المجموع شرح المهذب ط دار الفكر

* [كِتَابُ الصِّيَامِ]

فِي اللُّغَةِ الْإِمْسَاكُ وَيُسْتَعْمَلُ فِي كُلِّ إمْسَاكٍ يُقَالُ صَامَ إذَا سَكَتَ وَصَامَتْ الْخَيْلُ وَقَفَتْ وفى الشرع امساك مخصوص عن شئ مخصوص في زَمَنٍ مَخْصُوصٍ مِنْ شَخْصٍ مَخْصُوصٍ وَيُقَالُ رَمَضَانُ وشهر رمضان هذا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الْبُخَارِيُّ وَالْمُحَقِّقُونَ قَالُوا وَلَا كَرَاهَةَ فِي قَوْلِ رَمَضَانُ وَقَالَ أَصْحَابُ مَالِكٍ يُكْرَهُ أَنْ يُقَالَ رَمَضَانُ بَلْ لَا يُقَالُ إلَّا شَهْرُ رَمَضَانَ سَوَاءٌ إنْ كان هناك

(6/247)


قَرِينَةٌ أَمْ لَا وَزَعَمُوا أَنَّ رَمَضَانَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ وَالطَّرِيقُ إلَيْهِمَا ضَعِيفٌ وَرَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ
* وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثٍ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا تَقُولُوا رَمَضَانَ فَإِنَّ رَمَضَانَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَكِنْ قُولُوا شَهْرُ رَمَضَانَ " وَهَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ ضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَالضَّعْفُ فِيهِ بَيِّنٌ فَإِنَّ مِنْ رُوَاتِهِ نَجِيحَ السندي وهو ضعيف سئ الْحِفْظِ وَقَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا أَوْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَابْنُ الْبَاقِلَّانِيِّ إنْ كَانَ هُنَاكَ قَرِينَةٌ تَصْرِفُهُ إلى الشهر فَلَا كَرَاهَةَ وَإِلَّا فَيُكْرَهُ قَالُوا فَيُقَالُ صُمْنَا رَمَضَانَ وَقُمْنَا رَمَضَانَ وَرَمَضَانُ أَفْضَلُ الْأَشْهُرِ وَتُطْلَبُ لَيْلَةُ الْقَدْرِ فِي أَوَاخِرِ رَمَضَانَ وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ وَلَا كَرَاهَةَ فِي هَذَا كُلِّهِ قَالُوا وَإِنَّمَا يُكْرَهُ أَنْ يُقَالَ جَاءَ رَمَضَانُ وَدَخَلَ رَمَضَانُ وَحَضَرَ رَمَضَانُ وَأُحِبُّ رَمَضَانَ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي قَوْلِ رَمَضَانَ مُطْلَقًا وَالْمَذْهَبَانِ الْآخَرَانِ فَاسِدَانِ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ بِنَهْيِ الشَّرْعِ وَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ نَهْيٌ وَقَوْلُهُمْ إنَّهُ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَلَمْ يَصِحَّ فيه شئ وَأَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى تَوْقِيفِيَّةٌ
لَا تُطْلَقُ إلَّا بِدَلِيلٍ صَحِيحٍ وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ اسْمٌ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ كَرَاهَةٌ وَقَدْ ثَبَتَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي تَسْمِيَتِهِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ شَهْرٍ فِي كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مِنْهَا) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ وَصُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا " إذَا دَخَلَ رَمَضَانُ " وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " إذَا كَانَ رَمَضَانُ " وَأَشْبَاهُ هَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} لَا يَجِبُ صَوْمُ غَيْرِ رَمَضَانَ بِأَصْلِ الشَّرْعِ بِالْإِجْمَاعِ وَقَدْ يَجِبُ بِنَذْرٍ وَكَفَّارَةٍ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَنَحْوِهِ وَدَلِيلُ الْإِجْمَاعِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سَأَلَهُ الْأَعْرَابِيُّ عَنْ الْإِسْلَامِ فَقَالَ " وَصِيَامُ رَمَضَانَ قَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ قَالَ لَا إلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
*

(6/248)


{فَرْعٌ} رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " أُحِيلَ الصِّيَامُ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ " وَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ " وَكَانَ رَسُولُ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَيَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الذين من قبلكم الْآيَةَ) فَكَانَ مَنْ شَاءَ أَنْ يَصُومَ وَمَنْ شَاءَ أَنْ يُفْطِرَ وَيُطْعِمَ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا أَجْزَأَهُ ذَلِكَ فَهَذَا حَوْلٌ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ على سفر فعدة من أيام أخر) فَثَبَتَ الصِّيَامُ عَلَى مَنْ شَهِدَ الشَّهْرَ وَعَلَى الْمُسَافِرِ أَنْ يَقْضِيَ وَثَبَتَ الطَّعَامُ لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْعَجُوزِ اللَّذَيْنِ لَا يَسْتَطِيعَانِ الصَّوْمَ " هَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْأَذَانِ فِي آخِرِ الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْهُ وَهُوَ مُرْسَلٌ فَإِنَّ مُعَاذًا لَمْ يُدْرِكْهُ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِمَعْنَاهُ وَلَفْظِهِ " فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صام بعد ما قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَجَعَلَ يَصُومُ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَصَامَ عَاشُورَاءَ فَصَامَ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا شَهْرَ رَبِيعٍ إلَى شَهْرِ رَبِيعٍ إلَى رَمَضَانَ ثُمَّ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ عَلَيْهِ شَهْرَ رَمَضَانَ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كما كتب على الذين من قبلكم) " وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا مُرْسَلٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ " حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا أُحِيلَ الصَّوْمُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ قدم الناس المدينة وَلَا عَهْدَ لَهُمْ بِالصِّيَامِ فَكَانُوا يَصُومُونَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ حَتَّى نَزَلَ (شَهْرُ رمضان) فَاسْتَنْكَرُوا ذَلِكَ وَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَكَانَ مَنْ أَطْعَمَ مِسْكِينًا كُلَّ يَوْمٍ تَرَكَ الصِّيَامَ مِمَّنْ يُطِيقُهُ رَخَّصَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ وَنَسَخَهُ (وَأَنْ تَصُومُوا خير لكم) فأمروا

(6/249)


بِالصِّيَامِ " وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ هَذَا فِي صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا بِصِيغَةِ جَزْمٍ فَيَكُونُ صَحِيحًا كَمَا تَقَرَّرَتْ قَاعِدَتُهُ وَهَذَا لَفْظُهُ قَالَ وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ بْنُ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ " حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ رَمَضَانُ فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَكَانَ مَنْ أَطْعَمَ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا تَرَكَ الصَّوْمَ مِمَّنْ يُطِيقُهُ وَرُخِّصَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ فَنَسَخَتْهَا (وأن تصوموا خير) لكم فَأُمِرُوا بِالصَّوْمِ "
* {فَرْعٌ} قَالَ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) كَانَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفْطِرَ وَيَفْدِيَ حَتَّى نَزَلَتْ الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا فَنَسَخَتْهَا " وَفِي رِوَايَةٍ " كُنَّا فِي رَمَضَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ فَافْتَدَى بِطَعَامِ مِسْكِينٍ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فليصمه) " رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَذَا لَفْظُهُ
* {فَرْعٌ} صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَضَانَ تِسْعَ سِنِينَ لِأَنَّهُ فُرِضَ فِي شَعْبَانَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ وَتُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ إحْدَى عَشْرَةَ مِنْ الْهِجْرَةِ
*

(6/250)


