الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع

فصل فِي بَيَان مَا يَنْتَهِي بِهِ الْوضُوء
وَتسَمى الْأَحْدَاث (وَالَّذِي ينْقض الْوضُوء) أَي يَنْتَهِي بِهِ (خَمْسَة أَشْيَاء) فَقَط
وَلَا يُخَالف من جعلهَا أَرْبَعَة كالمنهاج
لِأَن مَفْهُوم قَول الْمِنْهَاج إِلَّا نوم مُمكن مَقْعَده هُوَ مَنْطُوق الثَّانِي هُنَا فتوافقا فَتَأَمّله
وَعلة النَّقْض بهَا غير معقولة الْمَعْنى فَلَا يُقَاس عَلَيْهَا غَيرهَا
فَلَا نقض بِالْبُلُوغِ بِالسِّنِّ
وَلَا بِمَسّ الْأَمْرَد الْحسن وَلَا بِمَسّ فرج الْبَهِيمَة وَلَا بِأَكْل لحم الْجَزُور على الْمَذْهَب فِي الْأَرْبَعَة وَإِن صحّح النَّوَوِيّ الْأَخير مِنْهَا
من جِهَة الدَّلِيل
ثمَّ أجَاب من جِهَة الْمَذْهَب فَقَالَ أقرب مَا يستروح إِلَيْهِ فِي ذَلِك قَول الْخُلَفَاء الرَّاشِدين وجماهير الصَّحَابَة
وَمِمَّا يضعف النَّقْض بِهِ أَن الْقَائِل بِهِ لَا يعديه إِلَى شحمه وسنامه مَعَ أَنه لَا فرق وَلَا بالقهقهة فِي الصَّلَاة وَإِلَّا لما اخْتصَّ النَّقْض بهَا كَسَائِر النواقض وَمَا رُوِيَ من أَنَّهَا تنقض فضعيف
وَلَا بِالنَّجَاسَةِ الْخَارِجَة من غير الْفرج كالفصد والحجامة لما روى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَاد صَحِيح أَن رجلَيْنِ من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حرسا الْمُسلمين فِي غَزْوَة ذَات الرّقاع فَقَامَ أَحدهمَا يُصَلِّي فَرَمَاهُ رجل من الْكفَّار بِسَهْم فَنَزَعَهُ وَصلى وَدَمه يجْرِي
وَعلم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهِ وَلم يُنكره وَأما صلَاته مَعَ الدَّم فلقلة مَا أَصَابَهُ مِنْهُ وَلَا بشفاء دَائِم الْحَدث لِأَن حَدثهُ لم يرْتَفع
فَكيف يَصح عد الشِّفَاء سَببا للْحَدَث مَعَ أَنه لم يزل وَلَا بِنَزْع الْخُف لِأَن نَزعه يُوجب غسل الرجلَيْن فَقَط على الْأَصَح
أَحدهمَا (مَا) أَي شَيْء (خرج) من أحد (السَّبِيلَيْنِ) أَي من قبل المتوضىء الْحَيّ الْوَاضِح وَلَو من مخرج الْوَلَد أَو أحد ذكرين يَبُول بهما أَو أحد فرجين تبول بِأَحَدِهِمَا وتحيض بِالْآخرِ فَإِن

(1/59)


بَال بِأَحَدِهِمَا أَو حَاضَت بِهِ فقد اخْتصَّ الحكم بِهِ أما الْمُشكل فَإِن خرج الْخَارِج من فرجيه جَمِيعًا فَهُوَ مُحدث وَإِن خرج من أَحدهمَا فَلَا نقض أَو من دبر المتوضىء الْحَيّ سَوَاء أَكَانَ الْخَارِج عينا أم ريحًا طَاهِرا أم نجسا جافا أم رطبا مُعْتَادا كبول أَو نَادرا كَدم
انْفَصل أم لَا قَلِيلا أم كثيرا طَوْعًا أم كرها
وَالْأَصْل فِي ذَلِك قَوْله تَعَالَى {أَو جَاءَ أحد مِنْكُم من الْغَائِط} الْآيَة
وَالْغَائِط الْمَكَان المطمئن من الأَرْض تقضى فِيهِ الْحَاجة سمي بِهِ الْخَارِج للمجاورة وَحَدِيث الصَّحِيحَيْنِ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي الْمَذْي يغسل ذكره وَيتَوَضَّأ وَفِيهِمَا اشْتَكَى إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي يخيل إِلَيْهِ أَنه يجد الشَّيْء فِي الصَّلَاة قَالَ لَا ينْصَرف حَتَّى يسمع صَوتا أَو يجد ريحًا وَالْمرَاد الْعلم بِخُرُوجِهِ لَا سَمعه وَلَا شمه وَلَيْسَ المُرَاد حصر الناقض فِي الصَّوْت وَالرِّيح بل نفي وجوب الْوضُوء بِالشَّكِّ فِي خُرُوج الرّيح وَيُقَاس بِمَا فِي الْآيَة وَالْأَخْبَار كل خَارج مِمَّا ذكر وَإِن لم تَدْفَعهُ الطبيعة كعود خرج من الْفرج بعد أَن دخل فِيهِ
تَنْبِيه التَّعْبِير بالسبيلين جرى على الْغَالِب إِذْ للْمَرْأَة ثَلَاثَة مخارج اثْنَان من قبلهَا وَوَاحِد من دبرهَا وَلِأَنَّهُ لَو خلق للرجل ذكران فَإِنَّهُ ينْتَقض بالخارج من كل مِنْهُمَا كَمَا مر وَكَذَا لَو خلق للْمَرْأَة فرجان كَمَا ذكره فِي الْمَجْمُوع
وَيسْتَثْنى من ذَلِك خُرُوج مني الشَّخْص نَفسه الْخَارِج مِنْهُ أَولا
كَأَن أمنى بِمُجَرَّد نظر أَو احْتِلَام مُمكنا مَقْعَده فَلَا ينْتَقض وضوءه بذلك لِأَنَّهُ أوجب أعظم الْأَمريْنِ وَهُوَ الْغسْل بِخُصُوصِهِ فَلَا يُوجب أدونهما وَهُوَ الْوضُوء بِعُمُومِهِ
كزنا الْمُحصن لما أوجب أعظم الحدين لكَونه زنا الْمُحصن فَلَا يُوجب أدونهما لكَونه زنا وَإِنَّمَا أوجبه الْحيض وَالنّفاس مَعَ إيجابهما الْغسْل لِأَنَّهُمَا يمنعان صِحَة الْوضُوء فَلَا يجامعانه بِخِلَاف خُرُوج الْمَنِيّ يَصح مَعَه الْوضُوء فِي صُورَة سَلس الْمَنِيّ فيجامعه
أما مني غَيره أَو منيه إِذا عَاد فينقض خُرُوجه لفقد الْعلَّة نعم لَو ولدت ولدا جافا انْتقض وضوءها لِأَن الْوَلَد مُنْعَقد من منيها ومني غَيرهَا وَأما خُرُوج بعض الْوَلَد فَالَّذِي يظْهر أَنَّهَا تخير بَين الْوضُوء وَالْغسْل
لِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يكون من منيها فَقَط أَو من منيه فَقَط

(1/60)


