درر
الحكام شرح غرر الأحكام [حاشية الشرنبلالي]
[كِتَابُ الطَّهَارَةِ] [أَحْكَام الْوُضُوء] [فَرَائِض الْوُضُوء]
(كِتَابُ الطَّهَارَةِ) (قَوْلُهُ: وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ يَكُونُ
بِمَعْنَى الْمَجْمُوعِ) أَقُولُ فَلِذَا اُخْتِيرَ عَلَى الْبَابِ
لِقَصْدِ جَمْعِ أَنْوَاعِ الطَّهَارَةِ وَإِطْلَاقُهُ أَيْ الْكِتَابِ
عَلَى ضَمِّ الْحُرُوفِ إلَى بَعْضٍ عُرْفٌ، وَالضَّمُّ فِيهِ
بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَكْتُوبِ مِنْ الْحُرُوفِ حَقِيقَةٌ
وَبِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَعَانِي الْمُرَادَةِ مِنْهَا مَجَازٌ (قَوْلُهُ:
وَاصْطِلَاحًا مَسَائِلُ) كَالْجِنْسِ وَقَوْلُهُ: مُسْتَقِلَّةٌ أَيْ مَعَ
قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ تَبَعِيَّتِهَا لِلْغَيْرِ أَوْ تَبَعِيَّةِ
غَيْرِهَا إيَّاهَا لِيَدْخُلَ فِيهِ هَذَا الْكِتَابُ فَإِنَّهُ تَابِعٌ
لِكِتَابِ الصَّلَاةِ وَيَدْخُلُ كِتَابُ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ
مُسْتَتْبِعٌ لِلطَّهَارَةِ وَقَدْ اُعْتُبِرَا مُسْتَقِلَّيْنِ أَمَّا
الطَّهَارَةُ فَلِكَوْنِهِ الْمِفْتَاحَ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَلِكَوْنِهِ
الْمَقْصُودَ فَظَهَرَ أَنَّ اعْتِبَارَ الِاسْتِقْلَالِ قَدْ يَكُونُ
لِانْقِطَاعِهِ عَنْ غَيْرِهِ ذَاتًا كَاللُّقَطَةِ عَنْ الْآبِقِ أَوْ
لِمَعْنًى يُوَرِّثُ ذَلِكَ كَالصَّرْفِ عَنْ الْبَيْعِ، وَالرَّضَاعِ عَنْ
النِّكَاحِ، وَالطَّهَارَةِ عَنْ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: شَمَلَتْ
أَنْوَاعًا. . . إلَخْ) لِدَفْعِ قَوْلِ مَنْ قَالَ الْكِتَابُ اسْمُ
جِنْسٍ تَحْتَهُ أَنْوَاعٌ مِنْ الْحِكَمِ كُلُّ نَوْعٍ يُسَمَّى بَابًا
كَذَا فِي شَرْحِ شَيْخِ أُسْتَاذِي الْعَلَّامَةِ نُورِ الْمِلَّةِ
وَالدِّينِ عَلِيٍّ الْمَقْدِسِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: وَهِيَ
لُغَةً النَّظَافَةُ) أَقُولُ، وَالنَّزَاهَةُ، وَالْخُلُوصُ عَنْ
الْأَدْنَاسِ حِسِّيَّةٌ أَوْ مَعْنَوِيَّةٌ يُقَالُ تَطَهَّرْت بِالْمَاءِ
وَهُمْ قَوْمٌ مُتَطَهِّرُونَ مُتَنَزِّهُونَ عَنْ الْأَدْنَاسِ،
وَالْآثَامِ (قَوْلُهُ: وَشَرْعًا النَّظَافَةُ الْمَخْصُوصَةُ إلَى
آخِرِهِ) أَقُولُ هَذَا أَحَدُ مَعَانِيهَا الشَّرْعِيَّةِ لِأَنَّهَا
تُسْتَعْمَلُ شَرْعًا فِي ثَلَاثَةِ مَعَانٍ:
أَحَدُهَا الْحَالَةُ الَّتِي يَثْبُتُ عِنْدَهَا تَعَلُّقُ الْحُكْمِ
الشَّرْعِيِّ الَّذِي هُوَ الْإِذْنُ فِيمَا كَانَ مَمْنُوعًا لَوْلَاهَا
كَاسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ.
وَثَانِيهَا: فِي الْفِعْلِ الَّذِي جُعِلَ عَلَامَةً عَلَى ثُبُوتِ ذَلِكَ
التَّعَلُّقِ كَالْوُضُوءِ بِغَسْلِ الْأَعْضَاءِ وَمَسْحِ الرَّأْسِ
وَهَذَا هُوَ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ.
وَثَالِثُهَا: فِي نَفْسِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ نَحْوُ طَهَارَةِ
الْمَاءِ دُونَ نَجَاسَتِهِ وَكَالِاخْتِلَافِ فِي طَهَارَةِ بَوْلِ
الْمَأْكُولِ وَنَجَاسَتِهِ وَعَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي قِيلَ فِي
تَعْرِيفِهَا شَرْعًا فِعْلُ مَا يُسْتَبَاحُ بِهِ الصَّلَاةُ مِنْ وُضُوءٍ
وَغُسْلٍ وَتَيَمُّمٍ وَغَسْلِ الْبَدَنِ، وَالثَّوْبِ وَنَحْوِهِ
(تَنْبِيهٌ) : لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِبَيَانِ شَرْطِ
الطَّهَارَةِ وَرُكْنِهَا وَسَبَبِهَا وَحُكْمِهَا فَنَقُولُ: أَمَّا
شَرْطُهَا مُطْلَقًا فَأَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: شَرْطُ وُجُودِهَا
الْحِسِّيِّ وَشَرْطُ وُجُودِهَا الشَّرْعِيِّ، وَشَرْطُ الْوُجُوبِ،
وَشَرْطُ الصِّحَّةِ فَشَرْطُ وُجُودِهَا الْحِسِّيِّ وُجُودُ الْمُزِيلِ،
وَالْمُزَالِ عَنْهُ، وَالْقُدْرَةُ عَلَى الْإِزَالَةِ، وَشَرْطُ
وُجُودِهَا الشَّرْعِيِّ كَوْنُ الْمُزِيلِ مَشْرُوعَ الِاسْتِعْمَالِ فِي
مِثْلِهِ، وَشَرْطُ وُجُوبِهَا التَّكْلِيفُ وَالْحَدَثُ، وَشَرْطُ
صِحَّتِهَا صُدُورُ الْمُطَهِّرِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ مَعَ زَوَالِ
مَانِعِهِ، وَأَمَّا رُكْنُهَا فِي الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ فَغَسْلُ
الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ وَمَسْحُ رُبْعِ الرَّأْسِ وَفِي النَّجَسِ
الْعَيْنِيِّ زَوَالُهُ وَفِي غَيْرِهِ غَسْلُهُ حَتَّى يَظُنَّ زَوَالَهُ.
وَأَمَّا سَبَبُهَا فَاسْتِبَاحَةُ مَا لَا يَحِلُّ إلَّا بِهَا وَهُوَ
حُكْمُهَا الدُّنْيَوِيُّ، وَالثَّوَابُ وَلَيْسَ خَاصًّا بِهَا بَلْ كُلُّ
عِبَادَةٍ يَسْتَحِقُّ بِهَا الثَّوَابَ وَقَدْ جَمَعَ الْحَلَبِيُّ فِي
شَرْحِ الْمُنْيَةِ شُرُوطَهَا لَكِنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى مَا هُوَ
رُكْنٌ وَذَكَرَ فِيهَا مَا لَيْسَ مُخْتَصًّا بِهَا وَفِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ
مِنْ التَّسَامُحِ كَذَا قَالَهُ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيُّ ثُمَّ
قَالَ: وَقَدْ نَظَمْتهَا مُجَامَلَةً مَعَ الْجَامِعِ الْمَذْكُورِ
فَقُلْت
شَرْطُ الْوُجُوبِ الْعَقْلُ وَالْإِسْلَامُ ... وَقُدْرَةُ الْمَاءِ
وَالِاحْتِلَامُ
وَحَدَثٌ وَنَفْيُ حَيْضٍ وَعَدَمْ ... نِفَاسِهَا وَضِيقُ وَقْتٍ قَدْ
هَجَمْ
وَشَرْطُ صِحَّةٍ عُمُومُ الْبَشَرَهْ ... بِمَائِهِ الطَّهُورِ ثُمَّ فِي
الْمَرَهْ
فَقْدُ نِفَاسِهَا وَحَيْضِهَا وَأَنْ ... يَزُولَ كُلُّ مَانِعٍ عَنْ
الْبَدَنْ
انْتَهَى.
(قَوْلُهُ: الْوُضُوءُ لُغَةً النَّظَافَةُ) أَقُولُ أَيْ مَأْخُوذٌ مِنْ
النَّظَافَةِ كَمَا فِي الْإِشَارَةِ وَالرَّمْزِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ
وَمِنْ الْوَضَاءَةِ، وَالْحُسْنِ وَقَدْ وَضُؤَ يَوْضُؤُ وُضُوءًا فَهُوَ
وَضِيءٌ كَذَا فِي الطِّلْبَةِ، وَفِي كِتَابِ سِيبَوَيْهِ فِيمَا جَاءَ
عَلَى فَعُولٍ تَوَضَّأْت وَضُوءًا وَتَطَهَّرْت طَهُورًا وَقَبِلْته
قَبُولًا اهـ.
وَفِي الْمُغْرِبِ بِالضَّمِّ الْمَصْدَرُ وَبِالْفَتْحِ الْمَاءُ الَّذِي
يُتَوَضَّأُ بِهِ قَالَ الرَّاغِبُ دَخَلْت مِصْرًا فَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا
يَفْتَحُ وَاوَهُ مَعَ أَنَّ مَشَايِخَنَا الْأَنْدَلُسِيِّينَ لَمْ
يَضُمَّهَا وَاحِدٌ مِنْهُمْ مَعَ عِلْمِهِمْ بِجَوَازِ الْوَجْهَيْنِ
كَذَا فِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيِّ لِنَظْمِ الْكَنْزِ
1 -
(1/6)
بِالِاتِّفَاقِ، وَالصَّلَاةُ فُرِضَتْ
بِمَكَّةَ فَيَلْزَمُ كَوْنُ الصَّلَاةِ بِلَا وُضُوءٍ إلَى حِينِ
نُزُولِهَا قُلْنَا لَا يَلْزَمُ لِمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ
وَغَيْرِهِ «عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ تَوَضَّأَ
وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ فَقِيلَ لَهُ أَتَفْعَلُ هَذَا قَالَ فَمَا
يَمْنَعُنِي أَنْ أَمْسَحَ وَقَدْ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْسَحُ قَالُوا إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ
قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ الْمَائِدَةِ قَالَ مَا أَسْلَمْت إلَّا بَعْدَ
نُزُولِ آيَةِ الْمَائِدَةِ» .
وَلِمَا قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَيَانِ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ «إذَا أَحْدَثَ امْتَنَعَ مِنْ
الْأَعْمَالِ كُلِّهَا» حَتَّى أَنَّهُ لَا يَرُدُّ جَوَابَ السُّؤَالِ
حَتَّى يَتَطَهَّرَ لِلصَّلَاةِ إلَى أَنْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ
فَيَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ الْوُضُوءُ بِالْوَحْيِ الْغَيْرِ الْمَتْلُوِّ
أَوْ الْأَخْذِ مِنْ الشَّرَائِعِ السَّابِقَةِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا
رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ تَوَضَّأَ
ثَلَاثًا ثَلَاثًا قَالَ هَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ
قَبْلِي» فَإِنْ قِيلَ إذَا ثَبَتَ الْوُضُوءُ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ فَمَا
فَائِدَةُ نُزُولِ الْآيَةِ قُلْنَا لَعَلَّهَا لِتَقْرِيرِ أَمْرِ
الْوُضُوءِ وَتَثْبِيتِهِ فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ عِبَادَةً
مُسْتَقِلَّةً بَلْ تَابِعًا لِلصَّلَاةِ احْتَمَلَ أَنْ لَا تَهْتَمَّ
الْأُمَّةُ بِشَأْنِهِ وَيَتَسَاهَلُونَ فِي مُرَاعَاةِ شَرَائِطِهِ
وَأَرْكَانِهِ بِطُولِ الْعَهْدِ عَنْ زَمَنِ الْوَحْيِ وَانْتِقَاصِ
النَّاقِلِينَ يَوْمًا فَيَوْمًا بِخِلَافِ مَا إذَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ
الْمُتَوَاتِرِ الْبَاقِي فِي كُلِّ زَمَنٍ عَلَى كُلِّ لِسَانٍ وَأَيْضًا
إذَا وَرَدَ فِيهِ الْوَحْيُ الْمَتْلُوُّ يَتَأَتَّى اخْتِلَافُ
الْعُلَمَاءِ الَّذِي هُوَ رَحْمَةٌ وَتَحْقِيقُ هَذَا الْمَقَامِ عَلَى
هَذَا الْأُسْلُوبِ مِمَّا تَفَرَّدْت بِهِ
(غَسْلُ الْوَجْهِ مَرَّةً) لِأَنَّ أَمْرَ فَاغْسِلُوا لَا يَدُلُّ عَلَى
التَّكْرَارِ (وَهُوَ) أَيْ الْوَجْهُ (مَا بَيْنَ مَنْبِتِ الشَّعْرِ
غَالِبًا) هَذَا الْقَيْدُ يُخْرِجُ النَّزَعَتَيْنِ وَهُمَا جَانِبَا
الْجَبْهَةِ يَنْحَسِرُ الشَّعْرُ عَنْهُمَا فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ
غَسْلُهُمَا فِي الْوُضُوءِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِمَنْبِتِ الشَّعْرِ:
مَحَلُّ نَبَاتِهِ غَالِبًا سَوَاءٌ نَبَتَ أَوْ لَا.
(وَ) بَيْنَ (أَسْفَلِ الذَّقَنِ، وَالْأُذُنَيْنِ) وَبِهِ يَتِمُّ
تَحْدِيدُ الْوَجْهِ بِحَسَبِ الطُّولِ، وَالْعَرْضِ، وَلَمَّا اقْتَضَى
هَذَا التَّحْدِيدُ بَعْدَ قَوْلِهِ فَرْضُ الْوُضُوءِ غَسْلَ الْوَجْهِ
أَنْ يَجِبَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ: قَالُوا إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ)
أَقُولُ هَذَا هُوَ مَحَلُّ الِاسْتِدْلَالِ، وَالْإِشَارَةُ رَاجِعَةٌ
إلَى الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا
الْحَدِيثِ ثُبُوتُ الْوُضُوءِ مِنْ لَازِمِ قَوْلِ الصَّحَابَةِ إنَّمَا
كَانَ ذَلِكَ أَيْ الْمَسْحُ الْمُشْتَمِلُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ قَبْلَ
نُزُولِ الْمَائِدَةِ فَقَدْ أَثْبَتُوا الْوُضُوءَ قَبْلَ نُزُولِ
الْمَائِدَةِ لَكِنَّهُمْ أَنْكَرُوا بَقَاءَ جَوَازِ بَقَاءِ الْمَسْحِ
بَعْدَ النُّزُولِ لِظَنِّ نَسْخِهِ بِغَسْلِ الرِّجْلَيْنِ فِي آيَةِ
الْوُضُوءِ فَأَثْبَتَ الْمَاسِحُ بَقَاءَهُ بِقَوْلِهِ إنَّمَا أَسْلَمْت
بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ وَمَحَلُّ هَذَا الْحَدِيثِ بَابُ الْمَسْحِ
عَلَى الْخُفَّيْنِ لِلِاسْتِدْلَالِ عَلَى بَقَاءِ جَوَازِ الْمَسْحِ
بَعْدَ نُزُولِ آيَةِ الْوُضُوءِ، وَأَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا
الْمَحَلِّ لِمَا فِيهِ مِنْ إثْبَاتِ الْوُضُوءِ قَبْلَ نُزُولِ آيَتِهِ
دِرَايَةً وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْوُضُوءَ كَانَ مَفْرُوضًا
وَمَنْقُولُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ فُرِضَ بِمَكَّةَ وَنَزَلَتْ آيَتُهُ
بِالْمَدِينَةِ وَزَعَمَ ابْنُ الْجَهْمِ الْمَالِكِيُّ أَنَّهُ كَانَ
مَنْدُوبًا قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَابْنُ حَزْمٍ أَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا
فِي الْمَدِينَةِ هَذَا وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ عَنْ جَابِرٍ صَوَابُهُ عَنْ
جَرِيرٍ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ لَمْ تَقَعْ عَنْ جَابِرٍ فِي مُسْلِمٍ وَلَا
فِي غَيْرِهِ عَلَى مَا رَأَيْت بَلْ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
الْبَجَلِيِّ وَلَفْظُ صَحِيحِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى
التَّمِيمِيُّ وَإِسْحَاقُ عَنْ إبْرَاهِيمَ وَأَبُو كُرَيْبٍ جَمِيعًا
عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ
حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ، وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى أَنَا
أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ هَمَّامٍ قَالَ
«بَالَ جَرِيرٌ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ فَقِيلَ
أَتَفْعَلُ هَذَا قَالَ نَعَمْ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ» .
قَالَ الْأَعْمَشُ قَالَ إبْرَاهِيمُ كَانَ يُعْجِبُهُمْ هَذَا الْحَدِيثُ
لِأَنَّ إسْلَامَ جَرِيرٍ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ.
وَقَالَ شَارِحُهُ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ - نَفَعَنَا اللَّهُ
بِبَرَكَاتِهِمَا - قَوْلُهُ: كَانَ يُعْجِبُهُمْ هَذَا الْحَدِيثُ لِأَنَّ
إسْلَامَ جَرِيرٍ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ مَعْنَاهُ أَنَّ
اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ: {فَاغْسِلُوا
وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ
وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: 6] فَلَوْ كَانَ إسْلَامُ جَرِيرٍ مُتَقَدِّمًا
عَلَى نُزُولِ الْمَائِدَةِ لَاحْتَمَلَ كَوْنُ حَدِيثِهِ فِي مَسْحِ
الْخُفِّ مَنْسُوخًا بِآيَةِ الْمَائِدَةِ فَلَمَّا كَانَ إسْلَامُهُ
مُتَأَخِّرًا عَلِمْنَا أَنَّ حَدِيثَهُ يُعْمَلُ بِهِ، وَهُوَ مُبَيِّنٌ
أَنَّ الْمُرَادَ بِآيَةِ الْمَائِدَةِ غَيْرُ صَاحِبِ الْخُفِّ فَتَكُونُ
السُّنَّةُ مُخَصَّصَةً لِلْآيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَرَوَيْنَا فِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: مَا سَمِعْت فِي الْمَسْحِ عَلَى
الْخُفَّيْنِ أَحْسَنَ مِنْ حَدِيثِ جَرِيرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ.
قُلْت وَإِمَامُ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ
أَسْلَمَ مِنْ الْأَنْصَارِ قَبْلَ الْعَقَبَةِ الْأُولَى بِعَامٍ كَذَا
قَالَهُ الْحُفَّاظُ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَسْلَمَ مَعَ النَّفَرِ السِّتَّةِ، وَالظَّاهِرُ
أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ لَا يَعُدُّ
مِنْ النَّفَرِ السِّتَّةِ عُتْبَةَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي نُورِ النِّبْرَاسِ
عِنْدَ ذِكْرِ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْأَنْصَارِ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - (قَوْلُهُ: غَسْلُ الْوَجْهِ) بِالْفَتْحِ مَصْدَرُ
غَسَلْته غَسْلًا وَبِالضَّمِّ الِاسْمُ أَيْ غَسْلُ الْبَدَنِ، وَالْمَاءُ
الَّذِي يَغْتَسِلُ بِهِ وَبِالْكَسْرِ مَا يَغْسِلُ بِهِ مِنْ خِطْمِيٍّ
وَنَحْوِهِ، وَالْغَسْلُ إسَالَةُ الْمَاءِ بِحَيْثُ يَتَقَاطَرُ كَذَا
أَطْلَقَهُ فِي الْبُرْهَانِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى تَعَدُّدِ الْقَطَرَاتِ
لَكِنْ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيُّ وَلَوْ قَطْرَةً عِنْدَهُمَا.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بَلْ الْمَحَلُّ وَإِنْ لَمْ يَسِلْ وَلَا يَغْسِلُ
دَاخِلَ الْعَيْنِ بِالْمَاءِ وَلَا بَأْسَ بِغَسْلِ الْوَجْهِ مُغْمِضًا
عَيْنَيْهِ، وَقِيلَ إنْ غَمَّضَ شَدِيدًا لَا يَجُوزُ وَفِي ظَاهِرِ
الرِّوَايَةِ يَجُوزُ وَلَوْ تَرَمَّصَتْ عَيْنُهُ يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ
تَحْتَ الرَّمَصِ إنْ بَقِيَ خَارِجًا بِتَغْمِيضِ الْعَيْنِ وَإِلَّا
فَلَا كَمَا فِي شَرْحِ الْعَلَّامَةِ الشَّيْخِ عَلِيٍّ الْمَقْدِسِيِّ
(1/7)
عَلَى الْمُلْتَحِي الْمُتَوَضِّئِ غَسْلُ
مَا تَحْتَ الْعِذَارِ، وَالشَّارِبِ، وَالْحَاجِبِ، وَاللِّحْيَةِ إلَى
أَسْفَلِ الذَّقَنِ مَعَ أَنَّ كُتُبَ الْفَنِّ مَشْحُونَةٌ بِأَنَّ غَسْلَ
مَا تَحْتَهَا لَا يَجِبُ أَرَادَ دَفْعَهُ بِقَوْلِهِ (وَالْعِذَارُ) . .
. إلَخْ عِذَارُ اللِّحْيَةِ جَانِبَاهَا اُسْتُعِيرَا مِنْ عِذَارَى
الدَّابَّةِ وَهُمَا عَلَى خَدَّيْهَا مِنْ اللِّجَامِ (لَا يُسْقِطُ
حُكْمَ مَا وَرَاءَهُ) وَهُوَ الْبَيَاضُ بَيْنَ الْعِذَارِ وَالْأُذُنِ
يُسَمَّى الْعَارِضَ وَحُكْمُهُ وُجُوبُ غَسْلِهِ فَإِنَّ الْعِذَارَ لَا
يُسْقِطُهُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ (بَلْ يَنْقُلُ حُكْمَ مَا تَحْتَهُ)
وَهُوَ وُجُوبُ الْغَسْلِ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْعِذَارِ حَتَّى يَجِبَ
غَسْلُهُ (كَالشَّارِبِ، وَالْحَاجِبِ) حَيْثُ يَنْقُلَانِ حُكْمَ مَا
تَحْتَهُمَا إلَيْهِمَا حَتَّى يَجِبَ غَسْلُهُمَا وَلَا يَجِبَ إيصَالُ
الْمَاءِ إلَى مَا تَحْتَهُمَا (وَاللِّحْيَةُ تَنْقُلُهُ) أَيْ حُكْمَ مَا
تَحْتَهَا (إلَى مَلَاقِي الْبَشَرَةِ مِنْهَا) أَيْ مِنْ اللِّحْيَةِ
وَهُوَ أَظْهَرُ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
وَاخْتَارَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ قَالَ فِي مِعْرَاجِ
الدِّرَايَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ.
وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَبِهِ يُفْتَى (أَوْ) لَا تَنْقُلُهُ
بَلْ (تُبَدِّلُهُ بِمَسْحِهِ) أَيْ مَسْحِ مَلَاقِي الْبَشَرَةِ قَالَ
قَاضِي خَانْ: وَفِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - مَسْحُ مَا يَسْتُرُ الْبَشَرَةَ فَرْضٌ وَهُوَ
الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ (أَوْ مَسْحِ رُبْعِهِ) أَيْ رُبْعِ الْمَلَاقِي
وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
قَالَ فِي الْمُحِيطِ بَعْدَ تَحْدِيدِ الْوَجْهِ فَإِنْ كَانَ أَمْرَدَ
غَسَلَ جَمِيعَهُ وَإِنْ كَانَ مُلْتَحِيًا لَا يَجِبُ غَسْلُ مَا
تَحْتَهَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجِبُ إنْ كَانَتْ
اللِّحْيَةُ خَفِيفَةً وَكَذَا لَا يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى مَا
تَحْتَ الشَّارِبِ، وَالْحَاجِبِ خِلَافًا لَهُ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُنَا
لِأَنَّ مَحَلَّ الْفَرْضِ اسْتَتَرَ بِالْحَائِلِ وَصَارَ بِحَالٍ لَا
يُوَاجِهُ النَّاظِرَ إلَيْهِ فَسَقَطَ الْفَرْضُ عَنْهُ وَتَحَوَّلَ إلَى
الْحَائِلِ كَبَشَرَةِ الرَّأْسِ ثُمَّ قَالَ: وَالْبَيَاضُ الَّذِي بَيْنَ
الْعِذَارِ، وَالْأُذُنِ يَجِبُ غَسْلُهُ عِنْدَهُمَا.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجِبُ بِخِلَافِ مَحَلِّ الْعِذَارِ لِأَنَّهُ
اسْتَتَرَ بِشَعْرٍ نَبَتَ عَلَيْهِ فَقَامَ مَقَامَهُ (وَالْيَدَيْنِ)
عَطْفٌ عَلَى الْوَجْهِ (فُرَادَى) وَكَيْفِيَّتُهُ عَلَى مَا فِي
الْكَافِي وَغَيْرِهِ أَنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ: خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْخِلَافَ مَذْهَبٌ
لِأَبِي يُوسُفَ.
وَفِي الْبَحْرِ، وَالْبُرْهَانِ أَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْهُ وَظَاهِرُ
النُّقُولِ أَنَّ مَذْهَبَهُ بِخِلَافِهِ وَعِبَارَةُ الْبُرْهَانِ وَقِيلَ
يُخْرِجُ أَبُو يُوسُفَ مَا وَرَاءَ الْعِذَارِ.
(قَوْلُهُ: كَالشَّارِبِ، وَالْحَاجِبِ. . . إلَخْ) أَقُولُ كَذَا فِي
الْوَلْوَالِجيَّةِ حَيْثُ قَالَ فِيهَا إنَّ الْمُفْتَى بِهِ لَا يَجِبُ
إيصَالُ الْمَاءِ إلَى مَا تَحْتَهُ أَيْ الشَّارِبِ كَالْحَاجِبَيْنِ
وَعَدَّ فِي التَّجْنِيسِ إيصَالَ الْمَاءِ إلَى مَنَابِتِ شَعْرِ
الْحَاجِبَيْنِ، وَالشَّارِبِ مِنْ الْآدَابِ مُطْلَقًا اهـ.
وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْبَقَّالِيِّ لَوْ قَصَّ الشَّارِبَ لَا يَجِبُ
تَخْلِيلُهُ وَإِنْ طَالَ يَجِبُ تَخْلِيلُهُ اهـ.
وَكَذَا يُخَالِفُهُ مَا قَالَهُ فِي الْبُرْهَانِ وَيَجِبُ غَسْلُ
بَشَرَةٍ لَمْ يَسْتُرْهَا الشَّعْرُ كَحَاجِبٍ وَشَارِبٍ وَعَنْفَقَةٍ فِي
الْمُخْتَارِ لِبَقَاءِ الْمُوَاجَهَةِ بِهَا وَعَدَمِ عُسْرِ غَسْلِهَا
وَقِيلَ يَسْقُطُ لِانْعِدَامِ الْمُوَاجَهَةِ الْكَامِلَةِ بِالنَّبَاتِ
اهـ.
(قَوْلُهُ: وَاللِّحْيَةُ تَنْقُلُهُ) أَيْ حُكْمَ مَا تَحْتَهَا إلَى
مُلَاقِي الْبَشَرَةِ مِنْهَا. . . إلَخْ الْمُرَادُ بِحُكْمِ مَا
تَحْتَهَا لُزُومُ غَسْلِهِ فَتَنْقُلُهُ إلَيْهَا وَأَطْلَقَ اللِّحْيَةَ
فَشَمَلَ الْكَثِيفَةَ وَغَيْرَهَا وَهُوَ صَرِيحُ مَا نَقَلَهُ
الْمُصَنِّفُ بَعْدَهُ عَنْ الْمُحِيطِ وَمِثْلُهُ فِي الْبَدَائِعِ مَعَ
زِيَادَةٍ حَيْثُ قَالَ فِيهَا الْمَحْدُودُ مِنْ الْوَجْهِ يَجِبُ
غَسْلُهُ قَبْلَ نَبَاتِ الشَّعْرِ، وَإِذَا نَبَتَ سَقَطَ غَسْلُ مَا
تَحْتَهُ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الثَّلْجِيُّ إنَّهُ لَا يَسْقُطُ غَسْلُ مَا
تَحْتَهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ كَانَ الشَّعْرُ كَثِيفًا يَسْقُطُ
وَإِنْ كَانَ خَفِيفًا لَا يَسْقُطُ اهـ.
وَلَكِنْ قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُخْتَارَ عِنْدَنَا التَّفْصِيلُ فَصَارَ
مَذْهَبُنَا عَلَى الْمُخْتَارِ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ (قَوْلُهُ: وَهُوَ
أَظْهَرُ الرِّوَايَاتِ) أَيْ نَقْلُ اللِّحْيَةِ غَسْلُ مَا تَحْتَهَا
إلَى جَمِيعِ ظَاهِرِهَا وَهِيَ كَثِيفَةٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ،
وَالنَّقْلُ إلَيْهَا أَصَحُّ مَا يُفْتَى بِهِ، وَالِاكْتِفَاءُ
بِثُلُثِهَا أَوْ رُبْعِهَا غَسْلًا أَوْ مَسْحًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ
مَسْحِ الْكُلِّ مَتْرُوكٌ، وَالْخِلَافُ فِي غَيْرِ الْمُسْتَرْسِلِ عَنْ
دَائِرَةِ الْوَجْهِ وَأَمَّا الْمُسْتَرْسِلُ فَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ وَلَا
مَسْحُهُ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ.
وَفِي الْبَحْرِ عَنْ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي أَنَّهُ سُنَّةٌ (قَوْلُهُ:
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجِبُ إنْ كَانَتْ اللِّحْيَةُ خَفِيفَةً)
قَدَّمْنَا أَنَّهُ مَذْهَبُنَا عَلَى الْمُخْتَارِ فَلَا يَخْتَصُّ بِهِ
الشَّافِعِيُّ (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَا يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى مَا
تَحْتَ الشَّارِبِ، وَالْحَاجِبِ) قَدْ عَلِمْتَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ
اخْتِلَافِ التَّرْجِيحِ فِيهِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ قَالَ) الضَّمِيرُ فِيهِ
رَاجِعٌ إلَى الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ: وَالْيَدَيْنِ) قَالَ الْعَلَّامَةُ
الْمَقْدِسِيُّ فِي شَرْحِهِ: فَلَوْ خُلِقَ لَهُ يَدَانِ عَلَى
الْمَنْكِبِ فَالتَّامَّةُ هِيَ الْأَصْلِيَّةُ يَجِبُ غَسْلُهَا،
وَالْأُخْرَى زَائِدَةٌ فَمَا حَاذَى مِنْهَا مَحَلَّ الْفَرْضِ يَجِبُ
غَسْلُهُ وَمَا لَا فَلَا وَيُنْدَبُ وَكَذَا مَا تَرَكَّبَ فِي الْيَدِ
مِنْ أُصْبُعٍ زَائِدَةٍ وَكَفٍّ وَسِلْعَةٍ، وَالزَّائِدُ عَلَى
الرِّجْلَيْنِ كَالْيَدَيْنِ اهـ.
(قَوْلُهُ: فُرَادَى) أَقُولُ فِي هَذَا التَّقْيِيدِ نَظَرٌ لِأَنَّ
الْفَرْضَ فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ لَا يَتَقَيَّدُ بِكَوْنِهِمَا
مُنْفَرِدَتَيْنِ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الرِّجْلَيْنِ وَعَلَى مَا قَالَهُ
يَتَقَيَّدُ بِمَا ذَكَرَهُ وَحُذِفَ فِي الثَّانِي لِدَلَالَةِ الْأَوَّلِ
عَلَيْهِ وَلَكِنَّ هَذَا الْقَيْدَ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَحَمْلُ
لَفْظَةِ فُرَادَى عَلَى إرَادَةِ أَفْرَادِ الْغَسْلِ يَأْبَاهُ قَوْلُ
الْمُصَنِّفِ بَعْدَهُ مَرَّةً (قَوْلُهُ: وَكَيْفِيَّتُهُ. . . إلَخْ) .
أَقُولُ لَمْ يَذْكُرْ الْكَافِي هَذِهِ الْكَيْفِيَّةَ فِي هَذَا
الْمَحَلِّ أَعْنِي فِي بَيَانِ الْفَرَائِضِ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى مَا
رَأَيْت بَلْ فِي سُنَنِ الْوُضُوءِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِأَنَّ
الْمُرَادَ هُنَا بَيَانُ مَا هُوَ الْمَفْرُوضُ فِي الْوُضُوءِ فِي حَدِّ
ذَاتِهِ، وَالْعِبَارَةُ نَاطِقَةٌ بِمَا يُفِيدُ أَنَّ هَذَا فِي
الْغَسْلِ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ لِقَوْلِهِ: وَيَصُبُّ الْمَاءَ عَلَى
يَمِينِهِ ثَلَاثًا. . . إلَخْ لِأَنَّ الشَّخْصَ وَإِنْ اسْتَيْقَظَ مِنْ
النَّوْمِ وَلَا يَتَيَقَّنُ نَجَاسَةً عَلَى يَدِهِ لَا يَلْزَمُهُ
غَسْلُهَا ثَلَاثًا بِتَوَهُّمِ إصَابَتِهَا مَحَلًّا نَجِسًا بَلْ هُوَ
مَسْنُونٌ احْتِيَاطًا فَكَانَ يَنْبَغِي اقْتِفَاءُ أَثَرِ
(1/8)
يَأْخُذَ الْإِنَاءَ بِشِمَالِهِ وَيَصُبَّ
عَلَى يَمِينِهِ ثَلَاثًا ثُمَّ يَأْخُذَهُ بِيَمِينِهِ وَيَصُبَّ عَلَى
الْيُسْرَى كَذَلِكَ وَكَذَا إذَا كَانَ كَبِيرًا وَمَعَهُ إنَاءٌ صَغِيرٌ
وَإِلَّا يُدْخِلُ أَصَابِعَ يَدِهِ الْيُسْرَى مَضْمُومَةً فِي الْإِنَاءِ
وَيَصُبُّ عَلَى كَفِّهِ الْيُمْنَى وَيُدَلِّكُ الْأَصَابِعَ بَعْضَهَا
بِبَعْضٍ حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ يُدْخِلُ الْيُمْنَى فِي الْإِنَاءِ
وَيَغْسِلُ الْيُسْرَى وَوَجْهَهُ مَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ تَاجِ
الشَّرِيعَةِ أَنَّ نَقْلَ الْبَلَّةِ فِي الْوُضُوءِ مِنْ إحْدَى
الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ إلَى الْأُخْرَى لَمْ يَجُزْ وَجَازَ فِي
الْغُسْلِ لِأَنَّ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ مُخْتَلِفَةٌ حَقِيقَةً وَعُرْفًا
أَمَّا حَقِيقَةً فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عُرْفًا فَلِأَنَّهَا لَا تُغْسَلُ
بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَعُضْوٍ وَاحِدٍ حُكْمًا نَظَرًا إلَى الدُّخُولِ
تَحْتَ خِطَابٍ وَاحِدٍ فَتَعَارَضَ الِاخْتِلَافُ الْحَقِيقِيُّ مَعَ
الِاتِّحَادِ الْحُكْمِيِّ فَتَرَجَّحَ الِاخْتِلَافُ الْحَقِيقِيُّ
بِالْعُرْفِ وَلَا كَذَلِكَ الْغُسْلُ فَإِنَّ جَمِيعَ الْأَعْضَاءِ فِيهِ
مُتَّحِدَةٌ حُكْمًا وَعُرْفًا فَتَرَجَّحَ الِاتِّحَادُ الْحُكْمِيُّ
بِالْعُرْفِ وَبِهِ يَظْهَرُ فَسَادُ مَا قِيلَ لَا حَاجَةَ إلَى الصَّبِّ
عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ كَفَّيْهِ عَلَى حِدَةٍ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ
غَسْلُ الْكَفَّيْنِ بِالْمِيَاهِ الَّتِي صُبَّتْ عَلَى الْكَفِّ
الْيُمْنَى كَمَا هُوَ الْعَادَةُ فَإِنَّ فِيهِ تَرْجِيحًا لِعَادَةِ
الْعَوَامّ عَلَى عُرْفِ الشَّرْعِ فَلْيُتَأَمَّلْ (مَرَّةً) لِمَا مَرَّ
(بِالْمِرْفَقَيْنِ) وَهُوَ مُلْتَقَى عَظْمِ الْعَضُدِ، وَالذِّرَاعِ
(وَالرِّجْلَيْنِ مَرَّةً بِالْكَعْبَيْنِ) وَهُوَ الْعَظْمُ النَّاتِئُ
الْمُتَّصِلُ بِعَظْمِ السَّاقِ مِنْ طَرَفَيْ الْقَدَمِ لَا مَا رَوَى
هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ الْمَفْصِلُ الَّذِي فِي وَسَطِ الْقَدَمِ
عِنْدَ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ لِأَنَّهُ فِي كُلِّ رِجْلٍ وَاحِدٌ
كَالْمِرْفَقِ فِي الْيَدِ وَقَدْ ثَنَّى الْكَعْبَ فِي الْآيَةِ
فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ مَا ذَكَرْنَا وَإِلَّا لَمْ يَظْهَرْ
لِلْعُدُولِ إلَى التَّثْنِيَةِ فَائِدَةٌ، فَإِنْ قِيلَ مُقَابَلَةُ
الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ فِي الْآيَةِ تَقْتَضِي كَوْنَ الْوَاجِبِ عَلَى
كُلِّ وَاحِدٍ غَسْلَ يَدٍ وَرِجْلٍ قُلْنَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ غَسْلُ
الْأُخْرَى بِدَلَالَةِ النَّصِّ أَوْ فِعْلِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَنْقُولِ عَنْهُ بِالتَّوَاتُرِ لَا الْإِجْمَاعِ
لِأَنَّهُ ثَابِتٌ فِي عَهْدِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -، وَالْإِجْمَاعُ بَعْدَهُ فَإِنْ قِيلَ قِرَاءَةُ الْجَرِّ فِي
أَرْجُلِكُمْ مُتَوَاتِرَةٌ أَيْضًا فَمُقْتَضَى الْجَمْعِ بَيْنَ
الْقِرَاءَتَيْنِ إمَّا التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْغَسْلِ، وَالْمَسْحِ كَمَا
قَالَ بِهِ بَعْضُهُمْ أَوْ حَمْلُ النَّصْبِ عَلَى حَالَةِ التَّحَفِّي،
وَالْجَرِّ عَلَى حَالَةِ التَّخَفُّفِ كَمَا قَالَ بِهِ بَعْضُهُمْ
قُلْنَا قِرَاءَةُ الْجَرِّ ظَاهِرُهَا مَتْرُوكٌ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ
مَنْ قَالَ بِالْمَسْحِ لَمْ يَجْعَلْهُ مُغَيَّا بِالْكَعْبَيْنِ وَقَدْ
دَلَّتْ الْأَحَادِيثُ الْمَشْهُورَةُ عَلَى وُجُوبِ الْغَسْلِ
وَالْوَعِيدِ عَلَى التَّرْكِ فَكَانَ هَذَا أَوْفَقَ بِمَا عَلَيْهِ
الْأَكْثَرُونَ وَأَوْفَى بِتَحْصِيلِ الطَّهَارَةِ الْمَقْصُودَةِ
بِالْوُضُوءِ وَأَقْرَبَ إلَى الِاحْتِيَاطِ لِمَا فِي الْغَسْلِ مِنْ
الْمَسْحِ فَتَعَيَّنَ الرُّجُوعُ إلَيْهِ فَيَكُونُ الْجَرُّ بِالْجِوَارِ
كَمَا فِي {عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ} [هود: 84] ، وَجُحْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ،
وَذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ، وَنَظِيرُهُ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ وَالشِّعْرِ،
وَهُوَ فِي الْمَعْنَى مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَغْسُولِ، وَفَائِدَةُ صُورَةِ
الْجَرِّ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَقْصِدَ فِي صَبِّ
الْمَاءِ عَلَيْهِمَا وَيُغْسَلَا غَسْلًا خَفِيفًا شَبِيهًا بِالْمَسْحِ،
لَا يُقَالُ الْجَرُّ بِالْجِوَارِ لَمْ يَجِئْ مَعَ الِالْتِبَاسِ
وَهَاهُنَا مُلْتَبِسٌ لِأَنَّا نَقُولُ ضَرْبُ الْغَايَةِ بِقَوْلِهِ إلَى
الْكَعْبَيْنِ رَفْعُ الِالْتِبَاسِ كَمَا ذَكَرْنَا، هَكَذَا يَجِبُ أَنْ
يُعْلَمَ هَذَا الْمَقَامُ
(، وَالدَّرَنُ) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ الْوَسَخُ الْحَاصِلُ فِي أَعْضَاءِ
الْوُضُوءِ (وَالْوَنِيمُ) وَهُوَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الذُّبَابِ أَوْ
الْبُرْغُوثِ (وَالْحِنَّاءُ) أَيْ لَوْنُهُ إذْ جِرْمُهُ كَالطِّينِ (لَا
يَمْنَعُ الطَّهَارَةَ كَالطَّعَامِ بَيْنَ الْأَسْنَانِ) وُضُوءًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
الْكَافِي بِوَضْعِ الشَّيْءِ فِي مَحَلِّهِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا يُدْخِلُ
أَصَابِعَ يَدِهِ الْيُسْرَى. . . إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا
يُدْخِلُ الْكَفَّ فَإِنْ أَدْخَلَهُ صَارَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا وَبِهِ
صَرَّحَ فِي الْمُبْتَغَى وَيُخَالِفُهُ قَوْلُ قَاضِي خَانْ الْمُحْدِثُ
أَوْ الْجُنُبُ إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْمَاءِ لِلِاغْتِرَافِ وَلَيْسَ
عَلَيْهَا نَجَاسَةٌ لَا يَفْسُدُ الْمَاءُ وَكَذَا إذَا وَقَعَ الْكُوزُ
فِي الْجُبِّ وَأَدْخَلَ يَدَهُ إلَى الْمِرْفَقِ لِإِخْرَاجِ الْكُوزِ لَا
يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا وَكَذَا الْجُنُبُ إذَا أَدْخَلَ رِجْلَهُ
فِي الْبِئْرِ لِيَطْلُبَ الدَّلْوَ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا لِمَكَانِ
الضَّرُورَةِ اهـ.
وَكَذَا يُخَالِفُهُ مَا قَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ يُكْرَهُ بِالْمَاءِ
الَّذِي أَدْخَلَ الْمُسْتَيْقِظُ يَدَهُ فِيهِ لِاحْتِمَالِ النَّجَاسَةِ
كَمَاءٍ وَضَعَ صَبِيٌّ فِيهِ يَدَهُ اهـ.
كَلَامُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَعْتَمِدَ قَوْلُ قَاضِي خَانْ لِمَا قَالُوا
يُكْرَهُ إدْخَالُ الْيَدِ الْإِنَاءَ قَبْلَ الْغَسْلِ لِحَدِيثِ نَهْيِ
الْمُسْتَيْقِظِ وَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ، وَالنَّهْيُ مَحْمُولٌ عَلَى
وِجْدَانِ مَا يَغْتَرِفُ بِهِ ذَكَرَ الْحَمْلَ فِي الْمُسْتَصْفَى:
وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الِاغْتِرَافِ لَا بِثَوْبِهِ وَلَا بِفَمِهِ
وَلَا غَيْرِهِ وَيَدَاهُ نَجِسَتَانِ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي وَلَا
إعَادَةَ عَلَيْهِ نَقَلَهُ الْمَقْدِسِيُّ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ (قَوْلُهُ:
تَحْتَ خِطَابٍ وَاحِدٍ) يَعْنِي بِالنَّظَرِ إلَى الْأَعْضَاءِ
الْمَغْسُولَةِ دُونَ مَسْحِ الرَّأْسِ لِأَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ أَيْضًا
تَضَمَّنَ الْأَمْرُ خِطَابَيْنِ الْغَسْلَ وَالْمَسْحَ (قَوْلُهُ:
بِالْمِرْفَقَيْنِ) الْمِرْفَقُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْفَاءِ
وَفِيهِ الْقَلْبُ مُلْتَقَى عَظْمَاتِ الْعَضُدِ وَالذِّرَاعِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ فِعْلِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْمَنْقُولِ
عَنْهُ بِالتَّوَاتُرِ) لَا يَلْزَمُ مِنْهُ ثُبُوتُ فَرْضِيَّةِ غَسْلِ
الرِّجْلِ الْأُخْرَى كَمَا فِي الْمَضْمَضَةِ نُقِلَتْ مُتَوَاتِرًا عَنْ
الرَّسُولِ وَلَيْسَتْ فَرْضًا (قَوْلُهُ: أَنْ يَقْصِدَ فِي صَبِّ
الْمَاءِ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ قَصَدَ فِي الْأَمْرِ قَصْدًا
تَوَسَّطَهُ وَطَلَبَ الْأَسَدَّ وَلَمْ يُجَاوِزْ الْحَدَّ
(قَوْلُهُ: إذْ جِرْمُهُ كَالطِّينِ) شَأْنُ الْمُشَبَّهِ بِهِ أَنْ
يَكُونَ مُتَّفَقًا عَلَى حُكْمِهِ فَيُفِيدُ الِاتِّفَاقَ عَلَى مَنْعِ
الطِّينِ وُصُولَ الْمَاءِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ عَقِيبَ هَذَا أَنَّ
الطِّينَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَيُفِيدُ أَنَّ جِرْمَ الْحِنَّاءِ مُخْتَلَفٌ
فِيهِ كَمَا فِي الطِّينِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْحِنَّاءِ خِلَافًا
(1/9)
كَانَ أَوْ غُسْلًا لِأَنَّهَا لَا
تَمْنَعُ نُفُوذَ الْمَاءِ (وَاخْتُلِفَ فِي مِثْلِ الْعَجِينِ وَالطِّينِ)
بِنَاءً عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي مَنْعِ نُفُوذِ الْمَاءِ وَعَدَمِهِ
(وَالْخَاتَمُ) الضَّيِّقُ (يُنْزَعُ أَوْ يُحَرَّكُ) لِيَصِلَ الْمَاءُ
إلَى مَوْضِعِ الْحَلْقَةِ
(وَمَسْحُ) عَطْفٌ عَلَى غَسْلِ (رُبْعِ الرَّأْسِ) (مَرَّةً) فِي
رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ، وَالْكَرْخِيِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (أَوْ قَدْرِ ثَلَاثِ أَصَابِعِ الْيَدِ) فِي رِوَايَةِ هِشَامٍ
عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (بِمَاءٍ جَدِيدٍ أَوْ بَاقٍ
بَعْدَ غَسْلِ عُضْوٍ لَا مَسْحِهِ إلَّا أَنْ يَتَقَاطَرَ) الْمَاءُ (لَا
مَأْخُوذٍ) عَطْفٌ عَلَى بَاقٍ أَيْ لَا بِمَاءٍ أُخِذَ (مِنْ عُضْوٍ)
سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْعُضْوُ مَغْسُولًا أَوْ مَمْسُوحًا (وَلَا
يُعَادُ) الْمَسْحُ (بِحَلْقِ الرَّأْسِ كَمَا لَا يُعَادُ الْغَسْلُ
بِحَلْقِ الْحَاجِبِ وَقَصِّ الشَّارِبِ وَقَلْمِ الظُّفْرِ)
(وَسُنَنُهُ) وَهِيَ مَعَ تَفَاوُتِ أَنْوَاعِهَا مَا يُؤْجَرُ عَلَى
فِعْلِهِ وَيُلَامُ عَلَى تَرْكِهِ، وَالْمُسْتَحَبُّ مَا يُؤْجَرُ عَلَى
فِعْلِهِ وَلَا يُلَامُ عَلَى تَرْكِهِ (الْبَدْءُ بِالنِّيَّةِ) أَيْ
قَصْدِ الْقَلْبِ بِالْوُضُوءِ أَوْ رَفْعِ الْحَدَثِ أَوْ امْتِثَالِ
الْأَمْرِ فِي ابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ.
(وَ) الْبَدْءُ (بِالتَّسْمِيَةِ) أَيْ بِأَنْ يَقُولَ قَبْلَ الْوُضُوءِ
بِسْمِ اللَّهِ الْعَظِيمِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ،
وَاخْتِيرَ كَوْنُهَا سُنَّةً وَإِنْ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْأَصَحُّ
أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ لِأَنَّ السُّنِّيَّةَ مُخْتَارُ الْقُدُورِيِّ
وَالطَّحَاوِيِّ وَصَاحِبِ الْكَافِي.
(قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ) لِأَنَّهُ مِنْ مُقَدِّمَاتِ الْوُضُوءِ
(وَبَعْدَهُ) لِأَنَّهُ حَالُ مُبَاشَرَةِ الْوُضُوءِ احْتِيَاطًا
لِأَنَّهَا عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ قَبْلَهُ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ
بَعْدَهُ فَالْأَحْوَطُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا لَكِنْ لَا حَالَ
الِانْكِشَافِ.
(وَ) الْبَدْءُ (بِغَسْلِ الْيَدَيْنِ إلَى الرُّسْغَيْنِ) سَوَاءٌ
اسْتَيْقَظَ مِنْ النَّوْمِ أَوْ لَا (وَهُوَ يَنُوبُ عَنْ الْفَرْضِ)
فَلَا يَلْزَمُ إعَادَتُهُ إذَا غَسَلَ الْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ.
(وَ) سُنَّتُهُ أَيْضًا (السِّوَاكُ) وَهُوَ يَجِيءُ بِمَعْنَى الشَّجَرَةِ
الَّتِي يَسْتَاكُ بِهَا وَبِمَعْنَى الْمَصْدَرِ وَهُوَ الْمُرَادُ
هَاهُنَا فَلَا حَاجَةَ إلَى تَقْدِيرِ اسْتِعْمَالِ السِّوَاكِ
(بِيُمْنَاهُ) لِأَنَّهُ الْمَنْقُولُ الْمُتَوَارَثُ (كَيْفَ شَاءَ) أَيْ
يَبْدَأُ مِنْ الْأَسْنَانِ الْعُلْيَا أَوْ السُّفْلَى مِنْ الْجَانِبِ
الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ طُولًا أَوْ عَرْضًا أَوْ بِهِمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ: وَاخْتُلِفَ فِي مِثْلِ الْعَجِينِ، وَالطِّينِ) أَقُولُ جَزَمَ
فِي الْبُرْهَانِ بِوُجُوبِ غَسْلِ مَا تَحْتَ الْعَجِينِ وَنَحْوِهِ ثُمَّ
قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ مَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ
عَدَمِ مَنْعِ الطِّينِ، وَالْعَجِينِ عَلَى الْقَلِيلِ الرَّطْبِ
وَاخْتُلِفَ فِي التُّرَابِ فَقِيلَ يُمْنَعُ لِظَاهِرِ حَيْلُولَتِهِ
وَقِيلَ لَا لِعَدَمِ لُزُوجَتِهِ اهـ.
وَقَالَ الْمَقْدِسِيُّ فِي الْفَتْوَى: دَهَنَ رِجْلَيْهِ ثُمَّ تَوَضَّأَ
وَأَمَرَّ الْمَاءَ عَلَى رِجْلَيْهِ وَلَمْ يَقْبَلْ الْمَاءُ
لِلدُّسُومَةِ جَازَ لِوُجُودِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَالْخَاتَمُ الضَّيِّقُ يُنْزَعُ أَوْ يُحَرَّكُ) أَقُولُ هُوَ
الْمُخْتَارُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ
(قَوْلُهُ: وَمَسْحُ رُبْعِ الرَّأْسِ. . . إلَخْ) أَقُولُ فِي مِقْدَارِ
الْمَفْرُوضِ مِنْ مَسْحِ الرَّأْسِ رِوَايَاتٌ أَصَحُّهَا رِوَايَةً
وَدِرَايَةً: مَسْحُ الرُّبْعِ وَأَمَّا رِوَايَةُ مَسْحِ قَدْرِ ثَلَاثِ
أَصَابِعِ الْيَدِ فَهِيَ غَيْرُ الْمَنْصُورِ رِوَايَةً وَدِرَايَةً
وَإِنْ صَحَّتْ كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ اهـ.
وَلَا يَجُوزُ لَوْ مَسَحَ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ أَوْ أُصْبُعَيْنِ وَمَدَّ
الْمَسْحَ حَتَّى اسْتَوْعَبَ قَدْرَ الرُّبْعِ أَمَّا لَوْ مَسَحَ
بِثَلَاثِ أَصَابِعَ فَوَضَعَهَا ثُمَّ مَدَّهَا حَتَّى اسْتَوْعَبَ
الرُّبْعَ صَحَّ الْمَسْحُ لِأَنَّا مَأْمُورُونَ بِالْمَسْحِ بِالْيَدِ
وَالْأُصْبُعَانِ مِنْهَا لَا تُسَمَّى يَدًا بِخِلَافِ الثَّلَاثِ
لِأَنَّهَا أَكْثَرُهَا وَتَمَامُ التَّوْجِيهِ فِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيِّ
ثُمَّ قَالَ: وَمَحَلُّ الْمَسْحِ مَا فَوْقَ الْأُذُنِ فَلَوْ مَسَحَ
عَلَى طَرَفِ ذُؤَابَةٍ شُدَّتْ عَلَى رَأْسِهِ لَمْ يَجُزْ. اهـ.
[سُنَن الْوُضُوء]
(قَوْلُهُ: وَهِيَ مَعَ تَفَاوُتِ أَنْوَاعِهَا) فِي التَّعْبِيرِ
بِالْجَمْعِ تَسَامُحٌ (قَوْلُهُ: مَا يُؤْجَرُ عَلَى فِعْلِهِ) عَرَّفَهُ
بِالْحُكْمِ وَهُوَ سَائِغٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ (قَوْلُهُ: الْبَدْءُ
بِالنِّيَّةِ) أَقُولُ: وَهِيَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ،
وَالتَّلَفُّظُ بِهَا مُسْتَحَبٌّ وَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي غَيْرِ
التَّوَضُّؤِ بِنَبِيذِ التَّمْرِ وَسُؤْرِ الْحِمَارِ أَيْ عَلَى
الْقَوْلِ بِلُزُومِ التَّوَضُّؤِ بِالنَّبِيذِ مِنْهُ أَمَّا فِيهِمَا
فَهِيَ شَرْطٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ لَكِنْ قَالَ الْكَمَالُ اخْتَلَفُوا
فِي النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ، وَالْأَحْوَطُ أَنْ
يَنْوِيَ وَسَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(قَوْلُهُ: وَالْبَدْءُ بِالتَّسْمِيَةِ) مُرَاعَاةُ اسْتِحْبَابِ
التَّلَفُّظِ بِالنِّيَّةِ يُفَوِّتُ الْبَدْءَ بِالتَّسْمِيَةِ حَقِيقَةً
فَيَكُونُ إضَافِيًّا (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَقُولَ: بِاسْمِ اللَّهِ
الْعَظِيمِ. . . إلَخْ) .
أَقُولُ لَعَلَّهُ إنَّمَا عَبَّرَ بِمَا ذَكَرَ عَلَى صِيغَةِ الْحَصْرِ
لِأَنَّهُ الْمَنْقُولُ عَنْ السَّلَفِ وَقِيلَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِلَّا فَقَدْ قِيلَ الْأَفْضَلُ بِسْمِ
اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (قَوْلُهُ: قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ
وَبَعْدَهُ) أَقُولُ هَذَا عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي النِّهَايَةِ عَنْ
قَاضِي خَانْ وَكَذَا يَغْسِلُ الْيَدَيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ مَرَّتَيْنِ
قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ وَبَعْدَهُ.
(قَوْلُهُ: بِيُمْنَاهُ) أَقُولُ إمْسَاكُ السِّوَاكِ بِالْيُمْنَى
مُسْتَحَبٌّ، وَالسُّنَّةُ فِي كَيْفِيَّةِ أَخْذِهِ أَنْ تَجْعَلَ
الْخِنْصَرَ مِنْ يَمِينِك أَسْفَلَ السِّوَاكِ تَحْتَهُ، وَالْبِنْصِرَ
وَالْوُسْطَى، وَالسَّبَّابَةَ فَوْقَهُ وَاجْعَلْ الْإِبْهَامَ أَسْفَلَ
رَأْسِهِ تَحْتَهُ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَلَا تَقْبِضْ
الْقَبْضَةَ عَلَى السِّوَاكِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُوَرِّثُ الْبَاسُورَ.
(قَوْلُهُ: كَيْفَ شَاءَ. . . إلَخْ) هَذَا عَلَى مَا قَالَهُ
الْقُونَوِيُّ، وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ يَسْتَاكُ عَرْضًا لَا طُولًا
لِأَنَّهُ يَجْرَحُ لَحْمَ الْأَسْنَانِ وَيَسْتَاكُ أَعَالِيَ
الْأَسْنَانِ وَأَسَافِلَهَا، وَالْحَنَكَ وَيَبْتَدِئُ مِنْ الْجَانِبِ
الْأَيْمَنِ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثٌ فِي الْأَعَالِي وَثَلَاثٌ فِي
الْأَسَافِلِ بِثَلَاثِ مِيَاهٍ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ لَيِّنًا مِنْ
غَيْرِ عُقَدٍ فِي غِلَظِ الْأُصْبُعِ وَطُولَ شِبْرٍ مِنْ الْأَشْجَارِ
الْمُرَّةِ الْمَعْرُوفَةِ.
وَيُكْرَهُ الِاسْتِيَاكُ مُضْطَجِعًا فَإِنَّهُ يُوَرِّثُ كِبَرَ
الطِّحَالِ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
وَقَالَ الْفَارِضِيُّ فِي حَاشِيَةِ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ: مِنْ
فَضَائِلِ السِّوَاكِ أَنَّهُ يُبَطِّئُ بِالشَّيْبِ وَيَحُدُّ الْبَصَرَ
وَأَحْسَنُهَا أَنَّهُ شِفَاءٌ لِمَا دُونَ الْمَوْتِ وَأَنَّهُ يُسْرِعُ
فِي الْمَشْيِ عَلَى الصِّرَاطِ، وَمِنْ آدَابِهِ: أَنَّهُ لَا يَزِيدُ
عَلَى شِبْرٍ وَلَا يُوضَعُ مُنْبَسِطًا عَلَى الْأَرْضِ بَلْ قَائِمًا
وَيُكْرَهُ فِي الْخَلَاءِ اهـ.
(1/10)
(وَعِنْدَ الضَّرُورَةِ يُعَالِجُ
بِالْأُصْبُعِ) كَمَا هُوَ حُكْمُ الْخُلْفِ.
(وَ) سُنَّتُهُ أَيْضًا (غَسْلُ الْفَمِ) أَيْ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى
جَمِيعِهِ (وَالْأَنْفِ) أَيْ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى الْمَارِنَ
(بِمِيَاهٍ) جَدِيدَةٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ
تَعَالَى - (وَالْمُبَالَغَةُ فِيهِمَا) وَهِيَ فِي الْأَوَّلِ إيصَالُ
الْمَاءِ إلَى رَأْسِ حَلْقِهِ وَفِي الثَّانِي أَنْ يُجَاوِزَ الْمَارِنَ
كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ (إلَّا صَائِمًا) لِأَنَّ فِيهَا احْتِمَالَ
انْتِقَاضِهِ.
(وَ) سُنَّتُهُ أَيْضًا (تَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ) وَهُوَ أَنْ يُدْخِلَ
أَصَابِعَ يَدَيْهِ فِي خِلَالِ لِحْيَتِهِ مِنْ الْأَسْفَلِ إلَى
الْأَعْلَى بَعْدَ التَّثْلِيثِ.
(وَ) تَخْلِيلُ (الْأَصَابِعِ) مِنْ الْيَدِ وَالرِّجْلَيْنِ بَعْدَ
التَّثْلِيثِ، وَكَيْفِيَّتُهُ فِي الْيَدَيْنِ أَنْ يُشَبِّكَ بَيْنَهُمَا
وَفِي الرِّجْلَيْنِ أَنْ يُخَلِّلَ بِخِنْصَرِ يَدِهِ الْيُسْرَى
فَيَبْدَأُ مِنْ خِنْصَرِ رِجْلِهِ الْيُمْنَى وَيَخْتِمَ بِخِنْصَرِ
رِجْلِهِ الْيُسْرَى مِنْ الْأَسْفَلِ (وَ) سُنَّتُهُ أَيْضًا (تَثْلِيثُ
الْغَسْلِ) لِأَعْضَاءِ الْوُضُوءِ الْمَغْسُولَاتِ (وَمَسْحُ كُلِّ
الرَّأْسِ مَرَّةً) وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ يَضَعَ كَفَّيْهِ وَأَصَابِعَهُ
عَلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهِ وَيَمُدَّهُمَا إلَى قَفَاهُ عَلَى وَجْهٍ
يَسْتَوْعِبُ جَمِيعَ الرَّأْسِ ثُمَّ يَمْسَحُ أُذُنَيْهِ بِأُصْبُعَيْهِ
وَلَا يَكُونُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا لِأَنَّ الِاسْتِيعَابَ بِمَاءٍ
وَاحِدٍ لَا يَكُونُ إلَّا بِهَذَا الطَّرِيقِ وَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ
مِنْ أَنَّهُ يُجَافِي كَفَّيْهِ تَحَرُّزًا عَنْ الِاسْتِعْمَالِ لَا
يُفِيدُ إذْ لَا بُدَّ مِنْ الْوَضْعِ وَالْمَدِّ فَإِنْ كَانَ
مُسْتَعْمَلًا بِالْوَضْعِ الْأَوَّلِ فَكَذَا بِالثَّانِي فَلَا يُفِيدُ
تَأْخِيرُهُ كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ أَقُولُ: وَأَيْضًا اتَّفَقُوا
عَلَى أَنَّ الْمَاءَ مَا دَامَ فِي الْعُضْوِ لَمْ يَكُنْ مُسْتَعْمَلًا
(وَ) مَسْحُ (الْأُذُنَيْنِ) دَاخِلِهِمَا بِسَبَّابَتَيْهِ وَخَارِجِهِمَا
بِإِبْهَامَيْهِ (بِمَائِهِ) أَيْ الرَّأْسِ (وَالتَّرْتِيبُ) الْمَنْصُوصُ
عَلَيْهِ فِي آيَةِ الْوُضُوءِ (وَالْوِلَاءُ) بِكَسْرِ الْوَاوِ وَهُوَ
غَسْلُ الْأَعْضَاءِ عَلَى التَّعَاقُبِ بِحَيْثُ لَا يَجِفُّ الْعُضْوُ
الْأَوَّلُ فِي اعْتِدَالِ الْهَوَاءِ.
(وَمُسْتَحَبُّهُ التَّيَامُنُ) أَيْ الشُّرُوعُ مِنْ جَانِبِ الْيَمِينِ
(وَمَسْحُ الرَّقَبَةِ لَا الْحُلْقُومِ) فَإِنَّ مَسْحَهُ بِدْعَةٌ كَذَا
فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
(وَمِنْ آدَابِهِ) إنَّمَا قَالَ هَكَذَا لِأَنَّ لَهُ آدَابًا أُخْرَى
ذُكِرَتْ فِي الْمُطَوَّلَاتِ (اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ) عِنْدَ
الْوُضُوءِ (وَدَلْكُ أَعْضَائِهِ وَإِدْخَالُ خِنْصَرِهِ صِمَاخَيْ
أُذُنَيْهِ وَتَقْدِيمُهُ عَلَى الْوَقْتِ لِغَيْرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ: وَعِنْدَ الضَّرُورَةِ يُعَالِجُ بِالْأُصْبُعِ) أَقُولُ هِيَ
كَفَقْدِ أَسْنَانِهِ أَوْ فَقْدِ السِّوَاكِ فَيَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُهُ
لَا عِنْدَ الْوُجُودِ مَعَ الْقُدْرَةِ، وَالْعِلْكُ يَقُومُ مَقَامَهُ
لِلْمَرْأَةِ (قَوْلُهُ: وَغَسْلُ الْفَمِ، وَالْأَنْفِ) اخْتَارَ
التَّعْبِيرَ بِهِ دُونَ الْمَضْمَضَةِ، وَالِاسْتِنْشَاقِ لِلِاخْتِصَارِ
وَإِلَّا فَهُمَا أَوْلَى لِمَا سَنَذْكُرُ اهـ.
وَقَالَ فِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ اعْلَمْ أَنَّ الْمَضْمَضَةَ لَيْسَتْ
غَسْلَ الْفَمِ وَكَذَا الِاسْتِنْشَاقُ لَيْسَ غَسْلَ الْأَنْفِ بَلْ هِيَ
عِبَارَةٌ عَنْ إدَارَةِ الْمَاءِ فِي الْفَمِ وَمَجِّهِ، وَهُوَ عِبَارَةٌ
عَنْ جَذْبِ الْمَاءِ بِالنَّفَسِ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي فَضْلِ
الْجَنَائِزِ مِنْ غَايَةِ الْبَيَانِ فَمَنْ بَدَّلَهَا بِغَسْلِ الْفَمِ،
وَالْأَنْفِ لَمْ يُصِبْ اهـ.
قُلْت يَظْهَرُ هَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمَجَّ مِنْ شَرْطِ
الْمَضْمَضَةِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ اهـ.
وَلِذَا قَالَ الْعَيْنِيُّ التَّعْبِيرُ بِالْمَضْمَضَةِ،
وَالِاسْتِنْشَاقِ أَوْلَى مِنْ الْغَسْلِ لِمَا فِي الْمَضْمَضَةِ مِنْ
مَعْنًى زَائِدٍ عَلَى مُجَرَّدِ الْغَسْلِ وَهُوَ إدَارَةُ الْمَاءِ فِي
الْفَمِ، وَفِي الِاسْتِنْشَاقِ مِنْ جَذْبِهِ بِرِيحِ الْأَنْفِ
لِتَحْصُلَ الْمُبَالَغَةُ الَّتِي هِيَ سُنَّةٌ لِغَيْرِ الصَّائِمِ
لِحَدِيثِ: بَالِغْ «إلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا» وَذَلِكَ
بِالْغَرْغَرَةِ، وَالِاسْتِنْثَارِ وَلَوْ بَلَعَهُ أَجْزَأَ إذْ الْمَجُّ
لَيْسَ بِشَرْطٍ لَكِنَّهُ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ كَذَا قَالَهُ
الْمَقْدِسِيُّ (قَوْلُهُ: بِمِيَاهٍ) أَقُولُ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِغَسْلِ
الْفَمِ، وَالْأَنْفِ لِأَنَّ السُّنَّةَ أَخْذُ مَاءٍ جَدِيدٍ لِكُلِّ
غَسْلَةٍ مِنْ تَثْلِيثِ غَسْلِهِمَا وَلَوْ أَخَذَ مَاءً فَمَضْمَضَ
بِبَعْضِهِ وَاسْتَنْشَقَ بِبَاقِيهِ جَازَ وَعَكْسُهُ لَا يُجْزِيهِ فِي
السُّنَّةِ أَوْ الْفَرْضِ فِي الْجَنَابَةِ، وَمَا فِي الصَّيْرَفِيَّةِ
مِنْ أَنَّهُ يَصِيرُ آتِيًا بِالسُّنَّةِ فَمُرَادُهُ أَصْلُ سُنَّةِ
الْمَضْمَضَةِ وَمَنْ نَفَاهُ أَرَادَ السُّنَّةَ فِيهَا أَيْ تَجْدِيدَ
الْمِيَاهِ، وَالْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ سُنَّتَانِ مُؤَكَّدَتَانِ
يَأْثَمُ بِتَرْكِهِمَا عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّ الْمُؤَكَّدَ فِي قُوَّةِ
الْوَاجِبِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيِّ (قَوْلُهُ: وَتَخْلِيلُ
اللِّحْيَةِ) أَقُولُ هَذَا فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُحْرِمِ وَقَيَّدَهُ فِي
السِّرَاجِ بِأَنْ يَكُونَ بِمَاءٍ مُتَقَاطِرٍ فِي الْأَصَابِعِ دُونَ
اللِّحْيَةِ وَيَقُومُ مَقَامَهُ الْإِدْخَالُ فِي الْمَاءِ كَمَا فِي
الْبَحْرِ وَهُوَ سُنَّةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَأَبُو حَنِيفَةَ
وَمُحَمَّدٌ يُفَضِّلَانِهِ وَرَجَّحَ فِي الْمَبْسُوطِ قَوْلَ أَبِي
يُوسُفَ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ: وَفِي الرِّجْلَيْنِ أَنْ
يُخَلِّلَ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ فِي الْقُنْيَةِ كَذَا وَرَدَ
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمِثْلُهُ فِيمَا يَظْهَرُ أَمْرٌ اتِّفَاقِيٌّ لَا
سُنَّةٌ مَقْصُودَةٌ انْتَهَى.
(قَوْلُهُ: وَتَثْلِيثُ الْغَسْلِ) أَقُولُ لَكِنَّ الْأُولَى فَرْضٌ،
وَالثَّانِيَةَ سُنَّةٌ، وَالثَّالِثَةَ إكْمَالُ السُّنَّةِ، وَقِيلَ
الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ سُنَّةٌ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ:
وَالْأُذُنَيْنِ بِمَائِهِ) أَيْ الرَّأْسِ قُلْت لَا يَتَقَيَّدُ
بِذَلِكَ، قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَمَسْحُ الْأُذُنَيْنِ وَلَوْ بِمَائِهِ
أَيْ الرَّأْسِ.
