مجمع
الضمانات [بَاب فِي الْهِبَةِ]
(الْبَابُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ فِي الْهِبَةِ) الْهِبَةُ
الْفَاسِدَةُ تُضْمَنُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْفُصُولَيْنِ عَنْ
الْمُحِيطِ، وَفِيهِ عَنْ الْعُدَّةِ الْهِبَةُ الْفَاسِدَةُ تُضْمَنُ
بِالْقَبْضِ لَكِنْ لَا يَمْلِكُهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ بِالْقَبْضِ هُوَ
الْمُخْتَارُ، وَالصَّدَقَةُ الْفَاسِدَةُ كَهِبَةٍ فَاسِدَةٍ اهـ قَالَ
قَاضِي خَانَ فِي فَتَاوَاهُ: وَفِيمَا إذَا فَسَدَتْ الْهِبَةُ بِحُكْمِ
الشُّيُوعِ إذَا هَلَكَتْ الْهِبَةُ عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ هَلْ تَكُونُ
مَضْمُونَةً عَلَيْهِ؟ ذَكَرَ ابْنُ رُسْتُمَ: رَجُلٌ دَفَعَ دِرْهَمَيْنِ
(1/334)
إلَى رَجُلٍ وَقَالَ أَحَدُهُمَا هِبَةٌ
لَك، وَالْآخَرُ أَمَانَةٌ عِنْدَك فَهَلَكَا جَمِيعًا يَضْمَنُ دِرْهَمًا،
وَهُوَ فِي الْآخَرِ أَمِينٌ قَالَ: وَإِنَّمَا ضَمِنَ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ
بِهِبَةٍ فَاسِدَةٍ فَيَجِبُ إنَّهَا تَكُونُ مَضْمُونَةً، وَذَكَرَ فِي
الْمُضَارَبَةِ الْكَبِيرَةِ: رَجُلٌ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ
وَقَالَ: نِصْفُهَا هِبَةٌ لَك، وَنِصْفُهَا مُضَارَبَةٌ عِنْدَك لَا
يَجُوزُ فَإِنْ هَلَكَ الْمَالُ عِنْدَ الْقَابِضِ يَضْمَنُ خَمْسَمِائَةِ
دِرْهَمٍ. وَلَوْ وَهَبَ نِصْفَ الدَّارِ أَوْ تَصَدَّقَ، وَسَلِمَ ثُمَّ
إنَّ الْوَاهِبَ بَاعَ مَا وَهَبَ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ ذَكَرَ فِي وَقْفِ
الْأَصْلِ إنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ وَلَوْ
بَاعَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ
نَصَّ إنَّ هِبَةَ الْمُشَاعِ فِيمَا يُقَسَّمُ لَا تُفِيدُ الْمِلْكَ،
وَإِنْ اتَّصَلَ بِهَا الْقَبْضُ، وَبِهِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ، وَذَكَرَ
عِصَامٌ إنَّهَا تُفِيدُ الْمِلْكَ، وَبِهِ أَخَذَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ.
رَجُلٌ دَفَعَ تِسْعَةَ دَرَاهِمَ إلَى رَجُلٍ وَقَالَ ثَلَاثَةٌ لَك
قَضَاءٌ مِنْ حَقِّك، وَثَلَاثَةٌ لَك هِبَةٌ، وَثَلَاثَةٌ تَصَدُّقٌ
عَلَيْك قَالَ مُحَمَّدٌ ثَلَاثَةٌ قَضَاءٌ جَائِزَةٌ، وَثَلَاثَةٌ
صَدَقَةٌ لَمْ يَجُزْ، وَلَمْ يَضْمَنْ، وَثَلَاثَةٌ هِبَةٌ لَمْ يَجُزْ،
وَيَضْمَنُ نَصَّ أَنَّ الْهِبَةَ الْفَاسِدَةَ مَضْمُونَةٌ اهـ.
وَفِي الْوَجِيزِ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْكَيْسَانِيَّاتِ: رَجُلٌ دَفَعَ
تِسْعَةَ دَرَاهِمَ إلَى رَجُلٍ وَقَالَ: ثَلَاثَةٌ قَضَاءٌ، وَثَلَاثَةٌ
هِبَةٌ، وَثَلَاثَةٌ صَدَقَةٌ فَضَاعَ الْكُلُّ يَضْمَنُ ثَلَاثَةً هِبَةً،
وَلَا يَضْمَنُ ثَلَاثَةً صَدَقَةً إلَّا فِي رِوَايَةٍ، وَفِيهِ أَيْضًا
رَجُلٌ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَقَالَ: خَمْسَةٌ مِنْهَا
هِبَةٌ لَك، وَخَمْسَةٌ وَدِيعَةٌ عِنْدَك فَاسْتَهْلَكَ الْقَابِضُ
مِنْهَا خَمْسَةً، وَهَلَكَ الْخَمْسَةُ الْبَاقِيَةُ يَضْمَنُ سَبْعَةً
وَنِصْفًا اهـ. وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مَرِيضٌ وَهَبَ
مِنْ مَرِيضٍ جَارِيَةً فَوَطِئَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ إنْ كَانَ الْعُقْرُ
يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ
يَلْزَمُهُ الْعُقْرُ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا مَعَ حَقِّ الْفَسْخِ
لِلْوَاهِبِ فَصَارَ كَالْجَارِيَةِ الْمَبِيعَةِ بَيْعًا فَاسِدًا إذَا
وَطِئَهَا الْمُشْتَرِي يَلْزَمُهُ الْعُقْرُ، وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ
عَنْ مُحَمَّدٍ إنَّهُ لَا عُقْرَ عَلَيْهِ لِأَنَّ وَطْأَهُ صَادَفَ
مِلْكَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِخِلَافِ الْمَبِيعَةِ فَاسِدًا لِأَنَّ
مِلْكَهُ لَمْ يَظْهَرْ فِي حَقِّ حِلِّ الْوَطْءِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ الْمَرِيضُ إذَا وَطِئَ الْجَارِيَةَ الْمَوْهُوبَةَ
عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يُسْتَغْرَقُ ثُمَّ مَاتَ
الْمَرِيضُ فَلَا عُقْرَ عَلَيْهِ لِأَنَّ فَسْخَ الْهِبَةِ بِمَعْنًى
قَارَنَ الْعَقْدَ، وَهُوَ تَعَلُّقُ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِهِ
فَانْفَسَخَتْ مِنْ الْأَصْلِ فَظَهَرَ أَنَّ الْوَطْءَ صَادَفَ مِلْكَهُ
بِخِلَافِ الصَّحِيحِ إذَا وَطِئَ الْجَارِيَةَ الْمَوْهُوبَةَ ثُمَّ
رَجَعَ فِي هِبَتِهِ يَلْزَمُهُ الْعُقْرُ لِأَنَّ الْهِبَةَ انْفَسَخَتْ
بِأَمْرٍ مُقْتَصِرٍ عَلَى الْحَالِ مِنْ بَابِ لُزُومِ الْمَهْرِ
بِالْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ مِنْ نِكَاحِ الْوَجِيزِ.
