المجموع شرح المهذب ط دار الفكر

* (فَرْعٌ)
فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بالاشارة بالمسبحة
(إحْدَاهَا) أَنْ تَكُونَ إشَارَتُهُ بِهَا إلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الثَّانِيَةُ) يَنْوِي بِالْإِشَارَةِ الْإِخْلَاصَ وَالتَّوْحِيدَ ذَكَرَهُ الْمُزَنِيّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِحَدِيثٍ فِيهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ عَنْ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم " كان يشير بها للتوحيد " وعن ابن عباس رضى الله تعالي عَنْهُمَا قَالَ هُوَ الْإِخْلَاصُ وَعَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ " مَقْمَعَةُ الشَّيْطَانِ " (الثَّالِثَةُ) يُكْرَهُ أَنْ يُشِيرَ بِالسَّبَّابَتَيْنِ مِنْ الْيَدَيْنِ لِأَنَّ سُنَّةَ الْيُسْرَى أَنْ تَسْتَمِرَّ مَبْسُوطَةً (الرَّابِعَةُ) لَوْ كَانَتْ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةً سَقَطَتْ هَذِهِ السُّنَّةُ فَلَا يُشِيرُ بِغَيْرِهَا لِأَنَّهُ يَلْزَمُ تَرْكُ السُّنَّةِ فِي غَيْرِهَا وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِالْمَسْأَلَةِ الْمُتَوَلِّي وَهُوَ نَظِيرُ مَنْ تَرَكَ الرَّمَلَ فِي الثَّلَاثَةِ لَا يَتَدَارَكُهُ فِي الْأَرْبَعَةِ لِأَنَّ سُنَّتَهَا تَرْكُ الرَّمَلِ وَقَدْ سَبَقَتْ لَهُ نَظَائِرُ (الْخَامِسَةُ) أَنْ لَا يُجَاوِزَ بَصَرُهُ إشَارَتَهُ وَاحْتَجَّ لَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ وَلَا يُجَاوِزُ إشَارَتَهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله
*
* (وَيَتَشَهَّدُ وَأَفْضَلُ التَّشَهُّدِ أَنْ يَقُولَ التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ سَلَامٌ عَلَيْكَ
أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ سَلَامٌ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أن محمد رَسُولُ اللَّهِ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ فَيَقُولُ قُولُوا التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ وَذَكَرَ نَحْوَ مَا قُلْنَاهُ وَحَكَى أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَقُولَ بِسْمِ اللَّهِ وَبِاَللَّهِ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ وَذِكْرُ التَّسْمِيَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ عِنْدَ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَأَقَلُّ مَا يُجْزِي مِنْ ذَلِكَ خَمْسُ كَلِمَاتٍ وَهِيَ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ سَلَامٌ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ سَلَامٌ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ لِأَنَّ هَذَا يَأْتِي عَلَى مَعْنَى الجميع)
*
* (الشَّرْحُ)
* حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَدْ ثَبَتَ فِي التَّشَهُّدِ أَحَادِيثُ (أَحَدُهَا) حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " كُنَّا إذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْنَا السَّلَامُ عَلَى جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ فَالْتَفَتَ إلَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى

(3/455)


اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ اللَّهُ هُوَ السَّلَامُ فَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ فَإِنَّكُمْ إذَا قُلْتُمُوهَا أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ثم ليتخبر مِنْ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إلَيْهِ فَيَدْعُو " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم وفى رواية للبخاري كُنَّا نَقُولُ السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ مِنْ عِبَادِهِ السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تقولوا عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ " وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ فَكَانَ يَقُولُ " التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ كَمَا يُعَلِّمُنَا الْقُرْآنَ وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا كَانَ عِنْدَ الْقَعْدَةِ فَلْيَكُنْ مِنْ أَوَّلِ قَوْلِ أَحَدِكُمْ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ الطَّيِّبَاتُ الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَرَوَى أَبُو دَاوُد نَحْوَهُ مِنْ رِوَايَةِ ابن عمر وجابر وسمرة ابن جُنْدُبٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِي بِتَشْدِيدِ الياء انه سمع عمر ابن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يُعَلِّمُ النَّاسَ التَّشَهُّدَ يَقُولُ " قُولُوا التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ " رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَعَنْ الْقَاسِمِ بن

(3/456)


مُحَمَّدٍ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَتْ إذَا تَشَهَّدَتْ قَالَتْ التَّحِيَّاتُ الطَّيِّبَاتُ الصَّلَوَاتُ الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ " صَحِيحٌ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي التَّشَهُّدِ وَكُلُّهَا صَحِيحَةٌ وَأَشَدُّهَا صِحَّةً بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ ثُمَّ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَبِأَيِّهَا تَشَهَّدَ أَجْزَأَهُ لَكِنَّ تَشَهُّدَ ابْنِ عَبَّاسٍ أَفْضَلُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَأَفْضَلُ التَّشَهُّدِ أَنْ يَقُولَ إلَى آخِرِهِ فَقَوْلُهُ أَفْضَلُ التَّشَهُّدِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ غَيْرِهِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَمِمَّنْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَالَ أَصْحَابُنَا انما رجح الشافعي تشهد ابن عباس على تَشَهُّدَ ابْنِ مَسْعُودٍ لِزِيَادَةِ لَفْظَةِ الْمُبَارَكَاتِ وَلِأَنَّهَا مُوَافِقَةٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ الله مباركة طيبة وَلِقَوْلِهِ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ وَرَجَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ لِابْنِ عَبَّاسٍ وَأَقْرَانِهِ مِنْ أَحْدَاثِ الصَّحَابَةِ فَيَكُونُ مُتَأَخِّرًا عَنْ تَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَضْرَابِهِ
* وَاخْتَارَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ تَشَهُّدَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَاخْتَارَ مَالِكٌ تَشَهُّدَ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ الَّذِي فِي أَوَّلِهِ بِاسْمِ اللَّهِ وَبِاَللَّهِ فَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْهُمْ وَكَذَا نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ وَمِمَّنْ ضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَرَوَى التَّسْمِيَةَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ وَضَعَّفَهَا وَنُقِلَ تَضْعِيفُهُ عَنْ الْبُخَارِيِّ وَذَكَرَ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ
أَنَّ حَدِيثَ جَابِرٍ صحيح ولا يقبل ذلك منه فان الذى ضَعَّفُوهُ أَحْمَلُ مِنْ الْحَاكِمِ وَأَتْقَنُ
* وَأَمَّا أَلْفَاظُ الْفَصْلِ فَسُمِّيَ التَّشَهُّدَ لِمَا فِيهِ مِنْ الشَّهَادَتَيْنِ وَقَوْلُهُ التَّحِيَّاتُ جَمْعُ تَحِيَّةٍ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ قَالَ الْفَرَّاءُ (1) الْمُلْكُ وَقِيلَ الْبَقَاءُ الدَّائِمُ وَقِيلَ السَّلَامَةُ وَتَقْدِيرُهُ السَّلَامَةُ مِنْ الْآفَاتِ حَكَاهَا الْأَزْهَرِيُّ وَقِيلَ التَّحِيَّةُ الْحَيَا وَالْأَوَّلُ رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَآخَرُونَ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ إنَّمَا قِيلَ التَّحِيَّاتُ بِالْجَمْعِ لِأَنَّهُ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ مُلُوكِهِمْ تَحِيَّةٌ يُحَيَّا بِهَا فَقِيلَ لَنَا قُولُوا التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ أَيْ الْأَلْفَاظُ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى الْمُلْكِ مُسْتَحَقَّةٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ قَالَ الْبَغَوِيّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ لِأَنَّ شَيْئًا مِمَّا كَانُوا يُحَيُّونَ بِهِ الْمُلُوكَ لَا يَصْلُحُ لِلثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَقَوْلُهُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ قَالُوا تَقْدِيرُهُ وَالْمُبَارَكَاتُ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ بِالْوَاوِ كَمَا جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ الْبَاقِيَةِ ولكن حذفت الواو وحذف واو العطب جَائِزٌ (قَوْلُهُ) الصَّلَوَاتُ قِيلَ الْمُرَادُ بِهِ الْعِبَادَاتُ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَقِيلَ

(3/457)


الرَّحْمَةُ وَقِيلَ الْأَدْعِيَةُ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَقِيلَ الْمُرَادُ الصَّلَوَاتُ الشَّرْعِيَّةُ وَقِيلَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْإِشْرَافِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ والبيان قال صاحب المطالع علي هذا تقديره الصَّلَوَاتِ لِلَّهِ مِنْهُ أَيْ هُوَ الْمُتَفَضِّلُ بِهَا وَقِيلَ الْمَعْبُودُ بِهَا (قَوْلُهُ) الطَّيِّبَاتُ قِيلَ مَعْنَاهُ الطَّيِّبَاتُ مِنْ الْكَلَامِ الَّذِي هُوَ ثَنَاءٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَذِكْرٌ لَهُ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَآخَرُونَ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ مَا طَابَ وَحَسُنَ مِنْ الْكَلَامِ فَيَصْلُحُ أَنْ يُثْنِيَ بِهِ عَلَيْهِ وَيُدْعَى بِهِ دُونَ مَا لَا يَلِيقُ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ بَطَّالٍ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ مَعْنَاهُ الصَّالِحَةُ " قَوْلُهُ سَلَامٌ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ " قَالَ الْأَزْهَرِيُّ فِيهِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
مَعْنَاهُ اسْمُ السَّلَامِ أَيْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْكَ (وَالثَّانِي) مَعْنَاهُ سَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْكَ تَسْلِيمًا وَسَلَامًا وَمَنْ سَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَلِمَ مِنْ الْآفَاتِ كُلِّهَا " قَوْلُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا " لَمْ أَرَ لِأَحَدٍ كَلَامًا فِي الضَّمِيرِ فِي عَلَيْنَا وَفَاوَضْتُ فِيهِ كِبَارًا فَحَصَلَ أَنَّ الْمُرَادَ الْحَاضِرُونَ مِنْ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِينَ وَالْمَلَائِكَةِ وَغَيْرِهِمْ " وَقَوْلُهُ وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ " الْعِبَادُ جَمْعُ عَبْدٍ رَوَيْنَا عَنْ الْأُسْتَاذِ أَبِي الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيِّ فِي رِسَالَتِهِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ الدَّقَّاقِ يَقُولُ ليس شئ أَشْرَفَ مِنْ الْعُبُودِيَّةِ وَلَا اسْمٌ أَتَمَّ لِلْمُؤْمِنِ مِنْ الْوَصْفِ بِالْعُبُودِيَّةِ وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ وَكَانَتْ أَشْرَفَ أَوْقَاتِهِ (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ ليلا)
وقال تعالي (فأوحى إلى عبده) والصالحون جمع صالح قال أبو اسحق الزَّجَّاجُ وَصَاحِبُ الْمَطَالِعِ هُوَ الْقَائِمُ بِمَا عَلَيْهِ من حقوق الله تعالي وَحُقُوقِ عِبَادِهِ وَقَوْلُهُ " أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " مَعْنَاهُ أَعْلَمُ وَأُبَيِّنُ " قَوْلُهُ رَسُولُ اللَّهِ " قَالَ الْأَزْهَرِيُّ الرَّسُولُ هُوَ الَّذِي يُتَابِعُ أَخْبَارَ مَنْ بَعَثَهُ وَقَالَ غَيْرُهُ لِتَتَابُعِ الْوَحْيِ إلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِمَا رَوَى جَابِرٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كذا وقع في المهذب وفيه مخذوف تَقْدِيرُهُ " عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُهُمْ السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ بِسْمِ اللَّهِ وَبِاَللَّهِ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ " إلَى آخِرِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ لِأَنَّ هَذَا يَأْتِي عَلَى مَعْنَى الْجَمِيعِ فَيُنَازَعُ فِيهِ لِأَنَّ لَفْظَ التَّحِيَّاتِ لَا يَتَضَمَّنُ الْمُبَارَكَاتِ وَالصَّلَوَاتِ وَالطَّيِّبَاتِ
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَأَكْمَلُ التَّشَهُّدِ عِنْدَنَا تَشَهُّدُ ابْنِ عَبَّاسٍ بِكَمَالِهِ وَيَقُومُ مَقَامَهُ فِي الْكَلَامِ (1) تَشَهُّدُ ابْنِ مَسْعُودٍ ثُمَّ تَشَهُّدُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَقَدْ بَيَّنَّا الْجَمِيعَ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا غَرِيبًا أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَقُولَ " التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الزَّاكِيَاتُ وَالصَّلَوَاتُ لِلَّهِ " لِيَكُونَ جَامِعًا لَهَا كُلَّهَا وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ أَبُو علي الطبري يستحب أَنْ يَقُولَ فِي أَوَّلِهِ بِسْمِ اللَّهِ وَبِاَللَّهِ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ إلَى آخِرِهِ وَقَطَعَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ التَّسْمِيَةُ وَلَمْ يَذْكُرْهَا الشَّافِعِيُّ لِعَدَمِ ثُبُوتِ الْحَدِيثِ فِيهَا وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ التَّسْمِيَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ وَلَمْ يَقُلْ بِهَا غَيْرُهُمَا مِنْ الْفُقَهَاءِ وَأَمَّا أَقَلُّ التَّشَهُّدِ فقال
__________
(1) كذا في الاصل و؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ فحرره اه

(3/458)


الشَّافِعِيُّ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ أَقَلُّهُ " التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ سَلَامٌ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ سَلَامٌ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ " وَقَالَ جَمَاعَةٌ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُهُ كَذَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالرُّويَانِيُّ وَقَالَ الْبَغَوِيّ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُهُ قَالَ وَنَقَلَهُ ابْنُ كَجٍّ وَالصَّيْدَلَانِيّ فَأَسْقَطَا قَوْلَهُ وَبَرَكَاتُهُ وَقَالَا وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ (قُلْتُ) وَكَذَا رَأَيْتُ نَصَّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ كَمَا نَقَلَهُ الصَّيْدَلَانِيُّ وَكَذَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ عن الام وقال ابن سريج أَقَلُّهُ " التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ سَلَامٌ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ سَلَامٌ عَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُهُ " وَأَسْقَطَ بَعْضُهُمْ فِي الْحِكَايَةِ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ لفظ السلام الثاني فقال
" السلام عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ " وَأَسْقَطَ بَعْضُهُمْ الصَّالِحِينَ وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَلِيمِيِّ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ تَكَرَّرَ فِي الْأَحَادِيثِ وَلَمْ يَسْقُطْ في شئ مِنْ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ فَيَجِبُ الْإِتْيَانُ بِهِ كُلِّهِ وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يَتَعَيَّنُ لَفْظَةُ التَّحِيَّاتِ لِثُبُوتِهَا فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ بِخِلَافِ الْمُبَارَكَاتِ وَمَا بَعْدَهَا وَمِمَّا يَدُلُّ لِسُقُوطِ لَفْظَةِ وَأَشْهَدُ رِوَايَةُ أَبِي مُوسَى السَّابِقَةُ وَأَمَّا إسْقَاطُ الصَّالِحِينَ فَخَطَأٌ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ بِالسَّلَامِ عَلَى كُلِّ الْعِبَادِ هُنَا بَلْ خَصَّ بِهِ الصَّالِحِينَ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ إسْقَاطُ عَلَيْنَا خَطَأً أَيْضًا لِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَا يَدْخُلُ فِي الصَّالِحِينَ فَلَا يَجُوزُ حَذْفُهُ فَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي قَوْلِهِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) وُجُوبُهُمَا (وَالثَّانِي) حَذْفُهُمَا (وَالثَّالِثُ) وُجُوبُ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَفِي عَلَيْنَا والصالحين ثلاثة أوجه (أصحها) وجوبهما (والثاني) حذفهما (والثالث) وُجُوبُ الصَّالِحِينَ دُونَ عَلَيْنَا وَفِي الشَّهَادَةِ الثَّانِيَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ الْأَصَحُّ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ (وَالثَّالِثُ) وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
وَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ فِي التَّشَهُّدِ سَلَامٌ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ سَلَامٌ عَلَيْنَا بِتَنْكِيرِ سَلَامٍ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَكَذَا هُوَ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَكَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَآخَرُونَ وَكَذَا جَاءَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ وَقَالَ جَمَاعَاتٌ مِنْ الْأَصْحَابِ السَّلَامُ عَلَيْكَ السَّلَامُ عَلَيْنَا بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فِيهِمَا وَكَذَا جَاءَ فِي أَكْثَرِ الْأَحَادِيثِ وَأَكْثَرِ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَوَقَعَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ سَلَامٌ عَلَيْنَا بِإِثْبَاتِ

(3/459)


الْأَلِفِ وَاللَّامِ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ جَمِيعَ هَذَا جَائِزٌ لَكِنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ أَفْضَلُ لِكَثْرَتِهِ فِي الْأَحَادِيثِ وَكَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَلِزِيَادَتِهِ فَيَكُونُ أَحْوَطَ وَلِمُوَافَقَتِهِ سَلَامَ التَّحَلُّلِ من الصَّلَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ
*
* (قَالَ فِي الْأُمِّ وَإِنْ تَرَكَ التَّرْتِيبَ لَمْ يَضُرَّ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ مَعَ تَرْكِ التَّرْتِيبِ وَيُسْتَحَبُّ إذَا بَلَغَ الشَّهَادَةَ أَنْ يُشِيرَ بِالْمُسَبِّحَةِ لما روينا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَوَائِلِ بن حجر رضي الله تعالي عَنْهُمْ وَهَلْ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا التَّشَهُّدِ فِيهِ قَوْلَانِ قَالَ فِي الْقَدِيمِ
لَا يُصَلِّي لِأَنَّهَا لَوْ شُرِعَتْ الصَّلَاةُ فِيهِ عَلَيْهِ لَشُرِعَتْ عَلَى آلِهِ كَالتَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ وَقَالَ فِي الْأُمِّ يُصَلِّي عَلَيْهِ لانه قعود شرع فيه التشهد فَشُرِعَ فِيهِ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كالعقود في آخر الصلاة)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* قَوْلُهُ قُعُودٌ شُرِعَ فِيهِ التَّشَهُّدُ احْتِرَازٌ مِنْ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَمِنْ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ ثَلَاثُ مَسَائِلَ (إحْدَاهَا) اسْتِحْبَابُ الْإِشَارَةِ بِالْمُسَبِّحَةِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَفُرُوعِهَا وَبَيَانُ أَحَادِيثِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا فِي السَّابِقِ (الثَّانِيَةُ) لَفْظُ التَّشَهُّدِ مُتَعَيَّنٌ فَلَوْ أَبْدَلَهُ بِمَعْنَاهُ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ إنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى لَفْظِهِ بِالْعَرَبِيَّةِ فَإِنْ عَجَزَ أَجْزَأَتْهُ تَرْجَمَتُهُ وَعَلَيْهِ التَّعَلُّمُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي فَصْلِ التَّكْبِيرِ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَجْهًا أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَعْلَمُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ بَدَلَ أَشْهَدُ أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ بِمَعْنَاهُ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ كَسَائِرِ الْكَلِمَاتِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ بِالتَّشَهُّدِ مُرَتَّبًا فَإِنْ تَرَكَ تَرْتِيبَهُ نُظِرَ إنْ غَيَّرَهُ تَغْيِيرًا مُبْطِلًا لِلْمَعْنَى لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ إنْ تعمده لانه كلام أجنبي وان لم يغيره فَطَرِيقَانِ الْمَذْهَبُ صِحَّتُهُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ (وَالثَّانِي) فِي صِحَّتِهِ وَجْهَانِ وَقِيلَ قَوْلَانِ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَقَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَقَدْ رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ فِي التَّشَهُّدِ " أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ " وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا (الثَّالِثَةُ) هَلْ تُشْرَعُ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقِبَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (الْقَدِيمُ) لَا يُشْرَعُ وَبِهِ قطع أبو حنيفة واحمد واسحق وَحُكِيَ عَنْ عَطَاءٍ وَالشُّعَبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ (وَالْجَدِيدُ) الصَّحِيحُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ تُشْرَعُ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ وَحَكَى الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ طَرِيقَيْنِ (أَحَدُهُمَا) هَذَا
(وَالثَّانِي)
يُسَنُّ قَوْلًا وَاحِدًا وَحَكَى صَاحِبُ الْعُدَّةِ طريقين

(3/460)


(أَحَدُهُمَا) قَوْلَانِ (وَالثَّانِي) لَا يُسَنُّ قَوْلًا وَاحِدًا فَحَصَلَ ثَلَاثُ طُرُقٍ الْمَشْهُورُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تُسَنُّ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَالْإِمْلَاءِ وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى الْآلِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ فَفِيهِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ لَا يُشْرَعُ (وَالثَّانِي) حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ أَنَّهُ يَبْنِي عَلَى وُجُوبِهَا فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ
فَإِنْ لَمْ نُوجِبْهَا وَهُوَ الْمَذْهَبُ لَمْ تُشْرَعْ هُنَا وَإِلَّا فَقَوْلَانِ كَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الرَّافِعِيُّ فَإِنْ قُلْنَا لَا تُسَنُّ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَلَا فِي القنوت ففعلهما في احدهما أو اوجبناها على الاول فِي الْأَخِيرِ وَلَمْ نَسُنَّهَا فِي الْأَوَّلِ فَإِنْ أَتَى بِهَا فِيهِ فَقَدْ نَقَلَ رُكْنًا إلَى غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَفِي بُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِهِ خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا يُكْرَهُ أَنْ يَزِيدَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ عَلَى لَفْظِ التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْآلِ إذَا سَنَنَّاهُمَا فَيُكْرَهُ أَنْ يَدْعُوَ فِيهِ أَوْ يُطَوِّلَهُ بِذِكْرٍ آخر فال فَإِنْ فَعَلَ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَلَمْ يَسْجُدْ لِلسَّهْوِ سَوَاءٌ طَوَّلَهُ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا هَكَذَا نَقَلَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهَا وَقَدْ يُحْتَجُّ لَهُ بِحَدِيثِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ كَأَنَّهُ عَلَى الرَّضْفِ قَالُوا حَتَّى يَقُومَ " رَوَاهُ أبو داود والترمزى وَالنَّسَائِيِّ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ لِأَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ أَبَاهُ وَلَمْ يُدْرِكْهُ بِاتِّفَاقِهِمْ وَهُوَ حَدِيثٌ مُنْقَطِعٌ
* قال الصنف رحمه الله
*
* (ثُمَّ يَقُومُ إلَى الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ مُعْتَمِدًا عَلَى الْأَرْضِ بِيَدَيْهِ لِمَا رَوَيْنَاهُ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى ثُمَّ يُصَلِّي مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ مِثْلَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ إلَّا فيما بيناه من الجهر وقراءة السورة)
*
* (الشَّرْحُ)
* مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَقُومُ إلَى الثَّالِثَةِ مُعْتَمِدًا بِيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ وَسَبَقَ بَيَانُ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ وَدَلِيلُنَا وَدَلِيلُهُمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيَقُومُ مُكَبِّرًا وَيَبْتَدِئُ التَّكْبِيرَ مِنْ حِينِ يَبْتَدِئُ

