُعْتَادٍ
مُتَعَارَفٍ أَمَّا إذَا ضَرَبَ شَاةً فَفَقَأَ عَيْنَهَا، أَوْ كَسَرَ
رِجْلَهَا كَانَ مُتَعَدِّيًا ضَامِنًا، وَإِذَا مَاتَ شَيْءٌ مِنْ
الْغَنَمِ، أَوْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ لَمْ يَضْمَنْ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ
فِي ذَلِكَ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَكَذَا إذَا سَقَاهَا مِنْ
نَهْرٍ فَغَرِقَتْ مِنْهَا شَاةٌ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ
مُتَعَدٍّ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ هَلَكَ فِي الْمُدَّةِ نِصْفُ الْغَنَمِ،
أَوْ أَكْثَرُ فَلَهُ الْأُجْرَةُ كَامِلَةً مَا دَامَ يَرْعَى مِنْهَا
شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ تَسْلِيمُ نَفْسِهِ فِي
الْمُدَّةِ وَقَدْ وُجِدَ وَلَيْسَ لِلرَّاعِي أَنْ يُنْزِيَ عَلَى شَيْءٍ
بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهَا؛ لِأَنَّ الْإِنْزَاءَ حَمْلٌ عَلَيْهَا فَلَا
يَجُوزُ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهَا فَإِنْ فَعَلَ فَعَطِبَتْ ضَمِنَ،
وَإِنْ كَانَ الْفَحْلُ نَزَا عَلَيْهَا فَعَطِبَتْ فَلَا ضَمَانَ
عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بِغَيْرِ فِعْلِهِ، وَإِنْ نَدَّتْ وَاحِدَةٌ فَخَافَ
إنْ تَبِعَهَا ضَاعَ الْبَاقِي فَإِنَّهُ لَا يَتْبَعُهَا وَلَا ضَمَانَ
عَلَيْهِ فِيهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ التَّدْلِيسَ مِنْ
فِعْلِهِ وَعِنْدَهُمَا هُوَ ضَامِنٌ لِلَّتِي نَدَّتْ.
(قَوْلُهُ: وَالْإِجَارَةٌ تُفْسِدُهَا الشُّرُوطُ كَمَا تُفْسِدُ
الْبَيْعَ) يَعْنِي الشُّرُوطَ الَّتِي لَا يَقْتَضِيهَا الْعَقْدُ كَمَا
إذَا شَرَطَ عَلَى الْأَجِيرِ الْخَاصِّ ضَمَانَ مَا تَلِفَ بِفِعْلِهِ،
أَوْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ، أَوْ عَلَى الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ ضَمَانَ مَا
تَلِفَ بِغَيْرِ فِعْلِهِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَمَّا إذَا شَرَطَ
شَرْطًا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ كَمَا إذَا شَرَطَ عَلَى الْأَجِيرِ
الْمُشْتَرَكِ ضَمَانَ مَا تَلِفَ بِفِعْلِهِ لَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ
وَيَجُوزُ شَرْطُ الْخِيَارِ فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ
عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يَصِحُّ فَسْخُهُ بِالْإِقَالَةِ كَالْبَيْعِ وَعِنْدَ
الشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ.
(قَوْلُهُ: مَنْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ
يُسَافِرَ بِهِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ) لِأَنَّ
خِدْمَةَ السَّفَرِ أَشَقُّ وَهَذَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ فِي الْمِصْرِ
وَلَمْ يَكُنْ عَلَى هَيْئَةِ
(1/265)
السَّفَرِ أَمَّا إذَا كَانَ عَلَى
هَيْئَةِ السَّفَرِ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ
مُسَافِرًا وَاسْتَأْجَرَهُ فَلَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ فَإِذَا
اسْتَأْجَرَهُ فِي الْمِصْرِ لِلْخِدْمَةِ وَسَافَرَ بِهِ مِنْ غَيْرِ
شَرْطٍ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ ضَمِنَهُ وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ
خَالَفَ فَخَرَجَ عَنْ الْعَقْدِ فَصَارَ مُسْتَخْدِمًا لِعَبْدِ غَيْرِهِ
بِغَيْرِ عَقْدٍ، وَإِنَّمَا لَمْ تَلْزَمْهُ الْأُجْرَةُ؛ لِأَنَّ
الْأُجْرَةَ وَالضَّمَانَ لَا يَجْتَمِعَانِ فَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ
لِيَخْدُمَهُ يَوْمًا فَلَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ
إلَى أَنْ يَنَامَ النَّاسُ بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ وَلَهُ أَنْ
يُكَلِّفَهُ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ خِدْمَةِ الْبَيْتِ مِثْلُ غَسْلِ ثَوْبِهِ
وَطَبْخِ لَحْمِهِ وَعَجْنِ دَقِيقِهِ وَعَلْفِ دَابَّتِهِ وَحَلْبِهَا -
إنْ كَانَ يُحْسِنُهُ - وَاسْتِقَاءِ الْمَاءِ مِنْ الْبِئْرِ، وَإِنْزَالِ
مَتَاعِهِ مِنْ السَّطْحِ وَرَفْعِهِ إلَى السَّطْحِ وَخِدْمَةِ
أَضْيَافِهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِنْ الْخِدْمَةِ كَذَا فِي
شَرْحِهِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ امْرَأَةً أَوْ أَمَةً لِلْخِدْمَةِ
وَيَخْلُوَ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ الْفِتْنَةَ،
وَإِذَا أَجَّرَ عَبْدَهُ سَنَةً فَلَمَّا مَضَتْ سِتَّةُ أَشْهُرٍ
أَعْتَقَهُ جَازَ عِتْقُهُ وَيَكُونُ الْعَبْدُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ
مَضَى عَلَى الْإِجَارَةِ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَهَا؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ
نَفْسَهُ بِالْحُرِّيَّةِ فَإِنْ مَضَى عَلَيْهَا وَأَجَازَهَا فَلَيْسَ
لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَنْقُضَهَا، وَتَكُونُ أُجْرَةُ مَا بَقِيَ مِنْ
السَّنَةِ لِلْعَبْدِ وَأُجْرَةُ مَا مَضَى لِلْمَوْلَى، وَإِنْ كَانَ
الْمَوْلَى قَدْ قَبَضَ أُجْرَةَ السَّنَةِ كُلَّهَا سَلَفًا ثُمَّ
أَعْتَقَ الْعَبْدَ فَاخْتَارَ الْمُضِيَّ عَلَى الْإِجَارَةِ
فَالْأُجْرَةُ كُلُّهَا لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَهَا
بِالتَّعْجِيلِ وَيَثْبُتُ حَقُّ الْفَسْخِ لِلْعَبْدِ فَإِذَا لَمْ
يَفْسَخْ اُسْتُحِقَّتْ الْأُجْرَةُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي اقْتَضَاهُ
الْقَبْضُ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ وَلَوْ أَجَّرَ أُمَّ وَلَدِهِ فَمَاتَ
فِي الْمُدَّةِ عَتَقَتْ وَلَهَا الْخِيَارُ كَمَا فِي الْعَبْدِ إذَا
أُعْتِقَ؛ لِأَنَّهَا عَتَقَتْ بِمَوْتِهِ.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ اسْتَأْجَرَ جَمَلًا لِيَحْمِلَ عَلَيْهِ مَحْمِلًا
وَرَاكِبَيْنِ إلَى مَكَّةَ جَازَ) وَهُوَ عَلَى الذَّهَابِ خَاصَّةً.
وَفِي الْغَايَةِ عَلَى الذَّهَابِ، وَالْمَجِيءِ. (قَوْلُهُ: وَلَهُ
الْمَحْمِلُ الْمُعْتَادُ) وَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ الرَّاكِبَيْنِ،
أَوْ يَقُولُ عَلَى أَنْ أُرْكِبَ مَنْ أَشَاءُ أَمَّا إذَا قَالَ
اسْتَأْجَرْت عَلَى الرُّكُوبِ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ وَعَلَى
الْمُكَارِي تَسْلِيمُ الْحِزَامِ، وَالْقَتَبِ وَالسَّرْجِ، وَالْبُرَةِ
الَّتِي فِي أَنْفِ الْبَعِيرِ وَاللِّجَامِ لِلْفَرَسِ، وَالْبَرْدَعَةِ
لِلْحِمَارِ فَإِنْ تَلِفَ مِنْهُ شَيْءٌ فِي يَدِ الْمُكْتَرِي لَمْ
يَضْمَنْهُ كَالدَّابَّةِ، وَأَمَّا الْمَحْمِلُ، وَالْغِطَاءُ فَهُوَ
عَلَى الْمُكْتَرِي، وَعَلَى الْمُكْتَرِي إشَالَةُ الْمَحْمِلِ، وَحَطُّهُ
وَسَوْقُ الدَّابَّةِ وَقَوْدُهَا وَعَلَيْهِ أَنْ يُنْزِلَ الرَّاكِبِينَ
لِلطَّهَارَةِ وَصَلَاةِ الْفَرْضِ وَلَا يَجِبُ لِلْأَكْلِ وَصَلَاةِ
النَّفْلِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُمْ فِعْلُهُمَا عَلَى الظَّهْرِ وَعَلَيْهِ
أَنْ يُبْرِكَ الْجَمَلَ لِلْمَرْأَةِ، وَالْمَرِيضِ وَالشَّيْخِ
الضَّعِيفِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ شَاهَدَ الْجَمَّالُ الْمَحْمِلَ فَهُوَ
أَجْوَدُ) لِأَنَّ الْجَهَالَةَ تَنْتَفِي بِمُشَاهَدَةِ الْمَحْمِلِ
وَهُوَ الْهَوْدَجُ يُقَالُ فِيهِ مِحْمَلٌ بِكَسْرِ الْمِيمِ الْأُولَى
وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ وَيُقَالُ فِيهِ بِالْعَكْسِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ:
وَإِنْ اسْتَأْجَرَ بَعِيرًا لِيَحْمِلَ عَلَيْهِ مِقْدَارًا مِنْ الزَّادِ
فَأَكَلَ مِنْهُ فِي الطَّرِيقِ جَازَ أَنْ يَرُدَّ عِوَضَ مَا أَكَلَ)
وَكَذَا إذَا سُرِقَ الزَّادُ أَوْ شَيْءٌ مِنْهُ جَازَ أَنْ يَرُدَّ
عِوَضَهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَكَذَا غَيْرُ الزَّادِ مِنْ
الْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ.
