الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع

فصل فِي التَّدْبِير
وَهُوَ لُغَة النّظر فِي عواقب الْأُمُور وَشرعا تَعْلِيق عتق بِالْمَوْتِ الَّذِي هُوَ دبر الْحَيَاة فَهُوَ تَعْلِيق عتق بِصفة لَا وَصِيَّة وَلِهَذَا لَا يفْتَقر إِلَى إِعْتَاق بعد الْمَوْت وَلَفظه مَأْخُوذ من الدبر لِأَن الْمَوْت دبر الْحَيَاة وَكَانَ مَعْرُوفا فِي الْجَاهِلِيَّة فأقره الشَّرْع وَالْأَصْل فِيهِ قبل الْإِجْمَاع خبر الصَّحِيحَيْنِ أَن رجلا دبر غُلَاما لَيْسَ لَهُ مَال غَيره فَبَاعَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتقريره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ وَعدم إِنْكَاره يدل على جَوَازه
(وأركانه ثَلَاثَة) صِيغَة وَمَالك وَمحل وَهُوَ الرَّقِيق وَشرط فِيهِ كَونه رَقِيقا غير أم ولد لِأَنَّهَا تسْتَحقّ الْعتْق بِجِهَة أقوى من التَّدْبِير
وَيشْتَرط فِي الصِّيغَة لفظ يشْعر بِهِ وَفِي مَعْنَاهُ مَا مر فِي الضَّمَان وَهُوَ إِمَّا صَرِيح كَمَا يُؤْخَذ من قَوْله (وَمن قَالَ لعَبْدِهِ إِذا مت) أَنا (فَأَنت حر) أَعتَقتك أَو حررتك بعد موتِي أَو دبرتك أَو أَنْت مُدبر وَإِمَّا كِنَايَة وَهُوَ مَا يحْتَمل التَّدْبِير وَغَيره كخليت سَبِيلك أَو حسبتك بعد موتِي نَاوِيا الْعتْق
(فَهُوَ مُدبر) وَحكمه أَنه (يعْتق) عَلَيْهِ (بعد وَفَاته) أَي السَّيِّد محسوبا (من ثلث مَاله) بعد الدّين وَإِن وَقع التَّدْبِير فِي الصِّحَّة وَلَو استغرق الدّين التَّرِكَة لم يعْتق مِنْهُ شَيْء أَو نصفهَا وَهِي هُوَ فَقَط بيع نصفه فِي الدّين وَعتق ثلث الْبَاقِي مِنْهُ وَإِن لم يكن دين وَلَا مَال غَيره عتق ثلثه
فَائِدَة الْحِيلَة فِي عتق الْجَمِيع بعد الْمَوْت وَإِن لم يكن لَهُ مَال سواهُ أَن يَقُول هَذَا الرَّقِيق حر قبل مرض موتِي بِيَوْم وَإِن مت فَجْأَة فَقبل موتِي بِيَوْم فَإِذا مَاتَ بعد التعليقين بِأَكْثَرَ من يَوْم عتق من رَأس المَال وَلَا سَبِيل لأحد عَلَيْهِ وَيصِح التَّدْبِير مُقَيّدا بِشَرْط كَأَن مَاتَ فِي هَذَا الشَّهْر أَو الْمَرَض فَأَنت حر
فَإِن مَاتَ فِيهِ عتق وَإِلَّا فَلَا ومعلقا كَإِن دخلت الدَّار فَأَنت حر بعد موتِي فَإِن وجدت الصّفة وَمَات عتق وَإِلَّا فَلَا وَلَا يصير مُدبرا حَتَّى يدْخل وَشرط لحُصُول الْعتْق الدُّخُول قبل موت سَيّده فَإِن مَاتَ السَّيِّد قبل دُخُوله فَلَا تَدْبِير فَإِن قَالَ إِن مت ثمَّ دخلت الدَّار فَأَنت حر شَرط دُخُوله بعد مَوته وَلَو متراخيا عَن الْمَوْت وللوارث كَسبه قبل الدُّخُول
وَلَيْسَ لَهُ التَّصَرُّف فِيهِ بِمَا يزِيل الْملك كَالْبيع لتَعلق حق الْعتْق بِهِ
كَقَوْلِه إِذا مت وَمضى شهر مثلا بعد موتِي فَأَنت حر فللوارث كَسبه فِي الشَّهْر وَلَيْسَ لَهُ التَّصَرُّف فِيهِ بِمَا يزِيل الْملك وَهَذَا لَيْسَ بتدبير فِي الصُّورَتَيْنِ بل تَعْلِيق بِصفة لِأَن الْمُعَلق عَلَيْهِ لَيْسَ هُوَ

(2/649)


الْمَوْت فَقَط وَلَا مَعَ شَيْء قبله
وَلَو قَالَ إِن شِئْت فَأَنت حر بعد موتِي اشْترط وُقُوع الْمَشِيئَة قبل الْمَوْت فَوْرًا فَإِن أَتَى بِصِيغَة نَحْو مَتى لم يشْتَرط الْفَوْر وَلَو قَالَا لعبدهما إِذا متْنا فَأَنت حر لم يعْتق حَتَّى يموتا مَعًا أَو مُرَتبا
فَإِن مَاتَ أَحدهمَا فَلَيْسَ لوَارِثه بيع نصِيبه لِأَنَّهُ صَار مُسْتَحقّ الْعتْق بِمَوْت الشَّرِيك وَله كَسبه ثمَّ عتقه بعد مَوْتهمَا مَعًا عتق تَعْلِيق بِصفة لَا عتق تَدْبِير لِأَن كلا مِنْهُمَا لم يعلقه بِمَوْتِهِ بل بِمَوْتِهِ وَمَوْت غَيره
وَفِي مَوْتهمَا مُرَتبا يصير نصيب الْمُتَأَخر موتا بِمَوْت الْمُتَقَدّم مُدبرا دون نصيب الْمُتَقَدّم وَيشْتَرط فِي الْمَالِك أَن يكون مُخْتَارًا وَعدم صبي وجنون فَيصح من سَفِيه ومفلس وَلَو بعد الْحجر عَلَيْهِمَا وَمن مبعض وَكَافِر وَلَو حَرْبِيّا لِأَن كلا مِنْهُم صَحِيح الْعبارَة وَالْملك وَمن سَكرَان لِأَنَّهُ كالمكلف حكما وتدبير مُرْتَد مَوْقُوف إِن أسلم بَانَتْ صِحَّته وَإِن مَاتَ مُرْتَدا بِأَن فَسَاده ولحربي حمل مدبره لداره لِأَن أَحْكَام الرّقّ بَاقِيَة وَلَو دبر كَافِر مُسلما بيع عَلَيْهِ إِن لم يزل ملكه عَنهُ أَو دبر كَافِر كَافِرًا فَأسلم نزع مِنْهُ وَجعل عِنْد عدل ولسيده كَسبه وَهُوَ بَاقٍ على تَدْبيره لَا يُبَاع عَلَيْهِ لتوقع الْحُرِّيَّة
(وَيجوز لَهُ) أَي للسَّيِّد الْجَائِز التَّصَرُّف (أَن يَبِيعهُ) أَي الْمُدبر أَو يَهبهُ ويقبضه وَنَحْو ذَلِك من أَنْوَاع التَّصَرُّفَات المزيلة للْملك
(فِي حَال حَيَاته) كَمَا قبل التَّدْبِير (وَيبْطل تَدْبيره) بإزالته ملكه عَنهُ للْخَبَر السَّابِق فَلَا يعود وَإِن ملكه بِنَاء على عدم عود الْحِنْث فِي الْيَمين وَخرج بجائز التَّصَرُّف السَّفِيه فَإِنَّهُ لَا يَصح بَيْعه وَإِن صَحَّ تَدْبيره وَيبْطل أَيْضا بإيلاد لمدبرته لِأَنَّهُ أقوى مِنْهُ بِدَلِيل أَنه لَا يعْتَبر من الثُّلُث وَلَا يمْنَع مِنْهُ الدّين بِخِلَاف التَّدْبِير فيرفعه الْأَقْوَى كَمَا يرفع ملك الْيَمين النِّكَاح وَلَا يبطل التَّدْبِير بردة السَّيِّد وَلَا الْمُدبر صِيَانة لحق الْمُدبر عَن الضّيَاع فَيعتق بِمَوْت السَّيِّد
وَإِن كَانَا مرتدين وَلَا رُجُوع عَنهُ بِاللَّفْظِ كفسخته أَو نقضته كَسَائِر التعليقات وَلَا إِنْكَار التَّدْبِير كَمَا أَن إِنْكَار الرِّدَّة لَيْسَ إسلاما وإنكار الطَّلَاق لَيْسَ رَجْعَة فَيحلف إِنَّه مَا دبره وَلَا وطىء مدبرته وَيحل وَطْؤُهَا لبَقَاء ملكه وَيصِح تَدْبِير الْمكَاتب كَمَا يَصح تَعْلِيق عتقه بِصفة وَكِتَابَة مُدبر وَصَحَّ تَعْلِيق كل مِنْهُمَا بِصفة وَيعتق بالأسبق من الوصفين
تَنْبِيه حمل من دبرت حَامِلا مُدبر تبعا لَهَا وَإِن انْفَصل قبل موت سَيِّدهَا لَا إِن بَطل قبل انْفِصَاله تدبيرها بِلَا مَوتهَا كَبيع
فَيبْطل تَدْبيره أَيْضا وَيصِح تَدْبِير حمل كَمَا يَصح إِعْتَاقه وَلَا تتبعه أمه لِأَن الأَصْل لَا يتبع الْفَرْع فَإِن بَاعهَا فرجوع عَنهُ وَلَا يتبع مُدبرا وَلَده
وَإِنَّمَا يتبع أمه فِي الرّقّ وَالْحريَّة
(وَحكم) الرَّقِيق (الْمُدبر فِي حَال حَيَاة السَّيِّد حكم العَبْد الْقِنّ) فِي سَائِر الْأَحْكَام إِلَّا فِي رَهنه فَإِنَّهُ بَاطِل على الْمَذْهَب الَّذِي قطع الْجُمْهُور بِهِ كَمَا قَالَه فِي الرَّوْضَة فِي بَابه
والقن بِكَسْر الْقَاف وَتَشْديد النُّون هُوَ من لم يتَّصل بِهِ شَيْء من أَحْكَام الْمُعْتق ومقدماته بِخِلَاف الْمُدبر وَالْمكَاتب وَالْمُعَلّق عتقه بِصفة والمستولدة سَوَاء أَكَانَ أَبَوَاهُ مملوكين أَو عتيقين أَو حُرَّيْنِ أصليين بِأَن كَانَا كَافِرين واسترق هُوَ كَمَا قَالَه النَّوَوِيّ فِي تهذيبه
تَتِمَّة لَو وجد مَعَ مُدبر مَال أَو نَحوه فِي يَده بعد موت سَيّده فَتَنَازَعَ هُوَ وَالْوَارِث فِيهِ فَقَالَ الْمُدبر كسبته بعد موت سَيِّدي
وَقَالَ الْوَارِث بل قبله صدق الْمُدبر بِيَمِينِهِ
لِأَن الْيَد لَهُ فترجح وَهَذَا بِخِلَاف ولد الْمُدبرَة إِذا قَالَت وَلدته بعد موت السَّيِّد فَهُوَ حر وَقَالَ الْوَارِث بل قبله فَهُوَ قن فَإِن القَوْل قَول الْوَارِث لِأَنَّهَا تزْعم حُرِّيَّته وَالْحر لَا يدْخل تَحت الْيَد وَتقدم بَيِّنَة الْمُدبر على بَيِّنَة الْوَارِث إِذا أَقَامَا بينتين على مَا قَالَاه
لاعتضادها بِالْيَدِ وَلَو دبر رجلَانِ أمتهما وَأَتَتْ بِولد وادعاه أَحدهمَا لحقه وَضمن لشَرِيكه نصف قيمتهَا وَنصف مهرهَا وَصَارَت أم ولد لَهُ وَبَطل التَّدْبِير وَإِن لم يَأْخُذ شَرِيكه نصف قيمتهَا لِأَن السَّرَايَة لَا تتَوَقَّف على أَخذهَا وَيَلْغُو رد الْمُدبر التَّدْبِير فِي حَيَاة السَّيِّد وَبعد مَوته كَمَا فِي الْمُعَلق عتقه بِصفة وَلَو قَالَ لأمته أَنْت حرَّة بعد موتِي بِعشر سِنِين مثلا لم تعْتق