(3/461)


الْقِيَامَ وَيَمُدُّهُ إلَى أَنْ يَنْتَصِبَ قَائِمًا وَقَدْ سَبَقَ فِي فَصْلِ الرُّكُوعِ حِكَايَةُ قَوْلٍ نَقَلَهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ أَنَّهُ لَا يَمُدُّهُ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ كَوْنُهُ تَرَكَ ذِكْرَ التَّكْبِيرِ وَهُوَ سُنَّةٌ بِلَا خِلَافٍ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي سَبَقَ ذِكْرُهَا فِي فَصْلِ الرُّكُوعِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ اسْتِحْبَابِ ابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ مِنْ الْقِيَامِ هُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ
(أحدهما)
هَكَذَا (وَالثَّانِيَةُ) وَهُوَ أَنَّ شِرْعَتَهُ أَنَّهُ لَا يكبر في قِيَامِهِ فَإِذَا انْتَصَبَ قَائِمًا ابْتَدَأَ التَّكْبِيرَ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ الْمَالِكِيُّ وَهَذَا الَّذِي
يُوَافِقُ الْجُمْهُورَ أَوْلَى قَالَ وَهُوَ الَّذِي تَشْهَدُ لَهُ الْآثَارُ قَالَ أَصْحَابُنَا ثُمَّ يُصَلِّي الرَّكْعَةَ الثَّالِثَةَ كَالثَّانِيَةِ إلَّا فِي الْجَهْرِ وَقِرَاءَةِ السُّورَةِ فَفِيهَا قَوْلَانِ سَبَقَا هَلْ تُشْرَعُ أَمْ لَا فَإِنْ شُرِعَتْ فَهِيَ أَخَفُّ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي الثَّانِيَةِ كَمَا سَبَقَ وَجْهَانِ فِي اسْتِحْبَابِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ إذَا قَامَ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَذَكَرْنَا أَنَّ الْمَشْهُورَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ وَأَنَّ الصَّحِيحَ أَوْ الصَّوَابَ أَنَّهُ يَرْفَعُ يَدَيْهِ وَبَسَطْنَا دَلَائِلَهُ وَاَللَّهُ أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (فَإِذَا بَلَغَ آخِرَ الصَّلَاةِ جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ وَتَشَهَّدَ وَهُوَ فَرْضٌ لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كُنَّا نَقُولُ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْنَا التَّشَهُّدُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ قَبْلَ عِبَادِهِ السَّلَامُ عَلَى جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَقُولُوا السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ السلام ولكن قولوا التحيات لله ")
*
*
* (الشَّرْحُ)
* إذَا بَلَغَ آخِرَ صَلَاتِهِ جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ وَتَشَهَّدَ وَهَذَا الْجُلُوسُ وَالتَّشَهُّدُ فِيهِ فَرْضَانِ عِنْدَنَا لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إلَّا بِهِمَا وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَدَاوُد وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تعالي عَنْهُ وَنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِمَا
* وَقَالَ أبو حنيفة ومالك الجلوس بقدر التسهد وَاجِبٌ وَلَا يَجِبُ التَّشَهُّدُ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَالزُّهْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَمَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّشَهُّدُ الْأَخِيرُ وَلَا جُلُوسُهُ إلَّا أَنَّ الزُّهْرِيَّ وَمَالِكًا وَالْأَوْزَاعِيَّ قَالُوا لَوْ تَرَكَهُ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْأَشْهَرُ عَنْهُ أَنَّ الْوَاجِبَ الْجُلُوسُ بِقَدْرِ السَّلَامِ فَقَطْ
* وَاحْتَجَّ لهم بحديث المسئ صَلَاتَهُ وَبِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعَمَ الْأَفْرِيقِيِّ عَنْ بَكْرِ بْنِ سَوَادَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَعَدَ الْإِمَامُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ ثُمَّ أَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يَتَشَهَّدَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ " وَفِي رِوَايَةٍ ثُمَّ أَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَأَلْفَاظُهُمْ مُخْتَلِفَةٌ وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ الله تعالى عنه موقوقا وَقِيَاسًا عَلَى التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَالتَّسْبِيحِ لِلرُّكُوعِ
* وَاحْتَجَّ أصحاننا بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ

(3/462)


الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ صَحِيحٌ بِهَذَا اللَّفْظِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَا إسْنَادُهُ صَحِيحٌ قَالَ
أَصْحَابُنَا وَفِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
قَوْلُهُ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ التَّشَهُّدُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ فَرْضٌ
(وَالثَّانِي)
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَلَكِنْ قُولُوا التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ " وَهَذَا أَمْرٌ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَلَمْ يثبت شئ صَرِيحٌ فِي خِلَافِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلِأَنَّ التَّشَهُّدَ شَبِيهٌ بِالْقِرَاءَةِ لِأَنَّ الْقِيَامَ وَالْقُعُودَ لَا تَتَمَيَّزُ الْعِبَادَةُ مِنْهُمَا عَنْ الْعَادَةِ فَوَجَبَ فِيهِمَا ذِكْرٌ لِيَتَمَيَّزَ بِخِلَافِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ
* وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حديث المسئ صَلَاتَهُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ لَهُ لِأَنَّهُ كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ لَهُ النِّيَّةَ وَقَدْ أَجْمَعْنَا عَلَى وُجُوبِهَا وَلَمْ يَذْكُرْ الْقُعُودَ لِلتَّشَهُّدِ وَقَدْ وَافَقَ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى وُجُوبِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ السَّلَامَ وَقَدْ وَافَقَ مَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ عَلَى وُجُوبِهِ وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ ابن عمر وأنه ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْحُفَّاظِ مِمَّنْ نَصَّ عَلَى ضَعْفِهِ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَضَعْفُهُ ظَاهِرٌ قَالَ التِّرْمِذِيُّ لَيْسَ إسْنَادُهُ بِقَوِيٍّ وَقَدْ اضْطَرَبُوا فِيهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَضَعْفُهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ (أَنَّهُ) مُضْطَرِبٌ وَالْأَفْرِيقِيُّ ضَعِيفٌ أَيْضًا بِاتِّفَاقِ الْحُفَّاظِ وَبَكْرُ بْنُ سَوَادَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَأَمَّا الْمَنْقُولُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَضَعِيفٌ أَيْضًا ضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَرَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّ هَذَا لَا يَصِحُّ.
وَأَمَّا الْقِيَاسُ عَلَى التَّسْبِيحِ فِي الرُّكُوعِ فَقَدْ سَبَقَ الْجَوَابُ عَنْهُ وَعَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى التَّشَهُّدِ الْأَوَّلُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَبَرَ تَرْكَهُ بِالسُّجُودِ وَلَوْ كَانَ فَرْضًا لَمْ يُجْبَرْ وَلَمْ يَجُزْ هَذَا التَّشَهُّدُ: قَالَ إمَامُ الحرمين في (1) وَلَمْ يَزَلْ الْمُسْلِمُونَ يَجْبُرُونَ الْأَوَّلَ بِالسُّجُودِ دُونَ الثَّانِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى الْإِسْرَارِ بِالتَّشَهُّدَيْنِ وَكَرَاهَةِ الْجَهْرِ بِهِمَا وَاحْتَجُّوا لَهُ بحديث عبد الله ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " مَنْ السُّنَّةِ أَنْ يُخْفِي التَّشَهُّدَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ *
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (وَالسُّنَّةُ فِي هذا القعود أن يكون متوركا فيخرج رجليه مِنْ جَانِبِ وَرِكِهِ الْأَيْمَنِ وَيَضَعُ أَلْيَتَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ لِمَا رَوَى أَبُو حُمَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إذا جلس في الاولتين جَلَسَ عَلَى قَدَمِهِ الْيُسْرَى وَنَصَبَ قَدَمَهُ الْيُمْنَى وإذا جلس في الاخيرة جَلَسَ عَلَى أَلْيَتَيْهِ وَجَعَلَ بَطْنَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى تَحْتَ مَأْبِضِ الْيُمْنَى وَنَصَبَ قَدَمَهُ الْيُمْنَى وَلِأَنَّ الْجُلُوسَ فِي هَذَا التَّشَهُّدِ يَطُولُ فَكَانَ التَّوَرُّكُ فِيهِ أَمْكَنَ وَالْجُلُوسُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ يَقْصُرُ فَكَانَ الِافْتِرَاشُ فِيهِ أَشْبَهَ وَيَتَشَهَّدُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ)
** (الشَّرْحُ)
* وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ سَبَقَتْ بِدَلَائِلِهَا وَفُرُوعِهَا وَمَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيهَا فِي الْفَصْلِ الَّذِي قبل هذا * قال المصنف رحمه الله
*
* (فإذا فرغ من التشهد صلى علاى لنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فَرْضٌ فِي هذا الجلوس لما روت عائشة
__________
(1) بياض بالاصل ولعله في كتاب الاساليب

(3/463)


رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ إلَّا بِطَهُورٍ وَبِالصَّلَاةِ عَلَيَّ " وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ انك حميد مجيد لما روى كعب ابن عجرة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال ذلك والواجب من ذلك اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَفِي الصَّلَاةِ عَلَى آلِهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَجِبُ لِمَا رَوَى أَبُو حُمَيْدٍ قَالَ " قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ فَقَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ " وَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا لَا تجب للاجماع)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* الَّذِي أَرَاهُ تَقْدِيمَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا قَدْ عَلِمْنَا أَوْ عَرَفْنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ فَكَيْفَ نُصَلِّي عليك قال قولوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد " كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَكَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَآلِ إبْرَاهِيمَ " وَعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ قَالَ " قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدُ مَجِيدٌ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَذَا لَفْظُهُ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا السَّلَامُ عَلَيْكَ فَكَيْفَ نُصَلِّي عليك قال قولوا اللهم صل على محمد عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ
عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَآلِ إبْرَاهِيمَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي وَسَطِ كِتَابِ الدَّعَوَاتِ بِهَذِهِ الْأَحْرُفِ وَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ الْحُفَّاظِ الْمُتَأَخِّرِينَ الْكِبَارِ عَزَاهُ إلَى الْبُخَارِيِّ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَهِيَ لِمَا يَدُهُ حَيِيَّةٌ (1) وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ الْبَدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ فِي مَجْلِسِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَقَالَ لَهُ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ أَمَرَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْك فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَمَنَّيْنَا أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهُ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمِ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ وَالسَّلَامُ كَمَا قَدْ عَلِمْتُمْ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَفِي رِوَايَةٍ كَيْفَ " نُصَلِّي عَلَيْكَ إذَا نَحْنُ صَلَّيْنَا عَلَيْكَ فِي صَلَاتِنَا قَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صليت
__________
(1) كذا بالاصل فحرر

(3/464)


عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ " رَوَاهَا أَبُو حَاتِمِ بْنُ حِبَّانَ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَالْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي صحيحهما والدارقطني والبيهقي واحتجوا بها قال الدارقطني هَذَا إسْنَادٌ حَسَنٌ وَقَالَ الْحَاكِمُ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَائِدَتَانِ (إحْدَاهُمَا) قَوْلُهُ إذَا نَحْنُ صَلَّيْنَا عَلَيْكَ فِي صَلَاتِنَا (وَالثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ لِأَنَّ أَكْثَرَ رِوَايَاتِ هَذَا الْحَدِيثِ لَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ إبْرَاهِيمَ إنَّمَا فِيهَا كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ وَعَنْ فُضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ لَمْ يُمَجِّدْ اللَّهَ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَجِلَ هَذَا ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ وَلِغَيْرِهِ إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَمْجِيدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَدْعُو بَعْدُ بما شاء " رواه أبو داود الترمذي وَالنَّسَائِيِّ وَأَبُو حَاتِمِ بْنُ حِبَّانَ - بِكَسْرِ الْحَاءِ - وأبو عبد الله الحاكم في صحيحهما وَغَيْرُهُمْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَالَ الْحَاكِمُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَاهُ وَأَمَّا كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ - بِضَمِّ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ
الْجِيمِ وَبِالرَّاءِ - فَهُوَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَيُقَالُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ويقال أبو اسحق بْنُ عُجْرَةَ الْأَنْصَارِيُّ السَّالِمِيُّ شَهِدَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ توفى بالمدينة سنه اثنين وَقِيلَ ثَلَاثٍ وَقِيلَ إحْدَى وَخَمْسِينَ وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ (وَقَوْلُهُ) حَمِيدٌ مَجِيدٌ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَالْمَعَانِي وَالْمُفَسِّرُونَ الْحَمِيدُ بِمَعْنَى الْمَحْمُودِ وَهُوَ الَّذِي تُحْمَدُ أَفْعَالُهُ وَالْمَجِيدُ الْمَاجِدُ وَهُوَ مَنْ كَمُلَ فِي الشَّرَفِ وَالْكَرَمِ وَالصِّفَاتِ الْمَحْمُودَةِ
* أَمَّا أَحْكَامُ الْمَسْأَلَةِ فَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ فَرْضٌ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا إلَّا مَا سَأَذْكُرُهُ عَنْ ابْنِ الْمُنْذِرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّهُ مِنْ أَصْحَابِنَا
* وَفِي وُجُوبِهَا عَلَى الْآلِ وَجْهَانِ وَحَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ قَوْلَيْنِ وَالْمَشْهُورُ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ أَنَّهَا لَا تَجِبُ وَالثَّانِي تَجِبُ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْجُمْهُورُ قَائِلَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَقَدْ بَيَّنَهُ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي كِتَابِهِ الْجَامِعِ وَأَبُو الْفَتْحِ سُلَيْمٌ الرَّازِيّ فِي تَقْرِيبِهِ وَصَاحِبُهُ الشَّيْخُ أَبُو الْفَتْحِ نَصْرُ الْمَقْدِسِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ فَقَالُوا هُوَ قَوْلُ التُّرْبَجِيِّ مِنْ أصحابنا - بمثناه من فوق مضمومة ثم راء ساكنة ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ جِيمٍ - وَاحْتَجَّ لَهُ بِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْآلِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَحْتَجَّ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمُصَرِّحَةِ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْآلِ وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ بِالْآلِ الْأَهْلَ وَهُمْ الْأَزْوَاجُ وَالذُّرِّيَّةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ أَحَدُ الْمَذَاهِبِ فِي ذَلِكَ كَمَا سَأَذْكُرُهُ فِي فَرْعٍ مُسْتَقِلٍّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله

(3/465)


وَغَيْرُهُ وَهَذَا الْوَجْهُ مَرْدُودٌ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ قِيلَ قَائِلُهُ إنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْآلِ لَا تَجِبُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَالْأَفْضَلُ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْمَعَ مَا فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ فَيَقُولُ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ وَأَمَّا أَقَلُّ الصَّلَاةِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ هُوَ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ فَلَوْ قال صلى الله علي محمد فوجهان حكلاهما صَاحِبُ الْحَاوِي قَالَ وَهُمَا كَالْوَجْهَيْنِ فِي قَوْلِهِ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى النَّبِيِّ أَوْ عَلَى أَحْمَدَ أَجْزَأَهُ
وَكَذَا قَطَعَ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ أَجْزَأَهُ قَالَ وَفِي وَجْهٍ يَكْفِي أَنْ يَقُولَ صَلَّى الله عليه والكنابة تَرْجِعُ إلَى قَوْلِهِ فِي التَّشَهُّدِ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالَ وَهَذَا نَظَرٌ إلَى الْمَعْنَى وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ لَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى أَحْمَدَ أَوْ النَّبِيِّ بَلْ تَسْمِيَةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاجِبَةٌ قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَأَقَلُّ الصلاة علي الآل اللهم صلي عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَأْتِيَ بِالصَّلَاةِ على النبي صلي الله عليه وآله بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ التَّشَهُّدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي بَيَانِ آلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَأْمُورِ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ وَفِيهِمْ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ لِأَصْحَابِنَا (الصَّحِيحُ) فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُمْ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي حَرْمَلَةَ وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْأَزْهَرِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَطَعَ به جمهور الاصحاب
(والثانى)
أنهم عترته الذى يُنْسَبُونَ إلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ أَوْلَادُ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَنَسْلُهُمْ أَبَدًا حَكَاهُ الْأَزْهَرِيُّ وَآخَرُونَ (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُمْ كُلُّ الْمُسْلِمِينَ التَّابِعِينَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَاخْتَارَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَآخَرُونَ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الصحابي وسفيان الثور وَغَيْرِهِمَا
* وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِهَذَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (أدخلوا آل فرعون أشد العذاب) وَالْمُرَادُ جَمِيعُ أَتْبَاعِهِ كُلِّهِمْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَيُحْتَجُّ لَهُمْ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لِنُوحٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثنين وأهلك) وَ (قَالَ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين

(3/466)


قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ انه عمل غير صالح) فَأَخْرَجَهُ بِالشِّرْكِ عَنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ نُوحٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ أَجَابَ الشَّافِعِيُّ عَنْ هَذَا فَقَالَ الَّذِي نَذْهَبُ إلَيْهِ أَنَّ مَعْنَى الاية انه ليس من أهلك الذى أَمَرْنَاكَ بِحَمْلِهِمْ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ (وَأَهْلَكَ إِلا من سبق عليه القول منهم) فَأَعْلَمَهُ أَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ لَا يَحْمِلَ مِنْ أَهْلِهِ مَنْ يَسْبِقُ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْ أَهْلِ مَعْصِيَتِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ) وعن وائلة بْنِ الْأَسْقَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " جِئْتُ أَطْلُبُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلَمْ أَجِدْهُ فقالت فاطمة رضي الله تعالى عَنْهَا انْطَلَقَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعوه فاجلس فَجَاءَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَا فَدَخَلْتُ مَعَهُمَا فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
حَسَنًا وَحُسَيْنًا فَأَجْلَسَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى فَخِذِهِ وَأَدْنَى فَاطِمَةَ مِنْ حِجْرِهِ وَزَوْجَهَا ثُمَّ لَفَّ عَلَيْهِمْ ثَوْبَهُ وَأَنَّهُ مُنْتَبِزٌ فَقَالَ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البيت ويطهركم تطهيرا اللهم هؤلاء أهلي اللهم حق قال وائلة قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَنَا مِنْ أَهْلِكَ قال وأنت من أهلي قال وائلة انها لمن أرجا مَا أَرْجُوهُ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ قال وهو إلى تخصيص وائلة بذلك أقرب من تعميم الامامة كلها به وكانه جعل وائلة فِي حُكْمِ الْأَهْلِ تَشْبِيهًا بِمَنْ يَسْتَحِقُّ هَذَا الِاسْمَ لَا تَحْقِيقًا وَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَبُو هُرْمُزَةَ نَافِعٌ السُّلَمِيُّ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ مَنْ آلُ مُحَمَّدٍ " فقال كل مؤمن تَقِيٍّ " فَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا ضَعِيفٌ لَا يَحِلُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ لِأَنَّ أَبَا هُرْمُزَةَ كَذَّبَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْحُفَّاظِ
* وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ وَالْأَصْحَابُ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْآلُ هُمْ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهَا فَرْضٌ فِيهِ وَنَقَلَهُ أَصْحَابُنَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِهِ رَضِيَ اللَّهُ تعالي عَنْهُمَا وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ ابْنِ مسعود وابى مسعود البدرى رضي الله تعالى عَنْهُمَا وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ
* وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ لَا وَاجِبَةٌ حكاه ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مَالِكٍ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَعَنْ الثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ وَأَهْلِ الرَّأْيِ وَجُمْلَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ أَقُولُ وقال اسحق إنْ تَرَكَهَا عَمْدًا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَإِنْ تَرَكَهَا سَهْوًا رَجَوْتُ أَنْ تُجْزِئَهُ
* وَاحْتَجَّ لَهُمْ بحديث " المسئ صَلَاتَهُ " وَبِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي التَّشَهُّدِ ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهِ فَإِذَا فَعَلْتَ هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُكَ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (صَلُّوا عليه وسلموا تسليما) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَذِهِ الْآيَةِ الصَّلَاةَ وَأَوْلَى الْأَحْوَالِ بِهَا حَالُ الصَّلَاةِ قَالَ أَصْحَابُنَا الْآيَةُ تَقْتَضِي وُجُوبَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّهَا لَا تَجِبُ فِي غَيْرِ الصلاة

(3/467)