قَوْلُهُ: (وَالْأُجْرَةُ لَا تَجِبُ بِالْعَقْدِ) أَيْ لَا يَجِبُ
أَدَاؤُهَا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَنْعَقِدُ شَيْئًا فَشَيْئًا عَلَى حَسَبِ
حُدُوثِ الْمَنَافِعِ، وَالْعَقْدُ مُعَاوَضَةٌ، وَمِنْ قَضِيَّةِ
الْمُعَاوَضَةِ الْمُسَاوَاةُ، وَإِذَا اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ ثَبَتَ
الْمِلْكُ فِي الْأُجْرَةِ لِتَحَقُّقِ التَّسْوِيَةِ وَكَذَا إذَا شَرَطَ
التَّعْجِيلَ، أَوْ عَجَّلَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا
سَنَةً بِعَبْدٍ مُعَيَّنٍ وَلَمْ يَقْبِضْهُ الْمُؤَجَّرُ فَأَعْتَقَهُ
الْمُسْتَأْجِرُ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ صَحَّ عِتْقُهُ وَعَلَيْهِ
قِيمَتُهُ وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمُؤَجِّرُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا
يَمْلِكُهُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَلَوْ قَبَضَهُ الْمُؤَجِّرُ
فَأَعْتَقَهُ نَفَذَ عِتْقُهُ.
(قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَقُّ بِأَحَدِ مَعَانٍ ثَلَاثَةٍ إمَّا أَنْ
يَشْتَرِطَ التَّعْجِيلَ، أَوْ بِالتَّعْجِيلِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ أَوْ
بِاسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَمْلِكُ
بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا كَانَتْ
الْأُجْرَةُ عَبْدًا بِعَيْنِهِ فَأَعْتَقَهُ الْمُؤَجِّرُ بَعْدَ
الْعَقْدِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ فَعِنْدَنَا لَا يَعْتِقُ
وَعِنْدَهُ يَعْتِقُ، ثُمَّ الْمُؤَجِّرُ إذَا شَرَطَ تَعْجِيلَ
الْأُجْرَةِ فِي الْعَقْدِ كَانَ لَهُ حَبْسُ الدَّارِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ
الْأُجْرَةَ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ كَالْمَبِيعِ، وَالْأُجْرَةَ
كَالثَّمَنِ فَكَمَا وَجَبَ حَبْسُ الْمَبِيعِ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ
الثَّمَنَ فَكَذَا يَجِبُ حَبْسُ الْمَنَافِعِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ
الْأُجْرَةَ الْمُعَجَّلَةَ وَقَوْلُهُ: أَوْ بِالتَّعْجِيلِ مِنْ غَيْرِ
شَرْطٍ فَإِذَا عَجَّلَ، ثُمَّ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ لَهُ أَنْ
يَحْبِسَ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ بِالْأُجْرَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا
يَضْمَنُهَا إذَا هَلَكَتْ قَالَ فِي شَرْحِهِ: إذَا عَجَّلَ
الْمُسْتَأْجِرُ الْأُجْرَةَ مَلَكَهَا الْمُؤَجِّرُ كَالدَّيْنِ
الْمُؤَجَّلِ إذَا عَجَّلَهُ.
فَعَلَى هَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا بِعَبْدٍ بِعَيْنِهِ وَدَفَعَهُ
إلَى صَاحِبِ الدَّارِ فَأَعْتَقَهُ صَاحِبُ الدَّارِ نَفَذَ عِتْقُهُ؛
لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالتَّعْجِيلِ فَإِنْ انْهَدَمَتْ الدَّارُ قَبْلَ
قَبْضِهَا، أَوْ اُسْتُحِقَّتْ أَوْ مَاتَ
(1/266)
أَحَدُهُمَا فَعَلَى الْمُعْتِقِ قِيمَةُ
الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ فَاتَ تَسْلِيمُ الدَّارِ فَيَلْزَمُهُ رَدُّ
الْعِوَضِ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ تَعَذَّرَ بِالْعِتْقِ فَرَجَعَ إلَى
قِيمَتِهِ وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمُسْتَأْجِرُ بَعْدَ تَسْلِيمِهِ لَمْ
يَصِحَّ عِتْقُهُ؛ لِأَنَّ الْمُؤَجِّرَ قَدْ مَلَكَهُ وَزَالَ مِلْكُ
الْمُسْتَأْجِرِ عَنْهُ وَقَوْلُهُ: أَوْ بِاسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ
عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا اسْتَوْفَى الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فَقَدْ مَلَكَ
الْمَنْفَعَةَ فَاسْتَحَقَّ مِلْكَ الْعِوَضِ فِي مُقَابَلَتِهِ فَإِنْ
شَرَطَ أَنْ لَا يُسَلِّمَ الْأُجْرَةَ إلَّا فِي آخِرِ الْمُدَّةِ، أَوْ
بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْعَمَلِ فَذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ شَرْطُ
مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْأُجْرَةِ إذَا لَمْ
يُشْتَرَطْ تَعْجِيلُهَا فِي الْعَقْدِ مَتَى تَجِبُ فَرُوِيَ عَنْ أَبِي
حَنِيفَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ أَوَّلًا: لَا يُطَالِبُهُ مَا لَمْ
يَسْتَوْفِ الْمَنْفَعَةَ كُلَّهَا أَوْ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ فِي
الْإِجَارَةِ الَّتِي تَقَعُ عَلَى الْمُدَّةِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، ثُمَّ
رَجَعَ وَقَالَ يُطَالِبُهُ عِنْدَ مُضِيِّ كُلِّ يَوْمٍ، يَعْنِي أَنَّهَا
تَجِبُ حَالًا فَحَالًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ قَالَ فِي
الْكَرْخِيِّ إذَا وَقَعَ عَقْدُ الْإِجَارَةِ وَلَمْ يُشْتَرَطْ تَعْجِيلُ
الْأُجْرَةِ وَلَمْ يَتَسَلَّمْ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ حَتَّى
أَبْرَأَ الْمُؤَجِّرُ الْمُسْتَأْجِرَ مِنْ الْأُجْرَةِ، أَوْ وَهَبَهَا
لَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَيْنًا كَانَتْ
الْأُجْرَةُ، أَوْ دَيْنًا وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ نَقْضًا لِلْإِجَارَةِ؛
لِأَنَّ الْأُجْرَةَ لَا تُمْلَكُ بِالْعَقْدِ فَإِذَا أَبْرَأَ مِنْهَا،
أَوْ وَهَبَهَا فَقَدْ أَبْرَأَ مِنْ حَقٍّ لَمْ يَجِبْ وَذَلِكَ لَا
يَصِحُّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ
مَلَكَهُ وَالتَّأْجِيلُ إنَّمَا هُوَ لِتَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ.
وَإِنَّمَا لَمْ تَبْطُلْ الْإِجَارَةُ بِقَبُولِ الْبَرَاءَةِ؛ لِأَنَّهَا
لَمْ تَصِحَّ فَوُجُودُهَا وَعَدَمُهَا سَوَاءٌ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إذَا
كَانَتْ الْأُجْرَةُ دَيْنًا جَازَ ذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ عَيْنًا
مِنْ الْأَعْيَانِ فَوَهَبَهَا الْمُؤَجِّرُ الْمُسْتَأْجِرَ قَبْلَ
اسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ إنْ قَبِلَ الْهِبَةَ بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ،
وَإِنْ رَدَّهَا لَمْ تَبْطُلْ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ لَا تَتِمُّ إلَّا
بِالْقَبُولِ فَإِذَا رَدَّهَا فَكَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا فَلِلْمُؤَجِّرِ أَنْ يُطَالِبَهُ
بِأُجْرَةِ كُلِّ يَوْمٍ إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ وَقْتَ الِاسْتِحْقَاقِ فِي
الْعَقْدِ) .
وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجِبُ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ. (قَوْلُهُ:
وَمَنْ اسْتَأْجَرَ بَعِيرًا إلَى مَكَّةَ فَلِلْجَمَّالِ أَنْ يُطَالِبَهُ
بِأُجْرَةِ كُلِّ مَرْحَلَةٍ) لِأَنَّ سَيْرَ كُلِّ مَرْحَلَةٍ مَقْصُودٌ
وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ أَوَّلًا لَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ إلَّا
بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَانْتِهَاءِ السَّفَرِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُسَلِّمَ الْأُجْرَةَ
حَتَّى يَبْلُغَ ثُلُثَ الطَّرِيقِ، أَوْ نِصْفَهُ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ
لِلْقَصَّارِ، وَالْخَيَّاطِ أَنْ يُطَالِبَا بِالْأُجْرَةِ حَتَّى
يَفْرُغَا مِنْ الْعَمَلِ) قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى: هَذَا إذَا لَمْ
يَكُنْ الْخَيَّاطُ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ أَمَّا إذَا كَانَ فِي
بَيْتِهِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ بِقَدْرِ مَا خَاطَ.