(2/650)


إِلَّا بِمُضِيِّ تِلْكَ الْمدَّة من حِين الْمَوْت وَلَا يتبعهَا وَلَدهَا فِي حكم الصّفة إِلَّا إِن أَتَت بِهِ بعد موت السَّيِّد وَلَو قبل مُضِيّ الْمدَّة فيتبعها ذَلِك فَيعتق من رَأس المَال كَوَلَد الْمُسْتَوْلدَة بِجَامِع أَن كلا مِنْهُمَا لَا يجوز إرقاقها وَيُؤْخَذ من الْقيَاس أَن مَحل ذَلِك إِذا علقت بِهِ بعد الْمَوْت وَلَو قَالَ لعَبْدِهِ إِذا قَرَأت الْقُرْآن ومت فَأَنت حر
فَإِذا قَرَأَ الْقُرْآن قبل موت السَّيِّد عتق بِمَوْتِهِ
وَإِن قَرَأَ بعضه لم يعْتق بِمَوْت السَّيِّد وَإِن قَالَ إِن قَرَأت قُرْآنًا ومت فَأَنت حر فَقَرَأَ بعض الْقُرْآن وَمَات السَّيِّد عتق وَالْفرق التَّعْرِيف والتنكير كَذَا نَقله الْبَغَوِيّ عَن النَّص قَالَ الدَّمِيرِيّ وَالصَّوَاب مَا قَالَه الإِمَام فِي الْمَحْصُول إِن الْقُرْآن يُطلق على الْقَلِيل وَالْكثير لِأَنَّهُ اسْم جنس كَالْمَاءِ وَالْعَسَل لقَوْله تَعَالَى {نَحن نقص عَلَيْك أحسن الْقَصَص بِمَا أَوْحَينَا إِلَيْك هَذَا الْقُرْآن} وَهَذَا الْخطاب كَانَ بِمَكَّة بِالْإِجْمَاع لِأَن السُّورَة مَكِّيَّة وَبعد ذَلِك نزل كثير من الْقُرْآن وَمَا نقل عَن النَّص لَيْسَ على هَذَا الْوَجْه فَإِن الْقُرْآن بِالْهَمْز عِنْد الشَّافِعِي يَقع على الْقَلِيل وَالْكثير
وَالْقُرْآن بِغَيْر همز عِنْده اسْم جمع كَمَا أَفَادَهُ الْبَغَوِيّ فِي تَفْسِير سُورَة الْبَقَرَة
ولغة الشَّافِعِي بِغَيْر همز والواقف على كَلَام الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يَظُنّهُ مهموزا وَإِنَّمَا نطق فِي ذَلِك بلغته المألوفة لَا بغَيْرهَا وَبِهَذَا اتَّضَح الْإِشْكَال
وَأجِيب عَن السُّؤَال

فصل فِي الْكِتَابَة
وَهِي بِكَسْر الْكَاف على الْأَشْهر هِيَ لُغَة الضَّم وَالْجمع لِأَن فِيهَا ضم نجم إِلَى نجم والنجم يُطلق على الْوَقْت أَيْضا الَّذِي يحل فِيهِ مَال الْكِتَابَة كَمَا سَيَأْتِي وَسميت كِتَابَة للْعُرْف الْجَارِي بِكِتَابَة ذَلِك فِي كتاب يُوَافقهُ وَشرعا عقد عتق بلفظها بعوض منجم بنجمين فَأكْثر ولفظها إسلامي لَا يعرف فِي الْجَاهِلِيَّة
وَالْأَصْل فِيهَا قبل الْإِجْمَاع آيَة {وَالَّذين يَبْتَغُونَ الْكتاب مِمَّا ملكت أَيْمَانكُم فكاتبوهم إِن علمْتُم فيهم خيرا} وَخبر الْمكَاتب عبد مَا بَقِي عَلَيْهِ دِرْهَم رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيره وَالْحَاجة دَاعِيَة إِلَيْهَا
(وَالْكِتَابَة مُسْتَحبَّة) لَا وَاجِبَة وَإِن طلبَهَا الرَّقِيق قِيَاسا على التَّدْبِير وَشِرَاء الْقَرِيب وَلِئَلَّا يتعطل أثر الْملك وتتحكم المماليك

(2/651)


على المالكين وَإِنَّمَا تسْتَحب
(إِذا سَأَلَهَا العَبْد) من سَيّده (وَكَانَ مَأْمُونا) أَي أَمينا فِيمَا يكسبه بِحَيْثُ لَا يضيعه فِي مَعْصِيّة
(مكتسبا) أَي قَادِرًا على الْكسْب وَبِهِمَا فسر الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ الْخَيْر فِي الْآيَة
واعتبرت الْأَمَانَة لِئَلَّا يضيع مَا يحصله فَلَا يعْتق وَالْقُدْرَة على الْكسْب ليوثق بتحصيل النُّجُوم وتفارق الْإِيفَاء حَيْثُ أجري على ظَاهر الْأَمر من الْوُجُوب كَمَا سَيَأْتِي لِأَنَّهُ مواساة وأحوال الشَّرْع لَا تمنع وُجُوبهَا كَالزَّكَاةِ
تَنْبِيه قَوْله مكتسبا قد يُوهم أَنه أَي كسب كَانَ وَلَيْسَ مرَادا بل لَا بُد أَن يكون قَادِرًا على كسب يُوفي مَا الْتَزمهُ من النُّجُوم فَإِن فقد شَرط من هَذِه الثَّلَاثَة وَهِي السُّؤَال وَالْأَمَانَة وَالْقُدْرَة على الْكسْب فمباحة إِذْ لَا يقوى رَجَاء الْعتْق إِلَّا بهَا وَلَا تكره بِحَال لِأَنَّهَا عِنْد فقد مَا ذكر تُفْضِي إِلَى الْعتْق
نعم إِن كَانَ الرَّقِيق فَاسِقًا بِسَرِقَة أَو نَحْوهَا وَعلم السَّيِّد أَنه لَو كَاتبه مَعَ الْعَجز عَن الْكسْب لاكتسب بطرِيق الْفسق كرهت كَمَا قَالَه الْأَذْرَعِيّ
وأركانها أَرْبَعَة سيد ورقيق وَصِيغَة وَعوض
وَشرط فِي السَّيِّد وَهُوَ الرُّكْن الأول مَا مر فِي الْمُعْتق من كَونه مُخْتَارًا أهل تبرع وَوَلَاء لِأَنَّهَا تبرع وآيلة للولاء فَتَصِح من كَافِر أُصَلِّي وسكران لَا من مكره ومكاتب وَإِن أذن لَهُ سَيّده وَلَا من صبي وَمَجْنُون ومحجور سفه وأوليائهم وَلَا من مَحْجُور فلس وَلَا من مُرْتَد لِأَن ملكه مَوْقُوف والعقود لَا توقف على الْجَدِيد وَلَا من مبعض لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهلا للولاء وَكِتَابَة مَرِيض مرض الْمَوْت محسوبة من الثُّلُث فَإِن خلف مثلي قِيمَته صحت فِي كُله أَو مثل قِيمَته فَفِي ثُلثَيْهِ أَو لم يخلف غَيره فَفِي ثلثه وَشرط فِي الرَّقِيق وَهُوَ الرُّكْن الثَّانِي اخْتِيَار وَعدم صبا وجنون وَأَن لَا يتَعَلَّق بِهِ حق لَازم وَشرط فِي الصِّيغَة وَهُوَ الرُّكْن الثَّالِث لفظ يشْعر بِالْكِتَابَةِ وَفِي مَعْنَاهُ مَا مر فِي الضَّمَان إِيجَابا ككاتبتك أَو أَنْت مكَاتب عَليّ كَذَا كألف منجما مَعَ قَوْله إِذا أديته مثلا فَأَنت حر لفظا أَو نِيَّة وقبولا كقبلت ذَلِك وَشرط فِي الْعِوَض وَهُوَ الرُّكْن الرَّابِع كَونه مَالا كَمَا تعرض لَهُ المُصَنّف رَحمَه الله تَعَالَى
وَلم يذكر غَيره من الْأَركان بقوله (وَلَا تصح) أَي الْكِتَابَة (إِلَّا بِمَال) فِي ذمَّة الْمكَاتب نَقْدا كَانَ أَو عرضا مَوْصُوفا بِصفة السّلم لِأَن الْأَعْيَان لَا يملكهَا حَتَّى يُورد العقد عَلَيْهَا (مَعْلُوم) عِنْدهمَا قدرا وجنسا وَصفَة ونوعا لِأَنَّهُ عوض فِي الذِّمَّة فَاشْترط فِيهِ الْعلم بذلك كَدين السّلم وَيكون (إِلَى أجل مَعْلُوم) ليحصله ويؤديه فَلَا تصح بِالْحَال
وَلَو كَانَ الْمكَاتب مبعضا لِأَن الْكِتَابَة عقد خَالف الْقيَاس فِي وَضعه فَاعْتبر فِيهِ سنَن السّلف والمأثور عَن الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم فَمن بعدهمْ قولا وفعلا
إِنَّمَا هُوَ التَّأْجِيل وَلم يعقدها أحد مِنْهُم حَالَة وَلَو جَازَ لم يتفقوا على تَركه مَعَ اخْتِلَاف الْأَغْرَاض خُصُوصا وَفِيه تَعْجِيل عتقه
تَنْبِيه لَو كَانَ الْعِوَض مَنْفَعَة فِي الذِّمَّة كبناء دارين فِي ذمَّته وَجعل لكل وَاحِدَة مِنْهُمَا وقتا مَعْلُوما جَازَ كَمَا يجوز أَن تجْعَل الْمَنَافِع ثمنا وَأُجْرَة أما لَو كَانَ الْعِوَض مَنْفَعَة عين فَإِنَّهُ لَا يَصح تأجيلها
لِأَن الْأَعْيَان لَا تقبل التَّأْجِيل ثمَّ إِن كَانَ الْعِوَض مَنْفَعَة عين حَالَة نَحْو كاتبتك على أَن تخدمني شهرا أَو تخيط لي ثوبا بِنَفْسِك فَلَا بُد مَعَهُمَا من ضميمة مَال كَقَوْلِه وتعطيني دِينَارا بعد انقضائه لِأَن الضميمة شَرط فَلم يجز أَن يكون الْعِوَض مَنْفَعَة فَقَط
فَلَو اقْتصر على خدمَة شَهْرَيْن وَصرح بِأَن كل شهر نجم لم