قَالَ الْكَرْخِيُّ مَحْجُوجٌ بِالْإِجْمَاعِ قَبْلَهُ: وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بالاحاديث الصحيحة السابقة: واجابوا عن حديث " المسئ صَلَاتَهُ " بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ التشهد وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى
ذَكَرِهِمَا كَمَا لَمْ يَذْكُرْ الْجُلُوسَ وَقَدْ أَجْمَعْنَا عَلَى وُجُوبِهِ وَإِنَّمَا ترك للعلم به كما تُرِكَتْ النِّيَّةُ لِلْعِلْمِ بِهَا وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاتِّفَاقِ الْحُفَّاظِ وَسَيَأْتِي ايضا ج إدْرَاجِهَا وَقَوْلُ الْحُفَّاظِ فِيهِ فِي مَسْأَلَةِ الْخِلَافِ فِي وُجُوبِ السَّلَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله
*
* (نم يَدْعُو بِمَا أَحَبَّ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذا تشهد أحدكم فليتعوذ من اربع من عَذَابِ النَّارِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ وَفِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَفِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ ثُمَّ يَدْعُو لِنَفْسِهِ بِمَا بَدَا لَهُ فَإِنْ كَانَ إمَامًا لَمْ يُطِلْ الدُّعَاءَ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَدْعُوَ لِمَا رَوَى عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَقُولُ بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمِ " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ وَمَا أَسْرَفْتُ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ المؤخر لا اله الا انت ")
*
*
* (الشَّرْحُ)
* حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ دُونَ قَوْلِهِ ثُمَّ يَدْعُو لِنَفْسِهِ بِمَا بَدَا لَهُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالنَّسَائِيُّ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَحَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ: قال أهل اللغة العذاب كل ما يفني الْإِنْسَانَ وَيَشُقُّ عَلَيْهِ وَأَصْلُهُ الْمَنْعُ وَسُمِّيَ عَذَابًا لِأَنَّهُ يَمْنَعُهُ مِنْ الْمُعَاوَدَةِ وَيَمْنَعُ غَيْرَهُ مِنْ مِثْلِ مَا فَعَلَهُ (وَقَوْلُهُ) فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ أَيْ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ وَالْمَسِيحِ - بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِ السِّينِ وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ - وَهُوَ الصَّوَابُ فِي ضَبْطِهِ (وَقِيلَ) أَشْيَاءُ أُخَرُ ضَعِيفَةٌ نَبْسُطُهَا فِي تَهْذِيبِ اللُّغَاتِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ الْمَسِيحُ هُوَ الْمَمْسُوحُ الْعَيْنِ وَبِهِ سُمِّيَ الدَّجَّالُ وَقَالَ غَيْرُهُ لِمَسْحِهِ الْأَرْضَ فَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ (وَقِيلَ) الْمَسِيحُ الْأَعْوَرُ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ ثَعْلَبٌ الْمَسِيحُ الْكَذَّابُ وَالدَّجَّالُ مِنْ الدَّجْلِ وَهُوَ التَّغْطِيَةُ سُمِّيَ بذلك لتمويهه وتغطيته

(3/468)


الحق بباطله وتجبب لَهُ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ (وَقَوْلُهُ) أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ أَيْ يُقَدِّمُ مَنْ لَطَفَ بِهِ إلَى رَحْمَتِهِ وَطَاعَتِهِ بِفَضْلِهِ وَيُؤَخِّرُ مَنْ شَاءَ عن ذلك بعد له
* أما أحكام الْمَسْأَلَةِ فَاتَّفَقَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ عَلَى اسْتِحْبَابِ الدُّعَاءِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَبْلَ السَّلَامِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَلَهُ أَنْ يَدْعُوَ بِمَا شَاءَ مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا وَلَكِنَّ أُمُورَ الْآخِرَةِ أَفْضَلُ وَلَهُ الدُّعَاءُ بِالدَّعَوَاتِ الْمَأْثُورَةِ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ وَالْمَأْثُورَةِ فِي غَيْرِهِ وَلَهُ أَنْ يَدْعُوَ بِغَيْرِ الْمَأْثُورِ ومما يُرِيدُهُ مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ
عَنْ وَالِدِهِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَتَرَدَّدُ فِي قَوْلِ اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي جَارِيَةً صِفَتُهَا كَذَا وَكَذَا وَيَمِيلُ إلَى مَنْعِهِ وَأَنَّهُ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَالصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَجُوزُ كُلُّ ذَلِكَ وَلَا تَبْطُلُ الصلاة بشئ مِنْهُ وَدَلِيلُهُ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الَّتِي سَنَذْكُرُهَا فِي فَرْعٍ مُفْرَدٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " ثُمَّ لِيَتَخَيَّرْ مِنْ الدُّعَاءِ مَا شَاءَ " وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَلَا فَرْقَ فِي اسْتِحْبَابِ هَذَا الدُّعَاءِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَالْمُنْفَرِدِ وَهَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ لِلْإِمَامِ وَهَذَا غَلَطٌ صَرِيحٌ مُخَالِفٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَلِنُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ أُحِبُّ لِكُلِّ مُصَلٍّ أَنْ يَزِيدَ عَلَى التشهد وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذِكْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَدُعَاءَهُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ وَأَرَى أَنْ يَكُونَ زِيَادَةُ ذَلِكَ إنْ كَانَ إمَامًا أَقَلَّ مِنْ قَدْرِ التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَلِيلًا لِلتَّخْفِيفِ عَمَّنْ خَلْفَهُ وَأَرَى أَنْ يَكُونَ جُلُوسُهُ وَحْدَهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْرَهُ مَا أَطَالَ مَا لَمْ يُخْرِجْهُ ذَلِكَ إلَى سَهْوٍ أَوْ يَخَافُ بِهِ سَهْوًا وَإِنْ لَمْ يَزِدْ عَلَى التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَرِهْتُ ذَلِكَ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَلَا سُجُودَ سَهْوٍ هَذَا نَصُّهُ نَقَلْتُهُ مِنْ الْأُمِّ بِحُرُوفِهِ وَفِيهِ فَوَائِدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي أَدْعِيَةٍ صَحِيحَةٍ بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمِ وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْوَالِ الصَّلَاةِ (مِنْهَا) حَدِيثُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلَامُ عَلَيْكَ ايها النبي ورحمة الله وبر كاته السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ

(3/469)


مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ثُمَّ لِيَتَخَيَّرْ مِنْ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إلَيْهِ فَيَدْعُو " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ " وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ " ثُمَّ لِيَتَخَيَّرْ مِنْ الدُّعَاءِ " وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنْ التَّشَهُّدِ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاَللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَذَا لَفْظُهُ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " إذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ يَقُولُ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ
الدَّجَّالِ " وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ النَّارِ وَفِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَشَرِّ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ " وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تعالي عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلَاةِ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ؟ مِنْ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ فَقَالَ إنَّ الرَّجُلَ إذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يُعَلِّمُهُمْ هَذَا الدُّعَاءَ كَمَا يُعَلِّمُهُمْ السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ يَقُولُ قُولُوا اللَّهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ ثُمَّ قَالَ بَلَغَنِي أَنَّ طَاوُسًا قَالَ لِابْنِهِ دَعَوْتَ بِهِ فِي صَلَاتِكَ فَقَالَ لَا فَقَالَ أَعِدْ صلاتك وعن عبد الله بن عمر وبن الْعَاصِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عنهم قال لرسول الله صلي الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي فَقَالَ " قُلْ اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي إنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (قَوْلُهُ) ظُلْمًا كَثِيرًا - هُوَ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ - فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ كَبِيرًا بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا فَيُقَالُ كَبِيرًا
* وَاحْتَجَّ البخاري

(3/470)


وَخَلَائِقُ مِنْ الْأَئِمَّةِ بِهَذَا الْحَدِيثِ فِي الدُّعَاءِ بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالسَّلَامِ وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ كَيْفَ تَقُولُ فِي الصَّلَاةِ قَالَ أَتَشَهَّدُ وَأَقُولُ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ النَّارِ أَمَا إنِّي لَا أُحْسِنَ دَنْدَنَتَكَ وَلَا دَنْدَنَةَ مُعَاذٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله تعالي عليه وسلم حولهما ندندن " رواه ابودواود بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ (قَالَ) أَهْلُ اللُّغَةِ الدَّنْدَنَةُ كَلَامٌ لَا يُفْهَمُ وَمَعْنَى حَوْلَهُمَا نُدَنْدِنُ أَيْ حَوْلَ سُؤَالَيْهِمَا (إحْدَاهُمَا) سُؤَالُ طَلَبٍ (وَالثَّانِيَةُ) سُؤَالُ رَهَبٍ وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ وَفِيمَا ذَكَرْتُهُ كِفَايَةٌ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ
* (فَرْعٌ)
قَدْ سَبَقَ فِي فَصْلِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ بَيَانُ حُكْمِ الدُّعَاءِ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ فِيمَا يَجُوزُ الدُّعَاءُ بِهِ فِي
الصَّلَاةِ: مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَدْعُوَ فِيهَا بِكُلِّ مَا يَجُوزُ الدُّعَاءُ بِهِ خَارِجَ الصَّلَاةِ مِنْ أُمُورِ الدين والدنيا وله اللهم الرزقي كَسْبًا طَيِّبًا وَوَلَدًا وَدَارًا وَجَارِيَةً حَسْنَاءَ يَصِفُهَا وَاَللَّهُمَّ خَلِّصْ فُلَانًا مِنْ السِّجْنِ وَأَهْلِكْ فُلَانًا وغير ذلك ولا يبطل صلاته شئ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وابو ثور واسحق
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ لَا يَجُوزُ الدُّعَاءُ إلَّا بِالْأَدْعِيَةِ الْمَأْثُورَةِ الْمُوَافِقَةِ لِلْقُرْآنِ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ بِمَا يُطْلَبُ مِنْ آدَمِيٍّ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ أَحْمَدَ إنْ دَعَا بِمَا يَقْصِدُ بِهِ اللَّذَّةَ وَشِبْهَ كَلَامِ الْآدَمِيِّ كَطَلَبِ جَارِيَةٍ وَكَسْبٍ طَيِّبٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ
* وَاحْتُجَّ لهم بقوله صلى الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصِحُّ فيها شئ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ إنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(3/471)


وَبِالْقِيَاسِ عَلَى رَدِّ السَّلَامِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِيهِ مِنْ الدُّعَاءِ " وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ " فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ " وَهُمَا صَحِيحَانِ سَبَقَ بَيَانُهُمَا فَأَطْلَقَ الْأَمْرَ بِالدُّعَاءِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ فَتَنَاوَلَ كُلَّ مَا يُسَمَّى دُعَاءً وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا فِي مَوَاضِعَ بِأَدْعِيَةٍ مُخْتَلِفَةٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا حَجْرَ فِيهِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ في حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ التَّشَهُّدِ " ثُمَّ لِيَتَخَيَّرْ مِنْ الدُّعَاءِ مَا اعجبه واحب إلَيْهِ وَمَا شَاءَ " وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ كَمَا سَبَقَ فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي هريرة " ثم يدعو لفنسه مَا بَدَا لَهُ " قَالَ النَّسَائِيُّ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي قُنُوتِهِ " اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَعَيَّاشَ بن ابى ربيعة وسلمة بْنَ هِشَامٍ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اللَّهُمَّ اُشْدُدْ وطأتك علي مضر واجعلهما عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " اللَّهُمَّ الْعَنْ رِعْلًا وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ عَصَتْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ " وَهَؤُلَاءِ قَبَائِلُ مِنْ الْعَرَبِ وَالْأَحَادِيثُ بِنَحْوِ مَا ذَكَرْنَاهُ كَثِيرَةٌ: وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِهِمْ أَنَّ الدُّعَاءَ لَا يَدْخُلُ فِي كَلَامِ النَّاسِ وَعَنْ التَّشْمِيتِ وَرَدِّ السَّلَامِ أَنَّهُمَا مِنْ كَلَامِ النَّاسِ لِأَنَّهُمَا خِطَابٌ لِآدَمِيٍّ بِخِلَافِ الدُّعَاءِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ
*
* (وَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَةً أَوْ رَكْعَتَيْنِ جَلَسَ فِي آخِرِهَا مُتَوَرِّكًا وَتَشَهَّدَ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَدَعَا عَلَى مَا وَصَفْنَاهُ وَيُكْرَهُ أَنْ يَقْرَأَ فِي التَّشَهُّدِ لِأَنَّهُ حَالَةٌ مِنْ أَحْوَالِ الصَّلَاةِ لَمْ يُشْرَعْ
فِيهَا الْقِرَاءَةُ فَكُرِهَتْ فِيهَا كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ)
*
*

(3/472)


* (الشرح)
* هذا الذى ذكره متفق عليه علي ما ذكره
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (ثُمَّ يُسَلِّمُ وَهُوَ فَرْضٌ فِي الصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطَّهُورُ وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ " وَلِأَنَّهُ أَحَدُ طَرَفَيْ الصَّلَاةِ فَوَجَبَ فِيهِ نُطْقٌ كَالطَّرَفِ الْأَوَّلِ وَالسُّنَّةُ أَنْ يُسَلِّمَ تَسْلِيمَتَيْنِ إحْدَاهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْأُخْرَى عَنْ يَسَارِهِ وَالسَّلَامُ أَنْ يَقُولَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَعَنْ يَسَارِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ الله حتى يرى بياض خده من ههنا ومن ههنا وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ إنْ اتَّسَعَ الْمَسْجِدُ وَكَثُرَ النَّاسُ سَلَّمَ تَسْلِيمَتَيْنِ وَإِنْ صَغُرَ الْمَسْجِدُ وَقَلَّ النَّاسُ سَلَّمَ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَلِّمُ

(3/473)


تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً تِلْقَاءَ وَجْهِهِ وَلِأَنَّ السَّلَامَ لِلْإِعْلَامِ بِالْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ وَإِذَا كَثُرَ النَّاسُ كَثُرَ اللَّغَطُ فَيُسَلِّمُ اثْنَتَيْنِ لِيُبَلِّغَ وَإِذَا قَلَّ النَّاسُ كَفَاهُمْ الْإِعْلَامُ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ الْحَدِيثَ فِي تَسْلِيمَةٍ غَيْرُ ثَابِتٍ عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ وَالْوَاجِبُ مِنْ ذَلِكَ تَسْلِيمَةٌ لِأَنَّ الْخُرُوجَ يَحْصُلُ بِتَسْلِيمَةٍ فَإِنْ قَالَ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ أَجْزَأَهُ عَلَى الْمَنْصُوصِ كَمَا يُجْزِئُهُ فِي التَّشَهُّدِ وَإِنْ قَدَّمَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ لَا يُجْزِئُهُ حَتَّى يَأْتِيَ بِهِ مُرَتَّبًا كَمَا يَقُولُ فِي الْقِرَاءَةِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَيَنْوِي الْإِمَامُ بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامَ عَلَى مَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَعَلَى الْحَفَظَةِ وَيَنْوِي بِالثَّانِيَةِ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَلَى يَسَارِهِ وَعَلَى الْحَفَظَةِ وَيَنْوِي الْمَأْمُومُ بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامَ عَلَى الْإِمَامِ وَعَلَى الْحَفَظَةِ وَعَلَى المأمومين من ناحيته في صفه وورائه وَقُدَّامِهِ وَيَنْوِي بِالثَّانِيَةِ السَّلَامَ عَلَى الْحَفَظَةِ وَعَلَى الْمَأْمُومِينَ مِنْ نَاحِيَتِهِ فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ قُدَّامَهُ نَوَاهُ فِي أَيِّ التَّسْلِيمَتَيْنِ شَاءَ وَيَنْوِي الْمُنْفَرِدُ بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامَ عَلَى الْحَفَظَةِ وَبِالثَّانِيَةِ السَّلَامَ عَلَى الْحَفَظَةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رَوَى سَمُرَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُسَلِّمَ عَلَى أَنْفُسِنَا وَأَنْ يُسَلِّمَ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ وَرَوَى عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وكرم اللَّهُ وَجْهَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ
الظُّهْرِ أَرْبَعًا وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ وَيُصَلِّي قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا يَفْصِلُ كُلَّ رَكْعَتَيْنِ بِالتَّسْلِيمِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَالنَّبِيِّينَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَإِنْ نَوَى الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَنْوِ مَا سِوَاهُ جَازَ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ عَلَى الْحَاضِرِينَ سُنَّةٌ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ فَفِيهِ وَجْهَانِ قَالَ أَبُو العباس ابن سريج وابو العباس

(3/474)


ابن الْقَاصِّ لَا يُجْزِئُهُ وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ فِي الْبُوَيْطِيِّ لِأَنَّهُ نُطْقٌ فِي أَحَدِ طَرَفَيْ الصَّلَاةِ فَلَمْ يَصِحَّ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَقَالَ أَبُو حَفْصِ بْنُ الْوَكِيلِ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخَتَنُ الْجُرْجَانِيُّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ يَجْزِيهِ لِأَنَّ نِيَّةَ الصَّلَاةِ قَدْ أَتَتْ عَلَى جَمِيعِ الْأَفْعَالِ وَالسَّلَامُ مِنْ جُمْلَتِهَا أَوْ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَتْ النِّيَّةُ فِي السَّلَامِ لَوَجَبَ تَعَيُّنُهَا كَمَا قُلْنَا في تكبيرة الاحرام
*
* (الشَّرْحُ)
* حَدِيثُ مِفْتَاحِ الصَّلَاةِ إلَى آخِرِهِ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ: أَمَّا حُكْمُ السَّلَامِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ السَّلَامَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِهِ وَلَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ وَأَقَلُّهُ

(3/475)


أَنْ يَقُولَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَلَوْ أَخَلَّ بِحَرْفٍ مِنْ هَذِهِ الْأَحْرُفِ لَمْ يَصِحَّ سَلَامُهُ فَلَوْ قَالَ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَوْ قَالَ سَلَامِي عَلَيْكَ أَوْ سَلَامُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ أَوْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ أَوْ السَّلَامُ عَلَيْهِمْ لَمْ يُجْزِهِ بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ قَالَهُ سَهْوًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَلَكِنْ يسجد للسهو تجب إعَادَةُ السَّلَامِ وَإِنْ قَالَهُ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إلَّا فِي قَوْلِهِ السَّلَامُ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُ لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ لِغَائِبٍ وَإِنْ قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِالتَّنْوِينِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَحَكَاهُمَا الْجُرْجَانِيُّ قَوْلَيْنِ وَهُوَ غَرِيبٌ (أَحَدُهُمَا) يُجْزِئُهُ وَيَقُومُ التَّنْوِينُ مَقَامَ الْأَلِفِ وَاللَّامِ كَمَا يُجْزِئُهُ فِي سَلَامِ التَّشَهُّدِ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ مِنْهُمْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ
(وَالثَّانِي)
لَا يُجْزِئُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ مِمَّنْ صَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ فِي الشَّرْحِ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَقَوْلُ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا قَالَ وَمَنْ قَالَ يُجْزِئُهُ فَقَدْ غَلِطَ وَدَلِيلُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي وَبَيَّنَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ " وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِخِلَافِ
التَّشَهُّدِ فَإِنَّهُ نُقِلَ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ بِالتَّنْوِينِ وَبِالْأَلِفِ وَاللَّامِ (وَقَوْلُهُمْ) التَّنْوِينُ يَقُومُ مَقَامَ الْأَلْفِ وَاللَّامِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَلَكِنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يَسُدُّ مَسَدَّهُ فِي الْعُمُومِ وَالتَّعْرِيفِ وَغَيْرِهِ وَلَوْ قَالَ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ فَوَجْهَانِ وَحَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ قَوْلَيْنِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ (أَنَّهُ) يَجْزِي كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ قِيَاسًا عَلَى التَّشَهُّدِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَقْدِيمُ بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا سَبَقَ
(وَالثَّانِي)
لَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ تَرَكَ تَرْتِيبَ الْقِرَاءَةِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يُجْزِئُهُ مَعَ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ نَصَّ عَلَيْهِ وَهَلْ يَجِبُ أَنْ يَنْوِيَ بِسَلَامِهِ الْخُرُوجَ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ لَا يَجِبُ لِأَنَّ نِيَّةَ الصَّلَاةِ شَمِلَتْ السَّلَامَ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَفْصِ بْنِ الْوَكِيلِ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْخَتَنِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ (وَالثَّانِي) يَجِبُ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعِرَاقِيِّينَ قال المكصنف رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَابْنِ الْقَاصِّ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَقَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِهِ قِيَاسًا عَلَى أَوَّلِ الصَّلَاةِ وَالصَّحِيحُ الاول قال

(3/476)