وَفِي الْهِدَايَةِ وَكَذَا إذَا عَمِلَ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ لَا
يَسْتَوْجِبُ الْأُجْرَةَ أَيْضًا قَبْلَ الْفَرَاغِ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ
فِي الْبَعْضِ غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهِ فَلَا يَسْتَوْجِبُ الْأُجْرَةَ.
(قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ التَّعْجِيلَ) لِأَنَّ الشَّرْطَ
لَازِمٌ، وَفِي الْكَرْخِيِّ إذَا خَاطَهُ فِي مَنْزِلِ صَاحِبِ الثَّوْبِ
لَمْ يَكُنْ لَهُ أُجْرَةٌ حَتَّى يَفْرُغَ فَإِذَا فَرَغَ، ثُمَّ هَلَكَ
الثَّوْبُ فَلَهُ الْأُجْرَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ
مُسَلِّمًا لِلْعَمَلِ يَعْنِي - إذَا خَاطَهُ فِي مَنْزِلِ صَاحِبِ
الثَّوْبِ -، وَعِنْدَهُمَا الثَّوْبُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ لَا يَبْرَأُ
مِنْ ضَمَانِهِ إلَّا بِتَسْلِيمِهِ إلَى صَاحِبِهِ فَإِنْ شَاءَ صَاحِبُ
الثَّوْبِ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ غَيْرَ مَخِيطٍ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ، وَإِنْ
شَاءَ مَخِيطًا وَلَهُ الْأُجْرَةُ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ اسْتَأْجَرَ خَبَّازًا لِيَخْبِزَ لَهُ فِي بَيْتِهِ
قَفِيزَ دَقِيقٍ بِدِرْهَمٍ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْأُجْرَةَ حَتَّى يُخْرِجَ
الْخُبْزَ مِنْ التَّنُّورِ) لِأَنَّ تَمَامَ الْعَمَلِ بِإِخْرَاجِهِ
وَلِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ إلَّا بَعْدَ إخْرَاجِهِ فَإِنْ احْتَرَقَ
الْخُبْزُ قَبْلَ إخْرَاجِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ فَإِنْ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ
مَخْبُوزًا أَعْطَاهُ الْأُجْرَةَ، وَإِنْ ضَمَّنَهُ دَقِيقًا لَمْ يَكُنْ
لَهُ أُجْرَةٌ وَلَا يَضْمَنُ الْحَطَبَ، وَالْمِلْحَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ
صَارَ مُسْتَهْلَكًا قَبْلَ وُجُوبِ الضَّمَانِ، وَإِنْ سُرِقَ الْخُبْزُ
بَعْدَ مَا أَخْرَجَهُ فَإِنْ كَانَ يَخْبِزُ فِي بَيْتِ صَاحِبِ
الطَّعَامِ فَلَهُ الْأُجْرَةُ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُ وَقَعَ مُسَلَّمًا،
وَبَيْتُهُ بِيَدِهِ فَاسْتَحَقَّ الْبَدَلَ بِتَسْلِيمِ الْمَنْفَعَةِ،
وَإِنْ كَانَ يَخْبِزُ فِي بَيْتِ الْخَبَّازِ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ؛
لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْهُ إلَى صَاحِبِهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا
سُرِقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ
وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ عَلَى أَصْلِهَا فِي ضَمَانِ الْأَجِيرِ
الْمُشْتَرَكِ وَقَوْلُهُ لِيَخْبِزَ لَهُ فِي بَيْتِهِ شَرْطُ كَوْنِهِ
فِي بَيْتِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ فِي بَيْتِ الْخَبَّازِ لَا تَجِبُ
الْأُجْرَةُ إذَا هَلَكَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَقَوْلُهُ: لَمْ يَسْتَحِقَّ
الْأُجْرَةَ حَتَّى يُخْرِجَ الْخُبْزَ مِنْ التَّنُّورِ يَعْنِي لَا
يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ الْأُجْرَةِ أَمَّا إذَا أَخْرَجَ بَعْضَ الْخُبْزِ
اسْتَحَقَّ مِنْ الْأَجْرِ بِحِسَابِهِ.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ اسْتَأْجَرَ طَبَّاخًا لِيَطْبُخَ لَهُ طَعَامًا
لِلْوَلِيمَةِ فَالْغَرْفُ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ الْعَمَلِ،
وَإِنْ أَفْسَدَ الطَّعَامَ
(1/267)
أَوْ أَحْرَقَهُ، أَوْ لَمْ يُنْضِجْهُ
فَهُوَ ضَامِنٌ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ لِلْوَلِيمَةِ؛ إذْ لَوْ كَانَ
لِأَهْلِ بَيْتِهِ فَلَا غَرْفَ عَلَيْهِ فَإِذَا دَخَلَ الْخَبَّازُ، أَوْ
الطَّبَّاخُ بِنَارٍ لِيَخْبِزَ، أَوْ لِيَطْبُخَ بِهَا فَوَقَعَتْ مِنْهُ
شَرَارَةٌ فَاحْتَرَقَ بِهَا الْبَيْتُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ
لَمْ يَصِلْ إلَى الْعَمَلِ إلَّا بِإِدْخَالِ النَّارِ وَهُوَ مَأْذُونٌ
لَهُ فِي ذَلِكَ وَلَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِ الْمَكَانِ إذَا احْتَرَقَ
شَيْءٌ مِنْ السُّكَّانِ فِي الدَّارِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا
فِي هَذَا السَّبَبِ كَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي مِلْكِهِ. وَإِنْ كَانَ
صَاحِبُ الدَّارِ اشْتَرَى رَاوِيَةً وَدَخَلَ بِهَا رَجُلٌ عَلَى
دَابَّتِهِ فَنَفَرَتْ الدَّابَّةُ فَخَرَّتْ عَلَى الْقُدُورِ
فَكَسَرَتْهَا، أَوْ وَقَعَ الْمَاءُ عَلَى الطَّعَامِ فَأَفْسَدَهُ فَلَا
ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِ الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَهَا بِإِذْنِ
صَاحِبِ الدَّارِ وَلَا عَلَى الطَّبَّاخِ، وَالْخَبَّازِ؛ لِأَنَّهُ
حَصَلَ بِغَيْرِ فِعْلِهِمَا.
(قَوْلُهُ: وَإِذَا اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَضْرِبَ لَهُ لَبِنًا
اسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ إذَا أَقَامَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) ؛ لِأَنَّ
الْعَمَلَ قَدْ تَمَّ بِالْإِقَامَةِ وَالتَّشْرِيجُ عَمَلٌ زَائِدٌ
كَالنَّقْلِ إلَى بَيْتِهِ، وَالْإِقَامَةُ هِيَ النَّصْبُ بَعْدَ
الْجَفَافِ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا
يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ حَتَّى يُشَرِّجَهُ) لِأَنَّ التَّشْرِيجَ مِنْ
تَمَامِ الْعَمَلِ وَالتَّشْرِيجُ هُوَ أَنْ يُرَكِّبَ بَعْضَهُ عَلَى
بَعْضٍ بَعْدَ الْجَفَافِ؛ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ إذَا تَلِفَ اللَّبِنُ
قَبْلَ التَّشْرِيجِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَلِفَ مِنْ مَالِ
الْمُسْتَأْجِرِ وَعِنْدَهُمَا مِنْ مَالِ الْأَجِيرِ، وَأَمَّا إذَا
تَلِفَ قَبْلَ الْإِقَامَةِ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ
طِينٌ مُنْبَسِطٌ.
وَفِي الْمُصَفَّى إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَعْمَلَ لَهُ لَبِنًا فِي
مِلْكِهِ فَعَمِلَهُ فَأَفْسَدَهُ الْمَطَرُ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَهُ فَلَا
أُجْرَةَ لَهُ لِعَدَمِ التَّسْلِيمِ فَإِنْ أَقَامَهُ وَلَمْ يُشَرِّجْهُ
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ تَسْلِيمٌ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ التَّشْرِيجُ مِنْ تَمَامِ
التَّسْلِيمِ، وَأَمَّا إذَا عَمِلَهُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ فَمَا لَمْ
يُشَرِّجْهُ وَيُسَلِّمْهُ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ لَا يَخْرُجُ عَنْ
ضَمَانِهِ حَتَّى إنَّهُ إذَا فَسَدَ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ لَا أُجْرَةَ لَهُ
إلَّا عِنْدَ زُفَرَ.
(قَوْلُهُ: وَإِذَا قَالَ إنْ خِطْت هَذَا الثَّوْبَ فَارِسِيًّا
فَبِدِرْهَمٍ، وَإِنْ خِطْته رُومِيًّا فَبِدِرْهَمَيْنِ جَازَ وَأَيُّ
الْعَمَلَيْنِ عَمِلَهُ اسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ) .
وَقَالَ زُفَرُ الْعَقْدُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ
مَجْهُولٌ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ عَمَلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَلَا يَصِحُّ
وَلَنَا أَنَّهُ خَيَّرَهُ بَيْنَ مَنْفَعَتَيْنِ مَعْلُومَتَيْنِ،
وَالْأُجْرَةُ لَا تَجِبُ بِالْعَقْدِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ بِالْعَمَلِ
وَبِأَخْذِهِ فِي الْعَمَلِ يَتَعَيَّنُ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ
فَكَأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى مَنْفَعَةٍ وَاحِدَةٍ وَكَذَا إذَا قَالَ
إنْ صَبَغْته بِعُصْفُرٍ فَبِدِرْهَمٍ، وَإِنْ صَبَغْته بِزَعْفَرَانٍ
فَبِدِرْهَمَيْنِ عَلَى هَذَا، ثُمَّ إذَا خَاطَهُ فَارِسِيًّا وَقَدْ
شَرَطَ عَلَيْهِ رُومِيًّا لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا مِنْ الْأُجْرَةِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ إنْ خِطْته الْيَوْمَ فَبِدِرْهَمٍ، وَإِنْ خِطْته
غَدًا فَبِنِصْفِ دِرْهَمٍ فَإِنْ خَاطَهُ الْيَوْمَ فَلَهُ دِرْهَمٌ،
وَإِنْ خَاطَهُ غَدًا فَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا
يَتَجَاوَزُ بِهِ الْمُسَمَّى وَهُوَ نِصْفُ دِرْهَمٍ) .
وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا يَنْقُصُ مِنْ نِصْفِ دِرْهَمٍ وَلَا
يُزَادُ عَلَى دِرْهَمٍ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الشَّرْطَانِ جَمِيعًا جَائِزَانِ.
وَقَالَ زُفَرُ كِلَاهُمَا فَاسِدَانِ، وَإِنْ خَاطَهُ فِي الْيَوْمِ
الثَّالِثِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ نِصْفَ دِرْهَمٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
وَهُوَ الصَّحِيحُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ لَا يُجَاوِزُ
بِهِ دِرْهَمًا، وَإِنْ قَالَ إنْ خِطْته الْيَوْمَ فَلَكَ دِرْهَمٌ،
وَإِنْ خِطْته غَدًا فَلَا شَيْءَ لَك قَالَ مُحَمَّدٌ إنْ خَاطَهُ
الْيَوْمَ فَلَهُ دِرْهَمٌ، وَإِنْ خَاطَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فَلَهُ
أُجْرَةُ مِثْلِهِ لَا يُزَادُ عَلَى دِرْهَمٍ.
. (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ إنْ سَكَّنْت هَذَا الدُّكَّانَ عَطَّارًا
فَبِدِرْهَمٍ، وَإِنْ سَكَّنْته حَدَّادًا فَبِدِرْهَمَيْنِ جَازَ وَأَيَّ
الْأَمْرَيْنِ عَمِلَ اسْتَحَقَّ الْمُسَمَّى) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا الْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ. (قَوْلُهُ:
(1/268)
وَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا كُلَّ شَهْرٍ
بِدِرْهَمٍ فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ فَاسِدٌ فِي بَقِيَّةِ
الشُّهُورِ إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ جُمْلَةَ شُهُورٍ مَعْلُومَةٍ) وَإِنَّمَا
صَحَّ فِي الشَّهْرِ الْوَاحِدِ وَهُوَ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ؛
لِأَنَّهُ عَقِيبَ الْعَقْدِ وَأُجْرَتَهُ مَعْلُومَةٌ وَالشَّهْرَ لَا
يَخْتَلِفُ، وَإِنَّمَا فَسَدَتْ فِي بَقِيَّةِ الشُّهُورِ؛ لِأَنَّ
الْإِجَارَةَ فِيهَا مَجْهُولَةٌ، وَالْأَصْلُ أَنَّ كَلِمَةَ كُلِّ إذَا
دَخَلَتْ فِيمَا لَا نِهَايَةَ لَهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْوَاحِدِ
لِتَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِالْعُمُومِ، وَأَمَّا إذَا سَمَّى جُمْلَةَ
شُهُورٍ مَعْلُومَةٍ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمُدَّةَ صَارَتْ مَعْلُومَةً.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ سَكَنَ سَاعَةً مِنْ الشَّهْرِ الثَّانِي صَحَّ
الْعَقْدُ فِيهِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُؤَجِّرِ أَنْ يُخْرِجَهُ إلَى أَنْ
يَمْضِيَ الشَّهْرُ وَكَذَلِكَ كُلُّ شَهْرٍ سَكَنَ فِي أَوَّلِهِ)
لِأَنَّهُ تَمَّ الْعَقْدُ بِتَرَاضِيهِمَا بِالسُّكْنَى فِي الشَّهْرِ
الثَّانِي.
(قَوْلُهُ:، وَإِنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا سَنَةً بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ جَازَ،
وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ قِسْطَ كُلِّ شَهْرٍ مِنْ الْأُجْرَةِ) لِأَنَّ
الْحِصَّةَ مَعْلُومَةٌ بِدُونِ التَّقْسِيمِ، ثُمَّ إنْ كَانَ الْعَقْدُ
حِينَ يُهِلُّ الْهِلَالُ فَشُهُورُ السَّنَةِ كُلُّهَا بِالْأَهِلَّةِ؛
لِأَنَّهَا هِيَ الْأَصْلُ، وَإِنْ كَانَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ
فَالْكُلُّ بِالْأَيَّامِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ
الشَّهْرُ الْأَوَّلُ بِالْأَيَّامِ، وَالْبَاقِي بِالْأَهِلَّةِ وَعَنْ
أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ
وَالثَّانِيَةُ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ.
. (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ أَخْذُ أُجْرَةِ الْحَمَّامِ، وَالْحَجَّامِ) ؛
لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - احْتَجَمَ
وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أُجْرَتَهُ، فَإِنْ شَرَطَ الْحَجَّامُ شَيْئًا
عَلَى الْحِجَامَةِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ قَدْرَ الْحِجَامَةِ
مَجْهُولٌ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ أُجْرَةِ عَسْبِ التَّيْسِ)
وَهُوَ أَنْ يُؤَجِّرَ فَحْلًا لِيَنْزُوَ عَلَى الْإِنَاثِ، وَالْعَسْبُ
هُوَ الْأُجْرَةُ الَّتِي تُؤْخَذُ عَلَى ضَرْبِ الْفَحْلِ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ) (الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْأَذَانِ،
وَالْإِقَامَةِ، وَالْحَجِّ) وَكَذَا الْإِمَامَةُ وَتَعْلِيمُ الْقُرْآنِ،
وَالْفِقْهُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ قُرْبَةٌ لِفَاعِلِهَا فَلَا
يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهَا كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فَإِذَا
اُسْتُؤْجِرَ عَلَى الْحَجِّ عَنْ الْمَيِّتِ جَازَ عَنْ الْمَيِّتِ وَلَهُ
مِنْ الْأُجْرَةِ مِقْدَارُ نَفَقَتِهِ فِي الطَّرِيقِ ذَاهِبًا وَجَائِيًا
وَيَرُدُّ الْفَضْلَ عَلَى الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ
الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا
اسْتَحْسَنُوا الِاسْتِئْجَارَ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ الْيَوْمَ؛
لِأَنَّهُ ظَهَرَ التَّوَانِي فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ فَفِي
الِامْتِنَاعِ تَضْيِيعُ حِفْظِ الْقُرْآنِ قَالَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى،
وَأَمَّا تَعْلِيمُ الْفِقْهِ فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ
بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْدَرُ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ وَيَجُوزُ
عَلَى تَعْلِيمِ اللُّغَةِ، وَالْأَدَبِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا يَجُوزُ
أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى الْجِهَادِ؛ لِأَنَّ الْأَجِيرَ إذَا حَضَرَ
الْوَقْعَةَ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْفِعْلُ فَلَزِمَهُ ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ
الِاسْتِئْجَارُ عَلَى غُسْلِ الْمَيِّتِ وَيَجُوزُ عَلَى حَفْرِ
الْقَبْرِ، وَأَمَّا حَمْلُ الْمَيِّتِ قَالَ فِي الْعُيُونِ: يَجُوزُ
الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ،.
وَفِي الْفَتَاوَى إنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُمْ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ
ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ وُجِدَ غَيْرُهُمْ جَازَ وَاخْتَلَفُوا
فِي الِاسْتِئْجَارِ عَلَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَلَى الْقَبْرِ مُدَّةً
مَعْلُومَةً قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجُوزُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ
وَهُوَ الْمُخْتَارُ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْغِنَاءِ وَالنَّوْحِ)
وَكَذَا سَائِرُ الْمَلَاهِي؛ لِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ وَلَا يَجُوزُ عَلَى
الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجُوزُ
(1/269)
وَأَمَّا الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْقِصَاصِ
فِيمَا دُونَ النَّفْسِ فَيَجُوزُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ
إبَانَةُ الْعُضْوِ وَذَلِكَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ فِي
النَّفْسِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ إفَاتَةُ الرُّوحِ وَهُوَ لَا
يَقْدِرُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ وَيَجُوزُ
الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الذَّكَاةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا قَطْعُ
الْأَوْدَاجِ دُونَ إفَاتَةِ الرُّوحِ وَذَلِكَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ
فَأَشْبَهَ الْقِصَاصَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا
بَأْسَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْقَاضِي رَجُلًا مُشَاهَرَةً عَلَى أَنْ
يَضْرِبَ الْحُدُودَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُشَاهَرَةٍ
فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا اسْتَأْجَرَهُ مُشَاهَرَةً
فَالْعَقْدُ يَقَعُ عَلَى الْمُدَّةِ عَمِلَ، أَوْ لَمْ يَعْمَلْ،
وَالْمُدَّةُ مَعْلُومَةٌ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى الضَّرْبِ فَذَلِكَ
مَجْهُولٌ فَلَا يَجُوزُ.