(2/652)


يَصح لِأَنَّهُمَا نجم وَاحِد وَلَا ضميمة
وَلَو كَاتبه على خدمَة شهر رَجَب ورمضان فَأولى بِالْفَسَادِ إِذْ يشْتَرط فِي الْخدمَة أَو الْمَنَافِع الْمُتَعَلّقَة بالأعيان أَن تتصل بِالْعقدِ وَلَا حد لعدد نُجُوم الْكِتَابَة
(وَأقله نجمان) لِأَنَّهُ الْمَأْثُور عَن الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم فَمن بعدهمْ وَلَو جَازَت على أقل من نجمين لفعلوه لأَنهم كَانُوا يبادرون إِلَى القربات والطاعات مَا أمكن وَلِأَنَّهَا مُشْتَقَّة من ضم النُّجُوم بَعْضهَا إِلَى بعض وَأَقل مَا يحصل بِهِ الضَّم نجمان وَالْمرَاد بِالنَّجْمِ هُنَا الْوَقْت
كَمَا فِي الصِّحَاح قَالَ النَّوَوِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فِي تهذيبه حِكَايَة عَن الرَّافِعِيّ رَحمَه الله تَعَالَى يُقَال كَانَت الْعَرَب لَا تعرف الْحساب
ويبنون أُمُورهم على طُلُوع النَّجْم والمنازل فَيَقُول أحدهم إِذا طلع نجم الثريا أديتك حَقك فسميت الْأَوْقَات نجوما ثمَّ سمي الْمُؤَدِّي فِي الْوَقْت نجما
تَنْبِيه قَضِيَّة إِطْلَاقه أَنَّهَا تصح بنجمين قصيرين وَلَو فِي مَال كثير وَهُوَ كَذَلِك لِإِمْكَان الْقُدْرَة عَلَيْهِ كالسلم إِلَى مُعسر فِي مَال كثير إِلَى أجل قصير وَلَو كَاتب عبيدا كثلاثة صَفْقَة وَاحِدَة على عوض وَاحِد كألف منجم بنجمين مثلا وعلق عتقهم بِأَدَائِهِ صَحَّ لِاتِّحَاد الْمَالِك فَصَارَ كَمَا لَو بَاعَ عبيدا بِثمن وَاحِد ووزع الْعِوَض على قيمتهم وَقت الْكِتَابَة فَمن أدّى حِصَّته مِنْهُم عتق وَمن عجز رق وَتَصِح كِتَابَة بعض من بَاقِيه حر لِأَنَّهَا تفِيد الِاسْتِقْلَال الْمَقْصُود بِالْعقدِ وَلَا تصح كِتَابَة بعض رَقِيق وَإِن كَانَ بَاقِيه لغيره وَأذن لَهُ فِي الْكِتَابَة لِأَن الرَّقِيق لَا يسْتَقلّ فِيهَا بالتردد لِاكْتِسَابِ النُّجُوم ثمَّ لَو كَاتب فِي مَرضه بعض رَقِيق وَالْبَعْض ثلث مَاله أَو أوصى بِكِتَابَة رَقِيق فَلم يخرج من الثُّلُث إِلَّا بعضه وَلم تجز الْوَرَثَة الْوَصِيَّة صحت الْكِتَابَة فِي ذَلِك الْقدر وَعَن النَّص وَالْبَغوِيّ صِحَة الْوَصِيَّة بِكِتَابَة بعض عَبده وَلَو تعدد السَّيِّد كشريكين فِي عبد كاتباه مَعًا أَو وكلا من كَاتبه صَحَّ إِن اتّفقت النُّجُوم جِنْسا وَصفَة وعددا وآجلا وَجعلت النُّجُوم على نِسْبَة ملكيهما
فَلَو عجز العَبْد فعجزه أَحدهمَا وَفسخ الْكِتَابَة وآبداه الآخر فِيهَا لم يَصح كابتداء عقدهَا وَلَو أَبرَأَهُ أَحدهمَا من نصِيبه من النُّجُوم أَو أعتق نصِيبه من العَبْد عتق نصِيبه مِنْهُ وَقوم عَلَيْهِ الْبَاقِي إِن أيسر وَعَاد الرّقّ للْمكَاتب وَخرج بِالْإِبْرَاءِ وَالْإِعْتَاق مَا لَو قبض نصِيبه فَلَا يعْتق وَإِن رَضِي الآخر بتقديمه إِذْ لَيْسَ لَهُ تَخْصِيص أَحدهمَا بِالْقَبْضِ
(وَهِي) أَي الْكِتَابَة الصَّحِيحَة (من جِهَة) أَي جَانب (السَّيِّد لَازِمَة) لَيْسَ لَهُ فَسخهَا لِأَنَّهَا عقدت لحظ مكَاتبه لَا لحظه فَكَانَ فِيهَا كالراهن لِأَنَّهَا حق عَلَيْهِ أما الْكِتَابَة الْفَاسِدَة فَهِيَ جَائِزَة من جِهَته على الْأَصَح فَإِن عجز الْمكَاتب عِنْد الْمحل بِنَجْم أَو بعضه غير الْوَاجِب فِي الإيتاء أَو امْتنع مِنْهُ عِنْد ذَلِك مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهِ أَو غلب عِنْد ذَلِك
وَإِن حضر مَاله أَو كَانَت غيبَة الْمكَاتب دون مَسَافَة الْقصر على الْأَشْبَه فِي الْمطلب وقيدها فِي الْكِفَايَة بمسافة الْقصر وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر كَانَ لَهُ فَسخهَا بِنَفسِهِ وبحاكم مَتى شَاءَ لتعذر الْعِوَض عَلَيْهِ وَلَيْسَ للْحَاكِم الْأَدَاء من مَال الْمكَاتب الْغَائِب عَنهُ بل يُمكن السَّيِّد من الْفَسْخ لِأَنَّهُ رُبمَا عجز نَفسه أَو امْتنع من الْأَدَاء لَو أحضر
(و) هِيَ (من جِهَة العَبْد الْمكَاتب جَائِزَة) فَلهُ الِامْتِنَاع من الْإِعْطَاء مَعَ الْقُدْرَة (وَله تعجيز نَفسه) وَلَو مَعَ الْقُدْرَة على الْكسْب

(2/653)