الرَّافِعِيُّ وَهُوَ اخْتِيَارُ مُعْظَمِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَحَمَلُوا نَصَّ الشَّافِعِيِّ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ قُلْنَا يَجِبُ نِيَّةُ الْخُرُوجِ لَمْ تَجِبْ عَنْ الصَّلَاةِ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا بِلَا خِلَافٍ وَمِمَّنْ نَقَلَ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى هَذَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُمَا قَالُوا لِأَنَّ الْخُرُوجَ مُتَعَيَّنٌ لِمَا شُرِعَ بِخِلَافِ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ مُتَرَدِّدٌ قَالُوا فَلَوْ عَيَّنَ غَيْرَ الَّتِي هُوَ فِيهَا عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ سَهْوًا سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَسَلَّمَ ثَانِيًا وَإِنْ قُلْنَا لَا تَجِبُ النِّيَّةُ لَمْ يَضُرَّ الْخَطَأُ فِي التَّعْيِينِ لِأَنَّهُ كَمَنْ لَمْ يَنْوِ هَكَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ قَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ لَا يَضُرُّهُ كَمَا لَوْ شَرَعَ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ وَظَنَّ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ فِي الْعَصْرِ ثُمَّ تَذَكَّرَ فِي الثَّالِثَةِ أَنَّهَا الظُّهْرُ لَمْ يَضُرَّهُ وَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا قُلْنَا تَجِبُ النِّيَّةُ فَمَعْنَاهُ ان يقصد سلامة الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ وَأَنَّهُ تَحَلَّلَ بِهِ فَتَكُونُ النِّيَّةُ مُقْتَرِنَةً بِالسَّلَامِ فَلَوْ أَخَّرَهَا عَنْهُ وَسَلَّمَ بِلَا نِيَّةٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ تَعَمَّدَ وَإِنْ سَهَا لَمْ تَبْطُلْ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ ثُمَّ يُعِيدُ السَّلَامَ مَعَ النِّيَّةِ إنْ لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ فَإِنْ طَالَ وَجَبَ اسْتِئْنَافُ الصَّلَاةِ وَلَوْ نَوَى قَبْلَ السَّلَامِ الْخُرُوجَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ نَوَى قَبْلَ السَّلَامِ أَنَّهُ سَيَنْوِي الْخُرُوجَ عِنْدَ السَّلَامِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لَكِنْ لَا تُجْزِئُهُ
هَذِهِ النِّيَّةُ بَلْ يَجِبُ أَنْ يَنْوِيَ مَعَ السَّلَامِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُشْتَرَطُ أَنْ يُوقِعَ السَّلَامَ فِي حَالَةِ الْقُعُودِ فَلَوْ سَلَّمَ فِي غَيْرِهِ لَمْ يُجْزِهِ وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ إنْ تَعَمَّدَ هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِأَقَلِّ السَّلَامِ وَأَمَّا أَكْمَلُهُ فَأَنْ يَقُولَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَهَلْ يُسَنُّ تَسْلِيمَةٌ ثَانِيَةٌ أَمْ يُقْتَصَرُ عَلَى وَاحِدَةٍ وَلَا تُشْرَعُ الثَّانِيَةُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (الصَّحِيحُ) الْمَشْهُورُ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْجَدِيدِ وَبِهِ قَطَعَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ يُسَنُّ تَسْلِيمَتَانِ (وَالثَّانِي) تَسْلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ قَالَهُ فِي الْقَدِيمِ (وَالثَّالِثُ) قَالَهُ فِي الْقَدِيمِ أَيْضًا إنْ كَانَ مُنْفَرِدًا أَوْ فِي جَمَاعَةٍ قَلِيلَةٍ وَلَا لَغَطَ عِنْدَهُمْ فَتَسْلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِلَّا فَثِنْتَانِ هَكَذَا حَكَى الْأَصْحَابُ هَذَا الثَّالِثَ قَوْلًا قَدِيمًا وَحَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ عَنْ رِوَايَةِ الرَّبِيعِ فَيَقْتَضِي ان يكون قولا آخر في الجديد (1) ثلاث وَالْمَذْهَبُ تَسْلِيمَتَانِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي سَنَذْكُرُهَا وَلَمْ يَثْبُتْ حَدِيثُ التَّسْلِيمَةِ الْوَاحِدَةِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ ثَبَتَ فَلَهُ تَأْوِيلَاتٌ سَنَذْكُرُهَا (2) فَإِنْ قُلْنَا تَسْلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ جَعَلَهَا تِلْقَاءَ وَجْهِهِ وَإِنْ قُلْنَا تَسْلِيمَتَانِ فَالسُّنَّةُ أَنْ تَكُونَ إحْدَاهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْأُخْرَى عَنْ يَسَارِهِ قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَغَيْرُهُ يَبْتَدِئُ السَّلَامَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَيُتِمُّهُ مُلْتَفِتًا بِحَيْثُ يَكُونُ تَمَامُ سَلَامِهِ مَعَ آخِرِ الِالْتِفَاتِ فَفِي التَّسْلِيمَةِ الْأُولَى يَلْتَفِتُ حَتَّى يَرَى مَنْ عَنْ يَمِينِهِ خَدَّهُ الْأَيْمَنَ وَفِي الثَّانِيَةِ يَلْتَفِتُ حَتَّى يَرَى مَنْ عَنْ يَسَارِهِ خَدَّهُ الْأَيْسَرَ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَصَحَّحَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالْجُمْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَقَالَ إمَامُ لحرمين يَلْتَفِتُ حَتَّى يُرَى خَدَّاهُ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ حَتَّى يُرَى خَدَّاهُ مِنْ كل جانب قال وَهَذَا بَعِيدٌ فَإِنَّهُ إسْرَافٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ سلم التسليمتين
__________
(1، 2) كذا الاصل فحرر

(3/477)


عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ أَجْزَأَهُ وَكَانَ تَارِكًا لِلسُّنَّةِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَوْ بَدَأَ بِالْيَسَارِ كُرِهَ وَأَجْزَأَهُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا إذَا قُلْنَا يُسْتَحَبُّ التَّسْلِيمَةُ الثَّانِيَةُ فَهِيَ وَاقِعَةٌ بَعْدَ فَرَاغِ الصَّلَاةِ لَيْسَتْ مِنْهَا وَقَدْ انْقَضَتْ الصَّلَاةُ بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى حَتَّى لَوْ أَحْدَثَ مَعَ الثَّانِيَةِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَلَكِنْ لَا يَأْتِي بِهَا إلَّا بِطَهَارَةٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَنْوِيَ بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى السلام علي من علي يَمِينِهِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَمُسْلِمِي الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَبِالثَّانِيَةِ علي من علي يَسَارَهُ مِنْهُمْ وَيَنْوِي الْمَأْمُومُ
مِثْلَ ذَلِكَ وَيَخْتَصُّ بشئ آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ نَوَى بِالتَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ الرَّدَّ عَلَى الْإِمَامِ وَإِنْ كَانَ عَنْ يَسَارِهِ نَوَاهُ فِي الْأُولَى وَإِنْ كَانَ مُحَاذِيًا لَهُ نَوَاهُ فِي أَيَّتِهِمَا شَاءَ وَالْأُولَى أَفْضَلُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْوِيَ بَعْضُ المأمومين الرد علي بعض ولكل مِنْهُمْ أَنْ يَنْوِيَ بِالْأُولَى الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ إنْ لَمْ نُوجِبْهَا وَدَلِيلُ هَذِهِ النِّيَّاتِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَسَأَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ولا خلاف انه لا يجب شئ مِنْ هَذِهِ النِّيَّاتِ غَيْرُ نِيَّةِ الْخُرُوجِ فَفِيهَا الْخِلَافُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ كَمَا سَبَقَ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَالصَّوَابُ الْمَوْجُودُ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَفِي كُتُبِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَوَقَعَ فِي كِتَابِ الْمَدْخَلِ إلَى الْمُخْتَصَرِ لِزَاهِرٍ السَّرَخْسِيِّ وَالنِّهَايَةِ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْحِلْيَةِ لِلرُّويَانِيِّ زِيَادَةُ وَبَرَكَاتُهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ هَؤُلَاءِ لَا يُوثَقُ بِهِ وَهُوَ شَاذٌّ فِي نَقْلِ الْمَذْهَبِ وَمِنْ حَيْثُ الْحَدِيثِ فَلَمْ أَجِدْهُ في شئ

(3/478)


مِنْ الْأَحَادِيثِ إلَّا فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ وَعَنْ شِمَالِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ " وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ نَسَبَهَا الطبراني الي موسي ابن قَيْسٍ الْحَضْرَمِيِّ وَعَنْهُ رَوَاهَا أَبُو دَاوُد (قُلْتُ) هَذَا الْحَدِيثُ إسْنَادُهُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد إسْنَادٌ صَحِيحٌ
* (فَرْعٌ)
فِي بَيَانِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَغَيْرِهَا مِمَّا وَرَدَ فِي السَّلَامِ: أَمَّا حَدِيثُ " تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ " فَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ تعالي عَنْهُ قَالَ كُنْتُ أَرَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ حَتَّى أَرَى بَيَاضَ خَدِّهِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وعن مَعْمَرٍ أَنَّ أَمِيرًا كَانَ بِمَكَّةَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَتَيْنِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ أَنَّى علقها قال الحكم فِي حَدِيثِهِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُهُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ (قَوْلُهُ) علقها - هو بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ اللَّامِ - وَمَعْنَاهُ مِنْ أَيْنَ حَصَلَتْ لَهُ هَذِهِ السُّنَّةُ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ
وَرَحْمَةُ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ " حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ " وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " كُنَّا إذَا صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْنَا السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى الْجَانِبَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله تعالى عليه وسلم على م تومؤن بِأَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ إنَّمَا يَكْفِي أَحَدَكُمْ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَخِذَيْهِ ثُمَّ يُسَلِّمَ عَلَى أَخِيهِ مِنْ عَلَى يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي التَّسْلِيمَتَيْنِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَاهُ وَمِنْهَا حَدِيثُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ الْمَذْكُورُ قَبْلَ الْفَرْعِ رواه البيهقى من رواية ابن عمر ووائلة بْنِ الْأَسْقَعِ وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَأَمَّا الِاقْتِصَارُ عَلَى تَسْلِيمَةٍ فَفِيهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ الله تعالي عنها أن النبي صلي الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً تِلْقَاءَ وَجْهِهِ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَآخَرُونَ قَالَ الحاكم في السمتدرك عَلَى الصَّحِيحَيْنِ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ ضَعِيفٌ كَمَا قال المصنف

(3/479)


فِي الْكِتَابِ إنَّهُ غَيْرُ ثَابِتٍ عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ وَكَذَا قَالَ الْبَغَوِيّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ فِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ عَلَى تَضْعِيفِهِ وَعَنْ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً تِلْقَاءَ وَجْهِهِ " وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قال رأيت النبي صلي الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلَّى يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً " رَوَاهُمَا بن مَاجَهْ وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهَا ضَعِيفَةٌ (الثَّانِي) أَنَّهَا لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَأَحَادِيثُ التَّسْلِيمَتَيْنِ لِبَيَانِ الْأَكْمَلِ الْأَفْضَلِ وَلِهَذَا وَاظَبَ عَلَيْهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَتْ أَشْهَرَ وَرُوَاتُهَا أَكْثَرَ (الثَّالِثُ) أَنَّ فِي رِوَايَاتِ التَّسْلِيمَتَيْنِ زِيَادَةً مِنْ ثِقَاتٍ فَوَجَبَ قَبُولُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِيمَا يَنْوِي بِالسَّلَامِ (فَمِنْهَا) حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ السَّابِقُ مِنْ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى الله تعالي عليه وسلم يصلى قبل العصر ابع رَكَعَاتٍ يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِالتَّسْلِيمِ
عَلَى الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ كِتَابِهِ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وفى رواية منه فِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ " عَلَى الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَالنَّبِيِّينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ " وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رضي الله تعالي عَنْهُ قَالَ " أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَرُدَّ عَلَى الْإِمَامِ وَأَنْ يُسَلِّمَ بعضنا علي بعض " رواه أبو داود والدارقطني وَالْبَيْهَقِيُّ وَفِي إسْنَادِ أَبِي دَاوُد سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَالْأَكْثَرُونَ لَا يَحْتَجُّونَ به واسناد روايتي الدارقطني وَالْبَيْهَقِيِّ حَسَنٌ وَاعْتَضَدَتْ طُرُقُ هَذَا الْحَدِيثِ فَصَارَ حَسَنًا أَوْ صَحِيحًا
* (فَرْعٌ)
فِي أَلْفَاظِ الْكِتَابِ (قَوْلُهُ) يُسَلِّمُ عَنْ يَسَارِهِ - هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا - لُغَتَانِ سَبَقَ بَيَانُهُمَا مَرَّاتٍ (قَوْلُهُ) لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ الله تعالي عَنْهُ " حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ " - هُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ - (قَوْلُهُ) لِمَا رَوَى سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ - هُوَ بِضَمِّ الدَّالِ وَفَتْحِهَا - قِيلَ ابْنُ هِلَالٍ أَبُو سَعِيدٍ (وَقِيلَ) غَيْرُ ذَلِكَ تُوُفِّيَ فِي آخِرِ خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ (قَوْلُهُ) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخَتَنُ - بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ الْمَفْتُوحَتَيْنِ - يصفه بذلك لِقُرْبِهِ مِنْ الْإِمَامِ الْحَافِظِ الْفَقِيهِ أَبِي بَكْرٍ الاسماعيلي ويقال له حسين أَبِي بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَيُقَالُ الْخَتَنُ مُطْلَقًا كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَاسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْجُرْجَانِيُّ وَكَانَ أَحَدَ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا فِي عَصْرِهِ مُقَدَّمًا فِي عِلْمِ الْأَدَبِ وَالْقِرَاءَاتِ وَمَعَانِي الْقُرْآنِ

(3/480)


مُبَرِّزًا فِي عِلْمِ الْجَدَلِ وَالنَّظَرِ وَالْفِقْهِ وَصَنَّفَ شَرْحَ التَّلْخِيصِ وَسَمِعَ الْحَدِيثَ تُوُفِّيَ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى يوم الاضحي سنة ست وثمانين وثلثمائة وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي وُجُوبِ السَّلَامِ مَذْهَبُنَا أَنَّهُ فَرْضٌ وَرُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِهِ وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجِبُ السَّلَامُ وَلَا هُوَ مِنْ الصَّلَاةِ بَلْ إذَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الصَّلَاةِ بِمَا يُنَافِيهَا مِنْ سَلَامٍ أَوْ كَلَامٍ أَوْ حَدَثٍ أَوْ قِيَامٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ وَتَمَّتْ صَلَاتُهُ وَحَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ
* وَاحْتَجَّ لَهُ بحديث المسئ صَلَاتَهُ وَبِحَدِيثِ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ
التَّشَهُّدَ وَقَالَ إذَا قَضَيْتَ هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُكَ إنْ شِئْتَ أَنْ تَقُومَ فَقُمْ وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَقْعُدَ فَاقْعُدْ " وَعَنْ ابْنِ عَمْرٍو قال " قال رسول الله صلي الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَحْدَثَ وَقَدْ قَعَدَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ فَقَدْ جَازَتْ صَلَاتُهُ " وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " إذَا جَلَسَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ ثُمَّ أَحْدَثَ فَقَدْ تمت صلاته "
* واحتج أصحابنا بحديث " تحليلها لتسليم " وَبِالْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ مَعَ " قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أصلي " والجواب عن حديث المسئ صَلَاتَهُ أَنَّهُ تَرَكَ بَيَانَ السَّلَامِ لِعِلْمِهِ بِهِ كَمَا تَرَكَ بَيَانَ النِّيَّةِ وَالْجُلُوسِ لِلتَّشَهُّدِ وَهُمَا وَاجِبَانِ بِالِاتِّفَاقِ وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ قَوْلَهُ " فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ أَوْ قُضِيَتْ صَلَاتُهُ " إلَى آخِرِهِ زِيَادَةٌ مُدْرَجَةٌ لَيْسَتْ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاتِّفَاقِ الحفاظ وقد بين الدارقطني وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا ذَلِكَ وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ وَحَدِيثُ ابن عمرو فضعيفان بانفاق الحفاظ، ضعفهما مَشْهُورٌ فِي كُتُبِهِمْ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ بَعْضِ هَذَا فِي ذِكْرِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي وُجُوبِ التَّشَهُّدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي اسْتِحْبَابِ تَسْلِيمَةٍ أَوْ تَسْلِيمَتَيْنِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يُسَلِّمَ تَسْلِيمَتَيْنِ وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَآخَرُونَ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعَلِيِّ بْنِ

(3/481)


أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَنَافِعِ بْنِ عَبْدِ الْحَارِثِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وعن عطاء ابن أَبِي رَبَاحٍ وَعَلْقَمَةَ وَالشَّعْبِيِّ وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ التَّابِعِينَ وَعَنْ الثَّوْرِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ
* قَالَ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ وَأَنَسٌ وَسَلَمَةُ ابن الْأَكْوَعِ وَعَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَالْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ قال ابن المندر عَمَّارُ بْنُ أَبِي عَمَّارٍ كَانَ مَسْجِدُ الْأَنْصَارِ يُسَلِّمُونَ فِيهِ تَسْلِيمَتَيْنِ وَمَسْجِدُ الْمُهَاجِرِينَ يُسَلِّمُونَ فِيهِ تَسْلِيمَةً وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِالْأَوَّلِ أَقُولُ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ يُعْرَفُ مِنْ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
مَذْهَبُنَا الْوَاجِبُ تَسْلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَا تَجِبُ الثَّانِيَةُ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ أَوْ كُلُّهُمْ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ مَنْ اقْتَصَرَ عَلَى تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ جَائِزَةٌ وَحَكَى الطَّحَاوِيُّ
وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَآخَرُونَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ أَنَّهُ أَوْجَبَ التَّسْلِيمَتَيْنِ جَمِيعًا وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَبِهِمَا قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
يُسْتَحَبُّ أَنْ يُدْرِجَ لَفْظَةَ السَّلَامِ وَلَا يَمُدَّهَا وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا لِلْعُلَمَاءِ
* وَاحْتَجَّ لَهُ أَبُو دَاوُد والترمذي والبيهقي وغيرهم من أثمة الْحَدِيثِ وَالْفُقَهَاءِ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ " قَالَ

(3/482)


حَذْفُ السَّلَامِ سُنَّةٌ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ مَعْنَاهُ لَا يَمُدُّ مَدًّا
* (فَرْعٌ)
يَنْبَغِي لِلْمَأْمُومِ أَنْ يُسَلِّمَ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ قَالَ الْبَغَوِيّ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَبْتَدِئَ السَّلَامَ حَتَّى يَفْرُغَ الْإِمَامُ مِنْ التَّسْلِيمَتَيْنِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي يُسْتَحَبُّ أَنْ يُسَلِّمَ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ التَّسْلِيمَةِ الْأُولَى وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْبُوَيْطِيِّ كَمَا نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ فَإِنَّهُ قَالَ وَمَنْ كَانَ خَلْفَ إمَامٍ فَإِذَا فَرَغَ الْإِمَامُ مِنْ سَلَامِهِ سَلَّمَ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ هَذَا نَصُّهُ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّمَ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ الْأُولَى وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْأَفْضَلِ وَلَوْ قَارَنَهُ فِي السَّلَامِ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
تَبْطُلُ صَلَاتُهُ إنْ لَمْ يَنْوِ مفارقته كَمَا لَوْ قَارَنَهُ فِي بَاقِي الْأَرْكَانِ بِخِلَافِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ فِي صَلَاةٍ حتي يفرق مِنْهَا فَلَا يَرْبِطُ صَلَاتَهُ بِمَنْ لَيْسَ فِي صَلَاةٍ وَلَوْ سَلَّمَ قَبْلَ شُرُوعِ الْإِمَامِ فِي السَّلَامِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ لَمْ يَنْوِ مُفَارَقَتَهُ فَإِنْ نَوَاهَا فَفِيهِ الْخِلَافُ فِيمَنْ نَوَى الْمُفَارَقَةَ وَلَا يَكُونُ مُسَلِّمًا بَعْدَهُ إلَّا أَنْ يَبْتَدِئَ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ الْمِيمِ مِنْ قَوْلِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ
* (فَرْعٌ)
اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمَسْبُوقِ أَنْ لَا يَقُومَ لِيَأْتِيَ بِمَا بَقِيَ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ التَّسْلِيمَتَيْنِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مُخْتَصَرِ البويطي فقال ومن سبقه الامام بشئ مِنْ الصَّلَاةِ فَلَا يَقُومُ لِقَضَاءِ مَا عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ التَّسْلِيمَتَيْنِ قَالَ اصحابنا فان قام بعد فراغه من قوله السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فِي الْأُولَى جَازَ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ الصَّلَاةِ فَإِنْ قَامَ قَبْلَ شُرُوعِ الْإِمَامِ فِي التَّسْلِيمَتَيْنِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مفارقة الامام فيجئ فِيهِ الْخِلَافُ فِيمَنْ نَوَى الْمُفَارَقَةَ وَلَوْ قَامَ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي السَّلَامِ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْكُمْ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَامَ
قَبْلَ شُرُوعِهِ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي إذَا قام المسبوق مقارنا لِلتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى فَإِنْ قُلْنَا لِلْمَأْمُومِ الْمُوَافِقِ

(3/483)