(القَوْل فِي حكم الْخَارِج من الثقب) وَلَو انسد مخرجه الْأَصْلِيّ من قبل أَو دبر بِأَن لم يخرج مِنْهُ شَيْء وَإِن لم يلتحم وَانْفَتح مخرج بدله تَحت معدته وَهِي بِفَتْح الْمِيم وَكسر الْعين على الْأَفْصَح مُسْتَقر الطَّعَام
وَهِي من السُّرَّة إِلَى الصَّدْر
كَمَا قَالَه الْأَطِبَّاء وَالْفُقَهَاء واللغويون هَذَا حَقِيقَتهَا
وَالْمرَاد بهَا هُنَا السُّرَّة فَخرج مِنْهُ الْمُعْتَاد خُرُوجه كبول أَو النَّادِر كدود وَدم نقض لقِيَامه مقَام الْأَصْلِيّ
فَكَمَا ينْقض الْخَارِج مِنْهُ الْمُعْتَاد والنادر فَكَذَلِك هَذَا أَيْضا وَإِن انْفَتح فِي السُّرَّة أَو فَوْقهَا أَو محاذيها والأصلي منسد أَو تحتهَا والأصلي منفتح فَلَا ينْقض الْخَارِج مِنْهُ
أما فِي الأولى فَلِأَن مَا يخرج من الْمعدة أَو فَوْقهَا لَا يكون مِمَّا أحالته الطبيعة
لِأَن مَا تحيله تلقيه إِلَى أَسْفَل فَهُوَ بالقيء أشبه
وَأما فِي الثَّانِيَة فَلَا ضَرُورَة إِلَى جعل الْحَادِث مخرجا مَعَ انفتاح الْأَصْلِيّ وَحَيْثُ أَقَمْنَا المنفتح كالأصلي إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ للنقض بالخراج
فَلَا يجزىء فِيهِ الْحجر وَلَا ينْتَقض الْوضُوء بمسه
وَلَا يجب الْغسْل وَلَا غَيره من أَحْكَام الْوَطْء بالإيلاج فِيهِ
وَلَا يحرم النّظر إِلَيْهِ حَيْثُ كَانَ فَوق الْعَوْرَة
قَالَ الْمَاوَرْدِيّ هَذَا فِي الانسداد الْعَارِض
أما الخلقي فينقض مَعَه الْخَارِج من المنفتح مُطلقًا
والمنسد حِينَئِذٍ كعضو زَائِد من الْخُنْثَى لَا وضوء بمسه وَلَا غسل بإيلاجه والإيلاج فِيهِ
قَالَ النَّوَوِيّ فِي نكته على التَّنْبِيه أَن تعبيرهم بالانسداد يشْعر بِمَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ وَخرج بالمنفتح مَا لَو خرج شَيْء من المنافذ الْأَصْلِيَّة كالفم وَالْأُذن
فَإِنَّهُ لَا ينْقض بذلك كَمَا هُوَ ظَاهر كَلَامهم
(و) الثَّانِي من نواقض الْوضُوء (النّوم)
وَهُوَ استرخاء أعصاب الدِّمَاغ بِسَبَب رطوبات الأبخرة الصاعدة من الْمعدة
وَإِنَّمَا ينْقض إِذا كَانَ (على غير هَيْئَة المتمكن) من الأَرْض مَقْعَده أَي ألييه وَذَلِكَ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم العينان وكاء السه فَمن نَام فَليَتَوَضَّأ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيره والسه بسين مُهْملَة مُشَدّدَة مَفْتُوحَة وهاء حَلقَة الدبر
والوكاء بِكَسْر الْوَاو وَالْمدّ الْخَيط الَّذِي يرْبط الَّذِي يرْبط بِهِ الشَّيْء
وَالْمعْنَى فِيهِ أَن الْيَقَظَة هِيَ الْحَافِظ لما يخرج والنائم قد يخرج مِنْهُ شَيْء وَلَا يشْعر بِهِ
فَإِن قيل الأَصْل عدم خُرُوج شَيْء فَكيف عدل عَنهُ وَقيل بِالنَّقْضِ أُجِيب بِأَنَّهُ لما جعل مَظَنَّة لِخُرُوجِهِ من غير شُعُور بِهِ أقيم مقَام الْيَقِين كَمَا أُقِيمَت الشَّهَادَة المفيدة للظن مقَام الْيَقِين فِي شغل الذِّمَّة
أما إِذا نَام وَهُوَ مُمكن ألييه من مقره من أَرض أَو غَيرهَا فَلَا ينْتَقض وضوءه وَلَو كَانَ مُسْتَندا إِلَى مَا لَو زَالَ لسقط للأمن من خُرُوج شَيْء حِينَئِذٍ من دبره وَلَا عِبْرَة بِاحْتِمَال خُرُوج ريح من قبله لِأَنَّهُ نَادِر وَلقَوْل أنس رَضِي الله عَنهُ كَانَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينامون ثمَّ يصلونَ وَلَا يتوضؤون
رَوَاهُ مُسلم
وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد ينامون حَتَّى تخفق رؤوسهم الأَرْض فَحمل على نوم الْمُمكن جمعا بَين الْحَدِيثين
فَدخل فِي ذَلِك مَا لَو نَام مُحْتَبِيًا وَأَنه لَا فرق بَين النحيف وَغَيره وَهُوَ مَا صرح بِهِ فِي الرَّوْضَة وَغَيرهَا
نعم إِن كَانَ بَين مَقْعَده ومقره تجاف نقض
كَمَا نَقله فِي الشَّرْح الصَّغِير عَن الرَّوْيَانِيّ وَأقرهُ وَلَا تَمْكِين لمن نَام على قَفاهُ مُلْصقًا مَقْعَده بمقره
وَمن خَصَائِصه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه لَا ينْتَقض وضوءه بنومه مُضْطَجعا
وَيسن الْوضُوء من النّوم مُمكنا خُرُوجًا من الْخلاف

(1/61)


(و) الثَّالِث من نواقض الْوضُوء (زَوَال الْعقل) الغريزي بجنون (أَو بسكر) وَإِن لم يَأْثَم بِهِ (أَو) بِعَارِض (مرض) كإغماء أَو بتناول داوء لِأَن ذَلِك أبلغ من النّوم
وَلَا فرق بَين أَن يكون مُتَمَكنًا أم لَا
فَائِدَة قَالَ الْغَزالِيّ الْجُنُون يزِيل الْعقل وَالْإِغْمَاء يغمره وَالنَّوْم يستره
تَنْبِيه علم من كَلَام المُصَنّف أَن أَوَائِل السكر الَّذِي لَا يَزُول بِهِ الشُّعُور لَا ينْقض
وَهُوَ كَذَلِك
القَوْل فِي النَّقْض باللمس وشروطه (و) الرَّابِع من نواقض الْوضُوء (لمس الرجل) ببشرته (الْمَرْأَة الْأَجْنَبِيَّة) أَي بَشرَتهَا من غير حَائِل لقَوْله تَعَالَى {أَو لامستم النِّسَاء} أَي لمستم كَمَا قرىء بِهِ فعطف اللَّمْس على الْمَجِيء من الْغَائِط ورتب عَلَيْهِمَا الْأَمر بِالتَّيَمُّمِ عِنْد فقد المَاء فَدلَّ على أَنه حدث
لَا جامعتم لِأَنَّهُ خلاف الظَّاهِر إِذْ اللَّمْس لَا يخْتَص بِالْجِمَاعِ قَالَ تَعَالَى {فلمسوه بِأَيْدِيهِم} وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَعَلَّك لمست وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين أَن يكون بِشَهْوَة أَو إِكْرَاها أَو نِسْيَان أَو يكون الرجل ممسوحا أَو خَصيا أَو عنينا أَو الْمَرْأَة عجوزا شوهاء أَو كَافِرَة بتمجس أَو غَيره أَو حرَّة أَو رقيقَة أَو أَحدهمَا مَيتا لَكِن لَا ينْتَقض وضوء الْمَيِّت
واللمس الجس بِالْيَدِ
وَالْمعْنَى فِيهِ أَنه مَظَنَّة ثوران الشَّهْوَة
وَمثله فِي ذَلِك بَاقِي صُورَة الالتقاء فَألْحق بِهِ بِخِلَاف النَّقْض بِمَسّ الْفرج كَمَا سَيَأْتِي فَإِنَّهُ مُخْتَصّ بِبَطن الْكَفّ لِأَن الْمس إِنَّمَا يثير الشَّهْوَة بِبَطن الْكَفّ
واللمس يثيرها بِهِ وَبِغَيْرِهِ
والبشرة ظَاهر الْجلد وَفِي مَعْنَاهَا كلحم الْأَسْنَان وَاللِّسَان واللثة وبطن الْعين
وَخرج مَا إِذا كَانَ على الْبشرَة حَائِل وَلَو رَقِيقا
نعم لَو كثر الْوَسخ على الْبشرَة من الْعرق فَإِن لمسه ينْقض لِأَنَّهُ صَار كالجزء من الْبدن بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ من غُبَار
وَالسّن وَالشعر وَالظفر كَمَا سَيَأْتِي
وَبِالرجلِ وَالْمَرْأَة الرّجلَانِ والمرأتان والخنثيان وَالْخُنْثَى مَعَ الرجل أَو الْمَرْأَة وَلَو بِشَهْوَة لانْتِفَاء مظنتها ولاحتمال التوافق فِي صُورَة الْخُنْثَى
وَالْمرَاد بِالرجلِ الذّكر إِذا بلغ حدا يشتهى لَا الْبَالِغ
وبالمرأة الْأُنْثَى إِذا بلغت حدا يشتهى كَذَلِك لَا الْبَالِغَة
تَنْبِيه لَو لمست الْمَرْأَة رجلا أَجْنَبِيّا أَو الرجل مرأة أَجْنَبِيَّة هَل ينْتَقض وضوء الْآدَمِيّ أم لَا يَنْبَغِي أَن يبْنى ذَلِك على صِحَة مناكحتهم وَفِي ذَلِك خلاف يَأْتِي فِي النِّكَاح إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَلَا ينْقض لمس محرم لَهُ بِنسَب أَو رضَاع أَو مصاهرة وَلَو بِشَهْوَة لِأَنَّهَا لَيست مَظَنَّة للشهوة بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ كَرجل وَلَو شكّ فِي الْمَحْرَمِيَّة لم ينْتَقض وضوءه
لِأَن الأَصْل الطَّهَارَة وَظَاهر كَلَامهم أَن الحكم كَذَلِك وَإِن اخْتلطت محرمه بأجنبيات غير محصورات وَهُوَ كَذَلِك لِأَن الطُّهْر لَا يرفع بِالشَّكِّ نعم إِن تزوج بِوَاحِدَة مِنْهُنَّ انْتقض وضوءه بلمسها
لِأَن الحكم لَا يَتَبَعَّض

(1/62)


