المبسوط للسرخسي دار الفكر

ج / 29 ص -3-         بسم الله الرحمن الرحيم
باب الوصية بأكثر من الثلث لوارث فيجيز ذلك بعض الورثة
قال رحمه الله: وإذا ترك الرجل ابنين فأوصى لأحدهما بنصف ماله فأجاز ذلك له أخوه أخذ نصف المال بالوصية والباقي بينهما نصفان" لأن الوصية بما زاد على الثلث والوصية للوارث إنما تمتنع بقوله لحق الورثة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"لا وصية لوارث إلى أن يجيزه الورثة" فإذا وجدت الإجازة فقد زال المانع فيأخذ الموصى له نصف المال بطريق الوصية والإرث ينبغي عن المستحق بالوصية يبقي ماله النصف الباقي فيكون بين الاثنين نصفين بالميراث.
فإن قيل: لماذا لم يجعل الميراث مقدما على الوصية للوارث حتى يأخذ نصف المال بالميراث والنصف الباقي بالوصية لإجازة كما قال في الزيادات في امرأة لا وارث لها إلا زوجها فاوصت له بنصف مالها فإنه يأخذ النصف بالميراث ثم النصف الباقي بالوصية.
قلنا: لأن هناك بعض المال فارغ عن الميراث فإيجابها بالوصية ينصرف إلى ذلك الفاضل وها هنا جميع المال مشغول بالميراث فليس البعض يصرف الإيجاب بالوصية إليه بأولى من البعض فلهذا أخذ نصف المال بالوصية أولا.
ولو كان أوصى مع هذا بنصف ماله لأجنبي فأجاز ذلك كله الوارثان فإن الأجنبي يأخذ نصف المال ويأخذ الموصى له من الوارثين نصف المال ولا ميراث لهما لأن المانع من تنفيذ الوصية قد زال بإجازة الوارثين وما أوجبه بالوصية شامل لجميع المال فلهذا يأخذ كل واحد منهما جميع المال بالوصية، ثم الموصى له الأجنبي يأخذ ثلث المال بلازمة الإجازة وهو أربعة من اثنى عشر يبقى في يد الابنين ثمانية في يد كل واحد منهما أربعة وقد بقى إلى تمام حق الأجنبي سهمان في يد كل واحد منهما سهم فيأخذ ذلك من يد كل واحد منهما حتى يسلم له نصف المال بقى في يد الموصى له من الابنين ثلاثة فيأخذ ذلك بطريق الوصية ويأخذ بفضل ما في يد أخيه وهو ثلاثة لأنه أجاز له الوصية وقد بقى إلى تمام حقه ثلاثة فيأخذ ذلك من أخيه ولم يبق شيء من المال ليكون ميراثا لهما.
ولو كان الابن الذي لم يوص أجاز جميع وصية أبيه ولم يجز الآخر وصية الأجنبي يأخذ ثلث المال بغير إجازة لأن الثلث محل الوصية ووصية الأجنبي أقوى من الوصية للوارث والضعيف لا يزاحم القوى فلهذا أخذ الثلث وهو أربعة من اثني عشر ويبقى لكل واحد من

 

ج / 29 ص -4-         الابنين أربعة وقد بقي إلى تمام حقه سهمان في يد كل واحد منهما سهم فيأخذ من المجيز سهما واحدا ويسلم للابن الموصى له وصيته كلها لأن في يده أربعة أسهم والباقي إلى تمام وصيته سهمان يأخذهما من أخيه المجيز يبقى في يد المجيز سهم واحد فيأخذ ذلك أيضا ليكون بمقابلة ما سلمه المجيز إلى الأجنبي بإجازته أو يمسك من الأربعة التي في يده سهما بمقابلة ما سلمه المجيز إلى الأجنبي يبقى في يده ثلاثة وفي يد المجيز ثلاثة فيأخذ جميع ذلك منه باعتبار أنه أجاز له الوصية ويخرج المجيز من الميراث.
ولو ترك ابنين فأوصى لأجنبي بنصف ماله وأوصى لأحد ابنيه بكمال النصف مع نصيبه فأجاز ذلك الوارثان أخذ الأجنبي أربعة بغير إجازة ثم يأخذ الأجنبي ما بقي في يد كل واحد منهما سهما سهما بالإجازة حتى يسلم له نصف المال ويأخذ الابن الموصى له من أخيه سهمين بكمال النصف بنصيبه لأنه كان في يده أربعة أسهم إلى تمام النصف سهمان فيأخذهما من أخيه باعتبار إجازته وصيته.
فإن قيل: لماذا لم يعتبر ما بقي في يده وهو ثلاثة أسهم حتى يأخذ من أخيه ثلاثة؟.
قلنا: لأنه قد سلم سهما للأجنبي بإجازة وصيته وما سلم إليه من ذلك محسوب عليك ميراثه فلهذا أخذ من أخيه سهمين فيجعل له كمال النصف بنصيبه فيسلم للأجنبي ستة وللابن الموصى خمسة ويبقى للابن الآخر سهم.
ولو أجاز الابن الذي لم يوص له الأجنبي ولم يجز لأخيه ولم يجز أخوه للأجنبي أخذ الأجنبي ثلث المال بغير الإجازة منه وأخذ من الذي أجاز له سهم واحد لأن المستحق له بالإجازة من نصيبه هذا المقدار فيأخذه ولا يأخذ بالنصيب الآخر شيئا لأنه لم يجز له الوصية فيصير في يده خمسة وفي يد الابن المجيز للأجنبي ثلاثة وفي يد الابن الموصى له أربعة نصيبه من الميراث. وإذا ترك ثلاثة بنين فأوصى لرجل بمثل نصيب أحدهم وأوصى لآخر بثلث ماله فهذا على وجهين إما أن يجيز ذلك الورثة أو لا يجيزونه فإن أجازوا فالقسمة من ستة للموصى له بالثلث سهمان وللموصى له بمثل نصيب أحدهم سهم وما بقي فبين الورثة أثلاثا لأنا نأخذ عدد البنين وهم ثلاثة فنزيد عليه للموصى له بمثل النصيب سهما لأنه جعله في الاستحقاق كابن بالغ له ثم الوصية بثلث المال تزيد على ما في يدنا وهو أربعة مثل نصفه وذلك سهمان فتكون ستة أسهم للموصي له بالثلث سهمان وللموصى له بمثل النصيب سهم والباقي وهو ثلاثة بين البنين أثلاثا، فإن لم يجيزوا فالقسمة من تسعة في قول أبي يوسف والثلث من ذلك ثلاثة للموصى له بالثلث سهمان وللموصى له بمثل النصيب سهم اعتبارا بحال الإجازة أولا فرق بين الحالتين في حق الموصى لهما وفي حال الإجازة كان للموصى له بالثلث ضعف ما للموصى له بمثل النصيب فكذلك عند عدم الإجازة فيكون الثلث بينهما أثلاثا لكل واحد منهم سهمان ووصية الموصى له بمثل النصيب مثل نصيب البنين فعرفنا أن نصيبه سهمان ووصية الموصى له بالثلث ثلاثة من تسعة فيضرب كل واحد

 