{فرع} قال اصحابنا وغيرهم كان أول الْإِسْلَامُ يُحَرِّمُ عَلَى الصَّائِمِ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ وَالْجِمَاعَ من حِينِ يَنَامُ أَوْ يُصَلِّي الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ فَأَيُّهُمَا وجد أو لا حَصَلَ بِهِ التَّحْرِيمُ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ وَأُبِيحَ الْجَمِيعُ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ سَوَاءٌ نَامَ أَمْ لا
* واحتجوا بِحَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا كَانَ الرَّجُلُ صَائِمًا فَحَضَرَ الْإِفْطَارُ فَنَامَ قَبْلَ أَنْ يُفْطِرَ لَمْ يَأْكُلْ لَيْلَتَهُ وَلَا
يَوْمَهُ حَتَّى يُمْسِيَ وَإِنَّ قَيْسَ بْنَ صِرْمَةَ الْأَنْصَارِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ صَائِمًا فَلَمَّا حَضَرَ الْإِفْطَارُ أَتَى امْرَأَتَهُ فَقَالَ لَهَا عِنْدَكِ طَعَامٌ قَالَتْ لَا وَلَكِنْ أَنْطَلِقُ فَأَطْلُبُ لَكَ وَكَانَ يَوْمَهُ يَعْمَلُ فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فَجَاءَتْهُ امْرَأَتُهُ فَلَمَّا رَأَتْهُ قَالَتْ خَيْبَةٌ لَكَ فَلَمَّا انْتَصَفَ النَّهَارُ غُشِيَ عَلَيْهِ فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ) فَفَرِحُوا بِهَا فَرَحًا شَدِيدًا وَنَزَلَتْ (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الاسود) " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا " كَانَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا صَلُّوا الْعَتَمَةَ حُرِّمَ عَلَيْهِمْ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ وَالنِّسَاءُ وَصَامُوا إلَى الْقَابِلَةِ فَاخْتَانَ رَجُلٌ نَفْسَهُ فَجَامَعَ امْرَأَتَهُ وَقَدْ صَلَّى الْعِشَاءَ وَلَمْ يُفْطِرْ فَأَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ يُسْرًا لِمَنْ بَقِيَ وَرُخْصَةً وَمَنْفَعَةً فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ (عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كنتم تختانون انفسكم) وَكَانَ هَذَا مِمَّا نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ النَّاسَ وَرَخَّصَ لَهُمْ وَيَسَّرَهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَفِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي
* {صوم رمضان ركن من اركان الاسلام وفرض من فروضه والدليل عليه مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رمضان "}
* {الشَّرْحُ} هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (وَقَوْلُهُ) وَفَرْضٌ مِنْ فُرُوضِهِ تَوْكِيدٌ وَإِيضَاحٌ لِجَوَازِ تَسْمِيَتِهِ رُكْنًا وَفَرْضًا وَلَوْ اقْتَصَرَ علي ركن

(6/251)


لَكَفَاهُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّهُ فَرْضٌ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ إطْلَاقِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الشَّهْرِ وَهُوَ الصَّوَابُ كَمَا سَبَقَ قَرِيبًا (فَإِنْ قِيلَ) لِمَ اُسْتُدِلَّ بِالْحَدِيثِ دُونَ الْآيَةِ وَكَذَا اُسْتُدِلَّ بِهِ فِي الْحَجِّ دُونَ الْآيَةِ (قُلْنَا) مُرَادُهُ الِاسْتِدْلَال عَلَى أَنَّهُ رُكْنٌ وَهَذَا يَحْصُلُ مِنْ الْحَدِيثِ لَا مِنْ الْآيَةِ (وَأَمَّا) الْفَرْضِيَّةُ فَتَحْصُلُ مِنْهُمَا وَهَذَا الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرَهُ وَهُوَ كَوْنُ صَوْمِ رَمَضَانَ رُكْنًا وَفَرْضًا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَدَلَائِلُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ مُتَظَاهِرَةٌ عَلَيْهِ واجمعوا على أنه لا يجب غيره
*
* قال المصنف رحمه الله
* {ويتحم وجوب ذلك علي كل مسلم بالغ عاقل طاهر قادر مقيم فأما الكافر فانه ان كان أصليا لم يخاطب في حال كفره لانه لا يصح منه فان اسلم لم يجب عليه القضاء لقوله تَعَالَى (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قد سلف) ولان في إيجاب قضاء ما فات في حال الكفر تنفيرا عن الاسلام وان كان مرتدا لم يخاطب به في حال الردة لانه لا يصح منه فان اسلم وجب عليه قضاء ما تركه في حال الكفر لانه التزم ذلك بِالْإِسْلَامِ فَلَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ بِالرِّدَّةِ كَحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ) {الشرح} (قوله) يتحم وُجُوبُ ذَلِكَ أَيْ وُجُوبُ فِعْلِهِ فِي الْحَالِ وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا التَّفْسِيرِ لِأَنَّ وُجُوبَهُ عَلَى الْمُسَافِرِ وَالْحَائِضِ مُتَحَتِّمٌ أَيْضًا لَكِنْ يُؤَخِّرَانِهِ ثُمَّ يَقْضِيَانِهِ (وَقَوْلُهُ) فِي الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ لَمْ يُخَاطَبْ بِهِ أَيْ لَمْ نُطَالِبْهُ بِفِعْلِهِ وَلَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي حَالِ كُفْرِهِ فَإِنَّ الْمَذْهَبَ الصَّحِيحَ أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرْعِ فِي حَالِ كُفْرِهِمْ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ يُزَادُ فِي عُقُوبَتِهِمْ فِي الْآخِرَةِ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَلَكِنْ لَا يُطَالَبُونَ بِفِعْلِهَا فِي حَالِ كُفْرِهِمْ وَقَدْ سبقت المسألة

(6/252)


مَبْسُوطَةً فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ (وَقَوْلُهُ) فِي المرتد لم يخاطب به في الرِّدَّةِ مَعْنَاهُ لَا نُطَالِبُهُ بِفِعْلِ الصَّوْمِ فِي حَالِ رِدَّتِهِ فِي مُدَّةِ الِاسْتِتَابَةِ وَلَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّهُ لَيْسَ وَاجِبًا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ فِي حَالِ الرِّدَّةِ وَيَأْثَمُ بِتَرْكِهِ فِي حَالِ الرِّدَّةِ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ كَمَا قَالَ غَيْرُهُ لَمْ نُطَالِبْهُ بِهِ فِي رِدَّتِهِ وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ لَكَانَ أَصْوَبُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يُطَالَبُ الْكَافِرُ الْأَصْلِيُّ بِفِعْلِ الصَّوْمِ فِي حَالِ كُفْرِهِ بِلَا خِلَافٍ وَإِذَا أَسْلَمَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ صَامَ فِي كُفْرِهِ لَمْ يَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْ لَا بِخِلَافِ مَا إذَا تَصَدَّقَ فِي كُفْرِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ فَإِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ يثاب عليه وقد سبقت المسألة فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ (وَأَمَّا) الْمُرْتَدُّ فَهُوَ مُكَلَّفٌ بِهِ فِي حَالِ رِدَّتِهِ وَإِذَا أَسْلَمَ لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا ذَكَرَهُ وَلَا نُطَالِبُهُ بِفِعْلِهِ فِي حَالِ رِدَّتِهِ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مُدَّةِ الرِّدَّةِ إذَا أَسْلَمَ كَمَا قَالَ فِي الصَّلَاةِ وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَقَاسَ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ عَلَى حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يوافق عليها
*
قال المصنف رحمه الله
* {وأما الصبى فلا يجب عليه لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنْ الْمَجْنُونِ حتى يفيق " ويؤمر بفعله لسبع سنين إذا اطاق الصوم ويضرب علي تركه لعشر قياسا على الصلاة فان بلغ لم يجب عليه قضاء ما تركه في حال الصغر لانه لو وجب ذلك لوجب عليه اداؤه في حال الصغر لانه يقدر على فعله ولان أيام الصغر تطول فلو اوجبنا عليه قضاء ما يفوت شق} {الشرح} هذا الحديث صحيح رواه ابودواد والنسائي في كتاب الحدود من سنهما مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ باسناد صحيح رواه أَبُو دَاوُد أَيْضًا فِي الْحُدُودِ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنُ مَاجَهْ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَمَعْنَى رَفْعِ الْقَلَمِ امْتِنَاعُ التَّكْلِيفِ لَا أَنَّهُ رُفِعَ بَعْدَ وضعه (وقوله) لو وجب عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ يُنْتَقَضُ بِالْمُسَافِرِ فَإِنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى الْأَدَاءِ وَلَا يَلْزَمُهُ وَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَالدَّلِيلُ الصَّحِيحُ أن يقال: زمن الصبى ليس زمن تكليف لِلْحَدِيثِ وَالْقَضَاءُ إنَّمَا يَجِبُ حَيْثُ يَجِبُ بِأَمْرٍ جديد ولم يجئ فيه امر جديد (اما) أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَلَا يَجِبُ صَوْمُ رَمَضَانَ عَلَى الصَّبِيِّ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا فَاتَ قَبْلَ الْبُلُوغِ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَذَكَرْتُهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ: وَإِذَا أَطَاقَ الصَّوْمَ وَجَبَ عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يَأْمُرَهُ بِهِ لِسَبْعِ سِنِينَ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مُمَيِّزًا وَيَضْرِبَهُ عَلَى تَرْكِهِ لِعَشْرٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالصَّبِيَّةُ كَالصَّبِيِّ فِي هَذَا كُلِّهِ بِلَا خِلَافٍ

