النكت للسرخسي وشرح النكت للعتابي

بَاب طَلَاق السّنة الَّذِي بِالْوكَالَةِ وبالجعل وَغَيره
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام الْأَجَل الزَّاهِد شمس الْأَئِمَّة أَبُو بكر مُحَمَّد بن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْحَمد لله حق حَمده وَالصَّلَاة على رَسُوله مُحَمَّد عَبده وَخير وفده
بَاب من طَلَاق السّنة بالجعل وَغَيره
بناه على أَن الْوَكِيل بالتنجيز لَا يملك التَّعْلِيق لِأَنَّهُمَا ضدان والتطليق

(1/19)


أبي سهل السَّرخسِيّ رَحمَه الله املاء ابتدأت املآء نكت زيادات الزِّيَادَات بِالْحَمْد لله ولي الْحَمد ومستحقه ثمَّ بِالصَّلَاةِ على خير مَوْلُود دَعَا إِلَى خير معبود ثمَّ بالإقتداء بالسلف رَحِمهم الله فِي الِاكْتِفَاء بِذكر المؤثرات من النكات مَعَ ترك التَّطْوِيل بِكَثْرَة الْعبارَة كَمَا هُوَ طَريقَة الماضين من عُلَمَاء الدّين رَحِمهم الله فَنَقُول بَدَأَ مُحَمَّد رَحمَه الله هَذَا الْبَاب بِمَا بَدَأَ بِهِ كتاب الطَّلَاق من بَيَان طَلَاق السّنة فِي حق الْمَدْخُول بهَا فَقَالَ (طَلَاق سنتها أَن يطلقهَا تَطْلِيقَة إِذا طهرت من حَيْضهَا قبل أَن يُجَامِعهَا) لقَوْل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِابْنِ عمر رَضِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
بِالسنةِ فِي وَقت السّنة تَنْجِيز وَفِي غير وقته تَعْلِيق فَأَما الزَّوْج يملكهُ تنجيزا وتعليقا لِأَنَّهُ يتَصَرَّف فِي ملكه وَأَن الْوَكِيل مَتى عجز عَن الْإِتْيَان بالمأمور بِهِ يَنْعَزِل حكما قَالَ مُحَمَّد رَضِي الله عَنهُ إِذا قَالَ لرجل طلق امْرَأَتي تطليقا للسّنة فَقَالَ لَهَا الْوَكِيل أَنْت طَالِق للسّنة فَإِن كَانَ فِي طهر خَال عَن الطَّلَاق

(1/20)


الله عَنْهُمَا إِنَّمَا السّنة أَن تسْتَقْبل الطُّهْر اسْتِقْبَالًا فَتُطَلِّقهَا لكل قرء تَطْلِيقَة فَتلك الْعدة الَّتِي أَمر الله تَعَالَى أَن تطلق لَهَا النِّسَاء وَهُوَ إِشَارَة إِلَى قَوْله تَعَالَى {فطلقوهن لعدتهن} وَلِأَن الطَّلَاق مُبَاح مبغض شرعا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِن أبْغض الْمُبَاحَات إِلَى الله عز وَجل الطَّلَاق وَإِبَاحَة الْإِيقَاع للْحَاجة إِلَيْهِ عِنْد عدم مُوَافقَة الْأَخْلَاق فَكَانَ مُخْتَصًّا بِزَمَان توفر الدَّوَاعِي إِلَيْهَا وَذَلِكَ طهر لما يُجَامِعهَا فِيهِ لِأَنَّهُ زمَان رغبته فِيهَا طبعا وتمكنه من غشيانها شرعا فَلَا يخْتَار فراقها على صحبتهَا فِي هَذَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
وَالْجِمَاع عقيب حيض خَال عَن الطَّلَاق وَالْجِمَاع يَقع لِأَنَّهُ وَقت السّنة فَيكون تنجيزا وَإِن كَانَ فِي الْحيض أَو فِي طهر جَامعهَا أَو طَلقهَا الزَّوْج فِيهِ لم يَقع بِهِ شَيْء أبدا لِأَنَّهُ تَعْلِيق وَلم يَأْمُرهُ بِهِ أَلا ترى أَنه لَو قَالَ طلق امراتي إِذا حَاضَت وطهرت فَقَالَ إِذا حِضْت وطهرت فَأَنت طَالِق فَحَاضَت وطهرت لَا يَقع شَيْء أَو قَالَ طلق امْرَأَتي غَدا فَقَالَ أَنْت طَالِق غَدا فجَاء غَد لَا يَقع شَيْء لِأَنَّهُ مَأْمُور بالتنجيز لَا بِالْإِضَافَة وَالتَّعْلِيق وَلَو قَالَ لَهُ طلق امْرَأَتي ثَلَاثًا للسّنة فَقَالَ لَهَا فِي الطُّهْر أَنْت طَالِق ثَلَاثًا للسّنة تقع وَاحِدَة لِأَن هَذَا الْكَلَام فِي حق الْوَاحِدَة تَنْجِيز وَفِي حق الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة تَعْلِيق بِخِلَاف قَوْله طَلقهَا وَاحِدَة فَطلقهَا ثَلَاثًا حَيْثُ لَا يَقع شَيْء عِنْد أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ لِأَنَّهُ تَنْجِيز فِي حق الثَّلَاث وَلِأَن الِاعْتِبَار فِي التَّوْكِيل هُوَ الْمُوَافقَة من حَيْثُ

(1/21)


الزَّمَان إِلَّا لعدم مُوَافقَة الْأَخْلَاق (فَإِن قَالَ لغيره طَلقهَا تَطْلِيقَة للسّنة فَقَالَ لَهَا أَنْت طَالِق للسّنة فَإِن كَانَ فِي طهر لم يُجَامِعهَا فِيهِ طلقت) لِأَن إِيقَاع الْوَكِيل كإيقاع المؤكل وَإِن كَانَت حَائِضًا أَو فِي طهر قد جَامعهَا فِيهِ لم يَقع عَلَيْهَا شَيْء فِي الْحَال وَلَا إِذا جَاءَ وَقت السّنة بِخِلَاف الْمُوكل إِذا قَالَ ذَلِك بِنَفسِهِ لِأَن تصرف الْمُوكل بِحكم الْملك وَهُوَ يملك التَّنْجِيز وَالتَّعْلِيق وَالْإِضَافَة بِحكم الْملك فَإِن صَادف كَلَامه زمَان الطُّهْر كَانَ تنجيزا وَإِلَّا كَانَ إِضَافَة إِلَى وَقت السّنة فَأَما الْوَكِيل نَائِب يتَصَرَّف بِالْأَمر وَالْأَمر يتَقَيَّد بالتقييد فَإِذا كَانَ مَأْمُورا بالتنجيز تلغو مِنْهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
اللَّفْظ أَلا ترى أَنه لَو قَالَ لَهُ طلق امْرَأَتي نصف تَطْلِيقَة فَطلقهَا تَطْلِيقَة لَا تقع وَإِن كَانَا فِي الحكم سَوَاء وَكَذَلِكَ لَو قَالَ طَلقهَا ألفا فَطلقهَا ثَلَاثًا لَا يَقع وَإِن كَانَا فِي الحكم سَوَاء وَإِن طلق فِي كل طهر خَال عَن الطَّلَاق وَالْجِمَاع وَاحِدَة تقع لِأَن تطليق الثَّلَاث بِالسنةِ تنجيزا لَا يكون إِلَّا هَكَذَا وَلَو قَالَ الزَّوْج لامْرَأَته أَنْت طَالِق ثَلَاثًا للسّنة بِأَلف دِرْهَم فَقبلت فَإِن كَانَت طَاهِرَة من غير جماع وَطَلَاق تقع وَاحِدَة بِثلث الْألف وَبَانَتْ لِأَنَّهُ قَابل الْألف بِالثلَاثِ فيقابل كل وَاحِدَة بِثلث الْألف وَالزَّوْج رَضِي بِهِ حَيْثُ يعلم أَن الطُّهْر الْوَاحِد لَا

(1/22)


الْإِضَافَة وَالتَّعْلِيق فَلهَذَا لايقع بمجيء وَقت السّنة شَيْء أَلا ترى أَنه لَو قَالَ للْوَكِيل طَلقهَا إِذا حَاضَت وطهرت فَقَالَ لَهَا الْوَكِيل إِذا حِضْت وطهرت فَأَنت طَالِق أَو قَالَ لَهُ طَلقهَا غَدا فَقَالَ لَهَا الْوَكِيل أَنْت طَالِق غَدا لم يَقع عَلَيْهَا بِهَذَا الْكَلَام شَيْء لِأَنَّهُ أَتَى بِغَيْر مَا أَمر بِهِ فَهَذَا قِيَاسه وَلَو قَالَ طَلقهَا ثَلَاثًا للسّنة فَقَالَ لَهَا الْوَكِيل فِي طهر لم يُجَامِعهَا فِيهِ الزَّوْج أَنْت طَالِق ثَلَاثًا للسّنة وَقعت تَطْلِيقَة وَاحِدَة للسّنة فَفِي حق الْوَاحِدَة منجز كَمَا أَمر بِهِ وَفِي الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة مضيف إِلَى وَقت السّنة وَذَلِكَ لَغْو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
يسع فِيهِ إِلَّا وَاحِدَة بِثلث الْألف فَإِذا حَاضَت وطهرت تقع أُخْرَى بِغَيْر شَيْء لِأَن شَرط وجوب المَال حُصُول الْبَيْنُونَة لَهَا بِمُقَابلَة المَال وَلم تحصل لحصولها بِالْأولَى وَالزَّوْج رَضِي بِهِ حَيْثُ يعلم أَن الثَّانِيَة تقع فِي الطُّهْر الثَّانِي بِغَيْر شَيْء إِلَّا إِذا تزَوجهَا قبل مَجِيء الطُّهْر الثَّانِي فَحِينَئِذٍ تقع الثَّانِيَة بِثلث الأف لوُجُود شَرطه وَكَذَا الثَّالِثَة على هَذَا وَلَو قَالَ لرجل طلق امْرَأَتي ثَلَاثًا للسّنة بِأَلف دِرْهَم فَطلقهَا للسّنة ثَلَاثًا بِأَلف أَو وَاحِدَة بِثلث الْألف فِي غير وَقت السّنة فَهُوَ بَاطِل لما مر أَنه أَتَى بِالتَّعْلِيقِ وَقد أَمر بالتنجيز وَإِن طَلقهَا

(1/23)


مِنْهُ بِخِلَاف الْمُوكل بِنَفسِهِ لَو قَالَ لَهَا ذَلِك طلقت فِي كل طهر وَاحِدَة لِأَن الْإِضَافَة مِنْهُ صَحِيحَة بِحكم الْملك كالتنجيز قيل هَذَا قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد أما عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله يَنْبَغِي أَن لَا يَقع عَلَيْهَا شَيْء لِأَنَّهُ مَأْمُور بإيقاع الْوَاحِدَة فِي هَذَا الْفَصْل وَمن أصل أبي حنيفَة أَن الْمَأْمُور بإيقاع الْوَاحِدَة إِذا أوقع ثَلَاثًا لم يَقع شَيْء وَالأَصَح أَن هَذَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
وَاحِدَة بِثلث الْألف أَو ثَلَاثًا بِأَلف فِي وَقت السّنة فَقبلت تقع وَاحِدَة بِثلث الْألف وَبَانَتْ لما مر أَن هَذَا الْكَلَام فِي حق الْوَاحِدَة تَنْجِيز وَفِي حق الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة تَعْلِيق فَإِذا حَاضَت وطهرت وَطَلقهَا وَاحِدَة بِثلث آخر فَقبلت تقع بِغَيْر شَيْء لفقد شَرطه وَكَانَ يَنْبَغِي أَن لَا تقع لِأَن الزَّوْج أمره بِطَلَاق بِبَدَل لَكِن يُقَال لَهُ إِنَّه طلق بِبَدَل لَكِن لم يجب المَال لفقد شَرطه وَالزَّوْج رَضِي بِهِ حَيْثُ علم أَن الثَّانِيَة تقع بِغَيْر بدل كَمَا إِذا أَبَانهَا الزَّوْج ثمَّ قَالَ طلق امْرَأَتي