ج / 29 ص -5-         منهما بجميع وصيته فلهذا كان الثلث بينهم على خمسة والمال كله على خمسة عشر.
ولو ترك ابنا واحدا فأوصى لرجل بمثل نصيبه وأوصى لآخر أيضا بمثل نصيبه فإن أجاز الوارث لهما جميعا فالمال بينهما وبين الابن أثلاثا لكل واحد منهم ثلث المال لأنه جعل كل واحد منهما بما أوجب له بالوصية كما لو أحد وقد أجاز ذلك الابن المعروف فكانوا بمنزلة ثلاثين بنين فيكون المال بينهم أثلاثا.
ولو أجاز لأحدهما ثم أجاز للآخر بعد ذلك كان للأول سدسا جميع المال وللآخر سدس المال وثلاثة أرباع سدس المال لأنهما استحقا ثلث المال بينهما نصفين قبل الإجازة وبقي في يد الابن ثلثا المال أربعة من ستة فحين أجاز لاحدهما فقد سواه بنفسه فيضم ما في يده وهو سهم إلى ما في يد ابنه وهو أربعة فيكون بينهما نصفين لكل واحد منهما سهمان ونصف فنصف المال انكسر بالإنصاف فيكون المال من اثني عشر في يد كل واحد من الموصي له سهمان وفي يد الابن ثمانية، فإذا ضممنا ما في يد الذي أجاز له إلى ما في يد الابن يكون ذلك عشرة بينهما نصفان لكل واحد منهما خمسة ثم لما أجاز صحت إجازته فيما بقي في يده لا في إبطال شيء مما صار مستحقا للأول وهو بهذه الإجازة سوى الثاني بنفسه فيضم ما في يده وهو سهمان إلى ما في يد الابن فيكون سبعة بينهما نصفان لكل واحد منهما ثلاثة ونصف فيضعفه للبناء بالإنصاف فتكون أربعة وعشرين للأول من ذلك عشرة وهو سدسان ونصف سدس كل سدس أربعة وللثاني سبعة وهو سدس وثلاثة أرباع سدس ويبقى للابن مثل ذلك.
ولو كان أحدهما قابلا للموصى له فاختار الوارث لهما معا أو أجاز للقابل أولا فهو سواء والمال بينهم أثلاثا لأن الوصية للقابل إنما لا تجوز لحق الوارث فيزول المانع بإجازة الوارث لهما معا، أو للقابل أولا، وهذا لأن الموصى له الآخر قد استحق الثلث من غير مزاحمة القابل فيه وإجازته لهما أو للقابل في الحقيقة تكون إجازة للقابل، وإن أجاز الذي لم يقبل أولا ثم أجاز للقابل أخذ الأول نصف المال لأنه قد استحق ثلث المال من غير أن يزاحمه القابل فيه فإن الضعيف لا يزاحم القوى وحين أجاز وصيته له فقد سواه بنفسه في استحقاق المال فصار هو استحقاق لنصف المال كاملا ثم إجازته للقابل تعمل في حقه لا في حق الأول وقد سواه بنفسه فيما بقي والباقي نصف المال فهو بينهما نصفان لكل واحد منهما الربع.
ولو ترك ابنين فأوصى لرجل بمثل نصيب أحدهما وأوصى لآخر بمثل نصيب أحدهما فأجاز أحد الابنين لأحدهما ثم أجازا جميعا بعد ذلك للباقي فإن الفريضة من أربعة وخمسين سهما للموصى له الذي أجاز له أحدهما اثنا عشر سهما تسعة منها بغير إجازة وثلاثة من نصيب الذي أجاز له خاصة وسهمان من نصيب الذي أجاز لصاحبه قبله لأنهما لو أجازا لهما الوصيتين كان المال بينهما أرباعا ولو لم يجيزا كان للموصى لهما ثلث المال، فثلث

 

ج / 29 ص -6-         المال سالم لهما بغير إجازة والثلثان بين الاثنين نصفان فيكون أصل المسألة من سبعة ثم حين أجاز أحد الابنين لأحدهما فقبول إجازته لأحدهما معتبرة بإجازتهما له ولو أجازا له لكان يضم نصيبه وهو سهم إلى نصيبهما وهو أربعة فيكون مقسوما بينهم أثلاثا لا يستقيم فيضرب ستة في ثلاثة فتكون ثمانية عشر في يد كل واحد من الابنين ستة وفي يد كل واحد من الموصى لهما ثلاثة ثم يضم ما في يده منهم خمسة فحين أجاز الآخر ضممنا ما في يده وهو ثلاثة إلى ما في أيديهما وهو عشر فيكون ثلاثة عشر بينهم أثلاثا لا يستقيم فيضرب ثمانية عشر في ثلاثة فتكون أربعة وخمسين ومنه تصح المسألة في يد الموصى لهما الثلث وهو ثمانية عشر في يد كل واحد منهما تسعة وفي يد كل بن ثمانية عشر فحين أجاز أحدهما لأحد الموصى لهما يعتبر إجازته بإجازتهما، ولو أجاز كان يأخذ مما في يد كل واحد منهما ثلاثة حتى يصير له خمسة ويبقى لكل واحد منهما خمسة عشر، فإذا أجاز أحدهما أخذ بما في يده ثلاثة حصته من الإجازة فتكون له اثنا عشر ثم لما أجاز الآخر فإنه يأخذ من الذي أجاز له خاصة ثلاثة أسهم مثل ما أخذه صاحبه من الأول لأن هذا أول مجيز في حقه ويأخذ من الآخر سهمين لأنهما لو كانا أجازا للأول ثم أجاز للآخر لكان يضم ما في يده وهو تسعة إلى ما في أيديهما وهو ثلاثون فيكون بينهم أثلاثا لكل واحد منهم ثلاثة عشر فعرفنا أن الذي يسلم له أربعة أسهم بهذه الإجازة في يد كل واحد منهما سهمان فيجعل فيما يأخذ هو من الذي أجازا للأول ثم أجازا له، فإذا أخذ منه سهمين كان له أربعة عشر سهما تسعة يغير إجازة وثلاثة من الذي أجاز له خاصة وسهمان مما أخذه من الآخر.
ولو ترك ثلاث بنين وأوصى لرجل بربع ماله ولآخر بمثل نصيب أحدهم فأجازوا فالفريضة من ستة عشر سهما، لأنا نجعل أصل الحساب من أربعة لمكان الوصية بالربع فيعطي الموصي له بالربع سهمان بطريق الاعتبار والباقي بين البنين الثلاثة لكل بن سهم فزيد على ذلك مثل النصيب سهم فيكون أربعة وقسمة الثلاث على أربعة لا يستقيم فيضرب أربعة في أربعة فتكون ستة عشر للموصى له بالربع أربعة والموصي له بمثل النصيب ربع ما بقي وهو ثلاثة وما بقي وهو تسعة بين البنين الثلاثة لكل ابن ثلاثة، وإن لم يجيزوا فالثلث بينهما على سبعة أسهم في قول أبي يوسف لأنه يعتبر حال عدم الإجازة بحالة الإجازة على معنى أن كل ما واحد منهما يضرب في الثلث بسهام حقه غير الإجازة وحق صاحب الربع أربعة وحق صاحب النصف ثلاثة فيكون بينهما على سبعة، وعند محمد رحمه الله الثلث بينهما نصفان لأن كل واحد منهما لو انفرد استحق ربع المال فإن من ترك ثلاثة بنين وأوصى بمثل نصيب أحدهم كان للموصى له ربع المال فعرفنا أن حقهما فيما أوجب بهذه الوصية سواء فيكون الثلث بينهما نصفين.
ولو ترك خمسة بنين وأوصى لرجل بنصف ماله ولآخر بنصف نصيب أحدهم فأجازوا فالفريضة من اثني عشر لأن الوصية الموصى له بنصف المال يأخذ النصف والنصف الآخر

 

ج / 29 ص -7-         بين البنين والموصى له بمثل النصيب على ستة لأنك تأخذ عدد البنين وتزيد عليه لصاحب النصف سهما فإذا صار النصف على ستة كان الكل اثنى عشر للموصى له بالنصف ستة وللموصى له بمثل النصيب سهم، وإن لم يجيزوا ففي المسألة ثلاثة أقاويل:
في قول أبي حنيفة: الثلث بينهما على أربعة لصاحب النصف ثلاثة لأن من أصله أن الوصية بما زاد على الثلث تبطل عند عدم الإجازة ضربا واستحقاقا فيتراجع حق صاحب النصف إلى الثلث والباقي وهو الثلثان بين البنين والموصى له بالنصيب في ثلاثة يضرب بذلك في الثلث وحق الموصى له بالنصف في سهم يضرب به في الثلث فيكون الثلث بينهما على أربعة.
وفي قول أبي يوسف: الثلث بينهما على أحد عشر لأن سهام المال تسعة كما قاله أبو حنيفة فإنا نجعل للموصى له بالنصف لابتداء الثلث بطريق الاعتبار لتبيين نصيب الآخر بقسمة الثلثين النصف عند أبي يوسف في الثلث وذلك أربعة ونصف والموصى له بالنصيب يضرب بسهم فيكون الثلث بينهما على خمسة ونصف فأضعفه للكسر بالإنصاف فيكون أحد عشر للموصى له بالنصف تسعة وللآخر سهمان.
وفي قول محمد: الثلث بينهما على تسعة ونصف لأن الموصى له بالنصف يأخذ الثلث بطريق الاعتبار والباقي وهو الثلثان مقسوم بين البنين أخماسا فإذا صار الثلثان على خمسة كان جميع المال سبعة ونصفا فانكسر فأضعفه فيكون خمسة عشر الثلث من ذلك خمسة والباقي وهو عشرة بين البنين لكل واحد منهم سهمان ووصية صاحب النصيب مثل نصيب أحدهم وذلك سهمان ثم الموصى له بالنصف يضرب في الثالث بنصف المال وهو سبعة ونصف لأن سهام المال خمسة عشر والموصى له بالنصيب يضرب بسهمين فيكون الثلث بينهما على تسعة أسهم ونصف لصاحب النصف سبعة ونصف وللآخر سهمان.
ولو ترك ابنين وأوصى لرجل بنصف ماله ولآخر بمثل نصيب أحد ابنيه فأجازوا فلصاحب النصف ثلاثة من ستة ولصاحب المثل سهم لأن صاحب النصف يأخذ النصف ثم يقسم النصف الباقي بين الابنين وصاحب النصف على ثلاثة لأنا نزيد على عدد البنين واحدا للموصى له بالنصف، فإذا صار النصف ثلاثة كان الكل ستة لصاحب النصف ثلاثة ولصاحب المثل سهم والباقي بين الابنين، وإن لم يجيزوا فالثلث بينهما أخماس في قياس قول أبي يوسف لأن صاحب النصف عند عدم الإجازة يتراجع إلى الثلث فيأخذ الثلث ويقسم الثلثان على ثلاثة بنين نصيب الموصى له بالنصيب، وإذا صار ثلاثة كان المال أربعة ونصفا فأضعفه للكسر فيكون تسعة فإنما يضرب الموصى له بالنصف في الثلث بثلاثة أسهم والموصى له بالنصيب بسهمين فيكون الثلث بينهما على خمسة والمال كله خمسة عشر سهما وفي قول أبي يوسف الثلث بينهما على ثلاثة عشر لأن الموصى له بالنصف يعزل له الثلث بطريق الاعتبار ويقسم ما بقي بينهم أثلاثا لتبين وصية الآخر فيكون المال على أربعة ونصف وبعد