لوإن قَالَ بعض الْمُتَأَخِّرين يَنْبَغِي عدم النَّقْض كَمَا لَو تزوج بصغيرة لَا تشْتَهى وَمثل ذَلِك مَا لَو تزوج بِامْرَأَة مَجْهُولَة النّسَب واستلحقها أَبوهُ وَلم يصدقهُ فَإِن النّسَب يثبت وَتصير أُخْتا لَهُ وَلَا يَنْفَسِخ نِكَاحه وينتقض وضوءه بلمسها لما تقدم
قَالَ بَعضهم وَلَيْسَ لنا من ينْكح أُخْته فِي الْإِسْلَام إِلَّا هَذَا
وَلَا تنقض صَغِيرَة السن وَلَا صَغِير لم يبلغ كل مِنْهُمَا حدا يشتهى عرفا لانْتِفَاء مَظَنَّة الشَّهْوَة بِخِلَاف مَا إِذا بلغاها وَإِن انْتَفَت بعد ذَلِك لنَحْو هرم كَمَا تقدّمت الْإِشَارَة إِلَيْهِ وَلَا شعر وَسن وظفر وَعظم لِأَن مُعظم الالتذاذ فِي هَذَا إِنَّمَا هُوَ بِالنّظرِ دون اللَّمْس وَلَا ينْقض الْعُضْو المبان غير الْفرج وَلَو قطعت الْمَرْأَة نِصْفَيْنِ هَل ينْقض كل مِنْهُمَا أَو لَا وَجْهَان وَالْأَقْرَب عدم الانتقاض قَالَ النَّاشِرِيّ وَلَو كَانَ أحد الجزأين أعظم نقض دون غَيره انْتهى
وَالَّذِي يظْهر أَنه إِن كَانَ بِحَيْثُ يُطلق عَلَيْهِ اسْم امْرَأَة نقض وَإِلَّا فَلَا وَتقدم أَنه ينْتَقض الْوضُوء بلمس الْميتَة وَالْمَيِّت وَوَقع للنووي فِي رُؤُوس الْمسَائِل أَنه رجح عدم النَّقْض بلمس الْميتَة وَالْمَيِّت وعد من السَّهْو
القَوْل فِي النَّقْض بالمس وشروطه (و) الْخَامِس وَهُوَ آخر النواقض (مس) شَيْء من (فرج الْآدَمِيّ) من نَفسه أَو غَيره ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى مُتَّصِلا أَو مُنْفَصِلا بِبَطن الْكَفّ من غير حَائِل لخَبر من مس فرجه فَليَتَوَضَّأ رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَلخَبَر ابْن حبَان إِذا أفْضى أحدكُم بِيَدِهِ إِلَى فرجه وَلَيْسَ بَينهمَا ستر وَلَا حجاب فَليَتَوَضَّأ والإفضاء لُغَة الْمس بِبَطن الْكَفّ فَثَبت النَّقْض فِي فرج نَفسه بِالنَّصِّ فَيكون فِي فرج غَيره أولى لِأَنَّهُ أفحش لهتك حُرْمَة غَيره بل ثَبت أَيْضا فِي رِوَايَة من مس ذكرا فَليَتَوَضَّأ وَهُوَ شَامِل لنَفسِهِ وَلغيره وَأما خبر عدم النَّقْض بِمَسّ الْفرج فَقَالَ ابْن حبَان وَغَيره إِنَّه مَنْسُوخ وَالْمرَاد بِبَطن الْكَفّ الرَّاحَة مَعَ بطُون الْأَصَابِع الْأصْبع الزَّائِدَة إِن كَانَت على سنَن الْأَصَابِع انْتقض الْوضُوء بالمس بهَا وَإِلَّا فَلَا وَسميت كفا لِأَنَّهَا تكف الْأَذَى عَن الْبدن وبفرج الْمَرْأَة ملتقى الشرفين على المنفذ فَلَا نقض بِمَسّ الْأُنْثَيَيْنِ وَلَا الأليين وَلَا بِمَا بَين الْقبل والدبر وَلَا بالعانة
(و) ينْقض (مس حَلقَة دبره) أَي الْآدَمِيّ (على الْجَدِيد) لِأَنَّهُ فرج وَقِيَاسًا على الْقبل بِجَامِع النَّقْض بالخارج مِنْهُمَا وَالْمرَاد بهَا ملتقى المنفذ لَا مَا وَرَاءه وَلَام حَلقَة سَاكِنة وَحكي فتحهَا
وينقض مس بعض الذّكر المبان كمس كُله وَإِلَّا مَا قطع فِي الْخِتَان إِذْ لَا يَقع عَلَيْهِ اسْم الذّكر قَالَه الْمَاوَرْدِيّ وَأما قبل الْمَرْأَة والدبر فَالْمُتَّجه إِن بَقِي اسمهما بعد قطعهمَا نقض مسهما وَإِلَّا فَلَا لِأَن الحكم مَنُوط بِالِاسْمِ وَمن لَهُ ذكران نقض الْمس بِكُل مِنْهُمَا سَوَاء كَانَا عاملين أم غير عاملين لَا زَائِد مَعَ عَامل وَمحله كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيّ نقلا عَن الفوراني إِذا لم يكن مسامتا لِلْعَامِلِ وَإِلَّا فَهُوَ كأصبع زَائِدَة مسامتة للبقية فينقض وَمن لَهُ كفان نقضتا بالمس سَوَاء أكانتا عاملتين أم غير عاملتين لَا زَائِدَة مَعَ عاملة فَلَا نقض إِذا كَانَ الكفان على معصمين بِخِلَاف مَا إِذا كَانَتَا على معصم وَاحِد وَكَانَت على سمت الْأَصْلِيَّة كالأصبع الزَّائِدَة فَإِنَّهَا ينْقض الْمس بهَا
وينقض فرج الْمَيِّت وَالصَّغِير وَمحل الْجب وَالذكر الأشل وباليد الشلاء
وَخرج بِبَطن الْكَفّ رُؤُوس الْأَصَابِع وَمَا بَينهَا وحرفها وحرف الْكَفّ فَلَا نقض بذلك لخروجها عَن سمت الْكَفّ وَضَابِط مَا ينْقض مَا يسْتَتر عِنْد وضع إِحْدَى الْيَدَيْنِ على الْأُخْرَى مَعَ تحامل يسير وبفرج الْآدَمِيّ فرج بَهِيمَة أَو طير فَلَا نقض بمسه قِيَاسا على عدم وجوب ستره وَعدم تَحْرِيم النّظر إِلَيْهِ
قَاعِدَة فقهية يَنْبَنِي عَلَيْهَا كثير من الْأَحْكَام تَتِمَّة من الْقَوَاعِد المقررة الَّتِي يَنْبَنِي عَلَيْهَا كثير من الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة اسْتِصْحَاب الأَصْل وَطرح الشَّك وإبقاء مَا كَانَ على مَا كَانَ وَقد أجمع النَّاس على أَن الشَّخْص لَو شكّ هَل طلق زَوجته أم لَا أَنه يجوز لَهُ وَطْؤُهَا وَأَنه لَو شكّ فِي امْرَأَة هَل تزَوجهَا أم لَا لَا يجوز لَهُ وَطْؤُهَا وَمن ذَلِك أَنه لَا يرْتَفع يَقِين طهر أَو حدث بِظَنّ ضِدّه فَلَو تَيَقّن الطُّهْر وَالْحَدَث كَأَن وجدا مِنْهُ بعد الْفجْر وَجَهل السَّابِق مِنْهُمَا أَخذ بضد مَا قبلهمَا فَإِن كَانَ قبلهمَا مُحدثا فَهُوَ الْآن متطهر سَوَاء اعْتَادَ تَجْدِيد الطُّهْر أم لَا لِأَنَّهُ تَيَقّن الطُّهْر

(1/63)


وَشك فِي رافعه وَالْأَصْل عَدمه أَو متطهرا فَهُوَ الْآن مُحدث إِن اعْتَادَ التَّجْدِيد لِأَنَّهُ تَيَقّن الْحَدث وَشك فِي رافعه وَالْأَصْل عَدمه بِخِلَاف مَا إِذا لم يعتده فَلَا يَأْخُذ بِهِ بل يَأْخُذ بِالطُّهْرِ لِأَن الظَّاهِر تَأَخّر طهره عَن حَدثهُ بِخِلَاف من اعتاده
فَإِن لم يتَذَكَّر مَا قبلهمَا
فَإِن اعْتَادَ التَّجْدِيد لزمَه الْوضُوء لتعارض الِاحْتِمَالَيْنِ بِلَا مُرَجّح وَلَا سَبِيل إِلَى الصَّلَاة مَعَ التَّرَدُّد الْمَحْض فِي الطُّهْر
وَإِلَّا أَخذ بِالطُّهْرِ وَمن هَذِه الْقَاعِدَة مَا إِذا شكّ من نَام قَاعِدا مُتَمَكنًا ثمَّ مَال وانتبه وَشك فِي أَيهمَا أسبق أَو شكّ هَل مَا رَآهُ رُؤْيا أَو حَدِيث نفس أَو هَل لمس الشّعْر أَو الْبشرَة فَلَا نقض بِشَيْء من ذَلِك

فصل فِي مُوجب الْغسْل
وَهُوَ بِفَتْح الْغَيْن وَضمّهَا لُغَة سيلان المَاء على الشَّيْء مُطلقًا
وَالْفَتْح أشهر كَمَا قَالَه النَّوَوِيّ فِي التَّهْذِيب وَلَكِن الْفُقَهَاء أَو أَكْثَرهم إِنَّمَا تستعمله بِالضَّمِّ
وَشرعا سيلانه على جَمِيع الْبدن مَعَ النِّيَّة
وَالْغسْل بِالْكَسْرِ مَا يغسل بِهِ الرَّأْس من نَحْو سدر وخطمي
القَوْل فِي مَا يشْتَرك فِيهِ الرِّجَال وَالنِّسَاء (وَالَّذِي يُوجب الْغسْل سِتَّة أَشْيَاء) مِنْهَا (ثَلَاثَة تشترك فِيهَا الرِّجَال وَالنِّسَاء) مَعًا (وَهِي) أَي الأولى (التقاء الختانين) بِإِدْخَال الْحَشَفَة وَلَا بِلَا قصد أَو كَانَ الذّكر أشل أَو غير منتشر
أَو قدرهَا من مقطوعها (فرجا) من امْرَأَة وَلَو ميتَة أَو كَانَ على الذّكر خرفة ملفوفة وَلَو غَلِيظَة
لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا التقى الختانان فقد وَجب الْغسْل أَي وَإِن لم ينزل رَوَاهُ مُسلم وَأما الْأَخْبَار الدَّالَّة على اعْتِبَار الْإِنْزَال كَخَبَر إِنَّمَا المَاء من المَاء فمنسوخة
وَأجَاب ابْن عَبَّاس بِأَن مَعْنَاهُ أَنه لَا يجب الْغسْل بالاحتلام إِلَّا أَن ينزل
وَذكر الختانين جري على الْغَالِب
فَلَو أَدخل حشفته أَو قدرهَا من مقطوعها فِي فرج بَهِيمَة أَو فِي دبر كَانَ الحكم كَذَلِك لِأَنَّهُ جماع فِي فرج
وَلَيْسَ المُرَاد بالتقاء الختانين انضمامهما لعدم إِيجَابه الْغسْل بِالْإِجْمَاع
بل تحاذيهما
يُقَال التقى الفارسان إِذا تحاذيا وَإِن لم ينضما
وَذَلِكَ إِنَّمَا يحصل بِإِدْخَال الْحَشَفَة فِي الْفرج إِذْ الْخِتَان مَحل الْقطع فِي الْخِتَان وختان الْمَرْأَة فَوق مخرج الْبَوْل ومخرج الْبَوْل فَوق مدْخل الذّكر
وَلَو أولج حَيَوَان قردا أَو غَيره فِي آدَمِيّ وَلَا حَشَفَة لَهُ فَهَل يعْتَبر إيلاج كل ذكره أَو إيلاج قدر حَشَفَة معتدلة قَالَ الإِمَام فِيهِ نظر موكول إِلَى رَأْي الْفَقِيه
انْتهى
وَيَنْبَغِي اعْتِمَاد الثَّانِي
ويجنب صبي مَجْنُون أولجا أَو أولج فيهمَا
وَيجب عَلَيْهِمَا الْغسْل بعد الْكَمَال وَصَحَّ من مُمَيّز ويجزيه وَيُؤمر بِهِ كَالْوضُوءِ وإيلاج الْخُنْثَى وَمَا دون الْحَشَفَة لَا أثر لَهُ فِي الْغسْل
وَأما