(1/24)


قَوْلهم جَمِيعًا لِأَن أَبَا حنيفَة يعْتَبر مُوَافقَة الْوَكِيل لفظا حَتَّى قَالَ إِذا قَالَ الزَّوْج للْوَكِيل طَلقهَا نصف تَطْلِيقَة فَطلقهَا الْوَكِيل تَطْلِيقَة لَا يَقع شَيْء لمُخَالفَته فِي اللَّفْظ وَلَو قَالَ طَلقهَا ثَلَاثًا فَطلقهَا ألفا لم يَقع شَيْء وَلَو قَالَ طَلقهَا ألفا فَطلقهَا ألفا يَقع ثَلَاث للموافقة لفظا وَهنا الْوَكِيل وَافق أَمر الْآمِر لفظا فَلهَذَا وَقعت الْوَاحِدَة وَبِهَذَا الْفَصْل تبين الْفرق بَين إِيقَاع الْوَكِيل وَبَين إِيقَاع الْمُوكل بِنَفسِهِ فَإِن الْمُوكل لَو طلق امْرَأَته ألفا يَقع ثَلَاث لِأَن تصرفه بِحكم الْملك فبقدر مَا وجد الْملك عمل الْإِيقَاع والمأمور بإيقاع الثَّلَاث إِذا أوقع ألفا لم يَقع شَيْء لِأَنَّهُ متصرف بِحكم الْأَمر وَقد خَالف أَمر الْآمِر قَالَ قَالَ رجل لامْرَأَته أَنْت طَالِق ثَلَاثًا للسّنة بِأَلف دِرْهَم فَقبلت الْمَرْأَة ذَلِك فَإِن كَانَ فِي طهر لَا جماع فِيهِ وَقعت تَطْلِيقَة بِثلث الْألف لِأَن الطُّهْر الْوَاحِد كَمَا لَا يَقع فِيهِ إِلَّا تَطْلِيقَة وَاحِدَة للسّنة بِغَيْر جعل فَكَذَلِك بالجعل ثمَّ الْألف مَذْكُور بَدَلا عَن التطليقات الثَّلَاث لِأَن حرف الْبَاء تصْحَب الْإِبْدَال فَيكون بِمُقَابلَة كل تَطْلِيقَة ثلث الْألف فَإِذا وَقعت الْوَاحِدَة بقبولها وَجب عَلَيْهَا ثلث الْألف وَالطَّلَاق بِجعْل لايكون إِلَّا بَائِنا فَإِذا حَاضَت وطهرت وَقعت تَطْلِيقَة أُخْرَى بِغَيْر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
بِأَلف فَقَالَ طَلقتك بِأَلف وَقبلت يَقع الطَّلَاق وَلَا يجب المَال أَلا ترى أَنه إِذا أمره ان يَبِيع عَبده بِأَلف وَقِيمَته خمس مائَة فَبَاعَهُ بيعا فَاسِدا بِأَلف وَسلمهُ وَمَات لَا يجب إِلَّا خمس مائَة وَلَا يصير بِهِ مُخَالفا فَإِن تزَوجهَا ثمَّ طَلقهَا الْوَكِيل أُخْرَى بِثلث الْألف فِي وَقت السّنة وَقبلت تقع أُخْرَى بِثلث الْألف وَكَذَا الثَّالِثَة وَلَو قَالَ لَهُ طلق امْرَأَتي بِأَلف وَهِي منكوحته فَأَبَانَهَا الزَّوْج أَو طَلقهَا

(1/25)


شَيْء لِأَن الزَّوْج فِي حق الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة كَانَ مضيفا إِلَى وَقت السّنة فقد وجد وَشرط وُقُوع الطَّلَاق بِجعْل وجود الْقبُول لَا وجوب المقبول كَمَا لَو طلق الصَّغِيرَة بِمَال فَقبلت أَو طلق المبانة بِمَال فَقبلت أَو أكرهت على قبُول الْجعل وَقع الطَّلَاق وَإِن لم يجب الْجعل وَإِنَّمَا امْتنع وجوب الْجعل هُنَا لِأَن الزَّوْج إِنَّمَا يملك المَال عوضا فَلَا بُد أَن يَزُول عَن ملكه بمقابلته شَيْء وبوقوع الثَّانِيَة لم يزل عَن ملكه شَيْء لِأَن زَوَال الْملك قد تمّ بِالْأولَى فَإِن قيل المَال فِي بَاب الطَّلَاق إِمَّا أَن يكون عوضا وبدلا عَن الطَّلَاق عَن الْبَيْنُونَة فَإِن كَانَ بَدَلا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
بِهن حَتَّى بَانَتْ انْعَزل الْوَكِيل حكما علم بِهِ أَو لم يعلم لِأَنَّهُ أمره بِطَلَاق بِبَدَل فِي حَال أمكن أَن يجب فِيهِ الْبَدَل ويوقعه بِحَيْثُ يجب بِهِ الْبَدَل فَانْصَرف إِلَيْهِ فَإِذا عجز عَنهُ بإبانة الزَّوْج انْعَزل حَتَّى لَو تزَوجهَا الزَّوْج ثمَّ طَلقهَا الْوَكِيل بِأَلف وَقبلت لَا يَقع شَيْء لِأَن هَذَا ملك آخر وَقد أمره بِإِزَالَة ذَلِك الْملك وَلَو أَبَانهَا الزَّوْج ثمَّ أمره بِأَن يطلقهَا بِأَلف فَطلقهَا فِي الْعدة بِأَلف

(1/26)


عَن الطَّلَاق فَيَنْبَغِي أَن يجب بِوُقُوع الثَّانِيَة ثلثا الْألف وَإِن كَانَ بَدَلا عَن الْبَيْنُونَة فَيَنْبَغِي أَن يجب جَمِيع الْألف بِوُقُوع الأولى لحُصُول الْبَيْنُونَة قُلْنَا المَال عوض عَن الطَّلَاق كَمَا سَمَّاهُ الزَّوْج لَكِن شَرط اسْتِحْقَاقه إِزَالَة ملكه عَنْهَا أَو صيرورتها أَحَق بِنَفسِهَا ليجب عَلَيْهَا الْعِوَض وَذَلِكَ غير حَاصِل عِنْد وُقُوع الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة فَلهَذَا لم يجب المَال فَإِن تزَوجهَا بعد وُقُوع التطليقة الأولى عَلَيْهَا ثمَّ حَاضَت وطهرت وَقعت الثَّانِيَة عَلَيْهَا بثلت الْألف لِأَن مَا هُوَ شَرط وجوب الْعِوَض وَهُوَ زَوَال ملك الزَّوْج عَنْهَا عِنْد وُقُوع كل تَطْلِيقَة مَوْجُود وَهُوَ إِنَّمَا أوقع كل تَطْلِيقَة بِثلث الْألف وَهَذَا الْجَواب بِنَاء على الرِّوَايَات الظَّاهِرَة فَأَما على مَا رُوِيَ عَن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
فَقبلت يَقع الطَّلَاق وَلَا يجب المَال لِأَنَّهُ رَضِي بِهِ حَيْثُ يعلم أَنه لَا يجب المَال فَيكون مَأْمُورا بِالطَّلَاق بِبَدَل لفظا وَقد أَتَى بِهِ إِلَّا إِذا تزَوجهَا الزَّوْج فِي الْعدة قبل أَن يطلقهَا الْوَكِيل ثمَّ طَلقهَا بِأَلف فَقبلت يَقع بِالْألف لِأَنَّهُ طَلقهَا بِأَلف فِي هَذَا الْملك قبل انْقِضَاء الْعدة فَإِن انْقَضتْ عدتهَا ثمَّ تزَوجهَا الزَّوْج ثمَّ طَلقهَا الْوَكِيل بِأَلف لَا يَقع لِأَنَّهُ ملك آخر وَقد انْعَزل حكما بِانْقِضَاء الْعدة وَلَو وكل رجلَيْنِ كل وَاحِد أَن يُطلق امْرَأَته للسّنة فطلقاها للسّنة فِي الطُّهْر

(1/27)


أبي حنيفَة رَحمَه الله إِذا تخَلّل بَين كل طلاقين رَجْعَة أَو نِكَاح فالطهر الْوَاحِد يكون محلا لوُقُوع الثَّلَاث على وَجه السّنة فَكَمَا تزَوجهَا هَا هُنَا يَقع عَلَيْهَا الطَّلَاق قبل الْحيض وَكَذَلِكَ إِذا تزَوجهَا ثَالِثا وَقعت التطليقة الثَّالِثَة كَمَا تزَوجهَا وَلَو قَالَ لرجل طَلقهَا ثَلَاثًا للسّنة بِأَلف دِرْهَم فَقَالَ لَهَا الْوَكِيل فِي حَيْضهَا أَنْت طَالِق ثَلَاثًا للسّنة بِأَلف دِرْهَم فَقبلت الْمَرْأَة لم يَقع عَلَيْهَا شَيْء لِأَن كَلَام الْوَكِيل لَيْسَ بتنجيز لما مر لَكِن بِهَذَا الْكَلَام لايصير رادا لِلْأَمْرِ وَمَعَ بَقَاء الْأَمر لايخرج عَن عهدته إِلَّا بالامتثال فَإِذا طهرت فَقَالَ لَهَا أَنْت طَالِق ثَلَاثًا للسّنة بِأَلف دِرْهَم فَقبلت ذَلِك طلقت وَاحِدَة بِثلث الْألف لِأَن كَلَامه فِي حق الْوَاحِدَة تَنْجِيز وَالْألف مَذْكُور عوضا عَن الثَّلَاث فَيكون بِمُقَابلَة كل وَاحِدَة ثلث الْألف وَكَذَلِكَ لَو قَالَ لَهَا حِين طهرت أَنْت طَالِق وَاحِدَة بِثلث الْألف فَقبلت وَقعت وَاحِدَة بَائِنَة بِثلث الْألف لِأَن بالْكلَام الأول وَإِن كَانَ مُخَالفا لما أَمر بِهِ لم يخرج الْأَمر من يَده فَإِذا امتثل بعد ذَلِك نفذ تصرفه كَالْوَكِيلِ بِالْبيعِ بِأَلف دِرْهَم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
فَإِن طلق أَحدهمَا ثمَّ الآخر فالواقع طَلَاقه وَكَلَام الآخر لَغْو لِأَنَّهُ يكون تَعْلِيق وَهُوَ على وكَالَته حَتَّى لَو طَلقهَا فِي الطُّهْر الثَّانِي يَقع وَلَو طلقاها مَعًا يَقع طَلَاق أَحدهمَا لِأَن الطُّهْر الْوَاحِد لَا يسع للسّنة أَكثر من وَاحِد وَلَيْسَ

(1/28)


إِذا بَاعَ بِخَمْسِمِائَة ثمَّ اسْتردَّ الْمَبِيع وَبَاعه بِأَلف فَإِن تَركهَا حَتَّى حَاضَت أُخْرَى وطهرت ثمَّ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِق بِثلث الْألف فَقبلت وَقعت تَطْلِيقَة بِغَيْر شَيْء لِأَنَّهُ ممتثل لِلْأَمْرِ فَإِنَّهُ مَأْمُور بتنجيز الْوَاحِدَة فِي كل طهر بعوض وَقد فعل وَالطَّلَاق بِجعْل يعْهَد وجود الْقبُول لَا وجوب المقبول وَلم يُوجد مَا هُوَ شَرط وجوب الْبَدَل عِنْد وُقُوع الثَّانِيَة وَهُوَ زَوَال ملك الزَّوْج عَنْهَا وَكَذَلِكَ لَو قَالَ لَهَا مثل ذَلِك فِي الطُّهْر الثَّالِث
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
للزَّوْج خِيَار التَّعْيِين لعدم الْفَائِدَة فَلَو حَاضَت وطهرت وَطَلقهَا للسّنة أحد الوكيلين لَا يَقع لِأَنَّهُ إِن كَانَ الْوَاقِع فِي الطُّهْر الأول طَلَاقه لَا يَقع الثَّانِي لِأَنَّهُ انْعَزل فَلَا يَقع بِالشَّكِّ فَإِن قيل صَار فِي تعْيين الأول فَائِدَة لِأَنَّهُ رُبمَا يعين الأول غير الَّذِي أوقع فِي الثَّانِي فَتَقَع الثَّانِيَة كَرجل لَهُ ثَلَاثَة أعبد دخل عَلَيْهِ اثْنَان فَقَالَ أَحَدكُمَا حر فَخرج أَحدهمَا وَدخل آخر فَقَالَ أَحَدكُمَا حر حَيْثُ يُخَيّر فِي الْإِيجَاب الأول لِأَنَّهُ رُبمَا يعين الْخَارِج فِي الأول فَيصح الْإِيجَاب الثَّانِي قيل لَهُ ثمَّة الْإِيجَاب وَقع لَازِما وَقد تعلق ثمه بِهِ حق الْعَبْدَيْنِ