 

ج / 29 ص -8-         التضعيف يكون تسعة ثم الموصى له بالنصف إنما يضرب بأربعة ونصف وهو نصف المال والموصى له بمثل النصيب إنما يضرب بسهمين وهو ثلث الثلثين فيكون الثلث بينهما على ستة ونصف فإذا أضعفته كان ثلاثة عشر لصاحب النصف تسعة وللأخر أربعة في قول محمد رحمه الله الثلث بينهما على خمسة كما هو قول أبي حنيفة رحمه الله لأنك إذا عزلت ثلث المال وقسمت الثلثين بين الابنين نصفين كان جميع المال على ثلاثة فإنما يضرب الموصى له بالنصف بنصف ذلك وهو سهم ونصف والآخر إنما يضرب بنصيب أحد الابنين وهو سهم فيكون الثلث بينهما بعد التضعيف على خمسة للموصى له بالنصف ثلاثة وللموصى له بالمثل سهمان.
ولو ترك ابنين فأوصى لرجل بثلثي ماله ولآخر بمثل نصيب أحدهما فأجازوا فإن الموصى له بالمثل في قياس قول أبي حنيفة رحمه الله يأخذ سهمين من خمسة عشر من جميع المال لأن الورثة لو لم يجيزوا كان نصيبه هذا المقدار فلا يجوز أن ينقص حقه بإجازة الورثة لأن إجازتهم إنما تعتبر في حقه لتوفير المنفعة عليه لا الإضرار، وإنما قلنا أن نصيبه عند عدم الإجازة هذا لأن وصية صاحب الثلثين فيما زاد على الثلث عند عدم الإجازة تبطل ضربا واستحقاقا وإنما يضرب هو بثلاثة من تسعة والموصى له بالمثل بسهمين فيكون الثلث بينهما على خمسة كما في المسألة المتقدمة فعرفنا أن له عند عدم الإجازة سهمين من خمسة عشر فلو اعتبرنا الإجازة في حقه لكان له سهم من تسعة للموصى له بالثلثين ستة ولصاحب المثل سهم لأنه بمنزلة بن ثالث والباقي بين الابنين والإجازة في قوله خير لهما لأنهم لو لم يجيزوا كانت الفريضة على قوله من أربعة وعشرين بالطريق الذي قلنا انه يقول الثلث ويقسم الثلثان بين الابنين ويزاد لصاحب المثل سهم فيصير على ثلاثة والمال أربعة ونصف وبعد التضعيف يكون تسعة ثم صاحب الثلثين يضرب في الثلث بجميع وصيته وذلك ستة وصاحب النصيب بوصيته وذلك سهمان فيكون الثلث بينهما على ثمانية، وإذا صار الثلث على ثمانية كان المال كله أربعة وعشرين فظهر أن في الإجازة منفعة لهما، ولو كان فيه ضرر فذلك إنما يثبت حكما فأما الوارث ما قصد بالإجازة إلا توفير المنفعة عليهما فلا يكون هذا الإضرار مضافا إلى إجازة الوارث.
وفي قول محمد، رحمه الله في حالة الإجازة مذهبه كمذهب أبي يوسف كما في المسائل المتقدمة وعند عدم الإجازة الثلث بينهما أثلاثا ثلثاه لصاحب الثلثين وثلثه لصاحب المثل لأن عنده المال على ثلاثة أسهم وأنا نقول الثلث ونجعل الباقي بين الابنين نصفين فتبين أن وصية صاحب المثل سهم ثم صاحب الثلثين يضرب بسهمين في الثلث وصاحب المثل يضرب بسهم فيكون الثلث بينهما أثلاثا.
ولو ترك ابنين فأوصى لرجل بمثل نصيب الثالث لو كان فيه ربع المال لأن مثل الشيء غيره ومثل نصيب الثالث بأن يزيد على الثالث سهما فيكون أربعة فعرفنا أنه ربع المال. ولو

 

ج / 29 ص -9-         كان أوصى له بمثل نصيب الخامس ثم الباقي وهو الخمسة بين الابنين نصفين فيزيد عليه للموصى له بمثل نصيب أحدهما سهمين ونصف مثل نصيب أحدهما فإذا زدت على خمسة مرة سهما ومرة سهمين ونصفا فيكون ذلك ثمانية ونصفا تضعفه فيكون سبعة عشر كان للموصى له بمثل نصيب خامس سهم أضعفه فيكون له سهمان وكان للموصى له بمثل نصيب أحدهما نصفا سهمين ونصفا أضعفه فيكون خمسة والباقي وهو عشر بين الابنين نصفان وأخذ منهما خمسة مثل ما أخذ الموصى له بمثل نصيب أحدهما، ولو قسمت هذه العشرة بين خمسة بنين كان لكل واحد منهم سهمان مثل ما أخذه الموصى له بمثل نصيب الخامس ولو كان أوصى له بمثل رابع لو كان ولآخر بمثل نصيب خامس لو كان فأجازوا كان للموصى له بمثل نصيب الخامس أربعة أجزاء من تسعة وعشرين جزءا من جميع المال وللآخر خمس الباقي لأنه اجتمع ها هنا وصيتان بمثل نصيب رابع وبمثل نصيب خامس فيضرب مخرج الربع في مخرج الخمس وذلك أربعة في خمسة فيكون عشرين ثم يزيدان عليه للموصى له بمثل نصيب رابع وذلك خمسة فللموصى له بمثل نصيب خامس الخمس وذلك أربعة فتكون تسعة فظهر أن المال على تسعة وعشرين سهما يأخذ الموصى له بمثل نصيب الرابع من ذلك خمسة والآخر أربعة والباقي بين الابنين نصفان وإن قسمت الباقي بين أربعة كان لكل واحد منهم أربعة، وإن لم يجيزوا فكذلك الجواب في هذا الفصل لأن الوصية أقل من الثلث فلا تختلف بالإجازة وعدم الإجازة وفي الفصل الأول إذا لم يجيزوا كان الثلث بينهما على سبعة لأن كل واحد منهما عند عدم الإجازة يضرب في الثلث بحقه وحق الموصى له بمثل نصيب خامس سهمان وحق الآخر خمسة فيكون الثلث بينهما أسباعا لهذا.
ولو ترك ابنين فأوصى لرجل بمثل نصيب خامس لو كان فأجازوا فالقسمة من تسعة وثلاثين جزأ وهذا بناء على الفصل المتقدم فقد جعلنا هناك المال على تسعة وعشرين وكان المقسوم بين الابنين عشرين لكل واحد منهما عشرة في هذا الفصل والوصية بمثل نصيب أحدهما تزيد على المال مثل نصيب أحدهما وهو عشرة فيكون على تسعة وثلاثين للموصى له بمثل نصيب أحدهما أثلاثا، وإن لم يجيزوا كان الثلث بينهم على تسعة عشر لأن كل واحد منهم يضرب في الثلث بسهام حقه أحدهم بعشرة والآخر بخمسة والآخر بأربعة فلهذا كان الثلث بينهم على تسعة عشر.
ولو ترك ابنين فأوصى لرجل بثلث ماله ولآخر بمثل نصيب رابع ومثل نصيب الرابع سبع ما بقي من المال والباقي بين الابنين والموصى له يمسك نصيب أحدهما أثلاث والفريضة من أحد وعشرين لأن الموصى له بالثلث يأخذ الثلث ثم يوجد عدد الأربعة فيزاد عليه واحد لتبيين نصيب الموصي له بمثل نصيب الرابع فيكون خمسة للموصي له نصف الرابع سهم والباقي وهو أربعة بين الابنين نصفان لكل واحد منهما سهمان فيزاد للموصى له بمثل نصيب أحدهما سهمان، فإذا قدرنا على ثلثي المال وهو أربعة للموصى له بمثل نصيب الرابع سهم وللموصى