(1/64)


الْوضُوء فَيجب على المولج فِيهِ بالنزع من دبره وَمن قبل أثنى
وإيلاج الْحَشَفَة بالحائل جَار فِي سَائِر الْأَحْكَام كإفساد الصَّوْم وَالْحج
القَوْل فِي حكم الْخُنْثَى وَيُخَير الْخُنْثَى بَين الْوضُوء وَالْغسْل بإيلاجه فِي دبر ذكر لَا مَانع من النَّقْض بلمسه أَو فِي دبر خُنْثَى أولج ذكره فِي قبل المولج لِأَنَّهُ إِمَّا جنب بِتَقْدِير ذكورته فيهمَا أَو أنوثته وذكورة الآخر فِي الثَّانِيَة أَو مُحدث بِتَقْدِير أنوثته فيهمَا مَعَ أنوثة الآخر فِي الثَّانِيَة
فَيُخَير بَينهمَا كَمَا سَيَأْتِي فِيمَن اشْتبهَ عَلَيْهِ الْمَنِيّ بِغَيْرِهِ
وَكَذَا يُخَيّر الذّكر إِذا أولج الْخُنْثَى فِي دبر وَلَا مَانع من النَّقْض
كَمَا هُوَ مُقْتَضى كَلَام الشَّيْخَيْنِ فِي بَاب الْوضُوء
أما إيلاجه فِي قبل خُنْثَى أَو فِي دبره وَلم يولج الآخر فِي قبله فَلَا يُوجب عَلَيْهِ شَيْئا
وَلَو أولج رجل فِي قبل خُنْثَى فَلَا يجب عَلَيْهِمَا غسل وَلَا وضوء لاحْتِمَال أَنه رجل فَإِن أولج ذَلِك الْخُنْثَى فِي وَاضح آخر أجنب يَقِينا وَحده
لِأَنَّهُ جَامع أَو جومع
بِخِلَاف الآخرين لَا جَنَابَة عَلَيْهِمَا
وأحدث الْوَاضِح الآخر بالنزع مِنْهُ
أما إِذا أولج الْخُنْثَى فِي الرجل المولج فَإِن كلا مِنْهُمَا يجنب
وَمن أولج أحد ذكريه أجنب إِن كَانَ يَبُول بِهِ وَحده وَلَا أثر للْآخر فِي نقض الطَّهَارَة إِذا لم يكن على سنَنه فَإِن كَانَ على سنَنه أَو كَانَ يَبُول بِكُل مِنْهُمَا أَو لَا يَبُول بِوَاحِد مِنْهُمَا أَو كَانَ الانسداد عارضا أجنب بِكُل مِنْهُمَا
(و) الثَّانِيَة (إِنْزَال) أَي خُرُوج (الْمَنِيّ) بتَشْديد الْيَاء وَسمع تخفيفها أَي مني الشَّخْص نَفسه الْخَارِج مِنْهُ أول مرّة وَإِن لم يُجَاوز فرج الثّيّب بل وصل إِلَى مَا يجب غسله فِي الِاسْتِنْجَاء أما الْبكر فَلَا بُد من بروزه إِلَى الظَّاهِر كَمَا أَنه فِي حق الرجل لَا بُد من بروزه عَن الْحَشَفَة
وَالْأَصْل فِي ذَلِك خبر مُسلم إِنَّمَا المَاء من المَاء وَخبر الصَّحِيحَيْنِ عَن أم سَلمَة قَالَت جَاءَت أم سليم إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت إِن الله لَا يستحيي من الْحق هَل على الْمَرْأَة من غسل إِذا هِيَ احْتَلَمت قَالَ نعم إِذا رَأَتْ المَاء
أما الْخُنْثَى الْمُشكل إِذا خرج الْمَنِيّ من أحد فرجيه فَلَا غسل عَلَيْهِ لاحْتِمَال أَن يكون زَائِدا مَعَ انفتاح الْأَصْلِيّ
فَإِن أمنى مِنْهُمَا أَو من أَحدهمَا وحاض من الآخر وَجب عَلَيْهِ الْغسْل
القَوْل فِي خُرُوج الْمَنِيّ من غير طَرِيقه الْمُعْتَاد وَلَا فرق فِي وجوب الْغسْل بِخُرُوج الْمَنِيّ بَين أَن يخرج من طَرِيقه الْمُعْتَاد وَإِن لم يكن مستحكما أَو من غَيره إِذا كَانَ مستحكما مَعَ انسداد الْأَصْلِيّ وَخرج من تَحت الصلب فالصلب هُنَا كالمعدة فِي فصل الْحَدث فَيُفَرق بَين الانسداد الْعَارِض والخلقي كَمَا فرق هُنَاكَ كَمَا صَوبه فِي الْمَجْمُوع
والصلب إِنَّمَا يعْتَبر للرجل كَمَا قَالَه فِي الْمُهِمَّات أما الْمَرْأَة فَمَا بَين ترائبها والصلب عِظَام الظّهْر كُله والترائب عِظَام الصَّدْر
قَالَ تَعَالَى {يخرج من بَين الصلب والترائب} أَي صلب الرجل وترائب الْمَرْأَة فَإِن خرج غير المستحكم من غير الْمُعْتَاد كَأَن خرج لمَرض فَلَا يجب الْغسْل بِهِ بِلَا خلاف كَمَا قَالَه فِي الْمَجْمُوع عَن الْأَصْحَاب وَلَا يجب بِخُرُوج مني غَيره مِنْهُ وَلَا بِخُرُوج منيه بعد استدخاله وَيعرف الْمَنِيّ بتدفقه بِأَن يخرج بدفعات قَالَ تَعَالَى {من مَاء دافق} وَسمي منيا لِأَنَّهُ يمنى أَي يصب
أَو لَذَّة بِخُرُوجِهِ مَعَ فتور الذّكر وانكسار الشَّهْوَة عقبه وَإِن لم يتدفق

(1/65)