وَتَحْصِيل الْعِوَض (و) لَهُ (فَسخهَا مَتى شَاءَ) وَإِن كَانَ مَعَه وَفَاء وَلَو استمهل سَيّده عِنْد الْمحل لعجز سنّ لَهُ إمهاله مساعدة لَهُ فِي تَحْصِيل الْعتْق أَو لبيع عرض وَجب إمهاله ليَبِيعهُ وَله أَن لَا يزِيد فِي المهلة على ثَلَاثَة أَيَّام سَوَاء أعرض كساد أم لَا
فَلَا فسخ فِيهَا أَو لإحضار مَاله من دون مرحلَتَيْنِ
وَجب أَيْضا إمهاله إِلَى إِحْضَاره لِأَنَّهُ كالحاضر بِخِلَاف مَا فَوق ذَلِك لطول الْمدَّة وَلَا تَنْفَسِخ الْكِتَابَة من السَّيِّد أَو الْمكَاتب بجنون وَلَا إِغْمَاء وَلَا بِحجر سفه لِأَن اللَّازِم من أحد طَرفَيْهِ لَا يَنْفَسِخ بِشَيْء من ذَلِك كَالرَّهْنِ وَيقوم ولي السَّيِّد الَّذِي جن أَو حجر عَلَيْهِ مقَامه فِي قبض وَيقوم الْحَاكِم مقَام الْمكَاتب الَّذِي جن أَو حجر عَلَيْهِ فِي أَدَاء إِن وجد لَهُ مَالا وَلم يَأْخُذهُ السَّيِّد اسْتِقْلَالا وَثبتت الْكِتَابَة وَحل النَّجْم وَحلف السَّيِّد على اسْتِحْقَاقه
قَالَ الْغَزالِيّ وَرَأى لَهُ مصلحَة فِي الْحُرِّيَّة فَإِن رأى أَنه يضيع إِذا أَفَاق لم يؤد قَالَ الشَّيْخَانِ وَهَذَا حسن فَإِن اسْتَقل السَّيِّد بِالْأَخْذِ عتق لحُصُول الْقَبْض الْمُسْتَحق وَلَو جنى الْمكَاتب على سَيّده لزمَه قَود أَو أرش بَالغا مَا بلغ لِأَن وَاجِب جِنَايَته عَلَيْهِ لَا تعلق لَهُ بِرَقَبَتِهِ مِمَّا مَعَه وَمِمَّا يكسبه لِأَنَّهُ مَعَه كَالْأَجْنَبِيِّ فَإِن لم يكن مَعَه مَا يَفِي بذلك فللسيد أَو الْوَارِث تعجيزه دفعا للضَّرَر عَنهُ أَو جنى على أَجْنَبِي لزمَه قَود أَو الْأَقَل من قِيمَته وَالْأَرْش لِأَنَّهُ يملك تعجيز نَفسه وَإِذا عجزها فَلَا مُتَعَلق إِلَّا الرَّقَبَة وَفِي إِطْلَاق الْأَرْش على دِيَة النَّفس تَغْلِيب فَإِن لم يكن مَعَه مَال يَفِي بِالْوَاجِبِ عَجزه الْحَاكِم بِطَلَب الْمُسْتَحق وَبيع بِقدر الْأَرْش إِن زَادَت قِيمَته عَلَيْهِ وَبقيت الْكِتَابَة فِيمَا بَقِي وَإِلَّا بيع كُله وَللسَّيِّد فداؤه بِأَقَلّ الْأَمريْنِ من قِيمَته وَالْأَرْش فَيبقى مكَاتبا وعَلى الْمُسْتَحق قبُول الْفِدَاء وَلَو أعْتقهُ أَو أَبرَأَهُ بعد الْجِنَايَة عتق وَلَزِمَه الْفِدَاء لِأَنَّهُ فَوت مُتَعَلق حق الْمَجْنِي عَلَيْهِ وَلَو قتل الْمكَاتب بِطَلَب الْكِتَابَة
وَمَات رَقِيقا لفَوَات محلهَا ولسيده قَود على قَاتله إِن أوجبت الْجِنَايَة قودا وَإِلَّا فَالْقيمَة لَهُ
(وللمكاتب) بِفَتْح الْمُثَنَّاة (التَّصَرُّف فِيمَا فِي يَده من المَال) الْحَاصِل من كَسبه بِمَا لَا تبرع فِيهِ وَلَا خطر كَبيع وَشِرَاء وَإِجَارَة أما مَا فِيهِ تبرع كصدقة أَو خطر كقرض وَبيع نَسِيئَة وَإِن استوثق برهن أَو كَفِيل فَلَا بُد فِيهِ من إِذن سَيّده نعم مَا تصدق بِهِ عَلَيْهِ من نَحْو لحم وخبز مِمَّا الْعَادة فِيهِ أكله وَعدم بَيْعه لَهُ إهداؤه كَغَيْرِهِ على النَّص فِي الْأُم وَله شِرَاء من يعْتق عَلَيْهِ بِإِذن سَيّده وَإِذا اشْتَرَاهُ بِإِذْنِهِ تبعه رقا وعتقا وَلَا يَصح إِعْتَاقه عَن نَفسه وكاابته وَلَو بِإِذن سَيّده لتضمنهما الْوَلَاء وَلَيْسَ من أَهله كَمَا علم مِمَّا مر
(و) يجب (على السَّيِّد أَن يضع) أَي يحط عَنهُ أَي مكَاتبه (من مَال الْكِتَابَة) الصَّحِيحَة
(مَا) أَي أقل مُتَمَوّل أَو يَدْفَعهُ لَهُ من جنس مَال الْكِتَابَة
وَإِن كَانَ من غَيره جَازَ والحط أَو الدّفع قبل الْعتْق
(يَسْتَعِين بِهِ) على الْعتْق قَالَ تَعَالَى {وَآتُوهُمْ من مَال الله الَّذِي آتَاكُم} فسر الإيتاء بِمَا ذكر لِأَن الْقَصْد مِنْهُ الْإِعَانَة على الْعتْق وَخرج بالصحيحة الْفَاسِدَة فَلَا شَيْء فِيهَا من ذَلِك
وَاسْتثنى من لُزُوم الإيتاء مَا لَو كَاتبه فِي مرض مَوته وَهُوَ ثلث مَاله وَمَا لَو كَاتبه على مَنْفَعَة والحط أولى من الدّفع لِأَن الْقَصْد بالحط الْإِعَانَة على الْعتْق وَهِي مُحَققَة فِيهِ موهومة فِي الدّفع إِذْ قد يصرف الْمَدْفُوع فِي جِهَة أُخْرَى وَكَون كل من الْحَط وَالدَّفْع فِي النَّجْم الْأَخير أولى مِنْهُ
فِيمَا قبله لِأَنَّهُ أقرب إِلَى الْعتْق وَكَونه ربع النُّجُوم أولى من غَيره فَإِن لم تسمح بِهِ نَفسه فسبعة أولى
روى حط الرّبع
النَّسَائِيّ وَغَيره وَحط السَّبع مَالك عَن ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا وَيحرم على السَّيِّد التَّمَتُّع بمكاتبته لاختلال ملكه فِيهَا وَيجب لَهَا بِوَطْئِهِ مهرهَا
وَلَا حد عَلَيْهِ لِأَنَّهَا ملكه وَالْولد حر وَلَا يجب عَلَيْهِ قِيمَته لانعقاده حرا وَصَارَت بِالْوَلَدِ مُسْتَوْلدَة مُكَاتبَة وَولد الْمُكَاتبَة الرَّقِيق الْحَادِث بعد الْكِتَابَة يتبعهَا رقا وعتقا وَحقّ الْملك فِيهِ للسَّيِّد فَلَو قتل فَقيمته لَهُ ويمونه من أرش

(2/654)


