تبيين
الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشِّلْبِيِّ (كِتَابُ
الْكَفَالَةِ) ، وَهِيَ مُطْلَقُ الضَّمِّ
لُغَةً قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَكَفَّلَهَا
زَكَرِيَّا} [آل عمران : 37] أَيْ ضَمَّهَا
إلَى نَفْسِهِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «أَنَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ : وَبِنِصْفِ دِرْهَمٍ إلَّا حَبَّةً
مِنْ الْفِضَّةِ) أَيْ فَجَازَ ذَلِكَ لِأَنَّ
الدِّرْهَمَ لَمَّا كَانَ عِبَارَةً عَنْ
قَدْرٍ مَعْلُومٍ مِنْ الْفُلُوسِ صَارَ
كَأَنَّهُ قَالَ أَعْطِنِي بِهَذَا
الدِّرْهَمِ كَذَا كَذَا فُلُوسًا وَنِصْفَ
دِرْهَمٍ إلَّا حَبَّةً فَلَوْ صَرَّحَ
بِهَذَا جَازَ فَكَذَا إذَا ذَكَرَ مَا هُوَ
بِمَعْنَاهُ فَكَانَ النِّصْفُ إلَّا حَبَّةً
بِإِزَائِهِ مِنْ الْفِضَّةِ مِنْ الدِّرْهَمِ
وَالْفُلُوسُ بِإِزَاءِ الْبَاقِي مِنْ
الدَّرَاهِمِ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَلَوْ
شَرَطَهُ فَقَالَ أَعْطِنِي كَذَا كَذَا
فُلُوسًا وَدِرْهَمًا صَغِيرًا وَزْنُهُ
نِصْفُ دِرْهَمٍ إلَّا قِيرَاطًا كَانَ هَذَا
جَائِزًا كُلُّهُ إذَا تَقَابَضَا قَبْلَ أَنْ
يَفْتَرِقَا ا هـ .
أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ : حَتَّى لَوْ قَالَ
أَعْطِنِي بِنِصْفِهِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ
وَلَوْ كَرَّرَ لَفْظَةَ الْإِعْطَاءِ كَانَ
جَوَابُهُ كَجَوَابِهِمَا لِأَنَّهُمَا
بَيْعَانِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - ذَكَرَ هَذَا تَفْرِيعًا عَلَى مَا
تَقَدَّمَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يُفْهَمُ
مِنْ هَذَا الْجَوَابِ أَنَّ قَوْلَ أَبِي
حَنِيفَةَ كَقَوْلِهِمَا إذَا كَرَّرَ لَفْظَ
الْإِعْطَاءِ بِأَنْ يَجُوزَ الْعَقْدُ فِي
حِصَّةِ الْفُلُوسِ وَيَبْطُلَ فِي حِصَّةِ
الْفِضَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ
مُحَمَّدًا ذَكَرَ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ مِنْ
الْأَصْلِ وَقَالَ وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ
إلَى رَجُلٍ دِرْهَمًا فَقَالَ أَعْطِنِي
بِنِصْفِهِ كَذَا كَذَا فُلُوسًا وَأَعْطِنِي
بِنِصْفِهِ الْبَاقِي دِرْهَمًا صَغِيرًا
يَكُونُ فِيهِ نِصْفُ دِرْهَمٍ إلَّا حَبَّةً
فَإِنَّ هَذَا فَاسِدٌ لِأَنَّهُ صَرْفُ
نِصْفٍ بِنِصْفِ الْحَبَّةِ وَيَنْبَغِي عَلَى
قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَفْسُدَ
فِي الْفُلُوسِ وَالدِّرْهَمِ الصَّغِيرِ
جَمِيعًا لِأَنَّهُمَا صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ
فَإِذَا فَسَدَ بَعْضُهَا فَسَدَ كُلُّهَا
وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْفُلُوسُ
جَائِزَةٌ لَازِمَةٌ لَهُ وَالدِّرْهَمُ
الصَّغِيرُ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ إلَّا حَبَّةً
بَاطِلٌ إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي
الْأَصْلِ فَقَدْ صَرَّحَ أَنَّ الصَّفْقَةَ
وَاحِدَةٌ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ قَالَ
إنَّهُمَا بَيْعَانِ ا هـ .
(قَوْلُهُ جَازَ فِي الْفُلُوسِ إلَخْ) أَيْ
لِأَنَّ الْعَقْدَ تَفَرَّقَ بِتَكْرَارِ
الْإِعْطَاءِ كَذَا قَالُوا لَكِنْ فِيهِ
إشْكَالٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَعْطِنِي
مُسَاوَمَةٌ كَقَوْلِهِ بِعْنِي
وَبِالْمُسَاوَمَةِ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ
فَكَيْفَ يَتَكَرَّرُ بِتَكْرَارِهِ وَلَعَلَّ
الْوَجْهَ أَنْ يُقَالَ بِتَكْرَارِ أَعْطِنِي
يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَقْصُودَهُ تَفْرِيقُ
الْعَقْدِ فَحُمِلَ عَلَى أَنَّهُمَا عَقَدَا
عَقْدَيْنِ ا هـ .
ابْنُ فِرِشْتَا (قَوْلُهُ وَبَطَلَ فِي
الْفِضَّةِ بِالْإِجْمَاعِ) أَيْ لِتَكْرَارِ
لَفْظِ أَعْطِنِي ا هـ .
(قَوْلُهُ وَمِنْ شَرْطِهِمَا) أَيْ
الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ ا هـ ..
(كِتَابُ الْكَفَالَةِ) ذَكَرَ كِتَابَ
الْكَفَالَةِ عَقِيبَ الْبُيُوعِ مِنْ حَيْثُ
إنَّ الْكَفَالَةَ تَكُونُ غَالِبًا فِي
الْبِيَاعَاتِ وَلِأَنَّ فِي الْكَفَالَةِ
إذَا كَانَ بِأَمْرٍ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ
انْتِهَاءً فَنَاسَبَ ذِكْرُهَا عَقِيبَ
الْبُيُوعِ الَّتِي هِيَ مُعَاوَضَةٌ ا هـ .
أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - أَوْرَدَ الْكَفَالَةَ عَقِيبَ
الْبُيُوعِ لِأَنَّ غَالِبًا يَكُونُ
تَحَقُّقُهَا فِي
(4/145)
وَكَافِلُ
الْيَتِيمِ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ» أَيْ
ضَامُّ الْيَتِيمِ إلَى نَفْسِهِ قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (هِيَ ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى
ذِمَّةٍ فِي الْمُطَالَبَةِ) هَذَا فِي
الشَّرْعِ وَقِيلَ : هِيَ ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى
ذِمَّةٍ فِي الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ مُطَالَبٌ
بِالدَّيْنِ ، وَالْمُطَالَبَةُ بِهِ وَلَا
دَيْنَ مُحَالٌ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ
الْمُطَالَبَةَ بِإِيفَاءِ الدَّيْنِ فَرْعُ
وُجُوبِ الدَّيْنِ وَلَا يُتَصَوَّرُ
الْفَرْعُ بِدُونِ الْأَصْلِ ، وَالْأَحْكَامُ
تَشْهَدُ لِهَذَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ
وُهِبَ الطَّالِبُ الدَّيْنَ مِنْ الْكَفِيلِ
صَحَّ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْأَصِيلِ ،
وَهِبَةُ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ
الدَّيْنُ لَا تَصِحُّ ، وَكَذَا لَوْ
اشْتَرَى الطَّالِبُ بِالدَّيْنِ شَيْئًا مِنْ
الْكَفِيلِ صَحَّ ، وَالشِّرَاءُ بِالدَّيْنِ
لَا يَجُوزُ إلَّا مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ
وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ الدَّيْنِ
عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَكَرَّرَ الِاسْتِيفَاءُ
؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ الْوَاحِدَ لَا يُمْكِنُ
اسْتِيفَاؤُهُ مَرَّتَيْنِ وَيُمْكِنُ
وُجُوبُهُ عَلَى شَخْصَيْنِ كَالْغَاصِبِ
وَغَاصِبِ الْغَاصِبِ فَإِنَّ الدَّيْنَ
وَاجِبٌ عَلَيْهِمَا وَلَا يَسْتَوْفِيهِ
إلَّا مِنْ أَحَدِهِمَا أَيِّهِمَا شَاءَ .
وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ
أَنْ يَجِبَ دَيْنَانِ وَلَا يَسْتَوْفِيَ
إلَّا أَحَدَهُمَا وَأَمَّا وُجُوبُ
الْمُطَالَبَةِ بِدَيْنٍ عَلَى غَيْرِهِ
فَمُمْكِنٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَكِيلَ
بِالشِّرَاءِ يُطَالَبُ بِالدَّيْنِ ، وَهُوَ
عَلَى الْمُوَكِّلِ حَتَّى لَوْ أَبْرَأَهُ
الْبَائِعُ صَحَّ ، وَكَذَا الْوَلِيُّ ،
وَالْوَصِيُّ يُطَالَبَانِ بِدَيْنٍ عَلَى
الصَّغِيرِ وَلَيْسَ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ ،
وَالْمَوْلَى يُطَالِبُ بِقَضَاءِ دَيْنٍ
عَلَى عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ ، أَوْ
بِبَيْعِهِ عِنْدَ طَلَبِ الْغُرَمَاءِ
بَيْعَهُ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَإِذَا
أَمْكَنَ إيجَابُ الْمُطَالَبَةِ عَلَيْهِ
مِنْ غَيْرِ لُزُومِ الدَّيْنِ ، فَلَا
حَاجَةَ إلَى إيجَابِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ ؛
لِأَنَّهُ مُحَالٌ فِي الْحَقِيقَةِ لِمَا
فِيهِ مِنْ جَعْلِ الدَّيْنِ الْوَاحِدِ
دَيْنَيْنِ ، فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا
عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَمَا إذَا ، وَهَبَ
الدَّيْنَ لَهُ ، أَوْ اشْتَرَى بِهِ مِنْهُ
شَيْئًا فَحِينَئِذٍ يُقَدَّرُ الدَّيْنُ
عَلَى الْكَفِيلِ ضَرُورَةَ تَصْحِيحِ
تَصَرُّفِهِ فَيُجْعَلُ فِي حُكْمِ دَيْنَيْنِ
وَلَا ضَرُورَةَ قَبْلَهُ ، فَلَا حَاجَةَ
إلَى هَذَا التَّقْدِيرِ وَفِي الْغَاصِبِ
وَغَاصِبِ الْغَاصِبِ لَا يَجِبُ لَهُ إلَّا
دَيْنٌ وَاحِدٌ عَلَى أَحَدِهِمَا غَيْرُ
عَيْنٍ فَلِهَذَا إذَا اخْتَارَ أَحَدَهُمَا
لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْآخَرَ
لِتَضَمُّنِهِ التَّمْلِيكَ مِنْهُ .
وَهَذَا تَفْسِيرُ الْكَفَالَةِ ، وَسَبَبُهَا
مُطَالَبَةُ مَنْ لَهُ الْحَقُّ لِلتَّوَثُّقِ
بِتَكْثِيرِ مَحَلِّ الْمُطَالَبَةِ ، أَوْ
تَيْسِيرِ وُصُولِ حَقِّهِ إلَيْهِ ،
وَرُكْنُهَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ
عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ آخِرًا
، وَشَرْطُهَا أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ
ثَابِتًا صَحِيحًا بِخِلَافِ بَدَلِ
الْكِتَابَةِ عَلَى مَا يَجِيءُ فِي
مَوْضِعِهِ وَأَنْ يَكُونَ الْمَكْفُولُ بِهِ
مُمْكِنَ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ الْكَفِيلِ .
وَأَهْلُهَا أَنْ يَكُونَ الْكَفِيلُ مِنْ
أَهْلِ التَّبَرُّعِ حَتَّى لَا يَصِحُّ
مِمَّنْ لَا يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ
كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي
التِّجَارَةِ ، وَالْمُكَاتَبِ ، وَالصَّغِيرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْوُجُودِ عَقِيبَ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ قَدْ
لَا يُطَمْئِنُ الْبَائِعُ إلَى الْمُشْتَرِي
فَيَحْتَاجُ إلَى مَنْ يَكْفُلُهُ بِالثَّمَنِ
أَوْ لَا يُطَمْئِنُ الْمُشْتَرِي إلَى
الْبَائِعِ فَيَحْتَاجُ إلَى مَنْ يَكْفُلُهُ
فِي الْمَبِيعِ وَذَلِكَ فِي السَّلَمِ
فَلَمَّا كَانَ تَحَقُّقُهَا فِي الْوُجُودِ
غَالِبًا بَعْدَهَا أَوْرَدَهَا فِي
التَّعْلِيمِ بَعْدَهَا وَلَهَا مُنَاسَبَةٌ
خَاصَّةٌ بِالصَّرْفِ وَهِيَ أَنَّهَا تَصِيرُ
بِالْآخِرَةِ مُعَاوَضَةً عَمَّا ثَبَتَ فِي
الذِّمَّةِ مِنْ الْأَثْمَانِ وَذَلِكَ عِنْدَ
الرُّجُوعِ إلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ ثُمَّ
لَزِمَ تَقْدِيمُ الصَّرْفِ لِأَنَّهُ مِنْ
أَبْوَابِ الْبَيْعِ السَّابِقِ عَلَى
الْكَفَالَةِ فَلَزِمَتْ الْكَفَالَةُ
بَعْدَهُ ، وَمَحَاسِنُ الْكَفَالَةِ
جَلِيلَةٌ وَهِيَ تَفْرِيجُ كَرْبِ الطَّالِبِ
الْخَائِفِ عَلَى مَالِهِ وَالْمَطْلُوبِ
الْخَائِفِ عَلَى نَفْسِهِ حَيْثُ كُفِيَا
مُؤْنَةَ مَا أَهَمَّهُمَا وَقَرَّ
جَأْشُهُمَا وَذَلِكَ نِعْمَةٌ كَبِيرَةٌ
عَلَيْهِمَا وَلِذَا كَانَتْ الْكَفَالَةُ
مِنْ الْأَفْعَالِ الْعَالِيَةِ حَتَّى
امْتَنَّ تَعَالَى بِهَا حَيْثُ قَالَ
وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا فِي قِرَاءَةِ
التَّشْدِيدِ يَتَضَمَّنُ الِامْتِنَانَ عَلَى
مَرْيَمَ إذْ جَعَلَ لَهَا مَنْ يَقُومُ
بِمَصَالِحِهَا وَيَقُومُ بِهَا بِأَنْ
أَتَاحَ لَهَا ذَلِكَ وَسَمَّى نَبِيًّا بِذِي
الْكِفْلِ لَمَّا كَفَلَ جَمَاعَةً مِنْ
الْأَنْبِيَاءِ لِمَلِكٍ أَرَادَ قَتْلَهُمْ ا
هـ .
(قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ) ، فَلَا
يَثْبُتُ الدَّيْنُ فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ
خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ
فِي رِوَايَةٍ فَيَثْبُتُ الدَّيْنُ فِي
ذِمَّةِ الْكَفِيلِ وَلَا يَسْقُطُ عَنْ
الْأَصِيلِ وَلَمْ يُرَجِّحْ فِي الْمَبْسُوطِ
أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ وَمَا
يُخَالُ مِنْ لُزُومِ صَيْرُورَةِ الْأَلْفِ
الدَّيْنِ الْوَاحِدِ أَلْفَيْنِ أَيْ عَلَى
الْقَوْلِ بِأَنَّهُ ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى
ذِمَّةٍ فِي الدَّيْنِ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ
الشَّارِحِينَ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ
وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ الْمَالِ فِي
ذِمَّةِ الْكَفِيلِ مَعَ بَقَائِهِ فِي
ذِمَّةِ الْأَصِيلِ مَا يُوجِبُ بَرَاءَةَ
حَقِّ الطَّالِبِ لِأَنَّ (قَوْلُهُ : وَفِي
الْغَاصِبِ إلَخْ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ
رَجُلٌ غَصَبَ مِنْ رَجُلٍ مَالًا فَغَصَبَ
ذَلِكَ الْمَالَ غَرِيمُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ
فَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْمَغْصُوبَ مِنْهُ
بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ
وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الثَّانِيَ لِأَنَّ
الْأَوَّلَ غَاصِبٌ وَالثَّانِيَ غَاصِبُ
الْغَاصِبِ ، فَإِنْ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ لَمْ
يَبْرَأْ الثَّانِي وَإِنْ ضَمَّنَ الثَّانِيَ
بَرِئَ الْأَوَّلُ ا هـ .
ذَكَرَهُ فِي الْغَصْبِ (قَوْلُهُ :
وَرُكْنُهَا الْإِيجَابُ) قَالَ
الْأَتْقَانِيُّ وَرُكْنُهَا إيجَابُ
الْكَفِيلِ وَقَبُولُ الْمَكْفُولِ لَهُ
خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فِي الْقَبُولِ ،
وَحُكْمُهَا وُجُوبُ الْمُطَالَبَةِ عَلَى
الْكَفِيلِ بِمَا عَلَى الْأَصِيلِ وَعِنْدَ
الشَّافِعِيِّ حُكْمُهَا وُجُوبُ الدَّيْنِ
عَلَى الْكَفِيلِ ا هـ .
وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ
وَأَمَّا رُكْنُهَا فَالْإِيجَابُ
وَالْقَبُولُ بِالْأَلْفَاظِ الْآتِيَةِ
وَلَمْ يَجْعَلْ أَبُو يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ
الْأَخِيرِ الْقَبُولَ رُكْنًا فَجَعَلَ
الْكَفَالَةَ تَتِمُّ بِالْكَفِيلِ وَحْدَهُ
فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَقَوْلٌ
لِلشَّافِعِيِّ وَاخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلِ
أَبِي يُوسُفَ فَقِيلَ : إنَّ الْكَفَالَةَ
تَصِحُّ مِنْ الْوَاحِدِ وَحْدَهُ مَوْقُوفًا
عَلَى إجَازَةِ الطَّالِبِ أَوْ تَصِحُّ
نَافِذًا وَلِلطَّالِبِ حَقُّ الرَّدِّ
وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ إنَّمَا تَظْهَرُ
فِيمَا إذَا مَاتَ الْمَكْفُولُ لَهُ قَبْلَ
الْقَبُولِ مَنْ يَقُولُ بِالتَّوَقُّفِ
يَقُولُ لَا يُؤْخَذُ بِهِ الْكَفِيلُ ا هـ .
(قَوْلُهُ وَشَرْطُهَا إلَخْ) وَمِنْ
شَرْطِهَا أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ
صَحِيحًا سَوَاءٌ كَانَ عَلَى الصَّغِيرِ أَوْ
عَلَى الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ لِأَنَّهُ
يُطَالَبُ بَعْدَ الْعِتْقِ ا هـ .
غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي
الْبَدَائِعِ وَمِنْهَا الْحُرِّيَّةُ وَهِيَ
شَرْطُ نَفَاذِ هَذَا التَّصَرُّفِ ، فَلَا
تَجُوزُ كَفَالَةُ الْعَبْدِ مَحْجُورًا كَانَ
أَوْ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ لِأَنَّهَا
تَبَرُّعٌ وَالْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ
التَّبَرُّعَ بِدُونِ إذْنِ مَوْلَاهُ ،
وَلَكِنَّهَا تَنْعَقِدُ حَتَّى يُؤَاخِذُ
بِهِ بَعْدَ الْعَتَاقِ لِأَنَّ إعْدَامَ
النَّفَاذِ مَا كَانَ لِانْعِدَامِ
الْأَهْلِيَّةِ بَلْ لِحَقِّ الْمَوْلَى
وَقَدْ زَالَ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ لِأَنَّهَا
غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ مِنْهُ لِعَدَمِ
الْأَهْلِيَّةِ ، فَلَا يُحْتَمَلُ النَّفَاذُ
ا هـ .
(قَوْلُهُ كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي
التِّجَارَةِ) قَالَ الشَّيْخُ كَمَالُ
الدِّينِ ، فَلَا كَفَالَةَ مِنْ صَبِيٍّ
وَلَا عَبْدٍ مَحْجُورٍ وَقَالَ فِي بَابِ
كَفَالَةِ الْعَبْدِ فَلِذَا لَا تَصِحُّ مِنْ
الصَّبِيِّ غَيْرِ الْمَأْذُونِ ا هـ ..
(4/146)
وَكَذَا لَا
يَصِحُّ مِنْ الْمَرِيضِ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ
؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ
بِأَكْثَرَ مِنْهُ ، وَأَنْوَاعُهَا فِي
الْأَصْلِ نَوْعَانِ كَفَالَةٌ بِالنَّفْسِ
وَكَفَالَةٌ بِالْمَالِ ، وَالْكَفَالَةُ
بِالْمَالِ نَوْعَانِ كَفَالَةٌ بِالدُّيُونِ
فَتَجُوزُ مُطْلَقًا إذَا كَانَتْ صَحِيحَةً
وَكَفَالَةٌ بِالْأَعْيَانِ ، وَهِيَ
نَوْعَانِ كَفَالَةٌ بِأَعْيَانٍ مَضْمُونَةٍ
فَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهَا وَذَلِكَ
كَالْمَغْصُوبِ ، وَالْمُهُورِ ، وَبَدَلِ
الْخُلْعِ ، وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ
وَنَحْوِ ذَلِكَ وَكَفَالَةٌ بِأَعْيَانٍ هِيَ
أَمَانَةٌ غَيْرُ وَاجِبَةِ التَّسْلِيمِ
كَالْوَدَائِعِ ، وَالْمُضَارَبَاتِ ،
وَالشَّرِكَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ
بِوَاجِبِ التَّسْلِيمِ ، فَلَا تَصِحُّ
الْكَفَالَةُ بِهَا أَصْلًا وَكَفَالَةٌ
بِأَعْيَانٍ هِيَ أَمَانَةٌ وَاجِبَةُ
التَّسْلِيمِ كَالْعَارِيَّةِ ،
وَالْمُسْتَأْجَرَةِ ، أَوْ بِعَيْنٍ
مَضْمُونَةٍ بِغَيْرِهِ كَالْمَبِيعِ فَإِنَّ
الْكَفَالَةَ بِهَا لَا تَصِحُّ
وَبِتَسْلِيمِهَا تَصِحُّ وَأَلْفَاظُهَا
مَذْكُورَةٌ فِي الْمَتْنِ
[الْكِفَالَة بِالنَّفْسِ وَإِنَّ
تَعَدَّدَتْ]
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَصِحُّ
بِالنَّفْسِ ، وَإِنْ تَعَدَّدَتْ) أَيْ ،
وَإِنْ تَعَدَّدَتْ الْكَفَالَةُ بِأَنْ
أَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا ، ثُمَّ كَفِيلًا ،
وَكَذَا تَجُوزُ إذَا تَعَدَّدَتْ النُّفُوسُ
الْمَكْفُولُ بِهَا أَيْضًا كَمَا تَجُوزُ
بِالدُّيُونِ الْكَثِيرَةِ وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا
تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ ؛ لِأَنَّهُ
لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى تَسْلِيمِهِ ؛ إذْ
لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ لَا سِيَّمَا
إذَا تَكَفَّلَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ
لَا يَنْقَادُ لَهُ وَلَا يَلْتَزِمُ
طَاعَتَهُ ، وَكَذَا إذَا كَانَ بِأَمْرِهِ ؛
لِأَنَّ أَمْرَهُ بِالْكَفَالَةِ بِالْمَالِ
لَا يُثْبِتُ لَهُ وِلَايَةً فِي مَالِهِ
لِيُؤَدِّيَ عَنْهُ مِنْ مَالِهِ ،
فَالنَّفْسُ ، أَوْلَى فَصَارَ كَمَا لَوْ
بَاعَ طَيْرًا فِي الْهَوَاءِ بِخِلَافِ
الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ
يَكُنْ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى مَالِ الْآمِرِ
فَلَهُ وِلَايَةٌ عَلَى مَالِ نَفْسِهِ
فَيُؤَدِّي مِنْ مَالِهِ وَلَنَا قَوْلُهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
«الزَّعِيمُ غَارِمٌ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ
بَيْنَ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ ، أَوْ
بِالْمَالِ فَيَقْتَضِي شَرْعِيَّتَهَا وَلَا
يُقَالُ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ لَا غُرْمَ
فِيهَا ، فَلَا يَتَنَاوَلُهُ الْحَدِيثُ ؛
لِأَنَّا نَقُولُ : الْغُرْمُ عِبَارَةٌ عَنْ
ضَرَرٍ يَلْزَمُهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
{إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} [الفرقان :
65] وَفِيهِ ذَلِكَ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ
مَاسَّةٌ إلَيْهَا ضَرُورَةَ إحْيَاءِ حُقُوقِ
الْعِبَادِ وَقَدْ أَمْكَنَ الْعَمَلُ
بِمُوجَبِهَا بِأَنْ يُعْلِمَهُ مَكَانَهُ
فَيُخَلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ ؛ إذْ
التَّخْلِيَةُ تَسْلِيمٌ ، أَوْ يُوَافِقَهُ
إذَا ادَّعَاهُ ، أَوْ يُكْرِهَهُ
بِالْحُضُورِ إلَى مَجْلِسِ الْحَاكِمِ ،
وَالْتِزَامُهُ لِذَلِكَ وَرِضَا خَصْمِهِ
بِهِ دَلِيلٌ عَلَى قُدْرَتِهِ فَتَصِحُّ ،
وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ اسْتَعَانَ
بِأَعْوَانِ الْقَاضِي فَكَانَتْ مُفِيدَةً
وَلِأَنَّهُ الْتَزَمَ مَا هُوَ مُسْتَحَقٌّ
عَلَى الْأَصْلِ ؛ إذْ تَسْلِيمُ النَّفْسِ
عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَاجِبٌ بِمَعْنَى
أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحُضُورُ إلَى
مَجْلِسِ الْحَاكِمِ فَتَصِحُّ كَالْكَفَالَةِ
بِالْمَالِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ
يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِجَابَةُ إذَا ادَّعَى
أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَمَّ الْمُمْتَنِعَ
مِنْ الْحُضُورِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ
{وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ}
[النور : 48] الْآيَةَ ، وَالذَّمُّ
يُسْتَحَقُّ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ وَعَنْ
الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ أَجَازُوا
الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ وَضَمِنَتْ أُمُّ
كُلْثُومٍ بِنَفْسِ عَلِيٍّ حِينَ جَرَى
بَيْنَهُ وَبَيْنَ عُمَرَ خُصُومَةٌ
«وَكَفَّلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا بِتُهْمَةٍ» ،
وَالتَّكْفِيلُ أَخْذُ الْكَفِيلِ بِالنَّفْسِ
وَلِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الِالْتِزَامِ أَنْ
يَكُونَ الْمُلْتَزِمُ مُمْكِنًا وُجُودُهُ
عَقْلًا لَا حَقِيقَةً أَلَا تَرَى أَنَّهُ
إذَا الْتَزَمَ أَلْفَ حَجَّةٍ بِالنَّذْرِ
يَصِحُّ وَيَلْزَمُهُ ، وَإِنْ لَمْ يَتَأَتَّ
مِنْهُ حَقِيقَةً لِقِصَرِ عُمْرِهِ عَادَةً
وَقُدْرَتُهُ عَلَى إحْضَارِهِ مُمْكِنٌ
فَتَصِحُّ ، وَإِذَا صَحَّتْ تَصِحُّ
مُتَعَدِّدَةً أَيْضًا ؛ لِأَنَّ حُكْمَهَا
اسْتِحْقَاقُ الْمُطَالَبَةِ ، وَهِيَ
تَحْتَمِلُ الْعَدَدَ ، وَالِالْتِزَامُ
الْأَوَّلُ لَا يُمْنَعُ الِالْتِزَامَ
الثَّانِيَ ؛ إذْ الْمَقْصُودُ مِنْهَا
التَّوَثُّقُ ، فَلَا تَنَافِي
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (بِكَفَلْتُ
بِنَفْسِهِ وَبِمَا عَبَّرَ عَنْ الْبَدَنِ
وَبِجُزْءٍ شَائِعٍ) أَيْ تَصِحُّ الْكَفَالَة
بِقَوْلِهِ كَفَلْت بِنَفْسِ فُلَانٍ ، أَوْ
بِمَا يُعَبَّرُ بِهِ مِنْ أَعْضَائِهِ عَنْ
جَمِيعِ الْبَدَنِ كَرَأْسِهِ وَوَجْهِهِ
وَرَقَبَتِهِ وَعُنُقِهِ وَجَسَدِهِ
وَبَدَنِهِ بِأَنْ قَالَ تَكَفَّلْت
بِرَأْسِهِ ، أَوْ بِوَجْهِهِ إلَى آخِرِهِ ،
أَوْ تَكَفَّلَ بِجُزْءٍ شَائِعٍ مِنْهُ
بِأَنْ قَالَ تَكَفَّلْت بِثُلُثِهِ ، أَوْ
بِرُبْعِهِ كُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ
هَذِهِ الْأَشْيَاءَ يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ
جَمِيعِ الْبَدَنِ عُرْفًا وَقَدْ بَيَّنَّاهُ
فِي الطَّلَاقِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَجُوزُ
إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ ثُمَّ نُقِلَ عَنْ
الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ
لَا تَجُوزُ وَهُوَ قَوْلٌ لَهُ مُخَالِفٌ
لِلْقَوْلِ الْأَظْهَرِ عِنْدَهُمْ وَهُوَ
أَنَّهَا جَائِزَةٌ كَقَوْلِنَا ا هـ .
(قَوْلُهُ : فَلَا يَتَنَاوَلُهُ الْحَدِيثُ)
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْغُرْمَ لَا يَخْتَصُّ
بِالْمَالِ بَلْ الْغُرْمُ أَدَاءُ مَا
يَلْزَمُ مِمَّا يَضُرُّهُ وَالْغُرْمُ
اللَّازِمُ ذَكَرَهُ فِي الْمُجْمَلِ
وَالْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ يَلْزَمُهُ
الْإِحْضَارُ وَقَدْ يَثْبُتُ بِالْقِيَاسِ
عَلَى كَفَالَةِ الْمَالِ وَهُوَ مَا أَشَارَ
إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَالْحَاجَةُ
إلَيْهِ مَاسَّةٌ وَقَدْ أَمْكَنَ تَحْقِيقُ
مَعْنَى الْكَفَالَةِ وَحَاصِلُهُ إلْحَاقُهُ
بِجَامِعِ عُمُومِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا
إحْيَاءً لِلْحُقُوقِ مَعَ الْإِيجَابِ
وَالْقَبُولِ وَالشَّرَائِطِ ا هـ .
(قَوْلُهُ : وَفِيهِ) أَيْ الضَّرَرُ
مَوْجُودٌ فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ
لِأَنَّهُ يُلْزَمُ بِإِحْضَارِهِ
فَيَتَضَرَّرُ بِهِ ا هـ ..
(قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ بِكَفَلْتُ
بِنَفْسِهِ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي ذِكْرِ
الْأَلْفَاظِ الَّتِي تَثْبُتُ بِهَا
الْكَفَالَةُ وَهِيَ صَرِيحٌ وَكِتَابَةٌ
فَالصَّرِيحُ كَفَلْت وَضَمِنْت وَزَعِيمٌ
وَقَبِيلٌ وَحَمِيلٌ وَعَلَيَّ وَإِلَيَّ ،
وَلَك عِنْدِي هَذَا الرَّجُلُ وَعَلَيَّ أَنْ
أُوَافِيَكَ بِهِ أَوْ عَلَيَّ أَنْ أَلْقَاكَ
بِهِ أَوْ دَعْهُ إلَيَّ وَحَمِيلٌ
بِالْمُهْمَلَةِ بِمَعْنَى كَفِيلٍ بِهِ
يُقَالُ حَمَلَ بِهِ حَمَالَةً بِفَتْحِ
الْعَيْنِ فِي الْمَاضِي وَكَسْرِهَا فِي
الْمُضَارِعِ وَرُوِيَ فِي الْفَائِقِ
الْحَمِيلُ ضَامِنٌ وَأَمَّا الْقَبِيلُ
فَهُوَ أَيْضًا بِمَعْنَى الْكَفِيلِ
وَيُقَالُ قَبِلَ بِهِ قَبَالَةً بِفَتْحِهَا
فِي الْمَاضِي وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا فِي
الْمُضَارِعِ ثُمَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ
تُوجِبُ لُزُومَ مُوجَبِ الْكَفَالَةِ إذَا
أُضِيفَتْ إلَى جُمْلَةِ الْبَدَنِ أَوْ مَا
يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ حَقِيقَةً
فِي اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ وَمَا لَا فَلَا
عَلَى وِزَانِ الطَّلَاقِ عَلَى مَا مَرَّ
مِثْلُ كَفَلْت أَوْ أَنَا حَمِيلٌ أَوْ
زَعِيمٌ بِنَفْسِهِ أَوْ رَقَبَتِهِ أَوْ
رُوحِهِ أَوْ جَسَدِهِ أَوْ رَأْسِهِ أَوْ
بَدَنِهِ أَوْ وَجْهِهِ لِأَنَّ هَذِهِ
يُعَبَّرُ بِهَا حَقِيقَةً كَالنَّفْسِ
وَالْجَسَدِ وَالْبَدَنِ عُرْفًا وَلُغَةً
وَمَجَازًا كَهُوَ رَأْسٌ وَتَحْرِيرُ
رَقَبَةٍ وَتَقَدَّمَ فِي الطَّلَاقِ وَلَمْ
يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا
إذَا كَفَلَ بِعَيْنِهِ قَالَ الْبَلْخِيّ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَصِحُّ كَمَا فِي
الطَّلَاقِ أَنْ يَنْوِيَ بِهِ الْبَدَنَ
وَاَلَّذِي يَجِبُ أَنْ يَصِحَّ فِي
الْكَفَالَةِ وَالطَّلَاقِ إذْ الْعَيْنُ
مِمَّا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ يُقَالُ
عَيْنُ الْقَوْمِ وَهُوَ عَيْنٌ فِي النَّاسِ
وَلَعَلَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا فِي
زَمَانِهِمْ أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَلَا
شَكَّ فِي ذَلِكَ . ا هـ . كَمَالٌ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (قَوْلُهُ أَوْ بِرُبْعِهِ) أَيْ
أَوْ بِجُزْءٍ مِنْهُ لِأَنَّ النَّفْسَ
الْوَاحِدَةَ فِي حَقِّ الْكَفَالَةِ لَا
تَتَجَزَّأُ فَذِكْرُ بَعْضِهَا شَائِعًا
كَذِكْرِ كُلِّهَا ا هـ .
كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَوْلُهُ لَا
تَتَجَزَّأُ بِأَنْ يَكُونَ بِبَعْضِهَا
كَفِيلًا وَبَعْضُهَا لَا ا هـ ..
(4/147)
(وَبِضَمِنْتُهُ) أَيْ تَصِحُّ بِقَوْلِهِ
ضَمِنْته لَك ؛ لِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ
بِمُقْتَضَى الْكَفَالَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ
ضَامِنًا لِلتَّسْلِيمِ ، وَالْعَقْدُ
يَنْعَقِدُ بِالتَّصْرِيحِ بِمُوجَبِهِ
كَعَقْدِ الْبَيْعِ يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ
التَّمْلِيكِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَبِعَلَيَّ) يَعْنِي تَصِحُّ بِقَوْلِهِ
عَلَيَّ ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ عَلَيَّ
لِلْوُجُوبِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ
مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران
: 97] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (،
وَإِلَيَّ) ؛ لِأَنَّهَا بِمَعْنَى عَلَيَّ
فِي هَذَا الْمَقَامِ قَالَ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ تَرَكَ
كَلًّا ، أَوْ عِيَالًا فَإِلَيَّ» قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَنَا زَعِيمٌ بِهِ) ؛
لِأَنَّ الْكَفِيلَ يُسَمَّى زَعِيمًا قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ صَاحِبِ
يُوسُفَ {وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف : 72]
أَيْ كَفِيلٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَقَبِيلٌ بِهِ) ؛ لِأَنَّ الْقَبِيلَ هُوَ
الْكَفِيلُ وَلِهَذَا يُسَمَّى الصَّكُّ
قَبَالَةٌ ؛ لِأَنَّهُ يَحْفَظُ الْحَقَّ
فَيَكُونُ وَثِيقَةً كَالْكَفِيلِ قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا بِأَنَا ضَامِنٌ
لِمَعْرِفَتِهِ) أَيْ لَا يَصِيرُ كَفِيلًا
بِقَوْلِهِ أَنَا ضَامِنٌ لَك بِمَعْرِفَةِ
فُلَانٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَصِيرُ
ضَامِنًا لِلْعُرْفِ ؛ لِأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ
بِهِ الْكَفَالَةَ .
وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ الْتَزَمَ
مَعْرِفَتَهُ دُونَ الْمُطَالَبَةِ فَصَارَ
كَالْتِزَامِهِ دَلَالَتَهُ عَلَيْهِ ، أَوْ
قَالَ أُوقِفُك عَلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (فَإِنْ شَرَطَ تَسْلِيمَهُ فِي
وَقْتٍ بِعَيْنِهِ أَحْضَرَهُ فِيهِ إنْ
طَلَبَهُ) ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ
بِالشَّرْطِ فِي الْكَفَالَةِ فَيَجِبُ
عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ إنْ طَلَبَهُ فِي
ذَلِكَ الْوَقْتِ ، أَوْ بَعْدَهُ كَالدَّيْنِ
الْمُؤَجَّلِ إذَا طَلَبَهُ صَاحِبُهُ بَعْدَ
حُلُولِ الْأَجَلِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(فَإِنْ أَحْضَرَهُ ، وَإِلَّا حَبَسَهُ
الْحَاكِمُ) ؛ لِامْتِنَاعِهِ عَنْ إيفَاءِ
مَا وَجَبَ عَلَيْهِ ، وَلَكِنْ لَا
يَحْبِسُهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ ؛ لِاحْتِمَالِ
أَنَّهُ مَا عَرَفَ لِمَاذَا يُدْعَى
فَيُمْهِلُهُ حَتَّى يَظْهَرَ لَهُ مَطْلُهُ ؛
لِأَنَّهُ جَزَاءُ الظُّلْمِ ، وَهُوَ لَيْسَ
بِظَالِمٍ قَبْلَ الْمُمَاطَلَةِ قَالَ
الْعَبْدُ الْفَقِيرُ يَنْبَغِي أَنْ
يُفَصِّلَ كَمَا فَصَّلَ فِي الْحَبْسِ
بِالدَّيْنِ فَإِنَّهُ هُنَاكَ قِيلَ : إذَا
ثَبَتَ الْحَقُّ بِإِقْرَارِهِ لَا يُعَجِّلُ
بِحَبْسِهِ وَأَمَرَهُ بِدَفْعِ مَا عَلَيْهِ
؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ جَزَاءُ الْمُمَاطَلَةِ
فَلَمْ يَظْهَرْ بِأَوَّلِ الْوَهْلَةِ ،
وَإِنْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ حَبَسَهُ كَمَا
وَجَبَ لِظُهُورِ مَطْلِهِ بِالْإِنْكَارِ
فَكَذَا هُنَا يَنْبَغِي أَنْ يُفَصِّلَ عَلَى
هَذَا التَّفْصِيلِ وَذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ
مَعْزِيًّا إلَى الْإِيضَاحِ ، وَهَذَا إذَا
لَمْ يَظْهَرْ عَجْزُهُ .
وَأَمَّا إذَا ظَهَرَ عَجْزُهُ ، فَلَا
مَعْنَى لِحَبْسِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُحَالُ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَفِيلِ فَيُلَازِمُهُ
وَيُطَالِبُهُ وَلَا يَحُولُ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ أَشْغَالِهِ جَعَلَهُ كَالْمُفْلِسِ
بِالدَّيْنِ إذَا ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ ،
أَوْ بِالْبَيِّنَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ
- (وَإِنْ غَابَ أَمْهَلَهُ مُدَّةَ ذَهَابِهِ
، وَإِيَابِهِ) أَيْ ، وَإِنْ غَابَ
الْمَكْفُولُ بِنَفْسِهِ يُؤَجَّلُ الْكَفِيلُ
مُدَّةَ قَطْعِ الْمَسَافَةِ وَلَا يَحْبِسُهُ
؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ مَطْلُهُ بَعْدُ
وَالْحَبْسُ لِلْمُمَاطَلَةِ قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (، فَإِنْ مَضَتْ وَلَمْ يُحْضِرْهُ
حَبَسَهُ) أَيْ إذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ وَلَمْ
يُحْضِرْهُ حَبَسَهُ ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ
مَطْلُهُ ، وَالْحَبْسُ جَزَاؤُهُ قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ غَابَ وَلَمْ
يَعْلَمْ مَكَانَهُ لَا يُطَالَبُ بِهِ) ؛
لِأَنَّهُ عَاجِزٌ وَقَدْ صَدَّقَهُ
الطَّالِبُ عَلَيْهِ فَصَارَ كَالْمَدِينِ
إذَا ثَبَتَ إعْسَارُهُ ، وَإِنْ اخْتَلَفَا
فَقَالَ الْكَفِيلُ : لَا أَعْرِفُ مَكَانَهُ
، وَقَالَ الطَّالِبُ : تَعْرِفُ ، يُنْظَرُ ،
فَإِنْ كَانَتْ لَهُ خُرْجَةٌ مَعْرُوفَةٌ
يَخْرُجُ إلَى مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ
لِلتِّجَارَةِ فِي كُلِّ وَقْتٍ ، فَالْقَوْلُ
قَوْلُ الطَّالِبِ وَيُؤْمَرُ الْكَفِيلُ
بِالذَّهَابِ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ ؛
لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لِلطَّالِبِ ،
وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ مِنْهُ ذَلِكَ كَانَ
الْقَوْلُ قَوْلَ الْكَفِيلِ ؛ لِأَنَّهُ
مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِضَمِنْتُهُ) قَالَ
الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَوَجْهُ
ضَمِنْت بِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمُوجَبِهِ
لِأَنَّ مُوجَبَ الْكَفَالَةِ لُزُومُ
الضَّمَانِ فِي الْمَالِ فِي أَكْثَرِ
الصُّوَرِ ا هـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ ضَمِنْته
مِنْ أَلْفَاظِ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ لَا
النَّفْسِ وَقَدْ تَبِعَ الْكَمَالَ فِي هَذَا
تِلْمِيذُهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فَقَالَ
عِنْدَ قَوْلِ صَاحِبِ الْمَجْمَعِ
وَبِقَوْلِهِ ضَمِنْته هَذِهِ فِي
الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ فَيَنْبَغِي
الْإِفْصَاحُ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهَا
فِي النَّفْسِ ا هـ .
وَاعْلَمْ أَنِّي قَدْ رَاجَعْت بِعَوْنِ
اللَّهِ نُقُولًا كَثِيرَةً مِنْ الْمُتُونِ
وَالشُّرُوحِ وَالْفَتَاوَى فَبَعْضُهُمْ
يُصَرِّحُ بِأَنَّ ضَمِنْت مِنْ أَلْفَاظِ
الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ كَالنَّسَفِيِّ فِي
كَافِيهِ وَبَعْضُهُمْ فِي قُوَّةِ الصَّرِيحِ
فَإِنَّهُمْ يَذْكُرُونَهَا فِي الْكَفَالَةِ
لَا بِالنَّفْسِ فِي الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ
وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ مَشَايِخِنَا
ذَكَرَهَا فِي أَلْفَاظِ الْكَفَالَةِ
بِالْمَالِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لَكِنْ
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ الْأَقْطَعُ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ
عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ
، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ ضَمِنْته أَوْ هُوَ
عَلَيَّ أَوْ إلَيَّ أَوْ أَنَا زَعِيمٌ بِهِ
أَوْ قَبِيلٌ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ هَذِهِ
الْأَلْفَاظَ يَصِحُّ الضَّمَانُ بِهَا ،
فَلَا فَرْقَ بَيْنَ ضَمَانِ النَّفْسِ أَوْ
ضَمَانِ الْمَالِ بِهَا ا هـ .
وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ
إذَا أُطْلِقَتْ تُحْمَلُ عَلَى الْكَفَالَةِ
بِالنَّفْسِ وَإِذَا كَانَ هُنَاكَ قَرِينَةٌ
عَلَى الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ فَتَتَمَحَّضُ
حِينَئِذٍ لِلْكَفَالَةِ بِهِ (قَوْلُهُ : فِي
الْمَتْنِ لَا بِأَنَا ضَامِنٌ
لِمَعْرِفَتِهِ) أَيْ ، وَكَذَا
بِمَعْرِفَتِهِ ، وَكَذَا أَنَا ضَامِنٌ عَلَى
أَنْ أُوقِفَك عَلَيْهِ أَوْ عَلَى أَنْ
أَدُلَّك عَلَيْهِ أَوْ عَلَى مَنْزِلِهِ
وَلَوْ قَالَ أَنَا ضَامِنٌ لِتَعْرِيفِهِ
أَوْ عَلَى تَعْرِيفِهِ فَفِيهِ اخْتِلَافُ
الْمَشَايِخِ وَالْوَجْهُ أَنْ يَلْزَمَ
لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ مُتَعَدٍّ لِاثْنَيْنِ
فَقَدْ الْتَزَمَ أَنْ يُعَرِّفَهُ الْغَرِيمَ
بِخِلَافِ مَعْرِفَتِهِ فَإِنَّهُ لَا
يَقْتَضِي إلَّا مَعْرِفَةَ الْكَفِيلِ
لِلْمَطْلُوبِ وَعَنْ نُصَيْرٍ قَالَ سَأَلَ
ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَبَا
سُلَيْمَانَ الْجُوزَجَانِيَّ عَنْ رَجُلٍ
قَالَ لِآخَرَ أَنَا ضَامِنٌ لِمَعْرِفَةِ
فُلَانٍ قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ أَمَّا فِي
قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِيك لَا
يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ
قَالَ هَذَا عَلَى مُعَامَلَةِ النَّاسِ
وَعُرْفِهِمْ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو
اللَّيْثِ فِي النَّوَازِلِ هَذَا الْقَوْلُ
فِي النَّوَازِلِ غَيْرُ مَشْهُورٍ
وَالظَّاهِرُ مَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ
وَمُحَمَّدٍ وَفِي خِزَانَةِ الْوَاقِعَاتِ
وَبِهِ يُفْتَى أَيْ بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ
لَكِنْ نُصَّ فِي الْمُنْتَقَى فِي قَوْلِ
أَبِي يُوسُفَ فِيمَنْ قَالَ أَنَا ضَامِنٌ
لَك بِمَعْرِفَةِ فُلَانٍ يَلْزَمُهُ وَعَلَى
هَذَا مُعَامَلَةُ النَّاسِ وَفِي فَتَاوَى
النَّسَفِيِّ لَوْ قَالَ الَّذِي لَك عَلَى
فُلَانٍ أَنَا أَدْفَعُهُ لَك أَوْ
أُسَلِّمُهُ إلَيْك أَوْ أَقْبِضُهُ لَا
يَكُونُ كَفَالَةً مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ بِمَا
يَدُلُّ عَلَى الِالْتِزَامِ وَفِي
الْخُلَاصَةِ عَنْ مُتَفَرِّقَاتِ خَالِهِ
قَيَّدَهُ بِمَا إذَا قَالَهُ مُنَجِّزًا
فَلَوْ مُعَلَّقًا يَكُونُ كَفَالَةً نَحْوَ
أَنْ يَقُولَ إنْ لَمْ تُؤَدِّ فَأَنَا
أُؤَدِّي نَظِيرُهُ فِي النَّذْرِ لَوْ قَالَ
أَنَا أَحُجُّ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَلَوْ
قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنَا أَحُجُّ
يَلْزَمُهُ الْحَجُّ ا هـ كَمَالٌ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (قَوْلُهُ : قَالَ الْفَقِيرُ
إلَخْ) هَذَا يُوهِمُ أَنَّهُ مِنْ تَفَقُّهِ
الشَّارِحِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ مِنْ
أَصْلِ الرِّوَايَةِ عَنْ عُلَمَائِنَا فَقَدْ
ذَكَرَهُ شُرَّاحُ الْأَصْلِ ا هـ .
(قَوْلُهُ ، فَلَا مَعْنَى لِحَبْسِهِ) كَمَا
إذَا مَاتَ الْمَكْفُولُ بِهِ فَإِنَّ
الْكَفَالَةَ تَبْطُلُ ا هـ .
فَتْحٌ (قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَإِنْ
غَابَ) أَيْ وَعَلِمَ مَكَانَهُ (قَوْلُهُ :
وَلَمْ يُحْضِرْهُ حَبَسَهُ) أَيْ إلَى أَنْ
يَظْهَرَ لِلْقَاضِي تَعَذُّرُ الْإِحْضَارِ
عَلَيْهِ بِدَلَالَةِ الْحَالِ أَوْ لِشُهُودٍ
بِذَلِكَ فَيُخْرَجُ مِنْ الْحَبْسِ
وَيُنْظَرُ
(4/148)
وَهُوَ
الْجَهْلُ وَمُنْكِرٌ لُزُومَ الْمُطَالَبَةِ
.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُلْتَفَتُ إلَى
قَوْلِ الْكَفِيلِ وَيَحْبِسُهُ الْقَاضِي
إلَى أَنْ يَظْهَرَ عَجْزُهُ ؛ لِأَنَّ
الْمُطَالَبَةَ كَانَتْ مُتَوَجِّهَةً
عَلَيْهِ ، فَلَا يُصَدَّقُ عَلَى إسْقَاطِهَا
عَنْ نَفْسِهِ بِمَا يَدَّعِي ، وَإِنْ
أَقَامَ الطَّالِبُ بَيِّنَةً أَنَّهُ فِي
مَوْضِعِ كَذَا أُمِرَ الْكَفِيلُ
بِالذَّهَابِ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ
وَإِحْضَارِهِ اعْتِبَارًا لِلثَّابِتِ
بِالْبَيِّنَةِ بِالثَّابِتِ مُعَايَنَةً ،
وَكَذَا لَوْ ارْتَدَّ وَلَحِقَ بِدَارِ
الْحَرْبِ لَا تَسْقُطُ الْكَفَالَةُ
فَيُؤَجَّلُ الْكَفِيلُ مُدَّةَ ذَهَابِهِ
وَمَجِيئِهِ وَلَا يُقَالُ بَعْدَ اللَّحَاقِ
بِدَارِ الْحَرْبِ صَارَ كَالْمَوْتَى
وَلِهَذَا يُقَسَّمُ مَالُهُ بَيْنَ
وَرَثَتِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَبْرَأَ
الْكَفِيلُ كَمَا لَوْ مَاتَ حَقِيقَةً ؛
لِأَنَّا نَقُولُ هَذَا لَيْسَ كَمَوْتِهِ
حَقِيقَةً ، وَإِنَّمَا هُوَ مَوْتٌ حُكْمِيٌّ
فِي حَقِّ قِسْمَةِ مَالِهِ بَيْنَ وَرَثَتِهِ
فَأَمَّا فِي حَقِّ نَفْسِهِ ، فَهُوَ حَيٌّ
مُطَالَبٌ بِالتَّوْبَةِ ، وَالرُّجُوعِ
وَتَسْلِيمِ النَّفْسِ إلَى الْخَصْمِ
فَبَقِيَ الْكَفِيلُ عَلَى كَفَالَتِهِ
هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا
إلَى الْمَبْسُوطِ وَفِيهِ قَالَ فِي
الذَّخِيرَةِ إنَّهُ إذَا لَحِقَ بِدَارِ
الْحَرْبِ مُرْتَدًّا يُنْظَرُ ، فَإِنْ كَانَ
الْكَفِيلُ قَادِرًا عَلَى رَدِّهِ بِأَنْ
كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ مُوَاعَدَةٌ
أَنَّ مَنْ لَحِقَ بِهِمْ مُرْتَدًّا
يَرُدُّونَهُ إلَيْنَا إذَا طَلَبْنَا
يُمْهَلُ الْكَفِيلُ قَدْرَ ذَهَابِهِ
وَمَجِيئِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا
لَا يُؤَاخَذُ بِهِ .
ثُمَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ قُلْنَا إنَّهُ
يُؤْمَرُ بِالذَّهَابِ إلَيْهِ لِلطَّالِبِ
أَنْ يَسْتَوْثِقَ الْكَفِيلَ بِكَفِيلٍ آخَرَ
حَتَّى لَا يَغِيبَ الْآخَرُ فَيَضِيعَ
حَقُّهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ
سَلَّمَهُ بِحَيْثُ يَقْدِرُ الْمَكْفُولُ
لَهُ أَنْ يُخَاصِمَهُ كَمِصْرٍ بَرِئَ) ؛
لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا الْتَزَمَهُ ؛ إذْ لَمْ
يَلْتَزِمْ تَسْلِيمَهُ إلَّا مَرَّةً
وَاحِدَةً وَحَصَلَ مَقْصُودُ الطَّالِبِ
أَيْضًا بِذَلِكَ ، فَلَا حَاجَةَ إلَى
إبْقَاءِ الْكَفَالَةِ فَصَارَ نَظِيرَ مَا
لَوْ تَكَفَّلَ بِمَالٍ وَقَضَاهُ سَوَاءٌ
كَانَ التَّسْلِيمُ غَيْرَ مَشْرُوطٍ فِي
وَقْتٍ ، أَوْ كَانَ مَشْرُوطًا فِيهِ
فَسَلَّمَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ، أَوْ
قَبْلَهُ ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقُّ
الْكَفِيلِ فَلَهُ أَنْ يُسْقِطَهُ كَالدِّينِ
الْمُؤَجَّلِ إذَا قَضَاهُ قَبْلَ حُلُولِ
الْأَجَلِ يُجْبَرُ الطَّالِبُ ؛ لِأَنَّ
الْأَجَلَ حَقُّ الْمَدِينِ فَلَهُ أَنْ
يُسْقِطَهُ ، ثُمَّ التَّسْلِيمُ يَكُونُ
بِالتَّخْلِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخَصْمِ
وَذَلِكَ بِرَفْعِ الْمَوَانِعِ فَيَقُولُ
لَهُ هَذَا خَصْمُك فَأَنْتَ أَعْلَمُ
بِشَأْنِهِ فَخُذْهُ إنْ شِئْت ، ثُمَّ لَا
يَخْلُو إمَّا أَنْ يُسَلِّمَهُ بَعْدَ
طَلَبِهِ ، أَوْ لَا ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ
طَلَبِهِ بَرِئَ ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ
سَلَّمْته إلَيْك بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ ؛
لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إعَادَةَ قَوْلِ
الطَّالِبِ ، وَإِنْ سَلَّمَهُ بِغَيْرِ
طَلَبٍ لَا يَبْرَأُ حَتَّى يَقُولَ سَلَّمْته
إلَيْك بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - .
(وَلَوْ شَرَطَ تَسْلِيمَهُ فِي مَجْلِسِ
الْقَاضِي سَلَّمَهُ ثَمَّةَ) ؛ لِأَنَّ
الشَّرْطَ مُفِيدٌ فَيَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ
عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي الْتَزَمَهُ فَإِذَا
سَلَّمَهُ فِي مَجْلِسِهِ بَرِئَ لِمَا
ذَكَرْنَا وَكَذَا إذَا سَلَّمَهُ فِي
السُّوقِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَقِيلَ :
لَا يَبْرَأُ ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَبِهِ
يُفْتَى فِي زَمَانِنَا لِتَهَاوُنِ النَّاسِ
فِي إقَامَةِ الْحَقِّ ، وَإِنْ سَلَّمَهُ فِي
بَرِّيَّةٍ ، أَوْ فِي سَوَادٍ لَا يَبْرَأُ ؛
لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى مُخَاصَمَتِهِ
فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ ، وَكَذَا لَوْ لَمْ
يُشْتَرَطْ التَّسْلِيمُ فِي مَجْلِسِ
الْحَاكِمِ لَا يَبْرَأُ بِمِثْلِ هَذَا
التَّسْلِيمِ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَإِنْ
سَلَّمَهُ فِي مِصْرٍ آخَرَ غَيْرِ الْمِصْرِ
الَّذِي كَفَلَ فِيهِ بَرِئَ عِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ؛ لِأَنَّ
الْمُعْتَبَرَ تَسْلِيمُهُ عَلَى وَجْهٍ
يَتَمَكَّنُ مِنْ إحْضَارِهِ مَجْلِسَ
الْقَاضِي وَقَدْ وُجِدَ وَعِنْدَهُمَا لَا
يَبْرَأُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْهُ عَلَى
الْوَجْهِ الَّذِي الْتَزَمَهُ ، وَهُوَ أَنْ
يُسَلِّمَهُ فِي مِصْرٍ كَفَلَ فِيهِ ، وَهُوَ
مُفِيدٌ ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ
شُهُودُهُ فِيهِ ، أَوْ يَعْرِفَ قَاضِي
ذَلِكَ الْمِصْرِ حَادِثَتَهُ ، فَلَا
يَبْرَأُ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ فِيهِ قُلْنَا
الِاحْتِمَالُ مُشْتَرَكٌ فَإِنَّهُ
يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ شُهُودُهُ فِي ذَلِكَ
الْمِصْرِ .
وَكَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَاضِي
ذَلِكَ الْمِصْرِ يَعْلَمُ حَادِثَتَهُ
فَتَعَارَضَ الْمَوْهُومَانِ فَبَقِيَ
التَّسْلِيمُ سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ
فَيَبْرَأُ وَقِيلَ : هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ
وَزَمَانٍ لَا اخْتِلَافُ حُجَّةٍ وَبُرْهَانٍ
فَأَبُو حَنِيفَةَ قَالَ ذَلِكَ فِي زَمَنِهِ
حِينَ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِأَهْلِ
الصَّلَاحِ ، وَالْعُمَّالُ كَانُوا
يَتَعَاوَنُونَ عَلَى الْبِرِّ وَلَا
يَمِيلُونَ إلَى الرِّشْوَةِ ، فَلَا
يَخْتَلِفُ الْحَالُ بَيْنَ مِصْرِهِ وَمِصْرٍ
آخَرَ ، وَهُمَا قَالَا ذَلِكَ بَعْدَ مَا
ظَهَرَ الْفَسَادُ وَتَغَيَّرَتْ أَحْوَالُ
الْقُضَاةِ وَالْعُمَّالِ حَتَّى لَا
يُقِيمُونَ الْحَقَّ إلَّا بِالرِّشْوَةِ
فَيَكُونُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ مِصْرُهُ
أَسْهَلَ لِإِثْبَاتِ حُقُوقِهِ وَلَوْ
سَلَّمَهُ فِي السِّجْنِ وَقَدْ حَبَسَهُ
غَيْرُ الطَّالِبِ لَا يَبْرَأُ ؛ لِأَنَّ
الْمَقْصُودَ مِنْ التَّسْلِيمِ تَمَكُّنُهُ
مِنْ إحْضَارِهِ مَجْلِسَ الْحَاكِمِ
لِيُثْبِتَ عَلَيْهِ الْحَقَّ وَلَا يُفِيدُ
فِي الْمَحْبُوسِ
[تَبْطُلُ الْكِفَالَة بموت الْمَطْلُوب
والكفيل]
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَبْطُلُ
بِمَوْتِ الْمَطْلُوبِ ، وَالْكَفِيلِ لَا
الطَّالِبِ) يَعْنِي الْكَفَالَةُ تَبْطُلُ
بِمَوْتِ الْمَكْفُولِ بِنَفْسِهِ وَبِمَوْتِ
الْكَفِيلِ وَلَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ
الْمَكْفُولِ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ
بِمَوْتِهِ بَرِئَ هُوَ بِنَفْسِهِ
وَبَرَاءَتُهُ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ ؛
لِأَنَّهُ أَصِيلٌ ، وَالْكَفِيلُ تَبَعٌ
فَإِذَا عَجَزَ عَنْ الْحُضُورِ بِالْمَوْتِ
سَقَطَ عَنْهُ فَكَذَا عَنْ التَّبَعِ لِمَا
قُلْنَا وَبَعْدَ مَوْتِ الْكَفِيلِ لَا
يَتَحَقَّقُ التَّسْلِيمُ مِنْهُ وَوَرَثَتُهُ
لَا يَقُومُونَ مَقَامَهُ ؛ لِأَنَّهُمْ
يَخْلُفُونَهُ فِيمَا لَهُ لَا فِيمَا
عَلَيْهِ وَمَالُهُ لَا يَصْلُحُ لِإِيفَاءِ
هَذَا الْحَقِّ ، وَهُوَ إحْضَارُ
الْمَكْفُولِ بِهِ بِخِلَافِ الْكَفِيلِ
بِالْمَالِ إذَا مَاتَ ؛ لِأَنَّ مَالَهُ
صَالِحٌ لَهُ وَحُكْمُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ
مُمْكِنٌ فَيُوفَى مِنْ مَالِهِ ، ثُمَّ
يَرْجِعُ إلَى الْوَرَثَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إلَى وَقْتِ الْقُدْرَةِ كَالْإِعْسَارِ
بِالدَّيْنِ ا هـ .
كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ :
فَيُؤَجَّلُ الْكَفِيلُ مُدَّةَ إلَخْ) قَالَ
الْكَمَالُ وَلَمْ يُفَصَّلْ فِي الْمَذْهَبِ
بَيْنَ الْمَسَافَةِ الْبَعِيدَةِ
وَالْقَرِيبَةِ وَلِلشَّافِعِيِّ فِيمَا إذَا
كَانَتْ مَسَافَةَ الْقَصْرِ وَجْهَانِ
أَظْهَرُهُمَا لَا يَسْقُطُ الطَّلَبُ كَمَا
فِي دُونِهَا وَالثَّانِي يَسْقُطُ إلْحَاقًا
بِالْغَيْبَةِ الْمُنْقَطِعَةِ ا هـ .
(قَوْلُهُ مُوَاعَدَةٌ) أَيْ مُوَادَعَةٌ ا هـ
وَبِهِ عَبَّرَ الْكَاكِيُّ وَقَوْلُهُ
مُوَاعَدَةٌ كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ
وَلَوْ شَرَطَ تَسْلِيمَهُ فِي مَجْلِسِ
الْقَاضِي إلَخْ) وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يَدْفَعَ
إلَيْهِ عِنْدَ الْأَمِيرِ فَدَفَعَ عِنْدَ
الْقَاضِي أَوْ عُزِلَ ذَلِكَ الْوَالِي
وَوُلِّيَ غَيْرُهُ فَدَفَعَ إلَيْهِ عِنْدَ
الثَّانِي جَازَ ا هـ .
غَايَةٌ نَقْلًا عَنْ الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ
لِإِثْبَاتِ حُقُوقِهِ) قَالَ الْكَمَالُ
وَقَوْلُهُمَا أَوْجُهُ ا هـ .
(قَوْلُهُ وَلَا يُفِيدُ فِي الْمَحْبُوسِ)
نُقِلَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى عَنْ
كَفَالَةِ الْعُيُونِ إذَا ضَمِنَ لِآخَرَ
بِنَفْسِهِ فَحُبِسَ الْمَطْلُوبُ فَأَتَى
بِهِ الَّذِي ضَمِنَهُ إلَى مَجْلِسِ
الْقَاضِي فَدَفَعَهُ قَالَ مُحَمَّدٌ لَا
يَبْرَأُ لِأَنَّهُ فِي السِّجْنِ وَإِنْ
كَانَ إنَّمَا ضَمِنَهُ بِنَفْسِهِ وَهُوَ فِي
السِّجْنِ فَدَفَعَهُ إلَيْهِ فِي السِّجْنِ
يَبْرَأُ وَإِنْ كَانَ ضَمِنَهُ فِي السِّجْنِ
ثُمَّ خُلِّيَ عَنْهُ ثُمَّ حُبِسَ ثَانِيًا
فَدَفَعَهُ إلَيْهِ قَالَ إنْ كَانَ الْحَبْسُ
الثَّانِي فِي أَمْرٍ مِنْ أُمُورِ
التِّجَارَةِ أَوْ نَحْوِهَا فَلَهُ أَنْ
يَدْفَعَ إلَيْهِ فِي الْحَبْسِ وَإِنْ كَانَ
فِي شَيْءٍ آخَرَ مِنْ أُمُورِ السُّلْطَانِ
لَا يَبْرَأُ ا هـ غَايَةٌ.
(4/149)
عَلَى
الْمَكْفُولِ لَهُ إنْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ
بِأَمْرِهِ ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُمْ
كَمَا إذَا أَدَّى هُوَ بِنَفْسِهِ حَالَ
حَيَاتِهِ ، وَإِذَا مَاتَ الطَّالِبُ
يَخْلُفُهُ وَصِيُّهُ ، أَوْ وَارِثُهُ ،
فَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ ؛ إذْ هُمْ قَائِمُونَ
مَقَامَهُ فِي اسْتِيفَائِهِ .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَرِئَ
بِدَفْعِهِ إلَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ إذَا
دَفَعْته إلَيْك فَأَنَا بَرِيءٌ) ؛ لِأَنَّ
مُوجَبَ التَّسْلِيمِ الْبَرَاءَةُ فَتَثْبُتُ
بِهِ ، وَإِنْ لَمْ يُنَصَّ عَلَيْهَا ؛ إذْ
مُوجَبُ التَّصَرُّفِ يَثْبُتُ مِنْ غَيْرِ
تَنْصِيصٍ عَلَيْهِ وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ
يَقُولَ سَلَّمْته إلَيْك بِحُكْمِ
الْكَفَالَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لَا
يَبْرَأُ ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ قَدْ يَكُونُ
بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ ، أَوْ اسْتِعَانَةٍ ،
أَوْ إجَارَةٍ ، إلَّا إذْ كَانَ بِطَلَبِهِ
فَحِينَئِذٍ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى أَنْ
يُنَصَّ عَلَيْهِ لِتَقَدُّمِ مَا يَدُلُّ
عَلَيْهِ ، وَكَذَا إذَا أَقَرَّ الطَّالِبُ
بِالْقَبْضِ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى
النَّصِّ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا
يُقِرُّ إلَّا بِاسْتِيفَاءِ حَقِّهِ وَلَوْ
سَلَّمَ الْكَفِيلُ الْمَكْفُولَ بِهِ إلَى
الطَّالِبِ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهُ يُجْبَرُ
عَلَى الْقَبُولِ وَيَنْزِلُ قَابِضًا
بِالتَّخْلِيَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ
يُجْعَلْ قَابِضًا لَتَضَرَّرَ الْكَفِيلُ
فَصَارَ كَالْغَاصِبِ يَرُدُّ الْعَيْنَ
الْمَغْصُوبَةَ أَوْ قِيمَتَهَا ،
وَكَالْمَدِينِ إذَا قَضَى الدَّيْنَ
بِخِلَافِ مَا إذَا سَلَّمَهُ غَيْرُهُ
بِغَيْرِ أَمْرِ الْكَفِيلِ حَيْثُ لَا
يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ ؛ لِأَنَّهُ
أَجْنَبِيٌّ فَصَارَ نَظِيرَ قَضَاءِ
الدَّيْنِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِتَسْلِيمِ
الْمَطْلُوبِ نَفْسَهُ مِنْ كَفَالَتِهِ
وَبِتَسْلِيمِ وَكِيلِ الْكَفِيلِ
وَرَسُولِهِ) يَعْنِي بِتَسْلِيمِ هَؤُلَاءِ
يَبْرَأُ الْكَفِيلُ ؛ لِأَنَّ الْمَكْفُولَ
بِهِ مُطَالَبٌ بِالتَّسْلِيمِ وَوَاجِبٌ
عَلَيْهِ أَنْ يُسَلِّمَ نَفْسَهُ فَإِذَا
سَلَّمَ فَقَدْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ ، فَلَا
مَعْنَى لِبَقَاءِ الْكَفَالَةِ بَعْدَ ذَلِكَ
وَوَكِيلُ الْكَفِيلِ يَقُومُ مَقَامَهُ
وَرَسُولُهُ سَفِيرٌ عَنْهُ فَيَكُونُ
فِعْلُهُمَا كَفِعْلِهِ وَشَرْطُ بَرَاءَتِهِ
أَنْ يَقُولَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ
سَلَّمْت إلَيْك بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ عَلَى
مَا بَيَّنَّا وَفِي لَفْظِ الْمُخْتَصَرِ مَا
يُشْعِرُ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ
وَبِتَسْلِيمِ الْمَطْلُوبِ نَفْسَهُ مِنْ
كَفَالَتِهِ شَرْطَ أَنْ يَكُونَ التَّسْلِيمُ
مِنْ كَفَالَتِهِ ، فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى
أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ إذَا لَمْ يَقُلْ مِنْ
كَفَالَتِهِ نُصَّ عَلَيْهِ فِي الْكَفِيلِ
وَوَكِيلِهِ وَرَسُولِهِ فِي الْمَبْسُوطِ ،
وَالْمُحِيطِ وَفِي تَسْلِيمِ الْمَكْفُولِ
بِنَفْسِهِ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَلَوْ
سَلَّمَهُ إلَيْهِ رَجُلٌ أَجْنَبِيٌّ
بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَقَالَ عِنْدَ الدَّفْعِ
سَلَّمْته إلَيْك عَنْ الْكَفِيلِ ، فَإِنْ
قَبِلَهُ الطَّالِبُ بَرِئَ الْكَفِيلُ ،
وَإِنْ سَكَتَ الطَّالِبُ وَلَمْ يَقُلْ
قَبِلْت لَمْ يَبْرَأْ الْكَفِيلُ ذَكَرَهُ
قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ قَالَ إنْ
لَمْ أُوَافِ بِهِ غَدًا فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا
عَلَيْهِ فَلَمْ يُوَافِ بِهِ ، أَوْ مَاتَ
الْمَطْلُوبُ ضَمِنَ الْمَالَ) ؛ لِأَنَّ
الْكَفَالَةَ بِالْمَالِ مُعَلَّقَةٌ بِشَرْطِ
عَدَمِ الْمُوَافَاةِ فَإِذَا وُجِدَ
الشَّرْطُ لَزِمَهُ الْمَالُ وَلَا يَبْرَأُ
عَنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ ؛ لِأَنَّهَا
كَانَتْ ثَابِتَةً قَبْلَ وُجُوبِ الْمَالِ
عَلَيْهِ ، فَلَا تَنْتَفِي بِوُجُودِهَا
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَفَلَهُمَا
جُمْلَةً فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ صَحَّتْ وَلَوْ
تَنَافَيَا لَمَا صَحَّتْ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ
الْكَفَالَةَ لِلتَّوَثُّقِ ، وَالتَّوَثُّقُ
بِالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ لَا يُنَافِي
التَّوَثُّقَ بِالْكَفَالَةِ بِالْمَالِ كَمَا
لَا يُنَافِي التَّوَثُّقَ بِكَفَالَةِ نَفْسٍ
أُخْرَى ، أَوْ بِمَالٍ آخَرَ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
الْكَفَالَتَانِ بَاطِلَتَانِ أَمَّا
الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ فَقَدْ بَيَّنَّا
قَوْلَهُ مِنْ قَبْلُ وَأَمَّا الْكَفَالَةُ
بِالْمَالِ فَلِأَنَّهَا مُعَلَّقَةٌ بِشَرْطٍ
عَلَى خَطَرٍ وَتَعْلِيقُ وُجُوبِ الْمَالِ
بِالشَّرْطِ غَيْرُ جَائِزٍ كَالْبَيْعِ
وَنَحْوِهِ ، وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ وَلَنَا
أَنَّ النَّاسَ تَعَامَلُوهُ ، وَالْقِيَاسُ
يُتْرَكُ بِالتَّعَامُلِ كَمَا فِي
الِاسْتِصْنَاعِ وَغَيْرِهِ ، وَبَابَ
الْكِفَالَة أَوْسَعُ لِكَوْنِهَا مِنْ
التَّبَرُّعَاتِ ، وَلِأَنَّ الْكَفَالَةَ
تُشْبِهُ الْبَيْعَ انْتِهَاءً مِنْ حَيْثُ
إنَّ الْكَفِيلَ يَرْجِعُ عَلَى الْأَصِيلِ
إذَا كَانَ بِأَمْرِهِ وَتُشْبِهُ النَّذْرَ
ابْتِدَاءً مِنْ حَيْثُ إنَّهُ الْتِزَامٌ
ابْتِدَاءً فَلِشَبَهِهِ بِالْبَيْعِ
يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ تَعْلِيقُهُ
بِالشَّرْطِ أَصْلًا وَبِاعْتِبَارِ النَّذْرِ
وَجَبَ أَنْ يَجُوزَ بِمُطْلَقِ الشَّرْطِ
فَقُلْنَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِشَرْطٍ
مُتَعَارَفٍ وَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِهِ عَمَلًا
بِالشَّبَهَيْنِ ، وَالتَّعْلِيقُ بِعَدَمِ
الْمُوَافَاةِ مُتَعَارَفٌ وَلَا نُسَلِّمُ
أَنَّهُ تَعْلِيقٌ لِوُجُوبِ الْمَالِ
وَإِنَّمَا هُوَ تَعْلِيقٌ لِوُجُوبِ
الْمُطَالَبَةِ فِي الصَّحِيحِ عَلَى مَا
مَرَّ مِنْ قَبْلُ فَيَصِحُّ فَإِذَا صَحَّ
تَعْلِيقُهُ بِعَدَمِ الْمُوَافَاةِ وَلَمْ
يُوَافِ بِهِ مَعَ قُدْرَتِهِ ، أَوْ
لِعَجْزِهِ بِمَوْتِهِ ، أَوْ بِجُنُونِهِ
فَقَدْ وُجِدَ الشَّرْطُ فَيَلْزَمُهُ
الْمَشْرُوطُ ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْمُوَافَاةِ
لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ .
فَإِنْ قِيلَ : شَرْطُ وُجُوبِ الْمَالِ
عَدَمُ مُوَافَاةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ الْمَكْفُولِ لَهُ) كَذَا بِخَطِّ
الشَّارِحِ وَصَوَابُهُ الْمَكْفُولِ عَنْهُ ا
هـ .
(قَوْلُهُ إذْ مُوجَبُ التَّصَرُّفِ يَثْبُتُ
مِنْ غَيْرِ تَنْصِيصٍ عَلَيْهِ) أَيْ
كَالْغَاصِبِ يَرُدُّ الْعَيْنَ
الْمَغْصُوبَةَ إلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ
يَبْرَأُ بِمُجَرَّدِ التَّسْلِيمِ مَعَ
أَنَّهُ جَانٍ وَهَذَا أَوْلَى لِأَنَّهُ لَمْ
يُوجَدْ مِنْهُ الْجِنَايَةُ وَكَثُبُوتِ
الْمِلْكِ بِالشِّرَاءِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ
بِلَا شَرْطٍ لِأَنَّهُ مُوجَبُ التَّصَرُّفِ
وَكَحِلِّ الِاسْتِمْتَاعِ يَثْبُتُ
بِمُجَرَّدِ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ فَإِنَّهُ
مُوجَبُهُ ا هـ .
غَايَةٌ (قَوْلُهُ : إذَا لَمْ يَقُلْ مِنْ
كَفَالَتِهِ) أَيْ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ
تَسْلِيمُ نَفْسِهِ فَيَكُونُ عَنْ نَفْسِهِ ا
هـ .
غَايَةٌ (قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ ، فَإِنْ
قَالَ إنْ لَمْ أُوَافِ بِهِ غَدًا إلَخْ)
وَلَوْ قَالَ إنْ وَافَيْتُك بِهِ غَدًا
فَعَلَيَّ مَا عَلَيْهِ وَوَافَاهُ بِهِ لَمْ
يَلْزَمْهُ الْمَالُ ا هـ .
صُغْرَى فِي الْوَكَالَةِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ
أَيْضًا مَا نَصُّهُ لِأَنَّ الْمُتَعَارَفَ
هُوَ تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ بِعَدَمِ
الْمُوَافَاةِ لَا تَعْلِيقُهَا
بِالْمُوَافَاةِ ا هـ .
(قَوْلُهُ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا عَلَيْهِ)
إنَّمَا قَيَّدَ بِهَذَا لِأَنَّهُ إذَا لَمْ
يَقُلْ لِمَا عَلَيْهِ بَلْ قَالَ إذَا لَمْ
يُوَافِ بِهِ إلَى وَقْتِ كَذَا فَعَلَيْهِ
كَذَا لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ عِنْدَ
مُحَمَّدٍ وَسَيَجِيءُ ا هـ .
غَايَةٌ (قَوْلُهُ : لِأَنَّ الْكَفَالَةَ
بِالْمَالِ إلَخْ) لِأَنَّهُ إذَا أَدَّى
الْمَالَ بَرِئَ عَنْ أَحَدِ الضَّمَانَيْنِ ،
فَلَا يَلْزَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَحَدِ
الضَّمَانَيْنِ الْبَرَاءَةُ مِنْ الضَّمَانِ
الْآخَرِ فَيَلْزَمُهُ إحْضَارُهُ لِعَدَمِ
الْمُنَافَاةِ بَيْنَ الضَّمَانَيْنِ لِأَنَّ
الضَّمَانَيْنِ لِلتَّوَثُّقِ فَيَجُوزُ أَنْ
يَدَّعِيَ عَلَيْهِ دَيْنًا آخَرَ ، فَلَا
جُرْمَ أَنَّهُ وَجَبَ الْإِحْضَارُ ا هـ .
غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ)
قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَنَا قَوْله
تَعَالَى {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ
وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف : 72]
وَالزَّعِيمُ الْكَفِيلُ بَيَانُهُ أَنَّ
اللَّهَ تَعَالَى عَلَّقَ الْكَفَالَةَ
بِالْمَالِ بِالشَّرْطِ وَهُوَ الْمَجِيءُ
بِالصَّاعِ فَعُلِمَ أَنَّ تَعْلِيقَ
الْكَفَالَةِ بِالشَّرْطِ صَحِيحٌ وَهَذَا
لِأَنَّ شَرِيعَةَ مَنْ قَبْلَنَا تَلْزَمُنَا
إذَا قَصَّ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ
إنْكَارٍ ا هـ .
(قَوْلُهُ : مِنْ حَيْثُ) أَيْ إنَّهَا
مُعَاوَضَةٌ انْتِهَاءً أَلَا تَرَى إلَخْ ا
هـ .
(قَوْلُهُ : وَبِاعْتِبَارِ النَّذْرِ وَجَبَ)
أَيْ إذَا قَالَ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا
فَعَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهَذِهِ
الدَّرَاهِمِ فَكَلَّمَ فُلَانًا وَجَبَ
عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا ا هـ .
بَدَائِعُ (قَوْلُهُ : وَالتَّعْلِيقُ
بِعَدَمِ الْمُوَافَاةِ مُتَعَارَفٌ) أَيْ
بَيْنَ النَّاسِ لِأَنَّهَا لِتَأْكِيدِ
الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ لِأَنَّ الْغَرَضَ
مِنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ الْوُصُولُ
إلَى الْحَقِّ وَفِي الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ
ذَلِكَ فَصَحَّ فَإِذَا صَحَّ التَّعْلِيقُ
وَوُجِدَ الشَّرْطُ يَلْزَمُ الْمَالُ ا هـ .
أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
(4/150)
مُسْتَحِقِّهِ
عَلَيْهِ وَبِمَوْتِ الْمَكْفُولِ بِهِ بَرِئَ
الْكَفِيلُ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إحْضَارُهُ
فَكَيْفَ يَلْزَمُهُ الْمَالُ بِعَدَمِ
مُوَافَاتِهِ بَعْدَ مَا بَرِئَ أَلَا تَرَى
أَنَّ الطَّالِبَ إذَا أَبْرَأَهُ عَنْ
الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَلَمْ يُحْضِرْهُ
لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْمَالُ لِفَقْدِ
شَرْطِهِ فَكَذَا هُنَا قُلْنَا الْإِبْرَاءُ
وُضِعَ لِلْفَسْخِ فَتَنْفَسِخُ بِهِ
الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ،
وَالْمَوْتُ لَمْ يُوضَعْ لِلْفَسْخِ ،
وَإِنَّمَا بَرِئَ لِعَجْزِهِ عَنْ
التَّسْلِيمِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْكَفَالَةِ ؛
لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ تَسْلِيمٌ
يَقَعُ ذَرِيعَةً إلَى الْخِصَامِ ، وَهُوَ
عَاجِزٌ عَنْهُ فَكَانَ ضَرُورِيًّا
فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا فَيَبْرَأُ عَنْ
التَّسْلِيمِ وَلَا ضَرُورَةَ إلَى
انْفِسَاخِهِ فِي حَقِّ الْكَفِيلِ بِالْمَالِ
، فَلَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فِي حَقِّهِ ،
وَإِنْ مَاتَ الْكَفِيلُ فَقَدْ ذَكَرَ قَاضِي
خَانْ فِي فَتَاوِيهِ أَنَّ وَارِثَهُ كَانَ
بِمَنْزِلَةِ الْكَفِيلِ إنْ دَفَعَهُ إلَى
الطَّالِبِ بَرِئَ ، وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْهُ
حَتَّى مَضَى الْوَقْتُ كَانَ الْمَالُ عَلَى
الْوَارِثِ يَعْنِي مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ
وَلَوْ مَاتَ الطَّالِبُ فَدَفَعَ الْكَفِيلُ
الْمَكْفُولَ بِهِ إلَى وَارِثِ الطَّالِبِ
فِي الْوَقْتِ بَرِئَ ، وَإِنْ لَمْ
يَدْفَعْهُ حَتَّى مَضَى الْوَقْتُ لَزِمَهُ
الْمَالُ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ ادَّعَى
عَلَى آخَرَ مِائَةَ دِينَارٍ فَقَالَ رَجُلٌ
إنْ لَمْ أُوَافِ بِهِ غَدًا فَعَلَيْهِ
الْمِائَةُ فَلَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا
فَعَلَيْهِ الْمِائَةُ) ، وَهَذَا عِنْدَ
أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ آخِرًا وَلَا
فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُبَيِّنَ الْمِائَةَ ،
أَوْ لَمْ يُبَيِّنْهَا بِأَنْ تَعَلَّقَ
رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ فَلَزِمَهُ فَقَالَ لِي
عَلَيْك حَقٌّ وَلَمْ يَدَّعِ عَلَيْهِ مَالًا
مُقَدَّرًا فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ آخَرُ دَعْهُ
فَأَنَا كَفِيلٌ بِنَفْسِهِ ، فَإِنْ لَمْ
أُوَافِك بِهِ غَدًا فَعَلَيَّ مِائَةُ
دِينَارٍ فَادَّعَى الْمُدَّعِي وَأَثْبَتَهَا
لَزِمَ الْكَفِيلَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ لَمْ يُبَيِّنْهَا ،
ثُمَّ ادَّعَى وَبَيَّنَهَا لَا تَلْزَمُهُ
وَلَهُ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا مَا
قَالَهُ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - ، وَهُوَ أَنَّ الْكَفِيلَ
عَلَّقَ مَالًا مُطْلَقًا بِخَطَرٍ حَيْثُ
لَمْ يَقُلْ الَّتِي لَك عَلَيْهِ فَكَانَتْ
هَذِهِ رِشْوَةً الْتَزَمَهَا الْكَفِيلُ لَهُ
عِنْدَ عَدَمِ الْمُوَافَاةِ بِهِ ، فَهَذَا
يُوجِبُ أَنْ لَا يَصِحَّ ، وَإِنْ بَيَّنَهَا
الْمُدَّعِي ؛ لِأَنَّ عَدَمَ النِّسْبَةِ
إلَيْهِ هُوَ الَّذِي ، أَوْجَبَ الْبُطْلَانَ
، وَالثَّانِي مَا قَالَهُ الْكَرْخِيُّ ،
وَهُوَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَمَّا لَمْ
يُبَيِّنْ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَاهُ فَلَمْ
يَجِبْ إحْضَارُهُ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي
فَلَمْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ
أَيْضًا لِعَدَمِ صِحَّةِ الدَّعْوَى وَلَمْ
تَصِحَّ الْكَفَالَةُ بِالْمَالِ أَيْضًا ؛
لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْكَفَالَةِ
بِالنَّفْسِ فَإِذَا بَطَلَ الْأَصْلُ بَطَلَ
الْفَرْعُ ، وَهَذَا الْوَجْهُ يُوجِبُ أَنْ
تَصِحَّ الْكَفَالَةُ إذَا بَيَّنَ الْمَالَ
عِنْدَ الدَّعْوَى وَلَهُمَا أَنَّ هَذِهِ
الْكَفَالَةَ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهَا فَتَصِحُّ
أَمَّا إذَا بَيَّنَ الْمَالَ عِنْدَ
الدَّعْوَى فَلِأَنَّ الْمَالَ ذُكِرَ
مُعَرَّفًا فَيَنْصَرِفُ إلَى مَا عَلَى
الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ
جَرَتْ بِالْإِرْسَالِ ، وَالْمُرَادُ مَا
عَلَيْهِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ
فَلِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِالْإِبْهَامِ
فِي الدَّعْوَى فِي غَيْرِ مَجْلِسِ
الْقَضَاءِ فَيُجْمِلُونَهَا إجْمَالًا وَلَا
يُبَيِّنُونَهَا إلَّا عِنْدَ الْقَاضِي
دَفْعًا لَحِيلَ الْخُصُومِ وَصَوْنًا
لِكَلَامِهِمْ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ
فَصَحَّتْ الدَّعْوَى ، وَالْمُلَازَمَةُ
عَلَى احْتِمَالِ الْبَيَانِ مِنْ جِهَتِهِ
فَإِذَا بَيَّنَ انْصَرَفَ بَيَانُهُ إلَى
ابْتِدَاءِ الدَّعْوَى فَظَهَرَ بِهِ أَنَّ
الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ قَدْ صَحَّتْ
فَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِالْمَالِ أَيْضًا ؛
لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَيْهَا وَلِأَنَّهُ
لَوْ جُعِلَ الْتِزَامًا لِمَا عَلَيْهِ
تَصِحُّ ، وَإِلَّا فَلَا فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ
تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِ وَلَوْ كَفَلَ
رَجُلٌ بِنَفْسِ رَجُلٍ عَلَى أَنَّهُ إنْ
لَمْ يُوَافِ بِهِ يَوْمَ كَذَا فَعَلَيْهِ
مَا لِلطَّالِبِ عَلَى فُلَانٍ آخَرَ جَازَ
ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا ، وَهُوَ قَوْلُ
مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي
الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي
يُوسُفَ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ وَفِي
الْمُحِيطِ جَعَلَ الْخِلَافَ بِالْعَكْسِ
وَجَعَلَ أَبَا حَنِيفَةَ مَعَ أَبِي يُوسُفَ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُجْبَرُ
عَلَى الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ فِي حَدٍّ
وَقَوَدٍ) ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا يُجْبَرُ فِي
حَدِّ الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ وَفِي
غَيْرِهِمَا مِنْ الْحُدُودِ لَا يُجْبَرُ
وَلَوْ سَمَحَتْ بِهِ نَفْسُهُ مِنْ غَيْرِ
طَلَبٍ يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ لَهُمَا أَنَّ
الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ : وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ
يُبَيِّنَ الْمِائَةَ أَوْ لَمْ يُبَيِّنْهَا)
قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ
الْهِدَايَةِ مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ رَجُلٌ
قَدَّمَ رَجُلًا إلَى الْقَاضِي وَادَّعَى
عَلَيْهِ مِائَةَ دِينَارٍ وَبَيَّنَهَا
بِأَنْ قَالَ رُكْنِيَّةٌ أَوْ
نَيْسَابُورِيَّةٌ أَوْ لَمْ يُبَيِّنْهَا
بِأَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ مِائَةً وَلَمْ
يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ أَوْ ادَّعَى حَقًّا
مُطْلَقًا أَوْ مَالًا مُطْلَقًا وَفِي
جَامِعِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَمَنْ ادَّعَى
عَلَى آخَرَ مِائَةَ دِينَارٍ وَبَيَّنَهَا
أَوْ لَمْ يُبَيِّنْهَا أَيْ وَبَيَّنَ
مِقْدَارَ الْمُدَّعَى بِهِ أَوْ لَمْ
يُبَيِّنْ مِقْدَارَ الْمُدَّعِي بِهِ ،
وَكَذَا فِي جَامِعِ قَاضِي خَانْ ا هـ .
(قَوْلُهُ بِخَطَرٍ) هُوَ عَدَمُ
الْمُوَافَاةِ ا هـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ : عِنْدَ
عَدَمِ الْمُوَافَاةِ بِهِ) وَهَذَا الْوَجْهُ
لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ
بِالنَّفْسِ ا هـ .
كَمَالٌ.
(قَوْلُهُ : وَفِي غَيْرِهِمَا مِنْ
الْحُدُودِ لَا يُجْبَرُ) ذَكَرَ الشَّيْخُ
الْإِمَامُ عَلَاءُ الدِّينِ
الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ
الْكَفَالَةِ مِنْ شَرْحِ كِتَابِ الْكَافِي
أَنَّ الْكَفَالَةَ بِنَفْسِ مَنْ عَلَيْهِ
حَدُّ الْقَذْفِ وَحَدُّ السَّرِقَةِ وَمَنْ
عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ وَمَا
دُونَ النَّفْسِ تَصِحُّ إنَّمَا الْخِلَافُ
فِي الْجَبْرِ عَلَى إعْطَاءِ الْكَفِيلِ فِي
الْحُدُودِ لَا يُجْبَرُ بِالْإِجْمَاعِ وَفِي
الْقِصَاصِ لَا يُجْبَرُ عِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ وَعِنْدَ صَاحِبَيْهِ يُجْبَرُ
وَقَالَ فِي الشَّامِلِ فِي قِسْمِ
الْمَبْسُوطِ وَفِي الْقِصَاصِ وَحَدِّ
الْقَذْفِ وَالسَّرِقَةِ جَازَتْ الْكَفَالَةُ
بِالنَّفْسِ وَلَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ
بِنَفْسِ الْحَدِّ وَقَالَ فِي الشَّامِلِ
أَيْضًا فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْكَفَالَةِ
مِنْ قِسْمِ الْمَبْسُوطِ لَا تَجُوزُ
كَفَالَةٌ فِي قِصَاصٍ وَحَدٍّ وَيَقُولُ
الْقَاضِي لِمُدَّعِي الْقَذْفِ الْزَمْهُ
إلَى قِيَامِي إنْ كَانَتْ بَيِّنَتُك
حَاضِرَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
وَعِنْدَهُمَا يَأْخُذُ كَفِيلًا ثَلَاثَةَ
أَيَّامٍ ثُمَّ قَالَ وَالْخِلَافُ فِي أَمْرِ
الْقَاضِي بِإِعْطَائِهِ لَا فِي الصِّحَّةِ
فَإِنَّهُ لَوْ كَفَلَ إنْسَانٌ صَحَّ
وَذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ أَنَّ
الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ فِي الْحُدُودِ
وَالْقِصَاصِ جَائِزَةٌ فِي قَوْلِهِمْ إذَا
بَذَلَهَا الْمَطْلُوبُ بِنَفْسِهِ ، وَلَكِنْ
هَلْ لِلْقَاضِي أَنْ يَأْمُرَهُ بِالْكَفِيلِ
إذَا طَلَبَ الْخَصْمُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ
لَا يَأْخُذُ الْقَاضِي مِنْهُ كَفِيلًا ،
وَلَكِنْ يَحْبِسُهُ حَتَّى تُقَامَ عَلَيْهِ
الْبَيِّنَةُ أَوْ يَسْتَوْفِيَ كَذَا ذُكِرَ
فِي التُّحْفَةِ ثُمَّ لَا يَحْبِسُهُ
الْقَاضِي حَتَّى يَشْهَدَ شَاهِدَانِ
مَسْتُورَانِ أَوْ شَاهِدٌ عَدْلٌ يَعْرِفُهُ
الْقَاضِي فَيَشْهَدُ أَنَّهُ زَنَى أَوْ
قَتَلَ فَيَحْبِسُهُ الْقَاضِي حِينَئِذٍ
لِثُبُوتِ التُّهْمَةِ بِأَحَدِ شَطْرَيْ
الشَّهَادَةِ مِنْ الْعَدَدِ وَالْعَدَالَةِ
حَتَّى يَشْهَدَ عَلَيْهِ الشُّهُودُ
الْعُدُولُ ا هـ .