لقلته أَو خرج على لون الدَّم أَو ريح عجين حِنْطَة أَو نَحْوهَا أَو ريح طلع رطبا أَو ريح بَيَاض بيض دَجَاج أَو نَحوه جافا وَإِن لم يتلذ بِهِ وَلم يتدفق لقلته كَأَن خرج بَاقِي منيه بعد غسله أما إِذا خرج من قبل الْمَرْأَة مني جِمَاعهَا بعد غسلهَا فَلَا تعيد الْغسْل إِلَّا إِن قَضَت شهوتها فَإِن لم يكن لَهَا شَهْوَة كصغيرة أَو كَانَت وَلم تقض كنائمة لَا إِعَادَة عَلَيْهَا
فَإِن قيل إِذا قَضَت شهوتها لم تتيقن خُرُوج منيها ويقين الطَّهَارَة لَا يرفع بِظَنّ الْحَدث إِذْ حدثها وَهُوَ خُرُوج منيها غير مُتَيَقن وَقَضَاء شهوتها لَا يَسْتَدْعِي خُرُوج شَيْء من منيها كَمَا قَالَه فِي التوشيح
أُجِيب بِأَن قَضَاء شهوتها منزل منزلَة نومها فِي خُرُوج الْحَدث فنزلوا المظنة منزلَة المئنة وَخرج بقبل الْمَرْأَة مَا لَو وطِئت فِي دبرهَا فاغتسلت ثمَّ خرج مِنْهَا مني الرجل لم يجب عَلَيْهَا إِعَادَة الْغسْل كَمَا علم مِمَّا مر فَإِن فقدت الصِّفَات الْمَذْكُورَة فِي الْخَارِج فَلَا غسل عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمني
إِذا شكّ هَل هُوَ مني أَو غَيره فَإِن احْتمل كَون الْخَارِج منيا أَو غَيره كودي أَو مذي تخير بَينهمَا على الْمُعْتَمد فَإِن جعله منيا اغْتسل أَو غَيره تَوَضَّأ وَغسل مَا أَصَابَهُ لِأَنَّهُ إِذا أَتَى بِمُقْتَضى أَحدهمَا برىء مِنْهُ يَقِينا وَالْأَصْل بَرَاءَته من الآخر وَلَا معَارض لَهُ بِخِلَاف من نسي صَلَاة من صَلَاتَيْنِ حَيْثُ يلْزمه فعلهمَا لاشتغال ذمَّته بهما جَمِيعًا وَالْأَصْل بَقَاء كل مِنْهُمَا وَإِذا اخْتَار أَحدهمَا وَفعله اعْتد بِهِ فَإِن لم يَفْعَله كَانَ لَهُ الرُّجُوع عَنهُ وَفعل الآخر إِذْ لَا يتَعَيَّن عَلَيْهِ شَيْء بِاخْتِيَارِهِ وَلَو استدخلت الْمَرْأَة ذكرا مَقْطُوعًا أَو قدر الْحَشَفَة مِنْهُ لَزِمَهَا الْغسْل كَمَا فِي الرَّوْضَة وَمُقْتَضَاهُ أَنه لَا فرق بَين استدخاله من رَأسه أَو أَصله أَو وَسطه بِجمع طَرفَيْهِ
قَالَ الْإِسْنَوِيّ وَفِي ذَلِك نظر انْتهى
وَالظَّاهِر أَن الْمعول على الْحَشَفَة حَيْثُ وجدت
وَظَاهر كَلَام الْمِنْهَاج أَن مني الْمَرْأَة يعرف بالخواص الْمَذْكُورَة وَهُوَ قَول الْأَكْثَر
وَقَالَ الإِمَام الْغَزالِيّ لَا يعرف إِلَّا بالتلذذ
وَقَالَ ابْن صَلَاح لَا يعرف إِلَّا بالتلذذ وَالرِّيح وَجزم بِهِ النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم وَالْأول هُوَ الظَّاهِر
وَيُؤَيِّدهُ كَمَا قَالَ ابْن الرّفْعَة قَول الْمُخْتَصر وَإِذا رَأَتْ الْمَرْأَة المَاء الدافق
فرع لَو رأى فِي فرَاشه أَو ثَوْبه وَلَو بِظَاهِرِهِ منيا لَا يحْتَمل أَنه من غَيره لزمَه الْغسْل وإعادة كل صَلَاة لَا يحْتَمل خلوها عَنهُ وَيسن إِعَادَة كل صَلَاة احْتمل خلوها عَنهُ وَإِن احْتمل كَونه من آخر نَام مَعَه فِي فرَاشه مثلا فَإِنَّهُ يسن لَهما الْغسْل والإعادة وَلَو أحس بنزول الْمَنِيّ فَأمْسك ذكره فَلم يخرج مِنْهُ شَيْء فَلَا غسل عَلَيْهِ كَمَا علم مِمَّا مر وَصرح بِهِ فِي الرَّوْضَة
(و) الثَّالِثَة (الْمَوْت) لمُسلم غير شَهِيد كَمَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي الْجَنَائِز لحَدِيث الْمحرم الَّذِي وقصته نَاقَته فَقَالَ اغسلوه بِمَاء وَسدر رَوَاهُ الشَّيْخَانِ
وَظَاهره الْوُجُوب وَهُوَ من فروض الْكِفَايَة والوقص كسر الْعُنُق
القَوْل فِي مَا يخْتَص بِهِ النِّسَاء (وَثَلَاثَة) مِنْهَا (تخْتَص بهَا النِّسَاء وَهِي) أَي الأولى (الْحيض) لقَوْله تَعَالَى {فاعتزلوا النِّسَاء فِي الْمَحِيض} أَي الْحيض وَلخَبَر البُخَارِيّ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لفاطمة بنت أبي حُبَيْش إِذا أَقبلت الْحَيْضَة فدعي الصَّلَاة وَإِذا أَدْبَرت فاغتسلي وَصلي

(1/66)


(و) الثَّانِيَة (النّفاس) لِأَنَّهُ دم حيض مُجْتَمع وَيعْتَبر مَعَ خُرُوج كل مِنْهُمَا وانقطاعه الْقيام إِلَى الصَّلَاة أَو نَحْوهَا كَمَا فِي الرَّافِعِيّ وَالتَّحْقِيق وَإِن صحّح فِي الْمَجْمُوع أَن مُوجبه الِانْقِطَاع فَقَط (و) الثَّالِثَة (الْولادَة) وَلَو علقَة أَو مُضْغَة وَلَو بِلَا بَلل لِأَنَّهُ مني مُنْعَقد وَلِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَن بَلل غَالِبا فأقيم مقَامه كالنوم مَعَ الْخَارِج وتفطر بِهِ الْمَرْأَة على الْأَصَح فِي التَّحْقِيق وَغَيره
القَوْل فِي مَا يحرم على الْحَائِض وَالْجنب تَتِمَّة يحرم على الْجنب وَالْحَائِض وَالنُّفَسَاء مَا حرم بِالْحَدَثِ الْأَصْغَر لِأَنَّهَا أغْلظ مِنْهُ وشيئان آخرَانِ أَحدهمَا
الْمكْث لمُسلم غير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَسْجِدِ أَو التَّرَدُّد فِيهِ لغير عذر لقَوْله تَعَالَى {لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى حَتَّى تعلمُوا مَا تَقولُونَ وَلَا جنبا إِلَّا عابري سَبِيل حَتَّى تغتسلوا} قَالَ ابْن عَبَّاس وَغَيره لَا تقربُوا مَوَاضِع الصَّلَاة لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا عبور سَبِيل بل موَاضعهَا وَهُوَ الْمَسْجِد وَنَظِيره قَوْله تَعَالَى {لهدمت صوامع وَبيع وصلوات ومساجد} وَلقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا أحل الْمَسْجِد لحائض وَلَا جنب رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَعَن أَبَوَيْهَا
وَقَالَ ابْن الْقطَّان إِنَّه حسن وَخرج بالمكث والتردد العبور لِلْآيَةِ الْمَذْكُورَة وكما لَا يحرم لَا يكره إِن كَانَ لَهُ فِيهِ غَرَض مثل أَن يكون الْمَسْجِد أقرب طريقيه فَإِن لم يكن لَهُ غَرَض كره كَمَا فِي الرَّوْضَة وَأَصلهَا وَحَيْثُ عبر لَا يُكَلف الْإِسْرَاع فِي الْمَشْي بل يمشي على الْعَادة وبالمسلم الْكَافِر فَإِنَّهُ يُمكن من الْمكْث فِي الْمَسْجِد على الْأَصَح فِي الرَّوْضَة وَأَصلهَا وَبِغير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ فَلَا يحرم عَلَيْهِ
قَالَ صَاحب التَّلْخِيص ذكر من خَصَائِصه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دُخُوله الْمَسْجِد جنبا وبالمسجد الْمدَارِس والربط ومصلى الْعِيد وَنَحْو ذَلِك
وَبلا عذر مَا إِذا حصل لَهُ عذر كَأَن احْتَلَمَ فِي الْمَسْجِد وَتعذر عَلَيْهِ الْخُرُوج لإغلاق بَابه أَو خوف على نَفسه أَو عضوه أَو مَنْفَعَة ذَلِك أَو على مَاله فَلَا يحرم عَلَيْهِ الْمكْث وَلَكِن يجب عَلَيْهِ كَمَا فِي الرَّوْضَة أَن يتَيَمَّم إِن وجد غير تُرَاب الْمَسْجِد فَإِن لم يجد غَيره لَا يجوز لَهُ أَن يتَيَمَّم بِهِ فَلَو خَالف وَتيَمّم بِهِ صَحَّ تيَمّمه كالتيمم بِتُرَاب مَغْصُوب وَالْمرَاد بِتُرَاب الْمَسْجِد الدَّاخِل فِي وَقفه لَا الْمَجْمُوع من ريح وَنَحْوه وَثَانِيهمَا يحرم على من ذكر قِرَاءَة الْقُرْآن بِاللَّفْظِ فِي حق النَّاطِق وبالإشارة فِي حق الْأَخْرَس كَمَا قَالَه القَاضِي فِي فَتَاوِيهِ فَإِنَّهَا منزلَة النُّطْق هُنَا وَذَلِكَ لحَدِيث التِّرْمِذِيّ وَغَيره لَا يقْرَأ الْجنب وَلَا الْحَائِض شَيْئا من الْقُرْآن
وَيجوز لمن بِهِ حدث أكبر إِجْرَاء الْقُرْآن على قلبه وَنظر فِي الْمُصحف وَقِرَاءَة مَا نسخت تِلَاوَته وتحريك لِسَانه وهمسه بِحَيْثُ لَا يسمع نَفسه لِأَنَّهَا لَيست بِقِرَاءَة قُرْآن وفاقد الطهُورَيْنِ يقْرَأ الْفَاتِحَة وجوبا فَقَط للصَّلَاة لِأَنَّهُ مُضْطَر إِلَيْهَا أما خَارج الصَّلَاة فَلَا يجوز لَهُ أَن يقْرَأ شَيْئا وَلَا أَن تُوطأ الْحَائِض أَو النُّفَسَاء إِذا انْقَطع دَمهَا وَيحل لمن ذكر أذكار الْقُرْآن وَغَيرهَا كمواعظه وأخباره وَأَحْكَامه لَا بِقصد قُرْآن كَقَوْلِه عِنْد الرّكُوب {سُبْحَانَ الَّذِي سخر لنا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقرنين} أَي مطيقين وَعند الْمُصِيبَة {إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون} فَإِن قصد الْقُرْآن وَحده أَو مَعَ الذّكر حرم وَإِن أطلق فَلَا كَمَا نبه عَلَيْهِ فِي الدقائق لعدم الْإِخْلَال بحرمته لِأَنَّهُ لَا يكون قُرْآنًا إِلَّا بِالْقَصْدِ قَالَه النَّوَوِيّ وَغَيره
وَيسن للْجنب غسل الْفرج وَالْوُضُوء للْأَكْل وَالشرب وَالنَّوْم وَالْجِمَاع وللحائض وَالنُّفَسَاء بعد انْقِطَاع دمهما

(1/67)