الْهِبَةُ الْفَاسِدَةُ تُضْمَنُ فِي رِوَايَةٍ، وَصُوَرِ الْفَاسِدَةِ
كَثِيرَةٌ مِنْهَا لَوْ وَهَبَ وَسَلَّمَ لِاثْنَيْنِ شَيْئًا يَحْتَمِلُ
الْقِسْمَةَ مَلَكَاهُ قَبْلً الْقِسْمَة، وَضَمِنَاهُ، وَبِهِ يُفْتَى
مِنْ الْفُصُولَيْنِ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ مِنْ النِّكَاحِ الْهِبَةُ الْفَاسِدَةُ مَضْمُونَةٌ
يَوْمَ الْقَبْضِ اهـ.
رَجُلٌ أَعْطَى رَجُلًا دِرْهَمَيْنِ وَقَالَ نِصْفُهُمَا لَك، وَهُمَا فِي
الْوَزْنِ وَالْجَوْدَةِ سَوَاءٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّهُ قَالَ لَمْ
يَجُزْ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَثْقَلَ أَوْ أَجْوَدَ أَوْ أَرْدَأَ
جَازَ، وَيَكُونُ مُشَاعًا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، وَإِنْ قَالَ:
وَهَبْت لَك، وَهُمَا فِي الْوَزْنِ وَالْجَوْدَةِ سَوَاءٌ، وَدَفَعَهُمَا
جَازَ، وَإِنْ قَالَ: أَحَدُهُمَا لَك لَمْ يَجُزْ كَانَا سَوَاءً أَوْ
مُخْتَلِفَيْنِ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي النَّوَادِرِ إذَا قَالَ وَهَبْت لَك نِصْفًا
مِنْ هَذِهِ الدَّارِ، وَلِهَذَا الْآخَرِ نِصْفَهَا جَازَ.
رَجُلٌ تَصَدَّقَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ عَلَى رَجُلَيْنِ فَقِيرَيْنِ قَالَ
فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ جَازَ، وَإِنْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى
غَنِيَّيْنِ لَا يَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ صَاحِبَاهُ
جَازَ كَانَا فَقِيرَيْنِ أَوْ غَنِيَّيْنِ، وَذَكَرَ فِي هِبَةِ الْأَصْلِ
إذَا وَهَبَ لِرَجُلَيْنِ شَيْئًا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ
(1/335)
لَا يَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ فَصَارَ فِي
الصَّدَقَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ
الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ مَعْرُوفٌ فَيَحْتَمِل أَنْ تَكُونَ الصَّدَقَةُ
عَلَى غَنِيَّيْنِ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ، وَالْهِبَةُ مِنْ
الْفَقِيرَيْنِ بِمَنْزِلَةِ الصَّدَقَةِ. وَلَوْ وَهَبَ دَارًا مِنْ
رَجُلٍ فَوَكَّلَ الْمَوْهُوبُ لَهُ رَجُلَيْنِ بِقَبْضِ الدَّارِ
فَقَبَضَاهَا جَازَ.
عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَوَهَبَ لَهُ أَحَدُ الْوَلِيَّيْنِ شَيْئًا
يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ لَا تَصِحُّ أَصْلًا لِأَنَّهَا لَمْ تَصِحَّ فِي
نَصِيبِ صَاحِبِهِ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ شَيْءٌ
يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، وَإِنْ كَانَ الْمَوْهُوبُ شَيْئًا لَا يَحْتَمِلُ
الْقِسْمَةَ جَازَتْ الْهِبَةُ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي
نَصِيبِ صَاحِبِهِ شَيْءٌ لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ مِنْ قَاضِي خَانْ.