 

ج / 29 ص -10-       له بمثل نصيب أحدهما سهمان فيصير سبعة أسهم للموصى له بمثل نصيب الرابع من ذلك سهم وهو سبع ما بقي من المال والباقي بين الابنين والموصي له بمثل نصيب أحدهما أثلاثا، فإذا صار ثلثاي المال على سبعة كان الكل عشرة ونصفا تضعفه للكسر فيكون أحدا وعشرين للموصى له بالثلث سبعة ولصاحب نصيب الرابع سهمان وللثالث أربعة، وإن لم يجيزوا كان الثلث بينهم على ثلاثة عشر لأن كل واحد منهم يضرب في الثلث بسهام حقه أحدهم بسبعة والآخر بأربعة والآخر بسهمين فيكون جملة ذلك ثلاثة عشر.
ولو كان أوصى لرجل بمثل نصيب سادس لو كان ولآخر بمثل نصيب أم لو كانت فإن الموصى له بمثل نصيب السادس يأخذ خمسة أسهم من أربعين سهما وهذا تطويل غير محتاج إليه فإن نصيب الأم من هذه التركة السدس ومثل الشيء غيره فالوصية بمثل نصيب السادس والوصية بمثل نصيب الأم لو كانت سواء في المقدار فإنما يزاد لكل واحد منهما سهم على ستة فتكون القسمة على ثمانية لكل واحد من الموصى لهما سهم والباقي وهو سهم بين الابنين.
قال رضي الله عنه في الكتاب خرجه من خمسة أمثال وذلك أربعون سهما وأعطى كل واحد منهما خمسة ولا فرق بين خمسة من أربعين وبين سهم من ثمانية.
ولو ترك ابنين فأوصى لرجل بمثل نصيب أحدهما إلا ثلث جميع المال فإنه رد على الوارثين فالفريضة من سبعة للموصى له بمثل نصيب أحدهما أربعة ويرد منها ثلث المال على الورثة وذلك ثلاثة لأنك تأخذ عدد الابنيين فتزيد على ذلك للموصى له بمثل النصيب سهمان فيكون ثلاثة ثم تضرب ذلك في ثلاثة لمكان الاستثناء وهو قوله إلا الثلث فيكون تسعة فهذا هو المال ومعرفة النصيب بأن تأخذ النصيب وهم سهم فتضربه في ثلاثة فيكون ثلاثة ثم تزيد عليه سهمين لمكان الاستثناء لأن بسبب المستثنى يزداد مال الوارث وكلما ازداد مال الوارث ازداد النصيب فظهر أن النصيب أربعة فإذا دفعت إلى الموصى له بالنصيب أربعة ففي يد الورثة خمسة ثم يسترجع بالاستثناء منه ثلث جميع المال وهو ثلاثة فتضمه إلى ما في يد الوارث فيصير ثمانية بين الابنين لكل واحد منهما أربعة مثل النصيب وعلى طريق الدينار والدرهم تجعل المال دينارا أو درهما فتعطي بالنصيب دينارا وتسترجع بالاستثناء ثلث دينار وثلث درهم فيصير معك درهم وثلث دينار وحاجة الورثة إلى دينارين لأنا جعلنا النصيب دينارا بمثله قصاصا يبقى في يدك درهم وثلث يعدل دينارا وثلثي دينار فتضرب كل واحد منهما في ثلاثة للكسر فتصير الدنانير خمسة والدراهم أربعة ثم نقلت الفضة ونجعل آخر الدراهم آخر الدنانير وآخر الدنانير آخر الدراهم فصار كل دينار بمعنى أربعة وكل درهم بمعنى خمسة ثم نعود إلى الأصل فنكون كأنا جعلنا المال دينارا ودرهما فذلك تسعة وأعطينا بالنصيب دينارا وذلك أربعة فتبين أن النصيب أربعة من تسعة ثم التخريج كما بينا.
ولو ترك خمسة بنين وأوصى لأحدهم بكمال الثلث مع نفسه وأوصى لأجنبي بثلث ما

 

ج / 29 ص -11-       بقي من الثلث فإن الأجنبي يأخذ سبع جميع المال لأنه لا مزاحمة للوصية للوارث مع الوصية للأجنبي فيأخذ الأجنبي كمال حقه كأنه لم يوص لأحد غيره وثلث ما بقي من الثلث هو الثلث الثلث إذا لم يكن هناك وصية أخرى.
ألا ترى أنه لو أوصى له بما بقي له من الثلث ولم يوص لغيره بشيء استحق جميع الثلث فكذلك هاههنا يستحق ثلث المال ثم إن أجازوا فلوارث الموصى له يأخذ مما بقي كمال حقه الثلث مع نصيبه بين جميع المال وذلك ثلاثة أسهم من تسعة فإذا أخذ هو ثلاثة وللأجنبي سهم يبقى خمسة فتقسم بين البنين بالسوية أرباعا انكسر بالأرباع فاضرب تسعة في أربعة فتكون ستة وثلاثين للأجنبي أربعة وللوارث اثنا عشر يبقى عشرون بين البنين الأربعة لكل واحد منهم خمسة فتبين أن الميراث الابن الموصى له خمسة والوصية له سبعة وقد استحق ذلك بإجازة الورثة.
ولو أوصى لأحدهم بمثل نصيب أحدهم ولأجنبي بثلث ما بقي من الثلث فإن الأجنبي يأخذ ثلث المال وهو سهم من تسعة كما بينا ويقسم ما بقي بين الورثة وبين الموصى له بمثل نصيب أحدهم على ستة لأن مثل الشيء غيره فلا بد من أن يزيد على عدد الورثة وذلك خمسة بينهما لتبيين مثل نصيب أحدهم فيجعل للموصى له بمثل النصيب سهمان سهم بميراثه وسهم بوصيته والباقي وهو أربعة بين البنين أرباعا. وإذا أردت تصحيح الحساب احتجت إلى ضرب تسعة في ستة فيكون أربعة وخمسين للأجنبي ستة وللابن الموصى له ستة عشر ثمانية بالميراث وثمانية بالوصية والباقي وهو اثنان وثلاثون بين أربعة بنين لكل واحد منهم ثمانية.
ولو أوصى لأحد ورثته بثلث ماله ولأجنبي بما بقي من ثلثه فأجازت الورثة أو لم يجيزوا أخذ الأجنبي ثلث جميع المال لأن الوصية للوارث غير معتبرة في مزاحمة الأجنبي فكأنه أوصى للأجنبي بما بقي من ثلثه وهو بهذا اللفظ يستحق جميع الثلث كما يستحق العصبة جميع المال إذا لم يكن هناك صاحب فرض ثم الباقي بينهم على الميراث إن لم يجيزوا فإن أجازوا أخذ الوارث الموصى له ثلث جميع المال من الباقي باعتبار إجازتهم والباقي بينهم على الميراث.
ولو ترك ابنين وأوصى لأجنبي بما بقي من ثلاثة ولم يوص بغير ذلك كان له ثلث جميع المال لأن جميع الثلث باقي إذا لم يوص بشيء آخر.
ولو ترك ثلاثمائة وأوصى لأحد ابنيه بمائة من ماله ولأجنبي بما بقي من ثلاثة فأجازوا أخذ الأجنبي ثلث جميع المال لأنه لا مزاحمة للوارث معه وأخذ الوارث مائة درهم لإجازة الورثة وصيته والباقي ميراث.
ولو ترك ستمائة وأوصى لأجنبي بمائة من ماله ولآخر بما بقي من ثلثه أخذ صاحب المال مائة والآخر ما بقي من الثلث لأن كل واحد منهما له وصية ثابتة في حق الآخر وصاحب المال المسمى من الثلث مقدم على صاحب ما بقي كما أن صاحب الفريضة في الميراث مقدم على صاحب ما بقي كما أن صاحب الفريضة في الميراث مقدم على العصبة فلهذا يأخذ صاحب المائة من الثلث مائة ثم لصاحب ما بقي قدر الباقي، فإن رد الموصى له بالوصية

 