(1/29)


فَقبلت طلقت تَطْلِيقَة ثَالِثَة بِغَيْر شَيْء فَإِن قيل كَيفَ يكون ممتثلا لِلْأَمْرِ وَهُوَ إِنَّمَا أمره بالأيقاع بعوض وَالثَّانيَِة وَالثَّالِثَة هُنَا تقع بِغَيْر عوض قُلْنَا هُوَ موقع بعوض كَمَا أمره وَإِنَّمَا امْتنع وجوب الْعِوَض حكما لِانْعِدَامِ شَرطه فَلَا يصير بِهِ مُخَالفا كَالْوَكِيلِ يَبِيع مَا يُسَاوِي خَمْسمِائَة بِأَلف دِرْهَم إِذا بَاعه بيعا فَاسِدا بِأَلف لم يكن مُخَالفا وَإِن كَانَ الْمَبِيع يصير مَضْمُونا على المُشْتَرِي بِخَمْسِمِائَة لِأَنَّهُ سمى الْألف كَمَا أَمر وَإِنَّمَا امْتنع وُجُوبه حكما فَلَا يصير الْوَكِيل بِهِ مُخَالفا ثمَّ الزَّوْج لما أمره بِهَذَا مَعَ علمه أَن الثَّلَاث للسّنة لَا تقع جملَة وَإِن بعد حُصُول الْبَيْنُونَة بِوُقُوع الأولى لَا يجب عِنْد وُقُوع الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة شَيْء صَار رَاضِيا بِمَا فعله الْوَكِيل فَإِن كَانَ الزَّوْج تزَوجهَا بعد وُقُوع الأولى فَطلقهَا الْوَكِيل الثَّانِيَة فِي طهرهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
فَيُؤْمَر بِالْبَيَانِ أما هُنَا الْوكَالَة لَيست بلازمة فَإِنَّهُ يتَمَكَّن من عزل الوكيلين بعد الْإِيجَاب الأول فَلم يكن هَذَا الْحق لَازِما فَلَا يجْبر على الْبَيَان فَلَو طَلقهَا الْوَكِيل الآخر أَيْضا فِي الطُّهْر الثَّانِي تقع أُخْرَى لأَنا تَيَقنا بِوُقُوعِهِ بِكَلَام أَحدهمَا وَلَو وكل رجلا بِأَن يُطلق امْرَأَته للسّنة فَطلقهَا الْوَكِيل وَالزَّوْج للسّنة فَإِن سبق الزَّوْج فالواقع طَلَاقه وَكَلَام الْوَكِيل لَغْو لِأَنَّهُ يكون تَعْلِيقا إِلَّا إِذا طَلقهَا الْوَكِيل فِي الطُّهْر الثَّانِي فَيَقَع وَإِن كَانَ السَّابِق هُوَ الْوَكِيل وَقع طَلَاقه

(1/30)


بِثلث الْألف فَقبلت وَقعت بِثلث الْألف وَكَذَلِكَ لَو تزَوجهَا ثَانِيًا ثمَّ أوقع الثَّالِثَة فِي الطُّهْر الثَّالِث لِأَن شَرط وجوب الْبَدَل قد وجد عِنْد وُقُوع كل تَطْلِيقَة فَإِن قيل هُوَ مَأْمُور بِإِزَالَة الْملك الأول دون الْملك الثَّانِي الَّذِي يحدث للزَّوْج فَيَنْبَغِي أَن لايقع عَلَيْهَا فِي الْملك الثَّانِي بإيقاع الْوَكِيل شَيْء قُلْنَا الزَّوْج لما أمره بإيقاع كل تَطْلِيقَة بِثلث الْألف مَعَ علمه أَنه لَا يجب كل الْبَدَل بِمُقَابلَة كل تَطْلِيقَة إِلَّا بتخلل العقد بَين التطليقتين فقد صَار رَاضِيا بِزَوَال ملكه عَنْهَا عِنْد إِيقَاع كل تَطْلِيقَة بِثلث الْألف وَلَو قَالَ لرجل طَلقهَا تَطْلِيقَة بِأَلف دِرْهَم فَلم يفعل الْوَكِيل ذَلِك حَتَّى طَلقهَا الزَّوْج تَطْلِيقَة بِأَلف دِرْهَم فَقبلت ثمَّ إِن الْوَكِيل طَلقهَا فِي الْعدة تَطْلِيقَة بِأَلف دِرْهَم كَمَا أمره الزَّوْج فَقبلت لم يَقع عَلَيْهَا طَلَاق بذلك لِأَن الزَّوْج حِين أمره كَانَ مَالِكًا للاعتياض عَن طَلاقهَا فَينفذ إِيقَاع الْوَكِيل بِمَا يسْتَحق الزَّوْج الْعِوَض بمقابلته وَذَلِكَ لايحصل بعد الْبَيْنُونَة فَكَانَ إبانة الزَّوْج إِيَّاهَا عزلا مِنْهُ للْوَكِيل عَن الْإِيقَاع فانعزل الْوَكِيل بِهِ علم بإيقاع الْمُوكل أَو لم يعلم لِأَنَّهُ عزل حكمي كَمَا لَو وَكله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
وانعزل وَطَلَاق الزَّوْج يتَوَقَّف إِلَى أَن يَجِيء الطُّهْر الثَّانِي لِأَنَّهُ يملكهُ تَعْلِيقا وَإِن طلقاها مَعًا تقع طَلْقَة بِيَقِين ثمَّ فِي الطُّهْر الثَّانِي لَا يَقع شَيْء لاحْتِمَال أَن الْوَاقِع فِي الطُّهْر الأول طَلَاق الزَّوْج فَإِن طَلقهَا الْوَكِيل فِي الطُّهْر الثَّانِي

(1/31)


بِأَن يُزَوجهُ امْرَأَة بِعَينهَا ثمَّ تزوج أُخْتهَا كَانَ عزلا للْوَكِيل حكما فَإِن لم يُوقع الْوَكِيل عَلَيْهَا شَيْئا حَتَّى تزَوجهَا الزَّوْج ثَانِيًا ثمَّ طَلقهَا الْوَكِيل تَطْلِيقَة بِأَلف لم يَقع عَلَيْهَا شَيْء لِأَنَّهُ قد انْعَزل الْوَكِيل بِمَا صنعه الْمُوكل فَلَا يعود وَكيلا إِلَّا بتوكيل مُسْتَقْبل وَلِأَنَّهُ أمره بِإِزَالَة الْملك الْمَوْجُود وَقت التَّوْكِيل وَهَذَا ملك متجدد سوى ذَلِك الْملك فَلَا يملك إِزَالَته بذلك الْأَمر كَالْوَكِيلِ بِالْبيعِ إِذا بَاعَ الْمُوكل بِنَفسِهِ مَا وَكله بِبيعِهِ ثمَّ اشْتَرَاهُ فَبَاعَهُ الْوَكِيل لم ينفذ بَيْعه وَلَو طلق امْرَأَته تَطْلِيقَة بَائِنَة ثمَّ قَالَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
يَقع لِأَن الْوَاقِع فِي الطُّهْر الأول إِن كَانَ طَلَاق الزَّوْج بَقِي الْوَكِيل على وكَالَته فَيصح إِيقَاعه فِي الطُّهْر الثَّانِي وَإِن كَانَ الْوَاقِع فِي الطُّهْر الأول طَلَاق الْوَكِيل بَقِي طَلَاق الزَّوْج مُعَلّقا بمجيء الطُّهْر الثَّانِي فَيَقَع فَإِن قيل يَنْبَغِي أَن يكون الْوَاقِع فِي الطُّهْر الأول طَلَاق الزَّوْج عِنْد مُحَمَّد رَضِي الله عَنهُ لِأَنَّهُ يرجح

(1/32)


لغيره طَلقهَا بِأَلف دِرْهَم فَفعل وَقبلت الْمَرْأَة وَقع عَلَيْهَا تَطْلِيقَة بِغَيْر شَيْء لِأَن الْمَأْمُور هُنَا وَكيل بالإيقاع بِذكر الْعِوَض دون وجوب الْعِوَض فَإِن عِنْد التَّوْكِيل هِيَ مبانة وَلَا يسْتَحق الزَّوْج الْعِوَض على طَلَاق المبانة فَكَانَ الْوَكِيل متمثلا أمره وَصَارَ إيقاعة كإيقاع الْمُوكل بِنَفسِهِ بِخِلَاف الأول فَإِن عِنْد التَّوْكِيل هُنَاكَ كَانَ الزَّوْج مَالِكًا للاعتياض عَن طَلاقهَا فَإِن قيل يَنْبَغِي فِي هَذَا الْفَصْل أَن يتَوَقَّف التَّوْكِيل على أَن يَتَزَوَّجهَا الْمُوكل ثمَّ يطلقهَا الْوَكِيل بِأَلف ليجب الْعِوَض بِمُقَابلَة الطَّلَاق كَمَا لَو وكل رجلا بِأَن يُزَوجهُ امْرَأَة وَتَحْته أَربع نسْوَة توقفت الْوكَالَة على أَن يُفَارق وَاحِدَة مِنْهُنَّ ليزوجه الْوَكِيل بعد ذَلِك قُلْنَا هُنَاكَ الْمُوكل لَيْسَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
جَانب الْأَصَالَة على جَانب النِّيَابَة قيل لَهُ نعم فِي مَوضِع تكون الْعهْدَة على الْوَكِيل كَمَا فِي البيع أما هُنَا هُوَ سفير مَحْض فَصَارَت عِبَارَته كعبارة الْمُوكل فاستويا فَإِن لم يطلقهَا الْوَكِيل فِي الطُّهْر الثَّانِي لَكِن قَالَ الزَّوْج أَنْت طَالِق للسّنة يَقع وَهَذَا ظَاهر فَإِذا حَاضَت وطهرت لَا يَقع لِأَنَّهُ يحْتَمل أَن الْوَاقِع فِي الطُّهْر الأول وَالثَّانِي طَلَاق الزَّوْج إِلَّا أَن يطلقهَا أَحدهمَا على مَا مر وَلَو

(1/33)


