تحفة
الفقهاء تحفة الْفُقَهَاء
لعلاء الدّين السَّمرقَنْدِي 539 هـ
وَهِي أصل «بَدَائِع الصَّنَائِع» للكاساني
قَالَ اللكنوي: «ملك الْعلمَاء الكاساني، صَاحب الْبَدَائِع شرح تحفة
الْفُقَهَاء: أَخذ الْعلم عَن عَلَاء الدّين مُحَمَّد السَّمرقَنْدِي:
صَاحب التُّحْفَة» .
دَار الْكتب العلمية، بيروت - لبنان
الطبعة: الثَّانِيَة 1414 هـ - 1994 م.
(1/3)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَصلى الله
على سيدنَا مُحَمَّد وَسلم الْحَمد لله حَمده، وَالصَّلَاة على رَسُوله "
مُحَمَّد " أفضل عبيده، وعَلى آله وَأَصْحَابه من بعده.
قَالَ الشَّيْخ الامام عَلَاء الدّين: مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي أَحْمد
السَّمرقَنْدِي، رَحمَه الله تَعَالَى.
اعْلَم أَن " الْمُخْتَصر " الْمَنْسُوب إِلَى الشَّيْخ أبي الْحُسَيْن
الْقَدُورِيّ (1) رَحمَه الله جَامع جملا من الْفِقْه مستعملة، بِحَيْثُ
لَا ترَاهَا مدى الدَّهْر مُهْملَة: يهدي بهَا الرائض فِي أَكثر
الْحَوَادِث والنوازل، ويرتقي بهَا المرتضا إِلَى أَعلَى المراقي والمنازل،
وَلما عَمت رَغْبَة الْفُقَهَاء إِلَى هَذَا الْكتاب، طلب مني بَعضهم، من
الاخوان والاصحاب، أَن أذكر فِيهِ بعض مَا ترك المُصَنّف من أَقسَام
الْمسَائِل، وأوضح المشكلات مِنْهُ، بِقَوي من الدَّلَائِل، ليَكُون
ذَرِيعَة إِلَى تَضْعِيف الْفَائِدَة، بالتقسيم وَالتَّفْصِيل، ووسيلة،
بِذكر الدَّلِيل، إِلَى تَخْرِيج ذَوي التَّحْصِيل - فأسرعت فِي الاسعاف
والاجابة، رَجَاء التَّوْفِيق، من الله تَعَالَى، فِي الاتمام والاصابة،
وَطَمَعًا، من فَضله، فِي الْعَفو والغفران والانابة: فَهُوَ الْمُوفق
للصَّوَاب والسداد، وَالْهَادِي إِلَى سبل الرشاد وسميته " تحفة
الْفُقَهَاء "، إِذْ هِيَ هديتي لَهُم، لحق الصُّحْبَة والاخاء، عِنْد
رجوعهم إِلَى مَوَاطِن الْآبَاء.
__________
(1) هُوَ أَحْمد بن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن حمدَان الْقَدُورِيّ، ولد سنة
362 هـ.
وَتُوفِّي سنة 428 هـ.
بِبَغْدَاد.
(1/5)
فليقبل هديتي هَذِه من شَاءَ كسب الْعِزّ
والبهاء، وليذكرني بِصَالح الدُّعَاء، فِي الْحَيَاة وَالْمَمَات، فَهُوَ
غرضي ونيتي، والاعمال بِالنِّيَّاتِ، وقابل الاعمال عَالم بالخفيات، وَمَا
توفيقي إِلَّا بِاللَّه: عَلَيْهِ توكلت، وَإِلَيْهِ أنيب.
(1/6)
كتاب الطَّهَارَة
اعْلَم أَن الطَّهَارَة شَرط جَوَاز الصَّلَاة
وَهِي نَوْعَانِ حَقِيقِيَّة وحكمية
أما الْحَقِيقِيَّة فَهِيَ الطَّهَارَة عَن النَّجَاسَة حَقِيقَة وَهِي
أَنْوَاع ثَلَاثَة طَهَارَة الْبدن وطهارة الْمَكَان وطهارة الثِّيَاب
وَأما الْحكمِيَّة فَهِيَ الطَّهَارَة عَن النَّجَاسَة حكما وَهِي
نَوْعَانِ الْوضُوء وَالْغسْل
عرفنَا فَرضِيَّة الطَّهَارَة بأنواعها بِالْكتاب وَالسّنة وَإِجْمَاع
الْأمة
أما الْكتاب فَقَوله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا قُمْتُم
إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا وُجُوهكُم} وَقَوله تَعَالَى {عَلَيْهِم
مدرارا وَجَعَلنَا الْأَنْهَار} وَقَوله تَعَالَى {أَن طهرا بَيْتِي
للطائفين} وَقَوله {وثيابك فطهر}
وَأما السّنة فَمَا رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ
مِفْتَاح الصَّلَاة الطّهُور وتحريمها التَّكْبِير وتحليلها التَّسْلِيم
وَقَالَ عَلَيْهِ
(1/7)
السَّلَام إِن تَحت كل شَعْرَة جَنَابَة
أَلا فبلوا الشّعْر وأنقوا الْبشرَة
وَعَلِيهِ إِجْمَاع الْأمة
فنبدأ بِالْوضُوءِ فَنَقُول إِنَّه يشْتَمل على الْغسْل وَالْمسح فالغسل
هُوَ تسييل المَاء على الْعُضْو وَالْمسح هُوَ إِيصَال المَاء إِلَيْهِ
والإمرار عَلَيْهِ لَا غير حَتَّى لَا يجوز الْوضُوء وَالْغسْل بِدُونِ
التسييل فِي الْغسْل على جَوَاب ظَاهر الرِّوَايَات إِلَّا رِوَايَة عَن
أبي يُوسُف فَإِنَّهُ قَالَ لَو مسح عضوه ببلة دون التسييل جَازَ
ثمَّ للْوُضُوء أَرْكَان وشروط وَسنَن وآداب
أما الْأَركان فَأَرْبَعَة أَحدهَا غسل الْوَجْه مرّة وَاحِدَة قَوْله
تَعَالَى {قرن مكناهم}
وحد الْوَجْه قصاص الشّعْر إِلَى حِدة الذقن وَإِلَى شحمتي الْأذن وَهُوَ
حد صَحِيح فَإِن الْوَجْه فِي اللُّغَة اسْم لما يواجه النَّاظر إِلَيْهِ
فِي الْعَادة
فَإِن كَانَ قبل نَبَات الشّعْر يجب غسل جَمِيعه
وَإِذا نبت الشّعْر لَا يجب غسل مَا تَحْتَهُ عِنْد عَامَّة الْعلمَاء
وَقَالَ بَعضهم يجب غسل مَا تَحت الشعرة وإيصال المَاء إِلَى أصُول الشّعْر
وَقَالَ الشَّافِعِي إِن كَانَت اللِّحْيَة خَفِيفَة يجب غسل مَا تحتهَا
وَإِن كَانَت كثيفة لَا يجب
وعَلى هَذَا الِاخْتِلَاف إِيصَال المَاء إِلَى الشَّوَارِب
(1/8)
والحاجبين ثمَّ يجب غسل ظَاهر الشّعْر
الَّذِي يوازي الذقن والخدين فِي أصح الرِّوَايَات لِأَنَّهُ قَائِم مقَام
الْبشرَة
وَالشعر المسترسل من الذقن لَا يجب غسله عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ
لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَجْه وَلَا قَائِم مقَامه
والفرجة الَّتِي بَين العذار وَالْأُذن يجب غسلهَا عِنْد أبي حنيفَة
وَمُحَمّد خلافًا لأبي يُوسُف لِأَنَّهَا من جملَة حد الْوَجْه وَلَيْسَ
عَلَيْهَا شَعْرَة
وَالثَّانِي غسل الْيَدَيْنِ مَعَ الْمرْفقين مرّة وَاحِدَة عندنَا لقَوْله
تَعَالَى {وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمرَافِق}
وَقَالَ زفر لَا يجب غسل الْمرْفقين
وَالصَّحِيح قَوْلنَا لِأَن الْمرْفق عُضْو مركب من الساعد والعضد وَغسل
الساعد وَاجِب وَغسل الْعَضُد غير وَاجِب وَلَا يُمكن التَّمْيِيز بَينهمَا
فَيجب غسل الْكل احْتِيَاطًا
وَالثَّالِث مسح الرَّأْس مرّة وَاحِدَة لقَوْله تَعَالَى {وامسحوا
برؤوسكم} )
وَاخْتلف الْعلمَاء فِي مِقْدَار الْمَفْرُوض مِنْهُ فَعَن أَصْحَابنَا
فِيهِ ثَلَاث رِوَايَات فِي ظَاهر الرِّوَايَة مُقَدّر بِثَلَاثَة أَصَابِع
الْيَد مُطلقًا
والطَّحَاوِي مِقْدَار الناصية
وَقَالَ مَالك مَا لم يمسح جَمِيع الرَّأْس أَو أَكْثَره لَا يجوز
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا مسح مِقْدَار مَا يُسمى مسحا جَازَ
وَالصَّحِيح جَوَاب ظَاهر الرِّوَايَة لقَوْله تَعَالَى {لم نمكن} وَالْمسح
يكون بالآلة
(1/9)
وَفِي اخْتِلَاف زفرو يَعْقُوب مُقَدّر
بِربع الرَّأْس وَهُوَ قَول زفر وَذكر الْكَرْخِي وَآلَة الْمسْح هِيَ
أَصَابِع الْيَد فِي الْعَادة فَيكون الْمسْح فِي الْغَالِب بأثرها وَهُوَ
الثَّلَاث فَيصير تَقْدِير الْآيَة وامسحوا بِثَلَاث أَصَابِع أَيْدِيكُم
برؤوسكم
ثمَّ على قِيَاس ظَاهر الرِّوَايَة إِذا وضع ثَلَاث أَصَابِع وَلم يمدها
جَازَ وَهَكَذَا رُوِيَ عَن مُحَمَّد فِي النَّوَادِر وعَلى قِيَاس
رِوَايَة الرّبع والناصية لَا يجوز لِأَنَّهُ أقل من ذَلِك
وَلَو مسح بأصبع أَو بأصبعين صغيرتين ومدهما حَتَّى بلغ مِقْدَار الْفَرْض
لم يجز عندنَا خلافًا لزفَر لِأَن المَاء يصير مُسْتَعْملا بِالْوَضْعِ
وَالْمسح بِالْمَاءِ الْمُسْتَعْمل لَا يجوز
وَلَو مسح بأصبع وَاحِدَة ثَلَاث مَرَّات بِمَاء جَدِيد جَازَ لِأَنَّهُ
بِمَنْزِلَة ثَلَاث أَصَابِع
وَلَو مسح بإصبع وَاحِدَة بِبَطْنِهَا وظهرها وجانبيها جَازَ
وَقَالَ بعض مَشَايِخنَا لَا يجوز
وَالصَّحِيح أَنه يجوز كَمَا لَو استنجى بِحجر لَهُ ثَلَاثَة أحرف
وَهَكَذَا روى زفر عَن أبي حنيفَة
وَالرَّابِع غسل الرجلَيْن مرّة وَاحِدَة لقَوْله تَعَالَى {وأرجلكم إِلَى
الْكَعْبَيْنِ}
(1/10)
وَهَذَا فرض عِنْد عَامَّة الْعلمَاء
وَقَالَ بعض النَّاس الْفَرْض هُوَ الْمسْح لَا غير
وَعَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه قَالَ يُخَيّر بَين الْغسْل وَالْمسح
وَقَالَ بَعضهم إِنَّه يجمع بَينهمَا
وَالصَّحِيح قَول عَامَّة الْعلمَاء لِأَن الْعلمَاء أَجمعُوا على وجوب غسل
الرجلَيْن بعد وجود الِاخْتِلَاف فِيهِ فِي السّلف وَالْإِجْمَاع
الْمُتَأَخر يرفع الِاخْتِلَاف الْمُتَقَدّم
ثمَّ يجب غسل الْكَعْبَيْنِ مَعَ الرجلَيْن عندنَا خلافًا لزفَر كَمَا فِي
الْمرْفقين
والكعبان هما العظمان الناتئان فِي أَسْفَل السَّاق عَلَيْهِ عرف النَّاس
وَهَكَذَا رُوِيَ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ فِي
تَسْوِيَة الصُّفُوف ألصقوا الكعاب بالكعاب والمناكب بالمناكب
وَأما شَرَائِط الْوضُوء فنذكرها فِي موَاضعهَا إِن شَاءَ الله
وَأما سنَن الْوضُوء فأحد وَعِشْرُونَ فعلا وَهِي أَنْوَاع ثَلَاثَة نوع
يكون قبل الْوضُوء وَنَوع يكون عِنْد ابْتِدَائه وَنَوع يكون فِي خلاله
أما الَّذِي يكون قبل الْوضُوء فواحد وَهُوَ الِاسْتِنْجَاء بالأحجار
والأمدار وَمَا يقوم مقَامهَا
فَأَما الَّذِي يكون عِنْد ابْتِدَاء الْوضُوء فَأَرْبَعَة أَحدهَا
النِّيَّة وَعند الشَّافِعِي فرض
وَفِي التَّيَمُّم فرض بِالْإِجْمَاع
(1/11)
وَالثَّانِي التَّسْمِيَة وَعند بَعضهم فرض
وهم أَصْحَاب الشَّافِعِي
وَالثَّالِث غسل الْيَدَيْنِ إِلَى الرسغين لإدخالهما فِي الْإِنَاء
احْتِرَازًا عَن توهم النَّجَاسَة
وَالرَّابِع الِاسْتِنْجَاء بِالْمَاءِ وَهُوَ كَانَ أدبا فِي عصر النَّبِي
عَلَيْهِ السَّلَام فَصَارَ سنة بعد عصره بِإِجْمَاع الصَّحَابَة كالتراويح
فَأَما الَّذِي يكون فِي خلاله فستة عشر أَحدهمَا الْمَضْمَضَة
وَالثَّانِي الِاسْتِنْشَاق وَهَذَا قَول عَامَّة الْعلمَاء وَعند بَعضهم
هما واجبان
وَالثَّالِث التَّرْتِيب فِي الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق وَهُوَ أَن
يمضمض أَولا ثَلَاثًا ثمَّ يستنشق ثَلَاثًا يَأْخُذ لكل وَاحِد مِنْهُمَا
مَاء جَدِيدا فِي كل مرّة
وَقَالَ الشَّافِعِي السّنة أَن يجمع بَين الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق
بِمَاء وَاحِد ثَلَاث مَرَّات فَيَأْخُذ المَاء بكفه فيمضمض بِبَعْضِه
ويستنشق بِبَعْضِه ثمَّ هَكَذَا فِي الْمرة الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة
وَالرَّابِع أَن يمضمض ويستنشق بِالْيَمِينِ
وَقَالَ بَعضهم يمضمض بِيَمِينِهِ ويستنشق بيساره لِأَن الْيَسَار للأقذار
وَالْخَامِس الْمُبَالغَة فِي الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق إِلَّا فِي
حَالَة الصَّوْم
لما رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ للقيط بن صبرَة
بَالغ فِي الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق إِلَّا أَن تكون صَائِما فارفق
(1/12)
وَالسَّادِس أَن يستاك فِي حَال
الْمَضْمَضَة تكميلا للإنقاء على مَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام السِّوَاك
مطهرة للفم ومرضاة للرب
فَإِن لم يجد فيعالج فَمه بالإصبع والسواك أفضل
وَالسَّابِع التَّرْتِيب فِي الْوضُوء
وَقَالَ الشَّافِعِي إِنَّه فرض
وَالثَّامِن الْمُوَالَاة فِي الْوضُوء وَهُوَ أَن لَا يشْتَغل بَين
أَفعَال الْوضُوء بِعَمَل لَيْسَ مِنْهُ
وَقَالَ مَالك إِنَّه فرض
وَالتَّاسِع أَن يغسل أَعْضَاء الْوضُوء ثَلَاثًا ثَلَاثًا على مَا رُوِيَ
عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه تَوَضَّأ مرّة مرّة فَقَالَ هَذَا
وضوء لَا يقبل الله الصَّلَاة إِلَّا بِهِ ثمَّ تَوَضَّأ مرَّتَيْنِ
مرَّتَيْنِ وَقَالَ هَذَا وضوء من يضعف الله لَهُ الْأجر مرَّتَيْنِ ثمَّ
تَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَقَالَ هَذَا وضوئي ووضوء أمتِي ووضوء
الْأَنْبِيَاء من قبلي ووضوء خليلي إِبْرَاهِيم فَمن زَاد على ذَلِك أَو
نقص فقد تعدى وظلم مَعْنَاهُ من زَاد على الثَّلَاث أَو نقص وَلم ير
الثَّلَاث سنة
والعاشر الْبدَاءَة بالميامن وَهِي سنة فِي الْوضُوء وَغَيره من
الْأَعْمَال لما رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه كَانَ يحب
التَّيَامُن فِي كل شَيْء حَتَّى التنعل والترجل
وَالْحَادِي عشر الْبدَاءَة من رُؤُوس الْأَصَابِع فِي غسل الْيَدَيْنِ
وَالرّجلَيْنِ
وَالثَّانِي عشر تَخْلِيل الْأَصَابِع فِي الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ بعد
إِيصَال المَاء إِلَى مَا بَين الْأَصَابِع
والتخليل للْمُبَالَغَة سنة فَأَما إِيصَال المَاء إِلَى مَا بَين
(1/13)
الْأَصَابِع فَفرض
وَالثَّالِث عشر الِاسْتِيعَاب فِي مسح الرَّأْس وَهُوَ سنة وَهُوَ أَن
يمسح كُله
وَعند مَالك فرض على مَا مر
وَالرَّابِع عشر هُوَ الْبدَاءَة فِي الْمسْح من مقدم الرَّأْس كَيْفَمَا
فعل وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ السّنة أَن يبْدَأ من الهامة فَيَضَع يَده
عَلَيْهَا ويمدها إِلَى مقدم رَأسه ثمَّ يُعِيدهَا إِلَى الْقَفَا
وَالْخَامِس عشر أَن يمسح مرّة وَاحِدَة والتثليث مَكْرُوه
وَقَالَ الشَّافِعِي السّنة هُوَ التَّثْلِيث
وَالسَّادِس عشر أَن يمسح الْأُذُنَيْنِ ظاهرهما وباطنهما بِمَاء الرَّأْس
لَا بِمَاء جَدِيد
وَقَالَ الشَّافِعِي يمسح بِمَاء جَدِيد لَا بِمَاء الرَّأْس
وَأما تَخْلِيل اللِّحْيَة فَهُوَ من الْآدَاب عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد
وَعند أبي يُوسُف سنة كَذَا ذكر مُحَمَّد فِي كتاب الْآثَار
وَاخْتلف الْمَشَايِخ فِي مسح الرَّقَبَة قَالَ أَبُو بكر الْأَعْمَش
إِنَّه سنة
وَقَالَ أَبُو بكر الإسكاف إِنَّه أدب
وَأما آدَاب الْوضُوء فكثيرة وَالْفرق بَين السّنة وَالْأَدب أَن السّنة
مَا واظب عَلَيْهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يَتْرُكهَا
إِلَّا مرّة أَو مرَّتَيْنِ لِمَعْنى من الْمعَانِي وَالْأَدب مَا فعله
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مرّة أَو مرَّتَيْنِ وَلم يواظب
عَلَيْهِ
(1/14)
وَذَلِكَ نَحْو إِدْخَال الإصبع المبلولة
فِي صماخ الْأُذُنَيْنِ وَكَيْفِيَّة مسح الرَّأْس وَكَيْفِيَّة إِدْخَال
الْيَد فِي المَاء والإناء والدلك فِي غسل أَعْضَاء الْوضُوء وَالْغسْل أَن
يَقُول أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده
وَرَسُوله
عِنْد كل فعل من أَفعَال الْوضُوء والدعوات المأثورة عِنْد غسل كل عُضْو
فِي الْغسْل وَالْوُضُوء وَنَحْو ذَلِك مِمَّا ورد فِي الْأَحَادِيث أَنه
فعله رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْوضُوء وَلم يواظب
عَلَيْهِ
(1/15)
بَاب الْحَدث
الْحَدث نَوْعَانِ حَقِيقِيّ وحكمي
أما الْحَقِيقِيّ فَهُوَ خُرُوج النَّجس من الأدمِيّ الْحَيّ كَيْفَمَا
كَانَ من السَّبِيلَيْنِ أَو من غَيرهمَا مُعْتَادا كَانَ أَو غير مُعْتَاد
قَلِيلا كَانَ أَو كثيرا وَهَذَا عِنْد أَصْحَابنَا الثَّلَاثَة
وَقَالَ زفر هُوَ ظُهُور النَّجس من الأدمِيّ الْحَيّ
وَقَالَ مَالك فِي قَول هُوَ خُرُوج النَّجس الْمُعْتَاد من السَّبِيل
الْمُعْتَاد حَتَّى قَالَ إِن دم الِاسْتِحَاضَة لَيْسَ بِحَدَث لِأَنَّهُ
عَارض غير مُعْتَاد
وَقَالَ فِي قَول وَهُوَ قَول الشَّافِعِي هُوَ خُرُوج الشَّيْء من
السَّبِيلَيْنِ لَا غير كَيْفَمَا كَانَ
وَالصَّحِيح قَوْلنَا لما رُوِيَ عَن أبي إِمَامَة الْبَاهِلِيّ أَنه قَالَ
دخلت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فغرفت لَهُ غرفَة فَأكل
فجَاء الْمُؤَذّن فَقلت الْوضُوء يَا رَسُول الله فَقَالَ إِنَّمَا علينا
الْوضُوء مِمَّا يخرج لَيْسَ مِمَّا يدْخل
وَخُرُوج الطَّاهِر كالبزاق وَغَيره لَيْسَ بِحَدَث بِالْإِجْمَاع فَتعين
خُرُوج النَّجس
(1/17)
إِذا ثَبت هَذَا فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن
يكون الْخُرُوج من السَّبِيلَيْنِ أَو غير السَّبِيلَيْنِ
فَإِن كَانَ من السَّبِيلَيْنِ فَهُوَ حدث إِذا ظهر على رأسهما قل أَو كثر
انْتقل وسال عَنهُ أم لَا لِأَنَّهُ وجد خُرُوج النَّجس من الْآدَمِيّ
وَهُوَ انْتِقَال النَّجس من الْبَاطِن إِلَى الظَّاهِر
وَذَلِكَ مثل الْبَوْل وَالْغَائِط وَالدَّم والمني والودي والمذي
وَكَذَلِكَ كل مَا خرج من الْأَشْيَاء الطاهرة فِي أَنْفسهَا كَاللَّحْمِ
والدودة وَالْولد والمحقنة وَنَحْوهَا لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَن أَجزَاء
النَّجَاسَة
وَأما الرّيح فَإِن خرجت من الدبر ينْقض الْوضُوء بِالْإِجْمَاع
وَإِن خرجت من قبل الْمَرْأَة أَو الرجل قَالَ بَعضهم إِن كَانَت مُنْتِنَة
ينْقض الْوضُوء وَإِلَّا فَلَا
وَرُوِيَ عَن مُحَمَّد أَنه ينْقض وَلم يعْتَبر النتن
وَكَذَا ذكر الْكَرْخِي فِي مُخْتَصره