ج / 29 ص -12-       وصيته أو مات قبل موت الموصي حين بطلت وصيته أخذ الآخر جميع الثلث لأن جميع الثلث باقي وهو بمنزلة ما لم يوص لغيره بشيء ولو هلك نصف المال قبل القسمة كان لصاحب المائة مائة ولا شيء لصاحب ما بقي لأنه لم يبق من الثلث شيء. ولو كان أوصى مع ذلك بثلث ماله ولم يبق شيء من المال كان الثلث بين صاحب الثلث وصاحب المائة أثلاثا لأن صاحب الثلث يضرب في الثلث وهو مقدار الثلث والآخر يضرب بمائة فيكون الثلث بينهما أثلاثا ولا شيء لصاحب ما بقي لأنه لم يبق من الثلث شيء.
ولو ترك ابنين فأوصى لرجل بثلث ماله ولآخر بربع ماله فأجاز ذلك أحد الابنين كان الثلث بينهم أسباعا بغير إجازة ويكون نصف ربع المال من نصيب الابن الذي أجاز صاحبي الوصية على سبعة أسهم وأصل هذه الفريضة من أربعة وثمانين سهما لأنهما يغلقان الذي أجاز لهما الوصية على حسب ما يغلقانه إن لو أجازا جميعا ويقابلان الذي لم يجز وصيتهما على حسب ما يقابلانه إن لم يجز فنقول لو أجازا الوصيتين جميعا لكان الموصى له بالثلث يأخذ الثلث والموصى له بالربع يأخذ الربع فيحتاج إلى حساب له ثلث وربع وذلك اثنا عشر فثلثه أربعة وربعه ثلاثة، ولو لم يجيزا لكان الثلث بينهما على هذا، فإذا صار الثلث على سبعة كان جميع المال أحدا وعشرين ثم عند إجازتهما الموصى له بالثلث والموصى له بالربع يأخذ الربع وليس لأحد وعشرين ربع صحيح فيضرب أحد وعشرون في أربعة فيكون أربعة وثمانين فأما ثلث المال وذلك ثمانية وعشرون يأخذانه بلا منة الإجازة فيقتسمانه أسباعا على مقدار حقهما للموصى له بالثلث أربعة أسباعه وهو ستة عشر وللموصى له بالربع ثلاثة أسباعه وذلك اثنا عشر ثم نقول قد بقي إلى تمام حق الموصى له بالثلث اثنا عشر فلو أجازا له الوصية لكان يأخذ من كل واحد من الابنين نصف ذلك وهو ستة وقد بقي إلى تمام حق الموصى له بالربع تسعة فلو أجازا له الوصية لكان من كل واحد منهما نصف ذلك وهو أربعة ونصف فإذا أجاز أحدهما الوصية لهما جميعا ولم يجز الآخر فإنهما يأخذان من نصيب المجيز وهو ثمانية وعشرون مقدار حقهما إن لو أجازا وذلك عشرة ونصف فيقتسمان ذلك أسباعا فلكل سبع منه سهم ونصف فلصاحب الربع ثلاثة أسباعه أربعة ونصف ولصاحب الثلث أربعة أسباعه وهو ستة، ولو كان الابنان أجازا وصية صاحب الربع ولم يجيزا وصية صاحب الثلث فإن الثلث بينهما أسباعا كما بينا ثم يأخذ صاحب الربع ما بقي من حقه وهو سبعة أسهم من نصيب الابنين لأنهما قد أجازا له الوصية فيسلم له أحد وعشرون كمال الربع من أربعة وثمانين ويسلم لصاحب الثلث أربعة أسباع الثلث وذلك ستة عشر. ولو أجاز أحدهما لصاحب الثلث والآخر لصاحب الربع فالثلث بينهما أسباع كما بينا ثم يأخذ صاحب الثلث من نصيب الذي أجاز له نصف ما بقي من الثلث والباقي إلى تمام الثلث اثنا عشر فيأخذ نصف ذلك منه وهو ستة لأنهما لو أجازا جميعا له أخذ من كل واحد منهما ستة فكذلك إذا أجاز له أحدهما ويأخذ صاحب الربع من نصيب الذي أجاز نصف ما بقي إلى

 

ج / 29 ص -13-       الربع والباقي من حقه إلى تمام الربع تسعة فيأخذ منه نصف ذلك وهو أربعة بمنزلة ما لو أجازا له الوصية والله أعلم.

باب الوصية في المال ينقص أو يزيد بعد موت الموصى
قال رحمه الله: وإذا كان الرجل ثلاث جواري قيمة كل واحدة ثلاثمائة فأوصى لرجل بجارية منهن بعينها ثم مات فلم يقسم الورثة والموصى له حتى زادت تلك الجارية فصارت ستمائة أو ولدت ولدا يساوي مائة أو وطئها رجل بشبهة غرم عقرها مائة أو اكتسبت مائة فهذا كله من مال الميت" لأن التركة بعد الموت قبل القسمة مبقاة على حكم ملك الميت فهذه الزيادة تجل على حكم ملكه أيضا ويكون حصولها قبل الموت وحصولها بعد الموت سواء، فإن كانت الزيادة في بدنها فللموصى له تمام ثلث مال الميت منها وماله صار ألفا ومائتين فللموصى له مقدار الثلث أربعمائة وذلك ثلثا الجارية التي أوصى له بها وثلثها له مع الجاريتين الأخرتين وإن كانا ضامنا لها فإنه يسلم له الجارية كلها وتمام الثلث من تلك الزيادة حتى تقع القسمة في قول أبي حنيفة.
وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله للموصى له الثلث من الجارية ومن الزيادة لا يبدأ بشيء من ذلك قبل وقد تقدم بيان المسألة في الوصايا والمقصود ها هنا بيان أنه يعتبر مال الميت حتى تقع القسمة لا حين يوصى ولا حين يموت لأن حق الموصى له في الثلث بمنزلة حق الورثة في الثلثين وإنما يتم سلامة الثلثين للورثة عند القسمة فكذلك سلامة الثلث للموصى له.
ألا ترى أنه لو ظهر دين قبل القسمة وجب تنفيذه من الأصل والزيادة جميعا، وإذا كان للرجل أمة تساوي ثلاثمائة لا مال له غيرها فأوصى بها لرجل ثم مات فباعها الوارث بغير محضر من الموصى له نفذ بيعها في ثلثيها لأن الموصى له صار أحق بثلثها والوارث أحق بثلثيها، فإذا كانت ولدت عند المشتري ولدا يساوي ثلاثمائة ثم أحضر الموصي له مائة يأخذ ثلث الجارية ويكون للمشتري ثلثاها وثلثا الولد ويكون للموصى له التسع من الولد ويرد التسعين إلى الوارث لأن ملك المشتري يفوت في ثلثيها فيقرر في ثلثي الولد أيضا ولا يكون ذلك محسوبا من مال الميت لأنه حدث على ملك المشتري وإنما مال الميت الجارية وثلث الولد فيأخذ الموصى له بثلث الجارية ويكون له ثلث الولد وذلك تسع الولد لأنه لا يسلم له بالوصية أكثر من ثلث مال الميت ويرد التسعين إلى الوارث لأنه زائد على الثلث بما تناولته الوصية فيكون مردودا على الوارث. وكذلك المهر والكسب في قول أبي حنيفة رحمه الله وهذا لأنه يبدأ بالجارية في تنفيذ الوصية ثم بالولد.
ولو كانت الجارية زادت في بدنها حتى صارت تساوي ستمائة صار كان الميت ترك من المال أربعمائة لأن في ثلثي الجارية يعتبر القسمة وقت البيع من الوارث فإن بيعه من الوارث بمنزلة الاستهلاك لأنه ملكه من غيره فيخرج به من أن يكون مبقى على حكم الميت فالزيادة

 