[إجَارَةُ الْمُشَاعِ]
(قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ إجَارَةُ الْمُشَاعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
إلَّا مِنْ الشَّرِيكِ) سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يُقْسَمُ، أَوْ مِمَّا لَا
يُقْسَمُ؛ لِأَنَّهُ أَجَّرَ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ؛ لِأَنَّ
تَسْلِيمَ الْمُشَاعِ وَحْدَهُ لَا يُتَصَوَّرُ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو
يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إجَارَةُ الْمُشَاعِ جَائِزَةٌ) لِأَنَّ التَّسْلِيمَ
مُمْكِنٌ بِالتَّخْلِيَةِ، أَوْ بِالتَّهَايُؤِ فَصَارَ كَمَا إذَا آجَرَهُ
مِنْ شَرِيكِهِ وَصَارَ كَالْبَيْعِ، وَأَمَّا رَهْنُ الْمُشَاعِ فَلَا
يَجُوزُ مِنْ الشَّرِيكِ وَغَيْرِهِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ،
وَفِيمَا لَا يَحْتَمِلُهَا عِنْدَنَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ وَهِبَةُ الْمُشَاعِ
فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ جَائِزَةٌ، وَفِيمَا يَحْتَمِلُهَا لَا
تَجُوزُ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَجُوزُ وَوَقْفُ الْمُشَاعِ
جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ ثُمَّ
الْإِجَارَةُ مَتَى حَصَلَتْ فِي غَيْرِ الْمُشَاعِ وَطَرَأَ الشُّيُوعُ
بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُبْطِلُهَا كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا
مِنْ رَجُلَيْنِ وَمَاتَ أَحَدُ الْمُؤَاجِرَيْنِ لَا تَنْتَقِضُ
الْإِجَارَةُ فِي حِصَّةِ الْحَيِّ، وَإِنْ كَانَ مُشَاعًا وَكَذَا إذَا
آجَرَ دَارِهِ مِنْ رَجُلَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً جَازَ، ثُمَّ إذَا مَاتَ
أَحَدُ الْمُسْتَأْجَرِينَ انْتَقَضَتْ الْإِجَارَةُ فِي حَقِّهِ وَبَقِيَ
فِي حَقِّ الْحَيِّ جَائِزًا.
(قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الظِّئْرِ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ)
لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}
[الطلاق: 6] وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي حُكْمِ هَذَا الْعَقْدِ
فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّ الْعَقْدَ يَقَعُ عَلَى الْمَنَافِعِ - وَهِيَ
خِدْمَةُ الصَّبِيِّ، وَالْقِيَامُ بِهِ -، وَاللَّبَنُ عَلَى طَرِيقِ
التَّبَعِ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ عَيْنٌ مِنْ الْأَعْيَانِ لَا يُسْتَحَقُّ
بِالْإِجَارَةِ إلَّا عَلَى طَرِيقِ التَّبَعِ كَالصِّبْغِ فِي الثَّوْبِ
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّ الْعَقْدَ يَقَعُ عَلَى اللَّبَنِ،
وَالْخِدْمَةُ تَبَعٌ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ أَرْضَعَتْهُ فِي الْمُدَّةِ
بِلَبَنِ شَاةٍ لَمْ تَسْتَحِقَّ الْأُجْرَةَ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَلَا
يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الزَّوْجَةِ عَلَى إرْضَاعِ وَلَدِهَا، وَكَذَا
الْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ، وَأَمَّا الْمَبْتُوتَةُ فَيَجُوزُ عَلَى
الْأَصَحِّ وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الزَّوْجَةِ لِتُرْضِعَ وَلَدَهُ مِنْ
غَيْرِهَا، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا لِتُرْضِعَ ابْنَهَا مِنْ مَالِ
الْوَلَدِ وَلِلْوَلَدِ مَالٌ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ
اسْتِئْجَارِهَا أَنَّهَا مُسْتَحَقَّةٌ لِلنَّفَقَةِ عَلَى الزَّوْجِ
وَأُجْرَةُ الرَّضَاعِ تَجْرِي مَجْرَى النَّفَقَةِ فَلَا تَسْتَحِقُّهَا
مِنْ وَجْهَيْنِ، وَإِذَا كَانَ الْعَقْدُ يَقَعُ لِلصَّغِيرِ فَلَا
نَفَقَةَ لَهَا عَلَيْهِ فَجَازَ اسْتِئْجَارُهَا كَالْأَجْنَبِيَّةِ.
(قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ بِطَعَامِهَا وَكِسْوَتِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ)
وَإِنْ لَمْ يُوصَفْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ وَيَكُونُ لَهَا الْوَسَطُ وَهِيَ
تَجْرِي مَجْرَى النَّفَقَةِ مِنْ وَجْهٍ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ،
وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ؛
لِأَنَّ ذَلِكَ مَجْهُولٌ، وَالْأُجْرَةُ إذَا كَانَتْ مَجْهُولَةً لَمْ
تَصِحَّ الْإِجَارَةُ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِلطَّبْخِ، أَوْ
الْخَبْزِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ
رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] وَهَذَا
مَذْكُورٌ فِي الْمُطَلَّقَاتِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى وَجْهِ
الْأُجْرَةِ وَلِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِي هَذَا لَا تُفْضِي إلَى
الْمُنَازَعَةِ؛ لِأَنَّ فِي الْعَادَةِ التَّوْسِعَةَ عَلَى الْأَظْآرِ
شَفَقَةٌ عَلَى الْأَوْلَادِ بِخِلَافِ الْخَبْزِ وَالطَّبْخِ فَإِنَّ
الْجَهَالَةَ فِيهَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ فَإِنْ سَمَّى
الْأُجْرَةَ دَرَاهِمَ وَوَصَفَ جِنْسَ الْكِسْوَةِ وَأَجَلَهَا
وَذَرْعَهَا فَهُوَ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ وَلَيْسَ لِلظِّئْرِ أَنْ
تُؤَجِّرَ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْأَجِيرِ
الْخَاصِّ.
(قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَمْنَعَ زَوْجَهَا مِنْ
وَطْئِهَا) مَخَافَةَ الْحَبَلِ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ حَقٌّ لَهُ أَلَا تَرَى
أَنَّ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْإِجَارَةَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ صِيَانَةً
لِحَقِّهِ إلَّا أَنَّ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ غِشْيَانِهَا
فِي مَنْزِلِهِ؛ لِأَنَّ الْمَنْزِلَ حَقُّهُ وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ
يَحْبِسُوا الظِّئْرَ فِي مَنْزِلِهِمْ إذَا لَمْ يَشْرِطُوا ذَلِكَ
عَلَيْهَا وَلَهَا أَنْ تَأْخُذَ الصَّبِيَّ إلَى مَنْزِلِهَا؛ لِأَنَّهُمْ
اسْتَحَقُّوا عَلَيْهَا الْعَمَلَ وَلَمْ يَسْتَحِقُّوهُ فِي مَكَان
(1/270)
مَخْصُوصٍ وَهِيَ مُؤْتَمَنَةٌ عَلَيْهِ
وَعَلَى كِسْوَتِهِ وَحُلِيِّهِ فَإِنْ سُرِقَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ لَمْ
يَلْزَمْهَا ضَمَانُهُ؛ لِأَنَّهَا أَجِيرٌ خَاصٌّ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ
حَبِلَتْ كَانَ لَهُمْ أَنْ يَفْسَخُوا الْإِجَارَةَ) إذَا خَافُوا عَلَى
الصَّبِيِّ مِنْ لَبَنِهَا؛ لِأَنَّ لَبَنَ الْحَامِلِ يَضُرُّ
بِالصَّبِيِّ فَكَانَ ذَلِكَ عُذْرًا فِي الْفَسْخِ وَكَذَا إذَا مَرِضَتْ
لَهُمْ أَنْ يَفْسَخُوا الْإِجَارَةَ؛ لِأَنَّ لَبَنَ الْمَرِيضَةِ يَضُرُّ
بِالصَّبِيِّ وَلَهَا أَيْضًا أَنْ تَفْسَخَ؛ لِأَنَّ الْمَرَضَ عُذْرٌ
وَلِلزَّوْجِ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ الرَّضَاعِ إنْ لَمْ يَكُنْ تَسَلَّمَ
الْأُجْرَةَ وَقَدْ قَالُوا فِي الظِّئْرِ: إذَا كَانَتْ مِمَّنْ
يَشِينُهَا الْإِرْضَاعُ فَلِأَهْلِهَا أَنْ يَفْسَخُوا ذَلِكَ؛
لِأَنَّهُمْ يُعَيَّرُونَ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ فِي الْمَثَلِ:
تَمُوتُ الْحُرَّةُ وَلَا تَأْكُلُ بِثَدْيِهَا وَكَذَلِكَ إذَا
امْتَنَعَتْ مِنْ الْإِرْضَاعِ فَلَهَا ذَلِكَ إذَا كَانَ يَشِينُهَا
الرَّضَاعُ فَإِنْ كَانَتْ الظِّئْرُ سَارِقَةً وَخَافُوا عَلَى مَتَاعِ
الصَّبِيِّ مِنْهَا فَلَهُمْ أَنْ يَفْسَخُوا، وَإِنْ كَانُوا يُؤْذُونَهَا
بِأَلْسِنَتِهِمْ أُمِرُوا بِالْكَفِّ عَنْهَا فَإِنْ فَعَلُوا، وَإِلَّا
كَانَ لَهَا الْفَسْخُ.