وروى الْقَدُورِيّ عَنهُ أَن خُرُوج الرّيح من قبل الرجل لَا يتَصَوَّر
وَإِنَّمَا هُوَ اخْتِلَاج يَظُنّهُ ريحًا وَلكنهَا قد تخرج من قبل
الْمَرْأَة فَإِن خرجت يسْتَحبّ لَهَا الْوضُوء وَلَا يجب
وَقَالَ بَعضهم إِن كَانَت مفضاة يجب الْوضُوء وَإِن كَانَت غير مفضاة لَا
يجب الْوضُوء
وَأما إِذا كَانَ الْخُرُوج من غير السَّبِيلَيْنِ فَإِن كَانَ الْخَارِج
طَاهِرا مثل الدمع والريق والمخاط والعرق وَاللَّبن وَنَحْوهَا لَا ينْقض
الْوضُوء بِالْإِجْمَاع وَإِن كَانَ نجسا ينْقض الْوضُوء
وَلَكِن إِنَّمَا يعرف الْخُرُوج هَهُنَا بالسيلان والانتقال عِنْد رَأس
الْجرْح والقرح إِن سَالَ إِلَى مَوضِع يجب تَطْهِيره أَو يسن تَطْهِيره
يكون حَدثا وَإِلَّا فَلَا لِأَن الْبدن مَحل الدَّم والرطوبات وَلَكِن لم
يظْهر لقِيَام الْجلْدَة عَلَيْهِ فَإِذا انشقت الْجلْدَة ظهر فِي مَحَله
فَمَا لم يسل عَن رَأس الْجرْح لَا
(1/18)
يصير خَارِجا
وَذَلِكَ مثل دم الْجرْح والقيح والصديد من الْقرح وَالْمَاء الصافي
الَّذِي خرج من البثرة
وَهَذَا عندنَا وعَلى قَول زفر يكون حَدثا سَالَ أَو لم يسل لِأَن الْحَدث
عِنْده ظُهُور النَّجَاسَة من الأدمِيّ وَقد ظَهرت
وعَلى هَذَا الْقَيْء إِن كَانَ ملْء الْفَم ينْقض الْوضُوء وَإِن لم يكن
ملْء الْفَم لَا ينْقض الْوضُوء
وَلَا فرق بَين أَن يكون الْقَيْء طَعَاما أَو مَاء صافيا أَو مرّة صفراء
أَو سَوْدَاء أَو غَيرهَا لِأَن الْفَم لَهُ حكم الظَّاهِر فَإِنَّهُ يجب
غسله فِي الْغسْل وَلَا ينْتَقض الصَّوْم بالمضمضة فَإِذا وصل الْقَيْء
إِلَيْهِ فقد وجد انْتِقَال النَّجس من الْجوف إِلَى الظَّاهِر فتحقق
الْخُرُوج فَيكون حَدثا إِلَّا أَن الْقَلِيل لم يَجْعَل حَدثا بِاعْتِبَار
الْجرْح إِذْ الْإِنْسَان لَا يَخْلُو عَن قَلِيل الْقَيْء بِسَبَب السعال
وَغَيره
وَلم يذكر تَفْسِير ملْء الْفَم فِي ظَاهر الرِّوَايَة
وَرُوِيَ عَن الْحسن بن زِيَاد أَنه قَالَ إِن عجز عَن إِمْسَاكه يكون ملْء
الْفَم وَإِلَّا فَلَا
وَعَن أبي عَليّ الدقاق أَنه قَالَ إِن مَنعه عَن الْكَلَام يكون ملْء
الْفَم وَإِلَّا فَلَا
وَأما إِذا قاء بلغما فَإِن نزل من الرَّأْس لَا يكون حَدثا لِأَنَّهُ لَا
نَجَاسَة فِي جَوف الرَّأْس وَإِن خرج من الْبَطن فَإِن كَانَ صافيا لَيْسَ
مَعَه شَيْء من الطَّعَام
(1/19)
وَغَيره فعلى قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد
رَضِي الله عَنْهُمَا لَا يكون حَدثا وَإِن كَانَ ملْء الْفَم
وعَلى قَول أبي يُوسُف يكون حَدثا إِن كَانَ ملْء الْفَم
وَإِن كَانَ مخلوطا بِشَيْء من الطَّعَام وَغَيره فَالْأَصَحّ أَن يكون
حَدثا بِالْإِجْمَاع
وَالصَّحِيح قَوْلهمَا لِأَنَّهُ طَاهِر فِي نَفسه كالمخاط إِلَّا إِذا
كَانَ مخلوطا بِشَيْء من الطَّعَام فَيظْهر أَنه خرج من الْجوف فينجس
بمجاورة النَّجس
وَإِمَّا إِذا قاء دَمًا فَلِمَنْ يذكر فِي ظَاهر الرِّوَايَة صَرِيحًا
وروى الْمُعَلَّى عَن أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف أَنه ينْقض الْوضُوء قل أَو
كثر جَامِدا كَانَ أَو مَائِعا
وروى الْحسن عَنْهُمَا أَنه إِن كَانَ جَامِدا لَا ينْقض مَا لم يكن ملْء
الْفَم وَإِن كَانَ مَائِعا ينْقض الْوضُوء
وَإِن كَانَ يَسِيرا
وَقَالَ مُحَمَّد إِن حكمه حكم الْقَيْء وَهُوَ الْأَصَح وَيجب أَن يكون
هَذَا قَول جَمِيع أَصْحَابنَا إِنَّه ذكر فِي الْجَامِع الصَّغِير
إِشَارَة إِلَيْهِ فَإِنَّهُ قَالَ إِذا قلس أقل من ملْء فِيهِ لم ينْقض
الْوضُوء وَلم يفصل بَين الدَّم وَغَيره
هَذَا الَّذِي ذكرنَا فِي حق الأصحاء
فَأَما فِي حق صَاحب الْعذر كالمستحاضة وَصَاحب الْجرْح السَّائِل
وَنَحْوهمَا فخروج النَّجس من
(1/20)
الأدمِيّ لَا يكون حَدثا مَا دَامَ وَقت
الصَّلَاة قَائِما وَحَتَّى إِنَّه إِذا تَوَضَّأ فِي أول الْوَقْت لَهُ
أَن يُصَلِّي مَا شَاءَ من الْفَرَائِض والنوافل مَا لم يخرج الْوَقْت
وَإِن دَامَ السيلان وَهَذَا عندنَا
وَقَالَ مَالك لَهُ أَن يتَوَضَّأ لكل صَلَاة فرضا كَانَ أَو نفلا
وَقَالَ الشَّافِعِي يتَوَضَّأ لكل فرض وَله أَن يُصَلِّي من النَّوَافِل
مَا شَاءَ
وَالصَّحِيح قَوْلنَا لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام الْمُسْتَحَاضَة تتوضأ
لوقت كل صَلَاة
ثمَّ طَهَارَتهَا تنْتَقض بِخُرُوج الْوَقْت لَا غير عِنْد أبي حنيفَة
وَمُحَمّد وَعند زفر بِدُخُول الْوَقْت لَا غير وَعند أبي يُوسُف
بِأَيِّهِمَا كَانَ
وَفَائِدَة الْخلاف تظهر فِي موضِعين أَحدهمَا أَن يُوجد خُرُوج الْوَقْت
بِدُونِ الدُّخُول كَمَا إِذا تَوَضَّأت فِي وَقت الْفجْر ثمَّ طلعت
الشَّمْس تنْتَقض طَهَارَتهَا عِنْد أَصْحَابنَا الثَّلَاثَة وَعند زفر لَا
تنْتَقض
وَالثَّانِي أَن يُوجد الدُّخُول بِدُونِ الْخُرُوج كَمَا إِذا تَوَضَّأت
قبل الزَّوَال ثمَّ زَالَت الشَّمْس لَا تنْتَقض طَهَارَتهَا على قَول أبي
حنيفَة وَمُحَمّد وعَلى قَول أبي يُوسُف وَزفر تنْتَقض
ف زفر يعْتَبر دُخُول الْوَقْت وَقد دخل فينتقض وهما يعتبران الْخُرُوج
وَلم يخرج فَلَا تنْتَقض طَهَارَتهَا
فَأَما فِي غير هذَيْن الْمَوْضِعَيْنِ فَكَمَا يخرج الْوَقْت يدْخل وَقت
آخر فينتقض الْوضُوء بِالْإِجْمَاع على اخْتِلَاف الْأُصُول
لَكِن هَذَا شَيْء ذكره مَشَايِخنَا للْحِفْظ ومدار الْخلاف على فقه ظَاهر
يعرف فِي الْمَبْسُوط إِن شَاءَ الله تَعَالَى
(1/21)
وَأما الْحَدث الْحكمِي نَوْعَانِ أَحدهمَا
مَا يكون دَالا على وجود الْحَدث الْحَقِيقِيّ غَالِبا فأقيم مقَامه شرعا
احْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ
وَهُوَ أَنْوَاع مِنْهَا الْمُبَاشرَة الْفَاحِشَة وَهُوَ أَن يُبَاشر
الرجل امْرَأَته لشَهْوَة وَقد انْتَشَر لَهَا وَلَيْسَ بَينهمَا ثوب وَلم
ير بللا
فَعِنْدَ أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف يكون حَدثا
وَلم يشْتَرط فِي ظَاهر الرِّوَايَة مماسة الفرجين عِنْدهمَا وَشرط ذَلِك
فِي النَّوَادِر
وَعند مُحَمَّد لَيْسَ بِحَدَث
وَالصَّحِيح قَوْلهمَا لِأَن الْمُبَاشرَة على هَذَا الْوَجْه سَبَب
لخُرُوج الْمَذْي غَالِبا
فَأَما مُجَرّد مس الْمَرْأَة لشَهْوَة أَو غير شَهْوَة أَو مس ذكره أَو
ذكر غَيره فَلَيْسَ بِحَدَث عِنْد عَامَّة الْعلمَاء مَا لم يخرج مِنْهُ
شَيْء خلافًا لمَالِك وَالشَّافِعِيّ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَبَب لِلْخُرُوجِ
غَالِبا
وَمن هَذَا النَّوْع الْإِغْمَاء وَالْجُنُون وَالسكر الَّذِي يستر الْعقل
لِأَنَّهُ سَبَب يدل على الْحَدث غَالِبا
وَمن هَذَا النَّوْع أَيْضا النّوم مُضْطَجعا أَو متوركا بِأَن نَام على
إِحْدَى وركيه فَهُوَ حدث على كل حَال لِأَنَّهُ سَبَب لخُرُوج الرّيح
غَالِبا
فَأَما النّوم فِي غير هَاتين الْحَالَتَيْنِ فَينْظر إِن كَانَ فِي حَال
الصَّلَاة لَا يكون حَدثا كَيْفَمَا كَانَ فِي جَوَاب ظَاهر الرِّوَايَة
وَعَن أبي يُوسُف إِن نَام مُعْتَمدًا فَحدث وَإِن غلب عَلَيْهِ النّوم
(1/22)
فَلَيْسَ بِحَدَث
وَقَالَ الشَّافِعِي يكون حَدثا إِلَّا إِذا كَانَ قَاعِدا مُسْتَقرًّا على
الأَرْض فَلهُ فِيهِ قَولَانِ
وَالصَّحِيح قَوْلنَا لما رُوِيَ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَنه قَالَ إِذا نَام العَبْد فِي سُجُوده يباهي الله تَعَالَى بِهِ
مَلَائكَته فَيَقُول يَا ملائكتي انْظُرُوا إِلَى عَبدِي روحه عِنْدِي
وَجَسَده فِي طَاعَتي وَلم يفصل بَين حَال وَحَال
وَإِن كَانَ خَارج الصَّلَاة فَإِن كَانَ قَاعِدا مُسْتَقرًّا على الأَرْض
غير مُسْتَند إِلَى شَيْء لَا يكون حَدثا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَبَب
لِلْخُرُوجِ غَالِبا وَإِن كَانَ قَائِما أَو على هَيْئَة الرُّكُوع
وَالسُّجُود غير مُسْتَند إِلَى شَيْء فقد اخْتلف الْمَشَايِخ فِيهِ
وَالأَصَح أَنه لَيْسَ بِحَدَث كَمَا فِي حَال الصَّلَاة
فَأَما إِذا نَام مُسْتَندا إِلَى جِدَار أَو مُتكئا على يَدَيْهِ فقد ذكر
الطَّحَاوِيّ أَنه إِن كَانَ بِحَال لَو زَالَ السَّنَد لسقط يكون حَدثا
وَإِلَّا فَلَا وَبِه أَخذ كثير من مَشَايِخنَا
وروى أَبُو يُوسُف عَن أبي حنيفَة أَنه قَالَ إِن لم يكن مُسْتَقرًّا على
الأَرْض يكون حَدثا وَإِن كَانَ مُسْتَقرًّا على الأَرْض لَا يكون حَدثا
وَبِه أَخذ عَامَّة مَشَايِخنَا وَهُوَ الْأَصَح
وَمن نَام قَائِما أَو قَاعِدا مُسْتَقرًّا على الأَرْض فَسقط رُوِيَ عَن
أَصْحَابنَا فِي رِوَايَات مُخْتَلفَة أَنه إِن انتبه قبل السُّقُوط على
الأَرْض أَو فِي حَال السُّقُوط أَو سقط على الأَرْض وَهُوَ نَائِم فانتبه
من سَاعَته لَا يكون حَدثا وَإِن اسْتَقر نَائِما على الأَرْض بعد
الْوُقُوع وَإِن قل يكون حَدثا لِأَنَّهُ وجد النّوم مُضْطَجعا
(1/23)
وَقَالَ بعض مَشَايِخنَا إِذا زَالَ
مَقْعَده عَن الأَرْض ينْتَقض وضوؤه وَالصَّحِيح هُوَ الأول
فَأَما النَّوْع الثَّانِي من الْحَدث الْحكمِي فَهُوَ مَا يكون حَدثا
بِنَفسِهِ شرعا من غير أَن يكون دَالا على الْحَدث الْحَقِيقِيّ
وَهُوَ القهقهة فِي صَلَاة مُطلقَة لَهَا رُكُوع وَسُجُود حَتَّى تنْتَقض
طَهَارَته
وَإِذا قهقه فِي صَلَاة الْجِنَازَة أَو سَجْدَة التِّلَاوَة لَا تنْتَقض
طَهَارَته وَإِذا قهقه خَارج الصَّلَاة لَا تنْتَقض
وَلَو تَبَسم لَا تنْتَقض أصلا
ثمَّ عِنْد أَصْحَابنَا الثَّلَاثَة لَا فرق بَين وجودهَا فِي حَال أَدَاء
الرُّكْن كَمَا فِي وسط الصَّلَاة أَو فِي حَال قيام التَّحْرِيمَة دون
حَال أَدَاء الرُّكْن كَمَا إِذا قهقه بعْدهَا قعد قدر التَّشَهُّد
الْأَخير أَو فِي سَجْدَتي السَّهْو أَو بَعْدَمَا سبقه الْحَدث فِي
الصَّلَاة فَذهب للْوُضُوء وَتَوَضَّأ ثمَّ قهقه قبل أَن يَبْنِي حَتَّى
تنْتَقض طَهَارَته
وعَلى قولزفر لَا تنْتَقض مَا لم يُوجد فِي حَال أَدَاء الرُّكْن
وَأما فسد الصَّلَاة بهَا فَإِن وجدت قبل الْفَرَاغ من الْأَركان تفْسد
وَإِن وجدت بعد الْفَرَاغ من الْأَركان لَا تفْسد وَيخرج من الصَّلَاة
لِأَنَّهَا كَلَام بِمَنْزِلَة السَّلَام
وَهَذَا كُله مَذْهَبنَا وَهُوَ جَوَاب الِاسْتِحْسَان
وَالْقِيَاس أَن لَا يكون حَدثا لِأَنَّهَا لَيست بِحَدَث حَقِيقَة وَلَا
بِسَبَب دَال عَلَيْهِ وَبِه أَخذ الشَّافِعِي
وَلَكنَّا جعلناها حَدثا شرعا لوُرُود الحَدِيث فِيهَا وَهُوَ مَا رُوِيَ
عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه كَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فِي
الْمَسْجِد فَدخل أَعْرَابِي فِي
(1/24)
بَصَره سوء فَوَقع فِي بِئْر عَلَيْهَا
خصفة فَضَحِك بعض النَّاس فَلَمَّا فرغ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام من
صلَاته قَالَ أَلا من ضحك مِنْكُم قهقهة فليعد الْوضُوء وَالصَّلَاة
جميعاوالحديث ورد فِي حَال صَلَاة مستتمة الْأَركان فَبَقيَ حَال خَارِجا
لصَلَاة وَمَا لَيْسَ بِصَلَاة مُطلقَة على أصل الْقيَاس
ثمَّ تغميض الْمَيِّت وغسله وَحمل الْجِنَازَة وَالْكَلَام الْفَاحِش وَأكل
مَا مسته النَّار لَا ينْقض الْوضُوء عِنْد عَامَّة الْعلمَاء لِأَنَّهُ لم
يُوجد الْحَدث حَقِيقَة وَلَا حكما
وَقَالَ بعض النَّاس بِأَن هَذِه الْأَشْيَاء أَحْدَاث شرعا ولورود
الْأَحَادِيث فِيهَا فَصَارَت نَظِير القهقهة عنْدكُمْ وَهُوَ مَا رُوِيَ
عَنهُ عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ توضؤوا مِمَّا مسته النَّار
وَرُوِيَ عَنهُ عَلَيْهِ السَّلَام من غمض مَيتا أَو حمل جَنَازَة فليغتسل
وَرُوِيَ من غسل مَيتا فليغتسل
وَلَكنَّا نقُول هَذِه أَخْبَار آحَاد وَردت فِيمَا عَم بِهِ الْبلوى فَلَا
تقبل بِخِلَاف خبر القهقهة فَإِنَّهُ ورد فِيمَا لَا يعم بِهِ الْبلوى
فيقلب
الْجَنَابَة وَالْغسْل الْكَلَام هَهُنَا فِي خَمْسَة مَوَاضِع فِي بَيَان
مَا يتَعَلَّق بِهِ وجوب الْغسْل
وَفِي أَنْوَاع الْغسْل الْمَشْرُوع
وَفِي تَفْسِير الْغسْل
وَفِي مِقْدَار المَاء الَّذِي يغْتَسل بِهِ
وَفِي أَحْكَام الْحَدث
(1/25)
أما الأول فَنَقُول وجوب الْغسْل يتَعَلَّق
بِأحد معَان ثَلَاثَة الْجَنَابَة وَالْحيض وَالنّفاس
أما الْجَنَابَة فَإِنَّهَا تثبت بسببين أَحدهمَا خُرُوج الْمَنِيّ عَن
شَهْوَة دفقا وَإِن كَانَ من غير إيلاج بِأَيّ طَرِيق وَسبب حُصُول
الْخُرُوج نَحْو اللَّمْس وَالنَّظَر والاحتلام وَغَيرهَا فَعَلَيهِ
الْغسْل بِالْإِجْمَاع إِذا كَانَ من أهل وجوب الصَّلَاة عَلَيْهِ فإمَّا
إِذا لم يكن من أهل وجوب الصَّلَاة عَلَيْهِ كالحائض وَالْمَجْنُون
وَالْكَافِر وَالصَّبِيّ فَإِنَّهُ لَا غسل عَلَيْهِم لِأَن الْغسْل يجب
لأجل الصَّلَاة وَلَا صَلَاة عَلَيْهِم
أما إِذا خرج الْمَنِيّ لَا عَن شَهْوَة وَقد انْفَصل لَا عَن شَهْوَة مثل
أَن يضْرب على ظهر رجل أَو حمل حملا ثقيلا أَو بِهِ سَلس الْبَوْل فَيخرج
الْمَنِيّ من غير شَهْوَة فَلَا غسل فِيهِ عندنَا
وَقَالَ الشَّافِعِي يجب
فَأَما إِذا انْفَصل عَن شَهْوَة وَخرج لَا عَن شَهْوَة فعلى قَول أبي
حنيفَة وَمُحَمّد يجب الْغسْل وعَلى قَول أبي يُوسُف لَا يجب
وَفَائِدَة الْخلاف تظهر فِي ثَلَاث مسَائِل أَحدهَا إِذا احْتَلَمَ فانتبه
وَقبض على عَوْرَته حَتَّى سكنت شَهْوَته ثمَّ خرج مِنْهُ الْمَنِيّ بعد
ذَلِك بِلَا شَهْوَة
وَالثَّانيَِة إِذا اغْتسل الرجل من الْجَنَابَة ثمَّ خرج مِنْهُ شَيْء من
الْمَنِيّ أَو على صُورَة الْمَذْي قبل النّوم أَو الْبَوْل
وَالثَّالِثَة إِذا وجد الرجل على فرَاشه بللا منيا أَو على صُورَة
(1/26)
الْمَذْي وَلم يتَذَكَّر الِاحْتِلَام
هَكَذَا ذكر ابْن رستم الْخلاف فِي هَذِه الْمسَائِل الثَّلَاث فِي نوادره
فَأَبُو يُوسُف أَخذ بِالْقِيَاسِ وَأَبُو حنيفَة وَمُحَمّد أخذا
بالاستحسان احْتِيَاطًا فِي بَاب الْعِبَادَة
ثمَّ الْمَنِيّ هُوَ المَاء الْأَبْيَض الغليظ الَّذِي ينكسر بِهِ الذّكر
وتنقطع بِهِ الشَّهْوَة
والمذي هُوَ المَاء الْأَبْيَض الرَّقِيق الَّذِي يخرج عِنْد الملاعبة
والودي هُوَ المَاء الْأَبْيَض الَّذِي يخرج بعد الْبَوْل
وَأما السَّبَب الثَّانِي فَهُوَ إيلاج الْفرج فِي أحد سبيلي الْإِنْسَان
وَإِن لم يُوجد الْإِنْزَال حَتَّى يجب الْغسْل على الْفَاعِل
وَالْمَفْعُول بِهِ جَمِيعًا
فَأَما الْإِيلَاج فِي الْبَهَائِم فَلَا يُوجب الْغسْل مَا لم ينزل
وَكَذَا الِاحْتِلَام لَا يُوجب الْغسْل مَا لم ينزل
وَهَذَا قَول عَامَّة الْعلمَاء
وَقَالَ بَعضهم لَا يجب الْغسْل بِدُونِ الْإِنْزَال فِي جَمِيع
الْأَحْوَال لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام المَاء من المَاء
إِلَّا أَنا نقُول هَذَا غَرِيب وَمَا روينَاهُ مَشْهُور وَالْأَخْذ بِمَا
روينَاهُ أولى وَهُوَ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام إِذا التقى الختانان
وتوارت الْحَشَفَة وَجب الْغسْل أنزل أَو لم ينزل
وَأما حكم الْحيض وَالنّفاس فنذكره فِي بابهما إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَأما أَنْوَاع الْغسْل الْمَشْرُوع فتسعة
(1/27)
ثَلَاثَة مِنْهُمَا فَرِيضَة وَهِي الْغسْل
من الْجَنَابَة وَالْحيض وَالنّفاس
وَوَاحِد مِنْهُمَا وَاجِب وَهُوَ غسل الْمَوْتَى
وَأَرْبَعَة مِنْهَا سنة وَهِي غسل يَوْم الْجُمُعَة وَيَوْم عَرَفَة
وَالْعِيدَيْنِ وَعند الْإِحْرَام
وَوَاحِد مِنْهَا يسْتَحبّ وَهُوَ الْغسْل عِنْد الْإِسْلَام وَغسل
الْمَجْنُون وَالصَّبِيّ عِنْد الْبلُوغ وَالْإِقَامَة لِأَن هَؤُلَاءِ غير
مخاطبين بالشرائع وَإِن وجد فِي حَقهم الْجَنَابَة وَالْحيض وَالنّفاس
ثمَّ غسل يَوْم الْجُمُعَة لأجل صَلَاة الْجُمُعَة عِنْد أبي يُوسُف وَعَن
الْحسن بن زِيَاد لأجل الْيَوْم
وَفَائِدَة الِاخْتِلَاف أَن من اغْتسل يَوْم الْجُمُعَة ثمَّ أحدث
وَتَوَضَّأ وَصلى الْجُمُعَة لَا يكون مدْركا لفضيلة الْغسْل عِنْد أبي
يُوسُف وَعند الْحسن يصير مدْركا
وَكَذَا إِذا صلى بِالْوضُوءِ ثمَّ اغْتسل فَهُوَ على هَذَا الْخلاف
وَمن اغْتسل من الْجَنَابَة يَوْم الْجُمُعَة وَصلى بِهِ الْجُمُعَة
قَالُوا ينَال فَضِيلَة غسل يَوْم الْجُمُعَة على اخْتِلَاف الْأَصْلَيْنِ
لِأَنَّهُ وجد الِاغْتِسَال فِي يَوْم الْجُمُعَة وَالصَّلَاة بِهِ
وَأما تَفْسِير الْغسْل فَنَقُول للْغسْل ركن وَاحِد وشرائط وَسنَن وآداب
أما الرُّكْن فَهُوَ تسييل المَاء على جَمِيع مَا يُمكن غسله