ج / 29 ص -14-       الحاصلة في ثلثيها لا تكون محسوبة من مال الميت يبقى مال الميت ثلثها وقيمة ذلك مائتا درهم فيكون للموصي له الثلث من ذلك وهو ثلثا ثلث الجارية قيمة ذلك مائة وثلاثة وثلاثون وثلث وللوارث ثلث ثلثيها قيمة ذلك ستة وستون وثلثان فإذا ضممته إلى المائتين استقام الثلث والثلثان، ولو لم تزد الجارية ولكنها نقصت حتى صارت تساوي مائة درهم أخذ الموصى له ثلثها ورجع على الوارث من قيمتها بأربعة وأربعين وأربعة اتساع درهم لأن مال الميت ما صار للوارث مستهلكا له وقيمة ذلك مائتا درهم وثلث الجارية قيمته ثلاثة وثلاثون وثلث فإن نقصان السعر لا يكون مضمونا على المشتري فللموصى له ثلث مائتي درهم وثلث ومقدار ذلك ما قال في الكتاب فيأخذ ثلث الجارية لأنها هي الأصل ويرجع على الوارث بأربعة وأربعين وأربعة أتساع درهم حتى يكون السالم له ثلث مال الميت.
وإذا كان للرجل ثلاثة أعبد قيمة كل واحد منهم ثلاثمائة لا مال له غيرهم فأوصى بعبد منهم بعينه لرجل ثم مات الموصى فأعتق الوارث العبدين الآخرين ثم صارت قيمة كل واحد منهم ستمائة ثم جاء الموصى له فطلب حقه فإنه يأخذ من العبد الموصى له به ثلثيه لأن الوارث بالإعتاق صار مستهلكا للعبدين الباقيين فإنما تعتبر قيمتهم يومئذ وذلك ستمائة ستمائة فيكون للموصي له بقدر ثلث مال الميت وذلك ثلثا هذا العبد قيمته أربعمائة وثلثه للورثة قيمته مائتان من الستمائة مع الثمانمائة، ولو كان الوارث لم يعتقهما ولكن الموصى له أعتق العبد الموصى به ثم نقصت قيمة العبيد حتى صار كل واحد منهم يساوي مائة فإنه يأخذ الوارث العبدين الباقيين ويضمن له مائة وثلاثة وثلاثين وثلثا لأن الموصى له صار مستهلكا بالإعتاق العبد الموصى له به فتعتبر قيمته يومئذ وقيمة العبدين الباقيين عند القسمة فيكون مال الميت خمسمائة يسلم للموصى له ثلث ذلك مائتان وستة وستون وثلثان ويقوم للوارث ما زاد على ذلك إلى تمام ثلاثمائة فيأخذه الوارث مع العبدين الباقيين حتى يسلم له ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث.
وإذا كان للرجل عبد يساوي ثلاثمائة فأوصى به لرجل ثم مات ولا مال له غيره وله بن صغير فكاتب الوصي العبد على ألف درهم فأداها إلى الوصي ثم جاء الموصى له يطلب حقه فيكون الوصي في الكتابة قائما مقام الصغير وحين تنفذ منه الكتابة في ثلثيه صار ذلك مستهلكا وإنما أدى الألف من كسب اكتسبه بعد الكتابة قلنا الكسب لا يكون محسوبا من مال الميت وإنما مال الميت العبد وثلث الكسب فيكون جملة ذلك ستمائة وثلاثة وثلاثين وثلثا يسلم للموصى له ثلث ذلك وهو مائتا درهم واحد عشر وتسع يأخذها من مال الابن إن كان له مال بثلث قيمة العبد، وإن شاء أعتق ويرجع الموصي على العبد فيستسعيه الابن في ثلث قيمته لأنه عتق بقدر الثلثين منه فيخرج الباقي إلى الحرية بالسعاية فإن تمكنت السعاية في يد الموصى قبل أن يحضر الموصى له ثم حضر فإنه يتبع مال الابن إن كان له مال بثلث قيمة العبد، وإن شاء أعتق وإن شاء استسعاه لأن الصبي معتق باستيفاء الوصي بدل الكتابة وقد كان العبد مشتركا بينه وبين الموصى له فكان للموصى له أن يضمنه قيمة نصيبه إن كان

 

ج / 29 ص -15-       موسرا، وقد بينا في العتاق أن الصبا لا يمنع وجوب ضمان العين والموصى له لا يكون ضامنا من ماله شيئا لأنه غير مخالف في نصيب الصغير بالكتابة فيكون فعله كفعل الصبي، فإن كانت قيمة العبد زادت بعد أدائه المكاتبة لم ينظر إلى الزيادة ولا إلى النقصان بعد الأداء لأنه لما عتق بعضه وقد خرج من أن يكون مثبتا على ملك الميت، ولو كان العبد زاد قبل أن يؤدي المكاتبة حتى صار يساوي ستمائة ثم أدى المكاتبة فضاع في يد الموصى فلا ضمان على الوصي فيما قبض من المكاتبة لأنه غير مخالف في تصرفه بالكتابة وقبض البدل وللموصى له أن يتبع مال الابن إن كان له مال بثلث أربعمائة لأن مال الميت قيمة ثلثي العبد وقت الكتابة وذلك مائتا درهم وقيمة ثلثه وقت الأداء وذلك مائتا درهم فيكون أربعمائة فيسلم للموصى له ثلث ذلك وله الخيار بين التضمين والإعتاق والاستسعاء، وإن رجع ذلك في مال الصبي رجع الوصي على العبد بقيمة ثلثه عند الأداء وذلك مائتا درهم فيسعى للصبي في ذلك.
وإذا كان للرجل عبدان قيمة كل واحد منهما ألف درهم فكاتبهما في مرضه كتابة واحدة بألف درهم فمات أحدهما وأدى الباقي المكاتبة إلى السيد ثم مات السيد بعد ذلك ولم يستهلك المكاتبة فإن الورثة يرجعون على الحي بمائتي درهم وذلك تمام ثلثي المال لأن المريض حاباهما بقدر ألف فذلك وصية لهما تنفذ من ثلثه وبموت أحدهما قبل موت المريض لا تبطل وصيته لأن هذه الوصية في ضمن الكتابة والكتابة قائمة ببقاء من يؤدي البدل وهو المكاتب الآخر ولأن هذه الوصية تلزم بنفسها فتكون بمنزلة العتق المقدم في مرضه فلا تبطل بموته فإنما مال الميت عند موته بدل الكتابة وهو ألف درهم ونصف رقبة الباقي قيمته خمسمائة والذي مات مستوفيا لوصيته ويؤدي بموته نصف رقبته فإنما يقسم الباقي بين الوارث والعبد القائم على خمسة لأن للعبد نصف الثلث سهم من سهمين وللوارث أربعة فإذا قسمنا ألفا وخمسمائة بينهم أخماسا للعبد من رقبته بقدر ثلاثمائة ويسعى فيما بقي وذلك مائتا درهم فحصل للورثة ألف ومائتا درهم وقد سلم للوصي بالعبد القائم ثلاثمائة والميت صار مستوفيا مثل ذلك بالوصية فيقتسم الثلث والثلثان.
وكذلك لو كان أحد المكاتبين مات بعد موت المولي وبقي الآخر فأدى المكاتبة، وإذا كان للرجل ألفا درهم وعبد يساوي ألف درهم فأوصى أن يباع العبد من فلان بمائة درهم وأوصى لرجل بثلث ماله فإن العبد يباع تسعة أعشاره من الموصى له بالبيع بأربعمائة وخمسين درهما لأنه اجتمع في العبد وصيتان وصية بالبيع وهو مثل الوصية بالرقبة في القسمة ووصية بالثلث فتكون القسمة على طريق المنازعة للموصى له بالبيع خمسة أسداسه وللآخر سدسه، وإذا صار العبد على ستة فكل ألف من الألفين يكون على ستة أيضا للموصى له بالثلث ثلث ذلك وهو أربعة فمبلغ سهام الوصايا عشرة فذلك ثلث المال وجملة سهام المال ثلاثون العبد من ذلك عشرة أسهم وهو العشر للموصى له بالثلث وخمسة وهو نصف العبد يباع من الموصى له بخمسين درهما كما أمر به الموصى وأربعة أعشاره حق الورثة فإنما يباع من الموصى له

 