(فصل فِي أَحْكَام الْغسْل)
(وفرائض الْغسْل) وَلَو مسنونا (ثَلَاثَة أَشْيَاء) على مَا صَححهُ الرَّافِعِيّ من عدم الِاكْتِفَاء بغسلة عَن الْحَدث والخبث وفرضان على مَا صَححهُ النَّوَوِيّ فِي كتبه من الِاكْتِفَاء لَهما بغسلة وَهُوَ الْمَذْهَب
الأول (النِّيَّة) لحَدِيث إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ فينوي رفع الْجَنَابَة أَي رفع حكمهَا إِن كَانَ جنبا وَرفع حدث الْحيض إِن كَانَت حَائِضًا أَو لتوطأ كَمَا فِي الرَّوْضَة وَأَصلهَا أَو الْغسْل من الْحيض كَمَا قَالَه ابْن الْمقري فَلَو نوى شخص رفع الْجَنَابَة وحدثه الْحيض أَو عَكسه أَو نوى رفع جَنَابَة الْجِمَاع وجنابته باحتلام أَو عَكسه صَحَّ مَعَ الْغَلَط دون الْعمد كَنَظِيرِهِ فِي الْوضُوء ذكر ذَلِك فِي الْمَجْمُوع
وَقَضِيَّة تَعْلِيلهم إِيجَاب الْغسْل فِي النّفاس بِكَوْنِهِ دم حيض مُجْتَمع أَنه يَصح أَحدهمَا بِالْآخرِ وَبِه جزم فِي الْبَيَان وَيَكْفِي نِيَّة رفع الْحَدث عَن كل الْبدن وَكَذَا مُطلقًا فِي الْأَصَح لاستلزام رفع الْمُطلق رفع الْمُقَيد وَلِأَنَّهُ ينْصَرف إِلَى حَدثهُ لوُجُود الْقَرِينَة الحالية
فَلَو نوى الْأَكْبَر كَانَ تَأْكِيدًا أَو لَو نوى رفع الْحَدث الْأَصْغَر عمدا لم ترْتَفع جنابته لتلاعبه أَو غَلطا ارْتَفَعت جنابته عَن أَعْضَاء الْأَصْغَر لِأَن غسلهَا وَاجِب فِي الحدثين وَقد غسلهَا بنيته إِلَّا الرَّأْس فَلَا ترْتَفع عَنهُ لِأَن غسله وَقع عَن مَسحه الَّذِي هُوَ فرض فِي الْأَصْغَر وَهُوَ إِنَّمَا نوى الْمسْح وَهُوَ لَا يُغني عَن الْغسْل بِخِلَاف بَاطِن لحية الرجل الكثيفة فَإِنَّهُ يَكْفِي لِأَن غسل الْوَجْه هُوَ الأَصْل فَإِذا غسله فقد أَتَى الأَصْل أما غير أَعْضَاء الْأَصْغَر فَلَا ترْتَفع جنابته لِأَنَّهُ لم يُنَوّه قَالَ فِي الْمَجْمُوع وَلَو اجْتمع على الْمَرْأَة غسل حيض وجنابة كفت نِيَّة أَحدهمَا قطعا أَو يَنْوِي اسْتِبَاحَة مفتقر إِلَى غسل كَأَن يَنْوِي اسْتِبَاحَة الصَّلَاة أَو الطّواف مِمَّا يتَوَقَّف على غسل فَإِن نوى مَا لَا يفْتَقر إِلَيْهِ كالغسل ليَوْم الْعِيد لم يَصح أَو يَنْوِي أَدَاء فرض الْغسْل أَو فرض الْغسْل أَو الْغسْل الْمَفْرُوض أَو أَدَاء الْغسْل وَكَذَا الطَّهَارَة للصَّلَاة أما إِذا نوى الْغسْل فَقَط فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي
وَتقدم الْفرق بَينه وَبَين الْوضُوء فِي فَصله وَتَكون النِّيَّة مقرونة بِأول مَا يغسل من الْبدن سَوَاء أَكَانَ من أَعْلَاهُ أم من أَسْفَله إِذْ لَا تَرْتِيب فِيهِ
فَلَو نوى بعد غسل جُزْء مِنْهُ وَجب إِعَادَة غسله
قَالَ فِي الْمَجْمُوع وَإِذا اغْتسل من إِنَاء كإبريق يَنْبَغِي لَهُ أَن يَنْوِي عِنْد غسل مَحل الِاسْتِنْجَاء بعد فَرَاغه مِنْهُ

(1/68)


لِأَنَّهُ قد يغْفل عَنهُ أَو يحْتَاج إِلَى الْمس فينتقض وضوءه أَو إِلَى كلفة فِي لف خرقَة على يَده
القَوْل فِي حكم إِزَالَة النَّجَاسَة الَّتِي على بدن المغتسل (و) الثَّانِي (إِزَالَة النَّجَاسَة إِن كَانَت على شَيْء من بدنه) على الْمُصَحح عِنْد الرَّافِعِيّ
وَقد عرفت فِيمَا تقدم ضعفه وَأَن الْأَصَح أَنه يَكْفِي لَهما غسلة وَاحِدَة كَمَا لَو اغْتَسَلت من جَنَابَة وحيض وَلِأَن واجبهما غسل الْعُضْو وَقد حصل
وَمحل الْخلاف إِذا كَانَ النَّجس حكميا كَمَا فِي الْمَجْمُوع ويرفعهما المَاء مَعًا وللسابعة فِي الْمُغَلَّظَة حكم هَذِه الغسلة فَإِن كَانَ النَّجس عينيا وَلم يزل بَقِي الْحَدث أما غير السَّابِعَة فِي النَّجَاسَة الْمُغَلَّظَة فَلَا يرْتَفع حدث ذَلِك الْمحل لبَقَاء نَجَاسَته
(و) الثَّالِث (إِيصَال المَاء إِلَى جَمِيع) أَجزَاء (الشّعْر) ظَاهرا وَبَاطنا وَإِن كثف وَيجب نقض الضفائر إِن لم يصل المَاء إِلَى بَاطِنهَا إِلَّا بِالنَّقْضِ لَكِن يُعْفَى عَن بَاطِن الشّعْر الْمَعْقُود وَلَا يجب غسل الشّعْر النَّابِت فِي الْعين أَو الْأنف وَإِن كَانَ يجب غسله من النَّجَاسَة لغلظها
(و) إِلَى جَمِيع أَجزَاء (الْبشرَة) حَتَّى الْأَظْفَار وَمَا يظْهر من صماخي الْأُذُنَيْنِ وَمن فرج الْمَرْأَة عِنْد قعودها لقَضَاء الْحَاجة وَمَا تَحت القلفة وَمَوْضِع شعر نتفه قبل غسله
قَالَ الْبَغَوِيّ وَمن بَاطِن جدري اتَّضَح
فَائِدَة لَو اتخذ لَهُ أُنْمُلَة أَو أنفًا من ذهب أَو فضَّة وَجب عَلَيْهِ غسله من حدث أَصْغَر أَو أكبر وَمن نَجَاسَة غير مَعْفُو عَنْهَا لِأَنَّهُ وَجب عَلَيْهِ غسل مَا ظهر من الْأصْبع وَالْأنف بِالْقطعِ وَقد تعذر للْعُذْر فَصَارَت الْأُنْمُلَة وَالْأنف كالأصليين وَلَا يجب فِي الْغسْل مضمضة وَلَا استنشاق بل يسن كَمَا فِي الْوضُوء وَغسل الْمَيِّت
القَوْل فِي سنَن الْغسْل (وسننه) أَي الْغسْل كَثِيرَة الْمَذْكُور مِنْهَا هُنَا (خَمْسَة أَشْيَاء)
وَسَنذكر مِنْهَا أَشْيَاء بعد ذَلِك الأولى (التَّسْمِيَة) مقرونة بِالنِّيَّةِ كَمَا صرح بِهِ فِي الْمَجْمُوع هُنَا وَقد تقدم فِي الْوضُوء بَيَان أكملها
(و) الثَّانِيَة (الْوضُوء) كَامِلا (قبله) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَقَالَ فِي الْمَجْمُوع نقلا عَن الْأَصْحَاب وَسَوَاء أقدم الْوضُوء كُله أَو بعضه أم أَخّرهُ أم فعله فِي أثْنَاء الْغسْل فَهُوَ مُحَصل للسّنة لَكِن الْأَفْضَل تَقْدِيمه ثمَّ إِن تجردت الْجَنَابَة عَن الْحَدث الْأَصْغَر كَأَن احْتَلَمَ وَهُوَ جَالس مُتَمَكن نوى سنة الْغسْل وَإِلَّا نوى رفع الْحَدث الْأَصْغَر
وَإِن قُلْنَا ينْدَرج خُرُوجًا من خلاف من أوجبه فَإِن ترك الْوضُوء أَو الْمَضْمَضَة أَو الِاسْتِنْشَاق كره لَهُ وَيسن لَهُ أَن يتدارك ذَلِك
(و) الثَّالِثَة (إمرار الْيَد) فِي كل مرّة من الثَّلَاث (على) مَا أمكنه من (الْجَسَد) فيدلك مَا وصلت إِلَيْهِ يَده من بدنه احْتِيَاطًا وخروجا من خلاف من أوجبه وَإِنَّمَا لم يجب عندنَا لِأَن الْآيَة وَالْأَحَادِيث لَيْسَ فيهمَا تعرض لوُجُوبه ويتعهد معاطفه كَأَن يَأْخُذ المَاء بكفه فَيَجْعَلهُ على الْمَوَاضِع الَّتِي فِيهَا انعطاف والتواء كالإبط والأذنين وطبقات الْبَطن وداخل السُّرَّة لِأَنَّهُ أقرب إِلَى الثِّقَة بوصول المَاء ويتأكد فِي الْأذن فَيَأْخُذ كفا من مَاء وَيَضَع الْأذن عَلَيْهِ بِرِفْق ليصل المَاء إِلَى معاطفه وزواياه
(و) الرَّابِعَة (الْمُوَالَاة) وَهِي غسل الْعُضْو قبل جفاف مَا قبله كَمَا مر فِي الْوضُوء
(و) الْخَامِسَة (تَقْدِيم) غسل جِهَة (الْيُمْنَى) من جسده ظهرا وبطنا (على) غسل جِهَة (الْيُسْرَى) بِأَن يفِيض المَاء على شقَّه الْأَيْمن ثمَّ الْأَيْسَر لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يحب التَّيَامُن فِي طهوره
مُتَّفق عَلَيْهِ