أَنْ يُسَلِّمَ مُقَارِنًا لِلْإِمَامِ جَازَ قِيَامُ الْمَسْبُوقِ لِأَنَّ كُلَّ حَالٍ جَازَ لِلْمُوَافِقِ السَّلَامُ فِيهَا جَازَ لِلْمَسْبُوقِ الْمُفَارَقَةُ فِيهَا كَمَا بَعْدَ السَّلَامِ وَإِنْ قُلْنَا لَا يَجُوزُ لِلْمُوَافِقِ السَّلَامُ مُقَارِنًا لَهُ لَمْ يَجُزْ لِلْمَسْبُوقِ الْقِيَامُ مَعَ الْمُقَارَنَةِ وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْمُفَارَقَةَ وَلَوْ سلم الامام فمكت الْمَسْبُوقُ بَعْدَ سَلَامِهِ جَالِسًا وَطَالَ جُلُوسُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَ مَوْضِعَ تَشَهُّدِهِ الْأَوَّلِ جَازَ وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ جُلُوسٌ مَحْسُوبٌ مِنْ صَلَاتِهِ وَقَدْ انْقَطَعَتْ الْقُدْوَةُ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ يَجُوزُ تَطْوِيلُهُ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْضِعَ تَشَهُّدِهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَجْلِسَ بَعْدَ تَسْلِيمِهِ لِأَنَّ جُلُوسَهُ كَانَ لِلْمُتَابَعَةِ وقد زالت فان جلس متعمدا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ سَاهِيًا لَمْ تَبْطُلْ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ
* (فَرْعٌ)
إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ التَّسْلِيمَةَ الْأُولَى انْقَضَتْ قُدْوَةُ الْمَأْمُومِ الْمُوَافِقِ وَالْمَسْبُوقِ لِخُرُوجِهِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالْمَأْمُومُ الْمُوَافِقُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ سَلَّمَ بَعْدَهُ وَإِنْ شَاءَ اسْتَدَامَ الْجُلُوسَ لِلتَّعَوُّذِ وَالدُّعَاءِ وَأَطَالَ ذَلِكَ هَكَذَا ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ نَقَلْتُهُ بِحُرُوفِهِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا اقْتَصَرَ الْإِمَامُ عَلَى تَسْلِيمَةٍ يُسَنُّ لِلْمَأْمُومِ تَسْلِيمَتَانِ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ مُتَابَعَتِهِ بِالْأُولَى بِخِلَافِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ الْإِمَامَ لَوْ ترك لَزِمَ الْمَأْمُومَ تَرْكُهُ لِأَنَّ الْمُتَابَعَةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ قَبْلَ السَّلَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ لَوْ شَرَعَ فِي الظُّهْرِ فَتَشَهَّدَ بَعْدَ الركعة الرابعة ثم قال قَبْلَ السَّلَامِ وَشَرَعَ فِي الْعَصْرِ فَإِنْ فَعَلَ ذلك عمدا بطلت صلاته الظُّهْرِ بِقِيَامِهِ وَصَحَّتْ الْعَصْرُ وَإِنْ قَامَ نَاسِيًا لَمْ يَصِحَّ شُرُوعُهُ فِي الْعَصْرِ فَإِنْ ذَكَرَ وَالْفَصْلُ قَرِيبٌ عَادَ إلَى الْجُلُوسِ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ وَسَلَّمَ مِنْ الظُّهْرِ وَأَجْزَأَتْهُ وَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَوَجَبَ اسْتِئْنَافُ الصَّلَاتَيْنِ جَمِيعًا * قَالَ المصنف رحمه الله
*
* (وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى لِمَا رَوَى ابْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ يُهَلِّلُ فِي أَثَرِ كُلِّ صَلَاةٍ يَقُولُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كل قَدِيرٌ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ وَلَا نَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ وَلَهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الْفَضْلُ وَلَهُ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ
مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ثُمَّ يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهَلِّلُ بِهَذَا فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ وَكَتَبَ الْمُغِيرَةُ إلَى مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كل شئ قَدِيرٌ اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* اتَّفَقَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَغَيْرُهُمْ رَحِمَهُمْ اللَّهُ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ السَّلَامِ وَيُسْتَحَبُّ ذَلِكَ لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَالْمُنْفَرِدِ وَالرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمُسَافِرِ وَغَيْرِهِ وَيُسْتَحَبُّ

(3/484)


أَنْ يَدْعُوَ أَيْضًا بَعْدَ السَّلَامِ بِالِاتِّفَاقِ وَجَاءَتْ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ فِي الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ قَدْ جَمَعْتهَا فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ (مِنْهَا) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ قَالَ جَوْفَ اللَّيْلِ الْآخِرَ وَدُبُرَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " كُنْتُ أَعْرِفُ انْقِضَاءَ صَلَاةِ رَسُولِ الله صلي الله تعالي عليه وَسَلَّمَ بِالتَّكْبِيرِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ " كُنَّا نَعْرِفُ " وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ " أَيْضًا أَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ حِينَ يَنْصَرِفُ النَّاسُ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أَعْلَمُ إذَا انْصَرَفُوا بِذَلِكَ إذَا سَمِعْتُهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلَاثًا قَالَ اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْك السَّلَامُ تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ " قِيلَ لِلْأَوْزَاعِيِّ وَهُوَ أَحَدُ رُوَاتِهِ كَيْفَ الِاسْتِغْفَارُ قَالَ تَقُولُ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم إذا انْصَرَفَ مِنْ الصَّلَاةِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ علي كل شئ قَدِيرٌ اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا " أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ حِينَ يُسَلِّمُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كل شئ قَدِيرٌ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَلَا نَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ لَهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الْفَضْلُ وَلَهُ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ " وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهَلِّلُ بِهِنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ "
رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ " أَنَّ فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِينَ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَى وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي ويصوموا كَمَا نَصُومُ وَلَهُمْ فُضُولٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ يَحُجُّونَ بها ويعتمرون يجاهدون وَيَتَصَدَّقُونَ فَقَالَ أَلَا أُعَلِّمُكُمْ شَيْئًا تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ وَتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ وَلَا يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُمْ إلَّا مَنْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ فَقَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ تُسَبِّحُونَ اللَّهَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كل صلاة ثلاثا وثلاثين " قال أَبُو صَالِحٍ لَمَّا سُئِلَ عَنْ كَيْفِيَّةِ ذِكْرِهَا يَقُولُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ حَتَّى يَكُونَ مِنْهُنَّ كُلِّهِنَّ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (الدُّثُورُ) بِضَمِّ الدَّالِ جَمْعُ دَثْرٍ وبفتح الدَّالِ وَإِسْكَانِ الْمُثَلَّثَةِ وَهُوَ الْمَالُ الْكَثِيرُ وَعَنْ كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مُعَقِّبَاتٌ لَا يَخِيبُ قَائِلُهُنَّ أَوْ فَاعِلُهُنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ تَسْبِيحَةً وَثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ تَحْمِيدَةً وَأَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ تَكْبِيرَةً " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ سَبَّحَ اللَّهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَحَمِدَهُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَكَبَّرَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَقَالَ تَمَامَ الْمِائَةِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كل شئ قدير غفرت

(3/485)


خطاياه وإن كاتت مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ سَعْدِ ابن أبي وقاص رضي الله تعالي عنه أن رسول الله صلي الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَتَعَوَّذُ دُبُرَ الصَّلَاةِ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْجُبْنِ وأعوذ بك من أن ارد إلى أرذال الْعُمُرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْجِهَادِ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تعالي عَنْهُ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا سَلَّمَ مِنْ الصَّلَاةِ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ وَمَا أَسْرَفْتُ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ " هَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَهُوَ إسْنَادُ مُسْلِمٍ هَكَذَا فِي رِوَايَةٍ وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ هَذَا بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمِ وَقَدْ سَبَقَ هَذَا فِي مَوْضِعِهِ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فَهُمَا صَحِيحَتَانِ وَكَانَ يَقُولُ الدُّعَاءَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ والله اعلم وعن معاذ رضى والله عنه " ان رسول الله صلي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِهِ وَقَالَ يَا مُعَاذُ الله إنِّي لَأُحِبّكَ أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعْهُنَّ دبر كل صلاة تقول
للهم أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ أَقْرَأَ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ " رَوَاهُ أَبُو داود والترمذي والنسائي وغيرهم وفى راية أَبِي دَاوُد " بِالْمُعَوِّذَاتِ " فَيَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ قُلْ هو الله احد مع المعوذتين وروى الطبري فِي مُعْجَمِهِ أَحَادِيثَ فِي فَضْلِ آيَةِ الْكُرْسِيِّ دُبُرَ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ لَكِنَّهَا كُلَّهَا ضَعِيفَةٌ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ غَيْرَ مَا ذَكَرْتُهُ هُنَا وَجَاءَ فِي الذِّكْرِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ أَحَادِيثُ (مِنْهَا) حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ قَالَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَهُوَ ثَانٍ رِجْلَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ له له الملك وله الحميد يحيى ويميت وهو علي كل شئ قَدِيرٌ عَشْرَ مَرَّاتٍ كُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ وَمُحِيَ عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ وَرُفِعَ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ وَكَانَ يَوْمَهُ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي حِرْزٍ مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ وَحُرِسَ مِنْ الشَّيْطَانِ وَلَمْ يَنْبَغِ لِذَنْبٍ أَنْ يُدْرِكَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ إلَّا الشِّرْكَ بِاَللَّهِ تَعَالَى " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ قال الترمذي حديث جسن غَرِيبٌ وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَلَّى الْفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَفِي الْبَابِ غَيْرُ مَا ذَكَرْتُهُ وَاَللَّهُ اعلم
*

(3/486)


(فَرْعٌ)
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ مِنْ هَذِهِ الْأَذْكَارِ بِحَدِيثِ الِاسْتِغْفَارِ وَحَكَى حديث ثوبان قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأُمِّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ السَّابِقَ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ وَحَدِيثَ ابْنِ الزُّبَيْرِ السَّابِقَ وَحَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ الْمَذْكُورَ في الفصل بعد هذا اختار للامام المأموم أَنْ يَذْكُرَا اللَّهَ تَعَالَى بَعْدَ السَّلَامِ مِنْ الصَّلَاةِ وَيُخْفِيَانِ الذِّكْرَ إلَّا أَنْ يَكُونَ إمَامًا يُرِيدُ أَنْ يُتَعَلَّمَ مِنْهُ فَيَجْهَرَ حَتَّى يَرَى أَنَّهُ قَدْ تُعُلِّمَ مِنْهُ فَيُسِرَّ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بها) يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الدُّعَاءَ (وَلَا تَجْهَرْ) تَرْفَعْ (ولا تخافت) حتى لا تسمع نفسك قال وأحسب أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا جَهَرَ قَلِيلًا يَعْنِي فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَحَدِيثِ ابْنِ الزُّبَيْرِ لِيَتَعَلَّمَ
النَّاسُ مِنْهُ لِأَنَّ عَامَّةَ الرِّوَايَاتِ الَّتِي كَتَبْنَاهَا مَعَ هَذَا وَغَيْرِهَا لَيْسَ يُذْكَرُ فِيهَا بَعْدَ التَّسْلِيمِ تَهْلِيلٌ وَلَا تكبير وَقَدْ ذَكَرَتْ أُمُّ سَلَمَةَ " مُكْثَهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم ولم يذكر جَهْرًا وَأَحْسَبُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَمْكُثْ إلَّا لِيَذْكُرَ سِرًّا " قَالَ وَأَسْتَحِبُّ لِلْمُصَلِّي مُنْفَرِدًا أَوْ مَأْمُومًا أَنْ يُطِيلَ الذِّكْرَ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَيُكْثِرَ الدُّعَاءَ رَجَاءَ الْإِجَابَةِ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ هَذَا نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَاحْتَجَّ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ لتفسيره الاية بحديث عائشة رضى الله تعالى عَنْهَا قَالَتْ " فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا) نَزَلَتْ فِي الدُّعَاءِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَكَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا إنَّ الذِّكْرَ وَالدُّعَاءَ بَعْدَ الصَّلَاةِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُسَرَّ بِهِمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ إمَامًا يُرِيدُ تَعْلِيمَ النَّاسِ فَيَجْهَرَ لِيَتَعَلَّمُوا فَإِذَا تَعَلَّمُوا وَكَانُوا عَالِمِينَ أَسَرَّهُ وَاحْتَجَّ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ فِي الْإِسْرَارِ بِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُنَّا إذَا أَشْرَفْنَا عَلَى وَادٍ هللنا وكبرنا ارتفعت اصواتنا فقال النبي صل الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا إنَّهُ مَعَكُمْ سَمِيعٌ قَرِيبٌ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ

(3/487)


وَمُسْلِمٌ (ارْبَعُوا) - بِفَتْحِ الْبَاءِ - أَيْ اُرْفُقُوا
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا اسْتِحْبَابَ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَالْمُنْفَرِدِ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ عَقِبَ كُلِّ الصَّلَوَاتِ بِلَا خلاف وأماما اعْتَادَهُ النَّاسُ أَوْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ مِنْ تَخْصِيصِ دُعَاءِ الْإِمَامِ بِصَلَاتَيْ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ فَلَا أَصْلَ لَهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الحاوى فقال ان كانت صلاة لا يتنقل بَعْدَهَا كَالصُّبْحِ وَالْعَصْرِ اسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ وَاسْتَقْبَلَ النَّاسَ وَدَعَا وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يُتَنَفَّلُ بَعْدَهَا كَالظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فَيُخْتَارُ أَنْ يَتَنَفَّلَ فِي مَنْزِلِهِ وَهَذَا الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ التَّخْصِيصِ لَا أَصْلَ لَهُ بَلْ الصَّوَابُ اسْتِحْبَابُهُ فِي كُلِّ الصَّلَوَاتِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُقْبِلَ عَلَى النَّاسِ فَيَدْعُوَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
وَأَمَّا هَذِهِ الْمُصَافَحَةُ الْمُعْتَادَةُ بَعْدَ صَلَاتَيْ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ فَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهَا مِنْ الْبِدَعِ الْمُبَاحَةِ وَلَا تُوصَفُ بِكَرَاهَةٍ وَلَا اسْتِحْبَابٍ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ حَسَنٌ وَالْمُخْتَارُ أَنْ يُقَالَ إنْ صَافَحَ مَنْ كَانَ مَعَهُ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَمُبَاحَةٌ كَمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ صافح من
لم يكن معه قبل الصلاة عند اللقاء فسنة بِالْإِجْمَاعِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي ذَلِكَ وَسَأَبْسُطُ الْكَلَامَ فِي الْمُصَافَحَةِ وَالسَّلَامِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَيُشْبِهُهَا فِي فَصْلٍ عَقِبَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ يُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْ الذِّكْرِ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ وَفِي اللَّيْلِ وَعِنْدَ النَّوْمِ وَالِاسْتِيقَاظِ وَفِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ جِدًّا مَشْهُورَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مَعَ آيَاتٍ مِنْ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَقَدْ جَمَعْتُ مُعْظَمَ ذَلِكَ مُهَذَّبًا فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله
*
* (وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَنْصَرِفَ فَإِنْ كَانَ خَلْفَهُ نِسَاءٌ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَلْبَثَ حَتَّى تَنْصَرِفَ النِّسَاءُ لِئَلَّا يَخْتَلِطْنَ بِالرِّجَالِ لِمَا رَوَتْ أُمُّ سلمة رضى الله تعالي عَنْهَا " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذا

(3/488)


سلم قال النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي سَلَامَهُ فَيَمْكُثُ يَسِيرًا قَبْلَ أَنْ يَقُومَ " قَالَ الزُّهْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَنَرَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مُكْثَهُ لِيَنْصَرِفَ النِّسَاءُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُنَّ الرِّجَالُ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَنْصَرِفَ تَوَجَّهَ فِي جِهَةِ حَاجَتِهِ لِمَا رَوَى الْحَسَنُ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ " كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلُّونَ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ فَمَنْ كَانَ بَيْتُهُ مِنْ قِبَلِ بَنِي تَمِيمٍ انْصَرَفَ عَنْ يَسَارِهِ وَمَنْ كَانَ بَيْتُهُ مما يَلِي بَنِي سُلَيْمٍ انْصَرَفَ عَنْ يَمِينِهِ يَعْنِي بِالْبَصْرَةِ " وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَاجَةٌ فَالْأَوْلَى أَنْ يَنْصَرِفَ عَنْ يَمِينِهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ فِي كل شئ)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ إذَا سَلَّمَ أَنْ يَقُومَ مِنْ مُصَلَّاهُ عَقِبَ سَلَامِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ خَلْفَهُ نِسَاءٌ هَكَذَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَلَّلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ بِعِلَّتَيْنِ (إحْدَاهُمَا) لِئَلَّا يَشُكَّ هُوَ أَوْ مَنْ خَلْفَهُ هَلْ سَلَّمَ أَمْ لَا (وَالثَّانِيَةُ) لِئَلَّا يَدْخُلَ غَرِيبٌ فَيَظُنَّهُ بَعْدُ فِي الصَّلَاةِ فَيَقْتَدِيَ بِهِ أَمَّا إذَا كَانَ خَلْفَهُ نِسَاءٌ فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَلْبَثَ بَعْدَ سَلَامِهِ وَيَثْبُتَ الرِّجَالُ قَدْرًا يَسِيرًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَعَالَى حَتَّى تَنْصَرِفَ النِّسَاءُ بِحَيْثُ لَا يُدْرِكُ الْمُسَارِعُونَ فِي سَيْرِهِمْ مِنْ الرِّجَالُ آخِرَهُنَّ وَيُسْتَحَبُّ لَهُنَّ أَنْ يَنْصَرِفْنَ عَقِبَ سَلَامِهِ فَإِذَا انْصَرَفْنَ انْصَرَفَ الْإِمَامُ وَسَائِرُ الرِّجَالِ وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ بِالْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ
أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا سَلَّمَ قَامَ النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي تَسْلِيمَهُ وَمَكَثَ يَسِيرًا كَيْ يَنْصَرِفْنَ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُنَّ أَحَدٌ مِنْ الْقَوْمِ " وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ ابْنُ شهاب " فأرى

(3/489)


وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مُكْثَهُ لِكَيْ يَنْفَدَ النِّسَاءُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُنَّ مَنْ انْصَرَفَ مِنْ الْقَوْمِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ صَحِيحِهِ ولان الاختلاط بهن مظنة الفساد (1) لان مُزَيَّنَاتٌ لِلنَّاسِ مُقَدَّمَاتٌ عَلَى كُلِّ الشَّهَوَاتِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فَإِنْ قَامَ الْإِمَامُ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ جَلَسَ أَطْوَلَ مِنْ ذَلِكَ فَلَا شئ عَلَيْهِ قَالَ وَلِلْمَأْمُومِ أَنْ يَنْصَرِفَ إذَا قَضَى الْإِمَامُ السَّلَامَ قَبْلَ قِيَامِ الْإِمَامِ قَالَ وَتَأْخِيرُ ذَلِكَ حَتَّى يَنْصَرِفَ بَعْدَ انْصِرَافِ الْإِمَامِ أَوْ مَعَهُ أَحَبُّ إلَيَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ والاصحاب إذا انصرف المصلى أماما كان أوما مَأْمُومًا أَوْ مُنْفَرِدًا فَلَهُ أَنْ يَنْصَرِفَ عَنْ يمينه وعن يساره وتلقاء وجهه رواه (2) ولا كراهة في شئ مِنْ ذَلِكَ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ إنْ كَانَ لَهُ حَاجَةٌ فِي جِهَةٍ مِنْ هَذِهِ الْجِهَاتِ أَنْ يَتَوَجَّهَ إلَيْهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَاجَةٌ فَجِهَةُ الْيُمْنَى أَوْلَى وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ " بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي ذَلِكَ فِي بَابِ صِفَةِ الْوُضُوءِ فِي فَصْلِ غَسْلِ الْيَدَيْنِ وَجَاءَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ " لَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ لِلشَّيْطَانِ شَيْئًا مِنْ صَلَاتِهِ لَا يَرَى إلَّا أَنَّ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ لَا يَنْصَرِفَ إلَّا عَنْ يَمِينِهِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرًا يَنْصَرِفُ عَنْ يَسَارِهِ " رواه البخاري و (3) مسلم قَالَ " أَكْثَرُ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْصَرِفُ عَنْ يَمِينِهِ " وَعَنْ هُلْبٍ بِضَمِّ الْهَاءِ الطَّائِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ يَنْصَرِفُ عَنْ شِقَّيْهِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُبَاحُ الِانْصِرَافُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَإِنَّمَا أَنْكَرَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَلَى مَنْ يَعْتَقِدُ وُجُوبَ ذَلِكَ
* (فَرْعٌ)
إذَا أَرَادَ أَنْ يَنْفَتِلَ فِي الْمِحْرَابِ وَيُقْبِلَ عَلَى النَّاسِ لِلذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَغَيْرِهِمَا جَازَ أَنْ يَنْفَتِلَ كَيْفَ شَاءَ وَأَمَّا الْأَفْضَلُ فَقَالَ الْبَغَوِيّ الْأَفْضَلُ أَنْ يَنْفَتِلَ عَنْ يَمِينِهِ وَقَالَ فِي كَيْفِيَّتِهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُدْخِلُ يَمِينَهُ فِي الْمِحْرَابِ وَيَسَارَهُ إلَى النَّاسِ وَيَجْلِسُ
عَلَى يَمِينِ الْمِحْرَابِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الْأَصَحُّ يُدْخِلُ يَسَارَهُ فِي الْمِحْرَابِ وَيَمِينَهُ إلَى الْقَوْمِ وَيَجْلِسُ عَلَى يَسَارِ الْمِحْرَابِ هَذَا لَفْظُ الْبَغَوِيِّ فِي التَّهْذِيبِ وَجَزَمَ الْبَغَوِيّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ بِهَذَا الثَّانِي وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِحَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " كُنَّا إذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْبَبْنَا أَنْ نَكُونَ عَنْ يَمِينِهِ يُقْبِلُ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ فِي قُنُوتِهِ رَبِّ قِنِي عَذَابَكَ يَوْمَ تَبْعَثُ أَوْ تَجْمَعُ عِبَادَكَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنْ لَمْ يَصِحَّ فِي هَذَا حَدِيثٌ فَلَسْت أَرَى فِيهِ إلَّا التَّخْيِيرَ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ مِمَّا يُتَنَفَّلُ بَعْدَهَا فَالسُّنَّةُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى بيته لفعل النافلة
__________
(1 - 2) كذا بالاصل فحرر (3) كذا بالاصل ولعله وروى مسلم عن انس الخ كما يعلم من مراجعة صحيحة فحرر

(3/490)