بِأَهْل لما أَمر بِهِ للْحَال فَإِن حلّه لايسع إِلَّا بِأَرْبَع نسْوَة فلانعدام الْمَحَلِّيَّة توقفت الْوكَالَة على ظُهُور الْمحل ضَرُورَة أما هَا هُنَا هُوَ مُمكن من إِيقَاع مَا أَمر بِهِ للْحَال لِأَنَّهُ لَو طَلقهَا بِنَفسِهِ تَطْلِيقَة بِأَلف وَقعت تَطْلِيقَة بِغَيْر شَيْء إِذا قبلت فَلَا حَاجَة بِنَا إِلَى أَن نجْعَل الْوكَالَة مَوْقُوفَة على أَمر موهوم وَهُوَ تَجْدِيد العقد فَصَارَ هَذَا نَظِير مَا لَو وكل وَكيلا بِالْبيعِ فجن الْوَكِيل جنونا يعقل فِيهِ البيع والشرى ثمَّ بَاعه لَا ينفذ بَيْعه وَلَو كَانَ مَجْنُونا بِهَذِهِ الصّفة حِين وَكله نفذ بَيْعه لِأَنَّهُ إِذا كَانَ صَحِيحا وَقت التَّوْكِيل فَإِنَّمَا أمره بِعقد يلْزم الْوَكِيل الْعهْدَة بِحكم ذَلِك العقد وَذَلِكَ لَا يكون بعد جُنُونه وَإِذا كَانَ مَجْنُونا وَقت التَّوْكِيل فَإِنَّمَا أمره بالعبارة دون إِلْزَام الْعهْدَة فَكَذَلِك إِذا كَانَ الْأَمر فِي حَال قيام النِّكَاح يَنْعَزِل الْوَكِيل بِوُقُوع الْبَيْنُونَة وَإِذا جعل الْأَمر للْوَكِيل وَهِي مبانة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
قَالَ الزَّوْج لامْرَأَته وَقد دخل بهَا أَنْت طَالِق بَائِن للسّنة يَقع فِي وَقت السّنة فقد جعل الْبَائِن سنيا فِي رِوَايَة هَذَا الْكتاب وَفِي الأَصْل ذكر انه أَخطَأ السّنة لِأَن الْحَاجة تنْدَفع بِالطَّلَاق الرَّجْعِيّ فَصَارَ ضم صفة الْبَيْنُونَة كضم طَلَاق آخر وَجه الرِّوَايَة هُنَا أَن الْبَائِن قد يحْتَاج إِلَيْهِ حَتَّى لَا يَقع فِي ورطها بالرجعة

(1/34)


صَحَّ التَّوْكِيل على أَن يُوقع فِي الْعدة بِجعْل سَوَاء وَجب الْجعل أَو لم يجب فَإِن لم يطلقهَا الْوَكِيل فِي الْفَصْل الثَّانِي حَتَّى تزَوجهَا الزَّوْج فِي الْعدة ثمَّ طَلقهَا الْوَكِيل بِأَلف دِرْهَم فَقبلت وَقع الطَّلَاق بِأَلف لِأَن الْوَكِيل كَانَ مَالِكًا للإيقاع عَلَيْهَا فِي الْعدة فِي وَقت لَا يجب عَلَيْهَا الْعِوَض بمقابلته فلَان يبْقى مَالِكًا للإيقاع فِي وَقت يجب عَلَيْهَا الْعِوَض بمقابلته كَانَ أولى لما فِيهِ من زِيَادَة الْمَنْفَعَة للزَّوْج فَإِن لم يَتَزَوَّجهَا حَتَّى انْقَضتْ عدتهَا ثمَّ تزَوجهَا فَطلقهَا الْوَكِيل بِأَلف دِرْهَم فَقبلت لم يَقع عَلَيْهَا شَيْء لِأَنَّهُ حِين انْقَضتْ عدتهَا فقد خرجت من أَن تكون محلا لوُقُوع الطَّلَاق عَلَيْهَا فانعزل الْوَكِيل حكما لفَوَات
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
وَصَارَ كَالطَّلَاقِ قبل الدُّخُول بَائِنا وَكَانَ سنيا وَكَذَا الْخلْع مُبَاح لقَوْله تَعَالَى {فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا فِيمَا افتدت بِهِ} وَإِن كَانَ بَائِنا وَذكر هُنَا أَن الْخلْع فِي

(1/35)


الْمحل فَلَا يعود بعد ذَلِك وَكيلا إِلَّا بتوكيل مُسْتَقْبل بِخِلَاف الأول فَإِن هُنَاكَ النِّكَاح حصل فِي الْعدة وببقاء الْعدة بقيت محلا لوُقُوع الطَّلَاق عَلَيْهَا قَالَ وَلَو وكل رجلَيْنِ كل وَاحِد مِنْهُمَا بِأَن يطلقهَا تَطْلِيقَة للسّنة فَلَمَّا طهرت قَالَ لَهَا كل وَاحِد مِنْهُمَا أَنْت طَالِق تَطْلِيقَة للسّنة فَإِن سبق أَحدهمَا بالْكلَام وَقع طلاقة لمصادفة إِيقَاعه وَقت السّنة ثمَّ لَا تقع الثَّانِيَة فِي الْحَال لِأَنَّهُ بِوُقُوع الأولى خرج هَذَا الطُّهْر من أَن يكون محلا للتطليقة الْأُخْرَى للسّنة وَلَا يَصح الْإِيقَاع من الْوَكِيل إِلَّا تنجيزا كَمَا بَينا فَلم يَقع عَلَيْهَا شَيْء وَإِن حَاضَت وطهرت فَإِن خرج الْكَلَام من الوكيلين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
الْحيض وَفِي طهر جَامعهَا فِيهِ مَكْرُوه لِأَنَّهُ لَيْسَ وَقت للسّنة وَرُوِيَ فِي غير رِوَايَة الْأُصُول أَنه غير مَكْرُوه لِأَن الْخلْع إِنَّمَا يكون بعد النُّشُوز مِنْهَا وَذَلِكَ دَلِيل التنافر فَلَا يكره وَلَو وكل رجلا بِأَن يُطلق امْرَأَته تَطْلِيقَة للسّنة بِأَلف دِرْهَم ووكل آخر بِأَن يطلقهَا تَطْلِيقَة للسّنة بِمِائَة دِينَار فَإِن طَلقهَا فِي غير وَقت السّنة فكله بَاطِل لِأَنَّهُ تَعْلِيق وَإِن طلقاها مَعًا فِي الطُّهْر فقلبت طلاقهما وَقعت تَطْلِيقَة وَاحِدَة ولزمها أحد الْمَالَيْنِ وَخيَار التَّعْيِين إِلَيْهَا لِأَن التَّعْيِين إِلَى من عَلَيْهِ المَال فَإِن اخْتَارَتْ الدَّرَاهِم ثمَّ حَاضَت وطهرت ثمَّ طَلقهَا الْوَكِيل بِالدَّنَانِيرِ لم تقع أُخْرَى لِأَن اخْتِيَارهَا الدَّرَاهِم فِي الطُّهْر الأول لم يَصح فِي حق تعْيين الطَّلَاق لِأَن التَّعْيِين إِلَى الزَّوْج لَا إِلَيْهَا وَتَعْيِين الطَّلَاق غير صَحِيح على مَا ذكرنَا وَكَذَا إِذا طَلقهَا فِي الطُّهْر الثَّانِي لَا يَقع لِأَن الَّذِي وَقع

(1/36)


مَعًا وَقعت تَطْلِيقَة وَاحِدَة لِأَن فِي حق الْوَاحِدَة صَادف الْإِيقَاع وَقت السّنة فنتيقن بِوُقُوع الْوَاحِدَة عَلَيْهَا وَلَا خِيَار للزَّوْج فِي تعْيين طَلَاق أحد الوكيلين لِأَن الْخِيَار لَا يثبت شرعا إِلَّا لفائدة وَلَا فَائِدَة فِي هَذَا الْخِيَار فَإِن حكم الطلاقين فِي حَقه وَاحِد فَإِن حَاضَت وطهرت لم يَقع عَلَيْهَا شَيْء بذلك الْإِيقَاع لِأَن أحد الوكيلين منجز وَالْآخر مضيف إِلَى وَقت السّنة وَلَكِن الْإِضَافَة من الْوَكِيل بالتنجيز لَغْو فَإِن قَالَ لَهَا أحد الوكيلين فِي الطُّهْر الثَّانِي أَنْت طَالِق للسّنة لم يَقع عَلَيْهَا بِهَذَا شَيْء أَيْضا لِأَنَّهُ إِن كَانَ الْوَاقِع فِي الطُّهْر الأول طَلَاق هَذَا الْوَكِيل لم يَقع بإيقاعه فِي الطُّهْر الثَّانِي شَيْء لِأَنَّهُ انْتَهَت وكَالَته وَإِن كَانَ الْوَاقِع طَلَاق الْوَكِيل الآخر وَقع بإيقاعه فِي هَذَا الطُّهْر أُخْرَى وَلَكِن الطَّلَاق بِالشَّكِّ لَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
طَلَاقه فِي الطُّهْر الأول انْعَزل وَكَذَا الآخر انْعَزل أَيْضا بالبينونة لِأَنَّهُ وَكله بِطَلَاق يجب بِهِ الْبَدَل فِي حَال أمكن أَن يجب بِهِ الْبَدَل فَإِذا صَارَت بِحَال لَا يجب بِهِ الْبَدَل انْعَزل وَكَذَا لَو تزَوجهَا الزَّوْج ثمَّ طلقاها فِي الطُّهْر الثَّانِي لِأَن هَذَا ملك آخر وَالتَّوْكِيل بِالطَّلَاق كَانَ لإِزَالَة ذَلِك الْملك وَلَو قَالَ الزَّوْج لرجل طلق امْرَأَتي وَاحِدَة بِأَلف دِرْهَم للسّنة فَطلقهَا الْوَكِيل فِي الطُّهْر بِأَلف للسّنة وَطَلقهَا الزَّوْج بِمِائَة دِينَار للسّنة وَقبلت الْكل وَقعت طَلْقَة وَاحِدَة لِأَنَّهُ لَا يسع

(1/37)


يَقع وَلَا يُخَيّر الزَّوْج هُنَا أَيْضا حَتَّى إِن اخْتَار طَلَاق الْوَكِيل الآخر لَا يَقع هَذِه التطليقة الثَّانِيَة لِأَن عِنْد الْإِيقَاع لم يثبت لَهُ الْخِيَار فَلَا يثبت بعد ذَلِك فَإِن قيل إِنَّمَا لم يثبت الْخِيَار عِنْد الْإِيقَاع لِأَنَّهُ لم يكن مُفِيدا والآن قد صَار مُفِيدا فَيَنْبَغِي أَن يُخَيّر كمن لَهُ ثَلَاثَة أعبد دخل عَلَيْهِ اثْنَان فَقَالَ أَحَدكُمَا حر فَخرج أَحدهمَا وَدخل الآخر فَقَالَ أَحَدكُمَا حر يُخَيّر فِي الْكَلَام الأول حَتَّى إِذا اخْتَار الْخَارِج حِينَئِذٍ يثبت لَهُ الْخِيَار بِحكم الْكَلَام الثَّانِي قُلْنَا هُنَاكَ الْكَلَام الأول يلْزم إِيَّاه وَثُبُوت الْخِيَار يبْنى على مَا يكون ملزما فِي حَقه فَأَما هُنَا بعد الْإِيقَاع فِي الطُّهْر الأول كَانَ هُوَ مُتَمَكنًا من عزل الوكيلين عَن الْإِيقَاع فَلم يكن التَّخْيِير هَاهُنَا مُفِيدا فَلهَذَا لَا يثبت لَهُ الْخِيَار وَلَكِن إِن قَالَ الْوَكِيل الآخر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
فِيهِ للسّنة إِلَّا وَاحِدَة ولزمها أحد الْمَالَيْنِ وَالتَّعْيِين إِلَيْهَا لما مر وَصَارَ كَقَوْل الزَّوْج أَنْت طَالِق بِأَلف دِرْهَم أَو بِمِائَة دِينَار فَقبلت لَزِمَهَا أحد الْمَالَيْنِ فَإِذا حَاضَت وطهرت لَا يَقع وَكَذَا إِذا قَالَ لَهَا الْوَكِيل فِي الطُّهْر الثَّانِي أَنْت طَالِق بِأَلف دِرْهَم فَقبلت لَا يَقع لِأَن الْوَكِيل انْعَزل أما إِذا كَانَ الْوَاقِع فِي الطُّهْر الأول طَلَاقه فَظَاهر وَكَذَا إِذا كَانَ الْوَاقِع طَلَاق الزَّوْج لِأَنَّهُ عجز عَن طَلَاق

(1/38)