(قَوْلُهُ: وَعَلَيْهَا أَنْ تُصْلِحَ طَعَامَ الصَّبِيِّ) بِأَنْ تَمْضُغَ
لَهُ الطَّعَامَ وَلَا تَأْكُلَ شَيْئًا يُفْسِدُ لَبَنَهَا وَيَضُرُّ
بِالصَّبِيِّ وَعَلَيْهَا طَبْخُ طَعَامِهِ وَغَسْلُ ثِيَابِهِ وَمَا
يُعَالَجُ بِهِ الْأَطْفَالُ مِنْ الدُّهْنِ وَالرَّيْحَانِ وَغَيْرِ
ذَلِكَ، وَأَمَّا طَعَامُهُ فَعَلَى أَهْلِهِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ مَا
ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ مِنْ الدُّهْنِ وَالرَّيْحَانِ أَنَّهُ عَلَى الظِّئْرِ
فَذَلِكَ مِنْ عَادَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَفِي شَرْحِهِ إنْ جَرَتْ
الْعَادَةُ بِأَنَّهُ عَلَيْهَا فَهُوَ عَلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ تَجْرِ
بِذَلِكَ فَهُوَ عَلَى أَهْلِهِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَرْضَعَتْهُ فِي
الْمُدَّةِ بِلَبَنِ شَاةٍ فَلَا أَجْرَ لَهَا) ؛ لِأَنَّ هَذَا إيجَارٌ
وَلَيْسَ بِإِرْضَاعٍ، وَإِنَّمَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ بِالْإِرْضَاعِ
فَإِنْ اسْتَأْجَرَتْ الظِّئْرُ لَهُ ظِئْرًا أُخْرَى فَأَرْضَعَتْهُ
فَلَهَا الْأُجْرَةُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ إرْضَاعَ الثَّانِيَةِ يَقَعُ
لِلْأُولَى فَكَأَنَّهَا أَرْضَعَتْهُ بِنَفْسِهَا، وَفِي الْقِيَاسِ لَا
أَجْرَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى عَمَلِهَا قَالَ فِي
الْكَرْخِيِّ إذَا كَانَ الصَّبِيُّ لَا يَرْضَعُ لَبَنَهَا، أَوْ
يَتَقَيَّأُ مِنْهُ، أَوْ تَكُونُ سَارِقَةً، أَوْ زَانِيَةً تَتَشَاغَلُ
بِالزِّنَا عَنْ حِفْظِ الصَّبِيِّ فَلِأَهْلِهِ أَنْ يَفْسَخُوا
الْإِجَارَةَ، وَإِنْ ضَاعَ الصَّبِيُّ مِنْ بَيْتِهَا، أَوْ سَقَطَ
فَمَاتَ، أَوْ سُرِقَ شَيْءٌ مِنْ ثِيَابِهِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهَا؛
لِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ عَلَيْهِ وَقَدْ أَخَذَتْهُ بِإِذْنِ أَهْلِهِ.
(قَوْلُهُ: وَكُلُّ صَانِعٍ لِعَمَلِهِ أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ فَلَهُ أَنْ
يَحْبِسَ الْعَيْنَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ عَمَلِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ
الْأُجْرَةَ كَالصَّبَّاغِ، وَالْقَصَّارِ) وَكَذَا الْخَيَّاطُ فَلَوْ
حَبَسَ فَضَاعَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ
غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي الْحَبْسِ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ لِهَلَاكِ
الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ؛
لِأَنَّ الشَّيْءَ فِي يَدِهِ مَضْمُونٌ قَبْلَ الْحَبْسِ فَإِذَا حَبَسَهُ
أَوْلَى أَنْ يُضْمَنَ لَكِنَّهُ عِنْدَهُمَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ
ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ غَيْرَ مَعْمُولٍ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ
مَعْمُولًا وَلَهُ الْأُجْرَةُ.
وَفِي الذَّخِيرَةِ إنْ كَانَ الْقَصَّارُ يَقْصُرُ بِالنَّشَا،
وَالْبَيْضِ فَلَهُ حَقُّ الْحَبْسِ، وَإِنْ كَانَ يُبَيِّضُ الثَّوْبَ لَا
غَيْرُ فَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ لَيْسَ
لِعَمَلِهِ أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْعَيْنَ
كَالْحَمَّالِ، وَالْمَلَّاحِ) لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ نَفْسُ
الْعَمَلِ وَهُوَ غَيْرُ قَائِمٍ فِي الْعَيْنِ فَلَا يُتَصَوَّرُ حَبْسُهُ
وَغَسْلُ الثَّوْبِ نَظِيرُ الْحَمْلِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْآبِقِ حَيْثُ
يَكُونُ لِلرَّادِّ حَبْسُهُ لِاسْتِيفَاءِ الْجُعْلِ وَلَا أَثَرَ
لِعَمَلِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَى شَرَفِ الْهَلَاكِ وَقَدْ أَحْيَاهُ
فَكَأَنَّهُ بَاعَهُ مِنْهُ فَلَهُ حَقُّ الْحَبْسِ فَإِنْ حَبَسَ
الْحَمَّالُ الْمَتَاعَ فَهُوَ غَاصِبٌ؛ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِعَمَلِهِ،
وَالْعَيْنُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ فَإِذَا حَبَسَهَا بِدَيْنِهِ صَارَ
غَاصِبًا كَالْوَدِيعَةِ فَإِنَّهَا لَا تُحْبَسُ لِأَجْلِ الدَّيْنِ،
ثُمَّ إذَا حَبَسَ الْعَيْنَ ضَمِنَهَا ضَمَانَ الْغَصْبِ وَصَاحِبُهَا
بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهَا مَحْمُولَةً وَلَهُ
الْأَجْرُ، وَإِنْ شَاءَ غَيْرَ مَحْمُولَةٍ بِلَا أَجْرٍ قَالَ أَبُو
يُوسُفَ: فِي الْحَمَّالِ إذَا بَلَغَ الْمَنْزِلَ فَطَلَبَ الْأُجْرَةَ
قَبْلَ أَنْ يَضَعَ الشَّيْءَ مِنْ رَقَبَتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ
حَتَّى يَضَعَهُ؛ لِأَنَّ الْإِنْزَالَ مِنْ تَمَامِ الْعَمَلِ.
. (قَوْلُهُ: وَإِذَا شَرَطَ عَلَى الصَّانِعِ أَنْ يَعْمَلَ بِنَفْسِهِ
فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ غَيْرَهُ) بِأَنْ قَالَ: عَلَى أَنْ
تَعْمَلَ بِنَفْسِك، أَوْ بِيَدِك أَمَّا إذَا قَالَ عَلَى أَنْ تَخِيطَهُ
فَهُوَ مُطْلَقٌ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى. (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَطْلَقَ
لَهُ الْعَمَلَ فَلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَعْمَلُهُ) ؛ لِأَنَّ
الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ عَمَلٌ فِي ذِمَّتِهِ وَيُمْكِنُهُ إيفَاؤُهُ
بِنَفْسِهِ وَبِالِاسْتِعَانَةِ بِغَيْرِهِ
(1/271)
بِمَنْزِلَةِ إيفَاءِ الدَّيْنِ.
(قَوْلُهُ: وَإِذَا اخْتَلَفَ الْخَيَّاطُ وَصَاحِبُ الثَّوْبِ فَقَالَ
صَاحِبُ الثَّوْبِ: أَمَرْتُك أَنْ تَعْمَلَهُ قَبَاءً وَقَالَ الْخَيَّاطُ
قَمِيصًا، أَوْ قَالَ صَاحِبُ الثَّوْبِ لِلصَّبَّاغِ أَمَرْتُك أَنْ
تَصْبُغَهُ أَحْمَرَ فَصَبَغْته أَصْفَرَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ
الثَّوْبِ مَعَ يَمِينِهِ) لِأَنَّ الْإِذْنَ مُسْتَفَادٌ مِنْ جِهَةِ
صَاحِبِ الثَّوْبِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَلِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَمْ
آذَنْ لَك فِي الْعَمَلِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَكَذَا هَذَا؛
لَكِنَّهُ يُحَلَّفُ؛ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ شَيْئًا لَوْ أَقَرَّ بِهِ
لَزِمَهُ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ حَلَفَ فَالْخَيَّاطُ ضَامِنٌ) يَعْنِي إنْ
شَاءَ صَاحِبُ الثَّوْبِ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبِهِ، وَإِنْ شَاءَ
أَخَذَهُ وَأَعْطَاهُ أَجْرَ مِثْلِهِ وَكَذَا فِي مَسْأَلَةِ الصَّبْغِ
إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبِهِ أَبْيَضَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ
الثَّوْبَ وَأَعْطَاهُ أَجْرَ مِثْلِهِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ الْمُسَمَّى
كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَلَوْ جَاءَ إلَى خَيَّاطٍ بِثَوْبٍ فَقَالَ
لَهُ: اُنْظُرْ إلَى هَذَا الثَّوْبِ إنْ كَفَانِي قَمِيصًا فَاقْطَعْهُ
وَخِطْهُ بِدِرْهَمٍ فَقَالَ: نَعَمْ يَكْفِيك، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ أَنْ
قَطَعَهُ: لَا يَكْفِيك ضَمِنَ قِيمَةَ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا
أَدْخَلَ عَلَيْهِ حَرْفَ شَرْطٍ وَهِيَ " إنْ " فَقَدْ أَمَرَهُ بِقَطْعٍ
مَوْصُوفٍ بِشَرْطِ الْكِفَايَةِ فَإِذَا لَمْ يَكْفِ لَمْ تُوجَدْ
الصِّفَةُ الْمَشْرُوطَةُ فَضَمِنَ، وَإِنْ قَالَ: اُنْظُرْ أَيَكْفِينِي
قَمِيصًا؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: اقْطَعْهُ فَإِذَا هُوَ لَا يَكْفِيهِ لَا
يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِقَطْعٍ مُطْلَقٍ عَارٍ عَنْ الْوَصْفِ
وَالشَّرْطِ جَمِيعًا وَقَدْ فَعَلَ مَا أَمَرَهُ فَلِهَذَا لَمْ يَضْمَنْ.
