المجموع شرح المهذب ط دار الفكر

* (باب ستر العورة)
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (ستر العورة واجب لقوله تعالى (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها اباءنا) قال ابن عباس كانوا يطوفون بالبيت عراة فهى فاحشة وروى عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال " لا تبرز فخذك ولا تنظر الي فخذ حي ولا ميت " فان اضطر الي الكشف للمداواة أو لختان
جاز ذلك لانه موضع ضرورة وهل يجب سترها في حال الخلوة فيه وجهان اصحهما يجب لحديث علي رضى الله عنه والثاني لا يجب لان المنع من الكشف للنظر وليس في الخلوة من ينظر فلم يجب الستر)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* هَذَا التَّفْسِيرُ مَشْهُورٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضى الله عنهما ووافقه في غَيْرُهُ وَحَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ فِي كِتَابِ الْجِنَازَةِ ثُمَّ فِي كِتَابِ الْحَمَّامِ وَقَالَ هَذَا الْحَدِيثُ فيه نكارة ويعنى عَنْهُ حَدِيثُ جَرْهَدٍ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالْهَاءِ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ " غَطِّ فَخِذَكَ فَإِنَّ الْفَخِذَ مِنْ الْعَوْرَةِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي كِتَابِ الْحَمَّامِ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الِاسْتِئْذَانِ مِنْ ثَلَاثَةِ طُرُقٍ وَقَالَ فِي كُلِّ طَرِيقٍ مِنْهَا هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَالَ فِي بَعْضِهَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَمَا أَرَى إسْنَادَهُ بِمُتَّصِلٍ وَعَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " أَقْبَلْتُ بِحَجَرٍ ثَقِيلٍ أَحْمِلُهُ وَعَلَيَّ إزَارٌ خَفِيفٌ فَانْحَلَّ إزَارِي ومعي الحجر لم استطع أضعه حى بَلَغْتُ بِهِ إلَى مَوْضِعِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ارْجِعْ إلَى ثَوْبِكَ فخذه ولا تمثبوا عُرَاةً " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قلت يا رسول الله عوراتنا ما نأتي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ قَالَ " احْفَظْ عَوْرَتَكَ إلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إذَا كَانَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ قَالَ إنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَيَنَّهَا أَحَدٌ فَلَا تَرَيَنَّهَا أَحَدًا قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِيًا قَالَ اللَّهُ أَحَقُّ أن يستحى مِنْهُ مِنْ النَّاسِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ سُمِّيَتْ الْعَوْرَةَ لِقُبْحِ ظُهُورِهَا وَلِغَضِّ الْأَبْصَارِ عَنْهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْعَوَرِ وَهُوَ النَّقْصُ وَالْعَيْبُ وَالْقُبْحُ وَمِنْهُ عَوَرُ الْعَيْنِ وَالْكَلِمَةُ الْعَوْرَاءُ القبيحة
*

(3/165)


أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَسَتْرُ الْعَوْرَةِ عَنْ الْعُيُونِ وَاجِبٌ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا سَبَقَ مَنْ الْأَدِلَّةِ وَأَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ وُجُوبُهُ فِي الْخَلْوَةِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ حَدِيثِ بَهْزٍ وَغَيْرِهِ وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى تَصْحِيحِهِ المصنف والبندنيجى فان احتاج إلى الشكف جَازَ أَنْ يَكْشِفَ قَدْرَ الْحَاجَةِ فَقَطْ هَكَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَإِنْ اُضْطُرَّ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَاجَةِ لَا عَلَى حَقِيقَةِ الضَّرُورَةِ وَلَوْ قَالَ احْتَاجَ كَمَا قَالَ الْأَصْحَابُ لَكَانَ
أَصْوَبَ لِئَلَّا يُوهَمَ اشْتِرَاطُ الضَّرُورَةِ فَمِنْ الْحَاجَةِ حَالَةُ الِاغْتِسَالِ يَجُوزُ فِي الْخَلْوَةِ عَارِيًّا وَالْأَفْضَلُ التَّسَتُّرُ بِمِئْزَرٍ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا وَاضِحًا فِي بَابِ صفة الغسل والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (يَجِبُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ لِلصَّلَاةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صلاة حائض إلا بخمار " فان انكشف شئ من العورة مع القدرة لم تصح صلاته)
*
* (الشَّرْحُ)
* هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَالْمُرَادُ بِالْحَائِضِ الَّتِي بَلَغَتْ سُمِّيَتْ حَائِضًا لِأَنَّهَا بَلَغَتْ سِنَّ الْحَيْضِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي الْعِبَارَةِ عَنْهَا وَيَقَعُ فِي كَثِيرٍ مِنْ كُتُبِ شُرُوحِ الْحَدِيثِ وَكُتُبِ الْفِقْهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَائِضِ الَّتِي بَلَغَتْ سِنَّ الْمَحِيضِ وَهَذَا تَسَاهُلٌ لِأَنَّهَا قَدْ تَبْلُغُ سِنَّ الْمَحِيضِ وَلَا تَبْلُغُ الْبُلُوغَ الشَّرْعِيَّ ثُمَّ إنَّ التَّقْيِيدَ بِالْحَائِضِ خَرَجَ عَلَى الْغَالِبِ وهو أن التى دون البلوغ لا ثصلى والا فلا يقبل صَلَاةُ الصَّبِيَّةِ الْمُمَيِّزَةِ إلَّا بِخِمَارٍ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَدِيثَ مَخْصُوصٌ بِالْحُرَّةِ وَإِلَّا فَالْأَمَةُ تَصِحُّ صَلَاتُهَا مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَسَتْرُ الْعَوْرَةِ شرط لصحة الصلاة فان انكشف شئ مِنْ عَوْرَةِ الْمُصَلِّي لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ سَوَاءٌ أكثر المنكشف أم قَلَّ وَكَانَ أَدْنَى جُزْءٍ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَسَوَاءٌ الْمُصَلِّي فِي حَضْرَةِ النَّاسِ وَالْمُصَلِّي فِي الْخَلْوَةِ وَسَوَاءٌ صَلَاةُ النَّفْلِ وَالْفَرْضِ وَالْجِنَازَةِ وَالطَّوَافِ وَسُجُودُ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ وَلَوْ صَلَّى فِي سُتْرَةٍ ثُمَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ فِيهَا خَرْقٌ تَبِينُ مِنْهُ الْعَوْرَةُ وَجَبَتْ إعَادَةُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَذْهَبِ سَوَاءٌ كَانَ عَلِمَهُ ثُمَّ نَسِيَهُ أَمْ لَمْ يَكُنْ عَلِمَهُ وَفِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِيمَنْ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ جَهِلَهَا أَوْ نَسِيَهَا فَإِنْ احْتَمَلَ حُدُوثَ الْخَرْقِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا سَبَقَ فِي نَظِيرِهِ مِنْ النَّجَاسَةِ فِي آخِرِ بَابِ طَهَارَةِ الْبَدَنِ
*

(3/166)


(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ فِي الصَّلَاةِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ شَرْطٌ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ دَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ ظَهَرَ رُبُعُ الْعُضْوِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ زَادَ لَمْ تَصِحَّ وَإِنْ ظَهَرَ مِنْ السَّوْأَتَيْنِ قَدْرُ دِرْهَمٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَمْ تَبْطُلْ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ ظَهَرَ نِصْفُ الْعُضْوِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ
وَإِنْ زَادَ لَمْ تَصِحَّ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ سَتْرُ الْعَوْرَةِ وَاجِبٌ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ فَإِنْ صَلَّى مَكْشُوفَهَا صَحَّتْ صَلَاتُهُ سَوَاءٌ تَعَمَّدَ أَوْ سَهَا وَقَالَ أَكْثَرُ الْمَالِكِيَّةِ السُّتْرَةُ شَرْطٌ مَعَ الذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ عَلَيْهَا فَإِنْ عَجَزَ أَوْ نَسِيَ السَّتْرَ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ وَقَالَ أَحْمَدُ إنْ ظَهَرَ شئ يَسِيرٌ صَحَّتْ صَلَاتُهُ سَوَاءٌ الْعَوْرَةُ الْمُخَفَّفَةُ وَالْمُغَلَّظَةُ: دليلنا أنه ثبت وجوب التسر بِحَدِيثِ عَائِشَةَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ بِالِاتِّفَاقِ وَإِذَا ثَبَتَ السَّتْرُ اقْتَضَى جَمِيعَ الْعَوْرَةِ فَلَا يُقْبَلُ تَخْصِيصُ الْبَعْضِ إلَّا بِدَلِيلٍ ظَاهِرٍ
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (وَعَوْرَةُ الرَّجُلِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ وَالسُّرَّةُ والركبة ليسا مِنْ الْعَوْرَةِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ هُمَا مِنْ الْعَوْرَةِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " عَوْرَةُ الرَّجُلِ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتِهِ " وَأَمَّا الْحُرَّةُ فَجَمِيعُ بَدَنِهَا عَوْرَةٌ إلَّا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ منها) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " نَهَى الْمَرْأَةَ الْحَرَامَ عَنْ لُبْسِ الْقُفَّازَيْنِ وَالنِّقَابِ " وَلَوْ كَانَ الْوَجْهُ وَالْكَفُّ عَوْرَةً لَمَا حَرَّمَ سَتْرَهُمَا وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى إبْرَازِ الْوَجْهِ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَإِلَى إبراز الكلف لِلْأَخْذِ وَالْعَطَاءِ فَلَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ عَوْرَةً وَأَمَّا الامة ففيها وجهان أحدهما أن جيمع بَدَنِهَا عَوْرَةٌ إلَّا مَوَاضِعَ التَّقْلِيبِ وَهِيَ الرَّأْسُ وَالذِّرَاعُ لِأَنَّ ذَلِكَ تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى كَشْفِهِ وَمَا سِوَاهُ لَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى كَشْفِهِ وَالثَّانِي وَهُوَ الْمَذْهَبُ أَنَّ عَوْرَتَهَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ عَلَى الْمِنْبَرِ " أَلَا لَا أَعْرِفَنَّ أَحَدًا أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ جَارِيَةً فَيَنْظُرَ إلَى مَا فَوْقَ الرُّكْبَةِ أَوْ دُونَ السُّرَّةِ لَا يَفْعَلُ

(3/167)