أَيْضا فِي الطُّهْر الثَّانِي أَنْت طَالِق للسّنة وَقعت تَطْلِيقَة ثَانِيَة لأَنا تَيَقنا بِوُجُود الْإِيقَاع فِي الطُّهْر الثَّانِي مِمَّن هُوَ بَاقٍ مِنْهُمَا على الْوكَالَة فَلهَذَا طلقت تَطْلِيقَتَيْنِ وَلَو قَالَ لرجل وَاحِد طَلقهَا تَطْلِيقَة للسّنة فَلَمَّا طهرت طَلقهَا الْوَكِيل وَالْمُوكل فَإِن كَانَ الْوَكِيل هُوَ الَّذِي بَدَأَ وَقع طَلَاقه لمصادفة الْإِيقَاع وَقت السّنة ثمَّ إِذا حَاضَت وطهرت وَقعت أُخْرَى لِأَن كَلَام الْمُوكل كَانَ إِضَافَة للطَّلَاق إِلَى وَقت السّنة وَهُوَ مَالك لذَلِك وَإِن كَانَ الزَّوْج هُوَ الَّذِي بَدَأَ لم يَقع بإيقاع الْوَكِيل شَيْء لِأَنَّهُ لَا يُمكن جعل كَلَامه تنجيزا بَعْدَمَا أوقع الزَّوْج فِي هَذَا الطُّهْر وَاحِدَة وَلَا تصح مِنْهُ الْإِضَافَة فَلَا تقع عَلَيْهَا الثَّانِيَة إِلَّا أَن يطلقهَا الْوَكِيل فِي الطُّهْر الثَّانِي تَطْلِيقَة مُسْتَقْبلَة لِأَنَّهُ لم يَنْعَزِل بإيقاع الْمُوكل التطليقة الْوَاحِدَة وَلَا بالإيقاع الأول من الْوَكِيل فَإِنَّهُ عير ممتثل لأَمره فِي ذَلِك وَإِنَّمَا يخرج من الْأَمر بالامتثال وَلَو خرج الْكَلَام من الْوَكِيل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
يجب بِهِ الْبَدَل للبينونة وَلَو طَلقهَا الْوَكِيل فِي الطُّهْر الأول للسّنة بِأَلف دِرْهَم وَقَالَ الزَّوْج أَنْت طَالِق بِمِائَة دِينَار وَلم يقل للسّنة فَقبلت الْكل وَقع طَلَاق

(1/39)


وَالْمُوكل مَعًا طلقت تَطْلِيقَة وَاحِدَة لوُجُود وَقت السّنة فِي حق الْوَاحِدَة وَلَا يتَعَيَّن طَلَاق الْوَكِيل وَلَا طَلَاق الْمُوكل كَمَا فِي الْفَصْل الأول إِذا أوقع الوكيلان مَعًا وَهُوَ سُؤال أبي يُوسُف رَحمَه الله على مُحَمَّد رَحمَه الله فِي مسئلة الْوَكِيل بالشرى إِذا لم تحضره الْبَيِّنَة عِنْد الشرى أَنه يصير مُشْتَريا لنَفسِهِ عِنْد مُحَمَّد رَحمَه الله لِأَن التَّصَرُّف بِحكم الْملك أقوى فَلَا يُعَارضهُ التَّصَرُّف بِحكم النِّيَابَة فَإِن هُنَا الْمُوكل يتَصَرَّف بِحكم الْملك أقوى فَلَا يُعَارضهُ التَّصَرُّف بِحكم النِّيَابَة فَإِن هُنَا الْمُوكل يتَصَرَّف بِحكم الْملك ثمَّ لم يتَعَيَّن طَلَاقه للوقوع وَلَكِن عِنْد مُحَمَّد أَن الْوَكِيل هَهُنَا سفير مَحْض لَا يتَعَلَّق بِهِ شَيْء من الْعهْدَة فَاسْتَوَى إِيقَاعه وإيقاع الْمُوكل وَهُنَاكَ الْوَكِيل يلْتَزم الْعهْدَة بمباشرته العقد لغيره والتزام الْعهْدَة بمباشرته العقد لنَفسِهِ أقوى فَلهَذَا ترجح جَانب الْملك على جَانب الْوكَالَة فَإِن طهرت من الْحَيْضَة الثَّانِيَة لم تقع عَلَيْهَا تَطْلِيقَة أُخْرَى لِأَنَّهُ إِن كَانَ الْوَاقِع فِي الطُّهْر الاول طَلَاق الْوَكِيل وَقعت أُخْرَى فِي الطُّهْر الثَّانِي بإيقاع الزَّوْج وَإِن كَانَ الْوَاقِع فِي الطُّهْر الأول طَلَاق الْمُوكل لم يَقع فِي الطُّهْر الثَّانِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
الزَّوْج عَلَيْهَا بِمِائَة دِينَار لِأَن طَلَاق الزَّوْج لَيْسَ بسني فَيَقَع تقدم أَو تَأَخّر وَطَلَاق الْوَكِيل للسّنة لَا يَقع إِلَّا إِذا تقدم والأقوى أولى وَالْوَكِيل انْعَزل بالبينونة وَلَا يَقع طَلَاقه أبدا سَوَاء تزَوجهَا بعد ذَلِك أَو لم يَتَزَوَّجهَا وَلَو قَالَ لَهُ طلق امْرَأَتي للسّنة وَلم يذكر المَال فَطلقهَا الْوَكِيل للسّنة فِي الطُّهْر وَقَالَ الزَّوْج أَنْت طَالِق وَلم يقل للسّنة وَخرج كَلَامهمَا مَعًا يَقع طَلَاق الزَّوْج

(1/40)


شَيْء وَالطَّلَاق بِالشَّكِّ لَا يَقع فَإِن قَالَ لَهَا الْوَكِيل فِي الطُّهْر الثَّانِي أَنْت طَالِق تقع تَطْلِيقَة أُخْرَى لأَنا نتيقن بِوُقُوع الثَّانِيَة الْآن فَإِن الْوَاقِع فِي الطُّهْر الأول إِن كَانَ طَلَاق الْمُوكل يَقع فِي الطُّهْر الثَّانِي بإيقاع الْوَكِيل وَإِن كَانَ الْوَاقِع فِي الطُّهْر الأول طَلَاق الْوَكِيل يَقع طَلَاق الْمُوكل كَمَا طهرت فَلهَذَا طلقت ثِنْتَيْنِ وَلَو لم يطلقهَا الْوَكِيل فِي الطُّهْر الثَّانِي وَلَكِن الزَّوْج قَالَ لَهَا فِي الطُّهْر الثَّانِي أَنْت طَالِق تَطْلِيقَة للسّنة وَقعت عَلَيْهَا تَطْلِيقَة أُخْرَى لِأَنَّهُ إِن كَانَ الْوَاقِع فِي الطُّهْر الأول
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
وَهَذَا ظَاهر لَكِن هُنَا لَا يَنْعَزِل الْوَكِيل لعدم الْبَيْنُونَة حَتَّى لَو أوقعهَا فِي الطُّهْر الثَّانِي للسّنة يَقع وَكَذَا لَو سبق الزَّوْج بالإيقاع فَأَما لَو سبق الْوَكِيل ثمَّ طَلقهَا الزَّوْج لغير السّنة تقع طَلْقَتَانِ لِأَن وُقُوع الأول لَا يمْنَع وُقُوع الْأُخْرَى إِذا لم تتقيد بِالسنةِ وَلَو وكل رجلا بِأَن يطلقهَا تَطْلِيقَة بَائِنَة للسّنة

(1/41)


طَلَاق الْمُوكل وَقعت الثَّانِيَة بإيقاعه الْآن وَأَن كَانَ الْوَاقِع فِي الطُّهْر الأول طَلَاق الْوَكِيل وَقع طَلَاق الْمُوكل كَمَا طهرت فَلَا تقع الثَّانِيَة بِهَذَا الْإِيقَاع من الزَّوْج لِأَنَّهُ لم يُصَادف وَقت السّنة فَلهَذَا لَا يَقع الاثنتين فَإِن طهرت من الْحَيْضَة الْأُخْرَى لم تقع عَلَيْهَا الثَّالِثَة لِأَن إِن كَانَ الْوَاقِع فِي الطهرين مَا أوقعه الزَّوْج لم تقع الثَّالِثَة فِي الطُّهْر الثَّالِث وَالطَّلَاق بِالشَّكِّ لايقع فَلهَذَا لم تطلق الثَّالِثَة إِلَّا أَن يوقعها الْوَكِيل فِي هَذَا الطُّهْر أَو الزَّوْج فَحِينَئِذٍ نتيقن بِوُقُوع الثَّالِثَة فَيصير مُطلقًا ثَلَاثًا
قَالَ رجل قَالَ لامْرَأَته وَقد دخل بهَا أَنْت طَالِق تَطْلِيقَة بَائِنَة للسّنة طلقت بَائِنَة حِين تطهر من حَيْضهَا لِأَن قَوْله للسّنة مَعْنَاهُ لوقت السّنة والتطليقة البائنة للسّنة تكون على رِوَايَة هَذَا الْكتاب بخلاق مَا قَالَ فِي الأَصْل إِن من طلق امْرَأَته تَطْلِيقَة بَائِنَة فقد أَخطَأ السّنة وَوجه تِلْكَ الرِّوَايَة أَن إِبَاحَة الطَّلَاق لأجل الْحَاجة وَلَا حَاجَة إِلَى إِيقَاع صفة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
وَالْآخر أَن يطلقهَا رَجْعِيَّة للسّنة فطلقاها مَعًا فِي الطُّهْر كِلَاهُمَا بَائِنا أَو كِلَاهُمَا رَجْعِيًا أَو أَحدهمَا بَائِنا وَالْآخر رجيعا تقع طَلْقَة وَاحِد للسّنة لِأَن

(1/42)


الْبَيْنُونَة فَكَانَت زِيَادَة هَذِه الصّفة كزيادة تَطْلِيقَة أُخْرَى بل أَكثر لِأَن زِيَادَة هَذِه الصّفة تزيل الْملك وَضم الثَّانِيَة إِلَى الأولى لَا يزِيل الْملك وَوجه هَذِه الرِّوَايَة أَن الصّفة تتبع الأَصْل لِأَنَّهَا لَا تقوم بِنَفسِهَا فثبوت الْإِبَاحَة فِي الأَصْل يَقْتَضِي ثُبُوت الْإِبَاحَة فِي التبع أَلا ترى أَن إِيقَاع الطَّلَاق قبل الدُّخُول بهَا مُبَاح وَلَا يتَوَقَّف الْإِبَاحَة على وجود الدُّخُول ليَكُون الْوَاقِع بعده رَجْعِيًا وَكَذَلِكَ الْخلْع مُبَاح بقضية النَّص وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا فِيمَا افتدت بِهِ} وَالْوَاقِع بِالْخلْعِ تَطْلِيقَة بَائِنَة فَدلَّ أَن البائنة تكون للسّنة وَذكر فِي الْكتاب أَن الْخلْع فِي حَالَة الْحيض وَفِي طهر قد جَامعهَا فِيهِ مَكْرُوه اعْتِبَارا للطَّلَاق بعوض بِالطَّلَاق بِغَيْر عوض وَعَن أبي حنيفَة فِي غير رِوَايَة الْأُصُول أَنه لَا يكون مَكْرُوها لِأَن الْخلْع لَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
الطَّلَاق يَقع على الصّفة الَّتِي أَمر بهَا الزَّوْج لَكِن شككنا فِي كَون الْوَاقِع رجععيا أَو بَائِنا وَالتَّعْيِين إِلَى الزَّوْج لِأَن التَّعْيِين مُفِيد وَصَارَ كَقَوْل الزَّوْج أَنْت طَالِق بَائِن أَو رَجْعِيّ فَإِذا حَاضَت وطهرت فَقَالَ لَهَا الْوَكِيل بالبائن أَنْت طَالِق بَائِن بَانَتْ بِيَقِين وَلَا رَجْعَة للزَّوْج لِأَن الْوَاقِع فِي الطُّهْر الأول إِن كَانَ طَلَاقه

(1/43)