وَلَوْ دَفَعَ إلَى قَصَّارٍ ثَوْبًا لِيَقْصُرَهُ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ
فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي جَاءَهُ صَاحِبُ الثَّوْبِ
يَطْلُبُهُ مِنْهُ فَجَحَدَهُ إيَّاهُ، ثُمَّ جَاءَهُ فِي الْيَوْمِ
الثَّالِثِ فَسَلَّمَهُ إلَيْهِ مَقْصُورًا وَطَلَبَ الْأُجْرَةَ إنْ كَانَ
قَصَرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجْحَدَهُ فَلَهُ الْأُجْرَةُ؛ لِأَنَّهُ قَصَرَهُ
لَهُ عَلَى مُوجَبِ الْعَقْدِ وَجَحَدَهُ مَقْصُورًا فَلَهُ الْأُجْرَةُ،
وَإِنْ قَصَرَهُ بَعْدَمَا جَحَدَهُ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ
قَصَرَهُ لِنَفْسِهِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ صَاحِبُ الثَّوْبِ
عَمِلْتَهُ لِي بِغَيْرِ أُجْرَةٍ وَقَالَ الصَّانِعُ بِأُجْرَةٍ
فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الثَّوْبِ مَعَ يَمِينِهِ عِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ) ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَا قِيمَةَ لَهَا إلَّا مِنْ جِهَةِ
الْعَقْدِ، وَالْأَصْلُ أَنَّهُ لَمْ يَجْرِ بَيْنَهُمَا عَقْدٌ
فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ تَقَوُّمَ
عَمَلِهِ وَالصَّانِعُ يَدَّعِيهِ فَكَانَ الْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ مَعَ
يَمِينِهِ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ كَانَ حَرِيفًا لَهُ)
أَيْ مُعَامِلًا لَهُ (فَلَهُ الْأُجْرَةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَرِيفًا
فَلَا أُجْرَةَ لَهُ) لِأَنَّهُ إذَا كَانَ حَرِيفًا فَقَدْ جَرَتْ
عَادَتُهُ أَنَّهُ يَخِيطُ لَهُ بِأُجْرَةٍ فَصَارَ الْمُعْتَادُ
كَالْمَنْطُوقِ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَرِيفًا فَلَا عَادَةَ
فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ.
(قَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ كَانَ الصَّانِعُ مُبْتَذِلًا لِهَذِهِ
الصَّنْعَةِ بِالْأُجْرَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إنَّهُ عَمِلَهُ
بِأُجْرَةٍ) لِأَنَّهُ لَمَّا فَتَحَ الْحَانُوتَ لِأَجْلِ ذَلِكَ وَنَصَبَ
نَفْسَهُ لِلْخِيَاطَةِ جَرَى ذَلِكَ مَجْرَى التَّنْصِيصِ عَلَى الْأَجْرِ
اعْتِبَارًا لِلظَّاهِرِ، وَالْقِيَاسُ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ
وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ.
(قَوْلُهُ: وَالْوَاجِبُ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ
لَا يَتَجَاوَزُ بِهَا الْمُسَمَّى) .
وَقَالَ زُفَرُ لَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَهَذَا
إذَا كَانَ الْمُسَمَّى مَعْلُومًا أَمَّا إذَا كَانَ مَجْهُولًا كَمَا
إذَا اسْتَأْجَرَ عَلَى دَابَّةٍ، أَوْ ثَوْبٍ، أَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا
عَلَى أَنْ يَعْمُرَهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا
بَلَغَ إجْمَاعًا وَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا وَلَمْ يُسَمِّ لَهُ
أَجْرًا يَجِبُ لَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، ثُمَّ
الْأُجْرَةُ لَا تَجِبُ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ بِالتَّخْلِيَةِ
بَلْ إنَّمَا تَجِبُ بِحَقِيقَةِ الِانْتِفَاعِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ
الصَّحِيحَةِ حَيْثُ تَجِبُ الْأُجْرَةُ بِالتَّخْلِيَةِ انْتَفَعَ بِهَا
أَوْ لَمْ يَنْتَفِعْ إذَا خُلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا.
. (قَوْلُهُ: وَإِذَا قَبَضَ الْمُسْتَأْجِرُ الدَّارَ فَعَلَيْهِ
الْأُجْرَةُ، وَإِنْ لَمْ يَسْكُنْهَا) لِأَنَّهُ تَمَكَّنَ مِنْ
الِاسْتِيفَاءِ فَأَوْجَبَ ذَلِكَ اسْتِقْرَارَ الْبَدَلِ. (قَوْلُهُ:
فَإِنْ غَصَبَهَا غَاصِبٌ مِنْ يَدِهِ سَقَطَتْ الْأُجْرَةُ) هَذَا إذَا
غَصَبَهَا
(1/272)
قَبْلَ أَنْ يَسْكُنَهَا أَمَّا إذَا
غَصَبَهَا بَعْدَمَا سَكَنَ فِيهَا مُدَّةً سَقَطَ عَنْهُ مِنْ الْأَجْرِ
بِحِسَابِ ذَلِكَ وَلَزِمَهُ أُجْرَةُ مَا سَكَنَ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ
وَجَدَ بِهَا عَيْبًا يَضُرُّ بِالسُّكْنَى فَلَهُ الْفَسْخُ) لِأَنَّهُ
لَا يُمْكِنُهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا إلَّا بِضَرَرٍ وَلَهُ أَنْ يَنْفَرِدَ
بِالْفَسْخِ وَلَا يُحْتَاجَ إلَى الْقَضَاءِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَارَيْنِ
فَسَقَطَتْ إحْدَاهُمَا، أَوْ مَنَعَهُ مَانِعٌ مِنْ أَحَدِهِمَا، أَوْ
حَدَثَ فِي أَحَدِهِمَا عَيْبٌ يَنْقُصُ السُّكْنَى فَلَهُ أَنْ
يَتْرُكَهُمَا جَمِيعًا إذَا كَانَ عَقَدَ عَلَيْهِمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً،
ثُمَّ حُدُوثُ الْعَيْبِ بِالْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا لَا يُؤَثِّرُ فِي الْمَنَافِعِ فَلَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ
كَالْعَبْدِ الْمُسْتَأْجَرِ إذَا ذَهَبَتْ إحْدَى عَيْنَيْهِ وَذَلِكَ لَا
يَضُرُّ بِالْخِدْمَةِ وَكَالدَّارِ إذَا سَقَطَ مِنْهَا حَائِطٌ لَا
يُنْتَفَعُ بِهِ فِي سُكْنَاهَا فَهَذَا لَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ، وَإِنْ
كَانَ النَّقْصُ يُؤَثِّرُ فِي الْمَنَافِعِ كَالْعَبْدِ إذَا مَرِضَ، أَوْ
الدَّابَّةِ إذَا دَبِرَتْ، أَوْ الدَّارِ إذَا انْهَدَمَ بَعْضُ
بِنَائِهَا فَلِلْمُسْتَأْجِرِ الْخِيَارُ فَإِنْ بَنَى الْمُؤَجِّرُ مَا
سَقَطَ فَلَا خِيَارَ لِلْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ زَالَ
وَتَطْيِينُ الدَّارِ، وَإِصْلَاحُ مَيَازِيبِهَا وَمَا وَهَنَ مِنْ
بِنَائِهَا عَلَى مَالِكِهَا دُونَ الْمُسْتَأْجِرِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى
ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَا يُجْبَرُ عَلَى إصْلَاحِ مِلْكِهِ
وَلِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَخْرُجَ إذَا لَمْ يُصْلِحْ الْمُؤَجِّرُ ذَلِكَ
وَكَذَا إصْلَاحُ بِئْرِ الْمَاءِ، وَالْبَالُوعَةِ وَبِئْرِ الْمَخْرَجِ
عَلَى الْمَالِكِ أَيْضًا وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ امْتَلَأَ
مِنْ فِعْلِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَإِذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ، وَفِي
الدَّارِ تُرَابٌ مِنْ كَنْسِ الْمُسْتَأْجِرِ، أَوْ رَمَادٌ فَعَلَيْهِ
أَنْ يَرْفَعَهُ؛ لِأَنَّهُ حَدَثَ بِفِعْلِهِ فَصَارَ كَمَتَاعٍ وَضَعَهُ
فِيهَا، وَإِنْ أَصْلَحَ الْمُسْتَأْجِرُ شَيْئًا مِنْ خَلَلِ الدَّارِ
فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ لَا يُحْتَسَبُ لَهُ.
(قَوْلُهُ: وَإِذَا خَرِبَتْ الدَّارُ، أَوْ انْقَطَعَ شِرْبُ الضَّيْعَةِ
أَوْ انْقَطَعَ الْمَاءُ عَنْ الرَّحَى انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ) يَعْنِي
لَهُ فَسْخُهَا، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ إلَى
الْفَسْخِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ إنَّ
الْعَقْدَ لَا يَنْفَسِخُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْمُؤَجِّرَ إذَا
بَنَاهَا لَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَمْنَعَ وَلَا لِلْمُؤَجِّرِ
وَهَذَا تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَنْفَسِخْ فَيَكُونُ مَعْنَى
قَوْلِ الشَّيْخِ انْفَسَخَتْ أَيْ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَفْسَخَ،
وَإِذَا آجَرَ دَارِهِ، ثُمَّ بَاعَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ
فَالْبَيْعُ جَائِزٌ حَتَّى إنَّ الْمُدَّةَ إذَا انْقَضَتْ كَانَ
الْبَيْعُ لَازِمًا لِلْمُشْتَرِي وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ
الْآخِذِ وَلَوْ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ أَجَازَ الْبَيْعَ جَازَ الْبَيْعُ
وَبَطَلَتْ الْإِجَارَةُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ وَلَوْ فَسَخَ
فَإِنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا
وَقْتَ الشِّرَاءِ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ
الْبَائِعَ بِالتَّسْلِيمِ إلَى أَنْ تَمْضِيَ الْإِجَارَةُ، وَإِنْ لَمْ
يَكُنْ عَالِمًا وَقْتَ الشِّرَاءِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ نَقَضَهُ
بِالْعَيْبِ، وَإِنْ شَاءَ أَمْضَاهُ.