[مُسْتَحَبَّات الْوُضُوء]
(قَوْلُهُ: وَمُسْتَحَبُّهُ التَّيَامُنُ) يَعْنِي فِي الْأَعْضَاءِ
الْمَغْسُولَةِ وَلَيْسَ فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ عُضْوَانِ لَا
يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ الْأَيْمَنِ مِنْهُمَا إلَّا الْأُذُنَيْنِ فَإِنْ
كَانَ الْمُتَوَضِّئُ أَقْطَعَ لَا يُمْكِنُهُ مَسْحُهُمَا مَعًا فَإِنَّهُ
يَبْدَأُ بِالْيَمِينِ، وَبِالْخَدِّ الْأَيْمَنِ كَمَا فِي الْبَحْرِ
(قَوْلُهُ: وَمَسْحُ الرَّقَبَةِ) أَقُولُ جَعَلَهُ وَمَا قَبْلَهُ
مَسْنُونًا فِي الْبُرْهَانِ وَضَعَّفَ اسْتِحْبَابَهُ، فَقَالَ وَسُنَّ
الْبُدَاءَةُ بِالْمَيَامِنِ وَرُءُوسِ الْأَصَابِعِ وَمُقَدَّمِ الرَّأْسِ
وَمَسْحِ الرَّقَبَةِ وَقِيلَ: إنَّ الْأَرْبَعَةَ مُسْتَحَبَّاتٌ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَدَلْكُ أَعْضَائِهِ) جَعَلَهُ فِي الْخُلَاصَةِ،
وَالْمَوَاهِبِ مِنْ السُّنَنِ وَجَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ سُنَّةً فِي
الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ السُّنَّةَ إكْمَالُ
الْفَرْضِ فِي مَحَلِّهِ اهـ.
وَهُوَ كَذَلِكَ هُنَا (قَوْلُهُ: وَتَقْدِيمُهُ عَلَى الْوَقْتِ) قَالَ
فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَعِنْدِي أَنَّهُ مِنْ آدَابِ الصَّلَاةِ لَا
الْوُضُوءِ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ لِفِعْلِ الصَّلَاةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ
(1/11)
الْمَعْذُورِ) فَإِنَّ وُضُوءَ
الْمَعْذُورِ قَبْلَ الْوَقْتِ يَنْتَقِضُ عِنْدَ زُفَرَ بِدُخُولِ
الْوَقْتِ فَالْأَحْوَطُ لَهُ أَنْ يَحْتَرِزَ عَنْهُ (وَتَحْرِيكُ
خَاتَمِهِ الْوَاسِعِ وَعَدَمُ الِاسْتِعَانَةِ بِالْغَيْرِ وَعَدَمُ
التَّكَلُّمِ بِكَلَامِ النَّاسِ، وَالْجُلُوسُ فِي مَكَان مُرْتَفِعٍ)
احْتِرَازًا عَنْ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ (وَالْجَمْعُ بَيْنَ نِيَّةِ
الْقَلْبِ وَفِعْلِ اللِّسَانِ، وَالتَّسْمِيَةُ عِنْدَ غَسْلِ كُلِّ
عُضْوٍ كَمَا مَرَّ، وَالدُّعَاءُ بِالْمَأْثُورَاتِ) مِنْ الْأَدْعِيَةِ
(عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ غَسْلِ كُلِّ عُضْوٍ بِأَنْ يَقُولَ عِنْدَ
الْمَضْمَضَةِ اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَذِكْرِكَ
وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِك وَعِنْدَ الِاسْتِنْشَاقِ اللَّهُمَّ
أَرِحْنِي رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَارْزُقْنِي مِنْ نَعِيمِهَا وَعِنْدَ
غَسْلِ وَجْهِهِ اللَّهُمَّ بَيِّضْ وَجْهِي يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ
وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ وَعِنْدَ غَسْلِ يَدِهِ الْيُمْنَى اللَّهُمَّ
أَعْطِنِي كِتَابِي بِيَمِينِي وَحَاسِبْنِي حِسَابًا يَسِيرًا وَعِنْدَ
غَسْلِ يَدِهِ الْيُسْرَى اللَّهُمَّ لَا تُعْطِنِي كِتَابِي بِشِمَالِي
وَلَا مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي، وَعِنْدَ مَسْحِ رَأْسِهِ اللَّهُمَّ
أَظِلَّنِي تَحْتَ ظِلِّ عَرْشِك يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّك وَعِنْدَ
مَسْحِ أُذُنَيْهِ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ
الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ وَعِنْدَ مَسْحِ عُنُقِهِ اللَّهُمَّ
أَعْتِقْ عُنُقِي مِنْ النَّارِ وَعِنْدَ غَسْلِ رِجْلَيْهِ اللَّهُمَّ
ثَبِّتْ قَدَمِي عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ يَوْمَ تَزِلُّ
الْأَقْدَامُ (وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - بَعْدَهُ) أَيْ الْوُضُوءِ (وَأَنْ يَقُولَ) بَعْدَهُ
(اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِي مِنْ
الْمُتَطَهِّرِينَ وَأَنْ يَشْرَبَ) بَعْدَهُ (مِنْ فَضْلِ وَضُوئِهِ)
بِفَتْحِ الْوَاوِ وَهُوَ مَا يَتَوَضَّأُ بِهِ (مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ
قَائِمًا) قَالُوا لَمْ يَجُزْ شُرْبُ الْمَاءِ قَائِمًا إلَّا هَاهُنَا
وَعِنْدَ زَمْزَمَ.
وَمَكْرُوهُهُ لَطْمُ الْوَجْهِ بِالْمَاءِ، وَالْإِسْرَافُ فِيهِ
(وَتَثْلِيثُ الْمَسْحِ بِمَاءٍ جَدِيدٍ) ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَنَقَلَ
فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ عَنْ مَبْسُوطِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ
التَّثْلِيثَ بِمَاءٍ وَاحِدٍ لَا بَأْسَ بِهِ (وَبِمِيَاهٍ بِدْعَةٌ) .
(وَنَاقِضُهُ خُرُوجُ نَجَسٍ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَهُوَ عَيْنُ
النَّجَاسَةِ وَبِالْكَسْرِ مَا لَا يَكُونُ طَاهِرًا (مِنْهُ) أَيْ
الْمُتَوَضِّئِ (إلَى مَا يَطْهُرُ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ: وَعَدَمُ الِاسْتِعَانَةِ بِالْغَيْرِ) أَقُولُ وَعَنْ
الْوَبَرِيِّ: لَا بَأْسَ بِصَبِّ الْخَادِمِ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَبُّ الْمَاءُ عَلَيْهِ» (قَوْلُهُ:
وَعَدَمُ التَّكَلُّمِ بِكَلَامِ النَّاسِ) يَعْنِي مَا لَمْ يَكُنْ
لِحَاجَةٍ دَعَتْ إلَيْهِ يَخَافُ فَوْتَهَا بِتَرْكِهِ.
(قَوْلُهُ: وَالتَّسْمِيَةُ عِنْدَ غَسْلِ كُلِّ عُضْوٍ) لَفْظَةُ " غَسْلٍ
" سَاقِطَةٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهُوَ أَوْلَى لِشُمُولِهِ
التَّسْمِيَةَ فِي الْمَمْسُوحِ وَعَلَى ثُبُوتِهَا تُسْتَفَادُ
بِالتَّغْلِيبِ (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ الْكَيْفِيَّةِ بِأَنْ
يَقُولَ بِسْمِ اللَّهِ الْعَظِيمِ (قَوْلُهُ: وَالدُّعَاءُ
بِالْمَأْثُورَاتِ مِنْ الْأَدْعِيَةِ) قَالَ النَّوَوِيُّ الْأَدْعِيَةُ
الْمَذْكُورَةُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ لَا أَصْلَ لَهَا وَاَلَّذِي ثَبَتَ
الشَّهَادَةُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْوُضُوءِ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ
السِّرَاجُ الْهِنْدِيُّ فِي شَرْحِ التَّوْشِيحِ كَذَا فِي الْبَحْرِ
قُلْت قَالَ الْعَلَّامَةُ مُحَقِّقُ الشَّافِعِيَّةِ شَمْسُ الدِّينِ
مُحَمَّدٌ الرَّمْلِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ: وَأَفَادَ الشَّارِحُ
أَنَّهُ فَاتَ الرَّافِعِيَّ وَالنَّوَوِيَّ أَنَّهُ أَيْ دُعَاءُ
الْأَعْضَاءِ رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ
طُرُقٍ فِي تَارِيخِ ابْنِ حِبَّانَ وَغَيْرِهِ وَإِنْ كَانَتْ ضَعِيفَةً
لِلْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ وَنَفْيُ
الْمُصَنِّفِ أَصْلَهُ يَعْنِي بِاعْتِبَارِ الصِّحَّةِ أَمَّا
بِاعْتِبَارِ وُرُودِهِ مِنْ الطُّرُقِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَلَعَلَّهُ لَمْ
يَثْبُتْ عِنْدَهُ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَسْتَحْضِرْهُ حِينَئِذٍ وَاعْلَمْ
أَنَّ شَرْطَ الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ عَدَمُ شِدَّةِ ضَعْفِهِ
وَأَنْ يَدْخُلَ تَحْتَ أَصْلٍ عَامٍّ وَأَنْ لَا تُعْتَقَدَ سُنِّيَّةُ
ذَلِكَ الْحَدِيثِ انْتَهَى.
(قَوْلُهُ: بِأَنْ يَقُولَ عِنْدَ الْمَضْمَضَةِ اللَّهُمَّ أَعِنِّي إلَى
آخِرِهِ) هَذَا لَا يَحْصُلُ بِهِ الْجَمْعُ بَيْنَ التَّسْمِيَةِ،
وَالدُّعَاءِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يَقُولَ عِنْدَ كُلِّ
عُضْوٍ: بِسْمِ اللَّهِ الْعَظِيمِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى دِينِ
الْإِسْلَامِ اللَّهُمَّ أَعِنِّي إلَى آخِرِهِ (قَوْلُهُ: وَأَنْ يَشْرَبَ
قَائِمًا) قِيلَ وَإِنْ شَاءَ قَاعِدًا.
[مَكْرُوهَات الْوُضُوء]
(قَوْلُهُ: وَالْإِسْرَافُ فِيهِ) أَقُولُ وَكَذَا التَّقْتِيرُ
لِتَفْوِيتِ السُّنَّةِ
(تَنْبِيهٌ) : الْوُضُوءُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ فَرْضٌ عَلَى الْمُحْدِثِ
لِلصَّلَاةِ وَلَوْ نَفْلًا وَلِجِنَازَةٍ وَسَجْدَةِ تِلَاوَةٍ وَمَسِّ
مُصْحَفٍ، وَوَاجِبٌ لِلطَّوَافِ، وَمَنْدُوبٌ لِلنَّوْمِ عَلَى طَهَارَةٍ
وَإِذَا اسْتَيْقَظَ مِنْهُ وَلِلْمُدَاوَمَةِ عَلَيْهِ وَلِلْوُضُوءِ
عَلَى الْوُضُوءِ، وَبَعْدَ غِيبَةٍ وَكَذِبٍ، وَنَمِيمَةٍ، وَإِنْشَادِ
شِعْرٍ وَقَهْقَهَةٍ أَيْ خَارِجَ الصَّلَاةِ، وَغَسْلِ مَيِّتٍ وَحَمْلِهِ
وَلِكُلِّ وَقْتِ صَلَاةٍ، وَقَبْلَ غُسْلِ الْجَنَابَةِ، وَلِلْجُنُبِ
عِنْدَ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَنَوْمٍ وَوَطْءٍ، وَلِغَضَبٍ وَقُرْآنٍ وَحَدِيثٍ
وَرِوَايَتِهِ، وَدِرَاسَةِ عِلْمٍ، وَأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَلِخُطْبَةٍ،
وَزِيَارَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوُقُوفٍ
وَسَعْيٍ وَأَكْلِ جَزُورٍ لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ وَبَعْدَ
كُلِّ خَطِيئَةٍ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيِّ.
[نَوَاقِض الْوُضُوء]
(قَوْلُهُ: خُرُوجُ نَجَسٍ) أَقُولُ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْخُرُوجَ هُوَ
النَّاقِصُ لَا عَيْنُ الْخَارِجِ وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ
قَالَ فِي الْبُرْهَانِ يَنْتَقِضُ بِمَا يَخْرُجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ،
وَإِنْ قَلَّ قِيلَ الْمُرَادُ خُرُوجُ مَا يَخْرُجُ لِأَنَّهُ عِلَّةُ
الِانْتِقَاضِ، وَهِيَ أَيْ الْعِلَّةُ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَعْنَى،
وَلِهَذَا قَالُوا الْمَعَانِي النَّاقِضَةُ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ
النَّاقِضَ هُوَ النَّجَسُ الْخَارِجُ لَا خُرُوجُهُ لِاسْتِلْزَامِهِ
عَدَمَ تَأْثِيرِ النَّجَسِ فِي النَّقْضِ مَعَ أَنَّ الضِّدَّ هُوَ
الْمُؤَثِّرَ فِي رَفْعِ ضِدِّهِ فَالنَّاقِضُ الْخَارِجُ النَّجَسُ،
وَالْخُرُوجُ عِلَّةٌ لِتَحَقُّقِ الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ النَّجَاسَةُ
فَإِضَافَةُ النَّقْضِ إلَى الْخُرُوجِ إضَافَةٌ إلَى عِلَّةِ الْعِلَّةِ
وَتَأَيَّدَ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ مَا الْحَدَثُ قَالَ مَا يَخْرُجُ مِنْ
السَّبِيلَيْنِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَالْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ: بِفَتْحِ
الْجِيمِ) أَقُولُ خَصَّ الْمَتْنَ هُنَا بِالْفَتْحِ لِأَنَّهُ سَيَذْكُرُ
النَّقْضَ بِمَا لَيْسَ بِطَاهِرٍ (قَوْلُهُ: إلَى مَا يَطْهُرُ أَيْ
يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ فِي الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ) أَقُولُ
يَعْنِي أَوْ غَيْرِهِمَا لِيَبْقَى عُمُومُ مَا فَيَشْمَلُ مَسْأَلَةَ
الْمُفْتَصِدِ الْآتِيَةَ
(1/12)
أَيْ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ فِي
الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ قَوْلُهُ خُرُوجُ نَجَسٍ يَتَنَاوَلُ خُرُوجَهُ
مِنْ السَّبِيلَيْنِ وَغَيْرِهِمَا لِمَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ حَدُّ
الْخُرُوجِ الِانْتِقَالُ مِنْ الْبَاطِنِ إلَى الظَّاهِرِ وَذَلِكَ
يُعْرَفُ بِالسَّيَلَانِ عَنْ مَوْضِعِهِ فَعَبَّرَ عَنْ الْخُرُوجِ
بِالسَّيَلَانِ بِخِلَافِ مَا لَوْ ظَهَرَتْ النَّجَاسَةُ عَلَى رَأْسِ
السَّبِيلَيْنِ فَإِنَّهُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَإِنْ لَمْ يَسِلْ لِأَنَّ
رَأْسَ السَّبِيلَيْنِ لَيْسَ مَكَانَ النَّجَاسَةِ وَإِنَّمَا تُوجَدُ
بِالِانْتِقَالِ مِنْ مَكَانِهَا إلَيْهَا فَعُرِفَ الِانْتِقَالُ
بِالظُّهُورِ فَأُقِيمَ الظُّهُورُ مَقَامَ الْخُرُوجِ، وَحَدُّ
السَّيَلَانِ أَنْ يَعْلُوَ فَيَنْحَدِرُ عَنْ رَأْسِ الْجُرْحِ هَكَذَا
فَسَّرَهُ أَبُو يُوسُفَ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يَنْحَدِرْ عَنْ رَأْسِ
الْجُرْحِ لَمْ يَنْتَقِلْ عَنْ مَكَانِهِ فَإِنَّ مَا يُوَازِي الدَّمَ
مِنْ أَعَلَا الْجُرْحِ مَكَانُهُ وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ الْخُرُوجَ فِي
غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ عَيْنُ السَّيَلَانِ وَيَظْهَرُ ضَعْفُ مَا قَالَ
صَدْرُ الشَّرِيعَةِ أَنَّ قَوْلَهُ إلَى مَا يَطْهُرُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ
مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ مَا خَرَجَ لَا بِقَوْلِهِ سَالَ فَإِنَّهُ إذَا
فُصِدَ وَخَرَجَ دَمٌ كَثِيرٌ، وَسَالَ بِحَيْثُ لَمْ يَتَلَطَّخْ رَأْسُ
الْجُرْحِ فَإِنَّهُ لَا شَكَّ فِي الِانْتِقَاضِ عِنْدَنَا مَعَ أَنَّهُ
لَمْ يَسِلْ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ بَلْ خَرَجَ
إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ ثُمَّ سَالَ فَإِنَّ
السَّيَلَانَ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ قَدْ وُجِدَ
فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ السَّيَلَانُ عَلَيْهِ
فَلْيُتَأَمَّلْ وَضَعْفُ مَا قَالَ فَالْعِبَارَةُ الْحَسَنَةُ أَنْ
يَقُولَ مَا خَرَجَ مِنْ السَّبِيلَيْنِ أَوْ غَيْرِهِ إلَى مَا يَطْهُرُ
إنْ كَانَ نَجَسًا سَالَ لِأَنَّ مَبْنَاهَا كَوْنُ الْخُرُوجِ مُغَايِرًا
لِلسَّيَلَانِ وَقَدْ تَبَيَّنَ فَسَادُهُ فَيَكُونُ قَوْلُهُ سَالَ
حَشْوًا بَعْدَ قَوْلِهِ خَرَجَ بَلْ الْعِبَارَةُ الْحَسَنَةُ مَا
اخْتَرْنَاهُ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى قَوْلُهُ: خُرُوجُ نَجَسٍ
احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا غُرِزَتْ إبْرَةٌ فَارْتَقَى الدَّمُ عَلَى رَأْسِ
الْجُرْحِ لَكِنْ لَمْ يَسِلْ فَإِنَّهُ غَيْرُ نَاقِضٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ
بِنَجَسٍ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَسْفُوحٍ وَقَوْلُهُ: إلَى مَا يَظْهَرُ
احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا وَصَلَ الْبَوْلُ إلَى قَصَبَةِ الذَّكَرِ وَلَمْ
يَظْهَرْ وَعَمَّا إذَا كَانَ فِي عَيْنِهِ قُرْحَةٌ وَصَلَ دَمُهَا إلَى
جَانِبٍ آخَرَ مِنْ عَيْنِهِ وَعَمَّا إذَا سَالَ الدَّمُ إلَى مَا فَوْقِ
مَارِنِ الْأَنْفِ بِخِلَافِ مَا إذَا سَالَ إلَى الْمَارِنِ لِأَنَّ
الِاسْتِنْشَاقَ فِي الْجَنَابَةِ فَرْضٌ.
(وَ) خُرُوجُ (رِيحٍ أَوْ دُودَةٍ أَوْ حَصَاةٍ مِنْ الدُّبُرِ) ذَكَرَ
الرِّيحَ لِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْهُ وَلَيْسَ بِنَجَسٍ مَعَ أَنَّهُ نَاقِضٌ
لِمُجَاوَرَةِ النَّجَسِ وَذَكَرَ الْآخَرَيْنِ لِأَنَّ مَا مَعَهُمَا مِنْ
النَّجَسِ وَإِنْ قَلَّ حَدَثٌ فِي السَّبِيلَيْنِ (لَا) خُرُوجُ رِيحٍ
(مِنْ الْقُبُلِ، وَالذَّكَرِ) لِأَنَّهُ لَا يَنْبَعِثُ عَنْ مَحَلِّ
النَّجَاسَةِ (وَلَا) خُرُوجُ (دُودَةٍ مِنْ الْجُرْحِ) لِأَنَّ مَا
عَلَيْهَا مِنْ النَّجَسِ قَلِيلٌ، وَهُوَ لَيْسَ بِحَدَثٍ فِي غَيْرِ
السَّبِيلَيْنِ (كَذَا) لَا يَنْقُضُ (لَحْمٌ سَقَطَ مِنْهُ) أَيْ
الْجُرْحِ (وَمَلْءُ الْفَمِ) عَطْفٌ عَلَى خُرُوجٍ وَهُوَ أَنْ يُضْبَطَ
بِتَكَلُّفٍ حَتَّى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَكَلَّفْ لِخَرَجَ، وَقِيلَ أَنْ
يَمْنَعَهُ مِنْ الْكَلَامِ (فِي قَيْءِ مِرَّةٍ) أَيْ صَفْرَاءَ (أَوْ
عَلَقٍ) وَهُوَ لُغَةً دَمٌ مُنْعَقِدٌ لَكِنَّهُ هَاهُنَا سَوْدَاءُ
وَإِذَا اُعْتُبِرَ فِيهِ مِلْءُ الْفَمِ (أَوْ) قَيْءُ (طَعَامٍ أَوْ
مَاءٍ) وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ فِيهِ ذَلِكَ لَمَّا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ
إنَّ الْخُرُوجَ أَيْ خُرُوجَ النَّجَسِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ
يَتَحَقَّقُ بِالسَّيَلَانِ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ
وَبِمِلْءِ الْفَمِ فِي الْقَيْءِ ثُمَّ قَالَ وَمِلْءُ الْفَمِ أَنْ
يَكُونَ بِحَالٍ لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ إلَّا بِتَكَلُّفٍ لِأَنَّهُ
يَخْرُجُ ظَاهِرًا فَاعْتُبِرَ خَارِجًا وَاعْتُرِضَ عَلَى قَوْلِهِ
لِأَنَّهُ يَخْرُجُ ظَاهِرًا فَاعْتُبِرَ خَارِجًا بِأَنَّ جَعْلَ
الظَّاهِرِ الْغَالِبِ كَالْمُتَحَقِّقِ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا لَا
يَنْضَبِطُ فِيهِ الْأَصْلُ كَالسَّفَرِ الْقَائِمِ مَقَامَ الْمَشَقَّةِ
أَوْ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ كَالْإِيلَاجِ الْقَائِمِ مَقَامَ
الْإِنْزَالِ وَأَمَّا فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ: وَعَمَّا إذَا سَالَ الدَّمُ إلَى مَا فَوْقَ مَارِنِ الْأَنْفِ)
يَعْنِي أَقْصَاهُ لَا مَا قَرُبَ مِنْ الْأَرْنَبَةِ فَإِنَّ غَسْلَهُ
مَسْنُونٌ فَيَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بِسَيَلَانِ الدَّمِ فِيهِ.
(قَوْلُهُ: ذَكَرَ الرِّيحَ لِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْهُ وَلَيْسَ بِنَجَسٍ)
هَذَا عَلَى الصَّحِيحِ (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ الْأَخِيرَيْنِ لِأَنَّ مَا
مَعَهُمَا مِنْ النَّجَسِ وَإِنْ قَلَّ حَدَثٌ فِي السَّبِيلَيْنِ) أَقُولُ
وَذَلِكَ لِعُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا
يَخْرُجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ: لَا خُرُوجُ
رِيحٍ مِنْ الْقُبُلِ وَالذَّكَرِ) أَقُولُ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ
حَدَثٌ مِنْ قُبُلِهَا قِيَاسًا عَلَى الدُّبُرِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ
الدُّودَةُ الْخَارِجَةُ مِنْ قُبُلِهَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ:
لِأَنَّهُ لَا يَنْبَعِثُ عَنْ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ) أَقُولُ ظَاهِرُهُ
إثْبَاتُ أَنَّهُ رِيحٌ فَيَكُونُ تَعْلِيلُ عَدَمِ نَقْضِهِ مُعَارِضًا
لِلنَّصِّ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَلِّلَ عَدَمَ نَقْضِهِ بِأَنَّهُ
اخْتِلَاجٌ وَلَيْسَ بِرِيحٍ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مَا عَلَيْهَا مِنْ
النَّجَسِ قَلِيلٌ) حُكْمٌ بِنَجَاسَةِ الْقَلِيلِ كَمَا أَفْتَى بِهِ
الْهِنْدُوَانِيُّ وَالْإِسْكَافُ أَخْذًا بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ مَا
لَيْسَ بِحَدَثٍ مِنْ الدَّمِ نَجِسٌ، وَإِنْ كَانَ الْأَصَحُّ قَوْلَ
أَبِي يُوسُفَ إنَّهُ لَيْسَ بِنَجِسٍ كَمَا سَيَجِيءُ وَإِلَّا أَنْ
يَكُونَ مُنَافِيًا لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ وَمَا لَيْسَ بِحَدَثٍ مِنْ قَيْءٍ
وَنَحْوِهِ لَيْسَ نَجِسًا (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَنْ يُضْبَطَ بِتَكَلُّفٍ)
هُوَ الْأَصَحُّ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ: أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الْكَلَامِ)
أَقُولُ، وَقِيلَ أَنْ يُجَاوِزَ الْفَمَ وَقِيلَ أَنْ يَعْجِزَ عَنْ
إمْسَاكِهِ، وَقِيلَ: أَنْ يَزِيدَ عَلَى نِصْفِ الْفَمِ (قَوْلُهُ: أَوْ
قَيْءُ طَعَامٍ أَوْ مَاءٍ) أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا لَوْ كَانَ مِنْ
سَاعَةِ تَنَاوُلِهِ الطَّعَامَ، وَالْمَاءَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: إذَا تَنَاوَلَ طَعَامًا أَوْ مَاءً ثُمَّ قَاءَ مِنْ
سَاعَتِهِ لَا يَنْقُضُ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ حَيْثُ لَمْ يَسْتَحِلْ
وَإِنَّمَا اتَّصَلَ بِهِ قَلِيلُ الْقَيْءِ فَلَا يَكُونُ حَدَثًا فَلَا
يَكُونُ نَجِسًا وَكَذَا قَيْءُ الصَّبِيِّ سَاعَةَ ارْتِضَاعِهِ،
وَصَحَّحَهُ فِي الْمِعْرَاجِ وَغَيْرِهِ كَذَا فِي الْبَحْرِ.
وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيُّ: فِي شَرْحِهِ لَكِنَّ الظَّاهِرَ
أَنَّ مَا فِي الْمِعْرَاجِ لَيْسَ تَصْحِيحًا مَذْهَبِيًّا فَإِنَّهُ
قَالَ قَالَ الصَّبَّاغِيُّ هُوَ الْمُخْتَارُ فَتَأَمَّلْ انْتَهَى ثُمَّ
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَمَحَلُّ الِاخْتِلَافِ مَا إذَا وَصَلَ إلَى
مَعِدَتِهِ وَلَمْ يَسْتَقِرَّ أَمَّا لَوْ قَاءَهُ قَبْلَ الْوُصُولِ
إلَيْهَا وَهُوَ فِي الْمَرِيءِ فَإِنَّهُ
(1/13)
الْمُنْضَبِطِ الظَّاهِرِ فَلَا كَمَا فِي
مَبْحَثِنَا فَإِنَّ خُرُوجَ الْقَيْءِ مِنْ الْفَمِ لَا يَتَعَسَّرُ
الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ فَكَيْفَ أُقِيمَ مِلْءُ الْفَمِ مَقَامَهُ كَيْفَ
وَفِي الصُّورَةِ الَّتِي يَكُونُ الْقَيْءُ مِلْءَ الْفَمِ ثُمَّ مُنِعَ
مِنْ الْخُرُوجِ بِالتَّكَلُّفِ عَدَمُ الْخُرُوجِ مُتَيَقَّنٌ فَمِنْ
أَيْنَ حُكِمَ بِالِانْتِقَاضِ وَفِي الصُّورَةِ الَّتِي يَكُونُ الْقَيْءُ
أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ وَلَكِنْ خَرَجَ مِنْ الْفَمِ الْخُرُوجُ
مُتَيَقَّنٌ فَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الِانْتِقَاضِ نَقْضٌ لِلْعِلَّةِ قَوْلٌ
مَبْنَاهُ جَعْلُ ضَمِيرِ لِأَنَّهُ رَاجِعًا إلَى الْقَيْءِ وَلَيْسَ
كَذَلِكَ بَلْ هُوَ رَاجِعٌ إلَى النَّجَسِ وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ. . .
إلَخْ.
دَلِيلٌ لِقَوْلِهِ وَبِمِلْءِ الْفَمِ فِي الْقَيْءِ فَالْمَعْنَى أَنَّ
خُرُوجَ النَّجَسِ يَتَحَقَّقُ بِمِلْءِ الْفَمِ فِي الْقَيْءِ لِأَنَّ
النَّجَسَ حِينَئِذٍ يَخْرُجُ ظَاهِرًا لِأَنَّ هَذَا الْقَيْءَ لَيْسَ
إلَّا مِنْ قَعْرِ الْمَعِدَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُسْتَصْحِبٌ
لِلنَّجَسِ بِخِلَافِ الْقَلِيلِ لِأَنَّهُ مِنْ أَعْلَى الْمَعِدَةِ فَلَا
يَسْتَصْحِبُهُ هَكَذَا يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ هَذَا الْمَحَلُّ فَإِنَّ
شُرَّاحَهُ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِحِلِّهِ مَعَ أَنَّهُ وَاجِبُ الْحِلِّ
(كَذَا) أَيْ كَمَا يَنْقُضُ مِلْءُ الْفَمِ فِيمَا ذَكَرَ يَنْقُضُ (دَمٌ)
فِي قَيْئِهِ بِلَا شَرْطِ مِلْءِ الْفَمِ لِظُهُورِ كَوْنِهِ نَجَسًا
لِكَوْنِهِ مَائِعًا (وَقَيْحٌ وَلَوْ) كَانَا مَخْلُوطَيْنِ (بِبُزَاقٍ)
لَكِنْ (غَلَبَاهُ أَوْ سَاوَيَاهُ) أَيْ الدَّمُ، وَالْقَيْحُ سَاوَيَا
الْبُزَاقَ حَتَّى لَوْ كَانَا مَغْلُوبَيْنِ لَهُ لَمْ يَنْقُضَا.
(، وَالْبَلْغَمُ لَا يَنْقُضُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ نَزَلَ مِنْ
الرَّأْسِ أَوْ صَعِدَ مِنْ الْجَوْفِ وَسَوَاءٌ كَانَ مِلْءَ الْفَمِ أَوْ
لَا لِأَنَّهُ لِلُزُوجَتِهِ لَا تُدَاخِلُهُ النَّجَاسَةُ (إلَّا عِنْدَ
أَبِي يُوسُفَ فِي صَاعِدٍ مَلَأَهُ) أَيْ الْفَمَ لِتَنَجُّسِهِ
بِالْمُجَاوَرَةِ (وَإِنْ اخْتَلَطَ) الْبَلْغَمُ (بِالطَّعَامِ اُعْتُبِرَ
الْغَالِبُ) فَإِنْ غَلَبَ الطَّعَامُ وَمَلَأَ الْفَمَ نَقَضَ وَإِنْ
غَلَبَ الْبَلْغَمُ لَا يَنْقُضُ إلَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إذَا مَلَأَ
الْفَمَ.
(وَالْمَجْلِسُ يُجْمَعُ مُتَفَرِّقُهُ) أَيْ الْقَيْءِ (عِنْدَهُ) أَيْ
عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ (وَالسَّبَبُ) يُجْمَعُ مُتَفَرِّقُهُ (عِنْدَ
مُحَمَّدٍ) يَعْنِي لَوْ قَاءَ مُتَفَرِّقًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
لَا يَنْقُضُ اتِّفَاقًا كَمَا ذَكَرَهُ الزَّاهِدِيُّ انْتَهَى.
(قَوْلُهُ: أَقُولُ مَبْنَاهُ جَعْلُ ضَمِيرِ " لِأَنَّهُ " رَاجِعًا إلَى
الْقَيْءِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ رَاجِعٌ إلَى النَّجِسِ) أَقُولُ
هَذَا لَا يَدْفَعُ الِاعْتِرَاضَ لِأَنَّهُ إذَا رَجَعَ الضَّمِيرُ إلَى
النَّجِسِ فَأُرِيدَ بِهِ نَجَسٌ خَاصٌّ أَوْ مَا يَعُمُّ الْقَيْءَ
يُقَالُ إنَّ النَّجَسَ مُنْضَبِطُ الْأَصْلِ وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَا
يُجْعَلُ الْغَالِبُ فِيهِ كَالْمُتَحَقِّقِ فَالِاعْتِرَاضُ بَاقٍ،
وَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ إنَّ قَوْلَ الْهِدَايَةِ لِأَنَّهُ أَيْ
الْقَيْءَ الَّذِي يَمْلَأُ الْفَمَ يَخْرُجُ ظَاهِرًا أَيْ إلَى الْفَمِ
الَّذِي لَهُ حُكْمُ الظَّاهِرِ إذْ يَلْزَمُ غَسْلُهُ فِي الْجَنَابَةِ
وَيُسَنُّ فِي الْوُضُوءِ فَاعْتُبِرَ الْقَيْءُ خَارِجًا أَيْ فَعُدَّ
خَارِجًا لِأَنَّ مَنْ اعْتَبَرَ شَيْئًا فَقَدْ اعْتَدَّ بِهِ أَيْ
فَعُدَّ نَاقِضًا لِكَوْنِهِ نَجَسًا وَصَلَ إلَى مَحَلٍّ يَلْحَقُهُ
حُكْمُ التَّطْهِيرِ، وَبِهَذَا سَقَطَ قَوْلُ الْمُعْتَرِضِ، وَفِي
الصُّورَةِ الَّتِي يَكُونُ الْقَيْءُ مِلْءَ الْفَمِ ثُمَّ مُنِعَ مِنْ
الْخُرُوجِ بِالتَّكَلُّفِ عَدَمُ الْخُرُوجِ مُتَيَقَّنٌ فَمِنْ أَيْنَ
حُكِمَ بِالِانْتِقَاضِ، لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الْفَمَ مِمَّا
يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ، وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ مَا كَانَ
بِالْبَاطِنِ مِنْ النَّجَسِ لِتَحَقُّقِهِ بِمِلْءِ الْفَمِ؛ لِقَوْلِ
الْهِدَايَةِ إنَّ الْخُرُوجَ يَتَحَقَّقُ بِالسَّيَلَانِ إلَى مَوْضِعٍ
يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ وَبِمِلْءِ الْفَمِ فِي الْقَيْءِ أَيْ
وَيَتَحَقَّقُ بِمِلْءِ الْفَمِ فِي الْقَيْءِ وَسَقَطَ أَيْضًا قَوْلُ
الْمُعْتَرِضِ، وَفِي الصُّورَةِ الَّتِي يَكُونُ الْقَيْءُ أَقَلَّ مِنْ
مِلْءِ الْفَمِ وَلَكِنْ خَرَجَ مِنْ الْفَمِ الْخُرُوجُ مُتَيَقَّنٌ
لِأَنَّ تَيَقُّنَ خُرُوجِ الْقَلِيلِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ لِعَدَمِ كَوْنِهِ
نَجِسًا لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ نَجِسًا إلَّا إذَا مَلَأَ الْفَمَ فَكَانَ
قَوْلُ الْمُعْتَرِضِ فَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الِانْتِقَاضِ نَقْضًا
لِلْعِلَّةِ قَوْلًا سَاقِطًا لِأَنَّ الْعِلَّةَ النَّجَسُ الْمَوْصُوفُ
بِالْخُرُوجِ إلَى مَحَلٍّ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ لَا مُطْلَقُ
الْخَارِجِ فَالْعِلَّةُ ذَاتُ وَصْفَيْنِ.
(قَوْلُهُ: كَذَا دَمٌ فِي قَيْئِهِ. . . إلَخْ) هَذَا عِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لِمَا قَالَ فِي الْبَحْرِ: إنَّهُ لَوْ كَانَ
صَاعِدًا مِنْ الْجَوْفِ مَائِعًا غَيْرَ مَخْلُوطٍ بِشَيْءٍ فَعِنْدَ
مُحَمَّدٍ يَنْقُضُ إنْ مَلَأَ الْفَمَ كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْقَيْءِ،
وَعِنْدَهُمَا إنْ سَالَ بِقُوَّةِ نَفْسِهِ نَقَضَ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا
وَاخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ صَحَّحَ فِي الْبَدَائِعِ قَوْلَهُمَا، قَالَ
وَبِهِ أَخَذَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: إنَّهُ
الْمُخْتَارُ وَصَحَّحَ فِي الْمُحِيطِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَكَذَا فِي
السِّرَاجِ مَعْزِيًّا إلَى الْوَجِيزِ وَلَوْ كَانَ مَائِعًا نَازِلًا
مِنْ الرَّأْسِ نَقَضَ قَلَّ أَوْ كَثُرَ بِإِجْمَاعِ أَصْحَابِنَا
(قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ كَانَا مَغْلُوبَيْنِ لَهُ لَمْ يَنْقُضَا) قَالُوا
عَلَامَةُ كَوْنِ الدَّمِ غَالِبًا أَوْ مُسَاوِيًا أَنْ يَكُونَ أَحْمَرَ،
وَعَلَامَةُ كَوْنِهِ مَغْلُوبًا أَنْ يَكُونَ أَصْفَرَ فَيَنْظُرُ مَا
يَعْلَمُ بِهِ حَالُ الْقَيْحِ.
فَرْعٌ
أَلْحَقُوا بِالْقَيْءِ مَاءً فِي فَمِ النَّائِمِ إذَا صَعِدَ مِنْ
الْجَوْفِ بِأَنْ كَانَ أَصْفَرَ أَوْ مُنْتِنًا وَهُوَ مُخْتَارُ أَبِي
نَصْرٍ وَصَحَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ طَهَارَتَهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ
نَجَسٌ وَلَوْ نَزَلَ مِنْ الرَّأْسِ فَطَاهِرٌ اتِّفَاقًا،.
وَفِي التَّجْنِيسِ أَنَّهُ طَاهِرٌ كَيْفَمَا كَانَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى
كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ اخْتَلَطَ الْبَلْغَمُ بِالطَّعَامِ اُعْتُبِرَ
الْغَالِبُ) قَدْ صَرَّحَ بِالنَّقْضِ إنْ غَلَبَ الطَّعَامُ مُطْلَقًا
وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا تَسَاوَيَا.
وَقَالَ الْكَمَالُ إنْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلطَّعَامِ وَكَانَ بِحَالٍ
لَوْ انْفَرَدَ يَبْلُغُ مِلْءَ الْفَمِ تَنْتَقِضُ طَهَارَتُهُ وَإِنْ
كَانَ بِحَالٍ لَوْ انْفَرَدَ الْبَلْغَمُ مَلَأَهُ فَعَلَى الْخِلَافِ
وَإِنْ كَانَ سَوَاءً لَا يَنْقُضُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي صَلَاةِ
الْمُحْسِنِ قَالَ: الْعِبْرَةُ لِلْغَالِبِ وَلَوْ اسْتَوَيَا يُعْتَبَرُ
كُلٌّ عَلَى حِدَةٍ وَعَجْزُ هَذَا أَوْلَى مِنْ عَجْزِ مَا فِي
الْخُلَاصَةِ هَذَا وَكَانَ الطَّحَاوِيُّ يَمِيلُ إلَى قَوْلِ أَبِي
يُوسُفَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ نَجَسٌ لِأَنَّهُ أَحَدُ الْأَرْكَانِ
كَالدَّمِ، وَالصَّفْرَاءِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِطَرَفِ كُمِّهِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَالسَّبَبُ يَجْمَعُ مُتَفَرِّقَهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) أَقُولُ،
وَالْأَصَحُّ قَوْلُ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي الْكَافِي، وَالْبُرْهَانِ
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: قَدْ نَقَلُوا فِي كِتَابِ الْغَصْبِ مَسْأَلَةً
اعْتَبَرَ فِيهَا مُحَمَّدٌ الْمَجْلِسَ وَأَبُو يُوسُفَ السَّبَبَ وَهِيَ
نَزْعُ خَاتَمٍ مِنْ أُصْبُعِ نَائِمٍ إنْ أَعَادَهَا فِي ذَلِكَ النَّوْمِ
يَبْرَأُ إجْمَاعًا وَإِنْ اسْتَيْقَظَ قَبْلَ إعَادَتِهِ ثُمَّ نَامَ فِي
مَوْضِعِهِ فَأَعَادَهَا لَا يَبْرَأُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ
مُحَمَّدٍ
(1/14)
بِحَيْثُ لَوْ جُمِعَ صَارَ مِلْءَ الْفَمِ
فَأَبُو يُوسُفَ يَعْتَبِرُ اتِّحَادَ الْمَجْلِسِ فَإِنْ حَصَلَ مِلْءُ
الْفَمِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ نَقَضَ عِنْدَهُ وَإِنْ تَعَدَّدَ
الْغَثَيَانُ وَمُحَمَّدٌ يَعْتَبِرُ اتِّحَادَ السَّبَبِ وَهُوَ
الْغَثَيَانُ، فَإِنْ حَصَلَ مِلْءُ الْفَمِ بِغَثَيَانٍ وَاحِدٍ نَقَضَ
عِنْدَهُ وَإِنْ اخْتَلَفَ الْمَجْلِسُ.
(وَمَا لَيْسَ بِحَدَثٍ) مِنْ قَيْءٍ وَنَحْوِهِ (لَيْسَ بِنَجَسٍ) أَمَّا
الْقَيْءُ فَلِمَا عَرَفْت أَنَّ قَلِيلَهُ يَخْرُجُ مِنْ أَعْلَى
الْمَعِدَةِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَحَلِّ النَّجَاسَةِ وَأَمَّا الدَّمُ
فَلِأَنَّ قَلِيلَهُ غَيْرُ مَسْفُوحٍ فَلَا يَكُونُ مُحَرَّمًا لِلْآيَةِ
فَلَا يَكُونُ نَجَسًا وَأَمَّا حُرْمَةُ غَيْرِ الْمَسْفُوحِ فِي
الْآدَمِيِّ بِنَاءً عَلَى حُرْمَةِ لَحْمِهِ فَلَا يُوجِبُ نَجَاسَةً إذْ
هَذِهِ الْحُرْمَةُ لِلْكَرَامَةِ لَا لِلنَّجَاسَةِ فَغَيْرُ الْمَسْفُوحِ
فِي الْآدَمِيِّ يَكُونُ عَلَى طَهَارَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ مَعَ كَوْنِهِ
مُحَرَّمًا.
. (وَ) نَاقِضُهُ أَيْضًا (نَوْمٌ يُزِيلُ مُسْكَتَهُ) أَيْ قُوَّتَهُ
الْمَاسِكَةَ وَهُوَ النَّوْمُ بِحَيْثُ يَزُولُ مَقْعَدُهُ عَنْ
الْأَرْضِ، وَهُوَ النَّوْمُ مُضْطَجِعًا أَيْ وَاضِعًا أَحَدَ جَنْبَيْهِ
عَلَى الْأَرْضِ أَوْ مُتَّكِئًا عَلَى أَحَدِ وَرِكَيْهِ أَوْ
مُسْتَلْقِيًا عَلَى قَفَاهُ أَوْ مُنْكَبًّا عَلَى وَجْهِهِ فَإِنَّ
الْمُسْكَةَ إذَا زَالَتْ لَا يُعْرَى عَنْ خُرُوجِ شَيْءٍ عَادَةً،
وَالثَّابِتُ عَادَةً كَالْمُتَيَقَّنِ بِهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ
يُزِلْ النَّوْمُ مُسْكَتَهُ بِأَنْ كَانَ حَالَ الْقِيَامِ أَوْ
الْقُعُودِ أَوْ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ إذَا رَفَعَ بَطْنَهُ عَنْ
فَخِذَيْهِ وَأَبْعَدَ عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ (فَلَا) أَيْ لَا
يَنْقُضُ الْوُضُوءَ مُطْلَقًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَإِنْ تَعَمَّدَ)
أَيْ نَامَ قَصْدًا (فِي الصَّلَاةِ) خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ
(وَاخْتُلِفَ فِي) نَوْمِ (مُسْتَنِدٍ إلَى مَا لَوْ أُزِيلَ لَسَقَطَ)
قَالَهُ فِي الْهِدَايَةِ عِنْدَ عَدِّ النَّوَاقِضِ أَوْ مُسْتَنِدًا إلَى
شَيْءٍ لَوْ أُزِيلَ لَسَقَطَ، وَقَالَ شُرَّاحُهُ هَذَا مِمَّا اخْتَارَهُ
الطَّحَاوِيُّ وَلَيْسَ مِنْ أَصْلِ رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ.
وَفِي الْمُحِيطِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَقِرًّا عَلَى الْأَرْضِ كَانَ
حَدَثًا وَإِنْ كَانَ مُسْتَقِرًّا لَا وَهُوَ الْأَصَحُّ وَفِيهِ لَوْ
نَامَ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا فَسَقَطَ إنْ انْتَبَهَ قَبْلَ السُّقُوطِ
أَوْ حَالَةَ السُّقُوطِ أَوْ سَقَطَ نَائِمًا فَانْتَبَهَ مِنْ سَاعَتِهِ
لَمْ يَنْتَقِضْ وَإِنْ اسْتَقَرَّ نَائِمًا ثُمَّ انْتَبَهَ انْتَقَضَ،
وَلَوْ نَامَ عَلَى دَابَّةٍ هِيَ عُرْيَانَةٌ إنْ كَانَ حَالَ الصُّعُودِ
وَالِاسْتِوَاءِ لَمْ يَكُنْ حَدَثًا وَفِي حَالِ الْهُبُوطِ حَدَثٌ.
. (وَ) نَاقِضُهُ أَيْضًا (الْإِغْمَاءُ، وَالسُّكْرُ) الَّذِي حَصَلَ بِهِ
فِي مَشْيِهِ تَمَايُلٌ (وَالْجُنُونُ) أَمَّا الْأَوَّلَانِ فَلِزَوَالِ
الْمُسْكَةِ بِهِمَا وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِعَدَمِ تَمْيِيزِهِ الْحَدَثَ
عَنْ غَيْرِهِ. .
. (وَ) نَاقِضُهُ أَيْضًا (قَهْقَهَةُ بَالِغٍ) وَهِيَ مَا يَكُونُ
مَسْمُوعًا لَهُ وَلِجِيرَانِهِ وَأَمَّا الضَّحِكُ الْمَسْمُوعُ لَهُ
فَقَطْ فَلَا يُبْطِلُ الْوُضُوءَ بَلْ الصَّلَاةَ، وَالتَّبَسُّمُ لَا
يُبْطِلُ شَيْئًا مِنْهُمَا (يَقْظَانَ) فِي صَلَاتِهِ (يُصَلِّي
بِالتَّوَضُّؤِ) أَيْ بِمُبَاشَرَةِ الْوُضُوءِ فَيَكُونُ احْتِرَازًا عَنْ
وُضُوءٍ فِي ضِمْنِ الْغُسْلِ (صَلَاةً كَامِلَةً) أَيْ ذَاتَ رُكُوعٍ
وَسُجُودٍ وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّصَّ الْوَارِدَ فِيهِ وَهُوَ قَوْلُهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إلَّا مَنْ ضَحِكَ مِنْكُمْ
قَهْقَهَةً فَلْيُعِدْ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ» وَرَدَ فِي صَلَاةٍ
مُطْلَقَةٍ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهَا فَلَا يَنْقُضُ غَيْرُ الْقَهْقَهَةِ
وَلَا قَهْقَهَةُ الصَّبِيِّ وَالنَّائِمِ وَالْمُغْتَسِلِ،
وَالْقَهْقَهَةُ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَلَا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ
وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَإِنْ أَفْسَدَتْهُمَا (وَلَوْ) كَانَتْ
الْقَهْقَهَةُ (عِنْدَ السَّلَامِ) أَيْ قَبْلَهُ وَبَعْدَ التَّشَهُّدِ
لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تَكُونُ فِي الصَّلَاةِ (إلَّا أَنْ يَتَعَمَّدَ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
يَبْرَأُ وَإِنْ تَكَرَّرَ نَوْمُهُ وَيَقَظُهُ فَإِنْ قَامَ عَنْ
مَجْلِسِهِ ذَلِكَ وَلَمْ يَرُدَّهَا إلَيْهِ ثُمَّ نَامَ فِي آخَرَ
فَرَدَّهَا إلَيْهِ لَمْ يَبْرَأْ مِنْ الضَّمَانِ إجْمَاعًا لِاخْتِلَافِ
الْمَجْلِسِ، وَالسَّبَبِ وَلَمْ يَذْكُرْ لِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلًا؛
لِأَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ إلَّا
بِالتَّحْوِيلِ وَتَمَامُهُ فِيهِ فَلْيُرَاجَعْ.
(قَوْلُهُ: وَمَا لَيْسَ بِحَدَثٍ لَيْسَ بِنَجَسٍ) قَالَ فِي
الْهِدَايَةِ: يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الصَّحِيحُ
وَقَالَ الْكَمَالُ: قَوْلُهُ: وَهُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ
مُحَمَّدٍ إنَّهُ نَجَسٌ، وَكَانَ الْإِسْكَافُ وَالْهِنْدُوانِيُّ
يُفْتِيَانِ بِقَوْلِهِ وَجَمَاعَةٌ اعْتَبَرُوا قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ
رِفْقًا بِأَصْحَابِ الْقُرُوحِ حَتَّى لَوْ أَصَابَ ثَوْبَ أَحَدِهِمْ
أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ لَا تَمْتَنِعُ الصَّلَاةُ فِيهِ مَعَ
أَنَّ الْوَجْهَ يُسَاعِدُهُ لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ الْخَارِجَ بِوَصْفِ
النَّجَاسَةِ حَدَثٌ، وَأَنَّ هَذَا الْوَصْفَ قَبْلَ الْخُرُوجِ لَا
يَثْبُتُ شَرْعًا وَإِلَّا لَمْ يَحْصُلْ لِإِنْسَانٍ طَهَارَةٌ فَلَزِمَ
أَنَّ مَا لَيْسَ حَدَثًا لَمْ يُعْتَبَرْ خَارِجًا شَرْعًا وَمَا لَمْ
يُعْتَبَرْ خَارِجًا لَمْ يُعْتَبَرْ نَجَسًا فَلَوْ أَخَذَ مِنْ الدَّمِ
الْبَادِي فِي مَحَلِّهِ بِقُطْنَةٍ وَأَلْقَى فِي الْمَاءِ لَمْ يَنْجُسْ.
اهـ.
(قَوْلُهُ: فَلَا أَيْ فَلَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ مُطْلَقًا) أَقُولُ
يَعْنِي لَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا خَارِجَهَا وَهُوَ الصَّحِيحُ
(تَنْبِيهَانِ) أَحَدُهُمَا لَيْسَ النَّاقِضُ النَّوْمَ بَلْ الْحَدَثَ
وَلَكِنْ أُقِيمَ السَّبَبُ الظَّاهِرُ وَهُوَ النَّوْمُ مَقَامَهُ كَمَا
فِي السَّفَرِ وَنَحْوِهِ.
الثَّانِي أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالنَّوْمِ يُخْرِجُ النُّعَاسَ مُضْطَجِعًا
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَا ذِكْرَ لَهُ فِي الْمَذْهَبِ، وَالظَّاهِرُ
أَنَّهُ لَيْسَ بِحَدَثٍ.
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ وَأَبُو عَلِيٍّ الرَّازِيّ: إنْ كَانَ
لَا يَفْهَمُ عَامَّةَ مَا قِيلَ عِنْدَهُ كَانَ حَدَثًا كَذَا فِي شَرْحِ
الْهِدَايَةِ اهـ.
قُلْت لَكِنْ صَرَّحَ بِهِ قَاضِي خَانْ مِنْ غَيْرِ إسْنَادِهِ لِأَحَدٍ
فَاقْتَضَى كَوْنَهُ الْمَذْهَبَ، فَقَالَ: وَالنُّعَاسُ لَا يَنْقُضُ
الْوُضُوءَ وَهُوَ قَلِيلُ نَوْمٍ لَا يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مَا
يُقَالُ وَيَجْرِي عِنْدَهُ. اهـ.
(قَوْلُهُ: يُصَلِّي بِالتَّوَضُّؤِ أَيْ بِمُبَاشَرَةِ. . . . إلَخْ)
أَقُولُ هَذَا عَلَى قَوْلِ الْمَشَايِخِ وَصَحَّحَ الْمُتَأَخِّرُونَ
كَقَاضِي خَانْ النَّقْضَ عُقُوبَةً لَهُ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى
بُطْلَانِ صَلَاتِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ
يَتَعَمَّدَ) أَقُولُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مَتْنًا أَوْ شَرْحًا
فَإِنْ يَكُنْ مَتْنًا فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ: وَنَاقِضُهُ
قَهْقَهَةُ بَالِغٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ
بُطْلَانِ وُضُوئِهِ كَصَلَاتِهِ وَلَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ إلَّا زُفَرُ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَفِيمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَابِ
(1/15)
الْمُصَلِّي فِي الْقَهْقَهَةِ لِأَنَّهَا
حِينَئِذٍ تَكُونُ خُرُوجًا بِصُنْعِهِ وَسَيَأْتِي أَنَّ الصَّلَاةَ
تَتِمُّ بِهِ كَيْفَ كَانَ (فَإِذَا) (خَرَجَ الْإِمَامُ) عَنْ الصَّلَاةِ
(بِهِ) أَيْ بِتَعَمُّدِ الْقَهْقَهَةِ (فَقَهْقَهَ الْمَأْمُومُ) (لَمْ
يَنْتَقِضْ وُضُوءُهُ) لِأَنَّ خُرُوجَ الْإِمَامِ خُرُوجٌ لَهُ (إلَّا
أَنْ يَكُونَ مَسْبُوقًا) فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ تَكُونُ فِي أَثْنَاءِ
صَلَاتِهِ.
. (وَ) نَاقِضُهُ أَيْضًا (الْمُبَاشَرَةُ الْفَاحِشَةُ) وَهِيَ أَنْ
يُبَاشِرَ امْرَأَتَهُ مُتَجَرِّدَيْنِ وَانْتَشَرَتْ آلَتُهُ وَأَصَابَ
فَرْجُهُ فَرْجَهَا (لِلْجَانِبَيْنِ) أَيْ يَنْتَقِضُ وُضُوءُ الرَّجُلِ،
وَالْمَرْأَةِ (لَا مَسُّ الذَّكَرِ، وَالْمَرْأَةِ) فَإِنَّهُ غَيْرُ
نَاقِضٍ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (قُشِرَتْ نَفْطَةٌ فَسَالَ
مَاءٌ أَوْ نَحْوُهُ) كَالصَّدِيدِ، وَالدَّمِ (نَقَضَ، وَإِنْ عَلَا)
عَلَى رَأْسِ الْجُرْحِ (فَأُزِيلَ) لَوْ كَانَ (بِحَيْثُ إذَا تُرِكَ
سَالَ نَقَضَ وَإِلَّا فَلَا) يَنْقُضُ (خَرَجَ مِنْ أُذُنِهِ قَيْحٌ لَوْ)
خَرَجَ (بِوَجَعٍ نَقَضَ) لِأَنَّهُ يَكُونُ مِنْ الْجِرَاحَةِ (وَإِلَّا
فَلَا) يَنْقُضُ (فِي عَيْنِهِ رَمَدٌ أَوْ عَمَشٌ) بِفَتْحِ الْمِيمِ
ضَعْفُ الْبَصَرِ مَعَ سَيَلَانِ الدَّمْعِ فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ (إنْ
خَرَجَ مِنْهَا الدَّمْعُ نَقَضَ وَإِنْ اسْتَمَرَّ صَارَ صَاحِبَ عُذْرٍ)
وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ (كَمَا إذَا كَانَ بِهَا) أَيْ بِالْعَيْنِ (غَرْبٌ)
بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ عِرْقٌ فِي الْعَيْنِ
يَسْقِي وَلَا يَنْقَطِعُ.
(الْمُحْدِثُ الْبَالِغُ لَا يَمَسُّ مُصْحَفًا وَلَوْ بَيَاضَهُ)
الْخَالِي عَنْ الْخَطِّ (إلَّا بِغِلَافِهِ وَلَوْ مُتَّصِلًا) وَهُوَ
الْمُشَرَّزُ (وَقِيلَ مُنْفَصِلًا) كَالْخَرِيطَةِ وَنَحْوِهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ تَصْرِيحٌ بِفَسَادِ الْوُضُوءِ بِقَهْقَهَةٍ
عَمْدًا بَعْدَ الْقُعُودِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ
بِالنَّقْضِ صَاحِبُ الْبُرْهَانِ فَقَالَ: وَنَقَضْنَا بِهَا أَيْ
بِالْقَهْقَهَةِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ وُضُوءَهُ لِوُجُودِهَا فِي حُرْمَةِ
الصَّلَاةِ، وَنَفَاهُ زُفَرُ اعْتِبَارًا لَهُ بِالصَّلَاةِ اهـ.
وَكَذَا فِي التَّبْيِينِ وَشَرْحِ الْمَنْظُومَةِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ
وَإِنْ يَكُنْ شَرْحًا فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّهَا
تَكُونُ فِي الصَّلَاةِ فَالْمَعْنَى أَنَّهُ إنْ تَعَمَّدَ الْقَهْقَهَةَ
عِنْدَ السَّلَامِ لَا تَكُونُ الْقَهْقَهَةُ فِي الصَّلَاةِ وَلَيْسَ
بِصَحِيحٍ كَمَا قَدْ عَلِمْت (قَوْلُهُ: وَسَيَأْتِي أَنَّ الصَّلَاةَ
تَتِمُّ بِهِ كَيْفَ كَانَ) الضَّمِيرُ فِي بِهِ رَاجِعٌ إلَى الْخُرُوجِ
بِصُنْعِهِ وَقَوْلُهُ: كَيْفَ كَانَ يَعْنِي مِنْ حَدَثٍ عَمْدًا
وَكَلَامٍ بَعْدَ الْقُعُودِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ.
(تَنْبِيهٌ) لَمْ يَذْكُرْ مَا لَوْ قَهْقَهَ الْإِمَامُ، وَالْمَأْمُومُ
مَعًا وَصَرَّحَ فِي الْبَحْرِ بِفَسَادِ وُضُوئِهِمَا (قَوْلُهُ: إلَّا
أَنْ يَكُونَ مَسْبُوقًا) أَقُولُ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ إنْ يَكُنْ
شَرْحًا فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّ خُرُوجَ الْإِمَامِ
خُرُوجٌ لَهُ وَهُوَ ظَاهِرُ الِاسْتِقَامَةِ وَإِنْ يَكُنْ مَتْنًا كَمَا
فِي النُّسَخِ الَّتِي رَأَيْتهَا فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ:
فَقَهْقَهَةُ الْمَأْمُومِ لَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوءُهُ وَهُوَ مُشْكِلٌ
لِأَنَّ بِقَهْقَهَةِ الْإِمَامِ تَفْسُدُ صَلَاةُ الْمَسْبُوقِ فِي قَوْلِ
أَبِي حَنِيفَةَ فَلَمْ يَبْقَ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ فَإِذَا قَهْقَهَ
لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ
الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ وَصَرَّحَ بِهِ أَيْضًا قَاضِي خَانْ فِي
فَتَاوِيهِ اهـ.
وَلَكِنَّ تَعْلِيلَ الْمُصَنِّفِ الِاسْتِثْنَاءَ بِقَوْلِهِ: فَإِنَّهَا
حِينَئِذٍ تَكُونُ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ يُعَيِّنُ أَنَّ
الِاسْتِثْنَاءَ مَتْنٌ وَقَدْ عَلِمْت عَدَمَ اسْتِقَامَتِهِ.
(قَوْلُهُ: وَالْمُبَاشَرَةُ الْفَاحِشَةُ وَهِيَ أَنْ يُبَاشِرَ
امْرَأَتَهُ مُتَجَرِّدَيْنِ وَانْتَشَرَتْ آلَتُهُ وَأَصَابَ فَرْجُهُ
فَرْجَهَا) أَقُولُ كَذَا فَسَّرَهَا الزَّيْلَعِيُّ وَزَادَ الْكَمَالُ
فِي تَفْسِيرِهَا الْمُعَانَقَةَ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْبُرْهَانِ: فَقَالَ
وَهِيَ أَنْ يَتَجَرَّدَا مَعًا مُتَعَانِقَيْنِ مُتَمَاسَّيْ
الْفَرْجَيْنِ ثُمَّ قَالَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا تَنْقُضُ إلَّا أَنْ
يَتَيَقَّنَ خُرُوجَ شَيْءٍ اهـ.
وَفِي الْقُنْيَةِ وَكَذَا الْمُبَاشَرَةُ بَيْنَ الرَّجُلِ، وَالْغُلَامِ
وَكَذَا بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ تُوجِبُ الْوُضُوءَ عَلَيْهِمَا اهـ.
وَفِي الْبَحْرِ وَكَذَا عَلَى الْمَرْأَتَيْنِ (قَوْلُهُ: لَا مَسُّ
الذَّكَرِ) أَقُولُ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ غَسْلُ الْيَدِ مِنْهُ،.
وَفِي الْبَدَائِعِ: مَا يُفِيدُ تَقْيِيدَ الِاسْتِحْبَابِ بِمَا إذَا
كَانَ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْأَحْجَارِ دُونَ الْمَاءِ وَهُوَ حَسَنٌ كَمَا
لَا يَخْفَى قَالَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: قُشِرَتْ نَفْطَةٌ
إلَخْ) .
أَقُولُ هُوَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ،
وَنَاقِضُهُ خُرُوجُ نَجَسٍ مِنْهُ إلَى مَا يَطْهُرُ لَكِنْ ذُكِرَ
بَعْدَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّفْصِيلِ (قَوْلُهُ: خَرَجَ مِنْ أُذُنِهِ
قَيْحٌ. . . إلَخْ) كَذَا فِي التَّبْيِينِ مَعْزِيًّا إلَى
الْحَلْوَانِيِّ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ الظَّاهِرُ إذَا
كَانَ الْخَارِجُ قَيْحًا أَوْ صَدَأً انْتَقَضَ سَوَاءٌ كَانَ مَعَ وَجَعٍ
أَوْ بِدُونِهِ لِأَنَّهُمَا لَا يَخْرُجَانِ إلَّا عَنْ عِلَّةٍ نَعَمْ
هَذَا التَّفْصِيلُ حَسَنٌ فِيمَا إذَا كَانَ الْخَارِجُ مَاءً لَيْسَ
غَيْرُ اهـ.
قُلْت وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ قَوْلُ الْكَمَالِ ثُمَّ
الْجُرْحُ وَالنَّفْطَةُ وَمَاءُ الثَّدْيِ، وَالسُّرَّةِ وَالْأُذُنِ إذَا
كَانَ لِعِلَّةٍ سَوَاءٌ عَلَى الْأَصَحِّ اهـ.
(قَوْلُهُ: إنْ خَرَجَ مِنْهَا الدَّمْعُ نَقَضَ إلَخْ) أَقُولُ
فَيَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ لَكِنْ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: لَوْ كَانَ فِي
عَيْنَيْهِ رَمَدٌ أَوْ عَمَشٌ يَسِيلُ مِنْهُمَا الدُّمُوعُ قَالُوا
يُؤْمَرُ بِالْوُضُوءِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ
صَدِيدًا أَوْ قَيْحًا اهـ.
وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي أَنَّهُ أَمْرُ اسْتِحْبَابٍ فَإِنَّ
الشَّكَّ، وَالِاحْتِمَالَ فِي كَوْنِهِ نَاقِضًا لَا يُوجِبُ الْحُكْمَ
بِالنَّقْضِ إذْ الْيَقِينُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ نَعَمْ إذَا عُلِمَ
مِنْ طَرِيقِ غَلَبَةِ الظَّنِّ بِإِخْبَارِ الْأَطِبَّاءِ أَوْ
بِعَلَامَاتٍ عَلَى ظَنِّ الْمُبْتَلَى يَجِبُ كَذَا قَالَهُ صَاحِبُ
الْبَحْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ الزَّيْلَعِيِّ اهـ.
(قُلْت) لَكِنْ صَرَّحَ الْكَمَالُ بِالْوُجُوبِ بِقَوْلِهِ: قَالُوا مَنْ
رَمِدَتْ عَيْنَاهُ، وَسَالَ الْمَاءُ مِنْهُمَا وَجَبَ عَلَيْهِ
الْوُضُوءُ فَإِنْ اسْتَمَرَّ فَلِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ اهـ.
وَصِيغَةُ قَالُوا تُذْكَرُ فِيمَا فِيهِ الْخِلَافُ فَيُفْهَمُ عَدَمُ
الْوُجُوبِ مِنْ مُقَابِلِهِ (قَوْلُهُ: كَمَا إذَا كَانَ بِهِمَا غَرْبٌ)
أَقُولُ: وَالنَّقْضُ بِمَا سَالَ مِنْهُ لِمَا قَالَ الْكَمَالُ.
وَفِي التَّجْنِيسِ الْغَرْبُ فِي الْعَيْنِ إذَا سَالَ مِنْهُ مَاءٌ
نَقَضَ لِأَنَّهُ كَالْجُرْحِ وَلَيْسَ بِدَمْعٍ، وَالْغَرَبُ
بِالتَّحْرِيكِ وَرَمٌ فِي الْمَآقِي.
(قَوْلُهُ: إلَّا بِغِلَافِهِ وَلَوْ مُتَّصِلًا وَهُوَ الْمُشَرَّزُ)
أَقُولُ هَذَا خِلَافُ الْمُعْتَمَدِ وَإِنْ صُحِّحَ لِمَا قَالَ
الزَّيْلَعِيُّ وَغِلَافُهُ مَا يَكُونُ مُنْفَصِلًا عَنْهُ دُونَ مَا
يَكُونُ مُتَّصِلًا بِهِ فِي الصَّحِيحِ وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ مَسُّ
الْجِلْدِ الْمُتَّصِلِ بِهِ
(1/16)
وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَصَحُّ صَرَّحَ بِهِ
فِي الْمُحِيطِ، وَالْكَافِي وَاخْتَارَ فِي الْهِدَايَةِ الثَّانِيَ
(وَلَمْ يُكْرَهْ) مَسُّهُ (بِالْكُمِّ وَقِيلَ يُكْرَهُ) قَالَ فِي
الْمُحِيطِ: كَرِهَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا مَسَّ الْمُصْحَفِ بِالْكُمِّ
لِلْحَائِضٍ وَالْجُنُبِ وَقَالَ عَامَّتُهُمْ: لَا يُكْرَهُ لِأَنَّ
الْمَسَّ مُحَرَّمٌ وَهُوَ اسْمٌ لِلْمُبَاشَرَةِ بِالْيَدِ بِلَا حَائِلٍ
وَاخْتَارَهُ فِي الْكَافِي أَيْضًا وَاخْتَارَ فِي الْهِدَايَةِ
الثَّانِيَ (وَرُخِّصَ الْمَسُّ بِالْيَدِ فِي) الْكُتُبِ (الشَّرْعِيَّةِ
إلَّا التَّفْسِيرَ) ذَكَرَهُ فِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى وَغَيْرِهِ (وَلَا)
يَمَسُّ (دِرْهَمًا فِيهِ سُورَةٌ) قَالُوا الْمُرَادُ بِهَا الْآيَةُ
(إلَّا بِصُرَّةٍ وَإِنْ جَازَ قِرَاءَتُهُ) فَرَّقَ فِي الْمُحْدِثِ
بَيْنَ الْقِرَاءَةِ، وَالْمَسِّ لِأَنَّ الْحَدَثَ حَلَّ الْيَدَ دُونَ
الْفَمِ حَتَّى يَجِبُ غَسْلُ الْيَدِ لَا الْفَمِ، وَاسْتَوَيَا فِي
الْجُنُبِ، وَالْحَائِضِ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ وَالْحَيْضَ حَلَّا
بِالْفَمِ وَالْيَدِ حَتَّى يَجِبُ غَسْلُهُمَا فِيهِمَا وَلَا تَرِدُ
الْعَيْنُ لِأَنَّ الْجُنُبَ حَلَّ نَظَرُهُ إلَى الْمُصْحَفِ بِلَا
قِرَاءَةٍ كَذَا فِي الْكَافِي.
(وَكُرِهَ دُخُولُهُ) أَيْ الْمُحْدِثِ (مَسْجِدًا) مِنْ الْمَسَاجِدِ
(وَطَوَافُهُ) بِالْكَعْبَةِ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَإِنَّمَا
لَمْ يُحَرَّمَا لِأَنَّ حُرْمَتَهُمَا مِنْ أَحْكَامِ الْحَدَثِ
الْأَكْبَرِ كَالْحَيْضِ، وَالْجَنَابَةِ.