(6/253)


{فَرْعٌ} قَالَ أَصْحَابُنَا: شُرُوطُ صِحَّةِ الصَّوْمِ أَرْبَعَةٌ النَّقَاءُ عَنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالْإِسْلَامُ وَالتَّمْيِيزُ وَالْوَقْتُ الْقَابِلُ لِلصَّوْمِ وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهَا فِي مَوَاضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* {وَمَنْ زال عقله بجنون لا يجب عليه لقوله صلي الله عليه وسلم " وعن المجنون حتى يفيق " فان أفاق لم يجب عليه قضاء ما فاته في الجنون لانه صوم فات في حال سقط فيه التكليف لنقص فلم يجب كما لو فات في حال الصغر وان زال عقله بالاغماء لم يجب عليه في الحال لانه لا يصح منه فان
افاق وجب عليه القضاء لِقَوْلِهِ تَعَالَى (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سفر فعدة من ايام أخر) والاغماء مرض ويخالف الجنون فانه نقص ولهذا لا يجوز الجنون علي الانبياء صلوات الله وسلامه عليهم ويجوز عليهم الاغماء}
* {الشَّرْحُ} هَذَا الْحَدِيثُ سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا (وَقَوْلُهُ) سَقَطَ فِيهِ التَّكْلِيفُ لِنَقْصٍ احْتِرَازٌ مِنْ الْإِغْمَاءِ وَالْحَيْضِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ (إحْدَاهُمَا) الْمَجْنُونُ لَا يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ فِي الْحَالِ بِالْإِجْمَاعِ لِلْحَدِيثِ وَلِلْإِجْمَاعِ وَإِذَا أَفَاقَ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا فَاتَهُ فِي الْجُنُونِ سَوَاءٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَسَوَاءٌ أَفَاقَ بَعْدَ رَمَضَانَ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مُطْلَقًا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هَذَا مَذْهَبٌ لِابْنِ سُرَيْجٍ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ قَالَ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَسَائِرِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ عَنْهُ وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ أَنَّهُ إنْ أَفَاقَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ لَزِمَهُ قَضَاءُ مَا فَاتَهُ وَإِنْ أَفَاقَ بَعْدَهُ فَلَا قَضَاءَ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَقَدْ حَكَى الْمُزَنِيّ فِي الْمَنْثُورِ هَذَا عَنْ الشَّافِعِيِّ قَالَ وَلَا يَصِحُّ عَنْهُ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ الْحِكَايَةِ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ فِيمَنْ أَفَاقَ بَعْدَ الشَّهْرِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ فَحَصَلَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الْمَذْهَبُ) أَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ (وَالثَّانِي) يَجِبُ إنْ أَفَاقَ فِي الشَّهْرِ لا بعده ودليل المذهب في الكتاب وحكاها الرافعي ثلاثة أقوال قال وَهَذَا فِي الْجُنُونِ الْمُنْفَرِدِ فَلَوْ ارْتَدَّ ثُمَّ جُنَّ أَوْ سَكِرَ ثُمَّ جُنَّ فَفِي وُجُوبِ القضاء وجهين قَالَ وَلَعَلَّ الْأَصَحَّ الْفَرْقُ بَيْنَ اتِّصَالِهِ بِالرِّدَّةِ وَاتِّصَالِهِ بِالسُّكْرِ كَمَا سَبَقَ فِي الصَّلَاةِ وَهَذَا الَّذِي أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ هُوَ الْأَصَحُّ فَيَجِبُ فِي الْمُرْتَدِّ قَضَاءُ الْجَمِيعِ وَلَا يَجِبُ فِي السَّكْرَانِ إلَّا قَضَاءَ أَيَّامِ السُّكْرِ لِأَنَّ حُكْمَ الرِّدَّةِ مُسْتَمِرٌّ بِخِلَافِ السُّكْرِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) الْمُغْمَى عَلَيْهِ لَا يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ فِي حَالِ الْإِغْمَاءِ بِلَا خِلَافٍ وَلَنَا قَوْلٌ مُخَرَّجٌ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُزَنِيِّ أَنَّهُ يَصِحُّ صَوْمُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا يَلْزَمُهُ

(6/254)