من بدنه مرّة وَاحِدَة حَتَّى لَو ترك شَيْئا يَسِيرا لم يصبهُ المَاء لم
يخرج من الْجَنَابَة وَكَذَا فِي الْوضُوء لقَوْله تَعَالَى {وَإِن كُنْتُم
جنبا فاطهروا}
(1/28)
أَي فطهروا أبدانكم
وَالْبدن اسْم للظَّاهِر وَالْبَاطِن فَيجب عَلَيْهِ تَطْهِيره بِقدر
الْمُمكن وَإِنَّمَا سقط غسل الْبَاطِن لأجل الْحَرج فَلَا يسْقط مَا لَا
حرج فِيهِ
وَلِهَذَا تجب الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق فِي الْغسْل لِأَنَّهُ يُمكن
إِيصَال المَاء إِلَى دَاخل الْأنف والفم بِلَا حرج وَلَا يجبان فِي
الْوضُوء لِأَن الْوَاجِب ثمَّ غسل الْوَجْه وداخل الْفَم وَالْأنف لَيْسَ
بِوَجْه لِأَنَّهُ لَا يواجه النَّاظر إِلَيْهِ بِكُل حَال
وَلِهَذَا يجب إِيصَال المَاء فِي الْغسْل إِلَى أصُول الشّعْر وَإِلَى
أثْنَاء الشّعْر أَيْضا إِلَّا إِذا كَانَ ضفيرة فَلَا يجب الإيصال إِلَى
أَثْنَائِهِ لِأَن فِي نقضه حرجا
وَلِهَذَا يجب إِيصَال المَاء إِلَى أثْنَاء اللِّحْيَة كَمَا يجب إِيصَال
المَاء إِلَى أُصُولهَا لِأَنَّهُ لَا حرج فِيهِ
وَيجب إِيصَال المَاء إِلَى دَاخل السُّرَّة وَيَنْبَغِي أَن يدْخل إصبعه
فِيهَا للْمُبَالَغَة
وَيجب على الْمَرْأَة غسل الْفرج الْخَارِج فِي الْغسْل لِأَنَّهُ يُمكن
غسله
وَأما شُرُوطه فنذكرها فِي موضعهَا
وَأما السّنَن فَمَا ذكره محمدرحمه الله فِي كتاب الصَّلَاة وَهُوَ أَن
يبْدَأ فَيغسل يَدَيْهِ إِلَى الرسغين ثَلَاثًا ثمَّ يفرغ المَاء
بِيَمِينِهِ على شِمَاله فَيغسل فرجه حَتَّى ينقيه ثمَّ يتَوَضَّأ وضوءه
للصَّلَاة ثَلَاثًا ثَلَاثًا إِلَّا أَنه لَا يغسل رجلَيْهِ ثمَّ يفِيض
المَاء على رَأسه وَسَائِر جسده ثَلَاثًا ثمَّ يتَنَحَّى عَن ذَلِك
الْمَكَان فَيغسل قَدَمَيْهِ
هَكَذَا رَوَت مَيْمُونَة زوج النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه اغْتسل
هَكَذَا ثمَّ إِنَّمَا يُؤَخر غسل الْقَدَمَيْنِ إِذا اغْتسل فِي مَوْضُوع
تَجْتَمِع فِيهِ الغسالة تَحت
(1/29)
الْقَدَمَيْنِ فَأَما إِذا لم تَجْتَمِع
بِأَن اغْتسل على حجر وَنَحْوه فَلَا يُؤَخر لِأَنَّهُ لَا فَائِدَة فِي
تَأْخِيره
وَقَالُوا فِي غسل الْمَيِّت إِنَّه يغسل رجلَيْهِ عِنْد التوضئة وَلَا
يُؤَخر لِأَن المَاء الْمُسْتَعْمل لَا يجْتَمع على التخت
وَأما مِقْدَار المَاء الَّذِي يغْتَسل بهويتوضأ بِهِ ذكر فِي ظَاهر
الرِّوَايَة وَقَالَ أدنى مَا يَكْفِي من المَاء فِي الْغسْل صَاع وَفِي
الْوضُوء مد وَلم يُفَسر
وروى الْحسن عَن أبي حنيفَة أَنه قَالَ فِي الِاغْتِسَال كَفاهُ صَاع وَفِي
الْوضُوء إِن كَانَ الرجل متخففا وَلَا يستنجي كَفاهُ رَطْل لغسل الْوَجْه
وَالْيَدَيْنِ وَمسح الرَّأْس والخفين وَإِن كَانَ يستنجي وَهُوَ متخفف
كَفاهُ رطلان رَطْل للاستنجاء ورطل للْبَاقِي وَإِن لم يكن متخففا ويستنجي
كَفاهُ ثَلَاثَة أَرْطَال رَطْل للاستنجاء ورطل للقدمين ورطل للْبَاقِي
وَقَالَ بعض مَشَايِخنَا فِي الِاغْتِسَال صَاع وَاحِد إِذا ترك الْوضُوء
فَأَما إِذا جمع بَين الْوضُوء وَالْغسْل فَإِنَّهُ يحْتَاج إِلَى عشرَة
أَرْطَال رطلان للْوُضُوء وَثَمَانِية أَرْطَال للْغسْل
وَعَامة مَشَايِخنَا قَالُوا إِن الصَّاع كَاف للْوُضُوء وَالْغسْل
جَمِيعًا وَهُوَ الْأَصَح
وَلَكِن مَشَايِخنَا قَالُوا مَا ذكر مُحَمَّد رَحْمَة الله عَلَيْهِ فِي
بَيَان مِقْدَار أدنى الْكِفَايَة لَيْسَ بِتَقْدِير لَازم لَا يجوز
الزِّيَادَة عَلَيْهِ وَلَا النُّقْصَان عَنهُ بل إِن كفى رجلا أقل من
ذَلِك ينقص عَنهُ وَإِن لم يكفه يزِيد عَلَيْهِ بِقدر مَا لَا إِسْرَاف
فِيهِ وَلَا تقتير
(1/30)
وَأما بَيَان أَحْكَام الْحَدث فَنَقُول
هَهُنَا خَمْسَة أشخاص الْمُحدث وَالْجنب وَالْحَائِض وَالنُّفَسَاء
والمستحاضة
أما الْمُحدث فَحكمه وَحكم الطَّاهِر سَوَاء غير أَنه لَا يجوز لَهُ أَدَاء
الصَّلَاة إِلَّا بِالْوضُوءِ
وَلَا يُبَاح لَهُ مس الْمُصحف إِلَّا بغلافه وَكَذَا مس الدِّرْهَم
الَّتِي كتب عَلَيْهَا الْقُرْآن وَمَسّ كتاب تَفْسِير الْقُرْآن
أما مس كتاب الْفِقْه فَلَا بَأْس بِهِ لَكِن الْمُسْتَحبّ لَهُ أَن لَا
يفعل
وَكَذَا لَا يطوف بِالْبَيْتِ وَإِن طَاف جَازَ النُّقْصَان لِأَنَّهُ
شَبيه بِالصَّلَاةِ وَلَيْسَ بِصَلَاة على الْحَقِيقَة
وَيُبَاح لَهُ دُخُول الْمَسْجِد وَقِرَاءَة الْقُرْآن وَأَدَاء الصَّوْم
وَيجب عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالصَّوْم حَتَّى يجب عَلَيْهِ الْقَضَاء
بِالتّرْكِ
وَكَذَا سَائِر الْأَحْكَام
وَاخْتلف الْمَشَايِخ فِي تَفْسِير الغلاف قَالَ بَعضهم هُوَ الْجلد
الَّذِي عَلَيْهِ
وَقَالَ بَعضهم هُوَ الْكمّ
وَقَالَ بَعضهم هُوَ الخريطة
وَهُوَ الصَّحِيح لِأَن الْجلد تبع للمصحف والكم تبع للحامل فَأَما الخريطة
فَلَيْسَتْ بتبع وَلِهَذَا لَو بيع الْمُصحف لَا تدخل الخريطة فِي البيع من
غير شَرط
وَقَالَ بعض مَشَايِخنَا الْمُعْتَبر حَقِيقَة هُوَ الْمَكْتُوب حَتَّى إِن
مَسّه
(1/31)
مَكْرُوه فَأَما مس الْجلد وَمَسّ مَوضِع
الْبيَاض مِنْهُ لَا يكره لِأَنَّهُ لم يمس الْقُرْآن
وَهَذَا أقرب إِلَى الْقيَاس وَالْأول أقرب إِلَى التَّعْظِيم
وَأما الْجنب فَلَا يُبَاح لَهُ مس الْمُصحف بِدُونِ غلافه
وَلَا يُبَاح لَهُ أَيْضا قِرَاءَة الْقُرْآن عِنْد عَامَّة الْعلمَاء
خلافًا ل مَالك وَذكر الطَّحَاوِيّ أَن الْجنب لَا يقْرَأ الْآيَة
التَّامَّة فَأَما مَا دون الْآيَة فَلَا بَأْس بِهِ
وَعَامة مَشَايِخنَا قَالُوا إِن الْآيَة التَّامَّة وَمَا دونهَا سَوَاء
فِي حق الْكَرَاهَة تَعْظِيمًا لِلْقُرْآنِ
وَلَكِن إِذا قَرَأَ الْقُرْآن على قصد الدُّعَاء لَا على قصد الْقُرْآن
فَلَا بَأْس بِهِ بِأَن قَالَ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم عِنْد
افْتِتَاح الْأَعْمَال أَو قَالَ الْحَمد لله رب الْعَالمين
لقصد الشُّكْر لِأَنَّهُ غير مَمْنُوع عَن الدُّعَاء وَالذكر لله تَعَالَى
وَيصِح مِنْهُ أَدَاء الصَّوْم دون الصَّلَاة
وَيجب عَلَيْهِ كِلَاهُمَا حَتَّى يجب عَلَيْهِ قضاؤهما بِالتّرْكِ
وَلَا يُبَاح لَهُ دُخُول الْمَسْجِد وَإِن احْتَاجَ يتَيَمَّم وَيدخل
وَلَا يطوف بِالْبَيْتِ أَيْضا لَكِن مَتى طَاف يَصح مَعَ النُّقْصَان
كَمَا فِي الْمُحدث إِلَّا أَن النُّقْصَان مَعَ الْجَنَابَة أفحش
وَأما الْحَائِض وَالنُّفَسَاء فحكمهما مثل حكم الْجنب إِلَّا إِنَّه لَا
يجب عَلَيْهِمَا الصَّلَاة
حَتَّى لَا يجب الْقَضَاء عَلَيْهِمَا بعد الطَّهَارَة وَلَا يُبَاح
لزوجهما قربانهما وَيُبَاح للزَّوْج قرْبَان الْمَرْأَة الَّتِي أجنبت
وَأما الْمُسْتَحَاضَة فحكمهما حكم الطاهرات إِلَّا أَنَّهَا تتوضأ لوقت كل
صَلَاة على مَا ذكرنَا
(1/32)
بَاب الْحيض
الْكَلَام فِي هَذَا الْبَاب فِي تَفْسِير الْحيض وَالنّفاس والاستحاضة
فَنَقُول الْحيض فِي الشَّرْع هُوَ الدَّم الْخَارِج من الرَّحِم الممتد
إِلَى وَقت مَعْلُوم وَاخْتلف فِي الْوَقْت
قَالَ عُلَمَاؤُنَا أقل الْحيض ثَلَاثَة أَيَّام ولياليها وَأَكْثَره عشرَة
أَيَّام ولياليها
وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف أقل الْحيض يَوْمَانِ وَأكْثر الْيَوْم الثَّالِث
وَقَالَ الشَّافِعِي أَقَله يَوْم وَلَيْلَة وَأَكْثَره خَمْسَة عشر
يَوْمًا
وَالصَّحِيح قَوْلنَا لما رُوِيَ عَن أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ أقل الْحيض ثَلَاثَة أَيَّام
ولياليها وَأَكْثَره عشرَة أَيَّام ولياليها وَمَا زَاد فَهُوَ اسْتِحَاضَة
وَأما النّفاس فَهُوَ الدَّم الَّذِي يخرج عقيب الْولادَة
وَأقله غير مُقَدّر
حَتَّى إِذا رَأَتْ سَاعَة دَمًا ثمَّ انْقَطع فَإِنَّهُ يَنْقَضِي النّفاس
وتطهر
وَأكْثر النّفاس أَرْبَعُونَ يَوْمًا عندنَا
وَقَالَ الشَّافِعِي سِتُّونَ يَوْمًا
(1/33)
وَقَالَ مَالك سَبْعُونَ يَوْمًا
وَالصَّحِيح قَوْلنَا لما رُوِيَ عَن أنس عَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ وَقت النّفاس أَرْبَعُونَ يَوْمًا إِلَّا أَن
تطهر قبل ذَلِك
وَأما الِاسْتِحَاضَة فَهِيَ مَا انْتقصَ من أقل الْحيض وَمَا زَاد على
أَكثر الْحيض وَالنّفاس لما روينَا من حَدِيث أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ
ثمَّ الْمُسْتَحَاضَة نَوْعَانِ مُبتَدأَة وصاحبة عَادَة
أما المبتدأة فَهِيَ الَّتِي ابتدأت بِالدَّمِ وَرَأَتْ أول مَا رَأَتْ
أَكثر من عشرَة أَيَّام فَإِن الْعشْرَة حيض وَمَا زَاد عَلَيْهَا فَهُوَ
اسْتِحَاضَة
وَكَذَلِكَ فِي كل شهر
وَأما صَاحِبَة الْعَادة إِذا استحيضت فعادتها تكون حيضا إِذا كَانَت عشرَة
وَمَا زَاد عَلَيْهَا يكون اسْتِحَاضَة
وَأما إِذا زَاد الْحيض على عَادَتهَا وَهِي أقل من عشرَة فَمَا رَأَتْ
يكون حيضا إِلَى الْعشْرَة لِأَن الزِّيَادَة على الْحيض فِي وقته حيض
فَإِن جَاوز عَن الْعشْرَة فعادتها حيض وَمَا زَاد عَلَيْهَا اسْتِحَاضَة
وَأَصله مَا رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ
الْمُسْتَحَاضَة تدع الصَّلَاة أَيَّام أقرائها أَي أَيَّام حَيْضهَا
فَأَما إِذا لم يكن لَهَا عَادَة مَعْرُوفَة بِأَن ترى مرّة سِتا وَمرَّة
سبعا فاستحضيت فَإِن عَلَيْهَا إِذا رَأَتْ السِّت أَن تَغْتَسِل فِي
الْيَوْم السَّابِع وتصوم وَتصلي وَلَا يَطَؤُهَا زَوجهَا وتنقطع الرّجْعَة
فَإِذا مضى الْيَوْم السَّابِع فعلَيْهَا أَن تَغْتَسِل فِي الْيَوْم
الثَّامِن ثَانِيًا وتقضي الصَّوْم الَّذِي صَامت فِي الْيَوْم السَّابِع
دون الصَّلَاة وَيحل للزَّوْج أَن يَطَأهَا لِأَن الْحيض إِحْدَى العادتين
فعلَيْهَا الْأَخْذ بِالِاحْتِيَاطِ وَذَلِكَ فِيمَا قُلْنَا
(1/34)
بَاب التَّيَمُّم
الْكَلَام فِي هَذَا الْبَاب فِي خسمة مَوَاضِع فِي بَيَان كَيْفيَّة
التَّيَمُّم شرعا وَفِي بَيَان شُرُوطه وَفِي بَيَان مَا يتمم بِهِ وَفِي
بَيَان وقته وَفِي بَيَان مَا ينْقضه
أما الأول فَنَقُول قَالَ عُلَمَاؤُنَا بِأَن التَّيَمُّم ضربتان ضَرْبَة
للْوَجْه وضربة لِلْيَدَيْنِ إِلَى الْمرْفقين
وَهُوَ أحد قولي الشَّافِعِي وَفِي قَوْله الْقَدِيم التَّيَمُّم ضربتان
ضَرْبَة للْوَجْه وضربة لِلْيَدَيْنِ إِلَى الرسغين
وَهُوَ قَول مَالك
وَقَالَ بَعضهم ضَرْبَة للْوَجْه وضربة لِلْيَدَيْنِ إِلَى الإبطين
وَالصَّحِيح مَذْهَبنَا لما روى جَابر عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام
أَنه قَالَ التَّيَمُّم ضربتان ضَرْبَة للْوَجْه وضربة للذراعين إِلَى
الْمرْفقين
(1/35)
ثمَّ اخْتلف مَشَايِخنَا فِي كيفيته قَالَ
بَعضهم يضْرب بيدَيْهِ على الأَرْض ضَرْبَة وَاحِدَة ثمَّ يرفعهما وينفضهما
حَتَّى يَتَنَاثَر التُّرَاب فيمسح بهما وَجهه ثمَّ يضْرب مرّة أُخْرَى
فينفضهما وَيمْسَح بِأَرْبَع أَصَابِع يَده الْيُسْرَى ظَاهر يَده
الْيُمْنَى من رُؤُوس الْأَصَابِع إِلَى الْمرْفق ثمَّ يمسح بكفه
الْيُسْرَى بَاطِن يَده الْيُمْنَى إِلَى الرسغ ويمر بباطن إبهامه
الْيُسْرَى على ظَاهر إبهامه الْيُمْنَى ثمَّ يفعل بِالْيَدِ الْيُسْرَى
كَذَلِك
وَقَالَ بَعضهم يمسح بضربة وَجهه وبضربة أُخْرَى يمسح بطن كَفه الْيُسْرَى
مَعَ الْأَصَابِع ظَاهر يَده الْيُمْنَى إِلَى الْمرْفق وَيمْسَح بِهِ
بَاطِن ذراعه الْيُمْنَى إِلَى أصل الْإِبْهَام وَيفْعل بِيَدِهِ
الْيُسْرَى كَذَلِك وَلَا يتَكَلَّف
وَالْقَوْل الأول أحوط لِأَن فِيهِ احْتِرَازًا عَن اسْتِعْمَال التُّرَاب
الْمُسْتَعْمل بِقدر الْمُمكن فَإِن التُّرَاب الَّذِي على الْيَد يصير
مُسْتَعْملا بِالْمَسْحِ فَإِنَّهُ لَو ضرب بِيَدِهِ مرّة وَاحِدَة وَمسح
بهَا الْوَجْه والذراعين فَإِنَّهُ لَا يجوز
ثمَّ الِاسْتِيعَاب فِي التَّيَمُّم هَل هُوَ مَشْرُوط لم يذكر فِي ظَاهر
الرِّوَايَة وَذكر مَا يدل عَلَيْهِ فَإِنَّهُ قَالَ إِن ترك ظَاهر كَفه لم
يجزه وَذكر هَهُنَا وَقَالَ إِذا ترك شَيْئا من مَوَاضِع التَّيَمُّم لَا
يجوز قَلِيلا كَانَ أَو كثيرا
وروى الْحسن بن زِيَاد فِي الْمُجَرّد عَن أبي حنيفَة أَنه لَو تيَمّم
أَكثر الْوَجْه والذراعين وَالْكَفَّيْنِ جَازَ
وَالْأول أصح
وعَلى قِيَاس شَرط الِاسْتِيعَاب يَنْبَغِي أَن يخلل بَين أَصَابِعه فِي
(1/36)
التَّيَمُّم وَهَكَذَا رُوِيَ عَن مُحَمَّد
وعَلى قِيَاس رِوَايَة الْحسن لَا يخلل
ثمَّ عندنَا يمسح الْمرْفق مَعَ الذراعين خلافًا ل زفر كَمَا فِي الْوضُوء
وَأما شُرُوط التَّيَمُّم فَمِنْهَا عدم المَاء لِأَنَّهُ خلف وَالْخلف لَا
يشرع مَعَ وجود الأَصْل قَالَ الله تَعَالَى {فَلم تَجدوا مَاء
فَتَيَمَّمُوا صَعِيدا طيبا} ثمَّ الْعَدَم نَوْعَانِ أَحدهمَا من حَيْثُ
الْحَقِيقَة وَالثَّانِي من حَيْثُ الحكم وَالْمعْنَى
أما الأول فَهُوَ أَن يكون المَاء مَعْدُوما عِنْده على الْحَقِيقَة بِأَن
كَانَ بَعيدا عَنهُ
وَاخْتلفت الرِّوَايَات فِي مِقْدَار الْبعد وَحَاصِل ذَلِك أَن بعض
الْمَشَايِخ فصلوا بَين الْمُقِيم وَالْمُسَافر فَجعلُوا حد الْبعد فِي حق
الْمُقِيم ميلًا وَفِي حق الْمُسَافِر ميلين إِذا كَانَ المَاء قدامه
وعامتهم سووا بَينهمَا وَجعلُوا الْحَد ميلًا وَهُوَ ثلث فَرسَخ وَهَذَا
هُوَ الْأَصَح
هَذَا إِذا ثَبت بعد المَاء بطرِيق التيقن أَو بطرِيق الْغَالِب فَأَما
إِذا كَانَ غَالب ظَنّه أَن المَاء قريب مِنْهُ أَو أخبرهُ رجل عدل بِقرب
المَاء لَا يُبَاح لَهُ التَّيَمُّم لِأَنَّهُ لَيْسَ بعادم للْمَاء ظَاهرا
وَلَكِن يجب عَلَيْهِ الطّلب وَهَكَذَا رُوِيَ عَن مُحَمَّد
(1/37)
وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ بِقرب من الْعمرَان
يجب عَلَيْهِ الطّلب
هَكَذَا رُوِيَ حَتَّى لَو تيَمّم قبل الطّلب وَصلى ثمَّ ظهر المَاء لَا
تجوز صلَاته
فَأَما إِذا لم يكن بِحَضْرَتِهِ أحد يُخبرهُ وَلَا غلب على ظَنّه قرب
المَاء فَإِنَّهُ لَا يجب عَلَيْهِ الطّلب عندنَا
وَقَالَ الشَّافِعِي يجب عَلَيْهِ الطّلب عَن يَمِين الطَّرِيق ويساره
مِقْدَار الغلوة حَتَّى لَو تيَمّم وَصلى قبل الطّلب ثمَّ ظهر أَن المَاء
قريب مِنْهُ جَازَت صلَاته عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ
وَالصَّحِيح قَوْلنَا لِأَن الْمَفَازَة مَكَان عدم المَاء غَالِبا فَثَبت
الْعَدَم ظَاهرا
وَأما الْعَدَم من حَيْثُ الحكم وَالْمعْنَى فَهُوَ أَن يعجز عَن
اسْتِعْمَال المَاء لموانع مَعَ وجوده حَقِيقَة بِقرب مِنْهُ بِأَن كَانَ
على رَأس الْبِئْر وَلم يجد آلَة الاستقاء أَو كَانَ بَينه وَبَين المَاء
عَدو أَو سبع يمنعهُ أَو لصوص يخَاف مِنْهُم على نَفسه الْهَلَاك أَو
الضَّرَر أَو كَانَ مَعَه مَاء وَهُوَ يخَاف على نَفسه الْعَطش أَو بِهِ
جِرَاحَة أَو جدري أَو مرض يضرّهُ اسْتِعْمَال المَاء أَو مرض لَا يضرّهُ
اسْتِعْمَال المَاء وَلَكِن لَيْسَ مَعَه خَادِم وَلَا مَال يسْتَأْجر بِهِ
أَجِيرا وَلَيْسَ بِحَضْرَتِهِ من يوضئه وَهُوَ فِي الْمَفَازَة فَإِن
كَانَ فِي الْمصر لَا يُجزئهُ لِأَن الظَّاهِر أَنه يجد من يُعينهُ أَو
كَانَ مَعَ رَفِيقه مَاء لَا يُعْطِيهِ إِيَّاه وَلَا يَبِيعهُ بِمثل
قِيمَته أَو بِغَبن يسير أَو يخَاف على نَفسه الْهَلَاك أَو زِيَادَة
الْمَرَض بِسَبَب الْبرد وَهُوَ لَا يقدر على تسخين المَاء وَلَا على
أُجْرَة الْحمام فِي الْمَفَازَة والمصر عِنْد أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ
وَعند أبي يُوسُف وَمُحَمّد فِي السّفر كَذَلِك وَفِي الْمصر لَا يُجزئهُ
وَكَذَا إِذا خَافَ فَوت صَلَاة تفوت لَا إِلَى خلف إِن اشْتغل
(1/38)
بِالْوضُوءِ كَصَلَاة الْجِنَازَة
وَالْعِيدَيْنِ يُبَاح لَهُ التَّيَمُّم
أما إِذا شرع فِي صَلَاة الْعِيد متوضئا ثمَّ أحدث فعلى قَول أبي حنيفَة
يَبْنِي بِالتَّيَمُّمِ أَيْضا وَإِن كَانَ المَاء بِقرب مِنْهُ
وعَلى قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد لَا يَبْنِي وَلَكِن يذهب وَيتَوَضَّأ
وَيتم صلَاته
فَأَما فِي الْجُمُعَة وَسجْدَة التِّلَاوَة وَسَائِر الصَّلَوَات
الْمَفْرُوضَة لَا يتَيَمَّم وَإِن خَافَ الْفَوْت عَن وقته لِأَنَّهُ يفوت
إِلَى خلف
وَمن شُرُوطه النِّيَّة أَيْضا حَتَّى لَو تيَمّم وَلم ينْو أصلا لَا يجوز
عِنْد عَامَّة الْعلمَاء خلافًا لزفَر
فَإِن تيَمّم وَنوى اسْتِبَاحَة الصَّلَاة أَو نوى مُطلق الطَّهَارَة
أَجزَأَهُ
وَيصِح بِهِ أَدَاء الصَّلَوَات كلهَا وَيُبَاح لَهُ كل فعل لَا صِحَة لَهُ