[أَحْكَام الْغُسْل]
[فَرَائِضُ الْغُسْلِ]
(فَرْضُ الْغُسْلِ) الْمُرَادُ بِهِ هَاهُنَا مَا يَتَنَاوَلُ الْفَرْضَ
الِاعْتِقَادِيَّ وَالْعَمَلِيَّ وَهُوَ مَا يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ
(غَسْلُ الْفَمِ وَالْأَنْفِ، وَ) سَائِرِ (الْبَدَنِ حَتَّى دَاخِلِ
الْقُلْفَةِ فِي الْأَصَحِّ وَ) غَسْلُ (السُّرَّةِ وَالشَّارِبِ،
وَالْحَاجِبِ وَجَمِيعِ اللِّحْيَةِ) أَيْ يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى
أَثْنَاءِ اللِّحْيَةِ كَمَا يَجِبُ إلَى أُصُولِهَا إذْ لَا حَرَجَ فِيهِ
كَذَا فِي الْمُحِيطِ (وَالْفَرْجِ الْخَارِجِ) ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ
وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] صِيغَةُ
مُبَالَغَةٍ تَقْتَضِي وُجُوبَ غَسْلِ مَا يَكُونُ مِنْ ظَاهِرِ الْبَدَنِ
وَلَوْ مِنْ وَجْهٍ كَالْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ (لَا) غَسْلُ (مَا فِيهِ
حَرَجٌ كَالْعَيْنِ وَثَقْبِ الْفَمِ) لِأَنَّهُ حَرَجٌ، وَهُوَ مَدْفُوعٌ
بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}
[الحج: 78] فِي الْمُحِيطِ إنْ كَانَ لَا يَصِلُ الْمَاءُ إلَى ثَقْبِ
الْقُرْطِ إلَّا بِتَكَلُّفٍ لَا يَتَكَلَّفُ وَكَذَا إنْ انْضَمَّ بَعْدَ
نَزْعِ الْقُرْطِ وَصَارَ بِحَيْثُ لَا يَدْخُلُ الْقُرْطُ فِيهِ إلَّا
بِتَكَلُّفٍ لَا يَتَكَلَّفُ أَيْضًا (كَذَا) أَيْ كَالْعَيْنِ فِي
الْحَرَجِ (نَقْضُ ضَفِيرَتِهَا وَبَلُّهَا) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهَا
لَوْ كَانَتْ مَنْقُوضَةً يَجِبُ غَسْلُهَا (وَكَفَى بَلُّ أَصْلِهَا)
دَفْعًا لِلْحَرَجِ (لَا نَقْضُ ضَفِيرَتِهِ) حَيْثُ يَجِبُ احْتِيَاطًا
كَذَا فِي الْكَافِي.
(وَسُنَّتُهُ) أَيْ الْغُسْلِ (الْبَدْءُ بِمَا ذَكَرَ فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
وَمَسُّ حَوَاشِي الْمُصْحَفِ، وَالْبَيَاضِ الَّذِي لَا كِتَابَةَ
عَلَيْهِ، وَالصَّحِيحُ مَنْعُهُ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْمُصْحَفِ اهـ.
وَلِمَا قَالَ فِي الْبُرْهَانِ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْمُتَجَافِي
فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الْكُمُّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الْجِلْدُ
وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ الْخَرِيطَةُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَقَالَ
بَعْضُهُمْ الْأَصَحُّ: هُوَ الْجِلْدُ وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى
غَيْرِ الْمُشَرَّزِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي
الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَصَحُّ) قَدْ عَلِمْت تَعَيُّنَ حَمْلِهِ
عَلَى غَيْرِ الْمُشَرَّزِ (قَوْلُهُ: وَاخْتَارَهُ فِي الْكَافِي أَيْضًا)
أَقُولُ عِبَارَةُ الْكَافِي: وَلَا يُكْرَهُ مَسُّهُ بِالْكُمِّ عِنْدَ
الْجُمْهُورِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
(قَوْلُهُ: فَرْضُ الْغُسْلِ) الْفَرْضُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَفْرُوضِ
لِأَنَّ الْمَصْدَرَ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الزَّمَانُ وَالْمَكَانُ
وَالْفَاعِلُ وَالْمَفْعُولُ كَذَا فِي الْكَشَّافِ، وَالْغُسْلُ يَعْنِي
بِهِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ، وَالْحَيْضِ، وَالنِّفَاسِ وَهُوَ لُغَةً:
بِضَمِّ الْغَيْنِ اسْمٌ مِنْ الِاغْتِسَالِ، وَهُوَ تَمَامُ غَسْلِ
الْجَسَدِ وَاسْمٌ لِلْمَاءِ الَّذِي يُغْتَسَلُ بِهِ أَيْضًا كَمَا فِي
الْمُغْرِبِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: إنَّهُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَضَمِّهَا
لُغَتَانِ، وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ،
وَالضَّمُّ هُوَ الَّذِي يَسْتَعْمِلُهُ الْفُقَهَاءُ أَوْ أَكْثَرُهُمْ،
وَاصْطِلَاحًا هُوَ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ اللُّغَوِيُّ وَهُوَ غَسْلُ
الْبَدَنِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: الْمُرَادُ بِهِ هَاهُنَا مَا
يَتَنَاوَلُ. . . إلَخْ) أَقُولُ فَيَكُونُ مِنْ عُمُومِ الْمَجَازِ لَا
اسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْهِ.
(قَوْلُهُ: حَتَّى دَاخِلِ الْقُلْفَةِ فِي الْأَصَحِّ) كَذَا ذَكَرَهُ
الزَّيْلَعِيُّ وَنَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ: أَنَّهُ لَا
حَرَجَ فِي إيصَالِ الْمَاءِ دَاخِلَ الْقُلْفَةِ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ
الْإِدْخَالِ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي مُخْتَارَاتِ
النَّوَازِلِ اهـ.
وَقَالَ الْكَمَالُ وَيُدْخِلُهُ أَيْ الْمَاءَ الْقُلْفَةَ اسْتِحْبَابًا.
وَفِي النَّوَازِلِ لَا يُجْزِئُهُ تَرْكُهُ، وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ
لِلْحَرَجِ لَا لِكَوْنِهِ خِلْقَةً اهـ.
(قُلْت) يَنْبَغِي التَّفْصِيلُ إنْ كَانَ يُمْكِنُ فَسْخُ الْقُلْفَةِ
بِلَا مَشَقَّةٍ لَا يُجْزِئُهُ تَرْكُهُ وَإِلَّا أَجْزَأَهُ وَإِلَى
هَذَا يُشِيرُ كَلَامُ الْكَمَالِ (قَوْلُهُ: وَالْفَرْجِ الْخَارِجِ)
احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الدَّاخِلِ قَالَ الْكَمَالُ: وَتَغْسِلُ فَرْجَهَا
الْخَارِجَ لِأَنَّهُ كَالْفَمِ وَلَا يَجِبُ إدْخَالُهَا الْأُصْبُعَ فِي
قُبُلِهَا وَبِهِ يُفْتَى اهـ.
(قَوْلُهُ: كَذَا نَقْضُ ضَفِيرَتِهَا وَبَلُّهَا) هُوَ الصَّحِيحُ وَعَنْ
أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهَا تَبُلُّ ذُؤَابَتَهَا
ثَلَاثًا مَعَ كُلِّ بَلَّةٍ عَصْرَةٌ كَمَا فِي الْكَافِي وَكَذَا قَالَ
فِي الْهِدَايَةِ: وَلَيْسَ عَلَيْهَا بَلُّ ذَوَائِبِهَا يَعْنِي إذَا
بَلَغَ الْمَاءُ أُصُولَ الشَّعْرِ هُوَ الصَّحِيحُ قَالَ الْكَمَالُ
قَوْلُهُ: هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ يَجِبُ
بَلُّهَا ثَلَاثًا مَعَ كُلِّ بَلَّةٍ عَصْرَةٌ،.
وَفِي صَلَاةِ الْبَقَّالِيِّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ
الذَّوَائِبِ وَإِنْ جَاوَزَتْ الْقَدَمَيْنِ، وَفِي مَبْسُوطِ بَكْرٍ فِي
وُجُوبِ إيصَالِ الْمَاءِ إلَى شُعَبِ عِقَاصِهَا اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ
اهـ.
، وَالْأَصَحُّ نَفْيُهُ لِلْحَصْرِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ اهـ
كَلَامُ الْكَمَالِ.
(1/17)
الْوُضُوءِ) مِنْ النِّيَّةِ،
وَالتَّسْمِيَةِ وَغَسْلِ الْيَدَيْنِ (وَغَسْلِ فَرْجِهِ وَخَبَثِ
بَدَنِهِ) إنْ كَانَ فِيهِ خَبَثٌ (وَالتَّوَضُّؤُ) أَيْ اسْتِعْمَالُ
الْمَاءِ فِي جَمِيعِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ (إلَّا رِجْلَيْهِ) وَهَذَا
التَّقْرِيرُ أَحْسَنُ مِمَّا قِيلَ أَنْ يَغْسِلَ جَمِيعَ أَعْضَاءِ
الْوُضُوءِ إلَّا رِجْلَيْهِ لِأَنَّ جَمِيعَ أَعْضَائِهِ لَيْسَتْ
بِمَغْسُولَةٍ بَلْ بَعْضُهَا مَمْسُوحَةٌ وَفِي لَفْظِ التَّوَضُّؤِ
إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَمْسَحُ بِرَأْسِهِ كَمَا فِي وُضُوءِ الصَّلَاةِ
وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ (لَوْ) كَانَ رِجْلَاهُ (بِمُسْتَنْقَعٍ) أَيْ
بِمُسْتَجْمَعِ مَاءٍ حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَى سَطْحٍ يَغْسِلُهُمَا (ثُمَّ
تَثْلِيثُ صَبٍّ) حَتَّى لَوْ لَمْ يَصُبَّ لَمْ يَكُنْ الْغُسْلُ
مَسْنُونًا وَإِنْ زَالَ الْحَدَثُ (مُسْتَوْعِبٍ) جَمِيعَ الْبَدَنِ
حَالَةَ كَوْنِهِ (بَادِئًا) فِي الْغُسْلِ (بِمَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ
ثُمَّ الْأَيْسَرِ ثُمَّ رَأْسِهِ فِي الْأَصَحِّ) احْتِرَازٌ عَمَّا قَالَ
فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَقِيلَ يَبْدَأُ بِالْأَيْمَنِ ثَلَاثًا ثُمَّ
بِالرَّأْسِ ثُمَّ الْأَيْسَرِ وَقِيلَ يَبْدَأُ بِالرَّأْسِ (ثُمَّ
بَقِيَّةِ بَدَنِهِ وَبَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الصَّبِّ الْمُسْتَوْعِبِ
(يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ تَكْمِيلًا) لِلْوُضُوءِ وَتَنْظِيفًا لَهُمَا عَنْ
الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ لَمْ يَقُلْ ثُمَّ غَسْلِ رِجْلَيْهِ بِالْجَرِّ
لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ فِي سِيَاقِ قَوْلِهِ بَادِئًا وَلَيْسَ لَهُ
مَعْنًى (وَ) سُنَّتُهُ أَيْضًا (الدَّلْكُ) لِأَنَّ السُّنَّةَ إكْمَالُ
الْفَرْضِ فِي مَحَلِّهِ وَهُوَ كَذَلِكَ (وَصَحَّ نَقْلُ بَلَّةِ عُضْوٍ
إلَى آخَرَ فِيهِ) أَيْ الْغُسْلِ (إذَا تَقَاطَرَتْ) الْبَلَّةُ (دُونَ
الْوُضُوءِ) لِمَا بَيَّنَّا سَابِقًا.
(وَفُرِضَ) أَيْ الْغُسْلُ (عِنْدَ خُرُوجِ مَنِيٍّ) وَلَوْ فِي نَوْمٍ
(مُنْفَصِلٍ) عَنْ مَوْضِعِهِ (بِشَهْوَةٍ) قَيَّدَ بِهَا لِأَنَّهُ إذَا
خَرَجَ بِحَمْلِ شَيْءٍ ثَقِيلٍ وَنَحْوِهِ لَمْ يُفْرَضْ خِلَافًا
لِلشَّافِعِيِّ (وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ) إلَى ظَاهِرِ الْبَدَنِ بِهَا أَيْ
بِالشَّهْوَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الدَّفْقَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَ
أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ.
(وَ) فُرِضَ (عِنْدَ إيلَاجِ) أَيْ إدْخَالِ (آدَمِيٍّ) احْتِرَازٌ عَنْ
الْجِنِّيِّ فِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَتْ امْرَأَةٌ مَعِي جِنِّيٌّ
يَأْتِينِي فَأَجِدُ فِي نَفْسِي مَا أَجِدُ إذَا جَامَعَنِي زَوْجِي لَا
غُسْلَ عَلَيْهَا لِانْعِدَامِ سَبَبِهِ وَهُوَ الْإِيلَاجُ أَوْ
الِاحْتِلَامُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
[سُنَن الْغُسْل]
قَوْلُهُ: وَغَسْلِ فَرْجِهِ وَخَبَثِ بَدَنِهِ إنْ كَانَ فِيهِ) أَقُولُ
لَمْ يَكْتَفِ بِغَسْلِ الْخَبَثِ عَنْ الْفَرْجِ لِأَنَّ غَسْلَ الْفَرْجِ
مِنْ سُنَنِ الْغُسْلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ نَجَاسَةٌ كَتَقْدِيمِ
الْوُضُوءِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَاقْتَفَى
أَثَرَهُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا وَكَانَ يُغْنِيهِ يَعْنِي صَاحِبَ
الْكَنْزِ أَنْ يَقُولَ وَنَجَاسَةٍ لَوْ كَانَتْ عَنْ قَوْلِهِ وَفَرْجِهِ
لِأَنَّ الْفَرْجَ إنَّمَا يُغْسَلُ لِأَجْلِ النَّجَاسَةِ اهـ.
(قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ لَمْ يُصَبَّ لَمْ يَكُنْ الْغُسْلُ مَسْنُونًا
وَإِنْ زَالَ الْحَدَثُ) أَقُولُ يَعْنِي لَوْ لَمْ يَصُبَّ ثَلَاثًا
وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَلَوْ لَمْ يُثَلِّثْ، وَلَوْ انْغَمَسَ
الْجُنُبُ فِي مَاءٍ جَارٍ إنْ مَكَثَ فِيهِ قَدْرَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ
فَقَدْ أَكْمَلَ السُّنَّةَ وَإِلَّا فَلَا قَالَ الْكَمَالُ وَقَالَ
الشَّيْخُ زَيْنٌ: وَيُقَاسُ مَا لَوْ اغْتَسَلَ فِي الْحَوْضِ الْكَبِيرِ
أَوْ وَقَفَ فِي الْمَطَرِ كَمَا لَا يَخْفَى اهـ.
(قَوْلُهُ: بَادِئًا فِي الْغُسْلِ بِمَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ. . . إلَخْ)
قَالَ الْكَمَالُ وَلَمْ يَذْكُرْ أَيْ فِي الْهِدَايَةِ كَيْفِيَّةَ
الصَّبِّ وَاخْتُلِفَ فِيهِ فَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ يُفِيضُ عَلَى
مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ ثَلَاثًا ثُمَّ الْأَيْسَرِ ثَلَاثًا ثُمَّ عَلَى
سَائِرِ جَسَدِهِ وَقِيلَ يَبْدَأُ بِالْأَيْمَنِ ثُمَّ بِالرَّأْسِ ثُمَّ
بِالْأَيْسَرِ، وَقِيلَ يَبْدَأُ بِالرَّأْسِ وَهُوَ ظَاهِرُ لَفْظِ
الْكِتَابِ يَعْنِي الْهِدَايَةَ وَظَاهِرُ حَدِيثِ مَيْمُونَةَ رَوَاهُ
الْجَمَاعَةُ عَنْهَا قَالَتْ «وَضَعْت لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَاءً يَغْتَسِلُ بِهِ فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ
فَغَسَلَهُمَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ثُمَّ أَفْرَغَ بِيَمِينِهِ عَلَى
شِمَالِهِ فَغَسَلَ مَذَاكِيرَهُ ثُمَّ دَلَّكَ يَدَهُ بِالْأَرْضِ ثُمَّ
تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَهُ ثُمَّ غَسَلَ
رَأْسَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ ثُمَّ تَنَحَّى
عَنْ مَقَامِهِ فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ» اهـ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ: وَبِهِ يُضَعَّفُ مَا صَحَّحَهُ
صَاحِبُ الدُّرَرِ، وَالْغُرَرِ مِنْ أَنَّهُ يُؤَخِّرُ الرَّأْسَ كَذَا
صَحَّحَهُ فِي الْمُجْتَبَى اهـ.
(تَنْبِيهٌ) : آدَابُ الْغُسْلِ هِيَ آدَابُ الْوُضُوءِ لَكِنْ يُسْتَثْنَى
مِنْهُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ لِأَنَّهُ يَكُونُ غَالِبًا مَعَ كَشْفِ
الْعَوْرَةِ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ وَمِنْ مَكْرُوهَاتِهِ الْإِسْرَافُ
كَمَا فِي الْبَحْرِ.
[مُوجِبَات الْغُسْل]
(قَوْلُهُ: وَفُرِضَ أَيْ الْغُسْلُ عِنْدَ خُرُوجِ مَنِيٍّ. . . إلَخْ)
أَقُولُ خُرُوجُ الْمَنِيِّ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ شُرُوطٌ لِلْوُجُوبِ لَا
أَسْبَابٌ فَإِضَافَةُ الْوُجُوبِ إلَيْهَا مَجَازٌ وَاخْتُلِفَ فِي سَبَبِ
وُجُوبِ الْغُسْلِ وَعِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ سَبَبُ وُجُوبِهِ
إرَادَةُ فِعْلِ مَا لَا يَحِلُّ فِعْلُهُ مَعَ الْجَنَابَةِ، وَقِيلَ
وُجُوبُ مَا لَا يَحِلُّ مَعَهَا، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ إرَادَةُ
فِعْلِ مَا لَا يَحِلُّ إلَّا بِهِ عِنْدَ عَدَمِ ضِيقِ الْوَقْتِ وَعِنْدَ
وُجُوبِ مَا لَا يَصِحُّ مَعَهَا، وَذَلِكَ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ لِمَا
قَالَ فِي الْكَافِي: إنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الْغُسْلِ الصَّلَاةُ أَوْ
إرَادَةُ مَا لَا يَحِلُّ فِعْلُهُ مَعَ الْجَنَابَةِ، وَالْإِنْزَالُ
وَالِالْتِقَاءُ شَرْطٌ.
(قَوْلُهُ: وَلَمْ يَذْكُرْ الدَّفْقَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَ
أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ) أَقُولُ يَعْنِي لَيْسَ شَرْطًا مُسْتَقِلًّا
وَذَلِكَ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الدَّفْقِ يُفِيدُ اشْتِرَاطَ خُرُوجِ
الْمَنِيِّ بِشَهْوَةٍ إلَى ظَاهِرِ الْبَدَنِ وَلَمْ يَشْتَرِطَاهُ
وَشَرَطَهُ أَبُو يُوسُفَ وَاعْتُرِضَ عَلَى مَنْ شَرَطَ الدَّفْقَ
بِأَنَّهُ لَا يَشْمَلُ مَنِيَّ الْمَرْأَةِ لِأَنَّ مَاءَهَا لَا يَكُونُ
دَافِقًا اهـ.
وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا لَوْ احْتَلَمَ مَثَلًا فَأَمْسَكَ
ذَكَرَهُ حَتَّى سَكَنَتْ شَهْوَتُهُ ثُمَّ أَرْسَلَهُ فَنَزَلَ الْمَنِيُّ
فَعِنْدَهُمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ وَعِنْدَهُ لَا يَجِبُ،
وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي الضَّيْفِ عِنْدَ خَوْفِ
الرِّيبَةِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا فِي غَيْرِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ
(قَوْلُهُ: لَوْ قَالَتْ امْرَأَةٌ مَعِي جِنِّيٌّ. . . إلَخْ) .
أَقُولُ لَمْ يُقَيِّدْ الْمَسْأَلَةَ فَشَمَلَ حَالَةَ النَّوْمِ،
وَالْيَقَظَةِ.
وَقَالَ الْكَمَالُ: امْرَأَةٌ قَالَتْ مَعِي جِنِّيٌّ يَأْتِينِي فِي
النَّوْمِ مِرَارًا وَأَجِدُ مَا أَجِدُ إذَا جَامَعَنِي زَوْجِي لَا
غُسْلَ عَلَيْهَا وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ تَرَ
الْمَاءَ فَإِنْ رَأَتْهُ صَرِيحًا وَجَبَ كَأَنَّهُ احْتِلَامٌ اهـ.
قُلْت وَعَلَى هَذَا إذَا أَخْبَرَتْ بِإِتْيَانِهِ يَقَظَةً وَرَأَتْ
الْمَاءَ خَارِجَ الْفَرْجِ وَجَبَ الْغُسْلُ لِخُرُوجِهِ عَنْ شَهْوَةٍ
(1/18)
(حَشَفَةً أَوْ قَدْرَهَا مِنْ
مَقْطُوعِهَا) مُتَعَلِّقٌ بِقَدْرِهَا (فِي أَحَدِ) مُتَعَلِّقٌ
بِإِيلَاجِ (سَبِيلَيْ آدَمِيٍّ) احْتِرَازٌ عَنْ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ
فَإِنَّ إدْخَالَهَا فِي أَحَدِ سَبِيلَيْ الْبَهَائِمِ لَا يُوجِبُ
غُسْلًا لِقِلَّةِ الرَّغْبَةِ (حَيٍّ) احْتِرَازٌ عَنْ إدْخَالِهَا فِي
أَحَدِ سَبِيلَيْ مَيِّتٍ فَإِنَّهُ أَيْضًا لَا يَجِبُ الْغُسْلُ (عَلَى
مُكَلَّفِهِمَا) مُتَعَلِّقٌ بِفَرْضِ الْمُقَدَّرِ فِي إيلَاجٍ (وَإِنْ
لَمْ يُنْزِلْ) مَنِيًّا لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي مِثْلِهِ الْإِنْزَالُ
فَيَجِبُ احْتِيَاطًا (وَ) عِنْدَ (رُؤْيَةِ مُسْتَيْقِظٍ مَنِيًّا أَوْ
مَذْيًا) بِسُكُونِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ مَاءٌ رَقِيقٌ أَبْيَضُ
يَخْرُجُ عِنْدَ مُلَاعَبَةِ الرَّجُلِ أَهْلَهُ (وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ
حُلُمًا) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مَنِيٌّ رَقَّ بِهَوَاءٍ أَصَابَهُ
(لَا) يُفْرَضُ (إنْ تَذَكَّرَهُ) أَيْ الْحُلْمَ.
(وَ) تَذَكَّرَ (اللَّذَّةَ، وَالْإِنْزَالَ وَلَمْ يَرَ بَلَلًا)
لِأَنَّهُ تَفَكُّرٌ فِي النَّوْمِ كَمَا فِي الْيَقِظَةِ بِلَا إنْزَالٍ
فِي الذَّخِيرَةِ إذَا اسْتَيْقَظَ مِنْ النَّوْمِ فَوَجَدَ عَلَى فَخِذِهِ
أَوْ فِرَاشِهِ بَلَلًا إنْ تَذَكَّرَ احْتِلَامًا وَتَيَقَّنَ أَنَّهُ
مَنِيٌّ أَوْ مَذْيٌ أَوْ شَكَّ أَنَّهُ مَنِيٌّ أَوْ وَدْيٌ فَعَلَيْهِ
أَيْضًا الْغُسْلُ، وَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ وَدْيٌ فَلَا غُسْلَ
عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ احْتِلَامًا وَتَيَقَّنَ أَنَّهُ وَدْيٌ
فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ مَنِيٌّ فَعَلَيْهِ
الْغُسْلُ، وَإِنْ شَكَّ أَنَّهُ مَنِيٌّ أَوْ وَدْيٌ فَكَذَلِكَ
عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ حَتَّى يَتَذَكَّرَ
الِاحْتِلَامَ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ فَلَا يَجِبُ إلَّا
بِيَقِينٍ، وَهُوَ الْقِيَاسُ وَهُمَا أَخَذَا بِالِاحْتِيَاطِ لِأَنَّ
النَّائِمَ غَافِلٌ وَالْمَنِيُّ قَدْ يَرِقُّ بِالْهَوَاءِ فَيَصِيرُ
مِثْلَ الْمَذْيِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ احْتِيَاطًا (كَذَا الْمَرْأَةُ فِي
الْأَصَحِّ) احْتِرَازٌ عَمَّا قِيلَ لَوْ احْتَلَمَتْ الْمَرْأَةُ وَلَمْ
يَخْرُجْ مِنْهَا الْمَنِيُّ إنْ وَجَدَتْ لَذَّةَ الْإِنْزَالِ
فَعَلَيْهَا الْغُسْلُ لِأَنَّ مَاءَهَا يَنْزِلُ مِنْ صَدْرِهَا إلَى
رَحِمِهَا بِخِلَافِ الرَّجُلِ حَيْثُ يُشْتَرَطُ الظُّهُورُ فِي حَقِّ
الْغُسْلِ كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ (أَوْلَجَهَا) أَيْ الْحَشَفَةَ
مَلْفُوفَةً (بِخِرْقَةٍ وَجَبَ) الْغُسْلُ (إنْ وَجَدَ لَذَّةَ)
الْجِمَاعِ (وَ) فُرِضَ عِنْدَ (انْقِطَاعِ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ لَا) عِنْدَ
(خُرُوجِ مَذْيٍ وَوَدْيٍ) بِسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مَاءٌ غَلِيظٌ
يَعْقُبُ الْبَوْلَ (وَحُقْنَةٍ) عَطْفٌ عَلَى خُرُوجِ مَذْيٍ (وَلَا)
عِنْدَ (إدْخَالِ أُصْبُعٍ وَنَحْوِهِ فِي الدُّبُرِ وَوَطْءِ بَهِيمَةٍ
بِلَا إنْزَالٍ) لِقِلَّةِ الرَّغْبَةِ كَمَا مَرَّ.
(أَتَى عَذْرَاءَ وَلَمْ تَزُلْ عُذْرَتُهَا) يَعْنِي رَجُلٌ لَهُ
امْرَأَةٌ عَذْرَاءُ فَأَتَاهَا وَلَمْ يُزِلْ عُذْرَتَهَا (لَا غُسْلَ
عَلَيْهِمَا مَا لَمْ يُنْزِلْ) لِأَنَّ الْعُذْرَةَ تَمْنَعُ مِنْ
الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ كَذَا فِي الْمُبْتَغَى.
(وَوَجَبَ) الْغُسْلُ (لِلْمَيِّتِ) أَيْ وَجَبَ عَلَى الْحَيِّ أَنْ
يُغَسِّلَ الْمَيِّتَ وُجُوبًا بِطَرِيقِ الْكِفَايَةِ حَتَّى لَوْ فَعَلَ
الْبَعْضُ سَقَطَ عَنْ الْكُلِّ وَإِلَّا أَثِمَ الْكُلُّ (وَعَلَى مَنْ
أَسْلَمَ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا) وَقِيلَ هُمَا مَنْدُوبَانِ (أَوْ بَلَغَ
لَا بِسِنٍّ) بَلْ بِالْإِنْزَالِ (فِي الْأَصَحِّ) قَيْدٌ لِلْمَجْمُوعِ
وَقِيلَ لَا يَجِبُ بِالْبُلُوغِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ بَعْدَ الْبُلُوغِ
بَعْدَ الْإِنْزَالِ فَلَوْ وَجَبَ بِهِ لَزِمَ تَقَدُّمُ الْحُكْمِ عَلَى
السَّبَبِ قُلْنَا الْإِنْزَالُ دَلِيلُ تَكَامُلِ الْقُوَى فَيَكُونُ
مُظْهِرًا لِلْوُجُوبِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
وَكَأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا لِظُهُورِهِ (قَوْلُهُ: فِي أَحَدِ
سَبِيلَيْ آدَمِيٍّ. . . إلَخْ) لَمْ يُقَيِّدْهُ بِكَوْنِهِ مُشْتَهًى.
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَدْ حَكَى فِي السِّرَاجِ خِلَافًا فِي وَطْءِ
الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تُشْتَهَى فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَجِبُ
مُطْلَقًا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَجِبُ مُطْلَقًا، وَالصَّحِيحُ
أَنَّهُ إذَا أَمْكَنَ الْإِيلَاجُ فِي مَحَلِّ الْجِمَاعِ مِنْ
الصَّغِيرَةِ وَلَمْ يَفُضَّهَا فَهِيَ مِمَّنْ يُجَامَعُ مِثْلُهَا
فَيَجِبُ الْغُسْلُ.
(قَوْلُهُ: وَوَجَبَ الْغُسْلُ لِلْمَيِّتِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ أَيْ
الْغُسْلُ فُرِضَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْكِفَايَةِ لِأَجْلِ
الْمَيِّتِ وَهَذَا هُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْوُجُوبِ كَمَا
صَرَّحَ بِهِ فِي الْوَافِي فِي الْجَنَائِزِ.
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا أَنْ يَكُونَ
الْمَيِّتُ خُنْثَى مُشْكِلًا فَإِنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ قِيلَ
يَتَيَمَّمُ، وَقِيلَ يُغَسَّلُ فِي ثِيَابِهِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى
وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي مَحَلِّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ
تَعَالَى.
(قَوْلُهُ: وَعَلَى مَنْ أَسْلَمَ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا) أَقُولُ فِيهِ
إشَارَةٌ إلَى أَنَّهَا لَوْ انْقَطَعَ حَيْضُهَا ثُمَّ أَسْلَمَتْ لَا
غُسْلَ عَلَيْهَا وَبِهِ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ فَقَالَ: إذَا أَسْلَمَ
الْكَافِرُ جُنُبًا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ لَا يَجِبُ
لِأَنَّهُ لَيْسَ مُخَاطَبًا بِالشَّرَائِعِ فَصَارَ كَالْكَافِرَةِ إذَا
حَاضَتْ فَطَهُرَتْ ثُمَّ أَسْلَمَتْ وَفِي رِوَايَةٍ يَجِبُ عَلَيْهِ
لِأَنَّ وُجُوبَ الْغُسْلِ بِإِرَادَةِ الصَّلَاةِ وَهُوَ عِنْدَهَا
مُخَاطَبٌ فَصَارَ كَالْوُضُوءِ وَهَذَا لِأَنَّ صِفَةَ الْجَنَابَةِ
مُسْتَدَامَةٌ بَعْدَ إسْلَامِهِ فَدَوَامُهَا بَعْدَهُ كَإِنْشَائِهَا
فَيَجِبُ الْغُسْلُ اهـ.
لَكِنْ رَدَّ مَا ذُكِرَ مِثْلُ هَذَا ابْنُ كَمَال بَاشَا وَمُحَصَّلُهُ
لُزُومُ الْغُسْلِ عَلَيْهَا فِيمَا انْقَطَعَ دَمُهَا ثُمَّ أَسْلَمَتْ
لِبَقَاءِ الْحَدَثِ الْحُكْمِيِّ وَعَدَمِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَهَا
وَبَيْنَ الْجُنُبِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْبُرْهَانِ فَقَالَ
وَفُرِضَ أَيْضًا يَعْنِي الْغُسْلَ بِبُلُوغِ صَبِيٍّ بِاحْتِلَامٍ
وَإِسْلَامِ كَافِرٍ مِنْ بَعْدِ جَنَابَةٍ وَانْقِطَاعِ حَيْضٍ فِي
الْأَصَحِّ لِبَقَاءِ صِفَةِ الْجَنَابَةِ بَعْدَ الْبُلُوغِ
وَالْإِسْلَامِ وَلَا يُمْكِنُ أَدَاءُ الشُّرُوطِ بِزَوَالِهَا إلَّا بِهِ
فَيُفْتَرَضُ وَقِيلَ: لَا يَجِبُ لِعَدَمِ وُجُوبِ السَّبَبِ بَعْدَهَا
اهـ.
(قَوْلُهُ: أَوْ بَلَغَ لَا بِسِنٍّ بَلْ بِالْإِنْزَالِ) أَقُولُ لَوْ
حَذَفَ لَفْظَةَ بَلْ بِالْإِنْزَالِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ مَنْ
بَلَغَ بِالْإِنْزَالِ وَغَيْرِهِ كَالْحَيْضِ (قَوْلُهُ: أَوْ وَلَدَتْ
وَلَمْ تَرَ دَمًا) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَهُوَ
اخْتِيَارُ أَبِي عَلِيٍّ الدَّقَّاقِ لِأَنَّ نَفْسَ خُرُوجِ النَّفْسِ
نِفَاسٌ،.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ لَا غُسْلَ
عَلَيْهَا لِعَدَمِ الدَّمِ، قَالَ فِي الْمُفِيدِ: هُوَ الصَّحِيحُ لَكِنْ
يَجِبُ عَلَيْهَا الْوُضُوءُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَقَالَ فِي
الْبُرْهَانِ: وَعَلَيْهَا الْغُسْلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ لَمْ
تَرَ دَمًا احْتِيَاطًا وَاكْتَفَيَا بِالْوُضُوءِ آخِرًا أَيْ فِي
قَوْلِهِمَا الْآخَرِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِتَعَلُّقِهِ بِالنِّفَاسِ
وَلَمْ يُوجَدْ حَقِيقَةً وَالْوُضُوءُ لَازِمٌ لِلرُّطُوبَةِ
الْمَوْجُودَةِ
(1/19)
لَا مُثْبِتًا لِيَلْزَمَ ذَلِكَ (أَوْ
وَلَدَتْ وَلَمْ تَرَ دَمًا) فَإِنَّهَا لَوْ رَأَتْهُ كَانَ فَرْضًا لَا
وَاجِبًا كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
(وَسُنَّ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ) هُوَ الصَّحِيحُ لَا مَا قِيلَ لِيَوْمِ
الْجُمُعَةِ (وَلِعِيدٍ وَإِحْرَامٍ وَعَرَفَةَ) إعَادَةُ اللَّامِ
لِئَلَّا يُفْهَمَ كَوْنُهُ سُنَّةً لِصَلَاةِ الْعِيدِ (وَنُدِبَ لِمَنْ
أَسْلَمَ طَاهِرًا أَوْ بَلَغَ بِسِنٍّ) سَيَجِيءُ فِي كِتَابِ الْحَجْرِ
أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّ سِنَّ الْبُلُوغِ فِي الصَّغِيرِ
وَالصَّغِيرَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً (أَوْ أَفَاقَ عَنْ جِنَّةٍ
وَلِمَكَّةَ وَلِمُزْدَلِفَةَ وَكُسُوفٍ وَاسْتِسْقَاءٍ اُخْتُلِفَ فِي
وُجُوبِ ثَمَنِ مَاءِ غُسْلِهَا عَلَى زَوْجِهَا) غَنِيَّةً كَانَتْ أَوْ
فَقِيرَةً.
(وَحَرُمَ عَلَى الْجُنُبِ دُخُولُ الْمَسْجِدِ وَلَوْ لِلْعُبُورِ)
خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فَإِنِّي لَا
أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ» (إلَّا لِضَرُورَةٍ) كَأَنْ
يَكُونَ بَابُ بَيْتِهِ إلَى الْمَسْجِدِ.
(وَ) حَرُمَ عَلَيْهِ (الطَّوَافُ) بِالْكَعْبَةِ لِأَنَّهُ فِي
الْمَسْجِدِ وَاحْتِيجَ إلَى ذِكْرِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَحَرُمَ عَلَى
الْجُنُبِ دُخُولُ الْمَسْجِدِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ لَمَّا جَازَ
لَهُ الْوُقُوفُ مَعَ أَنَّهُ أَقْوَى أَرْكَانِ الْحَجِّ فَلَأَنْ يَجُوزَ
الطَّوَافُ أَوْلَى كَذَا فِي الْكَافِي وَلِأَنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ
أَمْرٌ عَارِضٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمْ يُمْكِنْ فِي زَمَنِ إبْرَاهِيمَ
- عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ الْمَسْجِدُ
الْحَرَامُ لَا يَجُوزُ لَهُمَا الطَّوَافُ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى
وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ لِلْإِمَامِ
السُّرُوجِيِّ وَلِهَذَا وَجَبَ عَلَيْهِمَا الْجَابِرُ لِدُخُولِ
النَّقْصِ فِي الطَّوَافِ لَا لِدُخُولِهِمَا الْمَسْجِدَ (وَقِرَاءَةُ
الْقُرْآنِ) اُخْتُلِفَ فِي قَدْرِهِ فَقِيلَ الْآيَةُ، وَقِيلَ مَا
دُونَهَا أَيْضًا (بِقَصْدِهِ) وَأَمَّا قِرَاءَتُهُ بِقَصْدِ الذِّكْرِ
وَالثَّنَاءِ نَحْوُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {الْحَمْدُ
لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] وَتَعْلِيمُهُ الْقُرْآنَ
حَرْفًا حَرْفًا فَلَا بَأْسَ بِهِ اتِّفَاقًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ
(وَمَسُّ مَا هُوَ) أَيْ الْقُرْآنُ (فِيهِ) كَاللَّوْحِ، وَالْأَوْرَاقِ
(وَحَمْلُهُ) أَيْ حَمْلُ مَا هُوَ فِيهِ (وَلَا بَأْسَ بِقِرَاءَةِ
الْأَدْعِيَةِ) وَمَسِّهَا وَحَمْلِهَا وَذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى،
وَالتَّسْبِيحِ، وَالْأَكْلِ، وَالشُّرْبِ بَعْدَ الْمَضْمَضَةِ وَغَسْلِ
يَدَيْهِ، وَلَا فِي النَّوْمِ وَمُعَاوَدَةِ أَهْلِهِ قَبْلَ
الِاغْتِسَالِ إلَّا إذَا احْتَلَمَ لَمْ يَأْتِ أَهْلَهُ قَبْلَ
الِاغْتِسَالِ كَذَا فِي الْمُبْتَغَى.
(وَيُكْرَهُ لَهُ) أَيْ لِلْجُنُبِ (كِتَابَتُهُ) أَيْ الْقُرْآنِ فِي
الْإِيضَاحِ لَا بَأْسَ لِلْجُنُبِ أَنْ يَكْتُبَ الْقُرْآنَ إذَا كَانَتْ
الصَّحِيفَةُ أَوْ اللَّوْحُ أَوْ الْوِسَادَةُ عَلَى الْأَرْضِ عِنْدَ
أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَامِلٍ، وَالْكِتَابَةُ وُجِدَتْ
حَرْفًا حَرْفًا وَإِنَّهُ لَيْسَ بِقُرْآنٍ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: أُحِبُّ
أَنْ لَا يَكْتُبَ لِأَنَّ كِتَابَةَ الْحُرُوفِ تَجْرِي مَجْرَى
الْقِرَاءَةِ.
(وَ) يُكْرَهُ لَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
بِالْوِلَادَةِ اهـ.
وَسَنَذْكُرُ أَنَّ أَكْثَرَ الْمَشَايِخِ أَخَذَ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ
(قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا لَوْ رَأَتْهُ كَانَ فَرْضًا لَا وَاجِبًا) أَقُولُ
هَذَا تَصْرِيحٌ مِنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَاجِبِ الْوَاجِبُ
الِاصْطِلَاحِيُّ لَا الْفَرْضُ وَكَذَا فِيمَا قَبْلَهُ وَهِيَ طَرِيقَةُ
كَثِيرِينَ وَنَظَرَ فِيهَا وَصَرَّحَ بِالْفَرْضِ فِي جَمِيعِ مَا
أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ الْوُجُوبَ صَاحِبُ الْبَحْرِ فَإِنَّ
هَذَا الَّذِي سَمَّوْهُ وَاجِبًا يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ.
(قَوْلُهُ: وَعَرَفَةَ) أَقُولُ وَذَلِكَ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي عَرَفَةَ
بَعْدَ الزَّوَالِ.
وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَفِي عَرَفَةَ وَإِنَّمَا أَقْحَمَ لَفْظَ
فِي لِأَنَّ الْغُسْلَ لَيْسَ لِعَرَفَةَ اهـ.
قُلْتُ فَمُرَادُهُ أَنَّهُ لِلْوُقُوفِ وَبِهِ يَظْهَرُ قَوْلُ ابْنِ
أَمِيرِ الْحَاجِّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لِلْوُقُوفِ وَمَا أَظُنُّ
أَحَدًا ذَهَبَ إلَى اسْتِنَانِهِ لِيَوْمِ عَرَفَةَ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ
عَرَفَاتٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: أَعَادَ اللَّامَ. . . إلَخْ) .
أَقُولُ فَمُرَادُهُ أَنَّهُ لِيَوْمِ الْعِيدِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ:
الْغُسْلُ فِي الْجُمُعَةِ، وَالْعِيدَيْنِ سُنَّةٌ لِلصَّلَاةِ لَا
لِلْيَوْمِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ الْوَقْتِ
وَقَالُوا الصَّحِيحُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فَكَانَ يَنْبَغِي
لِلْمُصَنِّفِ الْمَشْيُ عَلَى الصَّحِيحِ بِجَعْلِ الْغُسْلِ فِي الْعِيدِ
لِصَلَاتِهِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْجُمُعَةِ بِجَعْلِهِ
لِصَلَاتِهَا لِيَكُونَ مَشْيُهُ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ عَلَى
مِنْوَالٍ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ: وَلِمَكَّةَ. . . إلَخْ) أَقُولُ وَلِدُخُولِ
مَدِينَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَسْلِ
الْمَيِّتِ، وَالْحِجَامَةِ وَلَيْلَةِ الْقَدْرِ إذَا رَآهَا وَتَقَدَّمَ
بَعْضُهُ
(تَنْبِيهٌ) : يَكْفِي غُسْلٌ وَاحِدٌ لِعِيدٍ وَجُمُعَةٍ اجْتَمَعَا مَعَ
جَنَابَةٍ كَمَا لِفَرْضَيْ جَنَابَةٍ وَحَيْضٍ (قَوْلُهُ: اُخْتُلِفَ فِي
وُجُوبِ ثَمَنِ مَاءِ غُسْلِهَا إلَخْ) .
أَقُولُ وَلَمْ يَذْكُرْ مَاءَ الْوُضُوءِ.
وَقَالَ الْكَمَالُ: وَثَمَنُ مَاءِ غُسْلِ الْمَرْأَةِ وَوُضُوئِهَا عَلَى
الرَّجُلِ وَإِنْ كَانَتْ غَنِيَّةً اهـ. وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا
(قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ لَهُمَا الطَّوَافُ) أَقُولُ كَانَ يَنْبَغِي
إفْرَادُ الضَّمِيرِ لِأَنَّهُ فِي سِيَاقِ قَوْلِهِ: وَحَرُمَ عَلَيْهِ
الطَّوَافُ يَعْنِي الْجُنُبَ لَكِنَّهُ ذَكَرَ عِبَارَةَ مَنْ نَقَلَ
عَنْهُ بِرُمَّتِهَا (قَوْلُهُ: فَقِيلَ الْآيَةَ) أَقُولُ هَذَا عَلَى
رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ لِأَنَّ فِي رِوَايَتِهِ يُبَاحُ قِرَاءَةُ مَا
دُونَ الْآيَةِ لِغَيْرِ الطَّاهِرِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ مَا دُونَهَا
أَيْضًا) أَقُولُ يَعْنِي فَهُوَ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ الْآيَةِ وَهَذَا
عَلَى رِوَايَةِ الْكَرْخِيِّ لِأَنَّ فِي رِوَايَتِهِ الْآيَةُ وَمَا
دُونَهَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ فِي الْحُرْمَةِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ
(قَوْلُهُ: وَتَعْلِيمُ الْقُرْآنِ حَرْفًا حَرْفًا) يَنْظُرُ مَا
الْمُرَادُ بِهِ الْهِجَائِيُّ أَوْ غَيْرُهُ ثُمَّ رَأَيْت مَا نَصُّهُ
فِي الْبَزَّازِيَّةِ اُخْتُلِفَ فِي تَعْلِيمِ الْجُنُبِ، وَالْحَائِضِ
الْقُرْآنَ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُعَلِّمُ كَلِمَةً كَلِمَةً مَا دُونَ
الْآيَةِ لَا عَلَى قَصْدِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ.
(قَوْلُهُ: وَمَسُّ مَا هُوَ فِيهِ) مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِمَا قَدَّمَهُ
بِقَوْلِهِ الْمُحْدِثُ الْبَالِغُ لَا يَمَسُّ مُصْحَفًا.
(قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ لَهُ) أَيْ لِلْجُنُبِ (قَوْلُهُ: كِتَابَتُهُ أَيْ
الْقُرْآنِ. . . إلَخْ) أَقُولُ إنْ كَانَ سَنَدُهُ مَا ذَكَرَهُ عَنْ
الْإِيضَاحِ فَلَا يَصِحُّ الْحُكْمُ بِالْكَرَاهَةِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ
لَا كَرَاهَةَ فِيمَا إذَا كَانَتْ الصَّحِيفَةُ عَلَى الْأَرْضِ وَإِنْ
كَانَ حَامِلًا لِلصَّحِيفَةِ وَهُوَ يَكْتُبُ فَهُوَ حَامِلٌ قُرْآنًا
وَتَقَدَّمَ حُرْمَةُ مَسِّ مَا هُوَ فِيهِ وَحَمْلِهِ اهـ.
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَيُكْرَهُ لَهُمْ أَيْ لِلْجُنُبِ، وَالْحَائِضِ،
وَالنُّفَسَاءِ أَنْ يَكْتُبُوا كِتَابًا فِيهِ آيَةٌ مِنْ الْقُرْآنِ
لِأَنَّهُ يَكْتُبُ بِالْقَلَمِ وَهُوَ فِي يَدِهِ كَذَا فِي فَتَاوَى
أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ: أَنَّهُ لَا يَكْتُبُهُ
وَإِنْ كَانَتْ الصَّحِيفَةُ عَلَى الْأَرْضِ وَلَوْ كَانَ مَا دُونَ
الْآيَةِ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَتْ
الصَّحِيفَةُ عَلَى الْأَرْضِ
(1/20)
(قِرَاءَةُ التَّوْرَاةِ، وَالزَّبُورِ،
وَالْإِنْجِيلِ لَا) قِرَاءَةُ (الْقُنُوتِ) لِأَنَّهُ كَسَائِرِ
الْأَدْعِيَةِ (وَلَا يُكْرَهُ لَهُ مَسُّ الْقُرْآنِ بِالْكُمِّ) عَلَى
مَا سَبَقَ (وَدَفْعُ الْمُصْحَفِ لِلصَّبِيِّ) لِأَنَّ فِي تَكْلِيفِهِمْ
بِالْوُضُوءِ حَرَجًا بِهِمْ وَفِي تَأْخِيرِهِ إلَى الْبُلُوغِ تَقْلِيلَ
حِفْظِ الْقُرْآنِ فَرُخِّصَ لِلضَّرُورَةِ.
ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْوُضُوءِ، وَالْغُسْلِ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا
يَحْصُلَانِ بِهِ فَقَالَ (وَيَجُوزَانِ) أَيْ الْوُضُوءُ، وَالْغُسْلُ
(بِمَاءِ الْبَحْرِ، وَالْعَيْنِ، وَالْبِئْرِ، وَالْمَطَرِ، وَالثَّلْجِ
الذَّائِبِ وَبِمَاءٍ قَصَدَ تَشْمِيسَهُ) أَيْ تَسْخِينَهُ بِالشَّمْسِ
(وَقِيلَ يُكْرَهُ) قَائِلُهُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو الْحَسَنِ
التَّمِيمِيُّ وَفِي قَوْلِهِ " قَصَدَ " إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ
يَقْصِدْ لَمْ يُكْرَهْ اتِّفَاقًا.
(وَ) يَجُوزَانِ (بِمَاءٍ يَنْعَقِدُ بِهِ الْمِلْحُ) كَذَا فِي عُيُونِ
الْمَذَاهِبِ (لَا بِمَاءِ الْمِلْحِ) أَيْ الْحَاصِلِ بِذَوَبَانِ
الْمِلْحِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ لَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ
الْأَوَّلَ بَاقٍ عَلَى طَبِيعَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ، وَالثَّانِيَ
انْقَلَبَ إلَى طَبِيعَةٍ أُخْرَى (وَإِنْ مَاتَ) أَيْ يَجُوزَانِ
بِالْمِيَاهِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَمُوتَ (فِيهِ) أَيْ
فِي وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْمِيَاهِ (غَيْرُ دَمَوِيٍّ) أَيْ مَا لَا دَمَ
لَهُ سَائِلًا (كَالزُّنْبُورِ) ، وَالْعَقْرَبِ، وَالْبَقِّ، وَالذُّبَابِ
وَنَحْوِهَا (أَوْ مَائِيُّ الْمَوْلِدِ كَالسَّمَكِ) ، وَالسَّرَطَانِ،
وَالضُّفْدَعِ وَنَحْوِهَا، وَالضُّفْدَعُ الْبَحْرِيُّ وَالْبَرِّيُّ
سَوَاءٌ وَقِيلَ الْبَرِّيُّ مُفْسِدٌ (أَوْ خَارِجَهُ) عَطْفٌ عَلَى فِيهِ
أَيْ وَإِنْ مَاتَ خَارِجَهُ (فَأُلْقِيَ فِيهِ) يَعْنِي لَا فَرْقَ فِي
الصَّحِيحِ بَيْنَ أَنْ يَمُوتَ فِي الْمَاءِ أَوْ خَارِجَهُ فَأُلْقِيَ
فِيهِ (لَا مَائِيُّ الْمَعَاشِ وَبَرِّيُّ الْمَوْلِدِ) عَطْفٌ عَلَى
مَائِيِّ الْمَوْلِدِ (كَالْبَطِّ) ، وَالْإِوَزِّ فَإِنَّ مَوْتَهُ فِي
الْمَاءِ يُفْسِدُهُ (كَذَا) أَيْ كَالْمَاءِ (سَائِرُ الْمَائِعَاتِ) فِي
الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ (أَوْ غَيَّرَ) عَطْفٌ عَلَى مَاتَ (أَوْصَافَهُ)
أَيْ أَوْصَافَ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْمِيَاهِ وَهِيَ اللَّوْنُ،
وَالطَّعْمُ، وَالرَّائِحَةُ (مُكْثٌ أَوْ طَاهِرٌ جَامِدٌ) احْتِرَازٌ
عَنْ الْمَائِعِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ وَقَدْ وَقَعَتْ عِبَارَةُ كَثِيرٍ
مِنْ الْمَشَايِخِ هَكَذَا أَوْ غَيَّرَ أَحَدَ أَوْصَافِهِ طَاهِرٌ
فَتَوَهَّمَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ أَنَّ لَفْظَ الْأَحَدِ
احْتِرَازٌ عَمَّا فَوْقَهُ حَتَّى قَالَ إذَا غَيَّرَ الْوَصْفَيْنِ لَمْ
يَجُزْ الْوُضُوءُ بِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ
لَوْ نَقَعَ الْحِمَّصَ أَوْ الْبَاقِلَاءَ فَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ
وَطَعْمُهُ وَرِيحُهُ يَجُوزُ بِهِ الْوُضُوءُ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ
الْمَنْقُولُ عَنْ الْأَسَاتِذَةِ جَوَازُهُ حَتَّى أَنَّ أَوْرَاقَ
الْأَشْجَارِ وَقْتَ الْخَرِيفِ تَقَعُ فِي الْحِيَاضِ فَتُغَيِّرُ
مَاءَهَا مِنْ حَيْثُ اللَّوْنُ، وَالطَّعْمُ، وَالرَّائِحَةُ ثُمَّ
إنَّهُمْ يَتَوَضَّئُونَ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَأَشَارَ فِي شَرْحِ
الطَّحَاوِيِّ إلَيْهِ وَلَكِنْ شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ بَاقِيًا عَلَى
رِقَّتِهِ أَمَّا إذَا غَلَبَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَصَارَ بِهِ ثَخِينًا
فَلَا يَجُوزُ كَمَا سَيَأْتِي (كَأُشْنَانٍ وَزَعْفَرَانٍ وَفَاكِهَةٍ
وَوَرَقٍ فِي الْأَصَحِّ) إشَارَةٌ إلَى مَا نَقَلَ مِنْ الْيَنَابِيعِ،
وَالنِّهَايَةِ (إنْ بَقِيَ عَلَى رِقَّتِهِ) قَيْدٌ لِلْأَمْثِلَةِ
الْمَذْكُورَةِ وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ أَوْ
غَيَّرَ أَوْصَافَهُ (مَا غَيَّرَ أَحَدَهَا) أَيْ أَحَدَ أَوْصَافِهِ
(نَجَسٌ) فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْمَوْصُولِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إلَّا
مَا غَيَّرَ لَوْنَهُ أَوْ طَعْمَهُ أَوْ رِيحَهُ» هُوَ النَّجَسُ لِأَنَّ
الطَّاهِرَ لَا يُنَجِّسُ طَاهِرًا (وَبِجَارٍ) عَطْفٌ عَلَى مَاءٍ
يَنْعَقِدُ وَاخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ الْمَاءِ الْجَارِي فَاخْتِيرَ
هَاهُنَا مُخْتَارُ الْهِدَايَةِ، وَالْكَافِي وَهُوَ مَا (يَذْهَبُ
بِتِبْنَةٍ) وَقَعَ (فِيهِ نَجَسٌ لَمْ يُرَ) أَيْ لَمْ يُدْرَكْ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
وَقِيلَ هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ اهـ.
(قَوْلُهُ: لَا قِرَاءَةُ الْقُنُوتِ) هَذَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ
وَكَرِهَهَا مُحَمَّدٌ لِشُبْهَةِ الْقُرْآنِ لِأَنَّ أُبَيًّا - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - كَتَبَهُ فِي مُصْحَفِهِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ
وَدَفْعُ الْمُصْحَفِ لِلصَّبِيِّ هُوَ الصَّحِيحُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ فِي
تَكْلِيفِهِمْ) كَانَ يَنْبَغِي إفْرَادُ الضَّمِيرِ لِلْمُطَابَقَةِ.
(فَرْعٌ مُهِمٌّ) : لَوْ كَانَ رُقْيَةً فِي غِلَافٍ مُتَجَافٍ عَنْهُ لَمْ
يُكْرَهْ دُخُولُ الْخَلَاءِ بِهِ، وَالِاحْتِرَازُ عَنْ مِثْلِ هَذَا
أَفْضَلُ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ.
[أَحْكَام الْمِيَاه]
[الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ بِمَاءِ الْبَحْرِ وَالْعَيْنِ وَالْبِئْرِ
وَالْمَطَرِ وَالثَّلْجِ الذَّائِبِ]
(قَوْلُهُ: وَبِمَاءٍ قَصَدَ تَشْمِيسَهُ) يَعْنِي بِلَا كَرَاهَةٍ
لِمُقَابَلَتِهِ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ يُكْرَهُ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ
الْبَرِّيُّ مُفْسِدٌ) قَالَ فِي الْبَحْرِ صَحَّحَ فِي السِّرَاجِ
الْوَهَّاجِ عَدَمَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا لَكِنَّ مَحَلَّهُ مَا إذَا لَمْ
يَكُنْ لِلْبَرِّيِّ دَمٌ أَمَّا إذَا كَانَ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ فَإِنَّهُ
يُفْسِدُهُ عَلَى الصَّحِيحِ اهـ.
، وَالْبَحْرِيُّ مَا يَكُونُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ سُتْرَةٌ بِخِلَافِ
الْبَرِّيِّ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: كَذَا) أَيْ كَالْمَاءِ
سَائِرُ الْمَائِعَاتِ فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ أَيْ فِي أَنَّهُ إذَا
مَاتَ فِي الْمَائِعِ مَائِيُّ الْمَوْلِدِ لَا يُنَجِّسُهُ وَإِنْ مَاتَ
فِيهِ بَرِّيُّ الْمَوْلِدِ وَمَائِيُّ الْمَعَاشِ نَجَّسَهُ.
(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا غَيَّرَ أَحَدَهُمَا نَجَسٌ) فِيهِ نَظَرٌ
لِأَنَّ ظَاهِرَهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا وَقَعَ فِيهِ نَجَسٌ وَلَمْ
يُغَيِّرْ أَحَدَ أَوْصَافِهِ يَجُوزُ التَّطْهِيرُ بِهِ وَلَيْسَ
بِصَحِيحٍ إذْ الْقَلِيلُ مِنْ الْمَاءِ يَنْجُسُ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ
فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهَا أَثَرٌ وَلَا يُقَالُ إنَّ كَلَامَهُ
فِيمَا إذَا كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا لَا
يَخْتَصُّ بِالْقَلِيلِ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ
وَلِأَنَّ عَطْفَهُ الْمَاءَ الْجَارِيَ وَمَا هُوَ فِي حُكْمِهِ بَعْدَهُ
يَقْتَضِي أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْقَلِيلِ مِنْ الْمَاءِ وَأَمَّا
اسْتِدْلَالُهُ بِقَوْلِهِ: فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْمَوْصُولِ فِي
قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. . . إلَخْ فَهُوَ صَحِيحٌ غَيْرَ أَنَّ
الْحَدِيثَ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عِنْدَنَا عَلَى
مَا إذَا كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا أَوْ جَارِيًا لِمَا قَالَ فِي
الْبُرْهَانِ فِي سِيَاقِ دَلِيلِ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
لِاعْتِبَارِهِ الْأَوْصَافَ مُطْلَقًا مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» .
. . إلَخْ إنَّهُ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ وَاسْتَدَلَّ فِي الشَّرْحِ
عَلَى ذَلِكَ وَكَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ ثُمَّ قَالَ وَمَا رَوَاهُ
مَحْمُولٌ عَلَى الْمَاءِ الْجَارِي وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ فَبِهَذَا
ظَهَرَ أَنَّ اسْتِدْلَالَهُ بِالْحَدِيثِ إنَّمَا هُوَ عَلَى جُزْءِ
الدَّعْوَى.
(قَوْلُهُ: فَاخْتِيرَ هَاهُنَا مُخْتَارُ الْهِدَايَةِ، وَالْكَافِي)
أَقُولُ لَمْ يَقَعْ مُخْتَارًا فِي الْهِدَايَةِ بَلْ نُقِلَ فِيهَا عَلَى
صِيغَةِ الضَّعْفِ وَعِبَارَتُهَا
(1/21)
(أَثَرُهُ) وَهُوَ اللَّوْنُ، وَالطَّعْمُ،
وَالرَّائِحَةُ حَتَّى إنْ رُئِيَ لَمْ يَجُزْ اسْتِعْمَالُهُ (أَوْ مَا
فِي حُكْمِهِ) أَيْ الْجَارِي (وَهُوَ عَشْرٌ فِي عَشْرٍ) أَيْ عَشَرَةِ
أَذْرُعٍ فِي عَشَرَةِ أَذْرُعٍ بِذِرَاعِ الْكِرْبَاسِ بِحَسَبِ الطُّولِ،
وَالْعَرْضِ وَاخْتُلِفَ فِي قَدْرِ الْعُمْقِ، وَالصَّحِيحُ أَنْ يَكُونَ
بِحَيْثُ (لَا تَنْحَسِرُ) أَيْ لَا تَنْكَشِفُ (أَرْضُهُ بِالْغَرْفِ)
لِلتَّوَضُّؤِ وَقِيلَ لِلِاغْتِسَالِ، وَإِذَا لَمْ يَتَنَجَّسْ كُلُّهُ
هَلْ يَتَنَجَّسُ مَوْضِعُ الْوُقُوعِ إنْ كَانَتْ مَرْئِيَّةً تَنَجَّسَ
وَإِلَّا فَلَا وَعِنْدَ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ يَتَنَجَّسُ فِيهِمَا
(وَقَدْ يُعْتَبَرُ مَا هُوَ بِقَدْرِهِ) بِأَنْ يَكُونَ لَهُ طُولٌ
وَعُمْقٌ وَلَا عَرْضَ لَهُ لَكِنْ لَوْ بُسِطَ صَارَ عَشْرًا فِي عَشْرٍ
لَمْ يَذْكُرْ حُكْمَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَلْ قَالَ أَبُو
سُلَيْمَانَ الْجُرْجَانِيِّ لَا يَتَوَضَّأُ بِهِ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ
تَصِلُ إلَى الْعَرْضِ وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ: يَتَوَضَّأُ بِهِ لِأَنَّ
اعْتِبَارَ الْعَرْضِ وَإِنْ أَوْجَبَ التَّنَجُّسَ لَكِنَّ اعْتِبَارَ
الطُّولِ لَا يُوجِبُهُ فَلَا يَتَنَجَّسُ (هُوَ) أَيْ كَوْنُهُ طَاهِرًا
هُوَ (الْمُخْتَارُ) لَا مَا قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ كَذَا فِي عُيُونِ
الْمَذَاهِبِ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ الْحَوْضُ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ عَشْرٍ فِي
عَشْرٍ لَكِنَّهُ عَمِيقٌ فَوَقَعَتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ حَتَّى تَنَجَّسَ
ثُمَّ انْبَسَطَ وَصَارَ عَشْرًا فِي عَشْرٍ فَهُوَ نَجِسٌ وَلَوْ وَقَعَتْ
فِيهِ النَّجَاسَةُ وَهُوَ عَشْرٌ فِي عَشْرٍ ثُمَّ اجْتَمَعَ الْمَاءُ
فَصَارَ أَقَلَّ مِنْ عَشْرٍ فِي عَشْرٍ فَهُوَ طَاهِرٌ كَذَا فِي
التَّتَارْخَانِيَّة (الْحَوْضُ مُدَوَّرٌ يُعْتَبَرُ فِيهِ سِتَّةٌ
وَثَلَاثُونَ ذِرَاعًا هُوَ الصَّحِيحُ) فَإِنَّ هَذَا الْمِقْدَارَ إذَا
رُبِّعَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
وَالْجَارِي مَا لَا يَتَكَرَّرُ اسْتِعْمَالُهُ وَقِيلَ هُوَ مَا يَذْهَبُ
بِتِبْنَةٍ اهـ.
نَعَمْ هُوَ كَمَا فِي الْكَافِي لِأَنَّ لَفْظَهُ: وَالْجَارِي مَا
يَذْهَبُ بِتِبْنَةٍ اهـ.
وَكَذَا مَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْكَافِي فِي الْكَنْزِ بِقَوْلِهِ وَهُوَ
مَا يَذْهَبُ بِتِبْنَةٍ.
وَقَالَ شَارِحُهُ الزَّيْلَعِيُّ: وَحَدَّ الْجَرَيَانَ بِمَا ذَكَرَ
وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْأَصْحَابِ ثُمَّ ذَكَرَ أَقْوَالًا رَابِعُهَا
أَنَّهُ مَا يَعُدُّهُ النَّاسُ جَارِيًا وَهُوَ الْأَصَحُّ ذَكَرَهُ فِي
الْبَدَائِعِ، وَالتُّحْفَةِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ شَرْحِ الْكَنْزِ
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي حَدِّ الْجَارِي عَلَى أَقْوَالٍ مِنْهَا مَا
ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَاضِحُهَا أَنَّهُ مَا يَعُدُّهُ النَّاسُ جَارِيًا
كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ، وَالتَّبْيِينِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ
اهـ.
(قَوْلُهُ: أَثَرُهُ وَهُوَ اللَّوْنُ، وَالطَّعْمُ، وَالرَّائِحَةُ حَتَّى
إنْ رُئِيَ لَمْ يَجُزْ اسْتِعْمَالُهُ) أَقُولُ الْمُرَادُ أَنَّ كُلًّا
مِنْ الطَّعْمِ أَوْ اللَّوْنِ أَوْ الرَّائِحَةِ أَثَرٌ كَمَا قَالَ فِي
الْكَنْزِ وَهُوَ طَعْمٌ أَوْ لَوْنٌ أَوْ رِيحٌ.
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: قَوْلُهُ: وَهُوَ طَعْمٌ أَيْ الْأَثَرُ هُوَ
الطَّعْمُ أَوْ اللَّوْنُ، وَالرَّائِحَةُ اهـ.
(قَوْلُهُ: بِذِرَاعِ الْكِرْبَاسِ) قَالَ الْكَمَالُ وَذِرَاعُ
الْكِرْبَاسِ سِتُّ قَبَضَاتٍ لَيْسَ فَوْقَ كُلِّ قَبْضَةٍ أُصْبُعٌ
قَائِمَةٌ وَجَعَلَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ سَبْعًا وَذِرَاعُ الْمِسَاحَةِ
سَبْعٌ فَوْقَ كُلِّ قَبْضَةٍ أُصْبُعٌ قَائِمَةٌ، وَهَلْ الْمُعْتَبَرُ
ذِرَاعُ الْمِسَاحَةِ أَوْ الْكِرْبَاسِ أَوْ فِي كُلِّ زَمَانِ وَمَكَانِ
ذُرْعَانِهِمْ أَقْوَالٌ كُلٌّ مِنْهَا صَحَّحَهُ مَنْ ذَهَبَ إلَيْهِ،
وَالْكُلُّ فِي الْمُرَبَّعِ اهـ.
وَقَالَ فِي الْكَافِي: وَالْأَصَحُّ أَنْ يُعْتَبَرَ فِي كُلِّ زَمَانٍ
وَمَكَانٍ ذِرَاعُهُمْ (قَوْلُهُ: إنْ كَانَتْ مَرْئِيَّةً تَنَجَّسَ
وَإِلَّا فَلَا) أَقُولُ يَنْبَغِي أَنْ يُدَارَ الْحُكْمُ عَلَى ظُهُورِ
أَثَرِ النَّجَاسَةِ مَرْئِيَّةً كَانَتْ أَوْ لَا لِحُكْمِنَا أَنَّهُ
كَالْجَارِي كَمَا قَالَ الْكَمَالُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ
كَالْجَارِي لَا يَتَنَجَّسُ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ وَهُوَ الَّذِي
يَنْبَغِي تَصْحِيحُهُ فَيَنْبَغِي عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَرْئِيَّةِ
وَغَيْرِهَا اهـ.
لِأَنَّ الدَّلِيلَ إنَّمَا يَقْتَضِي عِنْدَ الْكَثْرَةِ التَّنَجُّسَ
إلَّا بِالتَّغَيُّرِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَهُوَ أَيْضًا الْحُكْمُ
الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ نَقْلِ شَيْخِ
الْإِسْلَامِ اهـ.
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ لِهَذَا وَفِي النِّصَابِ
وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ثُمَّ قَالَ: إنَّ مَشَايِخَ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ
جَوَّزُوا الْوُضُوءَ مِنْ أَيِّ مَكَان كَانَ فِيمَا إذَا كَانَتْ غَيْرَ
مَرْئِيَّةٍ كَمَا قَالُوا جَمِيعًا فِي الْمَاءِ الْجَارِي وَهُوَ
الْأَصَحُّ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَرْئِيَّةِ لَا تَسْتَقِرُّ فِي مَكَان
وَاحِدٍ بَلْ تَنْتَقِلُ فَلَا يَتَيَقَّنُ بِالنَّجَاسَةِ فِي مَحَلِّ
التَّوَضُّؤِ اهـ.
(قُلْت) وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ قَوْلَ الزَّيْلَعِيِّ وَذَكَرَ أَبُو
الْحَسَنِ وَهُوَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ كُلَّ مَا خَالَطَهُ النَّجَسُ لَا
يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ وَإِنْ كَانَ جَارِيًا وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ.
لِإِمْكَانِ حَمْلِهِ عَلَى مَا إذَا ظَهَرَ أَثَرُ الْمُخَالِطِ يُرْشِدُ
إلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ جَارِيًا لِأَنَّ الْمُخَالَطَةَ فِي
الْجَارِي لَا تَتَحَقَّقُ فِي الْمَحَلِّ إلَّا بِظُهُورِ الْأَثَرِ
وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا فَرَّعَهُ الزَّيْلَعِيُّ عَلَى مَا حَكَاهُ عَنْ
الْكَرْخِيِّ بِقَوْلِهِ فَعَلَى هَذَا أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
يَعْنِي صَاحِبَ الْكَنْزِ بِقَوْلِهِ فَهُوَ أَيْ مَا كَانَ عَشْرًا فِي
عَشْرٍ كَالْجَارِي لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَوْضِعَ الْوُقُوعِ لَا
يَتَنَجَّسُ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْهُ كَالْجَارِي فَإِذَا تَنَجَّسَ
مَوْضِعُ الْوُقُوعِ مِنْ الْجَارِي فَمِنْهُ أَوْلَى فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: هُوَ أَيْ كَوْنُهُ طَاهِرًا هُوَ الْمُخْتَارُ) قَالَ
الْكَمَالُ بَعْدَ نَقْلِ تَصْحِيحِ مِثْلِ هَذَا عَنْ الْمُخْتَارِ
وَغَيْرِهِ هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى التَّقْدِيرِ بِعَشْرٍ وَلَوْ فَرَّعْنَا
عَلَى الْأَصَحِّ يَعْنِي مِنْ اعْتِبَارِ غَلَبَةِ الظَّنِّ تَفْوِيضًا
لِرَأْيِ الْمُبْتَلَى يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ أَكْبَرُ الرَّأْيِ لَوْ
ضُمَّ وَمِثْلُهُ لَوْ كَانَ عُمِّقَ بِلَا سَعَةٍ وَلَوْ بُسِطَ بَلَغَ
عَشْرًا فِي عَشْرٍ اُخْتُلِفَ فِيهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَحَّحَ جَعْلَهُ
كَثِيرًا، وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ لِأَنَّ مَدَارَ الْكَثْرَةِ عِنْدَ
أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى تَحْكِيمِ الرَّأْيِ فِي عَدَمِ خُلُوصِ
النَّجَاسَةِ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ، وَعِنْدَ تَقَارُبِ الْجَوَانِبِ
لَا شَكَّ فِي غَلَبَةِ ظَنِّ الْخُلُوصِ إلَيْهِ، وَالِاسْتِعْمَالُ
يَقَعُ مِنْ السَّطْحِ لَا مِنْ الْعُمْقِ وَبِهَذَا يَظْهَرُ ضَعْفُ مَا
اخْتَارَهُ فِي الِاخْتِيَارِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَرْضٌ
فَأَقْرَبُ الْأُمُورِ الْحُكْمُ بِوُصُولِ النَّجَاسَةِ إلَى الْجَانِبِ
الْآخَرِ مِنْ عَرْضِهِ، وَبِهِ خَالَفَ حُكْمَ الْكَثِيرِ إذْ لَيْسَ
حُكْمُ الْكَثِيرِ تَنَجُّسَ الْجَانِبِ الْآخَرِ بِسُقُوطِهَا فِي
مُقَابَلَةٍ بِدُونِ تَغَيُّرٍ اهـ.