ذَلِكَ أَحَدٌ إلَّا عَاقَبْتُهُ " وَلِأَنَّ مَنْ لَا يَكُونُ رَأْسُهُ عَوْرَةً لَا يَكُونُ صَدْرُهُ عَوْرَةً كالرجل)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* هَذَا التَّفْسِيرُ الْمَذْكُورُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَقِيلَ فِي الْآيَةِ غَيْرُ هَذَا وَأَمَّا حَدِيثُ نَهْيِ الْمُحْرِمَةِ عَنْ لُبْسِ الْقُفَّازَيْنِ فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " وَلَا تَنْتَقِبُ الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ وَلَا تَلْبِسُ الْقُفَّازَيْنِ "
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ الله عنه (1) أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَفِي عَوْرَةِ الرَّجُلِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ أَنَّهَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ والركبة وليست السرة والكربة مِنْ الْعَوْرَةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّ عَوْرَةَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ مَا بين سرته وركبته وأن السرة والركبة ليسا عَوْرَةً فِي الْأُمِّ وَالْإِمْلَاءِ: وَالثَّانِي أَنَّهُمَا عَوْرَةٌ وَالثَّالِثُ السُّرَّةُ عَوْرَةٌ دُونَ الرُّكْبَةِ وَالرَّابِعُ عَكْسُهُ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَالْخَامِسُ أَنَّ الْعَوْرَةَ هِيَ الْقُبُلُ وَالدُّبُرُ فَقَطْ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ وَهُوَ شَاذٌّ مُنْكَرٌ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الْحُرُّ وَالْعَبْدُ وَالصَّبِيُّ وَأَمَّا عَوْرَةُ الْحُرَّةِ فَجَمِيعُ بَدَنِهَا إلَّا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ إلَى الْكُوعَيْنِ وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ قَوْلًا وَبَعْضُهُمْ يَحْكِيهِ وَجْهًا أَنَّ بَاطِنَ قَدَمَيْهَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ وَقَالَ الْمُزَنِيّ الْقَدَمَانِ لَيْسَا بِعَوْرَةٍ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَأَمَّا الْأَمَةُ فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ عَوْرَتُهَا كَعَوْرَةِ الرَّجُلِ فَتَجْرِي فِيهَا الْأَوْجُهُ الْأَرْبَعَةُ الْأُولَى دُونَ الْخَامِسِ وَالثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ كَعَوْرَةِ الحرة الا رأسها فليس بِعَوْرَةٍ وَمَا عَدَاهُ عَوْرَةٌ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الْخِلَافِ الْأَمَةُ الْقِنَّةُ وَالْمُعَلَّقُ عَتْقُهَا عَلَى صِفَةٍ وَالْمُدَبَّرَةُ وَالْمُكَاتَبَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَمَنْ بَعْضُهَا حُرٌّ ولا خلاف في شئ مِنْهُنَّ عِنْدَنَا إلَّا الَّتِي بَعْضُهَا حُرٌّ فَفِيهَا وَجْهَانِ فِي الْحَاوِي أَحَدُهُمَا هَذَا وَالثَّانِي أَنَّهَا كَالْحُرَّةِ وَصَحَّحَهُ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِتَغْلِيبِ الِاحْتِيَاطِ قَالَ وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِي عَوْرَتِهَا فِي نَظَرِ سَيِّدِهَا والاجانب إليها أحدها انها كالحرة في
__________
(1) بياص الاصل اه

(3/168)


حَقِّ السَّيِّدِ وَغَيْرِهِ وَالثَّانِي كَأَمَةِ الْأَجْنَبِيِّ وَاَلَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهَا كَالْأَمَةِ الْقِنَّةِ فِي الصَّلَاةِ وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهَا بَعْدَ وَضْعِ الْوَلَدِ كَالْحُرَّةِ وَأَمَّا الْخُنْثَى فَإِنْ كَانَ رَقِيقًا وَقُلْنَا عَوْرَةُ الْأَمَةِ كَالرَّجُلِ فَهُوَ كَالرَّجُلِ وَإِنْ كَانَ حُرًّا أَوْ رَقِيقًا وَقُلْنَا عَوْرَةُ الْأَمَةِ أَكْثَرُ مِنْ عَوْرَةِ الرَّجُلِ وَجَبَ سَتْرُ الزِّيَادَةِ عَلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ أَيْضًا لِاحْتِمَالِ الْأُنُوثَةِ فَلَوْ خَالَفَ فَاقْتَصَرَ عَلَى سَتْرِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ والركبة ففى صحة صلاة وَجْهَانِ أَفْقَهُهُمَا لَا تَصِحُّ لِأَنَّ السَّتْرَ شَرْطٌ وَشَكَكْنَا فِي حُصُولِهِ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ فِي فَصْلِ أَحْكَامِ الْخُنْثَى أَنَّ صَاحِبَ التَّهْذِيبِ وَالْقَاضِيَ أَبَا الْفُتُوحِ وَكَثِيرِينَ قَطَعُوا بِأَنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ لِلشَّكِّ فِيهَا
*
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْعَوْرَةِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّ عَوْرَةَ الرَّجُلِ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ وَعَوْرَةَ الْحُرَّةِ جَمِيعُ بَدَنِهَا إلَّا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ وَبِهَذَا كُلِّهِ قَالَ مَالِكٌ وَطَائِفَةٌ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ عَوْرَةُ الرَّجُلِ مِنْ رُكْبَتِهِ إلَى سُرَّتِهِ وَلَيْسَتْ السُّرَّةُ عَوْرَةً وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَقَالَ دَاوُد وَمُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ وَحَكَاهُ فِي التَّتِمَّةِ عَنْ عَطَاءَ عَوْرَتُهُ الْفَرْجَانِ فَقَطْ وَمِمَّنْ قَالَ عَوْرَةُ الْحُرَّةِ جَمِيعُ بَدَنِهَا إلَّا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَالْمُزَنِيُّ قَدَمَاهَا أَيْضًا ليسصا بِعَوْرَةٍ وَقَالَ أَحْمَدُ جَمِيعُ بَدَنِهَا إلَّا وَجْهَهَا فَقَطْ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُتَوَلِّي عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّابِعِيِّ أَنَّ جَمِيعَ بَدَنِهَا عَوْرَةٌ وَمِمَّنْ قَالَ عَوْرَةُ الْأَمَةِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهَا إذَا زُوِّجَتْ أَوْ تَسَرَّاهَا سَيِّدُهَا لَزِمَهَا سَتْرُ رَأْسِهَا وَلَمْ يُوَافِقْهُ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَحَكَى الْمُتَوَلِّي عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ يَلْزَمُهَا سَتْرُ الرَّأْسِ فِي الصَّلَاةِ
* دَلِيلُنَا مَا سَبَقَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ آخِذًا بِطَرَفِ ثَوْبِهِ حَتَّى أَبْدَى عَنْ رُكْبَتِهِ فقال

(3/169)


النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا صَاحِبُكُمْ فَقَدْ غَامَرَ فَسَلِمَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ قَاعِدًا فِي مَكَان فِيهِ مَاءٌ قَدْ انْكَشَفَ عَنْ رُكْبَتِهِ أَوْ رُكْبَتَيْهِ فَلَمَّا دَخَلَ عُثْمَانُ غَطَّاهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِلَفْظِهِ وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ الْأَحَادِيثِ فِي أَنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُضْطَجِعًا فِي بَيْتِهَا كَاشِفًا عن فخذيه أو ساقيا فَاسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ فَتَحَدَّثَ ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُثْمَانُ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ " فَهَذَا لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى أَنَّ الْفَخِذَ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ لِأَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِي الْمَكْشُوفِ قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ صَحَّ الْجَزْمُ بِكَشْفِ الْفَخِذِ تَأَوَّلْنَاهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ كَشْفُ بَعْضِ ثِيَابِهِ لَا كُلِّهَا قَالُوا وَلِأَنَّهَا قَضِيَّةُ عَيْنٍ فَلَا عُمُومَ لَهَا وَلَا حُجَّةَ فِيهَا.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " غزى خَيْبَرَ فَأَجْرَى نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زُقَاقِ خَيْبَرَ ثُمَّ حَسَرَ الْإِزَارَ عن فخذه حتي أنى لانظر إلى بَيَاضَ فَخِذِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ انْكَشَفَ الْإِزَارُ وَانْحَسَرَ
بِنَفْسِهِ لَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَمَّدَ كَشْفَهُ بَلْ انْكَشَفَ لِإِجْرَاءِ الْفَرَسِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ ثبت في رواية في الصحيحن فانحصر الْإِزَارُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ رَأْسَ الْأَمَةِ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ مُزَوَّجَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا إلَّا رِوَايَةً عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ الْأَمَةَ الْمُزَوَّجَةَ الَّتِي أَسْكَنَهَا الزوج منزله كالحرة والله اعلم * قال المصنف رحمه الله
*
* (وَيَجِبُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ بِمَا لَا يَصِفُ لَوْنَ الْبَشَرَةِ مِنْ ثَوْبٍ صَفِيقٍ أَوْ جِلْدٍ أَوْ وَرَقٍ فَإِنْ سَتَرَ بِمَا يَظْهَرُ مِنْهُ لَوْنُ الْبَشَرَةِ مِنْ ثَوْبٍ رَقِيقٍ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الستر لا يحصل بذلك)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* قَالَ أَصْحَابُنَا يَجِبُ السَّتْرُ بِمَا يَحُولُ بَيْنَ النَّاظِرِ وَلَوْنِ الْبَشَرَةِ فَلَا يَكْفِي ثَوْبٌ رَقِيقٌ يُشَاهَدُ مِنْ وَرَائِهِ سَوَادُ الْبَشَرَةِ أَوْ بَيَاضُهَا وَلَا يَكْفِي أَيْضًا الْغَلِيظُ الْمُهَلْهَلُ النَّسْجِ الذى يظهر بعض الْعَوْرَةَ مِنْ خَلَلِهِ فَلَوْ سَتَرَ اللَّوْنَ وَوَصَفَ حَجْمَ الْبَشَرَةِ كَالرُّكْبَةِ وَالْأَلْيَةِ وَنَحْوِهِمَا صَحَّتْ الصَّلَاةُ فِيهِ لِوُجُودِ السَّتْرِ وَحَكَى الدَّارِمِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إذَا وَصَفَ الْحَجْمَ وَهُوَ غَلَطٌ ظَاهِرٌ

(3/170)