لِأَنَّ فِعْلَهَا فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ " لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ فَإِنَّ أَفْضَلَ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " اجْعَلُوا مِنْ صَلَاتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَضَى أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ فِي مَسْجِدِهِ فَلْيَجْعَلْ لِبَيْتِهِ مِنْ صَلَاتِهِ نَصِيبًا فَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ فِي بَيْتِهِ مِنْ صَلَاتِهِ خَيْرًا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ إلَى بَيْتِهِ وَأَرَادَ التَّنَفُّلَ فِي الْمَسْجِدِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْ مَوْضِعِهِ قَلِيلًا لِتَكْثِيرِ مَوَاضِعِ سُجُودِهِ هَكَذَا عَلَّلَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ فَإِنْ لَمْ يَنْتَقِلْ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ الْفَرِيضَةِ وَالنَّافِلَةِ بِكَلَامِ إنْسَانٍ وَاسْتَدَلَّ الْبَيْهَقِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ " أَنَّ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرٍ أَرْسَلَهُ إلَى السَّائِبِ بْنِ أُخْتِ نُمَيْرٍ يَسْأَلُهُ عَنْ شئ رَآهُ مِنْهُ مُعَاوِيَةُ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ نَعَمْ صَلَّيْتُ مَعَهُ الْجُمُعَةَ فِي الْمَقْصُورَةِ فَلَمَّا سَلَّمَ الْإِمَامُ قُمْتُ فِي مَقَامِي

(3/491)


فَصَلَّيْتُ فَلَمَّا دَخَلَ أَرْسَلَ إلَيَّ فَقَالَ لَا تَعُدْ لِمَا فَعَلْتَ إذَا صَلَّيْتَ الْجُمُعَةَ فَلَا تَصِلْهَا بِصَلَاةٍ حَتَّى تُكَلِّمَ أَوْ تَخْرُجَ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنَا بِذَلِكَ أَنْ لَا نُوصِلَ صَلَاةً حَتَّى نَتَكَلَّمَ أَوْ نَخْرُجَ
رَوَاهُ مُسْلِمٌ " فَهَذَا الْحَدِيثُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُصَلِّي الْإِمَامُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ حَتَّى يَتَحَوَّلَ " فَضَعِيفٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ عَطَاءٌ لَمْ يُدْرِكْ الْمُغِيرَةَ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رسول الله صلي الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ فِي الصَّلَاةِ يَعْنِي النَّافِلَةَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا صَلَّى النَّافِلَةَ فِي الْمَسْجِدِ جَازَ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْأَفْضَلِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَسَجْدَتَيْنِ بَعْدَهَا وَسَجْدَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَسَجْدَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَسَجْدَتَيْنِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَأَمَّا الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ فَفِي بَيْتِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْبَاقِيَ صَلَّاهَا فِي الْمَسْجِدِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَهُوَ صَلَاةُ النَّافِلَةِ فِي الْبَيْتِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى ليالي في رمضان في المسجد غير المكتوبات " والله اعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (وَالسُّنَّةُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ أَنْ يَقْنُتَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ لِمَا رَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ تعالي عنه " ان النبي صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَيْهِمْ ثُمَّ تَرَكَهُ فَأَمَّا فِي الصُّبْحِ فَلَمْ يَزَلْ يَقْنُتُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا " وَمَحِلُّ الْقُنُوتِ بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ " لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ سُئِلَ أَنَسٌ هَلْ قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ

(3/492)


عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ قَالَ نَعَمْ قال قَبْلَ الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ قَالَ بَعْدَ الرُّكُوعِ " وَالسُّنَّةُ أَنْ يَقُولَ " اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ وَعَافَنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ إنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ إنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ " لِمَا رَوَى الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ فِي الْوِتْرِ فَقَالَ قُلْ " اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ " إلَى آخِرِهِ وَإِنْ قَنَتَ بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ حَسَنًا وَهُوَ مَا رَوَى أَبُو رَافِعٍ قَالَ قَنَتَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعْدَ الرُّكُوعِ فِي الصُّبْحِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ وَلَا نَكْفُرُكَ وَنُؤْمِنُ بِك وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَفْجُرُكَ اللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُدُ وَلَكَ نُصَلِّي وَنَسْجُدُ
وَإِلَيْك نَسْعَى وَنَحْفِدُ نَرْجُو رَحْمَتَكَ وَنَخْشَى عَذَابَكَ إنَّ عَذَابَكَ الْجِدَّ بِالْكُفَّارِ مُلْحِقٌ اللَّهُمَّ عَذِّبْ كَفَرَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ يُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ وَيُقَاتِلُونَ اولياءك اللهم غفر لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِهِمْ وألف بين قلوبنهم وَاجْعَلْ فِي قُلُوبِهِمْ الْإِيمَانَ وَالْحِكْمَةَ وَثَبِّتْهُمْ عَلَى مِلَّةِ رَسُولِكَ وَأَوْزِعْهُمْ أَنْ يُوفُوا بِعَهْدِكَ الَّذِي عاهدتهم عليه وانصرهم على عدوك وعدوهم إلَهَ الْحَقِّ وَاجْعَلْنَا مِنْهُمْ " وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الدُّعَاءِ لِمَا رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْوِتْرِ أَنَّهُ قَالَ " تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَسَلَّمَ " وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يُؤَمِّنَّ عَلَى الدُّعَاءِ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَكَانَ يُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ " وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي الثَّنَاءِ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ التَّأْمِينُ عَلَى ذَلِكَ فَكَانَتْ الْمُشَارَكَةُ أَوْلَى وَأَمَّا رَفْعُ الْيَدَيْنِ فِي الْقُنُوتِ فَلَيْسَ فِيهِ نَصٌّ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَرْفَعْ الْيَدَ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ وَالِاسْتِنْصَارِ وَعَشِيَّةِ عَرَفَةَ وَلِأَنَّهُ دُعَاءٌ فِي الصَّلَاةِ فَلَمْ يُسْتَحَبَّ لَهُ رَفْعُ الْيَدِ كَالدُّعَاءِ فِي التَّشَهُّدِ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْيَدَ وَحَكَى فِي التَّعْلِيقِ أَنَّهُ يَرْفَعُ الْيَدَ وَالْأَوَّلُ عِنْدِي أَصَحُّ وَأَمَّا غَيْرُ الصُّبْحِ مِنْ الْفَرَائِضِ فَلَا يُقْنَتُ فيه من غير حاجة فان نزلت بالمسملين نَازِلَةٌ قَنَتُوا فِي جَمِيعِ الْفَرَائِضِ لِمَا رَوَى

(3/493)


أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَقْنُتُ إلَّا أَنْ يَدْعُوَ لِأَحَدٍ أَوْ يَدْعُوَ عَلَى أحد كَانَ إذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمْدَهُ قَالَ ربنا لك الحمد وذكر الدعاء)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* فِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) الْقُنُوتُ فِي الصُّبْحِ بَعْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْ رُكُوعِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ سُنَّةٌ عِنْدَنَا بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا مَا نُقِلَ عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه أَنَّهُ لَا يُقْنَتُ فِي الصُّبْحِ لِأَنَّهُ صَارَ شِعَارَ طَائِفَةٍ مُبْتَدِعَةٍ فَهُوَ غَلَطٌ لَا يُعَدُّ مِنْ مَذْهَبِنَا وَأَمَّا غَيْرُ الصُّبْحِ مِنْ الْمَكْتُوبَاتِ فَهَلْ يُقْنَتُ فِيهَا فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ حَكَاهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَآخَرُونَ (الصَّحِيحُ) الْمَشْهُورُ الَّذِي قطع به الجمهور ان نزلت بالمسملين نَازِلَةٌ كَخَوْفٍ أَوْ قَحْطٍ أَوْ وَبَاءٍ أَوْ جَرَادٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ قَنَتُوا فِي جَمِيعِهَا وَإِلَّا فَلَا
(وَالثَّانِي)
يَقْنُتُونَ مُطْلَقًا حَكَاهُ جَمَاعَاتٌ مِنْهُمْ شَيْخُ الْأَصْحَابِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَمُتَابِعُوهُ
(وَالثَّالِثُ) لَا يَقْنُتُونَ مُطْلَقًا حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ وَهُوَ غَلَطٌ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ الْمُسْتَفِيضَةِ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ فِي غَيْرِ الصُّبْحِ عِنْدَ نُزُولِ النَّازِلَةِ حِينَ قُتِلَ أَصْحَابُهُ الْقُرَّاءُ " وَأَحَادِيثُهُمْ مَشْهُورَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الْجَوَازِ وَعَدَمِهِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ هَكَذَا صَرَّحَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْجُمْهُورُ قَالَ الرَّافِعِيُّ مُقْتَضَى كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ الْقُنُوتُ فِي غَيْرِ الصُّبْحِ بِحَالٍ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْجَوَازِ فَحَيْثُ يَجُوزُ فَالِاخْتِيَارُ فِيهِ إلَى الْمُصَلِّي قَالَ ومنهم من يشعر كلامه بالاسحباب قلت وهذ أَقْرَبُ إلَى السُّنَّةِ فَإِنَّهُ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُنُوتُ لِلنَّازِلَةِ فَاقْتَضَى ان يكون سنة وممن صَرَّحَ بِأَنَّ الْخِلَافَ فِي الِاسْتِحْبَابِ صَاحِبُ الْعُدَّةِ قَالَ وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ مُطْلَقًا: وَأَمَّا غَيْرُ الْمَكْتُوبَاتِ فَلَا يُقْنَتُ فِي شئ مِنْهُنَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي كِتَابِ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ فِي بَابِ الْقِرَاءَةِ فِي الْعِيدَيْنِ وَلَا قُنُوتَ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ فَإِنْ قَنَتَ عِنْدَ نَازِلَةٍ لَمْ أَكْرَهْهُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) مَحِلُّ الْقُنُوتِ عِنْدَنَا بَعْدَ الرُّكُوعِ كَمَا سَبَقَ فَلَوْ قَنَتَ قَبْلَهُ فَإِنْ كَانَ مَالِكِيًّا يَرَاهُ أَجْزَأَهُ وَإِنْ كَانَ شَافِعِيًّا فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ قَالَ صَاحِبُ الْمُسْتَظْهِرِيِّ هُوَ الْمَذْهَبُ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يُجْزِئُهُ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ (وَالثَّانِي) لَا يُجْزِئُهُ لِوُقُوعِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ فَيُعِيدُهُ بَعْدَ الرُّكُوعِ

(3/494)


قَالَ وَهَلْ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِيهِ وَجْهَانِ وَقَطَعَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ لَوْ أَطَالَ الْقِيَامَ يَنْوِي بِهِ الْقُنُوتَ كَانَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ لِأَنَّ الْقُنُوتَ عَمَلٌ مِنْ عَمَلِ الصَّلَاةِ فَإِذَا عَمِلَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ أَوْجَبَ سُجُودَ السَّهْوِ هَذَا نَصُّهُ وَأَشَارَ فِي التَّهْذِيبِ إلَى وَجْهٍ فِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِ لِأَنَّهُ قَالَ هُوَ كَمَا لَوْ قَرَأَ التَّشَهُّدَ فِي الْقِيَامِ فَحَصَلَ فِيمَنْ قَنَتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) أَنَّهُ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَلَا يُجْزِئُهُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ (وَالثَّانِي) لَا يُجْزِئُهُ وَلَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ (وَالثَّالِثُ) يُجْزِئُهُ (وَالرَّابِعُ) تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَهُوَ غَلَطٌ (الثَّالِثَةُ) السُّنَّةُ فِي لَفْظِ الْقُنُوتِ اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ وَعَافَنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ وَأَنَّهُ لا يذل من واليت تبارك رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ هَذَا لَفْظُهُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ بِإِثْبَاتِ الْفَاءِ فِي فَإِنَّكَ وَالْوَاوِ فِي وَأَنَّهُ لَا يَذِلُّ وَتَبَارَكْتَ رَبَّنَا هَذَا لَفْظُهُ فِي رواية الترمذي (1) في رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد
وَجُمْهُورِ الْمُحَدِّثِينَ وَلَمْ يُثْبِتْ الْفَاءَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَتَقَعُ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ مُغَيَّرَةً فَاعْتَمِدْ مَا حَقَّقْتُهُ فَإِنَّ أَلْفَاظَ الْأَذْكَارِ يُحَافَظُ فِيهَا عَلَى الثابت عن النبي صلي الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما قال " علمتي رسول الله صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي الْوِتْرِ اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ وَعَافَنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عليك
__________
(1) كذا بالاصل

(3/495)


وأنه لا يذل من واليت تباركت ربنا وَتَعَالَيْتَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَغَيْرُهُمْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ وَلَا يُعْرَفُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي القنوت شئ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا وَفِي رِوَايَةٍ رَوَاهَا الْبَيْهَقِيُّ عن محمد بن الحنيفة وهو ابن علي ابن أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " إنَّ هذا الدعاء هو الذى كان أبي يدعوا بِهِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي قُنُوتِهِ " وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يعلمهم هذا الدعاء ليدعوا بِهِ فِي الْقُنُوتِ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ " وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَقْنُتُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَفِي وِتْرِ اللَّيْلِ بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ " وَفِي رِوَايَةٍ " كَانَ يَقُولُهَا في قنوت الليل " قال الْبَيْهَقِيُّ فَدَلَّ هَذَا كُلُّهُ عَلَى أَنَّ تَعْلِيمَ هَذَا الدُّعَاءِ وَقَعَ لِقُنُوتِ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَقُنُوتِ الْوِتْرِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ وَهَذِهِ الْكَلِمَاتُ الثِّمَانُ هُنَّ اللَّوَاتِي نَصَّ عَلَيْهِنَّ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِنَّ وَلَوْ زَادَ عَلَيْهِنَّ وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ قَبْلَ تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ وَبَعْدَهُ فَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا قَضَيْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إلَيْكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَآخَرُونَ هَذِهِ الزِّيَادَةُ حَسَنَةٌ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ مَنْ عَادَيْتَ لَيْسَ بِحَسَنٍ لِأَنَّ الْعَدَاوَةَ لَا تُضَافُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَأَنْكَرَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْأَصْحَابُ عَلَيْهِ وَقَالُوا قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء) وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ كَانَ إمَامًا لَمْ يَخُصَّ نَفْسَهُ بِالدُّعَاءِ بَلْ يُعَمِّمُ فَيَأْتِي بِلَفْظِ الْجَمْعِ اللَّهُمَّ

(3/496)


اهْدِنَا إلَى آخِرِهِ وَهَلْ تَتَعَيَّنُ هَذِهِ الْكَلِمَاتُ فِيهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ لَا تَتَعَيَّنُ بَلْ يَحْصُلُ بِكُلِّ دُعَاءٍ
(وَالثَّانِي)
تَتَعَيَّنُ كَكَلِمَاتِ التَّشَهُّدِ فَإِنَّهَا مُتَعَيِّنَةٌ بِالِاتِّفَاقِ وَبِهَذَا قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى فِي كِتَابِهِ الْمُحِيطِ وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْمُسْتَظْهِرِيِّ قَالَ صَاحِبُ الْمُسْتَظْهِرِيِّ وَلَوْ تَرَكَ مِنْ هَذَا كَلِمَةً أَوْ عَدَلَ إلَى غَيْرِهِ لَا يُجْزِئُهُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَخَلَائِقُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنِ الصَّلَاحِ قَوْلُ مَنْ قَالَ يَتَعَيَّنُ شَاذٌّ مَرْدُودٌ مُخَالِفٌ لِجُمْهُورِ الْأَصْحَابِ بَلْ مُخَالِفٌ لِجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ فَقَدْ حَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ اتِّفَاقَهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ فِي الْقُنُوتِ دُعَاءٌ إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ قُنُوتُ مُصْحَفِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " اللهم إنا تستعينك وَنَسْتَغْفِرُكَ إلَى آخِرِهِ بَلْ مُخَالِفٌ لِفِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ كَانَ يقول " اللهم انج الوليد ابن الْوَلِيدِ وَفُلَانًا وَفُلَانًا اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلَانًا وَفُلَانًا " فَلْيَعُدَّ هَذَا الَّذِي قِيلَ بِالتَّعَيُّنِ غَلَطًا غَيْرَ مَعْدُودٍ وَجْهًا هَذَا كُلُّهُ كَلَامُ أَبِي عَمْرٍو فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ وَقُلْنَا إنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ فَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي يَحْصُلُ بِالدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ وَغَيْرِ الْمَأْثُورِ قَالَ فَإِنْ قَرَأَ آيَةً مِنْ الْقُرْآنِ هِيَ دُعَاءٌ أَوْ شَبِيهَةٌ بِالدُّعَاءِ كَآخِرِ الْبَقَرَةِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ لَمْ يَتَضَمَّنْ الدُّعَاءَ وَلَمْ يُشْبِهْهُ كَآيَةِ الدَّيْنِ وَسُورَةِ تَبَّتْ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يُجْزِئُهُ إذَا نَوَى الْقُنُوتَ لِأَنَّ الْقُرْآنَ أَفْضَلُ مِنْ الدُّعَاءِ
(وَالثَّانِي)
لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّ الْقُنُوتَ لِلدُّعَاءِ وهذا ليس

(3/497)


بِدُعَاءٍ وَالثَّانِي هُوَ الصَّحِيحُ أَوْ الصَّوَابُ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ فِي غَيْرِ الْقِيَامِ مَكْرُوهَةٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ قَنَتَ بِالْمَنْقُولِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ كَانَ حَسَنًا وَهُوَ الدُّعَاءُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وغيره قال البيهقى هو صحيح عن عمرو اختلف الرُّوَاةُ فِي لَفْظِهِ وَالرِّوَايَةُ الَّتِي أَشَارَ الْبَيْهَقِيُّ إلَى اخْتِيَارِهَا رِوَايَةُ عَطَاءٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَنَتَ بَعْدَ الركوع فقال " اللهم اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِهِمْ وَانْصُرْهُمْ عَلَى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِمْ اللَّهُمَّ الْعَنْ كَفَرَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ وَيُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ وَيُقَاتِلُونَ أَوْلِيَاءَكَ اللَّهُمَّ خَالِفْ بَيْنَ كَلِمَتِهِمْ وَزَلْزِلْ أَقْدَامَهُمْ وَأَنْزِلْ بِهِمْ بَأْسَكَ الَّذِي لَا تَرُدُّهُ عَنْ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ وَنُثْنِي عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من
مَنْ يَفْجُرُكَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُدُ وَلَكَ نُصَلِّي وَنَسْجُدُ وَإِلَيْك نَسْعَى ونحفد ونخشى عذابك ونرجوا رَحْمَتَكَ إنَّ عَذَابَكَ الْجِدَّ بِالْكُفَّارِ مُلْحِقٌ " هَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ وَرَوَاهُ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى أَخَصْرَ مِنْ هَذَا وَفِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ وَفِيهِ أَنَّهُ قَنَتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَمَنْ رَوَى عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قُنُوتَهُ بَعْدَ الرُّكُوعِ أَكْثَرُ فَقَدْ رَوَاهُ أَبُو رَافِعٍ وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ وَزَيْدُ بْنُ وَهْبٍ وَالْعَدَدُ أَوْلَى بِالْحِفْظِ مِنْ الْوَاحِدِ وَفِي حُسْنِ سِيَاقِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ لِلْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى حِفْظِهِ وَحِفْظِ مَنْ حَفِظَ عَنْهُ وَاقْتَصَرَ الْبَغَوِيّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بَعْضَ هَذَا مَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنَّ إسْنَادَهُ مُرْسَلٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَقَوْلُهُ) اللَّهُمَّ عَذِّبْ كَفَرَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ لِأَنَّهُمْ الَّذِينَ كَانُوا يُقَاتِلُونَ الْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ وَأَمَّا الْآنَ فَالْمُخْتَارُ أَنْ يُقَالَ عَذِّبْ الْكَفَرَةَ لِيَعُمَّ أَهْلَ الْكِتَابِ وَغَيْرَهُمْ مِنْ الْكُفَّارِ فَإِنَّ الْحَاجَةَ إلَى الدُّعَاءِ عَلَى غَيْرِهِمْ أَكْثَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: قَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ الْجَمْعُ بَيْنَ قُنُوتِ عُمَرَ رَضِيَ

(3/498)


اللَّهُ عَنْهُ وَبَيْنَ مَا سَبَقَ فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فَالْأَصَحُّ تَأْخِيرُ قُنُوتِ عُمَرَ وَفِي وَجْهٍ يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُهُ وَإِنْ اقْتَصَرَ فَلْيَقْتَصِرْ عَلَى الْأَوَّلِ وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا إذَا كَانَ مُنْفَرِدًا أَوْ إمَامَ مَحْصُورِينَ يَرْضَوْنَ بِالتَّطْوِيلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الرَّابِعَةُ) هَلْ يُسْتَحَبُّ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْقُنُوتِ فِيهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ يُسْتَحَبُّ (وَالثَّانِي) لَا يَجُوزُ فَإِنْ فَعَلَهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ نَقَلَ رُكْنًا إلَى غَيْرِ مَوْضِعِهِ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَحَكَاهُ عَنْهُ الْبَغَوِيّ وَهُوَ غَلَطٌ صَرِيحٌ وَدَلِيلُ الْمَذْهَبِ أَنَّ فِي رِوَايَةٍ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ " عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ فِي الْوِتْرِ قَالَ اللَّهُمَّ اهْدِنِي فَذَكَرَ الْأَلْفَاظَ الثَّمَانِيَةَ وَقَالَ فِي آخِرِهَا تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ " هذا لَفْظُهُ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَوْ حَسَنٍ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْبَغَوِيّ يُكْرَهُ إطَالَةُ الْقُنُوتِ كَمَا يُكْرَهُ إطَالَةُ التَّشَهُّدِ الْأَوَّل قَالَ وَتُكْرَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِيهِ فَإِنْ قَرَأَ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ (الْخَامِسَةُ) هَلْ يُسْتَحَبُّ رَفْعُ الْيَدَيْنِ فِي الْقُنُوتِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يُسْتَحَبُّ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ وَالْقَفَّالِ وَالْبَغَوِيِّ وحكاه امام الحرمين عن

