متن بداية المبتدي في فقه الإمام أبي حنيفة

متن بداية المبتدى فِي فقه الإِمَام أبي حنيفَة
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
= كتاب الطَّهَارَة
قَالَ الله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا وُجُوهكُم}

(1/1)


الْآيَة فَفرض الطَّهَارَة غسل الْأَعْضَاء الثَّلَاثَة وَمسح الرَّأْس والمرفقان والكعبان يدخلَانِ فِي الْغسْل والمفروض فِي مسح الرَّأْس مِقْدَار الناصية وَهُوَ ربع الرَّأْس
وَسنَن الطَّهَارَة غسل الْيَدَيْنِ قبل إدخالهما الْإِنَاء إِذا اسْتَيْقَظَ المتوضىء من نَومه وَتَسْمِيَة الله تَعَالَى فِي ابْتِدَاء الْوضُوء والسواك والمضمضة وَالِاسْتِنْشَاق وَمسح الْأُذُنَيْنِ وتخليل اللِّحْيَة وتخليل الْأَصَابِع وتكرار الْغسْل إِلَى الثَّلَاث
وَيسْتَحب للمتوضىء أَن يَنْوِي الطَّهَارَة ويستوعب رَأسه بِالْمَسْحِ ويرتب الْوضُوء فَيبْدَأ بِمَا بَدَأَ الله تَعَالَى بِذكرِهِ وبالميامن
فصل فِي نواقض الْوضُوء
الْمعَانِي الناقضة للْوُضُوء كل مَا يخرج من السَّبِيلَيْنِ وَالدَّم والقيح إِذا خرجا من الْبدن فتجاوزا الى مَوضِع يلْحقهُ حكم التَّطْهِير والقيء ملْء الْفَم وَهَذَا إِذا قاء مرّة أَو طَعَاما أَو مَاء فان قاء بلغما فَغير نَاقض وَلَو قاء دَمًا وَهُوَ علق يعْتَبر فِيهِ ملْء الْفَم لِأَنَّهُ سَوْدَاء محترقة وَلَو نزل إِلَى مالان من الْأنف نقض بالِاتِّفَاقِ وَالنَّوْم مُضْطَجعا أَو مُتكئا أَو مُسْتَندا إِلَى شَيْء لَو أزيل لسقط وَالْغَلَبَة على الْعقل بالاغماء وَالْجُنُون والقهقهة فِي كل صَلَاة ذَات رُكُوع وَسُجُود وَالدَّابَّة تخرج من الدبر ناقضة فان خرجت من رَأس الْجرْح أَو سقط اللَّحْم لَا تنقض فان قشرت

(1/3)


نفطة فَسَالَ مِنْهَا مَاء أَو صديد أَو غَيره إِن سَالَ عَن رَأس الْجرْح نقض وَإِن لم يسل لَا ينْقض
فصل فِي الْغسْل
وَفرض الْغسْل الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق وَغسل سَائِر الْبدن
وسننه أَن يبْدَأ المغتسل فَيغسل يَدَيْهِ وفرجه ويزيل نَجَاسَة إِن كَانَت على بدنه ثمَّ يتَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة إِلَّا رجلَيْهِ ثمَّ يفِيض المَاء على رَأسه وَسَائِر جسده ثَلَاثًا ثمَّ يتَنَحَّى عَن ذَلِك الْمَكَان فَيغسل رجلَيْهِ وَلَيْسَ على الْمَرْأَة أَن تنقض ضفائرها فِي الْغسْل إِذا بلغ المَاء أصُول الشّعْر
والمعاني الْمُوجبَة للْغسْل أنزل الْمَنِيّ على وَجه الدفق والشهوة من الرجل وَالْمَرْأَة حَالَة النّوم واليقظة والتقاء الختانين من غير إِنْزَال وَالْحيض وَالنّفاس
وَسن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْغسْل للْجُمُعَة وَالْعِيدَيْنِ وعرفة والاحرام وَلَيْسَ فِي الْمَذْي والودى غسل وَفِيهِمَا الْوضُوء
بَاب المَاء الَّذِي يجوز بِهِ الْوضُوء وَمَا لَا يجوز
الطَّهَارَة من الاحداث جَائِزَة بِمَاء السَّمَاء والأودية والعيون والآبار والبحار وَلَا يجوز بِمَا اعتصر من الشّجر وَالثَّمَر وَلَا يجوز بِمَاء غلب عَلَيْهِ غَيره فَأخْرجهُ عَن طبع المَاء كالأشربة والخل وَمَاء الباقلا والمرق وَمَاء الْورْد وَمَاء الزردج وَتجوز الطَّهَارَة بِمَاء خالطه شَيْء طَاهِر فَغير أحد أَوْصَافه كَمَاء الْمَدّ وَالْمَاء الَّذِي اخْتَلَط بِهِ اللَّبن أَو الزَّعْفَرَان أَو الصابون أَو الاشنان فان تغير بالطبخ بعد مَا خلط بِهِ غَيره لَا يجوز التوضىء بِهِ
وكل مَاء وَقعت فِيهِ النَّجَاسَة لم يجز الْوضُوء بِهِ قَلِيلا كَانَت النَّجَاسَة أَو كثيرا وَالْمَاء الْجَارِي إِذا وَقعت فِيهِ نَجَاسَة جَازَ الْوضُوء مِنْهُ إِذا لم ير لَهَا أثر لِأَنَّهَا لَا تَسْتَقِر