الصَّوْمُ أَيْضًا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ وَيَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى الْمُغْمَى عَلَيْهِ سَوَاءٌ اسْتَغْرَقَ جَمِيعَ رَمَضَانَ أَوْ بَعْضَهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَحَكَى الْأَصْحَابُ وَجْهًا عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّ الْإِغْمَاءَ الْمُسْتَغْرِقَ لِجَمِيعِ رَمَضَانَ
لَا قَضَاءَ فِيهِ كَالْجُنُونِ وَكَمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ الصَّلَاةِ هَكَذَا نَقَلَ الْجُمْهُورُ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَنَقَلَ الْبَغَوِيّ عَنْهُ أَنَّهُ إذَا اسْتَغْرَقَ الْإِغْمَاءُ رَمَضَانَ أَوْ يَوْمًا مِنْهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْحَاوِي قَوْلَ ابْنِ سُرَيْجٍ هَذَا فِي أَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَى الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ وَفَرَّقَ الْأَصْحَابُ بَيْنَ الْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ بِمَا فَرَّقَ الْمُصَنِّفُ وَبَيْنَ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ أَنَّ الصَّلَاةَ تَتَكَرَّرُ فَيَشُقُّ قَضَاؤُهَا بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَضَاءِ الْحَائِضِ الصَّوْمَ دُونَ الصَّلَاةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَمَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِمَرَضٍ أَوْ بِشُرْبِ دَوَاءٍ شَرِبَهُ لِحَاجَةٍ أَوْ بِعُذْرٍ آخَرَ لَزِمَهُ قَضَاءُ الصَّوْمِ دُونَ الصَّلَاةِ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَلَا يَأْثَمُ بِتَرْكِ الصَّوْمِ فِي زَمَنِ زَوَالِ عَقْلِهِ (وَأَمَّا) مَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِمُحَرَّمِ كَخَمْرٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ فَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَيَكُونُ آثما بالترك والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* {فان أسلم الكافر أو افاق المجنون في أثناء يوم من رمضان استحب له امساك بقية النهار لحرمة الوقت ولا يلزمه ذلك لان المجنون افطر بعذر والكافر وان افطر بغير عذر الا أنه لما أسلم جعل كالمعذور فيما فعل في حال الكفر وَلِهَذَا لَا يُؤَاخَذُ بِقَضَاءِ مَا تَرَكَهُ وَلَا بضمان ما أتلفه ولهذا قال اللَّهِ تَعَالَى (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قد سلف) ولا يأكل عند من لا يعرف عذره لانه إذا تظاهر بالاكل عرض نفسه للتهمة وعقوبة السلطان وهل يجب عليه قضاء ذلك فيه وجهان
(أحدهما)
يجب لانه ادرك جزءا من وقت الفرض ولا يمكن فعل ذلك الجزء من الصوم الا بيوم فوجب أن يقضيه بيوم كما نقول في المحرم إذا وجب عليه في كفارة نصف مد فانه يجب عليه بقسطه صوم نصف يوم ولكن لما لم يمكن فعل ذلك الا بيوم وجب عليه صوم يوم
(والثانى)
لا يجب وهو المنصوص في البويطى لانه لم يدرك من الوقت ما يمكن الصوم فيه لان الليل يدركه قبل التمام فلم يلزمه كمن أدرك من أول وقت الصلاة قدر ركعة ثم جن وان بلغ الصبى اثناء يوم من رمضان نظرت فان كان مفطرا فهو كالكافر إذا اسلم والمجنون إذا افاق في جميع ما ذكرناه وإن كان صائما ففيه وجهان (احدهما) يستحب اتمامه لانه صوم فاستحب اتمامه ويجب قضاؤه لانه لم ينو الفرض من أوله فوجب قضاؤه (والثاني) يلزمه اتمامه ويستحب قضاؤه لانه صار من اهل الوجوب في اثناء العبادة فلزمه اتمامه كما لو دَخَلَ فِي صَوْمِ تَطَوُّعٍ ثُمَّ نَذَرَ إتْمَامَهُ}
*

(6/255)


{الشَّرْحُ} قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَا يُؤَاخَذُ بِقَضَاءِ مَا تركه ولا بضمان ما أتلفه إنما لَا يُطَالَبُ الْمُتْلِفُ الْحَرْبِيُّ وَأَمَّا الذِّمِّيُّ فَيُطَالَبُ بِالْإِجْمَاعِ وَمَعَ هَذَا تَحْصُلُ الدَّلَالَةُ لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ فِي الْحَرْبِيِّ اسْتَنْبَطَ مِنْهُ دَلِيلٌ لِلذِّمِّيِّ (أما) أحكام الفصل (ففى) المسألة طريقان (احدهما) طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ وَسَائِرِ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّ الْمَجْنُونَ إذَا أَفَاقَ فِي أَثْنَاءِ نَهَارِ رَمَضَانَ وَالْكَافِرَ إذَا أَسْلَمَ فِيهِ وَالصَّبِيَّ إذَا بَلَغَ فِيهِ مُفْطِرًا اُسْتُحِبَّ لَهُمْ إمْسَاكُ بَقِيَّتِهِ وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ وَفِي وُجُوبِ قَضَائِهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَحَرْمَلَةَ لَا يَجِبُ (وَقَالَ) ابْنُ سُرَيْجٍ يَجِبُ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَ الْجَمِيعِ وَإِنْ بَلَغَ الصَّبِيُّ صَائِمًا فِي أَثْنَائِهِ لَزِمَهُ إتْمَامُهُ عَلَى الْمَنْصُوصِ وَهُوَ الْأَصَحُّ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وَعَلَى هَذَا لَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ إتْمَامُهُ وَيَجِبُ قَضَاؤُهُ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا (وَالثَّانِيَةُ) طَرِيقَةُ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّ فِي إمْسَاكِ الْمَجْنُونِ وَالْكَافِرِ وَالصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ فِيهِ مُفْطِرًا فِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) يُسْتَحَبُّ (وَالثَّانِي) يَجِبُ (وَالثَّالِثُ) يَلْزَمُ الْكَافِرَ دُونَهُمَا لِتَقْصِيرِهِ (وَالرَّابِعُ) يَلْزَمُ الْكَافِرَ وَالصَّبِيَّ لِتَقْصِيرِهِمَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ مِنْ الصَّبِيِّ دُونَ الْمَجْنُونِ قَالُوا وَأَمَّا الْقَضَاءُ فَلَا يَلْزَمُ الْكَافِرَ وَالْمَجْنُونَ وَالصَّبِيَّ الْمُفْطِرَ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَقِيلَ مِنْ الْقَوْلَيْنِ
(وَالثَّانِي)
يَلْزَمُهُمْ قِيلَ يَلْزَمُ الْكَافِرَ دُونَهُمَا وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَهُوَ ضَعِيفٌ غَرِيبٌ وَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ صَائِمًا فَالْمَذْهَبُ لُزُومُ إتْمَامِهِ بِلَا قَضَاءٍ وَقِيلَ يُنْدَبُ إتْمَامُهُ وَيَجِبُ الْقَضَاءُ وَبَنَى جَمَاعَاتٌ مِنْهُمْ الْخِلَافَ فِي الْقَضَاءِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْإِمْسَاكِ وَفِي كَيْفِيَّةِ الْبِنَاءِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) وَهُوَ قَوْلُ الصَّيْدَلَانِيِّ مَنْ أَوْجَبَ الْإِمْسَاكَ لَمْ يُوجِبْ الْقَضَاءَ وَمَنْ أَوْجَبَ الْقَضَاءَ لَمْ يُوجِبْ الْإِمْسَاكَ (وَالثَّانِي) إنْ وَجَبَ الْقَضَاءُ وَجَبَ الْإِمْسَاكُ وَإِلَّا فَلَا (وَالثَّالِثُ) إنْ وَجَبَ الْإِمْسَاكُ وجب القضاء والا فلا والله أعلم
* قال أَصْحَابُنَا: إذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ صَائِمًا وَقُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ يَلْزَمُهُ إتْمَامُهُ فَجَامَعَ فِيهِ لَزِمَهُ الْكَفَّارَةُ كَبَاقِي الْأَيَّامِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا: وَحَيْثُ لَا يَلْزَمُ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ الْإِمْسَاكُ يُسْتَحَبُّ لهم أن لا يَأْكُلُوا بِحُضُورِ مَنْ لَا يَعْرِفُ حَالَهُمْ لِمَا ذكره المصنف وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* {وأما الحائض والنفساء فلا يجب عليهم الصوم لانه لا يصح منهما فإذا طهرتا وجب عليهما القضاء لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " في الحيض كُنَّا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ
الصلاة " فوجب القضاء علي الحائض بالخبر وقيس عليها النفساء لانها في معناها فان طهرت في أثناء النهار استحب لها أن تمسك بقية النهار ولا يجب لما ذكرناه في الصبى إذا بلغ والمجنون إذا أفاق}
*

(6/256)