بِدُونِ الطَّهَارَة من دُخُول الْمَسْجِد وَمَسّ الْمُصحف وَقِرَاءَة
الْقُرْآن وَسجْدَة التِّلَاوَة وَصَلَاة الْجِنَازَة لِأَن نِيَّة
الْأَعْلَى تكون نِيَّة للأدنى وَنِيَّة الْكل تكون نِيَّة لجنس
الْأَجْزَاء
وَلَو تيَمّم لصَلَاة الْجِنَازَة أَو لسجدة التِّلَاوَة أَو لقِرَاءَة
الْقُرْآن جَازَ لَهُ أَن يُؤَدِّي جَمِيع مَا لَا صِحَة لَهُ إِلَّا
بِالطَّهَارَةِ لِأَن ذَلِك من جنس أَجزَاء الصَّلَاة
فَأَما إِذا تيَمّم لمس الْمُصحف أَو لدُخُول الْمَسْجِد لَا يُبَاح لَهُ
أَن يُصَلِّي بِهِ الصَّلَاة وَلَا مَا هُوَ من جنس أَجْزَائِهَا لِأَن
ذَلِك لَيْسَ بِعبَادة مَقْصُودَة بِنَفسِهَا وَلَا من جنس الصَّلَاة وَلَا
من جنس أَجْزَائِهَا وَلَا من ضروراتها حَتَّى يكون ذَلِك نِيَّة لَهَا
فَجعل التُّرَاب طهُورا فِي حَقّهَا لَا غير
وَلَو تيَمّم الْكَافِر وَنوى الْإِسْلَام أَو الصَّلَاة أَو الطَّهَارَة
ثمَّ
(1/39)
أسلم لم يجز تيَمّمه عِنْد عَامَّة
الْعلمَاء إِلَّا مَا رُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنه يجوز
أما عِنْد الشَّافِعِي فَلِأَن التَّيَمُّم عبَادَة وَالْكَافِر لَيْسَ
بِأَهْل لَهَا
وَعِنْدنَا التَّيَمُّم لَيْسَ بِعبَادة كَالْوضُوءِ لكنه لَيْسَ بِطهُور
حَقِيقَة وَإِنَّمَا جعل طهُورا بِاعْتِبَار الْحَاجة إِلَى مُبَاشرَة فعل
لَا صِحَة لَهُ بِدُونِ الطَّهَارَة
وَالْإِسْلَام يَصح بِدُونِ الطَّهَارَة فَلَا حَاجَة إِلَى أَن يَجْعَل
طهُورا فِي حَقه بِخِلَاف الْوضُوء فَإِنَّهُ يَصح من الْكَافِر لِأَنَّهُ
طهُور حَقِيقَة
وَلَو تيَمّم الْمُسلم ثمَّ ارْتَدَّ ثمَّ أسلم فَهُوَ على تيَمّمه عِنْد
عَامَّة الْعلمَاء
أما عِنْد الشَّافِعِي فَلِأَن التَّيَمُّم وَإِن كَانَ عبَادَة وَلَكِن
عِنْده لَا تبطل الْعِبَادَات بِالرّدَّةِ
وَأما عندنَا فَلِأَن الرِّدَّة لَا تبطل وصف الطّهُورِيَّة كَمَا فِي
الْوضُوء وَاحْتِمَال الْحَاجة بَاقٍ لِأَنَّهُ مجبور على الْإِسْلَام
وَمن شُرُوطه أَيْضا أَن يكون التُّرَاب طَاهِرا حَتَّى لَو تيَمّم
بِالتُّرَابِ النَّجس لَا يجوز
وَلِهَذَا لَو تيَمّم بِأَرْض أصابتها النَّجَاسَة فجفت بالشمس وَذهب
أَثَرهَا إِنَّه لَا يجوز فِي ظَاهر الرِّوَايَة لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَن
أَجزَاء النَّجَاسَة
وَفِي رِوَايَة ابْن الكاس جَازَ لاستحالته أَرضًا
وَأما بَيَان مَا يتَيَمَّم بِهِ فَنَقُول اخْتلف الْعلمَاء فِيهِ
(1/40)
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد رَضِي الله
عَنْهُمَا يجوز بِكُل مَا هُوَ من جنس الأَرْض
وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا يجوز إِلَّا بِالتُّرَابِ والرمل خَاصَّة
وروى الْمُعَلَّى عَن أبي يوسفرحمه الله أَنه لَا يجوز إِلَّا التُّرَاب
وَهُوَ قَوْله الْأَخير
وَبِه أَخذ الشَّافِعِي
وَالصَّحِيح قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد لقَوْله تَعَالَى {فَتَيَمَّمُوا
صَعِيدا طيبا} والصعيد عبارَة عَن وَجه الأَرْض وَذَلِكَ قد يكون تُرَابا
ورملا وحجرا أَو غير ذَلِك والْحَدِيث الْمَشْهُور دَلِيل عَلَيْهِ وَهُوَ
قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام جعلت لي الأَرْض مَسْجِدا وَطهُورًا أَيْنَمَا
أدركتني الصَّلَاة تيممت وَصليت
ثمَّ الْحَد الْفَاصِل بَين جنس الأَرْض وَغَيرهَا أَن كل مَا يَحْتَرِق
بالنَّار فَيصير رَمَادا كالشجر والحشيش أَو مَا ينطبع ويلين كالحديد
والصفر وَعين الذَّهَب وَالْفِضَّة والزجاج وَنَحْوهَا فَلَيْسَ من جنس
الأَرْض
ثمَّ اخْتلف أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد فِيمَا بَينهمَا فعلى قَول أبي حنيفَة
يجوز التَّيَمُّم بِكُل مَا هُوَ من جنس الأَرْض سَوَاء التزق بِيَدِهِ
شَيْء أَو لَا
وَعند مُحَمَّد لَا يجوز إِلَّا أَن يلتزق بِيَدِهِ شَيْء من أَجْزَائِهِ
إِذا ثَبت ذَا فعلى قَول أبي حنيفَة يجوز التَّيَمُّم بِالتُّرَابِ والرمل
والحصى والجص والزرنيخ والنورة والطين الْأَحْمَر والأخضر والأصفر
وَالْأسود والكحل وَالْحجر الأملس والحائط المطين والمجصص
(1/41)
وَالْملح الْجبلي دون المائي والسبخة
المنعقدة من الأَرْض دون المائية والمردراسنج المعدني دون الْمُتَّخذ من
شَيْء آخر
وَأما الْآجر فقد ذكر هَهُنَا وَقَالَ يجوز لِأَنَّهُ طين مستحجر فَيكون
كالحجر الْأَصْلِيّ وَفِي رِوَايَة لَا يجوز
والخزف إِن كَانَ من طين خَالص يجوز كَمَا فِي الْآجر وَإِن كَانَ من طين
مخلوط بِمَا لَيْسَ من جنس الأَرْض لَا يجوز كالزجاج الْمُتَّخذ من الرمل
وَشَيْء آخر لَيْسَ من جنس الأَرْض
وَعند مُحَمَّد فِي هَذِه الْفُصُول إِن التزق بِيَدِهِ شَيْء مِنْهَا
بِأَن كَانَ مدقوقا جَازَ وَإِلَّا فَلَا
وَلَو تيَمّم بالرماد لَا يجوز لِأَنَّهُ من أَجزَاء الْخشب وَنَحْوه
وَإِن تيَمّم باللآلىء لَا يجوز مدقوقة كَانَت أَو لَا لِأَنَّهَا لَيست من
جنس الأَرْض
وَلَو تيَمّم بالياقوت والفيروزج والمرجان والزمرد جَازَ لِأَنَّهَا
أَحْجَار مضيئة
وَلَو تيَمّم بِأَرْض ندية على قَول أبي حنيفَة يجوز التزق بِيَدِهِ شَيْء
أم لَا
وَعند مُحَمَّد إِن التزق بِيَدِهِ شَيْء جَازَ وَإِلَّا فَلَا
وَعند أبي يُوسُف لَا يجوز كَيْفَمَا كَانَ لِأَن التُّرَاب مخلوط بِمَا
لَا
(1/42)
يجوز بِهِ التَّيَمُّم وَهُوَ المَاء
وَلَو تيَمّم بالطين الرطب فَهُوَ على هَذَا الِاخْتِلَاف يجوز على قَول
أبي حنيفَة التزق بِيَدِهِ شَيْء أَو لَا وَعند مُحَمَّد إِن الْتَصق
بِيَدِهِ شَيْء جَازَ وَإِلَّا فَلَا
وَعند أبي يُوسُف لَا يجوز لِأَنَّهُ مخلوط بِمَا لَا يجوز بِهِ
التَّيَمُّم وَهُوَ المَاء
وَإِن تيَمّم بالغبار بِأَن ضرب بِيَدِهِ على ثوب أَو على لبد فارتفع غباره
أَو على الذَّهَب وَالْفِضَّة أَو الْحُبُوب فارتفع غُبَار فيتمم بِهِ
جَازَ عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد خلافًا لأبي يُوسُف لِأَنَّهُ من أَجزَاء
الأَرْض
وَأما وَقت التيممفنقول اخْتلف الْعلمَاء فِي وقته إِن وقته أول وَقت
الصَّلَاة أَو آخِره أَو وَسطه
ذكر فِي ظَاهر الرِّوَايَة وَقَالَ أحب إِلَيّ أَن يُؤَخر الصَّلَاة إِلَى
آخر الْوَقْت وَلم يفصل بَين مَا إِذا كَانَ على طمع من وجود المَاء فِي
آخر الْوَقْت أَو لم يكن
وروى الْمُعَلَّى عَن أبي حنيفَة وَأبي يوسفأنه إِن كَانَ على طمع من وجود
المَاء فِي آخر الْوَقْت يُؤَخر إِلَى آخر الْوَقْت
وَإِن لم يكن على طمع من وجود المَاء فِي آخِره فَإِنَّهُ يُؤَخر إِلَى آخر
الْوَقْت الْمُسْتَحبّ وَيُصلي فِي آخِره
وَتَكون هَذِه الرِّوَايَة تَفْسِيرا لظَاهِر الرِّوَايَة
وَقَالَ حَمَّاد لَا يُؤَخِّرهُ إِلَى آخر الْوَقْت مَا لم يتَيَقَّن وجود
المَاء فِي آخر الْوَقْت
وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ مَالك يسْتَحبّ لَهُ أَن يتَيَمَّم فِي وسط الْوَقْت
وَالصَّحِيح مَذْهَبنَا لما رُوِيَ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ
مثل مَذْهَبنَا
وَلم يرو عَن غَيره خِلَافه فَيكون كالإجماع
وَإِن تيَمّم فِي أول الْوَقْت وَصلى فَإِن كَانَ عَالما أَن المَاء يقرب
مِنْهُ بِأَن كَانَ أقل من ميل لَا تجوز صلَاته وَإِن كَانَ ميلًا
فَصَاعِدا جَازَت صلَاته لِأَن حد الْبعد هُوَ الْميل وَإِن كَانَ يُمكنهُ
أَن يذهب وَيتَوَضَّأ وَيُصلي فِي الْوَقْت وَتعْتَبر الْجُمْلَة
وَإِن لم يكن عَالما بذلك يجوز سَوَاء كَانَ يَرْجُو وجود المَاء فِي آخر
الْوَقْت أَو لَا بعد الطّلب أَو قبله عندنَا لِأَن الْعَدَم ثَابت من
حَيْثُ الظَّاهِر وَاحْتِمَال الْوُجُود لَا يُعَارض الثَّابِت ظَاهرا
فَأَما إِذا كَانَ على يَقِين من وجود المَاء فِي آخر الْوَقْت أَو من
حَيْثُ الْغَالِب فَإِن كَانَ بَينه وَبَين المَاء مِقْدَار مَا يُمكنهُ
أَن يذهب وَيتَوَضَّأ وَيُصلي فِي الْوَقْت فَإِنَّهُ ينظر إِن كَانَ أقل
من ميل لَا تجوز صلَاته وَإِن كَانَ ميلًا فَصَاعِدا جَازَت صلَاته لِأَن
حد الْبعد هُوَ الْميل
وَإِن أخبر فِي آخر الْوَقْت أَن المَاء بِقرب مِنْهُ
(1/43)
بِأَن كَانَ أقل من ميل وَلَكِن لَو ذهب
إِلَيْهِ وَتَوَضَّأ تفوته الصَّلَاة عَن الْوَقْت فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ
أَن يذهب وَيتَوَضَّأ وَيُصلي خَارج الْوَقْت وَلَا يجْزِيه التَّيَمُّم
لِأَن الصَّلَاة تفوته إِلَى بدل وَهُوَ الْقَضَاء
وَأما مَا يبطل التَّيَمُّم فَنَقُول كل مَا يبطل الْوضُوء من الْحَدث
الْحَقِيقِيّ والحكمي فَإِنَّهُ يُبطلهُ
وَأما مَا يُبطلهُ على الْخُصُوص فَهُوَ رُؤْيَة المَاء
وَأَصله قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام التَّيَمُّم وضوء الْمُسلم وَلَو إِلَى
عشر حجج مَا لم يجد المَاء أَو يحدث
ثمَّ إِن وجد المَاء قبل الشُّرُوع فِي الصَّلَاة يبطل تيَمّمه وَيجب
عَلَيْهِ الْوضُوء بِالْإِجْمَاع
وَإِن وجد بعد الشُّرُوع إِن كَانَ قبل أَن يقْعد قدر التَّشَهُّد من
الْقعدَة الْأَخِيرَة فَإِنَّهُ تفْسد صلَاته عندنَا
(1/44)
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا تفْسد
وَحجَّتنَا مَا روينَا من الحَدِيث الْمَشْهُور من غير فصل بَين حَالَة
الصَّلَاة وَغَيرهَا
وَإِن كَانَ بعد مَا قعد قدر التَّشَهُّد الْأَخير أَو بعد مَا سلم
وَعَلِيهِ سجدتا السَّهْو وَعَاد إِلَى الصَّلَاة تبطل صلَاته عِنْد أبي
حنيفَة وَيلْزمهُ الِاسْتِقْبَال
وَعند أبي يُوسُف وَمُحَمّد يبطل تيَمّمه وَصلَاته تَامَّة
وَهَذِه الْمَسْأَلَة من جملَة الْمسَائِل الاثْنَي عشرِيَّة على مَا يعرف
فِي موضعهَا
وَإِن وجد بعد الْفَرَاغ من الصَّلَاة فَإِن كَانَ بعد خُرُوج الْوَقْت لَا
يلْزمه الْإِعَادَة بِالْإِجْمَاع
وَإِن وجد فِي الْوَقْت فَكَذَلِك عِنْد عَامَّة الْعلمَاء وَقَالَ مَالك
يُعِيد
وَالصَّحِيح قَوْلنَا لِأَنَّهُ قدر على الأَصْل بعد حُصُول الْمَقْصُود
بِالْبَدَلِ
وَأَنه إِذا رأى سُؤْر حمَار فَإِن كَانَ خَارج الصَّلَاة يَنْبَغِي أَن
يتَوَضَّأ بِهِ مَعَ التَّيَمُّم لِأَنَّهُ مَشْكُوك فِيهِ فَوَجَبَ الْجمع
بَينهمَا حَتَّى يكون مُؤديا للصَّلَاة بِيَقِين إِن كَانَ فِي الصَّلَاة
يَنْبَغِي أَن لَا يقطع لِأَن الشُّرُوع قد صَحَّ فَلَا يقطع بِالشَّكِّ
وَلَكِن يمْضِي عَلَيْهَا فَإِذا فرغ مِنْهَا يقْضِي تِلْكَ الصَّلَاة بسؤر
الْحمار حَتَّى يكون مُؤديا للصَّلَاة بِيَقِين
وَأما إِذا وجد نَبِيذ التَّمْر فعلى قَول أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ
(1/45)
ينْتَقض تيَمّمه لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة
المَاء عِنْد عدم المَاء الْمُطلق
وعَلى قَول أبي يُوسُف لَا ينْتَقض لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطهُور أصلا
وَعند مُحَمَّد يمْضِي على صلَاته ثمَّ يُعِيد كَمَا فِي سُؤْر الْحمار
ثمَّ الأَصْل عندنَا أَن التَّيَمُّم بدل مُطلق وَلَيْسَ بضروري يَعْنِي
بِهِ أَن الْحَدث يرْتَفع عندنَا بِالتَّيَمُّمِ إِلَى وَقت وجود المَاء
فِي حق الصَّلَاة المؤداة لَا أَن تُبَاح لَهُ الصَّلَاة مَعَ قيام الْحَدث
للضَّرُورَة
وَعند الشَّافِعِي هُوَ بدل ضَرُورِيّ
وعنى بِهِ أَن يُبَاح لَهُ الصَّلَاة بِالتَّيَمُّمِ مَعَ قيام الْحَدث
حَقِيقَة وَجعل عدما شرعا لضَرُورَة صِحَة الصَّلَاة بِمَنْزِلَة طَهَارَة
الْمُسْتَحَاضَة
وَالصَّحِيح قَوْلنَا لما روينَا عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه
قَالَ التَّيَمُّم وضوء الْمُسلم وَلَو إِلَى عشر حجج مَا لم يجد المَاء
أَو يحدث
وَيَنْبَنِي على هَذَا الأَصْل أَن عادم المَاء إِذا تيَمّم قبل دُخُول
وَقت الصَّلَاة فَإِنَّهُ يجوز تيَمّمه لِأَنَّهُ خلف مُطلق حَال عدم
المَاء
وَعند الشَّافِعِي لَا يجوز لِأَنَّهُ خلف ضَرُورِيّ وَلَا ضَرُورَة قبل
الْوَقْت كَمَا فِي طَهَارَة الْمُسْتَحَاضَة
وعَلى هَذَا إِذا تيَمّم يجوز لَهُ أَن يُؤَدِّي بِهِ مَا شَاءَ من
الْفَرَائِض والنوافل مَا لم يجد المَاء أَو يحدث
وَلَا ينْتَقض تيَمّمه بِخُرُوج الْوَقْت كطهارة الْمُسْتَحَاضَة
وَعِنْده لَا يجوز لَهُ أَن يُؤَدِّي فرضا غير الَّذِي تيَمّم لأَجله
وَلَكِن يجوز لَهُ أَن يُصَلِّي بذلك التَّيَمُّم النَّوَافِل لِأَنَّهَا
تبع للفرائض كَمَا قَالَ فِي طَهَارَة الْمُسْتَحَاضَة
وعَلى هَذَا الأَصْل
(1/46)
قَالَ الزُّهْرِيّ إِنَّه لَا يجوز
التَّيَمُّم فِي حق النَّوَافِل لِأَنَّهُ طَهَارَة ضَرُورِيَّة وَلَا
ضَرُورَة فِي حق النَّوَافِل
وَلَكِن عَامَّة الْعلمَاء قَالُوا إِن الْحَاجة إِلَى إِحْرَاز الثَّوَاب
مُعْتَبرَة كَمَا فِي طَهَارَة الْمُسْتَحَاضَة تطهر فِي حق النَّوَافِل
بِالْإِجْمَاع لما قُلْنَا كَذَا كَذَا
ثمَّ اخْتلف أَصْحَابنَا فِي كَيْفيَّة الْبَدَلِيَّة قَالَ أَبُو حنيفَة
وَأَبُو يُوسُف التُّرَاب خلف عَن المَاء عِنْد عَدمه والبدلية بَين
التُّرَاب وَالْمَاء
وَقَالَ مُحَمَّد التَّيَمُّم خلف عَن الْوضُوء عِنْد عَدمه والبدلية بَين
التَّيَمُّم وَالْوُضُوء
وعَلى هَذَا قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف بِأَن الْمُتَيَمم إِذا أم
المتوضئين فَإِنَّهُ تجوز إِمَامَته لَهُم وَتَكون صلَاتهم جَائِزَة
اسْتِحْسَانًا إِذا لم يكن مَعَ المتوضئين مَاء فَأَما إِذا كَانَ مَعَهم
مَاء فَلَا تجوز إِمَامَته لَهُم وَتَكون صلَاتهم فَاسِدَة
وَقَالَ مُحَمَّد لَا تجوز إِمَامَته سَوَاء كَانَ مَعَ المتوضئين مَاء أَو
لم يكن
وَقَالَ زفر تجوز إِمَامَته لَهُم سَوَاء كَانَ مَعَهم مَاء أَو لم يكن
لِأَن عِنْد مُحَمَّد لما كَانَت الْبَدَلِيَّة بَين التَّيَمُّم
وَالْوُضُوء فالمقتدي إِذا كَانَ على وضوء لم يكن تيَمّم الإِمَام الَّذِي
هُوَ بدل عَن الْوضُوء طَهَارَة فِي حَقه لقدرته على الأَصْل وَيكون وجوده
وَعَدَمه سَوَاء فَيكون مقتديا بالمحدث فَلَا يجوز كَالصَّحِيحِ إِذا
اقْتدى بِصَاحِب جرح سَائل لم
(1/47)
يجز اقْتِدَاؤُهُ لِأَن طَهَارَته
ضَرُورِيَّة فَلَا يعْتَبر فِي حق الصَّحِيح كَذَا هَذَا
وَعند أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف لما كَانَت الْبَدَلِيَّة بَين التُّرَاب
وَالْمَاء فَإِذا لم يكن مَعَ المقتدين مَاء فَيكون التُّرَاب طَهَارَة
مُطلقَة فِي حَال عدم المَاء وَإِذا كَانَ مَعَهم مَاء فقد فَاتَ الشَّرْط
فِي حق المقتدين فَلَا يبْقى التُّرَاب طهُورا فِي حَقهم فَلم تبْق
طَهَارَة الإِمَام طَهَارَة فِي حَقهم فَلَا يَصح اقتداؤهم بِهِ
وعَلى هَذَا قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف إِن الْمُتَيَمم إِذا أم
المتوضئين وَلم يكن مَعَهم مَاء ثمَّ رأى وَاحِدًا مِنْهُم المَاء بطلت
صلَاته لِأَن طَهَارَة الإِمَام جعلت عدما فِي حَقه لقدرته على المَاء
الَّذِي هُوَ أصل لِأَنَّهُ لَا يبْقى الْخلف عِنْد وجود الأَصْل
(1/48)
بَاب النَّجَاسَات
الْكَلَام فِي هَذَا الْبَاب فِي سِتَّة مَوَاضِع فِي بَيَان أَنْوَاع
الأنجاس
وَفِي بَيَان الْمِقْدَار الَّذِي يصير بِهِ الْمحل نجسا شرعا
وَفِي بَيَان مَا يَقع بِهِ التَّطْهِير
وَفِي طَرِيق التَّطْهِير
وَفِي شَرَائِط التَّطْهِير
وَفِي حكم الغسالة
أما الأول وَهُوَ بَيَان أَنْوَاع النَّجَاسَات فَمن ذَلِك أَن كل مَا يخرج
من بدن الْإِنْسَان مِمَّا يتَعَلَّق بِخُرُوجِهِ وجوب الْوضُوء أَو
الْغسْل فَهُوَ نجس نَحْو الْغَائِط وَالْبَوْل وَالدَّم والصديد والقيء
ملْء الْفَم وَدم الْحيض وَالنّفاس والاستحاضة والودي والمذي والمني
وَلَا خلاف فِي هَذِه الْجُمْلَة إِلَّا فِي الْمَنِيّ فَإِن عِنْد
الشَّافِعِي هُوَ طَاهِر
وَالْأَصْل فِي ذَلِك حَدِيث عمار بن يَاسر أَنه كَانَ يغسل ثَوْبه من
النخامة فَمر عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ مَا
تصنع يَا عمار فَأخْبرهُ بذلك فَقَالَ وَمَا نخامتك ودموع عَيْنَيْك
وَالْمَاء الَّذِي
(1/49)
فِي ركوتك إِلَّا سَوَاء وَإِنَّمَا يغسل
الثَّوْب من خمس بَوْل وغائط وَدم وقيء ومني
وَأما الْقَيْء الَّذِي يكون أقل من ملْء الْفَم وَالدَّم الَّذِي لم يسل
عَن رَأس الْجرْح هَل يكون نجسا فعلى قِيَاس مَا ذكرنَا هَهُنَا لَا يكون
نجسا لِأَنَّهُ لَا يتَعَلَّق بِهِ وجوب الْوضُوء
وَهَكَذَا رُوِيَ عَن أبي يُوسُف
لِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَم مسفوح