(قَوْلُهُ: الْحَوْضُ الْمُدَوَّرُ. . . إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ: فَإِنْ
كَانَ الْحَوْضُ مُدَوَّرًا فَقُدِّرَ بِأَرْبَعَةٍ وَأَرْبَعِينَ
وَثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ، وَالْمُخْتَارُ سِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ وَفِي
الْحِسَابِ يُكْتَفَى بِأَقَلَّ عَنْهَا بِكَسْرٍ لِلنِّسْبَةِ لَكِنْ
يُفْتَى بِسِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ كَيْ لَا يَتَعَسَّرَ رِعَايَةُ
الْكَسْرِ، وَالْكُلُّ تَحَكُّمَاتٌ غَيْرُ لَازِمَةٍ إنَّمَا الصَّحِيحُ
مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ عَدَمِ
(1/22)
كَانَ عَشْرًا فِي عَشْرٍ لِأَنَّ
الدَّائِرَةَ أَوْسَعُ الْأَشْكَالِ وَهُوَ مُبَرْهَنٌ عَلَيْهِ عِنْدَ
الْحُسَّابِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
(لَا) أَيْ لَا يَجُوزَانِ (بِمَا) الرِّوَايَةُ بِالْقَصْرِ عَلَى
أَنَّهَا مَوْصُولَةٌ (اُعْتُصِرَ مِنْ شَجَرٍ) وَاخْتُلِفَ فِي
الْمُتَقَاطِرِ مِنْ الشَّجَرِ فِي الْهِدَايَةِ مَا يَقْطُرُ مِنْ
الْكَرْمِ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ.
وَفِي الْمُحِيطِ لَا يُتَوَضَّأُ بِمَا يَسِيلُ مِنْ الْكَرْمِ لِكَمَالِ
الِامْتِزَاجِ (أَوْ) اُعْتُصِرَ مِنْ (ثَمَرٍ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا
لَيْسَ بِمَاءٍ مُطْلَقٍ إذْ لَا يَتَبَادَرُ إلَيْهِ الذِّهْنُ عِنْدَ
الْإِطْلَاقِ.
(وَ) لَا يَجُوزَانِ أَيْضًا (بِمَاءٍ) بِالْمَدِّ (زَالَ طَبْعُهُ) وَهُوَ
السَّيَلَانُ وَالْإِرْوَاءُ وَالْإِنْبَاتُ بِالطَّبْخِ (كَشَرَابِ
الرِّيبَاسِ) مِثَالٌ لِمَا اُعْتُصِرَ مِنْ شَجَرٍ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ
أَحْسَنُ مِمَّا قِيلَ كَالْأَشْرِبَةِ فَإِنَّهُ عَلَى عُمُومِهِ مُشْكِلٌ
(وَالْخَلِّ) مِثَالُ مَا اُعْتُصِرَ مِنْ ثَمَرٍ (وَالْمَرَقِ) مِثَالٌ
لِمَا زَالَ طَبْعُهُ بِالطَّبْخِ (أَوْ بِغَلَبَةِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ)
وَلَمْ يُمَثِّلْ لَهُ لِأَنَّ عِبَارَاتِ الْقَوْمِ فِيهِ مُخْتَلِفَةٌ
وَرِوَايَاتِهِمْ فِي الظَّاهِرِ مُتَخَالِفَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ ضَابِطَةٍ
يُعْرَفُ بِهَا حَقِيقَةُ الْحَالِ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُتْلَى عَلَيْك مِنْ
الْمَقَالِ وَهِيَ أَنَّ الْمُطَهِّرَ هُوَ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ فَزَوَالُ
إطْلَاقِهِ إمَّا بِكَمَالِ الِامْتِزَاجِ أَوْ بِغَلَبَةِ الْمُمْتَزِجِ،
الْأَوَّلُ إمَّا بِالطَّبْخِ بِطَاهِرٍ لَا يُقْصَدُ بِهِ التَّنْظِيفُ
أَوْ بِتَشَرُّبِ النَّبَاتِ بِحَيْثُ لَا يَخْرُجُ بِلَا عِلَاجٍ،
وَالثَّانِي إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُخَالِطُ جَامِدًا أَوْ مَائِعًا
فَالْأَوَّلُ إنْ جَرَى عَلَى الْأَعْضَاءِ فَالْغَالِبُ الْمَاءُ،
وَالثَّانِي إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُخَالِطُ لَا يُخَالِفُ الْمَاءَ فِي
صِفَةٍ مِنْ اللَّوْنِ وَالطَّعْمِ وَالرَّائِحَةِ أَوْ يُخَالِفُهُ فِي
جَمِيعِهَا أَوْ فِي بَعْضِهَا، فَالْأَوَّلُ كَالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ
عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِطَهَارَتِهِ، وَالْمُسْتَخْرَجِ مِنْ النَّبَاتِ
بِالتَّقْطِيرِ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْغَلَبَةُ بِالْأَجْزَاءِ، وَالثَّانِي
إنْ غَيَّرَ الثَّلَاثَ أَوْ الثِّنْتَيْنِ لَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ بِهِ
وَإِلَّا جَازَ، وَإِنْ خَالَفَهُ فِي صِفَةٍ أَوْ صِفَتَيْنِ يُعْتَبَرُ
الْغَلَبَةُ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ كَاللَّبَنِ مَثَلًا يُخَالِفُهُ فِي
اللَّوْنِ وَالطَّعْمِ فَإِنْ كَانَ لَوْنُهُ وَطَعْمُهُ غَالِبًا فِيهِ
لَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ بِهِ وَإِلَّا جَازَ وَكَذَا مَاءُ الْبِطِّيخِ
وَنَحْوِهِ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْغَلَبَةُ بِالطَّعْمِ فَعَلَى هَذَا
يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ جَمِيعُ مَا جَاءَ مِنْهُمْ عَلَى مَا يَلِيقُ
بِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
التَّحَكُّمِ بِتَقْدِيرٍ مُعَيَّنٍ اهـ.
لَكِنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَ مَا نَقَلَ الْمُصَنِّفُ وَالْكَمَالُ مِنْ
جِهَةِ الْحِسَابِ بَعِيدٌ، وَالصَّوَابُ وَاضِحٌ لِمَنْ يَعْرِفُ
الْحِسَابَ.
(ثُمَّ قُلْت) مُبَيِّنًا لِلصَّوَابِ وَهُوَ كَلَامُ الظَّهِيرِيَّةِ
الَّذِي تَبِعَهُ مُؤَلِّفُ الدُّرَرِ وَلَا يَعْدِلُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ
فَإِنَّ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ فِي الْمُدَوَّرِ تَبْلُغُ مِائَةَ ذِرَاعٍ
كَالْعَشْرِ فِي عُشْرِ الْمُرَبَّعِ بِزِيَادَةِ كَسْرٍ فَإِلْزَامُ
قَدْرٍ يَزِيدُ عَلَى السِّتَّةِ وَالثَّلَاثِينَ لَا وَجْهَ لَهُ عَلَى
التَّقْدِيرِ بِعَشْرٍ فِي عَشْرٍ عِنْدَ جَمِيعِ الْحُسَّابِ، وَطَرِيقُ
مِسَاحَتِهِ أَنْ تَضْرِبَ نِصْفَ قُطْرِ الْمُسْتَدِيرِ فِي نِصْفِ
دَوْرِهِ يَكُونُ مِائَةَ ذِرَاعٍ وَأَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ ذِرَاعٍ،
وَقُطْرُ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ أَحَدَ عَشَرَ ذِرَاعًا وَخُمْسُ ذِرَاعٍ،
وَنِصْفُ الْقُطْرِ خَمْسَةٌ وَنِصْفٌ وَعَشْرٌ فَتَضْرِبُ نِصْفَ
الْقُطْرِ فِي نِصْفِ السِّتَّةِ وَالثَّلَاثِينَ وَهُوَ ثَمَانِيَةَ
عَشَرَ يَبْلُغُ مِائَةَ ذِرَاعٍ وَأَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ ذِرَاعٍ،
بَيَانُهُ: أَنْ تَبْسُطَ الْخَمْسَةَ وَالنِّصْفَ، وَالْعَشْرَ سِتَّةً
وَخَمْسِينَ لِدُخُولِ النِّصْفِ فِي الْعَشْرِ وَزِيَادَةُ وَاحِدٍ هُوَ
بَسْطُ الْكَسْرِ ثُمَّ تَضْرِبُ سِتَّةً وَخَمْسِينَ فِي ثَمَانِيَةَ
عَشَرَ الَّتِي هِيَ نِصْفُ الدَّوْرِ فَيَخْرُجُ أَلْفٌ وَثَمَانِيَةٌ
فَتَقْسِمُهَا عَلَى مَخْرَجِ الْكَسْرِ وَهُوَ عَشَرَةٌ وَبِقِسْمَةِ
أَلْفٍ عَلَى عَشَرَةٍ يَخْرُجُ مِائَةٌ وَبِقِسْمَةِ ثَمَانِيَةٍ عَلَى
عَشَرَةٍ يَخْرُجُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ
وَهَذَا مِثَالُ الْحَوْضِ الْمُدَوَّرِ وَقُطْرِهِ، وَالْقُطْرُ: هُوَ
الْخَطُّ الْمَارُّ عَلَى الْمَرْكَزِ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى جَانِبَيْ
الْمُحِيطِ لِلْمُدَوَّرَةِ، وَنِصْفُهُ هُوَ هَذَا الْقَاطِعُ لِنِصْفِهِ
بِالْمُشَاهَدَةِ وَبُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّنَا عَلِمْنَا الدَّوْرَ
وَالْمِسَاحَةَ الَّتِي هِيَ تَكْسِيرُ الدَّائِرَةِ فَقَسَمْنَا
الْمِسَاحَةَ عَلَى رُبْعِ الدَّوْرِ وَهُوَ تِسْعَةٌ فَخَرَجَ الْقُطْرُ
أَحَدَ عَشَرَ ذِرَاعًا وَخُمُسَ ذِرَاعٍ وَبُرْهَانُ اعْتِبَارِ سِتَّةٍ
وَثَلَاثِينَ بِقِسْمَةِ الْمِسَاحَةِ وَهِيَ مِائَةُ ذِرَاعٍ وَأَرْبَعَةُ
أَخْمَاسِ ذِرَاعٍ عَلَى نِصْفِ الْقُطْرِ فَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ
وَقَدْ بَسَطْنَا ذَلِكَ بِرِسَالَةٍ سَمَّيْتهَا الزَّهْرُ النَّضِيرُ
عَلَى الْحَوْضِ الْمُسْتَدِيرِ وَبِذَلِكَ يُعْلَمُ أَنَّ الْقَوْلَ
الْمُخَالِفَ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُدَوَّرُ أَرْبَعَةً
وَأَرْبَعِينَ أَوْ سِتَّةً وَأَرْبَعِينَ أَوْ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ
لَا وَجَهْلِهِ فِي قَوْلِ الْحُسَّابِ مَعَ اعْتِبَارِ الْعَشْرِ فِي
الْعَشْرِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مُلْهِمِ الصَّوَابِ.
(قَوْلُهُ: وَفِي الْمُحِيطِ لَا يَتَوَضَّأُ بِمَا يَسِيلُ مِنْ
الْكَرْمِ) أَقُولُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ:
الْأَوَّلِ إمَّا بِالطَّبْخِ بِطَاهِرٍ لَا يَقْصِدُ بِهِ التَّنْظِيفَ)
يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَوْ طُبِخَ بِمَا يُقْصَدُ بِهِ التَّنْظِيفُ لَا
يَزُولُ بِهِ إطْلَاقُهُ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى
الْمَاءِ فَيَسْلُبُ رِقَّتَهُ (قَوْلُهُ: بِحَيْثُ لَا يَخْرُجُ بِلَا
عِلَاجٍ) هَذَا عَلَى غَيْرِ الْأَظْهَرِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَمَّا عَلَى
الْأَظْهَرِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ خُرُوجِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِعِلَاجٍ
(قَوْلُهُ: كَاللَّبَنِ مَثَلًا يُخَالِفُهُ فِي اللَّوْنِ وَالطَّعْمِ
فَإِنْ كَانَ لَوْنُهُ وَطَعْمُهُ غَالِبًا فِيهِ لَمْ يَجُزْ) أَقُولُ
يَجِبُ أَنْ يُقَالَ فَإِنْ كَانَ لَوْنُهُ أَوْ طَعْمُهُ بِأَوْ لَا
بِالْوَاوِ كَمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ الْمُقْتَحِمُ لِهَذَا الضَّابِطِ
فَإِنْ كَانَ لَوْنُ اللَّبَنِ أَوْ طَعْمُهُ هُوَ الْغَالِبُ فِيهِ لَمْ
يَجُزْ الْوُضُوءُ بِهِ وَإِلَّا جَازَ (وَتَوْضِيحُهُ) مَا قَالَهُ فِي
تِبْيَانِ التَّوْفِيقِ بِقَوْلِهِ: وَيُحْمَلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنْ
غَيَّرَ أَحَدَ أَوْصَافِهِ جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ عَلَى مَا إذَا كَانَ
الْمُخَالِطُ يُخَالِفُهُ فِي الْأَوْصَافِ الثَّلَاثَةِ، وَيُحْمَلُ
قَوْلُ مَنْ قَالَ إذَا غَيَّرَ أَحَدَ أَوْصَافِهِ لَا يَجُوزُ عَلَى مَا
إذَا كَانَ يُخَالِفُهُ فِي وَصْفٍ وَاحِدٍ أَوْ وَصْفَيْنِ
(1/23)
(أَوْ) بِمَاءٍ (اُسْتُعْمِلَ لِقُرْبَةٍ
أَوْ رَفْعِ حَدَثٍ) الْمَاءُ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا عِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ بِكُلٍّ مِنْ الْقُرْبَةِ
وَإِزَالَةِ الْحَدَثِ، فَإِذَا تَوَضَّأَ الْمُحْدِثُ وُضُوءًا غَيْرَ
مَنْوِيٍّ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا وَلَوْ تَوَضَّأَ غَيْرُ الْمُحْدِثِ
وُضُوءًا مَنْوِيًّا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا أَيْضًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ
بِالثَّانِي فَقَطْ (وَإِنْ كَانَ) الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ (طَاهِرًا فِي
الصَّحِيحِ) احْتِرَازٌ عَمَّا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ
أَنَّهُ نَجَسٌ نَجَاسَةً غَلِيظَةً، وَعَمَّا قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَهُوَ
رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّهُ نَجَسٌ نَجَاسَةً خَفِيفَةً، وَقَدْ
رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ
وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.
(الْإِهَابُ) وَهُوَ جِلْدٌ غَيْرُ مَدْبُوغٍ (يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ)
وَهُوَ مَا يَمْنَعُ النَّتْنَ، وَالْفَسَادَ وَإِنْ كَانَ تَشْمِيسًا أَوْ
تَتْرِيبًا (إلَّا) إهَابَا (الْخِنْزِيرِ، وَالْآدَمِيِّ) قَدَّمَ
الْخِنْزِيرَ لِكَوْنِ الْمَقَامِ لِلْإِهَانَةِ أَمَّا الْأَوَّلُ
فَلِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِكَرَامَتِهِ (وَمَا) أَيْ
جِلْدٌ (يَطْهُرُ بِهِ) أَيْ بِالدِّبَاغِ (يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ)
لِأَنَّهَا تَعْمَلُ عَمَلَ الدِّبَاغِ فِي إزَالَةِ الرُّطُوبَاتِ
النَّجِسَةِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْوِقَايَةِ: وَمَا يَطْهُرُ
جِلْدُهُ بِالدِّبَاغِ يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ أَقُولُ فِيهِ تَسَامُحٌ
لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ ضَمِيرَ " يَطْهُرُ " الثَّانِيَ رَاجِعٌ إلَى
مَا، وَهُوَ فَاسِدٌ لِاقْتِضَائِهِ اسْتِدْرَاكَ قَوْلِهِ الْآتِي،
وَكَذَلِكَ يَطْهُرُ لَحْمُهَا وَإِنْ أُرْجِعَ إلَى جِلْدِهِ لَزِمَ
التَّفْكِيكُ فَحَقُّ الْعِبَارَةِ مَا ذَكَرْنَا (بِخِلَافِ لَحْمِهِ فِي
الصَّحِيحِ) كَذَا فِي الْكَافِي نَقْلًا عَنْ الْأَسْرَارِ وَإِنْ كَانَ
فِي الْهِدَايَةِ خِلَافَهُ وَذَكَرَ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ
أَنَّ الْخِنْزِيرَ إذَا ذُبِحَ طَهُرَ جِلْدُهُ بِالدِّبَاغِ.
(شَعْرُ الْمَيْتَةِ وَعَظْمُهَا وَعَصَبُهَا وَحَافِرُهَا وَقَرْنُهَا
وَشَعْرُ الْإِنْسَانِ وَعَظْمُهُ وَدَمُ السَّمَكِ طَاهِرٌ) أَمَّا
السَّبْعَةُ الْأُولَى فَلِأَنَّ الْحَيَاةَ لَا تُحِلُّهَا، وَأَمَّا
الْأَخِيرُ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَمٍ حَقِيقَةً بِدَلِيلِ أَنَّهُ
يَبْيَضُّ إذَا جَفَّ (كَذَا شَعْرُ الْخِنْزِيرِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ)
لِضَرُورَةِ اسْتِعْمَالِهِ فَلَا يَنْجُسُ الْمَاءُ بِوُقُوعِهِ فِيهِ،
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ نَجَسٌ فَيَتَنَجَّسُ الْمَاءُ.
(، وَالْكَلْبُ نَجِسُ الْعَيْنِ) صَرَّحَ بِهِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي
مَبْسُوطِهِ قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: الصَّحِيحُ مِنْ
الْمَذْهَبِ عِنْدَنَا أَنَّ عَيْنَ الْكَلْبِ نَجِسٌ أَشَارَ إلَيْهِ
مُحَمَّدٌ فِي الْكِتَابِ (وَقِيلَ لَا) لِأَنَّ بَعْضَ مَشَايِخِنَا
يَقُولُونَ: إنَّ عَيْنَهُ لَيْسَ بِنَجِسٍ وَيَسْتَدِلُّونَ بِطَهَارَةِ
جِلْدِهِ بِالدِّبَاغِ.
وَقَالَ فِي التَّجْرِيدِ الْكَلْبُ نَجِسُ الْعَيْنِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا
لِأَبِي حَنِيفَةَ (وَقِيلَ جِلْدُهُ نَجَسٌ وَشَعْرُهُ طَاهِرٌ) فِي
فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ الْكَلْبُ إذَا دَخَلَ الْمَاءَ ثُمَّ خَرَجَ
وَانْتَفَضَ فَأَصَابَ ثَوْبَ إنْسَانٍ أَفْسَدَهُ وَلَوْ أَصَابَهُ مَاءُ
مَطَرٍ وَبَاقِي الْمَسْأَلَةِ بِحَالِهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ: أَوْ بِمَاءٍ اُسْتُعْمِلَ لِقُرْبَةٍ) أَقُولُ وَهِيَ كَمَا
لَوْ تَوَضَّأَ عَلَى وُضُوئِهِ بِنِيَّتِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
وَكَذَا لَوْ غَسَلَ يَدَيْهِ لِلطَّعَامِ أَوْ مِنْهُ أَوْ تَوَضَّأَتْ
حَائِضٌ تَقْصِدُ الْإِتْيَانَ بِالْمُسْتَحَبِّ كَمَا فِي الْبَحْرِ
وَبِغَسْلِ ثَوْبٍ طَاهِرٍ أَوْ دَابَّةٍ تُؤْكَلُ أَوْ بَدَنِهِ أَوْ
رَأْسِهِ لِلطِّينِ أَوْ الدَّرَنِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُحْدِثًا لَا يَصِيرُ
مُسْتَعْمَلًا كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: أَوْ رَفْعِ حَدَثٍ) أَقُولُ
وُضُوءُ الصَّبِيِّ كَالْبَالِغِ وَبِتَعْلِيمِ الْوُضُوءِ إذَا لَمْ
يُرِدْ سِوَاهُ لَا يُسْتَعْمَلُ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: الْمَاءُ
يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا. . . إلَخْ) كَذَا يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا
بِثَالِثٍ أَيْضًا وَهُوَ سُقُوطُ الْفَرْضِ بِغَسْلِ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ
وَإِنْ لَمْ يَرْتَفِعْ الْحَدَثُ لِعَدَمِ تَجَزِّيهِ كَمَا ذَكَرَهُ
الْكَمَالُ (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِالثَّانِي فَقَطْ) أَقُولُ
هَذَا عَلَى مَا قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ تَخْرِيجًا مِنْ
مَسْأَلَةِ الْجُنُبِ الْمُنْغَمِسِ فِي الْبِئْرِ، وَمَنَعَهُ
السَّرَخْسِيُّ وَقَالَ: إنَّهُ لَيْسَ بِمَرْوِيٍّ عَنْهُ نَصًّا،
وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُ أَنَّ إزَالَةَ الْحَدَثِ بِالْمَاءِ مُفْسِدٌ لَهُ
إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَمِثْلُهُ عَنْ الْجُرْجَانِيِّ كَمَا فِي
الْبُرْهَانِ.
[طَهَارَة الْجُلُود بِالدِّبَاغِ]
(قَوْلُهُ: الْإِهَابُ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ) يَعْنِي إنْ كَانَ
يَحْتَمِلُ الدِّبَاغَ لَا مَا لَا يَحْتَمِلُهُ كَجِلْدِ الْحَيَّةِ
الصَّغِيرَةِ وَالْفَأْرَةِ كَمَا أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ،
وَأَمَّا قَمِيصُ الْحَيَّةِ فَهُوَ طَاهِرٌ عَلَى الْأَصَحِّ (قَوْلُهُ:
وَهُوَ مَا يَمْنَعُ النَّتْنَ. . . إلَخْ) يُشِيرُ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَوْ
جَفَّ وَلَمْ يَسْتَحِلْ لَمْ يَطْهُرْ وَبِهِ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ
(قَوْلُهُ: وَمَا يَطْهُرُ بِهِ أَيْ بِالدِّبَاغِ يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ)
أَقُولُ قُيِّدَتْ الذَّكَاةُ بِالشَّرْعِيَّةِ فَخَرَجَ ذَكَاةُ
الْمَجُوسِيِّ حَيَوَانًا، وَالْمُحْرِمِ صَيْدًا وَتَارِكُ التَّسْمِيَةِ
عَمْدًا كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَالْبَحْرِ وَالْفَتْحِ وَلَكِنْ ذَكَرَ
فِي الْبَحْرِ نَقْلًا عَنْ الزَّاهِدِيِّ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ،
وَالْمُجْتَبَى: إنَّ ذَبِيحَةَ الْمَجُوسِيِّ وَتَارِكِ التَّسْمِيَةِ
عَمْدًا تُوجِبُ الطَّهَارَةَ عَلَى الْأَصَحِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ
مَأْكُولًا ثُمَّ قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ
أَنَّ صَاحِبَ النِّهَايَةِ ذَكَرَ هَذَا الشَّرْطَ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ
بِصِيغَةِ قِيلَ مَعْزِيًّا إلَى فَتَاوَى قَاضِي خَانْ اهـ.
(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ لَحْمِهِ فِي الصَّحِيحِ) أَقُولُ اخْتَلَفَ
التَّصْحِيحُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
أَصَحُّ تَصْحِيحٍ يُفْتَى بِهِ فِيهَا وَوُجِّهَ فِي الْبُرْهَانِ.
[طَهَارَة شعر الْمَيِّتَة وَعَظْمُهَا وَعَصَبُهَا وَحَافِرُهَا
وَقَرْنُهَا وَشَعْرُ الْإِنْسَانِ وَعَظْمُهُ وَدَمُ السَّمَك]
(قَوْلُهُ: شَعْرُ الْمَيْتَةِ. . . إلَخْ) أَقُولُ ذَكَرَ الْكَمَالُ
أَنَّ الْعَصَبَ مِمَّا اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى طَهَارَتِهِ بَعْدَ
الْمَوْتِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ كَلَامِ الْكَمَالِ فِي إدْخَالِ
الْعَصَبِ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا خِلَافَ فِيهَا نَظَرٌ فَقَدْ
صَرَّحُوا أَنَّ فِي الْعَصَبِ رِوَايَتَيْنِ وَصَرَّحَ فِي السِّرَاجِ
الْوَهَّاجِ أَنَّ الصَّحِيحَ نَجَاسَتُهُ إلَّا أَنَّ صَاحِبَ الْفَتْحِ
تَبِعَ صَاحِبَ الْبَدَائِعِ. اهـ.
[طَهَارَة الْكَلْب]
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا) قَالَ الْكَمَالُ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي
التَّصْحِيحِ، وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الْعُمُومُ طَهَارَةُ عَيْنِهِ
يَعْنِي الْكَلْبَ وَلَمْ يُعَارِضْهُ مَا يُوجِبُ نَجَاسَتَهَا فَوَجَبَ
حَقِيقَةُ تَصْحِيحِ عَدَمِ نَجَاسَتِهَا فَيَطْهُرُ يَعْنِي جِلْدُهُ
بِالدِّبَاغِ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُتَّخَذُ دَلْوًا. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ جِلْدُهُ نَجِسٌ وَشَعْرُهُ طَاهِرٌ) قَالَ فِي
الْبَحْرِ وَعُلِمَ بِمَا قَرَّرْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي قَوْلِ
مَنْ قَالَهُ بِنَجَاسَةِ عَيْنِ الْكَلْبِ الشَّعْرُ بِخِلَافِ قَوْلِهِمْ
بِنَجَاسَةِ عَيْنِ الْخِنْزِيرِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ شَعْرُهُ
أَيْضًا فَلْيُرَاجِعْ مَا قَرَّرَهُ مَنْ أَرَادَهُ
(1/24)
لَمْ يُفْسِدْهُ لِأَنَّ الْمَاءَ فِي
الْأَوَّلِ أَصَابَ جِلْدَهُ وَجِلْدُهُ نَجِسٌ، وَفِي الثَّانِي أَصَابَ
شَعْرَهُ وَشَعْرُهُ طَاهِرٌ.
(وَنَافِجَةُ الْمِسْكِ طَاهِرَةٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ رَطْبَةً وَلِغَيْرِ
الْمَذْبُوحَةِ) حَتَّى لَوْ كَانَتْ رَطْبَةً لَكِنَّهَا لِلْمَذْبُوحَةِ
فَهِيَ طَاهِرَةٌ وَلَوْ كَانَتْ لِغَيْرِ الْمَذْبُوحَةِ لَكِنَّهَا
يَابِسَةٌ فَهِيَ أَيْضًا طَاهِرَةٌ (وَالْمِسْكُ طَاهِرٌ حَلَالٌ) كَذَا
فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَزَادَ قَوْلَهُ حَلَالٌ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ
الطَّهَارَةِ الْحِلُّ كَمَا فِي التُّرَابِ.
(وَبَوْلُ مَا يُؤْكَلُ نَجِسٌ) .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ طَاهِرٌ (وَلَا يُشْرَبُ أَصْلًا) لَا لِلتَّدَاوِي
وَلَا لِغَيْرِهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ لِلتَّدَاوِي، وَقَالَ
مُحَمَّدٌ: يَجُوزُ مُطْلَقًا.
[فَصْلٌ بِئْرٌ دُونَ عَشْرٍ فِي عَشْرٍ وَقَعَ فِيهَا نَجَسٌ]
(فَصْلٌ بِئْرٌ دُونَ عَشْرٍ فِي عَشْرٍ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهَا لَوْ
كَانَتْ عَشْرًا فِي عَشْرٍ لَا يَتَنَجَّسُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ لَوْنُ
الْمَاءِ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ وَغَيْرُهُ
وَهُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي يُخْرِجُ (وَقَعَ فِيهَا
نَجَسٌ وَإِنْ عُفِيَ خُرْءُ حَمَامٍ وَعُصْفُورٍ وَتَقَاطُرُ بَوْلٍ
كَرُءُوسِ الْإِبَرِ) حَتَّى لَوْ كَانَ أَكْبَرَ مِنْهَا لَمْ يُعْفَ
(وَغُبَارٌ نَجِسٌ وَبَعْرَتَا إبِلٍ أَوْ غَنَمٍ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ
الثَّلَاثَ كَثِيرٌ كَمَا نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ التُّمُرْتَاشِيِّ
وَجْهٌ، وَالْعَفْوُ أَنَّ الْآبَارَ فِي الْفَلَوَاتِ لَيْسَ لَهَا
رُءُوسٌ حَاجِزَةٌ، وَالْإِبِلُ وَالْغَنَمُ تَبْعَرُ حَوْلَهَا
فَتُلْقِيهِ الرِّيَاحُ فِيهَا فَلَوْ أَفْسَدَ الْقَلِيلُ لَزِمَ
الْحَرَجُ وَهُوَ مَدْفُوعٌ فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّطْبِ
وَالْيَابِسِ، وَالصَّحِيحِ، وَالْمُنْكَسِرِ، وَالْبَعْرِ، وَالْخُثَى،
وَالرَّوْثِ لِشُمُولِ الضَّرُورَةِ وَلَا فَرْقَ أَيْضًا بَيْنَ آبَارِ
الْمِصْرِ، وَالْفَلَوَاتِ فِي الصَّحِيحِ لِشُمُولِ الضَّرُورَةِ فِي
الْجُمْلَةِ (كَمَا إذَا وَقَعَتَا فِي مِحْلَبٍ فَرُمِيَتَا) الْفَاءُ
تَدُلُّ عَلَى الْفَوْرِ، قَالَ فِي: الْمَبْسُوطِ لَا يَنْجُسُ إذَا
رُمِيَتْ مِنْ سَاعَتِهِ وَلَمْ يَبْقَ لَهَا لَوْنٌ لِلضَّرُورَةِ؛
لِأَنَّ مِنْ عَادَتِهَا أَنَّهَا تَبْعَرُ عِنْدَ الْحَلْبِ (أَوْ
انْتَفَخَ فِيهَا حَيَوَانٌ دَمَوِيٌّ) قَيَّدَ بِهِ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ
مَا لَا دَمَ لَهُ إذَا انْتَفَخَ أَوْ تَفَسَّخَ فِي الْمَاءِ أَوْ
الْعَصِيرِ لَمْ يَنْجُسْ لَمْ يَذْكُرْ التَّفَسُّخَ لِأَنَّ حُكْمَهُ
يُفْهَمُ مِنْ انْتِفَاخٍ بِطَرِيقِ الْأَوْلَوِيَّةِ (أَوْ مَاتَ نَحْوُ
آدَمِيٍّ يُخْرِجُ الْوَاقِعَ) فِي الْبِئْرِ (فَيَنْزَحُ كُلَّهَا) أَيْ
كُلَّ مَائِهَا فَكَانَ نَزْحُ مَا فِيهَا مِنْ الْمَاءِ طَهَارَةً لَهَا.
وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهَا تَطْهُرُ
بِمُجَرَّدِ النَّزْحِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى غَسْلِ الْأَحْجَارِ،
وَنَقْلِ الْأَوْحَالِ (وَإِنْ تَعَسَّرَ) نَزْحُ كُلِّهَا (فَقَدْرَ مَا
فِيهَا) أَيْ فَيَنْزَحُ قَدْرَ مَا فِيهَا مِنْ الْمَاءِ (فَيُفَوَّضُ)
فِي نَزْحِ قَدْرِ مَا فِيهَا (إلَى ذَوِي بَصَارَةٍ) أَيْ رَجُلَيْنِ
لَهُمَا شُعُورٌ وَمَعْرِفَةٌ (فِي) حَالِ (الْمَاءِ) فَأَيَّ مِقْدَارٍ
قَالَا إنَّهُ فِي الْبِئْرِ نَزَحَ ذَلِكَ الْمِقْدَارَ وَهُوَ الْأَصَحُّ
الْأَشْبَهُ بِالْفِقْهِ لِكَوْنِهِمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
(فَصْلٌ) (قَوْلُهُ: وَإِنْ عُفِيَ خُرْءُ حَمَامٍ وَعُصْفُورٍ) أَقُولُ
ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّ خُرْءَ الْحَمَامِ، وَالْعُصْفُورِ نَجِسٌ
لِإِطْلَاقِ الْعَفْوِ عَلَيْهِ كَالْقَطَرَاتِ مِنْ الْبَوْلِ وَقَدْ
اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي نَجَاسَتِهِ وَطَهَارَتِهِ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ
عَلَى سُقُوطِ حُكْمِ النَّجَاسَةِ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ: وَزُرْقُ سِبَاعِ الطَّيْرِ يُفْسِدُ الثَّوْبَ إذَا
فَحُشَ وَيُفْسِدُ مَاءَ الْأَوَانِي وَلَا يُفْسِدُ مَاءَ الْبِئْرِ اهـ.
وَفِي الْفَيْضِ وَبَوْلُ الْفَأْرَةِ لَوْ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ قَوْلَانِ
أَصَحُّهُمَا عَدَمُ التَّنَجُّسِ (قَوْلُهُ: يُشِيرُ إلَى أَنَّ
الثَّلَاثَ كَثِيرٌ) أَقُولُ هَذَا عِنْدَ الْبَعْضِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ
مَبْنِيٌّ عَلَى مَا وَقَعَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ قَوْلِهِ
فَإِنْ وَقَعَتْ فِيهَا بَعْرَةٌ أَوْ بَعْرَتَانِ لَا يَفْسُدُ الْمَاءُ
فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الثَّلَاثَ تُفْسِدُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَفْهُومَ
الْعَدَدِ فِي الرِّوَايَةِ مُعْتَبَرٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَبَرًا فِي
الدَّلَائِلِ عِنْدَنَا عَلَى الصَّحِيحِ وَهَذَا الْفَهْمُ إنَّمَا
يَتِمُّ لَوْ اقْتَصَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَى هَذِهِ
الْعِبَارَةِ وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ قَالَ إذَا وَقَعَتْ
بَعْرَةٌ أَوْ بَعْرَتَانِ لَا يَفْسُدُ مَا لَمْ يَكُنْ كَثِيرًا
فَاحِشًا، وَالثَّلَاثُ لَيْسَ بِكَثِيرٍ فَاحِشٍ كَذَا نَقَلَ عِبَارَةَ
الْجَامِعِ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ، وَالْكَثِيرُ مَا يَسْتَكْثِرُهُ
النَّاظِرُ، وَالْقَلِيلُ مَا يَسْتَقِلُّهُ صَحَّحَهُ فِي الْبَدَائِعِ
وَالْكَافِي، وَالْمِعْرَاجِ وَالْهِدَايَةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ أَوْ
أَنَّهُ مَا لَا يَخْلُو وَلَوْ عَنْ بَعْرَةٍ، وَصَحَّحَهُ فِي
النِّهَايَةِ وَعَزَاهُ إلَى الْمَبْسُوطِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ:
كَمَا إذَا وَقَعَتَا فِي مِحْلَبٍ) أَقُولُ يَعْنِي وَقَعَتَا مِنْ
الشَّاةِ وَهِيَ تَبْعَرُ وَقْتَ الْحَلْبِ فِي الْمِحْلَبِ كَمَا يُعْلَمُ
مِنْ شَرْحِهِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا،
وَالتَّقْيِيدُ بِالْمِحْلَبِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْإِنَاءِ قَالَ فِي
الْهِدَايَةِ وَفِي الشَّاةِ تَبْعَرُ فِي الْمِحْلَبِ بَعْرَةً أَوْ
بَعْرَتَيْنِ قَالُوا تُرْمَى الْبَعْرَةُ وَيُشْرَبُ اللَّبَنُ لِمَكَانِ
الضَّرُورَةِ وَلَا يُعْفَى الْقَلِيلُ فِي الْإِنَاءِ عَلَى مَا قِيلَ
لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ كَالْبِئْرِ فِي
حَقِّ الْبَعْرَةِ، وَالْبَعْرَتَيْنِ اهـ.
وَالتَّعْبِيرُ بِالْبَعْرَةِ، وَالْبَعْرَتَيْنِ لَيْسَ احْتِرَازًا
عَمَّا فَوْقَ ذَلِكَ لِمَا قَالَ فِي الْفَيْضِ وَلَوْ وَقَعَ الْبَعْرُ
فِي الْمِحْلَبِ عِنْدَ الْحَلْبِ فَرُمِيَ مِنْ سَاعَتِهِ لَا يَفْسُدُ
اهـ.
(قَوْلُهُ: لَا يَنْجُسُ إذَا رُمِيَتْ مِنْ سَاعَتِهِ وَلَمْ يَبْقَ لَهَا
لَوْنٌ) يُفِيدُ أَنَّ عَدَمَ التَّنَجُّسِ مُقَيَّدٌ بِعَدَمِ الْمُكْثِ،
وَاللَّوْنِ وَبِهِ صَرَّحَ الْكَمَالُ بِقَوْلِهِ: فَلَوْ أَخَّرَ أَوْ
أَخَذَ اللَّبَنُ لَوْنَهَا لَا يَجُوزُ اهـ.
(قَوْلُهُ: قَيَّدَ بِهِ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ مَا لَا دَمَ لَهُ. . .
إلَخْ) صَوَابُهُ لِمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: يَخْرُجُ الْوَاقِعُ فِي
الْبِئْرِ) يَعْنِي مِمَّا ذَكَرَ إذَا وَجَبَ نَزْحُ شَيْءٍ فَلَا يَجِبُ
إخْرَاجُ نَحْوِ الْبَعْرَتَيْنِ لِعَدَمِ نَزْحِ شَيْءٍ بِوُقُوعِهِ،
وَلَوْ وَقَعَ فِيهَا عَظْمٌ أَوْ خَشَبَةٌ أَوْ قِطْعَةُ ثَوْبٍ
مُتَلَطِّخَةٌ بِنَجَاسَةٍ وَتَعَذَّرَ اسْتِخْرَاجُ ذَلِكَ فَبِنَزْحِ
الْمَاءِ يَطْهُرُ ذَلِكَ تَبَعًا كَخَابِيَةِ خَمْرٍ تَخَلَّلَ كَمَا فِي
الْفَيْضِ (قَوْلُهُ: وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ. . . إلَخْ) كَذَلِكَ
يَطْهُرُ الدَّلْوُ وَالرِّشَاءُ، وَالْبَكَرَةُ وَيَدُ الْمُسْتَقِي
كَطَهَارَةِ عُرْوَةِ الْإِبْرِيقِ بِطَهَارَةِ الْيَدِ إذَا أَخَذَهَا
كُلَّمَا غَسَلَ يَدَهُ
(1/25)
نِصَابَ الشَّهَادَةِ الْمُلْزِمَةِ؛
وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الرُّجُوعُ إلَى أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدَ
الِابْتِلَاءِ بِأَمْرٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ
الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] (وَقِيلَ يُقَدَّرُ
مَا فِيهَا) رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ
تُحْفَرَ حُفْرَةٌ عُمْقُهَا وَدَوْرُهَا مِثْلُ مَوْضِعِ الْمَاءِ مِنْهَا
وَتُجَصَّصُ وَيُصَبُّ الْمَاءُ فِيهَا فَإِنْ امْتَلَأَتْ فَقَدْ نُزِحَ
مَاؤُهَا، وَالثَّانِي أَنْ يُرْسِلَ قَصَبَةً فِي الْمَاءِ وَيَجْعَلَ
عَلَامَةً لِمَبْلَغِ الْمَاءِ ثُمَّ يَنْزَحَ عَشْرَ دِلَاءٍ مَثَلًا
ثُمَّ تُعَادُ الْقَصَبَةُ فَيَنْظُرُ كَمْ انْتَقَصَ فَإِنْ انْتَقَصَ
الْعَشْرُ فَهُوَ مِائَةٌ وَلَكِنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ إلَّا إذَا كَانَ
دَوْرُ الْبِئْرِ مِنْ أَوَّلِ حَدِّ الْمَاءِ إلَى قَعْرِ الْبِئْرِ
مُتَسَاوِيًا (وَقِيلَ يُنْزَحُ مِائَتَا دَلْوٍ إلَى ثَلَاثِمِائَةٍ)
وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مُحَمَّدٍ أَفْتَى بِمَا شَاهَدَ فِي بَغْدَادَ
لِأَنَّ آبَارَهَا كَثِيرَةُ الْمَاءِ بِمُجَاوَرَةِ دِجْلَةَ (وَإِنْ
مَاتَ نَحْوُ حَمَامَةٍ أَوْ دَجَاجَةٍ فَأَرْبَعُونَ دَلْوًا وَسَطًا إلَى
سِتِّينَ) الْأَرْبَعُونَ بِطَرِيقِ الْوُجُوبِ، وَالْعِشْرُونَ بِطَرِيقِ
الِاسْتِحْبَابِ.
(وَ) إنْ مَاتَ نَحْوُ (فَأْرَةٍ أَوْ عُصْفُورٍ فَعِشْرُونَ إلَى
ثَلَاثِينَ) هُوَ أَيْضًا كَمَا مَرَّ (وَمَا جَاوَزَ الْوَسَطَ اُحْتُسِبَ
بِهِ ثُمَّ مَا بَيْنَ الْفَأْرَةِ، وَالْحَمَامَةِ كَالْفَأْرَةِ)
فَيُنْزَحُ عِشْرُونَ إلَى ثَلَاثِينَ (وَمَا بَيْنَ الدَّجَاجَةِ،
وَالشَّاةِ كَالدَّجَاجَةِ) فَيُنْزَحُ أَرْبَعُونَ إلَى سِتِّينَ كَذَا
قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَلَوْ وَقَعَ أَكْثَرُ مِنْ فَأْرَةٍ فَإِلَى
الْأَرْبَعِ يُنْزَحُ عِشْرُونَ وَلَوْ خَمْسًا فَأَرْبَعُونَ إلَى
التِّسْعِ وَلَوْ عَشْرًا فَجَمِيعُ الْمَاءِ، وَلَوْ كَانَتْ فَأْرَتَانِ
كَهَيْئَةِ الدَّجَاجَةِ فَأَرْبَعُونَ وَفِي السِّنَّوْرَيْنِ يُنْزَحُ
كُلُّهَا كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ (وَتَنَجُّسُهَا) أَيْ الْبِئْرِ (مِنْ
وَقْتِ الْوُقُوعِ إنْ عُلِمَ) ذَلِكَ الْوَقْتُ (وَإِلَّا فَمُنْذُ يَوْمٍ
وَلَيْلَةٍ إنْ لَمْ يَنْتَفِخْ) فِي حَقِّ الْوُضُوءِ حَتَّى يَلْزَمُهُمْ
إعَادَةُ الصَّلَاةِ إذَا تَوَضَّئُوا مِنْهَا وَأَمَّا فِي حَقِّ غَيْرِهِ
فَيُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهَا فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ وُجُودِ
النَّجَاسَةِ فِي الثَّوْبِ حَتَّى إذَا كَانُوا غَسَلُوا الثِّيَابَ بِهَا
لَمْ يَلْزَمْهُمْ إلَّا غَسْلُهَا هُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي
الزَّيْلَعِيُّ يُؤَيِّدُهُ مَا قَالَهُ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَنَّ
الصَّبَّاغِيَّ كَانَ يُفْتِي بِهَذَا (وَإِنْ انْتَفَخَ أَوْ تَفَسَّخَ
فَمُنْذُ) أَيْ تَنَجُّسِهَا مُنْذُ (ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا)
ذَكَرَ هَاهُنَا التَّفَسُّخَ لِأَنَّ حُكْمَهُ هَاهُنَا لَا يُفْهَمُ مِنْ
الِانْتِفَاخِ لِأَنَّ التَّفَسُّخَ أَكْثَرُ إفْسَادًا لِلْمَاءِ مِنْ
الِانْتِفَاخِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَا قَدَّرَ لَهُ مِنْ
الْمُدَّةِ أَكْثَرَ مِمَّا قَدَّرَ لِلِانْتِفَاخِ فَلَوْ اقْتَصَرَ فِي
تَقْدِيرِ هَذِهِ الْمُدَّةِ عَلَى الِانْتِفَاخِ لَتُوُهِّمَ أَنَّ
التَّفَسُّخَ يَقْتَضِي مُدَّةً أَكْثَرَ مِنْ مُدَّةِ الِانْتِفَاخِ
وَلَوْ عَكَسَ لَتُوُهِّمَ أَنَّ الِانْتِفَاخَ يَقْتَضِي أَقَلَّ مِنْ
هَذِهِ الْمُدَّةِ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا بَيَانًا لِلْحُكْمِ وَدَفْعًا
لِلْوَهْمِ فَظَهَرَ أَنَّ عِبَارَةَ الْوِقَايَةِ لَيْسَتْ كَمَا
يَنْبَغِي حَيْثُ جَمَعَ فِي الْأَوَّلِ بَيْنَ الِانْتِفَاخِ،
وَالتَّفَسُّخِ وَاقْتَصَرَ فِي الثَّانِي عَلَى الِانْتِفَاخِ فَكَانَ
الْوَاجِبُ الْعَكْسَ (وَقَالَا) تَنَجُّسُهَا (مُنْذُ وُجِدَ) حَتَّى لَا
يَلْزَمُهُمْ إعَادَةُ شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ بَلْ غَسْلُ مَا أَصَابَهُ
مَاؤُهَا.
(وَلَوْ أُخْرِجَ) الْحَيَوَانُ الْوَاقِعُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ: وَقِيلَ يُقَدِّرُ مَا فِيهَا) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ
وَقِيلَ أَنْ تُحْفَرَ حَفِيرَةٌ أَوْ تُرْسَلَ فِيهَا قَصَبَةٌ لِأَنَّ
هَذَا أَحَدُ الْأَوْجُهِ لِمَعْرِفَةِ مِقْدَارِ مَا فِيهَا عِنْدَ
تَعَسُّرِ نَزْحِهَا وَإِنَّمَا قُلْنَا يَنْبَغِي. . . إلَخْ لِأَنَّ
قَوْلَ الْمُصَنِّفِ لَا يُفِيدُ غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ مَتْنًا فَتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: وَإِنْ مَاتَ نَحْوُ حَمَامَةٍ. . . إلَخْ) .
أَقُولُ هَذَا، وَالْمَيِّتُ الْمُسْلِمُ بَعْدَ غَسْلِهِ لَا يُفْسِدُهَا،
وَالْكَافِرُ يُفْسِدُهَا وَلَوْ غُسِّلَ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ:
الشَّهِيدُ كَالْمُغَسَّلِ وَفِيهِ نَظَرٌ لَمَّا أَنَّ الدَّمَ الَّذِي
بِهِ غَيْرُ طَاهِرٍ فِي حَقِّ غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا
إذَا غُسِلَ عَنْهُ قَبْلَ الْوُقُوعِ فِي الْبِئْرِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ
وَقَعَ أَكْثَرُ مِنْ فَأْرَةٍ إلَى قَوْلِهِ فَجَمِيعُ الْمَاءِ) حَكَاهُ
الزَّيْلَعِيُّ وَالْكَمَالُ بِقَوْلِهِمَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَتْ فَأْرَتَانِ. . . إلَخْ) حَكَيَاهُ
بِقَوْلِهِمَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ اهـ.
وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَأَلْحَقَ مُحَمَّدٌ الثَّلَاثَ مِنْهَا إلَى
الْخَمْسِ بِالْهِرَّةِ، وَالسِّتَّ بِالْكَلْبِ وَأَبُو يُوسُفَ الْخَمْسَ
إلَى التِّسْعِ بِالْهِرَّةِ، وَالْعَشَرَةَ بِالْكَلْبِ (قَوْلُهُ: حَتَّى
يَلْزَمُهُمْ إعَادَةُ الصَّلَاةِ إذَا تَوَضَّئُوا مِنْهَا) أَيْ وَهُمْ
مُحْدِثُونَ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ: حَتَّى إذَا كَانُوا
غَسَلُوا الثِّيَابَ) أَيْ مِنْ نَجَاسَةٍ أَمَّا إذَا تَوَضَّئُوا مِنْهَا
وَهُمْ مُتَوَضِّئُونَ أَوْ غَسَلُوا ثِيَابَهُمْ مِنْ غَيْرِ نَجَاسَةٍ
فَإِنَّهُمْ لَا يُعِيدُونَ إجْمَاعًا كَذَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا مُوَفَّقُ
الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَهُ فِي الْجَوْهَرَةِ اهـ.
وَتَعَقَّبَ شَارِحُ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي الْقَوْلَ بِوُجُوبِ الْغَسْلِ
بِأَنَّهُ إذَا كَانَ يَلْزَمُهُمْ غَسْلُهَا لِكَوْنِهَا مَغْسُولَةً
بِمَاءِ الْبِئْرِ فِيمَا تَقَدَّمَ حَالَ الْعِلْمِ بِاشْتِمَالِهَا عَلَى
الْفَأْرَةِ بِدُونِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ بِدُونِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ
كَيْفَ يَكُونُ الْحُكْمُ بِنَجَاسَةِ الثِّيَابِ مِنْ بَابِ الِاقْتِصَارِ
عَلَى التَّنْجِيسِ فِي الْحَالِ لَا مُسْتَنِدًا إلَى مَا تَقَدَّمَ فَلَا
يَتَّجِهُ هَذَا عَلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ يُوجِبُ مَعَ الْغَسْلِ
الْإِعَادَةَ وَلَا عَلَى قَوْلِهِمَا لِأَنَّهُمَا لَا يُوجِبَانِ غَسْلَ
الثَّوْبِ أَصْلًا اهـ.
(قَوْلُهُ: وَقَالَا بِتَنَجُّسِهَا مُنْذُ وُجِدَ إلَخْ) يَعْنِي حَتَّى
يَتَحَقَّقُوا مَتَى وَقَعَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ
اهـ.
وَقَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي تَصْحِيحِهِ قَالَ فِي فَتَاوَى
الْعَتَّابِيِّ قَوْلُهُ: مَا هُوَ الْمُخْتَارُ قُلْت لَمْ يُوَافِقْ
عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ اعْتَمَدَ قَوْلَ الْإِمَامِ الْبُرْهَانِيِّ،
وَالنَّسَفِيِّ وَالْمَوْصِلِيِّ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَرَجَّحَ
دَلِيلَهُ فِي جَمِيعِ الْمُصَنَّفَاتِ وَصَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ
قَوْلَهُمَا قِيَاسٌ، وَقَوْلَهُ اسْتِحْسَانٌ وَهُوَ الْأَحْوَطُ فِي
الْعِبَادَاتِ اهـ.
(قَوْلُهُ: بَلْ غَسْلُ مَا أَصَابَهُ مَاؤُهَا) أَقُولُ يُخَالِفُ هَذَا
مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَصَاحِبُ الْبَحْرِ، وَالْفَيْضِ بِقَوْلِهِمْ
وَقَالَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهَا وَقْتَ الْعِلْمِ بِهَا وَلَا
يَلْزَمُهُمْ إعَادَةُ شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ وَلَا غَسْلُ مَا
أَصَابَهُ مَاؤُهَا اهـ. فَلَعَلَّ الصَّوَابَ خِلَافُ مَا قَالَهُ.
(1/26)
فِي الْبِئْرِ (حَيًّا) حَالَ كَوْنِهِ
(غَيْرَ نَجَسِ الْعَيْنِ) أَيْ غَيْرَ الْخِنْزِيرِ، وَالْكَلْبِ عِنْدَ
مَنْ يَقُولُ بِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ (وَلَا بِهِ خَبَثٌ لَا يُنَجِّسُهَا)
حَتَّى إذَا كَانَ طَاهِرًا كَالشَّاةِ أَوْ نَحْوِهَا أَوْ نَجِسًا لَا
لِعَيْنِهِ كَالْحِمَارِ، وَالْبَغْلِ، وَالْهِرَّةِ وَسَائِرِ السِّبَاعِ
وَلَمْ يَكُنْ فِي بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ فَأُخْرِجَ حَيًّا لَا يُنَجِّسُهَا
أَمَّا الطَّاهِرُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا النَّجِسُ لَا لِعَيْنِهِ فَلِمَا
قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَإِنْ كَانَ حَيَوَانًا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ
كَسِبَاعِ الْوَحْشِ، وَالطُّيُورِ اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَالصَّحِيحُ
أَنَّهُ لَا يُنَجِّسُهُ وَكَذَا الْحِمَارُ، وَالْبَغْلُ لَا يَصِيرُ
الْمَاءُ مَشْكُوكًا فِيهِ لِأَنَّ بَدَنَ هَذِهِ الْحَيَوَانَاتِ طَاهِرٌ
لِأَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ لَنَا اسْتِعْمَالًا وَإِنَّمَا تَصِيرُ نَجِسَةً
بِالْمَوْتِ (إلَّا أَنْ يُدْخِلَ فَاهُ) أَيْ فَمَه (فِيهِ) أَيْ فِي
الْمَاءِ (فَيَكُونُ حُكْمُهُ) أَيْ الْمَاءِ (حُكْمَ لُعَابِهِ) فَإِنْ
كَانَ لُعَابُهُ طَاهِرًا فَالْمَاءُ طَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ نَجِسًا
فَالْمَاءُ نَجِسٌ يُنْزَحُ كُلُّهُ وَإِنْ كَانَ مَشْكُوكًا فَالْمَاءُ
مَشْكُوكٌ يُنْزَحُ كُلُّهُ وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا فَمَكْرُوهٌ
فَيُسْتَحَبُّ نَزْحُهُ.
(وَسُؤْرُ الْآدَمِيِّ الطَّاهِرِ الْفَمِ) سَوَاءً كَانَ جُنُبًا أَوْ
حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ أَوْ صَغِيرًا أَوْ كَافِرًا (وَ) سُؤْرُ (كُلِّ
مَا يُؤْكَلُ كَذَلِكَ) أَيْ طَاهِرُ الْفَمِ (طَاهِرٌ) لِأَنَّ
لُعَابَهُمْ مُتَوَلِّدٌ مِنْ لَحْمٍ طَاهِرٍ فَيَكُونُ الْمَخْلُوطُ بِهِ
مِثْلَهُ.
(وَ) سُؤْرُ (الْخِنْزِيرِ، وَالْكَلْبِ وَسِبَاعِ الْبَهَائِمِ،
وَالْهِرَّةِ فَوْرَ أَكْلِ الْفَأْرَةِ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّ سُؤْرَهَا
قَبْلَ أَكْلِهَا وَبَعْدَ أَكْلِهَا وَمُضِيِّ سَاعَةٍ أَوْ سَاعَتَيْنِ
لَيْسَ بِنَجِسٍ بَلْ مَكْرُوهٌ، فَقِيلَ لِحُرْمَةِ لَحْمِهَا وَقِيلَ
لِعَدَمِ تَحَامِيهَا النَّجَاسَةَ وَهَذَا يُشِيرُ إلَى التَّنَزُّهِ،
وَالْأَوْلَى إلَى الْقُرْبِ مِنْ الْحُرْمَةِ (وَشَارِبِ الْخَمْرِ فَوْرَ
شُرْبِهَا نَجِسٌ) أَمَّا سُؤْرُ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ فَلِاخْتِلَاطِهِ
بِاللُّعَابِ النَّجِسِ وَأَمَّا سُؤْرُ الْأَخِيرَيْنِ فَلِاخْتِلَاطِهِ
بِنَجِسٍ فِي الْفَمِ.
(وَ) سُؤْرُ (الدَّجَاجَةِ الْمُخَلَّاةِ) أَيْ الْجَائِلَةِ فِي عَذِرَاتِ
النَّاسِ (وَسِبَاعِ الطَّيْرِ وَسَوَاكِنِ الْبُيُوتِ) كَالْحَيَّةِ،
وَالْعَقْرَبِ، وَالْفَأْرَةِ، وَالْوَزَغَةِ (مَكْرُوهٌ) أَمَّا
الدَّجَاجَةُ الْمُخَلَّاةُ فَلِأَنَّهَا تُخَالِطُ النَّجَاسَةَ حَتَّى
لَوْ كَانَتْ مَحْبُوسَةً بِحَيْثُ لَا يَصِلُ مِنْقَارُهَا إلَى تَحْتِ
قَدَمِهَا لَا يُكْرَهُ، وَأَمَّا سِبَاعُ الطَّيْرِ فَلِأَنَّهَا تَأْكُلُ
الْمَيْتَاتِ فَأَشْبَهَتْ الْمُخَلَّاةَ حَتَّى لَوْ حُبِسَتْ وَعَلِمَ
صَاحِبُهَا خُلُوَّ مِنْقَارِهَا عَنْ الْقَذَرِ لَا يُكْرَهُ، وَأَمَّا
سَوَاكِنُ الْبُيُوتِ فَلِأَنَّ حُرْمَةَ لَحْمِهَا أَوْجَبَتْ نَجَاسَةَ
سُؤْرِهَا لَكِنَّهَا سَقَطَتْ لِعِلَّةِ الطَّوَافِ فَبَقِيَتْ
الْكَرَاهَةُ.
(وَ) سُؤْرُ (الْحِمَارِ، وَالْبَغْلِ مَشْكُوكٌ) هَذِهِ عِبَارَةُ
أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ، وَبَعْضُهُمْ أَنْكَرَ كَوْنَ شَيْءٍ مِنْ
أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى مَشْكُوكًا فِيهِ، وَقَالَ سُؤْرُ الْحِمَارِ
طَاهِرٌ لَوْ غَمَسَ فِيهِ الثَّوْبَ جَازَتْ الصَّلَاةُ فِيهِ وَلَا
يَتَوَضَّأُ بِهِ حَالَ الِاخْتِيَارِ وَإِذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ جَمَعَ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّيَمُّمِ، وَالْمَشَايِخُ قَالُوا الْمُرَادُ
بِالشَّكِّ التَّوَقُّفُ لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ أَوْ التَّرَدُّدِ فِي
الضَّرُورَةِ فَقِيلَ الشَّكُّ فِي طَهَارَتِهِ وَقِيلَ فِي طَهُورِيَّتِهِ
وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي الْكَافِي،
وَالْقُنْيَةِ وَفِي الْهِدَايَةِ.
وَالْبَغْلُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الْحِمَارِ فَأَخَذَ حُكْمَهُ، وَقَالَ
الزَّيْلَعِيُّ هَذَا إذَا كَانَتْ أُمُّهُ أَتَانًا لِأَنَّ الْأُمَّ هِيَ
الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْحُكْمِ وَإِنْ كَانَتْ فَرَسًا فَفِيهِ إشْكَالٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ: وَالْكَلْبُ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ) قَالَ
الزَّيْلَعِيُّ: وَفِي الْكَلْبِ رِوَايَتَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ
نَجَسُ الْعَيْنِ أَوْ لَا، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ مَا لَمْ
يُدْخِلْ فَاهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَجَسِ الْعَيْنِ.
(قَوْلُهُ: وَسُؤْرُ كُلِّ مَا يُؤْكَلُ. . . إلَخْ) .
أَقُولُ لَمْ يُفْرِدْ سُؤْرَ الْفَرَسِ فَشَمَلَهُ الْإِطْلَاقُ لِأَنَّهُ
مَأْكُولٌ وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا، وَفِيهِ رِوَايَاتٌ عَنْ الْإِمَامِ
وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ طَهَارَتُهُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَهُوَ
قَوْلُهُ: مَا لِأَنَّ كَرَاهَةَ لَحْمِهِ عِنْدَهُ لِاحْتِرَامِهِ
لِأَنَّهُ آلَةُ الْجِهَادِ لَا لِنَجَاسَتِهِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي
كَرَاهَةِ سُؤْرِهِ هُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ
الْبَدَائِعِ.
[سُؤْرُ الْخِنْزِيرِ وَالْكَلْبِ وَسِبَاعِ الْبَهَائِمِ وَالْهِرَّةِ]
(قَوْلُهُ: وَهَذَا يُشِيرُ إلَى التَّنَزُّهِ) أَقُولُ، وَالْأَصَحُّ
أَنَّ كَرَاهَةَ سُؤْرِ الْهِرَّةِ تَنْزِيهِيَّةٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ
وَهَذَا فِي الْهِرَّةِ الْأَهْلِيَّةِ أَمَّا الْبَرِّيَّةُ فَسُؤْرُهَا
نَجَسٌ كَمَا فِي الْكَشْفِ الْكَبِيرِ.
[سُؤْرُ الدَّجَاجَةِ الْمُخَلَّاةِ]
(قَوْلُهُ: وَالدَّجَاجَةُ الْمُخَلَّاةُ. . . إلَخْ) أَقُولُ وَكَذَا
الْإِبِلُ، وَالْبَقَرُ الْجَلَّالَةُ وَهِيَ الَّتِي تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ
فَإِنْ كَانَتْ تَخْلِطُ وَأَكْثَرُ عَلَفِهَا عَلَفُ الدَّوَابِّ لَا
يُكْرَهُ سُؤْرُهَا كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا سَوَاكِنُ
الْبُيُوتِ فَلِأَنَّ حُرْمَةَ لَحْمِهَا أَوْجَبَ نَجَاسَةَ سُؤْرِهَا. .
. إلَخْ) يُفِيدُ نَجَاسَةَ لَحْمِ الْمَذْكُورَاتِ وَلِهَذَا إذَا مَاتَتْ
فِي الْمَاءِ نَجَّسَتْهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي غَيْرِ الْعَقْرَبِ لِمَا
تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهَا لَا تُنَجِّسُ الْمَاءَ.
[سُؤْرُ الْحِمَارِ وَالْبَغْلِ]
(قَوْلُهُ: وَبَعْضُهُمْ) هُوَ الشَّيْخُ أَبُو طَاهِرٍ الدَّبَّاسُ كَانَ
يُنْكِرُ هَذِهِ الْعِبَارَةَ قَالَهُ الْكَمَالُ (قَوْلُهُ: فَقِيلَ
الشَّكُّ فِي طَهَارَتِهِ، وَقِيلَ فِي طَهُورِيَّتِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ)
عِبَارَةُ الْكَافِي ثُمَّ قَالَ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقَالَ فِي
الْبَحْرِ بَعْدَ نَقْلِهَا هَذَا مَعَ اتِّفَاقِهِمْ أَنَّهُ عَلَى
ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يُنَجِّسُ الثَّوْبَ، وَالْبَدَنَ وَالْمَاءَ
وَلَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ فَلِهَذَا قَالَ فِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ شَرْحِ
أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ إنَّ الِاخْتِلَافَ لَفْظِيٌّ ثُمَّ قَالَ
وَبِهَذَا عُلِمَ ضَعْفُ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ لِقَوْلِ
مَنْ قَالَ بِالشَّكِّ فِي طَهُورِيَّتِهِ بِأَنَّهُ لَوْ وَجَدَ الْمَاءَ
الْمُطْلَقَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُ رَأْسِهِ فَإِنَّ وُجُوبَ غَسْلِهِ
إنَّمَا يَثْبُتُ بِتَيَقُّنِ النَّجَاسَةِ وَالثَّابِتُ الشَّكُّ فِيهَا
فَلَا يَتَنَجَّسُ الرَّأْسُ بِالشَّكِّ فَلَا يَجِبُ، وَعُلِمَ أَيْضًا
ضَعْفُ مَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ تَفْرِيعًا عَلَى كَوْنِ الشَّكِّ
فِي طَهَارَتِهِ أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ أَفْسَدَهُ
لِأَنَّهُ لَا إفْسَادَ بِالشَّكِّ (قَوْلُهُ: كَذَا فِي الْكَافِي)
عِبَارَةُ الْكَافِي مِنْ قَوْلِهِ فَقِيلَ الشَّكُّ إلَى وَهُوَ
الصَّحِيحُ فَقَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى مِنْ الْقُنْيَةِ (قَوْلُهُ:
وَإِنْ كَانَتْ فَرَسًا فَفِيهِ إشْكَالٌ. . . إلَخْ)
قَالَ مُنْلَا مِسْكِينٌ فَإِنْ قُلْت أَيْنَ ذَهَبَ قَوْلُك الْوَلَدُ
يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الْحِلِّ، وَالْحُرْمَةِ قُلْت ذَلِكَ إذَا لَمْ
يَغْلِبْ شَبَهُهُ بِالْأَبِ أَمَّا إذَا غَلَبَ شَبَهُهُ فَلَا اهـ.
وَبِهَذَا سَقَطَ إشْكَالُ الزَّيْلَعِيِّ كَمَا لَا يَخْفَى قَالَهُ فِي
الْبَحْرِ
(1/27)
لَمَّا ذُكِرَ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْأُمِّ
أَلَا يَرَى أَنَّ الذِّئْبَ لَوْ نَزَا عَلَى شَاةٍ فَوَلَدَتْ ذِئْبًا
حَلَّ أَكْلُهُ وَيُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ
يَكُونَ مَأْكُولًا عِنْدَهُمَا وَطَاهِرًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
اعْتِبَارًا لِلْأُمِّ،.
وَفِي غَايَةِ السُّرُوجِيِّ إذَا نَزَا الْحِمَارُ عَلَى الرَّمَكَةِ لَا
يُكْرَهُ لَحْمُ الْبَغْلِ الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَهُمَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ
فَعَلَى هَذَا لَا يَصِيرُ سُؤْرُهُ مَشْكُوكًا، وَإِذَا كَانَ مَشْكُوكًا
(يَتَوَضَّأُ بِهِ وَيَتَيَمَّمُ إنْ عَدِمَ غَيْرَهُ) مِنْ الْمَاءِ
الطَّاهِرِ، الْمُرَادُ أَنْ لَا تَخْلُوَ الصَّلَاةُ الْوَاحِدَةُ
عَنْهُمَا دُونَ الْجَمْعِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى لَوْ تَوَضَّأَ
بِسُؤْرِ حِمَارٍ فَصَلَّى ثُمَّ أَحْدَثَ وَتَيَمَّمَ وَأَعَادَ
الصَّلَاةَ خَرَجَ عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ كَذَا فِي الْكِفَايَةِ
وَشَرْحِ الزَّاهِدِيِّ (بِخِلَافِ نَبِيذِ التَّمْرِ) حَيْثُ يَتَوَضَّأُ
بِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ قَالَ أَبُو يُوسُفَ بِالتَّيَمُّمِ
فَقَطْ وَمُحَمَّدٌ جَمَعَ بَيْنَهُمَا، وَالْمُرَادُ بِهِ حُلْوٌ رَقِيقٌ
يَسِيلُ كَالْمَاءِ أَمَّا إذَا اشْتَدَّ وَصَارَ مُسْكِرًا لَا
يَتَوَضَّأُ بِهِ اتِّفَاقًا قَالَ قَاضِي خَانْ: بِئْرٌ بَالُوعَةٌ
جَعَلُوهَا بِئْرَ مَاءٍ إنْ جُعِلَتْ أَوْسَعَ وَأَعْمَقَ مِقْدَارَ مَا
لَا تَصِلُ إلَيْهِ النَّجَاسَةُ كَانَ طَاهِرًا، وَإِنْ حُفِرَتْ أَعْمَقَ
وَلَمْ تُجْعَلْ أَوْسَعَ مِنْ الْأُولَى فَجَوَانِبُهَا نَجِسَةٌ
وَقَعْرُهَا طَاهِرٌ، بِئْرٌ تَنَجَّسَ فَغَارُ الْمَاءُ ثُمَّ عَادَ
الصَّحِيحُ أَنَّهُ طَاهِرٌ، وَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ النَّزْحِ
وَكَذَا بِئْرٌ وَجَبَ فِيهَا نَزْحُ عِشْرِينَ دَلْوًا فَنُزِحَ عَشَرَةٌ
فَلَمْ يَبْقَ فِيهِ مَاءٌ ثُمَّ عَادَ لَا يُنْزَحُ مِنْهُ شَيْءٌ
وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَيْنَ بِئْرِ الْبَالُوعَةِ وَبَيْنَ بِئْرِ
الْمَاءِ مِقْدَارُ مَا لَا تَصِلُ النَّجَاسَةُ إلَى بِئْرِ الْمَاءِ
وَقُدِّرَ فِي الْكِتَابِ بِخَمْسَةِ أَذْرُعٍ أَوْ سَبْعَةٍ وَذَلِكَ
غَيْرُ لَازِمٍ إنَّمَا الْمُعْتَبَرُ عَدَمُ وُصُولِ النَّجَاسَةِ إلَى
الْمَاءِ وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِصَلَابَةِ الْأَرْضِ وَرَخَاوَتِهَا ثُمَّ
لَمَّا بَيَّنَ أَحْكَامَ السُّؤْرِ وَكَانَ أَحْكَامُ الْعَرَقِ أَيْضًا
مُحْتَاجًا إلَى الْبَيَانِ قَالَ (وَالْعَرَقُ كَالسُّؤْرِ) فِي
الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّهُمَا يَتَوَلَّدَانِ مِنْ اللَّحْمِ
فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا حُكْمَ صَاحِبِهِ لَا يَرِدُ عَلَيْنَا كَوْنُ سُؤْرِ
الْحِمَارِ وَالْبَغْلِ مَشْكُوكًا مَعَ أَنَّ عَرَقَ الْحِمَارِ طَاهِرٌ
لِأَنَّ حُكْمَ الْعَرَقِ ثَبَتَ بِالْحَدِيثِ الْمُخَالِفِ لِلْقِيَاسِ
وَهُوَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكِبَ
الْحِمَارَ مُعْرَوْرِيًّا» ، وَالْحَرُّ حَرُّ الْحِجَازِ، وَالثِّقْلُ
ثِقْلُ النُّبُوَّةِ وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ
لِأَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ عَرَقُهُ نَجِسًا لِتَوَلُّدِهِ
مِنْ اللَّحْمِ النَّجِسِ فَبَقِيَ الْحُكْمُ فِي غَيْرِهِ عَلَى أَصْلِ
الْقِيَاسِ عَلَى أَنَّا نَقُولُ إنَّ سُؤْرَهُ طَاهِرٌ أَيْضًا عَلَى مَا
هُوَ الْأَصَحُّ مِنْ الرِّوَايَاتِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ فَإِنْ
قِيلَ قَدْ سَبَقَ أَنَّ بَدَنَ هَذِهِ الْحَيَوَانَاتِ طَاهِرٌ فَكَيْفَ
يَصِحُّ قَوْلُهُ لِتَوَلُّدِهِ مِنْ اللَّحْمِ النَّجِسِ قُلْنَا مَعْنَى
مَا سَبَقَ كَوْنُ ظَاهِرِ الْبَدَنِ طَاهِرًا حُكْمًا بِمَعْنَى أَنَّ مَا
يُلَاقِيهِ مِنْ الْمَائِعَاتِ لَا يَكُونُ نَجِسًا لِضَرُورَةِ
الِاسْتِعْمَالِ، وَهُوَ لَا يُنَافِي كَوْنَ بَاطِنِهَا نَجِسًا
لِانْتِفَاءِ الضَّرُورَةِ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ.