وَيَكْفِي السَّتْرُ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِ الثِّيَابِ وَالْجُلُودِ وَالْوَرَقِ وَالْحَشِيشِ الْمَنْسُوجِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَسْتُرُ لَوْنَ الْبَشَرَةِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَلَوْ سَتَرَ بعض عورته بشئ مِنْ زُجَاجٍ بِحَيْثُ تُرَى الْبَشَرَةُ مِنْهُ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ وَقَفَ فِي مَاءٍ صَافٍ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ إلَّا إذَا غَلَبَتْ الْخُضْرَةُ لِتَرَاكُمِ الْمَاءِ فَإِنْ انْغَمَسَ إلَى عُنُقِهِ وَمَنَعَتْ الْخُضْرَةُ رُؤْيَةَ لَوْنِ الْبَشَرَةِ أَوْ وَقَفَ فِي مَاءٍ كَدِرٍ صَحَّتْ عَلَى الْأَصَحِّ وَصُورَةُ الصَّلَاةِ فِي الْمَاءِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى جِنَازَةٍ وَلَوْ طَيَّنَ عَوْرَتَهُ فَاسْتَتَرَ اللَّوْنُ أَجْزَأَهُ عَلَى الصَّحِيحِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ سَوَاءٌ وَجَدَ ثَوْبًا أَمْ لَا وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَهُوَ شَاذٌّ مَرْدُودٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُشْتَرَطُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ مِنْ أَعْلَى وَمِنْ الْجَوَانِبِ وَلَا يُشْتَرَطُ مِنْ أَسْفَلِ الذَّيْلِ وَالْإِزَارِ حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ مُتَّسِعُ الذَّيْلِ فَصَلَّى عَلَى طَرَفِ سَطْحٍ وَرَأَى عَوْرَتَهُ مَنْ يَنْظُرُ إلَيْهِ مِنْ أَسْفَلَ صَحَّتْ صَلَاتُهُ كَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ كُلُّهُمْ إلَّا إمَامَ الْحَرَمَيْنِ وَالشَّاشِيَّ فَحَكَيَا مَا ذَكَرْنَا وَتَوَقَّفَا فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ فِي مَسْأَلَةِ السَّطْحِ وَرَأَيَا فَسَادَهَا وَسَنَبْسُطُ الْكَلَامَ فِي الْقَمِيصِ الْوَاسِعِ الْجَيْبِ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَيُشْتَرَطُ فِي السَّاتِرِ أَنْ يَشْمَلَ الْمَسْتُورَ إمَّا بِاللُّبْسِ كَالثَّوْبِ وَالْجِلْدِ وَنَحْوِهِمَا وَإِمَّا بِغَيْرِهِ
كَالتَّطَيُّنِ فَأَمَّا الْخَيْمَةُ الضَّيِّقَةُ ونحوها فإذا دخل إنسان وصلي مشكوف الْعَوْرَةِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ سُتْرَةً وَلَا يُسَمَّى مُسْتَتِرًا وَلَوْ وَقَفَ فِي جُبٍّ وَهُوَ الْخَابِيَةُ وَصَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فَإِنْ كَانَ وَاسِعَ الرَّأْسِ يَرَى هُوَ أَوْ غَيْرُهُ مِنْهُ العورة لم تصح صلاته وان كان صفيقة فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ أَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ تَصِحُّ صَلَاتُهُ كَثَوْبٍ وَاسِعِ الذَّيْلِ وَلَوْ حَفَرَ حُفَيْرَةً فِي الْأَرْضِ وَصَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ إنْ رَدَّ التُّرَابَ فَوَارَى عَوْرَتَهُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وإلا فكالجب ذكره المتولي وغيره
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (وَالْمُسْتَحَبُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُصَلِّيَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ خمار تغطي به الرأس والعنق ودرع يغطى به البدن والرجلين وملحفة ضيقة تَسْتُرُ الثِّيَابَ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ " تُصَلِّي الْمَرْأَةُ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ دِرْعٍ وَخِمَارٍ وَإِزَارٍ " وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا " تُصَلِّي في الدرع والخمار

(3/171)


والملحفة " والمستحب أن تكشف جلبابها حى لَا يَصِفَ أَعْضَاءَهَا وَتُجَافِيَ الْمِلْحَفَةَ عَنْهَا فِي الركوع والسجود حتى لا يصف ثيابها)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* هَذَا الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرَهُ نَصَّ عَلَيْهِ الشافعي واتفق عليه الاصحاب وقوله تكشف جلبابها هذا لفظ الشافعي رحمه الله وضبطاه فِي الْمُهَذَّبِ وَالتَّنْبِيهِ تُكَثِّفُ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي ضَبْطِهَا عَنْ الشَّافِعِيِّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ حَكَاهَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُمْ أَحَدُهَا تُكَثِّفُ كَمَا سَبَقَ ومعناه تتخذه كثيفا أي غليظا ضفيقا والثاني تكثف بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ قَالُوا وَأَرَادَ بِهَا تَعْقِدُ إزَارَهَا حَتَّى لَا يَنْحَلَّ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَتَبْدُو عَوْرَتُهَا وَالثَّالِثُ تَكْفِتُ بِفَاءٍ ثُمَّ تَاءٍ مُثَنَّاةٍ فَوْقُ أَيْ تَجْمَعُ إزَارَهَا عَلَيْهَا وَالْكَفْتُ الجمع وأما الجباب فَقَالَ فِي الْبَيَانِ هُوَ الْخِمَارُ وَالْإِزَارُ وَقَالَ الْخَلِيلُ هُوَ أَوْسَعُ مِنْ الْخِمَارِ وَأَلْطَفُ مِنْ الْإِزَارِ وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ هُوَ الْإِزَارُ وَقَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ قَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ هُوَ ثَوْبٌ أَقْصَرُ مِنْ الْخِمَارِ وَأَعْرَضُ مِنْ الْمِقْنَعَةِ تُغَطِّي بِهِ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا قَالَ وَقَالَ غَيْرُهُ هُوَ ثَوْبٌ وَاسِعٌ دُونَ الرِّدَاءِ تُغَطِّي بِهِ الْمَرْأَةُ ظَهْرَهَا وَصَدْرَهَا وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ هُوَ الْإِزَارُ وَقِيلَ هُوَ كَالْمُلَاءَةِ وَالْمِلْحَفَةِ وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ الْمُلَاءَةُ الَّتِي تَلْتَحِفُ بِهَا الْمَرْأَةُ فَوْقَ ثِيَابِهَا وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ مُرَادُ الشَّافِعِيِّ
رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ هُنَا وَهُوَ مُرَادُ الْمَحَامِلِيِّ وغيره وبقولهم هُوَ الْإِزَارُ وَلَيْسَ مُرَادُهُمْ الْإِزَارَ الْمَعْرُوفَ الَّذِي هُوَ الْمِئْزَرُ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَتُجَافِي الْمِلْحَفَةَ فِي الرُّكُوعِ لَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرْنَاهُ فَالْمِلْحَفَةُ هِيَ الْجِلْبَابُ وَهُمَا لَفْظَانِ مُتَرَادِفَانِ عَبَّرَ بِأَحَدِهِمَا فِي الْأَوَّلِ وَبِالْآخَرِ فِي الثَّانِي وَيُوَضِّحُ هَذَا أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَأُحِبُّ لَهَا أَنْ تَكْتِفَ جِلْبَابَهَا وَتُجَافِيَهُ رَاكِعَةً وَسَاجِدَةً لِئَلَّا تَصِفَهَا ثِيَابُهَا وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا سَأَلَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَتُصَلِّي الْمَرْأَةُ فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ لَيْسَ عَلَيْهِ إزَارٌ قَالَ إذَا كَانَ الدِّرْعُ سَابِغًا يُغَطِّي ظُهُورَ قَدَمَيْهَا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ لَكِنْ قَالَ رَوَاهُ أَكْثَرُ الرُّوَاةِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ مَوْقُوفًا عَلَيْهَا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ الْحَاكِمُ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَعَنْ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ جز ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إلَيْهِ يَوْمَ

(3/172)


الْقِيَامَةِ قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فَكَيْفَ تَصْنَعُ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ قَالَ يرخين شبرا فقالت إذا تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ قَالَ فَيُرْخِينَهُ ذِرَاعًا لَا يَزِدْنَ عَلَيْهِ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ صحيح
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (وَيُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي ثَوْبَيْنِ قَمِيصٍ وَرِدَاءٍ أَوْ قَمِيصٍ وَإِزَارٍ أَوْ قَمِيصٍ وَسَرَاوِيلَ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَلْبَسْ ثَوْبَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ أَحَقُّ مَنْ تَزَّيَّنُ لَهُ فَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ثَوْبَانِ فَلْيَتَّزِرْ إذَا صَلَّى وَلَا يَشْتَمِلْ اشتمال اليهود ")
*
*
* (الشَّرْحُ)
* هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ قَالَ قَالَ عُمَرُ " إذَا كَانَ لِأَحَدِكُمْ ثَوْبَانِ فَلْيُصَلِّ فِيهِمَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ فَلْيَتَّزِرْ بِهِ وَلَا يَشْتَمِلْ اشْتِمَالَ الْيَهُودِ " إسْنَادُهُ صَحِيحٌ قَالَ الْخَطَّابِيُّ اشْتِمَالُ الْيَهُودِ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ هُوَ أَنْ يُخَلِّلَ بَدَنَهُ بِالثَّوْبِ ويسبله من غير أن يرفع طرق قَالَ وَاشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ أَنْ يُخَلِّلَ بَدَنَهُ بِالثَّوْبِ ثُمَّ يَرْفَعَ طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ وَذَكَرَ الْبَغَوِيّ هَذَا عَنْ الْخَطَّابِيِّ قَالَ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ قَالَ وَفَسَّرَ الْأَصْمَعِيُّ الصَّمَّاءَ بِالْأَوَّلِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَّهُ نَهَى عَنْ الصَّمَّاءِ اشْتِمَالِ الْيَهُودِ " فَجَعَلَهُمَا شَيْئًا وَاحِدًا
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ فِي أَحْسَنِ ثِيَابِهِ الْمُتَيَسِّرَةِ لَهُ
وَيَتَقَمَّصَ وَيَتَعَمَّمَ فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى ثَوْبَيْنِ فَالْأَفْضَلُ قَمِيصٍ وَرِدَاءٍ أَوْ قَمِيصٍ وَإِزَارٍ أَوْ قَمِيصٍ وسراويل * قال المصنف رحمه الله
*
* (وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي ثَوْبٍ فَالْقَمِيصُ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَعَمُّ فِي السَّتْرِ وَلِأَنَّهُ يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ وَيَحْصُلُ عَلَى الْكَتِفِ فَإِنْ كَانَ الْقَمِيصُ وَاسِعَ الْفَتْحِ بِحَيْثُ إذَا نَظَرَ رَأَى الْعَوْرَةَ زَرَّهُ لِمَا رَوَى سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ

(3/173)


رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَصِيدُ أَفَنُصَلِّي فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ فَقَالَ نَعَمْ وَلْتَزُرَّهُ وَلَوْ بِشَوْكَةٍ " فَإِنْ لَمْ يَزُرَّهُ وَطَرَحَ عَلَى عُنُقِهِ شَيْئًا جَازَ لِأَنَّ التسر يَحْصُلُ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ الْقَمِيصُ ضَيِّقَ الْفَتْحِ جَازَ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ مَحْلُولَ الْإِزَارِ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ " رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مَحْلُولَ الْإِزَارِ " فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَمِيصٌ فَالرِّدَاءُ أَوْلَى لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْتُرَ بِهِ الْعَوْرَةَ وَيَبْقَى مِنْهُ مَا يَطْرَحُهُ عَلَى الْكَتِفِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْإِزَارُ أَوْلَى مِنْ السَّرَاوِيلِ لِأَنَّ الْإِزَارَ يَتَجَافَى عَنْهُ وَلَا يَصِفُ الْأَعْضَاءَ وَالسَّرَاوِيلُ يَصِفُ الْأَعْضَاءَ)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ وَغَيْرُهُمَا بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَلْتَزُرَّهُ " يَجُوزُ فِي هَذِهِ اللَّامِ الْإِسْكَانُ وَالْكَسْرُ وَالْفَتْحُ وَهُوَ أَضْعَفُهَا وَالرَّاءُ مَضْمُومَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ الْمُخْتَارِ وَجَوَّزَ ثَعْلَبٌ فِي الْفَصِيحِ كَسْرَهَا وَفَتْحَهَا أَيْضًا وَغَلَّطُوهُ فِيهِ وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَالْقَمِيصُ أَوْلَى ثُمَّ الرِّدَاءُ ثُمَّ الْإِزَارُ ثُمَّ السَّرَاوِيلُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ كَانَ الْقَمِيصُ وَاسِعَ الْفَتْحِ بِحَيْثُ تُرَى عَوْرَتُهُ فِي قِيَامِهِ أَوْ رُكُوعِهِ أَوْ سُجُودِهِ فَإِنْ زَرَّهُ أَوْ وَضَعَ عَلَى عُنُقِهِ شَيْئًا يَسْتُرُهُ أَوْ شَدَّ وَسَطَهُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ فَإِنْ تَرَكَهُ عَلَى حَالِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى هَذَا كُلِّهِ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ إلَّا أَنَّ الْبَنْدَنِيجِيَّ ذَكَرَ أَنَّ نَصَّ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْإِزَارَ أَفْضَلُ مِنْ السَّرَاوِيلِ كَمَا قدمناه عن الشافعي واذصحاب ثُمَّ قَالَ اخْتِيَارًا لِنَفْسِهِ إنَّ السَّرَاوِيلَ أَفْضَلُ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَلَوْ كَانَ الْجَيْبُ بِحَيْثُ تُرَى مِنْهُ الْعَوْرَةُ فِي رُكُوعِهِ وَلَا تَظْهَرُ فِي الْقِيَامِ فَهَلْ تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ ثُمَّ إذَا رَكَعَ تَبْطُلُ أَمْ لَا تَنْعَقِدُ أَصْلًا فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الِانْعِقَادُ وَفَائِدَتُهُمَا فِيمَا لَوْ اقْتَدَى بِهِ غَيْرُهُ
قَبْلَ الرُّكُوعِ وَفِيمَا لَوْ أَلْقَى ثَوْبًا عَلَى عُنُقِهِ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَلَوْ كَانَتْ لِحْيَتُهُ أَوْ شَعْرُ رَأْسِهِ يَسْتُرُ جَيْبَهُ وَيَمْنَعُ

(3/174)


رُؤْيَةَ الْعَوْرَةِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَى إزَارِهِ خَرْقٌ فَجَمَعَ عَلَيْهِ الثَّوْبَ بِيَدِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِلَا خِلَافٍ فَلَوْ سَتَرَ الْخَرْقَ بِيَدِهِ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ الْأَصَحُّ الصِّحَّةُ وَجَزَمَ صَاحِبُ الْحَاوِي بِالْبُطْلَانِ فِي مَسْأَلَةِ اللِّحْيَةِ وَنَحْوِهَا وَجَزَمَ بِهِ أَيْضًا فِي اللِّحْيَةِ وَالْيَدِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي بَابِ الْإِحْرَامِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْجَيْبُ ضَيِّقًا بِحَيْثُ لَا تُرَى الْعَوْرَةُ فِي حَالٍ مِنْ أَحْوَالِ صَلَاتِهِ فَتَصِحُّ صَلَاتُهُ سَوَاءٌ زَرَّهُ أَمْ لَا هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ تَصِحُّ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ الجبب وَاسِعًا تُرَى مِنْهُ عَوْرَتُهُ كَمَا لَوْ رَآهَا غيره من أسفل ذيله
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (فَإِنْ كَانَ الْإِزَارُ ضَيِّقًا اتَّزَرَ بِهِ وَإِنْ كَانَ وَاسِعًا الْتَحَفَ بِهِ وَيُخَالِفُ بَيْنَ طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ كَمَا يَفْعَلُ الْقِصَارُ فِي الْمَاءِ لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا صَلَّيْتَ وَعَلَيْكَ ثَوْبٌ وَاحِدٌ فَإِنْ كَانَ وَاسِعًا فَالْتَحِفْ بِهِ وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَاتَّزِرْ بِهِ " وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ أَبِي سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُلْتَحِفًا بِهِ مُخَالِفًا بَيْنَ طَرَفَيْهِ عَلَى مَنْكِبَيْهِ " فَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَاتَّزَرَ بِهِ أَوْ صَلَّى فِي سَرَاوِيلَ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَطْرَحَ عَلَى عَاتِقِهِ شَيْئًا لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبُ الْوَاحِدِ لَيْسَ علي عاتقه منه شئ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ ثَوْبًا يَطْرَحُهُ عَلَى عَاتِقِهِ طرح حبلا حتى لا تخلو من شئ ")
*
*
* (الشَّرْحُ)
* هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الثَّلَاثَةُ رَوَاهَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحُكْمُ الْمَسْأَلَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبُ الْوَاحِدِ لَيْسَ علي عاتقه منه شئ " نهى كَرَاهَةِ تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيمٍ فَلَوْ صَلَّى مَكْشُوفَ الْعَاتِقَيْنِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَجُمْهُورِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وقال احمد وطائفة قليلة يجب وضع شئ عَلَى عَاتِقِهِ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ فَإِنْ تَرَكَهُ فَفِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ وَخَصَّ أَحْمَدُ ذَلِكَ بِصَلَاةِ الْفَرْضِ دَلِيلُنَا حَدِيثُ جَابِرٍ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاتَّزَرَ بِهِ هَكَذَا احْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَاحْتَجَّ به الاصحاب
وغيرهم والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
*

(3/175)


* (ويكره اشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ وَهُوَ أَنْ يَلْتَحِفَ بِثَوْبٍ ثُمَّ يُخْرِجَ يَدَهُ مِنْ قِبَلِ صَدْرِهِ لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " نَهَى عَنْ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ وَأَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي ثوب واحد ليس علي فرجه منه شئ ")
*
*
* (الشَّرْحُ)
* هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ وَالصَّمَّاءُ بِالْمَدِّ وَقَدْ سَبَقَ قَرِيبًا تَفْسِيرُهَا وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اشْتِمَالِ الْيَهُودِ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ المصنف من تفسيرها فغريب قال صاحب المطامع اشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ إدَارَةُ الثَّوْبِ عَلَى جَسَدِهِ لَا يُخْرِجُ مِنْهُ يَدَهُ نَهَى عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا أَتَاهُ مَا يَتَوَقَّاهُ لَمْ يُمْكِنْهُ إخْرَاجُ يَدِهِ بِسُرْعَةٍ وَلِأَنَّهُ إذَا أَخْرَجَ يَدَهُ انْكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ وَهَذَا تَفْسِيرُ الْأَصْمَعِيِّ وَسَائِرِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَاَلَّذِي سَبَقَ عَنْ الْخَطَّابِيِّ تَفْسِيرُ الْفُقَهَاءِ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ سُمِّيَتْ صَمَّاءَ لِأَنَّهُ سَدَّ مَنَافِذَهَا كَالصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ لَيْسَ فِيهَا خَرْقٌ وَلَا صَدْعٌ وَقَوْلُهُ وَأَنْ يَحْتَبِيَ هُوَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ الْحُبْوَةِ بِضَمِّ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الِاحْتِبَاءُ أَنْ يَقْعُدَ الْإِنْسَانُ عَلَى أَلْيَيْهِ وَيَنْصِبَ سَاقَيْهِ وَيَحْتَوِيَ عَلَيْهَا بِثَوْبٍ أَوْ نَحْوِهِ أو بيده والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
*
* (وَيُكْرَهُ أَنْ يَسْدُلَ فِي الصَّلَاةِ وَفِي غَيْرِهَا وَهُوَ أَنْ يُلْقِيَ طَرَفَيْ الرِّدَاءِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ رَأَى قَوْمًا سَدَلُوا فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ " كَأَنَّهُمْ الْيَهُودُ خَرَجُوا مِنْ فُهُورِهِمْ " وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ رَأَى أَعْرَابِيًّا عَلَيْهِ شَمْلَةٌ قَدْ ذَيَّلَهَا وَهُوَ يُصَلِّي " قَالَ إنَّ الَّذِي يَجُرُّ ثَوْبَهُ مِنْ الْخُيَلَاءِ فِي الصَّلَاةِ لَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي حِلٍّ وَلَا حرام ")
*
*
* (الشَّرْحُ)
* يُقَالُ سَدَلَ بِالْفَتْحِ يَسْدُلُ وَيَسْدِلُ بِضَمِّ الدَّالِ وَكَسْرِهَا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هُوَ أَنْ يُرْسِلَ الثَّوْبَ حَتَّى يُصِيبَ الْأَرْضَ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ محمول على هذا والشملة كاء يُشْتَمَلُ بِهِ وَقِيلَ إنَّمَا تَكُونُ شَمْلَةً إذَا كَانَ لَهَا هُدْبٌ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ هِيَ كِسَاءٌ يُؤْتَزَرُ بِهِ وَقَوْلُهُ ذَيَّلَهَا بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ مَعْنَاهُ أَرْخَى ذَيْلَهَا وَهُوَ طَرَفُهَا الَّذِي فِيهِ الْأَهْدَابُ وَقَوْلُهُ خَرَجُوا مِنْ فُهُورِهِمْ بِضَمِّ الْفَاءِ وَاحِدُهَا فُهْرٌ بِضَمِّ الْفَاءِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ قَالَ الْهَرَوِيُّ فِي الْغَرِيبَيْنِ فُهْرُهُمْ مَوْضِعُ مِدْرَاسِهِمْ وَهِيَ كَلِمَةٌ نَبَطِيَّةٌ عُرِّبَتْ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ أَصْلُهُ