يكون إِلَّا عِنْد النُّشُوز وَالْحَاجة وَاعْتِبَار زمَان الطُّهْر إِنَّمَا يكون ليَكُون دَلِيلا على عدم مُوَافقَة الْأَخْلَاق وَالْخلْع يَكْفِي دَلِيلا عَلَيْهِ فالطهر وَالْحيض فِيهِ سَوَاء
وَلَو قَالَ لرجل طلق امْرَأَتي وَاحِدَة للسّنة بِأَلف دِرْهَم وَقَالَ لآخر طَلقهَا وَاحِدَة للسّنة بِمِائَة دِينَار فَطلقهَا كل وَاحِد مِنْهُمَا مَعًا فِي وَقت السّنة وَقبلت هِيَ مِنْهُمَا وَقعت عَلَيْهَا تَطْلِيقَة وَاحِدَة لما بَينا أَن الطُّهْر الْوَاحِد لايكون محلا لأكْثر من طَلَاق وَاحِد للسّنة وإيقاع الوكيلين فِيمَا يتنجز فِي هَذَا الطُّهْر كإيقاع الْمُوكل بِنَفسِهِ وَإِذا وَقع عَلَيْهَا أحد التطليقتين لَزِمَهَا أحد الْمَالَيْنِ وَلَا خِيَار فِي تَعْيِينه إِلَى الوكيلين لِأَنَّهُمَا كَانَا سفيرين خرجا من الْوسط بالإيقاع وَلَا خِيَار للزَّوْج أَيْضا لِأَن فِي جَانِبه إِيقَاع الطَّلَاق فَأَي الطلاقين وَقع فَالْحكم فِي جَانِبه سَوَاء فَلَا خِيَار لَهُ كَمَا لَو كَانَا بِغَيْر عوض وَإِنَّمَا الْخِيَار للْمَرْأَة لِأَن المَال يجب عَلَيْهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
فقد بَانَتْ وَإِن كَانَ الْوَاقِع طَلَاق صَاحبه بَقِي هُوَ وَكيلا فَتَصِح إبانته فِي الطُّهْر الثَّانِي لَكِن لَا تقع طَلْقَة أُخْرَى لوُقُوع الشَّك فِيهَا وَلَو كَانَ الْوَكِيل بالرجعي هُوَ الَّذِي ثنى فِي الطُّهْر الثَّانِي فَللزَّوْج الرّجْعَة لوُقُوع الشَّك فِي صفة الْبَيْنُونَة

(1/44)


فلهَا أَن تعين مَا التزمت من المَال فَإِن اخْتَارَتْ الدَّرَاهِم ثمَّ طهرت من الْحَيْضَة الثَّانِيَة فَطلقهَا الْوَكِيل بِالطَّلَاق بِالدَّنَانِيرِ فَقبلت أَو طَلقهَا الْوَكِيل الآخر أَو طلقاها جَمِيعًا مَعًا فَذَلِك كُله بَاطِل لِأَن من وَقع الطَّلَاق مِنْهُ فِي الطُّهْر الأول لَا يَقع مِنْهُ فِي الطُّهْر الثَّانِي شَيْء وَقد انْعَزل الْوَكِيل الآخر بِوُقُوع الْبَيْنُونَة لِأَن عِنْد التَّوْكِيل كَانَت مَنْكُوحَة وَقد بَينا أَن الْوَكِيل بِالْخلْعِ يَنْعَزِل بِوُقُوع الْفرْقَة بعد التَّوْكِيل لِأَنَّهُ لَو وَقع الطَّلَاق بإيقاعه وَقع بِغَيْر جعل وَالزَّوْج لم يرض بذلك فَلهَذَا لم يَقع عَلَيْهَا فِي الطُّهْر الثَّانِي شَيْء وَكَذَلِكَ إِن تزَوجهَا ثمَّ طَلقهَا أَحدهمَا أَو طلقاها لِأَن الْوَكِيل قد انْعَزل كَمَا بَينا فَلَا يعود وَكيلا إِلَّا بنجديد عقد الْوكَالَة وَإِنَّمَا كَانَ وَكيلا بِإِزَالَة الْملك الأول وَهَذَا ملك متجدد سوى الأول
وَلَو قَالَ لوكيل وَاحِد طَلقهَا وَاحِدَة للسّنة بِأَلف دِرْهَم فَفعل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
وَالْخيَار بِحَالهِ فَإِن اخْتَار الزَّوْج للبائن فِي الطُّهْر الأول يَقع الثَّانِي فِي الطُّهْر الثَّانِي بإيقاع الْوَكِيل بالرجعي لِأَنَّهُ بَقِي وَكيلا والصريح يلْحق الْبَائِن وَإِن اخْتَار الرَّجْعِيّ فِي الطُّهْر الأول لَا يَقع غَيره لِأَن الْوَكِيل بالرجعي انْتهى وكَالَته فَلَا يَصح إِيقَاعه فِي الطُّهْر الثَّانِي وَإِن أوقعا فِي الطُّهْر الثَّانِي مَعًا أَو على

(1/45)


الْوَكِيل ذَلِك وَطَلقهَا الزَّوْج وَاحِدَة للسّنة بِمِائَة دِينَار فَقبلت ذَلِك كُله وَقد خرج الكلامان مَعًا طلقت وَاحِدَة لما بَينا وَعَلَيْهَا أحد الْمَالَيْنِ لِأَن الْوَاقِع إِحْدَى التطليقتين بِغَيْر عينهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ طَلَاق الْمُوكل بأقوى من طَلَاق الْوَكِيل كَمَا لَو كَانَا بِغَيْر عوض وَالْخيَار إِلَيْهَا تعطيه أَي الْمَالَيْنِ شَاءَت بِمَنْزِلَة مَا لَو كَانَ الزَّوْج قَالَ لَهَا أَنْت طَالِق بِأَلف دِرْهَم أَو بِمِائَة دِينَار فَقبلت كَانَ الْخِيَار إِلَيْهَا تعطيه أَي الْمَالَيْنِ شَاءَت وَالطَّلَاق الْوَاقِع بَائِن لِأَنَّهُ وَقع بحعل فَإِن طهرت من الْحَيْضَة الثَّانِيَة لم يَقع عَلَيْهَا شَيْء آخر لِأَنَّهُ إِن كَانَ الْوَاقِع فِي الطُّهْر الأول طَلَاق الزَّوْج لَغَا إِيقَاع الْوَكِيل وَالطَّلَاق بِالشَّكِّ لَا يَقع فَإِن قَالَ لَهَا الْوَكِيل حِين طهرت من الْحَيْضَة الثَّانِيَة أَنْت طَالِق للسّنة بألق دِرْهَم فَقبلت لم يَقع عَلَيْهَا شَيْء آخر أَيْضا لِأَنَّهُ إِن كَانَ الْوَاقِع فِي الطُّهْر الأول طَلَاق الْوَكِيل لم يَقع بإيقاعه فِي الطُّهْر الثَّانِي شَيْء وَلَو كَانَ الْوَاقِع فِي الطُّهْر الأول طَلَاق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
48 - التَّعَاقُب وَقع تَطْلِيقَتَانِ وَبَانَتْ بِالْأولِ أَو بِالثَّانِي وَلَو أمره بَان يطلقهَا بَائِنَة للسّنة فَفعل الْوَكِيل ذَلِك فِي الطُّهْر وَقَالَ الزَّوْج أَنْت طَالِق تَطْلِيقَة رَجْعِيَّة للسّنة

(1/46)


الْمُوكل فقد انْعَزل الْوَكِيل لِأَنَّهَا قد بَانَتْ بإيقاع الْمُوكل فَلهَذَا لَا يَقع شَيْء وَاخْتِيَار الْمَرْأَة أَدَاء الْألف لَا يكون دَلِيلا على أَن الْوَاقِع طَلَاق الْوَكِيل وَكَذَلِكَ اخْتِيَارهَا أَدَاء الدَّنَانِير لَا يكون دَلِيلا على أَن الْوَاقِع طَلَاق الْمُوكل لِأَن المَال ينْفَصل عَن الطَّلَاق أَدَاء كَمَا ينْفَصل وجوبا على مَا بَينا أَنه لَو طلق المبانة بِمَال وَقع الطَّلَاق وَلَا يجب المَال وَلِأَن المَال تكْثر أَسبَاب وُجُوبه فِي الْجُمْلَة وَولَايَة التَّعْيِين لَهَا فِي المَال دون الطَّلَاق فَلَا يكون تَعْيِينهَا المَال مُوجبا تعْيين الطَّلَاق أَلا ترى أَنه لَو كَانَ اُحْدُ الْمَالَيْنِ ألف دِرْهَم وَالْآخر ألفي دِرْهَم يلْزمهَا أقل الْمَالَيْنِ لكَونه متيقنا بِهِ وَلَا يكون ذَلِك دَلِيلا على أَن الْوَاقِع هُوَ الطَّلَاق الَّذِي قوبل بِأَقَلّ الْمَالَيْنِ فَكَذَا إِذا تعين أحد الْمَالَيْنِ بتعيينها وَلَو كَانَ الْوَكِيل قَالَ لَهَا حِين طهرت أَنْت طَالِق وَاحِدَة للسّنة بِأَلف دِرْهَم وَقَالَ لَهَا الزَّوْج أَنْت طَالِق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(1/47)


وَاحِدَة بِمِائَة دِينَار فَقبلت ذَلِك كُله طلقت التطليقة الَّتِي طَلقهَا الزَّوْج بِمِائَة دِينَار لِأَن طَلَاق الزَّوْج هُنَا أَعم وقوعا فَإِنَّهُ وَاقع للسّنة كَانَت أَو للبدعة وَالْأَوْجه هُنَا أَن تَقول طَلَاق الزَّوْج وَاقع تقدم أَو تَأَخّر وَطَلَاق الْوَكِيل لَا يَقع إِلَّا أَن يتَقَدَّم وَلم يُوجد شَرط التَّقَدُّم هُنَا فَكَانَ طَلَاق الزَّوْج أولى كَنِكَاح الْحرَّة مَعَ الْأمة إِذا اجْتمعَا جَازَ نِكَاح الْحرَّة لِأَنَّهُ يَصح تقدم أَو تَأَخّر وَلَا يجوز نِكَاح الْأمة إِلَّا بِشَرْط التَّقَدُّم وَلم يُوجد فَإِن طهرت من الْحَيْضَة الثَّانِيَة فَأَعَادَ الْوَكِيل عَلَيْهَا القَوْل فَقبلت لم يَقع عَلَيْهَا شَيْء لِأَنَّهَا بَانَتْ بِمَا أوقعهَا الْمُوكل فانعزل الْوَكِيل عَن الْوكَالَة فَلَا يَقع عَلَيْهَا بإيقاعة شَيْء تزَوجهَا الزَّوْج أَو لم يَتَزَوَّجهَا وَكَذَلِكَ هَذِه الصُّورَة فِي الطلاقين بِغَيْر عوض مَا أوقعه الزَّوْج أولى لِأَنَّهُ مُطلق غير مُقَيّد بِصفة السّنة بِخِلَاف طَلَاق الْوَكِيل فَإِنَّهُ يتَقَيَّد بِصفة السّنة سَوَاء أطلقهُ الْوَكِيل أَو قَيده بِهَذِهِ الصّفة فَإِن طهرت من الْحَيْضَة الثَّانِيَة لم يَقع عَلَيْهَا شَيْء آخر إِلَّا أَن يجدد الْوَكِيل القَوْل فَحِينَئِذٍ يَقع عَلَيْهَا تَطْلِيقَة أُخْرَى لِأَن الْوَاقِع من الزَّوْج فِي الطُّهْر الأول هُنَا رَجْعِيّ غير ناف للوكالة فَلَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(1/48)