(1/4)


مَعَ جَرَيَان المَاء والغدير الْعَظِيم الَّذِي لَا يَتَحَرَّك أحد طَرفَيْهِ بتحريك الطّرف الآخر إِذا وَقعت نَجَاسَة فِي أحد جانبيه جَازَ الْوضُوء من الْجَانِب الآخر لِأَن الظَّاهِر أَن النَّجَاسَة لَا تصل اليه
وَمَوْت مَا لَيْسَ لَهُ نفس سَائِلَة فِي المَاء لَا يُنجسهُ كالبق والذباب والزنابير وَالْعَقْرَب وَنَحْوهَا وَمَوْت مَا يعِيش فِي المَاء فِيهِ لَا يُفْسِدهُ كالسمك والضفدع والسرطان وَالْمَاء الْمُسْتَعْمل لَا يجوز اسْتِعْمَاله فِي طَهَارَة الاحداث وَالْمَاء الْمُسْتَعْمل هُوَ مَاء أزيل بِهِ حدث أَو اسْتعْمل فِي الْبدن على وَجه الْقرْبَة
وكل أهاب دبغ فقد طهر وَجَازَت الصَّلَاة فِيهِ وَالْوُضُوء مِنْهُ إِلَّا جلد الْخِنْزِير والآدمي وَشعر الْميتَة وعظمها طَاهِر وَشعر الانسان وعظمه طَاهِر
فصل فِي الْبِئْر
وَإِذا وَقعت فِي الْبِئْر نَجَاسَة نزحت وَكَانَ نزح مَا فِيهَا من المَاء طَهَارَة لَهَا فان وَقعت فِيهَا بَعرَة أَو بعرتان من بقر الابل أَو الْغنم لم تفْسد المَاء فان وَقع فِيهَا خرء الْحمام أَو العصفور لَا يُفْسِدهُ فان بَالَتْ فِيهَا شَاة نزح المَاء كُله عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف رحمهمَا الله وَقَالَ مُحَمَّد رَحمَه الله لَا ينْزح إِلَّا إِذا غلب على المَاء فَيخرج من أَن يكون طهُورا وَإِن مَاتَت فِيهَا فَأْرَة أَو عصفورة أَو صعوة أَو سودانية أَو سَام أبرص نزح مِنْهَا مَا بَين عشْرين دلوا الى ثَلَاثِينَ بِحَسب كبر الدَّلْو وصغرها فان مَاتَت فِيهَا حمامة أَو نَحْوهَا كالدجاجة والسنور نزح مِنْهَا مَا بَين أَرْبَعِينَ دلوا الى سِتِّينَ وَفِي الْجَامِع الصَّغِير أَرْبَعُونَ أَو خَمْسُونَ وان مَاتَت فِيهَا شَاة أَو آدَمِيّ أَو كلب نزح جَمِيع مَا فِيهَا من المَاء فان انتفخ الْحَيَوَان فِيهَا أَو تفسخ نزح جَمِيع مَا فِيهَا صغر الْحَيَوَان أَو كبر وَإِن كَانَت الْبِئْر معينا لَا يُمكن نزحها أخرجُوا مِقْدَار مَا كَانَ فِيهَا من المَاء وَإِن وجدوا فِي الْبِئْر فَأْرَة أَو غَيرهَا وَلَا يدْرِي مَتى وَقعت وَلم تنتفخ وَلم تتفسخ أعادوا صَلَاة يَوْم وَلَيْلَة إِذا كَانُوا توضؤا مِنْهَا