جِنَايَة عَلَيْهِ وَكَسبه ومهره وَمَا فضل وقف فَإِن عتق فَلهُ وَإِلَّا فلسيده وَلَو أَتَى الْمكَاتب بِمَال فَقَالَ سَيّده هَذَا حرَام وَلَا بَيِّنَة صدق الْمكَاتب بِيَمِينِهِ
وَيُقَال للسَّيِّد حِينَئِذٍ خُذْهُ أَو تبرئه عَن قدره فَإِن ابى قَبضه القَاضِي عَنهُ فَإِن نكل عَن الْحلف حلف سَيّده نعم لَو كَاتبه على لحم فجَاء بِهِ فَقَالَ السَّيِّد هَذَا غير مذكى صدق بِيَمِينِهِ
لِأَن الأَصْل عدم التذكية وللمكاتب شِرَاء الْإِمَاء للتِّجَارَة لَا تزوج إِلَّا بِإِذن سَيّده وَلَا وَطْء أمته وَإِن أذن لَهُ سَيّده
فَإِن خَالف ووطىء فَلَا حد عَلَيْهِ لشُبْهَة الْملك وَالْولد نسيب فَإِن وَلدته قبل عتق أَبِيه أَو بعده لدوّنَ سِتَّة أشهر من الْعتْق تبعه رقا وعتقا وَهُوَ مَمْلُوك لِأَبِيهِ يمْتَنع بَيْعه وَلَا تصير أمه أم ولد لِأَنَّهَا علقت بمملوك وَإِن وَلدته لسِتَّة أشهر فَأكْثر من الْعتْق وَوَطئهَا مَعَ الْعتْق مُطلقًا أَو بعده فِي صُورَة الْأَكْثَر وولدته لسِتَّة أشهر فَأكْثر من الْوَطْء فَهِيَ أم ولد وَلَو عجل الْمكَاتب النُّجُوم أَو بَعْضهَا قبل محلهَا لم يجْبر السَّيِّد على قبضهَا وَإِن امْتنع مِنْهُ لغَرَض كمؤنة حفظه وَإِلَّا أجبر على الْقَبْض
فَإِن أَبى قَبضه القَاضِي عَنهُ وَعتق الْمكَاتب وَلَو عجل بعض النُّجُوم ليبرئه من الْبَاقِي فَقبض وأبرأه بطلا وَلَا يَصح بيع النُّجُوم وَلَا الِاعْتِيَاض عَنْهَا من الْمكَاتب وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد وَإِن جرى بعض الْمُتَأَخِّرين على خِلَافه وَلَو بَاعَ السَّيِّد النُّجُوم وَأدّى الْمكَاتب النَّجْم إِلَى المُشْتَرِي لم يعْتق وَيُطَالب السَّيِّد الْمكَاتب وَالْمكَاتب المُشْتَرِي بِمَا أَخذه وَلَا يَصح بيع رَقَبَة الْمُكَاتبَة كِتَابَة صَحِيحَة فِي الْجَدِيد لِأَن البيع لَا يرفع الْكِتَابَة للزومها من جِهَة السَّيِّد فَيبقى مُسْتَحقّ الْعتْق فَلم يَصح بَيْعه كالمستولدة هَذَا إِذا لم يرض الْمكَاتب البيع فَإِن رَضِي بِهِ جَازَ
وَكَانَ رِضَاهُ فسخا كَمَا جزم بِهِ القَاضِي حُسَيْن فِي تعاليقه لِأَن الْحق لَهُ وَقد رَضِي بإبطاله وهبته كَبَيْعِهِ وَلَيْسَ للسَّيِّد بيع مَا فِي يَد مكَاتبه وَلَا إِعْتَاق عَبده وَلَا تَزْوِيج أمته وَلَا التَّصَرُّف فِي شَيْء مِمَّا فِي يَده لِأَنَّهُ مَعَه كَالْأَجْنَبِيِّ وَلَو قَالَ رجل مثلا للسَّيِّد أعتق مكاتبك على كَذَا كألف فَفعل عتق وَلَزِمَه مَا الْتزم كَمَا لَو قَالَ أعتق مستولدتك على كَذَا وَهُوَ بِمَنْزِلَة فك الْأَسير هَذَا إِذا قَالَ أعْتقهُ وَأطلق أما إِذا قَالَ أعْتقهُ عني على كَذَا فَإِنَّهُ لم يعْتق عَن السَّائِل وَيعتق عَن الْمُعْتق فِي الْأَصَح وَلَا يسْتَحق المَال (وَلَا يعْتق) شَيْء من الْمكَاتب (إِلَّا بعد أَدَاء جَمِيع المَال) الْبَاقِي (بعد الْقدر الْمَوْضُوع عَنهُ) فَلَو لم يضع سَيّده عَنهُ شَيْئا وَبَقِي عَلَيْهِ من النُّجُوم الْقدر الْوَاجِب حطه أَو إيتاؤه لم يعْتق مِنْهُ شَيْء لِأَن هَذَا الْقدر لم يسْقط عَنهُ وَلَا يحصل التَّقَاصّ كَمَا قَالَه فِي الرَّوْضَة
قَالَ لِأَن للسَّيِّد أَن يؤتيه من غَيره وَلَيْسَ للسَّيِّد تعجيزه لِأَن لَهُ عَلَيْهِ مثله لَكِن يرفعهُ الْمكَاتب للْحَاكِم حَتَّى يرى رَأْيه ويفصل الْأَمر بَينهمَا اه
تَنْبِيه قَضِيَّة تَقْيِيد المُصَنّف بِالْأَدَاءِ قصر الحكم عَلَيْهِ وَلَيْسَ مرَادا بل يعْتق بِالْإِبْرَاءِ من النُّجُوم أَيْضا كَمَا قَالَه فِي الرَّوْضَة وبالحوالة بِهِ وَلَا تصح الْحِوَالَة عَلَيْهِ وَعلم من تَقْيِيده بِالْجَمِيعِ أَنه لَو بَقِي من الْقدر الْبَاقِي شَيْء وَلَو درهما فَأَقل لم يعْتق مِنْهُ شَيْء وَهُوَ كَذَلِك لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمكَاتب قن مَا بَقِي عَلَيْهِ دِرْهَم وَالْمعْنَى فِيهِ أَنه إِن كَانَ الْمُغَلب فِيهِ الْعتْق بِالصّفةِ فَلَا يعْتق قبل استكمالها وَإِن كَانَ الْمُغَلب فِيهِ الْمُعَاوضَة فكالبيع فَلَا يجب تَسْلِيمه إِلَّا بعد قبض جَمِيع ثمنه
تَتِمَّة فِي الْفرق بَين الْكِتَابَة الْبَاطِلَة والفاسدة وَمَا تشارك فِيهِ الْفَاسِدَة الصَّحِيحَة وَمَا تخالفها فِيهِ وَغير ذَلِك الْبَاطِلَة مَا اختلت صِحَّتهَا باختلال ركن من أَرْكَانهَا ككون أحد الْمُتَعَاقدين صَبيا أَو مَجْنُونا أَو مكْرها أَو عقدت بِغَيْر مَقْصُود كَدم وَهِي ملغاة إِلَّا فِي تَعْلِيق مُعْتَبر بِأَن يَقع مِمَّن يَصح تَعْلِيقه فَلَا تلغى فِيهِ
والفاسدة مَا اختلت صِحَّتهَا بِكِتَابَة بعض رَقِيق أَو فَسَاد شَرط كَشَرط أَن يَبِيعهُ كَذَا أَو فَسَاد عوض كخمر أَو فَسَاد أجل كنجم وَاحِد وَهِي كالصحيحة فِي اسْتِقْلَال الْمكَاتب بِكَسْبِهِ وَفِي أَخذ أرش جِنَايَة عَلَيْهِ وَفِي أَنه يعْتق بِالْأَدَاءِ لسَيِّده وَفِي أَنه يتبعهُ إِذا عتق كَسبه وكالتعليق بِصفة فِي أَنه لَا يعْتق بِغَيْر أَدَاء الْمكَاتب كإبرائه أَو أَدَائِهِ غَيره عَنهُ مُتَبَرعا وَفِي أَن كِتَابَته تبطل بِمَوْت سَيّده قبل الْأَدَاء وَفِي أَنه تصح الْوَصِيَّة بِهِ وَفِي أَنه لَا يصرف لَهُ سهم المكاتبين وَفِي صِحَة إِعْتَاقه عَن الْكَفَّارَة وتمليكه وَمنعه من السّفر وَجَوَاز وَطْء الْأمة
وكل من الصَّحِيحَة والفاسدة عقد مُعَاوضَة لَكِن الْمُغَلب فِي الأولى معنى الْمُعَاوضَة وَفِي الثَّانِيَة معنى التَّعْلِيق وَالْبَاطِل وَالْفَاسِد عندنَا سَوَاء إِلَّا فِي مَوَاضِع يسير مِنْهَا الْحَج وَالْعَارِية وَالْخلْع وَالْكِتَابَة وتخالف الْكِتَابَة الْفَاسِدَة الصَّحِيحَة وَالتَّعْلِيق فِي أَن للسَّيِّد فَسخهَا بالْقَوْل وَفِي أَنَّهَا تبطل بِنَحْوِ إِغْمَاء السَّيِّد وَحجر سفه عَلَيْهِ وَفِي أَن الْمكَاتب يرجع عَلَيْهِ بِمَا أَدَّاهُ إِن بَقِي وببدله إِن تلف إِن كَانَ لَهُ قيمَة وَالسَّيِّد يرجع عَلَيْهِ بِقِيمَتِه وَقت الْعتْق
فَإِن اتَّحد وَاجِب السَّيِّد وَالْمكَاتب تقاصا وَلَو بِلَا رضَا وَيرجع صَاحب الْفضل بِهِ هَذَا إِذا كَانَا نقدين فَإِن كَانَا متقومين فَلَا تقاص أَو مثليين

(2/655)


ففيهما تَفْصِيل ذكرته فِي شرح الْمِنْهَاج وَغَيره مَعَ فَوَائِد مهمة لَا بَأْس بمراجعتها فَإِن هَذَا الْمُخْتَصر لَا يحْتَمل ذكرهَا وَلَو ادّعى رَقِيق كِتَابَة فَأنْكر سَيّده أَو وَارثه حلف الْمُنكر وَلَو اخْتلف السَّيِّد وَالْمكَاتب فِي قدر النُّجُوم أَو فِي قدر الْأَجَل وَلَا بَيِّنَة أَو لكل بَيِّنَة تحَالفا ثمَّ إِن لم يتَّفقَا على شَيْء فَسخهَا الْحَاكِم أَو المتحالفان أَو أَحدهمَا كَمَا فِي البيع وَلَو قَالَ السَّيِّد كاتبتك وَأَنا مَجْنُون أَو مَحْجُور عَليّ فَأنْكر الْمكَاتب صدق السَّيِّد بِيَمِينِهِ إِن عرف لَهُ مَا ادَّعَاهُ وَإِلَّا فالمكاتب وَلَو مَاتَ السَّيِّد وَالْمكَاتب مِمَّن يعْتق على الْوَارِث عتق عَلَيْهِ وَلَو ورث رجل زَوجته الْمُكَاتبَة أَو ورثت امْرَأَة زَوجهَا الْمكَاتب انْفَسَخ النِّكَاح لِأَن كلا مِنْهُمَا ملكه زوجه أَو بعضه
وَلَو اشْترى الْمكَاتب زَوجته أَو بِالْعَكْسِ وَانْقَضَت مُدَّة الْخِيَار أَو كَانَ الْخِيَار للْمُشْتَرِي انْفَسَخ النِّكَاح لِأَن كلا مِنْهُمَا ملك زوجه

فصل فِي أُمَّهَات الْأَوْلَاد
ختم المُصَنّف رَحمَه الله تَعَالَى كِتَابه بِالْعِتْقِ رَجَاء أَن الله تَعَالَى يعتقهُ وقارئه وشارحه من النَّار
فنسأل الله تَعَالَى من فَضله وَكَرمه أَن يجيرنا ووالدينا ومشايخنا وَجَمِيع أهلنا ومحبينا مِنْهَا وَآخر هَذَا الْفَصْل لِأَنَّهُ عتق قهري مشوب بِقَضَاء أوطار وَأُمَّهَات بِضَم الْهمزَة وَكسرهَا مَعَ فتح الْمِيم وَكسرهَا وَأَصلهَا أمهة بِدَلِيل جمعهَا على ذَلِك قَالَه الْجَوْهَرِي
وَيُقَال فِي جمعهَا أَيْضا أمات وَقَالَ بَعضهم الْأُمَّهَات للنَّاس والأمات للبهائم وَقَالَ آخَرُونَ يُقَال فيهمَا أُمَّهَات وأمات لَكِن الأول أَكثر فِي النَّاس وَالثَّانِي أَكثر فِي غَيرهم وَيُمكن رد الأول إِلَى هَذَا
وَالْأَصْل فِي ذَلِك خبر أَيّمَا أمة ولدت من سَيِّدهَا فَهِيَ حرَّة عَن دبر مِنْهُ رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالْحَاكِم وَصحح إِسْنَاده
وَخبر الصَّحِيحَيْنِ عَن أبي مُوسَى قُلْنَا يَا رَسُول الله إِنَّا نأتي السبايا ونحب أَثْمَانهنَّ فَمَا ترى فِي الْعَزْل فَقَالَ مَا عَلَيْكُم أَن لَا تَفعلُوا مَا من نسمَة كائنة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا وَهِي كائنة فَفِي قَوْلهم ونحب أَثْمَانهنَّ دَلِيل على أَن بيعهنَّ بالاستيلاد مُمْتَنع وَاسْتشْهدَ لذَلِك الْبَيْهَقِيّ بقول عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا لم يتْرك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دِينَارا وَلَا درهما وَلَا عبدا وَلَا أمة
قَالَ فِيهِ دلَالَة على أَنه لم يتْرك أم إِبْرَاهِيم رقيقَة وَأَنَّهَا عتقت بِمَوْتِهِ

(2/656)