{الشرح} حديث عائشة هذا رواه مسلم بلف ظه وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مُقْتَصَرًا عَلَى نَفْيِ الْأَمْرِ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ (وَقَوْلُهَا) " كُنَّا نُؤْمَرُ " (مَعْنَاهُ) كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا بِذَلِكَ وَهُوَ صاحب الامر عند الاطلاق (وقوله) طَهَرَتَا بِفَتْحِ الْهَاءِ وَضَمِّهَا وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَسَبَقَ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ الْفَرْقُ بَيْنَ قَضَائِهَا لِلصَّوْمِ دُونَ الصَّلَاةِ وَأَنَّهُمَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِمَا وَأَنَّ حِكْمَتَهُ تَكَرُّرُ الصَّلَاةِ فَيَشُقُّ قَضَاؤُهَا بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَأَنَّ أَبَا الزِّنَادِ وَإِمَامَ الْحَرَمَيْنِ خَالَفَا فِي الْحِكْمَةِ (أَمَّا) أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) لَا يَصِحُّ صَوْمُ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا وَيَحْرُمُ عَلَيْهِمَا وَيَجِبُ قَضَاؤُهُ وَهَذَا كُلُّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَلَوْ أَمْسَكَتْ لَا بِنِيَّةِ الصَّوْمِ لم تأثم وانما تأثم إذَا نَوَتْهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَنْعَقِدُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَفِي بَابِ الْحَيْضِ دَلَائِلَ هَذَا كُلِّهِ مَعَ مَا ضَمَمْتُهُ هُنَاكَ إلَيْهِ (الثَّانِيَةُ) إذَا طَهُرَتْ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ يُسْتَحَبُّ لَهَا إمْسَاكُ بَقِيَّتِهِ وَلَا يَلْزَمُهَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ وَحَكَى صَاحِبُ الْعُدَّةِ فِي وُجُوبِ الْإِمْسَاكِ عَلَيْهَا خِلَافًا كَالْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ وَهَذَا شَاذٌّ مَرْدُودٌ وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وُجُوبَ الْإِمْسَاكِ (الثَّالِثَةُ) وُجُوبُ قَضَاءِ الصَّوْمِ عَلَى الْحَائِضِ والنفساء انما هو بأمر مجدد وليس وَاجِبًا عَلَيْهَا فِي حَالِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُتَوَلِّي فِي بَابِ الْحَيْضِ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الصَّوْمُ بِحَالٍ وَيَتَأَخَّرُ الْفِعْلُ إلَى الْإِمْكَانِ قَالَ الْإِمَامُ وَأَنْكَرَهُ الْمُحَقِّقُونَ لِأَنَّ شَرْطَ الْوُجُوبِ اقْتِرَانُ الْإِمْكَانِ بِهِ والصواب الاول وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* {وَمَنْ لا يقدر علي الصوم بحال وهو الشيخ الكبير الذى يجهده الصوم والمريض الذى
لا يرجبي برؤه فانه لا يجب عليهما الصوم لقوله عز وجل (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)
* وفى الفدية قولان
(أحدهما)
لا تجب لانه سقط عنه فرض الصوم فلم تجب عليه الفدية كالصبى والمجنون
(والثانى)
يجب عليه عن كل يوم مد من طعام وهو الصحيح لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " مِنْ أدركه الكبر فلم يستطع صيام رمضان فعليه لكل يوم مد من قمح " وقال ابن عمر رضى الله عنهما " إذا ضعف عن الصوم أطعم عن كل يوم مدا " وروى أن أنسا رضي الله عنه " ضعف عن الصوم عاما قبل وفاته فافطر وأطعم " وان لم يقدر علي الصوم لمرض يخاف زيادته ويرجي البرء لم يجب عليه الصوم للآية فإذا برئ وجب عليه القضاء لقوله عز وجل (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ

(6/257)


علي سفر فعدة من أيام أخر) وان أصبح صائما وهو صحيح ثم مرض أفطر لانه أبيح له الفطر للضرورة والضرورة موجودة فجاز له الفطر}
* {الشَّرْحُ} الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ فِي صَحِيحِهِ فِي كِتَابِ التَّفْسِيرِ وَالْأَثَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالْأَثَرُ عَنْ أَنَسٍ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ (وَقَوْلُهُ) يُجْهِدُهُ هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْهَاءِ وَيُقَالُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْهَاءِ قَالَ ابْنُ فَارِسٍ وَالْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا يُقَالُ جَهَدَ وَأَجْهَدَ إذَا حَمَّلَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ وَجَهَدَهُ أَفْصَحُ (وَقَوْلُهُ) بَرَّأَ هَذَا هُوَ الْفَصِيحُ ويقال برئ وبرؤ وَقَدْ سَبَقَ مَبْسُوطًا فِي بَابِ التَّيَمُّمِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَالَ الشَّافِعِيُّ واصحاب: الشَّيْخُ الْكَبِيرُ الَّذِي يُجْهِدُهُ الصَّوْمُ أَيْ يَلْحَقُهُ بِهِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ وَالْمَرِيضُ الَّذِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ لَا صَوْمَ عَلَيْهِمَا بِلَا خِلَافٍ وَسَيَأْتِي نَقْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ فِيهِ وَيَلْزَمُهُمَا الْفِدْيَةُ على أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ
(وَالثَّانِي)
لَا يَلْزَمُهُمَا وَالْفِدْيَةُ مُدٌّ مِنْ طَعَامٍ لِكُلِّ يَوْمٍ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ صَحِيحِ وُجُوبِ الْفِدْيَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَعَامَّةِ كُتُبِهِ
* وَنَصُّهُ فِي الْقَدِيمِ وَحَرْمَلَةَ مِنْ الْجَدِيدِ أَنْ لَا فِدْيَةَ عليه وقال في الْبُوَيْطِيُّ هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ تَكَلَّفَ الصَّوْمَ فَصَامَ فَلَا فِدْيَةَ وَالْعَجُوزُ كَالشَّيْخِ فِي جَمِيعِ هَذَا وَهُوَ إجْمَاعٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّانِيَةُ) الْمَرِيضُ الْعَاجِزُ عَنْ الصَّوْمِ لِمَرَضٍ يُرْجَى زَوَالُهُ لَا يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ فِي الْحَالِ وَيَلْزَمُهُ القضاء لما ذكره المصنف هذا إذَا لَحِقَهُ مَشَقَّةٌ ظَاهِرَةٌ بِالصَّوْمِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى حَالَةٍ لَا يُمْكِنُهُ فِيهَا الصَّوْمُ بَلْ قَالَ أَصْحَابُنَا: شَرْطُ إبَاحَةِ الْفِطْرِ أَنْ يَلْحَقَهُ بِالصَّوْمِ مَشَقَّةٌ يُشَقُّ احْتِمَالُهَا قَالُوا وَهُوَ عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ قَالَ أَصْحَابُنَا: وَأَمَّا الْمَرَضُ الْيَسِيرُ الَّذِي لَا يَلْحَقُ بِهِ مَشَقَّةٌ ظَاهِرَةٌ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْفِطْرُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا خِلَافًا لِأَهْلِ الظَّاهِرِ قَالَ أَصْحَابُنَا: ثُمَّ الْمَرَضُ الْمُجَوِّزُ لِلْفِطْرِ إنْ كان مطبقا فَلَهُ تَرْكُ النِّيَّةِ بِاللَّيْلِ وَإِنْ كَانَ يَحُمُّ وَيَنْقَطِعُ وَوَقْتُ الْحُمَّى لَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّوْمِ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ حُمَّى يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ مَحْمُومًا وَقْتَ الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ فَلَهُ تَرْكُ النِّيَّةِ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ أَنْ يَنْوِيَ مِنْ اللَّيْلِ ثُمَّ إنْ عَادَ الْمَرَضُ وَاحْتَاجَ إلَى الْفِطْرِ أَفْطَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّالِثَةُ) إذَا أَصْبَحَ الصَّحِيحُ صَائِمًا ثُمَّ مَرِضَ جَازَ لَهُ الْفِطْرُ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
* {فَرْعٌ} قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مَنْ غَلَبَهُ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ فَخَافَ الْهَلَاكَ لَزِمَهُ الْفِطْرُ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا مُقِيمًا لقوله تعالي (ولا تقتلوا أنفسكم إنه كان بكم رحيما) وقَوْله تَعَالَى (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) وَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ كَالْمَرِيضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*

(6/258)


