اللباب في الجمع بين السنة والكتاب

 (كتاب اللّعان)

(بَاب لَا يُلَاعن بِنَفْي الْوَلَد، لِأَنَّهُ قد يجوز أَن لَا يكون حملا)

لِأَن مَا يظْهر من الْمَرْأَة (مِمَّا يتَوَهَّم بِهِ أَنَّهَا حَامِل) لَا يعلم أَنه حمل حَقِيقَة، إِنَّمَا هُوَ توهم، وَنفي المتوهم لَا يُوجب اللّعان.
فَإِن قيل: فقد رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام لَاعن بِالْحملِ.
قيل لَهُ: هَذَا حَدِيث مُخْتَصر، اخْتَصَرَهُ الَّذِي رَوَاهُ فغلط فِيهِ، وَأَصله حَدِيث عُوَيْمِر الْعجْلَاني وَقد كَانَ قذف امْرَأَته بِالزِّنَا فلاعن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بَينهمَا وَكَانَت حُبْلَى.

(2/693)


فَإِن قيل: قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " فَإِن جَاءَت بِهِ كَذَا فَهُوَ لزَوجهَا، وَإِن جَاءَت بِهِ كَذَا فَهُوَ لفُلَان. دَلِيل على أَن الْحمل هُوَ الْمَقْصُود بِالْقَذْفِ وَاللّعان.
قيل لَهُ: لَو كَانَ اللّعان بِالْحملِ لَكَانَ منتفيا من الزَّوْج غير لَاحق بِهِ أشبه أَو لم يشبه. أَلا ترى أَنَّهَا لَو كَانَت وَضعته قبل أَن يقذفها فنفى وَلَدهَا وَكَانَ أشبه النَّاس بِهِ (أَنه) يُلَاعن بَينهمَا، وَيفرق، وَيلْزم الْوَلَد أمه، (وَلَا يلْحق بالملاعن لشبهه) . وَفِي هَذَا دَلِيل على أَن اللّعان لم يكن يَنْفِي الْوَلَد حَال كَونه حملا. وَقد قَالَ أَعْرَابِي لرَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " إِن امْرَأَتي ولدت غُلَاما أسود، وَإِنِّي أنكرته، فَقَالَ: هَل لَك من إبل؟ قَالَ: نعم، قَالَ: مَا ألوانها؟ قَالَ: حمر، قَالَ: مَه هَل فِيهَا من أَوْرَق؟ قَالَ: إِن فِيهَا (لورقا) ، قَالَ: فَأنى ترى ذَلِك جاءها؟ قَالَ: يَا رَسُول الله عرق نَزعهَا، قَالَ: (فَلَعَلَّ هَذَا) عرق نَزعه ". فَلَمَّا لم يرخص رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي نَفْيه لبعد شبهه مِنْهُ، وَكَانَ الشّبَه غير دَلِيل، ثَبت أَن جعل النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ولد الْمُلَاعنَة من زَوجهَا إِن جَاءَت (بِهِ) على شبهه دَلِيل على أَن اللّعان لم يكن نَفَاهُ. فَثَبت بِهَذَا فَسَاد قَول من يرى (خلاف) ذَلِك.
(بَاب الْوَلَد للْفراش)

التِّرْمِذِيّ: عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " الْوَلَد للْفراش وللعاهر الْحجر " (حَدِيث) حسن صَحِيح.

(2/694)


فَإِن قيل: فِي هَذَا دَلِيل على أَن نفي الْوَلَد لَا يُوجب اللّعان.
قيل لَهُ: روى مَالك: عَن نَافِع، عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا: " أَن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فرق بَين المتلاعنين، وألزم الْوَلَد أمه ". وَهَذِه سنة عَن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لَا نعلم شَيْئا نسخهَا وَلَا عارضها. وعَلى هَذَا إِجْمَاع الصَّحَابَة من بعده، على مَا حكمُوا بِهِ فِي مِيرَاث ابْن الْمُلَاعنَة، فجعلوه لَا أَب لَهُ، وجعلوه من قوم أمه، وأخرجوه من قوم الْملَاعن. ثمَّ على ذَلِك تابعوهم من بعدهمْ. ثمَّ لم يزل النَّاس على ذَلِك. فَالْقَوْل عندنَا فِي هَذَا على مَا فَعَلُوهُ.
(بَاب / لَا تقع الْفرْقَة بَين المتلاعنين حَتَّى يفرق الْحَاكِم بَينهمَا)