(3/176)


بُهْرٌ وَهِيَ عِبْرَانِيَّةٌ عُرِّبَتْ وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ فُهْرُهُمْ مَوْضِعُ مِدْرَاسِهِمْ الَّذِي يَجْتَمِعُونَ إلَيْهِ فِي عِيدِهِمْ قَالَ وَقِيلَ هُوَ يَوْمٌ يَأْكُلُونَ فِيهِ وَيَشْرَبُونَ قَالَ وَالنَّصَارَى يَقُولُونَ فُخْرٌ يَعْنِي بِضَمِّ الْفَاءِ وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَقَوْلُهُ لَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي حَلَالٍ وَلَا حَرَامٍ قِيلَ مَعْنَاهُ لَا يُؤْمِنُ بِحَلَالِ اللَّهِ تَعَالَى وَحَرَامِهِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ ليس من الله في شئ أي ليس من دين الله في شئ وَمَعْنَاهُ قَدْ بَرِئَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَفَارَقَ دِينَهُ وَهَذَا الْكَلَامُ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ بغير اسناد عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ وَبَعْضُهُمْ يَرْوِيهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
* أَمَا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَمَذْهَبُنَا أَنَّ السَّدْلَ فِي الصَّلَاةِ وَفِي غَيْرِهَا سَوَاءٌ فَإِنْ سَدَلَ لِلْخُيَلَاءِ فَهُوَ حَرَامٌ وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ الْخُيَلَاءِ فَمَكْرُوهٌ وَلَيْسَ بِحَرَامٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ لَا يَجُوزُ السَّدْلُ فِي الصَّلَاةِ ولا في غَيْرِهَا لِلْخُيَلَاءِ فَأَمَّا السَّدْلُ لِغَيْرِ الْخُيَلَاءِ فِي الصَّلَاةِ فَهُوَ خَفِيفٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ لَهُ إنَّ إزَارِي يَسْقُطُ مِنْ أَحَدِ شِقَّيِّ فَقَالَ لَهُ " لَسْت مِنْهُمْ " هَذَا نَصُّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَكَذَا رَأَيْتُهُ أَنَا فِي الْبُوَيْطِيِّ وَحَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرَوَيْنَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ السَّدْلِ فِي الصَّلَاةِ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ " لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ رَجُلٍ مُسْبِلٍ إزَارَهُ " قَالَ وَحَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ دَلِيلٌ عَلَى خِفَّةِ الْأَمْرِ فِيهِ إذَا كَانَ لِغَيْرِ الْخُيَلَاءِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ رَخَّصَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي السَّدْلِ فِي الصَّلَاةِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ وَمَكْحُولٍ وَالزُّهْرِيِّ وَالْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ وَمَالِكٍ قَالَ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونُوا فَرَّقُوا بَيْنَ إجَازَتِهِ فِي الصَّلَاةِ دُونَ غَيْرِهَا لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ لَا يَمْشِي فِي الثَّوْبِ وغيره يمشى عليه ويسبله وذلك من الخيلاء الْمَنْهِيُّ عَنْهُ وَكَانَ الثَّوْرِيُّ يَكْرَهُ السَّدْلَ فِي الصلاة وكرهه

(3/177)


الشَّافِعِيُّ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ مِمَّنْ كَرِهَ السَّدْلَ فِي الصَّلَاةِ ابْنُ مَسْعُودٍ وَمُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَرَخَّصَ فِيهِ ابْنُ عُمَرَ وَجَابِرٌ وَمَكْحُولٌ وَالْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ وَالزُّهْرِيُّ وعبد الله ابن الْحَسَنِ قَالَ وَرَوَيْنَا عَنْ النَّخَعِيِّ أَيْضًا أَنَّهُ رَخَّصَ فِي سَدْلِ الْقَمِيصِ وَكَرِهَهُ فِي الْإِزَارِ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَا أَعْلَمُ فِي النَّهْيِ عَنْ السَّدْلِ خَبَرًا يَثْبُتُ فَلَا نَهْيَ عَنْهُ بِغَيْرِ حُجَّةٍ (قُلْتُ) احْتَجَّ أَصْحَابُنَا فِيهِ
بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ السَّدْلِ فِي الصَّلَاةِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إلَّا مِنْ طَرِيقِ عِسْلِ بن سفين وقد ضعفه احمد ابن حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو حَاتِمٍ وَابْنُ عَدِيٍّ وَاَلَّذِي نَعْتَمِدُهُ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى النَّهْيِ عَنْ السَّدْلِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا عُمُومُ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي النَّهْيِ عَنْ إسْبَالِ الْإِزَارِ وَجَرِّهِ مِنْهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَى مَنْ جَرَّ إزَارَهُ بَطَرًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ مِنْ الْإِزَارِ فَفِي النَّارِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وعنه قال " بينما رجل يصلي مسبل إزَارَهُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اذْهَبْ فَتَوَضَّأَ فَذَهَبَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ جاء فقال اذهب فتوضأ فقال رجل يا رسول الله مالك أَمَرْتَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ ثُمَّ سَكَتَ عَنْهُ قَالَ إنَّهُ كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ مُسْبِلٌ إزَارَهُ وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَقْبَلُ صَلَاةَ رَجُلٍ مُسْبِلٍ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إزْرَةُ الْمُسْلِمِ إلَى نِصْفِ السَّاقِ وَلَا حَرَجَ - أَوْ قَالَ لَا جُنَاحَ - فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَيْنِ مَا كَانَ أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ فَهُوَ فِي النَّارَ وَمَنْ جَرَّ إزَارَهُ بَطَرًا لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إلَيْهِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ " مَرَرْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي إزَارِي اسْتِرْخَاءٌ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ ارْفَعْ إزَارَكَ فَرَفَعْتُ ثُمَّ قَالَ زِدْ فَزِدْتُ فَمَا زِلْتُ أَتَحَرَّاهَا بَعْدُ فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ إلَى أَيْنَ قَالَ إلَى أَنْصَافِ السَّاقَيْنِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لا إسْبَالَ فِي الْإِزَارِ وَالْقَمِيصِ وَالْعِمَامَةِ مَنْ جَرَّ شَيْئًا خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وفى المسألة

(3/178)


أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ كَثِيرَةٌ غَيْرُ مَا ذَكَرْته قَدْ جَمَعْتهَا فِي كِتَابِ رِيَاضِ الصَّالِحِينَ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (وَيُكْرَه أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ وَهُوَ مُتَلَثِّمٌ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " نَهَى أَنْ يُغَطِّيَ الرَّجُلُ فَاهُ فِي الصَّلَاةِ " وَيُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنْتَقِبَ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّ الْوَجْهَ من المرأة ليس بعورة فهي كالرجل)
*
** (الشَّرْحُ)
* هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ فِيهِ الْحَسَنُ بْنُ ذَكْوَانَ وَقَدْ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَالنَّسَائِيِّ وَالدَّارَقُطْنِيِّ لَكِنْ رَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَمْ يُضَعِّفْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَيُكْرَه أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مُتَلَثِّمًا أَيْ مُغَطِّيًا فَاهُ بِيَدِهِ أَوْ غَيْرِهَا وَيُكْرَه أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَمِهِ فِي الصَّلَاةِ إلَّا إذَا تَثَاءَبَ فَإِنَّ السُّنَّةَ وَضْعُ الْيَدِ عَلَى فِيهِ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيُمْسِكْ بِيَدِهِ عَلَى فِيهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ " وَالْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى كَالرَّجُلِ فِي هَذَا وَهَذِهِ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ لا تمنع صحة الصَّلَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ
*
* (وَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي ثَوْبٍ حَرِيرٍ وَلَا عَلَى ثَوْبٍ حَرِيرٍ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُهُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فَلَأَنْ يَحْرُمَ فِي الصَّلَاةِ أَوْلَى فَإِنْ صَلَّى فِيهِ أَوْ صَلَّى عَلَيْهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لَا يختص يالصلاة وَلَا النَّهْيَ يَعُودُ إلَيْهَا فَلَمْ يَمْنَعْ صِحَّتَهَا ويجوز المرأة أَنْ تُصَلِّيَ فِيهِ وَعَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا اسْتِعْمَالُهُ وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي الثَّوْبِ الَّذِي عَلَيْهِ الصُّورَةُ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " كَانَ لِي ثَوْبٌ فِيهِ صُورَةٌ فَكُنْتُ أَبْسُطُهُ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي إلَيْهِ فَقَالَ لِي أَخِّرِيهِ عنى فجعلت منه وسادتين ")
*
*
* (الشَّرْحُ)
* حَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ " كَانَ قِرَامٌ لِعَائِشَةَ سَتَرَتْ بِهِ جَانِبَ بَيْتِهَا فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمِيطِي عَنَّا قِرَامَكَ هَذَا فَإِنَّهُ لَا تَزَالُ تَصَاوِيرُهُ تَعْرِضُ فِي صَلَاتِي " الْقِرَامُ بِكَسْرِ القاف

(3/179)