(وَإِذا أصَاب) أَي وطىء (السَّيِّد) الرجل الْحر كلا أَو بَعْضًا مُسلما كَانَ أَو كَافِرًا أَصْلِيًّا (أمته)
أَي بِأَن علقت مِنْهُ وَلَو سَفِيها أَو مَجْنُونا أَو مكْرها أَو أحبلها الْكَافِر حَال إسْلَامهَا قبل بيعهَا عَلَيْهِ بِوَطْء مُبَاح أَو محرم كَأَن تكون حَائِضًا أَو محرما لَهُ كأخته أَو مُزَوّجَة أَو باستدخال مَائه الْمُحْتَرَم فِي حَال حَيَاته (فَوضعت) حَيا أَو مَيتا أَو مَا يجب فِيهِ غرَّة وَهُوَ (مَا) أَي لحم (يتَبَيَّن) لكل أحد أَو لأهل الْخِبْرَة من القوابل (فِيهِ شَيْء من خلق آدَمِيّ) كمضغة فِيهَا صُورَة آدَمِيّ وَإِن لم تظهر إِلَّا لأهل الْخِبْرَة وَلَو من غير النِّسَاء وَجَوَاب إِذا (حرم عَلَيْهِ بيعهَا)
وَلَو مِمَّن تعْتق عَلَيْهِ أَو بِشَرْط الْعتْق أَو مِمَّن أقرّ بحريتها
(ورهنها وهبتها) مَعَ بطلَان ذَلِك أَيْضا لخَبر أُمَّهَات الْأَوْلَاد لَا يبعن وَلَا يوهبن وَلَا يورثن يسْتَمْتع بهَا سَيِّدهَا مَا دَامَ حَيا فَإِذا مَاتَ فَهِيَ حرَّة رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ ابْن الْقطَّان رُوَاته

(2/657)


كلهم ثِقَات
وَقد قَامَ الْإِجْمَاع على عدم صِحَة بيعهَا واشتهر عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه خطب يَوْمًا على الْمِنْبَر فَقَالَ فِي أثْنَاء خطبَته اجْتمع رَأْي ورأي عمر على أَن أُمَّهَات الْأَوْلَاد لَا يبعن وَأَنا الْآن أرى بيعهنَّ فَقَالَ عُبَيْدَة السَّلمَانِي رَأْيك مَعَ رَأْي عمر
وَفِي رِوَايَة مَعَ الْجَمَاعَة أحب إِلَيْنَا من رَأْيك وَحدك
فَقَالَ اقضوا فِيهِ مَا أَنْتُم قاضون فَإِنِّي أكره أَن أُخَالِف الْجَمَاعَة فَلَو حكم حَاكم بِصِحَّة بيعهَا نقض حكمه لمُخَالفَته الْإِجْمَاع وَمَا كَانَ فِي بيعهَا من خلاف بَين الْقرن الأول فقد انْقَطع وَصَارَ مجمعا على مَنعه وَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن جَابر كُنَّا نبيع سرارينا أُمَّهَات الْأَوْلَاد وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيّ لَا يرى بذلك بَأْسا أُجِيب عَنهُ بِأَنَّهُ مَنْسُوخ وَبِأَنَّهُ مَنْسُوب إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتِدْلَالا واجتهادا فَيقدم عَلَيْهِ مَا نسب إِلَيْهِ قولا ونصا وَهُوَ نَهْيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن بيع أُمَّهَات الْأَوْلَاد كَمَا مر وَيسْتَثْنى من منع بيعهَا بيعهَا من نَفسهَا بِنَاء على أَنه عقد عتاقة وَهُوَ الْأَصَح وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ أَنه لَو بَاعهَا بَعْضهَا أَنه يَصح ويسري إِلَى بَاقِيهَا كَمَا لَو أعتق بعض رَقِيقه وَأَنه إِذا كَانَ السَّيِّد مبعضا أَنه لَا يَصح مِنْهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ من أهل الْوَلَاء وَهَذَا ظَاهر وَإِن لم أر من ذكره وَمحل الْمَنْع إِذا لم يرْتَفع الإيلاد فَإِن ارْتَفع بِأَن كَانَت كَافِرَة وَلَيْسَت لمُسلم وسبيت وَصَارَت قنة
فَإِنَّهُ يَصح جَمِيع التَّصَرُّفَات فِيهَا
وَكَذَا يَصح بيعهَا فِي صور مِنْهَا مُسْتَوْلدَة الرَّاهِن المقبض الْمُعسر تبَاع فِي الدّين وَمِنْهَا جَارِيَة التَّرِكَة الَّتِي تعلق بهَا دين إِذا اسْتَوْلدهَا الْوَارِث وَهُوَ مُعسر تبَاع فِي دين الْمَيِّت وَمِنْهَا مَا إِذا استولد الجانية جِنَايَة توجب مَالا مُتَعَلقا برقبتها وَهُوَ مُعسر تبَاع فِي دين الْجِنَايَة
وَمِنْهَا مَا إِذا استولد أمة العَبْد الْمَأْذُون لَهُ فِي التِّجَارَة وَهُوَ مُعسر تبَاع فِي دينه
وَقد ذكر فِي الرَّوْضَة هَذِه الصُّور الْأَرْبَع أَوَاخِر الْبَاب الْخَامِس من النِّكَاح وَقَالَ إِن الْملك إِذا عَاد فِي هَذِه الصُّور إِلَى الْمَالِك بعد البيع عَاد الِاسْتِيلَاد
اه
أما الصُّورَة الأولى وَهِي مَسْأَلَة السَّبي فَالَّذِي يظْهر فِيهَا أَنه لَا يعود الِاسْتِيلَاد إِذا عَادَتْ لمَالِكهَا بعد ذَلِك لأَنا أبطلناه بِالْكُلِّيَّةِ بِخِلَاف هَذِه الْمسَائِل وَيسْتَثْنى من نُفُوذ الِاسْتِيلَاد مَا لَو نذر التَّصَدُّق بِثمنِهَا ثمَّ اسْتَوْلدهَا فَإِنَّهُ يلْزمه بيعهَا وَالتَّصَدُّق بِثمنِهَا وَلَا ينفذ

(2/658)


استيلاده فِيهَا
وَمَا إِذا أوصى بِعِتْق جَارِيَة تخرج من الثُّلُث فالملك فِيهَا للْوَارِث
وَمَعَ ذَلِك لَو اسْتَوْلدهَا قبل إعْتَاقهَا لم ينفذ لإفضائه إِلَى إبِْطَال الْوَصِيَّة وَمَا إِذا اسْتكْمل الصَّبِي تسع سِنِين فوطىء أمته فَولدت لأكْثر من سِتَّة أشهر فَإِن الْوَلَد يلْحقهُ قَالُوا وَلَكِن لَا يحكم بِبُلُوغِهِ قَالَ البُلْقِينِيّ وَظَاهر كَلَامهم يَقْتَضِي أَنه لَا يثبت استيلاد وَالَّذِي صوبناه الحكم بِبُلُوغِهِ وَثُبُوت استيلاد أمته فعلى كَلَامهم تستثنى هَذِه الصُّورَة وعَلى مَا قُلْنَاهُ لَا اسْتثِْنَاء اه
وَالْمُعْتَمد الِاسْتِثْنَاء وَاخْتلف فِي نُفُوذ استيلاد الْمَحْجُور عَلَيْهِ بالفلس فرجح نُفُوذه ابْن الرّفْعَة وَتَبعهُ البُلْقِينِيّ وَرجح السُّبْكِيّ خِلَافه وَتَبعهُ الْأَذْرَعِيّ وَالزَّرْكَشِيّ ثمَّ قَالَ لَكِن سبق عَن الْحَاوِي وَالْغَزالِيّ النّفُوذ اه
وَكَونه كاستيلاد الرَّاهِن الْمُعسر أشبه من كَونه كَالْمَرِيضِ فَإِن من يَقُول بالنفوذ يُشبههُ بالمريض وَمن يَقُول بِعَدَمِهِ يُشبههُ بالراهن الْمُعسر وَخرج بِقَيْد الْحر كلا أَو بَعْضًا الْمكَاتب إِذا أحبل أمته ثمَّ مَاتَ رَقِيقا قبل الْعَجز أَو بعده فَلَا تعْتق بِمَوْتِهِ وبالماء الْمُحْتَرَم مَا إِذا كَانَ غير مُحْتَرم وَهُوَ الْخَارِج على وَجه محرم لَعنه كَالزِّنَا فَلَا يثبت بِهِ استيلاد وبحال الْحَيَاة مَا لَو استدخلت منيه الْمُنْفَصِل مِنْهُ فِي حَال حَيَاته بعد مَوته فَلَا يثبت بِهِ أُميَّة الْوَلَد لِأَنَّهَا بِالْمَوْتِ انْتَقَلت إِلَى ملك الْوَارِث وَيدخل فِي عِبَارَته أمته الَّتِي اشْتَرَاهَا بِشَرْط الْعتْق فَإِنَّهُ إِذا اسْتَوْلدهَا وَمَات قبل أَن يعتقها فَإِنَّهَا تعْتق بِمَوْتِهِ وَقد توهم عِبَارَته أَنه لَو أحبل الْجَارِيَة الَّتِي يملك بَعْضهَا أَنه لَا ينفذ بالاستيلاد فِيهَا وَلَيْسَ مرَادا بل يثبت الِاسْتِيلَاد فِي نصِيبه وَفِي الْكل إِن كَانَ مُوسِرًا كَمَا مر فِي الْعتْق (وَجَاز لَهُ) أَي السَّيِّد (التَّصَرُّف فِيهَا بالاستخدام) وَالْإِجَارَة والإعارة لبَقَاء ملكه عَلَيْهَا فَإِن قيل قد صرح الْأَصْحَاب بِأَنَّهُ لَا يجوز إِجَارَة الْأُضْحِية الْمعينَة كَمَا لَا يجوز بيعهَا إِلْحَاقًا للمنافع بالأعيان فَهَلا كَانَ هُنَا كَذَلِك كَمَا قَالَ بِهِ الإِمَام مَالك
أُجِيب بِأَن الْأُضْحِية خرج ملكه عَنْهَا
تَنْبِيه مَحل صِحَة إِجَارَتهَا إِذا كَانَ من غَيرهَا أما إِذا أجرهَا نَفسهَا فَإِنَّهُ لَا يَصح لِأَن الشَّخْص لَا يملك مَنْفَعَة نَفسه وَهل لَهَا أَن تستعير نَفسهَا من سَيِّدهَا قِيَاس مَا قَالُوهُ فِي الْحر إِنَّه لَو أجر نَفسه وَسلمهَا ثمَّ استعارها جَازَ أَنه هُنَا كَذَلِك وَلَو مَاتَ السَّيِّد بعد أَن أجرهَا انْفَسَخت الْإِجَارَة
فَإِن قيل لَو أعتق رَقِيقه الْمُؤَجّر لم تَنْفَسِخ فِيهِ الْإِجَارَة فَهَلا كَانَ هُنَا كَذَلِك أُجِيب بِأَن السَّيِّد فِي العَبْد لَا يملك مَنْفَعَة الْإِجَارَة فإعتاقه ينزل على مَا يملكهُ وَأم الْوَلَد ملكت نَفسهَا بِمَوْت سَيِّدهَا فانفسخت الْإِجَارَة
وَيُؤْخَذ من هَذَا أَنه لَو أجرهَا ثمَّ أحبلها ثمَّ مَاتَ لَا تَنْفَسِخ الْإِجَارَة فِي الْمُسْتَقْبل
وَهُوَ كَذَلِك وَله تَزْوِيجهَا بِغَيْر إِذْنهَا لبَقَاء ملكه عَلَيْهَا وعَلى مَنَافِعهَا
(و) لَهُ (الْوَطْء) لأم وَلَده بِالْإِجْمَاع وَلِحَدِيث الدَّارَقُطْنِيّ الْمُتَقَدّم هَذَا إِذا لم يحصل هُنَاكَ مَانع مِنْهُ والموانع كَثِيرَة فَمِنْهَا مَا لَو أحبل الْكَافِر أمته الْمسلمَة أَو أحبل الشَّخْص أمته الْمُحرمَة عَلَيْهِ بِنسَب أَو رضَاع أَو مصاهرة وَمَا لَو أولد مُكَاتبَته وَمَا لَو أولد الْمبعض أمته
(وَإِذا مَاتَ السَّيِّد) وَلَو بقتلها لَهُ بِقصد الاستعجال (عتقت) بِلَا خلاف لما مر من الْأَدِلَّة وَلما روى الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن

(2/659)


عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه قَالَ أم الْوَلَد أعْتقهَا وَلَدهَا أَي أثبت لَهَا حق الْحُرِّيَّة وَلَو كَانَ سقطا وَهَذَا أحد الصُّور المستثناة من الْقَاعِدَة الْمَعْرُوفَة وَهِي من استعجل بِشَيْء قبل أَوَانه عُوقِبَ بحرمانه وعتقها (من رَأس مَاله) لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعْتقهَا وَلَدهَا وَسَوَاء أحبلها أم أعْتقهَا فِي الْمَرَض أم لَا أَو أوصى بهَا من الثُّلُث أم لَا بِخِلَاف مَا لَو أوصى بِحجَّة الْإِسْلَام فَإِن الْوَصِيَّة بهَا تحسب من الثُّلُث لِأَن هَذَا إِتْلَاف حصل بالاستمتاع فَأشبه إِنْفَاق المَال فِي اللَّذَّات والشهوات وَيبدأ بِعتْقِهَا
(قبل) قَضَاء (الدُّيُون) وَلَو لله تَعَالَى كالكفارة (والوصايا) وَلَو لجِهَة عَامَّة كالفقراء (وَوَلدهَا) الْحَاصِل قبل الِاسْتِيلَاد من زنا أَو من زوج لَا يعتقون بِمَوْت السَّيِّد وَله بَيْعه وَالتَّصَرُّف فِيهِ بِسَائِر التَّصَرُّفَات لحدوثه قبل ثُبُوت الْحُرِّيَّة للْأُم بِخِلَاف الْوَلَد الْحَاصِل بعد الِاسْتِيلَاد
(من غَيره) بِنِكَاح أَو غَيره فَإِنَّهُ (بمنزلتها) فِي منع التَّصَرُّف فِيهِ بِمَا يمْتَنع عَلَيْهِ التَّصَرُّف بِهِ فِيهَا وَيجوز لَهُ استخدامه وإجارته وإجباره على النِّكَاح إِن كَانَ أُنْثَى لَا إِن كَانَ ذكرا وعتقه بِمَوْت السَّيِّد
وَإِن كَانَت أمه قد مَاتَت فِي حَيَاة السَّيِّد كَمَا قَالَه فِي الرَّوْضَة لِأَن الْوَلَد يتبع أمه رقا وحرية فَكَذَا فِي سَببه اللَّازِم وَلِأَنَّهُ حق اسْتَقر لَهُ فِي حَيَاة أمه فَلم يسْقط بموتها وَلَو أعتق السَّيِّد مستولدته لم يعْتق وَلَدهَا
وَلَيْسَ لَهُ وَطْء بنت مستولدته
وَعلل ذَلِك بحرمتها بِوَطْء أمهَا وَهُوَ جري على الْغَالِب فَإِن استدخال الْمَنِيّ الَّذِي يثبت بِهِ الِاسْتِيلَاد كَذَلِك فَلَو وَطئهَا هَل تصير مُسْتَوْلدَة كَمَا لَو كَاتب ولد الْمُكَاتبَة فَإِنَّهُ يصير مكَاتبا أَو لَا يَنْبَغِي أَن يصير وَفَائِدَته الْحلف وَالتَّعْلِيق
تَنْبِيه سكت المُصَنّف عَن أَوْلَاد أَوْلَاد الْمُسْتَوْلدَة
وَلم أر من تعرض لَهُم وَالظَّاهِر أخذا من كَلَامهم أَنهم إِن كَانُوا من أَوْلَادهَا الْإِنَاث فحكمهم حكم أَوْلَادهَا أَو من الذكوره فَلَا لِأَن الْوَلَد يتبع الْأُم رقا وحرية وَلَو ادَّعَت الْمُسْتَوْلدَة أَن هَذَا الْوَلَد حدث بعد الِاسْتِيلَاد أَو بعد موت السَّيِّد فَهُوَ حر
وَأنكر الْوَارِث ذَلِك وَقَالَ بل حدث قبل الِاسْتِيلَاد فَهُوَ قن صدق بِيَمِينِهِ بِخِلَاف مَا لَو كَانَ فِي يَدهَا مَال وَادعت أَنَّهَا اكتسبته بعد موت السَّيِّد وَأنكر الْوَارِث فَإِنَّهَا المصدقة لِأَن الْيَد لَهَا فترجح بِخِلَافِهَا فِي الأولى فَإِنَّهَا تَدعِي حُرِّيَّته وَالْحر لَا يدْخل تَحت الْيَد (وَمن أصَاب) أَي وَطْء (أمة غَيره بِنِكَاح) لَا غرور فِيهِ بحريّة أَو زنا (فولده مِنْهَا) حِينَئِذٍ (مَمْلُوك لسَيِّدهَا) بِالْإِجْمَاع لِأَنَّهُ يتبع الْأُم فِي الرّقّ وَالْحريَّة أما إِذا غر بحريّة أمه فنكحها وأولدها فَالْوَلَد حر كَمَا ذكره الشَّيْخَانِ فِي بَاب الْخِيَار والإعفاف
وَكَذَا إِذا نَكَحَهَا بِشَرْط أَن أَوْلَادهَا الحادثين مِنْهُ أَحْرَار فَإِنَّهُ يَصح الشَّرْط وَمَا حدث لَهُ مِنْهَا من ولد فَهُوَ حر كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَام الْقُوت فِي بَاب الصَدَاق
تَنْبِيه لَو نكح حر جَارِيَة أَجْنَبِي ثمَّ ملكهَا ابْنه أَو تزوج رَقِيق جَارِيَة ابْنه ثمَّ عتق لم يَنْفَسِخ النِّكَاح لِأَن الأَصْل فِي النِّكَاح الثَّبَات والدوام فَلَو اسْتَوْلدهَا الْأَب بعد عتقه فِي الثَّانِيَة وَملك ابْنه لَهَا فِي الأولى لم ينفذ استيلادها لِأَنَّهُ رَضِي برق وَلَده حِين نَكَحَهَا
وَلِأَن النِّكَاح حَاصِل مُحَقّق فَيكون واطئا بِالنِّكَاحِ لَا بِشُبْهَة الْملك بِخِلَاف مَا إِذا لم يكن نِكَاح كَمَا جرى على ذَلِك الشَّيْخَانِ فِي بَاب النِّكَاح وَلَو ملك الْمكَاتب زَوْجَة سَيّده الْأمة انْفَسَخ نِكَاحه (فَإِن أَصَابَهَا) أَي وَطئهَا لَا بِنِكَاح بل (بِشُبْهَة) مِنْهُ كَأَن ظَنّهَا أمته أَو زَوجته الْحرَّة (فولده مِنْهَا) حِينَئِذٍ (حر نسيب) بِلَا خلاف اعْتِبَارا بظنه
(و) لَكِن (عَلَيْهِ) فِي هَذِه الْحَالة (قِيمَته) وَقت وِلَادَته بِأَن يقدر رَقِيقا فَمَا بلغت قِيمَته دَفعه (للسَّيِّد) لتفويته الرّقّ عَلَيْهِ بظنه أما إِذا ظَنّهَا زَوجته الْأمة فَالْوَلَد رَقِيق للسَّيِّد اعْتِبَارا بظنه وَإِطْلَاق المُصَنّف ينزل على هَذَا التَّفْصِيل كَمَا نزلنَا عَلَيْهِ عبارَة الْمِنْهَاج فِي شَرحه إِذْ هُوَ الْمَذْكُور فِي الرَّوْضَة وَغَيرهَا
وَلَو أفْصح بِهِ كَانَ أولى وَلَو تزوج شخص بحرة وَأمة بِشَرْطِهِ فوطىء الْأمة يَظُنهَا الْحرَّة فالأشبه أَن الْوَلَد حر كَمَا فِي أمة الْغَيْر يَظُنهَا زَوجته الْحرَّة
تَنْبِيه أطلق المُصَنّف الشُّبْهَة وَمُقْتَضى تَعْلِيلهم شُبْهَة الْفَاعِل فَتخرج شُبْهَة الطَّرِيق الَّتِي أَبَاحَ الْوَطْء بهَا عَالم فَلَا يكون الْوَلَد بهَا حرا كَأَن تزوج شَافِعِيّ أمة وَهُوَ مُوسر وَبَعض الْمذَاهب يرى بِصِحَّتِهِ فَيكون الْوَلَد رَقِيقا وَكَذَا لَو أكره على أمة الْغَيْر كَمَا قَالَه الزَّرْكَشِيّ