(بَابُ التَّيَمُّمِ)
هُوَ لُغَةً الْقَصْدُ وَشَرْعًا اسْتِعْمَالُ الصَّعِيدِ بِقَصْدِ
التَّطْهِيرِ (جَازَ وَلَوْ قَبْلَ الْوَقْتِ) خِلَافًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ: يَتَوَضَّأُ بِهِ) أَقُولُ وَيَنْوِي احْتِيَاطًا لِمَا قَالَ
الْكَمَالُ اخْتَلَفُوا فِي النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ بِسُؤْرِ
الْحِمَارِ، وَالْأَحْوَطُ أَنْ يَنْوِيَ اهـ.
(قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ تَوَضَّأَ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ فَصَلَّى ثُمَّ
أَحْدَثَ وَتَيَمَّمَ. . . إلَخْ) .
أَقُولُ إنَّمَا قَالَ ثُمَّ أَحْدَثَ لِيَكُونَ أَدَلَّ عَلَى الْخُرُوجِ
عَنْ عُهْدَةِ الصَّلَاةِ مِمَّا لَوْ لَمْ يُحْدِثْ وَإِلَّا فَلَا دَخْلَ
لِلْحَدَثِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَيَمَّمْ قَبْلَ حَدَثِهِ وَأَعَادَ
الصَّلَاةَ خَرَجَ عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ قَالَ الْكَمَالُ لَوْ
تَوَضَّأَ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ وَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ تَيَمَّمَ
وَصَلَّاهَا صَحَّتْ الظُّهْرُ اهـ.
وَكَتَبَ عَلَى هَامِشِهِ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ شَمْسُ الْمِلَّةِ
وَالدِّينِ مُحَمَّدٌ الْمُحِبِّيُّ أَدَامَ اللَّهُ نَفْعَهُ وَرَحِمَهُ
يَعْنِي وَلَمْ يُحْدِثْ بَيْنَهُمَا لَكِنْ كُرِهَ لَهُ فِعْلُهُ فِي
الْمَرَّةِ الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ أَمَّا إذَا تَوَضَّأَ وَصَلَّى
ثُمَّ أَحْدَثَ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى تِلْكَ الصَّلَاةَ جَازَ وَيُكْرَهُ
فِعْلُهُ وَلَا يَحِلُّ لِأَنَّهُ اسْتَلْزَمَ أَدَاءَ صَلَاةٍ بِغَيْرِ
طَهَارَةٍ مُتَيَقَّنَةٍ اهـ.
قُلْت وَيُكْرَهُ فِعْلُهُ فِي الْمَرَّتَيْنِ الْمُتَخَلِّلِ بَيْنَهُمَا
الْحَدَثُ وَأَوْرَدَ فِي الْبَحْرِ سُؤَالًا عَلَى مَا إذَا تَخَلَّلَ
بَيْنَهُمَا الْحَدَثُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ قِيلَ هَذَا يَسْتَلْزِمُ
الْكُفْرَ لِأَدَاءِ الصَّلَاةِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ فِي إحْدَى
الْمَرَّتَيْنِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ إلَّا الْجَمْعُ قُلْنَا
ذَاكَ إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَطَهِّرًا أَصْلًا أَمَّا هُنَا فَقَدْ
أَدَّاهَا بِطَهَارَةٍ مِنْ وَجْهٍ شَرْعًا كَمَا لَوْ صَلَّى بَعْدَ
الْفَصْدِ أَوْ الْحِجَامَةِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ وَلَا يَكْفُرُ
لِمَكَانِ الِاخْتِلَافِ فَهَذَا أَوْلَى بِخِلَافِ مَا لَوْ صَلَّى بَعْدَ
الْبَوْلِ اهـ.
(قَوْلُهُ: كَذَا فِي الْكِفَايَةِ وَشَرْحِ الزَّاهِدِيِّ) وَقَعَ فِي
نُسْخَةٍ مَكَانَ الْكِفَايَةِ الْكَافِي وَلَمْ أَرَ الْعِبَارَةَ فِي
الْكَافِي (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ أَبُو يُوسُفَ بِالتَّيَمُّمِ فَقَطْ)
أَقُولُ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَرُوِيَ رُجُوعُ أَبِي
حَنِيفَةَ إلَى قَوْلِهِ كَمَا فِي رَمْزِ الْحَقَائِقِ وَقَالَ فِي
الْبُرْهَانِ، وَالتَّيَمُّمُ مَعَ وُجُودِ نَبِيذِ التَّمْرِ مُتَعَيَّنٌ
عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْأَصَحِّ وَهُوَ رِوَايَةُ نُوحِ بْنِ أَبِي
مَرْيَمَ عَنْهُ كَمَا يُفْتِي بِهِ أَبُو يُوسُفَ، وَالْعَكْسُ أَيْ
تَعَيَّنَ الْوُضُوءُ بِهِ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَرُوِيَ
الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا اهـ.
وَقَالَ الْكَمَالُ إنَّمَا اخْتَلَفَ أَجْوِبَتُهُ لِاخْتِلَافِ
الْمَسَائِلِ وَتَمَامُهُ فِيهِ فَلْيُرَاجِعْهُ مَنْ رَامَهُ (قَوْلُهُ:
مُعْرَوْرِيًّا) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ اعْرَوْرَى الدَّابَّةَ رَكِبَهُ
عُرْيًا، وَمِنْهُ «كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَرْكَبُ الْحِمَارَ
مُعْرَوْرِيًّا» وَهُوَ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ الْمُسْتَكِنِّ
وَلَوْ كَانَ مِنْ الْمَفْعُولِ لَقِيلَ مُعْرَوْرًى اهـ. وَلَا يَخْفَى
مَا فِيهِ
[بَابُ التَّيَمُّمِ]
[كَيْفِيَّة التَّيَمُّم]
(بَابُ التَّيَمُّمِ) (قَوْلُهُ: هُوَ لُغَةً الْقَصْدُ) يَعْنِي مُطْلَقًا
(قَوْلُهُ: وَشَرْعًا. . . إلَخْ) كَذَا قَالُوا، وَالْحَقُّ أَنَّهُ اسْمٌ
لِمَسْحِ الْوَجْهِ، وَالْيَدَيْنِ مِنْ الصَّعِيدِ، وَالْقَصْدُ شَرْطٌ
لِأَنَّهُ النِّيَّةُ قَالَهُ الْكَمَالُ وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ: وَفِي
الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ اسْتِعْمَالِ جُزْءٍ مِنْ الْأَرْضِ طَاهِرٍ فِي
مَحَلِّ التَّيَمُّمِ
(1/28)
لِلشَّافِعِيِّ (وَلِأَكْثَرَ مِنْ فَرْضٍ)
وَاحِدٍ (وَغَيْرِهِ) يَعْنِي يُصَلِّي بِهِ مَا شَاءَ مِنْ الْفَرَائِضِ،
وَالنَّوَافِلِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَتَيَمَّمُ لِكُلِّ فَرْضٍ
وَيُصَلِّي مِنْ النَّفْلِ مَا شَاءَ (لِمُحْدِثٍ) مُتَعَلِّقٌ بِجَازِ
(وَجُنُبٍ وَحَائِضٍ وَنُفَسَاءَ عَجَزُوا عَنْ الْمَاءِ) أَيْ مَاءٍ
يَكْفِي لِطَهَارَتِهِ حَتَّى لَوْ أَنَّ رَجُلًا انْتَبَهَ مِنْ النَّوْمِ
مُحْتَلِمًا وَكَانَ لَهُ مَاءٌ يَكْفِي لِلْوُضُوءِ لَا لِلْغُسْلِ
يَتَيَمَّمُ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ عِنْدَنَا خِلَافًا
لِلشَّافِعِيِّ أَمَّا إذَا كَانَ مَعَ الْجَنَابَةِ حَدَثٌ يُوجِبُ
الْوُضُوءَ بِأَنْ أَحْدَثَ بَعْدَ التَّيَمُّمِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ
الْوُضُوءُ فَالتَّيَمُّمُ لِلْجَنَابَةِ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِذَا كَانَ
لِلْمُحْدِثِ مَاءٌ يَكْفِي لِغَسْلِ بَعْضِ أَعْضَائِهِ فَهُوَ أَيْضًا
عَلَى الْخِلَافِ (لِبُعْدِهِ) أَيْ الْمَاءِ مُتَعَلِّقٌ بِعَجَزُوا
(مِيلًا) وَهُوَ ثُلُثُ فَرْسَخٍ وَهُوَ أَرْبَعَةُ آلَافِ خُطْوَةٍ (أَوْ
مَرَضٍ) لَا يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وَإِنْ
اسْتَعْمَلَهُ اشْتَدَّ مَرَضُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ خَوْفُ التَّلَفِ
خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (أَوْ بَرْدٍ) يُؤَدِّي إلَى الْهَلَاكِ أَوْ
الْمَرَضِ (وَلَوْ فِي الْمِصْرِ) خِلَافًا لَهُمَا (أَوْ عَدُوٍّ أَوْ
سَبُعٍ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
وَقِيلَ عِبَارَةٌ عَنْ الْقَصْدِ إلَى الصَّعِيدِ لِلتَّطْهِيرِ وَهَذِهِ
الْعِبَارَةُ أَصَحُّ لِأَنَّ فِي الْعِبَارَةِ الْأُولَى اشْتِرَاطُ
اسْتِعْمَالِ جُزْءٍ، وَالتَّيَمُّمُ بِالْحَجَرِ يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ
يُوجَدْ اسْتِعْمَالُ جُزْءٍ. اهـ. .
قُلْت هُوَ وَإِنْ كَانَ أَصَحَّ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ لَا
يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُ جَعَلَ مَدْلُولَهُ
الْقَصْدَ الْمَخْصُوصَ وَعَلِمْت مَا ذَكَرَهُ الْكَمَالُ (قَوْلُهُ:
فَالتَّيَمُّمُ لِلْجَنَابَةِ بِالِاتِّفَاقِ) يَعْنِي فَالتَّيَمُّمُ
السَّابِقُ بَاقٍ لِرَفْعِ الْجَنَابَةِ.
(قَوْلُهُ: لِبُعْدِهِ مِيلًا) يَنْفِي اشْتِرَاطَ الْخُرُوجِ مِنْ
الْمِصْرِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ إلَّا لُحُوقُ
الْحَرَجِ وَبِبُعْدِهِ مِيلًا عَمَّا يَلْحَقُهُ الْحَرَجُ سَوَاءٌ كَانَ
فِي الْمِصْرِ أَوْ خَارِجَهُ وَيَنْفِي أَيْضًا اشْتِرَاطَ السَّفَرِ
لِأَنَّ الْمَعْنَى يَشْمَلُ الْكُلَّ، وَالْمِيلُ هُوَ الْمُخْتَارُ فِي
التَّقْدِيرِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَيَعْتَبِرُ أَبُو يُوسُفَ
لِجَوَازِ التَّيَمُّمِ غَيْبَةَ رُفْقَتِهِ عَنْ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ لَوْ
ذَهَبَ إلَيْهِ أَيْ الْمَاءُ قَالُوا وَهُوَ أَحْسَنُ مَا حُدَّ بِهِ
خَشْيَةَ أَنْ يُغْتَالَ دُونَهُمْ ذَكَرَهُ فِي الْبُرْهَانِ قُلْت
وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ وَهُوَ الْخَوْفُ (قَوْلُهُ:
وَهُوَ ثُلُثُ الْفَرْسَخِ وَهُوَ أَرْبَعَةُ آلَافِ خُطْوَةٍ) أَقُولُ
هَذَا عَلَى أَحَدِ تَفْسِيرَيْ الْمِيلِ لِمَا قَالَ فِي الْبُرْهَانِ،
وَالْمِيلُ ثُلُثُ الْفَرْسَخِ، وَالْمِيلُ فِي تَقْدِيرِ ابْنِ شُجَاعٍ
ثَلَاثَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ وَخَمْسُمِائَةٍ إلَى أَرْبَعَةِ آلَافٍ وَفِي
تَفْسِيرِ غَيْرِهِ أَرْبَعَةُ آلَافِ خُطْوَةٍ وَهِيَ ذِرَاعٌ وَنِصْفٌ
بِذِرَاعِ الْعَامَّةِ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ إصْبَعًا بِعَدَدِ
حُرُوفِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ اهـ.
قُلْت لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَا خِلَافَ لِحَمْلِ كَلَامِ ابْنِ
شُجَاعٍ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ بِالذِّرَاعِ مَا فِيهِ أُصْبُعٌ قَائِمَةٌ
عِنْدَ كُلِّ قَبْضَةٍ فَيَبْلُغُ ذِرَاعًا وَنِصْفًا بِذِرَاعِ
الْعَامَّةِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ مُقْتَصِرًا
عَلَيْهِ وَهُوَ أَيْ الْمِيلُ ثُلُثُ فَرْسَخٍ أَرْبَعَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ
بِذِرَاعِ مُحَمَّدِ بْنِ فَرَجِ بْنِ الشَّاشِيِّ طُولُهَا أَرْبَعَةٌ
وَعِشْرُونَ أُصْبُعًا وَعَرْضُ كُلِّ أُصْبُعٍ سِتُّ حَبَّاتِ شَعِيرٍ
مُلْصَقَةٍ ظَهْرَ الْبَطْنِ اهـ.
(قَوْلُهُ: لَا يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ) أَقُولُ
نَفْيُ الْقُدْرَةِ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ بِمَعْنَى لَا يَقْدِرُ عَلَى
تَنَاوُلِهِ وَلَا يَضُرُّهُ أَوْ بِعَكْسِهِ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ
وَوَجَدَ مَنْ يُوَضِّئُهُ فَفِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لَا يَتَيَمَّمُ
لِأَنَّهُ قَادِرٌ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ
وَعِنْدَهُمَا لَا يَتَيَمَّمُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَقَالَ فِي
الْجَوْهَرَةِ إنْ كَانَ لَا يَضُرُّهُ إلَّا الْحَرَكَةُ إلَى الْمَاءِ
وَلَا يَضُرُّهُ الْمَاءُ كَالْمَبْطُونِ وَصَاحِبِ الْعِرْقِ
الْمَدِينِيِّ فَإِنْ كَانَ لَا يَجِدُ مَنْ يَسْتَعِينُ بِهِ جَازَ
التَّيَمُّمُ إجْمَاعًا وَإِنْ وَجَدَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ
لَهُ التَّيَمُّمُ أَيْضًا سَوَاءٌ كَانَ الْمُتَيَمِّمُ مِنْ أَهْلِ
طَاعَتِهِ أَوْ لَا وَأَهْلُ طَاعَتِهِ عَبْدُهُ أَوْ وَلَدُهُ أَوْ
أَجِيرُهُ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ كَذَا فِي
التَّأْسِيسِ.
وَفِي الْمُحِيطِ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ طَاعَتِهِ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا
اهـ.
وَإِنْ كَانَ الِاحْتِمَالُ الثَّانِي وَهُوَ أَنَّهُ يَضُرُّهُ الْمَاءُ
وَيَقْدِرُ عَلَى تَنَاوُلِهِ كَمَنْ بِهِ جُدَرِيٌّ أَوْ حُمَّى أَوْ
جِرَاحَةٌ فَهَذَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ إجْمَاعًا كَمَا فِي
الْجَوْهَرَةِ اهـ.
هَذَا وَمَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مَا ذُكِرَ مَعَ الْقُدْرَةِ
عَلَى التَّيَمُّمِ فَإِنْ عَجَزَ أَيْضًا عَنْ التَّيَمُّمِ بِنَفْسِهِ
وَبِغَيْرِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُصَلِّي عَلَى قِيَاسِ أَبِي حَنِيفَةَ
حَتَّى يَقْدِرَ أَيْ عَلَى أَحَدِهِمَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُصَلِّي تَشَبُّهًا وَيُعِيدُ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ
مُضْطَرِبٌ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ: أَوْ بَرْدٍ. . . إلَخْ)
قَالَ فِي الْبَحْرِ: اعْلَمْ أَنَّ جَوَازَ التَّيَمُّمِ لِلْجُنُبِ
عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَشْرُوطٌ بِأَنْ لَا
يَقْدِرَ عَلَى تَسْخِينِ الْمَاءِ وَلَا أُجْرَةِ الْحَمَّامِ فِي
الْمِصْرِ وَلَا يَجِدُ ثَوْبًا يَتَدَفَّى بِهِ وَلَا مَكَانًا يَأْوِيهِ
اهـ.
وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ
لِلْمُحْدِثِ أَيْضًا حَيْثُ لَمْ يَشْتَرِطْ أَنْ يَكُونَ جُنُبًا وَهُوَ
قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ
التَّيَمُّمُ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَقَالَ الْكَمَالُ: وَأَمَّا خَوْفُ
الْمَرَضِ مِنْ الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ فِي الْمِصْرِ عَلَى
قَوْلِهِ هَلْ يُبِيحُ التَّيَمُّمَ كَالْغُسْلِ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ
جَعَلَهُ فِي الْأَسْرَارِ مُبِيحًا.
وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَأَنَّهُ
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ ذَلِكَ الْخَوْفِ بِنَاءً عَلَى
أَنَّهُ مُجَرَّدُ وَهْمٍ إذْ لَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي الْوُضُوءِ
عَادَةً اهـ.
(تَنْبِيهٌ) : عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَوْفِ
غَلَبَةُ الظَّنِّ وَمَعْرِفَتُهُ بِاجْتِهَادِ الْمَرِيضِ،
وَالِاجْتِهَادُ غَيْرُ مُجَرَّدِ الْوَهْمِ بَلْ هُوَ غَلَبَةُ الظَّنِّ
عَنْ أَمَارَةٍ أَوْ تَجْرِبَةٍ أَوْ بِإِخْبَارِ طَبِيبٍ مُسْلِمٍ غَيْرِ
ظَاهِرِ الْفِسْقِ وَقِيلَ عَدَالَتُهُ شَرْطٌ فَلَوْ بَرِئَ مِنْ
الْمَرَضِ لَكِنَّ الضَّعْفَ بَاقٍ وَخَافَ أَنْ يَمْرَضَ سُئِلَ عَنْهُ
الْقَاضِي الْإِمَامُ فَقَالَ: الْخَوْفُ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَمَا وَقَعَ فِي
التَّبْيِينِ الصَّحِيحُ الَّذِي يَخْشَى أَنْ يَمْرَضَ بِالصَّوْمِ فَهُوَ
كَالْمَرِيضِ فَالْمُرَادُ مِنْ الْخَشْيَةِ غَلَبَةُ الظَّنِّ كَذَا فِي
شَرْحِ الْغَزِّيِّ مِنْ الْعَوَارِضِ فِي الصَّوْمِ فَيَكُونُ كَذَلِكَ
هُنَا (قَوْلُهُ: أَوْ عَدُوٍّ أَوْ سَبُعٍ) وَسَوَاءٌ خَافَ عَلَى
نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ أَمَانَتِهِ أَوْ خَافَتْ عَلَى نَفْسِهَا مِنْ
فَاسِقٍ عِنْدَ الْمَاءِ أَوْ خَافَ الْمَدْيُونُ الْمُفْلِسُ مِنْ
الْحَبْسِ بِأَنْ كَانَ الدَّائِنُ عِنْدَ الْمَاءِ وَسَنَذْكُرُ حُكْمَ
الْإِعَادَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
(1/29)
بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ وَإِلْقَاءُ
النَّفْسِ إلَى التَّهْلُكَةِ حَرَامٌ فَيَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ (أَوْ
عَطَشٍ) يَحْصُلُ لَهُ أَوْ لِدَابَّتِهِ (أَوْ عَدَمِ آلَةٍ) كَالدَّلْوِ،
وَالْحَبْلِ (أَوْ خَوْفِ فَوْتِ صَلَاةِ جِنَازَةٍ) لَوْ اشْتَغَلَ
بِالْوُضُوءِ (لِغَيْرِ الْأَوْلَى) يَعْنِي إذَا خَافَ غَيْرُ الْأَوْلَى
بِالْإِمَامَةِ وَهُوَ مَنْ لَا يَكُونُ سُلْطَانًا أَوْ قَاضِيًا أَوْ
وَالِيًا أَوْ إمَامَ الْحَيِّ فَوْتَ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ إنْ اشْتَغَلَ
بِالْوُضُوءِ جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ، وَعِبَارَةُ الْأَوْلَى أَوْلَى
مِنْ الْوَلِيِّ كَمَا لَا يَخْفَى (أَوْ) خَوْفِ فَوْتِ صَلَاةِ (عِيدٍ
وَلَوْ بِنَاءً) أَيْ وَلَوْ كَانَ التَّيَمُّمُ لِلْبِنَاءِ يَعْنِي إذَا
شَرَعَ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ مُتَوَضِّئًا ثُمَّ سَبَقَهُ الْحَدَثُ
وَخَافَ أَنَّهُ إنْ تَوَضَّأَ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ جَازَ لَهُ أَنْ
يَتَيَمَّمَ لِلْبِنَاءِ (لَا) أَيْ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ (لِفَوْتِ
الْوَقْتِيَّةِ، وَالْجُمُعَةِ) لِأَنَّ فَوْتَهُمَا إلَى خَلَفٍ وَهُوَ
الظُّهْرُ، وَالْقَضَاءُ.
(بِنِيَّةِ الصَّلَاةِ أَوْ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ
جَازَ فَالْمُعْتَبَرُ أَنْ يَنْوِيَ عِبَادَةً مَقْصُودَةً لَا تَصِحُّ
إلَّا بِالطَّهَارَةِ حَتَّى لَوْ تَيَمَّمَ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ
لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ أَوْ الْأَذَانِ أَوْ الْإِقَامَةِ لَا يُؤَدِّي
بِهِ الصَّلَاةَ (فَلَغَا) أَيْ إذَا شُرِطَ فِيهِ النِّيَّةُ لَغَا
(تَيَمُّمُ كَافِرٍ لَا وُضُوءٌ) لِأَنَّ الْكَافِرَ لَيْسَ بِأَهْلٍ
لِلنِّيَّةِ، وَالْوُضُوءُ غَيْرُ مَشْرُوطٍ بِهَا فَلَوْ تَوَضَّأَ بِلَا
نِيَّةٍ ثُمَّ أَسْلَمَ جَازَتْ صَلَاتُهُ بِهِ.
(بِضَرْبَتَيْنِ) مُتَعَلِّقٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ: أَوْ عَطَشٍ يَحْصُلُ لَهُ أَوْ لِدَابَّتِهِ) يَعْنِي وَلَوْ
كَانَتْ كَلْبًا أَوْ احْتِيَاجِهِ لِلْعَجْنِ كَالشُّرْبِ لَا اتِّخَاذِ
الْمَرَقِ لِأَنَّ حَاجَةَ الطَّبْخِ دُونَ حَاجَةِ الْعَطَشِ وَرَفِيقُ
الْقَافِلَةِ كَرَفِيقِ الصُّحْبَةِ فَإِنْ امْتَنَعَ صَاحِبُ الْمَاءِ
وَهُوَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ لِلْعَطَشِ كَانَ لِلْمُضْطَرِّ أَخْذُهُ
مِنْهُ قَهْرًا وَمُقَاتَلَتُهُ فَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ صَاحِبَ
الْمَاءِ فَدَمُهُ هَدَرٌ وَلَا قِصَاصَ فِيهِ وَلَا دِيَةَ وَلَا
كَفَّارَةَ وَإِنْ كَانَ الْمُضْطَرَّ فَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْقِصَاصِ أَوْ
الدِّيَةِ أَوْ الْكَفَّارَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ اهـ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ الْمُضْطَرُّ قِيمَةَ الْمَاءِ (قَوْلُهُ: أَوْ
عَدَمِ آلَةٍ) قَالَ فِي الْبَحْرِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يُمْكِنَهُ
إيصَالُ ثَوْبِهِ الطَّاهِرِ إلَيْهِ أَمَّا إذَا أَمْكَنَهُ إيصَالُ
ثَوْبِهِ وَيُخْرِجُ الْمَاءَ قَلِيلًا قَلِيلًا بِالْبَلِّ لَا يَجُوزُ
لَهُ التَّيَمُّمُ اهـ (قَوْلُهُ: لِغَيْرِ الْأَوْلَى) مَشَى عَلَى
الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ
عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ يُنْتَظَرُ وَلَوْ صَلَّوْا لَهُ حَقُّ
الْإِعَادَةِ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: هُوَ الصَّحِيحُ وَفِي ظَاهِرِ
الرِّوَايَةِ يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَيْضًا لِأَنَّ الِانْتِظَارَ فِيهَا
مَكْرُوهٌ وَلَوْ لَمْ يُنْتَظَرْ جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ، قَالَ شَمْسُ
الْأَئِمَّةِ: هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: يَعْنِي
إذَا خَافَ غَيْرُ الْأَوْلَى. . . إلَخْ) .
أَقُولُ وَكَذَا الْأَوْلَى وَقَدْ أَذِنَ لِغَيْرِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ
خَوْفِ فَوْتِ التَّكْبِيرَاتِ كُلِّهَا لَوْ اشْتَغَلَ بِالطَّهَارَةِ
فَإِنْ كَانَ يَرْجُو إدْرَاكَ الْبَعْضِ لَا يَتَيَمَّمُ وَلَا فَرْقَ
بَيْنَ كَوْنِهِ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ
كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَعِبَارَةُ الْأَوْلَى أَوْلَى مِنْ
الْوَلِيِّ كَمَا لَا يَخْفَى) يَعْنِي لِشُمُولِهَا ظَاهِرًا لَكِنْ
أُجِيبَ عَنْ الَّذِي عَبَّرَ بِالْوَلِيِّ أَنَّ كَلَامَهُ شَامِلٌ
أَيْضًا إذْ يُعْلَمُ الْحُكْمُ فِيمَنْ هُوَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ
بِالْأَوْلَى لِأَنَّ الْوَلِيَّ إذَا كَانَ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ
وَهُوَ مُؤَخَّرٌ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ السُّلْطَانِ وَمَا بَعْدَهُ فَمَنْ
هُوَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ أَوْلَى وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ
الْمُصَنِّفُ إنَّمَا هُوَ عَلَى مُخْتَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ
(قَوْلُهُ: أَوْ عِيدٍ) .
قَالَ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنْ تَفُوتَهُ وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يُدْرِكُ
بَعْضَهَا مَعَ الْإِمَامِ لَوْ تَوَضَّأَ لَا يَتَيَمَّمُ وَقَيَّدَهُ
بَعْدَهُ بِقَوْلِهِ وَقَالُوا إذَا كَانَ لَا يَخَافُ الزَّوَالَ
وَيُمْكِنُهُ أَنْ يُدْرِكَ شَيْئًا مِنْهَا مَعَ الْإِمَامِ لَوْ
تَوَضَّأَ لَا يَتَيَمَّمُ إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَ يَخَافُ زَوَالَ
الشَّمْسِ لَوْ اشْتَغَلَ بِالْوُضُوءِ يُبَاحُ لَهُ التَّيَمُّمُ
بِالْإِجْمَاعِ أَيْضًا لِتَصَوُّرِ الْفَوَاتِ بِالْفَسَادِ بِدُخُولِ
الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ، وَالْإِمَامُ فِي الْعِيدِ لَا يَتَيَمَّمُ فِي
رِوَايَةِ الْحَسَنِ.
وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُجْزِيهِ لِأَنَّهُ يَخَافُ الْفَوْتَ
بِزَوَالِ الشَّمْسِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَخَفْ لَا يُجْزِيهِ (قَوْلُهُ:
لِأَنَّ فَوْتَهُمَا إلَى خَلَفٍ وَهُوَ الظُّهْرُ، وَالْقَضَاءُ) إطْلَاقُ
الْخَلْفِيَّةِ فِيهِمَا ظَاهِرٌ بِاعْتِبَارِ تَغْلِيبِ الْقَضَاءِ
وَإِلَّا فَلَا خَلْفِيَّةَ فِي الظُّهْرِ عَنْ الْجُمُعَةِ عَلَى
الْمُخْتَارِ وَأَصْلُ الْإِطْلَاقِ فِي الْهِدَايَةِ وَأَوْرَدَ أَنَّ
هَذَا لَا يَتَأَدَّى إلَّا عَلَى مَذْهَبِ زُفَرَ أَمَّا عَلَى
الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ مِنْ أَنَّ الْجُمُعَةَ خَلَفٌ وَالظُّهْرَ
أَصْلٌ فَلَا وَدَفَعَ بِأَنَّهُ مُتَصَوَّرٌ بِصُورَةِ الْخَلَفِ لِأَنَّ
الْجُمُعَةَ إذَا فَاتَتْ يُصَلِّي الظُّهْرَ فَكَانَ الظُّهْرُ خَلَفًا
صُورَةً أَصْلًا مَعْنًى وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي النَّافِعِ فَقَالَ
لِأَنَّهَا تَفُوتُ إلَى مَا يَقُومُ مَقَامَهَا وَهُوَ الْأَصْلُ اهـ.
(قَوْلُهُ: بِنِيَّةِ الصَّلَاةِ) أَقُولُ وَلَوْ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ
وَنِيَّةُ الطَّهَارَةِ أَوْ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ تُجْزِيهِ وَلَا
يُشْتَرَطُ نِيَّةُ التَّيَمُّمِ لِلْحَدَثِ أَوْ الْجَنَابَةِ هُوَ
الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ لَهُ فِي الْهِدَايَةِ.
وَذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ وَلَوْ مَسَحَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ يُرِيدُ
التَّيَمُّمَ جَازَتْ الصَّلَاةُ بِهِ وَقَالُوا لَوْ تَيَمَّمَ يُرِيدُ
بِهِ تَعْلِيمَ الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ
أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ فَعَلَى هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ الْمُعْتَبَرُ
مُجَرَّدُ نِيَّةِ التَّيَمُّمِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: أَوْ
سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ) أَقُولُ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ مَقْصُودَةٌ هُنَا
لِكَوْنِهَا مَشْرُوعَةً ابْتِدَاءً يُعْقَلُ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ،
وَقَوْلُهُمْ فِي الْأُصُولِ إنَّهَا لَيْسَتْ بِقُرْبَةٍ مَقْصُودَةٍ
فَالْمُرَادُ أَنَّهَا لَيْسَتْ مَقْصُودَةً لِعَيْنِهَا بَلْ لِإِظْهَارِ
مُخَالَفَةِ الْمُسْتَنْكِفِينَ مِنْ الْكُفَّارِ وَلِذَا أُدِّيَتْ فِي
ضِمْنِ الرُّكُوعِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: فَلَغَا تَيَمُّمُ
كَافِرٍ) أَقُولُ وَلَوْ أَرَادَ بِهِ الْإِسْلَامَ فِي الْأَصَحِّ
عِنْدَهُمَا وَيَعْتَبِرُهُ أَبُو يُوسُفَ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ.
(قَوْلُهُ: بِضَرْبَتَيْنِ) يَعْنِي بِبَاطِنِ الْكَفَّيْنِ كَمَا فِي
الْبَحْرِ وَلَوْ فِي مَكَان وَاحِدٍ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي
الْبُرْهَانِ ثُمَّ التَّعْبِيرُ بِالضَّرْبِ يُفِيدُ أَنَّهُ رُكْنٌ
وَمُقْتَضَاهُ بُطْلَانُ الضَّرْبِ بِالْحَدَثِ قَبْلَ الْمَسْحِ
كَبُطْلَانِ بَعْضِ الْوُضُوءِ بِالْحَدَثِ وَبِهِ قَالَ السَّيِّدُ أَبُو
شُجَاعٍ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَسْتَعْمِلُ ذَلِكَ التُّرَابَ
كَذَا اخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَقَالَ الْقَاضِي
الْإِسْبِيجَابِيُّ: يَجُوزُ كَمَنْ مَلَأَ كَفَّيْهِ مَاءً فَأَحْدَثَ
ثُمَّ اسْتَعْمَلَهُ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ عَدَمُ اعْتِبَارِ
ضَرْبَةِ
(1/30)
أَيْضًا بِجَازِ (إنْ اسْتَوْعَبَتَا) أَيْ
الضَّرْبَتَانِ، وَالْمُرَادُ الْيَدَانِ الْمَضْرُوبَتَانِ عَلَى
الْأَرْضِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا نَقْعٌ (وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ
بِمِرْفَقَيْهِ) حَتَّى لَوْ بَقِيَ شَيْءٌ قَلِيلٌ لَا يَجْزِيهِ
(وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَسْتَوْعِبَا (فَثَالِثَةٌ) أَيْ يَلْزَمُ
ضَرْبَةٌ ثَالِثَةٌ لِيَحْصُلَ الِاسْتِيعَابُ بِالنَّقْعِ أَوْ الْيَدِ
الْمَضْرُوبَةِ عَلَى الْأَرْضِ إنْ لَمْ يَكُنْ، فَعَلَى هَذَا لَا يَرِدُ
مَا يَرُدُّ عَلَى قَوْلِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ ثُمَّ إذَا لَمْ يَدْخُلْ
الْغُبَارُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُخَلِّلَ أَصَابِعَهُ
فَيَحْتَاجُ إلَى ضَرْبَةٍ ثَالِثَةٍ لِتَخْلِيلِهَا مِنْ أَنَّ هَذَا
يَقْتَضِي اشْتِرَاطَ النَّقْعِ وَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَهُ وَلَوْ
بِلَا نَقْعٍ فَتَدَبَّرْ (عَلَى طَاهِرٍ) مُتَعَلِّقٌ بِضَرْبَتَيْنِ
(مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ) كَالتُّرَابِ، وَالرَّمْلِ، وَالْحَجَرِ،
وَالْكُحْلِ، وَالزِّرْنِيخِ، وَالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ الْمُخْتَلِطَيْنِ
بِالتُّرَابِ أَوْ حِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ عَلَيْهِمَا غُبَارٌ وَيَخْرُجُ
عَنْهُ الْمِلْحُ الْمَائِيُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ
(وَهُوَ لَا يَنْطَبِعُ) أَيْ لَا يَلِينُ احْتِرَازًا عَنْ الذَّهَبِ،
وَالْفِضَّةِ، وَالْحَدِيدِ وَنَحْوِهَا (وَلَا يَتَرَمَّدُ) أَيْ لَا
يَصِيرُ رَمَادًا (بِالِاحْتِرَاقِ) كَالشَّجَرِ وَذَلِكَ لِأَنَّ
الصَّعِيدَ اسْمٌ لِوَجْهِ الْأَرْضِ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ اللُّغَةِ فَلَا
يَتَنَاوَلُ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهَا أَوْ يَنْطَبِعُ أَوْ يَتَرَمَّدُ
(وَلَوْ) كَانَ ذَلِكَ الطَّاهِرُ (بِلَا نَقْعٍ) أَيْ غُبَارٍ
(وَعَلَيْهِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ عَلَى طَاهِرٍ، وَالضَّمِيرُ
لِلنَّقْعِ أَيْ وَبِضَرْبَتَيْنِ عَلَى النَّقْعِ (بِلَا عَجْزٍ) عَنْ
الصَّعِيدِ كَمَا إذَا كَنَسَ دَارًا أَوْ هَدَمَ حَائِطًا أَوْ كَالَ
حِنْطَةً فَأَصَابَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ غُبَارٌ فَمَسَحَ جَازَ حَتَّى
إذَا لَمْ يَمْسَحْ لَمْ يَجُزْ.
(وَيَجِبُ طَلَبُهُ) أَيْ الْمَاءِ (غَلْوَةً) وَهِيَ مِقْدَارُ
ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ إلَى أَرْبَعِمِائَةٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ
إذَا كَانَ الْمَاءُ بِحَيْثُ لَوْ ذَهَبَ إلَيْهِ وَتَوَضَّأَ ذَهَبَتْ
الْقَافِلَةُ وَتَغِيبُ عَنْ بَصَرِهِ كَانَ بَعِيدًا جَازَ لَهُ
التَّيَمُّمُ وَاسْتَحْسَنَهُ صَاحِبُ الْمُحِيطِ (إنْ ظَنَّ قُرْبَهُ)
أَيْ الْمَاءِ (وَإِلَّا فَلَا) يَجِبُ طَلَبُهُ (وَنُدِبَ لِرَاجِيهِ)
أَيْ الْمَاءِ (تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ آخِرَ الْوَقْتِ) فَلَوْ صَلَّى
بِالتَّيَمُّمِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ، وَالْوَقْتُ
بَاقٍ لَا يُعِيدُهَا.
(وَضَعَهُ) أَيْ الْمَاءَ (فِي رَحْلِهِ أَوْ أَمَرَ) غَيْرَهُ (بِهِ) أَيْ
بِوَضْعِهِ فِيهِ (وَنَسِيَ فَصَلَّى بِهِ) أَيْ بِالتَّيَمُّمِ (لَمْ
يُعِدْ) الصَّلَاةَ (إلَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَلَوْ) وَضَعَهُ
(غَيْرُهُ بِلَا عِلْمِهِ فَقِيلَ جَازَ) التَّيَمُّمُ (وِفَاقًا وَقِيلَ)
هُوَ أَيْضًا (مُخْتَلَفٌ فِيهِ، طَلَبَهُ مِنْ رَفِيقِهِ فَإِنْ مَنَعَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
الْأَرْضِ مِنْ مُسَمَّى التَّيَمُّمِ شَرْعًا فَإِنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ
الْمَسْحُ لَيْسَ غَيْرُ فِي الْكِتَابِ قَالَ تَعَالَى {فَتَيَمَّمُوا
صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ} [النساء: 43] وَيُحْمَلُ
قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «التَّيَمُّمُ
ضَرْبَتَانِ» إمَّا عَلَى إرَادَةِ الْأَعَمِّ مِنْ الْمَسْحَتَيْنِ كَمَا
قُلْنَا أَوْ أَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ،
قَالَهُ الْكَمَالُ (قَوْلُهُ: إنْ اسْتَوْعَبَتَا) قَالَ فِي الْبَحْرِ:
وَيُشْتَرَطُ الْمَسْحُ بِجَمِيعِ الْيَدِ أَوْ بِأَكْثَرِهَا حَتَّى لَوْ
مَسَحَ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ أَوْ بِأُصْبُعَيْنِ لَا يَجُوزُ وَلَوْ
كَرَّرَ الْمَسْحَ حَتَّى اسْتَوْعَبَ بِخِلَافِ الرَّأْسِ،
وَالِاسْتِيعَابُ فَرْضٌ لَازِمٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ
أَصْحَابِنَا حَتَّى لَوْ تَرَكَ قَلِيلًا مِنْ مَوَاضِعِ التَّيَمُّمِ لَا
يَجُوزُ وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى
فَيَلْزَمُهُ تَخْلِيلُ الْأَصَابِعِ وَنَزْعُ الْخَاتَمِ أَوْ تَحْرِيكُهُ
وَيَمْسَحُ تَحْتَ الْحَاجِبَيْنِ وَمُوقِ الْعَيْنَيْنِ وَمِنْ وَجْهِهِ
ظَاهِرَ الْبَشَرَةِ، وَالشَّعْرَ عَلَى الصَّحِيحِ.
وَفِي السِّرَاجِ لَا يَجِبُ مَسْحُ اللِّحْيَةِ وَلَا الْجَبِيرَةِ اهـ.
(قَوْلُهُ: أَوْ الْيَدُ الْمَضْرُوبَةُ عَلَى الْأَرْضِ إنْ لَمْ يَكُنْ)
فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ عَدَمَ النَّقْعِ شَرْطٌ وَلَيْسَ
كَذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: فَعَلَى هَذَا لَا يَرِدُ. . . إلَخْ)
.
أَقُولُ بَلْ عَلَى هَذَا يَرِدُ كَمَا عَلِمْت مِمَّا ذَكَرْنَاهُ عَلَى
الْمُصَنِّفِ أَيْضًا (قَوْلُهُ: وَيَخْرُجُ عَنْهُ الْمِلْحُ الْمَائِيُّ)
أَقُولُ وَعَدَمُ الْجَوَازِ بِالْمَائِيِّ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ
وَمَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ جَوَازُهُ بِالْجَبَلِيِّ وَفِيهِ
رِوَايَتَانِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَصَحَّحَ كُلًّا مِنْ
الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْخُلَاصَةِ.
وَفِي التَّجْنِيسِ الْفَتْوَى عَلَى الْجَوَازِ بِالْجَبَلِيِّ قَالَهُ
صَاحِبُ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: فَلَا يَتَنَاوَلُ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهَا
أَوْ يَنْطَبِعُ أَوْ يَتَرَمَّدُ) فِي الْعَطْفِ بِأَوْ تَسَامُحٌ فَكَانَ
يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِالْوَاوِ لِأَنَّهُ عَطْفُ خَاصٍّ (قَوْلُهُ:
أَيْ وَبِضَرْبَتَيْنِ عَلَى النَّقْعِ) إنْ كَانَ مَشْيًا عَلَى الْقَوْلِ
بِأَنَّ الضَّرْبَ مِنْ مُسَمَّى التَّيَمُّمِ فَاعْتِبَارُ الضَّرْبَةِ
أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهَا عَلَى الْأَرْضِ أَوْ الْعُضْوِ لِلتَّمْثِيلِ لَهُ
بِقَوْلِهِ كَمَا إذَا كَنَسَ دَارًا. . . إلَخْ وَإِنْ عَلَى أَنَّهُ
لَيْسَ مِنْ مُسَمَّاهُ فَظَاهِرٌ.
(قَوْلُهُ: وَيَجِبُ طَلَبُ الْمَاءِ غَلْوَةً) يَعْنِي يُفْتَرَضُ لِمَا
قَالَ قَاضِي خَانْ وَهَلْ يُشْتَرَطُ لِجَوَازِهِ طَلَبُ الْمَاءِ فِي
الْعُمْرَانَاتِ يُشْتَرَطُ وَفِي الْفَلَوَاتِ لَا يُشْتَرَطُ إلَّا أَنْ
يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّ الْمُسَافِرِ أَنَّهُ لَوْ طَلَبَ الْمَاءَ يَجِدُهُ
أَوْ خُبِّرَ بِذَلِكَ فَحِينَئِذٍ يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ يَمِينًا
وَيَسَارًا عَلَى قَدْرِ غَلْوَةٍ اهـ.
وَقَيَّدَ الْمُخْبِرَ فِي الْبَدَائِعِ بِالْعَدْلِ وَقَالَ فِي
الْبُرْهَانِ: وَقُدِّرَ الطَّلَبُ بِغَلْوَةٍ مِنْ جَانِبِ ظَنِّهِ
وَطَلَبُ وُصُولِهِ كَطَلَبِهِ (قَوْلُهُ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ. . .
إلَخْ) .
أَقُولُ كَانَ حَقُّهُ أَنْ يَذْكُرَهُ عِنْدَ قَوْلِهِ لِبُعْدِهِ مِيلًا
كَمَا قَدَّمْنَاهُ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْحَدِّ الْفَاصِلِ
بَيْنَ الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ خِلَافًا فِي هَذَا
الْمَحَلِّ كَالْمُصَنِّفِ بَلْ ثَمَّةَ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ)
أَقُولُ وَكَانَ مُسْتَحَبًّا كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَنُدِبَ
لِرَاجِيهِ. . . إلَخْ) يَعْنِي فِي الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ كَالطَّامِعِ
فِي الْجَمَاعَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فِي غَيْرِ
رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّ التَّأْخِيرَ حَتْمٌ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ.
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ هُوَ أَيْضًا مُخْتَلَفٌ فِيهِ) قَالَهُ فِي الْكَافِي
وَذِكْرُ الْمَاءِ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ سَوَاءٌ (قَوْلُهُ: طَلَبَهُ
مِنْ رَفِيقِهِ) أَطْلَقَهُ تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ، وَالْكَنْزِ وَقَدْ
فَصَّلَ صَاحِبُهُ فِي الْكَافِي فَقَالَ مَعَ رَفِيقِهِ مَاءٌ فَظَنَّ
أَنَّهُ إنْ سَأَلَ أَعْطَاهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّيَمُّمُ وَإِنْ كَانَ
عِنْدَهُ أَنَّهُ لَا يُعْطِيهِ تَيَمَّمَ، وَإِنْ شَكَّ فِي الْإِعْطَاءِ
وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى فَسَأَلَهُ
(1/31)
أَوْ أَعْطَاهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ
الْمِثْلِ أَوْ) أَعْطَاهُ (بِهِ) أَيْ بِثَمَنِ الْمِثْلِ (وَهُوَ لَيْسَ
عِنْدَهُ تَيَمَّمَ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْهُ أَوْ أَعْطَاهُ
بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَهُوَ عِنْدَهُ (فَلَا) يَتَيَمَّمُ (وَقَبْلَهُ) أَيْ
قَبْلَ طَلَبِهِ مِنْهُ (قِيلَ جَازَ) التَّيَمُّمُ اخْتَارَهُ فِي
الْهِدَايَةِ (وَقِيلَ لَا) اخْتَارَهُ فِي الْمَبْسُوطِ.
(وَلَمْ يَجُزْ) التَّيَمُّمُ (عَلَى أَرْضٍ تَنَجَّسَتْ وَزَالَ
أَثَرُهَا) لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ طَيِّبَةً وَإِنْ طَهُرَتْ (بِخِلَافِ
الصَّلَاةِ) إذْ الطَّهَارَةُ كَافِيَةٌ فِيهَا.
(وَنَاقِضُهُ نَاقِضُ الْوُضُوءِ) لِأَنَّهُ خَلَفُهُ (وَالْقُدْرَةُ)
عَلَى مَاءٍ (كَافٍ) لِطُهْرِهِ لِأَنَّ الْحَدَثَ السَّابِقَ يَظْهَرُ
حِينَئِذٍ فَتَنْتَهِي طَهُورِيَّةُ التُّرَابِ لِأَنَّهُ مِنْ أَسْبَابِ
النَّقْضِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخُرُوجِ نَجِسٍ لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا
فَإِذَا قَدَرَ عَلَى الْمَاءِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ ثُمَّ عَدِمَهُ أَعَادَ
التَّيَمُّمَ، وَإِذَا اغْتَسَلَ الْجُنُبُ وَلَمْ يَصِلْ الْمَاءُ
ظَهْرَهُ مَثَلًا وَفَنِيَ الْمَاءُ وَأَحْدَثَ حَدَثًا يُوجِبُ الْوُضُوءَ
فَتَيَمَّمَ لَهُمَا ثُمَّ وَجَدَ مِنْ الْمَاءَ مَا يَكْفِيهِمَا بَطَلَ
تَيَمُّمُهُ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَكْفِ
لِأَحَدِهِمَا بَقِيَ فِي حَقِّهِمَا، وَإِنْ كَفَى لِأَحَدِهِمَا
بِعَيْنِهِ غَسَلَهُ وَبَقِيَ التَّيَمُّمُ فِي حَقِّ الْآخَرِ، وَإِنْ
كَفَى لِكُلٍّ مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا غَسَلَ اللُّمْعَةَ لِأَنَّ
الْجَنَابَةَ أَغْلَظُ (فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ) فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ
مَشْغُولًا بِهَا كَدَفْعِ الْعَطَشِ كَانَ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ.
(وَ) نَاقِضُهُ أَيْضًا (مُرُورُ النَّاعِسِ بِهِ) أَيْ بِالتَّيَمُّمِ
(عَلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
فَأَعْطَاهُ يُعِيدُ لِأَنَّهُ كَانَ قَادِرًا، وَإِنْ مَنَعَهُ قَبْلَ
شُرُوعِهِ وَأَعْطَاهُ بَعْدَ فَرَاغِهِ لَمْ يُعِدْ لِأَنَّهُ لَمْ
يَتَبَيَّنْ أَنَّ الْقُدْرَةَ كَانَتْ ثَابِتَةً اهـ.
وَفِي الْبَحْرِ الْغَالِبُ عَدَمُ الضِّنَةِ بِالْمَاءِ حَتَّى لَوْ كَانَ
فِي مَوْضِعٍ تَجْرِي الضِّنَّةُ عَلَيْهِ لَا يَجِبُ الطَّلَبُ مِنْهُ
اهـ.
(قَوْلُهُ: وَأَعْطَاهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ) يَعْنِي بِمَا
لَا يُتَغَابَنُ فِيهِ وَهُوَ ضِعْفُ الْقِيمَةِ فِي رِوَايَةِ
النَّوَادِرِ وَقِيلَ شَطْرُهُ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ وَقِيلَ مَا لَا
يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ (قَوْلُهُ: وَهُوَ لَيْسَ
عِنْدَهُ) يَعْنِي فَاضِلًا عَنْ نَفَقَتِهِ (قَوْلُهُ: اخْتَارَهُ فِي
الْهِدَايَةِ) أَقُولُ عِبَارَةُ الْهِدَايَةِ: وَلَوْ تَيَمَّمَ قَبْلَ
الطَّلَبِ أَجْزَأَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الطَّلَبُ مِنْ مِلْكِ الْغَيْرِ وَقَالَا لَا
يُجْزِيهِ لِأَنَّ الْمَاءَ مَبْذُولٌ عَادَةً اهـ.
فَتَأَمَّلْ وَفِي الْبُرْهَانِ، وَالْأَظْهَرُ قَوْلُهُمَا وَقَالَ
الْكَمَالُ وَعِنْدَ الْجَصَّاصِ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فَمُرَادُ أَبِي
حَنِيفَةَ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ مَنْعُهُ، وَمُرَادُهُمَا: إذَا ظَنَّ
عَدَمَ الْمَنْعِ اهـ.
وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ بَعْدَ ذِكْرِهِ وَلِهَذَا لَمْ يَحْكِ فِي
الْكَافِي خِلَافًا، وَذَكَرَ عِبَارَتَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهَا.
[التَّيَمُّم عَلَى أَرْض نَجِسَة]
(قَوْلُهُ: وَلَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ عَلَى أَرْضٍ. . . إلَخْ)
سَيَذْكُرُهَا أَيْضًا فِي بَابِ تَطْهِيرِ الْأَنْجَاسِ.
[نَوَاقِض التَّيَمُّم]
(قَوْلُهُ: وَيَنْقُضُهُ نَاقِضُ الْوُضُوءِ) يَعْنِي فَإِنْ كَانَ
تَيَمَّمَ لِحَدَثٍ ثُمَّ أَحْدَثَ أَعَادَهُ وَإِنْ كَانَ لِجَنَابَةٍ
ثُمَّ أَجْنَبَ عَلَيْهِ إعَادَتُهُ لَهَا وَإِنْ أَحْدَثَ حَدَثًا يُوجِبُ
الْوُضُوءَ فَإِنَّ تَيَمُّمَهُ يَنْتَقِضُ بِاعْتِبَارِ الْحَدَثِ
فَثَبَتَ أَحْكَامُ الْحَدَثِ لَا أَحْكَامُ الْجَنَابَةِ فَإِنَّهُ
مُحْدِثٌ لَا جُنُبٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ خَلَفُهُ) قَالَ فِي الْبَحْرِ
اعْلَمْ أَنَّ التَّيَمُّمَ بَدَلٌ بِلَا شَكٍّ اتِّفَاقًا لَكِنْ
اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْبَدَلِ فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا
لِأَصْحَابِنَا مَعَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَذَكَرَهُ ثُمَّ
قَالَ الثَّانِي الْخِلَافُ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
وَأَبِي يُوسُفَ الْبَدَلِيَّةُ بَيْنَ الْمَاءِ، وَالتُّرَابِ.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بَيْنَ الْفِعْلَيْنِ وَهُمَا التَّيَمُّمُ،
وَالْوُضُوءُ وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ جَوَازُ اقْتِدَاءِ الْمُتَوَضِّئِ
بِالْمُتَيَمِّمِ فَأَجَازَاهُ وَمَنَعَهُ وَسَيَأْتِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ
تَعَالَى اهـ.
(قَوْلُهُ: وَقُدْرَةُ مَاءٍ) لَوْ قَالَ وَزَوَالُ مَا أَبَاحَ
التَّيَمُّمَ لَكَانَ أَظْهَرَ فِي الْمُرَادِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ
الْحَدَثَ السَّابِقَ يَظْهَرُ حِينَئِذٍ. . . إلَخْ)
قَالَ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ قَوْلُهُمْ إنَّ الْحَدَثَ السَّابِقَ نَاقِضٌ
حَقِيقَةً لَا يُنَاسِبُ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ
التَّيَمُّمَ عِنْدَهُمَا لَيْسَ بِطَهَارَةٍ ضَرُورِيَّةٍ وَلَا خَلَفٌ
عَنْ الْوُضُوءِ بَلْ هُوَ أَحَدُ نَوْعَيْ الطَّهَارَةِ فَكَيْفَ يَصِحُّ
أَنْ يُقَالَ عَمِلَ الْحَدَثُ السَّابِقُ عَمَلَهُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ
فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ لَمَّا كَانَ عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ
شَرْطًا لِمَشْرُوعِيَّةِ التَّيَمُّمِ وَحُصُولِ الطَّهَارَةِ فَعِنْدَ
وُجُودِهَا لَمْ يَبْقَ مَشْرُوعًا فَانْتَفَى لِأَنَّ انْتِفَاءَ
الشَّرْطِ يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ الْمَشْرُوطِ، وَالْمُرَادُ بِالنَّقْضِ
انْتِفَاؤُهُ كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَفَى لِأَحَدِهِمَا
بِعَيْنِهِ) يَعْنِي وَلَمْ يَكْفِ الْآخَرَ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَفَى
لِكُلٍّ مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا) يَعْنِي غَيْرَ عَيْنٍ بِأَنْ كَانَ
يَكْفِي هَذَا فَقَطْ أَوْ الْآخَرَ فَقَطْ (قَوْلُهُ: غَسَلَ اللُّمْعَةَ)
كَذَا فِي الْكَافِي ثُمَّ قَالَ وَأَعَادَ تَيَمُّمَهُ لِلْحَدَثِ عِنْدَ
مُحَمَّدٍ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْمَاءِ، وَوُجُوبُ صَرْفِهِ إلَى
الْجَنَابَةِ لَا يُنَافِي قُدْرَتَهُ عَلَى صَرْفِهِ إلَى الْحَدَثِ
وَلِهَذَا لَوْ صَرَفَهُ إلَى الْوُضُوءِ جَازَ وَيَتَيَمَّمُ
لِجَنَابَتِهِ اتِّفَاقًا.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُعِيدُ لِأَنَّهُ
مُسْتَحِقٌّ الصَّرْفَ إلَى اللُّمْعَةِ، وَالْمُسْتَحِقُّ بِجِهَةٍ
كَالْمَعْدُومِ وَتَمَامُهُ فِيهِ فَلْيُرَاجِعْهُ مَنْ رَامَهُ (قَوْلُهُ:
فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مَشْغُولًا بِهَا لِدَفْعِ الْعَطَشِ) أَقُولُ كَذَا
هُوَ بِصُورَةِ اللَّامِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِالْكَافِ وَالدَّالِّ
لِيَشْمَلَ احْتِيَاجَهُ لِلْعَجِينِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ.
(قَوْلُهُ: وَنَاقِضُهُ أَيْضًا مُرُورُ النَّاعِسِ) هَذَا عِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ وَأَبْقَيَا تَيَمُّمَهُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُ كَمَا فِي
الْبُرْهَانِ، وَالْمَجْمَعِ، وَالْمُخْتَارُ فِي الْفَتْوَى عَدَمُ
الِانْتِقَاضِ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ لَوْ تَيَمَّمَ وَبِقُرْبِهِ مَاءٌ لَا
يَعْلَمُ بِهِ جَازَ تَيَمُّمُهُ اتِّفَاقًا قَالَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ
التَّوْشِيحِ.
وَفِي الْبُرْهَانِ قَالَ فِي التَّجْنِيسِ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ وَفِي
جَنْبِهِ بِئْرٌ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ جَازَ فِي قَوْلِهِمْ وَلَوْ كَانَ
عَلَى شَاطِئِ النَّهْرِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ
رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ لَا يَجُوزُ اعْتِبَارًا بِالْإِدَاوَةِ
الْمُعَلَّقَةِ فِي عُنُقِهِ وَفِي أُخْرَى يَجُوزُ لِأَنَّهُ غَيْرُ
قَادِرٍ إذْ لَا قُدْرَةَ بِدُونِ الْعِلْمِ وَقِيلَ هُوَ قَوْلُ أَبِي
حَنِيفَةَ وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ.
فَإِذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بِجَوَازِهِ لِمُسْتَيْقِظٍ عَلَى شَاطِئِ
نَهْرٍ لَا يَعْلَمُ بِهِ فَكَيْفَ يَقُولُ بِانْتِقَاضِ تَيَمُّمِ
الْمَارِّ بِهِ مَعَ تَحَقُّقِ غَفْلَتِهِ اهـ.
مَا فِي الْبُرْهَانِ تَبَعًا لِلْكَمَالِ قُلْت لَكِنْ رُبَّمَا يُفَرِّقُ
الْإِمَامُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ النَّوْمَ فِي حَالَةِ السَّفَرِ عَلَى
وَجْهٍ لَا يَشْعُرُ بِالْمَاءِ نَادِرٌ خُصُوصًا عَلَى وَجْهٍ لَا
تَخَلَّلَهُ الْيَقَظَةُ
(1/32)
الْمَاءِ) حَتَّى لَوْ مَرَّ النَّائِمُ
بِهِ يَنْتَقِضُ تَيَمُّمُهُ بِالنَّوْمِ لَا بِالْمُرُورِ عَلَى الْمَاءِ
(كَالْمُسْتَيْقِظِ) أَيْ كَانْتِقَاضِهِ بِمُرُورِ الْمُسْتَيْقِظِ بِهِ
عَلَى الْمَاءِ (لَا الرِّدَّةُ) فَإِنَّهَا لَا تَنْقُضُ حَتَّى إذَا
تَيَمَّمَ الْمُسْلِمُ ثُمَّ ارْتَدَّ، وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ مِنْهُ
ثُمَّ أَسْلَمَ صَحَّتْ صَلَاتُهُ بِهِ (جُرِحَ أَكْثَرُهُ) أَيْ لَوْ
كَانَ أَكْثَرُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ مِنْهُ مَجْرُوحًا فِي الْحَدَثِ
الْأَصْغَرِ أَوْ أَكْثَرُ جَمِيعِ بَدَنِهِ فِي الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ
(تَيَمَّمَ) لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ
لَمْ يَكُنْ أَكْثَرُهُ مَجْرُوحًا (غَسَلَ) الْأَعْضَاءَ فِي الْوُضُوءِ،
وَالْغُسْلِ (وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ التَّيَمُّمِ،
وَالْغُسْلِ لِأَنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَ الْبَدَلِ، وَالْمُبْدَلِ مِنْهُ
وَلَا نَظِيرَ لَهُ فِي الشَّرْعِ وَلَوْ كَانَ بِأَكْثَرِ مَوَاضِعِ
الْوُضُوءِ جِرَاحَةً يَضُرُّهَا الْمَاءُ وَبِأَكْثَرِ مَوَاضِعِ
التَّيَمُّمِ جِرَاحَةً يَضُرُّهَا التَّيَمُّمُ لَا يُصَلِّي.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَغْسِلُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَيُصَلِّي وَيُعِيدُ
كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ (الْمَانِعُ) مِنْ الْوُضُوءِ (لَوْ) كَانَ
(مِنْ) قِبَلِ (الْعِبَادِ) كَأَسِيرٍ يَمْنَعُهُ الْكُفَّارُ مِنْ
الْوُضُوءِ وَمَحْبُوسٍ فِي السِّجْنِ وَمَنْ قِيلَ لَهُ إنْ تَوَضَّأْت
قَتَلْتُك (جَازَ لَهُ) التَّيَمُّمُ (وَيُعِيدُهَا) أَيْ الصَّلَاةَ (إذَا
زَالَ) الْمَانِعُ.
(بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ) (جَازَ بِالسُّنَّةِ) الْمَشْهُورَةِ
فَيَجُوزُ بِهَا الزِّيَادَةُ عَلَى الْكِتَابِ فَإِنَّ مُوجَبَهُ غَسْلُ
الرِّجْلَيْنِ وَيَكُونُ مَنْ لَمْ يَرَهُ مُبْتَدِعًا لَكِنْ مَنْ رَآهُ
وَلَمْ يَمْسَحْ آخِذًا بِالْعَزِيمَةِ كَانَ مُثَابًا قَالَ فِي الْكَافِي
فَإِنْ قُلْت هَذِهِ رُخْصَةُ إسْقَاطٍ لِمَا عُرِفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ
فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُثَابَ بِإِتْيَانِ الْعَزِيمَةِ إذْ لَا تَبْقَى
الْعَزِيمَةُ مَشْرُوعَةً إذَا كَانَتْ الرُّخْصَةُ لِلْإِسْقَاطِ كَمَا
فِي قَصْرِ الصَّلَاةِ قُلْنَا الْعَزِيمَةُ لَمْ تَبْقَ مَشْرُوعَةً مَا
دَامَ مُتَخَفِّفًا، وَالثَّوَابُ بِاعْتِبَارِ النَّزْعِ، وَالْغَسْلِ
وَإِذَا نَزَعَ صَارَتْ مَشْرُوعَةً.
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ هَذَا سَهْوٌ فَإِنَّ الْغَسْلَ مَشْرُوعٌ وَإِنْ
لَمْ يَنْزِعْ خُفَّيْهِ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ يَبْطُلُ مَسْحُهُ إذَا خَاضَ
الْمَاءَ وَدَخَلَ فِي الْخُفِّ حَتَّى انْغَسَلَ أَكْثَرُ رِجْلَيْهِ
وَلَوْلَا أَنَّ الْغَسْلَ مَشْرُوعٌ لَمَا بَطَلَ بِغَسْلِ الْبَعْضِ مِنْ
غَيْرِ نَزْعٍ وَكَذَا لَوْ تَكَلَّفَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ مِنْ غَيْرِ
نَزْعِ الْخُفِّ أَجْزَأَهُ عَنْ الْغَسْلِ حَتَّى لَا يَبْطُلُ
بِانْقِضَاءِ الْمُدَّةِ أَقُولُ الْقَوْلُ بِأَنَّ هَذَا سَهْوٌ سَهْوٌ
لِأَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْكَافِي بِالْمَشْرُوعِيَّةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
الْمُشْعِرَةُ بِالْمَاءِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ نَوْمُهُ فَجُعِلَ
كَالْيَقْظَانِ حُكْمًا أَوْ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ مِنْهُ وَلَا كَذَلِكَ
الَّذِي لَمْ يَعْلَمْ بِالْمَاءِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْهُ يُؤَيِّدُهُ
قَوْلُ الْهِدَايَةِ، وَالنَّائِمُ قَادِرٌ تَقْدِيرًا عِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ اهـ.
(قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ مَرَّ بِهِ نَائِمٌ يَنْتَقِضُ تَيَمُّمُهُ
بِالنَّوْمِ لَا بِالْمُرُورِ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا خَاصٌّ
بِالْمُحْدِثِ الْغَيْرِ الْمُتَمَكِّنِ أَمَّا لَوْ كَانَ جُنُبًا أَوْ
مُحْدِثًا مُتَمَكِّنًا فَالنَّقْضُ بِالْمُرُورِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ
(قَوْلُهُ: أَيْ لَوْ كَانَ أَكْثَرُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ مِنْهُ
مَجْرُوحًا فِي الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ) أَقُولُ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي
حَدِّ الْكَثْرَةِ، فَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَهَا مِنْ حَيْثُ عَدَدُ
الْأَعْضَاءِ فَلَوْ كَانَ بِرَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ جِرَاحَةٌ
وَالرِّجْلُ لَا جِرَاحَةَ بِهَا يَتَيَمَّمُ سَوَاءٌ كَانَ الْأَكْثَرُ
مِنْ الْأَعْضَاءِ الْجَرِيحَةِ جَرِيحًا أَوْ صَحِيحًا وَمِنْهُمْ مَنْ
اعْتَبَرَهَا فِي نَفْسِ كُلِّ عُضْوٍ فَإِذَا كَانَ الْأَكْثَرُ مِنْ
كُلِّ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ جَرِيحًا فَهُوَ الْكَثِيرُ
الَّذِي يَجُوزُ مَعَهُ التَّيَمُّمُ وَإِلَّا فَلَا كَذَا فِي
الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَكْثَرُهُ
مَجْرُوحًا. . . إلَخْ) شَامِلٌ لِمَا إذَا تَسَاوَى الْجَرِيحُ
وَالصَّحِيحُ وَلِمَا إذَا كَانَ الْأَكْثَرُ صَحِيحًا وَعَلَيْهِ مَشَى
قَاضِي خَانْ فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ اسْتَوَى الْجَرِيحُ، وَالصَّحِيحُ
تَكَلَّمُوا فِيهِ، قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَسْقُطُ غَسْلُ الصَّحِيحِ،
وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ اهـ.
وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمُسَاوِيَ كَالْغَالِبِ
فَيَتَيَمَّمُ اهـ.
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَهُوَ أَشْبَهُ (قَوْلُهُ: غَسَلَ الْأَعْضَاءَ
فِي الْوُضُوءِ، وَالْغُسْلِ) أَقُولُ الْمُرَادُ غَسَلَ الْأَعْضَاءَ
الصَّحِيحَةَ وَأَمَّا الْجَرِيحَةُ فَإِنَّهُ يَمْسَحُ عَلَيْهَا إنْ لَمْ
يَضُرَّهُ وَعَلَى الْخِرْقَةِ إنْ ضَرَّهُ (قَوْلُهُ: الْمَانِعُ مِنْ
الْوُضُوءِ. . . إلَخْ) أَقُولُ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ
قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُعِيدُ وَتَقَدَّمَ ثُمَّ وَقَعَ
الِاخْتِلَافُ فِي الْخَوْفِ مِنْ الْعَدُوِّ وَهَلْ هُوَ مِنْ اللَّهِ
تَعَالَى فَلَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ أَوْ هُوَ بِسَبَبِ الْعَبْدِ فَتَجِبُ
ذَهَبَ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ إلَى الْأَوَّلِ وَصَاحِبُ
النِّهَايَةِ إلَى الثَّانِي وَاَلَّذِي يَظْهَرُ تَرْجِيحُ مَا فِي
النِّهَايَةِ عَلَى ظَاهِرِ الْمُخَالَفَةِ لَكِنْ يُقَالُ إنَّهُ لَا
مُخَالَفَةَ لِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَوْفِ مِنْ
الْعَدُوِّ الْخَوْفُ الَّذِي لَمْ يَنْشَأْ عَنْ وَعِيدٍ مِنْ قَادِرٍ
عَلَيْهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَمَا فِي الْخَوْفِ مِنْ السَّبُعِ،
وَالْإِضَافَةُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لِلتَّجَرُّدِ عَنْ مُبَاشَرَةِ
سَبَبٍ لَهُ مِنْ الْغَيْرِ فِي حَقِّ الْخَائِفِ كَذَا فِي الْبَحْرِ
(قُلْت) قَدْ نُقِلَ فِي بَعْضِ شُرُوحِ الْوِقَايَةِ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ
أَنَّهُ لَا يُعِيدُ فِي الْخَوْفِ مِنْ السَّبُعِ بِالِاتِّفَاقِ
فَلْيُتَأَمَّلْ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَمَحْبُوسٍ فِي
السِّجْنِ) قَالَ فِي الْمُحِيطِ لَوْ حُبِسَ فِي السَّفَرِ تَيَمَّمَ
وَصَلَّى وَلَا يُعِيدُ لِأَنَّهُ انْضَمَّ عُذْرُ السَّفَرِ إلَى
الْعُذْرِ الْحَقِيقِيِّ، وَالْغَالِبُ فِي السَّفَرِ عَدَمُ الْمَاءِ
فَتَحَقَّقَ الْعَدَمُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَذَا فِي الْبَحْرِ. اهـ.
(قُلْت) وَلَا يَخْلُو عَنْ قَيْدٍ ظَاهِرٍ لِلْمُتَأَمِّلِ.
[بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ]
[حُكْم الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ]
(بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ) (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ
الْكَافِي. . . إلَخْ) أَقُولُ مُحَصَّلُهُ أَنَّ الْجَوَازَ فِي كَلَامِ
الْكَافِي بِمَعْنَى الْحِلِّ الْمُقَابِلِ لِلْحُرْمَةِ لَا بِمَعْنَى
الصِّحَّةِ الْمُقَابِلَةِ لِلْبُطْلَانِ فَإِشْكَالُ الزَّيْلَعِيِّ
غَيْرُ وَارِدٍ فَإِنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ لَا يُنَافِي الصِّحَّةَ فَقَدْ
أَقَرَّ صِحَّةَ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ فِي ذَاتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ
وَارِدًا عَلَى الْكَافِي وَلَمْ يَرْتَضِ الْكَمَالُ كَلَامَ
الزَّيْلَعِيِّ وَنَظَرَ فِيهِ بِقَوْلِهِ وَمَبْنَى هَدْمِ التَّخْطِئَةِ
عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْفَرْعِ يَعْنِي الَّذِي نَقَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ
لِبُطْلَانِ الْمَسْحِ
(1/33)
الْجَوَازُ فِي نَظَرِ الشَّارِعِ بِحَيْثُ
يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الثَّوَابُ لَا أَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ
مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ يَدُلُّ عَلَيْهِ تَنْظِيرُهُ بِقَصْرِ
الصَّلَاةِ فَإِنَّ الْعَامِلَ بِالْعَزِيمَةِ ثَمَّةَ بِأَنْ صَلَّى
أَرْبَعًا وَقَعَدَ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ يَأْثَمُ مَعَ أَنَّ فَرْضَهُ
يَتِمُّ وَتَحْقِيقُ جَوَابِهِ أَنَّ الْمُتَرَخِّصَ مَا دَامَ
مُتَرَخِّصًا لَا يَجُوزُ لَهُ الْعَمَلُ بِالْعَزِيمَةِ فَإِذَا زَالَ
التَّرَخُّصُ جَازَ لَهُ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمُسَافِرَ مَا دَامَ مُسَافِرًا
لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِتْمَامُ حَتَّى إذَا افْتَتَحَهَا بِنِيَّةِ
الْأَرْبَعِ يَجِبُ قَطْعُهَا وَالِافْتِتَاحُ بِالرَّكْعَتَيْنِ كَمَا
سَيَأْتِي فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ وَإِذَا افْتَتَحَهَا بِنِيَّةِ
الثِّنْتَيْنِ وَنَوَى الْإِقَامَةَ أَثْنَاءَ الصَّلَاةِ تَحَوَّلَتْ إلَى
الْأَرْبَعِ فَالْمُتَخَفِّفُ مَا دَامَ مُتَخَفِّفًا لَا يَجُوزُ لَهَا
الْغَسْلُ حَتَّى إذَا تَكَلَّفَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ مِنْ غَيْرِ نَزْعٍ
أَثِمَ وَإِنْ أَجْزَأَهُ عَنْ الْغَسْلِ، وَإِذَا نَزَعَ الْخُفَّ وَزَالَ
التَّرَخُّصُ صَارَ الْغَسْلُ مَشْرُوعًا يُثَابُ عَلَيْهِ، وَالْعَجَبُ
أَنَّ هَذَا مَعَ وُضُوحِهِ لِمَنْ تَدَرَّبَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ كَيْفَ
خَفِيَ عَلَى فَحْلٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْفُحُولِ (مَرَّةً) إذْ لَمْ
يُسَنَّ فِي الْمَسْحِ التَّكْرَارُ لِأَنَّهُ فِي الْغَسْلِ
لِلْمُبَالَغَةِ فِي التَّنْظِيفِ، وَالْمَسْحُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ
(وَلَوْ) كَانَ الْمَاسِحُ (امْرَأَةً) لِأَنَّ دَلِيلَ جَوَازِهِ لَمْ
يُفَرِّقْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرَّجُلِ مَعَ دُخُولِهِنَّ فِي عُمُومَاتِ
الْخِطَابِ.
(لَا جُنُبًا) لِأَنَّ الْمَسْحَ ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فِي
الْوُضُوءِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ الْجَنَابَةُ وَلِأَنَّ صِيغَةَ
الْمُبَالَغَةِ أَعْنِي {فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] أَوْجَبَتْ كَمَالَ
التَّطْهِيرِ كَمَا سَبَقَ وَفِي الْمَسْحِ يَفُوتُ ذَلِكَ ثُمَّ قَالُوا
الْمَوْضِعُ مَوْضِعُ النَّفْيِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى التَّصْوِيرِ فَإِنَّ
مَنْ أَجْنَبَ بَعْدَ لُبْسِ الْخُفِّ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ لَا
يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ لَكِنْ قِيلَ صُورَتُهُ أَنْ
يَلْبَسَ خُفَّيْهِ عَلَى وُضُوءٍ تَامٍّ ثُمَّ يُجْنِبُ فِي مُدَّةِ
الْمَسْحِ فَإِنَّهُ يَنْزِعُ خُفَّيْهِ وَيَغْسِلُ رِجْلَيْهِ وَكَذَا
الْمُسَافِرُ إذَا أَجْنَبَ فِي الْمُدَّةِ وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَاءٌ
فَتَيَمَّمَ ثُمَّ أَحْدَثَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
بِخَوْضِ الْمَاءِ وَهُوَ مَنْقُولٌ فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَكِنْ فِي
صِحَّتِهِ نَظَرٌ فَإِنَّ كَلِمَتَهُمْ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ الْخُفَّ
اُعْتُبِرَ شَرْعًا مَانِعًا سِرَايَةَ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ فَيَبْقَى
الْقَدَمُ عَلَى طَهَارَتِهَا وَيَحِلُّ الْحَدَثُ بِالْخُفِّ فَيُزَالُ
بِالْمَسْحِ وَبَنَوْا عَلَيْهِ مَنْعَ الْمَسْحِ لِلْمُتَيَمِّمِ
وَالْمَعْذُورِ مِنْ بَعْدِ الْوَقْتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ
الْخِلَافِيَّاتِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ غَسْلَ الرِّجْلِ فِي الْخُفِّ
وَعَدَمَهُ سَوَاءٌ إذَا لَمْ يَبْتَلَّ مَعَهُ ظَاهِرُ الْخُفِّ فِي
أَنَّهُ يَعْنِي الْغَسْلَ لَمْ يَزُلْ بِهِ الْحَدَثُ لِأَنَّهُ فِي
غَيْرِ مَحَلِّهِ فَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِهِ لِأَنَّهُ صَلَّى مَعَ
حَدَثٍ وَاجِبِ الرَّفْعِ إذْ لَوْ لَمْ يَجِبْ الْغَسْلُ وَالْحَالُ
أَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُ الرِّجْلِ جَازَتْ الصَّلَاةُ بِلَا غَسْلٍ
وَلَا مَسْحٍ فَصَارَ كَمَا لَوْ تَرَكَ ذِرَاعَيْهِ وَغَسَلَ مَحَلًّا
غَيْرَ وَاجِبِ الْغَسْلِ كَالْفَخِذِ وَوِزَانِهِ فِي الظَّهِيرِيَّةِ
بِلَا فَرْقٍ لَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ تَحْتَ الْجُرْمُوقَيْنِ فَمَسَحَ
الْخُفَّيْنِ وَذَكَرَ فِيهَا أَنَّهُ لَمْ يَجُزْ وَلَيْسَ إلَّا
لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْحَدَثِ، وَالْأَوْجَهُ فِي ذَلِكَ
الْفَرْعِ كَوْنُ الْإِجْزَاءِ إذَا خَاضَ النَّهْرَ لِابْتِلَالِ الْخُفِّ
ثُمَّ إنْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ إنَّمَا لَا يَتَقَيَّدُ بِهَا لِحُصُولِ
الْغَسْلِ بِالْخَوْضِ وَالنَّزْعِ إنَّمَا وَجَبَ لِلْغَسْلِ وَقَدْ
حَصَلَ انْتَهَى كَلَامُ الْكَمَالِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَقُولُ)
وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ نَفْيَ الْفَرْقِ
فِيهِ تَأَمُّلٌ وَإِنَّ الْأَوْجَهِيَّةَ إنَّمَا هِيَ عَلَى مَا إذَا
خَاضَ الْمَاءَ لَا عَلَى مَا إذَا تَكَلَّفَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ
دَاخِلَهُ وَلَمْ يَحْكُمْ ذَلِكَ الْفَرْعُ بِالْإِجْزَاءِ بِالْخَوْضِ
فِيمَا ذَكَرَ صَرِيحًا بَلْ بِبُطْلَانِ الْمَسْحِ وَوَجْهُ التَّأَمُّلِ
هُوَ أَنَّهُ قَدْ حَكَمَ أَنَّهُ لَمْ يَرْتَفِعْ الْحَدَثُ بِغَسْلِ
الرِّجْلِ دَاخِلَ الْخُفِّ لِكَوْنِهِ كَغَسْلِ مَا لَمْ يَجِبْ فَلَمْ
يَقَعْ مُعْتَدًّا بِهِ ثُمَّ حَكَمَ بِصِحَّتِهِ بَعْدَ تَمَامِ
الْمُدَّةِ فَلَمْ يُوجِبْ النَّزْعَ لِحُصُولِ الْغَسْلِ دَاخِلَ الْخُفِّ
وَهَذَا يُؤَيِّدُ ثُبُوتَ الْفَرْقِ ثُمَّ رَأَيْتُ بَعْدَ مَا ظَهَرَ لِي
هَذَا أَنَّ تِلْمِيذَهُ الْمُحَقِّقَ ابْنَ أَمِيرِ حَاجٍّ تَعَقَّبَهُ
بِأَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ رِجْلَيْهِ ثَانِيًا إذَا نَزَعَهُمَا أَوْ
انْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَهُوَ غَيْرُ مُحْدِثٍ.
وَذَكَرَ وَجْهَهُ فِي الْبَحْرِ وَأَجَابَ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ
الْمُحِبِّيُّ أَدَامَ اللَّهُ نَفْعَهُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ مَنْعَ صِحَّةِ
الْغَسْلِ دَاخِلَ الْخُفِّ الْآنَ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ الْمَانِعِ
فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ عَمِلَ الْمُقْتَضِي عَمَلَهُ لِحُصُولِهِ بَعْدَ
الْحَدَثِ فِي الْحَقِيقَةِ حَالَ التَّخَفُّفِ فَإِذَا نَزَعَ أَوْ
تَمَّتْ الْمُدَّةُ لَا يَجِبُ الْغَسْلُ لِظُهُورِ عَمَلِ الْمُقْتَضِي
الْآنَ اهـ.
وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْغَسْلَ كَمَا ذَكَرَهُ الْكَمَالُ غَيْرُ
مُعْتَبَرٍ أَصْلًا لِوُقُوعِهِ فِي غَيْرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَلَا
يَظْهَرُ تَأْثِيرُهُ بَعْدَ نَزْعِ الْخُفِّ هَذَا وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ
كُلًّا مِنْ تَنْظِيرِ الْكَمَالِ وَصَاحِبِ الدُّرَرِ فِي إشْكَالِ
الزَّيْلَعِيِّ بِمَلْحَظٍ غَيْرِ مَا لَحَظَهُ الْآخَرُ وَقَدْ
نَقَلَهُمَا جَمِيعًا صَاحِبُ الْبَحْرِ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا قُلْنَاهُ،
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى هُدَاهُ ثُمَّ نَقَلَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ
إذَا ابْتَلَّ قَدَمُهُ لَا يَنْتَقِضُ مَسْحُهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلَوْ
بَلَغَ الْمَاءُ الرُّكْبَةَ ثُمَّ قَالَ فَقَدْ عَلِمْت صِحَّةَ مَا
بَحَثَهُ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ اهـ.
قُلْت لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ فَرْعٍ يُخَالِفُ فَرْعًا غَيْرَهُ
بُطْلَانُهُ كَيْفَ وَقَدْ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ
بِقَوْلِهِ مَاسِحُ الْخُفِّ إذَا دَخَلَ الْمَاءُ خُفَّهُ وَابْتَلَّ مِنْ
رِجْلِهِ قَدْرُ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ أَوْ أَقَلَّ لَا يَبْطُلُ مَسْحُهُ
لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ لَا يُجْزِئُ عَنْ غَسْلِ الرِّجْلِ فَلَا
يَبْطُلُ بِهِ حُكْمُ الْمَسْحِ وَإِنْ ابْتَلَّ بِهِ جَمِيعُ الْقَدَمِ
وَبَلَغَ الْكَعْبَ بَطَلَ الْمَسْحُ مَرْوِيٌّ ذَلِكَ عَنْ أَبِي
حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اهـ.
وَذَكَرَهُ أَيْضًا فِي التَّتَارْخَانِيَّة ثُمَّ قَالَ: وَيَجِبُ غَسْلُ
الرِّجْلِ الْأُخْرَى ذَكَرَهُ فِي حَيْرَةِ الْفُقَهَاءِ وَعَنْ الشَّيْخِ
الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ إذَا أَصَابَ الْمَاءُ أَكْثَرَ إحْدَى
رِجْلَيْهِ يَنْتَقِضُ مَسْحُهُ، وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْغَسْلِ وَبِهِ
قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ.
وَفِي الذَّخِيرَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ مُحِيطٌ وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا
قَالُوا لَا يَنْتَقِضُ عَلَى كُلِّ حَالٍ اهـ.
وَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا عَنْهَا وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي
نَوَاقِضِ الْمَسْحِ: وَذَكَرَ الْمَرْغِينَانِيُّ أَنَّ غَسْلَ أَكْثَرِ
الْقَدَمِ يَنْقُضُهُ فِي الْأَصَحِّ اهـ.
فَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَصَحِّيَّةِ الْفَرْعِ وَضَعْفِ مَا يُقَابِلُهُ
(قَوْلُهُ: يَأْثَمُ) فِي تَأْثِيمِهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى.
(قَوْلُهُ: مَلْبُوسَيْنِ عَلَى طُهْرٍ تَامٍّ) أَقُولُ الْأَوْلَى عَلَى
وُضُوءٍ تَامٍّ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ التَّامَّةَ تَشْمَلُ التَّيَمُّمَ
وَلَا يَجُوزُ لِلْمُتَيَمِّمِ الْمَسْحُ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ لَهُ كَانَ
الْخُفُّ رَافِعًا لَا مَانِعًا.
(قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ وَلَبِسَ ثُمَّ أَتَمَّ
الْوُضُوءَ. . . إلَخْ) فِي هَذَا التَّمْثِيلِ نَظَرٌ لِأَنَّ هَذِهِ
الصُّورَةَ تَمْتَنِعُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
لِوَجْهَيْنِ عَدَمِ التَّرْتِيبِ فِي الْوُضُوءِ وَعَدَمِ كَمَالِ
الطَّهَارَةِ قَبْلَ اللُّبْسِ وَاَلَّذِي يَمْتَنِعُ عِنْدَهُ الثَّانِي
فَقَطْ مَا لَوْ تَوَضَّأَ مُرَتِّبًا لَكِنَّهُ لَبِسَ الْيُمْنَى قَبْلَ
الْيُسْرَى ثُمَّ أَحْدَثَ بَعْدَ لُبْسِ الْيُسْرَى.
(1/34)
وَوَجَدَ مِنْ الْمَاءِ مَا يَكْفِي
وُضُوءَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ.
(مَلْبُوسَيْنِ عَلَى طُهْرٍ تَامٍّ عِنْدَ الْحَدَثِ) هَذَا أَحْسَنُ
مِمَّا قِيلَ إذَا لَبِسَهُمَا عَلَى طُهْرٍ تَامٍّ عِنْدَ الْحَدَثِ
لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هَاهُنَا الْإِشَارَةُ إلَى خِلَافِ الشَّافِعِيِّ
فَإِنَّهُ يَقُولُ: لَا بُدَّ مِنْ لُبْسِهِمَا عَلَى وُضُوءٍ تَامٍّ
ابْتِدَاءً حَتَّى لَوْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ ثُمَّ
أَتَمَّ الْوُضُوءَ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ وَنَحْنُ نَقُولُ يَكْفِي كَوْنُ
الْوُضُوءِ وَاللُّبْسِ مَوْجُودَيْنِ وَقْتَ الْحَدَثِ بِأَيِّ طَرِيقٍ
كَانَ وَظَاهِرٌ أَنَّ ذَلِكَ الْوَقْتَ زَمَانُ بَقَاءِ اللُّبْسِ لَا
زَمَانُ حُدُوثِهِ، وَالْمُفِيدُ لِلْبَقَاءِ، وَالِاسْتِمْرَارِ هُوَ
الِاسْمُ لِأَنَّ الْفِعْلَ يُفِيدُ التَّجَدُّدَ، وَإِنَّمَا قُلْنَا
أَحْسَنُ لِجَوَازِ تَوْجِيهِ عِبَارَةِ الْقَوْمِ بِأَنْ يُجْعَلَ عَلَى
طُهْرٍ تَامٍّ حَالًا مِنْ ضَمِيرِ لَبِسَ وَعِنْدَ الْحَدَثِ مُتَعَلِّقًا
بِتَامٍّ، وَالْمَعْنَى إذَا لَبِسَهُمَا كَائِنًا عَلَى طُهْرٍ هُوَ
تَامٌّ عِنْدَ الْحَدَثِ فَيَكُونُ مَآلُ الْعِبَارَتَيْنِ وَاحِدًا.
(لِلْمُقِيمِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: جَازَ (يَوْمًا وَلَيْلَةً
وَلِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةً) أَيْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا
لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «يَمْسَحُ الْمُقِيمُ يَوْمًا
وَلَيْلَةً، وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا» (مِنْ حِينِ
الْحَدَثِ) لَا حِينِ اللُّبْسِ وَلَا الْمَسْحِ لِأَنَّ الزَّمَانَ
الَّذِي يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْمَسْحِ هُوَ وَقْتُ الْحَدَثِ.
(عَلَى ظَاهِرِ خُفَّيْهِ) مُتَعَلِّقٌ أَيْضًا بِقَوْلِهِ جَازَ، الْخُفُّ
مَا يَسْتُرُ الْكَعْبَ أَوْ يَكُونُ الظَّاهِرُ مِنْهُ أَقَلَّ مِنْ
ثَلَاثِ أَصَابِعِ الرِّجْلِ أَصْغَرَهَا أَمَّا لَوْ ظَهَرَ قَدْرَهَا
فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْخَرْقِ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ
يَكُونَ وَاسِعًا بِحَيْثُ تُرَى رِجْلُهُ مِنْ أَعْلَى الْخُفِّ قَيَّدَ
بِالظَّاهِرِ إذْ لَا يَجُوزُ عَلَى بَاطِنِهِ وَعَقِبِهِ وَسَاقِهِ
لِأَنَّ الْمَسْحَ مَعْدُولٌ بِهِ عَنْ سُنَنِ الْقِيَاسِ فَيُرَاعَى فِيهِ
جَمِيعُ مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ (أَوْ جُرْمُوقَيْهِ) هُمَا خُفَّانِ
يُلْبَسَانِ فَوْقَ الْخُفِّ وِقَايَةً لَهُمَا (الْمَلْبُوسَيْنِ عَلَى
الْخُفِّ قَبْلَ الْحَدَثِ) حَتَّى لَوْ لَبِسَهُمَا عَلَيْهِ بَعْدَ
الْحَدَثِ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ
الْبَدَلَ لَا يَكُونُ لَهُ بَدَلٌ بِالرَّأْيِ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ
عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «رَأَيْت النَّبِيَّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ عَلَى الْجُرْمُوقَيْنِ» ثُمَّ
إنَّهُ لَيْسَ بِبَدَلٍ عَنْ الْخُفِّ وَإِنْ كَانَ تَحْتَهُ بَلْ عَنْ
الرِّجْلِ كَأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهَا الْجُرْمُوقُ لِأَنَّ الْوَظِيفَةَ
كَانَتْ بِالرِّجْلِ وَلَمْ يَكُنْ بِالْخُفِّ وَظِيفَةٌ لِيَصِيرَ مِنْ
أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَيَصِيرُ الْجُرْمُوقُ بَدَلًا مَانِعًا مِنْ
سِرَايَةِ الْحَدَثِ إلَيْهِ بَلْ يَمْنَعُ السِّرَايَةَ إلَى الرِّجْلِ
وَلِذَا قُلْنَا إذَا أَحْدَثَ وَمَسَحَ بِالْخُفِّ أَوْ لَمْ يَمْسَحْ
فَلَبِسَ الْجُرْمُوقَ لَا يَمْسَحُ عَلَيْهِ لِأَنَّ حُكْمَ الْمَسْحِ
اسْتَقَرَّ بِالْخُفِّ فَصَارَ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ حُكْمًا فَلَوْ
مَسَحَ عَلَى الْجُرْمُوقِ يَكُونُ بَدَلًا عَنْهُ وَإِذًا لَا يَجُوزُ
كَذَا قَالَ مَشَايِخُنَا أَقُولُ يُعْلَمُ مِنْهُ جَوَازُ الْمَسْحِ عَلَى
خُفٍّ لُبِسَ فَوْقَ مَخِيطٍ مِنْ كِرْبَاسٍ أَوْ جُوخٍ أَوْ نَحْوِهِمَا
مِمَّا لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْجُرْمُوقَ إذَا كَانَ
بَدَلًا مِنْ الرِّجْلِ وَجُعِلَ الْخُفَّ مَعَ جَوَازِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
[مُدَّة الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ]
قَوْلُهُ: مِنْ حِينِ الْحَدَثِ) هَذَا عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ
وَهُوَ الصَّحِيحُ (قَوْلُهُ: لَا حِينَ اللُّبْسِ وَلَا الْمَسْحِ)
يَعْنِي كَمَا قَالَ بِهِ بَعْضُهُمْ.
(قَوْلُهُ: قَيَّدَ بِالظَّاهِرِ. . . إلَخْ) أَقُولُهُ وَجَوَازُ
الْمَسْحِ عَلَى غَيْرِ النَّاصِيَةِ مِنْ الرَّأْسِ لِأَنَّهُ لِبَيَانِ
مَا ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَلَا كَذَلِكَ الْخُفُّ فَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ
عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِهِ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ نُصْبِ الشَّرْعِ عَلَى
غَيْرِ الْقِيَاسِ (قَوْلُهُ: إذْ لَا يَجُوزُ عَلَى بَاطِنِهِ) أَشَارَ
بِهِ إلَى مَا قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَوْ كَانَ
الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ مَسْحُ بَاطِنِ الْخُفِّ أَوْلَى مِنْ
ظَاهِرِهِ وَنَقَلَ الْكَمَالُ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَاطِنِ
عِنْدَهُمْ مَحَلُّ الْوَطْءِ لَا مَا يُلَاقِي الْبَشَرَةَ لَكِنْ
بِتَقْدِيرِهِ لَا تَظْهَرُ أَوْلَوِيَّةُ مَسْحِ بَاطِنِهِ لَوْ كَانَ
بِالرَّأْيِ بَلْ الْمُتَبَادِرُ مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - أَنَّهُ مَا يُلَاقِي الْبَشَرَةَ وَذَكَرَ وَجْهَهُ (قَوْلُهُ:
هُمَا خُفَّانِ يُلْبَسَانِ. . . إلَخْ) .
أَقُولُ قَيَّدَ الْجُرْمُوقَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ بِأَنْ يَكُونَ مِنْ
أُدُمٍ إذْ لَوْ كَانَ مِنْ الْكِرْبَاسِ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ
إلَّا أَنْ يَكُونَ رَقِيقًا يَصِلُ الْبَلَلُ إلَى مَا تَحْتَهُ اهـ.
وَكَذَا فِي الْكَافِي وَالزَّيْلَعِيِّ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْبَحْرِ.
(وَأَقُولُ) لَعَلَّ هَذَا التَّقْيِيدَ عَلَى الْمَرْجُوحِ لِمَا أَنَّ
الْفَتْوَى عَلَى جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الثَّخِينِ وَحِينَئِذٍ لَا
يَخْتَصُّ الْجَوَازُ عَلَيْهِ بِكَوْنِهِ مُنْفَرِدًا فَيَجُوزُ وَلَوْ
لُبِسَ عَلَى خُفٍّ مِثْلِهِ أَوْ مِنْ أُدُمٍ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ
عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: أَقُولُ يُعْلَمُ مِنْهُ جَوَازُ الْمَسْحِ. . .
إلَخْ)
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ الْحَقُّ كَمَا سَنَذْكُرُهُ لَكِنَّهُ قَالَ
فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ الْمَلِكِ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ خُفَّاهُ
صَالِحَيْنِ لِلْمَسْحِ لِخَرْقِهِمَا يَجُوزُ عَلَى الْمُوقَيْنِ
اتِّفَاقًا كَذَا فِي الْكَافِي، وَنَقَلَ مِنْ فَتَاوَى الشَّاذِيِّ أَنَّ
مَا يُلْبَسُ مِنْ الْكِرْبَاسِ الْمُجَرَّدِ تَحْتَ الْخُفِّ يَمْنَعُ
الْمَسْحَ عَلَى الْخُفِّ لِكَوْنِهِ فَاصِلًا وَقِطْعَةُ كِرْبَاسٍ
تُلَفُّ عَلَى الرِّجْلِ لَا تَمْنَعُ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَقْصُودَةٍ
لِلُبْسٍ لَكِنْ يُفْهَمُ مِمَّا ذُكِرَ فِي الْكَافِي أَنَّهُ يَجُوزُ
الْمَسْحُ لِأَنَّ الْخُفَّ الْغَيْرَ صَالِحٍ لِلْمَسْحِ إذَا لَمْ يَكُنْ
فَاصِلًا فَأَنْ لَا يَكُونَ مِنْ الْكِرْبَاسِ
(1/35)
الْمَسْحِ عَلَيْهِ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ
فَلَأَنْ يَكُونَ الْخُفُّ بَدَلًا عَنْ الرِّجْلِ وَيُجْعَلَ مَا لَا
يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ أَوْلَى كَمَا فِي
اللِّفَافَةِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْإِمَامَ الْغَزَالِيَّ فِي الْوَجِيزِ
وَالرَّافِعِيَّ فِي شَرْحِهِ لَهُ مَعَ الْتِزَامِهِمَا بِذِكْرِ خِلَافِ
الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمَسَائِلِ أَوْرَدَا هَذِهِ
الْمَسْأَلَةَ فِي صُورَةِ الِاتِّفَاقِ وَكَأَنَّ مَشَايِخُنَا إنَّمَا
لَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ فِيمَا اُشْتُهِرَ مِنْ كُتُبِهِمْ اكْتِفَاءً بِمَا
قَالُوا فِي مَسْأَلَةِ الْجُرْمُوقِ مِنْ كَوْنِهِ خَلَفًا عَنْ الرِّجْلِ
(أَوْ جَوْرَبَيْهِ الثَّخِينَيْنِ) أَيْ بِحَيْثُ يَسْتَمْسِكَانِ عَلَى
السَّاقِ بِلَا شَكٍّ كَانَ الْإِمَامُ لَا يُجَوِّزُ الْمَسْحَ
عَلَيْهِمَا أَوَّلًا وَيُجَوِّزُهُ صَاحِبَاهُ ثُمَّ رَجَعَ إلَى
قَوْلِهِمَا، وَبِهِ يُفْتِي (أَوْ الْمُنَعَّلَيْنِ) الْمُنَعَّلِ،
وَالْمُنَعَّلُ مَا وُضِعَ الْجِلْدُ عَلَى أَسْفَلِهِ كَالنَّعْلِ
فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُمْكِنُ مُوَاظَبَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ فَيَصِيرُ
كَالْخُفِّ (أَوْ الْمُجَلَّدَيْنِ) وَهُوَ مَا وُضِعَ الْجِلْدُ عَلَى
أَعْلَاهُ وَأَسْفَلِهِ فَيَكُونُ كَالْخُفِّ (لَا) يَجُوزُ الْمَسْحُ
(عَلَى عِمَامَةٍ وَقَلَنْسُوَةٍ وَبُرْقُعٍ) بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِهَا
الْخِمَارُ (وَقُفَّازَيْنِ) مَا يُعْمَلُ لِلْيَدَيْنِ لِدَفْعِ الْبَرْدِ
أَوْ مِخْلَبِ الصَّقْرِ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهَا
لِأَنَّهُ لِدَفْعِ الْحَرَجِ وَلَا حَرَجَ فِي نَزْعِهَا لَكِنْ لَوْ
مَسَحَتْ عَلَى خِمَارِهَا وَنَفَذَتْ الْبَلَّةُ إلَى رَأْسِهَا حَتَّى
ابْتَلَّ قَدْرُ الرُّبْعِ جَازَ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ.
(وَفَرْضُهُ) أَيْ فَرْضُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ (قَدْرُ ثَلَاثَةِ
أَصَابِعِ الْيَدِ) مِنْ كُلِّ رِجْلٍ عَلَى حِدَةٍ حَتَّى لَوْ مَسَحَ
عَلَى إحْدَى رِجْلَيْهِ مِقْدَارَ أُصْبُعَيْنِ وَعَلَى الْأُخْرَى
مِقْدَارَ خَمْسِ أَصَابِعَ لَمْ يَجُزْ وَلَوْ مَسَحَ بِأُصْبُعٍ
وَاحِدَةٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِمِيَاهٍ جَدِيدَةٍ جَازَ لِحُصُولِ
الْمَقْصُودِ وَبِلَا تَجْدِيدٍ لَا، وَلَوْ أَصَابَ مَوْضِعَ الْمَسْحِ
مَاءُ مَطَرٍ قَدْرَ ثَلَاثِ أَصَابِعَ جَازَ وَكَذَا لَوْ مَشَى فِي
حَشِيشٍ مُبْتَلٍّ بِالْمَطَرِ أَوْ الطَّلِّ أَوْ أَصَابَ الْخُفَّ طَلٌّ
قَدْرَ الْوَاجِبِ وَذِكْرُ الْيَدِ احْتِرَازٌ عَنْ أَصَابِعِ الرِّجْلِ
كَمَا رَوَى الْكَرْخِيُّ.
(وَسُنَّتُهُ مَدُّهَا) أَيْ الْأَصَابِعِ حَالَ كَوْنِهَا (مُفَرَّجَةً
مِنْ أَصَابِعِ الْقَدَمِ إلَى السَّاقِ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ مَنْقُولَةٌ
عَنْ الْمَشَايِخِ يَشْهَدُ بِهِ التَّتَبُّعُ فَلَا وَجْهَ لِمَا قَالَ
صَدْرُ الشَّرِيعَةِ مَا زَادَ عَلَى مِقْدَارِ ثَلَاثِ أَصَابِعَ إنَّمَا
هُوَ بِمَاءٍ مُسْتَعْمَلٍ فَلَا اعْتِبَارَ لَهُ وَذَلِكَ لِأَنَّ مَدَّ
الْأَصَابِعِ إلَى السَّاقِ إذَا كَانَ سُنَّةً لَمْ يَحْصُلْ إلَّا
بِالْمَاءِ الْمُطَهِّرِ، وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَاءَ
الْمُسْتَعْمَلَ غَيْرُ مُطَهِّرٍ وَأَيْضًا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ
الْمَاءَ مَا دَامَ فِي الْعُضْوِ لَمْ يَكُنْ مُسْتَعْمَلًا فَكَيْفَ
يَصِحُّ مَا ذَكَرَ (خَرْقُ قَدْرِ ثَلَاثِهَا) أَيْ ثَلَاثِ أَصَابِعِ
الْقَدَمِ (الْأَصَاغِرِ يَمْنَعُهُ) أَيْ الْمَسْحَ وَهُوَ خَبَرُ
قَوْلِهِ خَرْقُ اعْتَبَرَ أَصَابِعَ الْقَدَمِ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فِي
الْقَدَمِ حَتَّى تَجِبُ الدِّيَةُ بِقَطْعِهَا بِلَا كَفٍّ وَلِلْأَكْثَرِ
حُكْمُ الْكُلِّ وَلِأَنَّهَا الْمُنْكَشِفَةُ وَاعْتَبَرَ الْأَصَاغِرَ
لِلِاحْتِيَاطِ هَذَا إذَا كَانَ خَرْقُ الْخَلْفِ غَيْرَ مُقَابِلٍ
لِلْأَصَابِعِ وَفِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْعَقِبِ أَمَّا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
فَاصِلًا أَوْلَى اهـ.
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ: وَقَدْ وَقَعَ فِي عَصْرِنَا
بَيْنَ فُقَهَاءِ الرُّومِ فِي الرُّومِ كَلَامٌ كَثِيرٌ فِي هَذِهِ
الْمَسْأَلَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ تَمَسَّكَ بِمَا فِي فَتَاوَى الشَّاذِيِّ
وَأَفْتَى بِمَنْعِ الْمَسْحِ وَرَدَّ عَلَى ابْنِ الْمَلَكِ فِي عَزْوِهِ
لِلْكَافِي إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ كَافِي النَّسَفِيِّ
وَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ وَمِنْهُمْ مَنْ أَفْتَى بِالْجَوَازِ وَهُوَ
الْحَقُّ وَذَكَرَ وَجْهَهُ فَلْيُرَاجِعْهُ مَنْ رَامَهُ (قَوْلُهُ: ثُمَّ
رَجَعَ إلَى قَوْلِهِمَا) أَقُولُ وَلَمْ يَكُنْ الرُّجُوعُ نَصًّا مِنْهُ
بَلْ اسْتِدْلَالًا لِمَا قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة ذَكَرَ الشَّيْخُ
الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِهِ حُكِيَ عَنْ
أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى جَوْرَبَيْهِ
فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَقَالَ لِعُوَّادِهِ فَعَلْت مَا كُنْت
أَمْنَعُ النَّاسَ عَنْهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اسْتَدَلُّوا بِهِ
عَلَى رُجُوعِهِ إلَى قَوْلِهِمَا.
وَفِي الذَّخِيرَةِ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى
مُحِيطِ وَكَانَ الشَّيْخُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ يَقُولُ
هَذَا كَلَامٌ مُحْتَمَلٌ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ رُجُوعًا إلَى
قَوْلِهِمَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ رُجُوعًا وَيَكُونُ اعْتِذَارًا
لَهُمْ إنَّمَا أَخَذْت بِقَوْلِ الْمُخَالِفِ لِلضَّرُورَةِ وَلَا
يَثْبُتُ الرُّجُوعُ بِالشَّكِّ انْتَهَى.
(قَوْلُهُ: وَبُرْقُعٍ بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِهَا الْخِمَارُ) أَقُولُ
كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ بَلْ هُوَ كَمَا قَالَ
فِي الْبَحْرِ الْبُرْقُعُ بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ
الرَّاءِ وَضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِهَا خُرَيْقَةٌ تُثْقَبُ لِلْعَيْنَيْنِ
تَلْبَسُهَا الدَّوَابُّ وَنِسَاءُ الْعَرَبِ عَلَى وُجُوهِهِنَّ.
(قَوْلُهُ: وَفَرْضُهُ قَدْرُ ثَلَاثِ أَصَابِعِ الْيَدِ) يَعْنِي مِنْ
أَصْغَرِهَا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَالْبُرْهَانِ وَاكْتَفَى
الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِذِكْرِ قَدْرِ الْآلَةِ عَنْ ذِكْرِ
قَدْرِ الْمَمْسُوحِ اسْتِغْنَاءً عَنْهُ بِبَيَانِ الْآلَةِ لِحُصُولِ
الْمَقْصُودِ بِهِ وَأَشَارَ بِلَفْظِ الْقَدْرِ إلَى أَنَّهُ لَا
يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بِذَاتِ الْأَصَابِعِ كَمَا ذَكَرَهُ فِيمَا
بَعْدُ.
(تَنْبِيهٌ) : شَرْطُهُ بَقَاءُ قَدْرِ الْمَفْرُوضِ مِنْ كُلٍّ مِنْ
الْقَدَمَيْنِ مِنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ وَهُوَ مُقَدَّمُ الرِّجْلِ إذْ لَوْ
قُطِعَتْ إحْدَى رِجْلَيْهِ وَبَقِيَ مِنْهَا أَقَلُّ مِنْهُ أَوْ قَدْرُهُ
لَكِنْ مِنْ الْعَقِبِ لَا يَمْسَحُ لِوُجُوبِ غَسْلِ ذَلِكَ الْبَاقِي
كَمَا لَوْ قُطِعَتْ مِنْ الْكَعْبِ حَيْثُ يَجِبُ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ
وَلَا يَمْسَحُ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: أَوْ الطَّلِّ) هَذَا عَلَى
الْأَصَحِّ وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ بِالطَّلِّ لِأَنَّهُ نَفَسُ دَابَّةٍ لَا
مَاءٌ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ
الْيَدَ. . . إلَخْ) .
أَقُولُ، وَالْمُحْتَرِزُ بِهِ هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ.
(قَوْلُهُ: إلَى السَّاقِ) يَعْنِي فَوْقَ الْكَعْبَيْنِ كَمَا فِي
الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: هَذِهِ الْعِبَارَةُ مَنْقُولَةٌ عَنْ الْمَشَايِخِ)
أَقُولُ أَسْنَدَ النَّقْلَ إلَيْهِمْ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ نَقَلُوا
ذَلِكَ الْفِعْلَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
لِيَكُونَ مَسْنُونًا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي بَيَانِ سُنَّةِ الْمَسْحِ
يَبْدَأُ مِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ إلَى السَّاقِ هَكَذَا نُقِلَ فِعْلُ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ.
(قَوْلُهُ: خَرْقُ قَدْرِ ثَلَاثِهَا. . . إلَخْ) أَقُولُ وَمَقْطُوعُ
الْأَصَابِعِ يَعْتَبِرُ بِأَصَابِعِ غَيْرِهِ وَقِيلَ بِأَصَابِعِ
نَفْسِهِ لَوْ كَانَتْ قَائِمَةً ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَقَالَ فِي
الْبَحْرِ، وَالْأَوْجَهُ الثَّانِي وَلَكِنْ لَمْ يَعْزُهُ (قَوْلُهُ:
أَيْ ثَلَاثِ أَصَابِعِ الْقَدَمِ) هَذَا عَلَى الصَّحِيحِ وَقِيلَ
أَصَابِعُ الْيَدِ
(1/36)
إذَا كَانَ مُقَابِلًا لَهَا
فَالْمُعْتَبَرُ ظُهُورُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ مِمَّا وَقَعَتْ فِي
مُقَابَلَةِ الْخَرْقِ لِأَنَّ كُلَّ أُصْبُعٍ أَصْلٌ فِي مَوْضِعِهَا
وَإِذَا كَانَ فِي مَوْضِعِ الْعَقِبِ لَا يَمْنَعُ مَا لَمْ يَظْهَرْ
أَكْثَرُهُ، وَالْخَرْقُ فَوْقَ الْكَعْبِ لَا يَمْنَعُ إذْ لَا عِبْرَةَ
لِلُبْسِهِ، وَظُهُورُ الْأَنَامِلِ لَا يَمْنَعُ فِي الْأَصَحِّ بَلْ
الْمَانِعُ ظُهُورُ قَدْرِ ثَلَاثِ أَصَابِعَ بِكَمَالِهَا، وَإِنَّمَا
يَمْنَعُ الْخَرْقُ الْكَبِيرُ إذَا كَانَ مُنْفَرِجًا يُرَى مَا تَحْتَهُ
فَإِنْ لَمْ يُرَ مَا تَحْتَهُ لِصَلَابَةِ الْخُفِّ لَكِنَّهُ إذَا
أَدْخَلَ فِيهِ الْأَصَابِعَ دَخَلَتْ لَا يَمْنَعُ، وَلَوْ بَدَا حَالَ
الْمَشْيِ لَا حَالَ وَضْعِ الْقَدَمِ يَمْنَعُ لِأَنَّهُ لِلْمَشْيِ
يُلْبَسُ.
(وَتَجَمُّعُ) الْخُرُوقِ (فِي خُفٍّ لَا فِيهِمَا) يَعْنِي إذَا كَانَ فِي
خُفٍّ وَاحِدٍ خُرُوقٌ كَثِيرَةٌ تَحْتَ السَّاقِ بِحَيْثُ لَوْ جُمِعَتْ
يَبْدُو مِنْهَا الْقَدْرُ الْمَذْكُورُ مَنَعَ الْمَسْحَ لِأَنَّهُ
يَمْنَعُ السَّفَرَ بِهِ، وَلَوْ كَانَ هَذَا الْقَدْرُ فِي خُفَّيْهِ لَمْ
يَمْنَعْهُ لِانْتِفَاءِ الْمَانِعِ عَنْ السَّفَرِ، وَالْخَرْقُ
الْمُعْتَبَرُ مَا يَدْخُلُ فِيهِ مَسْأَلَةٌ وَمَا دُونَهَا كَالْعَدَمِ
(بِخِلَافِ النَّجَاسَةِ) الْمُتَفَرِّقَةِ حَيْثُ تُجَمَّعُ وَإِنْ
كَانَتْ فِي خُفَّيْهِ أَوْ ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ أَوْ مَكَانِهِ أَوْ
فِي الْمَجْمُوعِ.
(وَ) بِخِلَافِ (الِانْكِشَافِ) أَيْ انْكِشَافِ الْعَوْرَةِ
بِالتَّفَرُّقِ كَانْكِشَافِ شَيْءٍ مِنْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ وَشَيْءٍ مِنْ
ظَهْرِهَا وَشَيْءٍ مِنْ بَطْنِهَا وَشَيْءٍ مِنْ فَخِذِهَا وَشَيْءٍ مِنْ
سَاقِهَا حَيْثُ يُجْمَعُ لِمَنْعِ جَوَازِ الصَّلَاةِ.
(الْمَعْذُورُ) وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُهُ (يَمْسَحُ فِي الْوَقْتِ لَا
بَعْدَهُ) خِلَافًا لِزُفَرَ (إلَّا إذَا انْقَطَعَ) عُذْرُهُ (وَقْتَ
الْوُضُوءِ، وَاللُّبْسِ) حَتَّى إذَا وُجِدَ حَالَ الْوُضُوءِ لَا
اللُّبْسِ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ فِي الْحَالَيْنِ لَمْ يَمْسَحْ بَعْدَهُ.
(وَنَاقِضُهُ) أَيْ الْمَسْحِ (نَاقِضُ الْوُضُوءِ) لِأَنَّهُ بَعْضُهُ
(وَنَزْعُ الْخُفِّ) لِسِرَايَةِ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ حَيْثُ زَالَ
الْمَانِعُ فَيَجِبُ نَزْعُ الْآخَرِ إذْ لَا يُجْمَعُ الْغَسْلُ
وَالْمَسْحُ فِي وَظِيفَةٍ وَاحِدَةٍ (وَلَوْ) كَانَ النَّزْعُ (بِخُرُوجِ
أَكْثَرِ الْقَدَمِ إلَى السَّاقِ) لِأَنَّ مَوْضِعَ الْمَسْحِ فَارَقَ
مَكَانَهُ فَكَأَنَّهُ ظَهْرُ رِجْلِهِ (وَهُوَ الصَّحِيحُ) لِأَنَّ
لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ كَذَا فِي الْكَافِي، وَالِاحْتِرَازُ عَنْ
خُرُوجِ الْقَلِيلِ مُتَعَذِّرٌ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَحْصُلُ بِلَا قَصْدٍ
فَيَلْزَمُ الْحَرَجُ (وَقِيلَ أَكْثَرِ الْعَقِبِ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي
يُوسُفَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ إنْ بَقِيَ مِنْ ظَهْرِ الْقَدَمِ فِي مَوْضِعِ
الْمَسْحِ قَدْرُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ لَمْ يَبْطُلْ مَسْحُهُ وَعَلَيْهِ
أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ، وَإِنْ كَانَ الْقَدَمُ فِي مَوْضِعِهِ،
وَالْعَقِبُ يَخْرُجُ وَيَدْخُلُ لَمْ يَبْطُلْ مَسْحُهُ كَذَا فِي
الْكَافِي.
(وَ) نَاقِضُهُ أَيْضًا (مُضِيُّ الْمُدَّةِ) لِمَا رَوَيْنَا (إنْ لَمْ
يَخَفْ ذَهَابَ رِجْلَهُ) يَعْنِي إذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْمَسْحِ وَهُوَ
مُسَافِرٌ وَيَخَافُ ذَهَابَ رِجْلِهِ مِنْ الْبَرْدِ لَوْ نَزَعَ
خُفَّيْهِ جَازَ الْمَسْحُ كَذَا فِي الْكَافِي وَعُيُونِ الْمَذَاهِبِ
(وَبَعْدَهُمَا) أَيْ بَعْدَ النَّزْعِ، وَالْمُضِيِّ (غَسَلَ رِجْلَيْهِ
فَقَطْ) لِسِرَايَةِ الْحَدَثِ السَّابِقِ إلَيْهِمَا دُونَ بَاقِي
الْأَعْضَاءِ (قِيلَ وَبُلُوغُ الْمَاءِ الْكَعْبَ وَقِيلَ إصَابَتُهُ
أَكْثَرَ الْقَدَمِ) قَالَ فِي الْفَتَاوَى التَّتَارْخَانِيَّة إذَا
مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ ثُمَّ دَخَلَ الْمَاءُ الْخُفَّ وَابْتَلَّ مِنْ
رِجْلَيْهِ قَدْرُ ثَلَاثٍ أَوْ أَقَلَّ لَا يَبْطُلُ مَسْحُهُ وَلَوْ
ابْتَلَّ جَمِيعُ الْقَدَمِ وَبَلَغَ الْمَاءُ الْكَعْبَ بَطَلَ الْمَسْحُ
رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَيْهِ
وَيَجِبُ غَسْلُ الرِّجْلِ الْأُخْرَى ذَكَرَهُ فِي ذَخِيرَةِ
الْفُقَهَاءِ.
وَعَنْ الشَّيْخِ الْإِمَامِ أَبِي جَعْفَرٍ إذَا أَصَابَ الْمَاءُ
أَكْثَرَ إحْدَى رِجْلَيْهِ يَنْتَقِضُ مَسْحُهُ وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ
الْغَسْلِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَهُوَ
الْأَصَحُّ وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا قَالُوا لَا يَنْتَقِضُ الْمَسْحُ عَلَى
كُلِّ حَالٍ وَقَدْ اقْتَصَرُوا فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ عَلَى
النَّوَاقِضِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ فَكَأَنَّهُمْ اخْتَارُوا
الرِّوَايَةَ الْأَخِيرَةَ (نَزَعَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ: وَظُهُورُ الْأَنَامِلِ لَا يَمْنَعُ فِي الْأَصَحِّ) أَقُولُ
كَذَا فِي الْكَافِي وَرَأَيْت بِطُرَّتِهِ وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ
الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ وَاخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ
السَّرَخْسِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُمْنَعُ انْتَهَى.
قَوْلُهُ: بِخِلَافِ النَّجَاسَةِ. . . إلَخْ) أَقُولُ وَبِخِلَافِ
أَعْلَامِ الثَّوْبِ مِنْ الْحَرِيرِ فَإِذَا بَلَغَتْ أَكْثَرَ مِنْ
أَرْبَعِ أَصَابِعَ لَا يَجُوزُ لُبْسُهُ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي
جَمْعِ الْخُرُوقِ فِي أُذُنَيْ الْأُضْحِيَّةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ: وَبِخِلَافِ انْكِشَافِ) ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْخُفَّ شُرِعَ
رُخْصَةً فَلَا يُنَاسِبُ الضِّيقَ وَكَيْفِيَّةُ جَمْعِ الِانْكِشَافِ
سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(قَوْلُهُ: إلَّا إذَا انْقَطَعَ عُذْرُهُ وَقْتَ الْوُضُوءِ، وَاللُّبْسِ)
أَيْ فَيَكُونُ مُدَّةُ مَسْحِهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً لَوْ مُقِيمًا
وَثَلَاثًا لَوْ مُسَافِرًا وَبِهِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ
(قَوْلُهُ: حَتَّى إذَا وَجَدَ حَالَ الْوُضُوءِ) أَقُولُ الضَّمِيرُ فِي
وُجِدَ لِلْعُذْرِ اهـ.
وَجَعَلَهُ مُحَشِّي الْكِتَابِ الْمَرْحُومُ الْوَانِيُّ رَاجِعًا إلَى
الِانْقِطَاعِ فَقَالَ: حَتَّى إذَا وُجِدَ أَيْ الِانْقِطَاعُ اهـ.
وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ عَدَمُ صِحَّةِ الْمَسْحِ بَعْدَ الْوَقْتِ فِي
الصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ وَهِيَ مَا إذَا وُجِدَ الِانْقِطَاعُ فِي
الْحَالَيْنِ أَيْ حَالَ الْوُضُوءِ، وَاللُّبْسِ وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ
مَتْنًا مُصَرِّحَةٌ بِصِحَّةِ الْمَسْحِ بَعْدَهُ فِي الصُّورَةِ
الْأَخِيرَةِ وَبِهَا صَرَّحَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ
فَالصَّوَابُ رُجُوعُ الضَّمِيرِ لِلْعُذْرِ.
[نَوَاقِضُ الْمَسْحِ الْخُفَّيْنِ]
(قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ بِخُرُوجِ أَكْثَرِ الْقَدَمِ) أَقُولُ الْقَدَمُ
مِنْ الرِّجْلِ مَا يَطَأُ عَلَيْهِ الْإِنْسَانُ مِنْ لَدُنْ الرُّسْغِ
إلَى مَا دُونَ ذَلِكَ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ، وَالْعَقِبُ بِكَسْرِ الْقَافِ
مُؤَخَّرُ الْقَدَمِ، وَلَوْ كَانَ أَعْرَجَ يَمْشِي عَلَى صُدُورِ
قَدَمَيْهِ وَقَدْ ارْتَفَعَ الْعَقِبُ عَنْ مَحَلِّهِ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ
مَا لَمْ يَخْرُجْ قَدَمُهُ إلَى السَّاقِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَكَذَا
يَمْسَحُ الْأَعْرَجُ لَوْ كَانَ لَا عَقِبَ لِلْخُفِّ كَمَا فِي
التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ) أَقُولُ
وَفِي النِّصَابِ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ إنْ بَقِيَ فِيهِ
قَدْرُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ طُولًا وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ يَنْتَقِضُ
(قَوْلُهُ: قِيلَ وَبُلُوغُ الْمَاءِ الْكَعْبَ) تَعْبِيرُهُ بِقِيلَ لَا
يُنَاسِبُ سَنَدَهُ (قَوْلُهُ: وَقَدْ اقْتَصَرُوا فِي الْكُتُبِ
الْمَشْهُورَةِ عَلَى النَّوَاقِضِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ)
(1/37)
جُرْمُوقَيْهِ يَمْسَحُ عَلَى خُفَّيْهِ)
لِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَيْهِمَا لَيْسَ مَسْحًا عَلَى الْخُفَّيْنِ
لِانْفِصَالِهِمَا عَنْ الْخُفَّيْنِ بِخِلَافِ الْمَسْحِ عَلَى خُفٍّ ذِي
طَاقَيْنِ لَوْ نَزَعَ أَحَدَ طَاقَيْهِ أَوْ قَشَّرَ جِلْدَ ظَاهِرِ
الْخُفَّيْنِ حَيْثُ لَا يُعِيدُ الْمَسْحَ عَلَى مَا تَحْتَهُ لِأَنَّ
الْجَمِيعَ شَيْءٌ وَاحِدٌ لِلِاتِّصَالِ فَصَارَ كَحَلْقٍ بَعْدَ
الْمَسْحِ (وَلَوْ نَزَعَ إحْدَاهُمَا) بَطَلَ مَسْحُهُمَا فَحِينَئِذٍ
(يُعِيدُ مَسْحَ الْجُرْمُوقِ الْآخَرِ، وَ) مَسْحَ (الْخُفِّ) لِأَنَّ
الِانْتِقَاضَ فِي الْوَظِيفَةِ الْوَاحِدَةِ لَا يَتَجَزَّأُ فَإِذَا
انْتَقَضَ فِي أَحَدِهِمَا انْتَقَضَ فِي الْآخَرِ (وَقِيلَ يَنْزِعُ)
الْجُرْمُوقَ (الْآخَرَ) لِأَنَّ نَزْعَ أَحَدِهِمَا كَنَزْعِهِمَا
لِعَدَمِ التَّجَزِّي، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.
(مُقِيمٌ مَسَحَ فَسَافَرَ قَبْلَ) تَمَامِ (يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَتَمَّ
مُدَّةَ السَّفَرِ) أَيْ تَتَحَوَّلُ الْأُولَى إلَى الثَّانِيَةِ بِحَيْثُ
يَكُونُ الْمَجْمُوعُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا (وَلَوْ) سَافَرَ
(بَعْدَهُمَا) أَيْ بَعْدَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ (نَزَعَ) لِأَنَّ الْحَدَثَ
سَرَى إلَى الْقَدَمِ، وَالسَّفَرُ لَا يَرْفَعُهُ (وَمُسَافِرٌ أَقَامَ
بَعْدَهُمَا نَزَعَ وَقَبْلَهُمَا يُتِمُّهُمَا) أَيْ الْيَوْمَ،
وَاللَّيْلَةَ لِأَنَّ رُخْصَةَ السَّفَرِ لَا تَبْقَى بِدُونِهِ
فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يُسَافِرَ الْمُقِيمُ أَوْ يُقِيمَ
الْمُسَافِرُ وَكُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا قَبْلَ تَمَامِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ
أَوْ بَعْدَهُ.
[الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ وَالْعِصَابَةِ]
(الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ) وَهُوَ عُودٌ يُجْبَرُ بِهِ الْعَظْمُ
الْمَكْسُورُ (وَخِرْقَةِ الْقُرْحَةِ) وَهِيَ مَا يُوضَعُ عَلَى
الْقُرْحَةِ وَمَوْضِعِ الْفَصْدِ (وَالْعِصَابَةِ) مَا يَشُدُّ بِهِ
الْخِرْقَةَ لِئَلَّا تَسْقُطَ (كَالْغَسْلِ) لِمَا تَحْتَهَا (فَلَا
يَتَوَقَّتُ) بِمُدَّةٍ كَالْغَسْلِ (وَيُجْمَعُ بِهِ) أَيْ بِالْغُسْلِ
وَلَوْ كَانَ مَسْحًا حُكْمًا لِمَا جُمِعَ بِهِ كَغَسْلِ أَحَدِ
قَدَمَيْهِ وَمَسْحِ أَحَدِ خُفَّيْهِ (وَجَازَ) أَيْ الْمَسْحُ عَلَى
الْجَبِيرَةِ (وَلَوْ شُدَّتْ) أَيْ الْجَبِيرَةُ بِلَا وُضُوءٍ لِأَنَّ
فِي اعْتِبَارِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ حَرَجًا.
(وَتَرَكَ) أَيْ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ (إنْ ضَرَّ وَإِلَّا فَلَا)
يَتْرُكُ (وَإِنَّمَا يَجُوزُ) الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ (إذَا عَجَزَ
عَنْ مَسْحِ الْمَوْضِعِ) أَيْ مَوْضِعِ الْجَبِيرَةِ بِأَنْ كَانَ
يَضُرُّهُ الْمَاءُ أَوْ كَانَتْ مَشْدُودَةً يَضُرُّ حَلُّهَا أَمَّا إذَا
كَانَ قَادِرًا عَلَى مَسْحِهِ فَلَا يَجُوزُ مَسْحُ الْجَبِيرَةِ.
وَفِي الْمُحِيطِ يَنْبَغِي أَنْ يُحْفَظَ هَذَا فَإِنَّ النَّاسَ عَنْهُ
غَافِلُونَ (وَلَا يُبْطِلُهُ) أَيْ الْمَسْحَ (سُقُوطُهَا) أَيْ
الْجَبِيرَةِ (إلَّا عَنْ بُرْءٍ فَإِنْ سَقَطَتْ فِي الصَّلَاةِ عَنْهُ)
أَيْ عَنْ بُرْءٍ (بَطَلَ) الْمَسْحُ (وَاسْتُؤْنِفَتْ) الصَّلَاةُ
(وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَسْقُطْ عَنْ بُرْءٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
أَقُولُ لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ لِمَا نَقَلَهُ، وَلِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ
قَاضِي خَانْ وَلِمَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَلَا تَخْفَى شُهْرَتُهُمْ
وَيَنْقُضُهُ أَيْضًا دُخُولُ خُفِّهِ الْمَاءَ لِأَنَّ رِجْلَهُ تَصِيرُ
بِذَلِكَ مَغْسُولَةً وَيَجِبُ غَسْلُ رِجْلِهِ الْأُخْرَى لِامْتِنَاعِ
الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَذَكَرَ الْمَرْغِينَانِيُّ أَنَّ غَسْلَ أَكْثَرِ
الْقَدَمِ يَنْقُضُهُ فِي الْأَصَحِّ اهـ.
وَقَدَّمْنَا بَعْضَهُ (قَوْلُهُ: فَحِينَئِذٍ يُعِيدُ مَسْحَ الْجُرْمُوقِ
الْآخَرِ) فِيهِ خِلَافُ زُفَرَ فَلَا يَمْسَحُهُ عِنْدَهُ وَهُوَ
رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ (قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ
أَصَحُّ) وَجْهُ عَدَمِ وُجُوبِ النَّزْعِ جَوَازُ ابْتِدَاءِ الْمَسْحِ
عَلَى الْجُرْمُوقِ الْوَاحِدِ مَعَ مَسْحِ الْخُفِّ الْوَاحِدِ
فَالْبَقَاءُ كَذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ. . . إلَخْ) أَقُولُ لَمْ
يُبَيِّنْ صِفَتَهُ
وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ: وَالْمَسْحُ عَلَى جَبِيرَةٍ وَخُرْقَةِ
الْقُرْحَةِ وَنَحْوِهَا وَاجِبٌ عَلَى الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ
وَبِهِ قَالَا وَاسْتِحْبَابُهُ رِوَايَةٌ قِيلَ وَهُوَ قَوْلُهُ
الْأَوَّلُ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ، وَقِيلَ وَاجِبٌ عِنْدَهُ فَرْضٌ
عِنْدَهُمَا وَقِيلَ الْخِلَافُ فِي الْمَجْرُوحِ أَمَّا الْمَكْسُورُ
فَيَجِبُ فِيهِ اتِّفَاقًا، وَقِيلَ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فَقَوْلُهُمَا
بِعَدَمِ جَوَازِ تَرْكِهِ فِيمَنْ لَا يَضُرُّهُ الْمَسْحُ وَقَوْلُهُ:
بِجَوَازِهِ فِيمَنْ يَضُرُّهُ اهـ.
وَقَدْ احْتَجَّ الْمُحَقِّقُ الْكَمَالُ إلَى تَقْوِيَةِ الْقَوْلِ
بِوُجُوبِهِ فَقَالَ مَا مَعْنَاهُ: وَغَايَةُ مَا يُفِيدُ الْوَارِدُ فِي
الْمَسْحِ عَلَى الْجَبِيرَةِ الْوُجُوبُ فَعَدَمُ الْفَسَادِ بِتَرْكِهِ
أَقْعَدُ بِالْأُصُولِ انْتَهَى.
وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهِ لَا الْفَسَادِ
بِتَرْكِهِ إذَا لَمْ يَمْسَحْ وَصَلَّى فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ
إعَادَةُ الصَّلَاةِ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ اهـ.
قُلْت وَلَا يُقَالُ يُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِالْوَاجِبِ مَا يَفُوتُ
الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ لِمَا نَقَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ الْغَايَةِ،
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ أَيْ الْمَسْحُ وَاجِبٌ عِنْدَهُ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ
حَتَّى تَجُوزَ صَلَاتُهُ بِدُونِهِ اهـ. ثُمَّ قَالَ وَقَدْ ذَكَرَ
الرَّازِيّ تَفْصِيلًا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ إنْ كَانَ مَا تَحْتَ
الْجَبِيرَةِ لَوْ ظَهَرَ أَمْكَنَ غَسْلُهُ فَالْمَسْحُ وَاجِبٌ وَإِنْ
كَانَ لَا يُمْكِنُ فَهُوَ غَيْرُ وَاجِبٍ.
قَالَ الصَّيْرَفِيُّ وَهَذَا أَحْسَنُ الْأَقْوَالِ اهـ.
(قُلْت) وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ قَوْلِهِ لَوْ ظَهَرَ أَمْكَنَ غَسْلُهُ. . .
إلَخْ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى حَلِّ الْجَبِيرَةِ كَمَا
سَنَذْكُرُهُ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ الْمَسْحُ عَلَيْهَا.
(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يَجُوزُ الْمَسْحُ) أَقُولُ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى
أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ الْمَسْحُ عَلَى مَا تَحْتَ الْجَبِيرَةِ إذَا
قَدَرَ عَلَى غَسْلِهِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ
لِقَاضِي خَانْ بِقَوْلِهِ: إنْ كَانَ لَا يَضُرُّهُ غَسْلُ مَا تَحْتَهَا
يَلْزَمُهُ الْغَسْلُ، وَإِنْ كَانَ يَضُرُّهُ الْغَسْلُ بِالْمَاءِ
الْبَارِدِ لَا بِالْحَارِّ يَلْزَمُهُ الْغَسْلُ بِالْحَارِّ، وَإِنْ
ضَرَّهُ الْغَسْلُ لَا الْمَسْحُ يَمْسَحُ مَا تَحْتَ الْجَبِيرَةِ وَلَا
يَمْسَحُ فَوْقَهَا اهـ.
قَالُوا يَنْبَغِي أَنْ يُحْفَظَ هَذَا فَإِنَّ النَّاسَ عَنْهُ غَافِلُونَ
لَكِنْ قَالَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَلَوْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ
غَسْلُ الْجِرَاحَةِ إلَّا بِالْمَاءِ الْحَارِّ خَاصَّةً لَمْ يَجِبْ
عَلَيْهِ تَكَلُّفُ الْغَسْلِ بِالْمَاءِ الْحَارِّ وَيُجْزِيهِ الْمَسْحُ
لِأَجْلِ الْمَشَقَّةِ. اهـ. وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ كَمَا لَا يَخْفَى
قَالَهُ فِي الْبَحْرِ، وَالْمُرَادُ بِالضَّرَرِ الْمُعْتَبَرُ مِنْهُ
لِأَنَّ الْعَمَلَ لَا يَخْلُو عَنْ أَدْنَى ضَرَرٍ وَذَلِكَ لَا يُبِيحُ
التَّرْكَ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ (قَوْلُهُ: أَوْ كَانَتْ
مَشْدُودَةً يَضُرُّ حَلُّهَا) أَقُولُ يَعْنِي وَلَا يَضُرُّ مَسْحُهُ
مَوْضِعَ الْجَبِيرَةِ لِكَوْنِهِ قَسِيمًا؛ لِقَوْلِهِ وَإِنَّمَا يَجُوزُ
بِأَنْ عَجَزَ عَنْ مَسْحِ الْمَوْضِعِ بِأَنْ كَانَ يَضُرُّهُ الْمَاءُ
اهـ.
(قُلْتُ) وَبِهَذَا يُعْلَمُ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ الْمُحَقِّقِ فِي
فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَمْ أَرَ لَهُمْ مَا إذَا ضَرَّهُ الْحَلُّ لَا
الْمَسْحُ لِظُهُورِ أَنَّهُ حِينَئِذٍ يَمْسَحُ عَلَى الْكُلِّ انْتَهَى
(1/38)
إمَّا بِأَنْ لَا تَسْقُطَ أَوْ سَقَطَتْ
لَكِنْ لَا عَنْ بُرْءٍ (فَلَا) أَيْ فَلَا يَبْطُلُ الْمَسْحُ وَلَا
تُسْتَأْنَفُ الصَّلَاةُ.
(وَلَا يُشْتَرَطُ فِي مَسْحِهَا) أَيْ مَسْحِ الْجَبِيرَةِ،
وَالْخِرْقَةِ، وَالْعِصَابَةِ (التَّثْلِيثُ، وَالنِّيَّةُ) قَالَ
الزَّاهِدِيُّ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا النِّيَّةُ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ
وَيُسَنُّ التَّثْلِيثُ عِنْدَ الْبَعْضِ إذَا لَمْ تَكُنْ عَلَى الرَّأْسِ
(وَيَكْفِي) الْمَسْحُ (عَلَى أَكْثَرِ الْعِصَابَةِ) وَلَا يُشْتَرَطُ
فِيهِ الِاسْتِيعَابُ عَلَى الصَّحِيحِ كَذَا فِي الْكَافِي: فَصَدَ
وَوَضَعَ خِرْقَةً وَشَدَّ الْعِصَابَةَ قِيلَ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ
عَلَيْهَا بَلْ عَلَى الْخِرْقَةِ وَقِيلَ إنْ أَمْكَنَهُ شَدُّ
الْعِصَابَةِ بِلَا إعَانَةٍ لَمْ يَجُزْ وَإِلَّا جَازَ وَقِيلَ إنْ كَانَ
حَلُّ الْعِصَابَةِ وَغَسْلُ مَا تَحْتَهَا يَضُرُّ الْجِرَاحَةَ جَازَ
وَإِلَّا فَلَا، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ خِرْقَةٍ جَاوَزَتْ مَوْضِعَ
الْقُرْحَةِ، وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ حَلُّهَا بَلْ نَزْعُهَا عَنْ مَوْضِعِ
الْجِرَاحَةِ يَضُرُّ يَحُلُّهَا وَيَغْسِلُ مَا تَحْتَهَا إلَى مَوْضِعِ
الْجِرَاحَةِ فَيَشُدُّهَا وَيَمْسَحُ مَوْضِعَ الْجِرَاحَةِ وَعَامَّةُ
الْمَشَايِخِ عَلَى جَوَازِ مَسْحِ عِصَابَةِ الْمُفْتَصِدِ وَأَمَّا
الْمَوْضِعُ الظَّاهِرُ مِنْ الْيَدِ مَا يَلِي بَيْنَ الْعُقْدَتَيْنِ
مِنْ الْعِصَابَةِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَكْفِيهِ الْمَسْحُ إذْ لَوْ
غَسَلَ تَبْتَلُّ الْعِصَابَةُ فَرُبَّمَا يَصِلُ الْمَاءُ إلَى مَوْضِعِ
الْفَصْدِ.
بَابُ دِمَاءٍ تَخْتَصُّ بِالنِّسَاءِ
وَهِيَ ثَلَاثَةٌ: حَيْضٌ وَنِفَاسٌ وَاسْتِحَاضَةٌ (الْحَيْضُ دَمٌ
يَنْفُضُهُ رَحِمُ بَالِغَةٍ) أَيْ بِنْتِ تِسْعِ سِنِينَ احْتَرَزَ
بِالرَّحِمِ عَنْ الِاسْتِحَاضَةِ لِأَنَّهُ دَمُ عِرْقٍ لَا دَمُ رَحِمٍ،
وَعَنْ الرُّعَافِ، وَالدِّمَاءِ الْخَارِجَةِ مِنْ الْجِرَاحَاتِ وَعَمَّا
تَرَاهُ الْحَامِلُ فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ الرَّحِمِ لِأَنَّ اللَّهَ
تَعَالَى أَجْرَى عَادَتَهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا حَبِلَتْ يَنْسَدُّ
فَمُ الرَّحِمِ فَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ شَيْءٌ (لَا دَاءَ بِهَا) احْتَرَزَ
بِهِ عَمَّا يَنْفُضُهُ الرَّحِمُ لِمَرَضٍ كَالْوِلَادَةِ وَنَحْوِهَا
فَإِنَّ النُّفَسَاءَ فِي حُكْمِ الْمَرِيضَةِ حَتَّى اُعْتُبِرَ
تَبَرُّعَاتُهَا مِنْ الثُّلُثِ وَلَمْ يَقُلْ وَلَا إيَاسَ لِأَنَّهُ
مُخْتَلَفٌ فِيهِ كَمَا سَيَأْتِي فَلَا وَجْهَ لِأَخْذِهِ فِي حَدِّ
الْحَيْضِ (وَأَقَلُّهُ) يَعْنِي أَقَلَّ مُدَّتِهِ (ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ
بِلَيَالِيِهَا) يَعْنِي ثَلَاثَةَ لَيَالٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ
الرِّوَايَةِ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَمَا
يَتَخَلَّلُهَا مِنْ لَيْلَتَيْنِ (وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةٌ) لِقَوْلِهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةُ
أَيَّامٍ وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ» وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى
الشَّافِعِيِّ فِي تَقْدِيرِهِ الْأَقَلَّ بِيَوْمٍ، وَالْأَكْثَرَ
بِخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا.
(وَلَوْنٌ) رَأَتْهُ (فِي مُدَّتِهِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ: إمَّا بِأَنْ لَا تَسْقُطَ) هَذَا هُوَ مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ
فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُذْكَرَ فِي مُقَابَلَةِ السُّقُوطِ عَنْ
بُرْءٍ بَلْ يُكْتَفَى بِالسُّقُوطِ لَا عَنْ بُرْءٍ.
(قَوْلُهُ: إذَا لَمْ تَكُنْ عَلَى الرَّأْسِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ
حُكْمَهَا فِي الرَّأْسِ كَغَيْرِهَا وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِ
الْمَسْحِ عَلَيْهَا إذَا كَانَتْ بِالرَّأْسِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا مَا
يُجْزِي فِي الْفَرْضِ، وَالصَّوَابُ هُوَ الْوُجُوبُ كَمَا فِي الْبَحْرِ
(تَتِمَّةٌ) فِي جَامِعِ الْجَوَامِعِ رَجُلٌ بِهِ رَمَدٌ فَدَاوَاهُ
وَأُمِرَ أَنْ لَا يَغْسِلَ فَهُوَ كَالْجَبِيرَةِ وَفِي الْأَصْلِ إذَا
انْكَسَرَ ظُفْرُهُ وَجَعَلَ عَلَيْهِ الدَّوَاءَ أَوْ الْعِلْكَ
وَتَوَضَّأَ وَقَدْ أُمِرَ أَنْ لَا يَنْزِعَ عَنْهُ يُجْزِيهِ إنْ لَمْ
يَخْلُصْ إلَيْهِ الْمَاءُ وَلَمْ يُشْتَرَطْ الْمَسْحُ وَلَا إمْرَارُ
الْمَاءِ عَلَى الدَّوَاءِ وَالْعِلْكِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ،
وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ وَشُرِطَ إمْرَارُ الْمَاءِ
عَلَى الْعِلْكِ وَلَا يَكْفِيهِ الْمَسْحُ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
وَفِي الْبُرْهَانِ وَلَوْ انْكَسَرَ ظُفْرُهُ فَجَعَلَ عَلَيْهِ دَوَاءً
أَوْ عِلْكًا أَوْ أَدْخَلَ جِلْدَةَ مَرَارَةٍ فَإِنْ كَانَ يَضُرُّهُ
نَزْعُهُ مَسَحَ عَلَيْهِ وَإِنْ ضَرَّهُ الْمَسْحُ تَرَكَهُ وَإِنْ كَانَ
بِأَعْضَائِهِ شُقُوقٌ أَمَرَّ عَلَيْهَا الْمَاءَ إنْ قَدَرَ وَإِلَّا
مَسَحَ عَلَيْهَا إنْ قَدَرَ وَإِلَّا تَرَكَهَا وَغَسَلَ مَا حَوْلَهَا
اهـ.