(قَوْلُهُ: وَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَقَدْ عَقَدَ
الْإِجَارَةَ لِنَفْسِهِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ) أَمَّا مَوْتُ
الْمُسْتَأْجِرِ فَلِأَنَّ الْعَقْدَ اقْتَضَى اسْتِحْقَاقَ الْأُجْرَةِ
مِنْ مَالِهِ فَلَوْ بَقَّيْنَا الْإِجَارَةَ بَعْدَ مَوْتِهِ
اُسْتُحِقَّتْ الْأُجْرَةُ مِنْ مِلْكِ الْغَيْرِ، وَإِنْ كَانَ
الْمُؤَجِّرُ هُوَ الَّذِي مَاتَ فَلَوْ بَقَّيْنَا الْإِجَارَةَ بَعْدَ
مَوْتِهِ اُسْتُوْفِيَتْ الْمَنَافِعُ مِنْ مِلْكِ غَيْرِهِ وَهَذَا لَا
يَجُوزُ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ عَقَدَهَا لِغَيْرِهِ لَمْ تَنْفَسِخْ)
مِثْلُ الْوَكِيلِ، وَالْوَصِيِّ، وَالْأَبِ إذَا آجَرَ لِابْنِهِ
الصَّغِيرِ، وَالْمُتَوَلِّي فِي الْوَقْفِ إذَا عَقَدَ ثُمَّ مَاتَ
وَلَيْسَ هَذَا كَمَنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ، ثُمَّ مَاتَ فَإِنَّ النِّكَاحَ
لَا يَبْطُلُ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ لَا
يَقَعُ عَلَى الْمَنَافِعِ، وَإِنَّمَا يَقَعُ عَلَى مِلْكِ
الِاسْتِبَاحَةِ وَذَلِكَ يُمْلَكُ بِالْعَقْدِ وَلَوْ مَاتَ أَحَدُ
الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَفِي الْأَرْضِ زَرْعٌ لَمْ يَسْتَحْصِدْ
فَلِلْمُسْتَأْجِرِ، أَوْ وَرَثَتِهِ أَنْ يَدَعُوا ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ
وَيَكُونَ عَلَيْهِمْ مَا سُمِّيَ مِنْ الْأُجْرَةِ وَلَا يُشْبِهُ هَذَا
إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ، وَفِي الْأَرْضِ زَرْعٌ لَمْ يَسْتَحْصِدْ
فَإِنَّ الزَّرْعَ يُتْرَكُ وَيَجِبُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ
الْبَدَلَ لَمَّا وَجَبَ وَلَا تَسْمِيَةَ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ لَمْ
يَكُنْ إلَّا أُجْرَةَ الْمِثْلِ.
(قَوْلُهُ: وَيَصِحُّ شَرْطُ الْخِيَارِ فِي الْإِجَارَةِ) وَيُعْتَبَرُ
ابْتِدَاءُ مُدَّةِ الْخِيَارِ مِنْ
(1/273)
وَقْتِ الْإِجَارَةِ.
(قَوْلُهُ: وَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِالْأَعْذَارِ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ
دُكَّانًا فِي السُّوقِ لِيَتَّجِرَ فِيهِ فَذَهَبَ مَالُهُ وَكَمَنْ آجَرَ
دَارًا، أَوْ دُكَّانًا فَأَفْلَسَ وَلَزِمَتْهُ دُيُونٌ لَا يَقْدِرُ
عَلَى قَضَائِهَا إلَّا مِنْ ثَمَنِ مَا آجَرَهُ فَسَخَ الْقَاضِي
الْعَقْدَ وَبَاعَهَا فِي الدَّيْنِ) فِي هَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ
يَفْتَقِرُ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي فِي النَّقْضِ وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي
الزِّيَادَاتِ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ
عُذْرٌ فَالْإِجَارَةُ فِيهِ تَنْتَقِضُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا
يُحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ، وَطَرِيقُ الْقَضَاءِ أَنْ يَبِيعَ
الْمُؤَجِّرُ الدَّارَ أَوَّلًا فَإِذَا بَاعَ وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى
التَّسْلِيمِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ فَالْمُشْتَرِي يَرْفَعُ
الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي وَيَلْتَمِسُ مِنْهُ فَسْخَ الْبَيْعِ
وَتَسْلِيمَ الدَّارِ إلَيْهِ فَالْقَاضِي يُمْضِي الْبَيْعَ فَيَنْفُذُ
الْبَيْعُ وَتَنْتَقِضُ الْإِجَارَةُ، وَالْقَاضِي لَا يَنْقُضُ
الْإِجَارَةَ مَقْصُودًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَقَضَهَا مَقْصُودًا رُبَّمَا
لَا يَتَّفِقُ الْبَيْعُ فَيَكُونُ النَّقْضُ إبْطَالًا لِحَقِّ
الْمُسْتَأْجِرِ مَقْصُودًا وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ كَذَا فِي الْفَوَائِدِ
وَلَوْ أَرَادَ الْمُسْتَأْجِرُ أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْ الْبَلَدِ فَلَهُ
أَنْ يَنْقُضَ الْإِجَارَةَ فِي الْعَقَارِ وَغَيْرِهِ وَكَذَا إذَا
أَفْلَسَ بَعْدَمَا اسْتَأْجَرَ دُكَّانًا لِيَبِيعَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا
أَفْلَسَ لَا يَنْتَفِعُ بِالدُّكَّانِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا
لِلْخِدْمَةِ فَوَجَدَهُ سَارِقًا فَهُوَ عُذْرٌ فِي الْفَسْخِ؛ لِأَنَّهُ
لَا يُمْكِنُهُ اسْتِيفَاءُ الْمَنَافِعِ إلَّا بِضَرَرٍ.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيُسَافِرَ عَلَيْهَا، ثُمَّ
بَدَا لَهُ أَنْ يَقْعُدَ مِنْ السَّفَرِ فَهُوَ عُذْرٌ) وَلَا يُجْبَرُ
عَلَى السَّفَرِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ ضَرَرًا عَلَيْهِ، وَكَذَا إذَا
مَرِضَ الْمُكْتَرِي؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ السَّفَرُ إلَّا بِضَرَرٍ
وَكَذَا إذَا تَرَكَ الْمُكْتَرِي السَّفَرَ لِعُذْرٍ يَلْحَقُهُ مِثْلُ
أَنْ يَعْزِمَ عَلَى تَرْكِ السَّفَرِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، أَوْ اكْتَرَى
دَارًا فِي بَلَدٍ، ثُمَّ نَوَى السَّفَرَ، وَتَرَكَ الْمُقَامَ فَلَهُ
الْفَسْخُ وَلِلْمُكْتَرِي أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ؛
لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ الْفَسْخَ لِمَعْنًى آخَرَ غَيْرِ مَا
أَظْهَرَهُ، وَإِنْ كَانَ وَجَدَ جِمَالًا أَرْخَصَ مِنْ جِمَالِهِ، أَوْ
دَارًا أَرْخَصَ مِنْ دَارِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ؛ لِأَنَّهُ
قَدْ رَضِيَ بِالْمِقْدَارِ الْمَذْكُورِ وَكَذَا لَيْسَ لِلْمُؤَجِّرِ
أَنْ يَفْسَخَ إذَا وَجَدَ زِيَادَةً عَلَى الْأَجْرِ الَّذِي آجَرَهَا
بِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رَضِيَ بِالْمِقْدَارِ الْمَذْكُورِ. (قَوْلُهُ:
وَإِنْ بَدَا لِلْمُكَارِي أَنْ يَقْعُدَ مِنْ السَّفَرِ فَلَيْسَ
بِعُذْرٍ) لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْعُدَ وَيَبْعَثَ بِالدَّوَابِّ
مَعَ أَجِيرِهِ، أَوْ غُلَامِهِ وَلَوْ مَرِضَ الْمُؤَجِّرُ فَكَذَا
الْجَوَابُ عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ، وَفِي الْكَرْخِيِّ: هُوَ عُذْرٌ
وَهُوَ الْأَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرَى عَنْ ضَرَرٍ، وَلِأَنَّهُ قَدْ
لَا يَرْضَى بِخُرُوجِ غَيْرِهِ فِي دَوَابِّهِ، وَإِنْ مَرِضَ الْجَمَّالُ
فَظَاهِرُ رِوَايَةِ الْأَصْلِ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَكُونَ عُذْرًا.
وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ هُوَ عُذْرٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي امْرَأَةٍ
وَلَدَتْ يَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ أَنْ تَطُوفَ لِلزِّيَارَةِ فَأَبَى
الْجَمَّالُ أَنْ يُقِيمَ مَعَهَا قَالَ هَذَا عُذْرٌ وَنَقْضُ
الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى الْخُرُوجِ قَبْلَ الطَّوَافِ
وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَلْزَمَ الْجَمَّالَ أَنْ يُقِيمَ مُدَّةَ النِّفَاسِ
فَفُسِخَتْ الْإِجَارَةُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُمَا، وَإِنْ كَانَتْ
وَلَدَتْ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ مُدَّةِ النِّفَاسِ إلَّا
كَمُدَّةِ الْحَيْضِ، أَوْ أَقَلَّ أُجْبِرَ الْجَمَّالُ عَلَى الْمُقَامِ
مَعَهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ قَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِمُقَامِ
الْحَاجِّ فِيهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْحَجِّ وَاَللَّهُ تَعَالَى
أَعْلَمُ. |