يَجُوزُ هِبَةُ الشَّاغِلِ لَا الْمَشْغُولِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ اشْتِغَالَ
الْمَوْهُوبِ بِمِلْكِ الْوَاهِبِ يَمْنَعُ تَمَامَ الْهِبَةِ إذْ
الْقَبْضُ شَرْطٌ، وَأَمَّا اشْتِغَالُ مِلْكِ الْوَاهِبِ بِالْمَوْهُوبِ
فَلَا يَمْنَعُهُ كَمَا فِي الْفُصُولَيْنِ.
رَجُلٌ وَهَبَ دَارًا لِرَجُلٍ، وَسَلَّمَ، وَفِيهَا مَتَاعُ الْوَاهِبِ
لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ مَشْغُولٌ بِمَا لَيْسَ بِهِبَةٍ فَلَا
يَصِحُّ التَّسْلِيمُ.
امْرَأَةٌ وُهِبَتْ دَارًا مِنْ زَوْجِهَا، وَهِيَ سَاكِنَةٌ فِيهَا،
وَمَتَاعُهَا فِيهَا، وَزَوْجُهَا سَاكِنٌ مَعَهَا فِي الدَّارِ جَازَتْ
الْهِبَةُ، وَيَصِيرُ الزَّوْجُ قَابِضًا لِلدَّارِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ
وَمَتَاعَهَا فِي يَدِ الزَّوْجِ فَصَحَّ التَّسْلِيمُ.
رَجُلٌ وَهَبَ دَارًا فِيهَا مَتَاعُ الْوَاهِبِ أَوْ جُوَالِقًا أَوْ
جِرَابًا فِيهِ طَعَامُ الْوَاهِبِ وَسَلَّمَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ
الْمَوْهُوبَ مَشْغُولٌ بِمَا لَيْسَ بِهِبَةٍ. وَلَوْ وَهَبَ الْمَتَاعَ
وَالطَّعَامَ دُونَ الْجُوَالِقِ وَالدَّارِ وَسَلَّمَ جَازَ لِأَنَّ
الْمَوْهُوبَ غَيْرُ مَشْغُولٍ بِغَيْرِهِ بَلْ هُوَ شَاغِلٌ غَيْرَهُ.
وَلَوْ وَهَبَ أَرْضًا فِيهَا زَرْعٌ أَوْ نَخِيلٌ، أَوْ نَخِيلًا
عَلَيْهَا ثَمَرٌ أَوْ وَهَبَ الزَّرْعَ بِدُونِ الْأَرْضِ أَوْ النَّخْلَ
بِدُونِ الْأَرْضِ أَوْ نَخْلًا بِدُونِ ثَمَرٍ لَا تَجُوزُ الْهِبَةُ فِي
هَذِهِ الْمَسَائِلِ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ مُتَّصِلٌ بِغَيْرِ الْهِبَةِ
اتِّصَالَ خِلْقَةٍ مَعَ إمْكَانِ الْقَطْعِ وَالْفَصْلِ فَقَبْضُ
أَحَدِهِمَا بِدُونِ الْآخَرِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فِي حَالِ الِاتِّصَالِ
فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمُشَاعِ الَّذِي يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ مِنْ
قَاضِي خَانْ.
وَإِذَا وَهَبَ الْبِنَاءَ دُونَ الْأَرْضِ يَجُوزُ فَإِنَّهُ نَصَّ فِي
كِتَابِ الْقِسْمَةِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا قَالَ اشْتَرَيْت الْأَرْضَ،
وَالْبَائِعُ وَهَبَ الْبِنَاءَ لِي، وَقَالَ الشَّفِيعُ: لَا بَلْ
اشْتَرَيْتهمَا فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي مِنْ الصُّغْرَى، وَيُؤَيِّدُهُ
مَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانَ مِنْ الشُّفْعَةِ، وَمِنْ جُمْلَةِ حِيَلِ
إسْقَاطِ الشُّفْعَةِ أَنْ يَهَبَ الْبِنَاءَ بِأَصْلِهِ ثُمَّ يَبِيعَ
الْعَرْصَةَ بِثَمَنٍ غَالٍ.
وَلَوْ، وَهَبَ دَارًا فِيهَا مَتَاعُ الْوَاهِبِ ثُمَّ وَهَبَ الْمَتَاعَ
جَازَتْ الْهِبَةُ فِي الْمَتَاعِ لِأَنَّ الدَّارَ مَشْغُولَةٌ
بِالْمَتَاعِ فَصَحَّتْ هِبَةُ الْمَتَاعِ.
وَلَوْ وَهَبَ وَسَلَّمَ أَوَّلًا وَسَلَّمَ الدَّارَ مَعَ الْمَتَاعِ
ثُمَّ وَهَبَ الدَّارَ صَحَّتْ الْهِبَةُ فِيهِمَا جَمِيعًا وَلَوْ وَهَبَ
الدَّارَ دُونَ الْمَتَاعِ أَوْ الْأَرْضَ دُونَ الزَّرْعِ وَالنَّخْلَ
أَوْ النَّخْلَ دُونَ الثَّمَرِ، وَلَمْ يُسَلِّمْ حَتَّى وَهَبَ
الْمَتَاعَ، وَالزَّرْعَ، وَالنَّخْلَ، وَالثَّمَرَ، وَسَلَّمَ الْكُلَّ
صَحَّتْ الْهِبَةُ فِي الْكُلِّ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ عِنْدَ الْقَبْضِ
وَالتَّسْلِيمِ مَا يَمْنَعُ الْقَبْضَ وَالتَّسْلِيمَ فَصَارَ كَمَا لَوْ
وَهَبَ الْكُلَّ هِبَةً وَاحِدَةً وَسَلَّمَ. أَمَّا إذَا فَرَّقَ
التَّسْلِيمَ وَالْقَبْضَ بِفَرْقِ الْعَقْدِ فَيَفْسُدُ كُلُّ عَقْدٍ
بِحُكْمِ فَسَادِ الْقَبْضِ كَمَا لَوْ وَهَبَ نِصْفَ الدَّارِ ثُمَّ
وَهَبَ النِّصْفَ الْآخَرَ فَإِنَّهُ يَفْسُدُ الْعَقْدَانِ جَمِيعًا مِنْ
قَاضِي خَانْ.
يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْهِبَةِ كَوْنُ الْمَوْهُوبِ مَقْسُومًا مُقَرَّرًا
وَقْتَ الْقَبْضِ لَا وَقْتَ الْهِبَةِ حَتَّى لَوْ وَهَبَ نِصْفَ الدَّارِ
شَائِعًا، وَلَمْ يُسَلِّمْ حَتَّى وَهَبَ النِّصْفَ الْآخَرَ أَوْ سَلَّمَ
جَازَ، مِنْ الْفُصُولَيْنِ.
وَلَوْ وَهَبَ زَرْعًا بِدُونِ الْأَرْضِ أَوْ ثَمَرًا بِدُونِ النَّخْلِ،
وَأَمَرَهُ بِالْحَصَادِ، وَالْجُذَاذِ فَفَعَلَ الْمَوْهُوبُ لَهُ ذَلِكَ
جَازَ لِأَنَّ
(1/336)
الْمَوْهُوبَ لَهُ إذَا قَبَضَ الْهِبَةَ
بِإِذْنِ الْوَاهِبِ صَحَّ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ، وَإِنْ
قَبَضَ بِدُونِ إذْنِهِ إنْ قَبَضَ فِي الْمَجْلِسِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ
جَازَ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ الْقَبْضَ فِي الْهِبَةِ بِمَنْزِلَةِ
الْقَبُولِ فَصَحَّ فِي الْمَجْلِسِ مَا لَمْ يَنْهَهُ، وَإِنْ قَامَ
الْوَاهِبُ، وَخَرَجَ قَبْلَ قَبْضِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَقَبَضَهُ
الْمَوْهُوبُ لَهُ إنْ كَانَ بِأَمْرِ الْوَاهِبِ صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا،
وَالصَّدَقَةُ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ، وَالتَّخْلِيَةُ فِي
الْهِبَةِ الْفَاسِدَةِ لَا تَكُونُ قَبْضًا عِنْدَ الْكُلِّ، وَفِي
الْهِبَةِ الْجَائِزَةِ التَّخْلِيَةُ قَبْضٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ.
رَجُلٌ وَهَبَ دَارًا فِيهَا مَتَاعٌ وَهَبَ الدَّارَ وَالْمَتَاعَ
جَمِيعًا، وَخَلَّى بَيْنَ الْكُلِّ وَالْمَوْهُوبِ لَهُ ثُمَّ اسْتَحَقَّ
الْمَتَاعَ بَقِيَتْ الْهِبَةُ جَائِزَةً فِي الدَّارِ لِأَنَّهُمَا كَانَا
فِي يَدِهِ فَصَحَّ التَّسْلِيمُ، وَهُوَ كَمَا لَوْ اسْتَعَارَ دَارًا
وَغَصَبَ مَتَاعَ رَجُلٍ، وَوَضَعَهُ فِي الدَّارِ ثُمَّ إنَّ الْمُعِيرَ
وَهَبَ الدَّارَ مِنْهُ صَحَّتْ الْهِبَةُ لِأَنَّ الْمَتَاعَ وَالدَّارَ
كَانَا فِي يَدِهِ، وَكَذَا لَوْ أَوْدَعَهُ الْمَتَاعَ وَالدَّارَ ثُمَّ
وَهَبَ الدَّارَ صَحَّتْ الْهِبَةُ فَإِنْ هَلَكَ الْمَتَاعُ وَلَمْ
يُحَوِّلْهُ ثُمَّ جَاءَ مُسْتَحِقٌّ فَاسْتَحَقَّ الْمَتَاعَ كَانَ لَهُ
أَنْ يُضَمِّنَ الْمَوْهُوبَ لَهُ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْمَوْهُوبَ لَهُ
غَاصِبًا ضَامِنًا لِلْمَتَاعِ بِمُجَرَّدِ التَّخْلِيَةِ لِانْتِقَالِ
يَدِ الْوَاهِبِ إلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ.
وَكَذَا لَوْ وَهَبَ جُوَالِقًا بِمَا فِيهِ مِنْ الْمَتَاعِ وَخَلَّى
بَيْنَ الْكُلِّ ثُمَّ اسْتَحَقَّ الْجُوَالِقَ صَحَّتْ الْهِبَةُ فِيمَا
كَانَ فِيهِ. وَلَوْ بَاعَ مَتَاعًا فِي دَارٍ وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ
الْمَتَاعِ ثُمَّ وَهَبَ الدَّارَ صَحَّتْ الْهِبَةُ. وَلَوْ وَهَبَ
الدَّارَ، وَفِيهَا مَتَاعُ الْوَاهِبِ، وَسَلَّمَ الدَّارَ بِمَا فِيهَا
ثُمَّ وَهَبَ الْمَتَاعَ جَازَتْ الْهِبَةُ فِي الْمَتَاعِ دُونَ الدَّارِ
لِأَنَّهُ حِينَ سَلَّمَ الدَّارَ أَوَّلًا بِحُكْمِ الْهِبَةِ لَمْ
يَصِحَّ تَسْلِيمُهُ فَإِذَا وَهَبَ الْمَتَاعَ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَتْ
الدَّارُ مَشْغُولَةً بِمَتَاعِ الْوَاهِبِ فَصَحَّتْ هِبَةُ الْمَتَاعِ.