وَقَالَ مُحَمَّد هُوَ نجس لِأَنَّهُ جُزْء من الدَّم المسفوح
وَأما الدَّم إِذا لم يكن مسفوحا فِي الأَصْل كَدم البق والبراغيث فَهُوَ
لَيْسَ بِنَجس عندنَا
وَعند الشَّافِعِي هُوَ نجس إِلَّا أَنه إِذا أصَاب الثَّوْب يَجْعَل عفوا
لأجل الضَّرُورَة
ثمَّ مَا ذكرنَا أَنه نجس من الْآدَمِيّ فَهُوَ نجس من سَائِر
الْحَيَوَانَات من الأبوال والأرواث وَنَحْوهَا عِنْد عَامَّة الْعلمَاء
إِلَّا أَنه قد سقط اعْتِبَار نَجَاسَة بَعْضهَا لأجل الضَّرُورَة
وَقَالَ مُحَمَّد بَوْل مَا يُؤْكَل لَحْمه طَاهِر
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف نجس لَكِن يُبَاح شربه للتداوي عِنْد
أبي يُوسُف
وَعند أبي حنيفَة رَحْمَة الله عَلَيْهِ لَا يُبَاح
وَقَالَ ابْن أبي ليلى بِأَن السرقين طَاهِر
وَقَالَ مَالك بِأَن البعر والروث وأخثاء الْبَقر كلهَا طَاهِرَة
وَقَالَ زفر رَوْث مَا يُؤْكَل لَحْمه طَاهِر
(1/50)
وَالصَّحِيح قَول الْعَامَّة لِأَن
الْآدَمِيّ أطهر الْحَيَوَانَات ذاتا وغذاء فَإِذا كَانَت هَذِه
الْأَشْيَاء نَجِسَة مِنْهُ فَمن غَيره أولى
وَأما خرء الطُّيُور فالطيور ثَلَاثَة أَنْوَاع مَا لَا يذرق من الْهَوَاء
نَحْو الدَّجَاج والبط والأوز وخرؤها نجس فِي رِوَايَة الْحسن عَن أبي
حنيفَة
وَفِي رِوَايَة أبي يُوسُف عَنهُ أَن خرء الدَّجَاج والبط نجس دون خرء
الأوز
وَمَا يذرق من الْهَوَاء نَوْعَانِ الصغار مِنْهَا مثل الْحمام وَنَحْوه
وخرؤها طَاهِر
والكبار كالصقر والبازي وَنَحْوهمَا وخرؤها طَاهِر عِنْد أبي حنيفَة وَأبي
يُوسُف
وَقَالَ مُحَمَّد نجس
وَهَذَا كُله قَول عُلَمَاؤُنَا
وَقَالَ الشَّافِعِي خرء الطُّيُور كلهَا نجس
وَالْقِيَاس قَوْله لِأَنَّهُ نجس حَقِيقَة إِلَّا أَنا استحسنا وأسقطنا
نَجَاسَة الْبَعْض لمَكَان الضَّرُورَة
وَمن أَنْوَاع الأنجاس الميتات وَهِي نَوْعَانِ مِنْهَا مَا لَيْسَ لَهَا
دم سَائل وَهِي لَيست بنجسة عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ على مَا نذكرهُ
وَالثَّانِي مَا لَهَا دم سَائل فَنَقُول لَا خلاف أَن الْأَجْزَاء الَّتِي
فِيهَا دم سَائل مثل اللَّحْم والشحم وَالْجَلد وَنَحْوهَا فَهِيَ نَجِسَة
لاختلاط الدَّم النَّجس بهَا
وَأما الْأَجْزَاء الَّتِي لَيْسَ فِيهَا دم فَفِي غير الْآدَمِيّ
وَالْخِنْزِير من
(1/51)
الْحَيَوَانَات ينظر إِن كَانَت صلبة مثل
الشّعْر وَالصُّوف والريش والقرن والعظم وَالسّن والحافر والخف والظلف
والعصب والإنفحة الصلبة فَلَيْسَتْ بنجسة بِلَا خلاف بَين أَصْحَابنَا
وَأما الإنفحة المائعة وَاللَّبن فَكَذَلِك عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدنَا
نجس
وَقَالَ الشَّافِعِي الْكل نجس
وَكَذَا الْجَواب فِيمَا أبين من الْحَيّ من الْأَجْزَاء إِن كَانَ فِيهِ
دم فَهُوَ نجس بِالْإِجْمَاع وَإِن لم يكن فعلى هَذَا الْخلاف
فالشافعي أَخذ بِظَاهِر الْآيَة وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {حرمت عَلَيْكُم
الْميتَة}
وأصحابنا قَالُوا إِن نَجَاسَة الميتات بِاعْتِبَار مَا فِيهَا من الدَّم
السَّائِل والرطوبات النَّجِسَة وَلم يُوجد فِي هَذِه الْأَجْزَاء
وَأما فِي الْآدَمِيّ فَعَن أَصْحَابنَا رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَة نجس
حَتَّى لَا يجوز بيعهَا وَلَا الصَّلَاة مَعهَا إِذا كَانَ أَكثر من قدر
الدِّرْهَم وزنا أَو عرضا على حسب مَا يَلِيق بِهِ
وَفِي رِوَايَة يكون طَاهِرا وَهِي الْأَصَح لِأَنَّهُ لَا دم فِيهَا
إِلَّا أَنه لَا يجوز بيعهَا وَيحرم الِانْتِفَاع بهَا احتراما للآدمي
وَأما الْخِنْزِير فيروى عَن أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ أَنه نجس الْعين
(1/52)
فَيحرم اسْتِعْمَال شعره وَسَائِر
أَجْزَائِهِ إِلَّا أَنه رخص فِي شعره للخرازين لأجل الْحَاجة
وَإِذا وَقع شعره فِي المَاء رُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنه يُوجب التَّنْجِيس
وَعَن مُحَمَّد أَنه لَا يُوجب مَا لم يغلب على المَاء كشعر غَيره
وَرُوِيَ عَن أَصْحَابنَا فِي غير رِوَايَة الْأُصُول أَن هَذِه
الْأَجْزَاء مِنْهُ طَاهِرَة لِأَنَّهُ لَا دم فِيهَا
وَأما الْكَلْب فَمن قَالَ من مَشَايِخنَا إِنَّه نجس الْعين فَهُوَ
وَالْخِنْزِير سَوَاء
وَمن قَالَ إِنَّه لَيْسَ بِنَجس الْعين فَهُوَ وَسَائِر الْحَيَوَانَات
سَوَاء وَهَذَا أصح
وَأما حكم أسآر الْحَيَوَانَات وَعرفهَا وَأَلْبَانهَا فَنَقُول الأسآر على
أَرْبَعَة أوجه سُؤْر مُتَّفق على طَهَارَته من غير كَرَاهَة وسؤر مُخْتَلف
فِي طَهَارَته ونجاسته وسؤر مَكْرُوه وسؤر مَشْكُوك فِيهِ
أما السؤر الطَّاهِر الْمُتَّفق على طَهَارَته فَهُوَ سُؤْر الْآدَمِيّ
بِكُل حَال إِلَّا فِي حَال شرب الْخمر فَإِنَّهُ نجس لنجاسة فَمه
وَكَذَا سُؤْر مَا يُؤْكَل لَحْمه من الْأَنْعَام والطيور إِلَّا الْإِبِل
الْجَلالَة وَالْبَقر الْجَلالَة والدجاجة المخلاة فَإِن سؤرها مَكْرُوه
لاحْتِمَال نَجَاسَة فمها حَتَّى إِذا كَانَت محبوسة لَا يكره
وَأما سُؤْر الْفرس فعلى قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد طَاهِر لطهارة لَحْمه
وَعند أبي حنيفَة رِوَايَتَانِ كَمَا فِي طَهَارَة لَحْمه على رِوَايَة
الْحسن
(1/53)
نجس كلحمه وعَلى جَوَاب ظَاهر الرِّوَايَة
طَاهِر كلحمه
وَأما السؤر الْمُخْتَلف فِي طَهَارَته ونجاسته فَهُوَ سُؤْر الْخِنْزِير
وَالْكَلب وَسَائِر سِبَاع الوحوش
وَهُوَ نجس عِنْد عَامَّة الْعلمَاء
وَقَالَ مَالك طَاهِر
وَقَالَ الشَّافِعِي سُؤْر السبَاع كلهَا طَاهِر سوى الْكَلْب
وَالْخِنْزِير
وَأما السؤر الْمَكْرُوه فَهُوَ سُؤْر سِبَاع الطير كالحدأة والبازي والصقر
وَنَحْوهَا اسْتِحْسَانًا
وَالْقِيَاس أَنه نجس
وَكَذَا سُؤْر سواكن الْبيُوت كالحية والفأرة وَالْعَقْرَب وَنَحْوهَا
وَكَذَا سُؤْر الْهِرَّة فِي رِوَايَة الْجَامِع الصَّغِير
وَفِي ظَاهر الرِّوَايَة قَالَ أحب إِلَيّ أَن يتَوَضَّأ بِغَيْرِهِ وَلم
يذكر الْكَرَاهَة
وَعَن أبي يُوسُف أَنه لَا يكره
وَأما السؤر الْمَشْكُوك فِيهِ فَهُوَ سُؤْر الْحمار والبغل فِي جَوَاب
ظَاهر الرِّوَايَة
وروى الْكَرْخِي عَن أَصْحَابنَا أَن سؤرهما نجس
وَقَالَ الشَّافِعِي طَاهِر
ثمَّ السؤر الْمُتَّفق على طَهَارَته وَالْمَاء الْمُطلق سَوَاء
والسؤر الْمَكْرُوه لَا يَنْبَغِي أَن يتَوَضَّأ بِهِ إِن وجد مَاء مُطلقًا
وَإِن تَوَضَّأ بِهِ جَازَ مَعَ الْكَرَاهَة وَإِن لم يجد مَاء مُطلقًا
يجوز من غير كَرَاهَة
(1/54)
والسؤر الْمَشْكُوك فِيهِ لَا يجوز
التَّوَضُّؤ بِهِ إِن وجد مَاء مُطلقًا وَإِن تَوَضَّأ بِهِ جَازَ مَعَ
الْكَرَاهَة
وَإِن لم يجد يتَوَضَّأ بِهِ وَيتَيَمَّم لِأَن أَحدهمَا مطهر بِيَقِين
وَأيهمَا قدم أَو أخر جَازَ عندنَا
وَعند زفر لَا يجوز مَا لم يقدم الْوضُوء على التَّيَمُّم حَتَّى يصير
عادما للْمَاء
وَمن الأنجاس الْخمر وَالسكر على مَا يعرف فِي كتاب الْأَشْرِبَة
وَأما بَيَان الْمِقْدَار الَّذِي بِهِ يصير الْمحل نجسا شرعا فَنَقُول
ينظر إِمَّا إِن وَقع فِي الْمَائِعَات من المَاء والخل وَنَحْوهمَا أَو
أصَاب الثَّوْب وَالْبدن وَالْمَكَان
أما إِذا وَقع فِي المَاء فَلَا يَخْلُو إِمَّا إِن كَانَ جَارِيا أَو
راكدا
فَإِن كَانَ جَارِيا إِن كَانَت النَّجَاسَة غير مرئية فَإِنَّهُ لَا ينجس
مَا لم يتَغَيَّر طعمه أَو لَونه أَو رِيحه وَيتَوَضَّأ مِنْهُ كَيفَ شاءمن
الْموضع الَّذِي وَقع فِيهِ النَّجس أَو من الطّرف الآخر لِأَن المَاء
طَاهِر فِي الأَصْل فَلَا يحكم بِنَجَاسَتِهِ بِالشَّكِّ
وَإِن كَانَت النَّجَاسَة مرئية مثل الجيفة وَنَحْوهَا فَإِن كَانَ النَّهر
كَبِيرا فَإِنَّهُ لَا يتَوَضَّأ من أَسْفَل الْجَانِب الَّذِي فِيهِ
الجيفة وَلنْ يتَوَضَّأ من الْجَانِب الآخر لِأَنَّهُ مُتَيَقن بوصول
النَّجَاسَة إِلَى الْموضع الَّذِي يتَوَضَّأ مِنْهُ
وَإِن كَانَ النَّهر صَغِيرا بِحَيْثُ لَا يجْرِي بالجيفة بل يجْرِي المَاء
عَلَيْهَا إِن كَانَ يجْرِي عَلَيْهَا جَمِيع المَاء فَإِنَّهُ لَا يجوز
التَّوَضُّؤ بِهِ من أَسْفَل الجيفة لِأَنَّهُ تنجس جَمِيع المَاء
وَالنَّجس لَا يطهر بالجريان
وَإِن كَانَ يجْرِي عَلَيْهَا بعض المَاء فَإِن كَانَ يجْرِي عَلَيْهَا
أَكثر المَاء
(1/55)
فَهُوَ نجس وَإِن كَانَ يجْرِي عَلَيْهَا
أقل المَاء فَهُوَ طَاهِر لِأَن الْعبْرَة للْغَالِب
وَإِن كَانَ يجْرِي عَلَيْهَا النّصْف يجوز التَّوَضُّؤ بِهِ فِي الحكم
وَلَكِن الْأَحْوَط أَن لَا يتَوَضَّأ بِهِ
وَاخْتلف الْمَشَايِخ فِي حد الجريان قَالَ بَعضهم إِن كَانَ يجْرِي بالتبن
وَالْوَرق فَهُوَ جَار وَإِلَّا فَلَا
وَقيل إِن وضع رجل يَده فِي المَاء عرضا لم يَنْقَطِع جَرَيَانه فَهُوَ
جَار وَإِلَّا فَلَا
وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف رَحمَه الله أَنه قَالَ إِن كَانَ بِحَال لَو
اغترف رجل المَاء بكفيه لم ينحسر وَجه الأَرْض وَلم يَنْقَطِع الجريان
فَهُوَ جَار وَإِلَّا فَلَا
وَأَصَح مَا قيل فِيهِ إِن المَاء الْجَارِي مَا يعده النَّاس جَارِيا
وَأما إِذا كَانَ المَاء راكدا فقد اخْتلف الْعلمَاء فِيهِ قَالَ أَصْحَاب
الظَّوَاهِر بِأَن المَاء لَا ينجس بِوُقُوع النَّجَاسَة فِيهِ كَيْفَمَا
كَانَ لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام المَاء طهُور لَا يُنجسهُ شَيْء
وَقَالَ عَامَّة الْعلمَاء إِن كَانَ المَاء قَلِيلا ينجس وَإِن كَانَ
كثيرا لَا ينجس
وَاخْتلفُوا فِي الْحَد الْفَاصِل بَينهمَا فَقَالَ مَالك إِن كَانَ بِحَال
يتَغَيَّر طعمه أَو لَونه أَو رِيحه فَهُوَ قَلِيل وَإِن كَانَ لَا
يتَغَيَّر فَهُوَ كثير
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا بلغ المَاء الْقلَّتَيْنِ فَهُوَ كثير لَا
يحْتَمل خبثا
(1/56)
لوُرُود الحَدِيث فِيهِ هَكَذَا
والقلتان عِنْده خمس قرب كل قربَة خَمْسُونَ منا فَيكون جملَته مِائَتَيْنِ
وَخمسين منا
وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا إِن كَانَ المَاء بِحَال يخلص بعضه إِلَى بعض فَهُوَ
قَلِيل وَإِن كَانَ لَا يخلص بعضه إِلَى بعض فَهُوَ كثير
وَاخْتلفُوا فِي تَفْسِير الخلوص اتّفقت الرِّوَايَات عَن أَصْحَابنَا
الْمُتَقَدِّمين أَنه يعْتَبر بِالتَّحْرِيكِ فَإِن تحرّك طرف مِنْهُ
بتحريك الْجَانِب الآخر فَهَذَا مِمَّا يخلص وَإِن كَانَ لَا يَتَحَرَّك
فَهُوَ مِمَّا لَا يخلص
وَلَكِن فِي رِوَايَة أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة يعْتَبر التحريك بالاغتسال
وَفِي رِوَايَة مُحَمَّد يعْتَبر التحريك بِالْوضُوءِ
والمشايخ الْمُتَأَخّرُونَ اعْتبر بَعضهم الخلوص بالصبغ وَبَعْضهمْ
بالتكدير وَبَعْضهمْ بالمساحة إِن كَانَ عشرا فِي عشر فَهُوَ مِمَّا لَا
يخلص وَإِن كَانَ دونه فَهُوَ مِمَّا يخلص وَبِه أَخذ مَشَايِخ بَلخ
وَذكر الشَّيْخ أَبُو الْحسن الْكَرْخِي فِي الْكتاب وَقَالَ لَا عِبْرَة
للتقدير فِي الْبَاب وَلَكِن يتحَرَّى فِي ذَلِك إِن كَانَ أكبر رَأْيه أَن
النَّجَاسَة وصلت إِلَى هَذَا الْموضع الَّذِي يتَوَضَّأ مِنْهُ لَا يجوز
وَإِن كَانَ أكبر رَأْيه أَنَّهَا لم تصل يجوز التوضئة بِهِ لِأَن غَالب
الرَّأْي دَلِيل عِنْد عدم الْيَقِين
هَذَا إِذا كَانَ لَهُ طول وَعرض فَأَما إِذا كَانَ لَهُ طول بِلَا عرض
كالأنهار الَّتِي فِيهَا مياه راكدة فَإِنَّهُ لَا ينجس بِوَقع النَّجَاسَة
فِيهِ
(1/57)
وَعَن أبي سُلَيْمَان الْجوزجَاني أَنه لَا
يتَوَضَّأ بِهِ
وَلَو تَوَضَّأ بِهِ إِنْسَان أَو وَقعت فِيهِ النَّجَاسَة إِن كَانَ فِي
أحد الطَّرفَيْنِ تنجس مِنْهُ مِقْدَار عشرَة أَذْرع وَإِن كَانَ فِي وَسطه
تنجس من كل جَانب عشرَة أَذْرع
وَأما العمق هَل يشْتَرط مَعَ الطول وَالْعرض عَن أبي سُلَيْمَان
الْجوزجَاني أَن أَصْحَابنَا اعتبروا الْبسط دون العمق
وَعَن أبي جَعْفَر الهنداوي إِن كَانَ بِحَال لَو رفع إِنْسَان المَاء
بكفيه ينحسر أَسْفَله فَهَذَا لَيْسَ بعميق وَإِن كَانَ لَا ينحسر فَهُوَ
عميق
وَقيل مِقْدَار شبر
وَقيل مِقْدَار ذِرَاع
ثمَّ إِذا كَانَت النَّجَاسَة غير مرئية بِأَن بَال فِيهِ إِنْسَان أَو
اغْتسل فِيهِ جنب اخْتلف الْمَشَايِخ فِيهِ
قَالَ مَشَايِخ الْعرَاق بِأَن حكم المرئية وَغير المرئية سَوَاء فِي أَنه
لَا يتَوَضَّأ من الْجَانِب الَّذِي وَقعت فِيهِ النَّجَاسَة وَإِنَّمَا
يتَوَضَّأ من الْجَانِب الآخر بِخِلَاف المَاء الْجَارِي
ومشايخنا فصلوا بَين الْأَمريْنِ كَمَا قَالُوا جَمِيعًا فِي المَاء
الْجَارِي وَهُوَ الْأَصَح
ثمَّ النَّجَاسَة إِذا وَقعت فِي المَاء الْقَلِيل فَلَا يَخْلُو إِمَّا
إِن كَانَ فِي الْأَوَانِي أَو فِي الْبِئْر أَو فِي الْحَوْض الصَّغِير
أما فِي الْأَوَانِي فتوجب التَّنْجِيس كَيْفَمَا كَانَت مستجسدة أَو مائعة
لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْأَوَانِي ضَرُورَة غالبة إِلَّا فِي البعرة إِذا
وَقعت فِي اللَّبن عِنْد الْحَلب إِذا رميت من ساعتها عِنْد مَشَايِخنَا
الْمُتَقَدِّمين لأجل
(1/58)
الضَّرُورَة وَهُوَ الصَّحِيح
فَأَما إِذا كَانَ فِي الْبِئْر فالواقع لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون
حَيَوَانا أَو غَيره من النَّجَاسَات
فَإِن كَانَ حَيَوَانا فَلَا يَخْلُو إِمَّا إِن أخرج حَيا أَو مَيتا
فَإِن أخرج حَيا إِن كَانَ نجس الْعين كالخنزير يجب نزح جَمِيع المَاء
وَفِي الْكَلْب اخْتلف الْمَشَايِخ فِيهِ هَل هُوَ نجس الْعين أم لَا
وَالصَّحِيح أَنه لَيْسَ بِنَجس الْعين
وَأما إِذا لم يكن نجس الْعين فَإِن كَانَ آدَمِيًّا فَإِنَّهُ لَا يُوجب
التَّنْجِيس إِلَّا إِذا كَانَ عَلَيْهِ نَجَاسَة بِيَقِين حَقِيقَة أَو
حكمِيَّة أَو نوى الْغسْل أَو الْوضُوء فِي جَوَاب ظَاهر الرِّوَايَة
وَهُوَ الصَّحِيح
وَأما سَائِر الْحَيَوَانَات فَإِن كَانَ لَا يُؤْكَل لَحْمه كسباع
الْوَحْش والطيور اخْتلف الْمَشَايِخ فِيهِ وَالصَّحِيح أَنه يُوجب
التَّنْجِيس
وَكَذَلِكَ الْحمار والبغل
وَالصَّحِيح أَنه يصير المَاء مشكوكا فِيهِ
وَإِن كَانَ حَيَوَانا يُؤْكَل لَحْمه لَا يُوجب التَّنْجِيس لِأَنَّهُ
طَاهِر
وَهَذَا كُله إِذا لم يتَيَقَّن أَن يكون على بدنه نَجَاسَة أَو على مخرجه
أَو لم يصل إِلَى المَاء شَيْء من لعابه
فَأَما إِذا تَيَقّن يصير المَاء نجسا فِي النَّجَاسَة وَفِي اللعاب يصير
حكم المَاء حكم اللعاب
فَأَما إِذا خرج مَيتا فَإِن كَانَ منتفخا أَو متفسخا ينْزح مَاء الْبِئْر
كُله لِأَنَّهُ تَيَقّن بوصول شَيْء من النَّجَاسَة إِلَيْهِ
وَإِن لم يكن منتفخا وَلَا متفسخا ذكر فِي ظَاهر الرِّوَايَة على ثَلَاث
مَرَاتِب
(1/59)
فِي الْفَأْرَة وَنَحْوهَا ينْزح عشرُون
دلوا أَو ثَلَاثُونَ
وَفِي الدَّجَاجَة وَنَحْوهَا ينْزح أَرْبَعُونَ أَو خَمْسُونَ
وَفِي الْآدَمِيّ وَنَحْوه ينْزح مَاء الْبِئْر كُله
وروى الْحسن عَن أبي حنيفَة أَنه جعله على خمس مَرَاتِب فِي الحلمة
وَنَحْوهَا ينْزح عشر دلاء
وَفِي الْفَأْرَة وَنَحْوهَا عشرُون
وَفِي الْحمام وَنَحْوه ثَلَاثُونَ
وَفِي الدَّجَاجَة وَنَحْوهَا أَرْبَعُونَ
وَفِي الأدمِيّ وَنَحْوه ينْزح مَاء الْبِئْر كُله
وَإِنَّمَا ثبتَتْ هَذِه الْمَرَاتِب بِإِجْمَاع الصَّحَابَة توقيفا
لِأَنَّهَا لَا تعرف بِالِاجْتِهَادِ
وَهَذَا إِذا كَانَ الْوَاقِع وَاحِدًا فَإِن كَانَ أَكثر رُوِيَ عَن أبي
يُوسُف أَنه قَالَ فِي الْفَأْرَة وَنَحْوهَا عشرُون إِلَى الْأَرْبَع
فَإِذا بلغ خمْسا ينْزح أَرْبَعُونَ إِلَى التسع فَإِذا بلغ عشرا ينْزح
مَاء الْبِئْر كُله
وَعَن محمدأنه قَالَ فِي الفأرتين ينْزح عشرُون
وَفِي الثَّلَاث أَرْبَعُونَ وَإِذا كَانَت الفأرتان كَهَيئَةِ الدَّجَاج
ينْزح أَرْبَعُونَ
وَأما إِذا كَانَ الْوَاقِع غير الْحَيَوَان من الأنجاس فَلَا يَخْلُو
إِمَّا إِن كَانَ مستجمدا أَو غير مستجمد
فَإِن كَانَ غير مستجمد كالبول وَالدَّم ينْزح مَاء الْبِئْر كُله
وَإِن كَانَ مستجمدا ينظر إِن كَانَ رخوا متخلخل الْأَجْزَاء كالعذرة وخرء
الدَّجَاج وَنَحْوهمَا ينْزح مَاء الْبِئْر كُله رطبا كَانَ أَو يَابسا قل
أَو كثر
وَإِن كَانَ صلبا نَحْو بعر الْإِبِل وَالْغنم ذكر فِي ظَاهر الرِّوَايَة
وَقَالَ الْقيَاس أَن ينجس قل أَو كثر
وَفِي الِاسْتِحْسَان ينجس فِي
(1/60)
الْكثير دون الْقَلِيل وَلم يفصل بَين