وَإِذَا تَوَضَّأَ وَأَمَرَّ الْمَاءَ عَلَى الدَّوَاءِ ثُمَّ سَقَطَ
الدَّوَاءُ إنْ سَقَطَ عَنْ بُرْءٍ يَجِبُ غَسْلُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ
وَإِلَّا فَلَا كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ: وَأَمَّا
الْمَوْضِعُ الظَّاهِرُ مِنْ الْيَدِ مَا يَلِي بَيْنَ الْعُقْدَتَيْنِ. .
. إلَخْ) يَنْبَغِي حَذْفُ لَفْظَةِ يَلِي فَتَأَمَّلْ.
[بَابُ دِمَاءٍ تَخْتَصُّ بِالنِّسَاءِ]
[أَحْكَام الْحَيْض]
(بَابُ دِمَاءٍ تَخْتَصُّ بِالنِّسَاءِ)
(قَوْلُهُ: الْحَيْضُ. . . إلَخْ) هَذَا التَّعْرِيفُ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ
مُسَمَّى الْحَيْضِ خَبَثٌ أَمَّا إنْ كَانَ حَدَثًا فَتَعْرِيفُهُ
مَانِعِيَّةٌ شَرْعِيَّةٌ بِسَبَبِ الدَّمِ الْمَذْكُورِ وَاخْتُلِفَ فِيهِ
فَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ مِنْ الْأَحْدَاثِ، وَمِنْهُمْ مَنْ
ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ مِنْ الْأَنْجَاسِ.
(قَوْلُهُ: أَيْ بِنْتِ تِسْعٍ) أَقُولُ هَذَا عَلَى الْمُخْتَارِ
لِتَعْرِيفِ أَنَّ الْخَارِجَ مِنْهَا حَيْضٌ لِبُلُوغِهَا وَقِيلَ بِنْتُ
سِتٍّ وَضَعَّفَهَا وَسَبْعٍ (قَوْلُهُ: احْتَرَزَ بِالرَّحِمِ عَنْ
الِاسْتِحَاضَةِ لِأَنَّهُ دَمُ عِرْقٍ) أَقُولُ وَلَمْ يَذْكُرْ
الْمُصَنِّفُ مَا احْتَرَزَ عَنْهُ بِقَيْدِ الْبُلُوغِ وَاحْتَرَزَ بِهِ
غَيْرُهُ عَنْ الصَّغِيرَةِ وَقَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ قَوْلُكُمْ إنَّ
دَمَ الصَّغِيرَةِ اسْتِحَاضَةٌ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ دَمَ الِاسْتِحَاضَةِ
مِمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُهَا وَدَمَ الصَّغِيرَةِ لَا
عِبْرَةَ بِهِ فِي الشَّرْعِ فَذِكْرُهُ لِإِصْلَاحِ التَّعْرِيفِ لَا
لِإِخْرَاجِ حُكْمِهِ عَنْ حُكْمِ دَمِ الْحَيْضِ اهـ.
قُلْتُ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ لِتَرَتُّبِ حُكْمِ الصَّلَاةِ صِحَّةً
وَفَسَادًا إذَا اسْتَمَرَّ عَلَيْهَا وَصِحَّةِ صَوْمِهَا وَعَدَمِ
مَنْعِهِ حِلَّ وَطْئِهَا (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَقُلْ وَلَا إيَاسٍ لِأَنَّهُ
مُخْتَلَفٌ فِيهِ) أَقُولُ يَرِدُ الْبُلُوغُ فَإِنَّهُ أُخِذَ فِي
الْحَدِّ مَعَ أَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ (قَوْلُهُ: فَلَا وَجْهَ
لِأَخْذِهِ فِي حَدِّ الْحَيْضِ) فِيهِ تَأَمُّلٌ لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ:
يَعْنِي أَقَلَّ مُدَّتِهِ) هَذَا يُعَيِّنُ أَنْ يَكُونَ ثَلَاثَةٌ
خَبَرًا لَهُ فَاحْتَاجَ لِبَيَانِ مَا أَضْمَرَهُ وَإِلَّا فَيَصِحُّ أَنْ
يَكُونَ مَنْصُوبًا عَلَى الظَّرْفِيَّةِ (قَوْلُهُ: بِلَيَالِيِهَا)
صَرَّحَ بِهِ لِزِيَادَةِ إيضَاحٍ وَإِلَّا فَلَا فَذِكْرُ الْأَيَّامِ
بِلَفْظِ الْجَمْعِ يَتَنَاوَلُ مِثْلَهَا مِنْ اللَّيَالِي قَالَ اللَّهُ
تَعَالَى: {ثَلاثَةَ أَيَّامٍ} [آل عمران: 41] وَقَالَ {ثَلاثَ لَيَالٍ}
[مريم: 10] ، وَالْقِصَّةُ وَاحِدَةٌ (قَوْلُهُ: وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةٌ)
هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ آخِرًا وَقَالَ أَوَّلًا خَمْسَةَ عَشَرَ
(قَوْلُهُ: وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ. . . إلَخْ) .
أَقُولُ وَعَلَى أَبِي يُوسُفَ فِي التَّقْدِيرِ بِيَوْمَيْنِ وَأَكْثَرِ
الثَّالِثِ، وَعَلَى مَالِكٍ بِسَاعَةٍ كَمَا فِي الْكَافِي.
(قَوْلُهُ: وَلَوْنٌ رَأَتْهُ فِي مُدَّتِهِ) الْمُرَادُ بِالْمُدَّةِ
زَمَانُ عَادَتِهَا
(1/39)
أَيْ الْحَيْضِ (سِوَى الْبَيَاضِ وَطُهْرٍ
مُتَخَلَّلٍ فِيهَا) أَيْ تِلْكَ الْمُدَّةِ (حَيْضٌ) يَعْنِي إذَا أَحَاطَ
الدَّمُ بِطُهْرٍ فِي مُدَّةِ الْحَيْضِ كَانَ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي فِي
رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَوَجْهُهُ أَنَّ اسْتِيعَابَ
الدَّمِ مُدَّةَ الْحَيْضِ لَيْسَ بِشَرْطٍ بِالْإِجْمَاعِ فَيُعْتَبَرُ
أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ كَالنِّصَابِ فِي بَابِ الزَّكَاةِ.
(وَأَقَلُّ الطُّهْرِ) الَّذِي يَكُونُ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ (خَمْسَةَ
عَشَرَ يَوْمًا) لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّهُ مُدَّةُ
اللُّزُومِ فَكَانَ كَمُدَّةِ الْإِقَامَةِ، فَإِنْ قِيلَ قَدْ تَقَرَّرَ
أَنَّ أَقَلَّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَأَكْثَرَهُ عَشَرَةُ
أَيَّامٍ فَإِذَا كَانَ أَقَلُّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَزِمَ
أَنْ يَكُونَ فِي الشَّهْرِ يَوْمَانِ لَيْسَ فِيهِمَا حَيْضٌ وَلَا طُهْرٌ
قُلْنَا هَذَا إنَّمَا يَلْزَمُ إذَا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الطُّهْرُ
الْوَاحِدُ، وَالْحَيْضُ الْوَاحِدُ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ
وَلِذَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: إنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَحِيضُ فِي
الشَّهْرِ عَشَرَةً لَا مَحَالَةَ وَلَوْ حَاضَتْ فَلَا تَطْهُرُ عِشْرِينَ
لَا مَحَالَةَ بَلْ تَحِيضُ ثَلَاثَةً وَتَطْهُرُ عِشْرِينَ وَقَدْ تَحِيضُ
عَشَرَةً وَتَطْهُرُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَسَيَأْتِي زِيَادَةُ تَحْقِيقٍ لَهُ
إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ) لِأَنَّهُ قَدْ
يَمْتَدُّ إلَى سَنَةٍ وَسَنَتَيْنِ وَقَدْ لَا تَرَى الْحَيْضَ أَبَدًا
فَلَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُهُ (إلَّا عِنْدَ نُصُبِ الْعَادَةِ إذَا
اسْتَمَرَّ الدَّمُ) فَحِينَئِذٍ يَكُونُ لِأَكْثَرِهِ عَادَةً
وَاخْتَلَفُوا فِي تَقْدِيرِ مُدَّتِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ
بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَّا سَاعَةً لِأَنَّ الْعَادَةَ نُقْصَانُ طُهْرِ
غَيْرِ الْحَامِلِ عَنْ طُهْرِ الْحَامِلِ وَأَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ
سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَانْتَقَصَتْ عَنْ هَذَا بِشَيْءٍ وَهُوَ السَّاعَةُ
صُورَتُهُ مُبْتَدِئَةٌ رَأَتْ عَشَرَةً دَمًا وَسِتَّةَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
لَا مَا يُمْكِنُ أَنْ تَحِيضَ فِيهِ وَهُوَ مَا قَبْلَ سِنِّ الْيَأْسِ
كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: سِوَى الْبَيَاضِ)
شَامِلٌ لِلْخُضْرَةِ مُطْلَقًا.
وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَأَمَّا الْخُضْرَةُ فَالصَّحِيحُ أَنَّ
الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ يَكُونُ حَيْضًا
وَيُحْمَلُ عَلَى فَسَادِ الْغِذَاءِ وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً لَا تَرَى
غَيْرَ الْخُضْرَةِ لَا يَكُونُ حَيْضًا وَيُحْمَلُ عَلَى فَسَادِ
الْمَنْبَتِ اهـ.
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ نَقْلًا عَنْ الْبَدَائِعِ قَالَ بَعْضُهُمْ
الْكُدْرَةُ، وَالتَّرِيَّةُ، وَالصُّفْرَةُ، وَالْخُضْرَةُ إنَّمَا
تَكُونُ حَيْضًا عَلَى الْإِطْلَاقِ مِنْ غَيْرِ الْعَجَائِزِ أَمَّا فِي
الْعَجَائِزِ فَيُنْظَرُ إنْ وَجَدَتْهَا عَلَى الْكُرْسُفِ وَمُدَّةُ
الْوَضْعِ قَرِيبَةٌ فَهِيَ حَيْضٌ وَإِنْ كَانَتْ مُدَّةُ الْوَضْعِ
طَوِيلَةً لَمْ يَكُنْ حَيْضًا لِأَنَّ فَمَ رَحِمِ الْعَجَائِزِ يَكُونُ
مُنْتِنًا فَيَتَغَّيَّرُ الْمَاءُ فِيهِ لِطُولِ الْمُكْثِ وَمَا عَرَفْت
مِنْ الْجَوَابِ فِي هَذِهِ الْأَبْوَابِ مِنْ الْحَيْضِ فَهُوَ الْجَوَابُ
فِيهَا فِي النِّفَاسِ لِأَنَّهَا أُخْتُ الْحَيْضِ اهـ.
وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى فَخْرِ الْأَئِمَّةِ لَوْ
أَفْتَى مُفْتٍ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ فِي مَوْضِعِ
الضَّرُورَةِ طَلَبًا لِلتَّيْسِيرِ كَانَ حَسَنًا اهـ.
(قَوْلُهُ: وَطُهْرٍ مُتَخَلَّلٍ فِيهَا أَيْ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ
حَيْضٌ) أَشَارَ بِهِ أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ أَحَدُ الدَّمَيْنِ عَنْ مُدَّةِ
الْحَيْضِ بِأَنْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَتِسْعَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا
مَثَلًا لَا يَكُونُ حَيْضًا لِأَنَّ الدَّمَ الْأَخِيرَ لَمْ يُوجَدْ فِي
مُدَّةِ الْحَيْضِ وَكَذَا النِّفَاسُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ:
وَوَجْهُهُ. . . إلَخْ)
قَالَ فِي الْبَحْرِ وَقَدْ اخْتَارَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ أَصْحَابُ
الْمُتُونِ لَكِنْ لَمْ تُصَحَّحْ فِي الشُّرُوحِ كَمَا لَا يَخْفَى،
وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ قِيَاسَهَا عَلَى النِّصَابِ غَيْرُ صَحِيحٍ
لِأَنَّ الدَّمَ مُنْقَطِعٌ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ بِالْكُلِّيَّةِ
وَفِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ يُشْتَرَطُ بَقَاءُ جُزْءٍ مِنْ النِّصَابِ فِي
أَثْنَاءِ الْحَوْلِ.
(قَوْلُهُ: إلَّا عِنْدَ نُصُبِ الْعَادَةِ. . . إلَخْ) شَامِلٌ لِثَلَاثِ
مَسَائِلَ مَسْأَلَةُ مَنْ بَلَغَتْ مُسْتَحَاضَةً وَسَيَأْتِي أَنَّهُ
يُقَدَّرُ حَيْضُهَا بِعَشَرَةٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَبَاقِيهِ طُهْرٌ،
وَمَنْ لَهَا عَادَةٌ فِي الطُّهْرِ، وَالْحَيْضِ ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا
الدَّمُ وَحَيْضُهَا وَطُهْرُهَا مَا رَأَتْ فَعِدَّتُهَا بِحَبْسِهِ كَمَا
سَيَذْكُرُهُ، وَالثَّالِثَةُ مَسْأَلَةُ الْمُضَلِّلَةِ وَتُسَمَّى
الْمُحَيِّرَةُ وَفِيهَا فُصُولٌ ثَلَاثَةٌ ذَكَرَهَا فِي الْبَحْرِ
(قَوْلُهُ: وَاخْتَلَفُوا فِي تَقْدِيرِ مُدَّتِهِ. . . إلَخْ) .
أَقُولُ كَذَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَلَيْسَ الِاخْتِلَافُ إلَّا
فِي عِدَّةِ الْمُحَيِّرَةِ وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ لَهَا عَادَةٌ
وَاسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ وَنَسِيَتْ عَدَدَ أَيَّامِهَا وَأَوَّلَهَا
وَآخِرَهَا وَدَوْرَهَا فَلَا يُنَاسِبُهُ الْإِطْلَاقُ وَلَا مَا
صَوَّرَهُ مِنْ الصُّوَرِ الْآتِيَةِ (قَوْلُهُ:، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ
مُقَدَّرٌ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ. . . إلَخْ) .
أَقُولُ كَذَا قَالَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَهَذَا فِي الْمُحَيِّرَةِ
كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ أَنْ يَزِيدُوا عَلَى ذَلِكَ
لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي أَوَّلِ حَيْضِهَا فَلَا
يُعْتَدُّ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ فَتَحْتَاجُ إلَى ثَلَاثِ حِيَضٍ سِوَاهَا
وَثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ اهـ.
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ وَجَوَابُهُ لَمَّا كَانَ الطَّلَاقُ فِي الْحَيْضِ
مُحَرَّمًا لَمْ يُنْزِلُوهُ مُطْلَقًا فِيهِ حَمْلًا لِحَالِ الْمُسْلِمِ
عَلَى الصَّلَاحِ وَهُوَ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ اهـ قُلْت وَفِيهِ نَظَرٌ
لِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ فِي أَمْرِ الْفُرُوجِ آكَدُ خُصُوصًا الْعِدَّةَ
فَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى تَوَهُّمِ مُصَادَفَةِ الطَّلَاقِ الطُّهْرَ فَلَا
تَنْقَضِي الْعِدَّةُ إلَّا بِيَقِينٍ اهـ.
ثُمَّ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ سِمَاعَةَ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ يَعْنِي الطُّهْرَ لِلْمُحَيِّرَةِ
مُقَدَّرٌ بِشَهْرَيْنِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي سَهْلٍ الْغَزَالِيِّ
اهـ.
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ وَاخْتَارَهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ وَعَلَيْهِ
الْفَتْوَى لِأَنَّهُ أَيْسَرُ عَلَى الْمُفْتِي وَالنِّسَاءِ كَذَا فِي
النِّهَايَةِ، وَالْعِنَايَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ اهـ.
قُلْت فَعَلَى هَذَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِسَبْعَةِ أَشْهُرٍ
لِاحْتِيَاجِهَا إلَى ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَثَلَاثِ
حَيْضَاتٍ بِشَهْرٍ اهـ.
وَبَاقِي الْأَحْكَامِ كَالصَّلَاةِ تَأْخُذُ فِيهِ بِالْأَحْوَطِ
وَكَيْفِيَّتُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ: صُورَتُهُ. . . إلَخْ) .
أَقُولُ كَذَا قَالَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ أَيْضًا وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ
هَذَا لَا يُنَاسِبُ مَا قَدَّمَهُ وَفِيهِ نَظَرٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ
إذَا كَانَ طُهْرُهَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ عَادَةً لَهَا لَا بُدَّ مِنْ
تَمَامِ تِلْكَ الْمُدَّةِ وَقَدْ حَكَمَ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فِيمَا
دُونَهُ كَمَا ذَكَرَهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا فِي الْمُحَيِّرَةِ عَلَى
غَيْرِ الْمُخْتَارِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا
بُدَّ مِنْ تَمَامِ عَادَتِهَا مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَمَّا إذَا
بَلَغَتْ بِرُؤْيَةِ عَشَرَةٍ مَثَلًا دَمًا وَسِتَّةٍ طُهْرًا ثُمَّ
اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَقَالَ أَبُو عِصْمَةَ، وَالْقَاضِي أَبُو
حَازِمٍ: حَيْضُهَا مَا رَأَتْ وَطُهْرُهَا مَا رَأَتْ
(1/40)
أَشْهُرٍ طُهْرًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا
الدَّمُ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِتِسْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا إلَّا ثَلَاثَ
سَاعَاتٍ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى ثَلَاثِ حَيْضَاتٍ كُلُّ حَيْضٍ
عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَإِلَى ثَلَاثِ أَطْهَارٍ كُلُّ طُهْرٍ سِتَّةُ
أَشْهُرٍ إلَّا سَاعَةً، اعْلَمْ أَنَّ إحَاطَةَ الدَّمِ لِلطَّرَفَيْنِ
شَرْطٌ بِالِاتِّفَاقِ لَكِنْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِطَرَفَيْ مُدَّةِ
الْحَيْضِ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِطَرَفَيْ مُدَّةِ الطُّهْرِ الْمُتَخَلِّلِ
وَأَنَّ الطُّهْرَ الَّذِي يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ إذَا
تَخَلَّلَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ
أَيَّامٍ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بَلْ هُوَ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي
إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَكْثَرَ، فَعِنْدَ أَبِي
يُوسُفَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ آخِرًا لَا يَفْصِلُ وَلَوْ
أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ بَلْ هُوَ أَيْضًا كَالدَّمِ
الْمُتَوَالِي عِنْدَهُ لِأَنَّهُ طُهْرٌ فَاسِدٌ لَا يَصْلُحُ لِلْفَصْلِ
بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ لِمَا مَرَّ أَنَّ أَقَلَّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ
عَشَرَ يَوْمًا فَكَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ لِلْفَصْلِ بَيْنَ الدَّمَيْنِ
لِأَنَّ الْفَاسِدَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامُ الصَّحِيحِ شَرْعًا
فَيَجُوزُ بُدَاءَةُ الْحَيْضِ وَخَتْمُهُ بِالطُّهْرِ عَلَى هَذَا
الْقَوْلِ لَا الْأَقْوَالِ الْخَمْسَةِ الْآتِيَةِ.
وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَفْصِلُ إنْ
أَحَاطَ الدَّمُ بِطَرَفَيْهِ فِي عَشَرَةٍ أَوْ أَقَلَّ وَفِي رِوَايَةِ
ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْهُ يُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ كَوْنُ الدَّمَيْنِ
نِصَابًا.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُشْتَرَطُ مَعَ هَذَا كَوْنُ الطُّهْرِ مُسَاوِيًا
لِلدَّمَيْنِ أَوْ أَقَلَّ ثُمَّ إذَا صَارَ الطُّهْرُ لِكَوْنِهِ
كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي دَمًا عِنْدَهُ فَإِنْ وُجِدَ فِي عَشَرَةِ ذَلِكَ
الطُّهْرِ فِيهَا طُهْرٌ آخَرُ يَغْلِبُ الدَّمَيْنِ الْمُحِيطَيْنِ بِهِ
لَكِنْ يَصِيرُ مَغْلُوبًا إنْ عُدَّ ذَلِكَ الدَّمُ الْحُكْمِيُّ دَمًا
فَإِنَّهُ يُعَدُّ دَمًا حَتَّى يَجْعَلَ الطُّهْرَ الْآخَرَ حَيْضًا
أَيْضًا إلَّا فِي قَوْلِ أَبِي سُهَيْلٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ
الطُّهْرِ الْآخَرِ مُقَدَّمًا عَلَى ذَلِكَ الطُّهْرِ أَوْ مُؤَخَّرًا،
وَعِنْدَ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ الطُّهْرُ الَّذِي يَكُونُ ثَلَاثَةً أَوْ
أَكْثَرَ يَفْصِلُ مُطْلَقًا فَهَذِهِ سِتَّةُ أَقْوَالٍ وَوَضَعُوا
مِثَالًا يَجْمَعُ هَذِهِ الْأَقْوَالَ مُبْتَدِئَةٌ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا
وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ طُهْرًا ثُمَّ يَوْمًا د وَثَمَانِيَةً ط ثُمَّ
يَوْمًا د وَسَبْعَةً ط ثُمَّ يَوْمَيْنِ د وَثَلَاثَةً ط ثُمَّ يَوْمًا د
وَثَلَاثَةً ط ثُمَّ يَوْمًا د وَيَوْمَيْنِ ط ثُمَّ يَوْمًا د فَهَذِهِ
خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ يَوْمًا فَفِي رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ الْعَشَرَةُ
الْأُولَى الَّتِي حَادِيهَا دَمٌ وَعَاشِرُهَا طُهْرٌ، وَالْعَشَرَةُ
الرَّابِعَةُ الَّتِي طَرَفَاهَا طُهْرٌ حَيْضٌ وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ
الْعَشَرَةُ بَعْدَ طُهْرٍ هُوَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ حَيْضٍ وَفِي رِوَايَةِ
ابْنِ الْمُبَارَكِ الْعَشَرَةُ بَعْدَ طُهْرٍ هُوَ ثَمَانِيَةُ حَيْضٍ.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْعَشَرَةُ بَعْدَ طُهْرٍ هُوَ سَبْعَةُ حَيْضٍ.
وَعِنْدَ أَبِي سُهَيْلٍ السِّتَّةُ الْأُولَى مِنْ هَذِهِ الْعَشَرَةِ
حَيْضَةٌ.
وَعِنْدَ الْحَسَنِ الْأَرْبَعَةُ الْأَخِيرَةُ حَيْضٌ وَمَا سِوَى مَا
حَكَمَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ بِكَوْنِهِ حَيْضًا اسْتِحَاضَةٌ عِنْدَ ذَلِكَ
الْحَاكِمِ فَفِي كُلِّ صُورَةٍ يَكُونُ الطُّهْرُ النَّاقِصُ فَاصِلًا فِي
هَذِهِ الْأَقْوَالِ إنْ كَانَ أَحَدُ الدَّمَيْنِ نِصَابًا كَانَ حَيْضًا
وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا نِصَابًا فَالْأُولَى حَيْضٌ وَإِنْ لَمْ
يَكُنْ شَيْءٌ مِنْهُمَا نِصَابًا فَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْأُولَى
وَالثَّانِيَةِ اسْتِحَاضَةٌ وَلْنُصَوِّرْ صُورَةً يُفْهَمُ مِنْهَا
الْأَقْوَالُ بِسُهُولَةٍ وَهِيَ هَذِهِ (د هـ هـ هـ هـ هـ هـ هـ هـ هـ هـ
هـ هـ هـ هـ د هـ هـ هـ هـ هـ هـ هـ هـ د هـ هـ هـ هـ هـ هـ هـ د د هـ هـ
هـ د هـ هـ هـ د هـ هـ د) هَذَا مَا تَيَسَّرَ لِي فِي هَذَا الْمَقَامِ
بِعَوْنِ الْمَلِكِ الْعَلَّامِ.
(، وَالنِّفَاسُ دَمٌ يَعْقُبُ الْوَلَدَ) وَهُوَ فِي الْأَصْلِ وِلَادَةُ
الْمَرْأَةِ إذَا وَضَعَتْ فَهِيَ نُفَسَاءُ وَنِسْوَةٌ نِفَاسٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
فَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِثَلَاثِ سِنِينَ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا اهـ.
قُلْت فَلَا شَكَّ أَنَّ مَا صَوَّرَهُ هُوَ هَكَذَا فِي الْحُكْمِ فَلَا
وَجْهَ لِلتَّنْقِيضِ اهـ. ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ: وَهَذَا بِنَاءً عَلَى
اعْتِبَارِهِ الطَّلَاقَ أَوَّلَ الطُّهْرِ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ
مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ إلَى إيقَاعِ الطَّلَاقِ مَضْبُوطًا فَلَيْسَ
هَذَا التَّقْدِيرُ بِلَازِمٍ لِجَوَازِ كَوْنِ حِسَابِهِ يُوجِبُ كَوْنَهُ
أَوَّلَ الْحَيْضِ فَيَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ الْمَذْكُورِ بِعَشَرَةِ
أَيَّامٍ أَوْ آخِرَ الطُّهْرِ فَيُقَدَّرُ بِسَنَتَيْنِ وَاحِدٍ
وَثَلَاثِينَ أَوْ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ أَوْ ثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ
وَنَحْوِ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَضْبُوطًا فَيَنْبَغِي أَنْ تُزَادَ
الْعَشَرَةُ إنْزَالًا لَهُ مُطْلَقًا أَوَّلَ الْحَيْضِ احْتِيَاطًا اهـ.
فَقُلْت وَبِهَذَا تُعْلَمُ صِحَّةُ جَوَابِنَا عَنْ الزَّيْلَعِيِّ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: اعْلَمْ. . . إلَخْ) مَحَلُّهُ عِنْدَ
قَوْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ وَطُهْرٍ مُتَخَلَّلٍ فِيهَا حَيْضٌ فَكَانَ
يَنْبَغِي ذِكْرُهُ ثَمَّةَ (قَوْلُهُ: فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ
قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. . . إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَعَلَيْهِ
الْفَتْوَى اهـ.
وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا
أَخَذُوا بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الْقَاضِي
الْإِمَامُ صَدْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْيُسْرِ وَكَانَ يَقُولُ هُوَ
أَسْهَلُ عَلَى الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي، وَعَلَيْهِ اسْتَقَرَّ رَأْيُ
صَدْرِ الْإِسْلَامِ حُسَامِ الدِّينِ وَبِهِ يُفْتِي اهـ.
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ رِوَايَةَ أَبِي يُوسُفَ لَكِنَّهُ
لَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ إلَّا فِي مُدَّةِ النِّفَاسِ فَرَاجِعْهُ
مُتَأَمِّلًا (قَوْلُهُ: كَوْنُ الدَّمَيْنِ نِصَابًا) أَقُولُ وَهُوَ
ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ. . . إلَخْ)
قَالَ الْكَمَالُ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَبْسُوطِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى
قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى اهـ.
وَيَعْنِي بِالْأَوَّلِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ الَّذِي هُوَ قَوْلُ أَبِي
حَنِيفَةَ آخِرًا (قَوْلُهُ: فَفِي رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ الْعَشَرَةُ
الْأُولَى. . . إلَخْ) فَإِنْ قُلْت فِي جَعْلِ الْعَشَرَةِ الْأُولَى
حَيْضًا نَظَرٌ لِأَنَّ شَرْطَهُ وُجُودُ نِصَابِ أَقَلِّهِ وَذَلِكَ إمَّا
ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ
أَوْ يَوْمَانِ وَأَكْثَرُ الثَّالِثِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَلَمْ يُوجَدْ
قُلْت قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الطُّهْرَ إذَا لَمْ يَكُنْ خَمْسَةَ عَشَرَ
يَوْمًا كَانَ فَاسِدًا فَلَمْ يَكُنْ فَاصِلًا فَهُوَ كَالدَّمِ
الْمُتَوَالِي وَإِذَا كَانَ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي فَالْحَيْضُ
عَشَرَةٌ، وَالطُّهْرُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا.
[أَحْكَام النِّفَاس وَالِاسْتِحَاضَة]
(قَوْلُهُ: وَالنِّفَاسُ. . . إلَخْ) تَسْمِيَةٌ بِالْمَصْدَرِ وَأَمَّا
اشْتِقَاقُهُ مِنْ تَنَفُّسِ الرَّحِمِ أَوْ خُرُوجِ النَّفْسِ بِمَعْنَى
الْوَلَدِ فَلَيْسَ بِذَاكَ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي عَنْ الْمُغْرِبِ
(1/41)
وَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ فُعَلَاءُ
يُجْمَعُ عَلَى فِعَالٍ غَيْرُ نُفَسَاءَ وَعُشَرَاءَ كَذَا فِي الصِّحَاحِ
(وَلَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ) لِأَنَّ خُرُوجَ الْوَلَدِ أَمَارَةٌ بَيِّنَةٌ
عَلَى أَنَّهَا مِنْ الرَّحِمِ فَلَا حَاجَةَ إلَى مَا يُؤَيِّدُ جَانِبَ
كَوْنِهَا مِنْ الرَّحِمِ بِخِلَافِ الْحَيْضِ إذْ لَمْ يُوجَدْ هُنَاكَ
مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الرَّحِمِ فَجُعِلَ الِامْتِدَادُ
مُرَجِّحًا (وَأَكْثَرُهُ أَرْبَعُونَ يَوْمًا) «لِأَنَّهُ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَّتَ لِلنُّفَسَاءِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا»
.
(وَكُلٌّ) مِنْ الْحَيْضِ، وَالنِّفَاسِ (يَمْنَعُ اسْتِمْتَاعَ مَا تَحْتَ
الْإِزَارِ) كَالْمُبَاشَرَةِ، وَالتَّفْخِيذِ وَتَحِلُّ الْقُبْلَةُ
وَمُلَامَسَةُ مَا فَوْقَهُ.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَتَّقِي مَوْضِعَ الدَّمِ فَقَطْ (وَالصَّلَاةَ،
وَالصَّوْمَ) لِلْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ (وَتَقْضِيهِ فَقَطْ) أَيْ تَقْضِي
الصَّوْمَ لَا الصَّلَاةَ لِأَنَّ الْحَيْضَ يَمْنَعُ وُجُوبَ الصَّلَاةِ
وَصِحَّةَ أَدَائِهَا وَلَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الصَّوْمِ فَنَفْسُ وُجُوبِهِ
ثَابِتٌ وَيَمْنَعُ صِحَّةَ أَدَائِهِ فَيَجِبُ الْقَضَاءُ إذَا طَهُرَتْ.
(وَتُوطَأُ بِلَا غُسْلٍ بِانْقِطَاعِهِ لِلْأَكْثَرِ وَلِلْأَقَلِّ لَا
حَتَّى تَغْتَسِلَ أَوْ يَمْضِيَ عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ يَسَعُ
الْغُسْلَ، وَالتَّحْرِيمَةَ) أَيْ حَلَّ وَطْءُ مَنْ قُطِعَ دَمُهَا
لِأَكْثَرِ الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ لَا وَطْءُ مَنْ قُطِعَ دَمُهَا
لِأَقَلَّ مِنْ الْأَكْثَرِ بِأَنْ يَنْقَطِعَ الْحَيْضُ لِأَقَلَّ مِنْ
عَشَرَةٍ، وَالنِّفَاسُ لِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ إلَّا إذَا مَضَى
أَدْنَى وَقْتِ صَلَاةٍ يَسَعُ الْغُسْلَ وَالتَّحْرِيمَةَ فَحِينَئِذٍ
يَحِلُّ وَطْؤُهَا وَإِنْ لَمْ تَغْتَسِلْ لِأَنَّ الصَّلَاةَ صَارَتْ
دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا فَطَهُرَتْ حُكْمًا فَإِذَا انْقَطَعَ لِأَقَلَّ
مِنْ الْعَشَرَةِ بَعْدَ مُضِيِّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ أَكْثَرَ فَإِنْ
كَانَ الِانْقِطَاعُ فِيمَا دُونَ الْعَادَةِ يَجِبُ أَنْ تُؤَخِّرَ
الْغُسْلَ إلَى آخِرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَإِنْ خَافَتْ الْفَوْتَ
اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ، وَالْمُرَادُ آخِرُ الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ لَا
وَقْتُ الْكَرَاهَةِ، وَإِنْ كَانَ الِانْقِطَاعُ عَلَى رَأْسِ عَادَتِهَا
أَوْ أَكْثَرَ أَوْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً فَتُؤَخِّرُ الِاغْتِسَالَ
اسْتِحْبَابًا، وَإِنْ انْقَطَعَ لِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ أَخَّرَتْ
الصَّلَاةَ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ فَإِذَا خَافَتْ الْفَوْتَ تَوَضَّأَتْ
وَصَلَّتْ ثُمَّ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ إذَا عَادَ الدَّمُ فِي
الْعَشَرَةِ بَطَلَ الْحُكْمُ بِطَهَارَتِهَا مُبْتَدَأَةً كَانَتْ أَوْ
مُعْتَادَةً وَإِذَا انْقَطَعَ لِعَشَرَةٍ أَوْ أَكْثَرَ فَبِمُضِيِّ
الْعَشَرَةِ يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهَا وَيَجِبُ عَلَيْهَا الِاغْتِسَالُ
وَقَدْ ذَكَرَ أَنَّ مِنْ عَادَتِهَا أَنْ تَرَى يَوْمًا دَمًا وَيَوْمًا
طُهْرًا هَكَذَا إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ فَإِذَا رَأَتْ الدَّمَ تَتْرُكُ
الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ وَإِذَا طَهُرَتْ فِي الثَّانِي تَوَضَّأَتْ
وَصَلَّتْ ثُمَّ فِي الثَّالِثِ تَتْرُكُهُمَا، وَفِي الرَّابِعِ
اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ هَكَذَا إلَى الْعَشَرَةِ (وَيَكْفُرُ
مُسْتَحِلُّهُ) أَيْ وَطْءِ الْحَائِضِ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ ثَبَتَتْ
بِالنَّصِّ الْقَطْعِيِّ.
(وَالنَّاقِصُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي اسْتِحَاضَةٌ (عَنْ
أَقَلِّ الْحَيْضِ) أَيْ الثَّلَاثَةِ (وَالزَّائِدُ عَلَى أَكْثَرِهِ)
أَيْ الْعَشَرَةِ (أَوْ) عَلَى (أَكْثَرِ النِّفَاسِ) أَيْ أَرْبَعِينَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
وَقَالَ الْكَمَالُ: ثُمَّ يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ فِي التَّعْرِيفِ
فَيُقَالُ عَقِبَ الْوِلَادَةِ مِنْ الْفَرْجِ فَإِنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ
مِنْ قِبَلِ سُرَّتِهَا بِأَنْ كَانَ بِبَطْنِهَا جُرْحٌ فَانْشَقَّتْ
وَخَرَجَ الْوَلَدُ مِنْهَا تَكُونُ صَاحِبَةَ جُرْحٍ سَائِلٍ لَا
نُفَسَاءَ وَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ وَتَصِيرُ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ
بِهِ وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِوِلَادَتِهَا وَقَعَ كَذَا فِي
الظَّهِيرِيَّةِ اهـ.
وَإِنْ سَالَ الدَّمُ مِنْ الْأَسْفَلِ صَارَتْ نُفَسَاءَ وَلَوْ وَلَدَتْ
مِنْ السُّرَّةِ لِأَنَّهُ وُجِدَ خُرُوجُ الدَّمِ مِنْ الرَّحِمِ عَقِبَ
الْوِلَادَةِ كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ اهـ.
وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهَا إذَا لَمْ تَرَ دَمًا لَا تَكُونُ
نُفَسَاءَ، وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ: وَعَلَيْهَا الْغُسْلُ عِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ وَإِنْ لَمْ تَرَ دَمًا احْتِيَاطًا لِعَدَمِ خُلُوِّهِ عَنْ
قَلِيلِ دَمٍ ظَاهِرًا وَاكْتَفَيَا بِالْوُضُوءِ فِي قَوْلِهِمَا
الْآخَرِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ.
وَقَدَّمْنَاهُ فِي مُوجِبَاتِ الْغُسْلِ وَذَكَرْنَاهُ أَيْضًا هُنَا
لِتَعَلُّقِهِ بِكُلٍّ مِنْ الْمَحَلَّيْنِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ صَحَّحَ
فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ قَوْلَ الْإِمَامِ بِالْوُجُوبِ وَكَذَا
فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَقَالَ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الصَّدْرُ
الشَّهِيدُ فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبَ.
وَفِي الْعِنَايَةِ وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ أَخَذَ بِقَوْلِ أَبِي
حَنِيفَةَ اهـ.
وَهَذَا مَا وَعَدْنَا بِهِ (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّهَا مِنْ الرَّحِمِ)
أَنَّثَ الضَّمِيرَ بِاعْتِبَارِ الدِّمَاءِ وَكَانَ الْأَوْلَى
تَذْكِيرَهُ لِرُجُوعِهِ لِلنِّفَاسِ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْحَيْضَ يَمْنَعُ وُجُوبَ الصَّلَاةِ. . . إلَخْ)
هَذَا التَّعْلِيلُ فِيهِ قُصُورٌ لِمَا فِيهِ مِنْ تَخْصِيصِ الْحُكْمِ
بِالْحَائِضِ، وَالْمَتْنُ شَامِلٌ لِلنُّفَسَاءِ وَهِيَ كَالْحَائِضِ فِي
الْأَحْكَامِ وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا الْمُصَنِّفُ
(قَوْلُهُ: أَيْ حَلَّ وَطْءُ مَنْ انْقَطَعَ دَمُهَا لِأَكْثَرَ) أَقُولُ
لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَطَأَهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ كَمَا فِي
الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا مَضَى أَدْنَى وَقْتِ صَلَاةٍ. . . إلَخْ)
يَعْنِي بِهِ أَدْنَاهُ الْوَاقِعَ آخِرَ الْوَقْتِ لِقَوْلِهِ إنَّ
الصَّلَاةَ صَارَتْ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا لَا أَعَمَّ مِنْهُ كَمَا
غَلِطَ فِيهِ بَعْضُهُمْ ثُمَّ الْحَصْرُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ لَمَّا أَنَّ
التَّيَمُّمَ إذَا صَلَّتْ بِهِ كَذَلِكَ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَفِيهِ
قُصُورٌ لِعَدَمِ التَّعَرُّضِ لِلْكَلَامِ عَلَى الْغُسْلِ
وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ الِانْقِطَاعُ
فِيمَا دُونَ الْعَادَةِ. . . إلَخْ) لَمْ يَتَعَرَّضْ فِيهِ لِحُكْمِ
إتْيَانِهَا وَلَا يَحِلُّ لِلزَّوْجِ قُرْبَانُهَا وَإِنْ اغْتَسَلَتْ مَا
لَمْ تَمْضِ عَادَتُهَا كَمَا فِي الْفَتْحِ.
(تَنْبِيهٌ) : مُدَّةُ الِاغْتِسَالِ مِنْ الْحَيْضِ فِي الِانْقِطَاعِ
لِأَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ وَإِنْ كَانَ تَمَامُ عَادَتِهَا بِخِلَافِهِ
لِلْعَشَرَةِ حَتَّى لَوْ طَهُرَتْ فِي الْأُولَى، وَالْبَاقِي قَدْرُ
الْغُسْلِ وَالتَّحْرِيمَةِ فَعَلَيْهَا قَضَاءُ تِلْكَ الصَّلَاةِ، وَفِي
الثَّانِيَةِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْبَاقِي مِنْ الْوَقْتِ قَدْرَ
التَّحْرِيمَةِ فَقَطْ
وَفِي الْمُجْتَبَى الصَّحِيحُ أَنْ يُعْتَبَرَ مَعَ الْغُسْلِ لُبْسُ
الثِّيَابِ وَهَكَذَا صَوْمُهَا وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ:
وَيَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهُ أَيْ وَطْءَ الْحَائِضِ) أَقُولُ اُخْتُلِفَ فِي
تَكْفِيرِهِ وَذَكَرَ صَاحِبُ تَنْوِيرِ الْأَبْصَارِ: أَنَّهُ لَا
يَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهُ وَعَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ اهـ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَتْنَ شَامِلٌ لِلنُّفَسَاءِ وَقَدْ خَصَّهُ
بِالْحَائِضِ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَنْ وَطِئَ النُّفَسَاءَ مِنْ حَيْثُ
تَكْفِيرُهُ أَمَّا حُرْمَةُ وَطْئِهَا فَمُصَرَّحٌ بِهِ.
(1/42)
(أَوْ) عَلَى (عَادَةٍ عُرِفَتْ لَهُمَا
وَجَاوَزَا أَكْثَرَهُمَا) أَيْ عَادَةٍ عُرِفَتْ لِحَيْضٍ وَجَاوَزَ
الْعَشَرَةَ أَوْ نِفَاسٍ وَجَاوَزَ الْأَرْبَعِينَ فَإِذَا كَانَتْ لَهَا
عَادَةٌ فِي الْحَيْضِ كَسَبْعَةٍ مَثَلًا فَرَأَتْ الدَّمَ اثْنَيْ عَشَرَ
يَوْمًا فَخَمْسَةُ أَيَّامٍ بَعْدَ السَّبْعِ اسْتِحَاضَةٌ، وَإِذَا
كَانَتْ لَهَا عَادَةٌ فِي النِّفَاسِ وَهِيَ ثَلَاثُونَ يَوْمًا مَثَلًا
فَرَأَتْ الدَّمَ خَمْسِينَ يَوْمًا فَالْعِشْرُونَ الَّتِي بَعْدَ
الثَّلَاثِينَ اسْتِحَاضَةٌ هَذَا حُكْمُ الْمُعْتَادَةِ ثُمَّ أَرَادَ
أَنْ يُبَيِّنَ حُكْمَ الْمُبْتَدَأَةِ فَقَالَ (أَوْ) عَلَى (عَشَرَةِ
حَيْضٍ مَنْ بَلَغَتْ مُسْتَحَاضَةً أَوْ) عَلَى (أَرْبَعِينَ نِفَاسِهَا
وَمَا رَأَتْ حَامِلٌ) مِنْ الدَّمِ (اسْتِحَاضَةٌ) أَمَّا الثَّلَاثَةُ
الْأُوَلُ فَلِأَنَّ الشَّرْعَ لَمَّا بَيَّنَ أَقَلَّ الْحَيْضِ
وَأَكْثَرَهُ وَأَكْثَرَ النِّفَاسِ عُلِمَ أَنَّ النَّاقِصَ عَنْ
الْأَقَلِّ، وَالزَّائِدَ عَلَى الْأَكْثَرِ لَا يَكُونُ حَيْضًا وَلَا
نِفَاسًا فَيَكُونُ اسْتِحَاضَةً بِالضَّرُورَةِ، وَأَمَّا الرَّابِعُ
فَلِمَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ بِأَنْ تَدَعَ الصَّلَاةَ
أَيَّامَ أَقْرَائِهَا وَتُصَلِّيَ فِي غَيْرِهَا فَعُلِمَ أَنَّ
الزَّائِدَ عَلَى أَيَّامِ أَقْرَائِهَا اسْتِحَاضَةٌ، وَأَمَّا الْخَامِسُ
وَالسَّادِسُ فَلِأَنَّ الْمُبْتَدِئَةَ الَّتِي بَلَغَتْ مُسْتَحَاضَةً
حَيْضُهَا مِنْ كُلِّ شَهْرٍ عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَمَا زَادَ عَلَيْهَا
اسْتِحَاضَةٌ فَيَكُونُ طُهْرُهَا عِشْرِينَ يَوْمًا وَأَمَّا النِّفَاسُ
فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَرْأَةِ فِيهِ عَادَةٌ فَنِفَاسُهَا أَرْبَعُونَ
يَوْمًا وَالزَّائِدُ عَلَيْهَا اسْتِحَاضَةٌ.
وَأَمَّا السَّابِعُ فَلِمَا عَرَفْت فِي أَوَّلِ الْبَابِ ثُمَّ بَيَّنَ
حُكْمَ الِاسْتِحَاضَةِ فَقَالَ (لَا تَمْنَعُ صَلَاةً وَصَوْمًا
وَوَطْئًا) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
«لِمُسْتَحَاضَةٍ تَوَضَّئِي وَصَلِّي وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى
الْحَصِيرِ» فَثَبَتَ بِهِ حُكْمُ الصَّلَاةِ عِبَارَةً وَحُكْمُ الْوَطْءِ
وَالصَّوْمِ دَلَالَةً لِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ دَمَ
الرَّحِمِ يَمْنَعُ الصَّلَاةَ، وَالصَّوْمَ، وَالْوَطْءَ وَدَمَ الْعِرْقِ
لَا يَمْنَعُ شَيْئًا مِنْهَا فَلَمَّا لَمْ يَمْنَعْ هَذَا الدَّمُ
الصَّلَاةَ عَلَى أَنَّهُ دَمُ عِرْقٍ لَا دَمُ رَحِمٍ فَثَبَتَ
الْحُكْمَانِ الْآخَرَانِ دَلَالَةً.
(وَالنِّفَاسُ لِأُمِّ التَّوْأَمَيْنِ) هُمَا وَلَدَانِ مِنْ بَطْنٍ
يَكُونُ بَيْنَ وِلَادَتِهِمَا أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ (مِنْ)
الْوَلَدِ (الْأَوَّلِ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ
(وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ مِنْ الْآخَرِ) وِفَاقًا لَهُمْ أَنَّهَا حَامِلٌ
بِهِ فَلَا يَكُونُ دَمُهَا مِنْ الرَّحِمِ وَلِذَا لَا تَنْقَضِي
الْعِدَّةُ إلَّا بِوَضْعِ الثَّانِي وَلَنَا أَنَّ النِّفَاسَ هُوَ
الدَّمُ الْخَارِجُ عَقِيبَ الْوِلَادَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ فَصَارَ
كَالدَّمِ الْخَارِجِ عَقِيبَ الْوَلَدِ الْوَاحِدِ وَانْقِضَاءُ
الْعِدَّةِ مُتَعَلِّقٌ بِوَضْعِ حَمْلٍ مُضَافٍ إلَيْهَا فَيَتَنَاوَلُ
الْجَمِيعَ (وَسِقْطٌ يُرَى بَعْضُ خَلْقِهِ) كَيَدٍ وَرِجْلٍ أَوْ
أُصْبُعٍ أَوْ ظُفْرٍ أَوْ شَعْرٍ (وَلَدٌ) فَتَكُونُ بِهِ نُفَسَاءَ
وَتَنْقَضِي الْعِدَّةُ وَتَصِيرُ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ وَيَحْنَثُ لَوْ
كَانَ عَلَّقَ يَمِينَهُ بِالْوِلَادَةِ.
(وَأَمَّا الْإِيَاسُ فَقِيلَ لَا يُحَدُّ بِمُدَّةٍ) بَلْ هُوَ أَنْ
تَبْلُغَ مِنْ السِّنِّ مَا لَا يَحِيضُ مِثْلُهَا فَإِذَا بَلَغَتْ هَذَا
الْمَبْلَغَ وَانْقَطَعَ دَمُهَا يُحْكَمُ بِإِيَاسِهَا (فَمَا رَأَتْهُ
بَعْدَ الِانْقِطَاعِ حَيْضٌ) أَيْ إذَا لَمْ يُحَدَّ فَإِنْ رَأَتْ بَعْدَ
ذَلِكَ دَمًا كَانَ حَيْضًا فَيَبْطُلُ الِاعْتِدَادُ بِالْأَشْهُرِ،
وَتَفْسُدُ الْأَنْكِحَةُ (وَقِيلَ يُحَدُّ) وَاخْتُلِفَ فِيهِ، فَقِيلَ
يُحَدُّ (بِخَمْسِينَ سَنَةً) وَهُوَ مَذْهَبُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا - وَفِي الْحُجَّةِ الْيَوْمُ يُفْتَى بِهِ تَيْسِيرًا عَلَى مَنْ
اُبْتُلِيَتْ بِارْتِفَاعِ الْحَيْضِ بِطُولِ الْعِدَّةِ (وَقِيلَ) يُحَدُّ
(بِخَمْسٍ وَخَمْسِينَ) سَنَةً، وَبِهِ أَفْتَى مَشَايِخُ بُخَارَى
وَخُوَارِزْمَ وَمَرْوَ (وَقِيلَ) يُحَدُّ (بِسِتِّينَ) سَنَةً وَهُوَ
مَرْوِيٌّ عَنْ مُحَمَّدٍ نَصًّا وَمُعْتَبَرٌ عِنْدَ أَكْثَرِ
الْمَشَايِخِ (وَاخْتُلِفَ فِيمَا رَأَتْهُ بَعْدَهَا)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ: أَوْ عَلَى عَادَةٍ عُرِفَتْ لَهُمَا) أَقُولُ لَمْ يَتَعَرَّضْ
لِمَا تَثْبُتُ بِهِ الْعَادَةُ وَقَالَ الْخُلَاصَةُ، وَالْكَافِي:
الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي ثُبُوتِ الْعَادَةِ بِمَرَّةٍ
وَاحِدَةٍ وَعِنْدَهُمَا لَا بُدَّ مِنْ الْإِعَادَةِ لِثُبُوتِ
الْعَادَةِ، وَالْخِلَافُ فِي الْعَادَةِ الْأَصْلِيَّةِ لَا
الْجَعْلِيَّةِ وَمَنْ أَرَادَ ذَلِكَ فَلْيَقْصِدْ فَتْحَ الْقَدِيرِ
(قَوْلُهُ: فَرَأَتْ الدَّمَ خَمْسِينَ يَوْمًا فَالْعَشَرَةُ. . . إلَخْ)
.
فَإِنْ قِيلَ لِمَ لَمْ يَقُلْ فَالْعِشْرُونَ كَمَا قَالَ فَخَمْسَةُ
أَيَّامٍ بَعْدَ السَّبْعِ اسْتِحَاضَةٌ قُلْت حِكْمَةُ ذَلِكَ لِيُعْرَفَ
بِهِ جَوَازُ إطْلَاقِ الِاسْتِحَاضَةِ عَلَى جَمِيعِ الزَّائِدِ وَعَلَى
مَا يَتِمُّ بِهِ الْأَكْثَرُ اهـ.
وَمَا قِيلَ إنَّهُ لَمْ يَقُلْ فَالْعِشْرُونَ الَّتِي بَعْدَ
الثَّلَاثِينَ عَلَى قِيَاسِ مَا قَالَ فَخَمْسَةُ أَيَّامٍ بَعْدَ
السَّبْعِ اسْتِحَاضَةٌ لِأَنَّ الْمُحْتَاجَ إلَى الْبَيَانِ الْعَشَرَةُ
الَّتِي بَعْدَ الثَّلَاثِينَ لَا مَا فَوْقَهُ فِيهِ تَسَاهُلٌ ظَاهِرٌ
(قَوْلُهُ: فَيَكُونُ طُهْرُهَا عِشْرِينَ يَوْمًا) أَقُولُ الْعِشْرِينَ
لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ كَمَا قَالَ
الْكَمَالُ: إنَّهُ يُقَدَّرُ حَيْضُهَا بِعَشَرَةٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ
وَبَاقِيهِ طُهْرٌ فَشَهْرٌ عِشْرُونَ وَشَهْرٌ تِسْعَةَ عَشَرَ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا النِّفَاسُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَرْأَةِ عَادَةٌ.
. . إلَخْ) هَذَا الْقَيْدُ هُوَ الثَّابِتُ فَكَانَ الْأَوْلَى تَرْكَهُ
لِأَنَّ التَّعْلِيلَ لِمَنْ لَا عَادَةَ لَهَا (قَوْلُهُ: وَأَمَّا
السَّابِعُ فَلِمَا عَرَفْت) يَعْنِي مِنْ انْسِدَادِ فَمِ الرَّحِمِ
بِالْحَبَلِ (قَوْلُهُ: لَا تَمْنَعُ صَلَاةً) هَذَا عَلَى الصَّحِيحِ
فِيمَا زَادَ عَلَى الْعَادَةِ فَلَا تَتْرُكُ الصَّلَاةَ بِمُجَرَّدِ
رُؤْيَةِ الدَّمِ الزَّائِدِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَلَا تُصَلِّي
بِمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الْأَصْلِيِّ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي
التَّبْيِينِ قُلْت وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَأْتِيَهَا زَوْجُهَا
احْتِيَاطًا حَتَّى يَتَيَقَّنَ حَالَهَا.
(قَوْلُهُ: هُمَا وَلَدَانِ. . . إلَخْ) أَقُولُ وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ
وَلَدَتْ ثَلَاثَةً بَيْنَ الْأَوَّلِ، وَالثَّانِي أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ
أَشْهُرٍ وَكَذَا بَيْنَ الثَّانِي، وَالثَّالِثِ وَلَكِنْ بَيْنَ
الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ أَكْثَرُ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَيُجْعَلُ
حَمْلًا وَاحِدًا عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ:
وَسِقْطٌ يُرَى بَعْضُ خَلْقِهِ. . . إلَخْ) .
أَقُولُ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ حَالُهُ بِأَنْ أَسْقَطَتْ فِي الْمَخْرَجِ
وَاسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ إنْ أَسْقَطَتْ أَوَّلَ أَيَّامِهَا تَتْرُكُ
الصَّلَاةَ قَدْرَ عَادَتِهَا وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْإِيَاسُ) قَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَهُ فِي بَابِ
الْعِدَّةِ فَلْيُرَاجَعْ.
(1/43)
أَيْ بَعْدَ مُدَّةِ الْإِيَاسِ فَظَاهِرُ
الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ حَيْضًا، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهَا إنْ
رَأَتْ دَمًا قَوِيًّا كَالْأَسْوَدِ، وَالْأَحْمَرِ الْقَانِي كَانَ
حَيْضًا وَيَبْطُلُ بِهِ الِاعْتِدَادُ بِالْأَشْهُرِ قَبْلَ التَّمَامِ
وَبَعْدَهُ لَا وَإِنْ رَأَتْ أَصْفَرَ أَوْ أَخْضَرَ أَوْ تُرَابِيًّا
فَاسْتِحَاضَةٌ.
(صَاحِبُ الْعُذْرِ ابْتِدَاءً مَنْ اسْتَوْعَبَ عُذْرُهُ تَمَامَ وَقْتِ
صَلَاةٍ وَلَوْ حُكْمًا) بِأَنْ لَا يَجِدَ فِي وَقْتِ صَلَاةٍ زَمَانًا
يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي فِيهِ خَالِيًا عَنْ الْحَدَثِ.
(وَفِي الْبَقَاءِ كَفَى وُجُودُهُ فِي جُزْءٍ مِنْ الْوَقْتِ وَفِي
الزَّوَالِ شَرْطُ اسْتِيعَابِ الِانْقِطَاعِ حَقِيقَةً) قَالَ الْفَاضِلُ
السُّرُوجِيُّ فِي الْغَايَةِ ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ، وَالْفَتَاوَى
الْمَرْغِينَانِيَّةِ، وَالْوَاقِعَاتِ، وَالْحَاوِي: وَخَيْرِ مَطْلُوبٍ
وَجَامِعِ الْخَلَّاطِيِّ، وَالْمَنَافِعِ، وَالْحَوَاشِي أَنَّهُ لَا
يَثْبُتُ حُكْمُ الِاسْتِحَاضَةِ فِيهَا حَتَّى يَسْتَمِرَّ بِهَا الدَّمُ
وَقْتَ صَلَاةٍ كَامِلًا وَيَسْتَوْعِبَ الْوَقْتَ كُلَّهُ، وَيَكُونُ
الثُّبُوتُ مِثْلَ الِانْقِطَاعِ فِي اشْتِرَاطِ الِاسْتِيعَابِ قَالَ
الزَّيْلَعِيُّ: بَعْدَمَا اطَّلَعَ عَلَى كَلَامِ الْغَايَةِ، وَنَقَلَهُ.
وَفِي الْكَافِي لِحَافِظِ الدِّينِ وَإِنَّمَا يَصِيرُ صَاحِبَ عُذْرٍ
إذَا لَمْ يَجِدْ فِي وَقْتِ صَلَاةٍ زَمَانًا يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي
فِيهِ خَالِيًا عَنْ الْحَدَثِ ثُمَّ قَالَ فَهَذِهِ عَامَّةُ كُتُبِ
الْحَنَفِيَّةِ كَمَا تَرَاهُ فَكَانَ هُوَ الْأَظْهَرَ وَأَرَادَ بِهِ
الرَّدَّ عَلَى الْكَافِي بِأَنَّ كَلَامَهُ مُخَالِفٌ لِتِلْكَ الْكُتُبِ
أَقُولُ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْمُرَادَ بِمَا ذُكِرَ فِي
تِلْكَ الْكُتُبِ مِنْ اسْتِيعَابِ ثُبُوتِ الْعُذْرِ تَمَامَ وَقْتِ
الصَّلَاةِ عَيْنُ مَا ذُكِرَ فِي الْكَافِي بِدَلِيلِ أَنَّ شُرَّاحَ
جَامِعِ الْخَلَّاطِيِّ قَالُوا فِي شَرْحِ قَوْلِهِ لِأَنَّ زَوَالَ
الْعُذْرِ بِاسْتِيعَابِ الْوَقْتِ كَالثُّبُوتِ أَنَّ الِانْقِطَاعَ
الْكَامِلَ مُعْتَبَرٌ فِي إبْطَالِ رُخْصَةِ الْمَعْذُورِ، وَالْقَاصِرَ
غَيْرُ مُعْتَبَرٍ إجْمَاعًا فَاحْتِيجَ إلَى حَدٍّ فَاصِلٍ فَقَدَّرْنَا
بِوَقْتِ الصَّلَاةِ كَمَا قَدَّرْنَا بِهِ ثُبُوتَ الْعُذْرِ ابْتِدَاءً
فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ لِثُبُوتِهِ فِي الِابْتِدَاءِ دَوَامُ السَّيَلَانِ
مِنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ إلَى آخِرِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ صَاحِبَ
عُذْرٍ ابْتِدَاءً إذَا لَمْ يَجِدْ فِي وَقْتِ صَلَاةٍ زَمَانًا
يَتَوَضَّأُ فِيهِ وَيُصَلِّي خَالِيًا عَنْ الْحَدَثِ الَّذِي اُبْتُلِيَ
بِهِ وَلِلْإِشَارَةِ إلَى دَفْعِ هَذَا الِاعْتِرَاضِ قُلْت أَوَّلًا
وَلَوْ حُكْمًا وَآخِرًا حَقِيقَةً (وَهُوَ) أَيْ صَاحِبُ الْعُذْرِ
(يَتَوَضَّأُ لِوَقْتِ كُلِّ فَرْضٍ وَيُصَلِّي بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ
الْوُضُوءِ (فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ (مَا شَاءَ) مِنْ فَرْضٍ
وَنَفْلٍ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَتَوَضَّأُ لِكُلِّ فَرْضٍ وَيُصَلِّي
النَّوَافِلَ بِتَبَعِيَّةِ الْفَرْضِ.
(وَيَنْقُضُهُ) أَيْ وُضُوءَ الْمَعْذُورِ (خُرُوجُ الْوَقْتِ لَا
دُخُولُهُ) وَعِنْدَ زُفَرَ دُخُولُهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كِلَاهُمَا
فَيُصَلِّي الْمُتَوَضِّئُ قَبْلَ الزَّوَالِ إلَى آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ
خِلَافًا لَهُمَا لِوُجُودِ دُخُولِ الْوَقْتِ لَا خُرُوجِهِ وَلَا
يُصَلِّي بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مَنْ تَوَضَّأَ قَبْلَ طُلُوعِهَا
وَبَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لِوُجُودِ الْخُرُوجِ لَا الدُّخُولِ
(بَابُ تَطْهِيرِ الْأَنْجَاسِ)
(يَطْهُرُ الْمُتَنَجِّسُ) ثَوْبًا كَانَ أَوْ غَيْرَ (عَنْ) نَجَاسَةٍ
(مَرْئِيَّةٍ بِزَوَالِ عَيْنِهَا وَ) زَوَالِ (أَثَرِهَا) كَاللَّوْنِ،
وَالرَّائِحَةِ (إنْ لَمْ يَشُقَّ) عَلَيْهِ (زَوَالُهُ) بِأَنْ لَا
يَحْتَاجَ إلَى الصَّابُونِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّ الْآلَةَ الْمُعَدَّةَ
لِقَلْعِ النَّجَاسَاتِ هِيَ الْمَاءُ فَإِذَا اُحْتِيجَ إلَى شَيْءٍ آخَرَ
يَشُقُّ عَلَيْهِ ذَلِكَ (بِالْمَاءِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ بِزَوَالِ
(وَبِمَائِعٍ مُزِيلٍ) أَيْ مِنْ شَأْنِهِ الْإِزَالَةُ بِأَنْ يَكُونَ
إذَا عُصِرَ انْعَصَرَ (كَالْخَلِّ وَنَحْوِهِ) كَمَاءِ الْوَرْدِ
(بِخِلَافِ نَحْوِ اللَّبَنِ) كَالدُّهْنِ فَإِنَّ فِيهِ دُسُومَةً لَا
تَنْعَصِرُ عَنْ الثَّوْبِ فَيَبْقَى بِنَفْسِهِ فِي الثَّوْبِ فَلَا
يُزِيلُ غَيْرَهُ.
(وَ) يَطْهُرُ الْمُتَنَجِّسُ (عَنْ غَيْرِهَا) أَيْ غَيْرِ الْمَرْئِيَّةِ
(بِالْغَسْلِ إلَى غَلَبَةِ ظَنِّ الطَّهَارَةِ) فَإِنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ
مِنْ الْأَدِلَّةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ: أَقُولُ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا. . . إلَخْ) قُلْت
يُؤَيِّدُهُ مَا قَالَهُ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهَذَا
يَعْنِي مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْكَافِي يَصْلُحُ تَفْسِيرًا لَهَا يَعْنِي
لِتِلْكَ الْكُتُبِ إذْ قَلَّمَا يَسْتَمِرُّ كَمَالُ وَقْتٍ بِحَيْثُ لَا
يَنْقَطِعُ فَيُؤَدِّي إلَى نَفْيِ تَحَقُّقِهِ إلَّا فِي الْإِمْكَانِ
بِخِلَافِ جَانِبِ الصِّحَّةِ مِنْهُ فَإِنَّهُ بِدَوَامِ انْقِطَاعِهِ
وَقْتًا كَامِلًا وَهُوَ مِمَّا يَتَحَقَّقُ.
(قَوْلُهُ: وَيَنْقُضُهُ خُرُوجُ الْوَقْتِ) يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ
تَوَضَّأَ عَلَى الِانْقِطَاعِ وَلَمْ يَسْتَمِرَّ أَمَّا إذَا تَوَضَّأَ
عَلَى الِانْقِطَاعِ وَاسْتَمَرَّ إلَى خُرُوجِ الْوَقْتِ فَلَا يَنْتَقِضُ
بِخُرُوجِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْوَقْتِ وَقْتُ الْمَفْرُوضَةِ لِيَخْرُجَ
بِهِ مَا لَوْ تَوَضَّأَ لِصَلَاةِ الْعِيدِ بَعْدَ الشَّمْسِ فَإِنَّهُ
يُصَلِّي بِهِ الظُّهْرَ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا لَوْ تَوَضَّأَ لِلضُّحَى،
وَأَضَافَ الْمَشَايِخُ النَّقْضَ إلَى الْخُرُوجِ لِيَسْهُلَ عَلَى
الْمُتَعَلِّمِينَ وَإِلَّا فَلَا تَأْثِيرَ لِلْخُرُوجِ وَالدُّخُولِ فِي
الِانْتِقَاضِ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا يَظْهَرُ الْحَدَثُ السَّابِقُ
عِنْدَهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
[بَابُ تَطْهِيرِ الْأَنْجَاسِ]
أَيْ تَطْهِيرِ مَحَلِّ الْأَنْجَاسِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَرْجَمَةَ مَنْ
تَرْجَمَ بِبَابِ الْأَنْجَاسِ أَوْلَى مِنْ هَذَا لِمَا فِيهَا مِنْ
الْعُمُومِ (قَوْلُهُ: يَطْهُرُ الْمُتَنَجِّسُ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ
عَيْنَ النَّجَاسَةِ لَا تَطْهُرُ بِالْغَسْلِ (قَوْلُهُ: مَرْئِيَّةٍ)
الْمُرَادُ بِهِ مَا يُرَى بَعْدَ الْجَفَافِ كَالدَّمِ وَالْعَذِرَةِ لَا
مَا لَا يُرَى بَعْدَهُ كَالْبَوْلِ كَمَا فِي الْبَحْرِ
(قَوْلُهُ: بِزَوَالِ عَيْنِهَا وَأَثَرِهَا) أَقُولُ وَلَوْ بِمَرَّةٍ
وَاحِدَةٍ فِي الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ: كَاللَّوْنِ،
وَالرَّائِحَةِ) أَيْ، وَالطَّعْمِ وَلَيْسَ مِنْ الْأَثَرِ مَا بَقِيَ
مِنْ دُهْنٍ مُتَنَجِّسٍ عَلَى يَدِهِ بَعْدَ غَسْلِهَا لِأَنَّ الدُّهْنَ
يَطْهُرُ فَيَبْقَى عَلَى يَدِهِ طَاهِرًا بِخِلَافِ دُهْنِ الْمَيْتَةِ
لِأَنَّهُ عَيْنُ النَّجَاسَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ زَوَالِهِ
(قَوْلُهُ: وَبِمَائِعٍ مُزِيلٍ) يَعْنِي وَلَوْ فِي الْبَدَنِ (قَوْلُهُ:
بِخِلَافِ نَحْوِ اللَّبَنِ) أَقُولُ وَمَا رُوِيَ فِي الْمُحِيطِ مِنْ
كَوْنِ اللَّبَنِ مُزِيلًا فِي رِوَايَةٍ فَضَعِيفٌ وَعَلَى ضَعْفِهِ
فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ
(1/44)
الشَّرْعِيَّةِ (وَقَدَّرُوهُ بِالْغَسْلِ
وَالْعَصْرِ ثَلَاثًا فِي الْمُنْعَصِرِ) أَيْ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ
يَنْعَصِرَ كَالثَّوْبِ وَنَحْوِهِ (مُبَالِغًا فِي) الْمَرَّةِ
(الثَّالِثَةِ) بِحَيْثُ لَوْ عَصَرَ بِقَدْرِ طَاقَتِهِ لَا يَسِيلُ
مِنْهُ الْمَاءُ وَلَوْ لَمْ يُبَالِغْ فِيهِ صِيَانَةً لِلثَّوْبِ لَا
يَطْهُرُ.
(وَ) تَثْلِيثِ (الْجَفَافِ) عَطْفٌ عَلَى الْعَصْرِ أَيْ وَقَدَّرُوهُ
بِالْغَسْلِ وَالْعَصْرِ وَتَثْلِيثِ الْجَفَافِ (فِي غَيْرِهِ) أَيْ
غَيْرِ الْمُنْعَصِرِ، وَالْمُرَادُ بِالْجَفَافِ انْقِطَاعُ التَّقَاطُرِ
لَا الْيُبْسُ فَقَدْ أَقَامُوا انْقِطَاعَ التَّقَاطُرِ مَقَامَ الْعَصْرِ
كَمَا أَقَامُوا إجْرَاءَ الْمَاءِ مَقَامَ الْغَسْلِ ثَلَاثًا كَمَا
سَيَأْتِي اعْلَمْ أَنَّ مَا لَا يَنْعَصِرُ إذَا تَنَجَّسَ لَا يَطْهُرُ
عِنْدَ مُحَمَّدٍ أَبَدًا لِأَنَّ النَّجَسَ إنَّمَا يَزُولُ بِالْعَصْرِ
وَلَمْ يُوجَدْ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَطْهُرُ بِغَسْلِهِ وَتَجْفِيفِهِ ثَلَاثَ
مَرَّاتٍ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى لَهُ لَوْنٌ وَلَا رَائِحَةٌ وَبِهِ يُفْتَى
فَإِذَا كَانَتْ الْحِنْطَةُ مُنْتَفِخَةً، وَاللَّحْمُ مَغْلِيٌّ
بِالْمَاءِ النَّجِسِ فَطَرِيقُ غَسْلِهِ وَتَجْفِيفِهِ أَنْ تُنْقَعَ
الْحِنْطَةُ فِي الْمَاءِ الطَّاهِرِ حَتَّى تَتَشَرَّبَ ثُمَّ تُجَفَّفَ
وَيُغْلَى اللَّحْمُ فِي الْمَاءِ الطَّاهِرِ ثُمَّ يُبَرَّدُ وَيُفْعَلُ
ذَلِكَ فِيهِمَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَلَوْ كَانَ السِّكِّينُ مَسْقِيًّا
بِالْمَاءِ النَّجِسِ يُسْقَى بِالْمَاءِ الطَّاهِرِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ
وَلَوْ تَنَجَّسَ الْعَسَلُ فَتَطْهِيرُهُ أَنْ يُصَبَّ فِيهِ مَاءٌ
بِقَدْرِهِ فَيَغْلِي حَتَّى يَعُودَ إلَى مَكَانِهِ، وَالدُّهْنُ يُصَبُّ
عَلَيْهِ الْمَاءُ فَيَغْلِي فَيَعْلُو الدُّهْنُ الْمَاءَ فَيُرْفَعُ
بِشَيْءٍ هَكَذَا يُفْعَلُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.