التِّرْمِذِيّ: عَن نَافِع، عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لَاعن رجل امْرَأَته، وَفرق النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] (بَينهمَا) ، وَألْحق الْوَلَد بِالْأُمِّ ".
وَصَحَّ عَن سعيد بن جُبَير (أَنه) قَالَ: سَأَلت ابْن عمر فَقلت: " المتلاعنان يفرق بَينهمَا؟ فَقَالَ: لَاعن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ثمَّ فرق بَينهمَا ". وَفِي (آخر) حَدِيث عُوَيْمِر

(2/695)


الْعجْلَاني: " فَلَمَّا فرغا من تلاعنهما قَالَ عُوَيْمِر: كذبت عَلَيْهَا يَا رَسُول الله إِن أَمْسَكتهَا، فَطلقهَا عُوَيْمِر ثَلَاثًا قبل أَن يَأْمُرهُ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ".
قَالَ مَالك: " قَالَ ابْن شهَاب: فَكَانَت تِلْكَ سنة المتلاعنين ". وَلَو كَانَت الْفرْقَة تقع بِاللّعانِ لما صَحَّ تفريقه وَلَا طَلَاقه.
(بَاب الْملَاعن إِذا كذب نَفسه حد وَحل لَهُ التَّزْوِيج بالملاعنة)

لِأَن اللّعان قد ارْتَفع لما أكذب نَفسه، بِدَلِيل لُحُوق النّسَب، وَوُجُوب الْحَد، فَيَعُود حل النِّكَاح.
فَإِن قيل: رُوِيَ أَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قَالَ: " المتلاعنان لَا يَجْتَمِعَانِ أبدا ".
قيل لَهُ: المُرَاد بِهِ مَا داما متلاعنين، كَقَوْل الْقَائِل: الْمُصَلِّي لَا يتَكَلَّم والمتناكحان والمتبايعان حكمهمَا كَذَا وَكَذَا، أَي مَا دَامَ العقد بَينهمَا.
فَإِن قيل: رُوِيَ فِي بعض الْأَحَادِيث عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ: " أَن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قَالَ للَّذي لَاعن امْرَأَته: لَا سَبِيل لَك عَلَيْهَا ".

(2/696)


قيل لَهُ: إِن الْملَاعن ظن أَن لَهُ الْمُطَالبَة بِالْمهْرِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي تَمام الحَدِيث لما قَالَ لَهُ: " لَا سَبِيل لَك عَلَيْهَا، قَالَ: يَا رَسُول الله مَالِي، قَالَ: لَا مَال لَك، إِن كنت قد صدقت عَلَيْهَا فَهُوَ بِمَا استحللت من فرجهَا، وَإِن كنت كذبت عَلَيْهَا فَذَاك أبعد لَك مِنْهَا " وَهَذَا فِي الصَّحِيح.
(بَاب)

إِذا مَضَت أَرْبَعَة أشهر وَلم يفء إِلَيْهَا بَانَتْ مِنْهُ بتطليقة من حِين آلى. وَبِه يَقُول بعض أهل الْعلم من أَصْحَاب رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . وَهُوَ مَذْهَب سُفْيَان الثَّوْريّ. وَالْمُعْتَمد فِي ذَلِك قَوْله تَعَالَى: {للَّذين يؤلون من نِسَائِهِم تربص أَرْبَعَة أشهر} والتربص: الِانْتِظَار، والفيء: الرُّجُوع. وَالله أعلم.

(2/697)


فارغة

(2/698)