الرطب واليابس وَالصَّحِيح والمنكسر
وَاخْتلف الْمَشَايِخ فِي الرطب ذكر فِي النَّوَادِر أَنه ينجس كَذَا ذكر
الْحَاكِم الْجَلِيل الشَّهِيد فِي الإشارات
وَعَن الشَّيْخ الإِمَام أبي بكر مُحَمَّد بن الْفضل البُخَارِيّ أَن الرطب
واليابس سَوَاء لوُجُود الضَّرُورَة فِي الْجُمْلَة
وَكَذَا اخْتلفُوا فِي الْيَابِس المنكسر وَالصَّحِيح أَنه لَا ينجس لِأَن
الضَّرُورَة فِي المنكسر أَشد
وَأما فِي رَوْث الْحمار والبغل وَالْفرس وأخثاء الْبَقر فقد رُوِيَ عَن
أبي يُوسُف رَحمَه الله أَنه قَالَ فِي الروث الْيَابِس إِذا وَقع فِي
الْبِئْر ثمَّ أخرج من سَاعَته لَا يُوجب التَّنْجِيس
وَاخْتلف الْمَشَايِخ قَالَ بَعضهم إِن كَانَ رطبا أَو يَابسا منكسرا يُوجب
التَّنْجِيس وَإِلَّا فَلَا
وَقيل إِن كَانَ فِي مَوضِع يتَحَقَّق الضَّرُورَة فِيهَا كَمَا فِي البعر
فَالْجَوَاب سَوَاء وَإِلَّا فَلَا
وَاخْتلفُوا أَيْضا فِي الْبِئْر إِذا كَانَت فِي الْمصر
وَالصَّحِيح أَنه لَا فرق بَين الْحَالين لِأَن الضَّرُورَة قد تقع فِي
الْمصر فِي الْجُمْلَة أَيْضا
ثمَّ لم يذكر فِي ظَاهر الرِّوَايَة الْحَد الْفَاصِل بَين الْقَلِيل
وَالْكثير
وَرُوِيَ عَن أبي حنيفَة أَنه قَالَ مَا استكثره النَّاس فَهُوَ كثير وَمَا
استقلوه فَهُوَ قَلِيل
وَعَن مُحَمَّد أَنه اعْتبر الرّبع بِأَن يَأْخُذ ربع وَجه المَاء
(1/61)
وَقيل إِن كَانَ لَا يَخْلُو كل دلو عَن
بَعرَة أَو بعرتين فَهُوَ كثير وَإِلَّا فَلَا
وَقَالَ بَعضهم إِن أَخذ أَكثر وَجه المَاء فَهُوَ كثير
وَقيل مَا لم يَأْخُذ جَمِيع وَجه المَاء لَا يكون كثيرا
وَقَالَ بَعضهم الثَّلَاث كثير
وَهُوَ فَاسد فَإِنَّهُ ذكر فِي ظَاهر الرِّوَايَة وَقَالَ فِي البعرة
والبعرتين من بعر الْإِبِل وَالْغنم إِذا وَقعت فِي الْبِئْر لَا يفْسد
المَاء مَا لم يكن كثيرا فَاحِشا وَالثَّلَاث لَيْسَ بِكَثِير فَاحش
ثمَّ الْحَيَوَان إِذا مَاتَ فِي الْمَائِع الْقَلِيل فَلَا يَخْلُو إِمَّا
إِن كَانَ لَهُ دم سَائل أَو لم يكن وَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون بريا
أَو مائيا وَلَا يَخْلُو إِمَّا إِن مَاتَ فِي المَاء أَو فِي غير المَاء
أما إِذا لم يكن لَهُ دم سَائل فَإِنَّهُ لَا ينجس بِالْمَوْتِ وَلَا ينجس
مَا يَمُوت فِيهِ من الْمَائِع كَيْفَمَا كَانَ عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ
إِلَّا فِيمَا فِيهِ ضَرُورَة على مَا ذكرنَا
فَأَما إِذا كَانَ لَهُ دم سَائل فَإِن كَانَ بريا ينجس بِالْمَوْتِ
وينجس الْمَائِع الَّذِي يَمُوت فِيهِ لِأَن الدَّم السَّائِل نجس فينجس
مَا يخالطه
وَأما إِذا كَانَ مائيا فَإِن مَاتَ فِي المَاء
لَا يُوجب التَّنْجِيس كالضفدع المائي والسمك والسرطان وَنَحْو ذَلِك
عندنَا
وَعند الشَّافِعِي يُوجب التَّنْجِيس إِلَّا فِي السّمك خَاصَّة فِي حق
الْأكل
فَأَما إِذا سَالَ مِنْهُ الدَّم أصَاب الثَّوْب أَكثر من قدر الدِّرْهَم
يُوجب التَّنْجِيس
وَالصَّحِيح قَوْلنَا لِأَن المائي لَا دم لَهُ حَقِيقَة وَإِن كَانَ يشبه
صُورَة
(1/62)
الدَّم لِأَن الدموي لَا يعِيش فِي المَاء
وَأما إِذا مَاتَ فِي غير المَاء ذكرالكرخيعن أَصْحَابنَا أَن كل مَا لَا
يفْسد المَاء لَا يفْسد غير المَاء
وَكَذَا روى هِشَام عَنْهُم
وَاخْتلف الْمَشَايِخ الْمُتَأَخّرُونَ فَمن مَشَايِخ بَلخ أَنه يُوجب
التَّنْجِيس لِأَنَّهُ مَاتَ فِي غير معدنه ومظانه بِخِلَاف المائي
وَعَن أبي عبد الله الثَّلْجِي وَمُحَمّد بن مقَاتل الرَّازِيّ أَنه لَا
يُوجب وَهُوَ الْأَصَح لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ دم حَقِيقَة لَكِن يحرم أكله
لفساد الْغذَاء وخبثه
وَيَسْتَوِي الْجَواب بَين المنفسخ وَغَيره إِلَّا أَنه يكره شرب الْمَائِع
لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَن أَجزَاء مَا يحرم أكله
ثمَّ الْحَد الْفَاصِل بَين المائي والبري أَن المائي هُوَ الَّذِي لَا
يعِيش إِلَّا فِي المَاء والبري هُوَ الَّذِي لَا يعِيش إِلَّا فِي الْبر
فَأَما الَّذِي يعِيش فيهمَا جَمِيعًا كالبط والأوز وَنَحْو ذَلِك فقد
أَجمعُوا على أَنه إِذا مَاتَ فِي غير المَاء يُوجب التَّنْجِيس وَإِن
مَاتَ فِي المَاء فقد روى الْحسن عَن أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ أَنه
يفْسد المَاء
هَذَا الَّذِي ذكرنَا حكم وُقُوع النَّجس فِي الْمَائِع
فَأَما إِذا أصَاب الْبدن أَو الثَّوْب أَو الْمَكَان فَحكم الْمَكَان
نذكرهُ فِي مَوْضِعه
(1/63)
وَأما حكم الثَّوْب وَالْبدن فَلَا يَخْلُو
أما إِن كَانَت النَّجَاسَة غَلِيظَة أَو خَفِيفَة قَليلَة أَو كَثِيرَة
أما النَّجَاسَة القليلة فَلَا تمنع جَوَاز الصَّلَاة غَلِيظَة أَو
خَفِيفَة اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاس أَن تمنع جَوَاز الصَّلَاة وَهُوَ قَول
زفر وَالشَّافِعِيّ إِلَّا إِذا كَانَت لَا تأخذها الْعين أَو مَا لَا
يُمكن الِاحْتِرَاز عَنهُ كَدم البق والبراغيث وَالْقِيَاس مَتْرُوك لِأَن
الضَّرُورَة فِي الْقَلِيل عَامَّة
وَأما النَّجَاسَة الْكَثِيرَة فتمنع جَوَاز الصَّلَاة لعدم الضَّرُورَة
وَالْحَد الْفَاصِل بَين الْقَلِيل وَالْكثير فِي النَّجَاسَة الغليظة هُوَ
أَن يكون أَكثر من قدر الدِّرْهَم الْكَبِير فَيكون الدِّرْهَم وَمَا دونه
قَلِيلا
وَلم يذكر فِي ظَاهر الرِّوَايَة صَرِيحًا أَن المُرَاد من الدِّرْهَم
الْكَبِير من حَيْثُ الْعرض والمساحة أَو من حَيْثُ الْوَزْن وَذكر فِي
النَّوَادِر الدِّرْهَم الْكَبِير مَا يكون عرض الْكَفّ
وَذكر الْكَرْخِي مِقْدَار مساحة الدِّرْهَم الْكَبِير
وَفِي كتاب الصَّلَاة الدِّرْهَم الْكَبِير المثقال فَهَذَا إِشَارَة إِلَى
أَن الْعبْرَة للوزن
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر الهنداوي لما اخْتلفت عِبَارَات مُحَمَّد رَحْمَة
الله عَلَيْهِ فِي هَذَا فنوفق فَنَقُول أَرَادَ بِذكر الْعرض تَقْدِير
الْمَائِع كالبول وَنَحْوه وبذكر الْوَزْن تَقْدِير المستجسد كالعذرة
وَنَحْوهَا فَإِن كَانَت أَكثر من مِثَال ذهب وزنا تمنع جَوَاز الصَّلَاة
وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ الْمُخْتَار عِنْد مَشَايِخنَا وَهُوَ الْأَصَح
وَأما حد الْكثير فِي النَّجَاسَة الْخَفِيفَة فَهُوَ الْكثير الْفَاحِش
وَلم يذكر حَده فِي ظَاهر الرِّوَايَة
وَاخْتلفت الرِّوَايَات فِيهِ عَن أبي حنيفَة
رُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنه قَالَ سَأَلت أَبَا حنيفَة رَضِي الله عَنهُ
عَن
(1/64)
الْكثير الْفَاحِش فكره أَن يجد فِيهِ حدا
وَقَالَ الْكثير الْفَاحِش مَا يستفحشه النَّاس ويستكثرونه
وروى الْحسن عَنهُ أَنه قَالَ شبر فِي شبر
وَذكر الْحَاكِم فِي مُخْتَصره عَن أبي حنيفَة وَمُحَمّد الرّبع وَهُوَ
الْأَصَح لِأَن للربع حكم الْكل فِي أَحْكَام الشَّرْع
وَاخْتلف الْمَشَايِخ فِي تَفْسِير الرّبع قيل ربع جَمِيع الثَّوْب
وَالْبدن
وَقيل ربع كل عُضْو وطرف أَصَابَته النَّجَاسَة من الْيَد وَالرجل والكم
وَهُوَ الْأَصَح
ثمَّ اخْتلف أَصْحَابنَا فِي تَفْسِير النَّجَاسَة الغليظة والخفيفة قَالَ
أَبُو حنيفَة الغليظة كل مَا ورد فِي النَّص على نَجَاسَته وَلم يرد نَص
آخر على طَهَارَته مُعَارضا لَهُ وَإِن اخْتلف الْعلمَاء فِيهِ
والخفيفة مَا تعَارض النصان فِي طَهَارَته ونجاسته
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد الغليظة مَا وَقع الْإِجْمَاع على نجاستها
والخفيفة مَا اخْتلف الْعلمَاء فِيهَا
فعلى قَول أبي حنيفَة الأرواث كلهَا نَجِسَة نَجَاسَة غَلِيظَة لما رُوِيَ
عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام طلب
مِنْهُ لَيْلَة الْجِنّ أَحْجَار الِاسْتِنْجَاء فَأتى بحجرين وروثة فَأخذ
الحجرين وَرمى بالروثة وَقَالَ إِنَّهَا ركس أَي نجس وَلَيْسَ لَهُ نَص
معَارض
وعَلى قَوْلهمَا نجاستها خَفِيفَة لاخْتِلَاف الْعلمَاء فِيهَا
وَبَوْل مَا لَا يُؤْكَل لَحْمه نجس نَجَاسَة غَلِيظَة بِالْإِجْمَاع على
اخْتِلَاف الْأَصْلَيْنِ
(1/65)
وَبَوْل مَا يُؤْكَل لَحْمه نجس نَجَاسَة
خَفِيفَة بالِاتِّفَاقِ أما عِنْده فلتعارض النصين وَهُوَ حَدِيث العرنيين
مَعَ حَدِيث عمار وَغَيره فِي الْبَوْل مُطلقًا
وَعِنْدَهُمَا لاخْتِلَاف الْعلمَاء فِيهِ
وَأما العذرات وخرء الدَّجَاج والبط فغليظة بِالْإِجْمَاع لما ذكرنَا من
الْأَصْلَيْنِ
وَالله أعلم
وَأما الَّذِي يَقع بِهِ التَّطْهِير فأنواع من ذَلِك المَاء الْمُطلق
فَنَقُول لَا خلاف أَن المَاء الْمُطلق يحصل بِهِ الطَّهَارَة
الْحَقِيقِيَّة والحكمية جَمِيعًا قَالَ الله تَعَالَى {كل زوج كريم}
وَأما المَاء الْمُقَيد وَمَا سوى المَاء من الْمَائِعَات الطاهرة
فَإِنَّهُ لَا يحصل بِهِ الطَّهَارَة الْحكمِيَّة بالِاتِّفَاقِ
أما الطَّهَارَة الْحَقِيقِيَّة وَهِي إِزَالَة النَّجَاسَة فقد قَالَ
أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف يحصل بهَا
وقالمحمد وَزفر وَالشَّافِعِيّ لَا يحصل وَهِي مَسْأَلَة مَعْرُوفَة
وَهَذَا إِذا كَانَ مَائِعا ينعصر بالعصر
فَأَما إِذا كَانَ لَا ينعصر بالعصر مثل الْعَسَل وَالسمن والدهن فَإِنَّهُ
لَا يزِيل
ثمَّ الْفرق بَين المَاء الْمُطلق والمقيد أَن المَاء الْمُطلق مَا تسارع
أفهام النَّاس إِلَيْهِ عِنْد إِطْلَاق اسْم المَاء كَمَاء الْعُيُون
والآبار والغدران وَمَاء الْبَحْر وَالْمَاء الَّذِي ينزل من السَّمَاء
وَيَسْتَوِي فِيهِ العذب والأجاج
(1/66)
وَأما الْمُقَيد فَهُوَ المَاء الَّذِي
يسْتَخْرج من الْأَشْيَاء الطاهرة الرّطبَة بالعلاج كَمَاء الْأَشْجَار
وَالثِّمَار وَنَحْوهمَا
وَأما المَاء الْمُطلق إِذا اخْتَلَط بِهِ شَيْء من الْمَائِعَات الطاهرة
على وَجه يَزُول بِهِ اسْم المَاء وَمَعْنَاهُ بالطبخ وَغَيره فَإِن صَار
مَغْلُوبًا بِهِ فَهُوَ مُلْحق بِالْمَاءِ الْمُقَيد غير أَنه يعْتَبر
الْغَلَبَة أَولا من حَيْثُ اللَّوْن أَو الطّعْم ثمَّ من حَيْثُ الْأجر
الْأَجْزَاء فَينْظر إِن كَانَ شَيْئا يُخَالف لَونه لون المَاء مثل
اللَّبن والخل والعصير وَمَاء الزَّعْفَرَان والعصفر والزردج وَمَاء النشا
وَنَحْوهَا فَإِن الْعبْرَة فِيهِ للون فَإِن كَانَت الْغَلَبَة للون
المَاء يجوز التوضي بِهِ
وَإِن كَانَ مَغْلُوبًا لَا يجوز
وَإِن كَانَ يُوَافق لَونه لون المَاء نَحْو مَاء الْبِطِّيخ وَمَاء
الْأَشْجَار فَإِن الْعبْرَة فِيهِ للطعم فَإِن كَانَ شَيْئا لَهُ طعم
يظْهر فِي المَاء فَإِن كَانَ الْغَالِب طعم ذَلِك الشَّيْء لَا يجوز
التوضي بِهِ وَذَلِكَ نَحْو نَقِيع الزَّبِيب وَسَائِر الأنبذة وَكَذَلِكَ
مَاء الباقلي والمرقة وَمَاء الْورْد وَنَحْوهَا
وَإِن كَانَ شَيْئا لَا يظْهر طعمه فِي المَاء فَإِن الْعبْرَة فِيهِ
لِكَثْرَة الْأَجْزَاء إِن كَانَت أَجزَاء المَاء أَكثر يجوز التوضي بِهِ
وَإِلَّا فَلَا
وَهَذَا إِذا كَانَ شَيْئا لَا يقْصد بِهِ زِيَادَة التَّطْهِير
فَأَما إِذا كَانَ شَيْئا يطْبخ المَاء بِهِ أَو يخلط لزِيَادَة
التَّطْهِير فَإِنَّهُ لَا يمْنَع التوضي بِهِ وَإِن تغير لون المَاء وطعمه
وَذَلِكَ نَحْو مَاء الصابون وَمَاء الأشنان إِلَّا إِذا صَار غليظا لَا
يُمكن تسييله على الْعُضْو فَإِنَّهُ لَا يجوز لِأَنَّهُ زَالَ عَنهُ اسْم
المَاء وَمَعْنَاهُ
وَهَذَا كُله فِي غير حَالَة الضَّرُورَة
فَأَما عِنْد الضَّرُورَة فَيجوز التوضي بِهِ
وَإِن تغير بامتزاج غَيره من حَيْثُ الطّعْم واللون بِأَن وَقعت الأوراق
(1/67)
وَالثِّمَار فِي الْحِيَاض حَتَّى تغير
فَإِنَّهُ يجوز التوضي بِهِ لِأَنَّهُ يتَعَذَّر صِيَانة الْحِيَاض عَنْهَا
وَكَذَلِكَ إِذا اخْتَلَط بِهِ الطين الطَّاهِر أَو التُّرَاب الطَّاهِر
وَتغَير المَاء إِلَى الكدرة يجوز التوضي بِهِ لِأَن المَاء فِي الْأَغْلَب
يجْرِي على التُّرَاب إِلَّا إِذا صَار غليظا
وَكَذَلِكَ الجص والنورة والنفط والكبريت لِأَنَّهَا من أَجزَاء الأَرْض
وَالْمَاء يَنْبع مِنْهَا
فَأَما إِذا تغير بِمُضِيِّ الزَّمَان لَا بالاختلاط بِشَيْء آخر من حَيْثُ
اللَّوْن والطعم فَإِنَّهُ يجوز التوضي بِهِ لِأَنَّهُ لم يزل معنى المَاء
واسْمه
وَكَذَلِكَ إِذا طبخ المَاء وَحده لِأَن اسْم المَاء بَاقٍ وازداد بِهِ
معنى التَّطْهِير
وعَلى هَذَا الأَصْل يخرج قَول أبي يُوسُف فِي نَبِيذ التَّمْر أَنه لَا
يجوز التوضي بِهِ لتغير المَاء من حَيْثُ الطّعْم كَمَا فِي سَائِر الأنبذة
وعَلى قَول مُحَمَّد يجمع بَينهمَا
وَأَصله حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ كنت مَعَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة الْجِنّ فَقَالَ لي هَل مَعَك
مَاء يَا ابْن مَسْعُود فَقلت لَا إِلَّا نَبِيذ تمر فِي إداواة فَقَالَ
عَلَيْهِ السَّلَام ثَمَرَة طيبَة وَمَاء طهُور فَأَخذه وَتَوَضَّأ بِهِ
فصح هَذَا الحَدِيث عِنْد أبي حنيفَة وَلم يثبت نسخه فَأخذ بِهِ وَترك
الْقيَاس وَلم يثبت الحَدِيث عِنْد أبي يُوسُف أَو ثَبت نسخه فَأخذ
بِالْقِيَاسِ واشتبه الْأَمر عِنْد مُحَمَّد فَجمع بَينهمَا احْتِيَاطًا
ثمَّ عِنْد مُحَمَّد أَيهمَا قدم أَو أخر جَازَ خلافًا لزفَر كَمَا فِي
السؤر الْمَشْكُوك فِيهِ
(1/68)
ثمَّ لم يذكر مُحَمَّد تَفْسِير نَبِيذ
التَّمْر الَّذِي فِيهِ الْخلاف فِي ظَاهر الرِّوَايَات وَإِنَّمَا ذكر
الْخلاف فِي النَّوَادِر فَقَالَ على قَول أبي حنيفَة إِنَّمَا يجوز التوضي
بنبيذ التَّمْر إِذا كَانَ رَقِيقا يسيل مثل مَاء الزَّبِيب فَأَما إِذا
كَانَ غليظا مثل الرب فَلَا يجوز
ثمَّ النيء مِنْهُ إِذا كَانَ حلوا رَقِيقا لَا يشكل أَنه يجوز الْوضُوء
بِهِ
وَإِن كَانَ مرا لَا يشكل أَنه لَا يجوز لِأَنَّهُ مُسكر
وَأما إِذا كَانَ مطبوخا أدنى طبخه وَكَانَ رَقِيقا ذكر فِي الْكتاب
عنالكرخيأنه قَالَ يجوز التوضي بِهِ حلوا كَانَ أَو مُسكرا
وَعَن أبي طَاهِر الدباس أَنه قَالَ لَا يجوز التوضي بالمطبوخ مِنْهُ حلوا
كَانَ أَو مُسكرا وهذ القَوْل أصح
وَأما سَائِر الأنبذة فَلَا يجوز التوضي بهَا عِنْد عَامَّة الْعلمَاء
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَغَيره يجوز اسْتِدْلَالا بنبيذ التَّمْر
وَالصَّحِيح قَول الْعَامَّة لِأَن الْقيَاس أَن لَا يجوز التوضي بِهِ
لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَاء مُطلق وَلِهَذَا لَا يجوز التوضي بِهِ إِذا قدر
على المَاء الْمُطلق وَإِنَّمَا جوز أَبُو حنيفَة التوضي بِهِ بِالْحَدِيثِ
وَأَنه ورد فِي نَبِيذ التَّمْر فَبَقيَ الْبَاقِي على أصل الْقيَاس
وَمِنْهَا الفرك والحث بعد الْجَفَاف فِي بعض الأنجاس فِي بعض الْمحَال
فَنَقُول
(1/69)
لَا خلاف أَن الْمَنِيّ إِذا أصَاب
الثَّوْب وجف فَإِنَّهُ يطهر بالفرك اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقيَاس لَا يطهر
فَأَما إِذا كَانَ رطبا فَلَا يطهر إِلَّا بِالْغسْلِ
وَأَصله حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لعَائِشَة
رَضِي الله عَنْهَا إِذا رَأَيْت الْمَنِيّ فِي ثَوْبك إِن كَانَ رطبا
فاغسليه وَإِن كَانَ يَابسا فافركيه
وَأما إِذا كَانَ على الْبدن وجف
هَل يطهر بالفرك روى الْحسن عَن أبي حنيفَة أَنه لَا يطهر
وَذكر الْكَرْخِي وَقَالَ بِأَنَّهُ يطهر لِأَن النَّص الْوَارِد فِي
الثَّوْب يكون واردا فِي الْبدن بطرِيق الأولى لِأَنَّهُ أقل تشربا من
الثَّوْب
وَأما سَائِر النَّجَاسَات إِذا أَصَابَت الثَّوْب وَالْبدن وَنَحْوهمَا
فَلَا تَزُول إِلَّا بِالْغسْلِ بِلَا خلاف كَيْفَمَا كَانَت يابسة أَو
رطبَة لَهَا جرم أَو سَائِلَة
فَأَما إِذا أَصَابَت الْخُف والنعل وَنَحْوهمَا فَإِن كَانَت رطبَة لَا
تَزُول إِلَّا بِالْغسْلِ
وَإِن كَانَت يابسة فَإِن كَانَت لَهَا جرم كثيف مثل السرقين والعذرة
وَالدَّم الغليظ وَالْغَائِط والمني يطهر بالحت وَإِن لم يكن لَهَا جرم
كثيف نَحْو الْبَوْل وَالْخمر وَالْمَاء النَّجس لم يطهر إِلَّا بِالْغسْلِ
وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف
وَقَالَ مُحَمَّد لَا يطهر بالفرك وَهُوَ أحد قولي الشَّافِعِي إِلَّا فِي
الْمَنِيّ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَن محمدأنه قَالَ فِي الْمَنِيّ إِذا يبس يطهر
بالفرك هَهُنَا كَمَا فِي الثَّوْب بطرِيق الأولى
وَأما إِذا أَصَابَت النَّجَاسَة شَيْئا صلبا صقيلا كالسيف والمرآة