(3/499)


كثيرين من الاصحاب واشاروا الي ترجيحه واجتجوا بِأَنَّ الدُّعَاءَ فِي الصَّلَاةِ لَا تُرْفَعُ لَهُ الْيَدُ كَدُعَاءِ السُّجُودِ وَالتَّشَهُّدِ
(وَالثَّانِي)
يُسْتَحَبُّ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَفِي الدَّلِيلِ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ إمَامِ طَرِيقَةِ أَصْحَابِنَا الخراسانيين والقاضي أبو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَفِي الْمِنْهَاجِ وَالشَّيْخِ أَبِي محمد وابن الصباغ والمتولي والغزالي والشيح نصر المقدسي في كتبه الثلاث الِانْتِخَابِ وَالتَّهْذِيبِ وَالْكَافِي وَآخَرِينَ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَاخْتَارَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا الْجَامِعِينَ بَيْنَ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ وَاحْتَجَّ لَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِمَا رَوَاهُ بِإِسْنَادٍ لَهُ صَحِيحٍ أَوْ حَسَنٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قِصَّةِ الْقُرَّاءِ الَّذِينَ قتلوا رضي الله تعالى عَنْهُمْ قَالَ " لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّمَا صَلَّى الْغَدَاةَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ يَدْعُو عَلَيْهِمْ يَعْنِي عَلَى الَّذِينَ قَتَلُوهُمْ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلِأَنَّ عَدَدًا من الصحابة رضي الله تعالى عَنْهُمْ رَفَعُوا أَيْدِيَهُمْ فِي الْقُنُوتِ ثُمَّ رَوَى عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ " صَلَّيْتُ خَلْفَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَجَهَرَ بِالدُّعَاءِ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا عَنْ عُمَرَ صَحِيحٌ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي هريرة رضي الله تعالي عَنْهُمَا فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ وَأَمَّا مَسْحُ الْوَجْهِ بِالْيَدَيْنِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الدُّعَاءِ فَإِنْ قُلْنَا لَا يَرْفَعُ الْيَدَيْنِ لَمْ يُشْرَعْ الْمَسْحُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ قُلْنَا يَرْفَعُ فَوَجْهَانِ (أَشْهُرُهُمَا) أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ وَمِمَّنْ قَطَعَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَالشَّيْخُ نَصْرٌ فِي كُتُبِهِ وَالْغَزَالِيُّ

(3/500)


وَصَاحِبُ الْبَيَانِ
(وَالثَّانِي)
لَا يَمْسَحُ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ صَحَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ لَسْتُ أَحْفَظُ فِي مَسْحِ الْوَجْهِ هُنَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ يُرْوَى عَنْ بَعْضِهِمْ فِي الدُّعَاءِ خَارِجَ الصَّلَاةِ فَأَمَّا فِي الصَّلَاةِ فَهُوَ عَمَلٌ لَمْ يثبت فيه خبر ولا أثر ولاقياس فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَفْعَلَهُ وَيُقْتَصَرَ عَلَى مَا نَقَلَهُ السَّلَفُ عَنْهُمْ مِنْ رَفْعِ الْيَدَيْنِ دُونَ مَسْحِهِمَا بِالْوَجْهِ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ حَدِيثًا مِنْ سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله تعالي عَنْهُمَا " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ سَلُوا اللَّهَ بِبُطُونِ كُفُوفِكُمْ وَلَا تسألوه بظهورها فأذا
فرعتم فامسحوا بها وجوهكم " قال أبوا دَاوُد رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ كُلُّهَا وَاهِيَةٌ هَذَا مَتْنُهَا وَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَلِيٍّ الْبَاشَانِيِّ قَالَ سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ - يَعْنِي ابْنَ الْمُبَارَكِ - عَنْ الَّذِي إذَا دَعَا مَسَحَ وَجْهَهُ قَالَ لَمْ أَجِدْ لَهُ ثَبْتًا قَالَ عَلِيُّ وَلَمْ أَرَهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ قَالَ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَقْنُتُ بَعْدَ الرُّكُوعِ فِي الْوِتْرِ وَكَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْبَيْهَقِيّ فِي كِتَابِ السُّنَنِ وَلَهُ رِسَالَةٌ مَشْهُورَةٌ كَتَبَهَا إلَى الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ أَنْكَرَ عَلَيْهِ فِيهَا أَشْيَاءَ مِنْ جُمْلَتِهَا مَسْحَهُ وَجْهَهُ بَعْدَ الْقُنُوتِ وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ إذَا رَفَعَ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ لَمْ يَحُطَّهُمَا حَتَّى يَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ " رواه الترمذ ى وقال حديث غريب انفرد به حماد ابن عِيسَى وَحَمَّادُ هَذَا ضَعِيفٌ وَذَكَرَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَقِّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي كِتَابِهِ الْأَحْكَامِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَغَلِطَ فِي قَوْلِهِ إنَّ التِّرْمِذِيَّ قَالَ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَإِنَّمَا قَالَ غَرِيبٌ وَالْحَاصِلُ لِأَصْحَابِنَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) يُسْتَحَبُّ رَفْعُ يَدَيْهِ دُونَ مَسْحِ الْوَجْهِ (وَالثَّانِي) لَا يُسْتَحَبَّانِ (وَالثَّالِثُ) يُسْتَحَبَّانِ وَأَمَّا غَيْرُ الْوَجْهِ مِنْ الصَّدْرِ وَغَيْرِهِ فَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ بَلْ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ هُوَ مَكْرُوهٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (السَّادِسَةُ) إذَا قَنَتَ الْإِمَامُ فِي الصُّبْحِ هَلْ يَجْهَرُ بِالْقُنُوتِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَحَكَاهُمَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَمِنْهُمْ صَاحِبُ الْحَاوِي
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَجْهَرُ كَالتَّشَهُّدِ وَكَسَائِرِ الدَّعَوَاتِ (وَأَصَحُّهُمَا) يُسْتَحَبُّ الْجَهْرُ وَبِهِ قَطَعَ أَكْثَرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَيَحْتَجُّ لَهُ بِالْحَدِيثِ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَرِيبًا عَنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي قُنُوتِ النَّازِلَةِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى مَا لَوْ سَأَلَ الرَّحْمَةَ أَوْ اسْتَعَاذَ مِنْ الْعَذَابِ فِي أَثْنَاءِ الْقِرَاءَةِ فَإِنَّ الْمَأْمُومَ يُوَافِقُهُ فِي السُّؤَالِ وَلَا يُؤَمِّنُ وَبِهَذَا اسْتَدَلَّ الْمُتَوَلِّي وَأَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَيُسِرُّ بِهِ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَإِنْ قُلْنَا لَا يَجْهَرُ الْإِمَامُ قَنَتَ وَأَسَرَّ وَإِنْ قُلْنَا يَجْهَرُ الْإِمَامُ فَإِنْ كَانَ يسمع الامام فوجهان مشهوران للخراسانين (أَصَحُّهُمَا) يُؤَمِّنُ عَلَى دُعَاءِ الْإِمَامِ وَلَا يَقْنُتُ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ
(وَالثَّانِي)
يَتَخَيَّرُ بَيْنَ التأمين والقنوت فان قلنا يؤمن فوجهان
(أَحَدِهِمَا)
يُؤَمِّنُ فِي الْجَمِيعِ (وَأَصَحُّهُمَا)

(3/501)


وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ يُؤَمِّنُ فِي الْكَلِمَاتِ الْخَمْسِ الَّتِي هِيَ دُعَاءٌ وَأَمَّا الثَّنَاءُ وَهُوَ قَوْلُهُ فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلَا
يُقْضَى عَلَيْكَ إلَى آخِرِهِ فَيُشَارِكُهُ فِي قَوْلِهِ أَوْ يَسْكُتُ وَالْمُشَارَكَةُ أَوْلَى لِأَنَّهُ ثَنَاءٌ وَذِكْرٌ لَا يَلِيقُ فِيهِ التَّأْمِينُ وَإِنْ كَانَ لَا يَسْمَعُ الْإِمَامَ لِبُعْدٍ أَوْ غيره وقلنا لو سمع لامن فهنا وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَقْنُتُ (وَالثَّانِي) يُؤَمِّنُ وَهُمَا كَالْوَجْهَيْنِ فِي اسْتِحْبَابِ قِرَاءَةِ السُّورَةِ إذَا لَمْ يَسْمَعْ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ هَذَا كُلُّهُ فِي الصُّبْحِ وَفِيمَا إذَا قَنَتَ فِي الْوِتْرِ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ وَأَمَّا إذَا قَنَتَ فِي بَاقِي الْمَكْتُوبَاتِ حَيْثُ قُلْنَا بِهِ فَقَالَ الرَّافِعِيُّ كَلَامُ الْغَزَالِيِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُسِرُّ بِهِ فِي السِّرِّيَّاتِ وَفِي جَهْرِهِ بِهِ فِي الْجَهْرِيَّاتِ الْوَجْهَانِ قَالَ وَإِطْلَاقُ غَيْرِهِ يَقْتَضِي طَرْدَ الْخِلَافِ فِي الْجَمِيعِ قَالَ وَحَدِيثُ قُنُوتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قُتِلَ الْقُرَّاءُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ يَجْهَرُ بِهِ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَالصَّحِيحُ أَوْ الصَّوَابُ اسْتِحْبَابُ الْجَهْرِ فَفِي الْبُخَارِيِّ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شئ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَهَرَ بِالْقُنُوتِ فِي قُنُوتِ النَّازِلَةِ " وَفِي الْجَهْرِ بِالْقُنُوتِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ سَنَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَرِيبًا فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْقُنُوتِ وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي اسْتِحْبَابِ تَأْمِينِ الْمَأْمُومِ عَلَى قُنُوتِ الْإِمَامِ بِحَدِيثِ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " قَنَتَ رسول الله شَهْرًا مُتَتَابِعًا فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ إذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمْدَهُ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ عَلَى رَعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَيُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَوْ صَحِيحٍ (السَّابِعَةُ) فِي أَلْفَاظِ الْفَصْلِ (الْقُنُوتُ) فِي اللُّغَةِ لَهُ مَعَانٍ (مِنْهَا) الدُّعَاءُ وَلِهَذَا سُمِّيَ هَذَا الدُّعَاءُ قُنُوتًا وَيُطْلَقُ عَلَى الدُّعَاءِ بِخَيْرٍ وَشَرٍّ يُقَالُ فنت له وقنت عليه (قوله) قنت شهرا يدعوا عَلَيْهِمْ ثُمَّ تَرَكَهُ مَعْنَاهُ قَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو علي الكفار الذين قتلوا أصحابه القراةء بِبِئْرِ مَعُونَةَ - بِفَتْحِ الْمِيمِ وَبِالنُّونِ (وَقَوْلُهُ) ثُمَّ تَرَكَهُ فِيهِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ حَكَاهُمَا الْبَيْهَقِيُّ
(أَحَدُهُمَا)
تَرَكَ الْقُنُوتَ فِي غَيْرِ الصُّبْحِ
(وَالثَّانِي)
تَرَكَ الدُّعَاءَ عَلَيْهِمْ وَلَعْنَتَهُمْ وَأَمَّا الدُّعَاءُ فِي الصُّبْحِ فَلَمْ يَتْرُكْهُ (قَوْلُهُ) لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ هُوَ - بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الذَّالِ - (قَوْلُهُ) وَنَخْلَعُ مَنْ يَفْجُرُكَ أَيْ نَتْرُكُ مَنْ يَعْصِيكَ وَيُلْحِدُ فِي صِفَاتِكَ وَهُوَ - بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الْجِيمِ - (قَوْلُهُ) وَإِلَيْك نَسْعَى وَنَحْفِدُ هُوَ - بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْفَاءِ - أَيْ نُسَارِعُ إلَى طَاعَتِكَ وَأَصْلُ الْحَفْدِ الْعَمَلُ وَالْخِدْمَةُ (قَوْلُهُ) إنَّ عَذَابَكَ الْجِدَّ - هُوَ بِكَسْرِ الْجِيمِ - أَيْ الْحَقَّ
وَلَمْ تَقَعْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ فِي الْمُهَذَّبِ (قَوْلُهُ) مُلْحِقٌ الْأَشْهَرُ فِيهِ كَسْرُ الْحَاءِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَصْمَعِيِّ وَأَبِي عُبَيْدَةَ وَالْأَكْثَرِينَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَحَكَى ابْنُ قُتَيْبَةَ وَآخَرُونَ فِيهِ

(3/502)


الفتح فمن افتح فَمَعْنَاهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَلْحَقَهُ بِهِمْ وَمَنْ كسر معناه لحق كما يقال أينبت الزَّرْعُ بِمَعْنَى نَبَتَ (قَوْلُهُ) وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِهِمْ أَيْ أُمُورَهُمْ وَمُوَاصَلَاتِهِمْ (قَوْلُهُ) وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ أي أجمعها علي الخير (قوله) الحكمة هي كُلُّ مَا مَنَعَ الْقَبِيحَ (قَوْلُهُ) وَأَوْزِعْهُمْ أَيْ أَلْهِمْهُمْ (قَوْلُهُ) وَاجْعَلْنَا مِنْهُمْ أَيْ مِمَّنْ هَذِهِ صفته (قوله) أن النبي صلي الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَرْفَعْ الْيَدَ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ وَالِاسْتِنْصَارِ وَعَشِيَّةِ عَرَفَةَ وَالْمُرَادُ بِالِاسْتِنْصَارِ الدُّعَاءُ بِالنَّصْرِ عَلَى الْكُفَّارِ (قَوْلُهُ) لما روى الحسن ابن عَلِيٍّ هُوَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ سَبْطُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَيْحَانَتُهُ اُخْتُلِفَ فِي وَقْتِ وِلَادَتِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ فِي نِصْفِ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَلَاثٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَتُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَقِيلَ سَنَةَ خَمْسِينَ وَقِيلَ إحْدَى وَخَمْسِينَ وَمَنَاقِبُهُ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ (وَأَمَّا أَبُو رَافِعٍ) الَّذِي رُوِيَ عَنْهُ فِي الْكِتَابِ قُنُوتُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَهُوَ أَبُو رافع الصائغ واسمه نقيع - بِضَمِّ النُّونِ - مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَأَخْيَارِهِمْ بَكَى حِينَ أُعْتِقَ وَقَالَ كَانَ لِي أَجْرَانِ فَذَهَبَ أحدهما
*

(3/503)


(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي إثْبَاتِ الْقُنُوتِ فِي الصُّبْحِ: مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْقُنُوتُ فِيهَا سواء نزلت نازلة أو لم تنزل وبها قَالَ أَكْثَرُ السَّلَفِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ أَوْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَقَالَ بِهِ مِنْ التَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ خَلَائِقُ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ أَبِي ليلي والحسن ابن صَالِحٍ وَمَالِكٍ وَدَاوُد وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَأَصْحَابُهُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ لَا قُنُوتَ فِي الصُّبْحِ قَالَ أَحْمَدُ إلَّا الْإِمَامَ فَيَقْنُتُ إذَا بَعَثَ الْجُيُوشَ وَقَالَ إِسْحَاقُ يَقْنُتُ لَلنَّازِلَةِ خَاصَّةً وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ شَهْرًا بَعْدَ الرُّكُوعِ
يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ الْعَرَبِ ثُمَّ تَرَكَهُ " رَوَاهُ البخاري ومسلم وفى صحيحهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ فِي صَلَاتِهِ شَهْرًا يَدْعُو لِفُلَانٍ وَفُلَانٍ ثُمَّ تَرَكَ الدُّعَاءَ لَهُمْ " وَعَنْ سَعْدِ بْنِ طَارِقٍ قَالَ " قُلْتُ لِأَبِي يَا أَبِي إنَّكَ قَدْ صَلَّيْتَ خَلْفَ رسول الله صلي الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ فَكَانُوا يَقْنُتُونَ فِي الْفَجْرِ فَقَالَ أَيْ بُنَيَّ فَحَدِّثْ " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " مَا قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شئ مِنْ صَلَاتِهِ " وَعَنْ أَبِي مَخْلَدٍ قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا الصُّبْحَ فَلَمْ يَقْنُتْ فَقُلْتُ لَهُ أَلَا أَرَاك تقنت فقال ما احفظه عن احمد مِنْ أَصْحَابِنَا وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا " الْقُنُوتُ فِي الصُّبْحِ بِدْعَةٌ " وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ " عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ الْقُنُوتِ فِي الصُّبْحِ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تعالي عليه وسلم قنت شهرا يدعوا عَلَيْهِمْ ثُمَّ تَرَكَ فَأَمَّا فِي الصُّبْحِ فَلَمْ يَزَلْ يَقْنُتُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا " حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْحُفَّاظِ وَصَحَّحُوهُ وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى صِحَّتِهِ الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْبَلْخِيُّ وَالْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ في مواضع من كتبه والبيهقي ورواه الدارقطني

(3/504)


مِنْ طُرُقٍ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَعَنْ الْعَوَّامِ بْنِ حَمْزَةَ قَالَ " سَأَلْتُ أَبَا عُثْمَانَ عَنْ الْقُنُوتِ فِي الصُّبْحِ قَالَ بَعْدَ الرُّكُوعِ قُلْتُ عَمَّنْ قَالَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ هَذَا إسْنَادٌ حَسَنٌ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ أَيْضًا مِنْ طُرُقٍ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ - بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْقَافِ - التَّابِعِيِّ قَالَ " قَنَتَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْفَجْرِ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ هَذَا عَنْ عَلِيٍّ صَحِيحٌ مَشْهُورٌ وَعَنْ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْنُتُ فِي الصُّبْحِ وَالْمَغْرِبِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَيْسَ فِي رِوَايَتِهِ ذِكْرُ الْمَغْرِبِ وَلَا يَضُرُّ تَرْكُ النَّاسِ الْقُنُوتَ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ أَوْ دل الاجماع على نسخه فيها وأما الحواب عَنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي قَوْلِهِ ثُمَّ تَرَكَهُ فَالْمُرَادُ تَرَكَ الدُّعَاءَ عَلَى أُولَئِكَ الْكُفَّارِ وَلَعْنَتَهُمْ فَقَطْ لَا تَرَكَ جَمِيعَ الْقُنُوتِ أَوْ تَرَكَ الْقُنُوتَ فِي غَيْرِ الصُّبْحِ وَهَذَا التَّأْوِيلُ مُتَعَيَّنٌ لِأَنَّ حَدِيثَ أَنَسٍ فِي قَوْلِهِ " لَمْ يَزَلْ يَقْنُتْ فِي الصُّبْحِ
حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا " صَحِيحٌ صَرِيحٌ فَيَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مُتَعَيَّنُ لِلْجَمْعِ وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ الْإِمَامِ أَنَّهُ قَالَ إنَّمَا تَرَكَ اللَّعْنَ وَيُوَضِّحُ هَذَا التَّأْوِيلَ رِوَايَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقَةُ وَهِيَ قَوْلُهُ " ثُمَّ تَرَكَ الدُّعَاءَ لَهُمْ " وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ طَارِقٍ أَنَّ رواية الذين اثبتوا القنوت معهم زِيَادَةُ عِلْمٍ وَهُمْ أَكْثَرُ فَوَجَبَ تَقْدِيمُهُمْ وَعَنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ ضَعِيفٌ جِدًّا لِأَنَّهُ من رواية محمد بن جابر السحمى وَهُوَ شَدِيدُ الضَّعْفِ مَتْرُوكٌ وَلِأَنَّهُ نَفْيٌ وَحَدِيثُ أنس إثبات فقدم لزيادة العلم وحديث ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لَمْ يَحْفَظْهُ أَوْ نَسِيَهُ وَقَدْ حَفِظَهُ أَنَسٌ وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ وَغَيْرُهُمَا فَقُدِّمَ مَنْ حَفِظَ وَعَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ ضَعِيفٌ جِدًّا وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي لَيْلَى الْكُوفِيِّ وَقَالَ هَذَا لَا يَصِحُّ وَأَبُو لَيْلَى مَتْرُوكٌ وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ " قَنَتَ فِي الصُّبْحِ " وَعَنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهُ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْلَى عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ عن ابيه عن ام سلمة قال الدارقطني هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ ضُعَفَاءُ وَلَا يَصِحُّ لِنَافِعٍ سَمَاعٌ مِنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي الْقُنُوتِ فِي غَيْرِ الصُّبْحِ إذَا نَزَلَتْ نَازِلَةٌ: قَدَّمْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّهَا إنْ نزلت قنت

(3/505)


فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِالْقُنُوتِ فِي غَيْرِ الصُّبْحِ مِنْ الْمَكْتُوبَاتِ غَيْرُ الشَّافِعِيِّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هَذَا غَلَطٌ مِنْهُ بَلْ قَدْ قَنَتَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِصِفِّينَ وَدَلِيلُنَا عَلَى مَنْ خَالَفَنَا الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ فِي الصَّحِيحَيْنِ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ شَهْرًا لِقَتْلِ الْقُرَّاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ " وَقَدْ سَبَقَتْ جُمْلَةٌ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَبَاقِيهَا مَشْهُورٌ فِي الصَّحِيحِ
* (فَرْعٌ)
فِي مذهبهم فِي مَحِلِّ الْقُنُوتِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ مَحِلَّهُ بَعْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْ الرُّكُوعِ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَعُمَرُ بْنُ الخطاب وعثمان وعلي رضى تَعَالَى عَنْهُمْ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُمْ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُمْ وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وروينا عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وابن مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَالْبَرَاءِ وَأَنَسٍ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعُبَيْدَةَ السَّلْمَانِيِّ وَحُمَيْدٍ الطَّوِيلِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَبِهَذَا قال مالك واسحق وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ التَّخْيِيرَ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَبَعْدَهُ عَنْ أَنَسٍ وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ وَأَحْمَدَ وَقَدْ جَاءَتْ الْأَحَادِيثُ بِالْأَمْرَيْنِ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ " وَعَنْ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ " قُلْتُ لِأَنَسٍ قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصُّبْحِ قَالَ نَعَمْ بَعْدَ الرُّكُوعِ يَسِيرًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ شَهْرًا بَعْدَ الرُّكُوعِ فِي الفجر يدعوا عَلَى بَنِي عُصَيَّةَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عَاصِمٍ قَالَ " سَأَلْتُ أَنَسًا عَنْ الْقُنُوتِ أَكَانَ قبل الركوع أو بعده قال قبله قُلْتُ فَإِنَّ فُلَانًا أَخْبَرَنِي عَنْكَ

