البيان في مذهب الإمام الشافعي

 [المقدمة]                 
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
[مقدمة المؤلف] :
الحمد لله الذي أوجدنا بقدرته، وأرشدنا بخلقه إلى معرفته، وتعبدنا بما شاء من عبادته، وصلواته على محمد المصطفى نبيه خير بريته، وعلى أهله وذريته وصحابته.
أما بعد: فلما كان مذهب الشافعي رحمة الله عليه اعتقادي، وفي " المهذب " درسي، وعليه اعتمادي، ثم طالعت في غيره من مصنفات أئمتنا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مسائل غير مذكورة فيه، يصعب علي استخراجها وانتزاعها من معانيه، فأشار علي بعض شيوخي رحمة الله عليهم بمطالعة الشروح وجمعها، والتقاط هذه المسائل ونزعها، لأستعين بمطالعته مع " المهذب "، على المسائل المنصوص عليها في المذهب.. فجمعت كتابًا قبل هذا، سلكت فيه هذا السبيل، لكني أغفلت البروز فيه وأقوال المخالفين، خشية التطويل، ثم نظرت، فإذا لي حاجة إلى ذكر ما أغفلته، واستيفاء ما تركته وأهملته، فجمعت هذا الكتاب مشتملًا من ذلك على ما قصدته، وعلى ترتيب " المهذب " رتبته، والله أسأل العون على ما أردته، والتوفيق في ما نويته، وهو حسبي ونعم الوكيل، ونعم المولى ونعم النصير.

(1/3)


ذكر نسب الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا ينبغي لمن انتحل مذهب إمام أن يجهل نسبه.
وهو محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن الشافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف جد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف. وكان لعبد مناف خمسة أولاد: هاشم بن عبد مناف جد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والمطلب بن عبد مناف جد الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعبد شمس بن عبد مناف جد بني أمية، وعثمان بن عفان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - منهم، ونوفل بن عبد مناف جد بني نوفل، وجبير بن مطعم منهم، وأبو عمرو بن عبد مناف ولا عقب له.
وكان المطلب جد الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - كفل عبد المطلب بن هاشم جد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لأنه ولد بالمدينة، ومات أبوه، فمضى له المطلب، وقدم به مكة وهو رديفه، وعليه ثياب رثة، فإذا سئل عنه.. استحيا أن يقول: إنه ابن أخي، فكان يقول: عبد لي، فلما وصل منزله.. ألبسه ثم أخرجه، وقال: هذا ابن أخي، فسمي بذلك: عبد المطلب، وكان اسمه المطلب، وكان يسمى شيبة الحمد؛ لأنه ولد وفي رأسه شعرة بيضاء، وقيل: إن شافعا لقي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو مراهق للبلوغ.
وأما مولد الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: فإنه ولد بـ (غزة) - قرية من قرى الشام - سنه خمسين ومائة، فمكث بها سنتين، ثم حمل إلى مكة، فنشأ بها، وتعلم بها القرآن،

(1/4)


على سفيان بن عيينة، وغيره، ثم خرج إلى المدينة، فقرأ على مالك بن أنس " الموطأ " وحفظه، ثم دخل بغداد، وأقام به سنين، وصنف بها كتبه القديمة، ثم عاد إلى مكة، وأقام بها سنة تسع وسبعين، ثم عاد إلى بغداد، وأقام بها أشهرًا، ولم يصنف بها شيئًا، ثم خرج إلى مصر، فصنف بها كتبه الجديدة، وأقام بها إلى أن مات بها ودفن هنالك، وكان موته ليلة الجمعة، وقد صلى العشاء الآخرة آخر ليلة من شهر رجب، ودفن في يوم الجمعة. رحمة الله عليه.
قال الربيع: انصرفنا من دفن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فرأينا هلال شعبان، وكان ذلك في سنة أربعة ومائتين، وكان عمره أربعًا وخمسين سنة.
وأصحابه البغداديون: الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني، والحسين الكرابيسي، وأبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبي، وأحمد بن حنبل، وهم الذين يروون عنه الكتب القديمة.
وأما أصحابه المصريون الذين يروون عنه الكتب الجديدة: فإسماعيل بن يحيى المزني، والربيع بن سليمان المرادي، والربيع بن سليمان الجيزي، ويوسف بن يحيى البويطي، وحرملة بن يحيى التجيبي، ويونس بن عبد الأعلى.
وإنما اخترنا مذهبه؛ لموافقته الكتاب والسنة والقياس. وأمرنا المتعلم أن

(1/5)


يتعلم مذهبه؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الأئمة من قريش» ، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تعلموا من قريش ولا تعلموها» ، وروي: «ولا تعالموها، فإن عالمها يملأ الأرض علمًا» ، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الناس في هذا الشأن تبع لقريش، فمسلمهم تبع لمسلمهم، وكافرهم تبع لكافرهم» .
وليس في الأئمة المشهورين قرشي غير الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فكان اتباعه أولى من اتباع غيره.
وأما تخريج الأئمة المسألة على قولين وأكثر، فعلى معنى: أن كل قول سوى ذلك باطل، وليس على سبيل الجمع، ولا على سبيل التخيير، وقد يقوم للمجتهد الدليل على إبطال كل قول سوى قولين، فلم يظهر له الدليل في تقديم أحدهما على الآخر، فيخرجهما على قولين، وهذا كما فعل عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حيث قال: (الخلافة بعدى في هؤلاء الستة) ؛ ليدل على أن الخلافة ليست في غيرهم.
وقد قيل: إن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لم يمت حتى بين الصحيح من أقواله إلا في ست عشرة مسألة، أو سبع عشرة مسألة.

(1/6)