وَنَحْوهمَا فَمَا دَامَت رطبَة لَا يطهر إِلَّا بِالْغسْلِ فَإِن جَفتْ
أَو جففت
(1/70)
بِالْمَسْحِ بِالتُّرَابِ يطهر بالحت
لِأَنَّهُ لم يدْخل فِي أَجْزَائِهِ شَيْء من الرُّطُوبَة وَظَاهره يطهر
بِالْمَسْحِ
وَأما الأَرْض إِذا أصابتها النَّجَاسَة فجفت وَذهب أَثَرهَا جَازَت
الصَّلَاة عَلَيْهَا عندنَا خلافًا لزفَر وَالشَّافِعِيّ
وَالصَّحِيح قَوْلنَا لِأَن مُعظم النَّجَاسَة قد زَالَ فَيجْعَل الْيَسِير
عفوا فِي حق جَوَاز الصَّلَاة
وَأما التَّيَمُّم على هَذَا التُّرَاب فِي ظَاهر الرِّوَايَة لَا يجوز
لِأَن النَّجَاسَة الْيَسِيرَة جعلت عفوا فِي حق جَوَاز الصَّلَاة لَا فِي
حق الطَّهَارَة بِهِ كَمَا فِي المَاء
وَفِي رِوَايَة يجوز التَّيَمُّم عَلَيْهَا
وَمِنْهَا الدّباغ والذكاة أما الدّباغ فتطهير فِي الْجُلُود كلهَا إِلَّا
فِي جلد الْإِنْسَان وَالْخِنْزِير عِنْد عَامَّة الْعلمَاء
وَقَالَ مَالك جلد الْميتَة لَا يطهر بالدباغ لكنه يجوز اسْتِعْمَاله فِي
الجامد دون الْمَائِع بِأَن يَجْعَل جرابا للحبوب دون السّمن والدبس
وَالْمَاء
وَقَالَ عَامَّة أَصْحَاب الحَدِيث لَا يطهر إِلَّا جلد مَا يُؤْكَل لَحْمه
وَقَالَ الشَّافِعِي مثل قَوْلنَا إِلَّا فِي جلد الْكَلْب لِأَنَّهُ نجس
الْعين عِنْده كالخنزير
وَالصَّحِيح قَوْلنَا لما رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه
قَالَ أَيّمَا إهَاب دبغ فقد طهر كَالْخمرِ تخَلّل فَتحل وَلما ذكر أَن
نَجَاسَة الْميتَة لَهَا
(1/71)
فِيهَا من الرطوبات وَالدَّم السَّائِل
وَأَنَّهَا تَزُول بالدباغ فَيجب أَن تطهر كَالثَّوْبِ النَّجس إِذا غسل
ثمَّ قَوْله إِلَّا جلد الْخِنْزِير وَالْإِنْسَان جَوَاب ظَاهر قَول
أَصْحَابنَا
وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَن الْجُلُود كلهَا تطهر بالدباغ
ومشايخنا قَالُوا أما الْخِنْزِير فَهُوَ نجس الْعين لَا بِاعْتِبَار مَا
فِيهِ من الرطوبات وَالدَّم فَكَانَ وجود الدّباغ فِي حَقه كَالْعدمِ وَأما
جلد الْآدَمِيّ إِذا دبغ فاندبغ فَإِنَّهُ يجب أَن يطهر على الْحَقِيقَة
لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَجس الْعين وَلَكِن لَا يجوز الِانْتِفَاع بِهِ
لِحُرْمَتِهِ
أما الذَّكَاة فَنَقُول الْحَيَوَان إِذا ذبح إِن كَانَ مَأْكُول اللَّحْم
يطهر بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ إِلَّا الدَّم
وَإِن كَانَ غير مَأْكُول اللَّحْم فَمَا يطهر من الْميتَة نَحْو الشّعْر
وَأَمْثَاله يطهر مِنْهُ وَمَا لَا يطهر من الْميتَة نَحْو اللَّحْم والشحم
وَالْجَلد وَهل يطهر بالذكاة أم لَا على قَول الشَّافِعِي لَا يطهر
وَأما عندنَا فقد ذكر الكرخيوق ال كل حَيَوَان يطهر جلده بالدباغ يطهر جلده
بالذكاة فَهَذَا يدل على أَن جَمِيع أَجْزَائِهِ تطهر
وَقَالَ بعض مَشَايِخنَا وَبَعض مَشَايِخ بَلخ إِن كل حَيَوَان يطهر جلده
بالدباغ يطهر جلده بالذكاة فَأَما اللَّحْم والشحم وَنَحْوهمَا فَلَا يطهر
بالذكاة
وَالصَّحِيح هُوَ الأول لِأَن الذَّكَاة أُقِيمَت مقَام زَوَال الدَّم
المسفوح كُله ونجاسة الْحَيَوَان لأجل الدَّم والرطوبات الَّتِي لَا
تَخْلُو أجزاؤه عَنْهَا
وَمِنْهَا تَطْهِير الْبِئْر وَذَلِكَ باستخراج الْوَاقِع فِيهِ ونزح مَا
وَجب
(1/72)
من عدد الدلاء أَو نزح جَمِيع المَاء
عرفنَا ذَلِك بِإِجْمَاع الصَّحَابَة
ثمَّ إِذا وَجب نزح جَمِيع المَاء من الْبِئْر يَنْبَغِي أَن يسد منابع
المَاء وينزح مَا فِيهَا من المَاء النَّجس
وَإِن كَانَ لَا يُمكن سد منابعه لغَلَبَة المَاء فَإِنَّهُ ينْزح جَمِيع
المَاء بطرِيق الحزر وَالِاجْتِهَاد
وَلم يذكر فِي ظَاهر الرِّوَايَة كم ينْزح عِنْد غَلَبَة المَاء
وَرُوِيَ عَن أبي حنيفَة فِي غير رِوَايَة الْأُصُول أَنه ينْزح مائَة دلو
وَفِي رِوَايَة مِائَتَا دلو
وَعَن مُحَمَّد أَنه ينْزح مِائَتَا دلو أَو ثَلَاثمِائَة دلو
وَقد تكلم الْمَشَايِخ فِيهِ
والأوفق مَا رُوِيَ عَن أبي نصر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن سَلام أَنه قَالَ
يُؤْتى برجلَيْن لَهما بصارة بِالْمَاءِ ثمَّ ينْزح مِقْدَار مَا حكما بِهِ
لِأَن مَا يعرف بِالِاجْتِهَادِ يجب أَن يرجع فِيهِ إِلَى أهل الِاجْتِهَاد
فِي ذَلِك الْبَاب
وَاخْتلف الْمَشَايِخ فِي الدَّلْو الَّذِي ينْزح بِهِ المَاء النَّجس من
الْبِئْر قَالَ بَعضهم يعْتَبر فِي كل بِئْر دلوها صَغِيرا كَانَ أَو
كَبِيرا
وروى الْحسن عَن أبي حنيفَة أَنه يعْتَبر دلو يسع قدر صَاع
وَقيل الْمُعْتَبر هُوَ الدَّلْو الْمُتَوَسّط بَين الصَّغِير وَالْكَبِير
وَأما حكم طَهَارَة الدَّلْو والرشاء فقد رُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنه
سُئِلَ عَن الدَّلْو الَّذِي ينْزح بِهِ المَاء النَّجس من الْبِئْر أيغسل
قَالَ لَا بل يطهره مَا يطهر الْبِئْر
وَعَن الْحسن بن زِيَاد أَنه قَالَ إِذا طهرت الْبِئْر يطهر الدَّلْو
والرشاء كَمَا يطهر طين الْبِئْر وَالله أعلم
وَمِنْهَا تَطْهِير الْحَوْض الصَّغِير إِذا تنجس وَاخْتلف الْمَشَايِخ
فِيهِ
(1/73)
قَالَ أَبُو بكر الْأَعْمَش إِذا دخل
المَاء فِيهِ وَخرج مِنْهُ مِقْدَار مَا كَانَ فِيهِ ثَلَاث مَرَّات
فَإِنَّهُ يطهر وَيصير ذَلِك بِمَنْزِلَة الْغسْل لَهُ ثَلَاثًا
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر الهنداوي رَحمَه الله إِذا دخل فِيهِ المَاء
الطَّاهِر وَخرج بعضه يحكم بِطَهَارَتِهِ لِأَنَّهُ صَار مَاء جَارِيا فَلم
يستيقن بِبَقَاء النَّجس فِيهِ وَبِه أَخذ الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث
وَقيل إِذا خرج مِنْهُ مِقْدَار المَاء النَّجس يطهر كالبئر إِذا تنجست
تطهر بنزح مَا فِيهَا من المَاء
وعَلى هَذَا أَيْضا الْجَواب فِي حَوْض الْحمام أَو الْأَوَانِي إِذا تنجست
وَأما بَيَان طَرِيق التَّطْهِير بِالْغسْلِ فَنَقُول لَا خلاف أَنه يطهر
النَّجس بِالْغسْلِ فِي المَاء الْجَارِي
وَكَذَلِكَ بِالْغسْلِ بصب المَاء عَلَيْهِ
فَأَما الْغسْل فِي الْأَوَانِي هَل يطهره أم لَا على قَول أبي حنيفَة
وَمُحَمّد يطهر
وعَلى قَول أبي يُوسُف فِي الْبدن لَا يطهره رِوَايَة وَاحِدَة وَفِي
الثَّوْب عَنهُ رِوَايَتَانِ وَالْمَسْأَلَة مَعَ الْفُرُوع مَذْكُورَة فِي
الْجَامِع الْكَبِير
وَأما شَرَائِط التَّطْهِير بِالْمَاءِ فَمِنْهَا الْعدَد فِي نَجَاسَة غير
مرئية وَبَيَان ذَلِك أَنه لَا خلاف أَن النَّجَاسَة الْحكمِيَّة وَهِي
الْحَدث الْأَكْبَر والأصغر يَزُول بِالْغسْلِ مرّة وَلَا يشْتَرط فِيهِ
الْعدَد
وَأما النَّجَاسَة الْحَقِيقِيَّة فَينْظر إِن كَانَت غير مرئية مثل
الْبَوْل وَنَحْوه ذكر فِي ظَاهر الرِّوَايَة أَنَّهَا لَا
(1/74)
تَزُول إِلَّا بِالْغسْلِ ثَلَاثًا
وَقَالَ الشَّافِعِي تطهر بِالْغسْلِ مرّة كَمَا فِي الْحَدث إِلَّا فِي
ولوغ الْكَلْب فَإِنَّهُ لَا يطهر إِلَّا بِالْغسْلِ سبع مَرَّات
إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ
وَالصَّحِيح قَوْلنَا لما روينَا عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه
قَالَ إِذا اسْتَيْقَظَ أحدكُم من مَنَامه فَلَا يغمسن يَده فِي الْإِنَاء
حَتَّى يغسلهَا ثَلَاثًا فَإِنَّهُ لَا يدْرِي أَيْن باتت يَده أمره
بِالْغسْلِ ثَلَاثًا عِنْد توهم النَّجَاسَة فَلِأَن يجب عِنْد التحقق أولى
ثمَّ التَّقْدِير عندنَا بِالثلَاثِ لَيْسَ بِلَازِم بل هُوَ مفوض إِلَى
اجْتِهَاده فَإِن كَانَ غَالب ظَنّه أَنَّهَا تَزُول بِمَا دون الثَّلَاث
يحكم بِطَهَارَتِهِ
وَإِن كَانَت النَّجَاسَة مرئية فطهارتها بِزَوَال عينهَا فَإِن بَقِي بعد
زَوَال الْعين أثر لَا يَزُول بِالْغسْلِ فَلَا بَأْس بِهِ لما رُوِيَ فِي
الحَدِيث عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ لتِلْك الْمَرْأَة
حتيه ثمَّ اقرصيه ثمَّ اغسليه بِالْمَاءِ وَلَا يَضرك أَثَره
وَمن شَرَائِط التَّطْهِير أَيْضا الْعَصْر فِيمَا يحْتَمل أَو مَا يقوم
مقَامه فِيمَا لَا يحْتَملهُ من الْمحل الَّذِي يتسرب فِيهِ النَّجس
وَبَيَان ذَلِك أَن الْمحل الَّذِي تنجس إِمَّا إِن كَانَ شَيْئا لَا يتشرب
فِيهِ أَجزَاء النَّجس مثل الْأَوَانِي المتخذة من الْحجر والخزف والنعل
وَنَحْو ذَلِك أَو كَانَ شَيْئا يتشرب فِيهِ شَيْء كثير كالثياب واللبود
والبسط
فَإِن كَانَ مِمَّا لَا يتشرب فَإِنَّهُ يطهر بِمَا ذكرنَا من زَوَال
الْعين أَو الْعدَد وبإكفاء المَاء النَّجس من الْإِنَاء فِي كل مرّة
وَإِن كَانَ شَيْئا يتشرب فِيهِ شَيْء قَلِيل فَكَذَلِك لِأَن المَاء
يسْتَخْرج ذَلِك الْقَلِيل فَيحكم بِطَهَارَتِهِ
(1/75)
وَإِن كَانَ شَيْئا يتشرب فِيهِ شَيْء كثير
ينظر إِن كَانَ مِمَّا يُمكن عصره كَالثَّوْبِ وَنَحْوه فَإِن طَهَارَته
بِالْغسْلِ ثَلَاثًا وَالْعصر فِي كل مرّة لِأَن المتشرب فِيهِ كثير فَلَا
يخرج إِلَّا بالعصر فَلَا يتم الْغسْل بِدُونِهِ
وَإِن كَانَ مِمَّا لَا يُمكن عصره كالحصير الْمُتَّخذ من البردى وَنَحْوه
فَإِن علم أَنه لم يتشرب فِيهِ بل أصَاب ظَاهره فَإِنَّهُ يطهر بِالْغسْلِ
ثَلَاث مَرَّات من غير عصر
فَأَما إِذا علم أَنه تشرب فِيهِ فقالأبو يُوسُف ينقع فِي المَاء ثَلَاث
مَرَّات ويجفف فِي كل مرّة وَيقوم التجفيف ثَلَاثًا مقَام الْعَصْر
ثَلَاثًا وَيحكم بِطَهَارَتِهِ
وَقَالَ مُحَمَّد لَا يطهر أبدا
وعَلى هَذَا الأَصْل مسَائِل على الْخلاف الَّذِي ذكرنَا مثل الخزف
وَالْحَدِيد إِذا تشرب فِيهِ النَّجس الْكثير والسكين إِذا موه بِالْمَاءِ
النَّجس
وَالْجَلد إِذا دبغ بالدهن النَّجس وَاللَّحم إِذا طبخ بِالْمَاءِ النَّجس
وَنَحْوهَا
وَأما الأَرْض إِذا أصابتها نَجَاسَة رطبَة فَإِن كَانَت الأَرْض رخوة
فَإِنَّهُ يصب عَلَيْهَا المَاء حَتَّى يتسفل فِيهَا
فَإِذا تسفل وَلم يبْق على وَجههَا شَيْء من المَاء يحكم بطهارتها وَلَا
يعْتَبر فِيهِ الْعدَد وَإِنَّمَا هُوَ على مَا يَقع فِي غَالب ظَنّه
أَنَّهَا طهرت
والتسفل فِي الأَرْض بِمَنْزِلَة الْعَصْر فِيمَا يحْتَملهُ
وعَلى قِيَاس ظَاهر الرِّوَايَة يَنْبَغِي أَن يصب المَاء عَلَيْهَا ثَلَاث
مَرَّات ويتسفل فِي كل مرّة
وَإِن كَانَت الأَرْض صلبة فَإِن كَانَت صعُودًا فَإِنَّهُ يحْفر فِي
أَسْفَلهَا حفيرة وَيصب المَاء عَلَيْهَا ويزال عَنْهَا إِلَى الحفيرة
ويكنس الحفيرة
(1/76)
وَإِن كَانَت الأَرْض مستوية لم يزل المَاء
عَنْهَا فَإِنَّهَا لَا تغسل لِأَنَّهُ لَا فَائِدَة فِي غسلهَا
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا كوثرت بِالْمَاءِ طهرت
وَهُوَ فَاسد لِأَن المَاء النَّجس بَاقٍ حَقِيقَة وَلَكِن يَنْبَغِي أَن
تحفر فَيجْعَل أَعْلَاهَا أَسْفَلهَا وأسفلها أَعْلَاهَا فَيصير التُّرَاب
الطَّاهِر وَجه الأَرْض كَذَا رُوِيَ أَن أَعْرَابِيًا بَال فِي الْمَسْجِد
فَأمر النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام بِأَن يحْفر مَوضِع بَوْله
وَأما حكم الغسالة فَنَقُول الغسالة نَوْعَانِ أَحدهمَا غسالة النَّجَاسَة
الْحكمِيَّة وَهِي المَاء الْمُسْتَعْمل
وَالثَّانِي غسالة النَّجَاسَة الْحَقِيقِيَّة
أما الأول فَنَقُول الْكَلَام فِي المَاء الْمُسْتَعْمل يَقع من ثَلَاثَة
أوجه أَحدهَا فِي صفته أَنه طَاهِر أم نجس
وَالثَّانِي أَنه فِي أَي حَال يصير مُسْتَعْملا
وَالثَّالِث بِأَيّ سَبَب يصير مُسْتَعْملا
أما الأول فَنَقُول ذكر فِي ظَاهر الرِّوَايَة أَنه لَا يجوز التوضي بِهِ
وَلم يذكر أَنه طَاهِر أم نجس
وروى مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة أَنه طَاهِر غير طهُور وَبِه أَخذ مُحَمَّد
وَهُوَ أحد قولي الشَّافِعِي
(1/77)
وروى أَبُو يُوسُف وَالْحسن بن زِيَاد
عَنهُ أَنه نجس إِلَّا أَن الْحسن روى أَنه نجس نَجَاسَة غَلِيظَة وَبِه
أَخذ وروى أَبُو يُوسُف أَنه نجس نَجَاسَة خَفِيفَة وَبِه أَخذ
وقالزفر إِن كَانَ الْمُسْتَعْمل غير مُحدث فالماء الْمُسْتَعْمل طَاهِر
وطهور وَإِن كَانَ مُحدثا فالماء الْمُسْتَعْمل طَاهِر غير طهُور وَهُوَ
أحد قولي الشَّافِعِي
وَقَالَ مَالك إِنَّه طَاهِر وطهور بِكُل حَال
ثمَّ مَشَايِخ بَلخ حققوا هَذَا الِاخْتِلَاف على الْوَجْه الَّذِي ذكرنَا
ومشايخ الْعرَاق قَالُوا إِنَّه طَاهِر غير طهُور بِلَا خلاف بَين
أَصْحَابنَا
وَاخْتِيَار الْمُحَقِّقين من مَشَايِخنَا هُوَ هَذَا فَإِنَّهُ هُوَ
الْأَشْهر عَن أبي حنيفَة وَهُوَ الأقيس فَإِنَّهُ مَاء طَاهِر لَاقَى عضوا
طَاهِرا فحدوث النَّجَاسَة من أَيْن كَمَا فِي غسل الثَّوْب الطَّاهِر
بِالْمَاءِ الطَّاهِر
ثمَّ على هَذَا الْمَذْهَب الْمُخْتَار إِذا وَقع المَاء الْمُسْتَعْمل فِي
المَاء الْقَلِيل
قَالَ بَعضهم لَا يجوز التوضي بِهِ وَإِن قل
وَقَالَ بَعضهم يجوز مَا لم يغلب على المَاء الْمُطلق وَهَذَا هُوَ
الصَّحِيح
وَأما بَيَان حَال الِاسْتِعْمَال وَتَفْسِير المَاء الْمُسْتَعْمل
فَنَقُول قَالَ بعض مَشَايِخنَا المَاء الْمُسْتَعْمل مَا زايل الْبدن
وَاسْتقر فِي مَكَان
وَذكر فِي الْفَتَاوَى أَن المَاء إِذا زَالَ عَن الْبدن فَلَا ينجس مَا لم
يسْتَقرّ
(1/78)
على الأَرْض أَو فِي الْإِنَاء
وَلَكِن هَذَا لَيْسَ مَذْهَب أَصْحَابنَا إِنَّمَا هُوَ مَذْهَب سُفْيَان
الثَّوْريّ
أما عندنَا فَمَا دَامَ المَاء على الْعُضْو الَّذِي يَسْتَعْمِلهُ فِيهِ
لَا يكون مُسْتَعْملا وَإِذا زايله يكون مُسْتَعْملا
فَإِن لم يسْتَقرّ على الأَرْض أَو فِي الْإِنَاء فَإِنَّهُ ذكر فِي ظَاهر
الرِّوَايَة رجل نسي مسح الرَّأْس فَأخذ من لحيته مَاء وَمسح بِهِ رَأسه
لَا يجوز وَإِن لم يُوجد الِاسْتِقْرَار على الأَرْض وعَلى قَول سُفْيَان
الثَّوْريّ يجوز لِأَنَّهُ لم يسْتَقرّ على الأَرْض وَذكر فِي بَاب الْمسْح
على الْخُفَّيْنِ أَن من مسح على خفيه فَبَقيَ فِي كَفه بَلل فَمسح بِهِ
رَأسه لَا يجوز وَعلل وَقَالَ لِأَنَّهُ مسح بِهِ مرّة وَإِن لم يسْتَقرّ
على الأَرْض
وَقَالُوا فِيمَن بقيت على رجله لمْعَة فِي الْوضُوء فبلها بالبلل الَّذِي
على الْوَجْه أَو على عُضْو آخر لَا يجوز لِأَنَّهُ صَار مُسْتَعْملا وَإِن
لم يسْتَقرّ على الأَرْض أَو فِي الْإِنَاء فَدلَّ أَن الْمَذْهَب مَا
قُلْنَا
وَأما سَبَب صيرورة المَاء مُسْتَعْملا فَنَقُول عِنْد أبي حنيفَة وَأبي
يُوسُف يصير المَاء مُسْتَعْملا بِأحد أَمريْن بِزَوَال الْحَدث أَو
بِإِقَامَة الْقرْبَة
وَعند مُحَمَّد يصير مُسْتَعْملا بِإِقَامَة الْقرْبَة لَا غير
وَعند زفر وَالشَّافِعِيّ يصير مُسْتَعْملا بِإِزَالَة الْحَدث لَا غير
إِذا ثَبت هَذَا الأَصْل فَنَقُول من تَوَضَّأ بنية إِقَامَة الْقرْبَة
نَحْو الصَّلَوَات الْمَعْهُودَة وَصَلَاة الْجِنَازَة
(1/79)
وَدخُول الْمَسْجِد وَمَسّ الْمُصحف
وَقِرَاءَة الْقُرْآن وَنَحْوهَا فَإِن كَانَ مُحدثا يصير المَاء
مُسْتَعْملا بِلَا خلاف لوُجُود زَوَال الْحَدث وَحُصُول الْقرْبَة
جَمِيعًا وَإِن لم يكن مُحدثا فعلى قَول عُلَمَاؤُنَا الثَّلَاثَة يصير
مُسْتَعْملا لِأَنَّهُ وجد إِقَامَة الْقرْبَة
وعَلى قَول زفر وَالشَّافِعِيّ لَا يصير مُسْتَعْملا لِأَنَّهُ لم يُوجد
إِزَالَة الْحَدث
وعَلى هَذَا الأَصْل يخرج من دخل فِي الْبِئْر لطلب الدَّلْو أَو للْغسْل
وَهُوَ جنب أَو طَاهِر على مَا عرف فِي كتاب الشرحين والمبسوط
وَأما حكم غسلة النَّجَاسَة الْحَقِيقِيَّة فَنَقُول إِذا وَقعت فِي المَاء
أَو أَصَابَت الثَّوْب أَو الْبدن فَفِي حق منع جَوَاز الصَّلَاة
وَالْوُضُوء الْمِيَاه الثَّلَاث على السوَاء لِأَن الْكل نجس
فَأَما فِي حق تَطْهِير الْمحل الَّذِي أَصَابَته النَّجَاسَة فالمياه
يخْتَلف حكمهَا حَتَّى قَالَ بعض مَشَايِخنَا إِن المَاء الأول وَإِذا
أصَاب شَيْئا يطهر بِالْغسْلِ مرَّتَيْنِ وَالثَّانِي بِالْغسْلِ مرّة
وَالثَّالِث يطهر بالعصر لَا غير
وَالصَّحِيح أَن الأول يطهر بِالْغسْلِ ثَلَاثًا وَالثَّانِي بِالْغسْلِ
مرَّتَيْنِ وَالثَّالِث بِالْغسْلِ مرّة وَيكون حكم كل مَا فِي الثَّوْب
الثَّانِي مثل حكمه فِي الثَّوْب الأول
وَهل يجوز الِانْتِفَاع بالغسالة فِي غير الشّرْب والتطهير ينظر إِن تغير
طعمها أَو لَوْنهَا أَو رِيحهَا فَإِنَّهُ يحرم الِانْتِفَاع بهَا أصلا
وَيصير نَظِير الْبَوْل لكَون النَّجس غَالِبا وَإِن لم يتَغَيَّر وصف
المَاء يجوز الِانْتِفَاع بِهِ فِي غير الشّرْب والتطهير نَحْو أَن يبل