سِتْرٌ رَقِيقٌ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي ثَوْبٍ حَرِيرٍ وَعَلَيْهِ فَإِنْ صَلَّى فِيهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ وَفِيهِ خِلَافُ أَحْمَدَ السَّابِقِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ وَهَذَا التَّحْرِيمُ إذَا وَجَدَ سُتْرَةً غَيْرَ الْحَرِيرِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا ثَوْبَ الْحَرِيرِ لَزِمَهُ الصَّلَاةُ فِيهِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ طَهَارَةِ الْبَدَنِ وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تُصَلِّيَ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ لَهَا أَنْ تَجْلِسَ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ أَصَحُّهُمَا وَهُوَ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ وَسَائِرِ الْعِرَاقِيِّينَ يَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ لُبْسُهُ وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ " إنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي حِلٌّ لِإِنَاثِهَا " وَهَذَا عَامٌّ يَتَنَاوَلُ الْجُلُوسَ وَاللُّبْسَ وَغَيْرَهُمَا وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ لَهَا اللُّبْسُ تَزَيُّنًا لِزَوْجِهَا وَسَيِّدِهَا وَإِنَّمَا يَحْصُلُ
كَمَالُ ذَلِكَ بِاللُّبْسِ لَا بِالْجُلُوسِ وَلِهَذَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا اسْتِعْمَالُ إنَاءِ الذَّهَبِ فِي الشُّرْبِ وَنَحْوِهِ مَعَ أَنَّهَا يَجُوزُ لَهَا التَّحَلِّي بِهِ وَالْمُخْتَارُ الال وَالْخُنْثَى فِي هَذَا كَالرَّجُلِ وَأَمَّا الثَّوْبُ الَّذِي فِيهِ صُوَرٌ أَوْ صَلِيبٌ أَوْ مَا يُلْهِي فَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِيهِ وَإِلَيْهِ وَعَلَيْهِ لِلْحَدِيثِ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا صِحَّةُ الصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ حَرِيرٍ وَثَوْبٍ مَغْصُوبٍ وَعَلَيْهِمَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَحْمَدُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ لَا يَصِحُّ وَقَدْ يُحْتَجُّ لَهُمْ بِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " مَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَفِيهِ دِرْهَمٌ حَرَامٌ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صلاة مادام عَلَيْهِ ثُمَّ أَدْخَلَ أُصْبُعَهُ فِي أُذُنَيْهِ وَقَالَ صَمْتًا إنْ لَمْ أَكُنْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه يَقُولُهُ " وَهَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ فِي رُوَاتِهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ وَدَلِيلُنَا مَا سَبَقَ فِي مَسْأَلَةِ الصَّلَاةِ في الدار المغصوبة والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (إذَا لَمْ يَجِدْ مَا يَسْتُرُ بِهِ الْعَوْرَةَ وَوَجَدَ طِينًا فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَسْتُرَ بِهِ الْعَوْرَةَ لِأَنَّهُ سُتْرَةٌ ظَاهِرَةٌ فَأَشْبَهَتْ الثوب وقال أبو اسحق لا يلزم لانه يتلوث به البدن)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* هَذَانِ الْوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ بِدَلِيلِهِمَا أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ وُجُوبُ السَّتْرِ بِهِ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ وَإِذَا قُلْنَا لَا يَجِبُ فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ بِالِاتِّفَاقِ ثُمَّ إنَّ الْجُمْهُورَ أَطْلَقُوا الْوَجْهَيْنِ فِي وُجُوبِ التَّطَيُّنِ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي إنْ كَانَ الطِّينُ ثَخِينًا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ وَيُغَطِّي الْبَشَرَةَ وَجَبَ وَإِنْ كَانَ رَقِيقًا لَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ لَكِنْ يُغَطِّي الْبَشَرَةَ اُسْتُحِبَّ وَلَا يَجِبُ وَصَرَّحَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ بِجَرَيَانِ الْوَجْهَيْنِ فِي الطِّينِ الثَّخِينِ وَالرَّقِيقِ أما

(3/180)


إذ اوجد وَرَقَ شَجَرٍ وَنَحْوَهُ وَأَمْكَنَهُ خَصْفُهُ وَالتَّسَتُّرُ بِهِ فيجب بلا خلاف نص على في الامام واتفق الاصحاب عليه * قال المصنف رحمه الله
*
* (وَإِنْ وَجَدَ مَا يَسْتُرُ بِهِ بَعْضَ الْعَوْرَةِ سَتَرَ بِهِ الْقُبُلَ وَالدُّبُرَ لِأَنَّهُمَا أَغْلَظُ مِنْ غَيْرِهِمَا وَإِنْ وَجَدَ مَا يَكْفِي أَحَدَهُمَا فَفِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ يَسْتُرُ بِهِ الْقُبُلَ لِأَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ بِهِ الْقِبْلَةَ وَلِأَنَّهُ لَا يَسْتَتِرُ بِغَيْرِهِ وَالدُّبُرُ يَسْتَتِرُ بِالْأَلْيَيْنِ وَالثَّانِي يَسْتُرُ بِهِ الدُّبُرَ لانه أفخش في حال الركوع والسجود)
*
** (الشَّرْحُ)
* إذَا وَجَدَ مَا يَسْتُرُ بِهِ بَعْضَ الْعَوْرَةِ فَقَطْ لَزِمَهُ التَّسَتُّرُ بِهِ بِلَا خِلَافٍ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَسَبَقَ ذِكْرُهُ مَرَّاتٍ وَسَبَقَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ مَسَائِلُ مُتَشَابِهَةٌ فِيمَا إذَا وَجَدَ الْمُكَلَّفُ بَعْضَ مَا أُمِرَ بِهِ كَمَنْ وَجَدَ بَعْضَ مَا يَكْفِيهِ فِي الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ أَوْ التَّيَمُّمِ وَفِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَفِي قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَفِي صَاعِ الْفِطْرَةِ وَفِي الْمَاءِ الَّذِي يَغْسِلُ بِهِ النَّجَاسَةَ وَبَعْضِ رَقَبَةِ الْكَفَّارَةِ وَأَحْكَامُهَا مُخْتَلِفَةٌ وَسَبَقَتْ الْإِشَارَةُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهَا وَيَسْتُرُ بِهَذَا الْمَوْجُودِ الْقُبُلَ وَالدُّبُرَ بلا خلاف لانهما أغلظ فان لم يكن إلَّا أَحَدُهُمَا فَأَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ يَسْتُرُ الْقُبُلَ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالدَّارِمِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَغَيْرُهُمْ عَنْ النَّصِّ أَيْضًا وَالثَّانِي يَسْتُرُ الدُّبُرَ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَالثَّالِثُ حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمَا هُمَا سَوَاءٌ فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَالرَّابِعُ حَكَاهُ القاضى حسين تستر المرأة القبل والرجل والدبر ثُمَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَقْدِيمِ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ أَوْ أَحَدِهِمَا عَلَى الْفَخِذِ وَغَيْرِهِ وَمِنْ تَقْدِيمِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ هَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ أَمْ وَاجِبٌ فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْوُجُوبُ وَأَنَّهُ شَرْطٌ

(3/181)


وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ مِمَّنْ صَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالرَّافِعِيُّ وَالثَّانِي مُسْتَحَبٌّ وَبِهِ قَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَأَمَّا الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ فَإِنْ وَجَدَ مَا يَسْتُرُ قُبُلَيْهِ وَدُبُرَهُ سَتَرَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا مَا يَسْتُرُ وَاحِدًا وَقُلْنَا يَسْتُرُ عَيْنَ الْقُبُلِ سَتَرَ أَيَّ قُبُلَيْهِ شَاءَ وَالْأَوْلَى أَنْ يَسْتُرَ آلَةَ الرِّجَالِ إنْ كَانَ هُنَاكَ امْرَأَةٌ وَآلَةَ النِّسَاءِ إنْ كَانَ هناك رجل * قال المصنف رحمه الله
* (وَإِنْ اجْتَمَعَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ وَهُنَاكَ سُتْرَةٌ تَكْفِي أحدهما قدمت المرأة لان عورتها أعظم)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* هَذِهِ الصُّورَةُ فِيمَا لَوْ أَوْصَى إنْسَانٌ بثوبه لاحوج النسان إلَيْهِ فِي الْمَوْضِعِ الْفُلَانِيِّ أَوْ وَكَّلَ مَنْ يَدْفَعُهُ إلَى الْأَحْوَجِ أَوْ وَقَفَهُ عَلَى لُبْسِ الْأَحْوَجِ فَتُقَدَّمُ الْمَرْأَةُ عَلَى الْخُنْثَى وَيُقَدَّمُ الْخُنْثَى عَلَى الرَّجُلِ لِأَنَّهُ الْأَحْوَجُ أَمَّا إذَا كَانَ الثَّوْبُ لِوَاحِدٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ لِغَيْرِهِ وَيُصَلِّيَ عُرْيَانًا لَكِنْ يُصَلِّي فِيهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعِيرَهُ لِغَيْرِهِ مِمَّنْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ سَوَاءٌ فِي هَذَا الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ وَسَبَقَ هُنَاكَ أَنَّهُ لَوْ خَالَفَ وَوَهَبَ لِغَيْرِهِ الْمَاءَ وَصَلَّى بِالتَّيَمُّمِ هَلْ تلزمه الاعادة
فيه تفصيل يجئ هنا مثله سواء والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
*
* (وَإِنْ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا يَسْتُرُ بِهِ الْعَوْرَةَ صَلَّى عُرْيَانًا وَلَا يَتْرُكُ الْقِيَامَ وَقَالَ الْمُزَنِيّ يَلْزَمُهُ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا لِأَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ بِالْقُعُودِ سِتْرُ بَعْضِ الْعَوْرَةِ وَسِتْرُ بَعْضِ الْعَوْرَةِ آكَدُ مِنْ الْقِيَامِ لِأَنَّ الْقِيَامَ يَجُوزُ تَرْكُهُ مع القدرة بحال والستر لا يجوز تركه فَوَجَبَ تَقْدِيمُ السَّتْرِ وَهَذَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ يَتْرُكُ الْقِيَامَ وَالرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ عَلَى التَّمَامِ وَيَحْصُلُ سَتْرُ الْقَلِيلِ مِنْ الْعَوْرَةِ وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى الْأَرْكَانِ أولي من المحافظة علي بعض الفرض)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* إذَا لَمْ يَجِدْ سُتْرَةً يَجِبُ لُبْسُهَا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ عُرْيَانًا قَائِمًا وَلَا اعادة عليه هذا

(3/182)