وَلَوْ وَهَبَ الْمَتَاعَ أَوَّلًا ثُمَّ وَهَبَ الدَّارَ صَحَّتْ
الْهِبَةُ فِيهِمَا جَمِيعًا.
رَجُلٌ وَهَبَ دَارًا لِرَجُلَيْنِ لِأَحَدِهِمَا ثُلُثُهَا، وَلِلْآخَرِ
ثُلُثَاهَا لَا يَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ،
وَيَجُوزُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ.
وَلَوْ وَهَبَ دَارًا لِابْنَيْنِ لَهُ أَحَدُهُمَا صَغِيرٌ فِي عِيَالِهِ
كَانَتْ الْهِبَةُ فَاسِدَةً عِنْدَ الْكُلِّ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَهَبَ
مِنْ كَبِيرَيْنِ وَسَلَّمَ إلَيْهِمَا جُمْلَةً فَإِنَّ الْهِبَةَ
جَائِزَةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ فِي الْكَبِيرَيْنِ
لَمْ يُوجَدْ الشُّيُوعُ لَا وَقْتَ الْعَقْدِ وَلَا وَقْتَ الْقَبْضِ،
وَأَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا صَغِيرًا فَكَمَا وَهَبَ يَصِيرُ الْأَبُ
قَابِضًا حِصَّةَ الصَّغِيرِ فَتَمَكَّنَ الشُّيُوعُ وَقْتَ الْقَبْضِ.
رَجُلٌ وَهَبَ دَارًا مِنْ رَجُلٍ وَسَلَّمَ فَاسْتَحَقَّ نِصْفَهَا
بَطَلَتْ الْهِبَةُ فِي الْبَاقِي مِنْ قَاضِي خَانْ.
الشُّيُوعُ حَالَةَ الْقَبْضِ يَمْنَعُ الْهِبَةَ، وَحَالَةَ الْعَقْدِ لَا
يَمْنَعُ. وَكَذَا الشُّيُوعُ الطَّارِئُ لَا يُفْسِدُ الْهِبَةَ، وَهُوَ
بِأَنْ يَرْجِعَ فِي نِصْفِهَا شَائِعًا أَمَّا الِاسْتِحْقَاقُ فَإِنَّهُ
يُفْسِدُ لِأَنَّهُ شُيُوعٌ مُقَارِنُ مِنْ الْفُصُولَيْنِ.
وَلَوْ وَهَبَ أَرْضًا فِيهَا زَرْعٌ بِزَرْعِهَا ثُمَّ اسْتَحَقَّ
الزَّرْعَ بَطَلَتْ الْهِبَةُ فِي الْأَرْضِ عِنْدَ الْكُلِّ.
وَلَوْ وَهَبَ سَفِينَةً فِيهَا طَعَامٌ بِطَعَامِهَا ثُمَّ اسْتَحَقَّ
الطَّعَامَ بَطَلَتْ الْهِبَةُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ ابْنُ
رُسْتُمَ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَبْطُلُ
الْهِبَةُ فِي السَّفِينَةِ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ مَوْضِعَ الطَّعَامِ
مِنْ السَّفِينَةِ لَمْ يُقْبَضْ فَلَمْ تَصِحَّ هِبَةُ السَّفِينَةِ.
وَلَوْ وَهَبَ لِابْنِهِ أَرْضًا فِيهَا زَرْعٌ لِلْأَبِ أَوْ وَهَبَ
لِابْنِهِ دَارًا، وَالْأَبُ سَاكِنٌ فِيهَا لَمْ تَجُزْ الْهِبَةُ.
وَهَبَ لِرَجُلٍ جَارِيَةً، وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا فَقَالَ: عَلَى
أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ لِي، ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْهِبَةَ
جَائِزَةٌ، وَتَكُونُ الْجَارِيَةُ مَعَ وَلَدِهَا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ
لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْتَثْنِ الْوَلَدَ كَانَتْ الْجَارِيَةُ
وَوَلَدُهَا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ فَيَكُونُ الْوَلَدُ دَاخِلًا فِي
الْهِبَةِ فَكَانَ اسْتِثْنَاءُ الْوَلَدِ شَرْطًا مُبْطِلًا، وَالْهِبَةُ
لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ.
وَلَوْ أَعْتَقَ مَا فِي
(1/337)
بَطْنِ الْجَارِيَةِ ثُمَّ وَهَبَ
الْجَارِيَةَ جَازَتْ الْهِبَةُ فِي الْأُمِّ وَلَوْ دَبَّرَ مَا فِي
بَطْنِهَا ثُمَّ وَهَبَ الْأُمَّ لَمْ يَجُزْ قِيلَ: فِيهَا رِوَايَتَانِ
فِي رِوَايَةٍ لَا تَجُوزُ الْهِبَةُ فِي الْإِعْتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ
جَمِيعًا وَقِيلَ: جَازَتْ الْهِبَةُ فِيهِمَا، وَالصَّحِيحُ الْفَرْقُ
بَيْنَ الْإِعْتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ فَفِي الْإِعْتَاقِ تَجُوزُ الْهِبَةُ،
وَفِي التَّدْبِيرِ لَا تَجُوزُ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ لَا يُزِيلُ
الْجَارِيَةَ عَنْ مِلْكِهِ فَيَكُونُ الْمَوْهُوبُ مُتَّصِلًا بِغَيْرِ
الْهِبَةِ فَلَا يَجُوزُ مِنْ قَاضِي خَانْ.