غَايَةٌ (قَوْلُهُ : وَلَوْ سَمَحَتْ) أَيْ
لَوْ تَبَرَّعَ بِإِعْطَاءِ الْكَفِيلِ
وَسَامَحَ فِي ذَلِكَ نَفْسُ الْمَطْلُوبِ
وَبَذَلَ الْكَفِيلُ بِنَفْسِهِ فِي
الْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ وَالسَّرِقَةِ
صَحَّتْ الْكَفَالَةُ بِالْإِجْمَاعِ
لِأَنَّهُ الْتَزَمَ تَسْلِيمَ النَّفْسِ
وَتَسْلِيمُ النَّفْسِ وَاجِبٌ ا هـ .
غَايَةٌ
(4/151)
شُرِعَتْ
لِتَسْلِيمِ النَّفْسِ وَتَسْلِيمُ النَّفْسِ
وَاجِبٌ عَلَى الْأَصِيلِ هُنَا فَصَحَّتْ
الْكَفَالَةُ بِهِ كَمَا فِي دَعْوَى الْمَالِ
بِخِلَافِ الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ ؛
لِأَنَّهَا مَحْضُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ،
وَالْكَفَالَةُ شُرِعَتْ وَثِيقَةً لِصَاحِبِ
الْحَقِّ كَيْ لَا يَفُوتَ حَقُّهُ ،
وَاَللَّهُ تَعَالَى غَنِيٌّ عَنْهُ
وَبِخِلَافِ نَفْسِ الْحَدِّ وَالْقِصَاصِ
حَيْثُ لَا يَجُوزُ بِهِ إجْمَاعًا ؛
لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ
الْكَفِيلِ فَلَا يُشْرَعُ وَلَهُ قَوْلُهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا
كَفَالَةَ فِي حَدٍّ مُطْلَقًا» وَلِأَنَّ
الْكَفَالَةَ لِلِاسْتِيثَاقِ وَمَبْنَاهُمَا
عَلَى الدَّرْءِ فَالْإِجْبَارُ عَلَى
إعْطَاءِ الْكَفِيلِ فِيهِمَا يُفْضِي إلَى
فَسَادِ الْوَضْعِ بِخِلَافِ سَائِرِ
الْحُقُوقِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَسْقُطُ
بِالشُّبُهَاتِ وَلَوْ أَعْطَى بِنَفْسِهِ
الْكَفِيلَ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ فِيهِمَا جَازَ
بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ النَّفْسِ
مُسْتَحَقٌّ عَلَى الْأَصِيلِ فَتَصِحُّ
الْكَفَالَةُ بِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنْ
الْحُدُودِ . وَأَلْحَقَ
التُّمُرْتَاشِيُّ حَدَّ السَّرِقَةِ بِهِمَا
فِي حَقِّ جَوَازِ التَّكْفِيلِ بِنَفْسِ مَنْ
عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ وَفِي الْإِجْبَارِ
عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا وَأَنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ
مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى شَرْطٌ فِيهِ
كَمَا هُوَ شَرْطٌ فِيهِمَا ، وَالْمُدَّعِي
يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ
شُهُودِهِ وَمَطْلُوبِهِ فَرُبَّمَا يُخْفِي
الْمَطْلُوبُ نَفْسَهُ فَيَسْتَوْثِقُ
بِكَفِيلٍ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْحُدُودِ
؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى لَيْسَ بِشَرْطٍ فِيهَا
وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ حُضُورُ مَجْلِسِ
الْحَاكِمِ بِسَبَبِ الدَّعْوَى ؛ إذْ لَا
يُسْمَعُ دَعْوَى أَحَدٍ فِيهَا ، فَلَا
تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِهَا أَصْلًا وَإِنْ
طَابَتْ بِهَا نَفْسُهُ وَسَمَحَتْ فَإِذَا
لَمْ يَكْفُلْ عِنْدَهُ يُلَازِمُهُ إلَى أَنْ
يَقُومَ الْقَاضِي مِنْ مَجْلِسِهِ ، فَإِنْ
أَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَبِهَا ، وَإِلَّا
خَلَّى سَبِيلَهُ وَلَيْسَ تَفْسِيرُ
الْجَبْرِ عِنْدَهُمَا هُنَا أَنْ يُجْبَرَ
بِالْحَبْسِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُقُوبَةِ
لَكِنْ يَأْمُرُهُ بِالْمُلَازَمَةِ وَيَدُورُ
مَعَهُ حَيْثُ دَارَ ، وَإِذَا أَرَادَ
دُخُولَ دَارِهِ اسْتَأْذَنَهُ ، فَإِنْ
أَذِنَ لَهُ دَخَلَ مَعَهُ ، وَإِنْ لَمْ
يَأْذَنْ لَهُ مَنَعَهُ مِنْ الدُّخُولِ
وَأَجْلَسَهُ فِي بَابِ الدَّارِ كَيْ لَا
يَغِيبَ بِالْخُرُوجِ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُحْبَسُ
فِيهِمَا حَتَّى يَشْهَدَ شَاهِدَانِ
مَسْتُورَانِ ، أَوْ عَدْلٌ) أَيْ لَا
يُحْبَسُ فِي الْحُدُودِ ، وَالْقِصَاصِ
حَتَّى يَشْهَدَ شَاهِدَانِ مَسْتُورَانِ ،
أَوْ وَاحِدٌ عَدْلٌ يَعْرِفُهُ الْقَاضِي
بِالْعَدَالَةِ ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ هُنَا
لِتُهْمَةِ الْفَسَادِ وَشَهَادَةُ
الْمَسْتُورَيْنِ تَصْلُحُ لِلْحُكْمِ بِهِ
فَتَصْلُحُ لِإِثْبَاتِ التُّهْمَةِ وَخَبَرُ
الْوَاحِدِ حُجَّةٌ فِي الدِّيَانَاتِ ،
وَالْمُعَامَلَاتِ فَيَثْبُتُ بِشَهَادَةِ
الْعَدْلِ التُّهْمَةُ ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ
بِهِ أَصْلُ الْحَقِّ ، وَالْحَبْسُ
بِتُهْمَةِ الْفَسَادِ مَشْرُوعٌ ؛ لِأَنَّهُ
- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «حَبَسَ
رَجُلًا بِتُهْمَةٍ» بِخِلَافِ دَعْوَى
الْأَمْوَالِ حَيْثُ لَا يُحْبَسُ فِيهِ مَا
لَمْ يَثْبُتْ ؛ لِأَنَّهُ نِهَايَةُ
الْعُقُوبَةِ فِيهِ ، فَلَا يَثْبُتُ إلَّا
بِحُجَّةٍ تَامَّةٍ كَالْحَدِّ نَفْسِهِ
وَعَنْهُمَا أَنَّهُ لَا يُحْبَسُ فِي
الْحُدُودِ ، وَالْقِصَاصِ أَيْضًا لِحُصُولِ
الْمَقْصُودِ ، وَهُوَ الِاسْتِيثَاقُ
بِالْكَفَالَةِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِالْمَالِ
وَلَوْ مَجْهُولًا إذَا كَانَ دَيْنًا
صَحِيحًا بِكَفَلْتُ عَنْهُ بِأَلْفٍ
وَبِمَالِك عَلَيْهِ وَبِمَا يُدْرِكُك فِي
هَذَا الْبَيْعِ وَمَا بَايَعْت فُلَانًا
فَعَلَيَّ وَمَا ذَابَ لَك عَلَيْهِ فَعَلَيَّ
وَمَا غَصَبَك فُلَانٌ فَعَلَيَّ) أَيْ
تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِالْمَالِ وَلَوْ كَانَ
الْمَكْفُولُ بِهِ مَجْهُولًا بِقَوْلِهِ
كَفَلْت ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ مَشْرُوعَةٌ
فِيهِ عَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ ، وَهِيَ
مَبْنِيَّةٌ عَلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ : وَلَهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا كَفَالَةَ فِي
حَدٍّ مُطْلَقًا» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ
حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ا هـ .
وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فِي حَدٍّ مُطْلَقًا
يَعْنِي لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ حَدٍّ فِيهِ
حَقُّ الْعَبْدِ وَبَيْنَ حَدٍّ هُوَ خَالِصُ
حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ، فَلَا تَجُوزُ
الْكَفَالَةُ فِي جَمِيعِ الْحُدُودِ وَهَذَا
مِنْ كَلَامِ شُرَيْحٍ لَا مِنْ كَلَامِ
النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ فِي
أَدَبِ الْقَاضِي عَنْ شُرَيْحٍ وَقَالَ
الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي شَرْحِ أَدَبِ
الْقَاضِي رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مَرْفُوعًا
إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَلَنَا فِي رَفْعِهِ نَظَرٌ ا هـ
.
غَايَةٌ (قَوْلُهُ : وَمَبْنَاهُمَا) أَيْ
حَدُّ الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ ا هـ .
(قَوْلُهُ بِنَفْسِ مَنْ عَلَيْهِ) أَيْ إذَا
سَمَحَتْ بِهِ نَفْسُهُ ا هـ .
(قَوْلُهُ : فَإِذَا لَمْ يَكْفُلْ عِنْدَهُ)
أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ا هـ (قَوْلُهُ :
لَكِنْ يَأْمُرُهُ بِالْمُلَازَمَةِ إلَخْ)
لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمُلَازَمَةِ الْمَنْعُ
مِنْ الذَّهَابِ لِأَنَّهُ حَبْسٌ لَكِنْ
يَذْهَبُ الطَّالِبُ مَعَ الْمَطْلُوبِ
فَيَدُورُ مَعَهُ أَيْنَمَا دَارَ كَيْ لَا
يَتَغَيَّبَ ا هـ .
(قَوْلُهُ بِخِلَافِ دَعْوَى الْأَمْوَالِ
حَيْثُ لَا يُحْبَسُ إلَخْ) وَالْحَبْسُ
بِالتُّهْمَةِ ذَكَرُوهُ أَيْضًا فِي أَوَّلِ
بَابِ الْحُدُودِ قَالَ الْكَمَالُ فِي بَابِ
الْحُدُودِ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَقَدْ حَبَسَ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - رَجُلًا بِالتُّهْمَةِ فَأَخْرَجَ
أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ
وَالنَّسَائِيُّ عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ
عَنْ جَدِّهِ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ
«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَبَسَ رَجُلًا فِي
تُهْمَةٍ» زَادَ التِّرْمِذِيُّ
وَالنَّسَائِيُّ ثُمَّ خَلَّى سَبِيلَهُ
وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ
الْحَاكِمُ وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي
مُصَنَّفِهِ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ
«أَقْبَلَ رَجُلَانِ مِنْ بَنِي غِفَارٍ
حَتَّى نَزَلَا بضجعان مِنْ مِيَاهِ
الْمَدِينَةِ وَعِنْدَهَا نَاسٌ مِنْ
غَطَفَانَ مَعَهُمْ ظَهْرٌ لَهُمْ فَأَصْبَحَ
الْغَطَفَانِيُّونَ وَقَدْ فَقَدُوا
بَعِيرَيْنِ مِنْ إبِلِهِمْ فَاتَّهَمُوا
الْغِفَارِيَّيْنِ فَأَتَوْا بِهِمَا إلَى
رَسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- فَحَبَسَ أَحَدَ الْغِفَارِيَّيْنِ وَقَالَ
لِلْآخَرِ اذْهَبْ فَالْتَمِسْ فَلَمْ يَكُ
إلَّا يَسِيرٌ حَتَّى جَاءَ بِهِمَا فَقَالَ
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - لِأَحَدِ الْغِفَارِيَّيْنِ
اسْتَغْفِرْ لِي فَقَالَ غَفَرَ اللَّهُ لَك
يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ، وَلَك وَقَتَلَك
فِي سَبِيلِهِ قَالَ فَقُتِلَ يَوْمَ
الْقَيِّمَةِ» ا هـ .
مَا قَالَ الْكَمَالُ (فَرْعٌ يُحْفَظُ)
الْكَفِيلُ بِأَمْرِ الْأَصِيلِ إذَا أَدَّى
الْمَالَ إلَى الدَّائِنِ بَعْدَ مَا أَدَّى
الْأَصِيلُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ لَا يَرْجِعُ
عَلَى الْأَصِيلِ لِأَنَّهُ شَيْءٌ حُكْمِيٌّ
، فَلَا يَفْتَرِقُ فِيهِ الْعِلْمُ
وَالْجَهْلُ كَعَزْلِ الْوَكِيلِ ضِمْنًا
قَالَهُ فِي الْقُنْيَةِ قَبْلَ بَابِ
الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ ا هـ .
(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ نِهَايَةُ الْعُقُوبَةِ
فِيهِ) وَفِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ أَقْصَى
الْعُقُوبَةِ الْقَتْلُ وَالْقَطْعُ
وَالضَّرْبُ فَجَازَ الْحَبْسُ قَبْلَ ثُبُوتِ
الْقِصَاصِ وَالْحُدُودِ ا هـ . غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ الْمَكْفُولُ بِهِ
إلَخْ) وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِذِكْرِ
الْمَكْفُولِ لَهُ وَالْمَكْفُولِ عَنْهُ
لِأَنَّهُ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مَجْهُولًا
لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ أَلَا تَرَى إلَى
مَا قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ
قَالَ لِرَجُلٍ مَا ذَابَ لَك عَلَى أَحَدٍ
مِنْ النَّاسِ فَهُوَ عَلَيَّ فَإِنَّهُ لَا
يَصِحُّ لِجَهَالَةِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ ،
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ مَا ذَابَ عَلَيْك
لِأَحَدٍ مِنْ النَّاسِ فَهُوَ عَلَيَّ
فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ لِجَهَالَةِ
الْمَضْمُونِ لَهُ ا هـ .
أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ
قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ وَلَوْ قَالَ
لِرَجُلٍ مَا بَايَعْت فُلَانًا فَهُوَ
عَلَيَّ جَازَ ذَلِكَ وَلَزِمَهُ كُلُّهُ
قَلِيلًا بَايَعَهُ أَوْ كَثِيرًا مَرَّةً
أَوْ مِرَارًا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذِهِ
الْكَفَالَةِ إلَّا جَهَالَةُ الْمَكْفُولِ
بِهِ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا بَايَعَ
وَهِيَ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ
بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ
وَالْمَكْفُولُ لَهُ مَعْلُومًا ا هـ .
(4/152)
التَّوَسُّعِ
فَيُتَحَمَّلُ فِيهَا الْجَهَالَةُ
الْيَسِيرَةُ وَغَيْرُهَا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ
مُتَعَارَفًا وَعَلَى الْكَفَالَةِ
بِالدَّرَكِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ مَعَ
أَنَّهُ لَا يُعْلَمُ كَمْ قَدْرُ مَا
يَسْتَحِقُّ مِنْ الْبَيْعِ وَكَفَى بِهِ
حُجَّةً وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا
صَحِيحًا كَمَا ذُكِرَ ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ
يَكُنْ الدَّيْنُ صَحِيحًا كَبَدَلِ
الْكِتَابَةِ لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِهِ
وَتَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِالشَّجَّةِ وَقَطْعِ
الْأَطْرَافِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُوجَبُهُ
الْقِصَاصَ ؛ لِأَنَّ الْأَرْشَ دَيْنٌ
صَحِيحٌ لَا يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ بِخِلَافِ
بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ
بِدَيْنٍ صَحِيحٍ أَلَا تَرَى أَنَّ
الْمُكَاتَبَ يَمْلِكُ إسْقَاطَهُ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَطَالَبَ
الْكَفِيلَ ، أَوْ الْمَدْيُونَ إلَّا إذَا
شَرَطَ الْبَرَاءَةَ فَحِينَئِذٍ تَكُونُ
حَوَالَةً كَمَا أَنَّ الْحَوَالَةَ بِشَرْطِ
أَنْ لَا يَبْرَأَ بِهَا الْمُحِيلُ
كَفَالَةٌ) أَيْ الطَّالِبُ يُخَيَّرُ إنْ
شَاءَ طَالَبَ الْكَفِيلَ ، وَإِنْ شَاءَ
طَالَبَ الْأَصِيلَ ، وَكَذَا لَهُ أَنْ
يُطَالِبَهُمَا مَعًا ؛ لِأَنَّهُ مُوجَبُ
الْكَفَالَةِ ؛ إذْ هِيَ تُنْبِئُ عَنْ
الضَّمِّ وَذَلِكَ يَقْتَضِي بَقَاءَ
الْأَوَّلِ لَا الْبَرَاءَةَ إلَّا إذَا
شَرَطَ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ فَحِينَئِذٍ
تَكُونُ حَوَالَةً ، فَلَا يُطَالِبُ
الْأَصِيلَ كَمَا إذَا أَحَالَ بِشَرْطِ أَنْ
لَا يَبْرَأَ الْمُحِيلُ فَلَهُ أَنْ
يُطَالِبَهُ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْعِبْرَةَ
لِلْمَعَانِي لَا لِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ قَالَ
- رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ طَالَبَ
أَحَدَهُمَا لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْآخَرَ)
لِمَا ذَكَرْنَا بِخِلَافِ الْمَغْصُوبِ
مِنْهُ إذَا اخْتَارَ أَحَدَ الْغَاصِبَيْنِ ؛
لِأَنَّ اخْتِيَارَهُ أَحَدَهُمَا يَتَضَمَّنُ
التَّمْلِيكَ مِنْهُ عِنْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي
بِهِ ، فَلَا يُمْكِنُهُ التَّمْلِيكُ مِنْ
الْآخَرِ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَمَّا
الْمُطَالَبَةُ بِالْكَفَالَةِ لَا
تَقْتَضِيهِ مَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ
حَقِيقَةُ الِاسْتِيفَاءِ .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَصِحُّ
تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ بِشَرْطٍ مُلَائِمٍ
كَشَرْطِ وُجُوبِ الْحَقِّ كَأَنْ اسْتَحَقَّ
الْمَبِيعَ ، أَوْ لِإِمْكَانِ الِاسْتِيفَاءِ
كَأَنْ قَدِمَ زَيْدٌ ، وَهُوَ مَكْفُولٌ
عَنْهُ ، أَوْ لِتَعَذُّرِهِ كَأَنْ غَابَ
عَنْ الْمِصْرِ) أَيْ يَجُوزُ تَعْلِيقُ
الْكَفَالَةِ بِشُرُوطٍ مُلَائِمَةٍ لَا
بِمُطْلَقِ الشَّرْطِ ، وَالْمُلَاءَمَةُ
تَثْبُتُ بِكَوْنِ الشَّرْطِ سَبَبًا
لِوُجُوبِهِ كَقَوْلِهِ إنْ اُسْتُحِقَّ
الْمَبِيعُ فَعَلَيَّ الثَّمَنُ ، أَوْ
بِكَوْنِهِ مُمَكِّنًا مِنْ الِاسْتِيفَاءِ
كَقَوْلِهِ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ فَعَلَيَّ مَا
عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ ، أَوْ بِكَوْنِهِ
سَبَبًا لِتَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ مِنْهُ
كَقَوْلِهِ إنْ غَابَ زَيْدٌ فَعَلَيَّ مَا
عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ ، فَهَذِهِ جُمْلَةُ
الشُّرُوطِ الَّتِي يَجُوزُ تَعْلِيقُ
الْكَفَالَةِ بِهَا ، وَالْأَصْلُ فِيهِ
قَوْله تَعَالَى {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ
بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف : 72]
فَوَجْهُ التَّمَسُّكِ بِالْآيَةِ أَنَّهُ
عَلَّقَ الْكَفَالَةَ بِالشَّرْطِ وَذَلِكَ
الشَّرْطُ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْحَمْلِ عَلَى
الْمَجِيءِ بِالصَّاعِ وَشَرِيعَةُ مَنْ
قَبْلَنَا شَرِيعَةٌ لَنَا مَا لَمْ تُنْسَخْ
.
وَلَا يُقَالُ الْكَفِيلُ مَنْ يَكُونُ
ضَامِنًا عَنْ غَيْرِهِ ، وَهَذَا الْكَفِيلُ
ضَامِنٌ عَنْ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ
الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ ؛
لِأَنَّا نَقُولُ أَمْكَنَ حَمْلُ الْآيَةِ
عَلَى الْكَفَالَةِ بِأَنْ يَكُونَ رَسُولًا
مِنْ جِهَةِ الْمَلِكِ ، وَالرَّسُولُ سَفِيرٌ
، فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ
كَأَنَّهُ يَقُولُ إنَّ الْمَلِكَ قَالَ
لِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ ، ثُمَّ
يَقُولُ هُوَ مِنْ جِهَتِهِ وَأَنَا بِذَلِكَ
الْحِمْلِ الَّذِي عَلَى الْمَلِكِ كَفِيلٌ
وَلَا يُقَالُ إنَّ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى
أَنَّ الْكَفَالَةَ لِلْمَجْهُولِ جَائِزَةٌ
وَأَنْتُمْ لَا تَقُولُونَ بِهِ فَلَمْ تَبْقَ
لَكُمْ حُجَّةٌ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ جَازَ أَنْ
تُنْسَخَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَتَبْقَى
مَعْمُولًا بِهَا مِنْ جِهَةِ التَّعْلِيقِ
لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى أَنَّ ضَمَانَ
الدَّرَكِ جَائِزٌ وَلَوْ كَانَ مَنْسُوخًا
لَمَا جَازَ ، ثُمَّ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ
الْجَهَالَةَ فِي الْمَالِ الْمَكْفُولِ بِهِ
لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ كَقَوْلِهِ
مَا غَصَبَك فُلَانٌ فَعَلَيَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِدَيْنٍ صَحِيحٍ)
أَيْ لِأَنَّ الدَّيْنَ الصَّحِيحَ لَا
يَسْقُطُ إلَّا بِالْأَدَاءِ أَوْ
الْإِبْرَاءِ ا هـ . غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَطَلَبَ) كَذَا
بِخَطِّ الشَّارِحِ وَعِبَارَةُ الْمَتْنِ
وَطَالَبَ ا هـ .
(قَوْلُهُ : بِشَرْطِ أَنْ لَا يَبْرَأَ بِهَا
الْمُحِيلُ كَفَالَةً) قَالَ قَاضِي خَانْ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - رَجُلٌ لَهُ عَلَى رَجُلٍ
مَالٌ فَقَالَ الطَّالِبُ لِلْمَطْلُوبِ
أَحِلْنِي بِمَا لِي عَلَيْك عَلَى فُلَانٍ
عَلَى أَنَّك ضَامِنٌ لِذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ
وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمَالَ مِنْ
أَيِّهِمَا شَاءَ لِأَنَّهُ لَمَّا شَرَطَ
الضَّمَانَ عَلَى الْمُحِيلِ فَقَدْ جَعَلَ
الْحَوَالَةَ كَفَالَةً لِأَنَّ الْحَوَالَةَ
بِشَرْطِ عَدَمِ بَرَاءَةِ الْمُحِيلِ
كَفَالَةٌ ا هـ .
وَمِنْ هَذَا يُعْلَمُ حُكْمُ مَا يَقَعُ فِي
زَمَانِنَا مِنْ قَوْلِ رَبِّ الدَّيْنِ
لِلْمَدِينِ أَحِلْنِي عَلَى فُلَانٍ
وَاضْمَنْ لِي صِحَّةَ الْحَوَالَةِ ا هـ .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَصِحُّ تَعْلِيقُ
الْكَفَالَةِ بِشَرْطٍ مُلَائِمٍ) ثُمَّ قَالَ
فِي الْقُنْيَةِ فِي بَابِ تَعْلِيقِ
الْكَفَالَةِ بَعْدَ أَنْ رَقَمَ لِصَاحِبِ
الْمُحِيطِ وَقَالَ تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ
بِشَرْطٍ مُتَعَارَفٍ صَحِيحٌ وَبِغَيْرِهِ
لَا يَصِحُّ وَأَطْلَقَ الْقُدُورِيُّ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مُخْتَصَرِهِ
وَيَجُوزُ تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ
بِالشُّرُوطِ قَالَ الْأَقْطَعُ فِي شَرْحِهِ
إذَا كَانَ الشَّرْطُ لِوُجُوبِ الْحَقِّ أَوْ
لِإِمْكَانِ الِاسْتِيفَاءِ جَازَ
تَعْلِيقُهَا بِهِ كَقَوْلِهِ إذَا
اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ أَوْ قَدِمَ زَيْدٌ
لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ لِلْوُجُوبِ
وَقُدُومَ زَيْدٍ قَدْ يَسْهُلُ بِهِ
الْأَدَاءُ بِأَنْ يَكُونَ مَكْفُولًا عَنْهُ
أَوْ مُضَارِبَهُ وَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ
بِخِلَافِ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ كَقَوْلِهِ إنْ
هَبَّتْ الرِّيحُ أَوْ جَاءَ الْمَطَرُ ثُمَّ
رَقَمَ لِشَرْحِ أَبِي ذَرٍّ إنَّمَا يَجُوزُ
تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ بِسَبَبِ وُجُوبِ
الْحَقِّ فَأَمَّا دُخُولُ الدَّارِ وَقُدُومُ
زَيْدٍ لَيْسَ مِنْ أَسْبَابِ الْحَقِّ ،
فَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُ الضَّمَانِ بِهِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَّا أَنَّ
الْأَصَحَّ مَا ذَكَرَهُ أَبُو نَصْرٍ أَنَّهُ
يَصِحُّ بِقُدُومِ زَيْدٍ وَقَدْ نُصَّ
عَلَيْهِ فِي تُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ ا هـ .
(قَوْلُهُ : كَشَرْطِ) هَذَا هُوَ الثَّابِتُ
فِي نُسَخِ الْمَتْنِ وَفِي خَطِّ الشَّارِحِ
كَشُرُوطِ ا هـ .
(قَوْلُهُ كَأَنْ قَدِمَ زَيْدٌ إلَخْ)
لِأَنَّ قُدُومَ الْمَكْفُولِ عَنْهُ سَبَبٌ
لِلْوُصُولِ إلَى الْأَدَاءِ ا هـ .
(قَوْلُهُ : كَقَوْلِهِ مَا غَصَبَك فُلَانٌ
فَعَلَيَّ) وَقَالَ فِي الْأَجْنَاسِ أَيْضًا
وَلَوْ قَالَ مَا قُضِيَ لَك بِهِ عَلَى
فُلَانٍ فَعَلَيَّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ
الْكَفِيلَ مَا أَقَرَّ بِهِ الْمَطْلُوبُ
حَتَّى يُقْضَى بِهِ عَلَيْهِ وَلَوْ مَاتَ
الْمَطْلُوبُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى عَلَيْهِ
فَخَاصَمَ الطَّالِبُ وَرَثَتَهُ أَوْ
وَصِيَّهُ فَقُضِيَ لَهُ عَلَيْهِمْ بِحَقٍّ
لَزِمَ الْكَفِيلَ وَلَوْ مَاتَ الْكَفِيلُ
لَحِقَهُ فِي تَرِكَتِهِ ذَكَرَهُ فِي
تَرِكَةِ الْأَصْلِ وَفِي نَوَادِرِ هِشَامٍ
عَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ قَالَ لِآخَرَ مَا
غَصَبَك فُلَانٌ أَوْ مَا سَرَقَك فَإِنِّي
لَهُ ضَامِنٌ جَازَ ذَلِكَ الضَّمَانُ وَلَوْ
قَالَ مَا غَصَبَك أَهْلُ هَذِهِ الدَّارِ
فَأَنَا لَهُ ضَامِنٌ فَهُوَ بَاطِلٌ حَتَّى
يُسَمِّيَ إنْسَانًا بِعَيْنِهِ لِأَنَّ
تَقْدِيرَهُ ضَمِنْت لَك مَا يَجِبُ عَلَى
وَاحِدٍ مِنْ النَّاسِ وَلَوْ صَرَّحَ
بِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ وَلَا كَذَلِكَ إذَا
سَمَّى إنْسَانًا بِعَيْنِهِ لِأَنَّهُ لَوْ
صَرَّحَ فَقَالَ مَا يَجِبُ لَك عَلَى فُلَانٍ
فَهُوَ عَلَيَّ جَازَ وَعَلَى هَذَا
الْمَعْنَى ذَكَرَ فِي كَفَالَةِ الْأَصْلِ
لَوْ قَالَ مَنْ بَايَعَ فُلَانًا الْيَوْمَ
مِنْ بَيْعٍ فَعَلَيَّ فَبَايَعَهُ غَيْرُ
وَاحِدٍ لَمْ يَلْزَمْ الْكَفِيلَ شَيْءٌ
لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ ضَمِنْت لِوَاحِدٍ مِنْ
النَّاسِ فَلَمْ يَصِحَّ وَلَوْ قَالَ
لِقَوْمٍ حَاضِرِينَ مَا بَايَعْتُمُوهُ بِهِ
مِنْ شَيْءٍ فَعَلَيَّ جَازَ لِأَنَّهُ قَدْ
ضَمِنَ لِمُعَيَّنِينَ وَلَوْ قَالَ إنْ لَمْ
يُعْطِك فُلَانٌ مَالَك فَأَنَا ضَامِنٌ لَهُ
لَمْ يَلْزَمْ الضَّامِنَ شَيْءٌ حَتَّى
يَتَقَاضَاهُ الطَّالِبُ فَيَقُولُ لَا
أُعْطِيك وَلَوْ مَاتَ الْمَطْلُوبُ قَبْلَ
التَّقَاضِي فَقَالَ وَارِثُهُ أُعْطِيك
(4/153)
وَجَهَالَةُ
الْمَكْفُولِ لَهُ ، أَوْ الْمَكْفُولِ عَنْهُ
تَمْنَعُ حَتَّى لَوْ قَالَ مَنْ غَصَبَك مِنْ
النَّاسِ ، أَوْ بَايَعَك ، أَوْ قَتَلَك
فَأَنَا كَفِيلٌ لَك عَنْهُ ، أَوْ قَالَ مَنْ
غَصَبْته أَنْتَ أَوْ قَتَلْته فَأَنَا
كَفِيلٌ لَهُ عَنْك لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا
كَانَتْ الْجَهَالَةُ فِي الْمَكْفُولِ عَنْهُ
يَسِيرَةً مِثْلُ أَنْ يَقُولَ كَفَلْت لَك
بِمَا لَك عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ فَحِينَئِذٍ
يَجُوزُ ، فَالتَّعْيِينُ إلَى الْمَكْفُولِ
لَهُ ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ الْحَقِّ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَصِحُّ
بِنَحْوِ إنْ هَبَّتْ الرِّيحُ فَتَصِحُّ
الْكَفَالَةُ وَيَجِبُ الْمَالُ حَالًّا)
يَعْنِي لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ
بِهُبُوبِ الرِّيحِ وَنَحْوِهِ كَنُزُولِ
الْمَطَرِ ، فَإِنْ عُلِّقَ بِهِ تَصِحُّ
الْكَفَالَةُ وَيَجِبُ الْمَالُ حَالًّا
هَكَذَا ذُكِرَ فِي الْهِدَايَةِ ،
وَالْكَافِي ، وَهَذَا سَهْوٌ فَإِنَّ
الْحُكْمَ فِيهِ أَنَّ التَّعْلِيقَ لَا
يَصِحُّ وَلَا يَلْزَمُهُ الْمَالُ ؛ لِأَنَّ
الشَّرْطَ غَيْرُ مُلَائِمٍ فَصَارَ كَمَا
لَوْ عَلَّقَهُ بِدُخُولِ الدَّارِ وَنَحْوِهِ
مِمَّا لَيْسَ بِمُلَائِمٍ ذَكَرَهُ قَاضِي
خَانْ وَغَيْرُهُ وَلَوْ جَعَلَ الْأَجَلَ فِي
الْكَفَالَةِ إلَى هُبُوبِ الرِّيحِ لَا
يَصِحُّ التَّأْجِيلُ وَيَجِبُ الْمَالُ
حَالًّا ، وَكَذَا الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ
يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِشَرْطٍ مُلَائِمٍ
كَالْكَفَالَةِ بِالْمَالِ فِي جَمِيعِ مَا
ذَكَرْنَا وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا
بِشَرْطٍ غَيْرِ مُلَائِمٍ وَيَجُوزُ
تَأْجِيلُهَا إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ ،
وَالْجَهَالَةُ الْيَسِيرَةُ فِيهَا
مُتَحَمَّلَةٌ كَالتَّأْجِيلِ إلَى الْقِطَافِ
وَقُدُومِ الْحَاجِّ وَلَا يَجُوزُ إلَى
هُبُوبِ الرِّيحِ ، أَوْ نُزُولِ الْمَطَرِ ،
فَإِنْ أَجَّلَهُ إلَيْهِ بَطَلَ الْأَجَلُ
وَلَزِمَهُ تَسْلِيمُ النَّفْسِ حَالًّا .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ كَفَلَ
بِمَالِهِ عَلَيْهِ فَبَرْهَنَ عَلَى أَلْفٍ
لَزِمَهُ) يَعْنِي إذَا تَكَفَّلَ رَجُلٌ
بِمَالِهِ عَلَى فُلَانٍ فَأَقَامَ الطَّالِبُ
الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ
أَلْفَ دِرْهَمٍ لَزِمَ الْكَفِيلَ ؛ لِأَنَّ
الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ
عِيَانًا ، وَإِنْ لَمْ يُقِمْ ، فَلَا يَجِبُ
عَلَيْهِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الطَّالِبِ
لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى الْمَطْلُوبِ ،
وَهُوَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ وَلَا عَلَى
الْكَفِيلِ ؛ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ ، فَلَا
يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا صُدِّقَ
الْكَفِيلُ فِيمَا أَقَرَّ بِحَلِفِهِ وَلَا
يَنْفُذُ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ عَلَى
الْكَفِيلِ) يَعْنِي إذَا أَقَرَّ الْكَفِيلُ
بِشَيْءٍ ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا
وَادَّعَى الطَّالِبُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ
كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْكَفِيلِ ؛
لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وَلَوْ أَقَرَّ
الْمَكْفُولُ عَنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ
لَا يَنْفُذُ قَوْلُهُ عَلَى الْكَفِيلِ
لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ
الْإِقْرَارَ عَلَى الْغَيْرِ لَا يَنْفُذُ
إلَّا إذَا كَانَ عَنْ وِلَايَةٍ ، وَهَذَا
بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ مَا ذَابَ لَك عَلَى
فُلَانٍ فَعَلَيَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَوْ لَا أُعْطِيك فَالْمَالُ يَلْزَمُ
الْكَفِيلَ وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ
عَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ قَالَ إنْ تَقَاضَيْت
فَلَمْ يُعْطِك فَأَنَا لَهُ ضَامِنٌ فَمَاتَ
الْمَطْلُوبُ قَبْلَ التَّقَاضِي بَطَلَ عَنْ
الضَّمَانِ وَقَالَ فِي الْمُجَرَّدِ قَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ
مَا بَايَعْت فُلَانًا فَعَلَيَّ فَبَايَعَهُ
مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ يَلْزَمُهُ ثَمَنُ مَا
بَايَعَهُ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ وَلَا
يَلْزَمُهُ ثَمَنُ مَا بَايَعَهُ بَعْدَهُ
وَفِي نَوَادِرِ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَةُ
ابْنِ سِمَاعَةَ يَلْزَمُهُ كُلُّهُ هَذِهِ
الْمَسَائِلُ كُلُّهَا مَذْكُورَةٌ فِي
الْأَجْنَاسِ وَنُقِلَ فِي خُلَاصَةِ
الْفَتَاوَى عَنْ الْأَصْلِ رَجُلٌ قَالَ
لِلْمُودِعِ إنْ أَتْلَفَ الْمُودَعُ
وَدِيعَتَك أَوْ جَحَدَ فَأَنَا ضَامِنٌ لَك
صَحَّ وَلَوْ قَالَ إنْ قَتَلَك أَوْ ابْنَك
فُلَانٌ خَطَأً فَأَنَا ضَامِنٌ صَحَّ
بِخِلَافِ إنْ أَكَلَك سَبُعٌ ا هـ .
أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ بِخِلَافِ إنْ
أَكَلَك سَبُعٌ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَيْسَ
مُلَائِمًا كَأَنْ دَخَلَتْ الدَّارَ أَوْ
قَدِمَ فُلَانٌ وَهُوَ غَيْرُ مَكْفُولٍ
عَنْهُ أَوْ هَبَّتْ الرِّيحُ أَوْ جَاءَ
الْمَطَرُ لَا يَصِحُّ هَذَا التَّعْلِيقُ ،
وَكَذَا إذَا جُعِلَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَجَلًا
يَعْنِي مِنْ هُبُوبِ الرِّيحِ وَمَجِيءِ
الْمَطَرِ كَأَنْ يَقُولَ كَفَلْت لَك بِمَا
لَك عَلَيْهِ إلَى أَنْ تَهُبَّ الرِّيحُ أَوْ
إلَى أَنْ يَجِيءَ الْمَطَرُ لَا يَصِحُّ
إلَّا أَنَّ الْكَفَالَةَ تَثْبُتُ حَالَّةً
وَيَبْطُلُ الْأَجَلُ بِخِلَافِ مَا لَوْ
عَلَّقَهُمَا بِهِمَا نَحْوُ إذَا هَبَّتْ
الرِّيحُ فَقَدْ كَفَلْت لَك بِمَا لَك
عَلَيْهِ فَإِنَّ الْكَفَالَةَ بَاطِلَةٌ
أَصْلًا وَلَوْ جَعَلَ الْأَجَلَ الْحَصَادَ
وَالدِّيَاسَ أَوْ الْمِهْرَجَانَ أَوْ
الْعَطَاءَ أَوْ صَوْمَ النَّصَارَى جَازَتْ
الْكَفَالَةُ وَالتَّأْجِيلُ فَالْحَاصِلُ
أَنَّ الشَّرْطَ الْغَيْرَ الْمُلَائِمِ لَا
يَصِحُّ مَعَ الْكَفَالَةِ أَصْلًا وَمَعَ
الْأَجَلِ الْغَيْرِ الْمُلَائِمِ تَصِحُّ
حَالَّةً وَيَبْطُلُ الْأَجَلُ ا هـ .
(قَوْلُهُ وَجَهَالَةُ الْمَكْفُولِ لَهُ)
قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ وَلَوْ قَالَ
الْقَوْمُ مَا بَايَعْتُمُوهُ أَنْتُمْ
وَغَيْرُكُمْ فَهُوَ عَلَيَّ لَزِمَهُ دَيْنُ
مَنْ خَاطَبَهُمْ وَلَمْ يَلْزَمْهُ دَيْنُ
غَيْرِهِمْ لِأَنَّ الْمُخَاطَبِينَ
مَعْلُومُونَ وَغَيْرَهُمْ مَجْهُولُونَ ا هـ
.
(قَوْلُهُ : لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَتْ
الْجَهَالَةُ فِي الْمَكْفُولِ) قَالَ قَاضِي
خَانْ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ قُبَيْلَ
فَصْلِ إقْرَارِ الْمَرِيضِ رَجُلٌ قَالَ
لِغَيْرِهِ مَنْ بَايَعَك بِشَيْءٍ فَأَنَا
كَفِيلٌ عَنْك بِثَمَنِهِ لَمْ يَجُزْ وَلَوْ
قَالَ مَنْ بَايَعَك مِنْ هَؤُلَاءِ وَأَشَارَ
إلَى قَوْمٍ مُعَيَّنِينَ مَعْدُودِينَ
فَأَنَا كَفِيلٌ عَنْك بِثَمَنِهِ جَازَ ا هـ
..
(قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَلَا يَصِحُّ
بِنَحْوِ إنْ هَبَّتْ الرِّيحُ) اعْلَمْ أَنَّ
نُسَخَ الْمَتْنِ قَدْ اخْتَلَفَتْ فِي هَذَا
الْمَوْضِعِ فَفِي نُسْخَةٍ وَعَلَيْهَا
شَرْحُ الزَّيْلَعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
كَمَا شَاهَدْته فِي خَطِّهِ هَكَذَا وَلَا
يَصِحُّ بِنَحْوِ إنْ هَبَّتْ الرِّيحُ
فَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ وَيَجِبُ الْمَالُ
حَالًّا وَعَلَى هَذِهِ النُّسْخَةِ يَكُونُ
مَا نَسَبَهُ الزَّيْلَعِيُّ مِنْ السَّهْوِ
لِلْهِدَايَةِ وَالْكَافِي مَنْسُوبًا
لِعِبَارَةِ الْكَنْزِ وَاَلَّذِي فِي غَالِبِ
نُسَخِ الْمَتْنِ وَجَرَى عَلَيْهِ جَمْعٌ
مِنْ الشُّرَّاحِ هَكَذَا وَلَا يَصِحُّ
بِنَحْوِ إنْ هَبَّتْ الرِّيحُ فَإِنْ جُعِلَ
أَجَلًا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ وَيَجِبُ
الْمَالُ حَالًّا وَلَا سَهْوَ فِي عِبَارَةِ
الْكَنْزِ عَلَى هَذَا (قَوْلُهُ : فَإِنْ
عَلَّقَ بِهِ تَصِحُّ) كَقَوْلِهِ إنْ هَبَّتْ
الرِّيحُ فَأَنَا ضَامِنٌ أَوْ إنْ نَزَلَ
الْمَطَرُ فَأَنَا كَفِيلٌ ا هـ .
(قَوْلُهُ : هَكَذَا ذُكِرَ فِي الْهِدَايَةِ
وَالْكَافِي) صَاحِبُ الْهِدَايَةِ قَلَّدَ
صَاحِبَ الْمَبْسُوطِ فِي هَذَا
الِاسْتِعْمَالِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ
التَّعْلِيقَ وَأَرَادَ بِهِ التَّأْجِيلَ
بِجَامِعِ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا عَدَمَ
ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْحَالِّ ا هـ .
دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ : وَلَوْ جَعَلَ
الْأَجَلَ فِي الْكَفَالَةِ إلَى هُبُوبِ
الرِّيحِ لَا يَصِحُّ) كَمَا إذَا قَالَ
كَفَلْت بِكَذَا إلَى أَنْ تُمْطِرَ
السَّمَاءُ أَوْ تَهُبَّ الرِّيحُ ا هـ .
(قَوْلُهُ لَزِمَ الْكَفِيلَ) لِأَنَّهُ أَيْ
الْكَفِيلَ ضَمِنَ بِمَا عَلَيْهِ وَقَدْ
ظَهَرَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّ مَا عَلَى
الْمَكْفُولِ عَنْهُ أَلْفٌ وَالثَّابِتُ
بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ عِيَانًا فَصَارَ
كَأَنَّهُ ضَمِنَ بِالْأَلْفِ الَّتِي
عَلَيْهِ ا هـ .
(قَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَ عَنْ وِلَايَةٍ)
قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا إذَا عَجَزَ
الطَّالِبُ عَنْ الْبَيِّنَةِ فَالْقَوْلُ
قَوْلُ الْكَفِيلِ فِي مِقْدَارِ مَا أَقَرَّ
بِهِ لِأَنَّهُ مَالٌ مَجْهُولٌ لَزِمَهُ
بِقَوْلِهِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ كَمَا
إذَا أَقَرَّ بِشَيْءٍ مَجْهُولٍ وَإِنَّمَا
اُعْتُبِرَ قَوْلُ الْكَفِيلِ مَعَ الْيَمِينِ
لِأَنَّ مَنْ جَعَلَ الْقَوْلَ قَوْلَهُ
فِيمَا كَانَ هُوَ خَصْمًا فِيهِ وَالشَّيْءُ
مِمَّا يَصِحُّ بَذْلُهُ كَانَ الْقَوْلُ مَعَ
يَمِينِهِ كَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْمَالِ
وَأَمَّا إذَا أَقَرَّ الْمَكْفُولُ عَنْهُ
بِأَكْثَرَ مِمَّا يَعْتَرِفُ بِهِ الْكَفِيلُ
لَمْ يُصَدَّقْ فِي أَكْثَرَ عَلَى الْكَفِيلِ
لِأَنَّ إقْرَارَ الْمَكْفُولِ عَنْهُ
تَضَمَّنَ شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا عَلَى
نَفْسِهِ وَالْآخَرُ عَلَى الْكَفِيلِ
فَيُصَدَّقُ فِي إقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ
لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً عَلَى نَفْسِهِ وَلَا
يُصَدَّقُ عَلَى الْكَفِيلِ لِعَدَمِ
وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ قَالَ فِي الشَّامِلِ
فِي قَسِيمِ
(4/154)
فَأَقَرَّ
فُلَانٌ عَلَى نَفْسِهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ
مَثَلًا فَأَنْكَرَ الْكَفِيلُ مَا أَقَرَّ
بِهِ حَيْثُ يَلْزَمُهُ مَا أَقَرَّ بِهِ
الْمَطْلُوبُ اسْتِحْسَانًا ، وَالْقِيَاسُ
أَنْ لَا يَلْزَمَهُ شَيْءٌ لِمَا بَيَّنَّا
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ تَكَفَّلَ
بِمَا تَقَرَّرَ لَهُ عَلَيْهِ فِي
الْمُسْتَقْبَلِ وَقَدْ تَقَرَّرَ عَلَيْهِ
بِإِقْرَارِهِ .
وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ مُتَكَفِّلٌ بِمَا
سَيَجِبُ لَهُ عَلَيْهِ فَيُشْتَرَطُ
الْوُجُوبُ عَلَيْهِ فِيمَا يَأْتِي بِأَيِّ
طَرِيقٍ كَانَ وَفِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ
تَكَفَّلَ بِمَا عَلَيْهِ فِي الْحَالِ
فَإِذَا أَخْبَرَ الطَّالِبُ ، أَوْ
الْمَطْلُوبُ بِمَا عَلَيْهِ كَانَ مُتَّهَمًا
، فَلَا يُصَدَّقُ مَا لَمْ يُقِمْ
الْبَيِّنَةَ وَيُصَدَّقُ الْمَطْلُوبُ فِي
حَقِّ نَفْسِهِ لِإِقْرَارِهِ عَلَيْهِ
كَالْمَرِيضِ إذَا أَقَرَّ بِدَيْنٍ يُرَدُّ
إقْرَارُهُ فِي حَقِّ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ
وَيُقْبَلُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ حَتَّى إذَا
فَضَلَ شَيْءٌ مِنْ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ
كَانَ لِلْمُقَرِّ لَهُ قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (فَإِنْ كَفَلَ بِأَمْرِهِ رَجَعَ
بِمَا أَدَّى عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ قَضَى
دَيْنَهُ بِأَمْرِهِ مَعْنَاهُ إذَا أَدَّى
مَا ضَمِنَ وَكَانَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ
غَيْرَ صَبِيٍّ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ وَغَيْرَ
عَبْدٍ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ أَمَّا إذَا أَدَّى
خِلَافَهُ بِأَنْ كَانَ الدَّيْنُ
الْمَكْفُولُ بِهِ جَيِّدًا فَأَدَّى رَدِيئًا
، أَوْ بِالْعَكْسِ وَيَرْجِعُ بِالْمَالِ
الْمَكْفُولِ بِهِ لَا بِمَا أَدَّى ؛
لِأَنَّهُ مَلَكَ الدَّيْنَ بِالْأَدَاءِ
فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ الطَّالِبِ كَمَا إذَا
مَلَكَهُ بِالْهِبَةِ أَوْ بِالْإِرْثِ بِأَنْ
مَاتَ الطَّالِبُ وَالْكَفِيلُ وَارِثُهُ أَوْ
وَهَبَهُ لَهُ حَالِ حَيَاتِهِ وَهِيَ
جَائِزَةٌ لِلْكَفِيلِ وَإِنْ كَانَتْ لَا
تَجُوزُ لِغَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ ؛
لِأَنَّهُ يَنْتَقِلُ الدَّيْنُ إلَيْهِ
بِمُقْتَضَى الْهِبَةِ ضَرُورَةً وَلَهُ
نَقْلُهُ بِالْحَوَالَةِ أَوْ يُجْعَلُ
كَدَيْنَيْنِ لِلضَّرُورَةِ ، أَوْ نَقُولُ
بِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ لِلضَّرُورَةِ .
، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُسَامِحَ
الْأَصِيلَ بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ بِقَضَاءِ
الدَّيْنِ حَيْثُ يَرْجِعُ بِمَا أَدَّى إنْ
أَدَّى أَرْدَأَ مِنْ الدَّيْنِ ، وَإِنْ
أَدَّى أَجْوَدَ مِنْهُ لَا يَرْجِعُ إلَّا
بِالدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ
وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي ذِمَّتِهِ
، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ
بِالْأَدَاءِ بِأَمْرِهِ وَلِهَذَا لَوْ
وَهَبَهُ الدَّيْنَ لَا يَمْلِكُهُ فَيَرْجِعُ
عَلَيْهِ بِمَا أَدَّى مَا لَمْ يُخَالِفْ
أَمْرَهُ بِالزِّيَادَةِ أَوْ بِأَدَاءِ
جِنْسٍ آخَرَ وَبِخِلَافِ مَا إذَا صَالَحَ
عَلَى أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ وَهُوَ مِنْ
جِنْسِهِ حَيْثُ لَا يَرْجِعُ إلَّا بِقَدْرِ
مَا أَدَّى ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَلَى
الْأَقَلِّ إبْرَاءٌ فَيَكُونُ إبْرَاءً
عَنْهُ لَا تَمْلِيكًا إلَّا إذَا صَالَحَهُ
عَلَى أَنْ يَهَبَهُ الْبَاقِيَ فَحِينَئِذٍ
يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِجَمِيعِهِ ؛ لِأَنَّهُ
مَلَكَ الدَّيْنَ كُلَّهُ بَعْضَهُ
بِالْأَدَاءِ وَبَعْضَهُ بِالْهِبَةِ وَأَمَّا
إذَا تَكَفَّلَ بِأَمْرِ الصَّبِيِّ أَوْ
الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِمَا فَلِأَنَّ
الْأَمْرَ بِالْكَفَالَةِ اسْتِقْرَاضٌ مِنْهُ
مِنْ الْمَأْمُورِ وَاسْتِقْرَاضُهُمَا لَا
يَصِحُّ وَلَا يُوجِبُ الضَّمَانَ ،
وَإِنَّمَا لَزِمَ الْكَفِيلَ الْمَالُ
بِالْتِزَامِهِ ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ
الْكَفَالَةِ تَعْتَمِدُ الْتِزَامَهُ
بِاخْتِيَارِهِ لَا أَمْرَ الْآمِرِ بِخِلَافِ
الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُمَا
؛ لِأَنَّ أَمْرَهُمَا بِالْكَفَالَةِ
بِالْمَالِ ، وَالنَّفْسِ صَحِيحٌ وَإِنْ لَمْ
يَمْلِكَا أَنْ يَتَكَفَّلَا عَنْ أَحَدٍ
لِكَوْنِهِ تَبَرُّعًا فَيَرْجِعُ عَلَيْهِمَا
الْكَفِيلُ .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ كَفَلَ
بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَمْ يَرْجِعْ) ؛ لِأَنَّهُ
مُتَبَرِّعٌ بِأَدَائِهِ عَنْهُ وَفِيهِ
خِلَافُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُطَالِبُ
الْأَصِيلَ بِالْمَالِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ
عَنْهُ) ؛ لِأَنَّهُ الْتِزَامُ
الْمُطَالَبَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْمَطْلُوبِ مَا ذَابَ لَك عَلَى فُلَانٍ
فَهُوَ عَلَيَّ أَوْ مَا ثَبَتَ أَوْ مَا
قُضِيَ عَلَيْهِ فَأَقَرَّ الْمَطْلُوبُ بِمَا
لَزِمَ الْكَفِيلَ إلَّا قَوْلَهُ مَا قُضِيَ
عَلَيْهِ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا أَنْ يَقْضِيَ
الْقَاضِي لِأَنَّ قَوْلَهُ مَا ذَابَ أَيْ
حَصَلَ وَقَدْ حَصَلَ بِإِقْرَارِهِ وَلَوْ
قَالَ مَالَك أَوْ مَا أَقَرَّ لَك بِهِ
أَمْسِ فَقَالَ الْمَطْلُوبُ أَقْرَرْت لَهُ
بِأَلْفٍ لَمْ يَلْزَمْ الْكَفِيلَ لِأَنَّهُ
قَبِلَ مَالًا وَاجِبًا عَلَيْهِ لَا مَالًا
وَاجِبًا عَلَيْهِ فِي الْحَالِّ وَلَمْ
يَثْبُتْ أَنَّهُ وَاجِبٌ ، فَإِنْ قَالَ مَا
أَقَرَّ فَأَقَرَّ فِي الْحَالِّ يَلْزَمُهُ
لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ مَا كَانَ أَقَرَّ لَك
وَلَوْ أَبَى الْمَطْلُوبُ الْيَمِينَ
فَأَلْزَمَهُ الْقَاضِي لَمْ يَلْزَمْ
الْكَفِيلَ لِأَنَّ النُّكُولَ لَيْسَ
بِإِقْرَارٍ بَلْ بَذْلٌ إلَى هُنَا لَفْظُ
الشَّامِلِ ا هـ .
(قَوْلُهُ : وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ
شَيْءٌ لِمَا بَيَّنَّا) ، وَكَذَا لَوْ قَالَ
مَا بَايَعْته فَعَلَيَّ فَقَالَ الْمَكْفُولُ
عَنْهُ بَايَعَنِي وَجَحَدَ الْكَفِيلُ
يُؤْخَذُ الْكَفِيلُ بِذَلِكَ اسْتِحْسَانًا
بِدُونِ بَيِّنَةٍ ا هـ .
خُلَاصَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ، فَإِنْ
كَفَلَ بِأَمْرِهِ رَجَعَ إلَخْ) رَجُلٌ
كَفَلَ عَنْ رَجُلٍ بِمَالٍ بِغَيْرِ أَمْرِهِ
ثُمَّ أَجَازَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ
الْكَفَالَةَ فَأَدَّى الْكَفِيلُ شَيْئًا لَا
يَرْجِعُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ ا هـ .
قَاضِي خَانْ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ
الشَّارِحِ قُبَيْلَ كِتَابِ الْحَوَالَةِ
مُعَلَّلُهُ ا هـ .
وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ ثُمَّ يَنْبَغِي لَك
أَنْ تَعْرِفَ أَنَّ رُجُوعَ الْكَفِيلِ عَلَى
الْمَكْفُولِ عَنْهُ إذَا وُجِدَ الْأَمْرُ
إنَّمَا يَكُونُ إذَا كَانَ الْمَكْفُولُ
عَنْهُ مِمَّنْ يَجُوزُ إقْرَارُهُ عَلَى
نَفْسِهِ بِالدَّيْنِ وَيَمْلِكُ التَّبَرُّعَ
وَإِلَّا فَلَا وَبِهِ صَرَّحَ فِي
التُّحْفَةِ وَكِفَايَةِ الْبَيْهَقِيّ
وَغَيْرِهِمَا حَتَّى إنَّ الصَّبِيَّ
الْمَحْجُورَ إذَا أَمَرَ رَجُلًا أَنْ
يَكْفُلَ عَنْهُ فَكَفَلَ وَأَدَّى لَا
يَرْجِعُ لِأَنَّ الْأَصِيلَ مُسْتَقْرِضٌ
عَنْ الْكَفِيلِ مَعْنًى وَاسْتِقْرَاضُ
الصَّبِيِّ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ضَمَانٌ
بِخِلَافِ اسْتِقْرَاضِ الْبَالِغِ وَأَمَّا
الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ
إلَّا بَعْدَ الْعِتْقِ لِأَنَّ أَمْرَهُ
صَحِيحٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ دُونَ مَوْلَاهُ ا
هـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ قَضَى
دَيْنَهُ بِأَمْرِهِ) أَيْ لِأَنَّ
الْكَفَالَةَ إذَا كَانَتْ بِأَمْرٍ كَانَتْ
بِمَعْنَى الْقَرْضِ كَأَنَّهُ قَالَ
أَقْرِضْنِي كَذَا وَادْفَعْهُ إلَى فُلَانٍ
وَذَلِكَ جَائِزٌ فَكَذَلِكَ هَذَا ا هـ .
أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ بِالْعَكْسِ
يَرْجِعُ بِالْمَالِ الْمَكْفُولِ بِهِ) قَالَ
فِي التُّحْفَةِ ثُمَّ الْكَفِيلُ يَرْجِعُ
بِمَا ضَمِنَ لَا بِمَا أَدَّى لِأَنَّهُ
مَلَكَ مَا فِي ذِمَّةِ الْأَصِيلِ حَتَّى
إنَّهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ صِحَاحٌ
جِيَادٌ فَأَدَّى زُيُوفًا وَتَجَوَّزَ بِهِ
صَاحِبُ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ
بِالْجِيَادِ ، وَكَذَا لَوْ أَدَّى عَنْهَا
مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ أَوْ
الْعُرُوضِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِالدَّرَاهِمِ
بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ
فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا أَدَّى لَا بِمَا
عَلَى الْغَرِيمِ وَبِخِلَافِ الصُّلْحِ إذَا
صَالَحَ مِنْ الْأَلْفِ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ
فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِخَمْسِمِائَةٍ لَا
بِالْأَلْفِ لِأَنَّهُ إسْقَاطُ الْبَعْضِ ا
هـ .
أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ وَهَبَهُ)
يَعْنِي إذَا وَهَبَ الْمَكْفُولُ لَهُ
لِلْكَفِيلِ الْمَالَ الْمَكْفُولَ بِهِ
يَرْجِعُ الْكَفِيلُ عَلَى الْمَكْفُولِ
عَنْهُ بِالْمَكْفُولِ بِهِ وَكَتَبَ مَا
نَصُّهُ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ
وَلَوْ وَهَبَ الدَّيْنَ لَهُ أَوْ تَصَدَّقَ
عَلَيْهِ يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ فَإِذَا
قَبِلَ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى
الْأَصِيلِ كَمَا إذَا أَدَّى ا هـ
أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ وَلَوْ وَهَبَ أَيْ
الطَّالِبُ ا هـ قَوْله لَهُ أَيْ الْكَفِيلِ
ا هـ .
(قَوْلُهُ فَفَعَلَ) كَمَا لَوْ صَالَحَهُ
عَنْ أَلْفٍ عَلَى مِائَةٍ عَلَى أَنْ
يَهَبَهُ الْبَاقِيَ فَإِنَّ الْكَفِيلَ
يَرْجِعُ حِينَئِذٍ بِأَلْفٍ ا هـ .
(قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَلَا يُطَالِبُ
الْأَصِيلَ بِالْمَالِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ
عَنْهُ) أَيْ لِأَنَّ الْكَفِيلَ
كَالْمُقْرِضِ مَعْنًى وَالْمُقْرِضُ لَا
يَرْجِعُ عَلَى الْمُسْتَقْرِضِ مَا لَمْ
يُقْرِضْ فَكَذَا الْكَفِيلُ لَا يَرْجِعُ
عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ مَا لَمْ يُؤَدِّ ا
هـ .
أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - .
(4/155)
وَإِنَّمَا
يَتَمَلَّكُ الدَّيْنَ بِالْأَدَاءِ فَلَا
يَرْجِعُ قَبْلَ التَّمَلُّكِ بِخِلَافِ
الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ حَيْثُ يَرْجِعُ
قَبْلَ الْأَدَاءِ ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ مِنْ
الْمُوَكِّلِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْبَائِعِ
مِنْ الْمُشْتَرِي فِيمَا يَرْجِعُ إلَى
الْحُقُوقِ لِمَا أَنَّهُ انْعَقَدَ
بَيْنَهُمَا مُبَادَلَةٌ حُكْمِيَّةٌ حَتَّى
لَوْ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ
تَحَالَفَا وَكَانَ لِلْوَكِيلِ وِلَايَةُ
حَبْسِ الْمَبِيعِ عَنْ الْمُوَكِّلِ إلَى
أَنْ يُوفِيَ الثَّمَنَ كَمَا كَانَ ذَلِكَ
لِلْبَائِعِ ؛ إذْ هُوَ اسْتَفَادَ الْمِلْكَ
مِنْ جِهَتِهِ فَكَذَا لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ
بِالثَّمَنِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ كَمَا
كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُطَالِبَ
الْمُشْتَرِيَ مِنْهُ إذَا بَاعَ الْمَبِيعَ
قَبْلَ أَنْ يُوفِيَ الثَّمَنَ إلَى
الْبَائِعِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(فَإِنْ لُوزِمَ لَازَمَهُ) أَيْ إنْ لُوزِمَ
الْكَفِيلُ مِنْ جِهَةِ الطَّالِبِ لَازَمَ
هُوَ الْأَصِيلَ حَتَّى يُخَلِّصَهُ ، وَكَذَا
إذَا حُبِسَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ ؛ لِأَنَّهُ
هُوَ الَّذِي أَدْخَلَهُ فِي هَذِهِ
الْعُهْدَةِ وَلَحِقَهُ مَا لَحِقَهُ مِنْ
جِهَتِهِ فَيُعَامِلُهُ بِمِثْلِهِ حَتَّى
يُخَلِّصَهُ مِنْ ذَلِكَ ؛ إذْ تَخْلِيصُهُ
وَاجِبٌ عَلَيْهِ .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَرِئَ
بِأَدَاءِ الْأَصِيلِ) أَيْ بَرِئَ الْكَفِيلُ
بِأَدَاءِ الْأَصِيلِ ؛ لِأَنَّ الْأَصِيلَ
يَبْرَأُ بِالْأَدَاءِ وَبَرَاءَتُهُ تُوجِبُ
بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ
عَلَيْهِ دَيْنٌ فِي الصَّحِيحِ ، وَإِنَّمَا
عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةُ فَقَطْ وَيَسْتَحِيلُ
أَنْ تَبْقَى الْمُطَالَبَةُ بِدُونِ
الدَّيْنِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ
أَبْرَأَ الْأَصِيلَ أَوْ أَخَّرَ عَنْهُ
بَرِئَ الْكَفِيلُ وَتَأَخَّرَ عَنْهُ) أَيْ
لَوْ أَبْرَأَ الطَّالِبُ الْأَصِيلَ ، أَوْ
أَجَّلَ دَيْنَهُ بَرِئَ الْكَفِيلُ
وَتَأَجَّلَ الدَّيْنُ فِي حَقِّهِ أَيْضًا
لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ
إلَّا الْمُطَالَبَةُ ، وَهِيَ تَبَعٌ
لِلدَّيْنِ فَتَسْقُطُ بِسُقُوطِهِ
وَتَتَأَخَّرُ بِتَأَخُّرِهِ بِخِلَافِ مَا
إذَا تَكَفَّلَ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ
ابْتِدَاءً حَيْثُ يَبْرَأُ الْأَصِيلُ
وَحْدَهُ دُونَ الْكَفِيلِ ؛ لِأَنَّ
الْكَفَالَةَ فِيهِ صَارَتْ عِبَارَةً عَنْ
الْحَوَالَةِ مَجَازًا ، وَاللَّفْظُ إذَا
أُرِيدَ بِهِ الْمَجَازُ سَقَطَتْ
الْحَقِيقَةُ فَصَارَ الْكَفِيلُ مُحَالًا
عَلَيْهِ وَبَرَاءَةُ الْمُحِيلِ لَا تُوجِبُ
بَرَاءَتَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ
الْمُحِيلُ عَنْ الدَّيْنِ فِيهَا فِي
رِوَايَةٍ ، وَالْأَحْكَامُ تَشْهَدُ بِهِ
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَوَى يَرْجِعُ
عَلَيْهِ ، وَإِذَا مَاتَ الْمُحِيلُ كَانَ
الْمُحْتَالُ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ فِي
الْمَالِ الْمُحْتَالِ بِهِ كَأَنَّهُ مَاتَ
وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَهُ وَلِغَيْرِهِ
يُحَقِّقُهُ أَنَّ الدَّيْنَ فِيهَا لَمْ
يَسْقُطْ بِالِاتِّفَاقِ .
وَإِنَّمَا تَحَوَّلَ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى
ذِمَّةٍ إمَّا الدَّيْنُ أَوْ الْمُطَالَبَةُ
عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ وَذَلِكَ
لَا يُوجِبُ سُقُوطَهُ وَلَا سُقُوطَ تَبَعِهِ
، فَلَا يَرِدُ عَلَيْنَا أَصْلًا قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَنْعَكِسُ) أَيْ
بَرَاءَةُ الْكَفِيلِ لَا تُوجِبُ بَرَاءَةَ
الْأَصِيلِ وَلَا تَأْخِيرُهُ عَنْهُ يُوجِبُ
التَّأْخِيرَ عَنْ الْأَصِيلِ ؛ لِأَنَّ
الْكَفِيلَ لَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ عَلَى مَا
بَيَّنَّا ، وَإِسْقَاطُ الْمُطَالَبَةِ ،
أَوْ تَأْخِيرُهُ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ
الدَّيْنِ وَلَا تَأَخُّرَهُ أَلَا تَرَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ ، فَإِنْ لُوزِمَ
لَازَمَهُ) اعْلَمْ أَنَّ الْكَفِيلَ
بِالْأَمْرِ إذَا طُولِبَ طَالَبَ الْأَصِيلَ
وَإِذَا حُبِسَ حَبَسَهُ وَإِذَا أَدَّى
رَجَعَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى
الْكَفِيلِ دَيْنٌ مِثْلُهُ لِلْمَكْفُولِ
عَنْهُ وَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ
مِثْلُهُ لِلْمَكْفُولِ عَنْهُ فَلَيْسَ
لِلْكَفِيلِ مُلَازَمَةُ الْأَصِيلِ وَلَا
لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ إذَا حُبِسَ وَلَا لَهُ
أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ إذَا أَدَّى ،
وَلَكِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ دَيْنُ
الْمَكْفُولِ عَنْهُ كَذَا فِي شَرْحِ
الطَّحَاوِيِّ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَتْ
الْكَفَالَةُ بِأَمْرِ مَنْ عَلَيْهِ أَمَّا
إذَا كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِغَيْرِ أَمْرٍ
فَلَيْسَ لِلْكَفِيلِ الرُّجُوعُ
وَالْمُطَالَبَةُ وَالْحَبْسُ لِلْأَصِيلِ
لِأَنَّ الْكَفِيلَ مُتَبَرِّعٌ ا هـ .
أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ
وَبَرِئَ بِأَدَاءِ الْأَصِيلِ) قَالَ
الْأَتْقَانِيُّ وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ هُنَا
مَا قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَإِذَا
أَبْرَأَ الْمَكْفُولُ لَهُ الْمَطْلُوبَ عَنْ
الدَّيْنِ وَقَبِلَ ذَلِكَ بَرِئَ الْأَصِيلُ
وَالْكَفِيلُ جَمِيعًا لِأَنَّ بَرَاءَةَ
الْأَصِيلِ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ
وَبَرَاءَةُ الْكَفِيلِ لَا تُوجِبُ بَرَاءَةَ
الْأَصِيلِ إلَّا أَنَّهُ إذَا أَبْرَأَ
الْأَصِيلَ يُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ قَبُولُهُ
أَوْ يَمُوتَ قَبْلَ الْقَبُولِ وَالرَّدِّ
وَقَامَ ذَلِكَ مَقَامَ الْقَبُولِ وَلَوْ
رَدَّهُ ارْتَدَّ وَدَيْنُ الطَّالِبِ عَلَى
حَالِهِ وَاخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا فِي ذَلِكَ
أَنَّ الدَّيْنَ هَلْ يَعُودُ إلَى الْكَفِيلِ
أَمْ لَا قَالَ بَعْضُهُمْ يَعُودُ وَقَالَ
بَعْضُهُمْ لَا يَعُودُ وَلَوْ أَبْرَأَ
الْكَفِيلُ صَحَّ الْإِبْرَاءُ قَبِلَ أَوْ
لَمْ يَقْبَلْ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى
الْأَصِيلِ وَلَوْ وَهَبَ الدَّيْنَ لَهُ أَوْ
تَصَدَّقَ عَلَيْهِ يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ
فَإِذَا قَبِلَ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ
عَلَى الْأَصِيلِ كَمَا إذَا أَدَّى وَفِي
الْكَفِيلِ حُكْمُ إبْرَائِهِ وَالْهِبَةِ
يَخْتَلِفُ فِي الْإِبْرَاءِ لَا يَحْتَاجُ
إلَى الْقَبُولِ وَفِي الْهِبَةِ
وَالصَّدَقَةِ يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ
وَفِي الْأَصِيلِ يَتَّفِقُ حُكْمُ إبْرَائِهِ
فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ فَيَحْتَاجُ إلَى
الْقَبُولِ فِي الْكُلِّ وَلَوْ كَانَ
الْإِبْرَاءُ وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ
بَعْدَ مَوْتِهِ فَقَبِلَ وَرَثَتُهُ صَحَّ
وَلَوْ رَدَّ وَرَثَتُهُ ارْتَدَّ وَبَطَلَ
الْإِبْرَاءُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ
الْإِبْرَاءَ بَعْدَ الْمَوْتِ إبْرَاءٌ
لِلْوَرَثَةِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَرْتَدُّ
بِرَدِّهِمْ كَمَا لَوْ أَبْرَأَهُمْ فِي
حَالِ حَيَاتِهِ ثُمَّ مَاتَ إلَى هُنَا
لَفْظُ الْإِمَامِ الْإِسْبِيجَابِيِّ فِي
شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ا هـ .
(قَوْلُهُ وَبَرَاءَتُهُ تُوجِبُ بَرَاءَةَ
الْكَفِيلِ) أَيْ ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ لَا
تَكُونُ إلَّا فِيمَا يَكُونُ مَضْمُونًا
عَلَى الْأَصِيلِ وَقَدْ سَقَطَ الضَّمَانُ
عَلَى الْأَصِيلِ بِالْأَدَاءِ أَوْ
الْإِبْرَاءِ فَيَسْقُطُ عَنْ الْكَفِيلِ
أَيْضًا لِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَى
الْكَفِيلِ فَرْعُ وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَى
الْأَصِيلِ وَلَمْ يَبْقَ ذَلِكَ ، فَلَا
يَبْقَى هَذَا ا هـ .
أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَلَا
يَنْعَكِسُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ
وَإِذَا أَخَّرَ الطَّالِبُ الدَّيْنَ عَنْ
الْكَفِيلِ إلَى مُدَّةٍ فَقَبِلَ الْكَفِيلُ
هَذَا التَّأْخِيرَ مَعَهُ صَحَّ التَّأْخِيرُ
عَنْ الْكَفِيلِ خَاصَّةً وَلَا يَكُونُ
ذَلِكَ تَأْخِيرًا عَنْ الْأَصِيلِ وَلَوْ
رَدَّ الْكَفِيلُ التَّأْخِيرَ ارْتَدَّ
بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ لِلْكَفِيلِ أَنَّهُ
لَا يَرْتَدُّ بِرَدِّهِ وَلَوْ أَخَّرَ
الدَّيْنَ عَنْ الْأَصِيلِ تَأَخَّرَ
عَنْهُمَا جَمِيعًا لِأَنَّ ضَمَانَ
الْكَفِيلِ تَبَعٌ لِضَمَانِ الْأَصِيلِ
وَضَمَانُ الْأَصِيلِ لَيْسَ بِتَبَعٍ
لِضَمَانِ الْكَفِيلِ وَلَوْ كَانَ لَهُ عَلَى
رَجُلٍ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ فَأَخَذَ مِنْهُ
كَفِيلًا ثَبَتَ عَلَى الْكَفِيلِ مُؤَجَّلًا
وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى الْأَصِيلِ
حَالًّا وَكَفَلَ عَنْهُ رَجُلٌ لِلطَّالِبِ
مُؤَجَّلًا صَحَّتْ الْكَفَالَةُ وَتَأَخَّرَ
الدَّيْنُ عَنْهُمَا لِأَنَّ الْأَجَلَ
أُلْحِقَ بِالدَّيْنِ وَالدَّيْنُ عَلَى
الْأَصِيلِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الطَّالِبُ
وَقْتَ الْكَفَالَةِ الْأَجَلَ لِأَجْلِ
الْكَفِيلِ خَاصَّةً ، فَلَا يَتَأَخَّرُ
الدَّيْنُ حِينَئِذٍ عَنْ الْأَصِيلِ وَلَوْ
أَنَّ الْكَفِيلَ أَحَالَ الْمَكْفُولَ لَهُ
عَلَى رَجُلٍ فَقَبِلَ الْمَكْفُولُ لَهُ
وَالْمُحْتَالُ عَلَيْهِ الْحَوَالَةَ فَقَدْ
بَرِئَ الْكَفِيلُ وَالْمَكْفُولُ عَنْهُ
لِأَنَّ الْكَفَالَةَ حَصَلَتْ بِأَصْلِ
الدَّيْنِ وَأَصْلُ الدَّيْنِ كَانَ عَلَى
الْمَكْفُولِ عَنْهُ فَلِذَلِكَ تَضَمَّنَتْ
هَذِهِ الْحَوَالَةُ بَرَاءَتَهُمَا جَمِيعًا
وَلَوْ اشْتَرَطَ الطَّالِبُ وَقْتَ
الْحَوَالَةِ إبْرَاءَ الْكَفِيلِ خَاصَّةً
بَرِئَ الْكَفِيلُ وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى
الْكَفِيلِ لِمَالٍ عَلَى الْمُحْتَالِ
عَلَيْهِ ا هـ .
(4/156)
أَنَّ
لِلدَّيْنِ وُجُودًا بِدُونِهِ ابْتِدَاءً
فَكَذَا بَقَاءً بِخِلَافِ مَا إذَا تَكَفَّلَ
بِالْمَالِ الْحَالِّ مُؤَجَّلًا إلَى شَهْرٍ
مَثَلًا حَيْثُ يَتَأَجَّلُ عَنْ الْأَصِيلِ
أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ لَا مُطَالَبَةَ عَلَى
الْكَفِيلِ حَالَ وُجُودِ الْكَفَالَةِ
فَانْصَرَفَ الْأَجَلُ إلَى الدَّيْنِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ صَالَحَ
أَحَدُهُمَا رَبَّ الْمَالِ عَنْ أَلْفٍ عَلَى
نِصْفِهِ بَرِئَا) أَيْ صَالَحَ الْأَصِيلُ ،
أَوْ الْكَفِيلُ الطَّالِبَ عَلَى
خَمْسِمِائَةٍ عَنْ الْأَلْفِ الَّتِي
عَلَيْهِ بَرِئَ الْكَفِيلُ ، وَالْأَصِيلُ
أَمَّا إذَا صَالَحَ الْأَصِيلُ فَظَاهِرٌ ؛
لِأَنَّهُ بِالصُّلْحِ بَرِئَ هُوَ
وَبَرَاءَتُهُ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ
عَلَى مَا بَيَّنَّا وَأَمَّا إذَا صَالَحَ
الْكَفِيلُ فَلِأَنَّ إضَافَةَ الصُّلْحِ إلَى
الْأَلْفِ إضَافَةً إلَى مَا عَلَى الْأَصِيلِ
؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ لَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ
، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةُ عَلَى
مَا بَيَّنَّا فَيَبْرَأُ الْأَصِيلُ عَنْ
الدَّيْنِ ضَرُورَةَ إضَافَةِ الصُّلْحِ إلَى
الْأَلْفِ وَبَرَاءَتُهُ تُوجِبُ بَرَاءَةَ
الْكَفِيلِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَإِذَا
بَرِئَا عَنْ خَمْسِمِائَةٍ بِصُلْحِ
أَحَدِهِمَا أَيِّهِمَا كَانَ ، فَإِنْ أَدَّى
الْكَفِيلُ الْخَمْسَمِائَةِ الْبَاقِيَةَ
رَجَعَ عَلَى الْأَصِيلِ بِهَا إنْ كَانَ
بِأَمْرِهِ ، وَإِلَّا فَلَا يَرْجِعُ لِمَا
عُرِفَ ، ثُمَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى
أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يَذْكُرَ فِي
الصُّلْحِ بَرَاءَتَهُمَا فَيَبْرَآنِ
جَمِيعًا ، أَوْ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ فَكَذَا
الْحُكْمُ ، أَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ شَيْءٌ
فَكَذَلِكَ أَيْضًا ، أَوْ شُرِطَ ، أَوْ
يَبْرَأُ الْكَفِيلُ لَا غَيْرُ فَيَبْرَأُ
هُوَ وَحْدَهُ عَنْ خَمْسِمِائَةٍ ،
وَالْأَلْفُ عَلَى حَالِهِ عَلَى الْأَصِيلِ .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَالَ
الطَّالِبُ لِلْكَفِيلِ بَرِئْتَ إلَيَّ مِنْ
الْمَالِ رَجَعَ عَلَى الْمَطْلُوبِ) أَيْ
الْكَفِيلُ يَرْجِعُ عَلَى الْمَكْفُولِ
عَنْهُ ؛ لِأَنَّ هَذَا إقْرَارٌ مِنْهُ
بِالْقَبْضِ مِنْ الْكَفِيلِ ؛ لِأَنَّ
الْبَرَاءَةَ الَّتِي يَكُونُ ابْتِدَاؤُهَا
مِنْ الْكَفِيلِ وَانْتِهَاؤُهَا إلَى
الطَّالِبِ لَا تَكُونُ إلَّا بِالْإِيفَاءِ
مِنْهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ دَفَعْتَ
إلَيَّ ، أَوْ نَقَدْتنِي ، أَوْ قَبَضْته
مِنْك فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ وَلَا يَرْجِعُ
الطَّالِبُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا
لِإِقْرَارِهِ بِالِاسْتِيفَاءِ مِنْ
الْكَفِيلِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي
بَرِئْت ، أَوْ أَبْرَأْتُك لَا) أَيْ فِي
قَوْلِهِ لِلْكَفِيلِ بَرِئْت ، أَوْ
أَبْرَأْتُك لَا يَرْجِعُ الْكَفِيلُ عَلَى
الْأَصِيلِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ
بِالِاسْتِيفَاءِ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ
بَرِئْت مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُولَ إلَيَّ
مُحْتَمِلٌ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ بَرِئَ
بِإِبْرَائِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ بَرِئَ
بِالْأَدَاءِ ، فَلَا يَثْبُتُ لَهُ
الرُّجُوعُ بِالشَّكِّ ، وَهَذَا عِنْدَ
مُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَرْجِعُ
عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ إلَّا
الْبَرَاءَةَ بِالْقَبْضِ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ
بِبَرَاءَةٍ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ الْمَطْلُوبِ
؛ لِأَنَّهُ نَسَبَ الْبَرَاءَةَ إلَيْهِ
وَلَا يَقْدِرُ الْمَطْلُوبُ أَنْ يَبْرَأَ
إلَّا بِالْأَدَاءِ بِأَنْ يَضَعَ الْمَالَ
بَيْنَ يَدَيْهِ وَيُخَلِّيَ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ الْمَالِ فَيَبْرَأُ بِذَلِكَ ،
وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْ الطَّالِبِ صُنْعٌ .
وَلِهَذَا لَوْ كَتَبَ وَقَالَ بَرِئَ
الْكَفِيلُ مِنْ الْمَالِ يَكُونُ إقْرَارًا
مِنْهُ بِالْقَبْضِ إجْمَاعًا فَكَذَا هَذَا ؛
إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ
اللَّفْظُ وَفَرَّقَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - بَيْنَهُمَا أَنَّ الصَّكَّ لَا
يُكْتَبُ عَادَةً إلَّا إذَا كَانَتْ
الْبَرَاءَةُ بِالْإِيفَاءِ ، وَإِنْ كَانَتْ
بِالْإِبْرَاءِ لَا يُكْتَبُ وَقَوْلُهُ
أَبْرَأْتُك ابْتِدَاءً إسْقَاطٌ لَا إقْرَارٌ
مِنْهُ بِالْقَبْضِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ
كَيْفَ نَسَبَ الْفِعْلَ إلَى نَفْسِهِ ،
وَالْكَفِيلُ لَا يَمْلِكُ الدَّيْنَ
بِالْإِبْرَاءِ ، فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى
الْأَصِيلِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَدَّى ، أَوْ
، وَهَبَهُ الطَّالِبُ عَلَى مَا مَرَّ
وَبِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ : بِخِلَافِ مَا إذَا تَكَفَّلَ
إلَخْ) نُصَّ عَلَيْهِ فِي الْكَافِي ا هـ
(قَوْلُهُ : مُؤَجَّلًا إلَى شَهْرٍ مَثَلًا)
قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ كَانَ الْمَالُ
حَالًّا فَكَفَلَ بِهِ إنْسَانٌ مُؤَجَّلًا
بِأَمْرِ الْمَكْفُولِ بِهِ وَطَلَبَهُ
فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَيَكُونُ تَأْجِيلًا فِي
حَقِّهِمَا اسْتِحْسَانًا فِي ظَاهِرِ
الرِّوَايَةِ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ
مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ حَالٌّ
عَلَى الْأَصِيلِ مُؤَجَّلٌ فِي حَقِّ
الْكَفِيلِ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ وُجِدَ فِي
حَقِّ الْكَفِيلِ خَاصَّةً فَلَا يَتَغَيَّرُ
الْحُكْمُ فِي حَقِّ الْأَصِيلِ كَمَا لَوْ
أَجَّلَهُ بَعْدَ الْكَفَالَةِ وَجْهُ ظَاهِرِ
الرِّوَايَةِ أَنَّهُ أَضَافَ الْأَجَلَ إلَى
نَفْسِ الدَّيْنِ فَتَكُونُ الْمُطَالَبَةُ
عَلَيْهِ ابْتِدَاءً مُؤَجَّلَةً وَلَنْ
تَكُونَ الْمُطَالَبَةُ عَلَيْهِ مُؤَجَّلَةً
ابْتِدَاءً إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ التَّأْجِيلِ
فِي حَقِّ الْأَصِيلِ فَيَتَأَجَّلُ فِي حَقِّ
الْأَصِيلِ فَيَتَأَجَّلُ فِي حَقِّهِمَا
بِخِلَافِ مَا لَوْ كَفَلَ حَالًّا ثُمَّ
أَجَّلَهُ بَعْدَ الْكَفَالَةِ لَا
يَتَأَجَّلُ عَنْ الْأَصِيلِ لِأَنَّهُ
أَضَافَ التَّأْجِيلَ إلَى مَنْ عَلَيْهِ
الْمُطَالَبَةُ لَا إلَى الدَّيْنِ فَلَمْ
يَتَغَيَّرْ الْحُكْمُ فِي حَقِّ الْأَصِيلِ ا
هـ .
(قَوْلُهُ : فَانْصَرَفَ الْأَجَلُ إلَى
الدَّيْنِ) أَيْ وَإِنْ كَانَ قَرْضًا
وَهَذِهِ حِيلَةٌ فِي تَأْجِيلِ الْقَرْضِ ا
هـ .
تِبْيَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ ذُكِرَ فِي
الْمُحِيطِ الْكَفَالَةُ بِالْقَرْضِ إلَى
أَجَلٍ جَائِزَةٌ وَهُوَ حَالٌّ عَلَى
الْأَصِيلِ وَمِثْلُهُ فِي خِزَانَةِ
الْأَكْمَلِ وَشَرْحِ التَّكْمِلَةِ وَلَا
يُلْتَفَتُ إلَى مَا قَالَهُ الْعَلَّامَةُ
الْحَصِيرِيُّ فِي التَّحْرِيرِ مِنْ
تَأْجِيلِهِ عَلَى الْأَصِيلِ فَإِنَّهُ
مُخَالِفٌ لِعَامَّةِ الْكُتُبِ كَذَا قَالَ
الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي حَاشِيَةِ الْمَجْمَعِ
لِابْنِ فِرِشْتَا ذَكَرَهُ قُبَيْلَ فَصْلِ
الرِّبَا ا هـ ..
(قَوْلُهُ : ثُمَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى
أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يَذْكُرَ
إلَخْ) أَيْ كَأَنْ يَقُولَ الْكَفِيلُ
مَثَلًا لِلطَّالِبِ صَالَحْتُك عَنْ
الْأَلْفِ الَّتِي عَلَيَّ عَلَى
خَمْسِمِائَةٍ عَلَى أَنِّي وَالْمَكْفُولُ
عَنْهُ بَرِيئَانِ مِنْ الْخَمْسِمِائَةِ
الْبَاقِيَةِ بَرِئَا جَمِيعًا وَالطَّالِبُ
فِي الْخَمْسِمِائَةِ الَّتِي وَقَعَ
عَلَيْهَا الصُّلْحُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ
أَخَذَهَا مِنْ الْكَفِيلِ وَالْكَفِيلُ
يَرْجِعُ عَلَى الْأَصِيلِ إنْ كَانَ
بِأَمْرِهِ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهَا مِنْ
الْأَصِيلِ ا هـ .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ رَجَعَ عَلَى
الْمَطْلُوبِ) أَيْ وَالطَّالِبُ بِالْخِيَارِ
إنْ شَاءَ أَخَذَ جَمِيعَ دَيْنِهِ مِنْ
الْأَصِيلِ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ مِنْ
الْكَفِيلِ خَمْسَمِائَةٍ وَيَرْجِعُ
الْكَفِيلُ عَلَى الْأَصِيلِ بِمَا أَدَّى إنْ
كَانَ الصُّلْحُ بِأَمْرِهِ ا هـ .
أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ : الْكَفِيلُ يَرْجِعُ
عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ) أَيْ بِجَمِيعِ
الدَّيْنِ لِأَنَّ لَفْظَ إلَى لِانْتِهَاءِ
الْغَايَةِ وَالْمُتَكَلِّمُ وَهُوَ رَبُّ
الدَّيْنِ هُوَ الْمُنْتَهَى فِي هَذَا
التَّرْكِيبِ ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ
ثَمَّ مُبْتَدَأٌ وَلَيْسَ إلَّا الْكَفِيلُ
الْمُخَاطَبُ فَأَفَادَ التَّرْكِيبُ
بَرَاءَةً مِنْ الْمَالِ مُبْتَدَؤُهَا مِنْ
الْكَفِيلِ وَمُنْتَهَاهَا صَاحِبُ الدَّيْنِ
وَهَذَا مَعْنَى الْإِقْرَارِ مِنْ رَبِّ
الدَّيْنِ بِالْقَبْضِ مِنْ الْكَفِيلِ
كَأَنَّهُ قَالَ دَفَعْت إلَيَّ ، فَلَا
يَرْجِعُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيَرْجِعُ
الْكَفِيلُ عَلَى الْأَصِيلِ إنْ كَانَ كَفَلَ
بِأَمْرِهِ وَالْحَوَالَةُ كَالْكَفَالَةِ فِي
هَذَا ا هـ .
كَمَالٌ (قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَفِي
بَرِئْت أَوْ أَبْرَأْتُك لَا) ذَكَرَ
الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثَلَاثَ
مَسَائِلَ اثْنَتَانِ لَا خِلَافَ فِيهِمَا
وَهُمَا قَوْلُهُ بَرِئْت إلَيَّ أَوْ
أَبْرَأْتُك ا هـ .
(قَوْلُهُ : أَبْرَأْتُك ابْتِدَاءً إسْقَاطٌ
لَا إقْرَارٌ مِنْهُ بِالْقَبْضِ) حَتَّى
كَانَ لِلطَّالِبِ أَنْ يَأْخُذَ الْأَصِيلَ
بِهِ ا هـ .
كَمَالٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ لِأَنَّ
بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ لَا تُوجِبُ بَرَاءَةَ
الْأَصِيلِ ا هـ .
غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ
الْأَتْقَانِيُّ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ فِي
هَذِهِ الصُّورَةِ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ
الطَّالِبِ وَالْبَرَاءَةُ الَّتِي
ابْتِدَاؤُهَا مِنْ الطَّالِبِ لَا تَكُونُ
إلَّا بِالْإِسْقَاطِ ا هـ ..