ثُمَّ إنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي التَّطْهِيرِ لَمَّا كَانَ غَلَبَةَ الظَّنِّ
بِالطَّهَارَةِ وَكَانَ حُصُولُهَا مُخْتَلِفًا بِحَسَبِ اخْتِلَافِ
الْمَحَالِّ وَبَيَّنَ بَعْضَهَا أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ بَعْضًا آخَرَ
فَقَالَ: (وَعَنْ الْمَنِيِّ) أَيْ يَطْهُرُ الْمُتَنَجِّسُ بِالْمَنِيِّ
ثَوْبًا كَانَ أَوْ بَدَنًا (بِغَسْلِهِ) رَطْبًا كَانَ أَوْ يَابِسًا
(أَوْ فَرْكِ يَابِسِهِ إنْ طَهُرَ رَأْسُ الْحَشَفَةِ) حَتَّى أَنَّهُ إنْ
لَمْ يَكُنْ طَاهِرًا لَمْ يَكْفِ الْفَرْكُ بَلْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
فِيهِ دُسُومَةٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ: وَقَدَّرُوهُ بِالْغَسْلِ، وَالْعَصْرِ ثَلَاثًا) أَقُولُ
ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَالْمُفْتَى بِهِ فِي الْغَسْلِ اعْتِبَارُ
غَلَبَةِ الظَّنِّ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ بِعَدَدٍ مَا لَمْ يَكُنْ
مُوَسْوِسًا فَيُقَدَّرُ بِالثَّلَاثِ، وَيُكْتَفَى فِي الْعَصْرِ
بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ وَهُوَ أَرْفَقُ
وَاشْتِرَاطُ الْعَصْرِ لِمَا يَنْعَصِرُ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا غَسَلَ
فِي إجَّانَةٍ أَمَّا إذَا جَرَى عَلَيْهِ الْمَاءُ أَوْ عَلَى مَا لَا
يَنْعَصِرُ طَهُرَ وَلَا يُشْتَرَطُ الْعَصْرُ وَلَا التَّجْفِيفُ وَلَا
تَكْرَارُ الْغَمْسِ، وَالْغَدِيرُ الْعَظِيمُ كَالْجَارِي وَهُوَ
الْمُخْتَارُ (قَوْلُهُ: بِقَدْرِ طَاقَتِهِ) فِيهَا إشَارَةٌ إلَى عَدَمِ
اعْتِبَارِ طَاقَةِ غَيْرِ الْغَاسِلِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَيَنْبَغِي
مُرَاعَاةُ طَاقَةِ الثَّوْبِ أَيْضًا (قَوْلُهُ: وَلَوْ لَمْ يُبَالِغْ. .
. إلَخْ)
هَذَا مُخْتَارُ قَاضِي خَانْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَطْهُرُ لِمَكَانِ
الضَّرُورَةِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ السِّرَاجِ
الْوَهَّاجِ (قَوْلُهُ: فَإِذَا كَانَتْ الْحِنْطَةُ. . . إلَخْ) هَذَا
قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا طُبِخَتْ الْحِنْطَةُ بِالْخَمْرِ لَا
تَطْهُرُ أَبَدًا وَبِهِ يُفْتَى اهـ.
وَالْكُلُّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَطْهُرُ أَبَدًا كَمَا فِي الْفَتْحِ
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ عَقِبَ نَقْلِهِ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ صُبَّتْ الْخَمْرُ فِي قِدْرٍ فِيهَا لَحْمٌ
إنْ كَانَ قَبْلَ الْغَلَيَانِ يَطْهُرُ اللَّحْمُ بِالْغَسْلِ ثَلَاثًا
وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْغَلَيَانِ لَا يَطْهُرُ وَقِيلَ يُغْلَى ثَلَاثَ
مَرَّاتٍ وَيُجَفَّفُ كُلَّ مَرَّةٍ وَتَجْفِيفُهُ بِالتَّبْرِيدِ اهـ.
وَقَالَ فِي الْفَتْحِ وَلَوْ أُلْقِيَتْ الدَّجَاجَةُ حَالَ الْغَلَيَانِ
فِي الْمَاءِ قَبْلَ أَنْ يُشَقَّ بَطْنُهَا لِتُنْتَفَ أَوْ كَرِشٌ قَبْلَ
الْغَسْلِ لَا يَطْهُرُ أَبَدًا لَكِنْ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَجِبُ
أَنْ يَطْهُرَ عَلَى قَانُونِ مَا تَقَدَّمَ فِي اللَّحْمِ قُلْت وَهُوَ
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ هُوَ مُعَلَّلٌ بِتَشَرُّبِهِمَا
النَّجَاسَةَ الْمُتَخَلَّلَةَ بِوَاسِطَةِ الْغَلَيَانِ وَعَلَى هَذَا
اُشْتُهِرَ أَنَّ اللَّحْمَ السَّمِيطَ بِمِصْرَ نَجَسٌ لَا يَطْهُرُ
لَكِنَّ الْعِلَّةَ الْمَذْكُورَةَ لَا تَثْبُتُ حَتَّى يَصِلَ الْمَاءُ
إلَى حَدِّ الْغَلَيَانِ وَيَمْكُثَ فِيهِ اللَّحْمُ بَعْدَ ذَلِكَ
زَمَانًا يَقَعُ فِي مِثْلِهِ التَّشَرُّبُ وَالدُّخُولُ فِي بَاطِنِ
اللَّحْمِ وَكُلٌّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ غَيْرُ مُحَقَّقٍ فِي السَّمِيطِ
الْوَاقِعِ حَيْثُ لَا يَصِلُ الْمَاءُ إلَى حَدِّ الْغَلَيَانِ وَلَا
يُتْرَكُ فِيهِ إلَّا مِقْدَارَ مَا تَصِلُ الْحَرَارَةُ إلَى سَطْحِ
الْجِلْدِ فَيَنْحَلُّ مَسَامُّ السَّطْحِ عَلَى الصُّوفِ بَلْ ذَلِكَ
التَّرْكُ يَمْنَعُ مِنْ وُجُودِهِ انْقِلَاعُ الشَّعْرِ فَالْأَوْلَى فِي
السَّمِيطِ أَنْ يَطْهُرَ بِالْغَسْلِ ثَلَاثًا لِتَنَجُّسِ سَطْحِ
الْجِلْدِ بِذَلِكَ الْمَاءِ فَإِنَّهُمْ لَا يَحْتَرِسُونَ فِيهِ عَنْ
النَّجَسِ، وَقَدْ قَالَ شَرَفُ الْأَئِمَّةِ بِهَذَا فِي الدَّجَاجِ،
وَالْكَرِشِ، وَالسَّمِيطِ مِثْلَهَا. اهـ.
(قَوْلُهُ: أَوْ فَرْكِ يَابِسِهِ) هَذَا صَرِيحٌ فِي طَهَارَةِ الْمَحَلِّ
بِالْفَرْكِ وَهُوَ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ
وَقَالَ صَاحِبُ الْمَجْمَعِ: هُوَ الْأَصَحُّ وَبِهَا قَالَا لِذَهَابِ
عَيْنِهِ بِالتَّفَتُّتِ، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: الْفَرْكُ
مُقَلِّلٌ لِلنَّجَاسَةِ.
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: هُوَ الْأَظْهَرُ لِعَدَمِ اسْتِعْمَالِ
الْمَائِعِ الْقَالِعِ (قَوْلُهُ: إنْ طَهُرَ رَأْسُ الْحَشَفَةِ) فِيهِ
إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَحَلَّ خُرُوجِ الْمَنِيِّ لَا يَضُرُّ مَا بِهِ مِنْ
أَثَرِ الْبَوْلِ بَلْ مَا إذَا لَطَّخَ الْحَشَفَةَ وَأَصَابَهُ
الْمَنِيُّ وَبِهِ صَرَّحَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ بِقَوْلِهِ هَذَا إذَا
كَانَ رَأْسُ الذَّكَرِ طَاهِرًا بِأَنْ بَالَ وَلَمْ يَتَجَاوَزْ
الْبَوْلُ مِنْهُ مَخْرَجَهُ أَوْ تَجَاوَزَ وَاسْتَنْجَى اهـ.
وَفِيهِ اخْتِلَافٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْكَمَالُ بِقَوْلِهِ ثُمَّ قِيلَ
إنَّمَا يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ إذَا لَمْ يَسْبِقْهُ مَذْيٌ فَإِنْ سَبَقَهُ
لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ وَمِنْ هُنَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ:
مَسْأَلَةُ الْمَنِيِّ مُشْكِلَةٌ لِأَنَّ كُلَّ فَحْلٍ يَمْذِي ثُمَّ
يُمْنِي إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مَغْلُوبٌ بِالْمَنِيِّ مُسْتَهْلِكٌ
فِيهِ فَيُجْعَلُ تَبَعًا اهـ.
وَهَذَا ظَاهِرٌ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ الْوَاقِعُ أَنَّهُ لَا يُمْنِي
حَتَّى يَمْذِيَ وَقَدْ طَهَّرَهُ الشَّرْعُ بِالْفَرْكِ يَابِسًا يَلْزَمُ
أَنَّهُ اُعْتُبِرَ ذَلِكَ الِاعْتِبَارَ أَعْنِي اُعْتُبِرَ مُسْتَهْلِكًا
لِلضَّرُورَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَالَ وَلَمْ يَسْتَنْجِ بِالْمَاءِ
حَتَّى أَمْنَى فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغُسْلِ
لِعَدَمِ الْمُلْجِئِ كَمَا قِيلَ وَقِيلَ لَوْ بَالَ وَلَمْ يَنْتَشِرْ
الْبَوْلُ عَلَى رَأْسِ الذَّكَرِ بِأَنْ لَمْ يَتَجَاوَزْ الثَّقْبَ
فَأَمْنَى لَا يُحْكَمُ بِتَنْجِيسِ الْمَنِيِّ وَكَذَا إنْ جَاوَزَ
وَلَكِنْ خَرَجَ الْمَنِيُّ دَفْقًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْتَشِرَ عَلَى
رَأْسِ الذَّكَرِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ سِوَى مُرُورِهِ عَلَى الْبَوْلِ
فِي مَجْرَاهُ وَلَا أَثَرَ
(1/45)
يَجِبُ الْغَسْلُ وَلَا فَرْقَ فِيهِ
بَيْنَ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَفِي رِوَايَةِ
الْحَسَنِ لَا يَطْهُرُ الْبَدَنُ بِالْفَرْكِ.
. (وَ) يَطْهُرُ (الْخُفُّ عَنْ) نَجِسٍ (ذِي جِرْمٍ جَفَّ عَلَيْهِ) أَيْ
عَلَى الْخُفِّ (بِالدَّلْكِ بِالْأَرْضِ كَذَا رَطْبُهُ) أَيْ يَطْهُرُ
الْخُفُّ أَيْضًا عَنْ نَجِسٍ ذِي جِرْمٍ رَطْبٍ عَلَى الْخُفِّ
بِالدَّلْكِ (إذَا بُولِغَ فِيهِ) أَيْ الدَّلْكِ (وَ) يَطْهُرُ الْخُفُّ
(عَنْ غَيْرِهِ) أَيْ نَجِسٍ غَيْرِ ذِي جِرْمٍ (بِالْغَسْلِ) .
(وَ) يَطْهُرُ (الصَّيْقَلُ) كَالْمِرْآةِ، وَالسَّيْفِ، وَالسِّكِّينِ
وَنَحْوِهَا (بِالْمَسْحِ) وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالصَّيْقَلِ لِأَنَّهُ إنْ
كَانَ خَشِنًا أَوْ مَنْقُوشًا لَا يَطْهُرُ بِالْمَسْحِ.
(وَ) يَطْهُرُ (الْبِسَاطُ بِجَرْيِ الْمَاءِ عَلَيْهِ قِيلَ يَوْمًا
وَلَيْلَةً) كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة (وَقِيلَ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ
وَلَيْلَةٍ) كَذَا فِي الْحُجَّةِ (وَقِيلَ لَيْلَةً) كَذَا فِي
الْوِقَايَةِ (تَنَجَّسَ بَعْضُ أَطْرَافِهِ) أَيْ الْبِسَاطِ (يُصَلِّي
عَلَى) الطَّرَفِ (الطَّاهِرِ مِنْهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ تَحَرَّكَ
طَرَفُهُ الْآخَرُ بِتَحْرِيكِهِ أَوْ لَا وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ
إنَّمَا يُصَلِّي عَلَى الطَّرَفِ الْآخَرِ إذَا لَمْ يَتَحَرَّكْ أَحَدُ
طَرَفَيْهِ بِتَحْرِيكِ الْآخَرِ.
(وَ) تَطْهُرُ (الْأَرْضُ بِالْيُبْسِ وَذَهَابِ الْأَثَرِ لِلصَّلَاةِ لَا
لِلتَّيَمُّمِ) لِأَنَّ التَّيَمُّمَ يَقْتَضِي صَعِيدًا طَيِّبًا وَفِي
الصَّلَاةِ تَكْفِي الطَّهَارَةُ (كَذَا الْآجُرُّ الْمَفْرُوشُ،
وَالْخُصُّ) وَهُوَ السُّتْرَةُ الَّتِي تَكُونُ عَلَى السُّطُوحِ مِنْ
الْقَصَبِ (وَشَجَرٌ وَكَلَأٌ قَائِمَانِ) فِي الْأَرْضِ فَإِنَّهَا
تَطْهُرُ بِالْيُبْسِ وَذَهَابِ الْأَثَرِ (وَالْمَقْطُوعُ) مِنْ
الشَّجَرِ، وَالْكَلَأِ (يُغْسَلُ) وَلَا يَكْفِي فِيهِمَا الْيُبْسُ
وَذَهَابُ الْأَثَرِ.
ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ تَطْهِيرِ النَّجَاسَاتِ شَرَعَ فِي تَقْسِيمِهَا
إلَى الْغَلِيظَةِ وَالْخَفِيفَةِ وَبَيَانِ مَا هُوَ عَفْوٌ مِنْهُمَا،
وَقَالَ (وَعُفِيَ قَدْرُ الدِّرْهَمِ وَهُوَ مِثْقَالٌ فِي) النَّجَسِ
(الْكَثِيفِ) يَعْنِي أَنَّ الْمُرَادَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
لِذَلِكَ فِي الْبَاطِنِ اهـ.
مَا فِي الْفَتْحِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ وَظَاهِرُ
الْمُتُونِ الْإِطْلَاقُ أَعْنِي سَوَاءٌ بَالَ وَاسْتَنْجَى أَوْ لَمْ
يَسْتَنْجِ بِالْمَاءِ فَإِنَّ الْمَنِيَّ يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ لِأَنَّهُ
مَغْلُوبٌ مُسْتَهْلَكٌ كَالْمَذْيِ وَلَمْ يُعَفْ فِي الْمَذْيِ إلَّا
لِكَوْنِهِ مُسْتَهْلَكًا لَا لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ اهـ.
وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ عَلَى جَعْلِ عِلَّةِ الْعَفْوِ الضَّرُورَةَ
كَمَا بَيَّنَهُ الْكَمَالُ وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْبَوْلِ (قَوْلُهُ:
وَلَا فَرْقَ فِيهِ. . . إلَخْ) .
أَقُولُ وَكَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ مَنِيِّ الرَّجُلِ، وَالْمَرْأَةِ
وَكَوْنِ الثَّوْبِ جَدِيدًا أَوْ غَسِيلًا أَوْ مُبَطَّنًا عَلَى
الصَّحِيحِ.
(قَوْلُهُ: وَالْخُفُّ عَنْ ذِي جِرْمٍ) أَيْ كَالرَّوْثِ، وَالْعَذِرَةِ،
وَالدَّمِ، وَالْمَنِيِّ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ اهـ.
وَسَوَاءٌ كَانَ الْجِرْمُ مِنْهَا أَوْ مُكْتَسِبًا كَمَا إذَا الْتَصَقَ
بِهِ رَمْلٌ أَوْ تُرَابٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ
(قَوْلُهُ: بِالدَّلْكِ بِالْأَرْضِ) تَبِعَ فِيهِ رِوَايَةَ الْأَصْلِ
وَهُوَ الْمَسْحُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ إذَا مَسَحَهَا
بِالتُّرَابِ تَطْهُرُ.
وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ إنْ حَكَّهُ أَوْ حَتَّهُ بَعْدَ مَا
يَبِسَ طَهُرَ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: قَالَ مَشَايِخُنَا لَوْلَا
الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَكُنَّا نَقُولُ إنَّهُ إذَا لَمْ
يَمْسَحْهُمَا بِالتُّرَابِ لَا تَطْهُرُ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ:
كَذَا رَطْبُهُ) هُوَ الْمُخْتَارُ لِعُمُومِ الْبَلْوَى كَمَا فِي
الْفَتْحِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْكَافِي (قَوْلُهُ: إذَا
بُولِغَ فِيهِ) يَعْنِي بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ أَثَرُ النَّجَاسَةِ كَمَا
فِي الْكَافِي وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: فَعُلِمَ بِهِ أَنَّ الْمَسْحَ
بِالْأَرْضِ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِشَرْطِ ذَهَابِ أَثَرِ النَّجَاسَةِ
وَإِلَّا لَا يَطْهُرُ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَيَطْهُرُ الصَّيْقَلُ. . . إلَخْ) أَقُولُ أَطْلَقَ فِي
طَهَارَتِهِ بِالْمَسْحِ سَوَاءٌ أَصَابَهُ نَجَسٌ لَهُ جِرْمٌ أَوْ لَا
رَطْبًا كَانَ أَوْ يَابِسًا عَلَى الْمُخْتَارِ لِلْفَتْوَى كَمَا فِي
الْبُرْهَانِ وَيُشْتَرَطُ زَوَالُ الْأَثَرِ بِمَا مَسَحَ بِهِ تُرَابًا
كَانَ أَوْ خِرْقَةً أَوْ صُوفَ الشَّاةِ أَوْ غَيْرَهُ كَمَا فِي
الْبَحْرِ وَيَتَفَرَّعُ مَا لَوْ أَصَابَتْ ظُفْرَهُ أَوْ زُجَاجَةً أَوْ
آنِيَةً مَدْهُونَةً أَوْ الْخَشَبَ الْخَرَائِطِيَّ أَوْ الْقَصَبَ
الْبُورِيَّا كَمَا فِي الْفَتْحِ وَاخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِي عَوْدِ
نَجَاسَةِ الصَّيْقَلِ بِقَطْعِ نَحْوِ الْبِطِّيخِ أَوْ إصَابَةِ الْمَاءِ
وَكَذَا فِي نَظَائِرِهِ الْمَنِيُّ إذَا فُرِكَ، وَالْخُفُّ إذَا دُلِكَ،
وَالْأَرْضُ إذَا جَفَّتْ، وَالْبِئْرُ إذَا غَارَتْ، وَالْأَوْلَى
اعْتِبَارُ الطَّهَارَةِ فِي الْكُلِّ كَمَا يُفِيدُهُ أَصْحَابُ
الْمُتُونِ حَيْثُ صَرَّحُوا بِالطَّهَارَةِ فِي الْكُلِّ وَمُلَاقَاةُ
الطَّاهِرِ لَا تُوجِبُ التَّنْجِيسَ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَدْ اخْتَارَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَيْلَةً) هَذَا التَّقْدِيرُ لِقَطْعِ الْوَسْوَسَةِ
وَإِلَّا فَالْمَذْكُورُ فِي الْمُحِيطِ قَالُوا الْبِسَاطُ إذَا تَنَجَّسَ
فَأَجْرَى عَلَيْهِ الْمَاءَ إلَى أَنْ يَتَوَهَّمَ زَوَالَهَا طَهُرَ
لِأَنَّ إجْرَاءَ الْمَاءِ يَقُومُ مَقَامَ الْعَصْرِ اهـ.
فَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِاللَّيْلَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: يُصَلِّي
عَلَى الطَّاهِرِ مِنْهُ مُطْلَقًا) هُوَ الصَّحِيحُ فَلَا تَفْسُدُ
الصَّلَاةُ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ فِي طَرَفِ عِمَامَتِهِ وَكَانَ عَلَى
الْأَرْضِ وَتَحَرَّكَ بِحَرَكَتِهِ اهـ.
وَكَانَ حَقُّهُ ذِكْرَ هَذِهِ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ.
(قَوْلُهُ:، وَالْأَرْضُ بِالْيُبْسِ) لَمْ يُقَيِّدْهُ بِالشَّمْسِ كَمَا
قَيَّدَهُ فِي الْهِدَايَةِ لِأَنَّهُ اتِّفَاقِيٌّ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ
الشَّمْسِ وَالنَّارِ وَالرِّيحِ، وَإِذَا قَصَدَ تَطْهِيرَ الْأَرْضِ
بِالْمَاءِ صَبَّهُ عَلَيْهَا ثَلَاثًا وَجُفِّفَتْ كُلَّ مَرَّةٍ
بِخِرْقَةٍ طَاهِرَةٍ
وَكَذَا لَوْ صَبَّهُ عَلَيْهَا بِكَثْرَةٍ وَلَمْ يَظْهَرْ لَوْنُ
النَّجَاسَةِ وَلَا رِيحُهَا فَإِنَّهَا تَطْهُرُ كَمَا فِي الْفَتْحِ
(قَوْلُهُ: وَكَذَا الْآجُرُّ الْمَفْرُوشُ) أَقُولُ وَأَمَّا الْحَجَرُ
فَقَدْ ذَكَرَ الْخُجَنْدِيُّ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِالْجَفَافِ.
وَقَالَ الصَّيْرَفِيُّ إنْ كَانَ أَمْلَسَ فَلَا بُدَّ مِنْ الْغَسْلِ،
وَإِنْ كَانَ يَشْرَبُ النَّجَاسَةَ كَحَجَرِ الرَّحَا فَهُوَ كَالْأَرْضِ،
وَالْحَصَى بِمَنْزِلَةِ الْأَرْضِ كَمَا فِي الْبَحْرِ
(قَوْلُهُ: وَشَجَرٌ وَكَلَأٌ قَائِمَانِ) هُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي
الْبُرْهَانِ شَرْحِ مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ.
[مَا يُعْفَى عَنْهُ مِنْ النَّجَاسَة]
(قَوْلُهُ: وَعُفِيَ قَدْرُ الدِّرْهَمِ) الْمُعْتَبَرُ فِيهِ وَقْتُ
الْإِصَابَةِ فَلَوْ كَانَ دُهْنًا نَجَسًا قَدْرَ الدِّرْهَمِ فَانْفَرَشَ
فَصَارَ أَكْثَرَ مِنْهُ لَا يَمْنَعُ فِي اخْتِيَارِ الْمَرْغِينَانِيِّ
وَجَمَاعَةٍ، وَمُخْتَارُ غَيْرِهِمْ الْمَنْعُ فَلَوْ صَلَّى قَبْلَ
اتِّسَاعِهِ جَازَتْ وَبَعْدَهُ لَا.
وَلَا يُعْتَبَرُ نُفُوذُ الْمِقْدَارِ إلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ مِنْ
ثَوْبٍ ذِي طَاقٍ بِخِلَافِ ذِي طَاقَيْنِ وَدِرْهَمٍ مُتَنَجِّسِ
الْوَجْهَيْنِ، ثُمَّ إنَّمَا يُعْتَبَرُ الْمَانِعُ مُضَافًا إلَيْهِ
فَلَوْ جَلَسَ الصَّبِيُّ الْمُتَنَجِّسُ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ فِي حِجْرِ
الْمُصَلِّي وَهُوَ يَسْتَمْسِكُ
(1/46)
بِالدِّرْهَمِ الدِّرْهَمُ الْكَبِيرُ
وَهُوَ الْمِثْقَالُ كَمَا ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ لَا مَا يَكُونُ
عَشَرَةً مِنْهُ سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ (وَعَرْضُ
مُقَعَّرِ الْكَفِّ) وَهُوَ دَاخِلُ مَفَاصِلِ الْأَصَابِعِ (فِي)
النَّجَسِ (الرَّقِيقِ) رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ تَارَةً اعْتَبَرَهُ
مِنْ حَيْثُ الْوَزْنُ وَهُوَ قَدْرُ الدِّرْهَمِ الْكَبِيرِ وَتَارَةً
اعْتَبَرَهُ مِنْ حَيْثُ الْمِسَاحَةُ وَهُوَ قَدْرُ عَرْضِ مُقَعَّرِ
الْكَفِّ فَوَفَّقَ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ بَيْنَهُمَا بِمَا
ذَكَرْنَا (مِمَّا غَلُظَ) مُتَعَلِّقٌ بِقَدْرِ الدِّرْهَمِ (كَبَوْلِ مَا
لَا يُؤْكَلُ وَلَوْ مِنْ صَغِيرٍ) دَفْعٌ لِتَوَهُّمِ أَنَّ بَوْلَ
صَغِيرٍ لَمْ يَطْعَمْ يَكُونُ طَاهِرًا (وَغَائِطٍ وَدَمٍ وَخَمْرٍ
وَخُرْءِ دَجَاجٍ وَرَوْثٍ وَخِثْيٍ وَ) عُفِيَ (مَا دُونَ رُبْعِ ثَوْبٍ)
قِيلَ الْمُرَادُ بِهِ رُبْعُ أَدْنَى ثَوْبٍ تَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ،
وَقِيلَ رُبْعُ مَوْضِعِ إصَابَةِ النَّجَسِ كَالذَّيْلِ وَالدِّخْرِيصِ،
وَقَدَّرَهُ أَبُو يُوسُفَ بِشِبْرٍ فِي شِبْرٍ (مِمَّا خَفَّ كَبَوْلِ
فَرَسٍ وَ) بَوْلِ (مَا يُؤْكَلُ وَخُرْءِ طَيْرٍ لَا يُؤْكَلُ كَذَا) أَيْ
عُفِيَ أَيْضًا (بَوْلٌ) أَيْ بَوْلُ مَا لَا يُؤْكَلُ فَإِنَّ بَوْلَ مَا
يُؤْكَلُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ (انْتَضَحَ كَرُءُوسِ الْإِبَرِ وَمَا زَادَ
عَلَيْهِمَا) أَيْ عَلَى قَدْرِ الدِّرْهَمِ مِنْ الْغَلِيظِ وَمَا دُونَ
الرُّبْعِ مِنْ الْخَفِيفِ (لَا) يُعْفَى (الْوَارِدِ) أَيْ الْمَاءُ
الَّذِي يَرِدُ (عَلَى النَّجَسِ) نَجِسٌ (كَالْمَوْرُودِ) أَيْ كَالْمَاءِ
الَّذِي يَرِدُ عَلَيْهِ النَّجَسُ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي عِلَّةِ
النَّجَاسَةِ وَهِيَ اخْتِلَاطُ النَّجَسِ بِالْمَاءِ (لَا رَمَادَ قَذَرٍ
وَلَا مِلْحٍ كَانَ حِمَارًا) فَإِنَّهُمَا لَيْسَا بِنَجِسَيْنِ
لِتَبَدُّلِ الْحَقِيقَةِ فِيهِمَا فَإِنَّ الْأَعْيَانَ تَطْهُرُ
بِالِاسْتِحَالَةِ كَالْمَيْتَةِ إذَا صَارَتْ مِلْحًا، وَالْعَذِرَةِ إذَا
صَارَتْ تُرَابًا، وَالْخَمْرِ خَلًّا وَنَحْوِ ذَلِكَ.
(يُصَلِّي عَلَى ثَوْبٍ غَيْرِ مُضَرَّبٍ بِطَانَتُهُ نَجِسَةٌ) حَتَّى
لَوْ كَانَ مُضَرَّبًا لَمْ يَجُزْ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَمْ يَجُزْ مُطْلَقًا (كَمَا) يُصَلِّي (فِي
ثَوْبٍ) أَيْ كَمَا جَازَ أَنْ يُصَلِّيَ مَنْ لَبِسَ ثَوْبًا (ظَهَرَ
فِيهِ بَلَّةُ ثَوْبٍ نَجِسٍ لُفَّ) هَذَا الثَّوْبُ النَّجِسُ (فِيهِ)
أَيْ فِي الثَّوْبِ الْأَوَّلِ لَكِنْ لَا يَكُونُ ظُهُورُ الْبَلَّةِ
فِيهِ (كَمَا لَوْ عُصِرَ) الثَّوْبُ (قَطَرَتْ تِلْكَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
أَوْ الْحَمَامُ الْمُتَنَجِّسُ عَلَى رَأْسِهِ جَازَتْ صَلَاتُهُ
بِخِلَافِ مَا لَوْ حَمَلَ مَا لَا يَسْتَمْسِكُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ
الْمِثْقَالُ) أَقُولُ وَهُوَ عِشْرُونَ قِيرَاطًا (قَوْلُهُ: كَبَوْلِ مَا
لَا يُؤْكَلُ) أَقُولُ إلَّا بَوْلَ الْخُفَّاشِ وَخَرْأَهُ فَإِنَّهُ
طَاهِرٌ وَشَمَلَ إطْلَاقُهُ بَوْلَ الْهِرَّةِ وَالْفَأْرَةِ عَلَى
الظَّاهِرِ
، وَقِيلَ لَا يَفْسُدُ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَخُرْءُ الْفَأْرَةِ إذَا
طُحِنَ فِي الْحِنْطَةِ جَازَ أَكْلُ الدَّقِيقِ مَا لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُ
الْخُرْءِ فِيهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَدَمٍ) الْمُرَادُ بِهِ
غَيْرُ الْبَاقِي فِي الْعُرُوقِ وَفِي حُكْمِهِ اللَّحْمُ الْمَهْزُولُ
إذَا قُطِعَ فَالدَّمُ الَّذِي فِيهِ لَيْسَ نَجَسًا وَكَذَا الدَّمُ
الَّذِي فِي الْكَبِدِ، وَلَيْسَ دَمَ الْبَقِّ وَالْبَرَاغِيثِ بِشَيْءٍ،
وَدَمُ الشَّهِيدِ طَاهِرٌ مَا دَامَ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ حَمَلَهُ
وَصَلَّى صَحَّتْ صَلَاتَهُ، بِخِلَافِ قَتِيلٍ غَيْرِ شَهِيدٍ لَمْ
يُغَسَّلْ أَوْ غُسِّلَ وَكَانَ كَافِرًا لِأَنَّهُ لَا يُحْكَمُ
بِطَهَارَتِهِ بِالْغُسْلِ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ كَذَا فِي الْفَتْحِ
(قَوْلُهُ: وَخُرْءِ دَجَاجَةٍ) مِثْلُهُ الْبَطُّ وَالْإِوَزُّ (قَوْلُهُ:
وَرَوْثٍ وَخِثْيٍ) الرَّوْثُ لِلْحِمَارِ وَالْبَغْلِ وَالْفَرَسِ،
وَالْخِثْيُ لِلْبَقَرِ، وَالْبَعْرُ لِلْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَهَذَا
عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا نَجَاسَتُهَا خَفِيفَةٌ وَهُوَ
الْأَظْهَرُ وَطَهَّرَهَا مُحَمَّدٌ آخِرًا كَذَا فِي الْمَوَاهِبِ.
(قَوْلُهُ: وَعُفِيَ مَا دُونَ رُبْعِ ثَوْبٍ) أَقُولُ كَذَا بَدَنٍ
(قَوْلُهُ: قِيلَ الْمُرَادُ. . . إلَخْ) لَمْ يَذْكُرْ الثَّوْبَ
الْكَامِلَ وَقَدْ قِيلَ بِهِ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُصَدِّرَ بِهِ،
وَالْحُكْمُ فِي الْبَدَنِ كَالثَّوْبِ فَمَنْ قَالَ إنَّهُ رُبْعُ
الثَّوْبِ الْكَامِلِ قَالَ بِمِثْلِهِ مِنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ، وَمَنْ
قَالَ بِأَنَّهُ رُبْعُ الْمَوْضِعِ الْمُصَابِ كَالْكُمِّ قَالَ كَذَلِكَ
رُبْعُ الْعُضْوِ كَالْيَدِ وَصُحِّحَ الْجَمِيعُ إلَّا أَنَّ الْقَائِلَ
بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَدْنَى ثَوْبٍ تَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ لَمْ
يُفِدْ حُكْمَ الْبَدَنِ وَتَرَجَّحَ الْقَوْلُ بِاعْتِبَارِ رُبْعِ طَرَفٍ
أَصَابَهُ مِنْ الثَّوْبِ، وَالْبَدَنِ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَيْهِ كَمَا
فِي الْبَحْرِ
(قَوْلُهُ: أَيْ بَوْلُ مَا لَا يُؤْكَلُ) لَوْ أَبْقَى الْمُصَنِّفُ
مَتْنَهُ عَلَى إطْلَاقِهِ لَكَانَ أَوْلَى لِيُفِيدَ الْحُكْمَ فِي كُلِّ
بَوْلٍ انْتَضَحَ بِالنَّصِّ لَا بِالْإِشَارَةِ (قَوْلُهُ: كَرُءُوسِ
الْإِبَرِ) أَقُولُ وَلَوْ أَصَابَهُ مَاءٌ فَكَثُرَ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ
غَسْلُهُ، وَالْمُرَادُ بِرُءُوسِ الْإِبَرِ مَا يَشْمَلُ وَلَوْ مَحَلَّ
إدْخَالِ السِّلْكِ وَمَا أَصَابَ الْغَاسِلَ مِنْ غُسَالَةِ الْمَيِّتِ
مِمَّا لَا يُمْكِنُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ مَا دَامَ فِي عِلَاجِهِ لَا
يُنَجِّسُهُ لِعُمُومِ الْبَلْوَى كَذَا فِي الْبَحْرِ
(قَوْلُهُ: الْوَارِدُ كَالْمَوْرُودِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى خِلَافِ
الشَّافِعِيِّ فِي أَنَّ الْمَاءَ الَّذِي وَرَدَتْ عَلَيْهِ النَّجَاسَةُ
لَا يَطْهُرُ عِنْدَهُ فَالْأَوْلَى فِي الثَّوْبِ النَّجَسِ وَضْعُهُ فِي
إجَّانَةٍ ثُمَّ صَبُّ الْمَاءِ عَلَيْهِ لَا وَضْعُ الْمَاءِ أَوَّلًا
ثُمَّ وَضْعُ الثَّوْبِ فِيهِ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ كَمَا فِي
الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَنَحْوُ ذَلِكَ) يَعْنِي بِهِ الْمِسْكَ،
وَالزُّبَّادَ لِطَهَارَتِهِمَا بِالِاسْتِحَالَةِ إلَى الطِّيبِيَّةِ.
(قَوْلُهُ: يُصَلِّي عَلَى ثَوْبٍ غَيْرِ مُضَرَّبٍ. . . إلَخْ) كَذَا
ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الْكَافِي وَنَقَلَ فِي شَرْحِ الْمَوَاهِبِ
الْإِجْمَاعَ عَلَى الصِّحَّةِ، وَالْخِلَافِ فِي اللَّبَدِ النَّجَسِ
أَحَدِ وَجْهَيْهِ لَكِنْ بِنَاءً عَلَى التَّوْفِيقِ بَيْنَ
الْقَوْلَيْنِ، وَالْأَصَحُّ الْخِلَافُ
(قَوْلُهُ: لَكِنْ لَا يَكُونُ ظُهُورُ الْبَلَّةِ فِيهِ كَمَا لَوْ عَصَرَ
الثَّوْبَ قَطَرَتْ) أَقُولُ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ مَا ظَهَرَ
فِيهِ مِنْ رُطُوبَةٍ لَا تَنْعَصِرُ وَلَوْ كَانَ النَّجَسُ يَنْعَصِرُ
لَوْ عُصِرَ، وَبِهِ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ وَيَتَعَيَّنُ عَدَمُ
الْجَوَازِ حِينَئِذٍ لِمَا قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَلَوْ ابْتَلَّ
فِرَاشٌ أَوْ تُرَابٌ نَجِسَانِ مِنْ عَرَقِ نَائِمٍ أَوْ بَلَلِ قَدَمٍ
وَظَهَرَ أَثَرُهَا فِي الْبَدَنِ، وَالْقَدَمِ تَنَجُّسًا وَإِلَّا لَا
كَثَوْبٍ طَاهِرٍ تَنَدَّى مِنْ لَفِّهِ فِي ثَوْبٍ نَجِسٍ رَطْبٍ لَا
يَنْعَصِرُ الثَّوْبُ النَّجِسُ لَوْ عُصِرَ لِعَدَمِ انْفِصَالِ شَيْءٍ
مِنْ جِرْمِهَا إلَيْهِ حِينَئِذٍ
وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيمَا لَوْ كَانَ الطَّاهِرُ بِحَيْثُ لَوْ
عُصِرَ لَمْ يَقْطُرْ مِنْهُ شَيْءٌ فَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّهُ لَا
يَتَنَجَّسُ فِي الْأَصَحِّ وَقَيَّدَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ بِمَا
يَنْبُعُ عِنْدَ عَصْرِهِ رُءُوسٌ صِغَارٌ لَيْسَ لَهَا قُوَّةُ
السَّيَلَانِ لِيَتَّصِلَ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ فَتَقْطُرُ بَلْ تَقِرُّ فِي
مَوَاضِعِ نَبْعِهَا ثُمَّ تَرْجِعُ إذَا حُلَّ الثَّوْبُ وَيَبْعُدُ
الْحُكْمُ عَلَى مِثْلِهِ بِالطَّهَارَةِ مَعَ وُجُودِ حَقِيقَةِ
الْمُخَالَطَةِ فَالْأَوْلَى
(1/47)
الْبَلَّةُ مِنْهُ) فَإِنَّهُ إذَا كَانَ
كَذَلِكَ لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ فِيهِ (كَذَا) أَيْ كَالثَّوْبِ
الْمَلْفُوفِ فِيهِ فِي جَوَازِ الصَّلَاةِ فِيهِ (لَوْ وُضِعَ) الثَّوْبُ
حَالَ كَوْنِهِ (رَطْبًا عَلَى) جِدَارٍ (يَابِسٍ طُيِّنَ بِمَا فِيهِ
سِرْقِينٌ أَوْ تَنَجَّسَ) عَطْفٌ عَلَى وُضِعَ (طَرَفٌ مِنْهُ) أَيْ مِنْ
ذَلِكَ الثَّوْبِ (فَنَسِيَ) أَيْ وَقَعَ النِّسْيَانُ (وَغَسَلَ) طَرَفًا
(آخَرَ) مِنْهُ (بِلَا تَحَرٍّ كَمَا لَوْ بَالَ حُمُرٌ عَلَى مَا
تَدُوسُهُ) مِنْ الْحِنْطَةِ وَنَحْوِهَا (فَقَسَّمَ أَوْ غَسَلَ بَعْضَهُ
حَيْثُ يَطْهُرُ الْبَاقِي) وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ التَّحَرِّي.
(غَسَلَ) النَّجَاسَةَ (الْمَرْئِيَّةَ عَنْ الثَّوْبِ فِي إجَّانَةٍ
حَتَّى زَالَتْ) النَّجَاسَةُ (أَوْ غَيْرَهَا ثَلَاثًا) أَيْ غَسَلَ
غَيْرَ الْمَرْئِيَّةِ مِنْ النَّجَاسَةِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي ثَلَاثِ
إجَّانَاتٍ أَوْ وَاحِدَةٍ بَعْدَ غَسْلِهَا مَرَّتَيْنِ (وَعَصَرَ)
النَّجَاسَةَ (كَمَا مَرَّ) أَيْ ثَلَاثًا مُبَالِغًا فِي الثَّالِثَةِ
(طَهُرَ) الثَّوْبُ اسْتِحْسَانًا وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا
يَطْهُرَ إلَّا بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ أَوْ الْغَسْلِ فِي الْمَاءِ
الْجَارِي لِتَنَجُّسِ الْمَاءِ بِأَوَّلِ الْمُلَاقَاةِ ثُمَّ
الْإِجَّانَةِ (وَالْمِيَاهُ) الَّتِي غَسَلَ بِهَا الثَّوْبَ (نَجِسَةٌ)
لِانْتِقَالِ النَّجَاسَةِ مِنْ الثَّوْبِ إلَى الْمَاءِ (لَكِنَّ) تِلْكَ
الْمِيَاهَ فِي النَّجَاسَةِ (كَالْمَحَلِّ حَالَ اللِّقَاءِ) أَيْ عِنْدَ
مُلَاقَاةِ الْمَاءِ إيَّاهُ وَاتِّصَالِهِ بِهِ لَا حَالَ الِانْفِصَالِ
عَنْهُ (فِي الْأَظْهَرِ) احْتِرَازٌ عَمَّا ذَهَبَ إلَيْهِ الْبَعْضُ
وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الطَّحَاوِيِّ إنَّ تَنَجُّسَ الْمَاءِ كَتَنَجُّسِ
الْمَحَلِّ عِنْدَ انْفِصَالِ الْمَاءِ عَنْهُ (فَتَطْهُرُ) بِنَاءً عَلَى
الْأَظْهَرِ النَّجَاسَةُ (الْأُولَى) أَيْ الْمُتَنَجِّسُ بِالنَّجَاسَةِ
الْأُولَى الَّتِي انْتَقَلَتْ إلَى الْمَاءِ بِأَوَّلِ الْغَسَلَاتِ
فِيمَا إذَا أَصَابَ ذَلِكَ الْمَاءُ ثَوْبًا أَوْ عُضْوًا (بِالثَّلَاثِ)
أَيْ بِالْغَسْلِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ (وَالْوُسْطَى بِثِنْتَيْنِ) أَيْ
الْمُتَنَجِّسُ بِالنَّجَاسَةِ الَّتِي انْتَقَلَتْ إلَى الْمَاءِ
بِالْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ تَطْهُرُ بِالْغَسْلِ مَرَّتَيْنِ
(وَالْأُخْرَى بِمَرَّةٍ) أَيْ يَطْهُرُ الْمُتَنَجِّسُ بِالنَّجَاسَةِ
الَّتِي انْتَقَلَتْ إلَى الْمَاءِ بِالْغَسْلَةِ الْأَخِيرَةِ بِالْغَسْلِ
مَرَّةً وَاحِدَةً كَمَا هُوَ حُكْمُ الْمَحَلِّ عِنْدَ مُلَاقَاةِ
الْمَاءِ وَهَكَذَا لَا تَطْهُرُ الْإِجَّانَةُ الْأُولَى إلَّا
بِالْغَسْلِ ثَلَاثًا، وَالثَّانِيَةُ بِمَرَّتَيْنِ، وَالثَّالِثَةُ
بِمَرَّةٍ وَعَلَى غَيْرِ الْأَظْهَرِ يَطْهُرُ مَا تَنَجَّسَ بِالْمَاءِ
الْأَوَّلِ بِالْغَسْلِ مَرَّتَيْنِ وَبِالْمَاءِ الثَّانِي بِالْغَسْلِ
مَرَّةً وَبِالْمَاءِ الثَّالِثِ بِمُجَرَّدِ الْعَصْرِ عَلَى مَا هُوَ
حُكْمُ الْمَغْسُولِ عِنْدَ الِانْفِصَالِ وَكَذَا تَطْهُرُ الْإِجَّانَةُ
الْأُولَى بِمَرَّتَيْنِ، وَالثَّانِيَةُ بِمَرَّةٍ، وَالثَّالِثَةُ
بِالْإِرَاقَةِ
[فَصْلٌ الِاسْتِنْجَاءُ]
(فَصْلٌ) (سُنَّ الِاسْتِنْجَاءُ) فِي مُجْمَلِ اللُّغَةِ النَّجْوُ مَا
يَخْرُجُ مِنْ الْبَطْنِ، وَالِاسْتِنْجَاءُ طَلَبُ الْفَرَاغِ عَنْهُ
وَعَنْ أَثَرِهِ بِمَاءٍ أَوْ تُرَابٍ (مِنْ نَجِسٍ يَخْرُجُ مِنْ
الْبَطْنِ) كَالْبَوْلِ، وَالْغَائِطِ، وَالْمَنِيِّ، وَالْمَذْيِ،
وَالدَّمِ الْخَارِجِ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ كَذَا فِي
التَّتَارْخَانِيَّة فَلَا يَسْتَنْجِي مِنْ الرِّيحِ لِأَنَّهُ لَيْسَ
بِنَجِسٍ وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْبَطْنِ، وَلَا يُسَمَّى تَطْهِيرُ مَا
يَخْرُجُ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ اسْتِنْجَاءً (بِنَحْوِ حَجَرٍ)
كَمَدَرٍ وَخَشَبٍ وَتُرَابٍ (لَا) أَيْ لَمْ يُسَنَّ (الْعَدَدُ بَلْ
نُدِبَ) قَالَ فِي الْوِقَايَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ بِلَا عَدَدٍ يُدْبِرُ
بِالْحَجَرِ الْأَوَّلِ إلَى آخِرِهِ فَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ غَيْرُ
مُرْتَبِطٍ بِمَا قَبْلَهُ لِأَنَّ الْعَدَدَ إذَا نُفِيَ وَإِنْ كَانَ
الْمُرَادُ نَفْيَ سُنِّيَّتِهِ لَمْ يُنَاسِبْ بَعْدَهُ ذِكْرُ الْعَدَدِ
بِقَوْلِهِ بِالْحَجَرِ الْأَوَّلِ. . . إلَخْ؛ وَلِهَذَا قَالَ هَاهُنَا
لَا الْعَدَدُ ثُمَّ أَضْرَبَ بِقَوْلِهِ بَلْ اُسْتُحِبَّ ثُمَّ قَالَ
(يُدْبِرُ بِالْأَوَّلِ وَيُقْبِلُ بِالثَّانِي) الْإِدْبَارُ الْإِذْهَابُ
إلَى جَانِبِ الدُّبُرِ، وَالْإِقْبَالُ ضِدُّهُ وَيُدْبِرُ بِالثَّالِثِ
صَيْفًا، وَيُقْبِلُ بِالْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ وَيُدْبِرُ بِالثَّانِي
شِتَاءً، فَإِنَّ فِي الْمَسْحِ إقْبَالًا وَإِدْبَارًا مُبَالَغَةً فِي
التَّنْقِيَةِ وَفِي الصَّيْفِ يُدْبِرُ بِالْأَوَّلِ لِأَنَّ الْخُصْيَةَ
فِيهِ مُدَلَّاةٌ فَلَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
إنَاطَةُ عَدَمِ النَّجَاسَةِ بِعَدَمِ نَبْعِ شَيْءٍ عِنْدَ الْعَصْرِ
لِيَكُونَ مُجَرَّدَ نَدْوَةٍ لَا بِعَدَمِ التَّقَاطُرِ اهـ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يُتَيَقَّنُ بِأَنَّهُ مُجَرَّدُ نَدْوَةٍ إلَّا
إذَا كَانَ النَّجِسُ الرَّطْبُ هُوَ الَّذِي لَا يَتَقَاطَرُ بِعَصْرِهِ
إذْ يُمْكِنُ أَنْ يُصِيبَ الثَّوْبَ الْجَافَّ قَدْرٌ كَثِيرٌ مِنْ
النَّجَاسَةِ وَلَا يَنْبُعُ مِنْهُ شَيْءٌ بِعَصْرِهِ كَمَا هُوَ
مُشَاهَدٌ عِنْدَ الْبُدَاءَةِ بِغَسْلِهِ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يُفْتَى
بِخِلَافِ مَا صَحَّحَ الْحَلْوَانِيُّ اهـ.
(قَوْلُهُ: أَوْ تَنَجَّسَ طَرَفٌ مِنْهُ فَنَسِيَ إلَخْ) هَكَذَا قَالَ
صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَاخْتَارَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَاخْتَارَ فِي
الْبَدَائِعِ غَسْلَ الْجَمِيعِ احْتِيَاطًا لِأَنَّ مَوْضِعَ النَّجَاسَةِ
غَيْرُ مَعْلُومٍ وَلَيْسَ الْبَعْضُ بِأَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ كَمَا فِي
الْبَحْرِ ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ وَغَسْلُ طَرَفٍ آخَرَ مِنْهُ لَا يُنَاسِبُ
قَوْلَهُ وَنَسِيَ لِأَنَّ الْآخِرِيَّةَ تُشْعِرُ بِالْعِلْمِ بِغَيْرِهِ
وَلِذَا حَذَفَ لَفْظَ الْآخَرِ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي فَقَالَ
تَنَجَّسَ طَرَفٌ مِنْ الثَّوْبِ فَنَسِيَهُ فَغَسَلَ طَرَفًا مِنْهُ
بِتَحَرٍّ أَوْ بِدُونِ تَحَرٍّ طَهُرَ اهـ.
لَكِنَّهُ يُتَأَمَّلُ فِي الْحُكْمِ بِالطَّهَارَةِ مَعَ عَدَمِ
التَّحَرِّي فِي الْمَحَلِّ الْمَغْسُولِ وَلَمْ يُعْلَمْ لِلنَّجَاسَةِ
مَحَلٌّ غَالِبًا لَا ظَنًّا وَلَا يَقِينًا.
(بَابُ الِاسْتِنْجَاءِ) (قَوْلُهُ: مِنْ نَجَسٍ يَخْرُجُ مِنْ الْبَطْنِ)
أَقُولُ هُوَ لَيْسَ بِقَيْدٍ احْتِرَازِيٍّ عَنْ نَجَاسَةٍ مِنْ
الْخَارِجِ تُصِيبُ الْمَخْرَجَ لِأَنَّهَا تَطْهُرُ بِالِاسْتِنْجَاءِ
بِالْحَجَرِ وَنَحْوِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ قُلْت وَفِي إطْلَاقِ
الزَّيْلَعِيِّ طَهَارَتَهَا بِالْحَجَرِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ مُقَلِّلٌ لَا
مُطَهِّرٌ لِأَنَّ الزَّيْلَعِيَّ قَائِلٌ بِأَنَّ الْمُسْتَنْجِيَ
بِالْحَجَرِ إذَا قَعَدَ بِمَاءٍ قَلِيلٍ نَجَّسَهُ كَمَا سَنَذْكُرُهُ.
وَقَالَ فِي الْقُنْيَةِ إذَا أَصَابَ الْمَخْرَجَ نَجَاسَةٌ مِنْ خَارِجٍ
أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ إلَّا
بِالْغَسْلِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ اهـ.
وَصَاحِبُ الْبَحْرِ نَصَّ عَلَى أَنَّهُمْ نَقَلُوا هَذَا التَّصْحِيحَ
هُنَا بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ فَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ اهـ.
(قَوْلُهُ: بِنَحْوِ حَجَرٍ) يَعْنِي مُنَقٍّ كَمَا فِي الْكَنْزِ
(قَوْلُهُ: كَمَدَرٍ وَخَشَبٍ وَتُرَابٍ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا
يَسْتَنْجِي بِمَا لَهُ قِيمَةٌ غَيْرُ الْمَاءِ وَسَيُصَرِّحُ بِهِ
(قَوْلُهُ: مُبَالَغَةً فِي التَّنْقِيَةِ) أَقُولُ وَاتَّفَقَ
الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى سُقُوطِ اعْتِبَارِ مَا بَقِيَ مِنْ النَّجَاسَةِ
بَعْدَ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ فِي حَقِّ الْعَرَقِ حَتَّى إذَا
أَصَابَهُ الْعَرَقُ مِنْ الْمَقْعَدَةِ لَا يَتَنَجَّسُ وَلَوْ قَعَدَ
بِمَاءٍ قَلِيلٍ نَجَّسَهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ
(1/48)
يُقْبِلُ احْتِرَازًا عَنْ تَلَوُّثِهَا
ثُمَّ يُقْبِلُ ثُمَّ يُدْبِرُ مُبَالَغَةً فِي التَّنْظِيفِ وَلَا
كَذَلِكَ فِي الشِّتَاءِ فَيُقْبِلُ بِالْأَوَّلِ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي
التَّنْقِيَةِ ثُمَّ يُدْبِرُ ثُمَّ يُقْبِلُ لِلْمُبَالَغَةِ (،
وَالْمَرْأَةُ فِي الْوَقْتَيْنِ) أَيْ فِي الصَّيْفِ، وَالشِّتَاءِ
(مِثْلُهُ صَيْفًا) يَعْنِي تُدْبِرُ الْمَرْأَةُ بِالْأَوَّلِ أَبَدًا
لِئَلَّا يَتَلَوَّثَ فَرْجُهَا (وَالْغَسْلُ بَعْدَهُ) أَيْ الْحَجَرِ
(أَوْلَى إنْ أَمْكَنَ بِلَا كَشْفِ الْعَوْرَةِ فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ ثُمَّ
يُرْخِي الْمَخْرَجَ بِمُبَالَغَةٍ إنْ لَمْ يَكُنْ صَائِمًا) كَذَا فِي
الظَّهِيرِيَّةِ (وَيَغْسِلُهُ بِبَطْنِ أُصْبُعٍ) وَاحِدٍ إنْ حَصَلَ
بِهَا النَّقَاءُ (أَوْ أُصْبُعَيْنِ) إنْ اُحْتِيجَ إلَى زِيَادَةٍ (أَوْ
ثَلَاثٍ) إنْ اُحْتِيجَ إلَى أَزْيَدَ وَيُصْعِدُ الرَّجُلُ أُصْبُعَهُ
الْوُسْطَى عَلَى سَائِرِ الْأَصَابِعِ صُعُودًا قَلِيلًا فِي ابْتِدَاءِ
الِاسْتِنْجَاءِ وَيَغْسِلُ مَوْضِعَهُ ثُمَّ يُصْعِدُ بِنْصِرَه إذَا
غَسَلَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ يُصْعِدُ خِنْصَرَهُ ثُمَّ سَبَّابَتَهُ
وَيَغْسِلُ مَوْضِعَهُ حَتَّى يَطْمَئِنَّ قَلْبُهُ، وَالْمَرْأَةُ
تُصْعِدُ بِنْصِرَهَا وَأَوْسَطَهَا جَمِيعًا مَعًا ثُمَّ تَفْعَلُ كَمَا
يَفْعَلُ الرَّجُلُ لِأَنَّهَا لَوْ بَدَأَتْ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ
كَالرَّجُلِ عَسَى يَقَعُ أُصْبُعُهَا فَتَلَذَّذُ فَيَجِبُ عَلَيْهَا
الْغُسْلُ وَهِيَ لَا تَشْعُرُ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ (وَيَغْسِلُ
يَدَيْهِ ثَانِيًا وَيَجِبُ) أَيْ غَسْلُ الْمَخْرَجِ (بِمُجَاوَزَةِ مَا
فَوْقَ الدِّرْهَمِ) مِنْ النَّجِسِ (الْمَخْرَجَ) مَفْعُولُ
الْمُجَاوَزَةِ (إلَى أَنْ يُنَقَّى) مُتَعَلِّقُ بِيَجِبُ (وَلَوْ بِمَا)
أَيْ وَلَوْ كَانَ الْغَسْلُ بِمِقْدَارٍ (فَوْقَ الثَّلَاثِ) فَإِنَّ
الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْإِنْقَاءُ لَا الْعَدَدُ حَتَّى لَوْ حَصَلَ
بِوَاحِدَةٍ كَفَى وَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ بِثَلَاثَةٍ زَادَ عَلَيْهَا
(يَغْسِلُ) الْمُسْتَنْجِي (الدُّبُرَ أَوَّلًا) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
(وَعِنْدَهُمَا ثَانِيَةً) .
(وَيُكْرَهُ بِعَظْمٍ) لِأَنَّهُ زَادُ الْجِنِّ كَمَا وَرَدَ فِي
الْحَدِيثِ (وَطَعَامٍ) لِلْإِنْسَانِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَحْقِيرِ الْمَالِ
الْمُحْتَرَمِ شَرْعًا وَلِلْبَهَائِمِ كَالْحَشِيشِ لِمَا فِيهِ مِنْ
تَنْجِيسِ الطَّعَامِ بِلَا ضَرُورَةٍ (وَرَوْثٍ) لِأَنَّهُ نَجِسٌ
فَيُنَافِي التَّنْقِيَةَ (وَآجُرٍّ وَخَزَفٍ وَفَحْمٍ وَجِصٍّ وَشَيْءٍ
مُحْتَرَمٍ) بَيْنَ النَّاسِ كَخِرْقَةِ الدِّيبَاجِ وَنَحْوِهَا لِأَنَّهُ
يُنَافِي الِاحْتِرَامَ مَعَ وُرُودِ النَّهْيِ عَنْ الْأَشْيَاءِ
الْمَذْكُورَةِ (وَيَمِينٍ) لِلنَّهْيِ أَيْضًا (إلَّا لِضَرُورَةٍ) بِأَنْ
تَكُونَ يُسْرَاهُ مَقْطُوعَةً أَوْ بِهَا جِرَاحَةٌ وَلَوْ اسْتَنْجَى
بِالْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ جَازَ لِأَنَّ النَّهْيَ لِمَعْنًى فِي
غَيْرِهِ فَلَا يُنَافِي الشَّرْعِيَّةَ فِي الْجُمْلَةِ.
[اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ فِي الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ]
. (وَ) يُكْرَهُ (اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ فِي الْبَوْلِ، وَالْغَائِطِ
كَذَا اسْتِدْبَارُهَا) لَكِنْ لَا مُطْلَقًا بَلْ (بِكَشْفِ الْعَوْرَةِ)
لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَتَيْتُمْ
الْغَائِطَ فَعَظِّمُوا قِبْلَةَ اللَّهِ لَا تَسْتَقْبِلُوهَا وَلَا
تَسْتَدْبِرُوهَا وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا» وَفِيهِ إشَارَةٌ
إلَى مَا ذَكَرَ فِي الْأَجْنَاسِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْحَدَثِ
بَلْ لِإِزَالَتِهِ لَمْ يَكُنْ مَكْرُوهًا (وَلَوْ فِي الْبُنْيَانِ)
لِأَنَّ الدَّلِيلَ لَمْ يُفَرِّقْ.
(وَ) يُكْرَهُ (فِعْلُهُمَا) أَيْ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ (فِي الْمَاءِ،
وَالظِّلِّ) أَيْ ظِلِّ قَوْمٍ يَسْتَرِيحُونَ فِيهِ (وَالطَّرِيقِ
وَتَحْتَ شَجَرٍ مُثْمِرٍ) بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُثْمِرِ لِلنَّهْيِ عَنْ
الْجَمِيعِ فِي الْحَدِيثِ، وَالسِّرُّ ظَاهِرٌ (وَالتَّكَلُّمُ
عَلَيْهِمَا) لِلنَّهْيِ عَنْهُ أَيْضًا (، وَالْبَوْلُ قَائِمًا إلَّا
لِعُذْرٍ) كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
(وَيَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ بِالْمَشْيِ أَوْ التَّنَحْنُحِ أَوْ النَّوْمِ)
أَيْ الِاضْطِجَاعِ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ حَتَّى يَسْتَقِرَّ قَلْبُهُ
عَلَى انْقِطَاعِ الْعَوْدِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ (وَقِيلَ يَكْتَفِي
بِمَسْحِ الذَّكَرِ وَاجْتِذَابِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ
طِبَاعَ النَّاسِ وَعَادَاتِهِمْ مُخْتَلِفَةٌ فَمَنْ فِي قَلْبِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ: وَالْمَرْأَةُ فِي الْوَقْتَيْنِ مِثْلُهُ صَيْفًا) كَذَا
قَالَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَقَاضِي خَانْ:
وَالْمَرْأَةُ تَفْعَلُ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ مِثْلَ فِعْلِ الرَّجُلِ
فِي الشِّتَاءِ اهـ.
وَلَعَلَّ الظَّاهِرَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَصَدْرُ الشَّرِيعَةِ
رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِخَشْيَةِ تَلْوِيثِ الْفَرْجِ لَوْ أَبْتَدَأَتْ
مِنْ خَلْفُ (قَوْلُهُ: وَغَسْلُهُ بَعْدَهُ أَيْ بَعْدَ الْحَجَرِ
أَوْلَى) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: قِيلَ هُوَ أَدَبٌ وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ
وَقِيلَ هُوَ سُنَّةٌ فِي زَمَانِنَا اهـ.
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ وَقِيلَ سُنَّةٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَهُوَ
الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ
(قَوْلُهُ: إنْ أَمْكَنَ بِلَا كَشْفِ الْعَوْرَةِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ
فِيمَا إذَا لَمْ يَتَجَاوَزْ مَخْرَجَهَا لِأَنَّهُ حَكَمَ بِالْوُجُوبِ
فِيهِ فِيمَا سَيَأْتِي فَيَقْتَضِي وَلَوْ أَدَّى إلَى كَشْفِ الْعَوْرَةِ
(قَوْلُهُ: وَيَغْسِلُهُ بِبَطْنِ أُصْبُعٍ. . . إلَخْ) يَعْنِي لَا
رُءُوسِهَا احْتِرَازًا عَنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِالْأُصْبُعِ وَإِذَا
اسْتَنْجَى بِأُصْبُعٍ يُرَاعِي الْكَيْفِيَّةَ الْآتِيَةَ لَا أَنَّهُ
يَقْتَصِرُ عَلَى الْأُصْبُعِ.
(قَوْلُهُ: وَالْمَرْأَةُ تُصْعِدُ. . . إلَخْ) هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ
عَذْرَاءَ لِأَنَّهَا لَا تَسْتَنْجِي بِأَصَابِعِهَا خَوْفًا مِنْ زَوَالِ
الْعُذْرَةِ بَلْ بِبَاطِنِ كَفِّهَا (قَوْلُهُ: وَيَجِبُ أَيْ غَسْلُ
الْمَخْرَجِ بِمُجَاوَزَةِ مَا فَوْقَ الدِّرْهَمِ) أَقُولُ الْمُرَادُ
بِالْوَاجِبِ الْفَرْضُ وَإِنْ كَانَ الْمُجَاوِزُ قَدْرَ الدِّرْهَمِ
فَمَا دُونَهُ فَالْغَسْلُ وَاجِبٌ، وَقَدْ جَعَلَ الِاسْتِنْجَاءَ
قِسْمَيْنِ: مَسْنُونًا، وَوَاجِبًا وَقَدْ قَسَّمَهُ فِي السِّرَاجِ إلَى
خَمْسَةِ أَقْسَامٍ أَرْبَعَةٌ فَرِيضَةٌ مِنْ الْحَيْضِ، وَالنِّفَاسِ،
وَالْجَنَابَةِ، وَالرَّابِعُ إذَا تَجَاوَزَتْ مَخْرَجَهَا، وَالْخَامِسُ
الْمَسْنُونُ إذَا كَانَتْ مِقْدَارَ الْمَخْرَجِ فِي مَحَلِّهِ وَفِيهِ
تَسَامُحٌ ذَكَرَ وَجْهَهُ فِي الْبَحْرِ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ بِثَلَاثَةٍ زَادَ عَلَيْهَا) أَقُولُ
هَذَا عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّهُ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِهِ فَيَغْسِلُ
حَتَّى يَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ طَهُرَ كَمَا فِي الْفَتْحِ.
وَفِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ أَنَّ الْإِنْقَاءَ لِلرِّيحِ فِي الْغَائِطِ
وَاجِبٌ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ فَقَوْلَانِ قِيلَ يَطْهُرُ، وَقِيلَ لَا
يَطْهُرُ مَا لَمْ تَزُلْ الرَّائِحَةُ وَإِنْ بَالَغَ.
[الِاسْتِنْجَاء بِالْعَظْمِ]
(قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ فِي الْبَوْلِ. . . إلَخْ)
كَذَا اسْتِقْبَالُ عَيْنِ الشَّمْسِ، وَالْقَمَرِ احْتِرَامًا لَهُمَا
وَكَذَا مَهَبُّ الرِّيحِ لِئَلَّا يُصِيبَهُ رَشَاشُ بَوْلِهِ
(قَوْلُهُ: وَالتَّكَلُّمُ عَلَيْهِمَا لِلنَّهْيِ عَنْهُ) أَقُولُ
اسْتَدَلَّ لَهُ فِي الْبُرْهَانِ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَخْرُجُ الرَّجُلَانِ كَاشِفَيْنِ
عَوْرَتَهُمَا يَتَحَدَّثَانِ فَإِنَّ اللَّهَ يَمْقُتُ عَلَى ذَلِكَ»
(1/49)
أَنَّهُ صَارَ طَاهِرًا جَازَ لَهُ أَنْ يَسْتَنْجِيَ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ
أَعْلَمُ بِحَالِهِ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة (وَمَعَ طَهَارَةِ
الْمَغْسُولِ تَطْهُرُ الْيَدُ) كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ.
(كِتَابُ الصَّلَاةِ) (شَرْطٌ لِفَرْضِيَّتِهَا الْإِسْلَامُ، وَالْعَقْلُ،
وَالْبُلُوغُ) لِمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ مَدَارَ التَّكْلِيفِ
بِالْفُرُوعِ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ (وَإِنْ وَجَبَ ضَرْبُ ابْنِ عَشْرٍ)
أَيْ صَبِيٍّ سِنُّهُ عَشْرُ سِنِينَ عَلَيْهَا أَيْ عَلَى تَرْكِهَا لِمَا
رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
أَنَّهُ قَالَ «مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعٍ
وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ» .
(وَمُنْكِرُهَا) أَيْ مُنْكِرُ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ بِمَعْنَى
مُنْكِرِ فَرْضِيَّتِهَا (كَافِرٌ) لِثُبُوتِهَا بِالْأَدِلَّةِ
الْقَطْعِيَّةِ الَّتِي لَا احْتِمَالَ فِيهَا فَحُكْمُهُ حُكْمُ
الْمُرْتَدِّ.
(وَتَارِكُهَا عَمْدًا مَجَانَةً) أَيْ تَكَاسُلًا (فَاسِقٌ يُحْبَسُ
حَتَّى يُصَلِّيَ) لِأَنَّهُ يُحْبَسُ لِحَقِّ الْعَبْدِ فَحَقُّ اللَّهِ
تَعَالَى أَحَقُّ بِهِ (وَقِيلَ يُضْرَبُ حَتَّى يَسِيلَ مِنْهُ الدَّمُ)
مُبَالَغَةً فِي الزَّجْرِ. .
(وَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِ فَاعِلِهَا بِالْجَمَاعَةِ) يَعْنِي أَنَّ
الْكَافِرَ إذَا صَلَّى بِجَمَاعَةٍ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ عِنْدَنَا
خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِأَنَّهَا مَخْصُوصَةٌ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ
بِخِلَافِ الصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا وَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ لِوُجُودِهَا
فِي سَائِرِ الْأُمَمِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ
صَلَّى صَلَاتَنَا وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا فَهُوَ مِنَّا» قَالُوا
الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ صَلَاتَنَا الصَّلَاةُ بِالْجَمَاعَةِ عَلَى
الْهَيْئَةِ الْمَخْصُوصَةِ لِوُجُودِ الصَّلَاةِ بِدُونِ الْجَمَاعَةِ فِي
الْكَفَرَةِ أَيْضًا.
(وَلَا يُجْزِئُ فِيهَا النِّيَابَةُ أَصْلًا) أَيْ لَا بِالنَّفْسِ كَمَا
صَحَّتْ فِي الْحَجِّ وَلَا بِالْمَالِ كَمَا صَحَّتْ فِي الصَّوْمِ
بِالْفِدْيَةِ فِي حَقِّ الشَّيْخِ الْفَانِي لِأَنَّهَا إنَّمَا تَجُوزُ
بِإِذْنِ الشَّرْعِ وَلَمْ يُوجَدْ.
(وَتَجِبُ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ عَلَى غَيْرِ مَعْذُورٍ) لِوُجُودِ
السَّبَبِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ.
(وَ) تَجِبُ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمَعْذُورِ كَصَبِيٍّ بَلَغَ
وَكَافِرٍ أَسْلَمَ وَمَجْنُونٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ أَفَاقَا وَحَائِضٍ
وَنُفَسَاءَ طَهُرَتَا (بِآخِرِهِ) لِأَنَّ السَّبَبَ فِي حَقِّهِ (وَلَا
تَجُوزُ قَبْلَهُ) لِامْتِنَاعِ تَقَدُّمِ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ.
(فَوَقْتُ الْفَجْرِ) قَدَّمَهُ لِأَنَّهُ أَوَّلُ الْيَوْمِ وَمَنْ
قَدَّمَ الظُّهْرَ نَظَرَ إلَى أَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ أَوَّلُ
الْوَاجِبَاتِ (مِنْ) طُلُوعِ (الصُّبْحِ الثَّانِي) وَهُوَ الْبَيَاضُ
الْمُنْتَشِرُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ: وَمَعَ طَهَارَةِ الْمَغْسُولِ تَطْهُرُ الْيَدُ) أَقُولُ
وَلَكِنَّهُ يُسْتَحَبُّ غَسْلُ الْيَدِ قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ لِئَلَّا
تَتَشَرَّبَ الْمَسَامُّ النَّجَاسَةَ وَبَعْدَهُ أَيْضًا مُبَالَغَةً فِي
النَّظَافَةِ وَيُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ اسْتِعَاذَةٍ وَتَقْدِيمُ
التَّسْمِيَةِ وَتَقْدِيمُ الرِّجْلِ الْيُسْرَى فِي الدُّخُولِ،
وَالْيُمْنَى فِي الْخُرُوجِ وَأَنْ يَقُولَ بَعْدَ خُرُوجِهِ الْحَمْدُ
لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الْأَذَى وَعَافَانِي كَمَا فِي
الْبُرْهَانِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. |