وَهَبَ دَابَّةً مُسَرَّجَةً بِدُونِ سَرْجِهَا وَلِجَامِهَا، وَسَلَّمَهَا
كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لِاشْتِغَالِهَا بِهِمَا، وَجَازَ عَكْسُهُ لِعَدَمِ
اشْتِغَالِهِمَا بِهَا أَقُولُ فِيهِ نَظَرٌ إذْ الدَّابَّةُ شَاغِلَةٌ
لِلسَّرْجِ وَاللِّجَامِ لَا مَشْغُولَةٌ مِنْ الْفُصُولَيْنِ.
وَهَبَ عَبْدًا، وَلَا مَالَ لَهُ سِوَاهُ لَا يَمْلِكُهُ الْمَوْهُوبُ
لَهُ بَلْ يَضْمَنُ قِيمَةَ ثُلُثَيْ الْعَبْدِ لِلْوَرَثَةِ مِنْ
الصُّغْرَى.
لَوْ وَهَبَ دِرْهَمًا صَحِيحًا مِنْ رَجُلَيْنِ اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ
بَعْضُ الْمَشَايِخِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ تَنْصِيفَ الدِّرْهَمِ لَا
يَضُرُّ فَكَانَ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ
يَجُوزُ، وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيٌّ
السُّغْدِيُّ، وَالشَّيْخُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ لِأَنَّ
الدَّرَاهِمَ لَا تَنْكَسِرُ عَادَةً فَإِنْ كَانَتْ تَنْكَسِرُ عَادَةً،
وَلَا يَضُرُّهَا الْكَسْرُ كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الْمُشَاعِ الَّذِي
يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَلَا يَجُوزُ، وَالدِّينَارُ الصَّحِيحُ قَالُوا
يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِمَنْزِلَةِ الدِّرْهَمِ الصَّحِيحِ.
رَجُلٌ مَعَهُ دِرْهَمَانِ قَالَ لِرَجُلٍ وَهَبْت مِنْك دِرْهَمًا
مِنْهُمَا قَالُوا إنْ كَانَا مُسْتَوِيَيْنِ فِي الْوَزْنِ وَالْجَوْدَةِ
لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْهِبَةَ تَنَاوَلَتْ أَحَدَهُمَا، وَهُوَ مَجْهُولٌ،
وَإِنْ كَانَا مُتَفَاوِتَيْنِ جَازَ لِأَنَّ الْهِبَةَ تَنَاوَلَتْ وَزْنَ
دِرْهَمٍ مِنْهُمَا، وَهُوَ مُشَاعٌ لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ مِنْ
قَاضِي خَانْ.
إذَا اُسْتُحِقَّتْ الْهِبَةُ رَجَعَ بِالْعِوَضِ إنْ كَانَ قَائِمًا،
وَيَضْمَنُهُ إنْ كَانَ مُسْتَهْلَكًا، مِنْ مُشْتَمِلِ الْهِدَايَةِ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ إنْ اسْتَحَقَّ الْعِوَضُ رَجَعَ فِي الْهِبَةِ، وَإِنْ
اسْتَحَقَّتْ الْهِبَةُ رَجَعَ فِي الْعِوَضِ فَإِنْ هَلَكَ الْعِوَضُ
يَرْجِعُ بِمِثْلِهِ أَوْ بِقِيمَتِهِ، وَإِنْ اسْتَحَقَّ الْعِوَضُ وَقَدْ
زَادَتْ الْهِبَةُ لَمْ يَرْجِعْ، وَإِنْ اسْتَحَقَّ نِصْفُ الْهِبَةِ
رَجَعَ فِي النِّصْفِ مِنْ الْعِوَضِ، وَإِنْ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْعِوَضِ
لَمْ يَرْجِعْ فِي نِصْفِ الْهِبَةِ لَكِنْ يَرُدُّ مَا بَقِيَ،
وَيَسْتَرِدُّ الْهِبَةَ انْتَهَى.
لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ إلَّا بِقَضَاءٍ أَوْ رِضًا،
وَيَجُوزُ تَصَرُّفُ الْمَوْهُوبِ لَهُ بَيْعًا وَعِتْقًا وَهِبَةً قَبْلَ
الْقَضَاءِ بِالرُّجُوعِ، وَلَا يَجُوزُ بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَهِيَ
أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ بَعْدَ الْقَضَاءِ لَا يَضْمَنُهَا إلَّا
بِالْمَنْعِ، وَإِنْ اسْتَحَقَّ الْعِوَضُ فِي الْهِبَةِ رَجَعَ فِي
الْهِبَةِ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً، وَلَا يَرْجِعُ بِقِيمَتِهَا إنْ كَانَتْ
هَالِكَةً بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَحَقَّتْ الْهِبَةُ حَيْثُ يَرْجِعُ
بِقِيمَةِ الْعِوَضِ إنْ كَانَ هَالِكًا كَمَا مَرَّ.