(4/157)
إذَا
أَبْرَأَهُ الْبَائِعُ عَنْ الثَّمَنِ حَيْثُ
يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِمُلْكِهِ
مَا فِي ذِمَّتِهِ ، وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا
إذَا كَانَ الطَّالِبُ غَائِبًا ، وَإِنْ
كَانَ حَاضِرًا يَرْجِعُ إلَيْهِ فِي
بَيَانِهِ فِي الْكُلِّ أَنَّهُ أَوْفَاهُ ،
أَوْ أَبْرَأَهُ لِيَزُولَ الِاحْتِمَالُ
وَيَثْبُتَ حُكْمُهُ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَطَلَ
تَعْلِيقُ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْكَفَالَةِ
بِالشَّرْطِ) ؛ لِأَنَّ فِي الْإِبْرَاءِ
مَعْنَى التَّمْلِيكِ كَالْإِبْرَاءِ عَنْ
الدَّيْنِ ، وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ
يَقُولُ بِثُبُوتِ الدَّيْنِ عَلَى الْكَفِيلِ
ظَاهِرٌ ، وَكَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ
بِثُبُوتِ الْمُطَالَبَةِ لَا غَيْرُ ؛
لِأَنَّ فِيهَا تَمْلِيكَ الْمُطَالَبَةِ ،
وَهِيَ كَالدِّينِ ؛ لِأَنَّهَا وَسِيلَةٌ
إلَيْهِ ، وَالتَّمْلِيكُ لَا يَقْبَلُ
التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ وَقِيلَ : يَصِحُّ ؛
لِأَنَّ الثَّابِتَ فِيهَا عَلَى الْكَفِيلِ
الْمُطَالَبَةُ دُونَ الدَّيْنِ فِي
الصَّحِيحِ فَكَانَ إسْقَاطًا مَحْضًا
كَالطَّلَاقِ ، وَالْعَتَاقِ وَلِهَذَا لَا
يَرْتَدُّ إبْرَاءُ الْكَفِيلِ بِالرَّدِّ ؛
لِأَنَّ الْإِسْقَاطَ يَتِمُّ بِالْمُسْقِطِ
بِخِلَافِ التَّأْخِيرِ عَنْ الْكَفِيلِ
حَيْثُ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ ؛ لِأَنَّهُ
لَيْسَ بِإِسْقَاطٍ بَلْ هُوَ خَالِصُ حَقِّ
الْمَطْلُوبِ فَيَرْتَدُّ بِالرَّدِّ
وَبِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ عَنْ الدَّيْنِ ؛
لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْكَفَالَةُ
بِحَدٍّ وَقَوَدٍ وَمَبِيعٍ وَمَرْهُونٍ
وَأَمَانَةٍ) يَعْنِي الْكَفَالَةُ بِهَذِهِ
الْأَشْيَاءِ بَاطِلَةٌ أَمَّا الْكَفَالَةُ
بِاسْتِيفَاءِ الْحَدِّ ، أَوْ الْقِصَاصِ
فَلِأَنَّ الْكَفَالَةَ إنَّمَا تَصِحُّ
بِمَضْمُونٍ تَجْرِي النِّيَابَةُ فِي
إيفَائِهِ وَلَا تَجْرِي النِّيَابَةُ فِي
الْعُقُوبَاتِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ
شَرْعِهَا زَجْرُ الْمُفْسِدِينَ عَنْ
الْفَسَادِ ، فَلَا يُمْكِنُ إقَامَتُهَا
عَلَى غَيْرِ الْجَانِي لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ
وَأَمَّا الْكَفَالَةُ بِالْمَبِيعِ ،
وَالْمَرْهُونِ ، وَالْأَمَانَاتِ كُلِّهَا
فَلِأَنَّ الْكَفَالَةَ مِنْ شَرْطِ
صِحَّتِهَا أَنْ يَكُونَ الْمَكْفُولُ بِهِ
مَضْمُونًا عَلَى الْأَصِيلِ بِحَيْثُ لَا
يُمْكِنُهُ أَنْ يَخْرُجَ عَنْهُ إلَّا
بِدَفْعِهِ ، أَوْ بِدَفْعِ بَدَلِهِ ؛
لِأَنَّ الْكَفَالَةَ الْتِزَامُ
الْمُطَالَبَةِ بِمَا عَلَى الْأَصِيلِ ،
فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا عَلَى
الْأَصِيلِ وَمَضْمُونًا عَلَيْهِ حَتَّى
يَتَحَقَّقَ مَعْنَى الضَّمِّ ، وَالْمَبِيعُ
قَبْلَ الْقَبْضِ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ
بِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا هُوَ مَضْمُونٌ
بِالثَّمَنِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ
لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ ، بَلْ يَنْفَسِخُ
الْبَيْعُ ، وَكَذَا الرَّهْنُ غَيْرُ
مَضْمُونٍ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ ، وَإِنَّمَا
يَسْقُطُ دَيْنُهُ إذَا هَلَكَ ، فَلَا
يُمْكِنُ إيجَابُ الضَّمَانِ عَلَى الْكَفِيلِ
، وَهُوَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى الْأَصِيلِ ،
وَكَذَا الْأَمَانَةُ لَيْسَتْ بِمَضْمُونَةٍ
عَلَى الْأَصِيلِ لَا عَيْنُهَا وَلَا
تَسْلِيمُهَا ، وَهِيَ كَالْوَدَائِعِ ،
وَالْمُضَارَبَاتِ ، وَالشَّرِكَاتِ ، فَلَا
يُمْكِنُ جَعْلُهَا مَضْمُونَةً عَلَى
الْكَفِيلِ ، فَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ
بِهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ
لَوْ ثَمَنًا وَمَغْصُوبًا وَمَقْبُوضًا عَلَى
سَوْمِ الشِّرَاءِ وَمَبِيعًا فَاسِدًا)
يَعْنِي إنْ كَانَ ثَمَنُ الْمَبِيعِ يَصِحُّ
إلَخْ ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ دَيْنٌ صَحِيحٌ
مَضْمُونٌ عَلَى الْمُشْتَرِي وَالْمَغْصُوبُ
وَالْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ ،
وَالْمَبِيعُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ
مَضْمُونٌ عَلَيْهِ حَتَّى إذَا هَلَكَتْ
عِنْدَهُ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ ؛ إذْ
الْقِيمَةُ تَقُومُ مَقَامَهُ فَأَمْكَنَ
إيجَابُهُ عَلَى الْكَفِيلِ بِخِلَافِ
الْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِغَيْرِهَا
كَالْمَبِيعِ وَالرَّهْنِ وَبِخِلَافِ
الْأَمَانَاتِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَيَجُوزُ
فِي الْكُلِّ أَنْ يَتَكَفَّلَ بِتَسْلِيمِ
الْعَيْنِ سَوَاءٌ كَانَتْ مَضْمُونَةً أَوْ
أَمَانَةً ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ الْعَيْنِ
وَاجِبٌ عَلَى الْأَصِيلِ فَأَمْكَنَ
الْتِزَامُهُ فَصَارَ نَظِيرَ الْكَفِيلِ
بِالنَّفْسِ ؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ قَائِمًا
يَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهُ ، وَإِنْ هَلَكَ
يَبْرَأُ كَالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَقِيلَ
: إنْ كَانَ تَسْلِيمُهُ وَاجِبًا عَلَى
الْأَصِيلِ كَالْعَارِيَّةِ وَالْإِجَارَةِ
جَازَتْ الْكَفَالَةُ بِتَسْلِيمِهِ ، وَإِنْ
كَانَ غَيْرَ وَاجِبٍ كَالْوَدِيعَةِ
وَالْإِجَارَةِ لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ
بِتَسْلِيمِهِ ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ غَيْرُ
وَاجِبٍ عَلَيْهِ فَلَا يُمْكِنُ إيجَابُهُ
عَلَى الْكَفِيلِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحَمْلِ
دَابَّةٍ مُعَيَّنَةٍ مُسْتَأْجَرَةٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبَطَلَ تَعْلِيقُ
الْبَرَاءَةِ مِنْ الْكَفَالَةِ إلَخْ)
اعْلَمْ أَنَّ تَعْلِيقَ الْكَفَالَةِ
بِشَرْطٍ مُلَائِمٍ ثَمَّ يَصِحُّ عِنْدَنَا
وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ أَمَّا تَعْلِيقُ
الْبَرَاءَةِ مِنْ الْكَفَالَةِ لَا يَجُوزُ
مِثْلُ أَنْ يَقُولَ إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتَ
بَرِيءٌ مِنْ الْكَفَالَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ
فِي الْإِبْرَاءِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ
وَالتَّمْلِيكَاتُ لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا
بِالشُّرُوطِ لِإِفْضَائِهَا إلَى مَعْنَى
الْقِمَارِ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ وَقَالَ
الْكَمَالُ قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُ
الْبَرَاءَةِ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالشَّرْطِ
أَيْ بِالشَّرْطِ الْمُتَعَارَفِ مِثْلِ إنْ
عَجَّلْت لِي الْبَعْضَ أَوْ دَفَعْت
الْبَعْضَ فَقَدْ أَبْرَأْتُك مِنْ
الْكَفَالَةِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ : يَصِحُّ)
أَيْ قِيلَ : تَعْلِيقُ الْبَرَاءَةِ مِنْ
الْكَفَالَةِ صَحِيحٌ ا هـ ..
(قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَالْكَفَالَةُ
بِحَدٍّ وَقَوَدٍ وَمَبِيعٍ) يَعْنِي إذَا
تَكَفَّلَ عَنْ الْبَائِعِ بِالْمَبِيعِ لَمْ
يَصِحَّ لِأَنَّهُ عَيْنٌ لَا يُمْكِنُ
أَدَاؤُهُ مِنْ الْكَفِيلِ إذَا هَلَكَ
وَالْمُرَادُ الْكَفَالَةُ بِعَيْنِ
الْمَبِيعِ لِأَنَّهُ إذَا كَفَلَ بِتَسْلِيمِ
الْمَبِيعِ جَازَ ا هـ .
(قَوْلُهُ فَلِأَنَّ الْكَفَالَةَ إنَّمَا
تَصِحُّ بِمَضْمُونٍ تَجْرِي النِّيَابَةُ فِي
إيفَائِهِ) أَيْ وَكُلُّ حَقٍّ لَا يُمْكِنُ
اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الْكَفِيلِ لَا تَجُوزُ
الْكَفَالَةُ بِهِ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ
هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ
قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مَعْنَاهُ
بِنَفْسِ الْحَدِّ لَا بِنَفْسِ مَنْ عَلَيْهِ
يَعْنِي أَنَّ الْكَفَالَةَ بِنَفْسِ الْحَدِّ
لَا تَجُوزُ أَمَّا الْكَفَالَةُ بِنَفْسِ
مَنْ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَتَجُوزُ ؛ لِأَنَّ
الْكَفَالَةَ بِتَسْلِيمِ النَّفْسِ إلَى
بَابِ الْقَاضِي وَاجِبٌ بِخِلَافِ
الْكَفَالَةِ بِنَفْسِ الْحَدِّ فَإِنَّهَا
لَا تَجُوزُ لِأَنَّ الْعُقُوبَاتِ لَا
تَجْرِي فِيهَا النِّيَابَةُ لِعَدَمِ حُصُولِ
الْمَقْصُودِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الزَّجْرُ
وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُ بِالنَّائِبِ ا هـ .
أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ
وَصَحَّ لَوْ ثَمَنًا) قَالَ الْقُدُورِيُّ
وَإِذَا تَكَفَّلَ عَنْ الْمُشْتَرِي
بِالثَّمَنِ جَازَ قَالَ الْأَقْطَعُ وَذَلِكَ
لِأَنَّهُ دَيْنٌ صَحِيحٌ يُمْكِنُ
اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الْكَفِيلِ فَصَحَّتْ
الْكَفَالَةُ بِهِ كَالْقَرْضِ ا هـ .
(قَوْلُهُ : أَوْ مَبِيعًا) كَذَا بِخَطِّ
الشَّارِحِ وَاَلَّذِي فِي نُسَخِ الْمَتْنِ
بِالْوَاوِ (قَوْلُهُ : وَيَجُوزُ فِي
الْكُلِّ أَنْ يَتَكَفَّلَ بِتَسْلِيمِ)
الْعَيْنِ نَحْوِ إنْ كَفَلَ عَنْ الْبَائِعِ
تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ إلَى الْمُشْتَرِي أَوْ
كَفَلَ عَنْ الْمُرْتَهِنِ تَسْلِيمَ
الرَّهْنِ إلَى الرَّاهِنِ أَوْ كَفَلَ عَنْ
الْآجِرِ بِتَسْلِيمِ الْمُسْتَأْجَرِ إلَى
الْمُسْتَأْجِرِ ا هـ ..
(قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَحَمْلِ دَابَّةٍ
إلَخْ) قَالَ الْقُدُورِيُّ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - فِي مُخْتَصَرِهِ وَمَنْ
اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِلْحَمْلِ ، فَإِنْ
كَانَتْ بِعَيْنِهَا لَمْ تَصِحَّ
الْكَفَالَةُ بِالْحَمْلِ وَإِنْ كَانَتْ
بِغَيْرِ عَيْنِهَا جَازَتْ الْكَفَالَةُ
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ الْأَقْطَعُ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - وَذَلِكَ لِأَنَّ
الدَّابَّةَ إنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً
فَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ تَسْلِيمُ
الدَّابَّةِ دُونَ الْحَمْلِ فَإِذَا
تَكَفَّلَ بِالْحَمْلِ فَقَدْ تَكَفَّلَ بِمَا
لَا يَجِبُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ فَلَا
يَصِحُّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَانَتْ
الدَّابَّةُ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ لِأَنَّ
الَّذِي يَلْزَمُ الْمُؤَجِّرَ الْحَمْلُ
وَهُوَ مِمَّا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ
الْكَفِيلِ فَصَحَّتْ الْكَفَالَةُ بِهِ ا هـ
.
قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَلَوْ تَكَارَى
دَابَّةً أَوْ عَبْدًا وَعَجَّلَ الْأَجْرَ
وَلَمْ يَقْبِضْ الْعَبْدَ وَلَا الدَّابَّةَ
وَكَفَلَ لَهُ كَفِيلٌ بِذَلِكَ حَتَّى
يَدْفَعَهُ إلَيْهِ فَإِنَّ الْكَفِيلَ
يُؤَاخَذُ بِهِ مَا دَامَ حَيًّا لِأَنَّ
التَّسْلِيمَ مُسْتَحَقٌّ عَلَى
(4/158)
وَخِدْمَةِ
عَبْدٍ اُسْتُؤْجِرَ لِلْخِدْمَةِ) يَعْنِي
لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِالْحَمْلِ فِيمَا
إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً مُعَيَّنَةً
لِلْحَمْلِ عَلَيْهَا وَلَا بِالْخِدْمَةِ
فِيمَا إذَا اسْتَأْجَرَ عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ
؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهَا أَنْ يَكُونَ
قَادِرًا عَلَى التَّسْلِيمِ ، وَهُنَا لَا
يَقْدِرُ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ
الْحَمْلَ عَلَى دَابَّةٍ مُعَيَّنَةٍ ،
وَالْكَفِيلُ لَوْ أَعْطَى دَابَّةً مِنْ
عِنْدِهِ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ ؛
لِأَنَّهُ أَتَى بِغَيْرِ الْمَعْقُودِ
عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُؤَجِّرَ لَوْ
حَمَلَهُ عَلَى دَابَّةٍ أُخْرَى لَا
يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ فَصَارَ عَاجِزًا
ضَرُورَةً ، وَكَذَا الْعَبْدُ لِلْخِدْمَةِ
بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ
غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ
عَلَى الْمُؤَجِّرِ الْحَمْلُ ، وَالْكَفِيلُ
يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ يَحْمِلَهُ
عَلَى دَابَّةِ نَفْسِهِ وَلَوْ تَكَفَّلَ
بِتَسْلِيمِ الدَّابَّةِ فِيمَا إذَا كَانَتْ
مُعَيَّنَةً جَازَ لِمَا ذَكَرْنَا فِي
الْمَبِيعِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِلَا قَبُولُ
الطَّالِبِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ) يَعْنِي
لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِلَا قَبُولِ
الْمَكْفُولِ لَهُ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
تَصِحُّ ، وَالْخِلَافُ فِي الْكَفَالَةِ
بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ سَوَاءٌ وَقِيلَ :
عِنْدَهُ يَشْتَرِطُ الْقَبُولَ لَكِنَّهُ لَا
يَشْتَرِطَ فِي الْمَجْلِسِ ، بَلْ إذَا
بَلَغَهُ بَعْدَ الْقِيَامِ مِنْ الْمَجْلِسِ
فَأَجَازَ جَازَ ذَكَرَ قَوْلَيْهِ فِي
الْمَبْسُوطِ فِي مَوْضِعَيْنِ فَشَرَطَ
الْإِجَازَةَ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ
وَجْهُ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ أَنَّ
الْكَفَالَةَ الْتِزَامُ مُطَالَبَةٍ مِنْ
غَيْرِ أَنْ يَجِبَ بِمُقَابَلَتِهِ عَلَى
غَيْرِهِ شَيْءٌ فَيَصِحُّ كَالْإِقْرَارِ ،
وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفُ الْتِزَامٍ فِي
ذِمَّتِهِ وَلَهُ عَلَيْهَا وِلَايَةٌ وَلَا
ضَرَرَ عَلَى الطَّالِبِ فِيهِ فَيَتِمُّ بِهِ
وَحْدَهُ كَالنَّذْرِ وَجْهُ قَوْلِهِ
الثَّانِي أَنَّهُ تَصَرُّفٌ لِلْغَيْرِ
فَيَتَوَقَّفُ عَلَى رِضَاهُ كَسَائِرِ
الْعُقُودِ وَعِبَارَةُ الْوَاحِدِ عِنْدَهُ
تَقُومُ مَقَامَ عِبَارَتَيْنِ ، وَإِنْ كَانَ
فُضُولِيًّا كَمَا فِي نِكَاحِ الْفُضُولِيِّ
فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ عِنْدَ الْإِذْنِ
بِعِبَارَةٍ وَاحِدَةٍ فَكَذَا عِنْدَ عَدَمِ
الْإِذْنِ ، وَإِنَّمَا تَأْثِيرُ الْإِذْنِ
عِنْدَهُ فِي اللُّزُومِ دُونَ الِانْعِقَادِ
.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْعَ لَمَّا كَانَ
يَنْعَقِدُ عِنْدَ الْإِذْنِ بِعِبَارَتَيْنِ
كَانَ كَذَلِكَ فِي الْفُضُولِيِّ وَلَهُمَا
أَنَّهُ عَقْدُ تَمْلِيكٍ فَشَرْطُهُ لَا
يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ
كَسَائِرِ الْعُقُودِ وَلِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ
عَلَى الطَّالِبِ بِالِالْتِزَامِ ،
وَإِنْشَاءُ سَبَبِ التَّبَرُّعِ لَا يَتِمُّ
بِالْمُتَبَرِّعِ مَا لَمْ يَقْبَلْهُ
الْمُتَبَرَّعُ عَلَيْهِ كَالْهِبَةِ
وَالصَّدَقَةِ وَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ
عِبَارَتِهِ قَائِمَةً مَقَامَ عِبَارَتَيْنِ
حَتَّى يَكُونَ كَقَبُولِ الْآخَرِ لِعَدَمِ
وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ فَتَعَيَّنَ
الْإِلْغَاءُ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ
ضَرَرًا عَلَيْهِ بِأَنْ يُرَافِعَهُ
الْأَصِيلُ إلَى مَنْ يَرَى بَرَاءَتَهُ مِنْ
الْقُضَاةِ بِالْكَفَالَةِ ؛ لِأَنَّ
الْعُلَمَاءَ مُخْتَلِفُونَ فِيهَا فَيَعُودُ
ضَرَرٌ عَلَيْهِ ، فَلَا تَصِحُّ بِدُونِ
قَبُولِهِ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ
؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَقْدٍ وَإِنَّمَا هُوَ
إخْبَارٌ عَنْ شَيْءٍ وَاقِعٍ فَيُقْبَلُ
مِنْهُ قَوْلُهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ إذَا لَمْ
يَتَضَمَّنْ إضْرَارًا بِأَحَدٍ .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا أَنْ
تَكَفَّلَ وَارِثُ الْمَرِيضِ عَنْهُ) يَعْنِي
لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ إلَّا بِقَبُولِ
الْمَكْفُولِ لَهُ فِي الْمَجْلِسِ
عِنْدَهُمَا إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ ،
وَهِيَ أَنْ يَقُولَ الْمَرِيضُ لِوَرَثَتِهِ
، أَوْ لِبَعْضِهِمْ تَكَفَّلُوا عَنِّي بِمَا
عَلَيَّ مِنْ الدَّيْنِ لِغُرَمَائِي
فَتَكَفَّلُوا عَنْهُ مَعَ غَيْبَةِ
الْغُرَمَاءِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ اسْتِحْسَانًا
، وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ يَأْبَاهُ عَلَى
قَوْلِهِمَا ؛ إذْ لَا يَتِمُّ إلَّا
بِقَبُولِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ ذَلِكَ
فِي حَالَةِ الصِّحَّةِ وَجْهُ
الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ وَصِيَّةٌ
مِنْهُ لِوَرَثَتِهِ بِأَنْ يَقْضُوا دَيْنَهُ
وَلِهَذَا يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ
الْمَرِيضُ الدَّيْنَ وَغُرَمَاءَهُ ؛ لِأَنَّ
الْجَهَالَةَ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ
الْوَصِيَّةِ وَلِهَذَا قَالُوا لَا تَصِحُّ
إذَا لَمْ يُخْلِفْ مَالًا وَلِأَنَّ
الْمَرِيضَ فِي هَذَا الْخِطَابِ قَائِمٌ
مَقَامَ الطَّالِبِ لِحَاجَتِهِ إلَيْهِ
تَفْرِيغًا لِذِمَّتِهِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ
مِنْ تَرِكَتِهِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا
تَعَلَّقَ فِيهِ حَقُّ الْغُرَمَاءِ
وَالْوَرَثَةِ بِمَالِهِ صَارَ
كَالْأَجْنَبِيِّ عَنْ مَالِهِ حَتَّى لَا
تَنْفُذُ تَصَرُّفَاتُهُ فِيهِ وَتَوَجَّهَتْ
الْمُطَالَبَةُ عَلَى الْوَرَثَةِ بِقَضَاءِ
دُيُونِهِ مِنْ التَّرِكَةِ فَقَامَ
الْمَطْلُوبُ فِي هَذَا الْخِطَابِ مَقَامَ
الطَّالِبِ أَوْ نَائِبِهِ كَأَنَّ الطَّالِبَ
قَالَ اضْمَنْ عَنْ فُلَانٍ ، أَوْ كَأَنَّهُ
حَضَرَ وَقَبِلَ .
وَإِنَّمَا يَصِحُّ بِمُجَرَّدِ الطَّلَبِ
وَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْقَبُولِ ؛
لِأَنَّ قَوْلَهُ تَكَفَّلُوا عَنَى لَا
يُرَادُ بِهِ الْمُسَاوَمَةُ فِي هَذِهِ
الْحَالَةِ ، وَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ
تَحْقِيقُ الْكَفَالَةِ فَصَارَ كَالْأَمْرِ
بِالنِّكَاحِ وَفِيمَا إذَا قَالَ الْمَرِيضُ
ذَلِكَ لِأَجْنَبِيٍّ فَضَمِنَ الْأَجْنَبِيُّ
بِالْتِمَاسِهِ فَقِيلَ : لَا يَجُوزُ ؛
لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ غَيْرُ مُطَالَبٍ
بِدَيْنِهِ بِدُونِ الِالْتِزَامِ فَكَانَ
الْمَرِيضُ فِي حَقِّهِ وَالصَّحِيحُ سَوَاءً
وَقِيلَ : يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ الْمَرِيضَ
قَصَدَ بِهِ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ ،
وَالْأَجْنَبِيُّ إذَا قَضَى دَيْنَهُ
بِأَمْرِهِ يَرْجِعُ بِهِ فِي تَرِكَتِهِ
فَيَصِحُّ هَذَا مِنْ الْمَرِيضِ عَلَى أَنْ
يُجْعَلَ قَائِمًا مَقَامَ الطَّالِبِ
لِتَضَيُّقِ الْحَالِ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ
عَلَى شَرَفِ الْهَلَاكِ وَمِثْلُ ذَلِكَ لَا
يُوجَدُ مِنْ الصَّحِيحِ فَيُؤْخَذُ فِيهِ
بِالْقِيَاسِ.
[الْكِفَالَة عَنْ مَيِّت مُفْلِس]
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَنْ مَيِّتٍ
مُفْلِسٍ) يَعْنِي لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ
عَنْ مَيِّتٍ لَمْ يَتْرُكْ مَالًا وَعَلَيْهِ
دُيُونٌ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَجُوزُ
لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «أُتِيَ بِجِنَازَةِ رَجُلٍ
مِنْ الْأَنْصَارِ فَسَأَلَ هَلْ عَلَيْهِ
دَيْنٌ قَالُوا نَعَمْ دِرْهَمَانِ ، أَوْ
دِينَارَانِ فَامْتَنَعَ مِنْ الصَّلَاةِ
فَقَالَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْأَصِيلِ وَهُوَ مِمَّا تَجْرِي فِيهِ
النِّيَابَةُ فَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ
فَلَوْ هَلَكَ الْمُسْتَأْجِرُ لَمْ يَكُنْ
لَهُ عَلَى الْكَفِيلِ شَيْءٌ لِأَنَّ
الْإِجَارَةَ انْفَسَخَتْ وَخَرَجَ الْأَصِيلُ
مِنْ أَنْ يَكُونَ مُطَالَبًا بِتَسْلِيمِ
الْعَيْنِ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ رَدُّ
الْأَجْرِ وَالْكَفِيلُ مَا كَفَلَ
بِالْأَجْرِ ا هـ .
وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَحَمْلِ دَابَّةٍ
مَا نَصُّهُ بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ
بِحَدٍّ وَقِصَاصٍ أَيْ بَطَلَ الْكَفَالَةُ
بِحَمْلِ دَابَّةٍ ا هـ .
عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ
وَخِدْمَةِ عَبْدٍ) بِالْجَرِّ أَيْضًا عَطْفٌ
عَلَى قَوْلِهِ وَحَمْلِ دَابَّةٍ أَيْ
وَبَطَلَ الْكَفَالَةُ أَيْضًا بِخِدْمَةِ
عَبْدٍ ا هـ (فَرْعٌ) قَالَ قَاضِي خَانْ
رَجُلٌ قَالَ لِجَمَاعَةٍ اشْهَدُوا أَنِّي
قَدْ ضَمِنْت لِهَذَا الرَّجُلِ بِالْأَلْفِ
الَّتِي لَهُ عَلَى فُلَانٍ ثُمَّ إنَّ
الْمَدْيُونَ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ
قَدْ قَضَاهُ قَبْلَ أَنْ يَضْمَنَهُ
الْكَفِيلُ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَيَبْرَأُ
الْمَطْلُوبُ عَنْ دَيْنِ الطَّالِبِ وَلَا
يَبْرَأُ الْكَفِيلُ عَنْ دَيْنِ الطَّالِبِ
لِأَنَّ قَوْلَ الْكَفِيلِ ذَلِكَ كَانَ
إقْرَارًا بِالدَّيْنِ عِنْدَ الْكَفَالَةِ ،
فَلَا يَبْرَأُ الْكَفِيلُ وَلَوْ أَقَامَ
الْمَدْيُونُ بَيِّنَةً عَلَى الْقَضَاءِ
بَعْدَ الْكَفَالَةِ بَرِئَ الْكَفِيلُ
وَالْمَدْيُونُ جَمِيعًا (قَوْلُهُ وَلَوْ
تَكَفَّلَ بِتَسْلِيمِ الدَّابَّةِ إلَخْ)
قَالَ قَاضِي خَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
رَجُلٌ كَفَلَ عَلَى رَجُلٍ بِمَالٍ
وَالطَّالِبُ غَائِبٌ وَالْمَكْفُولُ عَنْهُ
حَاضِرٌ فَأَجَازَ الْغَائِبُ بَعْدَ ذَلِكَ
لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ فِي قَوْلِ أَبِي
حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَتَصِحُّ فِي قَوْلِ
أَبِي يُوسُفَ وَلَوْ كَانَ الْمَكْفُولُ
عَنْهُ غَائِبًا وَالطَّالِبُ حَاضِرٌ
فَأَجَازَ الطَّالِبُ جَازَ بِالِاتِّفَاقِ .
ا هـ ..
(4/159)
صَلُّوا عَلَى
أَخِيكُمْ فَقَامَ أَبُو قَتَادَةَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ هُمَا عَلَيَّ يَا
رَسُولَ اللَّهِ» وَفِي رِوَايَةٍ «قَالَ
ذَلِكَ عَلَيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَلِأَنَّ
الدَّيْنَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ ،
وَهُوَ لَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْإِيفَاءِ أَوْ
الْإِبْرَاءِ أَوْ انْفِسَاخِ سَبَبِ
الْوُجُوبِ وَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ
فَلَمْ يَسْقُطْ وَلِهَذَا يَبْقَى فِي حَقِّ
حُكْمِ الْآخِرَةِ وَلَوْ تَبَرَّعَ بِهِ
إنْسَانٌ صَحَّ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ
دَيْنٌ لَمَا جَازَ لِلطَّالِبِ أَخْذُهُ مِنْ
الْمُتَبَرِّعِ ، وَكَذَا يَبْقَى إذَا كَانَ
بِهِ كَفِيلٌ ، أَوْ تَرَكَ مَالًا وَلَهُ
أَنَّهُ كَفَلَ بِدَيْنٍ سَاقِطٍ ؛ لِأَنَّ
الدَّيْنَ هُوَ الْفِعْلُ حَقِيقَةً يُقَالُ
وَجَبَ عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَيْ أَدَاؤُهُ
كَمَا يُقَالُ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَيُرَادُ بِهِ الْأَدَاءُ ، وَالْأَدَاءُ لَا
يُتَصَوَّرُ مِنْ الْمَيِّتِ فَسَقَطَ سَوَاءٌ
كَانَ لَهُ مَالٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ
فِي حَقِّ أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَصِحَّةُ
الْكَفَالَةِ تَقْتَضِي قِيَامَ الدَّيْنِ فِي
حَقِّ أَحْكَامِ الدُّنْيَا لِيَصِحَّ
تَحْقِيقُ مَعْنَى الْكَفَالَةِ ، وَهُوَ
ضَمُّ الذِّمَّةِ إلَى الذِّمَّةِ فِي حَقِّ
وُجُوبِ الْمُطَالَبَةِ ، وَالْمُطَالَبَةُ
سَاقِطَةٌ عَنْ الْأَصِيلِ ، فَلَا يُمْكِنُ
إيجَابُهَا عَلَى الْكَفِيلِ تَبَعًا ؛ إذْ
لَا يُضَمُّ الْمَوْجُودُ إلَى الْمَعْدُومِ
إلَّا أَنَّهُ فِي الْحُكْمِ مَالٌ ؛
لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَيْهِ ؛ إذْ الْوُجُوبُ
لِأَجْلِهِ وَقَدْ عَجَزَ عَنْ الْأَدَاءِ
بِنَفْسِهِ وَبِخَلَفِهِ مِنْ الْمَالِ
وَالْكَفِيلِ ؛ فَفَاتَ الْمَقْصُودُ ، وَهُوَ
الِاسْتِيفَاءُ ، فَلَا يَبْقَى ،
وَالتَّبَرُّعُ لَا يَعْتَمِدُ قِيَامَ
الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ تَبْرِئَةٌ فِي حَقِّ
الْآخِرَةِ وَلِأَنَّ الدَّيْنَ بَاقٍ فِي
حَقِّ الطَّالِبِ ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ
بَيْنَهُمَا وَأَمَّا الْكَفَالَةُ فَأَمْرٌ
بَيْنَ الْكَفِيلِ ، وَالْأَصِيلِ ؛ لِأَنَّهُ
الْتَزَمَ مَا عَلَى الْأَصِيلِ وَمَا
رَوَيَاهُ كَانَ إقْرَارًا مِنْهُ بِأَنَّهُ
كَانَ كَفِيلًا عَنْهُ قَبْلَ الْمَوْتِ
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وَعْدًا مِنْهُ لَا
كَفَالَةً فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ حِكَايَةُ
حَالٍ ، فَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ
وَلَا يُقَالُ لَوْ سَقَطَ الدَّيْنُ لَبَرِئَ
الْكَفِيلُ ؛ لِأَنَّ بَرَاءَتَهُ تُوجِبُ
بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ فَلَمَّا لَمْ يَبْرَأْ
عُلِمَ أَنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا فَيَجُوزُ
ابْتِدَاءً الْكَفَالَةُ بِهِ أَيْضًا ؛
لِأَنَّا نَقُولُ الْكَفِيلُ خَلَفَ عَنْهُ
فَلَا يَبْرَأُ ، أَوْ نَقُولُ الدَّيْنُ فِي
حَقِّ الطَّالِبِ لَا يَسْقُطُ ؛ لِأَنَّ
سُقُوطَهُ ضَرُورِيٌّ فَلَا يَتَعَدَّى
الْمَطْلُوبَ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِالثَّمَنِ
لِلْمُوَكِّلِ وَلِرَبِّ الْمَالِ) أَيْ لَا
تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِالثَّمَنِ
لِلْمُوَكِّلِ وَلَا لِرَبِّ الْمَالِ
مَعْنَاهُ إذَا وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا
بِبَيْعِ شَيْءٍ فَبَاعَهُ الْوَكِيلُ ، ثُمَّ
ضَمِنَ الثَّمَنَ لِلْمُوَكِّلِ عَنْ
الْمُشْتَرِي ، أَوْ ضَمِنَ مُضَارِبٌ لِرَبِّ
الْمَالِ ثَمَنَ مَتَاعٍ بَاعَهُ مِنْ
الْمُشْتَرِي لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ حَقَّ
الْقَبْضِ إلَى الْوَكِيلِ وَالْمُضَارِبِ
بِجِهَةِ الْأَصَالَةِ فِي الْبَيْعِ
وَلِهَذَا لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ
، أَوْ بِمَوْتِ رَبِّ الْمَالِ وَبِعَزْلِهِ
. وَلَوْ وَكَّلَ الْمُوَكِّلَ أَوْ رَبَّ
الْمَالِ بِقَبْضِ الثَّمَنِ ثُمَّ عَزَلَهُ
صَحَّ عَزْلُهُ ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ وَجَبَ
لِلْوَكِيلِ ، أَوْ لِلْمُضَارِبِ عَلَى
الْمُشْتَرِي ؛ إذْ حُقُوقُ الْعَقْدِ
رَاجِعَةٌ إلَى الْعَاقِدِ ، وَكَذَا
الْمُضَارِبُ لَوْ وَكَّلَ رَبَّ الْمَالِ
بِقَبْضِ الثَّمَنِ لَهُ عَزْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ
الْعَاقِدُ فَتَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ
وَالْعَاقِدُ لِغَيْرِهِ فِي حَقِّ الْحُقُوقِ
كَالْعَاقِدِ لِنَفْسِهِ وَلِهَذَا اخْتَصَّتْ
الْمُطَالَبَةُ بِهِ وَلَوْ حَلَفَ
الْمُشْتَرِي مَا لِلْمُوَكِّلِ عَلَيْهِ
شَيْءٌ كَانَ بَارًّا فِي يَمِينِهِ وَلَوْ
حَلَفَ مَا لِلْوَكِيلِ عَلَيْهِ شَيْءٌ
حَنِثَ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْوَكِيلَ
أَصِيلٌ فِي الْقَبْضِ .
فَإِذَا ضَمِنَ صَارَ ضَامِنًا لِنَفْسِهِ ،
فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الرَّسُولِ ،
وَالْوَكِيلِ بِبَيْعِ الْغَنَائِمِ مِنْ
جِهَةِ الْإِمَامِ ، وَالْوَكِيلِ
بِالتَّزْوِيجِ حَيْثُ يَصِحُّ ضَمَانُهُمْ
بِالثَّمَنِ وَالْمَهْرِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ
وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ حَتَّى
لَوْ نَهَاهُمْ الْآمِرُ عَنْ قَبْضِ
الْبَدَلِ صَحَّ نَهْيُهُ وَلِأَنَّهُمَا
أَمِينَانِ فِي الثَّمَنِ شَرْعًا
وَاشْتِرَاطُ الضَّمَانِ عَلَيْهِمَا
تَغْيِيرٌ لِحُكْمِ الشَّرْعِ فَلَا يَجُوزُ
فَصَارَ نَظِيرَ مَنْ سَلَّمَ فِي آخِرِ
الصَّلَاةِ يُرِيدُ بِهِ قَطْعَ الصَّلَاةِ
وَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ فَإِنَّهُ
يَرِدُ عَلَيْهِ قَصْدُهُ حَتَّى جَازَ لَهُ
أَنْ يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ مَا لَمْ يَفْعَلْ
مَا يُنَافِي الصَّلَاةَ قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (وَلِلشَّرِيكِ إذَا بِيعَ عَبْدٌ
صَفْقَةً) أَيْ إذَا بَاعَ رَجُلَانِ عَبْدًا
مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا مِنْ رَجُلٍ صَفْقَةً
وَاحِدَةً وَضَمِنَ أَحَدُهُمَا لِشَرِيكِهِ
نَصِيبَهُ مِنْ الثَّمَنِ لَا يَجُوزُ ؛
لِأَنَّهُ يَصِيرُ ضَامِنًا لِنَفْسِهِ
لِأَنَّهُ مَا مِنْ جُزْءٍ يُؤَدِّيهِ
الْمُشْتَرِي ، أَوْ الْكَفِيلُ مِنْ
الثَّمَنِ إلَّا وَلِشَرِيكِهِ فِيهِ نَصِيبٌ
وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قِسْمَةِ الدَّيْنِ
قَبْلَ الْقَبْضِ وَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ؛ إذْ
الْقِسْمَةُ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِفْرَازِ
وَالْحِيَازَةِ وَهُوَ أَنْ يَصِيرَ حَقُّ
كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُفْرَزًا فِي
حَيِّزٍ عَلَى حِدَةٍ وَذَا لَا يُتَصَوَّرُ
فِي غَيْرِ الْعَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ
الْحِسِّيَّ يَسْتَدْعِي مَحَلًّا حِسِّيًّا ،
وَالدَّيْنُ حُكْمِيٌّ ، فَلَا يَرِدُ
عَلَيْهِ الْفِعْلُ الْحِسِّيُّ .
فَإِذَا لَمْ تَصِحَّ قِسْمَتُهُ يَكُونُ
كُلُّ شَيْءٍ يُؤَدِّيهِ إلَى شَرِيكِهِ
مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَيَرْجِعُ
الْمُؤَدِّي بِنِصْفِ مَا أَدَّى لِكَوْنِهِ
مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا ، ثُمَّ يَرْجِعُ
أَيْضًا بِنِصْفِ الْبَاقِي إلَى أَنْ لَا
يَبْقَى فِي يَدِهِ شَيْءٌ فَيُؤَدِّيَ
تَجْوِيزُهُ ابْتِدَاءً إلَى إبْطَالِهِ
انْتِهَاءً . بِخِلَافِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَبِالثَّمَنِ
لِلْمُوَكِّلِ إلَى آخِرِهِ) وَصُورَةُ
الْمَسْأَلَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ
مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي
حَنِيفَةَ فِي الرَّجُلِ يُعْطِي الرَّجُلَ
ثَوْبًا لِيَبِيعَهُ بِعَشَرَةٍ فَفَعَلَ
ثُمَّ ضَمِنَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ لِلْآمِرِ
قَالَ الضَّمَانُ بَاطِلٌ ، وَكَذَلِكَ
الْمُضَارَبَةُ إذَا بَاعَهَا الرَّجُلُ
وَضَمِنَهَا ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ . إلَى
هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ
الصَّغِيرِ ا هـ .
أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ : وَلَوْ وَكَّلَ
الْمُوَكِّلَ أَوْ رَبَّ الْمَالِ إلَى
آخِرِهِ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَهُوَ
صَحِيحٌ يَعْنِي عَنْ قَوْلِهِ بَعْدُ وَكَذَا
الْمُضَارِبُ إلَى آخِرِهِ (قَوْلُهُ :
وَلِأَنَّهُمَا) أَيْ الْوَكِيلَ
وَالْمُضَارِبَ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ
وَلِأَنَّهُمَا مَا نَصُّهُ تَعْلِيلٌ ثَانٍ
لِعَدَمِ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ ا هـ .
(قَوْلُهُ وَاشْتِرَاطُ الضَّمَانِ
عَلَيْهِمَا تَغْيِيرٌ لِحُكْمِ الشَّرْعِ)
أَيْ كَالْمُودَعِ إذَا ضَمِنَ الْوَدِيعَةَ
لِلْمُودِعِ وَكَالْمُسْتَعِيرِ إذَا ضَمِنَ
الْعَارِيَّةَ لِلْمُعِيرِ بِالشَّرْطِ
فَإِنَّهُ بَاطِلٌ ا هـ .
أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ : إذَا بَاعَ
رَجُلَانِ عَبْدًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا
مِنْ رَجُلٍ) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِي
الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ
يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي
رَجُلَيْنِ بَاعَا مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا
صَفْقَةً وَاحِدَةً فَضَمِنَ أَحَدُهُمَا
لِصَاحِبِهِ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ قَالَ
الضَّمَانُ بَاطِلٌ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ
الثَّمَنَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَلَوْ
صَحَّ الضَّمَانُ فَلَا يَخْلُو إمَّا إنْ
صَحَّ فِي نِصْفِ الثَّمَنِ مُطْلَقًا أَوْ
فِي حِصَّةِ الشَّرِيكِ ، فَلَا وَجْهَ إلَى
الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ
ضَامِنًا لِنَفْسِهِ وَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ
مَا مِنْ جُزْءٍ مِنْ الثَّمَنِ إلَّا وَهُوَ
مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ
لَوْ قَبَضَ شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ كَانَ
صَاحِبُهُ شَرِيكًا وَلَا وَجْهَ إلَى
الثَّانِي لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قِسْمَةِ
الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ
لِأَنَّ الدَّيْنَ فِي ذِمَّةِ مَنْ عَلَيْهِ
لَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ ، فَلَا يَتَمَيَّزُ
نَصِيبُ صَاحِبِهِ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ
إفْرَازُ الْأَنْصِبَاءِ وَالْإِفْرَازُ لَا
يَتَحَقَّقُ إلَّا فِي الْعَيْنِ دُونَ
الدَّيْنِ فِي الذِّمَّةِ فَإِذَا لَمْ
يَتَمَيَّزْ نَصِيبُ صَاحِبِهِ يَقَعُ
الضَّمَانُ عَنْ نَفْسِ الضَّامِنِ لِنَفْسِهِ
وَهُوَ بَاطِلٌ ا هـ . أَتْقَانِيٌّ -
رَحِمَهُ اللَّهُ -.
(4/160)
مَا إذَا
بَاعَهُ صَفْقَتَيْنِ بِأَنْ يُسَمِّيَ كُلُّ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِنَصِيبِهِ ثَمَنًا حَيْثُ
يَصِحُّ ضَمَانُ أَحَدِهِمَا فِيهِ لِلْآخَرِ
؛ لِأَنَّ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
مُمْتَازٌ عَنْ نَصِيبِ الْآخَرِ فَلَا
شَرِكَةَ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ
لَوْ قَبِلَ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا وَرَدَّ
نَصِيبَ الْآخَرِ صَحَّ ، وَكَذَا لَوْ قَبِلَ
الْكُلَّ وَنَقَدَ حِصَّةَ أَحَدِهِمَا ،
لِلنَّاقِدِ قَبْضُ نَصِيبِهِ وَلِهَذَا لَوْ
اسْتَوْفَى أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ
الْمُشْتَرِي أَوْ بَعْضَهُ لَا يُشَارِكُهُ
الْآخَرُ وَفِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ
يُشَارِكُهُ وَلَوْ تَبَرَّعَ بِالْأَدَاءِ
فِي هَذِهِ الْفُصُولِ مِنْ غَيْرِ ضَمَانٍ
جَازَ ؛ لِأَنَّ التَّبَرُّعَ لَا يَتِمُّ
إلَّا بِالْأَدَاءِ وَعِنْدَ الْأَدَاءِ
يَصِيرُ مُسْقِطًا حَقَّهُ فِي الْمُشَارَكَةِ
فَيَصِحُّ وَامْتِنَاعُ الْكَفَالَةِ لَا
يَدُلُّ عَلَى امْتِنَاعِ التَّبَرُّعِ أَلَا
تَرَى أَنَّ الْكَفَالَةَ بِبَدَلِ
الْكِتَابَةِ لَا تَجُوزُ وَيَجُوزُ
التَّبَرُّعُ بِهِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِالْعُهْدَةِ)
أَيْ لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِالْعُهْدَةِ
وَصُورَتُهَا أَنْ يَشْتَرِيَ عَبْدًا مِنْ
رَجُلٍ مَثَلًا فَيَضْمَنُ لِلْمُشْتَرِي
رَجُلٌ بِالْعُهْدَةِ ، وَإِنَّمَا لَا
يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الْعُهْدَةَ اسْمٌ
مُشْتَرَكٌ قَدْ يَقَعُ عَلَى الصَّكِّ
الْقَدِيمِ ؛ لِأَنَّهُ وَثِيقَةٌ
بِمَنْزِلَةِ كِتَابِ الْعُهْدَةِ وَهُوَ
مِلْكٌ لِلْبَائِعِ وَلَا يَلْزَمُهُ
التَّسْلِيمُ فَإِذَا ضَمِنَ تَسْلِيمَهُ إلَى
الْمُشْتَرِي فَقَدْ ضَمِنَ مَا لَا يَقْدِرُ
عَلَيْهِ ، فَلَا يَصِحُّ وَيُطْلَقُ عَلَى
الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ
الْعَهْدِ ، وَالْعَقْدُ وَالْعَهْدُ وَاحِدٌ
وَعَلَى حُقُوقِ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ
ثَمَرَةِ الْعَقْدِ وَعَلَى الدَّرَكِ وَعَلَى
خِيَارِ الشَّرْطِ فَفِي الْخَبَرِ عُهْدَةُ
الرَّقِيقِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ أَيْ خِيَارُ
الشَّرْطِ فِيهِ فَتَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِهَا
قَبْلَ الْبَيَانِ فَبَطَلَ الضَّمَانُ
لِلْجَهَالَةِ بِخِلَافِ الدَّرَكِ فَإِنَّ
ضَمَانَهُ صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ
ضَمَانِ الثَّمَنِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ
الْمَبِيعِ وَهُوَ مَعْلُومٌ مَقْدُورُ
التَّسْلِيمِ وَلَا يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ
يُصْرَفَ إلَى مَا يَجُوزُ الضَّمَانُ بِهِ ،
وَهُوَ الدَّرَكُ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِ ؛
لِأَنَّا نَقُولُ فَرَاغُ الذِّمَّةِ أَصْلٌ ،
فَلَا يَثْبُتُ الشُّغْلُ بِالشَّكِّ ،
وَالِاحْتِمَالِ . قَالَ : (وَالْخَلَاصِ)
أَيْ لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِالْخَلَاصِ ،
وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو
يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تَجُوزُ ؛ لِأَنَّ
تَفْسِيرَهُ عِنْدَهُمَا تَخْلِيصُ الْمَبِيعِ
إنْ قُدِرَ عَلَيْهِ ، وَرَدُّ الثَّمَنِ إنْ
لَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِ ، وَهَذَا ضَمَانُ
الدَّرَكِ فِي الْمَعْنَى وَأَبُو حَنِيفَةَ
يَقُولُ : تَفْسِيرُهُ تَخْلِيصُ الْمَبِيعِ
لَا مَحَالَةَ ، وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى
ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لَا
يُمَكِّنُهُ مِنْهُ . وَلَوْ ضَمِنَ تَخْلِيصَ
الْمَبِيعِ ، أَوْ رَدَّ الثَّمَنِ جَازَ ؛
لِأَنَّهُ ضَمِنَ مَا يُمْكِنُ الْوَفَاءُ
بِهِ وَهُوَ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ إنْ أَجَازَ
الْمُسْتَحِقُّ الْبَيْعَ ، أَوْ رَدُّ
الثَّمَنِ إنْ لَمْ يَجُزْ قَالَ (وَمَالِ
الْكِتَابَةِ) أَيْ لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ
بِمَالِ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ
ثَبَتَ مَعَ الْمُنَافِي ، وَهُوَ دَيْنُ
الْمَوْلَى عَلَى مَمْلُوكِهِ ، فَلَا
يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْكَفَالَةِ وَلِأَنَّهُ
مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُعْجِزَ نَفْسَهُ
وَبَيْنَ أَنْ يُوَفِّيَ ، فَلَا يُفِيدُ
إيجَابُهُ عَلَى الْكَفِيلِ عَلَى هَذِهِ
الصِّفَةِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ ،
وَإِثْبَاتُهُ مُطْلَقًا يُنَافِي مَعْنَى
الضَّمِّ ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهِ
الِاتِّحَادَ وَلِأَنَّ عَلَى الْأَصِيلِ
أَدَاءَ مِلْكِ الْمَوْلَى مِنْ وَجْهٍ
وَالْكَفِيلُ لَا يَجِدُ هَذَا الْمَالَ ،
وَهَذَا كَالْمُكَاتَبِ إذَا عَتَقَ يَبْرَأُ
عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ
أَدَاءَ مَالٍ هُوَ مِلْكُ الْمَوْلَى مِنْ
وَجْهٍ وَلَا يَجِدُ ذَلِكَ بَعْدَ الْعِتْقِ
وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ
فَيَبْرَأَ
[فَصْلٌ أَعْطَى الْمَطْلُوبُ الْكَفِيلَ
قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَ الْكَفِيلُ الطَّالِبَ]
(فَصْلٌ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ
أَعْطَى الْمَطْلُوبُ الْكَفِيلَ قَبْلَ أَنْ
يُعْطِيَ الْكَفِيلُ الطَّالِبَ لَا
يَسْتَرِدُّ مِنْهُ) أَيْ لَوْ قَضَى
الْمَكْفُولُ عَنْهُ الدَّيْنَ لِلْكَفِيلِ
قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَ الْكَفِيلُ الْمَكْفُولَ
لَهُ لَيْسَ لِلْمَكْفُولِ عَنْهُ أَنْ
يَسْتَرِدَّ مِنْهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ : فَبَطَلَ الضَّمَانُ
لِلْجَهَالَةِ) أَيْ فَأَمَّا الدَّرَكُ
فَقَدْ صَارَ مُسْتَعْمَلًا فِي ضَمَانِ
الِاسْتِحْقَاقِ خَاصَّةً فَوَجَبَ الْعَمَلُ
بِهِ كَذَا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَقَالَ
أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي شَرْحِ
الطَّحَاوِيِّ الْعُهْدَةُ هِيَ كِتَابُ
الشِّرَاءِ وَهُوَ لِلْمُشْتَرِي فَهُوَ
بِمَنْزِلَةِ مَنْ ضَمِنَ لِرَجُلٍ مِلْكَهُ
وَهَذَا بَاطِلٌ لِأَنَّ صِحَّةَ الضَّمَانِ
إنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِمَا كَانَ مَضْمُونًا
عَلَى الْغَيْرِ فَيَضْمَنُهُ الْكَفِيلُ
عَنْهُ وَكِتَابُ الشِّرَاءِ لَيْسَ
بِمَضْمُونٍ عَلَى أَحَدٍ فَيَضْمَنُهُ
الْكَفِيلُ وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ
وَمُحَمَّدٌ فَقَالَا إنْ حَمَلْنَا
الضَّمَانَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى بَطَلَ
وَصَارَ لَغْوًا فَحَمَلْنَاهُ عَلَى ضَمَانِ
الدَّرَكِ فِيمَا عُقِدَ عَلَيْهِ الشِّرَاءُ
لِيَصِحَّ مَعْنَى الضَّمَانِ وَلَا يَصِيرَ
لَغْوًا . إلَى هُنَا لَفْظُ أَبِي بَكْرٍ
الرَّازِيّ فِي شَرْحِهِ وَقَالَ فِي أَوَّلِ
كِتَابِ الْكَفَالَةِ مِنْ الْأَجْنَاسِ وَفِي
الْبُيُوعِ إمْلَاءِ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَةِ
ابْنِ سِمَاعَةَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ ضَمَانُ
الْعُهْدَةِ كَضَمَانِ الدَّرَكِ وَهُوَ
جَائِزٌ وَيَضْمَنُ الثَّمَنَ ا هـ .
أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ
وَالْخَلَاصِ) اعْلَمْ أَنَّ هَهُنَا
ثَلَاثَةَ أَلْفَاظٍ : ضَمَانُ الدَّرَكِ
وَهُوَ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ وَضَمَانُ
الْعُهْدَةِ وَهُوَ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ
عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَضَمَانُ
الْخَلَاصِ وَهُوَ بَاطِلٌ عِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ مَعْنَاهُ لَوْ اُسْتُحِقَّ
الْمَبِيعُ فَعَلَيْهِ شِرَاؤُهُ
وَتَسْلِيمُهُ إلَى الْمُشْتَرِي وَجْهُ
قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ
بِقَادِرٍ عَلَى مَا ضَمِنَ وَوَجْهُ
قَوْلِهِمَا أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ ضَمَانِ
الدَّرَكِ وَهُوَ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ إنْ
قَدَرَ عَلَيْهِ أَوْ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ إنْ
عَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَإِنَّهُ
صَحِيحٌ كَذَا قَالَ الْعَتَّابِيُّ ا هـ .
أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَالِ
الْكِتَابَةِ) قَالَ فِي كَفَالَةِ الصُّغْرَى
مَا نَصُّهُ فَإِذَا ضَمِنَ بَدَلَ
الْكِتَابَةِ لَمْ يَصِحَّ فَلَوْ أَدَّى مَعَ
ذَلِكَ الضَّمَانَ يَرْجِعُ انْتَهَى
وَبِمَعْنَاهُ فِي الذَّخِيرَةِ فِي الْفَصْلِ
السَّادِسِ فِي تَصَرُّفِ أَحَدِ
الشَّرِيكَيْنِ ا هـ ..
(فَصْلٌ) (قَوْلُهُ : وَلَوْ أَعْطَى
الْمَطْلُوبُ الْكَفِيلَ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَ
الْكَفِيلُ إلَى آخِرِهِ) وَصُورَةُ
الْمَسْأَلَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ
مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي
حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رَجُلٍ
كَفَلَ عَنْ رَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ
بِأَمْرِهِ فَقَضَاهُ الْأَلْفَ قَبْلَ أَنْ
يُعْطِيَهَا صَاحِبَهَا أَلَهُ أَنْ
يَأْخُذَهَا مِنْهُ ؟ قَالَ لَا وَإِنْ رَبِحَ
فِيهَا رِبْحًا فَهُوَ لَهُ وَلَا يَتَصَدَّقُ
بِهِ وَإِنْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِكُرِّ
حِنْطَةٍ فَقَضَاهُ الَّذِي عَلَيْهِ
الْأَصْلُ فَبَاعَهُ الْكَفِيلُ فَرَبِحَ
فِيهِ فَإِنَّ الرِّبْحَ لَهُ إلَّا أَنَّهُ
أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى الَّذِي
قَضَاهُ وَيَرُدَّهُ عَلَيْهِ وَلَا
أَجْبُرُهُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْقَضَاءِ
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ هُوَ لَهُ
وَلَا يَرُدُّهُ عَلَى الَّذِي قَضَاهُ
الْكُرَّ . إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي
أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اعْلَمْ أَنَّ
رَجُلًا إذَا كَفَلَ عَنْ رَجُلٍ بِأَلْفِ
دِرْهَمٍ بِأَمْرِهِ فَأَدَّى الْأَصِيلُ
الْمَالَ إلَى الْكَفِيلِ قَبْلَ أَنْ
يُؤَدِّيَهُ الْكَفِيلُ إلَى الطَّالِبِ ثُمَّ
أَرَادَ الْأَصِيلُ أَنْ يَسْتَرِدَّ
الْأَلْفَ مِنْ الْكَفِيلِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ
إلَّا أَنْ يَقْضِيَ الدَّيْنَ بِنَفْسِهِ
قَبْلَ أَدَاءِ الْكَفِيلِ فَحِينَئِذٍ
يَسْتَرِدُّ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الدَّفْعَ
كَانَ لِغَرَضٍ وَهُوَ أَنْ يَصِيرَ
الْمَدْفُوعُ حَقًّا لِلْقَابِضِ عَلَى
تَقْدِيرِ أَدَاءِ الدَّيْنِ مِنْ مَالِ
الْكَفِيلِ فَلَمَّا لَمْ يَنْتَفِ هَذَا
الِاحْتِمَالُ بِأَدَاءِ الْأَصِيلِ
بِنَفْسِهِ لَا تَصِحُّ الْمُطَالَبَةُ ا هـ .
أَتْقَانِيٌّ .
(4/161)
لِأَنَّهُ
تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْقَابِضِ عَلَى
احْتِمَالِ قَضَائِهِ الدَّيْنَ ، فَلَا
يُسْتَرْجَعُ مِنْهُ مَا دَامَ هَذَا
الِاحْتِمَالُ بَاقِيًا كَمَنْ عَجَّلَ
الزَّكَاةَ وَدَفَعَهَا إلَى السَّاعِي
وَكَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِشَرْطِ
الْخِيَارِ وَنَقَدَ الثَّمَنَ قَبْلَ مُضِيِّ
مُدَّةِ الْخِيَارِ ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ
يَسْتَرِدَّ قَبْلَ نَقْضِ الْبَيْعِ لَيْسَ
لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ كَانَ
لِغَرَضٍ ، وَهُوَ أَنْ يَصِيرَ زَكَاةً
وَثَمَنًا عِنْدَ مُضِيِّ الْحَوْلِ وَمُضِيِّ
مُدَّةِ الْخِيَارِ فَمَا دَامَ هَذَا
الِاحْتِمَالُ قَائِمًا لَا يُسْتَرَدُّ
وَلِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْقَبْضِ ؛ لِأَنَّ
الْمَطْلُوبَ دَفْعُهُ إلَيْهِ عَلَى وَجْهِ
الْقَضَاءِ ، وَأَخْذُهُ الْكَفِيلُ عَلَى
وَجْهِ الِاقْتِضَاءِ بِأَنْ قَالَ لَهُ
وَقْتَ الدَّفْعِ إنِّي لَا آمَنُ أَنْ
يَأْخُذَ الطَّالِبُ حَقَّهُ مِنْك فَأَنَا
أَقْضِيك الْمَالَ قَبْلَ أَنْ تُؤَدِّيَهُ
بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الدَّفْعُ عَلَى
وَجْهِ الرِّسَالَةِ بِأَنْ قَالَ الْأَصِيلُ
لِلْكَفِيلِ خُذْ هَذَا الْمَالَ وَادْفَعْهُ
إلَى الطَّالِبِ حَيْثُ لَا يَصِيرُ
الْمُؤَدَّى مِلْكًا لِلْكَفِيلِ ، بَلْ هُوَ
أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ .
وَلَكِنْ لَا يَكُونُ لِلْأَصِيلِ أَنْ
يَسْتَرِدَّهُ مِنْ يَدِ الْكَفِيلِ ؛
لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِالْمُؤَدَّى حَقُّ
الطَّالِبِ ، وَهُوَ بِالِاسْتِرْدَادِ
يُرِيدُ إبْطَالَهُ ، فَلَا يُمَكَّنُ مِنْهُ
مَا لَمْ يَقْضِ دَيْنَهُ كَالْمَسْأَلَةِ
الْأُولَى وَلِأَنَّهُ بِالْكَفَالَةِ وَجَبَ
لِلْكَفِيلِ عَلَى الْمَطْلُوبِ حَقٌّ كَمَا
وَجَبَ عَلَى الْكَفِيلِ لِلطَّالِبِ
وَلِهَذَا لَوْ أَخَذَ الْكَفِيلُ مِنْ
الْأَصِيلِ رَهْنًا بِهِ جَازَ ، وَكَذَا لَوْ
أَبْرَأَ الْكَفِيلُ الْأَصِيلَ مِنْ هَذَا
الدَّيْنِ ، أَوْ وَهَبَهُ لَهُ قَبْلَ أَنْ
يَدْفَعَ إلَى الطَّالِبِ جَازَ حَتَّى لَوْ
أَدَّى عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَرْجِعُ
عَلَيْهِ فَيَثْبُتُ بِهَذَا أَنَّ
لِلْكَفِيلِ دَيْنًا عَلَى الْأَصِيلِ إلَّا
أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ
حَتَّى يُؤَدِّيَ عَنْهُ فَصَارَ نَظِيرَ
الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ فَإِنَّهُ
بِالِاسْتِعْجَالِ يُمْلَكُ فَكَذَا هَذَا ،
ثُمَّ بِالِاسْتِرْدَادِ يَكُونُ نَقْضًا
لِمَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ ، فَلَا يُمَكَّنُ
مِنْهُ .
قَالَ (وَمَا رَبِحَ الْكَفِيلُ لَهُ) أَيْ
إذَا رَبِحَ الْكَفِيلُ بِالْمَالِ الَّذِي
قَبَضَهُ مِنْ الْمَطْلُوبِ قَبْلَ أَنْ
يُعْطِيَ هُوَ لِلطَّالِبِ طَابَ لَهُ
الرِّبْحُ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْقَبْضِ
فَكَانَ الرِّبْحُ بَدَلَ مِلْكِهِ وَلَا
يَتَصَدَّقُ بِهِ سَوَاءٌ قَضَى الدَّيْنَ
هُوَ أَوْ الْأَصِيلُ ؛ لِأَنَّهُ
بِالْكَفَالَةِ وَجَبَ لَهُ عَلَى الْأَصِيلِ
دَيْنٌ إلَّا أَنَّهُ تُؤَخَّرُ مُطَالَبَتُهُ
حَتَّى يَدْفَعَ فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ
الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ فَيَمْلِكُهُ
بِالْقَبْضِ عَلَى مَا بَيَّنَّا إلَّا أَنَّ
فِيهِ نَوْعَ خُبْثٍ إذَا قَضَى الْأَصِيلُ
الدَّيْنَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِمَا
نَذْكُرُ ، فَلَا يُعْمَلُ فِيمَا لَا
يَتَعَيَّنُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي
الْبُيُوعِ ، وَإِنْ قَضَى الْكَفِيلُ ، فَلَا
خُبْثَ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ هَذَا إذَا
قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِضَاءِ ، وَإِنْ
قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ لَا
يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ عَلَى قَوْلِ أَبِي
حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِعَدَمِ الْمِلْكِ
وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَطِيبُ
لِعَدَمِ التَّعْيِينِ وَأَصْلُ الْخِلَافِ
فِي الرِّبْحِ بِالدَّرَاهِمِ الْمَغْصُوبَةِ
.
قَالَ (وَنُدِبَ رَدُّهُ عَلَى الْمَطْلُوبِ
لَوْ شَيْئًا يَتَعَيَّنُ) يَعْنِي
يُسْتَحَبُّ رَدُّ الرِّبْحِ عَلَى
الْمَكْفُولِ عَنْهُ إذَا كَانَ الْمَقْبُوضُ
شَيْئًا يَتَعَيَّنُ كَالْحِنْطَةِ ،
وَالشَّعِيرِ ، وَهَذَا إذَا قَضَى الْأَصِيلُ
الدَّيْنَ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ
وَعَنْهُ أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ وَقَالَا
يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ
عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْقَبْضِ
عَلَى مِثَالِ مَا لَوْ اقْتَضَى دَيْنَهُ
الْمُؤَجَّلَ وَرَبِحَ فِيهِ وَلَهُ أَنَّ
الْخُبْثَ تَمَكَّنَ مَعَ الْمِلْكِ فِيمَا
يَتَعَيَّنُ ؛ لِأَنَّ اقْتِضَاءَهُ قَاصِرٌ
أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَكْفُولَ عَنْهُ
بِسَبِيلٍ مِنْ قَضَاءِ دَيْنِهِ
وَاسْتِرْدَادِهِ الْعَيْنَ الْمَقْبُوضَةَ
فَلَا يَخْلُو عَنْ الشُّبْهَةِ فَإِذَا لَمْ
يَطِبْ لَهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ فِي رِوَايَةٍ
عَلَى الْفُقَرَاءِ وَفِي رِوَايَةٍ يَرُدُّهُ
عَلَى الْأَصِيلِ ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهِيَةَ
لِحَقِّهِ ، ثُمَّ إنْ كَانَ الْأَصِيلُ
فَقِيرًا يَطِيبُ لَهُ ، وَإِنْ كَانَ
غَنِيًّا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ ،
وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ يَطِيبُ لَهُ هَذَا
إذَا أَعْطَاهُ عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ
لِدَيْنِهِ ، وَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِ عَلَى
وَجْهِ الرِّسَالَةِ لَا يَطِيبُ لَهُ
الرِّبْحُ بِالِاتِّفَاقِ ؛ لِأَنَّهُ لَا
يَمْلِكُهُ وَيَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ
بِعَيْنِهِ لِتَعَيُّنِهِ فَتَكُونُ
الْحُرْمَةُ فِيهِ حَقِيقَةً كَالْمَغْصُوبِ
الْمُتَعَيِّنِ إذَا رَبِحَ فِيهِ بِخِلَافِ
مَا لَا يَتَعَيَّنُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ : بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ
الدَّفْعُ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ) قَالَ
الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالُوا
فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ هَذَا
الْفَصْلُ عَلَى وَجْهَيْنِ فَإِمَّا أَنْ
يَدْفَعَ الْأَصِيلُ إلَيْهِ عَلَى وَجْهِ
الرِّسَالَةِ أَوْ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِضَاءِ
وَكُلُّ ذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا إنْ
كَانَ الْمَدْفُوعُ مِمَّا لَا يَتَعَيَّنُ
بِالتَّعْيِينِ كَالنُّقُودِ أَوْ مِمَّا
يَتَعَيَّنُ كَالْعُرُوضِ ، فَإِنْ دَفَعَ
عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ بِأَنْ قَالَ خُذْ
هَذَا الْمَالَ وَادْفَعْ إلَى الطَّالِبِ لَا
يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ سَوَاءٌ كَانَ
الْمَدْفُوعُ مِمَّا لَا يَتَعَيَّنُ أَوْ
يَتَعَيَّنُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ
وَمُحَمَّدٍ وَطَابَ لَهُ عِنْدَ أَبِي
يُوسُفَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْخُبْثَ لِعَدَمِ
الْمِلْكِ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ وُجِدَ فِي
غَيْرِ مِلْكِهِ فَاسْتَوَى فِيهِ الْمَالَانِ
قَالَ قَاضِي خَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمُودَعَ أَوْ
الْغَاصِبَ إذَا تَصَرَّفَ فِي الْوَدِيعَةِ
أَوْ الْمَغْصُوبِ وَرَبِحَ فَعِنْدَهُمَا لَا
يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ خِلَافًا لِأَبِي
يُوسُفَ وَإِنْ دَفَعَ عَلَى وَجْهِ
الِاقْتِضَاءِ بِأَنْ قَالَ الْأَصِيلُ
لِلْكَفِيلِ إنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَأْخُذَ
الطَّالِبُ حَقَّهُ مِنْك فَأَنَا أَقْضِيك
قَبْلَ أَنْ تُؤَدِّيَ طَابَ لَهُ الرِّبْحُ
إذَا كَانَ الْمَدْفُوعُ مِمَّا لَا
يَتَعَيَّنُ كَالنُّقُودِ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا
بِالْقَبْضِ لِمَا قُلْنَا : غَايَةُ مَا فِي
الْبَابِ أَنَّ لِلْأَصِيلِ الرُّجُوعَ عَلَى
الْكَفِيلِ إذَا أَدَّى الْأَصِيلُ بِنَفْسِهِ
وَبِالرُّجُوعِ لَا يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَمْ
يَمْلِكْ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ وَإِنْ
كَانَ الْمَدْفُوعُ مِمَّا يَتَعَيَّنُ
كَغَيْرِ النُّقُودِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ
فِي رِوَايَةِ هَذَا الْكِتَابِ يُسْتَحَبُّ
أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْأَصِيلِ وَقَالَ فِي
كِتَابِ الْكَفَالَةِ : مَنُّ الْأَصِيلِ
يُتَصَدَّقُ بِهِ وَقَالَ فِي كِتَابِ
الْبُيُوعِ : مَنُّهُ لَا يَطِيبُ لَهُ .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَطِيبُ
لَهُ ا هـ .
قَوْلُهُ وَفِي رِوَايَةِ هَذَا الْكِتَابِ
يَعْنِي الْجَامِعَ الصَّغِيرَ ا هـ .
(قَوْلُهُ : وَقَالَا يَطِيبُ إلَى آخِرِهِ)
قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ قَوْلِهِمَا
أَنَّ الْكَفِيلَ بِعَقْدِ هَذِهِ
الْكَفَالَةِ اسْتَوْجَبَ عَلَى الْأَصِيلِ
دَيْنًا مُؤَجَّلًا كَمَا بَيَّنَّا وَلِهَذَا
صَحَّ إبْرَاءُ الْأَصِيلِ الْكَفِيلَ قَبْلَ
أَدَاءِ الْكَفِيلِ حَتَّى إذَا أَدَّى لَمْ
يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ وَصَاحِبُ الدَّيْنِ
الْمُؤَجَّلِ إذَا اسْتَوْفَاهُ يَكُونُ
اسْتِيفَاؤُهُ صَحِيحًا فَكَانَ الرِّبْحُ
حَاصِلًا عَلَى مِلْكِهِ فَطَابَ لَهُ
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مِلْكَ الْكَفِيلِ
فِي الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ قَاصِرٌ وَذَلِكَ
لِأَنَّ الطَّالِبَ إذَا أَخَذَ حَقَّهُ مِنْ
الْكَفِيلِ يَتَقَرَّرُ مِلْكُهُ وَإِذَا
أَخَذَ مِنْ الْأَصِيلِ يَنْتَقِضُ فَكَانَ
الْمِلْكُ قَاصِرًا فَلَوْ لَمْ يَكُنْ
الْمِلْكُ أَصْلًا تَثْبُتُ حَقِيقَةُ
الْخُبْثِ فَإِذَا كَانَ قَاصِرًا تَثْبُتُ
شُبْهَةُ الْخُبْثِ فَلَمْ يَطِبْ لَهُ
الرِّبْحُ ا هـ .
(قَوْلُهُ : وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فَفِيهِ
رِوَايَتَانِ) أَيْ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ ا
هـ .
غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْأَشْبَهُ إلَى
آخِرِهِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فَخْرُ
الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِ
الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْأَشْبَهُ أَنْ
يَطِيبَ لَهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُرَدُّ
عَلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ حَقُّهُ ا هـ ..
(4/162)
عِنْدَ أَبِي
يُوسُفَ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَمَرَ
كَفِيلَهُ أَنْ يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ حَرِيرًا
فَفَعَلَ ، فَالشِّرَاءُ لِلْكَفِيلِ ،
وَالرِّبْحُ عَلَيْهِ) وَتَفْسِيرُهُ أَنَّ
الْأَصِيلَ أَمَرَ الْكَفِيلَ بِبَيْعِ
الْعِينَةِ ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لَهُ
اشْتَرِ مِنْ النَّاسِ حَرِيرًا ، أَوْ
غَيْرَهُ مِنْ الْأَنْوَاعِ ، ثُمَّ بِعْهُ
فَمَا رَبِحَهُ الْبَائِعُ مِنْك وَخَسِرْت
أَنْتَ فَعَلَيَّ ، وَصُورَتُهُ أَنْ يَأْتِيَ
هُوَ إلَى تَاجِرٍ فَيَطْلُبَ مِنْهُ
الْقَرْضَ وَيَطْلُبَ التَّاجِرُ الرِّبْحَ
وَيَخَافُ مِنْ الرِّبَا فَيَبِيعَهُ
التَّاجِرُ ثَوْبًا يُسَاوِي عَشَرَةً مَثَلًا
بَخَمْسَةَ عَشَرَ نَسِيئَةً لِيَبِيعَهُ هُوَ
فِي السُّوقِ بِعَشَرَةٍ فَيَصِلَ إلَى
الْعَشَرَةِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ لِلْبَائِعِ
خَمْسَةَ عَشَرَ إلَى أَجَلٍ ، أَوْ
يُقْرِضَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا ، ثُمَّ
يَبِيعَهُ الْمُقْرِضُ ثَوْبًا يُسَاوِي
عَشَرَةً بَخَمْسَةَ عَشَرَ فَيَأْخُذُ
الدَّرَاهِمَ الَّتِي أَقْرَضَهُ عَلَى
أَنَّهَا ثَمَنُ الثَّوْبِ فَتَبْقَى عَلَيْهِ
الْخَمْسَةَ عَشَرَ قَرْضًا فَإِذَا فَعَلَ
ذَلِكَ نَفَذَ عَلَيْهِ ، وَالرِّبْحُ الَّذِي
رَبِحَهُ التَّاجِرُ يَلْزَمُهُ وَلَا
يَلْزَمُ الْآمِرَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ؛
لِأَنَّهُ إمَّا ضَامِنٌ لِمَا يَخْسَرُهُ
كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ نَظَرًا إلَى
قَوْلِهِ عَلَى أَنَّهَا لِلْوُجُوبِ ، فَلَا
يَجُوزُ كَمَا قَالَ لِرَجُلٍ فِي السُّوقِ
فَمَا خَسِرْت فَعَلَيَّ ، وَإِمَّا تَوْكِيلٌ
بِالشِّرَاءِ كَمَا قَالَهُ الْبَعْضُ نَظَرًا
إلَى الْأَمْرِ بِهِ ، فَلَا يَجُوزُ أَيْضًا
لِجَهَالَةِ نَوْعِ الْحَرِيرِ وَثَمَنِهِ .
وَسُمِّيَ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الْبَيْعِ
عِينَةً لِمَا فِيهِ مِنْ السَّلَفِ يُقَالُ
بَاعَهُ بِعِينَةٍ أَيْ نَسِيئَةٍ مِنْ عَيْنِ
الْمِيزَانِ ، وَهُوَ مَيْلُهُ ؛ لِأَنَّهَا
زِيَادَةٌ وَقِيلَ : ؛ لِأَنَّهَا بَيْعُ
الْعَيْنِ بِالرِّبْحِ وَقِيلَ : هِيَ شِرَاءُ
مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ وَقِيلَ :
لِمَا فِيهَا مِنْ الْإِعْرَاضِ عَنْ
الدَّيْنِ إلَى الْعَيْنِ ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ
لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِعْرَاضِ عَنْ مَبَرَّةِ
الْإِقْرَاضِ مُطَاوَعَةً لِشُحِّ النَّفْسِ ،
وَهَذَا النَّوْعُ مَذْمُومٌ شَرْعًا
اخْتَرَعَهُ أَكَلَةُ الرِّبَا وَقَالَ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا
تَبَايَعْتُمْ بِالْعَيْنِ وَاتَّبَعْتُمْ
أَذْنَابَ الْبَقَرِ ذَلَلْتُمْ وَظَهَرَ
عَلَيْكُمْ عَدُوُّكُمْ» .
قَالَ (وَمَنْ كَفَلَ عَنْ رَجُلٍ بِمَا ذَابَ
لَهُ عَلَيْهِ ، أَوْ بِمَا قُضِيَ لَهُ
عَلَيْهِ فَغَابَ الْمَطْلُوبُ فَبَرْهَنَ
الْمُدَّعِي عَلَى الْكَفِيلِ أَنَّ لَهُ
عَلَى الْمَطْلُوبِ أَلْفًا لَمْ يُقْبَلْ) ؛
لِأَنَّهُ كَفَلَ مَالًا سَيَجِبُ فِي
الْمُسْتَقْبَلِ بِالْقَضَاءِ ، أَوْ بِأَيِّ
سَبَبٍ كَانَ وَذَلِكَ لَمْ يُوجَدْ ؛ لِأَنَّ
الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ
فَلَمْ يُوجِبْ شَيْئًا وَلَمْ يُوجَدْ
شَرْطُهُ وَلِهَذَا لَوْ أَقَرَّ الْكَفِيلُ
عَلَى الْأَصِيلِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ لَا
يَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ
لَا يُوجَبُ عَلَى الْأَصِيلِ وَشَرْطُ
لُزُومِ الْكَفِيلِ فِي هَذِهِ الْكَفَالَةِ
الْوُجُوبُ عَلَى الْأَصِيلِ فَكَذَا
الْقَضَاءُ ، وَهُوَ غَائِبٌ وَلِأَنَّهُ
يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا قَبْلَ
الْكَفَالَةِ ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا بَعْدَهُ
فَيَجِبُ عَلَيْهِ ، فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ
الْكَفَالَةِ بِالشَّكِّ حَتَّى لَوْ ادَّعَى
الْوُجُوبَ بَعْدَ الْكَفَالَةِ بِأَنْ قَالَ
حَكَمَ لِي عَلَيْهِ الْقَاضِي فُلَانٌ
بِكَذَا بَعْدَ الْكَفَالَةِ وَأَقَامَ
الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ ؛
لِأَنَّهُ ادَّعَى عَلَيْهِ مَالًا دَخَلَ فِي
الْكَفَالَةِ وَلَزِمَهُمَا الْمَالُ .
قَالَ (وَلَوْ بَرْهَنَ أَنَّ لَهُ عَلَى
زَيْدٍ كَذَا وَأَنَّ هَذَا كَفِيلٌ عَنْهُ
بِأَمْرِهِ قُضِيَ بِهِ عَلَيْهِمَا وَلَوْ
بِلَا أَمْرٍ قُضِيَ عَلَى الْكَفِيلِ فَقَطْ)
أَيْ لَوْ أَحْضَرَ شَخْصًا عِنْدَ الْقَاضِي
فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ عَلَى
فُلَانٍ الْغَائِبِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَأَنَّ
هَذَا الشَّخْصَ كَفِيلٌ عَنْهُ بِأَمْرِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ وَاتَّبَعْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ)
الْمُرَادُ بِاتِّبَاعِ أَذْنَابِ الْبَقَرِ
الزِّرَاعَةُ ا هـ .
غَايَةٌ لِأَنَّهُمْ حِينَئِذٍ يَتْرُكُونَ
الْجِهَادَ وَتَأْلَفُ النَّفْسُ الْجُبْنَ
قَالَهُ الْكَمَالُ ا هـ (قَوْلُهُ :
ذَلَلْتُمْ) مِنْ بَابِ ضَرَبَ ا هـ مِصْبَاحٌ
(قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَمَنْ كَفَلَ عَنْ
رَجُلٍ إلَى آخِرِهِ) وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ
فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ
يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ
تَكَفَّلَ لِرَجُلٍ بِمَا ذَابَ لَهُ عَلَيْهِ
مِنْ حَقٍّ أَوْ بِمَا قُضِيَ لَهُ عَلَيْهِ
مِنْ حَقٍّ فَغَابَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ
فَجَاءَ الْمُدَّعِي بِالْكَفِيلِ فَأَقَامَ
عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ عَلَى
الْمَكْفُولِ عَنْهُ أَلْفَ دِرْ هَمٍ قَالَ
لَا تُسْمَعُ مِنْهُ بَيِّنَةٌ عَلَى
الْكَفِيلِ حَتَّى يُحْضِرَ الْمَكْفُولَ بِهِ
إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي أَصْلِ
الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَذَلِكَ لِأَنَّ
الْكَفِيلَ الْتَزَمَ مَا لَا يُقْضَى بِهِ
فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَمَا لَمْ يُقْضَ بِهِ
لَا يَجِبُ شَيْءٌ عَلَى الْكَفِيلِ لِأَنَّ
شَرْطَ وُجُوبِ الْمَالِ عَلَى الْكَفِيلِ
الْقَضَاءُ عَلَى الْأَصِيلِ وَلَمْ يُوجَدْ
الشَّرْطُ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا كَفَلَ
بِمَا قُضِيَ لَهُ عَلَيْهِ أَمَّا إذَا
كَفَلَ بِمَا ذَابَ لَهُ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ
لِأَنَّ مَعْنَى ذَابَ وَجَبَ مُسْتَعَارٌ
مِنْ ذَوْبِ الشَّحْمِ كَذَا ذَكَرَهُ
الْمُطَرِّزِيُّ وَاللَّفْظُ وَإِنْ كَانَ
مَاضِيًا يُرَادُ بِهِ الْمُسْتَقْبَلُ
كَقَوْلِهِمْ أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَك
وَأَدَامَ عِزَّك فَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ
قُلْنَا الْكَفِيلُ كَفَلَ بِمَالٍ يَجِبُ
عَلَى الْغَائِبِ بَعْدَ عَقْدِ الْكَفَالَةِ
لَا قَبْلَهُ وَدَعْوَى الْمُدَّعِي عَلَى
الْكَفِيلِ مُطْلَقَةٌ عَنْ ذَلِكَ حَيْثُ
لَمْ يَتَعَرَّضْ لِوُجُوبِ الْمَالِ بَعْدَ
عَقْدِ الْكَفَالَةِ بَلْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ
كَانَ وَاجِبًا قَبْلَ الْكَفَالَةِ وَذَلِكَ
لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْكَفَالَةِ فَفَسَدَتْ
الدَّعْوَى فَلَمْ تُسْمَعْ الْبَيِّنَةُ ا هـ
.
أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ
: فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي عَلَى الْكَفِيلِ
أَنَّ لَهُ عَلَى الْمَطْلُوبِ أَلْفًا لَمْ
يُقْبَلْ) لِأَنَّهُ قَضَاءٌ عَلَى غَائِبٍ
لَمْ يَنْتَصِبْ عَنْهُ خَصْمٌ إذْ الْكَفِيلُ
فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يَكُونُ خَصْمًا
عَنْهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا كَفَلَ عَنْهُ
بِمَالٍ مَقْضِيٍّ بِهِ بَعْدَ الْكَفَالَةِ
لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَاضِيًا فَالْمُرَادُ
بِهِ الْمُسْتَقْبَلُ كَقَوْلِهِمْ أَطَالَ
اللَّهُ بَقَاءَك وَهَذَا لِأَنَّهُ جَعَلَ
الذَّوْبَ شَرْطًا وَالشَّرْطُ لَا بُدَّ مِنْ
كَوْنِهِ مُسْتَقْبَلًا عَلَى خَطَرِ
الْوُجُودِ فَمَا لَمْ يُوجَدْ الذَّوْبُ
بَعْدَ الْكَفَالَةِ لَا يَكُونُ كَفِيلًا
وَالدَّعْوَى مُطْلَقٌ عَنْ ذَلِكَ
وَالْبَيِّنَةُ لَمْ تَشْهَدْ بِقَضَاءِ مَالٍ
وَجَبَ بَعْدَ الْكَفَالَةِ فَلَمْ يَقُمْ
عَلَى مَنْ اتَّصَفَ بِكَوْنِهِ كَفِيلًا عَنْ
الْغَائِبِ بَلْ عَلَى أَجْنَبِيٍّ إذْ لَا
يَنْتَصِبُ خَصْمًا وَهَذَا فِي لَفْظِ
الْقَضَاءِ ظَاهِرٌ ، وَكَذَا فِي فِي
الْأُخْرَى وَهُوَ لَفْظُ ذَابَ لِأَنَّ
مَعْنَى ذَابَ تَقَرَّرَ وَوَجَبَ وَهُوَ
الْقَضَاءُ بَعْدَ الْكَفَالَةِ ا هـ .
كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ :
وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ إلَى آخِرِهِ) صَارَ
كَفِيلًا وَصَحَّتْ الدَّعْوَى وَقُضِيَ عَلَى
الْكَفِيلِ بِالْمَالِ لِصَيْرُورَتِهِ
خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ سَوَاءٌ كَانَتْ
الْكَفَالَةُ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ
أَمْرِهِ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ بِغَيْرِ
أَمْرِهِ يَكُونُ الْقَضَاءُ عَلَى الْكَفِيلِ
خَاصَّةً ا هـ .
فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ
بَرْهَنَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ
وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْجَامِعِ
الصَّغِيرِ وَقَالَ يَعْقُوبُ وَمُحَمَّدٌ
إذَا كَفَلَ عَنْ رَجُلٍ بِمَالٍ لِرَجُلٍ
بِأَمْرِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ فَغَابَ
الْمَكْفُولُ عَنْهُ فَجَاءَ الطَّالِبُ
بِالْكَفِيلِ فَأَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً
أَنَّ لَهُ عَلَى فُلَانٍ كَذَا وَكَذَا
وَأَنَّ هَذَا كَفِيلٌ لَهُ بِأَمْرِ فُلَانٍ
عَنْ فَلِ انٍ فَإِنِّي أَقْضِي
بِشَهَادَتِهِمْ بِالْمَالِ عَلَى هَذَا
وَعَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ الْغَائِبِ ،
فَإِنْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِغَيْرِ أَمْرِ
الْغَائِبِ قَضَيْت بِالْمَالِ عَلَى
الْكَفِيلِ وَلَمْ يَكُنْ الْكَفِيلُ بِخَصْمٍ
عَلَى الْغَائِبِ إلَى هُنَا لَفْظُ
الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَالَ الْفَقِيهُ
أَبُو اللَّيْثِ
(4/163)
قُبِلَتْ
الْبَيِّنَةُ وَقُضِيَ عَلَى الْأَصِيلِ
وَالْكَفِيلِ جَمِيعًا وَلَوْ أَقَامَ
الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ كَفَلَ عَنْهُ بِغَيْرِ
أَمْرِهِ قُضِيَ عَلَى الْكَفِيلِ فَقَطْ
وَلَا يُقْضَى عَلَى الْغَائِبِ ؛ لِأَنَّ
الْمُدَّعَى هُنَا مَالٌ مُطْلَقٌ فَأَمْكَنَ
إثْبَاتُهُ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ عَلَى مَا
بَيَّنَّاهُ ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ
بِالْأَمْرِ وَعَدَمِهِ ؛ لِأَنَّهُمَا
يَتَغَايَرَانِ ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ
بِأَمْرِهِ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً مُعَاوَضَةٌ
انْتِهَاءً وَبِغَيْرِ أَمْرِهِ تَبَرُّعٌ
ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً ، فَالْقَضَاءُ
بِأَحَدِهِمَا لَا يَكُونُ قَضَاءً بِالْآخَرِ
، وَإِذَا قُضِيَ بِهَا بِالْأَمْرِ ثَبَتَتْ
وَهُوَ يَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ بِالْمَالِ
فَيَصِيرُ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ ،
وَالْكَفَالَةُ بِغَيْرِ أَمْرٍ لَا تَمَسُّ
جَانِبَهُ ؛ لِأَنَّ صِحَّتَهَا تَعْتَمِدُ
قِيَامَ الدَّيْنِ فِي زَعْمِ الْكَفِيلِ ،
فَلَا يَتَعَدَّى إلَيْهِ وَفِي الْكَفَالَةِ
بِأَمْرِهِ يَرْجِعُ الْكَفِيلُ بِمَا أَدَّى
عَلَى الْآمِرِ .
وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا
يَرْجِعُ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَنْكَرَ
الْكَفَالَةَ فَقَدْ ظُلِمَ فِي زَعْمِهِ
فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَظْلِمَ غَيْرَهُ
وَنَحْنُ نَقُولُ صَارَ مُكَذَّبًا شَرْعًا
فَبَطَلَ زَعْمُهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ كَمَا
يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ
بِالثَّمَنِ إذَا اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ ،
وَإِنْ كَانَ فِي زَعْمِهِ أَنَّ الْبَيْعَ
صَحِيحٌ لِمَا قُلْنَا ، فَإِنْ قِيلَ :
كَيْفَ يُقْضَى عَلَى الْغَائِبِ إذَا كَانَتْ
الْكَفَالَةُ بِأَمْرِهِ ، وَالْقَضَاءُ عَلَى
الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا قُلْنَا
إذَا لَمْ يَتَوَصَّلْ إلَى حَقِّهِ عَلَى
الْحَاضِرِ إلَّا بِإِثْبَاتِهِ عَلَى
الْغَائِبِ يَجُوزُ الْقَضَاءُ عَلَى
الْغَائِبِ كَمَا إذَا ادَّعَى عَبْدٌ أَنَّ
الْحَاضِرَ اشْتَرَاهُ مِنْ مَوْلَاهُ
الْغَائِبِ ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ فَأَنْكَرَ
الْحَاضِرُ الشِّرَاءَ ، وَالْإِعْتَاقَ كَانَ
الْحَاضِرُ خَصْمًا عَنْ مَوْلَاهُ حَتَّى
إذَا أَثْبَتَ الْعَبْدُ الشِّرَاءَ
وَالْعِتْقَ نَفَذَ عَلَى الْغَائِبِ حَتَّى
إذَا حَضَرَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَهُ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَفَالَتُهُ
بِالدَّرَكِ تَسْلِيمٌ) مَعْنَاهُ إذَا بَاعَ
رَجُلٌ دَارًا مَثَلًا فَكَفَلَ رَجُلٌ
لِلْمُشْتَرِي عَنْ الْبَائِعِ بِالدَّرَكِ ،
وَهُوَ ضَمَانُ الثَّمَنِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ
الْمَبِيعِ فَكَفَالَتُهُ تَسْلِيمٌ
لِلْمَبِيعِ ، وَإِقْرَارٌ مِنْهُ أَنَّهُ لَا
حَقَّ لَهُ فِيهَا حَتَّى لَوْ ادَّعَى أَنَّ
الدَّارَ مِلْكُهُ ، أَوْ ادَّعَى فِيهَا
الشُّفْعَةَ ، أَوْ الْإِجَارَةَ لَا تُسْمَعُ
دَعْوَاهُ ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ إنْ كَانَتْ
مَشْرُوطَةً فِي الْبَيْعِ تَوَقَّفَ
جَوَازُهُ عَلَى قَبُولِ الْكَفِيلِ
لِلْكَفَالَةِ فِي الْمَجْلِسِ فَإِذَا قَبِلَ
وَانْبَرَمَ بِقَبُولِهِ ثُمَّ ادَّعَى
الْمِلْكَ أَوْ غَيْرَهُ صَارَ سَاعِيًا فِي
نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ وَمَنْ سَعَى
فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ ضَلَّ
سَعْيُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ، وَإِنْ
لَمْ تَكُنْ مَشْرُوطَةً فِي الْبَيْعِ ،
فَالْمَطْلُوبُ مِنْ هَذِهِ الْكَفَالَةِ
إتْمَامُ الْبَيْعِ ، وَإِحْكَامُهُ بِأَنْ
لَا يَرْغَبَ فِيهَا الْمُشْتَرِي إلَّا
بِالْكَفَالَةِ خَوْفًا مِنْ الِاسْتِحْقَاقِ
فَيَكُونُ إقْرَارًا مِنْهُ بِأَنَّ
الْبَائِعَ مَالِكٌ لَهَا وَقْتَ الْبَيْعِ ،
فَلَا تَصِحُّ دَعْوَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَشَهَادَتُهُ
وَخَتْمُهُ لَا) أَيْ كِتَابَةُ شَهَادَتِهِ
وَخَتْمِهِ لَا يَكُونُ تَسْلِيمًا حَتَّى
إذَا ادَّعَاهُ بَعْدَهُ تُقْبَلُ دَعْوَاهُ ؛
لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَيْسَ فِيهَا مَا
يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَقَرَّ لِلْبَائِعِ
بِالْمِلْكِ ؛ إذْ الْبَيْعُ يُوجَدُ مِنْ
غَيْرِ الْمَالِكِ كَمَا يُوجَدُ مِنْ
الْمَالِكِ وَلَعَلَّهُ كَتَبَ الشَّهَادَةَ
لِيَحْفَظَ الْوَاقِعَةَ ، أَوْ لِيَنْظُرَ
فِي الْبَيْعِ حَتَّى إذَا رَأَى فِيهِ
مَصْلَحَةً أَجَازَهُ وَلَيْسَ فِيهِ مَا
يَدُلُّ عَلَى نَفَاذِهِ بِخِلَافِ ضَمَانِ
الدَّرَكِ ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ
الِانْبِرَامُ عَلَى مَا بَيَّنَّا حَتَّى
لَوْ شَهِدَ هُنَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ذُكِرَ فِي
الْكِتَابِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ
خَاصَّةً وَلَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ
اخْتِلَافٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ عَنْ أَبِي
حَنِيفَةَ خِلَافُ هَذَا . وَشَمْسُ
الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ إنَّمَا خَصَّ
قَوْلَهُمَا بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ لَمْ
يَحْفَظْهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ نَصًّا
وَإِنَّمَا قُبِلَتْ الْبَيِّنَةُ هُنَا
وَلَمْ تُقْبَلْ فِي الْمَسْأَلَةِ
الْمُتَقَدِّمَةِ لِأَنَّ ثَمَّةَ
الْمَكْفُولُ بِهِ مَالٌ مُقَيَّدٌ وَهُوَ مَا
عَلَى الْكَفِيلِ بَعْدَ عَقْدِ الْكَفَالَةِ
وَدَعْوَى الْمُدَّعِي وَقَعَتْ مُطْلَقَةً
لَمْ يَتَعَرَّضْ لِذَلِكَ فَفَسَدَتْ
الدَّعْوَى فَلَمْ تُقْبَلْ وَهَهُنَا
الْمَكْفُولُ بِهِ مَالٌ مُطْلَقٌ لِأَنَّهُ
قَالَ وَإِنَّ هَذَا كَفِيلٌ عَنْهُ
بِأَمْرِهِ وَدَعْوَى الْحَالِ مُطْلَقَةٌ
أَيْضًا وَصَحَّتْ الدَّعْوَى فَقُبِلَتْ
الْبَيِّنَةُ لِأَنَّهَا بِنَاءٌ عَلَى
صِحَّةِ الدَّعْوَى ا هـ .
أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَقُضِيَ عَلَى
الْأَصِيلِ وَالْكَفِيلِ جَمِيعًا)
وَفَائِدَةُ الْقَضَاءِ عَلَى الْكَفِيلِ
وَالْمَكْفُولِ عَنْهُ أَنَّهُ لَوْ حَضَرَ
الْمَكْفُولُ عَنْهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى
إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ
لَمَّا أَثْبَتَ الْكَفَالَةَ عَلَى
الْحَاضِرِ بِأَمْرِ الْغَائِبِ وَقَضَى
الْقَاضِي بِذَلِكَ ثَبَتَ أَمْرُ الْغَائِبِ
بِالْكَفَالَةِ عَنْهُ وَثَبَتَ إقْرَارُهُ
بِالدَّيْنِ وَانْتَصَبَ الْحَاضِرُ خَصْمًا
عَنْ الْغَائِبِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَامَ
الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ كَفَلَ بِغَيْرِ
أَمْرِ الْغَائِبِ ثَبَتَ الدَّيْنُ عَلَى
الْكَفِيلِ خَاصَّةً وَلَا يَثْبُتُ عَلَى
الْغَائِبِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ
يَثْبُتْ الْأَمْرُ مِنْ الْغَائِبِ لَمْ
يَتَعَدَّ الْقَضَاءُ إلَيْهِ كَذَا قَالَ
الْإِمَامُ الزَّاهِدُ الْعَتَّابِيُّ ا هـ .
غَايَةٌ (قَوْلُهُ : وَلَا يُقْضَى عَلَى
الْغَائِبِ لِأَنَّ الْمُدَّعَى هُنَا مَالٌ
إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ وَإِنَّمَا
قُبِلَتْ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ وَلَمْ تُقْبَلْ
فِيمَا قَبْلَهَا لِأَنَّ الْمَكْفُولَ هُنَا
مَالٌ مُطْلَقٌ وَدَعْوَى الْمُدَّعِي
مُطْلَقَةٌ فَصَحَّتْ الدَّعْوَى فَقُبِلَتْ
الْبَيِّنَةُ لِأَنَّهَا بِنَاءٌ عَلَى
صِحَّةِ الدَّعْوَى بِخِلَافِ مَا قَبْلَهَا
لِأَنَّ الْمَكْفُولَ بِهِ هُنَاكَ مَالٌ
مُقَيَّدٌ بِكَوْنِ وُجُوبِهِ بَعْدَ
الْكَفَالَةِ وَإِنْ كَانَ مُقَيَّدًا
بِخُصُوصِ كَمِّيَّةٍ وَلَمْ تُطَابِقْهَا
دَعْوَى الْمُدَّعِي وَلَا الْبَيِّنَةُ ا هـ
.
(قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ لَمَّا أَنْكَرَ
الْكَفَالَةَ إلَخْ) صَارَ ذَلِكَ مِنْهُ
إقْرَارًا بِأَنَّ الْأَصِيلَ لَمْ يَأْمُرْهُ
وَإِقْرَارُ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ صَحِيحٌ
لِأَنَّهُ مُؤَاخَذٌ بِزَعْمِهِ ، فَلَا
رُجُوعَ إذَنْ ا هـ .
أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ
فَقَدْ ظُلِمَ فِي زَعْمِهِ) قَالَ فِي
الْجَمْهَرَةِ وَالزَّعْمُ وَالزَّعْمُ
لُغَتَانِ فَصِيحَتَانِ ، وَأَكْثَرُ مَا
يَقَعُ الزَّعْمُ عَلَى الْبَاطِلِ ،
وَكَذَلِكَ هُوَ فِي التَّنْزِيلِ {زَعَمَ
الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا}
[التغابن : 7] ، وَكَذَلِكَ مَا جَاءَ مِنْ
الزَّعْمِ فِي الْقُرْآنِ ا هـ .
غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَنَحْنُ نَقُولُ) أَيْ
لَمَّا قَضَى الْقَاضِي بِالْكَفَالَةِ
بِأَمْرٍ بِالْبَيِّنَةِ ا هـ (قَوْلُهُ :
فَبَطَلَ زَعْمُهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ) قَالَ
الْأَتْقَانِيُّ كَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا مِنْ
إنْسَانٍ وَأَقَرَّ أَنَّ الْبَائِعَ بَاعَ
مِلْكَ نَفْسِهِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ
بِالْبَيِّنَةِ كَانَ لِلْمُشْتَرِي
الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ
لِأَنَّهُ بَطَلَ زَعْمُهُ ا هـ ..
(قَوْلُهُ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ إنْ كَانَتْ
مَشْرُوطَةً فِي الْبَيْعِ) بِأَنْ بَاعَ
بِشَرْطِ الْكَفَالَةِ ا هـ . غَايَةٌ
(قَوْلُهُ فَالْمَطْلُوبُ مِنْ هَذِهِ
الْكَفَالَةِ) تَرْغِيبُ الْمُشْتَرِي فِي
الْمَبِيعِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَا يَرْغَبُ
فِي الشِّرَاءِ إذَا لَمْ يَضْمَنْ
بِالدَّرَكِ أَحَدٌ فَيَكُونُ الْمُرَادُ
مِنْهُ تَرْغِيبًا وَتَأْكِيدَ الْعَقْدِ
فَكَأَنَّهُ قَالَ اشْتَرِ هَذَا فَإِنَّ
الْعَقْدَ جَائِزٌ وَالْمَبِيعَ مِلْكُ
الْبَائِعِ ، فَإِنْ لَحِقَك دَرَكٌ فِيهِ
فَأَنَا ضَامِنٌ لَك فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ
كَانَ الْكَفِيلُ مُقِرًّا بِمِلْكِ
الْبَائِعِ ، فَلَا يَصِحُّ دَعْوَاهُ بَعْدَ
ذَلِكَ لِلتَّنَاقُضِ ا هـ .
أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ
إذَا ادَّعَاهُ بَعْدَهُ تُقْبَلُ دَعْوَاهُ)
أَيْ وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِغَيْرِهِ
أَيْضًا ا هـ .
غَايَةٌ (قَوْلُهُ لِيَحْفَظَ الْوَاقِعَةَ)
لِيَسْعَى بَعْدَ ذَلِكَ فِي تَثْبِيتِ
الْبَيِّنَةِ ا هـ .
فَتْحٌ
(4/164)
أَيْضًا عِنْدَ
الْحَاكِمِ بِالْبَيْعِ وَقَضَى بِشَهَادَتِهِ
، أَوْ لَمْ يَقْضِ يَكُونُ تَسْلِيمًا حَتَّى
لَا تُسْمَعَ دَعْوَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ ؛
لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْبَيْعِ عَلَى
إنْسَانٍ إقْرَارٌ مِنْهُ بِنَفَاذِ الْبَيْعِ
بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ ؛ لِأَنَّ
الْعَاقِلَ يُرِيدُ بِتَصَرُّفِهِ الصِّحَّةَ
فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ بَاعَ وَهُوَ
يَمْلِكُهُ أَوْ بَاعَ بَيْعًا بَاتًّا
نَافِذًا أَوْ كَتَبَ فِي الشَّهَادَةِ
كَذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُولَ فِيهِ
عَلَى زَعْمِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ ، أَوْ
إقْرَارِهِمَا فَيَكُونُ بِدَعْوَاهُ بَعْدَهُ
مُنَاقِضًا بِخِلَافِ مُجَرَّدِ الْكِتَابَةِ
فِي الصَّكِّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ
بِهِ حُكْمٌ وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ
إخْبَارٍ ، وَهُوَ لَوْ أَخْبَرَ بِأَنَّ
فُلَانًا بَاعَ شَيْئًا كَانَ لَهُ أَنْ
يَدَّعِيَهُ .
وَقَوْلُهُ وَخَتْمِهِ وَقَعَ اتِّفَاقًا
بِاعْتِبَارِ عَادَتِهِمْ فَإِنَّهُمْ كَانُوا
يَخْتِمُونَهُ بَعْدَ كِتَابَةِ أَسْمَائِهِمْ
عَلَى الصَّكِّ خَوْفًا مِنْ التَّغْيِيرِ ،
وَالتَّزْوِيرِ ، وَالْحُكْمُ لَا يَخْتَلِفُ
بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الصَّكُّ مَخْتُومًا ،
أَوْ غَيْرَ مَخْتُومٍ قَالَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (وَمَنْ ضَمِنَ عَنْ آخَرَ
خَرَاجَهُ ، أَوْ رَهَنَ بِهِ ، أَوْ ضَمِنَ
نَوَائِبَهُ وَقِسْمَتَهُ صَحَّ) أَمَّا
الْخَرَاجُ فَلِأَنَّهُ دَيْنٌ لَهُ مُطَالِبٌ
مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ فَصَارَ كَسَائِرِ
الدُّيُونِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ
حَقًّا لِلْمُقَاتِلَةِ بَدَلًا عَنْ الذَّبِّ
وَالِاسْتِحْفَاظِ وَالْمُحَامَاةِ عَنْ
بَيْضَةِ الْإِسْلَامِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ
الْأُجْرَةِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ فِي
الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ ؛ لِأَنَّ
الْوَاجِبَ فِيهَا جُزْءٌ مِنْ النِّصَابِ ،
وَهُوَ عَيْنٌ مَضْمُونٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ
لَوْ هَلَكَ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ شَيْءٌ ،
وَالْكَفَالَةُ بِأَعْيَانٍ غَيْرِ
مَضْمُونَةٍ لَا تَجُوزُ وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ
فِيهَا فِعْلٌ هُوَ عِبَادَةٌ ، وَالْمَالُ
مَحَلُّهُ وَلِهَذَا لَا يُؤْخَذُ مِنْ
تَرِكَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ إلَّا بِوَصِيَّةٍ
، فَلَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِهَا كَسَائِرِ
الْعِبَادَاتِ ، ثُمَّ قِيلَ : الْمُرَادُ
بِالْخَرَاجِ الْخَرَاجُ الْمُوَظَّفُ ،
وَهُوَ الَّذِي يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ بِأَنْ
يُوَظِّفَ الْإِمَامُ كُلَّ سَنَةٍ فِي مَالٍ
عَلَى مَا يَرَاهُ لَا الْخَرَاجُ
الْمُقَاسَمَةُ ، وَهُوَ الَّذِي يَقْسِمُهُ
الْإِمَامُ مِنْ غَلَّةِ الْأَرْضِ ؛
لِأَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ فِي الذِّمَّةِ
فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى الدَّيْنِ .
وَالرَّهْنُ كَالْكَفَالَةِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلتَّوَثُّقِ فَيَجُوزُ
فِي كُلِّ مَوْضِعٍ تَجُوزُ الْكَفَالَةُ
فِيهِ وَأَمَّا النَّوَائِبُ فَقَدْ
اخْتَلَفُوا فِي صُورَتِهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ
أُرِيدَ بِهِ مَا يَكُونُ بِحَقٍّ كَأُجْرَةِ
الْحُرَّاسِ وَكَرْيِ النَّهْرِ الْمُشْتَرَكِ
، وَالْمَالِ الْمُوَظَّفِ لِتَجْهِيزِ
الْجَيْشِ وَفِدَاءِ الْأَسَارَى وَقَالَ
بَعْضُهُمْ أُرِيدَ بِهِ مَا لَيْسَ بِحَقٍّ
كَالْجِبَايَاتِ الَّتِي فِي زَمَانِنَا
يَأْخُذُهَا الظَّلَمَةُ بِغَيْرِ حَقٍّ
فَإِنْ كَانَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ هُوَ
الْأَوَّلَ جَازَتْ الْكَفَالَةُ بِهِ
بِالِاتِّفَاقِ ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ مَضْمُونٌ
، وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ الثَّانِيَ فَفِيهِ
اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ
: لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِهِ مِنْهُمْ
صَدْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ ؛ لِأَنَّ
الْكَفَالَةَ ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فِي
الْمُطَالَبَةِ ، أَوْ فِي الدَّيْنِ ،
وَهُنَا لَا دَيْنَ وَلَا مُطَالَبَةَ عَلَى
الْأَصِيلِ ، فَلَا يَتَحَقَّقُ مَعْنَى
الضَّمِّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ ،
مِنْهُمْ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ
الْبَزْدَوِيُّ ؛ لِأَنَّهَا فِي
الْمُطَالَبَةِ مِثْلُ سَائِرِ الدُّيُونِ ،
بَلْ فَوْقَهَا ، وَالْعِبْرَةُ فِي بَابِ
الْكَفَالَةِ لِلْمُطَالَبَةِ ؛ لِأَنَّهَا
شُرِعَتْ ؛ لِالْتِزَامِهَا وَلِهَذَا قُلْنَا
إنَّ مَنْ قَامَ بِتَوْزِيعِ هَذِهِ
النَّوَائِبِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ
بِالْقِسْطِ يُؤْجَرُ ، وَإِنْ كَانَ الْآخِذُ
بِالْأَخْذِ ظَالِمًا .
وَقُلْنَا إنَّ مَنْ قَضَى نَائِبَةَ غَيْرِهِ
بِأَمْرِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ
يَشْتَرِطْ الرُّجُوعَ كَمَنْ قَضَى دَيْنَ
غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ ، وَأَمَّا الْقِسْمَةُ
فَقَدْ قِيلَ : هِيَ مَا أَصَابَ الْوَاحِدَ
مِنْ النَّوَائِبِ ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ هِيَ
النَّصِيبُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
{وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ
بَيْنَهُمْ} [القمر : 28] وَالْمُرَادُ بِهَا
النَّصِيبُ وَقِيلَ : هِيَ النَّوَائِبُ
بِعَيْنِهَا غَيْرَ أَنَّ الْقِسْمَةَ مَا
يَكُونُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ : أَوْ كَتَبَ فِي الشَّهَادَةِ
كَذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُولَ إلَخْ)
قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَغَيْرُهُ فِي
شُرُوحِ الْجَامِعِ قَالَ مَشَايِخُنَا إنْ
ذَكَرَ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْبَيْعِ مَا
يُوجِبُ صِحَّتَهُ وَنَفَاذَهُ بِأَنْ كَتَبَ
فِي الصَّكِّ بَاعَ وَهُوَ يَمْلِكُ ذَلِكَ
وَهُوَ كَتَبَ شَهِدَ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ
تَبْطُلُ دَعْوَاهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَتَبَ
الشَّهَادَةَ عَلَى إقْرَارِهِمَا بِذَلِكَ
كُلِّهِ فَحِينَئِذٍ لَا تَبْطُلُ دَعْوَاهُ
بِأَنْ يَكْتُبَ فِي الشَّهَادَةِ بَاعَ
فُلَانٌ كَذَا مِنْ فُلَانٍ وَقَدْ أَقَرَّ
الْبَائِعُ أَنَّهُ بَاعَ مِلْكَ نَفْسِهِ ا
هـ .
غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ
ضَمِنَ عَنْ آخَرَ خَرَاجَهُ) قَالَ
الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا الْخَرَاجُ فَإِنَّمَا
صَحَّ الضَّمَانُ بِهِ لِأَنَّهُ دَيْنٌ
مَضْمُونٌ حَقًّا لِلْعَبْدِ يُطَالَبُ بِهِ
وَيُحْبَسُ فَصَارَ ضَمَانُهُ كَسَائِرِ
الدُّيُونِ بِخِلَافِ الضَّمَانِ بِالزَّكَاةِ
فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي الْأَمْوَالِ
الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ جَمِيعًا لِأَنَّ
الزَّكَاةَ عِبَارَةٌ عَنْ تَمْلِيكِ جُزْءٍ
مِنْ نِصَابٍ مُقَدَّرٍ شَرْعًا مِنْ غَيْرِ
أَنْ يَكُونَ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ
وَلِهَذَا لَا تُؤْخَذُ بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ
التَّرِكَةِ بِخِلَافِ الْخَرَاجِ لِأَنَّهُ
دَيْنٌ لِأَنَّ الدَّيْنَ عِبَارَةٌ عَنْ
وُجُوبِ تَمْلِيكِ الْمَالِ فِي الذِّمَّةِ
بَدَلًا عَنْ شَيْءٍ كَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ
وَثَمَنِ الْمَبِيعِ وَالْمَهْرِ وَنَحْوِ
ذَلِكَ وَالْبَدَلُ كَانَ مِلْكًا لَهُ
فَيَكُونُ الْمُبْدَلُ مِلْكًا لَهُ أَيْضًا
وَالْخَرَاجُ بَدَلٌ عَنْ مَنْفَعَةِ
الْحِفْظِ فَيَكُونُ دَيْنًا وَلَيْسَ
الزَّكَاةُ بَدَلًا عَنْ شَيْءٍ آخَرَ ، فَلَا
يَكُونُ دَيْنًا فَكَانَ الْمِلْكُ
مُتَعَلِّقًا بِالتَّمْلِيكِ وَهَذَا مَعْنَى
قَوْلِهِ لِأَنَّهَا مُجَرَّدُ فِعْلٍ يَعْنِي
أَنَّ الزَّكَاةَ عِبَارَةٌ عَنْ مُجَرَّدِ
فِعْلٍ وَهُوَ تَمْلِيكُ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ
أَنْ يَكُونَ دَيْنًا ا هـ .
أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ
: وَأَمَّا النَّوَائِبُ) قَالَ
الْأَتْقَانِيُّ وَأَمَّا النَّوَائِبُ فَقَدْ
اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ
بَعْضُهُمْ الْمُرَادُ مَا يَكُونُ بِحَقٍّ
كَأَجْرِ الْحَارِسِ وَكَرْيِ نَهْرِ
الْعَامَّةِ وَإِنَّهُ دَيْنٌ وَيُسَمَّى
نَائِبَةً وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ مَا
يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْإِمَامُ نَحْوُ
تَجْهِيزِ الْمُقَاتِلَةِ وَفِدَاءِ
الْأَسَارَى بِأَنْ لَا يَكُونَ فِي بَيْتِ
الْمَالِ شَيْءٌ فَيُوَظِّفَ مَالًا عَلَى
النَّاسِ فَيَجُوزُ ذَلِكَ فَيَجِبُ أَدَاؤُهُ
عَلَى كُلِّ مُوسِرٍ نَظَرًا لِلْمُسْلِمِينَ
فَيَضْمَنُ إنْسَانٌ قِسْمَةَ صَاحِبِهِ أَيْ
نَصِيبَهُ مِنْ ذَلِكَ يَجُوزُ وَأَمَّا
النَّوَائِبُ الَّتِي يُوَظِّفُهَا
السُّلْطَانُ ظُلْمًا عَلَى النَّاسِ
كَالْجِبَايَاتِ فِي زَمَانِنَا بِسَبِيلِ
الظُّلْمِ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ
فِيهِ ا هـ (قَوْلُهُ : كَأُجْرَةِ
الْحُرَّاسِ) أَيْ لِلْمَحَلَّةِ الَّذِي
يُسَمَّى فِي بِلَادِ مِصْرَ الْخَفِيرَ ا هـ
.
كَمَالٌ مَعَ تَغْيِيرٍ (قَوْلُهُ
كَالْجِبَايَاتِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ
كَالْجِبَايَاتِ الْمُوَظَّفَةِ عَلَى
النَّاسِ فِي زَمَانِنَا بِبِلَادِ فَارِسَ
عَلَى الْخَيَّاطِ وَالطَّبَّاخِ
وَغَيْرِهِمَا فِي كُلِّ شَهْرٍ أَوْ يَوْمٍ
أَوْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ لِلسُّلْطَانِ ا هـ .
(قَوْلُهُ : مِنْهُمْ صَدْرُ الْإِسْلَامِ)
هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ
النَّسَفِيُّ ا هـ .
وَصَدْرُ الْإِسْلَامِ هَذَا هُوَ أَخُو
فَخْرِ الْإِسْلَامِ الْآتِي أَيْضًا ا هـ .
(قَوْلُهُ : مِنْهُمْ فَخْرُ الْإِسْلَامِ
عَلِيٌّ الْبَزْدَوِيُّ) هُوَ ابْنُ مُحَمَّدِ
بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ
النَّسَفِيِّ وَعَبْدُ الْكَرِيمِ هَذَا كَانَ
تِلْمِيذَ الشَّيْخِ الْإِمَامِ مُحَمَّدِ
بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمُودٍ
الْمَاتُرِيدِيِّ السَّمَرْقَنْدِيِّ ا هـ
أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ : وَقُلْنَا إنَّ مَنْ
قَضَى نَائِبَةَ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ رَجَعَ
عَلَيْهِ) لَكِنْ هَذَا إذَا أَمَرَهُ بِهِ
لَا عَنْ إكْرَاهٍ أَمَّا إذَا كَانَ
مُكْرَهًا فِي الْأَمْرِ لَا يُعْتَبَرُ
أَمْرُهُ فِي الرُّجُوعِ هَكَذَا ذَكَرَهُ
شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ ا هـ .
أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ
يَشْتَرِطْ الرُّجُوعَ) أَيْ اسْتِحْسَانًا
بِمَنْزِلَةِ ثَمَنِ الْمَبِيعِ ا هـ .
غَايَةٌ
(4/165)
رَاتِبًا ،
وَالنَّوَائِبُ مَا لَيْسَ بِرَاتِبٍ ،
وَإِنَّمَا يُوَظِّفُهُ الْإِمَامُ عِنْدَ
الْحَاجَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ
الْمَالِ شَيْءٌ وَقَدْ بَيَّنَّا مَا هُوَ
جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ وَمَا هُوَ مُخْتَلَفٌ
فِيهِ وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي
سَعِيدٍ هَذَا اللَّفْظُ وَقَعَ غَلَطًا ؛
لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مَصْدَرٌ ، وَالْمَصْدَرُ
فِعْلٌ ، وَهَذَا مَضْمُونٌ وَقِيلَ : هِيَ
أَنْ يَمْتَنِعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ
الْقِسْمَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبِهِ
فَيَضْمَنَهُ إنْسَانٌ ؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ
وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَاهَا إذَا
اقْتَسَمَا ، ثُمَّ مَنَعَ أَحَدُ
الشَّرِيكَيْنِ قِسْمَ صَاحِبِهِ ،
وَالرِّوَايَةُ بِأَوْ ، وَهِيَ لِأَحَدِ
الْمَذْكُورَيْنِ وَفِي الْإِبَاحَةِ نَعَمْ ،
وَكَذَا فِي النَّفْيِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ قَالَ
لِآخَرَ ضَمِنْت لَك عَنْ فُلَانٍ مِائَةً
إلَى شَهْرٍ فَقَالَ هِيَ حَالَّةٌ ،
فَالْقَوْلُ لِلضَّامِنِ) يَعْنِي إذَا
أَقَرَّ أَنَّهُ كَفِيلٌ بِدَيْنٍ عَنْ
فُلَانٍ وَادَّعَى الْأَجَلَ فَصَدَّقَهُ
الْمُقَرُّ لَهُ ، وَهُوَ الطَّالِبُ فِي
الدَّيْنِ ، وَكَذَّبَهُ فِي الْأَجَلِ كَانَ
الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقِرِّ ؛ لِأَنَّهُ
أَقَرَّ لَهُ بِثُبُوتِ حَقِّ الْمُطَالَبَةِ
بَعْدَ شَهْرٍ ، وَالْمُقَرُّ لَهُ يَدَّعِي
عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةَ فِي الْحَالِ ،
وَهُوَ مُنْكِرٌ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ
بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ بِالدَّيْنِ
الْمُؤَجَّلِ فَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي
الدَّيْنِ ، وَكَذَّبَهُ فِي الْأَجَلِ حَيْثُ
يَكُونُ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَ الْمُقَرِّ
لَهُ ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ أَقَرَّ
بِالدَّيْنِ ، ثُمَّ ادَّعَى حَقًّا
لِنَفْسِهِ ، وَهُوَ الْأَجَلُ ، فَلَا
يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِلَا بَيِّنَةٍ وَلِأَنَّ
الْأَجَلَ فِي الْكَفَالَةِ نَوْعٌ حَتَّى
يَثْبُتُ فِيهَا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ بِأَنْ
كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا عَلَى الْأَصِيلِ
وَفِي الدَّيْنِ عَارِضٌ حَتَّى لَا يَثْبُتُ
إلَّا بِشَرْطٍ فَكَانَ الْقَوْلُ لِمَنْ
يُنْكِرُ الْعَوَارِضَ وَفِي النَّوْعِ
الْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ ؛ لِأَنَّهُ صِفَةٌ
لِلدَّيْنِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْقَوْلُ
لِلْمُقِرِّ فِيهِمَا ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ
وَصْفٌ فِيهِمَا يُقَالُ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ
وَحَالٌّ وَفِي الْأَوْصَافِ الْقَوْلُ
لِلْمُقِرِّ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْقَوْلُ لِلْمُقَرِّ
لَهُ فِي الْفَصْلَيْنِ رَوَاهُ عَنْهُ
إبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ ؛ لِأَنَّ
الْمُقِرَّ قَدْ أَقَرَّ لَهُ بِحَقٍّ ، ثُمَّ
ادَّعَى تَأْخِيرَهُ ، فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا
بِحُجَّةٍ ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى أَنَّ لَهُ
عَلَى صَاحِبِهِ حَقًّا ، وَهُوَ التَّأْخِيرُ
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ
بِالْكَفَالَةِ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ
جَازَ إقْرَارُهُ بِالْكَفَالَةِ وَبَطَلَ
الْخِيَارُ لِمَا قُلْنَا وَنَحْنُ بَيَّنَّا
الْفَرْقَ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ وَلَيْسَ
هَذَا كَالْخِيَارِ ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ
مَعْنًى يُبْطِلُ الْكَفَالَةَ ، فَلَا
يُصَدَّقُ بِإِبْطَالِهَا بَعْدَ الْإِقْرَارِ
بِهَا بِخِلَافِ الْأَجَلِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ
بِإِبْطَالٍ ، وَإِنَّمَا هُوَ نَوْعٌ فِي
الْكَفَالَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَمَا
قَالَهُ الشَّافِعِيُّ أَنَّ الْأَجَلَ وَصْفٌ
لِلدَّيْنِ لَا يَسْتَقِيمُ ؛ لِأَنَّهُ
لَيْسَ بِصِفَةٍ لِلدَّيْنِ فِي الْحَقِيقَةِ
، وَإِنْ كَانَ وَصْفًا لَهُ لَفْظًا أَلَا
تَرَى أَنَّ الدَّيْنَ حَقُّ الطَّالِبِ
وَالْأَجَلَ حَقُّ الْمَطْلُوبِ وَلَوْ كَانَ
حَقًّا لَهُ لَمَا اخْتَلَفَ مُسْتَحَقُّهُمَا
كَالْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ فِيهِ ،
وَالْحِيلَةُ فِيمَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ
دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ وَادُّعِيَ عَلَيْهِ وَخَافَ
الْكَذِبَ إنْ أَنْكَرَ وَالْمُؤَاخَذَةَ فِي
الْحَالِ إنْ أَقَرَّ أَنْ يَقُولَ
لِلْمُدَّعِي هَذَا الَّذِي تَدَّعِيهِ مِنْ
الْمَالِ حَالٌّ أَوْ مُؤَجَّلٌ .
فَإِنْ قَالَ مُؤَجَّلٌ فَلَا دَعْوَى
عَلَيْهِ فِي الْحَالِّ ، وَإِنْ قَالَ حَالٌّ
فَيُنْكِرُهُ وَهُوَ صَدُوقٌ فَلَا حَرَجَ
عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ
مُؤَجَّلًا إذَا أَنْكَرَ الدَّيْنَ وَقَالَ
لَيْسَ لَهُ قِبَلِي الْيَوْمَ حَقٌّ فَلَا
بَأْسَ بِهِ إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ إتْوَاءَ
حَقِّهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ
اشْتَرَى أَمَةً وَكَفَلَ لَهُ رَجُلٌ
بِالدَّرَكِ فَاسْتُحِقَّتْ لَمْ يَأْخُذْ
الْمُشْتَرِي الْكَفِيلَ حَتَّى يَقْضِيَ لَهُ
بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ) ؛ لِأَنَّ
الْكَفَالَةَ بِالدَّرَكِ هُوَ ضَمَانُ
الثَّمَنِ عِنْدَ خُرُوجِ الْمَبِيعِ عَنْ
مِلْكِهِ بِالِاسْتِحْقَاقِ ، وَهُوَ لَمْ
يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ مَا لَمْ يَفْسَخْ
الْبَيْعَ وَيْحَكُمْ عَلَى الْبَائِعِ
بِرَدِّ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي
وَبِمُجَرَّدِ الِاسْتِحْقَاقِ لَا يَنْفَسِخُ
وَلِهَذَا لَوْ أَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ
الْبَيْعَ قَبْلَ الْفَسْخِ جَازَ فَلَوْ
كَانَ مُنْتَقَضًا لَمَا جَازَ فَإِذَا لَمْ
يَنْتَقِضْ لَمْ يَجِبْ الثَّمَنُ عَلَى
الْبَائِعِ وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ ؛
لِأَنَّ بَدَلَ الْمُسْتَحَقِّ مَمْلُوكٌ
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ ثَمَنُهَا
عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ الْبَائِعُ فِي هَذِهِ
الْحَالَةِ عَتَقَ .
وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي بَاعَ
الْجَارِيَةَ مِنْ إنْسَانٍ فَاسْتُحِقَّتْ
مِنْ يَدِ الثَّانِي لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي
الْأَوَّلِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ هَذَا اللَّفْظُ وَقَعَ غَلَطًا)
قُلْت دَعْوَى الْغَلَطِ غَلَطٌ لِأَنَّ
الْقِسْمَةَ اسْمٌ بِمَعْنَى النَّصِيبِ كَمَا
فِي قَوْله تَعَالَى {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ
الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ} [القمر : 28]
وَالْمُرَادُ بِهَا النَّصِيبُ أَوْ بِمَعْنَى
النَّائِبَةِ وَهِيَ أَيْضًا اسْمٌ أَوْ
بِمَعْنَى حَقِّ الْقِسَامِ وَهِيَ أَيْضًا
اسْمٌ ا هـ .
عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ
مَصْدَرٌ وَالْمَصْدَرُ فِعْلٌ) وَهُوَ غَيْرُ
مَضْمُونٍ ا هـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ : وَقِيلَ :
هِيَ أَنْ يَمْتَنِعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ
مِنْ الْقِسْمَةِ إلَخْ) فَإِذَا ضَمِنَ
إنْسَانٌ لِيَقُومَ مَقَامَهُ فِي الْقِسْمَةِ
يَجُوزُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ ضَمِنَ شَيْئًا
مَضْمُونًا وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى إيفَائِهِ ا
هـ . غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ : فَالْقَوْلُ لِلضَّامِنِ) أَيْ
فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ا هـ كَمَالٌ
(قَوْلُهُ : رَوَاهُ عَنْهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ
يُوسُفَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَرَوَى
إبْرَاهِيمُ بْنُ رُسْتُمَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ
ا هـ .
(قَوْلُهُ ، فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ
لِأَنَّهُ ادَّعَى إلَخْ) قَالَ
الْأَتْقَانِيُّ وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي
يُوسُفَ أَنَّهُمَا تَصَادَقَا فِي وُجُوبِ
الْمَالِ وَاخْتَلَفَا فِي الْأَجَلِ فَثَبَتَ
مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ وَلَمْ يَثْبُتْ مَا
اخْتَلَفَا فِيهِ وَوَجْهُ الظَّاهِرِ مَا
قَالَ أَصْحَابُنَا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ
الصَّغِيرِ أَنَّ الْأَجَلَ فِي الدُّيُونِ
الْوَاجِبَةِ لَا بِعَقْدِ الْكَفَالَةِ
كَالْعُرُوضِ وَثَمَنُ الْبِيَاعَاتِ
وَالْمُهُورُ وَقِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ عَارِضٌ
وَلِهَذَا إذَا أُطْلِقَتْ تَكُونُ حَالَّةً
فَإِذَا أَنْكَرَ الْأَجَلَ فَقَدْ أَنْكَرَ
الْعَارِضَ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ
وَلِهَذَا قُلْنَا فِي خِيَارِ الشَّرْطِ إذَا
ادَّعَاهُ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ لَا يَثْبُتُ
بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ عَارِضٌ وَأَمَّا
الْأَجَلُ فِي الْكَفَالَةِ فَقَدْ ثَبَتَ
مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ بِأَنْ قَالَ كَفَلْت
بِمَا لَك عَلَى فُلَانٍ وَعَلَى الْأَصِيلِ
دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ يَكُونُ مُؤَجَّلًا عَلَى
الْكَفِيلِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَلَمْ يَكُنْ
الْأَجَلُ فِي الْكَفَالَةِ أَمْرًا عَارِضًا
بَلْ الْكَفَالَةُ الْمُؤَجَّلَةُ أَحَدُ
نَوْعَيْ الْكَفَالَةِ وَالْإِقْرَارُ
بِأَحَدِ النَّوْعَيْنِ لَا يَكُونُ إقْرَارًا
بِالنَّوْعِ الْآخَرِ ا هـ .
قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجْهُ
الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمُقِرَّ بِالدَّيْنِ
أَقَرَّ بِمَا هُوَ سَبَبُ الْمُطَالَبَةِ فِي
الْحَالِ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ الدَّيْنَ
كَذَلِكَ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ بَدَلًا
عَنْ قَرْضٍ أَوْ إتْلَافٍ أَوْ بَيْعٍ
وَنَحْوِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعَاقِلَ لَا
يَرْضَى بِخُرُوجِ مُسْتَحَقِّهِ فِي الْحَالِ
إلَّا لِبَدَلٍ فِي الْحَالِ فَكَانَ
الْحُلُولُ الْأَصْلَ وَالْأَجَلُ عَارِضٌ
فَكَانَ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ مَعْرُوضًا
لِعَارِضٍ لَا نَوْعًا ثُمَّ ادَّعَى
لِنَفْسِهِ حَقًّا وَهُوَ تَأْخِيرُهَا
وَالْآخَرُ يُنْكِرُهُ وَفِي الْكَفَالَةِ مَا
أَقَرَّ بِالدَّيْنِ عَلَى مَا هُوَ
الْأَصَحُّ بَلْ لِحَقِّ الْمُطَالَبَةِ
بَعْدَ شَهْرٍ وَالْمَكْفُولُ لَهُ
يَدَّعِيهَا فِي الْحَالِ وَالْكَفِيلُ
يُنْكِرُ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ لَهُ وَهَذَا
لِأَنَّ الْتِزَامَ الْمُطَالَبَةِ
يَتَنَوَّعُ إلَى الْتِزَامِهَا فِي الْحَالِ
أَوْ الْمُسْتَقْبَلِ كَالْكَفَالَةِ بِمَا
ذَابَ وَالدَّرَكِ فَإِنَّمَا أَقَرَّ
بِنَوْعٍ مِنْهَا ، فَلَا يَلْزَمُ
بِالنَّوْعِ الْآخَرِ ا هـ .
(قَوْلُهُ : وَلَوْ كَانَ وَصْفًا) الَّذِي
بِخَطِّ الشَّارِحِ وَلَوْ كَانَ حَقًّا ا هـ
.
(4/166)
أَنْ يَرْجِعَ
عَلَى بَائِعِهِ مَا لَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ
بِالثَّمَنِ لِلثَّانِي كَيْ لَا يَجْتَمِعَ
بَدَلَانِ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ فَإِذَا حَكَمَ
الْحَاكِمُ بِالثَّمَنِ عَلَيْهِ انْتَقَضَ
وَسَقَطَ احْتِمَالُ الْإِجَازَةِ وَلَزِمَ
الْبَائِعَ رَدُّ الثَّمَنِ فَيَلْزَمُ
كَفِيلَهُ ضَرُورَةً بِخِلَافِ الْقَضَاءِ
بِالْحُرِّيَّةِ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَبْطُلُ
بِهَا لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ فَيَرْجِعُ
عَلَى الْبَائِعِ ، وَالْكَفِيلِ بِهِ وَعَنْ
أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْبَيْعَ يَنْتَقِضُ
بِمُجَرَّدِ الِاسْتِحْقَاقِ ؛ لِأَنَّ
الْخُصُومَةَ مِنْ الْمُسْتَحِقِّ ، وَطَلَبُ
الْحُكْمِ مِنْ الْقَاضِي دَلِيلٌ عَلَى
النَّقْضِ فَيَنْتَقِضُ بِهِ الْبَيْعُ كَمَا
يَنْتَقِضُ بِالنَّقْضِ صَرِيحًا ، فَلَا
تَعْمَلُ إجَازَةُ الْمُسْتَحِقِّ بَعْدَ
ذَلِكَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُهُ فَعَلَى
هَذَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ
الْقَضَاءِ بِهَا لَهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ
أَنَّهُ إنْ أَخَذَ الْعَيْنَ بَعْدَ
الْحُكْمِ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّ
أَخْذَهُ دَلِيلُ الْفَسْخِ ، وَالظَّاهِرُ
هُوَ الْأَوَّلُ
{بَابُ كَفَالَةِ الرَّجُلَيْنِ
وَالْعَبْدَيْنِ}
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (دَيْنٌ
عَلَيْهِمَا وَكُلٌّ كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ
فَمَا أَدَّاهُ أَحَدُهُمَا لَمْ يَرْجِعْ
بِهِ عَلَى شَرِيكِهِ ، فَإِنْ زَادَ عَلَى
النِّصْفِ رَجَعَ بِالزِّيَادَةِ) مَعْنَاهُ
إذَا كَانَ لِرَجُلٍ دَيْنٌ عَلَى اثْنَيْنِ
بِأَنْ اشْتَرَيَا مِنْهُ عَبْدًا وَتَكَفَّلَ
كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ فَمَا
أَدَّاهُ أَحَدُهُمَا لَمْ يَرْجِعْ بِهِ
عَلَى شَرِيكِهِ حَتَّى يَزِيدَ مَا
يُؤَدِّيهِ عَلَى النِّصْفِ فَيَرْجِعَ
بِالزِّيَادَةِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا فِي النِّصْفِ أَصِيلٌ وَفِي
النِّصْفِ كَفِيلٌ فَمَا يُؤَدِّيهِ
يَنْصَرِفُ إلَى مَا عَلَيْهِ أَصَالَةً إذْ
لَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ مَا عَلَيْهِ
بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ وَبَيْنَ مَا عَلَيْهِ
بِطَرِيقِ الْكَفَالَةِ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ
دَيْنٌ وَمُطَالَبَةٌ وَالثَّانِي مُطَالَبَةٌ
فَقَطْ ، فَلَا يُعَارِضُ الْأَوَّلَ ،
وَكَذَا سَبَبُ الْأَوَّلِ وَهُوَ الشِّرَاءُ
أَقْوَى مِنْ سَبَبِ الثَّانِي وَهُوَ
الْكَفَالَةُ وَلِهَذَا يَنْفُذُ الْأَوَّلُ
مِنْ الْمَرِيضِ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ ،
وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَالثَّانِي لَا
يَنْفُذُ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ بِشَرْطِ أَنْ
لَا يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ ، وَإِنْ كَانَ
عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لَا يَنْفُذُ
أَصْلًا فَكَانَ آكَدَ ، فَلَا يُعَارِضُهُ
الضَّعِيفُ .
وَهَذَا نَظِيرُ مَا لَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا
وَفِضَّةً بِفِضَّةٍ فَقَبَضَهُمَا وَقَبَضَ
الْآخَرُ مِنْ الْفِضَّةِ الْخَالِصَةِ قَدْرَ
فِضَّتِهِ ثُمَّ افْتَرَقَا قَبْلَ قَبْضِ
الْبَاقِي يُجْعَلُ الْمَقْبُوضُ ثَمَنَ
الصَّرْفِ ؛ لِأَنَّ الصَّرْفَ أَقْوَى
وَآكَدُ حَتَّى أَوْجَبَ الْقَبْضَ قَبْلَ
الِافْتِرَاقِ وَلِأَنَّ الْكَفَالَةَ تُوجِبُ
الْمُطَالَبَةَ وَهِيَ تَبَعٌ لِلدَّيْنِ ،
فَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ الْأَصْلِ
وَالتَّبَعِ وَلِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ فِي
النِّصْفِ عَنْ صَاحِبِهِ كَانَ لِصَاحِبِهِ
أَيْضًا أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِأَنْ
يُجْعَلَ الْمُؤَدَّى عَنْهُ ؛ لِأَنَّ
الْمُؤَدِّيَ نَائِبُهُ وَأَدَاءُ نَائِبِهِ
كَأَدَائِهِ فَيُؤَدِّي إلَى الدَّوْرِ
فَيَسْقُطُ وَلَا مُعَارَضَةَ فِيمَا زَادَ
عَلَى مَا عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ
وَلَا دَوْرَ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِهِ ،
وَلَوْ كَانَ مَا عَلَيْهِ مُؤَجَّلًا وَمَا
عَلَى صَاحِبِهِ حَالًّا صَحَّ تَعْيِينُهُ ؛
لِأَنَّهُ لَا مُعَارَضَةَ إذْ لَا يَجِبُ مَا
عَلَيْهِ فِي الْحَالِ وَلَيْسَ لِشَرِيكِهِ
أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بَابٌ فِي كَفَالَةِ الرَّجُلَيْنِ
وَالْعَبْدَيْنِ} شَرَعَ فِي كَفَالَةِ
الرَّجُلَيْنِ بَعْدَ كَفَالَةِ الرَّجُلِ ؛
لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ بَعْدَ الْوَاحِدِ فِي
الْوُجُودِ فَأَخَّرَ ذِكْرَهَا وَضْعًا
لِلتَّنَاسُبِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ .
(قَوْلُهُ حَتَّى يَزِيدَ مَا يُؤَدِّيهِ
عَلَى النِّصْفِ) أَيْ سَوَاءٌ عَيَّنَ مِنْ
صَاحِبِهِ أَوْ لَمْ يُعَيِّنْ . ا هـ .
مَنَافِعُ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ
فِي النِّصْفِ عَنْ صَاحِبِهِ إلَخْ) قَالَ
الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلِأَنَّهُ
لَوْ وَقَعَ فِي النِّصْفِ عَنْ صَاحِبِهِ
لِلْكَفَالَةِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ
عَلَيْهِ بِهِ فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يَرْجِعَ
بِعَيْنِ مَا رَجَعَ بِهِ الْمُؤَدِّي ؛
لِأَنَّ أَدَاءَ نَائِبِهِ يَعْنِي كَفِيلَهُ
بِأَمْرِهِ كَأَدَائِهِ بِنَفْسِهِ ، وَلَوْ
أَدَّى بِنَفْسِهِ يَرْجِعُ فَكَذَا
بِنَائِبِهِ لَكِنْ إذَا جَعَلَهُ كُلَّهُ
عَنْ صَاحِبِهِ فَنَقُولُ بِذَلِكَ لِيَرْجِعَ
بِجَمِيعِ مَا رَجَعَ بِهِ صَاحِبُهُ وَإِلَّا
لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَّا
بِنِصْفِ مَا رَجَعَ بِهِ صَاحِبُهُ .
بَيَانُهُ أَدَّى الْأَوَّلُ مِائَتَيْنِ
يَرْجِعُ بِنِصْفِهِمَا ؛ لِأَنَّهُ فِي
إحْدَى الْمِائَتَيْنِ أَصِيلٌ فَإِذَا رَجَعَ
بِهِ عَلَى صَاحِبِهِ لَمْ يَقْدِرْ صَاحِبُهُ
أَنْ يَرْجِعَ بِكِلْتَيْهِمَا إلَّا إذَا
اعْتَبَرَ نَفْسَهُ مُؤَدِّيًا كُلَّهَا عَنْ
صَاحِبِهِ الْمُؤَدِّي حَقِيقَةً وَإِلَّا
لَمْ يَرْجِعْ إلَّا بِنِصْفِهَا ؛ لِأَنَّهُ
لَوْ أَدَّاهَا حَقِيقَةً بِنَفْسِهِ
انْصَرَفَ مِنْهَا خَمْسُونَ إلَى مَا
عَلَيْهِ أَصَالَةً وَخَمْسُونَ إلَى مَا
عَلَيْهِ كَفَالَةً ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ
بِمَا عَنْ الْكَفَالَةِ فَيُؤَدِّي إلَى
الدَّوْرِ وَمَا يُؤَدِّي إلَى الدَّوْرِ
مُمْتَنِعٌ فَيَمْتَنِعُ رُجُوعُهُ فَلَمْ
يَقَعْ عَنْ صَاحِبِهِ ، وَإِلَّا تَغَيَّرَ
حُكْمُ الشَّرْعِ إذْ الْوُقُوعُ عَنْ
صَاحِبِهِ حِكْمَةُ جَوَازِ الشُّرُوعِ ،
وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ امْتَنَعَ لِلدَّوْرِ
. وَاعْلَمْ أَنْ لَيْسَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ
الدَّوْرِ فَإِنَّهُ تَوَقُّفُ الشَّيْءِ
عَلَى مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ ، وَرُجُوعُ
الْمُؤَدِّي لَيْسَ مُتَوَقِّفًا عَلَى
رُجُوعِ صَاحِبِهِ بَلْ إذَا رَجَعَ لِلْآخَرِ
أَنْ يَرْجِعَ وَلَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ فِي
مَالٍ وَاحِدٍ بَلْ إنْ شَاءَ أَعْطَاهُ مَا
أَخَذَهُ مِنْهُ فَإِذَا رَجَعَ الْآخَرُ
اسْتَعَادَهُ أَوْ أَعْطَاهُ غَيْرَهُ ،
وَكَذَا الْأَوَّلُ ، فَاللَّازِمُ فِي
الْحَقِيقَةِ التَّسَلْسُلُ فِي الرُّجُوعَاتِ
بَيْنَهُمَا فَيَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ
الْمُؤَدِّي إلَيْهِ .
وَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ بَاطِلٌ ؛
لِأَنَّ رُجُوعَ الْمُؤَدَّى عَنْهُ لَا
يُمْكِنُ أَنْ يُسَوِّغَهُ شَرْعًا اعْتِبَارُ
الْمُؤَدَّى عَنْهُ أَنَّهُ أَدَّى بِنَفْسِهِ
وَاحْتَسَبَهُ عَنْ الْمُؤَدِّي ؛ لِأَنَّهُ
اعْتِبَارٌ بَاطِلٌ يُؤَدِّي إلَى أَنَّ
الْمُؤَدَّى عَنْهُ يَرْجِعُ عَلَى
الْمُؤَدِّي بِمِثْلِ مَا أَدَّى إلَى
الطَّالِبِ ، وَهُوَ نَقِيضُ مَا يُقْطَعُ
بِهِ فِي الشَّرْعِ أَنَّ الْمُؤَدِّيَ هُوَ
الَّذِي يَرْجِعُ عَلَى الْمُؤَدَّى عَنْهُ
بِمِثْلِ مَا أَدَّى عَنْهُ ، وَكَيْفَ
يَكُونُ أَدَاءُ الْإِنْسَانِ عَنْ غَيْرِهِ
سَبَبًا لَأَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ ذَلِكَ
الْغَيْرُ بِمِثْلٍ آخَرَ ؟ هَذِهِ
مُجَازَفَةٌ عَظِيمَةٌ ا هـ .
(قَوْلُهُ كَانَ لِصَاحِبِهِ أَيْضًا أَنْ
يَرْجِعَ عَلَيْهِ) أَيْ لِأَنَّ الْمُؤَدِّيَ
مَتَى جَعَلَ الْمُؤَدَّى عَنْ صَاحِبِهِ
بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ عَنْهُ لِيَرْجِعَ
عَلَيْهِ فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يَجْعَلَ عَنْهُ
أَيْضًا وَيَرْجِعَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ
يَقُولُ أَدَاؤُك بِأَمْرِي وَأَنْتَ كَفِيلٌ
عَنِّي كَأَدَائِي ، وَأَنَا كَفِيلٌ عَنْك
ثُمَّ وَثُمَّ فَيُؤَدِّي إلَى الدَّوْرِ ،
وَهُوَ بَاطِلٌ . كَذَا فِي الْمَنَافِعِ ،
وَهُوَ أَوْضَحُ مِمَّا فِي الشَّرْحِ ا هـ .
(قَوْلُهُ وَلَا مُعَارَضَةَ فِيمَا زَادَ
عَلَى مَا عَلَيْهِ إلَخْ) قَالَ فِي
الْمَنَافِعِ وَإِذَا زَادَ عَلَى النِّصْفِ
فَلَيْسَ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَجْعَلَ
الْمُؤَدَّى ، وَهُوَ الزِّيَادَةُ
كَأَدَائِهِ بِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ
يَبْقَ كَفِيلًا عَنْ الْمُؤَدِّي لِأَنَّهُ
بِأَدَاءِ حِصَّةِ نَفْسِهِ لَمْ يَبْقَ
الدَّيْنُ عَلَيْهِ ا هـ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ
لِشَرِيكِهِ) أَيْ الدَّافِعِ الَّذِي
عَلَيْهِ حَالًّا إذَا أَدَّى عَنْ
الْمُؤَجَّلِ ا هـ .
(4/167)
؛ لِأَنَّ
الْكَفِيلَ إذَا عَجَّلَ دَيْنًا مُؤَجَّلًا
لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْأَصِيلِ
قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ ، وَكَذَا لَوْ
كَفَلَ أَحَدُهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ دُونَ
الْآخَرِ وَأَدَّى الْكَفِيلُ فَجَعَلَهُ عَنْ
صَاحِبِهِ يُصَدَّقُ وَهِيَ وَارِدَةٌ فِي
مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ كَفَلَا
عَنْ رَجُلٍ فَكَفَلَ كُلٌّ عَنْ صَاحِبِهِ
فَمَا أَدَّى رَجَعَ بِنِصْفِهِ عَلَى
شَرِيكِهِ أَوْ بِالْكُلِّ عَلَى الْأَصِيلِ)
مَعْنَاهُ إذَا كَانَ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ
أَلْفُ دِرْهَمٍ مَثَلًا فَكَفَلَ عَنْهُ
رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
بِجَمِيعِهِ عَلَى الِانْفِرَادِ ، ثُمَّ
كَفَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الرَّجُلَيْنِ عَنْ
صَاحِبِهِ بِمَا لَزِمَهُ بِالْكَفَالَةِ ؛
لِأَنَّ الْكَفَالَةَ عَنْ الْكَفِيلِ
جَائِزَةٌ كَمَا تَجُوزُ عَنْ الْأَصِيلِ
فَمَا أَدَّى إلَى أَحَدِهِمَا رَجَعَ
بِنِصْفِهِ عَلَى صَاحِبِهِ ، ثُمَّ
يَرْجِعَانِ عَلَى الْأَصِيلِ إنْ شَاءَ ،
وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ هُوَ بِالْكُلِّ عَنْ
الْأَصِيلِ لِأَنَّ مَا عَلَيْهِمَا
مُسْتَوِيَانِ ، فَلَا تَرْجِيحَ لِلْبَعْضِ
عَلَى الْبَعْضِ إذْ الْكُلُّ كَفَالَةٌ
فَيَكُونُ الْمُؤَدَّى شَائِعًا عَنْهُمَا
فَيَرْجِعُ بِنِصْفِهِ عَلَى شَرِيكِهِ إذْ
لَا يُؤَدِّي إلَى الدَّوْرِ ؛ لِأَنَّ
قَضِيَّتَهُ الِاسْتِوَاءُ وَقَدْ حَصَلَ
بِرُجُوعِ أَحَدِهِمَا بِنِصْفِهِ وَلَيْسَ
لِصَاحِبِهِ أَنْ يَنْقُضَ الِاسْتِوَاءَ
بِالرُّجُوعِ عَلَيْهِ مُرَاعَاةً لِمَا
اقْتَضَاهُ الْعَقْدُ إذْ الِاسْتِوَاءُ فِي
السَّبَبِ يُوجِبُ الِاسْتِوَاءَ فِي
الْحُكْمِ وَهُوَ الْغُرْمُ بِخِلَافِ
الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ؛ لِأَنَّ
التَّرْجِيحَ فِيهَا حَاصِلٌ مِنْ
الِابْتِدَاءِ ، فَلَا يَضُرُّهُ الرُّجُوعُ
فَيُؤَدِّي إلَى الدَّوْرِ ، ثُمَّ
يَرْجِعَانِ عَلَى الْأَصِيلِ لِأَنَّهُمَا
أَدَّيَا عَنْهُ دَيْنَهُ بِأَمْرِهِ
أَحَدُهُمَا بِنَفْسِهِ وَالْآخَرُ
بِنَائِبِهِ ، وَإِنْ شَاءَ الْمُؤَدِّي
رَجَعَ بِالْجَمِيعِ عَلَى الْأَصِيلِ ؛
لِأَنَّهُ كَفَلَ بِالْجَمِيعِ بِأَمْرِهِ .
هَذَا إذَا تَكَفَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
عَنْ الْأَصِيلِ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ عَلَى
التَّعَاقُبِ ، ثُمَّ كَفَلَ كُلُّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ بِالْجَمِيعِ ،
وَأَمَّا إذَا تَكَفَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا بِالنِّصْفِ ، ثُمَّ تَكَفَّلَ
كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ
فَهِيَ كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فِي
الصَّحِيحِ حَتَّى لَا يَرْجِعَ عَلَى
شَرِيكِهِ بِمَا أَدَّى مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى
النِّصْفِ ، وَكَذَا لَوْ تَكَفَّلَا عَنْ
الْأَصِيلِ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ مَعًا ، ثُمَّ
كَفَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ
صَاحِبِهِ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَنْقَسِمُ
عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ ، فَلَا يَكُونُ
كَفِيلًا عَنْ الْأَصِيلِ بِالْجَمِيعِ ،
وَكَذَا لَوْ كَفَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
عَنْ الْأَصِيلِ بِالْجَمِيعِ مُتَعَاقِبًا ،
ثُمَّ كَفَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ
صَاحِبِهِ بِالنِّصْفِ .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَبْرَأَ
الطَّالِبُ أَحَدَهُمَا أَخَذَ الْآخَرَ
بِكُلِّهِ) لِأَنَّ إبْرَاءَ الْكَفِيلِ لَا
يُوجِبُ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ فَبَقِيَ
الْمَالُ كُلُّهُ عَلَى الْأَصِيلِ وَالْآخَرُ
كَفِيلٌ عَنْهُ بِكُلِّهِ فَيَأْخُذُهُ بِهِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ افْتَرَقَ
الْمُفَاوِضَانِ أَخَذَ الْغَرِيمُ أَيًّا
شَاءَ بِكُلِّ الدَّيْنِ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ الْآخَرِ
عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الشَّرِكَةِ قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَرْجِعُ حَتَّى
يُؤَدِّيَ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ) لِمَا
بَيَّنَّا مِنْ الْوَجْهَيْنِ فِي كَفَالَةِ
الرَّجُلَيْنِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ كَاتَبَ
عَبْدَيْهِ كِتَابَةً وَاحِدَةً وَكَفَلَ
كُلٌّ عَنْ صَاحِبِهِ وَأَدَّى أَحَدُهُمَا
رَجَعَ بِنِصْفِهِ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ
وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ ؛ لِأَنَّ
فِيهِ كَفَالَةَ الْمُكَاتَبِ وَالْكَفَالَةَ
بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ بَاطِلٌ وَعِنْدَ
الِاجْتِمَاعِ أَوْلَى فَصَارَتْ كَمَا إذَا
اخْتَلَفَتْ كِتَابَتُهُمَا . وَجْهُ
الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ تَصَرُّفَ الْإِنْسَانِ
يَجِبُ تَصْحِيحُهُ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ
وَقَدْ أَمْكَنَ تَصْحِيحُ هَذِهِ
الْكَفَالَةِ بِأَنْ يُجْعَلَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ يُصَدَّقُ) وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ
لَا يُصَدَّقَ وَهَذَا وَجْهُ وُرُودِهَا
عَلَى مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ فَاعْلَمْ ا هـ ك
.
(قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَنْقُضَ
الِاسْتِوَاءَ بِالرُّجُوعِ عَلَيْهِ
مُرَاعَاةً) يَعْنِي أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ
نَقْضِ الِاسْتِوَاءِ هُوَ الْمُرَاعَاةُ
إلَخْ . ا هـ . (قَوْلُهُ بِخِلَافِ
الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى إلَخْ) قَالَ
الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا
الْفَرْقُ بِاعْتِبَارِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ
فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ، وَلَوْ كَانَ
الْوَجْهُ الثَّانِي صَحِيحًا لَمْ يَبْقَ
فَرْقٌ بِاعْتِبَارِهِ ؛ لِأَنَّ مُسَوِّغَ
رُجُوعِ الْمُؤَدَّى عَنْهُ اعْتِبَارُ
نَفْسِهِ أَدَّى مَا أَدَّاهُ عَنْهُ
الْمُؤَدِّي وَاحْتِسَابُهُ بِهِ عَنْ
الْمُؤَدِّي ، وَهَذَا مُمْكِنٌ هُنَا
بِعَيْنِهِ بِأَنْ يَقُولَ هَذَا الَّذِي
تَرْجِعُ عَلَيَّ بِهِ بِسَبَبِ أَنَّك
أَدَّيْتَهُ عَنِّي هُوَ كَأَدَائِي بِنَفْسِي
فَكَأَنِّي أَنَا الَّذِي أَدَّيْتُهُ
وَاحْتَسَبْتُهُ عَنْك فَأَنَا أَرْجِعُ
عَلَيْك بِهِ وَلَا شَكَّ فِي بُطْلَانِ هَذَا
، فَلَا يَقَعُ الْفَرْقُ إلَّا بِاعْتِبَارِ
الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ ، وَهُوَ الْوَجْهُ
الْأَوَّلُ ا هـ (قَوْلُهُ ثُمَّ يَرْجِعَانِ
عَلَى الْأَصِيلِ وَقَوْلُهُ وَإِنْ شَاءَ
الْمُؤَدِّي رَجَعَ بِالْجَمِيعِ عَلَى
الْأَصِيلِ) لَا يَخْلُو مَعَ مَا سَبَقَ عَنْ
تَكْرَارٍ فَاعْلَمْ ا هـ ك .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ افْتَرَقَ
الْمُفَاوِضَانِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ
وَأَصْلُهُ أَنَّ الْمُفَاوَضَةَ شَرِكَةٌ
عَامَّةٌ فِي كُلِّ مَالٍ وَصَحِيحَةٌ
عِنْدَنَا وَتُبْتَنَى عَلَى ثَلَاثَةِ
أَشْيَاءَ : التَّوْكِيلُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا صَاحِبَهُ فِيمَا كَانَ مِنْ
أَعْمَالِ التِّجَارَةِ ، وَالْكَفَالَةُ
بِمَا كَانَ مِنْ ضَمَانِ التِّجَارَةِ ،
وَالِاسْتِوَاءُ فِي جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ
ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً فَإِذَا كَانَ
انْعِقَادُهَا عَلَى الْكَفَالَةِ كَانَ
لِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَطْلُبُوا بِجَمِيعِ
الدَّيْنِ أَيَّهمَا شَاءُوا ؛ لِأَنَّ
الْكَفَالَةَ تَثْبُتُ بِعَقْدِ
الْمُفَاوَضَةِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ ، فَلَا
تَبْطُلُ بِالِافْتِرَاقِ . ا هـ ..
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ كَاتَبَ
عَبْدَيْهِ كِتَابَةً وَاحِدَةً) أَيْ بِأَنْ
قَالَ مَثَلًا كَاتَبْتُكُمَا عَلَى أَلْفٍ
إلَى عَامٍ . ا هـ . (قَوْلُهُ وَأَدَّى
أَحَدُهُمَا رَجَعَ بِنِصْفِهِ) قَالَ فِي
شَرْحِ التَّكْمِلَةِ وَإِنْ كَاتَبَ
عَبْدَيْهِ كِتَابَةً وَاحِدَةً عَلَى أَنَّ
كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ
صَاحِبِهِ فَكُلُّ شَيْءٍ أَدَّاهُ
أَحَدُهُمَا رَجَعَ عَلَى شَرِيكِهِ
بِنِصْفِهِ لِأَنَّهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ مِنْ
حَيْثُ الْأَصَالَةُ وَالْكَفَالَةُ ا هـ
(قَوْلُهُ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
بِانْفِرَادِهِ بَاطِلٌ) أَيْ لِأَنَّ
الْكَفَالَةَ تَبَرُّعٌ وَالْمُكَاتَبُ لَا
يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ ، وَالْكَفَالَةُ
إنَّمَا تَصِحُّ بِالدَّيْنِ الصَّحِيحِ ،
وَبَدَلُ الْكِتَابَةِ لَيْسَ بِدَيْنٍ
صَحِيحٍ ، فَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ .
ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَصَارَ كَمَا
إذَا اخْتَلَفَتْ كِتَابَتُهُمَا) أَيْ بِأَنْ
كَاتَبَ الْمَوْلَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
عَلَى حِدَةٍ وَكَفَلَ أَحَدُهُمَا عَنْ
الْآخَرِ فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ بَاطِلَةٌ
قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا ا هـ .
(قَوْلُهُ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ) وَجْهُ
الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ يُمْكِنُ تَجْوِيزُ
هَذَا الْعَقْدِ بِأَنْ يَجْعَلَ كُلَّ
الْبَدَلِ عَلَى أَحَدِهِمَا وَالْآخَرَ
تَبَعًا لَهُ فِي الْعِتْقِ بِأَنْ يَكُونَ
كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصِيلًا فِي
الْكُلِّ وَكَفِيلًا عَنْ صَاحِبِهِ فِي
الْكُلِّ كَالْوَلَدِ الْمَوْلُودِ فِي
الْكِتَابَةِ حَيْثُ يَكُونُ مُكَاتَبًا
تَبَعًا لِأُمِّهِ فَلَمَّا احْتَمَلَ هَذَا
الْعَقْدُ الصِّحَّةَ صَحَّ وَجُعِلَ كُلُّ
وَاحِد مِنْهُمَا كَأَنَّ الْمَالَ عَلَيْهِ
وَكَانَ مُؤَاخَذًا بِحُكْمِ الْأَصَالَةِ لَا
الْكَفَالَةِ فَإِذَا أَدَّى أَحَدُهُمَا
شَيْئًا يَقَعُ
(4/168)
الْمَالُ
كُلُّهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي
حَقِّ الْمَوْلَى وَفِي حَقِّ نَفْسِهِ ،
وَعِتْقُ الْآخَرِ مُعَلَّقٌ بِأَدَائِهِ
فَيُطَالِبُ الْمَوْلَى كُلَّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا بِجَمِيعِ الْمَالِ بِحُكْمِ
الْأَصَالَةِ لَا بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ
فَأَيُّهُمَا أَدَّى عَتَقَ وَعَتَقَ الْآخَرُ
تَبَعًا لَهُ كَمَا فِي وَلَدِ الْمُكَاتَبِ ،
لَكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ فِي
حَقِّ صَاحِبِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ فِي
الْحَقِيقَةِ مُقَابَلٌ بِهِمَا حَتَّى
انْقَسَمَ عَلَيْهِمَا فَصَارَتْ كَفَالَتُهُ
بِمَا عَلَيْهِ أَصَالَةً وَكَفَالَةُ
الْمُكَاتَبِ بِمَا عَلَيْهِ أَصَالَةً
جَائِزَةٌ فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
أَصِيلًا فِي الْكُلِّ كَفِيلًا عَنْ
صَاحِبِهِ بِالْكُلِّ ، وَلَا تَظْهَرُ
الْكَفَالَةُ إلَّا فِي حَقِّ صَاحِبِهِ ؛
لِأَنَّهَا ضَرُورِيَّةٌ فَيَتَقَدَّرُ
بِقَدْرِهَا حَتَّى تَكُونَ مُطَالَبَةُ
الْمَوْلَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ
الْمَالِ بِحُكْمِ الْأَصَالَةِ لَا بِحُكْمِ
الْكَفَالَةِ فَإِذَا أَدَّى أَحَدُهُمَا
شَيْئًا وَقَعَ عَنْ كُلِّ الْبَدَلِ فَيَقَعُ
نِصْفُ ذَلِكَ عَنْ صَاحِبِهِ
لِاسْتِوَائِهِمَا فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ ،
وَلَوْ رَجَعَ بِالْكُلِّ لَا تَتَحَقَّقُ
الْمُسَاوَاةُ بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَتْ
كِتَابَتُهُمَا لِأَنَّ عِتْقَ كُلِّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا تَعَلَّقَ بِأَدَاءِ الْمَالِ عَلَى
حِدَةٍ وَهُوَ صَحِيحٌ فِي نَفْسِهِ ، فَلَا
حَاجَةَ إلَى تَصْحِيحِهِ بِمَا ذَكَرْنَا
مِنْ الطَّرِيقِ ، ثُمَّ الْمَسْأَلَةُ عَلَى
ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ :
أَحَدُهَا أَنْ يُكَاتِبَهُمَا كِتَابَةً
وَاحِدَةً وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ
عَنْ صَاحِبِهِ فَحُكْمُهُ مَا ذَكَرْنَا ،
وَالثَّانِي أَنْ يُكَاتِبَهُمَا كِتَابَةً
وَاحِدَةً عَلَى أَلْفٍ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى
هَذَا فَحُكْمُهُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا يَلْزَمُهُ حِصَّتُهُ وَيَعْتِقُ
بِأَدَاءِ حِصَّتِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُقَابَلَةَ
الْمُطْلَقَةَ تَقْتَضِي ذَلِكَ ،
وَالثَّالِثُ أَنْ يُكَاتِبَهُمَا كِتَابَةً
وَاحِدَةً عَلَى أَنَّهُمَا إنْ أَدَّيَا
عَتَقَا ، وَإِنْ عَجَزَا رُدَّا فِي الرِّقِّ
وَلَمْ يَذْكُرْ كَفَالَةَ كُلِّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ فَعِنْدَ زُفَرَ
جَوَابُ هَذَا مِثْلُ الْفَصْلِ الثَّانِي
حَتَّى يَعْتِقَ أَحَدُهُمَا بِأَدَاءِ
حِصَّتِهِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
لَمْ يَلْتَزِمْ بِالْقَبُولِ إلَّا حِصَّتَهُ
وَلِهَذَا لَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يُطَالِبَ
أَحَدَهُمَا بِجَمِيعِ الْبَدَلِ ، وَلَوْ
أَدَّى أَحَدُهُمَا الْجَمِيعَ لَمْ يَرْجِعْ
عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ بِخِلَافِ مَا إذَا
شَرَطَ كَفَالَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
عَنْ صَاحِبِهِ لِأَنَّا نَقُولُ لَا يَعْتِقُ
وَاحِدٌ مِنْهُمَا مَا لَمْ يَصِلْ جَمِيعُ
الْمَالِ إلَى الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ شَرْطَ
الْمَوْلَى فِي الْعَقْدِ تَجِبُ مُرَاعَاتُهُ
إذَا كَانَ صَحِيحًا شَرْعًا وَقَدْ شَرَطَ
الْعِتْقَ عِنْدَ أَدَائِهِمَا جَمِيعَ
الْمَالِ نَصًّا ، فَلَوْ عَتَقَ أَحَدُهُمَا
بِأَدَاءِ حِصَّتِهِ كَانَ مُخَالِفًا
لِشَرْطِهِ وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ زُفَرُ
مَمْنُوعٌ فَإِنَّ هَذَا عِنْدَنَا
كَالْفَصْلِ الْأَوَّلِ فِي جَمِيعِ مَا
ذَكَرْنَاهُ فَلِهَذَا قُلْنَا مَا لَمْ
يَصِلْ جَمِيعُ الْمَالِ إلَى الْمَوْلَى لَا
يَعْتِقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا ذَكَرَهُ فِي
الْمَبْسُوطِ .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ حَرَّرَ
أَحَدَهُمَا أَخَذَ أَيًّا شَاءَ بِحِصَّةِ
مَنْ لَمْ يُعْتِقْهُ) مَعْنَاهُ لَوْ
أَعْتَقَ أَحَدَ الْعَبْدَيْنِ فِيمَا إذَا
كَاتَبَهُمَا وَشَرَطَ كَفَالَةَ كُلِّ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ صَحَّ
الْعِتْقُ لِوُجُودِ الْمُصَحِّحِ لِلْعِتْقِ
وَهُوَ الْمِلْكُ فِي الرَّقَبَةِ وَبَرِئَ
عَنْ حِصَّتِهِ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ ؛
لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِالْتِزَامِ الْمَالِ
إلَّا لِيَكُونَ وَسِيلَةً إلَى الْعِتْقِ
وَلَمْ يَبْقَ وَسِيلَةً فَتَسْقُطُ حِصَّتُهُ
وَيَبْقَى عَلَى صَاحِبِهِ حِصَّتُهُ ؛
لِأَنَّ الْمَالَ فِي الْحَقِيقَةِ مُقَابَلٌ
بِرَقَبَتِهِمَا وَإِنَّمَا جَعَلَ عَلَى
كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كُلَّهُ احْتِيَالًا
لِتَصْحِيحِ الضَّمَانِ وَإِذَا حَصَلَ لَهُ
الْعِتْقُ اسْتَغْنَى عَنْهُ فَاعْتُبِرَ
مُقَابَلًا بِرَقَبَتَيْهِمَا فَيَتَوَزَّعُ
عَلَيْهِمَا ضَرُورَةً ، فَإِذَا تَوَزَّعَ
سَقَطَ حِصَّةُ الْمُعْتَقِ لِمَا ذَكَرْنَا
وَيَأْخُذُ بِحِصَّةِ الَّذِي لَمْ يُعْتَقْ
أَيَّهُمَا شَاءَ ، فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ
الْمُعْتَقَ بِالْكَفَالَةِ ، وَإِنْ شَاءَ
أَخَذَ صَاحِبَهُ بِالْأَصَالَةِ قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ أَخَذَ
الْمُعْتَقَ رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ ، وَإِنْ
أَخَذَ الْآخَرَ لَا) لِأَنَّ غَيْرَ
الْمُعْتَقِ أَصِيلٌ ، فَلَا يَرْجِعُ عَلَى
أَحَدٍ إذَا أَدَّى وَالْمُعْتَقُ كَفِيلٌ
عَنْهُ بِأَمْرِهِ فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ ،
فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَكُونُ الْمُعْتَقُ
كَفِيلًا عَنْهُ وَالْكَفَالَةُ بِبَدَلِ
الْكِتَابَةِ لَا تَجُوزُ ؟ قُلْنَا هَذَا فِي
حَالَةِ الْبَقَاءِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي
الِابْتِدَاءِ كَفِيلًا فَقَطْ وَإِنَّمَا
كَانَ بَدَلُ الْكِتَابَةِ وَاجِبًا عَلَيْهِ
أَصَالَةً وَقَدَّرْنَا الْكَفَالَةَ فِيهِ
فِي حَقِّ صَاحِبِهِ احْتِيَالًا لِتَصْحِيحِ
الْأَدَاءِ عَنْ صَاحِبِهِ وَبَعْدَ الْعِتْقِ
لَا يُمْكِنُ إيجَابُ الْبَدَلِ عَلَيْهِ
لِاسْتِغْنَائِهِ ، فَلَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُ
الْأَصَالَةِ فِيهِ فَبَقِيَ كَفِيلًا
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ ضَمِنَ
عَنْ عَبْدٍ مَا لَا يُؤْخَذُ بِهِ بَعْدَ
عِتْقِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عَنْ جَمِيعِ الْبَدَلِ فَيَقَعُ عَنْ
صَاحِبِهِ نِصْفُ ذَلِكَ لِاسْتِوَائِهِمَا
فِي الْعِلَّةِ وَهِيَ أَنَّ كُلَّ الْبَدَلِ
مَضْمُونٌ عَلَى أَحَدِهِمَا بِعَقْدِ
الْكِتَابَةِ وَلِهَذَا لَا يَعْتِقُ وَاحِدٌ
مِنْهُمَا مَا لَمْ يُؤَدِّ جَمِيعَ الْبَدَلِ
فَإِنْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى أَحَدَهُمَا صَحَّ
؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ وَسَقَطَ نِصْفُ بَدَلِ
الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ فِي
الْحَقِيقَةِ مُقَابَلٌ بِرَقَبَتَيْهِمَا ،
وَإِنَّمَا جُعِلَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا احْتِيَالًا لِتَصْحِيحِ الضَّمَانِ
فَإِذَا ثَبَتَ عِتْقُ أَحَدِهِمَا اسْتَغْنَى
عَنْ بَدَلِ رَقَبَتِهِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ احْتِيَالًا لِتَصْحِيحِ
الضَّمَانِ) وَالْحَامِلُ عَلَى ذَلِكَ
تَشَوُّفُ الشَّارِعِ إلَى الْعِتْقِ . ا هـ .
(قَوْلُهُ قُلْنَا هَذَا فِي حَالَةِ
الْبَقَاءِ) كَمَا لَوْ مَاتَ شُهُودُ
النِّكَاحِ . ا هـ ..
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ ضَمِنَ عَنْ
عَبْدٍ مَا لَا يُؤْخَذُ بِهِ بَعْدَ
عِتْقِهِ) قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ أَرَادَ
بِهِ إقْرَارَهُ بِالِاسْتِهْلَاكِ ؛
لِأَنَّهُ قَدْ يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ فَأَمَّا
إذَا اسْتَهْلَكَهُ عِيَانًا فَإِنَّهُ
يُؤْخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ إلَّا فِي
الْمُودَعِ الْمَحْجُورِ إذَا اسْتَهْلَكَهَا
فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُهَا حَتَّى يَعْتِقَ
عِنْد أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ،
وَكَذَلِكَ لَوْ أَقْرَضَهُ إنْسَانٌ أَوْ
بَاعَهُ أَوْ وَطِئَ بِشُبْهَةٍ بِغَيْرِ
إذْنِ الْمَوْلَى لَمْ يُؤْخَذْ بِهِ حَتَّى
يَعْتِقَ أَيْضًا فَهَذَا كُلُّهُ نَوْعٌ
وَاحِدٌ فِي الْحُكْمِ وَجَوَابُهُ أَنَّ
الْكَفِيلَ يُؤْخَذُ بِهِ حَالًّا ، وَقَالَ
فَخْرُ الدِّينِ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ
الْجَامِعِ الصَّغِيرِ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ
إذَا أَقَرَّ الْعَبْدُ بِاسْتِهْلَاكِ مَالٍ
، وَكَذَّبَهُ الْمَوْلَى أَوْ كَانَ
مَحْجُورًا وَأَوْدَعَهُ إنْسَانٌ
فَاسْتَهْلَكَ الْوَدِيعَةَ فَإِنَّهُ لَا
يُؤْخَذُ بِهِ حَتَّى يَعْتِقَ فِي قَوْلِ
أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ، وَلَوْ
أَقْرَضَهُ إنْسَانٌ أَوْ بَاعَهُ ، وَهُوَ
مَحْجُورٌ أَوْ وَطِئَ امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ
بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى فَإِنَّهُ لَا
يُؤْخَذُ بِالْمَهْرِ حَتَّى يَعْتِقَ فَإِنْ
كَفَلَ إنْسَانٌ بِهِ وَلَمْ يُسَمِّ حَالًّا
وَغَيْرَهُ فَهُوَ حَالٌّ أَمَّا صِحَّةُ
الْكَفَالَةِ فَلِأَنَّ الْمَالَ مَضْمُونٌ
عَلَى الْأَصِيلِ ، وَإِنَّمَا لَمْ يُطَالَبْ
الْأَصِيلُ فِي الْحَالِ لِعُسْرَتِهِ ؛
لِأَنَّ الْعَبْدَ وَمَا فِي يَدِهِ
لِمَوْلَاهُ وَلَمْ يَظْهَرْ مَا وَجَبَ عَلَى
الْعَبْدِ لِصِحَّةِ سَبَبِهِ فِي حَقِّ
الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَمْ يَرْضَ
بِهِ وَالْكَفِيلُ لَيْسَ بِمُعْسِرٍ
فَيُطَالَبُ حَالًّا ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ
عَنْ مُطَالَبَةِ الْعَبْدِ وَهُوَ الْعُسْرُ
لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ الْكَفِيلِ ، فَصَارَ
بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ عَنْ غَائِبٍ
حَيْثُ تَصِحُّ وَيُؤْخَذُ الْكَفِيلُ بِهِ
حَالًّا وَإِنْ عَجَزَ الطَّالِبُ عَنْ
مُطَالَبَةِ الْأَصِيلِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ
وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ يُؤْخَذُ بِهِ بَعْدَ
الْعِتْقِ مَا نَصُّهُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ
وَقَعَتْ صِفَةً لِلنَّكِرَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ
مَالًا أَيْ مَالًا غَيْرَ وَاجِبٍ عَلَى
الْعَبْدِ أَدَاؤُهُ قَبْلَ الْعِتْقِ ا هـ .
(4/169)
فَهُوَ حَالٌّ
، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ) الْمُرَادُ بِهِ
دَيْنٌ لَمْ يَظْهَرْ فِي حَقِّ الْمَوْلَى
كَمَا إذَا لَزِمَهُ بِالْإِقْرَارِ أَوْ
الِاسْتِقْرَاضِ أَوْ بِالْوَطْءِ عَنْ
شُبْهَةٍ أَوْ اسْتِهْلَاكِ وَدِيعَةٍ فَإِنَّ
هَذِهِ الدُّيُونَ لَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ
الْمَوْلَى ، فَلَا يُؤَاخَذُ بِهَا فِي
الْحَالِ وَإِنَّمَا يُؤَاخَذُ بِهَا بَعْدَ
الْحُرِّيَّةِ ، فَلَوْ أَنَّ إنْسَانًا
تَكَفَّلَ بِهَذِهِ الدُّيُونِ يَلْزَمُهُ
وَيُطَالَبُ بِهِ فِي الْحَالِ لِأَنَّ
الْمَالَ حَالٌّ عَلَى الْعَبْدِ لِوُجُودِ
السَّبَبِ وَقَبُولِ ذِمَّتِهِ إلَّا أَنَّ
الْمُطَالَبَةَ تَأَخَّرَتْ عَنْهُ
لِعُسْرَتِهِ إذْ هَذِهِ الدُّيُونُ لَا
تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ لِعَدَمِ ظُهُورِهَا
فِي حَقِّ الْمَوْلَى ، وَالْكَفِيلُ غَيْرُ
مُعْسِرٍ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَفَلَ عَنْ
غَائِبٍ أَوْ مُفَلَّسٍ بِخِلَافِ مَا إذَا
كَفَلَ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ حَيْثُ لَا
يَلْزَمُ الْكَفِيلَ حَالًا ؛ لِأَنَّهُ
الْتَزَمَ الْمُطَالَبَةَ بِدَيْنٍ
وَالطَّالِبُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ
بِالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ فِي الْحَالِ ،
ثُمَّ إذَا أَدَّى عَنْهُ يَرْجِعُ بِهِ
بَعْدَ الْعِتْقِ إنْ كَانَ بِأَمْرِهِ ؛
لِأَنَّ الْكَفِيلَ بِالْأَدَاءِ مَلَكَ
الدَّيْنَ وَقَامَ مَقَامَ الطَّالِبِ ، فَلَا
يُطَالِبُهُ قَبْلَ الْحُرِّيَّةِ وَقَوْلُهُ
بِدَيْنٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ بَعْدَ عِتْقِهِ
احْتِرَازٌ عَمَّا يُؤْخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ
مِثْلِ دَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ عِيَانًا أَوْ
دَيْنٍ لَزِمَهُ بِالتِّجَارَةِ بِإِذْنِ
الْمَوْلَى فَإِنَّهُ تَجُوزُ الْكَفَالَةُ
بِهِ بِلَا شُبْهَةٍ .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ ادَّعَى
رَقَبَةَ الْعَبْدِ فَكَفَلَ بِهِ رَجُلٌ
فَمَاتَ الْعَبْدُ فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي
أَنَّهُ لَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ ، وَلَوْ
ادَّعَى عَلَى عَبْدٍ مَالًا وَكَفَلَ
بِنَفْسِهِ رَجُلٌ فَمَاتَ الْعَبْدُ بَرِئَ
الْكَفِيلُ) وَالْفَرْقُ أَنَّ الثَّانِيَةَ
تَكَفَّلَ عَنْ الْعَبْدِ بِتَسْلِيمِ
نَفْسِهِ فَإِذَا مَاتَ الْعَبْدُ وَهُوَ
الْمَكْفُولُ بِهِ بَرِئَ هُوَ ،
وَبَرَاءَتُهُ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ
عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ ، وَلَا
يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ
الْمَكْفُولُ بِهِ حُرًّا أَوْ عَبْدًا وَفِي
الْأُولَى تَكَفَّلَ عَنْ ذِي الْيَدِ
بِتَسْلِيمِ رَقَبَةِ الْعَبْدِ لِأَنَّ
الْمُدَّعِيَ يَدَّعِي غَصْبَ الْعَبْدِ عَلَى
ذِي الْيَدِ ، وَالْكَفَالَةَ بِالْأَعْيَانِ
الْمَضْمُونَةِ بِنَفْسِهَا جَائِزَةٌ عَلَى
مَا تَقَدَّمَ فَيَجِبُ عَلَى ذِي الْيَدِ
رَدُّ الْعَيْنِ ، فَإِنْ هَلَكَتْ يَجِبُ
عَلَيْهِ قِيمَتُهَا فَكَذَا عَلَى الْكَفِيلِ
إنْ أَثْبَتَ الْمُدَّعِي بِالْبَيِّنَةِ
أَنَّ الْعَبْدَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ يَقُومُ
مَقَامَ الْأَصِيلِ وَالْبَيِّنَةُ كَاسْمِهَا
مُبَيِّنَةٌ فَيَظْهَرُ بِهَا أَنَّ الْعَبْدَ
مَلَكَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا ثَبَتَ الْمِلْكُ
بِإِقْرَارِ ذِي الْيَدِ أَوْ بِنُكُولِهِ ؛
لِأَنَّ إقْرَارَ الْأَصِيلِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ
فِي حَقِّ الْكَفِيلِ ، فَلَا يَلْزَمُهُ مَا
لَمْ يُقِرَّ بِهِ هُوَ بِنَفْسِهِ قَالَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ كَفَلَ عَبْدٌ
عَنْ سَيِّدِهِ بِأَمْرِهِ فَعَتَقَ
فَأَدَّاهُ أَوَكَفَلَ سَيِّدُهُ عَنْهُ
وَأَدَّاهُ بَعْدَ عِتْقِهِ لَمْ يَرْجِعْ
وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ) وَمَعْنَى
الْأُولَى أَنْ لَا يَكُونَ عَلَى الْعَبْدِ
دَيْنٌ ؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْمَوْلَى
بِالتَّكْفِيلِ يَصِحُّ إذَا لَمْ يَكُنْ
عَلَيْهِ دَيْنٌ ، أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ
أَنْ يَجْعَلَهُ بِالدَّيْنِ ، وَلَوْ أَقَرَّ
عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ نَفَذَ إقْرَارُهُ
وَلَهُ أَنْ يَرْهَنَهُ ، وَإِنْ كَانَ
عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لَيْسَ لَهُ
شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ
إبْطَالَ حَقِّ الْغُرَمَاءِ ، وَأَمَّا
كَفَالَةُ الْمَوْلَى عَنْ الْعَبْدِ
فَصَحِيحَةٌ كَيْفَمَا كَانَتْ .
وَقَالَ زُفَرُ يَرْجِعُ كُلُّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ إذَا أَدَّى عَنْهُ
بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَكَانَتْ الْكَفَالَةُ
بِأَمْرِهِ لِتَحَقُّقِ الْمُوجِبِ
لِلرُّجُوعِ وَلِزَوَالِ الْمَانِعِ مِنْ
الرُّجُوعِ قُلْنَا وَقَعَتْ غَيْرَ مُوجِبَةٍ
لِلرُّجُوعِ ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَا
يَسْتَحِقُّ عَلَى الْآخَرِ دَيْنًا ، فَلَا
تَنْقَلِبُ مُوجِبَةً بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا
إذَا كَفَلَ رَجُلٌ عَنْ رَجُلٍ بِغَيْرِ
أَمْرِهِ فَبَلَغَهُ فَأَجَازَ فَإِنَّهَا لَا
تَنْقَلِبُ مُوجِبَةً لِلرُّجُوعِ فَكَذَا
هَذَا ، ثُمَّ فَائِدَةُ كَفَالَةِ الْمَوْلَى
عَنْ عَبْدِهِ وُجُوبُ مُطَالَبَتِهِ
بِإِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ سَائِرِ
أَمْوَالِهِ وَفَائِدَةُ كَفَالَةِ الْعَبْدِ
عَنْ مَوْلَاهُ تَعَلُّقُهُ بِرَقَبَتِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ فَهُوَ حَالٌّ وَإِنْ لَمْ
يُسَمِّهِ) يَعْنِي هُوَ حَالٌّ وَإِنْ لَمْ
يُسَمِّ حَالًّا وَلَا مُؤَجَّلًا . ا هـ .
(قَوْلُهُ كَمَا إذَا لَزِمَهُ
بِالْإِقْرَارِ) أَيْ بِأَنْ أَقَرَّ
بِاسْتِهْلَاكِ مَالٍ ، وَكَذَّبَهُ
الْمَوْلَى . ا هـ . (قَوْلُهُ لِأَنَّ
الْمَالَ حَالٌّ عَلَى الْعَبْدِ لِوُجُودِ
السَّبَبِ وَقَبُولِ ذِمَّتِهِ) أَيْ وَعَدَمِ
الْأَجَلِ فَكَيْفَ وَالْعِتْقُ لَا يَصْلُحُ
أَجَلًا لِجَهَالَةِ وَقْتِ وُقُوعِهِ ،
وَقَدْ لَا يَقَعُ أَصْلًا . ا هـ . (قَوْلُهُ
فَصَارَ كَمَا لَوْ كَفَلَ عَنْ غَائِبٍ) أَيْ
حَيْثُ يَصِحُّ وَيُؤْخَذُ بِهِ الْكَفِيلُ
حَالًّا وَإِنْ عَجَزَ الطَّالِبُ عَنْ
مُطَالَبَةِ الْأَصِيلِ . ا هـ . غَايَةٌ .
(قَوْلُهُ أَوْ مُفَلَّسٍ) بِتَشْدِيدِ
اللَّامِ الْمَفْتُوحَةِ ا هـ غَايَةٌ
وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فَلَّسَهُ الْقَاضِي
حَيْثُ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ وَيُؤْخَذُ بِهِ
الْكَفِيلُ حَالًّا لِعَدَمِ اعْتِبَارِ
الْكَفِيلِ . ا هـ . غَايَةٌ (قَوْلُهُ
وَقَامَ مَقَامَ الطَّالِبِ) أَيْ
وَالطَّالِبُ مَا كَانَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ
قَبْلَ الْعِتْقِ فَكَذَا الْكَفِيلُ . ا هـ .
(قَوْلُهُ احْتِرَازٌ عَمَّا يُؤْخَذُ بِهِ
فِي الْحَالِ مِثْلِ دَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ)
قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ،
وَلَوْ كَانَ كَفَلَ بِدَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ
الْمُعَايَنِ يَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ قَبْلَ
الْعِتْقِ إذَا أَدَّى ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ
غَيْرُ مُؤَخَّرٍ إلَى الْعِتْقِ فَيُطَالَبُ
السَّيِّدُ بِتَسْلِيمِهِ رَقَبَتَهُ أَوْ
الْقَضَاءَ عَنْهُ وَبَحَثَ أَهْلُ الدَّرْسِ
هَلْ الْمُعْتَبَرُ فِي هَذَا الرُّجُوعِ
الْأَمْرُ بِالْكَفَالَةِ مِنْ الْعَبْدِ أَوْ
السَّيِّدِ وَقَوِيَ عِنْدِي كَوْنُ
الْمُعْتَبَرِ أَمْرَ السَّيِّدِ ؛ لِأَنَّ
الرُّجُوعَ فِي الْحَقِيقَةِ عَلَيْهِ ا هـ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ، وَلَوْ ادَّعَى
رَقَبَةَ الْعَبْدِ فَكَفَلَ بِهِ رَجُلٌ)
أَيْ كَفَلَ عَنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ
بِتَسْلِيمِ رَقَبَةِ الْعَبْدِ رَجُلٌ . ا هـ
. (قَوْلُهُ بَرِئَ الْكَفِيلُ) قَالَ
الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ ، وَهَذَا إذَا
كَفَلَ بِنَفْسِ الْعَبْدِ فَلَوْ كَفَلَ
بِالدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ فِي هَذَا
الْفَصْلِ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْكَفِيلِ
وَإِنْ مَاتَ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ عَنْ
حُرٍّ فَمَاتَ الْحُرُّ مُفْلِسًا لَا
يَبْرَأُ الْكَفِيلُ عَنْ كَفَالَتِهِ فِي
قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَلَيْسَ بِمَنْزِلَةِ
مَنْ كَفَلَ بَعْدَ مَوْتِهِ ، وَقَدْ رُوِيَ
عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ لَا
تَجُوزُ الْكَفَالَةُ إذَا لَمْ يَكُنْ
لِلْمَيِّتِ تَرِكَةٌ وَأَمَّا فِي هَذِهِ
الْمَسْأَلَةِ فَقَدْ صَحَّتْ الْكَفَالَةُ
فِي حَالِ حَيَاتِهِ ، فَلَا تَبْطُلُ بَعْدَ
مَوْتِهِ . ا هـ . أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ
وَفِي الْأُولَى تَكَفَّلَ عَنْ ذِي الْيَدِ
بِتَسْلِيمِ رَقَبَةِ الْعَبْدِ) فَإِذَا
مَاتَ الْعَبْدُ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي
الْبَيِّنَةَ بَعْدَ ذَلِكَ غَرِمَ
الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قِيمَةَ الْعَبْدِ
وَغَرِمَهَا الْكَفِيلُ أَيْضًا لِأَنَّ
الْكَفَالَةَ تَحْمِلُ الضَّمَانَ عَنْ
الْغَيْرِ ، فَإِذَا وَجَبَ ضَمَانُ
الْقِيمَةِ عَنْ الْأَصِيلِ وَجَبَ عَلَى
الْكَفِيلِ ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ
الْمُطَالَبَةَ بِمَا عَلَى الْأَصِيلِ ،
وَقَدْ انْتَقِلْ الضَّمَانُ فِي حَقِّ
الْأَصِيلِ إلَى الْقِيمَةِ فَيَنْتَقِلُ فِي
حَقِّ الْكَفِيلِ أَيْضًا . ا هـ .
أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا
ثَبَتَ الْمِلْكُ لَهُ بِإِقْرَارِ ذِي
الْيَدِ إلَخْ) حَيْثُ يَقْضِي بِقِيمَةِ
الْعَبْدِ الْمَيِّتِ عَلَى الْمُدَّعَى
عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ الْكَفِيلَ .
ا هـ . غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَصَحِيحُهُ
كَيْفَمَا كَانَتْ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ
عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا . ا هـ . (قَوْلُهُ
قُلْنَا وَقَعَتْ غَيْرَ مُوجِبَةٍ
لِلرُّجُوعِ) أَيْ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا
يَسْتَوْجِبُ عَلَى مَوْلَاهُ دَيْنًا إذَا
لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ ،
وَكَذَا الْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى
عَبْدِهِ دَيْنًا بِحَالٍ . ا هـ . غَايَةٌ
(قَوْلُهُ فَأَجَازَ) أَيْ الْمَكْفُولُ
عَنْهُ الْكَفَالَةَ فَأَدَّى الْكَفِيلُ
شَيْئًا لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَكْفُولِ
عَنْهُ . ا هـ . قَاضِي خَانْ.
(4/170)
|