ج / 29 ص -16-       بالبيع بمثل قيمته أن رغب فيه لأنه لم يبق من الثلث شيء لتنفذ له المحاباة فيه وقيمة أربعة أعشاره أربعمائة فلهذا يباع تسعة أعشار العبد من الموصى له باربعمائة وخمسين فيكون للموصى له بالثلث خمس الألفين أيضا وذلك أربعمائة ويكون للموصى له من الثمن خمسون درهما وهو حصة نصف العبد الذي نفذنا فيه الوصية بالبيع مع المحاباة لأن ثمن ذلك خمسون وقد فرغ من وصية صاحب البيع فيسلم لصاحب الثلث، فإذا قد سلم للموصى له بالثلث في الحاصل خمسمائة وخمسين ونفذنا للموصى له بالمحاباة الوصية بقدر أربعمائة وخمسين فذلك ألف درهم وحصل للورثة ألف درهم فقد حصل لهم من الثمن أربعمائة وأربعة أخماس الألفين فيستقيم الثلث والثلثان.
وإذا كان للرجل عبد يساوي ألف درهم لا مال له غيره فباعه من رجل في مرضه بثلاثة ألاف درهم بسنه ستة وأوصى لرجل آخر بثلث ماله ثم مات وأبى الورثة أن يجيزوا فتخريج هذه المسألة ينبني على فصلين فيهما الخلاف، أحدهما أن عند أبي حنيفة المحاباة المتقدمة تقدم على سائر الوصايا في الثلث. والثاني: أن من باع في مرضه عبدا يساوي قيمته ألف درهم بثلاثة ألف سنة فعلى قول أبي حنيفة وأبي يوسف الآخر إنما يصح التأجيل في ثلث الثمن، وفي قوله الأول وهو قول محمد التأجيل صحيح فيما زاد على ثلثي قيمة العبد من الثمن وقد تقدم بيان الفصلين، ثم التخريج على قياس قول أبي حنيفة أن نقول يتخير المشتري فإن شاء نقض البيع وإن شاء أدى ألفي درهم حالة وسلم له التأجيل في مقدار ألف لأن المحاباة تقدم على الوصية بالثلث أصلا فإن نقض البيع بطلت وصيته ويبقى صاحب الثلث فيأخذ ثلث العبد. وإن أوصى بالبيع فأدى ألفي درهم حالة إلى الورثة ثم خلف الألف الباقية فإنها تؤخذ منه وتعطى الموصى له بالثلث لأن هذه الألف التي من مال الميت وقد فرغت من وصية صاحب المحاباة بمضي الأجل فيسلم للموصى له بالثلث. وأما على قول أبي يوسف فإن اختار المشتري امضاء البيع فالتأجيل صحيح له في ربع الثمن ويؤدي ما بقي فيسلم للوارث من ذلك ألفان وللموصى له بالثلث ما بقي لأن الثمن ثلاثة ألف فربعه سبعمائة وخمسون وإنما لم يصح تأجيله إلا في هذا القدر لأن الموصى له بالثلث يضرب بالثلث والموصى له بالبيع يضرب بالجميع فيكون الثلث بينهما على أربعة والمال اثنى عشر فإنما يسلم له التأجيل في مقدار ثلاثة أسهم من اثني عشر وهو الربع ويؤدي ألفين ومائتين وخمسين فيكون للورثة منها ألفان ولصاحب الثلث مائتان وخمسون وإذا حل الأجل كان الباقي وهو سبعمائة وخمسون كله لصاحب الثلث لأنه من جملة الثلث وقد فرغ من وصية صاحب المحاباة فيسلم لصاحب الثلث.
وفي قول محمد: التأجيل صحيح في مقدار الألفين وفي ثلاثة أرباع ثلث الألف الثالثة باعتبار أن محل الوصية ثلث هذه الألف فيضرب فيه الموصى له بالثلث بسهم والموصى له بالربع بثلاثة فيؤدي ربع هذا الثلث مع ثلثي القيمة ربع هذا الثلث للموصى له بالثلث وثلثا القيمة للورثة. وإذا حل الأجل أدى ما بقي من الثمن فيكون للموصى له بالثلث من ذلك تمام

 

ج / 29 ص -17-       الألف مع ما استوفى والباقي للورثة وإنما يتحقق الخلاف قبل حلول الأجل فلعل بعد حلول الأجل يرتفع الخلاف والله أعلم بالصواب.

باب الرجل يموت وليس له وارث فيقر لورث له أو لوصي بمال
قال رحمه الله: "وإذا حضر الرجل الموت وليس له وارث فأوصى رجل بماله كله لرجل فهو جائز عندنا" بلغنا عن ابن مسعود رضي الله عنه "أنه قال يا معشر همدان إنه ليس من قبيلة أحرى أن يموت الرجل منها لا يعرف له وارث منكم، فإذا كان ذلك فليضع ماله حيث أحب وقد بينا هذه المسألة في كتاب الوصايا فإن كان هذا الميت أسلم على يد رجل ووالاه أو كان له أحد من ذوي الأرحام كان للموصى له الثلث لأن من سمينا وارث له فعقد الموالاة عند تسبب الإرث وذوي الارحام من جملة الورثة فلا تنفذ وصيته مع وجود أحد من هؤلاء إلا في مقدار الثلث من ماله.
وإذا أقر في مرضه بأخ له من أبيه وأمه أو بابن بن له ثم مات وله عمة أو خالة أو مولى موالاة فالميراث للعمة أو الخالة وقد تقدم بيان هذا في كتاب الدعوى فلا يستحق المقربة شيئا مع وارث معروف له. ولو لم يكن له وارث من القرابة وغيرهم كان ماله لهذا المقربه لأنه أقر له بشيئين بالنسب وباستحقاق ماله بعده وهو في النسب مقر على غيره وفي استحقاق المال إنما يقر به على نفسه فيعتبر إقراره في ذلك وهذا لأنه غير متهم في هذا الإقرار فيما يرجع إلى المال لأنه يملك ايجابه له بطريق الوصية ابتداء فلهذا يعتبر إقراره باستحقاق المال.
ولو أوصى بماله كله لرجل مع ذلك كان لصاحب الوصية ثلث المال لأن التهمة لما انتفت عن إقراره التحق المقربة بالوارث المعروف فيكون للموصى له ثلث المال معه وقد بينا في كتاب الدعوى من يصح إقراره به للرجل والمرأة ومن لا يصح إقراره، ولو أقر في مرضه بابن ابن أو بأخ وصدقه المقر به في ذلك ثم أنكره المريض وقال ليس بيني وبينه قرابة ثم أوصى بماله كله لرجل ثم مات ولا وارث له فالمال كله للموصى له ولا شيء للمقر به لأن النسب لم يثبت بإقراره وكان إقراره بمنزلة إيجاب المال له بالوصية ورجوعه عن ذلك صحيح، فإن أنكره صار بمنزلة الراجع عما أوجبه له فلهذا سلم المال كله له.
ولو لم يوص بماله لأحد كان ماله لبيت المال دون المقر به لأن حق المقر به قد بطل بجحوده، فإن قيل: كلامه بمنزلة الإقرار بالمال فكيف يصح رجوعه عنه؟ قلنا: لا كذلك بل هو بمنزلة إيجاب المال له بطريق الخلافة وهو الوصية.
ألا ترى أن ما أقر به لو كان ظاهرا لم يستحق المال إلا بهذه الصفة ولو لم يقر المريض بشيء من ذلك ولكن له عمة أو مولى نعمة فأقرت العمة أو مولى النعمة بأخ للميت من أبيه وأمه أو بعم أو بابن عم ثم أنكره ثم مات المريض أخذ المقر به الميراث كله لأن الوارث المعروف أقر بأنه مقدم عليه في استحقاق ماله وإقراره حجة على نفسه ولو جدد الإقرار به بعد موت المريض كان جميع المال للمقر به فكذلك إذا أقر به قبل موته.
وإن أقرت المرأة بزوج وابنة لها من غير هذا الزوج فصدقها كل واحد منهما بما أقرت به

 

ج / 29 ص -18-       له خاصة وجحد صاحبه ثم مات ولا وارث لها فللزوج نصف المال لأن اقرارها بالزوجية صحيح واقرارها بالابنة غير صحيح في حق الزوج فيأخذ الزوج النصف ثم لما لم يوجد ما يستحق لما بقي من الورثة فيعتبر إقرارها بالابنة فيما بقي فيكون لها النصف الباقي.
ولو صدقها الزوج فيما أقرت به من نسب الابنة وجحدت الابنة الزوج كان للزوج ربع المال لأن إقراره حجة في حقه فالتحقت بالابنة المعروفة عند تصديقه في حقه فيكون له ربع المال والباقي للابنة. ولو أقرت في مرضها أو صحتها بزوج وابنة وأم وأخت لأب فصدقها كل واحد فيما أقرت به له خاصة فللزوج نصف المال لأن إقرارها بالزوجية صحيح ولمن سمى الزوج من جميع من سمينا غير صحيح في حق الزوج فيأخذ الزوج نصف المال ثم الباقي يقسم بين من بقي على تسعة لأنهم استووا في أن إقرارها لهم بالنسب لا يصح فيجعل فيما بينهم كأن كل واحد منهم معروف بالنسب الذي أقر له به.
ولو كانوا معروفين كانت القسمة من اثنى عشر للزوج الربع ثلاثة وللبنت النصف ستة وللأم السدس سهمان والباقي وهو سهم للأخت وقد أخذ الزوج كمال حقه فيطرح سهاما ويقسم ما بقي بينهم على تسعة للابنة ستة وللأم سهمان وللأخت سهم، فإن كان المقر بهم لم يصدقوها ولم يكذبوها حتى ماتت ثم صدقوها بعد موتها على ما بينا ففي قياس قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله الجواب كذلك.
وفي قياس قول أبي حنيفة رحمه الله لا شيء للزوج في هذه المسألة في الإقرار عند أبي حنيفة تصديق الزوج بعد موتها باطل فلا شيء له ويقسم الميراث كله على ستة لأنه يصير في الحكم كأنه ما أقر إلا بالثلاثة سوى الزوج فيكون للابنة نصف ثلاثة من ستة وللأم السدس سهم والباقي للأخت وهو سهمان وقع في بعض النسخ وللأخت ثلاثة وهو غلط فإن الأخوات مع البنات عصبة فيكون للأخت ما بقي وهو سهمان ولو كانوا أقروا بذلك في حياتها وتكاذبوا فيما بينهم إلا الزوج فإنه أقر بالأم كان للزوج النصف والباقي على تسعة أسهم كما بينا ثم يضم للأم نصيبها إلى نصيب الزوج فيقتسمان ذلك على خمسة أسهم للزوج ثلاثة وللأم سهمان لأن الزوج قد صدق بها فالتحقت في حقه بأم معروفة فما يحصل في أيديهما يقسم بينهما على مقدار حقهما فيكون على خمسة للزوج ثلاثة وللأم سهمان وفي هذا بعض الشبهة لأن بوجوب الأم لا يتحول نصيب الزوج إلى الربع فينبغي أن يضرب هو بالنصف ستة ولكن نقول الزوج إنما يضرب بثلاثة على أن تكون المرأة تركت زوجا وأما فتكون القسمة من ستة للزوج ثلاثة.
فإن قيل: فعلى هذا ينبغي أن يكون ما في أيديهما بينهما نصفين لأن الأم أخذت النصف الباقي مع الزوج.
قلنا: هي بالأمية تستحق الثلث ثم الباقي يرد عليها ولا يعتبر الرد في المزاحمة عند ضعف المال فلذا كانت القسمة بينهما على خمسة.