{فَرْعٌ} قَالَ أَصْحَابُنَا: لَوْ نَذَرَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ الْعَاجِزُ أَوْ الْمَرِيضُ الَّذِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ فَفِي انْعِقَادِهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَنْعَقِدُ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ وَبَنَى الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ عَلَى وَجْهَيْنِ وَنَقَلُوهُمَا فِي أَنَّهُ يَتَوَجَّهُ عَلَى الشَّيْخِ الْعَاجِزِ الْخِطَابُ بِالصَّوْمِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْفِدْيَةِ لِلْعَجْزِ أَمْ يُخَاطَبُ ابْتِدَاءً بِالْفِدْيَةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُخَاطَبُ بِالْفِدْيَةِ ابْتِدَاءً فَلَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ
* {فَرْعٌ} إذا أوجبنا الفدية علي الشيخ والمريض المأيوس مِنْ بُرْئِهِ وَكَانَ مُعْسِرًا هَلْ يَلْزَمُهُ إذَا أَيْسَرَ أَمْ يَسْقُطُ عَنْهُ فِيهِ قَوْلَانِ كَالْكَفَّارَةِ (والاصح) في الكفارة بقاؤهها فِي ذِمَّتِهِ إلَى الْيَسَارِ لِأَنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ جِنَايَتِهِ فَهِيَ كَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ هُنَا أَنَّهَا تَسْقُطُ وَلَا يَلْزَمُهُ إذَا أَيْسَرَ كَالْفُطْرَةِ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ حَالَ التَّكْلِيفِ بِالْفِدْيَةِ وَلَيْسَتْ فِي مُقَابَلَةِ جِنَايَةٍ وَنَحْوِهَا وَقَطَعَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ أَنَّهُ إذَا أَيْسَرَ بَعْدَ الْإِفْطَارِ لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ فَإِنْ لَمْ يَفْدِ حَتَّى مَاتَ لزم اخراجها من تركته قال لان الاطعام فِي حَقِّهِ كَالْقَضَاءِ فِي حَقِّ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ قَالَ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْمَرِيضَ وَالْمُسَافِرَ لَوْ مَاتَا قَبْلَ تَمَكُّنِهِمَا مِنْ الْقَضَاءِ لَمْ يَجِبْ شئ وَإِنْ زَالَ عُذْرُهُمَا وَقَدَرَا عَلَى الْقَضَاءِ لَزِمَهُمَا فَإِنْ مَاتَا قَبْلَهُ وَجَبَ أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُمَا
مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مُدَّ طَعَامٍ فَكَذَا هُنَا هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي
* {فَرْعٌ} إذَا أَفْطَرَ الشَّيْخُ الْعَاجِزُ وَالْمَرِيضُ الَّذِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الصَّوْمِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الصَّوْمِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الدَّارِمِيُّ وَقَالَ الْبَغَوِيّ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُخَاطَبًا بِالصَّوْمِ بَلْ بِالْفِدْيَةِ بِخِلَافِ الْمَعْضُوبِ إذَا أَحَجَّ عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ قَدَرَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّهُ كَانَ مُخَاطَبًا بِهِ ثُمَّ اخْتَارَ الْبَغَوِيّ لِنَفْسِهِ أَنَّهُ إذَا قَدَرَ قَبْلَ أَنْ يَفْدِيَ لَزِمَهُ الصَّوْمُ وَإِنْ قَدَرَ بَعْدَ الْفِدْيَةِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَالْحَجِّ لِأَنَّهُ كَانَ مُخَاطَبًا بِالْفِدْيَةِ عَلَى تَوَهُّمِ دَوَامِ عُذْرِهِ وَقَدْ بَانَ خِلَافُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الشَّيْخِ الْعَاجِزِ عَنْ الصَّوْمِ
* ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا صَوْمَ عَلَيْهِ وَيَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ عَلَى الْأَصَحِّ وَهِيَ مُدٌّ مِنْ طَعَامٍ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ سَوَاءٌ في الطعام البر والتمر والشعير وغيرهما مِنْ أَقْوَاتِ الْبَلَدِ هَذَا إذَا كَانَ يَنَالُهُ بِالصَّوْمِ مَشَقَّةٌ لَا تُحْتَمَلُ وَلَا يُشْتَرَطُ خَوْفُ الْهَلَاكِ وَمِمَّنْ قَالَ بِوُجُوبِ الْفِدْيَةِ وَأَنَّهَا مُدٌّ طاووس وسعيد بن جبير والثوري والاوزاعي
* قال أَبُو حَنِيفَةَ يَجِبُ لِكُلِّ يَوْمٍ صَاعُ تَمْرٍ أَوْ نِصْفُ صَاعِ حِنْطَةٍ وَقَالَ أَحْمَدُ مُدُّ حِنْطَةٍ أَوْ مُدَّانِ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ وَقَالَ مَكْحُولٌ وَرَبِيعَةُ وَمَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ لَا فِدْيَةَ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ لِلشَّيْخِ وَالْعَجُوزِ الْعَاجِزَيْنِ الْفِطْرَ
*

(6/259)


{فَرْعٌ} اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلشَّيْخِ الْعَاجِزِ وَالْمَرِيضِ الَّذِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ تَعْجِيلُ الْفِدْيَةِ قَبْلَ دُخُولِ رَمَضَانَ وَيَجُوزُ بَعْدَ طُلُوعِ فَجْرِ كُلِّ يَوْمٍ وَهَلْ يَجُوزُ قَبْلَ الْفَجْرِ فِي رَمَضَانَ قَطَعَ الدَّارِمِيُّ بِالْجَوَازِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِيهِ احْتِمَالَانِ لِوَالِدِهِ وليس بشئ ودليله القياس علي تعجيل الزكاة
*
* قال المصنف رحمه الله
* {فاما المسافر فانه ان كان سفره دون أربعة برد لم يجز له أن يفطر لانه اسقاط فرض للسفر فلا يجوز فيما دون أربعة برد كالقصر وان كان سفره في معصية لم يجز له أن يفطر لان ذلك اعانة علي المعصية وان كان سفره أربعة برد في غير معصية فله أن يصوم وله ان يفطر لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ حمزة ابن عمرو الاسلمي قال يارسول الله اصوم في السفر فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ان
شئت فصم وان شئت فافطر " فان كان ممن لا يجهده الصوم في السفر فالافضل ان يصوم لما روى عن انس رضي الله عنه انه قال للصائم في السفر " ان افطرت فرخصة وان صمت فهو افضل " وعن عثمان ابن أبى العاص أنه قال الصوم أحب الي ولانه إذا أفطر عرض الصوم للنسيان وحوادث الزمان فكان الصوم أفضل وان كان يجهده الصوم فالافضل أن يفطر لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " مَرَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سفر برجل تحت شجرة يرش عليه الماء فقال ما بال هذا قالوا صائم يارسول الله فقال ليس من البر الصيام في السفر " فان صام المسافر ثم اراد أن يفطر فله أن يفطر لان العذر قائم فجاز له أن يفطر كما لو صام المريض ثم أراد أن يفطر ويحتمل عندي أنه لا يجوز له أن يفطر في ذلك اليوم لانه دخل في فرض المقيم فلا يجوز له أن يترخص برخصة المسافر كما لو دخل في الصلاة بنية الاتمام ثم أراد أن يقصر ومن أصبح في الحضر صائما ثم سافر لم يجز له ان يفطر في ذلك اليوم وقال المزني له أن يفطر كما لو أصبح الصحيح صائما ثم مرض فله أن يفطر والمذهب الاول والدليل عليه انه عبادة تختلف بالسفر والحضر فإذا بدأ بها في الحضر ثم سافر لم يثبت له رخصة السفر كما لو دخل في الصلاة في الحضر ثم سافر في اثنائها ويخالف المريض فان ذلك مضطر الي الافطار والمسافر مختار}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَيْضًا وَالْأَثَرَانِ عَنْ أَنَسٍ وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ رَوَاهُمَا الْبَيْهَقِيُّ وَعُثْمَانُ هَذَا صَحَابِيٌّ ثَقَفِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (وَقَوْلُهُ) أَرْبَعَةِ بُرُدٍ بِضَمِّ الْبَاءِ وَالرَّاءِ وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا بِالْهَاشِمِيِّ