بِهِ الطين أَو يسقى الدَّوَابّ وَنَحْو ذَلِك
وعَلى هَذَا الْفَأْرَة إِذا وَقعت فِي الْعصير والدهن والخل وَمَاتَتْ
فِيهِ
(1/80)
فأخرجت فَإِنَّهُ ينجس جَمِيعه وَلَكِن
يجوز الِانْتِفَاع بِهِ فِيمَا سوى الْأكل من دبغ الْجلد بالدهن النَّجس
والاستصباح بِهِ وَيجوز بَيْعه
وَإِن كَانَ جَامِدا فَإِنَّهُ يلقِي الْفَأْرَة وَمَا حولهَا وَحكمه حكم
الذائب وَيكون الْبَاقِي طَاهِر بِخِلَاف ودك الْميتَة فَإِنَّهُ لَا يجوز
الِانْتِفَاع بِهِ أصلا
وَأَصله مَا رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه سُئِلَ عَن
الْفَأْرَة تَمُوت فِي السّمن فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام إِن كَانَ
جَامِدا فألقوها وَمَا حولهَا وخلوا الْبَقِيَّة وَإِن كَانَ مَائِعا
فاستصبحوا بِهِ وَالله أعلم
(1/81)
بَاب الْمسْح
على الْخُفَّيْنِ والجبائر الْمسْح أَنْوَاع ثَلَاثَة مسح الرَّأْس وَمسح
الْخُف وَمسح الجبائر
أما أَحْكَام مسح الرَّأْس فقد ذكرنَا
وَأما مسح الْخُف فَالْكَلَام فِيهِ فِي خَمْسَة مَوَاضِع فِي بَيَان
مشروعيته وَفِي بَيَان مُدَّة الْمسْح وَفِي بَيَان شُرُوط جَوَاز الْمسْح
ووجوده وَفِي بَيَان نفس الْمسْح وَفِي بَيَان حكم سُقُوطه
أما الأول فَنَقُول قَالَ عَامَّة الْعلمَاء بِأَن الْمسْح على
الْخُفَّيْنِ مَشْرُوع وَيقوم مقَام غسل الْقَدَمَيْنِ فِي حق الْمُقِيم
وَالْمُسَافر جَمِيعًا وَقَالَ بعض الشِّيعَة بِأَن الْمسْح غير مَشْرُوع
فِي حق الْمُقِيم وَالْمُسَافر جَمِيعًا
وَقَالَ مَالك مَشْرُوع فِي حق الْمُسَافِر دون الْمُقِيم
(1/83)
وَالصَّحِيح قَول عَامَّة الْعلمَاء
لإِجْمَاع الصَّحَابَة على ذَلِك قولا وفعلا إِلَّا مَا رُوِيَ عَن عبد
الله بن عَبَّاس ثمَّ رَجَعَ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَن عطاءتلميذه أَنه قَالَ
كَانَ عبد الله بن عَبَّاس خَالف النَّاس فِي الْمسْح على الْخُفَّيْنِ
وَلم يمت حَتَّى رَجَعَ إِلَى قَول النَّاس
وَإِجْمَاع الصَّحَابَة حجَّة قَاطِعَة
وَالثَّانِي بَيَان الْمدَّة اخْتلف الْعلمَاء فِي أَن الْمسْح على الْخُف
مُقَدّر أم لَا فَعِنْدَ عامتهم مُقَدّر فِي حق الْمُقِيم بِيَوْم
وَلَيْلَة وَفِي حق الْمُسَافِر بِثَلَاثَة أَيَّام ولياليها
وَقَالَ مَالك غير مُقَدّر
وَالصَّحِيح قَول الْعَامَّة لما رُوِيَ فِي الحَدِيث الْمَشْهُور عَن
النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ يمسح الْمُقِيم يَوْمًا وَلَيْلَة
وَالْمُسَافر ثَلَاثَة أَيَّام ولياليها
ثمَّ اخْتلف الْعلمَاء فِي ابْتِدَاء مُدَّة الْمسْح من أَي وَقت يعْتَبر
قَالَ عَامَّة الْعلمَاء يعْتَبر من وَقت الْحَدث بعد اللّبْس
وَقَالَ بَعضهم يعْتَبر من وَقت اللّبْس وَقَالَ بَعضهم يعْتَبر من وَقت
الْمسْح
بَيَان ذَلِك أَن من تَوَضَّأ عِنْد طُلُوع الْفجْر وَلبس الْخُف وَصلى
الْفجْر فَلَمَّا طلعت الشَّمْس أحدث ثمَّ لما زَالَت الشَّمْس تَوَضَّأ
وَمسح
(1/84)
على الْخُف فعلى قَول الْعَامَّة يعْتَبر
ابْتِدَاء الْمدَّة من وَقت الْحَدث بعد اللّبْس وَهُوَ وَقت طُلُوع
الشَّمْس فَمَتَى جَاءَ ذَلِك الْوَقْت من الْيَوْم الثَّانِي فِي حق
الْمُقِيم وَفِي حق الْمُسَافِر من الْيَوْم الرَّابِع تمت الْمدَّة فَلَا
يمسح بعد ذَلِك وَلَكِن ينْزع الْخُفَّيْنِ وَيغسل الْقَدَمَيْنِ ثمَّ
يبتدىء الْمسْح بعده
وعَلى قَول من اعْتبر وَقت اللّبْس لَا يمسح فِي الْيَوْم الثَّانِي من
وَقت طُلُوع الْفجْر
وعَلى قَول من اعْتبر وَقت الْمسْح لَا يمسح فِي الْيَوْم الثَّانِي من
وَقت زَوَال الشَّمْس
وَأما شَرَائِط جَوَاز الْمسْح ووجوده فأنواع من ذَلِك أَن يكون لابس
الْخُفَّيْنِ أَو مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُمَا على طَهَارَة كَامِلَة عِنْد
الْحَدث بعد اللّبْس
وَلَا يشْتَرط أَن يكون على طَهَارَة كَامِلَة عِنْد اللّبْس أَو على
طَهَارَة أَيْضا
وَبَيَانه أَن الرجل إِذا غسل الرجلَيْن وَلبس الْخُفَّيْنِ ثمَّ أكمل
الْوضُوء بعد ذَلِك قبل الْحَدث ثمَّ أحدث جَازَ لَهُ أَن يمسح على
الْخُفَّيْنِ
وعَلى قَول الشَّافِعِي لَيْسَ لَهُ أَن يمسح مَا لم يكمل الْوضُوء ثمَّ
يلبس الْخُفَّيْنِ بعد ذَلِك
وَلِهَذَا قُلْنَا إِذا لبس الْخُفَّيْنِ وَهُوَ مُحدث ثمَّ تَوَضَّأ وخاض
المَاء حَتَّى دخل المَاء خفيه ثمَّ أحدث جَازَ لَهُ أَن يمسح عَلَيْهِ
وَأَجْمعُوا على أَنه إِذا لبس الْخُفَّيْنِ بعد غسل الرجلَيْن ثمَّ أحدث
قبل أَن يكمل الْوضُوء ثمَّ تَوَضَّأ بعد ذَلِك وَمسح على الْخُفَّيْنِ لَا
يجوز عندنَا لِانْعِدَامِ الطَّهَارَة الْكَامِلَة عِنْد الْحَدث بعد
اللّبْس وَعِنْده لِانْعِدَامِ الطَّهَارَة الْكَامِلَة عِنْد اللّبْس
(1/85)
وَمن شَرَائِطه الْحَدث الْأَصْغَر فَأَما
الْحَدث الْأَكْبَر فالمسح فِيهِ غير مَشْرُوع لِأَن الْجَوَاز بِاعْتِبَار
الْحَرج وَلَا حرج فِي الْحَدث الْأَكْبَر لِأَن ذَلِك يشذ فِي السّفر
وَمن الشَّرَائِط أَن يكون لابسا خفا يستر الْكَعْبَيْنِ فَصَاعِدا
وَلَيْسَ بِهِ خرق كثير لِأَن الشُّرُوع ورد بِالْمَسْحِ على الْخُفَّيْنِ
وَمَا يستر الْكَعْبَيْنِ ينْطَلق عَلَيْهِ اسْم الْخُف وَكَذَا مَا يستر
الْكَعْبَيْنِ وَسوى الْخُف فَهُوَ فِي مَعْنَاهُ نَحْو المكعب الْكَبِير
والجرموق والمثيم وَهُوَ نوع من الْخُف
وَأما الْمسْح على الجوربين فَهُوَ على أَقسَام ثَلَاثَة إِن كَانَا مجلدين
أَو منعلين جَازَ الْمسْح بِإِجْمَاع بَين أَصْحَابنَا
وَأما إِذا كَانَا غير منعلين فَإِن كَانَا رقيقين بِحَيْثُ يرى مَا تحتهما
لَا يجوز الْمسْح عَلَيْهِمَا
وَإِن كَانَا ثخينيين قَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجوز الْمسْح عَلَيْهِمَا
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يجوز
وَرُوِيَ عَن أبي حنيفَة أَنه رَجَعَ إِلَى قَوْلهمَا فِي آخر عمره
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجوز الْمسْح على الجوارب وَإِن كَانَت منعلة
إِلَّا إِذا كَانَت مجلدة إِلَى الْكَعْبَيْنِ فَيجوز
وَمَا قَالَاه أرْفق بِالنَّاسِ وَمَا قَالَه أَبُو حنيفَة رَحْمَة الله
عَلَيْهِ أحوط وأقيس
وَلَو لبس الْخُفَّيْنِ ثمَّ لبس فَوْقهمَا الجرموقين من الْجلد ينظر إِن
لبسهما بَعْدَمَا أحدث وَوَجَب الْمسْح على الْخُفَّيْنِ فَإِنَّهُ لَا
يجوز الْمسْح على الجرموقين بِالْإِجْمَاع
فَأَما إِذا لبسهما قبل الْحَدث ثمَّ أحدث فَإِنَّهُ يجوز الْمسْح على
(1/86)
الجرموقين عندنَا
وَعند الشَّافِعِي لَا يجوز
وعَلى هَذَا إِذا لبس خفا على خف ثمَّ الْخُف إِذا كَانَ بِهِ خرق إِن
كَانَ يَسِيرا يجوز الْمسْح عَلَيْهِ وَإِن كَانَ كثيرا لَا يجوز وَهَذَا
جَوَاب الِاسْتِحْسَان
وَالْقِيَاس أَن يكون الْيُسْر مَانِعا كالكثير وَهُوَ قَول زفر
وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ مَالك وسُفْيَان الثَّوْريّ إِن الْخرق قَلِيله وَكَثِيره لَا
يمْنَع بعد أَن كَانَ ينْطَلق عَلَيْهِ اسْم الْخُف
وَالْحَد الْفَاصِل بَينهمَا هُوَ قدر ثَلَاث أَصَابِع الرجل فَصَاعِدا
حَتَّى إِذا كَانَ أقل مِنْهُ يجوز الْمسْح عَلَيْهِ
ثمَّ صفة الْخرق الْمَانِع أَن يكون منفتحا بِحَيْثُ يظْهر مَا تَحْتَهُ من
الْقدَم مِقْدَار ثَلَاثَة أَصَابِع
أَو يكون مُنْضَمًّا لَكِن ينفرج عِنْد الْمَشْي وَيظْهر الْقدَم
فَأَما إِذا كَانَ مُنْضَمًّا لَا ينفرج وَلَا يظْهر الْقدَم عِنْد
الْمَشْي فَإِنَّهُ لَا يمْنَع وَإِن كَانَ أَكثر من ثَلَاث أَصَابِع كَذَا
روى الْمُعَلَّى عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة
وَلَو كَانَ ينْكَشف الطَّهَارَة وَفِي دَاخله بطانة من جلد وَلم يظْهر
الْقدَم يجوز الْمسْح عَلَيْهِ
هَذَا إِذا كَانَ الْخرق فِي مَوْضُوع وَاحِد فَإِن كَانَ فِي مَوَاضِع
مُخْتَلفَة ينظر إِن كَانَ فِي خف وَاحِد فَإِنَّهُ يجمع فَإِن بلغ
مِقْدَار ثَلَاث أَصَابِع الرجل يمْنَع وَإِلَّا فَلَا وَإِن كَانَ فِي
خُفَّيْنِ فَإِنَّهُ لَا يجمع كَذَا ذكر مُحَمَّد فِي الزِّيَادَات
(1/87)
وَأما بَيَان نفس الْمسْح فَنَقُول الْمسْح
الْمَشْرُوع هُوَ مسح ظَاهر الْخُف دون أَسْفَله وعقبه مرّة وَاحِدَة
حَتَّى إِذا مسح على أَسْفَل الْخُف أَو على الْعقب وجانبيه لَا يجوز
وَكَذَا إِذا مسح على السَّاق
وَهُوَ قَول الشَّافِعِي الْمَذْكُور فِي كتبه
وَقَالَ أَصْحَابه بِأَنَّهُ إِذا مسح على أَسْفَل الْخُف وَحده جَازَ
وَلَكِن السّنة عِنْده الْجمع بَين الْمسْح على ظَاهر الْخُف وأسفله
وَأما السّنة عندنَا فَأن يمسح على ظَاهر خفيه بكلتا يَدَيْهِ ويبتدىء بِهِ
من قبل الْأَصَابِع إِلَى السَّاق
وَالصَّحِيح قَوْلنَا لما رُوِيَ عَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة أَن النَّبِي
عَلَيْهِ السَّلَام تَوَضَّأ وَوضع يَده الْيُمْنَى على خفه الْأَيْمن
وَيَده الْيُسْرَى على خفه الْأَيْسَر ومدهما من الْأَصَابِع إِلَى أعلاهما
مسحة وَاحِدَة وَكَأَنِّي أنظر إِلَى أَصَابِع رَسُول الله عَلَيْهِ
السَّلَام على ظَاهر خفيه
ثمَّ مِقْدَار الْمَفْرُوض عندنَا مِقْدَار ثَلَاث أَصَابِع الْيَد على
ظَاهر الْخُف سَوَاء كَانَ طولا أَو عرضا حَتَّى لَو مسح بأصبع أَو بأصبعين
لَا يجوز
وَعند الشَّافِعِي إِذا مسح مِقْدَار مَا يُسمى بِهِ ماسحا جَازَ كَمَا فِي
مسح الرَّأْس
وَأما بَيَان حكم سُقُوطه فَنَقُول إِذا أنقضت مُدَّة الْمسْح يسْقط وَيجب
عَلَيْهِ غسل الْقَدَمَيْنِ دون
(1/88)
الْوضُوء بِكَمَالِهِ إِن كَانَ متوضئا
وَإِن كَانَ مُحدثا يجب عَلَيْهِ الْوضُوء بِكَمَالِهِ
وَكَذَلِكَ إِذا نزع الْخُفَّيْنِ وَكَذَلِكَ إِذا نزع أَحدهمَا ينْقض
الْمسْح وَعَلِيهِ غسل الْقَدَمَيْنِ حَتَّى لَا يكون جَامعا بَين الْبَدَل
والمبدل
وَلَو أخرج بعض الْقدَم أَو خرج بِغَيْر صنعه
رُوِيَ عَن أبي حنيفَة أَنه قَالَ إِذا أخرج أَكثر الْعقب من الْخُف انْتقض
مَسحه وَإِلَّا فَلَا
وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنه قَالَ إِذا أخرج أَكثر الْقدَم ينْتَقض مَسحه
وَإِلَّا فَلَا
وروى عَن مُحَمَّد أَنه قَالَ إِذا بَقِي فِي الْخُف قدر مَا يجوز الْمسْح
عَلَيْهِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا
وَأما الْمسْح على الجبائر فَالْكَلَام فِيهِ فِي مَوَاضِع أَحدهَا أَن
الْغسْل فِي أَي وَقت يسْقط ويشرع الْمسْح على الجبائر
وَالثَّانِي أَن الْمسْح على الجبائر هَل هُوَ وَاجِب فِي الْجُمْلَة أم
لَا وَالثَّالِث فِيمَا يبطل الْمسْح ويسقطه
وَالرَّابِع فِي بَيَان الْفُصُول الَّتِي خَالف الْمسْح على الجبائر
فِيهَا الْمسْح على الْخُفَّيْنِ
أما الأول فَنَقُول إِن كَانَ الْغسْل مِمَّا يضر بالعضو المنكسر وَالْجرْح
والقرح فَإِنَّهُ يسْقط ويشرع الْمسْح على الجبائر
(1/89)
وَكَذَا إِذا كَانَ لَا يضرّهُ وَلَكِن فِي
نزع الجبائر خوف زِيَادَة الْعلَّة أَو زِيَادَة الضَّرَر
وأصل ذَلِك مَا رُوِيَ عَن عليرضي الله عَنهُ أَنه قَالَ كسر زنداي يَوْم
أحد فَسقط اللِّوَاء من يَدي فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام اجْعَلُوهَا فِي
يسَاره فَإِنَّهُ صَاحب لِوَائِي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَقلت يَا
رَسُول الله مَا أصنع بالجبائر فَقَالَ امسح عَلَيْهَا
هَذَا إِذا مسح على الجبائر والخرق الَّتِي فَوق الْجراحَة فَأَما إِذا
كَانَت زَائِدَة على رَأس الْجرْح هَل يجوز الْمسْح على الْخِرْقَة
الزَّائِدَة وَكَذَلِكَ إِذا اقتصد وربط عَلَيْهِ رِبَاطًا ينظر إِن كَانَ
حل الْخِرْقَة وَغسل مَا تحتهَا مِمَّا يضر بِالْجرْحِ والقرح فَإِنَّهُ
يجوز الْمسْح على الْخِرْقَة الزَّائِدَة كَمَا يجوز الْمسْح على
الْخِرْقَة الَّتِي على مَوضِع الْجراح
وَإِن كَانَ الْحل مِمَّا لَا يضر بِالْجرْحِ وَلَا يضرّهُ الْمسْح أَيْضا
فَإِنَّهُ لَا يُجزئهُ الْمسْح على الجبائر بل عَلَيْهِ أَن ينْزع الجبائر
وَيحل الْخرق وَيغسل مَا حول الْجراح وَيمْسَح عَلَيْهَا لَا على
الْخِرْقَة
وَإِن كَانَ يضرّهُ الْمسْح وَلَكِن لَا يضرّهُ الْحل فَإِنَّهُ يمسح على
الْخِرْقَة الَّتِي على الْجراح وَيغسل حواليها وَمَا تَحت الْخرق
الزَّائِدَة
كَذَا ذكره الْحسن بن زِيَاد مُفَسرًا لِأَن جَوَاز الْمسْح بطرِيق
الضَّرُورَة فيتقدر بِقَدرِهَا
وَأما بَيَان أَن الْمسْح على الجبائر وَاجِب أم لَا فَنَقُول ذكر فِي
ظَاهر الرِّوَايَة وَقَالَ إِذا ترك الْمسْح على الجبائر وَذَلِكَ يضرّهُ
جَازَ عِنْد أبي حنيفَة وَقَالا إِذا كَانَ لَا يضرّهُ لَا يُجزئهُ فَأجَاب
كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي غير مَا أجَاب الْأُخَر
(1/90)
وَبَعض مَشَايِخنَا قَالُوا إِن قَول أبي
حنيفَة مثل قَوْلهمَا فِي أَن الْمسْح على الجبائر وَاجِب عِنْد تعذر
الْغسْل وَإِنَّمَا يبسط إِذا كَانَ الْمسْح يضرّهُ لما روينَا من الحَدِيث
أَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَمر بِالْمَسْحِ على الجبائر وَظَاهر
الْأَمر لوُجُوب الْعَمَل إِلَّا أَنه إِذا كَانَ يخَاف الضَّرَر فِي
الْمسْح يسْقط لِأَن الْغسْل يسْقط عِنْد خوف زِيَادَة الضَّرَر فالمسح
أولى أَن يسْقط
وَبَعض مَشَايِخنَا قَالُوا بِأَن الْمَسْأَلَة على الْخلاف على قَول أبي
حنيفَة الْمسْح على الجبائر مُسْتَحبّ وَلَيْسَ بِوَاجِب وَعِنْدَهُمَا
وَاجِب
وَكَذَا ذكر هَذَا فِي الْكتاب وَلَكِن القَوْل الأول أصح
وَلَو ترك الْمسْح على بعض الجبائر وَمسح على الْبَعْض لم يذكر هَذَا فِي
ظَاهر الرِّوَايَة
وَرُوِيَ عَن الْحسن بن زِيَاد أَنه قَالَ إِن مسح على الْأَكْثَر جَازَ
وَإِلَّا فَلَا
وَأما بَيَان مَا يبطل الْمسْح فَنَقُول إِذا سَقَطت الجبائر بَعْدَمَا مسح
عَلَيْهَا فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن تسْقط عَن برْء أَو لَا عَن برْء وَلَا
يَخْلُو إِمَّا أَن سَقَطت فِي حَالَة الصَّلَاة أَو خَارج الصَّلَاة
أما إِذا سَقَطت لَا عَن برْء فَإِن كَانَ فِي الصَّلَاة يمْضِي عَلَيْهَا
وَإِن كَانَ خَارج الصَّلَاة فَإِنَّهُ يضع الجبائر عَلَيْهَا وَلَا يُعِيد
الْمسْح عَلَيْهَا لِأَن سُقُوط الْغسْل بِسَبَب الْعذر وَهُوَ قَائِم
وَإِنَّمَا الْوَاجِب هُوَ الْمسْح وَهُوَ قَائِم وَإِن زَالَ الْمَمْسُوح
الضَّرَر وكما لَو مسح على رَأسه ثمَّ حلقه
وَأما إِذا سَقَطت عَن برْء فَإِن كَانَ خَارج الصَّلَاة إِن لم يحدث بعد
الْمسْح يغسل مَوضِع الجبائر لَا غير وَبَطل الْمسْح لِأَنَّهُ صَار
قَادِرًا على الأَصْل فَيبْطل حكم الْبَدَل فَيجب عَلَيْهِ غسله
أما غسل سَائِر
(1/91)
الْأَعْضَاء فقائم وَلم يُوجد مَا يرفعهُ
وَهُوَ الْحَدث
وَإِن كَانَ فِي الصَّلَاة يسْتَقْبل لِأَنَّهُ قدر على الأَصْل قبل حُصُول
الْمَقْصُود بِالْبَدَلِ
وَهل يجب عَلَيْهِ إِعَادَة مَا صلى بِالْمَسْحِ إِذا برأت الْجراحَة
فعندنا لَا يجب
وعَلى قَول الشَّافِعِي يجب الْإِعَادَة على من جبر على الْجرْح والقرح
قولا وَاحِدًا وَله فِي صَاحب الجبائر على الْعُضْو المنكسر قَولَانِ
وَالصَّحِيح مَذْهَبنَا لما روينَا من حَدِيث عَليّ أَن النَّبِي عَلَيْهِ
السَّلَام لم يَأْمُرهُ بِإِعَادَة الصَّلَوَات بعد الْبُرْء مَعَ وُقُوع
الْحَاجة إِلَى الْبَيَان
وَأما بَيَان الْفرق بَين الْمسْح على الجبائر وَالْمسح على الْخُفَّيْنِ
فَمن وُجُوه أَحدهَا إِذا وضع الجبائر وَهُوَ مُحدث ثمَّ تَوَضَّأ جَازَ
لَهُ أَن يمسح عَلَيْهَا وَإِذا لبس الْخُفَّيْنِ وَهُوَ مُحدث ثمَّ
تَوَضَّأ لَيْسَ لَهُ أَن يمسح
وَالْفرق أَن الْمسْح على الجبائر كالغسل لما تحتهَا فَيكون قَائِما مقَامه
وَقد وجد
ثمَّ من شَرط جَوَاز الْمسْح أَن يكون ظَاهرا عِنْد الْحَدث بعد اللّبْس
حَتَّى يكون الْخُف مَانِعا للْحَدَث لَا رَافعا
وَالثَّانِي أَن الْمسْح على الجبائر غير مُؤَقّت بِالْأَيَّامِ وَلَكِن
مُؤَقّت إِلَى وَقت وجود الْبُرْء حَتَّى ينْتَقض بِوُجُود الْبُرْء وَفِي
حق الْعُضْو الَّذِي عَلَيْهِ الجبائر وَالْمسح على الْخُفَّيْنِ مُؤَقّت
بالمدة الْمَعْلُومَة
وَالثَّالِث أَن سُقُوط الجبائر لَا عَن برْء وَلَا ينْقض الْمسْح حَتَّى
(1/92)
إِن عَلَيْهِ أَن يَضَعهَا مرّة أُخْرَى
وَيُصلي
وَفِي الْمسْح على الْخُفَّيْنِ إِذا سقط يجب عَلَيْهِ غسل الرجلَيْن
وَالله أعلم
(1/93)
|