مذهبتا وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمُجَاهِدٌ وَمَالِكٌ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَعَطَاءٌ وَعِكْرِمَةُ وَقَتَادَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالْمُزَنِيُّ يُصَلِّي قَاعِدًا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ صَلَّى قَائِمًا وَإِنْ شَاءَ قَاعِدًا مُومِيًا بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْقُعُودُ أَفْضَلُ وعن احمد روايتان أحدهما يَجِبُ الْقِيَامُ وَالثَّانِيَةُ الْقُعُودُ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ أَنَّ الْخُرَاسَانِيِّينَ حَكَوْا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا يَجِبُ الْقِيَامُ وَالثَّانِي القعود والثالث يتخير والمذهب الصحيح وجب القيام وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ يُفْهَمُ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
*
* قَالَ المصنف رحمه الله
*
* (فَإِنْ صَلَّى عُرْيَانًا ثُمَّ وَجَدَ السُّتْرَةَ لَمْ تلزمه الْإِعَادَةُ لِأَنَّ الْعُرْيَ عُذْرٌ عَامٌّ وَرُبَّمَا اتَّصَلَ ودام فلو أوجبنا الاعادة لشق فَإِنْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ عُرْيَانٌ ثُمَّ وجد السترة في اثنائها فان كانت بقريه سَتَرَ الْعَوْرَةَ وَبَنَى عَلَى صَلَاتِهِ لِأَنَّهُ عَمَلٌ قَلِيلٌ فَلَا يَمْنَعُ الْبِنَاءَ وَإِنْ كَانَتْ بَعِيدَةً بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى عَمَلٍ كَثِيرٍ وَإِنْ دَخَلَتْ الْأَمَةُ فِي الصَّلَاةِ وَهِيَ مَكْشُوفَةُ الرَّأْسِ فَأُعْتِقَتْ فِي أَثْنَائِهَا فَإِنْ كَانَتْ السُّتْرَةُ قَرِيبَةً مِنْهَا سَتَرَتْ وَأَتَمَّتْ صَلَاتَهَا وَإِنْ كَانَتْ بَعِيدَةً بَطَلَتْ صَلَاتُهَا وَإِنْ أُعْتِقَتْ وَلَمْ تَعْلَمْ حَتَّى فَرَغَتْ مِنْ الصَّلَاةِ فَفِيهَا قَوْلَانِ كَمَا قُلْنَا فِيمَنْ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا حتي فرغ من الصلاة)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* فِي هَذِهِ الْقِطْعَةِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا عَدِمَ السُّتْرَةَ الْوَاجِبَةَ فَصَلَّى عَارِيًّا أَوْ سَتَرَ بَعْضَ الْعَوْرَةِ وَعَجَزَ عَنْ الْبَاقِي وَصَلَّى فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ قَوْمٍ يَعْتَادُونَ الْعُرْيَ أَمْ غَيْرِهِمْ وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيمَنْ لَا يَعْتَادُونَ الْعُرْيَ وَجْهًا أَنَّهُ يَجِبُ الْإِعَادَةُ وَهَذَا الْوَجْهُ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي آخِرِ بَابِ
التَّيَمُّمِ وهو ضعيف ليس بشئ وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي التَّعْلِيقِ لا أعلم خلافا بعنى بين المسلمين أنه لا بجب الْإِعَادَةُ عَلَى مَنْ صَلَّى عَارِيًّا لِلْعَجْزِ عَنْ السُّتْرَةِ (الثَّانِيَةُ) إذَا وَجَدَ السُّتْرَةَ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ لَزِمَهُ السَّتْرُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَمْ يَأْتِ عَنْهُ بِبَدَلٍ بِخِلَافِ مَنْ صَلَّى بالتيمم ثم رأى الماء في أثنا

(3/183)


صَلَاتِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ كَانَتْ قَرِيبَةً سَتَرَ وبنى والاوجب الِاسْتِئْنَافُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَقَالَ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِي جَوَازِ الْبِنَاءِ مَعَ الْبُعْدِ الْقَوْلَانِ فِيمَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ قَالُوا فَإِنْ قُلْنَا بِالْقَدِيمِ أَنَّهُ يَبْنِي فَلَهُ السَّعْيُ فِي طَلَبِ السُّتْرَةِ كَمَا يَسْعَى فِي طَلَبِ الْمَاءِ وَإِنْ وَقَفَ حَتَّى أَتَاهُ غَيْرُهُ بِالسُّتْرَةِ نَظَرَ إنْ وَصَلَتْهُ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي لَوْ سَعَى لَوَصَلَهَا فِيهَا أَجْزَأَهُ وَإِنْ زَادَ فَوَجْهَانِ الْأَصَحُّ لَا يَجُوزُ وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَلَوْ كَانَتْ السُّتْرَةُ قَرِيبَةً وَلَا يُمْكِنُ تَنَاوُلُهَا إلَّا بِاسْتِدْبَارِ الْقِبْلَةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إذَا لَمْ يُنَاوِلْهُ غَيْرُهُ ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمَا وَلَوْ كَانَتْ السُّتْرَةُ بِقُرْبِهِ وَلَمْ يَعْلَمْهَا فَصَلَّى عَارِيًّا ثُمَّ عَلِمَهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ أَوْ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَفِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمَا أَحَدُهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَآخَرُونَ فِيهِ الْقَوْلَانِ فِيمَنْ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ جَاهِلًا بِهَا وَالثَّانِي تَجِبُ الْإِعَادَةُ هُنَا قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِبَدَلٍ وَلِأَنَّهُ نَادِرٌ وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ (الثَّالِثَةُ) يُسْتَحَبُّ لِلْأَمَةِ أَنْ تَسْتُرَ فِي صَلَاتِهَا مَا تَسْتُرُهُ الْحُرَّةُ فَلَوْ صَلَّتْ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ فَعَتَقَتْ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهَا بِإِعْتَاقِ السَّيِّدِ أَوْ بِمَوْتِهِ إذَا كَانَتْ مُدَبَّرَةً أَوْ مُسْتَوْلَدَةً فَإِنْ كَانَتْ عَاجِزَةً عَنْ السَّتْرِ مَضَتْ فِي صَلَاتِهَا وَأَجْزَأَتْهَا بِلَا خِلَافٍ وَإِلَّا فَهِيَ كَمَنْ وَجَدَ السُّتْرَةَ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا وَلَوْ جَهِلَتْ الْعِتْقَ فَهِيَ كَجَهْلِهَا وُجُودَ السُّتْرَةِ فَتَكُونُ عَلَى الطَّرِيقِينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ إذَا صَلَّيْتِ صَلَاةً صَحِيحَةً فَأَنْتِ حرة قبلها فَصَلَّتْ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ إنْ كَانَ فِي حَالِ عَجْزِهَا عَنْ سُتْرَةٍ صَحَّتْ صَلَاتُهَا وَعَتَقَتْ وَإِنْ كَانَتْ قَادِرَةً عَلَى السُّتْرَةِ صَحَّتْ صَلَاتُهَا وَلَا تُعْتَقُ لِأَنَّهَا لَوْ عَتَقَتْ لَصَارَتْ حُرَّةً قَبْلَ الصَّلَاةِ وَحِينَئِذٍ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهَا مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ لَا تُعْتَقُ فَإِثْبَاتُ الْعِتْقِ يُؤَدِّي إلَى بُطْلَانِهِ وَبُطْلَانِ الصَّلَاةِ فَبَطَلَ وَصَحَّتْ الصَّلَاةُ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطيب وابن الصباغ وفرضها ابن الصَّبَّاغِ فِيمَنْ قَالَ إنْ صَلَّيْتِ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ
فأنت حرة الآن * قال المصنف رحمه الله
*

(3/184)


* (وان اجتمع جماعة عراة قال في القديم الاولى ان يصلوا فرادى لانهم إذا صلوا جماعة لم يمكنهم ان يأتوا بسنة الجماعة وهو تقديم الامام وقال في الام صلوا جماعة وفرادي فسوى بين الجماعة والفرادي لان في الجماعة ادراك فضيلة الجماعة وفوات فضيلة سنة الموقف وفى الفرادى ادراك فضيلة الموقف وفوات فضيلة الجماعة فاستويا فان كان معهم مكتس يصلح للامامة فالافضل أن يصلوا جماعة لانهم يمكنهم الجمع بين فضيلة الجماعة وفضيلة الموقف بان يقدموه فان لم يكن فيهم مكتس واردوا الجماعة استحب أن يقف الامام وسطهم ويكون المأمون صفا واحدا حتى لا ينظر بعضهم الي عورة بعض فان لم يمكن الا صفين صلوا وغضوا الابصار.
وان اجتمع نسوة عراة استحب لهن الجماعة لان سنة الموقف في حقهن لا تتعين بالعرى)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* إذَا اجْتَمَعَ رِجَالٌ عُرَاةٌ صَحَّتْ صَلَاتُهُمْ جَمَاعَةً وَفُرَادَى فَإِنْ صَلَّوْا جَمَاعَةً وَهُمْ بُصَرَاءَ وَقَفَ إمَامُهُمْ وَسْطَهُمْ فَإِنْ خَالَفَ وَوَقَفَ قُدَّامَهُمْ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاتُهُمْ وَيَغُضُّونَ أَبْصَارَهُمْ فَإِنْ نَظَرُوا لَمْ يُؤْثِرْ فِي صِحَّةِ صَلَاتِهِمْ وَهَلْ الْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلُّوا جَمَاعَةً أَمْ فُرَادَى يُنْظَرُ إنْ كَانُوا عُمْيًا أَوْ فِي ظُلْمَةٍ بِحَيْثُ لَا يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا اُسْتُحِبَّ الْجَمَاعَةُ بِلَا خِلَافٍ وَيَقِفُ إمَامُهُمْ قُدَّامَهُمْ وَإِنْ كَانُوا بِحَيْثُ

(3/185)