(6/260)


وَسَبَقَ بَيَانُ هَذَا كُلِّهِ مَبْسُوطًا فِي بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ (وَقَوْلُهُ) إسْقَاطُ فَرْضٍ لِلسَّفَرِ احْتِرَازٌ عَنْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ فَإِنَّهُ إسْقَاطٌ لَا فَرْضٌ (وَقَوْلُهُ) لِلسَّفَرِ احْتِرَازٌ عَمَّنْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ فَصَلَّى قَاعِدًا (قَوْلُهُ) يُجْهِدُهُ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّهَا وَسَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) لَا يَجُوزُ الْفِطْرُ فِي رَمَضَانَ فِي سَفَرِ مَعْصِيَةٍ بِلَا خِلَافٍ وَلَا فِي سَفَرٍ آخَرَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ بِلَا خِلَافٍ وَقَدْ سَبَقَ هَذَانِ فِي بَابِ مَسْحِ الْخُفِّ وَفِي بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ فَإِنْ كان سفره دون مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَلَيْسَ
مَعْصِيَةً فَلَهُ الْفِطْرُ فِي رَمَضَانَ بِالْإِجْمَاعِ مَعَ نَصِّ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ: لَهُ الصَّوْمُ وَلَهُ الْفِطْرُ (وَأَمَّا) أَفْضَلُهُمَا فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ: إنْ تَضَرَّرَ بِالصَّوْمِ فالفطر افضل والا فالصوم افضل وذكر الخراسانيون قَوْلًا شَاذًّا ضَعِيفًا مُخَرَّجًا مِنْ الْقَصْرِ إنَّ الْفِطْرَ أَفْضَلُ مُطْلَقًا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْقَصْرِ تَحْصُلُ الرُّخْصَةُ مَعَ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ وَهُنَا إذَا أَفْطَرَ تَبْقَى الذِّمَّةُ مَشْغُولَةً وَلِأَنَّ فِي الْقَصْرِ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ وَلَيْسَ هُنَا خِلَافٌ يُعْتَدُّ بِهِ فِي إيجَابِ الْفِطْرِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي لَوْ لَمْ يَتَضَرَّرْ فِي الْحَالِ بِالصَّوْمِ لَكِنْ يَخَافُ الضَّعْفَ مِنْهُ وَكَانَ سَفَرُ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَالْفِطْرُ أَفْضَلُ (الثَّانِيَةُ) إذَا أَفْطَرَ الْمُسَافِرُ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَلَا فِدْيَةَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سفر فعدة من ايام اخر) مَعْنَاهُ وَأَرَادَ الْفِطْرَ فَلَهُ الْفِطْرُ وَعَلَيْهِ عِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ (الثَّالِثَةُ) لَوْ أَصْبَحَ فِي أَثْنَاءِ سَفَرِهِ صَائِمًا ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُفْطِرَ فِي نَهَارِهِ فَلَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ جَمِيعُ الْأَصْحَابِ وفيه احتمال لمصنف وَلِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَجْهًا وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُ وَفَرَّقَ صَاحِبُ الْحَاوِي بَيْنَ الْقَصْرِ وَالْفِطْرِ بِأَنَّ مَنْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ تَامَّةً الْتَزَمَ الْإِتْمَامَ فَلَمْ يَجُزْ لَهُ الْقَصْرُ لِئَلَّا يَذْهَبَ مَا الْتَزَمَهُ لَا إلَى بَدَلٍ وَأَمَّا الْمُسَافِرُ إذَا صَامَ ثُمَّ افطر فلا يترك الصوم الا إلَى بَدَلٍ وَهُوَ الْقَضَاءُ فَجَازَ لَهُ ذَلِكَ مَعَ دَوَامِ عُذْرِهِ وَإِذَا قُلْنَا بِالنَّصِّ وَقَوْلِ الْأَصْحَابِ إنَّ لَهُ الْفِطْرَ فَفِي كَرَاهَتِهِ وَجْهَانِ (اصحهما) لا يلزمه لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ (الرَّابِعَةُ) إذَا سَافَرَ الْمُقِيمُ فَهَلْ لَهُ الْفِطْرُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ له اربعة احوال (أَنْ) يَبْدَأَ السَّفَرَ بِاللَّيْلِ وَيُفَارِقُ عُمْرَانَ الْبَلَدِ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَهُ الْفِطْرُ بِلَا خِلَافٍ (الثَّانِي) أَنْ لَا يُفَارِقَ الْعُمْرَانَ إلَّا بَعْدَ الْفَجْرِ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ الْمَعْرُوفُ مِنْ نُصُوصِهِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَ لَهُ الْفِطْرُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَقَالَ الْمُزَنِيّ لَهُ الْفِطْرُ وَهُوَ مذهب احمد واسحق وَهُوَ وَجْهٌ ضَعِيفٌ حَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ غَيْرِ الْمُزَنِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَيْضًا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ فَعَلَى هَذَا لَوْ جَامَعَ فِيهِ لَزِمَهُ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ يوم من رمضان هو صائم

(6/261)