وُهِبَ مِنْ رَجُلٍ أَرْضًا، وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ، وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ
يُنْفِقَ عَلَى الْوَاهِبِ مِنْ الْخَارِجِ فَالْهِبَةُ فَاسِدَةٌ فَلَوْ
كَانَ الْمَوْهُوبُ كَرْمًا، وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يُنْفِقَ مِنْ
ثَمَرَتِهِ فَالْهِبَةُ صَحِيحَةٌ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ لِأَنَّ ثَمَرَةَ
الْكَرْمِ مَوْهُوبَةٌ تَبَعًا لَهُ فَقَدْ شَرَطَ رَدَّ بَعْضِ
الْمَوْهُوبِ عَلَيْهِ فَيَكُونُ شَرْطًا فَاسِدًا فَصَحَّتْ الْهِبَةُ،
وَالْخَارِجُ مِنْ الْأَرْضِ مِلْكُ الْمَوْهُوبِ لَهُ لَا مَوْهُوبٌ
لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ يَدِهِ وَقَدْ شَرَطَ عَلَيْهِ عِوَضًا مَجْهُولًا،
وَالْهِبَةُ بِعِوَضٍ مَجْهُولٍ فَاسِدَةٌ مِنْ الْوَجِيزِ.
وَهَبَ لِآخَرَ أَرْضًا عَلَى أَنَّ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ زَرْعٍ
يُنْفِقُ الْمَوْهُوبُ لَهُ ذَلِكَ عَلَى الْوَاهِبِ قَالَ أَبُو
الْقَاسِمِ إنْ كَانَ فِي الْأَرْضِ كَرْمٌ أَوْ أَشْجَارٌ جَازَتْ
الْهِبَةُ، وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ قَرَاحًا
فَالْهِبَةُ فَاسِدَةٌ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ لِأَنَّ فِي
الثَّمَرِ شَرَطَ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ رَدَّ بَعْضِ الْهِبَةِ عَلَى
الْوَاهِبِ فَتَجُوزُ الْهِبَةُ، وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ لِأَنَّ الْهِبَةَ
لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، وَفِي الْأَرْضِ
(1/338)
الْقَرَاحِ شَرَطَ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ
عِوَضًا مَجْهُولًا لِأَنَّ الْأَرْضَ نَمَاءٌ لِمِلْكِهِ فَتَكُونُ لَهُ
فَكَانَ مُفْسِدًا لِلْهِبَةِ.
رَجُلٌ ضَلَّ لَهُ لُؤْلُؤَةٌ فَوَهَبَهَا لِآخَرَ، وَسَلَّطَهُ عَلَى
طَلَبِهَا وَقَبْضِهَا مَتَى وَجَدَهَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ هَذِهِ هِبَةٌ
فَاسِدَةٌ لِأَنَّهَا هِبَةٌ عَلَى خَطَرٍ، وَالْهِبَةُ لَا تَصِحُّ مَعَ
الْخَطَرِ وَقَالَ زُفَرُ تَجُوزُ هَذِهِ الْهِبَةُ.
أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ إذَا قَالَ لِشَرِيكِهِ وَهَبْت لَك حِصَّتِي مِنْ
الرِّبْحِ قَالُوا إنْ كَانَ الْمَالُ قَائِمًا لَا تَصِحُّ لِأَنَّهَا
هِبَةُ الْمُشَاعِ فِيمَا يُقَسَّمُ، وَإِنْ كَانَ الشَّرِيكُ اسْتَهْلَكَ
الْمَالَ صَحَّتْ الْهِبَةُ لِأَنَّهَا صَارَتْ دَيْنًا بِالِاسْتِهْلَاكِ،
وَالدَّيْنُ لَا يُقَسَّمُ فَيَكُونُ هَذَا هِبَةَ الْمُشَاعِ فِيمَا لَا
يُقَسَّمُ.
لَوْ كَانَتْ الْهِبَةُ جَارِيَةً فَوَطِئَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ ثُمَّ
انْتَقَضَتْ الْهِبَةُ بِرُجُوعِ الْوَاهِبِ فِي الْهِبَةِ أَوْ بِرَدِّ
الْوَرَثَةِ لَا يَلْزَمُهُ الْعُقْرُ مِنْ قَاضِي خَانْ.
مَرِيضٌ وَهَبَ أَمَةً لِرَجُلٍ فَوَطِئَهَا فَمَاتَ الْمَرِيضُ،
وَعَلَيْهِ دُيُونٌ لَا يَجِبُ الْعُقْرُ كَمَا لَوْ وَهَبَ لَهُ
الصَّحِيحُ فَوَطِئَهَا ثُمَّ رَجَعَ، كَذَا فِي جَامِعِ الْفَتَاوَى،
وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ الْخُوَارِزْمِيُّ مَرِيضٌ وَهَبَ أَمَةً فَوَطِئَهَا
مَنْ وُهِبَتْ لَهُ فَمَاتَ الْوَاهِبُ، وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا،
وَلَمْ يُجْزِ الْوَرَثَةُ فَنَقَضَتْ فِي ثُلُثَيْهَا فَعَلَى مَنْ
وُهِبَتْ لَهُ ثُلُثَا عُقْرِهَا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حَقَّهُمْ
يَسْتَنِدُ، وَلَمْ يَقْتَصِرْ قَالَ فِي فَتَاوَى الْقَاضِي ظَهِيرِ
الدِّينِ كَذَا ذَكَرَ هَذَا الْجَوَابَ فِي جَوَابِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ،
وَلَمْ يُسْنِدْهُ إلَى أَصْحَابِنَا وَلَوْ صَحَّ مَا ذَكَرَهُ لَبَطَلَتْ
الْهِبَةُ فِي الثُّلُثِ الْبَاقِي فِي مَسْأَلَتِنَا لَكِنْ لَا أَصْلَ
لَهُ، وَلَا يَكَادُ يَصِحُّ إذْ يُخَالِفُ جَوَابَ كُتُبِ أَصْحَابِنَا،
وَفِي سَائِرِ كُتُبِهِمْ إنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ، وَمِلْكَهُمْ لَا
يَسْتَنِدُ وَالْعُقْرُ لَا يَجِبُ، كَذَا فِي الْفُصُولَيْنِ مِنْ
أَحْكَامِ الْمَرْضَى.