 

ج / 29 ص -19-       ولو أقر في مرضه فصدقه الأخ في ذلك ثم أوصى بماله لرجل آخر ثم مات فقال الأخ لست له بأخ وكان إقراره لي باطلا فالمال كله للموصى له وإن لم يوص بماله لأحد فالمال كله لبيت المال لأن الأخ صار رادا لما أوجبه له حين أنكر الأخوة.
ولو أقر رجل بامرأة وابنة وأم وأخت لأب فصدقته كل واحدة منهن في نفسها وكذبته في البقية ثم مات فللمرأة الثمن والباقي للابنة خاصة لأن إقرار الرجل بالمرأة والابنة صحيح فالتحقتا بالمعروفتين فللمرأة الثمن والباقي للابنة بالغرض والرد ولا شيء للأم والأخت لأن الابنة بعد ثبوت نسبها مستحقة لجميع المال. وإذا أقر بابن بن أو بأخ له من أبيه وأمه ثم قتل عمدا فليس للمقربة في القود قول ولكنه إلى الإمام لأن المقر له بمنزلة الموصى له والموصى له بالمال لا حق له في القود ولأن إقراره إنما يعتبر فيما يملك الإنشاء به وهو لا يملك الإنشاء في القصاص.
ألا ترى أنه لو أوفي بذمة لرجل لم يكن له أن يقبض منه فكذلك إذا أقر له بنسب لا يثبت ذلك النسب بإقراره ولكن الرأي إلى الإمام فإن شاء استوفى القصاص وإن شاء صالح القاتل على الدية فإن صالحه على ذلك فالدية للمقر به لأن حق الموصى له يثبت في الذمة كما يثبت في سائر الأقواد فكذلك في حق المقر به.
ولو كان المقتول أقر ببعض من يثبت نسبه منه بإقراره كان القود للمقربة إذا صدقه بنسبه في حياته أو بعد موته لأن النسب الثابت بإقراره كالثابت بالمعاينة، ولو كان أقر بامرأة ثم مات فالقود إليها وإلى الإمام لأن إقراره بالزوجية صحيح فتلتحق بامرأة معروفة فيكون لها ربع القود والباقي للإمام إن شاء استوفيا وإن شاء صالحا على الذمة أو أكثر منها فإن صالحا على أقل من الذمة كان ربع ذلك لها لأن صلحها صحيح في نصيبها وأما الثلاثة أرباع فيصالح الإمام فيه على أقل من ثلاثة أرباع الدية.
وإذا مات الرجل وترك أخا لأب وأم فأقر الأخ في حياته أو بعد موته بابنة بن ابن الميت ثم أنكرها في حياته أو بعد موته فهو سواء فيأخذ منه نصف المال لأنه أقر لها بنصف ميراثه وذلك ملزم إياه ولا يعتبر إنكاره بعد ذلك فإن أعطاها نصف المال ثم أقر بابنة بن للميت فإن دفع إلى الأولى بغير قضاء دفع إلى هذه نصف جميع المال لأنه أقر أنها مستحقة لنصف المال دون الأولى وما دفعه بغير قضاء محسوب عليه من نصيبه فيجعل كالقائم في يده. ولو كان دفع إلى تلك بقضاء دفع إلى هذه ثلاثة أخماس ما بقي في يده لأن الميت بزعمه خلف ابنة بن وابنة بن ابن وأخا فلابنة الابن النصف ثلاثة وللأخرى السدس والباقي وهو سهمان للأخ وما دفعه إلى الأولى زيادة على حقها بقضاء قاض لا يكون محسوبا عليه فيجعل ذلك كالتاوي فتضرب الثانية فيما بقي بثلثه وهو سهمان فلهذا يعطيها ثلاثة أخماس ما بقي في يده لأنه زعم أنها هي المستحقة للنصف وأن للأخ ما بقي بعد السدس.
وإذا قتل الرجل عمدا وله أخ لأب وأم فأقر الأخ بابنة للمقتول فإنه هو الخصم في الدية

 

ج / 29 ص -20-       يقبل منه البينة ويحضر معه الابنة التي أقر بها فإذا قضى القاضي بالدم تركا جميعا القتل أو أمرا من يقتل بحضرتهما ولا يقتل حتى يحضرا لأن العفو من كل واحد منهما صحيح في نصيبه باعتبار زعم صاحبه فلا يقتل إلا بحضرتهما فأما الإثبات بالبينة صحيح من الأخ وإن لم يحضر البينة إلا على قول أبي يوسف وهو بناء على التوكيل بإثبات القول وقد تقدم بيان الخلاف فيه في كتاب الوكالة.
ولو كان الأخ أقر بابن للميت فإن القاضي لا يقبل أيضا البينة حتى يحضر الابن والأخ جميعا لأن الأخ هو المستحق للدم في الحكم وقد زعم الأخ أن المستحق هو الابن فلا بد من أن يحضرا جميعا لإثبات القود بالبينة ثم إما أن يتوليا قتله أو بأمر أحدهما صاحبه فيقتله بحضرة الآخر.
وإذا مات الرجل وترك أخاه لأبيه وأخاه لأمه فادعى رجل أنه أخو الميت لأبيه وأمه وصدقه الأخ من الأم بأنه أخوه من أمه وصدقه الأخ من الأب بأنه أخوه لأبيه فإنه يدخل مع الأخ لأب فيقاسمه ما في يده نصفين ولا يدخل مع الأخ لأم لأن في يد الأخ الأم السدس وهو لا ينقص من السدس، وإن كثرت الأخوة من الأب وقد زعم الأخ لأب أنه مساو له فيأخذ منه نصف ما في يده وهو سدسان ونصف وإنما أقر الأخ لأم بأن له من التركة السدس وقد وصل إليه أكثر من ذلك فلا يزاحمه في شيء مما في يده.
وإذا هلكت المرأة وتركت زوجها وأخاها لأبيها فادعى رجل أنه أخوها لأبيها وأمها وصدقه الزوج بذلك وصدقه الأخ بأنه أخوها لأبيها فللزوج النصف لا ينقص منه والنصف الباقي بين الأخوين نصفان لأن فرض الزوج لا يتغير بالأخ من الأب وإنما أقر الزوج له بما يستحق بالعصوبة في يد الأخ لأب وهو مصدق بالعصوبة له مكذب له فيما يدعي من الترجيح عليه فلهذا كان الباقي بينهما نصفين، وكذلك لو صدقه الزوج أنه أخوها لأمها لأن الزوج إنما يقر له بالسدس بالفريضة ويصل إليه سدس ونصف سدس بإقرار الأخ لأب وإن كان الأخ من الأب أقر بأنه أخ لأم وأقر الزوج بأنه أخ لأب أخذ المقر به من الأخ ثلث ما في يده لأنه زعم أن الميت خلف أخا لأم وأخا لأب وزوجا فيكون للزوج النصف ثلاثة وللأخ لأم السدس سهم والباقي وهو سهمان للأخ لأب ففي هذا إقرار بأن حقه في التركة مثل نصف حق المقر فلهذا يعطيه ثلث ما في يده فيضمه إلى نصيب الزوج فيقتسمانه أثلاثا للزوج ثلثاه وللمقر به ثلثه لأن للميت بزعم الزوج أخوين لأب وزوجا فالفريضة من أربعة للزوج سهمان ولكل أخ سهم فعلى هذا يقسم ما في يده بينهما أثلاثا فالمراد ينبغي على قياس هذا الجواب في المسألة الأولى وهو ما إذا أقر الزوج بأنه أخ لأم أن يأخذ هو نصف ما في يد الأخ لأب ويضمه إلى ما في يد الزوج ويقتسمانه نصفين لأن لها بزعم الزوج أخ لأب وأم وأخ لأب وزوج فيكون المال بين الأخ لأب وأم والزوج نصفين على سهمين فما يصل إليهما يقسم بينهما على اعتبار زعمهما والله أعلم بالصواب.