يَنْعَزِل بِهِ الْوَكِيل فإذت طَلقهَا فِي الطُّهْر الثَّانِي كَانَ ممتثلا لِلْأَمْرِ بالإيقاع فِي وَقت السّنة وَكَذَلِكَ لَو كَانَ الزَّوْج سبق بالإيقاع ثمَّ ثنى بِهِ الْوَكِيل فَإِن كَانَ الْوَكِيل بَدَأَ بالإيقاع فِي الطُّهْر الأول ثمَّ ثنى الزَّوْج وَقعت التطليقات فِي الطُّهْر الأول أما مَا أوقعه الْوَكِيل فَلِأَنَّهُ ممتثل لِلْأَمْرِ بالإيقاع بِصفة السّنة وَأما مَا أوقعه الْمُوكل فَلِأَنَّهُ مُطلق غير مُقَيّد بِصفة السّنة
وَلَو قَالَ لغيره طَلقهَا تَطْلِيقَة بَائِنَة للسّنة وَقَالَ لآخر طَلقهَا تَطْلِيقَة رَجْعِيَّة للسّنة فَلَمَّا طهرت قَالَ لَهَا كل وَاحِد مِنْهَا أَنْت طَالِق أَو قَالَ كل وَاحِد مِنْهَا أَنْت طَالِق تَطْلِيقَة بَائِنَة أَو قَالَ كل وَاحِد مِنْهُمَا أَنْت طَالِق تَطْلِيقَة رَجْعِيَّة أَو قَالَ الْمَأْمُور بالرجعي أَنْت طَالِق تَطْلِيقَة بَائِنَة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
وَخرج كَلَامهمَا مَعًا فالواقع أَحدهمَا وَخيَار التَّعْيِين إِلَى الزَّوْج لما مر فَإِن لم يخْتَر شَيْئا حَتَّى حَاضَت وطهرت فَالْخِيَار على حَاله لوُقُوع الشَّك فِي الْبَيْنُونَة فَإِن اخْتَار طَلَاق الْوَكِيل فِي الطُّهْر الأول بَانَتْ وَتعلق طَلَاق الزَّوْج

(1/49)


والمأمور بالبائن قَالَ أَنْت طَالِق تَطْلِيقَة رَجْعِيَّة وَالْكَلَام مِنْهُمَا مَعًا وَقعت تَطْلِيقَة وَاحِدَة فِي الْفُصُول كلهَا وَالْخيَار إِلَى الزَّوْج فِي الصّفة لِأَن الْوَكِيل ممتثل بإيقاع أصل الطَّلَاق وَلَا قَول لَهُ فِي الصّفة لِأَن الصّفة تتبع الأَصْل وَلِأَن الصّفة متعينة فِي حَقه بِمَا نَص عَلَيْهِ الْمُوكل فَلَا حَاجَة إِلَى تَعْيِينهَا بِالذكر فَكَانَ تنصيصه على خِلَافه لَغوا كَمَا لَو قَالَ للْوَكِيل قبل الدُّخُول طَلقهَا وَاحِدَة رَجْعِيَّة أَو قَالَ للْوَكِيل بإيقاعة الثَّالِثَة طَلقهَا وَاحِدَة رَجْعِيَّة يَقع الطَّلَاق بِصفة الْبَيْنُونَة لكَونهَا مُعينَة فَكَذَا هَاهُنَا الْوَاقِع طَلَاق أحد الوكيلين وَالْخيَار إِلَى الزَّوْج لِأَن التَّخْيِير بَين الْبَائِن والرجعي مُفِيد فَيُخَير كَمَا لَو قَالَ لَهَا بِنَفسِهِ أَنْت طَالِق بطليقة بَائِنَة أَو رَجْعِيَّة للسّنة كَانَ الْخِيَار فِي ذَلِك إِلَيْهِ فَإِن لم يخْتَر شَيْئا حَتَّى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
بمجيء الطُّهْر الثَّانِي فَيَقَع وَإِن اخْتَار الزَّوْج طَلَاق نَفسه فِي الطُّهْر الأول كَانَ كَلَام الْوَكِيل لَغوا لكَونه تَعْلِيقا وَللزَّوْج الرّجْعَة فَإِن طَلقهَا الْوَكِيل فِي الطُّهْر

(1/50)


طهرت من الْحَيْضَة الثَّانِيَة فَطلقهَا الْمَأْمُور بالتطليقة البائنة تطلق تَطْلِيقَة بَائِنَة وَيبْطل خِيَار الزَّوْج لِأَنَّهُ إِن كَانَ الْوَاقِع فِي الطُّهْر الأول طَلَاق هَذَا الْوَكِيل فَهُوَ بَائِن وَإِن كَانَ الْوَاقِع طَلَاق الْوَكِيل الآخر فطلاق هَذَا الْوَكِيل يَقع بإيقاعه فِي الطُّهْر الثَّانِي فقد تَيَقنا بالبينونة فَلهَذَا يبطل خِيَار الزَّوْج وَلَكِن لَا يَقع إِلَّا وَاحِدَة لِأَنَّهُ إِن كَانَ الْوَاقِع فِي الطُّهْر الأول طَلَاق هَذَا الْوَكِيل لم يَقع إِلَّا وَاحِدَة وَإِن كَانَ الْوَاقِع طَلَاق الْوَكِيل الآخر وَقعت ثِنْتَانِ لَكِن الطَّلَاق بِالشَّكِّ لَا يَقع وَإِن كَانَ الْوَكِيل بالرجعي هُوَ الَّذِي طَلقهَا فِي الطُّهْر الثَّانِي فالزوج على خِيَاره لأَنا إِنَّمَا نتيقن بِوُقُوع التطليقة الرَّجْعِيَّة عِنْد إِيقَاعه وَذَلِكَ لَا يقطع خِيَار الزَّوْج فَإِن اخْتَار الزَّوْج الرَّجْعِيّ فِي الطُّهْر الأول لم تقع إِلَّا وَاحِدَة وَإِن اخْتَار الزَّوْج التطليقة البائنة طلقت ثننتين لِأَن اخْتِيَاره التطليقة البائنة بَيَان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
الثَّانِي يَقع وَبَانَتْ لِأَنَّهُ بَقِي وَكيلا وَلَو وَكله بِأَن يطلقهَا رَجْعِيَّة للسّنة فَطلقهَا الْوَكِيل فِي الطُّهْر وَطَلقهَا الزَّوْج بَائِنَة للسّنة مَعًا فالواقع وَاحِدَة وَالتَّعْيِين إِلَى

(1/51)


مِنْهُ أَن الْوَاقِع فِي الطُّهْر الأول طَلَاق الْوَكِيل الأول وَذَلِكَ لَا يُوجب عزل الْوَكِيل الثَّانِي لِأَن الصَّرِيح يلْحق الْبَائِن فَيَقَع مَا أوقعه فِي الطُّهْر الثَّانِي لبَقَائه على الْوكَالَة وَلَو كَانَ الزَّوْج إِنَّمَا خير قبل أَن يطلقهَا وَاحِد من الوكيلين فِي الطُّهْر الثَّانِي شَيْئا فَاخْتَارَ إِيقَاع التطليقة البائنة وَقعت تِلْكَ التطليقة وَبَقِي الآخر على وكَالَته حَتَّى إِذا طَلقهَا فِي الطُّهْر الثَّانِي وَقع عَلَيْهَا تَطْلِيقَتَانِ لما بَينا
وَلَو كَانَ الزَّوْج وكل رجلا وَاحِدًا بِأَن يطلقهَا بطليقة بَائِنَة للسّنة فَلَمَّا طهرت طَلقهَا الْوَكِيل وَاحِدَة وَطَلقهَا الْمُوكل بطليقة رَجْعِيَّة للسّنة فالواقع تَطْلِيقَة وَاحِدَة بِغَيْر عينهَا وَالْخيَار إِلَى الزَّوْج لِأَن إِيقَاع الْوَكِيل كإيقاع الْمُوكل بِنَفسِهِ فِي هَذَا الْفَصْل فَإِن كل وَاحِد مِنْهُمَا مُقَيّد بِصفة السّنة فَإِن لم يخْتَر شَيْئا حَتَّى طهرت من الْحَيْضَة الثَّانِيَة فالزوج على خِيَاره فَإِن اخْتَار التطليقة البائنة الَّتِي طَلقهَا الْوَكِيل طلقت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(1/52)


ثِنْتَيْنِ لِأَن بِاخْتِيَارِهِ تبين أَن الْوَاقِع فِي الطُّهْر الأول طَلَاق الْوَكِيل فَلم يلغ طَلَاق الْمُوكل بل صَار مُضَافا إِلَى وَقت السّنة فَكَمَا طهرت من الْحَيْضَة الثَّانِيَة وجد وَقت السّنة فَلهَذَا تطلق ثِنْتَيْنِ وَإِن أوقع الزَّوْج عَلَيْهَا التطليقة الَّتِي طَلقهَا هُوَ فِي الطُّهْر الأول لم يَقع بطهرها شَيْء آخر لِأَن الْإِضَافَة من الْوَكِيل بالتنجيز لَغْو إِلَّا أَن يجدد الْوَكِيل الْإِيقَاع فِي الطُّهْر الثَّانِي فَحِينَئِذٍ تطلق ثِنْتَيْنِ بائنتين لِأَن الْوَكِيل ممتثل أمره وَمَا أوقعه بَائِن وَإِذا كَانَ أحد الطلاقين بَائِنا لَا يتَصَوَّر أَن يكون الْوَاقِع الآخر رَجْعِيًا وَلَو كَانَ إِنَّمَا وكل الْوَكِيل بتطليقة رحعية للسّنة فَطلقهَا الْوَكِيل فِي الطُّهْر فَطلقهَا الْمُوكل وَاحِدَة بَائِنَة للسّنة وَخرج الكلامان مَعًا فاخيار للزَّوْج لما بَينا أَن الْوَاقِع إِحْدَى التطليقتين فَإِن طهرت من الْحَيْضَة الثَّانِيَة قبل أَن يخْتَار شَيْئا وَقعت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
الزَّوْج لما مر فَإِن لم يخْتَر شَيْئا حَتَّى حَاضَت وطهرت ثَانِيًا بَانَتْ بِيَقِين لِأَن الْوَاقِع فِي الطُّهْر الأول إِن كَانَ طَلَاق الْوَكِيل تعلق طَلَاق الزَّوْج

(1/53)


التطليقة البائنة لِأَنَّهُ إِن كَانَ الْوَاقِع فِي الطُّهْر الأول هَذِه التطليقة فَهِيَ بَائِنَة وَإِن كَانَ الْوَاقِع فِي الطُّهْر الأول طَلَاق الْوَكِيل كَانَت التطليقة البائنة من الْمُوكل مُضَافا إِلَى وَقت السّنة وَقد وجد فَلهَذَا حكمنَا بِوُقُوع التطليقة البائنة وأبطلنا خِيَار الزَّوْج وَلَا نوقع أَكثر من وَاحِدَة لتمكن الشَّك فِي الثَّانِيَة وَإِن اخْتَار الزَّوْج قبل أَن تطهر التطليقة الرَّجْعِيَّة الَّتِي أوقعهَا الْوَكِيل ثمَّ طهرت طلقت ثِنْتَيْنِ بائنتين لِأَنَّهُ لما تعين بِاخْتِيَار الزَّوْج طَلَاق الْوَكِيل وَاقعا بَقِي طَلَاق الزَّوْج مُضَافا إِلَى وَقت السّنة وَقد وجد فَلهَذَا تبين بالثنتين وَإِن اخْتَار الزَّوْج وُقُوع البائنة قبل أَن تطهر ثمَّ طهرت لم يَقع عَلَيْهَا إِلَّا تِلْكَ الْوَاحِدَة إِلَّا أَن يطلقهَا الْوَكِيل بعد مَا تطهر فَحِينَئِذٍ تقع عَلَيْهَا تَطْلِيقَة أُخْرَى لِأَنَّهُ بَاقٍ على وكَالَته لم يَنْعَزِل بِوُقُوع التطليقة البائنة من الْمُوكل وَكَذَلِكَ لَو قَالَ الزَّوْج بِنَفسِهِ لَهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
بمجيء الطُّهْر الثَّانِي فَتبين لَكِن لَا تقع طَلْقَة أُخْرَى لوُقُوع الشَّك فِيهَا فَإِن

(1/54)