(1/69)


وَقدمنَا أَن سنَن الْغسْل كَثِيرَة فَمِنْهَا التَّثْلِيث تأسيا بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا فِي الْوضُوء
وَكَيْفِيَّة ذَلِك أَن يتعهد مَا ذكر ثمَّ يغسل رَأسه ويدلكه ثَلَاثًا ثمَّ بَاقِي جسده كَذَلِك بِأَن يغسل ويدلك شقة الْأَيْمن الْمُقدم ثمَّ الْمُؤخر ثمَّ الْأَيْسَر كَذَلِك مرّة ثمَّ ثَانِيَة ثمَّ ثَالِثَة كَذَلِك للْأَخْبَار الصَّحِيحَة الدَّالَّة على ذَلِك وَلَو انغمس فِي مَاء فَإِن كَانَ جَارِيا كفى فِي التَّثْلِيث أَن يمر عَلَيْهِ ثَلَاث جريات لَكِن قد يفوتهُ الدَّلْك لِأَنَّهُ لَا يتَمَكَّن مِنْهُ غَالِبا تَحت المَاء إِذْ رُبمَا يضيق نَفسه وَإِن كَانَ راكدا انغمس فِيهِ ثَلَاثًا بِأَن يرفع رَأسه مِنْهُ أَو ينْقل قَدَمَيْهِ أَو ينْتَقل فِيهِ من مقَامه إِلَى آخر ثَلَاثًا لَا يحْتَاج إِلَى انْفِصَال جملَته وَلَا رَأسه كَمَا فِي التسبيع من نَجَاسَة الْكَلْب فَإِن حركته تَحت المَاء كجري المَاء عَلَيْهِ وَلَا يسن تَجْدِيد الْغسْل لِأَنَّهُ لم ينْقل وَلما فِيهِ من الْمَشَقَّة بِخِلَاف الْوضُوء فَيسنّ تجديده إِذا صلى بِالْأولِ صَلَاة مَا كَمَا قَالَه النَّوَوِيّ فِي بَاب النّذر من زَوَائِد الرَّوْضَة لما روى أَبُو دَاوُد وَغَيره أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من تَوَضَّأ على طهر كتب الله لَهُ عشر حَسَنَات
وَلِأَنَّهُ كَانَ فِي أول الْإِسْلَام يجب الْوضُوء لكل صَلَاة فنسخ الْوُجُوب وَبَقِي أصل الطّلب
وَيسن أَن تتبع الْمَرْأَة غير الْمُحرمَة والمحدة لحيض أَو نِفَاس أثر الدَّم مسكا فتجعله فِي قطنة وَتدْخلهَا الْفرج بعد غسلهَا وَهُوَ المُرَاد بالأثر وَيكرهُ تَركه بِلَا عذر كَمَا فِي التَّنْقِيح والمسك فَارسي مُعرب الطّيب الْمَعْرُوف فَإِن لم تَجِد الْمسك أَو لم تمسح بِهِ فنحوه مِمَّا فِيهِ حرارة كالقسط والأظفار فَإِن لم تَجِد طيبا فطينا فَإِن لم تَجدهُ كفى المَاء أما الْمُحرمَة فَيحرم عَلَيْهَا الطّيب بأنواعه
والمحدة تسْتَعْمل قَلِيل قسط أَو أظفار وَيسن أَن لَا ينقص مَاء الْوضُوء فِي معتدل الْجَسَد عَن مد تَقْرِيبًا وَهُوَ رَطْل وَثلث بغدادي وَالْغسْل عَن صَاع تَقْرِيبًا وَهُوَ أَرْبَعَة أَمْدَاد لحَدِيث مُسلم عَن سفينة أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يغسلهُ الصَّاع ويوضئه الْمَدّ
وَيكرهُ أَن يغْتَسل فِي المَاء الراكد وَإِن كثر أَو بِئْر مُعينَة كَمَا فِي الْمَجْمُوع وَيَنْبَغِي أَن يكون ذَلِك فِي غير المستبحر
فَائِدَة قَالَ فِي الْإِحْيَاء لَا يَنْبَغِي أَن يحلق أَو يقلم أَو يستحد أَو يخرج دَمًا أَو يبين من نَفسه جُزْءا وَهُوَ جنب إِذْ ترد إِلَيْهِ سَائِر أَجْزَائِهِ فِي الْآخِرَة فَيَعُود جنبا وَيُقَال إِن كل شَعْرَة تطالب بجنابتها وَيجوز أَن ينْكَشف للْغسْل فِي خلْوَة أَو بِحَضْرَة من يجوز لَهُ نظره إِلَى عَوْرَته والستر أفضل
القَوْل فِي حكم من اجْتمع عَلَيْهِ أغسال وَمن اغْتسل لجنابة وَنَحْوهَا كحيض وجمعة وَنَحْوهَا كعيد حصل غسلهمَا كَمَا لَو نوى الْفَرْض وتحية الْمَسْجِد أَو نوى أَحدهمَا حصل فَقَط اعْتِبَارا بِمَا نَوَاه وَإِنَّمَا لم ينْدَرج النَّفْل فِي الْفَرْض لِأَنَّهُ مَقْصُود فَأشبه سنة الظّهْر مَعَ فَرْضه
فَإِن قيل لَو نوى بِصَلَاتِهِ الْفَرْض دون التَّحِيَّة حصلت التَّحِيَّة وَإِن لم ينوها
أُجِيب بِأَن الْقَصْد ثمَّ إشغال الْبقْعَة بِصَلَاة وَقد حصل وَلَيْسَ الْقَصْد هُنَا النَّظَافَة فَقَط بِدَلِيل أَنه يتَيَمَّم عِنْد عَجزه عَن المَاء
وَمن وَجب عَلَيْهِ فرضان كغسلي جَنَابَة وحيض كَفاهُ الْغسْل لأَحَدهمَا وَكَذَا لَو سنّ فِي حَقه سنتَانِ كغسلي عيد وجمعة وَلَا يضر التَّشْرِيك بِخِلَاف نَحْو الظّهْر مَعَ سنته لِأَن مبْنى الطهارات على التَّدَاخُل بِخِلَاف الصَّلَاة وَلَو أحدث ثمَّ أجنب أَو أجنب ثمَّ أحدث أَو أجنب وأحدث وأحدث مَعًا كفى الْغسْل لاندراج الْوضُوء فِي الْغسْل
تَتِمَّة يُبَاح للرِّجَال دُخُول الْحمام وَيجب عَلَيْهِم غض الْبَصَر عَمَّا لَا يحل لَهُم وصون عَوْرَاتهمْ عَن الْكَشْف بِحَضْرَة من لَا يحل لَهُم النّظر إِلَيْهَا وَقد رُوِيَ أَن الرجل إِذا دخل الْحمام عَارِيا لَعنه ملكاه
رَوَاهُ الْقُرْطُبِيّ فِي تَفْسِيره عِنْد قَوْله تَعَالَى {كراما كاتبين يعلمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} وروى الْحَاكِم عَن جَابر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ حرَام على الرِّجَال دُخُول الْحمام إِلَّا بمئزر
أما النِّسَاء فَيكْرَه لَهُنَّ بِلَا عذر لخَبر مَا من امْرَأَة تخلع ثِيَابهَا فِي غير بَيتهَا إِلَّا هتكت مَا بَينهَا وَبَين الله رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَلِأَن أمرهن مَبْنِيّ على الْمُبَالغَة فِي السّتْر وَلما فِي خروجهن واجتماعهن من الْفِتْنَة وَالشَّر وَيَنْبَغِي أَن يكون الخناثى كالنساء
وَيجب أَن لَا يزِيد

(1/70)


فِي المَاء على قدر الْحَاجة وَلَا الْعَادة
(وآدابه) أَن يقْصد التَّطْهِير والتنظيف لَا الترفه والتنعم وَأَن يسلم الْأُجْرَة قبل دُخُوله وَأَن يُسَمِّي للدخول ثمَّ يتَعَوَّذ كَمَا فِي دُخُول الْخَلَاء وَأَن يذكر بحرارته حرارة نَار جَهَنَّم لشبهه بهَا
قَالَ فِي الْمَجْمُوع وَلَا بَأْس بقوله لغيره عافاك الله وَلَا بالمصافحة وَيَنْبَغِي لمن يخالط النَّاس التَّنْظِيف والسواك وَإِزَالَة الشّعْر وَإِزَالَة ريح كريهة وَحسن الْأَدَب مَعَهم وَالله أعلم