(1/5)


وغسلوا كل شَيْء أَصَابَهُ مَاؤُهَا وَإِن كَانَت قد انتفخت أَو تفسخت أعادوا صَلَاة ثَلَاثَة أَيَّام ولياليها وَهَذَا عِنْد أبي حنيفَة وَقَالا لَيْسَ عَلَيْهِم إِعَادَة شَيْء حَتَّى يتحققوا مَتى وَقعت
فصل فِي الأسآر وَغَيرهَا
وعرق كل شَيْء مُعْتَبر بسؤره وسؤر الْآدَمِيّ وَمَا يُؤْكَل لَحْمه طَاهِر وسؤر الْخِنْزِير نجس وسؤر سِبَاع الْبَهَائِم نجس وسؤر الْهِرَّة طَاهِر مَكْرُوه والدجاجة المخلاة وسباع الطير وَمَا يسكن الْبيُوت كالحية والفأرة مَكْرُوه وسؤر الْحمار والبغل مَشْكُوك فِيهِ فان لم يجد غَيرهمَا يتَوَضَّأ بهما وَيتَيَمَّم وَيجوز أَيهمَا قدم وسؤر الْفرس طَاهِر عِنْدهمَا وَكَذَا عِنْده فِي الصَّحِيح فان لم يجد إِلَّا نَبِيذ التَّمْر قَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يتَوَضَّأ بِهِ وَلَا يتَيَمَّم
بَاب التَّيَمُّم
وَمن لم يجد مَاء وَهُوَ مُسَافر أَو خَارج الْمصر بَينه وَبَين الْمصر نَحْو ميل أَو أَكثر يتَيَمَّم بالصعيد وَلَو كَانَ يجد المَاء إِلَّا أَنه مَرِيض يخَاف ان اسْتعْمل المَاء اشْتَدَّ مَرضه يتَيَمَّم وَلَو خَافَ الْجنب ان اغْتسل أَن يقْتله الْبرد أَو يمرضه يتَيَمَّم بالصعيد وَالتَّيَمُّم ضربتان يمسح باحداهما وَجهه وبالأخرى يَدَيْهِ الى الْمرْفقين وَالْحَدَث والجنابة فِيهِ سَوَاء وَيجوز التَّيَمُّم عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد رحمهمَا الله تَعَالَى بِكُل مَا كَانَ من جنس الأَرْض كالتراب والرمل وَالْحجر والجص والنورة والكحل والزرنيخ وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا يجوز إِلَّا بِالتُّرَابِ والرمل ثمَّ لَا يشْتَرط أَن يكون عَلَيْهِ غُبَار عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله وَكَذَا يجوز بالغبار مَعَ الْقُدْرَة على الصَّعِيد عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد رحمهمَا الله
وَالنِّيَّة فرض فِي التَّيَمُّم ثمَّ إِذا نوى الطَّهَارَة أَو اسْتِبَاحَة الصَّلَاة اجزأه وَلَا يشْتَرط نِيَّة التَّيَمُّم للْحَدَث أَو للجنابة فان تيَمّم نَصْرَانِيّ يُرِيد بِهِ الاسلام ثمَّ

(1/6)