لَوْ قَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ هَلَكَتْ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَلَا
يَمِينَ عَلَيْهِ فَإِنْ قَالَ الْوَاهِبُ هِيَ هَذِهِ حَلَفَ الْمُنْكِرُ
أَنَّهَا لَيْسَتْ هَذِهِ.
الْأَبُ إذَا عَوَّضَ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ عَمَّا وَهَبَ إنْسَانٌ
لِلصَّغِيرِ لَمْ يَجُزْ، مِنْ الْخُلَاصَةِ.
كَانَتْ تَدْفَعُ لِزَوْجِهَا وَرِقًا عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى النَّفَقَةِ
أَوْ شَيْئًا آخَرَ، وَهُوَ يُنْفِقُهُ فِي عِيَالِهِ لَيْسَ لَهَا أَنْ
تَرْجِعَ بِهَا عَلَيْهِ.
قَالَ لِآخَرَ خُذْ بِطَعَامِ كَذَا إلَى دَارِك، وَوَهَبْته مِنْك فَقَالَ
قَبِلْت ثُمَّ حَضَرَ دَارِهِ فَأَكَلَهُ بَعْدَ رِضًا، وَيَكُونُ ذَلِكَ
إذْنًا لِلْقَبْضِ دَلَالَةً مِنْ الْقُنْيَةِ.
إذَا هَلَكَتْ الْعَيْنُ الْمَوْهُوبَةُ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ ثُمَّ
اسْتَحَقَّتْ، وَضَمِنَ الْمَوْهُوبُ لَهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْوَاهِبِ
لِأَنَّ الْقَبْضَ كَانَ لِنَفْسِهِ، وَالْغُرُورُ لَا يُوجِبُ الرُّجُوعَ
إلَّا إذَا كَانَ فِي عَقْدٍ يَرْجِعُ نَقْصُهُ إلَى الدَّافِعِ أَوْ فِي
ضِمْنِ عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ أَوْ كَانَ بِالشَّرْطِ، كَذَا فِي كَفَالَةِ
الْأَشْبَاهِ.
وَهَبَ لِرَجُلٍ شَيْئًا فَقَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ لِرَجُلٍ عَوِّضْ
الْوَاهِبَ مِنْ مَالِك فَفَعَلَ لَا يَرْجِعُ بِلَا شَرْطِ الرُّجُوعِ
مِنْ الْفُصُولَيْنِ.
مَرِيضٌ وَهَبَ قِنًّا قِيمَتُهُ ثَلَثُمِائَةٍ عَلَى أَنْ يُعَوِّضَ
قِنًّا قِيمَتُهُ مِائَةٌ، وَتَقَابَضَا ثُمَّ مَاتَ، وَلَا مَالَ لَهُ،
وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ فَالْمَوْهُوبُ لَهُ يَرُدُّ ثُلُثَهُ،
وَيُسَلِّمُ لَهُ ثُلُثَاهُ، وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْ الْعِوَضِ شَيْئًا.
وَلَوْ قَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَزِيدُ فِي الْعِوَضِ بِقَدْرِ
الزِّيَادَةِ مِنْ الْمُحَابَاةِ عَلَى الثُّلُثِ، وَآخُذُ الْقِنَّ
كُلَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ مَكَانَهُ بَيْعٌ رَدَّ
مِائَةَ دِرْهَمٍ، وَأَخَذَ كُلَّ الْقِنِّ.
مَرِيضٌ وَهَبَ دَارًا قِيمَتُهَا ثَلَثُمِائَةٍ عَلَى أَنْ يُعَوِّضَهُ
قِنًّا قِيمَتُهُ مِائَةٌ فَأَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِقِيمَةِ الْقِنِّ
بِحُكْمٍ أَوْ بِدُونِهِ ثُمَّ مَاتَ الْمَرِيضُ رَدَّ الشَّفِيعُ ثُلُثَ
الدَّارِ عَلَى الْوَرَثَةِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ رَدَّ الْكُلِّ وَيَنْقُضَ
أَخْذَهُ، وَلَوْ وَهَبَ بِلَا شَرْطٍ فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا، وَيَرُدُّ
الْمَوْهُوبُ لَهُ ثُلُثَ الدَّارِ فَيَكُونُ لِلْوَرَثَةِ مَعَ الْقِنِّ
وَلَوْ شَاءَ نَقَضَ الْهِبَةَ فِي الْكُلِّ.
مَرِيضٌ وَهَبَ كُرَّ بُرٍّ قِيمَتُهُ ثَلَثُمِائَةٍ عَلَى أَنْ
يُعَوِّضَهُ كَذَا قِيمَتُهُ مِائَةٌ، وَتَقَابَضَا ثُمَّ مَاتَ
(1/339)
الْمَرِيضُ فَلَوْ شَاءَ الْمَوْهُوبُ لَهُ نَقَضَ الْهِبَةَ وَلَوْ شَاءَ
رَدَّ ثُلُثَ الْكُرِّ كَذَا فِي الْهِبَةِ مِنْ أَحْكَامِ الْمَرْضَى مِنْ
الْفُصُولَيْنِ. |