(3/506)


انك قلت بعد الرُّكُوعِ قَالَ كَذَبَ إنَّمَا قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَعَنْ سالم عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا " أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ الْفَجْرِ يَقُولُ اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلَانًا وَفُلَانًا بَعْدَ مَا يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى لَيْسَ لَكَ من الامر شئ " رواه البخاري وعن حفاف بْنِ إيمَاءٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " رَكَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ غِفَارٌ غَفَرَ اللَّهُ لَهَا وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللَّهُ وَعُصَيَّةُ عَصَتْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ اللَّهُمَّ الْعَنْ بَنِي لِحْيَانَ وَالْعَنْ رِعْلًا وَذَكْوَانَ ثُمَّ خَرَّ سَاجِدًا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرَوَيْنَا عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ أَفْتَى بِالْقُنُوتِ بَعْدَ الرُّكُوعِ ثُمَّ ذَكَرْنَا بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ " إنَّمَا قَنَتَ النبي صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا فَقُلْتُ كَيْفَ الْقُنُوتُ قَالَ بَعْدَ الرُّكُوعِ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فَقَدْ أَخْبَرَنَا أَنَّ الْقُنُوتَ الْمُطْلَقَ الْمُعْتَادَ بَعْدَ الرُّكُوعِ قَالَ وَقَوْلُهُ إنَّمَا قَنَتَ شَهْرًا يُرِيدُ بِهِ اللَّعْنَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرُوَاةُ الْقُنُوتِ بَعْدَ الرُّكُوعِ أَكْثَرُ وَأَحْفَظُ فهو اولي وعلي هذا درج الخلفاء الرشدون رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُمْ وَأَكْثَرِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الْقُنُوتِ: قَدْ سَبَقَ أَنَّ الصحيح في مذهبنا عند الاكثرين استحابه وَهُوَ الْمُخْتَارُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَرَوَيْنَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله تعالي عَنْهُمْ قَالَ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَصْحَابُ الرأى قال وكان يزيد ابن أَبِي مَرْيَمَ وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ لَا يَرَوْنَ ذَلِكَ وَقَدْ سَبَقَ دَلِيلُ الْجَمِيعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي اسْتِحْبَابِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الدُّعَاءِ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَبَيَانِ جُمْلَةٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِيهِ: اعْلَمْ أَنَّهُ
مُسْتَحَبٌّ لِمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَسْقَى وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَمَا فِي السَّمَاءِ قَزَعَةٌ فَثَارَ سَحَابٌ أَمْثَالُ الْجِبَالِ ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ مِنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ الْمَطَرَ يَتَحَادَرُ مِنْ لِحْيَتِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَرَوَيَا بِمَعْنَاهُ عَنْ أَنَسٍ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ وَفِي رواية للبخاري

(3/507)


" فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو ورفع الناس أيديهم مع رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُونَ فَمَا خَرَجْنَا مِنْ الْمَسْجِدِ حَتَّى مُطِرْنَا فَمَا زِلْنَا بِمَطَرٍ حَتَّى كَانَتْ الْجُمُعَةُ الْأُخْرَى وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ " وَثَبَتَ رَفْعُ الْيَدَيْنِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ غَيْرِ أَنَسٍ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَعَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ " عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ان الله حى كريم سخى إذَا رَفَعَ الرَّجُلُ يَدَيْهِ إلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ (وَالصِّفْرُ) بِكَسْرِ الصَّادِ الْخَالِي وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله تعالي عنه في قصة القراء الدين قُتِلُوا قَالَ " لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّمَا صَلَّى الْغَدَاةَ رَفْعَ يَدَيْهِ يَدْعُو عَلَيْهِمْ يَعْنِي عَلَى الَّذِينَ قَتَلُوهُمْ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ حَسَنٍ وَقَدْ سَبَقَ وعن عائشة رضي الله تعالى عَنْهَا فِي حَدِيثِهَا الطَّوِيلِ فِي خُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اللَّيْلِ إلَى الْبَقِيعِ لِلدُّعَاءِ لِأَهْلِ الْبَقِيعِ وَالِاسْتِغْفَارِ لَهُمْ قَالَتْ " أتى البقيع فقال فَأَطَالَ الْقِيَامَ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ انْحَرَفَ قَالَ إنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَتَانِي فَقَالَ إنَّ رَبَّكَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَ أَهْلَ الْبَقِيعِ وَتَسْتَغْفِرَ لَهُمْ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ عمر بن الخطاب رضى تعالى عَنْهُ قَالَ " لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رجلا فاستقبل نبى الله صلي لله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ يَقُولُ اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وعدتني اللهم آت ما وعدتني فما زال يهتف بربه مادا يديه حتى سقط رداءه عَنْ مَنْكِبَيْهِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ (قَوْلُهُ) يَهْتِفُ - بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ - يُقَالُ هَتَفَ يَهْتِفُ إذَا رَفَعَ صَوْتَهُ بِالدُّعَاءِ وَغَيْرِهِ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا " أَنَّهُ كَانَ يرمى الجمرة سبع حصياة يُكَبِّرُ عَلَى أَثَرِ كُلِّ حَصَاةٍ ثُمَّ يَتَقَدَّمُ حَتَّى يَسْتَقْبِلَ فَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فَيَقُومُ طَوِيلًا وَيَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ ثُمَّ يَرْمِي الْوُسْطَى ثُمَّ يَأْخُذُ ذَاتَ الشِّمَالِ
فَيَسْتَقْبِلُ وَيَقُومُ طَوِيلًا وَيَدْعُو ويرفع يديه ثم يرمى جمرة ذَاتَ الْعَقَبَةِ وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيَقُولُ هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " صَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ بُكْرَةً وَقَدْ خرجوا بالمساحى فرفع النبي صلي الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ وَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خيير " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي آخِرِ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ مِنْ

(3/508)


صَحِيحِهِ وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال " لما فرع النبي صلى الله تعالي عليه وسلم من خبير بَعَثَ أَبَا عَامِرٍ عَلَى جَيْشٍ إلَى أَوْطَاسٍ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَأَنَّ أَبَا عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه استشهد فقال لابي موسي يا ابن أخى امرني النبي صلي الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْ لَهُ اسْتَغْفِرْ لِي وَمَاتَ أَبُو عَامِرٍ قَالَ أَبُو مُوسَى فَرَجَعْتُ إلَى النبي صلي الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ رَفْعَ يَدَيْهِ فَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِكَ أَبِي عَامِرٍ وَرَأَيْتُ بَيَاضَ إبْطَيْهِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَوْقَ كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِكَ وَمِنْ النَّاسِ فَقُلْتُ وَلِي فَاسْتَغْفِرْ فَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ ذَنْبَهُ وَأَدْخِلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُدْخَلًا كَرِيمًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سعد رضي الله تعالى عنه " أن رسول الله صلي الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَهَبَ إلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عوف ليصلح بينهم فحانت الصلا فَجَاءَ الْمُؤَذِّنُ إلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ فَقَالَ أَتُصَلِّي بِالنَّاسِ فَأُقِيمُ فَقَالَ نَعَمْ قَالَ فَصَلَّى بِهِمْ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ فِي الصَّلَاةِ فَتَخَلَّصَ حَتَّى وَقَفَ فِي الصَّفِّ فَصَفَّقَ النَّاسُ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لَا يَلْتَفِتُ فَالْتَفَتَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ فَأَشَارَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تعالي عليه وسلم أن أئبت مَكَانَكَ فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَيْهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى مَا أَمَرَهُ به رسول الله صلي الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تعالط عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ " رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو رَافِعًا يَدَيْهِ يَقُولُ إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ فَلَا تُعَاقِبْنِي أَيُّمَا رَجُلٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ آذَيْتُهُ أَوْ شَتَمْتُهُ فَلَا تُعَاقِبْنِي فِيهِ " وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قال " استقبل رسول الله صلي الله تعالى عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ وَتَهَيَّأَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ اللهم اهد أو ساو أت بهم " وعن جابر رضي الله تعال عَنْهُ " أَنَّ الطُّفَيْلَ بْنَ عَمْرٍو قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله تعالي عليه وسلم هل لك فِي حِصْنٍ حَصِينٍ وَمَنَعَةٍ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي هِجْرَتِهِ مَعَ صَاحِبٍ لَهُ وَأَنَّ صَاحِبَهُ مَرِضَ فَجَزَعَ فَجَرَحَ يَدَيْهِ فَمَاتَ فَرَآهُ الطُّفَيْلُ فِي الْمَنَامِ فَقَالَ مَا فَعَلَ اللَّهُ بِكَ فَقَالَ غُفِرَ لِي بِهِجْرَتِي إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا شَأْنُ يَدَيْكَ قَالَ قِيلَ لَنْ يَصْلُحَ مِنْكَ مَا أَفْسَدْتَ مِنْ نفسك فقصها الطفيلى على النبي صلي الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ اللَّهُمَّ وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ

(3/509)


رفع يديه " وعن علي رضي الله تعالي عَنْهُ " قَالَ جَاءَتْ امْرَأَةُ الْوَلِيدِ إلَى النَّبِيِّ صلي الله تعالى عليه وسلم تشكوا إلَيْهِ زَوْجَهَا أَنَّهُ يَضْرِبُهَا فَقَالَ اذْهَبِي إلَيْهِ فَقُولِي لَهُ كَيْتُ وَكَيْتُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فَذَهَبَتْ ثُمَّ عَادَتْ فَقَالَتْ إنَّهُ عَادَ يَضْرِبُنِي فَقَالَ اذْهَبِي فَقُولِي لَهُ كَيْتُ وَكَيْتُ فَقَالَتْ إنَّهُ يَضْرِبُنِي فَرَفَعَ رَسُولُ الله صلي الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ فَقَالَ اللَّهُمَّ عَلَيْكَ الْوَلِيدَ " وعن عائشة رضي الله تعالي عَنْهَا قَالَتْ " رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَافِعًا يَدَيْهِ حَتَّى بَدَا ضَبْعَاهُ يدعو لعود عثمان رضى الله تعالي عَنْهُ " وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ قَالَ " أخبرني من رأى النبي صلي الله تعالي

(3/510)


عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو عِنْدَ أَحْجَارِ الزَّيْتِ بَاسِطًا كَفَّيْهِ " وَعَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ " كَانَ عُمَرُ رضي الله تعالي عَنْهُ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الْقُنُوتِ " وَعَنْ الْأَسْوَدِ أن ابن مسعود رضي الله تعالي عَنْهُ " كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الْقُنُوتِ " هَذِهِ الْأَحَادِيثُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ فَلَا تُعَاقِبْنِي إلَى آخِرِهَا رَوَاهَا الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهَا هَذِهِ الْأَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ غَيْرُ مَا ذَكَرْتُهُ وَفِيمَا ذَكَرْتُهُ كِفَايَةٌ وَالْمَقْصُودُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ مَنْ ادَّعَى حَصْرَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي وَرَدَتْ الْأَحَادِيثُ بِالرَّفْعِ فِيهَا فَهُوَ غَالِطٌ غَلَطًا فَاحِشًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*

(3/511)


* (وَالْفَرْضُ مِمَّا ذَكَرْنَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ النِّيَّةُ وَتَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ وَالْقِيَامُ وَقِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَالرُّكُوعُ
حَتَّى يَطْمَئِنَّ فِيهِ وَالرَّفْعُ مِنْ الرُّكُوعِ حَتَّى يَعْتَدِلَ وَالسُّجُودُ حَتَّى يَطْمَئِنَّ وَالْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ حَتَّى يَطْمَئِنَّ وَالْجُلُوسُ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ وَالتَّشَهُّدُ فِيهِ وَالصَّلَاةُ على رسول الله صلي الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ وَالتَّسْلِيمَةُ الْأُولَى وَنِيَّةُ الْخُرُوجِ وترتيب افعالها علي ما ذكرناه وَالسُّنَنُ خَمْسٌ وَثَلَاثُونَ رَفْعُ الْيَدَيْنِ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَالرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ وَوَضْعُ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ وَالنَّظَرُ إلَى مَوْضِعِ السُّجُودِ وَدُعَاءُ الِاسْتِفْتَاحِ وَالتَّعَوُّذُ وَالتَّأْمِينُ وَقِرَاءَةُ السُّورَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ وَالْجَهْرُ وَالْإِسْرَارُ وَالتَّكْبِيرَاتُ سِوَى

(3/512)


تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَالتَّسْمِيعُ وَالتَّحْمِيدُ فِي الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ وَالتَّسْبِيحُ فِي الرُّكُوعِ وَالتَّسْبِيحُ فِي السُّجُودِ وَوَضْعُ الْيَدِ عَلَى الرُّكْبَةِ فِي الرُّكُوعِ وَمَدُّ الظَّهْرِ وَالْعُنُقِ فِيهِ وَالْبِدَايَةُ بِالرُّكْبَةِ ثُمَّ بِالْيَدِ فِي السُّجُودِ وَوَضْعُ الْأَنْفِ فِي السُّجُودِ وَمُجَافَاةُ الْمِرْفَقِ عَنْ الْجَنْبِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَإِقْلَالُ الْبَطْنِ عَنْ الْفَخِذِ فِي السُّجُودِ وَالدُّعَاءُ فِي الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَجِلْسَةُ الِاسْتِرَاحَةِ وَوَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْأَرْضِ عِنْدَ الْقِيَامِ وَالتَّوَرُّكُ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ وَالِافْتِرَاشُ فِي سَائِرِ الْجِلْسَاتِ وَوَضْعُ الْيَدِ الْيُمْنَى عَلَى الْفَخِذِ الْيُمْنَى مَقْبُوضَةً وَالْإِشَارَةُ بِالْمُسَبِّحَةِ وَوَضْعُ الْيَدِ الْيُسْرَى عَلَى الْفَخِذِ الْيُسْرَى مَبْسُوطَةً وَالتَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ وَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ وَالصَّلَاةُ عَلَى آلِهِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ وَالدُّعَاءُ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ وَالْقُنُوتُ فِي الصُّبْحِ وَالتَّسْلِيمَةُ الثَّانِيَةُ وَنِيَّةُ السَّلَامِ علي الحاضرين)
*
*

(3/513)


* (الشرح)
* أما الفروض فهى علي ما ذكر الا أن فيه الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهَا خِلَافٌ سَبَقَ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهَا سُنَّةٌ وَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَضَمَّ ابْنُ الْقَاصِّ وَالْقَفَّالُ إلَى الْفُرُوضِ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ بَلْ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ الِاسْتِقْبَالَ شَرْطٌ لَا فَرْضٌ وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ أَنَّ نِيَّةَ الصَّلَاةِ شَرْطٌ لَا فَرْضٌ وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ أَنَّهَا فَرْضٌ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي مَوْضِعِهَا مَبْسُوطَةً وَذَكَرَ الْغَزَالِيُّ في البسيط وجهبن فِي أَنَّ السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ رُكْنٌ مُسْتَقِلٌّ كَالرُّكُوعِ أَمْ رُكْنٌ مُتَكَرِّرٌ كَالرُّكُوعِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ قَالَ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ يَفْصِلُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ السَّجْدَةِ الْأُولَى رُكْنٌ قَالَ وَهَذَا الْخِلَافُ

(3/514)


إنَّمَا هُوَ فِي الْعِبَارَةِ وَأَمَّا السُّنَنُ فَمِنْهَا هَذِهِ الْخَمْسُ وَالثَّلَاثُونَ الَّتِي ذَكَرَهَا وَبَقِيَ مِنْهَا سُنَنٌ لَمْ يَذْكُرْهَا الْمُصَنِّفُ هُنَا وَقَدْ ذَكَرَ هُوَ كَثِيرًا فِي مَوْضِعِهِ فَكَأَنَّهُ اسْتَغْنَى بِذَاكَ عَنْ ذِكْرِهِ هُنَا وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْتَغْنِيَ بِهِ كَمَا لَمْ يَسْتَغْنِ فِي هَذِهِ الْخَمْسِ وَالثَّلَاثِينَ وَإِنْ كَانَتْ قَدْ سَبَقَتْ فِي مَوْضِعِهَا لِأَنَّ مُرَادَهُ هُنَا حَصْرُهَا وَضَبْطُهَا بِالْعَدَدِ فَمِمَّا تَرَكَهُ تَفْرِيقُ أَصَابِعِ يَدَيْهِ إذَا رَفَعَهَا وَتَفْرِيقُهَا عَلَى الرُّكْبَةِ فِي الرُّكُوعِ وَضَمُّهَا إلَى القبلة

(3/515)


فِي السُّجُودِ وَتَوْجِيهُ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ إلَى الْقِبْلَةِ فِي السُّجُودِ وَجَعْلُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ فِي السُّجُودِ وَالِاعْتِمَادُ عَلَيْهَا فِي السُّجُودِ وَالدُّعَاءُ فِي السُّجُودِ وَجَعْلُ الْيَدِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى فَوْقَ السُّرَّةِ وَالْجَهْرُ بِالتَّأْمِينِ وَالِالْتِفَاتُ مِنْ التَّسْلِيمَتَيْنِ يَمِينًا وشمالا وغيرها مما سبق وكثير من هذا المذكورات يقال استغنى لكونه وصفا لشئ ذَكَرَهُ هُنَا وَاسْتَغْنَى بِذِكْرِ الْمَوْصُوفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وقوله التَّسْمِيعُ وَالتَّحْمِيدُ فِي الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ التَّسْمِيعُ فِي الرَّفْعِ وَالتَّحْمِيدُ فِي الِاعْتِدَالِ مِنْهُ لِأَنَّ التَّحْمِيدَ لَا يُشْرَعُ فِي الرَّفْعِ إنَّمَا يُشْرَعُ إذَا اعْتَدَلَ وَكَأَنَّهُ اخْتَصَرَ وَاسْتَغْنَى بِذِكْرِهِ عَلَى وَجْهِهِ فِي مَوْضِعِهِ
*

(3/516)


(فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا لِلصَّلَاةِ أَرْكَانٌ وَأَبْعَاضٌ وَهَيْئَاتٌ وَشُرُوطٌ فَالْأَرْكَانُ هِيَ الْفُرُوضُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَتَكَلَّمْنَا عَلَيْهَا وَالْأَبْعَاضُ سِتَّةٌ أَحَدُهَا الْقُنُوتُ فِي الصُّبْحِ وَفِي الْوِتْرِ فِي النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ وَالثَّانِي الْقِيَامُ لِلْقُنُوتِ وَالثَّالِثُ التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ وَالرَّابِعُ الْجُلُوسُ لَهُ وَالْخَامِسُ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ إذَا قُلْنَا هِيَ سُنَّةٌ وَالسَّادِسُ الْجُلُوسُ لِلصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّشَهُّدَيْنِ إذَا قُلْنَا هِيَ سُنَّةٌ فِيهِمَا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ كُلِّ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ
* وَأَمَّا الْهَيْئَاتُ وَهِيَ السُّنَّةُ الَّتِي لَيْسَتْ أَبْعَاضًا فَكُلُّ مَا يُشْرَعُ فِي الصَّلَاةِ غَيْرُ الْأَرْكَانِ وَالْأَبْعَاضِ
* وَأَمَّا الشُّرُوطُ فَخَمْسَةٌ الطَّهَارَةُ عَنْ الْحَدَثِ وَالطَّهَارَةُ عَنْ النَّجَسِ وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ وَمَعْرِفَتُهُ الْوَقْتَ يَقِينًا أَوْ ظَنَّا بِمُسْتَنَدٍ وَضَمَّ الفورانى والغزالي

(3/517)


الي الشروط ترك فِي الصَّلَاةِ وَتَرْكَ الْكَلَامِ وَتَرْكَ الْأَكْلِ وَالصَّوَابُ أَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ بِشُرُوطٍ وَإِنَّمَا هِيَ مُبْطِلَاتُ الصلاة كقع النية وغير ذلك ولا تسمى شروطا لا فِي اصْطِلَاحِ أَهْلِ الْأُصُولِ وَلَا فِي
اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ وَإِنْ أَطْلَقُوا عَلَيْهَا فِي مَوْضِعٍ اسْمَ الشَّرْطِ كَانَ مَجَازًا لِمُشَارَكَتِهَا الشَّرْطَ فِي عَدَمِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ عِنْدَ اخْتِلَالِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: قَالَ أَصْحَابُنَا مَنْ تَرَكَ رُكْنًا أَوْ شَرْطًا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ إلَّا فِي مَوَاضِعَ مَخْصُوصَةٍ بِعُذْرٍ فِي بَعْضِ الشُّرُوطِ كَفَاقِدِ السُّتْرَةِ وَإِنْ تَرَكَ غَيْرَهُمَا صَحَّتْ وَفَاتَهُ الْفَضِيلَةُ سَوَاءٌ تَرَكَهُ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا لَكِنْ إنْ كَانَ الْمَتْرُوكُ مِنْ الْأَبْعَاضِ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَإِلَّا فَلَا هَذَا مُخْتَصَرُ الْقَوْلِ فِي هَذَا وَهُوَ مَبْسُوطٌ فِي مَوَاضِعِهِ وبالله التوفيق
*

(3/518)