أسلم لم يكن متيمما عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد رحمهمَا الله وَقَالَ أَبُو يُوسُف رَحمَه الله هُوَ متيمم وَإِن تَوَضَّأ لَا يُرِيد بِهِ الْإِسْلَام ثمَّ أسلم فَهُوَ متوضى فان تيَمّم مُسلم ثمَّ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذ بِاللَّه ثمَّ أسلم فَهُوَ على تيَمّمه
وينقض التَّيَمُّم كل شَيْء ينْقض الْوضُوء وينقضه أَيْضا رُؤْيَة المَاء إِذا أقدر على اسْتِعْمَاله وَلَا يتَيَمَّم إِلَّا بصعيد طَاهِر وَيسْتَحب لعادم المَاء وَهُوَ يرجوه أَن يُؤَخر الصَّلَاة إِلَى آخر الْوَقْت فَإِن وجد المَاء تَوَضَّأ وَإِلَّا تيَمّم وَصلى
وَيصلى بتيممه مَا شَاءَ من الْفَرَائِض والنوافل وَيتَيَمَّم الصَّحِيح فِي الْمصر إِذا حضرت جَنَازَة وَالْوَلِيّ غَيره فخاف أَن اشْتغل بِالطَّهَارَةِ أَن تفوته الصَّلَاة وَكَذَا من حضر الْعِيد فخاف إِن اشْتغل بِالطَّهَارَةِ أَن يفوتهُ الْعِيد يتَيَمَّم وَإِن أحدث الإِمَام أَو المقتدى فِي صَلَاة الْعِيد تيَمّم وَبنى عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى وَقَالا لَا يتَيَمَّم
وَلَا يتَيَمَّم للْجُمُعَة وَإِن خَافَ الْفَوْت لَو تَوَضَّأ فَإِن أدْرك الْجُمُعَة صلاهَا وَإِلَّا صلى الظّهْر أَرْبعا وَكَذَا إِذا خَافَ فَوت الْوَقْت لَو تَوَضَّأ لم يتَيَمَّم وَيتَوَضَّأ وَيَقْضِي مَا فَاتَهُ وَالْمُسَافر إِذا نسي المَاء فِي رَحْله فَتَيَمم وَصلى ثمَّ ذكر المَاء لم يعدها عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد رحمهمَا الله تَعَالَى وَقَالَ أَبُو يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى يُعِيدهَا
وَلَيْسَ على الْمُتَيَمم طلب المَاء إِذا لم يغلب على ظَنّه أَن بِقُرْبِهِ مَاء وَإِن غلب على ظَنّه أَن هُنَاكَ مَاء لم يجز لَهُ أَن يتَيَمَّم حَتَّى يَطْلُبهُ وَإِن كَانَ مَعَ رَفِيقه مَاء طلب مِنْهُ قبل أَن يتَيَمَّم وَلَو تيَمّم قبل الطّلب أَجزَأَهُ عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى وَلَو أَبى أَن يُعْطِيهِ إِلَّا بِثمن الْمثل وَعِنْده ثمنه لَا يُجزئهُ التَّيَمُّم
بَاب الْمسْح على الْخُفَّيْنِ
الْمسْح على الْخُفَّيْنِ جَائِز بِالسنةِ وَيجوز من كل حدث مُوجب للضوء إِذا لبسهما على طَهَارَة كَامِلَة ثمَّ أحدث وَيجوز للمقيم يَوْمًا وَلَيْلَة وللمسافر ثَلَاثَة أَيَّام

(1/7)


ولياليها وابتداؤها عقب الْحَدث وَالْمسح على ظاهرهما خُطُوطًا بالأصابع يبْدَأ من قبل الْأَصَابِع إِلَى السَّاق وَفرض ذَلِك مِقْدَار ثَلَاث أَصَابِع من أَصَابِع الْيَد
وَلَا يجوز الْمسْح على خف فِيهِ خرق كَبِير يبين مِنْهُ قدر ثَلَاث أَصَابِع من أَصَابِع الرجل فَإِن كَانَ أقل من ذَلِك جَازَ وَلَا يجوز الْمسْح لمن وَجب عَلَيْهِ الْغسْل
وينقض الْمسْح كل شَيْء ينْقض الْوضُوء وينقضه أَيْضا نزع الْخُف وَكَذَا نزع أَحدهمَا وَكَذَا مُضِيّ الْمدَّة وَإِذا تمت الْمدَّة نزع خفيه وَغسل رجلَيْهِ وَصلى وَلَيْسَ عَلَيْهِ إِعَادَة بَقِيَّة الْوضُوء وَمن ابْتَدَأَ الْمسْح وَهُوَ مُقيم فسافر قبل تَمام يَوْم وَلَيْلَة مسح ثَلَاثَة أَيَّام ولياليها وَلَو أَقَامَ وَهُوَ مُسَافر إِن اسْتكْمل مُدَّة الْإِقَامَة نزع وَإِن لم يستكمل أتمهَا وَمن لبس الجرموق فَوق الْخُف مسح عَلَيْهِ وَلَا يجوز الْمسْح على الجوربين عِنْد أبي حنيفَة إِلَّا أَن يَكُونَا مجلدين أَو منعلين وَقَالا يجوز إِذا كَانَا ثخينين لَا يشفان وَلَا يجوز الْمسْح على الْعِمَامَة والقلنسوة والبرقع والقفازين وَيجوز الْمسْح على الجبائر وَإِن شدها على غير وضوء وَإِن سَقَطت الْجَبِيرَة عَن غير برْء لَا يبطل الْمسْح وَإِن سَقَطت عَن برْء بَطل
بَاب الْحيض والاستحاضة
أقل الْحيض ثَلَاثَة أَيَّام ولياليها وَمَا نقص من ذَلِك فَهُوَ اسْتِحَاضَة وَأَكْثَره عشرَة أَيَّام ولياليها وَالزَّائِد اسْتِحَاضَة وَمَا ترَاهُ الْمَرْأَة من الْحمرَة والصفرة والكدرة فِي أَيَّام الْحيض حيض وَقَالَ أَبُو يُوسُف رَحمَه الله لَا تكون الكدرة حيضا إِلَّا بعد الدَّم وَالْحيض يسْقط عَن الْحَائِض الصَّلَاة وَيحرم عَلَيْهَا الصَّوْم وتقضى الصَّوْم وَلَا تقضي الصَّلَاة وَلَا تدخل الْمَسْجِد وَلَا تَطوف بِالْبَيْتِ وَلَا يَأْتِيهَا زَوجهَا وَلَيْسَ للحائض وَالْجنب وَالنُّفَسَاء قِرَاءَة الْقُرْآن وَلَيْسَ لَهُم مس الْمُصحف إِلَّا بغلافه وَلَا أَخذ دِرْهَم فِيهِ سُورَة من الْقُرْآن إِلَّا بصرته وَكَذَا الْمُحدث لَا يمس الْمُصحف إِلَّا بغلافه