فِي طهرهَا أَنْت طَالِق تَطْلِيقَتَيْنِ للسّنة إِحْدَاهمَا بَائِنَة وَقعت وَاحِدَة للْحَال وَالْخيَار للزَّوْج لِأَن البائنة تكون للسّنة كالرجعية فَإِن لم يخْتَر الزَّوْج شَيْئا حَتَّى طهرت من الْحَيْضَة الثَّانِيَة طلقت ثِنْتَيْنِ بائنتين لِأَن إِحْدَى التطليقتين وَقعت من الزَّوْج فِي الطُّهْر الأول وَالْأُخْرَى صَارَت مُضَافَة إِلَى وَقت السّنة وَقد وجد وَكَذَلِكَ لَو اخْتَار الزَّوْج إِحْدَاهمَا قبل أَن تطهر ثمَّ طهرت وَقعت الْأُخْرَى وَكَون إِحْدَاهمَا بَائِنَة يَكْفِي لزوَال الْملك فَلَا يُرَاجِعهَا إِلَّا بِنِكَاح جَدِيد
وَلَو قَالَ للمدخول بهَا أَنْت طَالِق تَطْلِيقَة بَائِنَة أَو تَطْلِيقَة رَجْعِيَّة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
اخْتَار الزَّوْج طَلَاق الْوَكِيل فِي الطُّهْر الأول تقع أُخْرَى فِي الطُّهْر الثَّانِي بِكَلَام الزَّوْج وَإِن اخْتَار طَلَاق نَفسه فِي الطُّهْر الأول فَكَلَام الْوَكِيل لَغْو إِلَّا أَن يُطلق فِي الطُّهْر الثَّانِي فَتَقَع أُخْرَى لِأَنَّهُ على وكَالَته وَلَو أَن الزَّوْج قَالَ لامْرَأَته فِي الطُّهْر أَنْت طَالِق اثْنَتَيْنِ للسّنة إِحْدَاهمَا بَائِنَة تقع وَاحِدَة وَالتَّعْيِين إِلَى الزَّوْج فَإِذا حَاضَت وطهرت تقع أُخْرَى وَبَانَتْ بِيَقِين إِمَّا بِالْأولِ أَو بِالثَّانِي أَحدهمَا ناجز وَالْآخر يعلق بمجيء الطُّهْر الثَّانِي

(1/55)


فَالْخِيَار إِلَى الزَّوْج لإدخال حرف التَّخْيِير بَين الإيقاعين وَهُوَ مُفِيد فَإِن لم يخْتَر شَيْئا حَتَّى قَالَ لَهَا أَنْت طَالِق بَائِن أَو خلية أَو بَريَّة أَو بتة أَو حرَام فَقَالَ عنيت بِهَذَا الْكَلَام تَطْلِيقَة مُسْتَقْبلَة كَانَ هَذَا اخْتِيَارا مِنْهُ لإيقاع التطليقة الرَّجْعِيَّة بالْكلَام الأول لِأَن حمل كَلَام الْعَاقِل على الصِّحَّة وَاجِب مَا أمكن فَإِن عقله وَدينه يمنعان عَن التَّكَلُّم بِمَا هُوَ لَغْو وعبث وَلَو كَانَ الواقعع بالْكلَام الأول الْبَائِن لَغَا كَلَامه الثَّانِي لِأَن الْبَائِن لَا يلْحق الْبَائِن وَلَو كَانَ رَجْعِيًا صَحَّ كَلَامه الثَّانِي فَلهَذَا جعلنَا هَذَا اخْتِيَارا مِنْهُ للتطليقة الرَّجْعِيَّة بالْكلَام الأول بِمَنْزِلَة من أعتق أحد عبديه ثمَّ بَاعَ أَحدهمَا كَانَ ذَلِك اخْتِيَارا مِنْهُ لِلْعِتْقِ فِي الآخر واستوضح هَذَا بِمَا لَو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
وَلَو قَالَ الزَّوْج لامْرَأَته وَقد دخل بهَا أَنْت طَالِق تَطْلِيقَة بَائِنَة أَو رَجْعِيَّة يُخَيّر فَإِن قَالَ بعد ذَلِك أَنْت خلية أَو بريئة أَو بتة أَو بَائِن أَو خلعها بِمَال أَو

(1/56)


خلعها وَهِي فِي الْعدة بِمَال كَانَ ذَلِك اخْتِيَارا مِنْهُ للتطليقة الرَّجْعِيَّة بالْكلَام الأول حَتَّى يَصح الْخلْع وَيجب المَال عَلَيْهَا فَكَذَلِك إِذا وَقعت البائنة فَطلقت فِي الْفَصْلَيْنِ ثِنْتَيْنِ الرَّجْعِيَّة بالْكلَام الأول والبائنة بالْكلَام الثَّانِي أَو بِالْخلْعِ وَكَذَلِكَ لَو كَانَ وكل وَكيلا بخلعها قبل الطَّلَاق الأول أَو بعده فخلعها الْوَكِيل بَعْدَمَا طَلقهَا الزَّوْج الأول لِأَن خلع الْوَكِيل كخلع الْمُوكل بِنَفسِهِ فَيكون ذَلِك دَلِيلا على أَن الْوَاقِع بالْكلَام الأول التطليقة الرَّجْعِيَّة وَلَو قَالَ لَهَا الزَّوْج بعد الطَّلَاق الأول خلعتك بِأَلف دِرْهَم أَو طَلقتك بِأَلف دِرْهَم فَقَالَت لَا أقبل لَا يَقع عَلَيْهَا بِهَذَا شَيْء وَكَانَ هَذَا اخْتِيَارا مِنْهُ الرَّجْعِيَّة بالْكلَام الأول لِأَن إقدامه على الْإِيقَاع بِجعْل دَلِيل اخْتِيَاره الرَّجْعِيّ وَهُوَ يتفرد بِهَذَا الِاخْتِيَار فَيحصل ذَلِك قبل قبُولهَا فَلَا يبطل بردهَا وَلَو كَانَ قَالَ لَهَا بعدالطلاق الأول أَنْت طَالِق لم يكن هَذَا اخْتِيَارا لشَيْء من الطَّلَاق الأول لِأَن الصَّرِيح يلْحق الْبَائِن كَمَا يلْحق الرَّجْعِيّ وَكَلَامه الثَّانِي صَحِيح مَعَ بَقَائِهِ على خِيَاره بِحكم الْكَلَام الأول وَلَو قَالَ لَهَا أَنْت طَالِق تَطْلِيقَة رَجْعِيَّة يُرِيد طَلَاقا مُسْتَقْبلا كَانَ هَذَا اخْتِيَارا مِنْهُ للرجعية بالْكلَام الأول لِأَن الْوَاقِع الثَّانِي لَا يكون
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
طَلقهَا بِمَال وَقبلت تقع أُخْرَى وَيجب المَال وَذَلِكَ مِنْهُ بَيَان أَن الأول

(1/57)


رَجْعِيًا إِلَّا بعد أَن يكون الأول رَجْعِيًا وكما يجب حمل كَلَامه على الصِّحَّة فِي أصل الطَّلَاق فَكَذَلِك فِي الصّفة وَلَو كَانَ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِق تَطْلِيقَة بَائِنَة يُرِيد طَلَاقا مُسْتَقْبلا كَانَ هَذَا اخْتِيَارا للرجعة بالْكلَام الأول لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَبَانهَا بالْكلَام الثَّانِي وَلَا يتَصَوَّر ذَلِك إِلَّا وَأَن يكون الأول رَجْعِيًا فَلهَذَا جَعَلْنَاهُ اختيارامنه للتطليقة الرَّجْعِيَّة بالْكلَام الأول وَلَكِن إِذا اتصفت إِحْدَى التطليقتين بِأَنَّهَا بَائِنَة فهما جَمِيعًا بائنتان واستوضح هَذَا بِمَا لَو كَانَ قَالَ لامرأتين لَهُ لم يدْخل بهما إِحْدَاكُمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
رَجْعِيّ لِأَن الْبَائِن يلْحق الرَّجْعِيّ دون الْبَائِن وَكَذَا لَو قَالَ لَهَا أَنْت طَالِق بِأَلف فَلم تقبل لم يَقع شَيْء وَيكون مِنْهُ بَيَانا أَن الأول رَجْعِيّ وَكَذَا لَو وكل وَكيلا بِالْخلْعِ قبل طَلَاقه الأول أَو بعده فخلعها الْوَكِيل بعد طَلَاقه الأول فَهُوَ كخلعه وَيكون بَيَانا أَن الأول رَجْعِيّ وَكَذَا لَو قَالَ الزَّوْج أَنْت طَالِق تَطْلِيقَة رَجْعِيَّة فَهُوَ بَيَان أَن الأول رَجْعِيّ لِأَن الثَّانِي لَا يكون رَجْعِيًا إِلَّا وَأَن يكون الأول رَجْعِيًا وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق فَهَذَا لَا يكون بَيَانا لِأَن الصَّرِيح يلْحق الْبَائِن فَإِن اخْتَار أَن يكون الأول رَجْعِيًا فَلهُ الرّجْعَة وَإِن اخْتَار أَن يكون الأول بَائِنا فَلَا

(1/58)


طَالِق ثمَّ طلق إِحْدَاهمَا بِعَينهَا تَطْلِيقَة مُسْتَقْبلَة كَانَ ذَلِك بَيَانا مِنْهُ أَن الْمُطلقَة بِغَيْر عينهَا هِيَ الْأُخْرَى لِأَن المبتوتة قبل الدُّخُول لَا يَقع عَلَيْهَا الطَّلَاق فَلَا يُمكن تَصْحِيح الْإِيقَاع الثَّانِي إِلَّا بِأَن تجْعَل الْمُطلقَة بِغَيْر عينهَا الْأُخْرَى وَلَو قَالَ لامْرَأَته الْمَدْخُول بهَا أَنْت طَالِق وَاحِدَة بَائِنَة أَو وَاحِدَة رَجْعِيَّة ثمَّ قَالَ أَنْت طَالِق وَاحِدَة رَجْعِيَّة وَقَالَ أردْت بِهَذَا اخْتِيَار التطليقة الأولى لَا إيقاعا مُسْتَقْبلا فَالْقَوْل قَوْله وَكَذَلِكَ لَو قَالَ لَهَا أَنْت طَالِق تَطْلِيقَة بَائِنَة وَقَالَ أردْت إِيقَاع التطليقة البائنة بالْكلَام الأول فَالْقَوْل قَوْله وَلَا يَقع إِلَّا وَاحِدَة لِأَن الِاخْتِيَار
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
رَجْعَة وَلَو قَالَ لَهَا بعد طَلَاقه الأول أَنْت طَالِق تَطْلِيقَة أملك الرّجْعَة وَقَالَ أردْت بِهِ بَيَان الأول والإخبار صدق وَكَذَا لَو قَالَ أَنْت طَالِق تَطْلِيقَة بَائِنَة وَقَالَ أردْت بَيَان الأول والإخبار صدق حَتَّى لَا تقع إِلَّا وَاحِدَة فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَن هَذِه اللَّفْظَة تحْتَمل الْإِخْبَار والإنشاء فَيصدق أَيهمَا أَرَادَ بِهِ
وَلَو قَالَ لامرأتيه وَلم يدْخل بهما إِحْدَاكُمَا طَالِق ثمَّ طلق إِحْدَاهمَا بِعَينهَا فَهُوَ بَيَان أَن المُرَاد بِالْأولِ الْأُخْرَى وَالله تَعَالَى أعلم

(1/59)


والإيقاع بِصفة وَاحِدَة لَا تخْتَلف صِيغَة الْكَلَام فيهمَا وَبعد الْكَلَام الأول هُوَ مَالك لكل وَاحِد مِنْهُمَا فَأَيّهمَا قَالَ أردْت وَجب قبُول قَوْله بِشَهَادَة الظَّاهِر فَإِن قَالَ أردْت بِهِ الْبَيَان لم يَقع إِلَّا وَاحِدَة وَإِن قَالَ أردْت إيقاعا مُسْتَقْبلا طلقت ثِنْتَيْنِ كَمَا بَينا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(1/60)