يَرَوْنَ فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَصَحُّهَا أَنَّ الْجَمَاعَةَ وَالِانْفِرَادَ سَوَاءٌ وَالثَّانِي الِانْفِرَادُ أَفْضَلُ وَالثَّالِثُ الْجَمَاعَةُ أَفْضَلُ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مُكْتَسٍ يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُقَدِّمُوهُ وَيُصَلُّوا جَمَاعَةً قَوْلًا وَاحِدًا وَيَكُونُونَ وَرَاءَهُ صَفًّا فَإِنْ تَعَذَّرَ فَصَفَّيْنِ أَوْ أَكْثَرَ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ فَلَوْ خَالَفُوا فَأَمَّهُمْ عَارٍ وَاقْتَدَى بِهِ اللَّابِسُ صَحَّتْ صَلَاةُ الْجَمِيعِ كَمَا تَصِحُّ صَلَاةُ الْمُتَوَضِّئِ خَلْفَ الْمُتَيَمِّمِ وَصَلَاةُ الْقَائِمِ خَلْفَ الْمُضْطَجِعِ.
أَمَّا إذَا اجْتَمَعَ نِسَاءٌ عَارِيَّاتٌ فَالْجَمَاعَةُ مُسْتَحَبَّةٌ لَهُنَّ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ إمَامَتَهُنَّ تَقِفُ وَسْطَهُنَّ فِي حَالِ اللُّبْسِ أَيْضًا وَإِنْ اجْتَمَعَ نِسَاءٌ وَرِجَالٌ عُرَاةٌ لَمْ يُصَلُّوا جَمِيعًا لَا فِي صَفٍّ وَلَا فِي صَفَّيْنِ بَلْ يُصَلِّي الرِّجَالُ وَيَكُونُ النِّسَاءُ جَالِسَاتٍ خَلْفَهُمْ مُسْتَدْبِرَاتِ الْقِبْلَةِ ثُمَّ يُصَلِّي النِّسَاءُ وَيَجْلِسُ الرِّجَالُ خَلْفَهُنَّ
مُسْتَدْبِرِينَ فَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ تَتَوَارَى كُلُّ طَائِفَةٍ فِي مَكَان آخَرَ حَتَّى تُصَلِّيَ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَهُوَ أَفْضَلُ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ فِي الفرادي ادراك فضبلة الْمَوْقِفِ قَدْ يَسْتَشْكِلُ إذْ لَيْسَ لِلْمُنْفَرِدِ مَوْقِفَانِ يَقِفُ فِي أَفْضَلِهِمَا وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ يَأْتِي بِالْمَوْقِفِ الْمَشْرُوعِ لَهُ بِخِلَافِ إمَامِ الْعُرَاةِ وَقَوْلُهُ وَسْطَهُمْ هُوَ بِإِسْكَانِ السِّينِ وَقَوْلُهُ نِسْوَةٌ عُرَاةٌ لَحْنٌ وَصَوَابُهُ عَارِيَّاتٌ وَيُقَالُ نِسْوَةٌ بِكَسْرِ النُّونِ وضمها لغتان
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (وَإِنْ اجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ عُرَاةٌ وَمَعَ إنْسَانٍ كِسْوَةٌ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُعِيرَهُمْ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يُغْصَبْ عَلَيْهِ لِأَنَّ صَلَاتَهُمْ تَصِحُّ مِنْ غَيْرِ سُتْرَةٍ وَإِنْ أَعَارَ وَاحِدًا بِعَيْنِهِ لَزِمَهُ قَبُولُهُ فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ وَصَلَّى عُرْيَانًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ تَرَكَ السَّتْرَ مَعَ الْقُدْرَةِ وَإِنْ وَهَبَهُ لَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ لِأَنَّ عَلَيْهِ فِي قبوله منة وان اعار جماعتهم صلي فيه واحد بعد واحد فان خافوا ان صلي واحد بَعْدَ وَاحِدٍ أَنْ يَفُوتَهُمْ الْوَقْتُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله

(3/186)


يَنْتَظِرُونَ حَتَّى يُصَلُّوا فِي الثَّوْبِ وَقَالَ فِي قَوْمٍ فِي سَفِينَةٍ وَلَيْسَ فِيهَا مَوْضِعٌ يَقُومُ فيه إلَّا وَاحِدٌ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ مِنْ قُعُودٍ وَلَا يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ نَقَلَ الْجَوَابَ في كل واحدة من المسئلتين إلَى الْأُخْرَى وَقَالَ فِيهِمَا قَوْلَانِ وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُمَا عَلَى ظَاهِرِهِمَا فَقَالَ فِي السُّتْرَةِ يَنْتَظِرُونَ وَإِنْ خَافُوا الْفَوْتَ وَلَا يَنْتَظِرُونَ فِي الْقِيَامِ لان القيام يسقط مَعَ الْقُدْرَةِ بِحَالٍ وَلِأَنَّ الْقِيَامَ يَتْرُكُهُ إلَى بَدَلٍ وَهُوَ الْقُعُودُ وَالسَّتْرُ يَتْرُكُهُ إلَى غَيْرِ بدل)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* يُسْتَحَبُّ لِمَنْ كَانَ مَعَهُ ثَوْبٌ أَنْ يُعِيرَهُ لِمُحْتَاجٍ إلَيْهِ لِلصَّلَاةِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْإِعَارَةُ كَمَا لَا يَلْزَمُهُ بَذْلُ الْمَاءِ لِلْوُضُوءِ بِخِلَافِ بَذْلِهِ لِلْعَطْشَانِ إذْ لَا بَدَلَ لِلْعَطَشِ وَتَصِحُّ الصَّلَاةُ بِالتَّيَمُّمِ وَعَارِيًّا وَإِذَا امْتَنَعَ مِنْ إعَارَتِهِ لَمْ يَجُزْ قَهْرُهُ عَلَيْهِ لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ أَعَارَ وَاحِدًا بِعَيْنِهِ لَزِمَهُ قَبُولُهُ عَلَى الصَّحِيحِ وبه قطح الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ لِأَنَّ فِيهِ مِنَّةً وَهَذَا لَيْسَ بشئ وَإِنْ وَهَبَهُ لَهُ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمَا الصَّحِيحُ لَا يَجِبُ الْقَبُولُ لِلْمِنَّةِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَالثَّانِي يَجِبُ الْقَبُولُ وَلَيْسَ لَهُ رَدُّهُ عَلَى الْوَاهِبِ بَعْدَ قَبْضِهِ إلَّا بِرِضَى الْوَاهِبِ وَالثَّالِثُ يَجِبُ الْقَبُولُ وَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ فِيهِ عَلَى الْوَاهِبِ وَيَلْزَمُ الْوَاهِبَ بَعْدَ ذَلِكَ قَبُولُهُ
وَهَذَا الْوَجْهُ حَكَاهُ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي الْإِفْصَاحِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَآخَرُونَ وَاتَّفَقُوا عَلَى تَضْعِيفِهِ وَإِذَا ضَمَمْنَا مَسْأَلَةَ الْعَارِيَّةِ إلَى الْهِبَةِ حَصَلَ فِيهَا أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ يَجِبُ قَبُولُ الْعَارِيَّةِ دُونَ الْهِبَةِ وَالثَّانِي لَا يَجِبُ الْقَبُولُ فِيهِمَا وَالثَّالِثُ يَجِبُ فِيهِمَا وَالرَّابِعُ يَجِبُ فِي الْهِبَةِ دُونَ الْعَارِيَّةِ حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ وَكَأَنَّ قَائِلَهُ نَظَرَ إلَى أَنَّ الْعَارِيَّةَ مضمومة بخلاف الهبة وهذا ليس بشئ وَحَيْثُ وَجَبَ الْقَبُولُ فَتَرَكَهُ وَصَلَّى عُرْيَانًا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ فِي حَالِ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الطَّرِيقِ أَمَّا إذَا أَعَارَ جَمَاعَتَهُمْ وَلَمْ يُعَيِّنْ وَاحِدًا فَإِنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ صَلَّى فِيهِ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ فَإِنْ تَنَازَعُوا فِي الْمُتَقَدِّمِ أُقْرِعَ بينهم وان ضلق الْوَقْتُ فَفِيهِ نُصُوصٌ لِلشَّافِعِيِّ وَطُرُقٌ لِلْأَصْحَابِ وَكَلَامٌ مَبْسُوطٌ سَبَقَ بَيَانُهُ وَاضِحًا فِي بَابِ التَّيَمُّمِ ولو رجع المعير في العاريد فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ نَزَعَهُ وَبَنَى عَلَى صَلَاتِهِ ولا اعادة

(3/187)


عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ (إحْدَاهَا) إذَا وَجَدَ سُتْرَةً تُبَاعُ أَوْ تُؤَجَّرُ وَقَدِرَ عَلَى الثَّمَنِ أَوْ الْأُجْرَةِ لَزِمَهُ الشِّرَاءُ أَوْ الِاسْتِئْجَارُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَأُجْرَتِهِ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الحاوى وغيره ويجئ فِيهِ التَّفْرِيعُ السَّابِقُ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ وَإِذَا وَجَبَ تَحْصِيلُهُ بِشِرَاءٍ أَوْ إجَارَةٍ فَتَرَكَهُ وَصَلَّى لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَإِقْرَاضُ الثَّمَنِ كَإِقْرَاضِ ثَمَنِ الْمَاءِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي التَّيَمُّمِ وَلَوْ احْتَاجَ إلَى شِرَاءِ الثَّوْبِ وَالْمَاءِ لِلطَّهَارَةِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ إلَّا أَحَدُهُمَا اشْتَرَى الثَّوْبَ لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ لَهُ وَلِأَنَّهُ يَدُومُ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مَعَ نَظَائِرِهَا فِي التَّيَمُّمِ: (الثَّانِيَةُ) إذَا لَمْ يَجِدْ الْعَارِي إلَّا ثَوْبًا لِغَيْرِهِ فَإِنْ أَمْكَنَ اسْتِئْذَانُ صَاحِبِهِ فِيهِ فَعَلَ وَإِلَّا حَرُمَتْ الصَّلَاةُ فيه وصلى عريانا والا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ وَاضِحًا فَقَدْ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي سَوَاءٌ كَانَ صَاحِبُهُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهِ إلَّا بِإِذْنِهِ وَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْإِذْنِ صَلَّى عَارِيًّا وَلَا إعَادَةَ (الثَّالِثَةُ) إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إلَّا ثَوْبٌ طَرَفُهُ نَجِسٌ وَلَا يَجِدُ مَاءً يَغْسِلُهُ بِهِ فَإِنْ كَانَ يَدْخُلُ بِقَطْعِهِ مِنْ النَّقْصِ قَدْرَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ لَزِمَهُ قَطْعُهُ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ لَمْ يَلْزَمْهُ وَقَدْ سَبَقَتْ فِي طَهَارَةِ الْبَدَنِ وَسَبَقَ فِيهِ أَيْضًا أَنَّ مَنْ كَانَ مَحْبُوسًا فِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ وَمَعَهُ ثَوْبٌ لَا يَكْفِي الْعَوْرَةَ وَسَتْرَ النَّجَاسَةِ فَفِيهِ قَوْلَانِ أَظْهَرُهُمَا يَبْسُطُهُ عَلَى النَّجَاسَةِ وَيُصَلِّي عَارِيًّا وَلَا إعَادَةَ (الرَّابِعَةُ) لَوْ كَانَ مَعَهُ ثَوْبٌ
وَأَتْلَفَهُ أَوْ خَرَقَهُ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ عَصَى وَيُصَلِّي عَارِيًّا وَفِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ الْوَجْهَانِ فِيمَنْ أَرَاقَ الْمَاءَ سَفَهًا وَقَدْ سَبَقَتْ مَسْأَلَةُ الْإِرَاقَةِ وَإِتْلَافِ الثَّوْبِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ مُسْتَوْفَاتَيْنِ (الْخَامِسَةُ) قَالَ الدَّارِمِيُّ لَوْ قَدَرَ الْعُرْيَانُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الماء ويسجد في الشط لا يلزمه
*

(3/188)