(1/8)


وَإِذا انْقَطع دم الْحيض لأَقل من عشرَة أَيَّام لم يحل وَطْؤُهَا حَتَّى تَغْتَسِل وَلَو لم تَغْتَسِل وَمضى عَلَيْهَا أدنى وَقت الصَّلَاة بِقدر أَن تقدر على الِاغْتِسَال والتحريمة حل وَطْؤُهَا وَلَو كَانَ انْقَطع الدَّم دون عَادَتهَا فَوق الثَّلَاث لم يقربهَا حَتَّى تمْضِي عَادَتهَا وَإِن اغْتَسَلت وَإِن انْقَطع الدَّم لعشرة أَيَّام حل وَطْؤُهَا قبل الْغسْل وَالطُّهْر إِذا تخَلّل بَين الدمين فِي مُدَّة الْحيض فَهُوَ كَالدَّمِ المتوالي وَأَقل الطُّهْر خَمْسَة عشر يَوْمًا وَلَا غَايَة لأكثره
وَدم الِاسْتِحَاضَة كالرعاف الدَّائِم لَا يمْنَع الصَّوْم وَلَا الصَّلَاة وَلَا الْوَطْء وَلَو زَاد الدَّم على عشرَة أَيَّام وَلها عَادَة مَعْرُوفَة دونهَا ردَّتْ إِلَى أَيَّام عَادَتهَا وَالَّذِي زَاد اسْتِحَاضَة
فصل والمستحاضة وَمن بِهِ سَلس الْبَوْل والرعاف الدَّائِم وَالْجرْح الَّذِي لَا يرقأ يتوضؤن لوقت كل صَلَاة فيصلون بذلك الْوضُوء فِي الْوَقْت مَا شَاءُوا من الْفَرَائِض والنوافل وَإِذا خرج الْوَقْت بَطل وضوءهم واستأنفوا الْوضُوء لصَلَاة أُخْرَى فَإِن توضؤا حِين تطلع الشَّمْس أجزأهم عَن فرض الْوَقْت حَتَّى يذهب وَقت الظّهْر
فصل فِي النّفاس
النّفاس هُوَ الدَّم الْخَارِج عقب الْولادَة وَالدَّم الَّذِي ترَاهُ الْحَامِل ابْتِدَاء أَو حَال وِلَادَتهَا قبل خُرُوج الْوَلَد اسْتِحَاضَة والسقط الَّذِي استبان بعض خلقه ولد وَأَقل النّفاس لَا حد لَهُ وَأَكْثَره أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَالزَّائِد عَلَيْهِ اسْتِحَاضَة فَإِن جَاوز الدَّم الْأَرْبَعين وَقد كَانَت ولدت قبل ذَلِك وَلها عَادَة فِي النّفاس ردَّتْ إِلَى أَيَّام عَادَتهَا وَإِن لم تكن لَهَا عَادَة فابتداء نفَاسهَا أَرْبَعُونَ يَوْمًا فَإِن ولدت وَلدين فِي بطن وَاحِد فنفاسها من الْوَلَد الأول عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف رحمهمَا الله وَأَن كَانَ بَين الْوَلَدَيْنِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَقَالَ مُحَمَّد رَحمَه الله من الْوَلَد الْأَخير