فصل فِي الأغسال المسنونة
(والاغتسالات المسنونة) كَثِيرَة الْمَذْكُور مِنْهَا هُنَا (سَبْعَة عشر غسلا) بِتَقْدِيم السِّين على الْمُوَحدَة وسأذكر زِيَادَة على ذَلِك الأول من السَّبْعَة عشر (غسل الْجُمُعَة) لمن يُرِيد حُضُورهَا وَإِن لم تجب عَلَيْهِ الْجُمُعَة لحَدِيث إِذا جَاءَ أحدكُم الْجُمُعَة فليغتسل
وَلخَبَر الْبَيْهَقِيّ بِسَنَد صَحِيح من أَتَى الْجُمُعَة من الرِّجَال وَالنِّسَاء فليغتسل
وَمن لم يأتها فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء
وَرُوِيَ غسل الْجُمُعَة وَاجِب على كل محتلم أَي متأكد وَصرف هَذَا عَن الْوُجُوب خبر من تَوَضَّأ يَوْم الْجُمُعَة فبها ونعمت وَمن اغْتسل فالغسل أفضل
رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَحسنه
وَوَقته من الْفجْر الصَّادِق لِأَن الْأَخْبَار علقته بِالْيَوْمِ كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من اغْتسل يَوْم الْجُمُعَة ثمَّ رَاح فِي السَّاعَة الأولى الحَدِيث وتقريبه من ذَهَابه إِلَى الْجُمُعَة أفضل لِأَنَّهُ أبلغ فِي الْمَقْصُود من انْتِفَاء الرَّائِحَة الكريهة لولو تعَارض الْغسْل والتبكير فمراعاة الْغسْل أولى لِأَنَّهُ مُخْتَلف فِي وُجُوبه وَلَا يبطل غسل الْجُمُعَة بِالْحَدَثِ وَلَا بالجنابة فيغتسل وَيكرهُ تَركه بِلَا عذر على الْأَصَح
(و) الثَّانِي وَالثَّالِث (غسل الْيَدَيْنِ) الْفطر والأضحى لكل أحد وَإِن لم يحضر الصَّلَاة لِأَنَّهُ يَوْم زِينَة فالغسل لَهُ بِخِلَاف الْجُمُعَة
وَيدخل وَقت غسلهمَا بِنصْف اللَّيْل وَإِن كَانَ الْمُسْتَحبّ فعله بعد الْفجْر لِأَن أهل السوَاد يبكرون إِلَيْهِمَا من قراهم فَلَو لم يكف الْغسْل لَهما قبل الْفجْر لشق عَلَيْهِم فعلق بِالنِّصْفِ الثَّانِي لقُرْبه من الْيَوْم كَمَا قيل فِي أَذَان الْفجْر
(و) الرَّابِع غسل صَلَاة (الاسْتِسْقَاء) عِنْد الْخُرُوج لَهَا
(و) الْخَامِس غسل صَلَاة (الخسوف) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة للقمر (و) السَّادِس غسل صَلَاة (الْكُسُوف) بِالْكَاف للشمس وَتَخْصِيص الخسوف بالقمر والكسوف بالشمس هُوَ الْأَفْصَح كَمَا فِي الصِّحَاح وَحكي عَكسه
وَقيل الْكُسُوف بِالْكَاف أَوله فيهمَا والخسوف آخِره وَقيل غير ذَلِك
(و) السَّابِع (الْغسْل من غسل الْمَيِّت) سَوَاء أَكَانَ الْمَيِّت مُسلما أم لَا وَسَوَاء أَكَانَ الْغَاسِل طَاهِرا أم لَا كحائض لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من غسل مَيتا فليغتسل وَمن حمله فَليَتَوَضَّأ رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَحسنه
وَإِنَّمَا لم يجب قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ عَلَيْكُم فِي غسل ميتكم غسل إِذا غسلتموه
رَوَاهُ الْحَاكِم
وَيسن الْوضُوء من مَسّه
(و) الثَّامِن (غسل الْكَافِر) وَلَو مُرْتَدا (إِذا أسلم) تَعْظِيمًا لِلْإِسْلَامِ وَقد أَمر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قيس بن عَاصِم بِهِ لما أسلم وَإِنَّمَا لم يجب لِأَن جمَاعَة أَسْلمُوا وَلم يَأْمُرهُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْغسْلِ هَذَا إِن لم يعرض لَهُ فِي كفره مَا يُوجب الْغسْل وَإِلَّا وَجب على الْأَصَح وَلَا عِبْرَة بِالْغسْلِ فِي الْكفْر على الْأَصَح
تنيبه قد علم من كَلَامه أَن وَقت الْغسْل بعد إِسْلَامه لتصح النِّيَّة وَلِأَنَّهُ لَا سَبِيل إِلَى تَأْخِير الْإِسْلَام بعده بل الْمُصَرّح بِهِ فِي

(1/71)


كَلَامهم تَكْفِير من قَالَ لكَافِر جَاءَهُ ليسلم اذْهَبْ فاغتسل ثمَّ أسلم لرضاه بِبَقَائِهِ على الْكفْر تِلْكَ اللحظة
(و) التَّاسِع غسل (الْمَجْنُون) وَإِن تقطع جُنُونه
(و) الْعَاشِر غسل (الْمغمى عَلَيْهِ) وَلَو لَحْظَة (إِذا أفاقا) وَلم يتَحَقَّق مِنْهُمَا إِنْزَال لِلِاتِّبَاعِ فِي الْإِغْمَاء
رَوَاهُ الشَّيْخَانِ
وَفِي مَعْنَاهُ الْجُنُون بل أولى لِأَنَّهُ يُقَال كَمَا قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ قل من جن إِلَّا وَأنزل
(و) الْحَادِي عشر (الْغسْل عِنْد الْإِحْرَام) بِحَجّ أَو عمْرَة أَو بهما وَلَو حَال حيض الْمَرْأَة ونفاسها
(و) الثَّانِي عشر الْغسْل
(لدُخُول مَكَّة) المشرفة وَلَو كَانَ حَلَالا على الْمَنْصُوص فِي الْأُم
قَالَ السُّبْكِيّ وَحِينَئِذٍ لَا يكون هَذَا من أغسال الْحَج إِلَّا من جِهَة أَنه يَقع فِيهِ وَيسْتَثْنى من إِطْلَاق المُصَنّف مَا لَو أحرم الْمَكِّيّ بِعُمْرَة من مَحل قريب كالتنعيم واغتسل لم ينْدب لَهُ الْغسْل لدُخُول مَكَّة
(و) الثَّالِث عشر الْغسْل (للوقوف بِعَرَفَة) وَالْأَفْضَل كَونه بنمرة وَيحصل أصل السّنة فِي غَيرهَا وَقبل الزَّوَال بعد الْفجْر لَكِن تقريبه للزوال أفضل كتقريبه من ذَهَابه فِي غسل الْجُمُعَة
(و) الرَّابِع عشر الْغسْل (للْمَيت بِمُزْدَلِفَة) على طَريقَة ضَعِيفَة لبَعض الْعِرَاقِيّين وَالْمذهب فِي الرَّوْضَة وَحَكَاهُ فِي الزَّوَائِد عَن الْجُمْهُور
وَنَصّ الْأُم اسْتِحْبَابه للوقوف بِمُزْدَلِفَة بعد صبح يَوْم النَّحْر وَهُوَ الْوُقُوف بالمشعر الْحَرَام
(و) الْخَامِس عشر الْغسْل (لرمي الْجمار الثَّلَاث) فِي كل يَوْم من أَيَّام التَّشْرِيق فَلَا غسل لرمي جَمْرَة الْعقبَة يَوْم النَّحْر
قَالَ فِي الرَّوْضَة اكْتِفَاء بِغسْل الْعِيد وَلِأَن وقته متسع بِخِلَاف رمي أَيَّام التَّشْرِيق
(و) السَّادِس عشر وَالسَّابِع عشر (الْغسْل للطَّواف) أَي لكل من طواف الْإِفَاضَة والوداع وَهَذَا مَا جرى عَلَيْهِ النَّوَوِيّ فِي منسكه الْكَبِير
وَقَالَ فِيهِ أَيْضا إِن الِاغْتِسَال للحلق مسنون لكنه فِي الرَّوْضَة تبعا لكثير
قَالَ وَزَاد فِي الْقَدِيم ثَلَاثَة أغسال لطواف الْإِفَاضَة والوداع وللحلق
قَالَ فِي الْمُهِمَّات وَحَاصِله أَن الْجَدِيد عدم الِاسْتِحْبَاب لهَذِهِ الْأُمُور الثَّلَاثَة وَهُوَ مُقْتَضى كَلَام الْمِنْهَاج انْتهى
وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد وَقد قدمنَا أَن الأغسال المسنونة لَا تَنْحَصِر فِيمَا قَالَه المُصَنّف بل مِنْهَا الْغسْل من الْحجامَة وَمن الْخُرُوج فِي الْحمام عِنْد إِرَادَة الْخُرُوج وللاعتكاف وَلكُل لَيْلَة من رَمَضَان
وَقَيده الْأَذْرَعِيّ بِمن يحضر الْجَمَاعَة وَهُوَ ظَاهر ولدخول الْحرم ولحلق الْعَانَة
ولبلوغ الصَّبِي بِالسِّنِّ ولدخول الْمَدِينَة المشرفة وَهِي مَوْجُودَة فِي بعض النّسخ فَيكون هُوَ السَّابِع عشر وَعند سيلان الْوَادي ولتغيير رَائِحَة الْبدن وَعند كل اجْتِمَاع من مجامع الْخَيْر أما الْغسْل للصلوات الْخمس فَلَا يسن لَهَا لما فِي ذَلِك من الْمَشَقَّة وآكد هَذِه الاغتسالات غسل الْجُمُعَة ثمَّ غسل غاسل الْمَيِّت
تَنْبِيه قَالَ الزَّرْكَشِيّ قَالَ بَعضهم إِذا أَرَادَ الْغسْل للمسنونات نوى أَسبَابهَا إِلَّا الْغسْل من الْجُنُون فَإِنَّهُ يَنْوِي الْجَنَابَة وَكَذَا الْمغمى عَلَيْهِ ذكره صَاحب الْفُرُوع انْتهى
وَمحل هَذَا إِذا جن أَو أُغمي عَلَيْهِ بعد بُلُوغه لقَوْل الشَّافِعِي قل من جن إِلَّا وَأنزل أما إِذا جن أَو أُغمي عَلَيْهِ قبل بُلُوغه ثمَّ أَفَاق قبله فَإِنَّهُ يَنْوِي السَّبَب كَغَيْرِهِ

(1/72)