(2/660)


(وَإِن ملك) الواطىء بِالنِّكَاحِ (الْأمة الْمُطلقَة) مِنْهُ (بعد ذَلِك) أَي بعد وِلَادَتهَا من النِّكَاح (لم تصر أم ولد) بِمَا وَلدته مِنْهُ (بِالْوَطْءِ فِي النِّكَاح) لكَونه رَقِيقا لِأَنَّهَا علقت بِهِ فِي غير ملك الْيَمين
وَالِاسْتِيلَاد إِنَّمَا يثبت تبعا لحرية الْوَلَد كَمَا قَالَه فِي الرَّوْضَة
تَنْبِيه تَقْيِيد المُصَنّف بالمطلقة لَا معنى لَهُ بل قد يُوهم قصر الحكم عَلَيْهِ وَلَيْسَ مرَادا فَإِنَّهُ إِذا ملكهَا فِي نِكَاحه بعد الْولادَة كَانَ الحكم كَذَلِك بِلَا فرق
وَكَذَلِكَ إِذا ملكهَا فِي نِكَاحه حَامِلا لم تصر أم ولد
لَكِن يعْتق عَلَيْهِ وَلَده إِن وَضعته لدوّنَ أقل مُدَّة الْحمل من الْملك أَو دون أَكْثَره من حِين وَطْء بعد الْملك فَإِن وَضعته بعد الْملك لدوّنَ أَقَله من الْوَطْء فَيحكم بِحُصُول علوقه فِي ملكه وَإِن أمكن كَونه سَابِقًا عَلَيْهِ كَمَا قَالَه الصيدلاني وَأقرهُ فِي الرَّوْضَة
فَلَو حذف المُصَنّف لفظ الْمُطلقَة لَكَانَ أولى وأشمل
(وَصَارَت) أَي الْأمة الَّتِي ملكهَا (أم ولد) بِمَا وَلدته مِنْهُ (بِالْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ) المقرونة بظنه (على أحد الْقَوْلَيْنِ) وَهُوَ الْمَرْجُوح لِأَنَّهَا علقت مِنْهُ بَحر والعلوق بِالْحرِّ سَبَب للحرية بِالْمَوْتِ
وَالْقَوْل الثَّانِي وَهُوَ الْأَظْهر كَمَا فِي الْمِنْهَاج وَغَيره لَا تصير أم ولد لِأَنَّهَا علقت بِهِ فِي غير ملكه فَأشبه مَا لَو علقت بِهِ فِي النِّكَاح
تَنْبِيه مَحل الْخلاف فِي الْحر أما إِذا وطىء العَبْد جَارِيَة غَيره بِشُبْهَة ثمَّ عتق ثمَّ ملكهَا فَإِنَّهَا لَا تصير أم ولد بِلَا خلاف لِأَنَّهُ لم ينْفَصل من حر
خَاتِمَة لَو أولد السَّيِّد أمة مُكَاتبَة ثَبت فِيهَا الِاسْتِيلَاد وَلَو أولد الْأَب الْحر أمة ابْنه الَّتِي لم يستولدها ثَبت فِيهَا الِاسْتِيلَاد وَإِن كَانَ الْأَب مُعسرا أَو كَافِرًا وَإِنَّمَا لم يخْتَلف الحكم هُنَا باليسار والإعسار كَمَا فِي الْأمة الْمُشْتَركَة لِأَن الإيلاد هُنَا إِنَّمَا ثَبت لحُرْمَة الْأُبُوَّة وشبهة الْملك وَهَذَا الْمَعْنى لَا يخْتَلف بذلك وَلَو أولد الشَّرِيك الْأمة الْمُشْتَركَة فَإِن كَانَ مُعسرا ثَبت الِاسْتِيلَاد فِي نصِيبه خَاصَّة وَإِن كَانَ مُوسِرًا بِحِصَّة شَرِيكه ثَبت الِاسْتِيلَاد فِي جَمِيعهَا كَمَا مرت الْإِشَارَة إِلَيْهِ وَكَذَا الْأمة الْمُشْتَركَة بَين فرع الواطىء وأجنبي إِذا كَانَ الأَصْل مُوسِرًا وَلَو أولد الْأَب الْحر مُكَاتبَة وَلَده هَل ينفذ استيلاده لِأَن الْكِتَابَة تقبل الْفَسْخ أَو لَا لِأَن الْكِتَابَة لَا تقبل النَّقْل
وَجْهَان أوجههمَا كَمَا جزم بِهِ الْقفال الأول وَلَو أولد أمة وَلَده الْمُزَوجَة نفذ إيلاده كإيلاد السَّيِّد لَهَا وَحرمت على الزَّوْج مُدَّة الْحمل
وَجَارِيَة بَيت المَال كجارية الْأَجْنَبِيّ فَيحد واطئها وَإِن أولدها فَلَا نسب وَلَا استيلاد وَإِن ملكهَا بعد سَوَاء أَكَانَ فَقِيرا أم لَا لِأَن الإعفاف لَا يجب فِي بَيت المَال
وَلَو شهد اثْنَان على إِقْرَار سيد الْأمة بإيلادها وَحكم بِهِ ثمَّ رجعا عَن شَهَادَتهمَا لم يغرما شَيْئا لِأَن الْملك بَاقٍ فِيهَا وَلم يفوتا إِلَّا سلطنة البيع وَلَا قيمَة لَهَا بانفرادها وَلَيْسَ كإباق العَبْد من يَد غاصبه فَإِنَّهُ فِي عُهْدَة ضَمَان يَده حَتَّى يعود إِلَى مُسْتَحقّه فَإِن مَاتَ السَّيِّد غرما للْوَارِث لِأَن هَذِه الشَّهَادَة لَا تنحط عَن الشَّهَادَة بتعليق الْعتْق وَلَو شَهدا بتعليقه فَوجدت الصّفة وَحكم بِعِتْقِهِ ثمَّ رجعا غرما وَحكى الرَّافِعِيّ قبيل الصَدَاق عَن فَتَاوَى الْبَغَوِيّ وَأقرهُ أَن الزَّوْج إِذا كَانَ يظنّ أَن أم الْوَلَد

(2/661)


حرَّة فَالْوَلَد حر وَعَلِيهِ قِيمَته للسَّيِّد وَلَو عجز السَّيِّد عَن نَفَقَة أم الْوَلَد أجبر على تخليتها لتكتسب وتنفق على نَفسهَا أَو على إيجارها وَلَا يجْبر على عتقهَا وتزويجها
كَمَا لَا يرفع ملك الْيَمين بِالْعَجزِ عَن الِاسْتِمْتَاع فَإِن عجزت عَن الْكسْب فنفقتها فِي بَيت المَال وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم
قَالَ المُصَنّف رَحمَه الله تَعَالَى هَذَا آخر مَا يسره الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى من الْإِقْنَاع فِي حل أَلْفَاظ أبي شُجَاع فدونك مؤلفا موضح الْمسَائِل مُحَرر الدَّلَائِل فَلَو كَانَ لَهُ نفس ناطقة ولسان منطلقة لقَالَ بمقال صَرِيح وَكَلَام فصيح لله در مؤلف هَذَا التَّأْلِيف الرَّائِق النفيس وَلَا شلت يدا مُصَنف هَذَا التصنيف الْفَائِق النفيس وَهَذَا الْمُؤلف لَا بُد أَن يَقع لأحد رجلَيْنِ إِمَّا عَالم محب منصف فَيشْهد لي بِالْخَيرِ ويعذرني فِيمَا عَسى يجده من العثار الَّذِي هُوَ لَازم الْإِكْثَار
وَإِمَّا جَاهِل مبغض متعسف فَلَا اعْتِبَار بوعوعته وَلَا اعْتِدَاد بوسوسته وَمثله لَا يعبأ بموافقته وَلَا مُخَالفَته وَإِنَّمَا الِاعْتِبَار بِذِي النّظر الَّذِي يُعْطي كل ذِي حق حَقه
إِذا رضيت عني كرام عشيرتي فَلَا زَالَ غضبانا عَليّ لثامها فَإِن ظَفرت بفائدة شاردة فَادع لي بِحسن الخاتمة وَإِن ظَفرت بعثرة قلم فَادع لي بالتجاوز وَالْمَغْفِرَة والعذر عِنْد خِيَار النَّاس مَقْبُول واللطف من شيم السادات مأمول

(2/662)


وَأَنا أسأَل الله تَعَالَى أَن يَجعله لوجهه خَالِصا وَأَن يَنْفَعنِي بِهِ حِين يكون الظل فِي الْآخِرَة قالصا وَأَن يصب عَلَيْهِ قبُول الْقبُول فَإِنَّهُ أكْرم مسؤول وأعز مأمول ونختم هَذَا الشَّرْح بِمَا ختم بِهِ الرَّافِعِيّ كِتَابه الْمُحَرر بقوله اللَّهُمَّ كَمَا ختمنا بِالْعِتْقِ كتَابنَا نرجو أَن تعْتق من النَّار رقابنا وَأَن تجْعَل إِلَى الْجنَّة مآبنا وَأَن تسهل عِنْد سُؤال الْملكَيْنِ جَوَابنَا وَإِلَى رضوانك إيابنا اللَّهُمَّ بِفَضْلِك حقق رجاءنا وَلَا تخيب دعاءنا بِرَحْمَتك يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ
انْتهى
وَصلى الله وعَلى سيدنَا مُحَمَّد وعَلى آله وَأَصْحَابه وأزواجه وَذريته وَأهل بَيته صَلَاة وَسلَامًا وائمين متلازمين وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا إِلَى يَوْم الدّين
رَبنَا تقبل منا إِنَّك أَنْت السَّمِيع الْعَلِيم وَتب علينا إِنَّك أَنْت التواب الرَّحِيم وَاخْتِمْ لنا بِخَير أَجْمَعِينَ رَبنَا اغْفِر لنا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذين سبقُونَا بِالْإِيمَان وَلَا تجْعَل فِي قُلُوبنَا غلا للَّذين آمنُوا رَبنَا إِنَّك رؤوف رَحِيم وصل اللَّهُمَّ على سيدن مُحَمَّد وعَلى آله وَصَحبه وَسلم

(2/663)