(1/9)


بَاب الأنجاس وتطهيرها
تَطْهِير النَّجَاسَة وَاجِب من بدن الْمُصَلِّي وثوبه وَالْمَكَان الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْهِ وَيجوز تطهيرها بِالْمَاءِ وَبِكُل مَائِع طَاهِر يُمكن إِزَالَتهَا بِهِ كالخل وَمَاء الْورْد وَنَحْو ذَلِك بِمَا إِذا عصر انعصر وَإِذا أصَاب الْخُف نَجَاسَة لَهَا جرم كالروث والعذرة وَالدَّم والمني فجفت فدلكه بِالْأَرْضِ جَازَ وَقَالَ مُحَمَّد رَحمَه الله لَا يجوز إِلَّا فِي المنى خَاصَّة وَفِي الرطب لَا يجوز حَتَّى يغسلهُ فَإِن أَصَابَهُ بَوْل فيبس لم يجز حَتَّى يغسلهُ وَالثَّوْب لَا يجزى فِيهِ إِلَّا الْغسْل وَإِن يبس والمنى نجس يجب غسله إِن كَانَ رطبا فَإِذا جف على الثَّوْب أَجْزَأَ فِيهِ الفرك
والنجاسة إِذا أَصَابَت الْمرْآة أَو السَّيْف اكْتفى بمسحهما وَإِن أَصَابَت الأَرْض نَجَاسَة فجفت بالشمس وَذهب أَثَرهَا جَازَت الصَّلَاة على مَكَانهَا وَلَا يجوز التَّيَمُّم بِهِ وَقدر الدِّرْهَم وَمَا دونه من النَّجس المغلظ كَالدَّمِ وَالْبَوْل وَالْخمر وخرء الدَّجَاجَة وَبَوْل الْحمار جَازَت الصَّلَاة مَعَه وَإِن زَاد لم تجز وَإِن كَانَت مُخَفّفَة كبول مَا يُؤْكَل لَحْمه جَازَت الصَّلَاة مَعَه حَتَّى يبلغ ربع الثَّوْب وَإِذا أصَاب الثَّوْب من الروث أَو من أخثاء الْبَقر أَكثر من قدر الدِّرْهَم لم تجز الصَّلَاة فِيهِ عِنْد أبي حنيفَة وَقَالا يُجزئهُ حَتَّى يفحش
وَإِن أَصَابَهُ بَوْل الْفرس لم يُفْسِدهُ حَتَّى يفحش عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف رحمهمَا الله وَعند مُحَمَّد رَحمَه الله لَا يمْنَع وَإِن فحش وَإِن أَصَابَهُ خرء مَالا يُؤْكَل لَحْمه من الطُّيُور أَكثر من قدر الدِّرْهَم جَازَت الصَّلَاة فِيهِ عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف رحمهمَا الله تَعَالَى وَقَالَ مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى لَا تجوز وَإِن أَصَابَهُ من دم السّمك أَو من لعاب الْبَغْل أَو الْحمار أَكثر من قدر الدِّرْهَم أَجْزَأت الصَّلَاة فِيهِ فَإِن انتضح عَلَيْهِ الْبَوْل مثل رُؤْس الأبر فَذَلِك لَيْسَ بِشَيْء

(1/10)


والنجاسة ضَرْبَان مرئية وَغير مرئية فَمَا كَانَ مِنْهَا مرئيا فطهارته بِزَوَال عينهَا إِلَّا أَن يبْقى من أَثَرهَا مَا يشق إِزَالَته وَمَال لَيْسَ بمرئي فطهارته أَن يغسل حَتَّى يغلب على ظن الْغَاسِل أَنه قد طهر
فصل فِي الِاسْتِنْجَاء
الِاسْتِنْجَاء سنة وَيجوز فِيهِ الْحجر وَمَا قَامَ مقَامه يمسحه حَتَّى ينقيه وَلَيْسَ فِيهِ عدد مسنون وغسله بِالْمَاءِ أفضل وَلَو جَاوَزت النَّجَاسَة مخرجها لم يجز فِيهِ إِلَّا المَاء وَلَا يستنجى بِعظم وَلَا بروث وَلَا بِطَعَام وَلَا بِيَمِينِهِ