فِيهِ صَوْمًا لَا يَجُوزُ فِطْرُهُ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ فِي الْكِتَابِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَقِيلَ إنَّ الْمُزَنِيَّ رَجَعَ عَنْ هَذَا الْمَنْقُولِ عَنْهُ وَقَالَ اضْرِبُوا عَلَى قَوْلِي قَالَ وَكَانَ احْتَجَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " خَرَجَ عَامَ
الْفَتْحِ مِنْ الْمَدِينَةِ صَائِمًا حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ " أَفْطَرَ فَظُنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ فِي نَهَارِهِ وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَكُرَاعُ الْغَمِيمِ عِنْدَ عُسْفَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنِ الْمَدِينَةِ نَحْوُ سَبْعَةِ أَيَّامٍ أَوْ ثَمَانِيَةٍ فَلَمْ يُفْطِرْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَوْمِ خُرُوجِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّالِثُ) أَنْ يَنْوِيَ الصِّيَامَ فِي اللَّيْلِ ثُمَّ يُسَافِرُ وَلَا يَعْلَمُ هَلْ سَافَرَ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَهُ قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ لَيْسَ لَهُ الْفِطْرُ لِأَنَّهُ يَشُكُّ فِي مُبِيحِ الْفِطْرِ وَلَا يُبَاحُ بِالشَّكِّ (الرَّابِعُ) أَنْ يُسَافِرَ مِنْ بَعْدِ الْفَجْرِ وَلَمْ يَكُنْ نَوَى الصيام فهذا ليس بصائم لا خلاله بِالنِّيَّةِ مِنْ اللَّيْلِ فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ وَيَلْزَمُهُ الْإِمْسَاكُ هَذَا الْيَوْمَ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ قَدْ ثَبَتَتْ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ وَهُوَ حَاضِرٌ هَكَذَا ذَكَرَهُ الصَّيْمَرِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وصاحب البيان وهو ظاهر ويجئ فِيهِ قَوْلُ الْمُزَنِيِّ وَالْوَجْهُ الْمُوَافِقُ لَهُ وَاَللَّهُ اعلم * قال المصنف رحمه الله
* (فان قدم المسافر وهو مفطر أو برأ المريض وهو مفطر استحب لهما امساك بقية النهار لحرمة الوقت ولا يجب ذلك لانهما أفطرا بعذر ولا يأكلان عند من لا يعرف عذرهما لخوف التهمة والعقوبة وان قدم المسافر وهو صائم أو برأ المريض وهو صائم فهل لهما أن يفطرا فِيهِ وَجْهَانِ (قَالَ) أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ يجوز لهما الافطار لانه ابيح لهما الفطر من أول النهار ظاهرا وباطنا فجاز لهما الافطار في في بقية النهار كما لو دام السفر والمرض (وقال) أبو اسحق لا يجوز لهما الاقطار لانه زال سبب الرخصة قبل الترخص فلم يجز الترخص كما لو قدم المسافر وهو في الصلاة فانه لا يجوز له القصر}
* {الشرح} فيه مسائل (احداها) قَدِمَ الْمُسَافِرُ أَوْ بَرَأَ الْمَرِيضُ وَهُمَا مُفْطِرَانِ يُسْتَحَبُّ إمْسَاكُ بَقِيَّةِ يَوْمِهِ وَلَا يَجِبُ عِنْدَنَا وأوجبه أبي حَنِيفَةَ
* دَلِيلُنَا أَنَّهُمَا أَفْطَرَا بِعُذْرٍ (الثَّانِيَةُ) يُسْتَحَبُّ إذَا أَكَلَا أَنْ لَا يَأْكُلَا عِنْدَ مَنْ يَجْهَلُ عُذْرَهُمَا لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ (الثَّالِثَةُ) إذَا قَدِمَ الْمُسَافِرُ وَهُوَ صَائِمٌ هَلْ لَهُ الْفِطْرُ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا
(أَحَدُهُمَا)
نَعَمْ وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ نَصِّهِ فِي حَرْمَلَةَ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَجُمْهُورِ الْأَصْحَابِ لَا يَجُوزُ وَهُوَ قول ابى اسحق وَهَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ نَوَى الْمُسَافِرُ الْإِقَامَةَ فِي بَلَدٍ بِحَيْثُ تَنْقَطِعُ رُخَصُهُ وَلَوْ بَرَأَ الْمَرِيضُ وَهُوَ صَائِمٌ فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَشَيْخُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَآخَرُونَ فِيهِ الْوَجْهَانِ كالمسافر (اصحهما) يَحْرُمُ الْفِطْرُ (وَالثَّانِي) يَجُوزُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) وَبِهِ قَطَعَ الْفُورَانِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ يَحْرُمُ الْفِطْرُ وجها واحدا

(6/262)


(الرَّابِعَةُ) لَوْ قَدِمَ الْمُسَافِرُ وَلَمْ يَكُنْ نَوَى مِنْ اللَّيْلِ صَوْمًا وَلَا أَكَلَ فِي نَهَارِهِ قَبْلَ قُدُومِهِ فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالدَّارِمِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ لَهُ الْأَكْلُ لِأَنَّهُ مُفْطِرٌ لِعَدَمِ النِّيَّةِ مِنْ اللَّيْلِ فَجَازَ لَهُ الْأَكْلُ كَالْمُفْطِرِ بِالْأَكْلِ (وَالثَّانِي) حَكَاهُ الْفُورَانِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِي وُجُوبِ الْإِمْسَاكِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) لَا يَلْزَمُهُ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ حُرْمَةٌ لِلْيَوْمِ
* {فَرْعٌ} لَا يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ وَلَا لِلْمَرِيضِ أَنْ يَصُومَا فِي رَمَضَانَ غَيْرَهُ مِنْ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ تَطَوُّعٍ فَإِنْ صَامَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ لَا عَنْ رَمَضَانَ وَلَا عَمَّا نَوَى وَلَا غيره
* هذا هذهبنا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْمَرِيضِ كَقَوْلِنَا وَقَالَ فِي الْمُسَافِرِ يَصِحُّ مَا نَوَى
* دَلِيلُنَا الْقِيَاسُ عَلَى الْمَرِيضِ
* {فَرْعٌ} إذَا قَدِمَ الْمُسَافِرُ فِي أَثْنَاءِ نهار وَهُوَ مُفْطِرٌ فَوَجَدَ امْرَأَتَهُ قَدْ طَهُرَتْ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ مِنْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ بَرَأَتْ مِنْ مَرَضٍ وَهِيَ مُفْطِرَةٌ فَلَهُ وَطْؤُهَا وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا بِلَا خِلَافٍ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: لَا يَجُوزُ وَطْؤُهَا
* دَلِيلُنَا أَنَّهُمَا مُفْطِرَانِ فَأَشْبَهَ الْمُسَافِرَيْنِ وَالْمَرِيضَيْنِ
* {فَرْعٌ} إذَا دَخَلَ عَلَى الْإِنْسَانِ شَهْرُ رَمَضَانَ وَهُوَ مُقِيمٌ جَازَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ وَيُفْطِرَ
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَالْعُلَمَاءِ كَافَّةً إلَّا مَا حَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ أَبِي مَخْلَدٍ التَّابِعِيِّ أَنَّهُ لَا يُسَافِرُ فَإِنْ سَافَرَ لَزِمَهُ الصَّوْمُ وَحَرُمَ الْفِطْرُ وَعَنْ عُبَيْدَة السَّلْمَانِيِّ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْفَاءِ التابعين انه يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ بَقِيَّةَ الشَّهْرِ وَلَا يَمْتَنِعُ السَّفَرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) دَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " خَرَجَ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ مُسَافِرًا وَأَفْطَرَ " وَالْآيَةُ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى مَنْ شَهِدَ كُلَّ الشَّهْرِ فِي الْبَلَدِ وَهُوَ حَقِيقَةُ الْكَلَامِ فَإِنْ شَهِدَ بَعْضَهُ لزمه صوم ما شهد منه في البلد ولابد مِنْ هَذَا التَّفْسِيرِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي السَّفَرِ الْمُجَوِّزِ لِلْفِطْرِ
* ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا
بِالْهَاشِمِيِّ وَهَذِهِ الْمَرَاحِلُ مَرْحَلَتَانِ قَاصِدَتَانِ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي سَفَرٍ يَبْلُغُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَمَا قال في القصر وقال قوم يجوز في كُلُّ سَفَرٍ وَإِنْ قَصَرَ وَسَبَقَتْ هَذِهِ الْمَذَاهِبُ بِأَدِلَّتِهَا فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ
*

(6/263)


{فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي جَوَازِ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ
* مَذْهَبُنَا جَوَازُهُمَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بعدهم قال العبدرى هو قول العلماء قالت الشِّيعَةُ لَا يَصِحُّ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ دَاوُد الظَّاهِرِيِّ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَصِحُّ صَوْمُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَصِحُّ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ " كَانَ ابن عمر وسعيد ابن جُبَيْرٍ يَكْرَهَانِ صَوْمَ الْمُسَافِرِ " قَالَ وَرَوَيْنَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ " إنْ صَامَ قَضَاهُ " قَالَ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " لَا يُجْزِئُهُ الصِّيَامُ " وَعَنْ عَبْدِ الرحمن ابن عَوْفٍ قَالَ " الصَّائِمُ فِي السَّفَرِ كَالْمُفْطِرِ فِي الْحَضَرِ " وَحَكَى أَصْحَابُنَا بُطْلَانَ صَوْمِ الْمُسَافِرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ وَالشِّيعَةِ
* وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِحَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَرَأَى رَجُلًا قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ فَقَالَ ماهذا قالوا صائم فقال ليس الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " لَيْسَ الْبِرُّ أَنْ تَصُومُوا فِي السَّفَرِ " وَعَنْ جَابِرٍ أَيْضًا " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَامَ الْفَتْحِ إلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ فَصَامَ النَّاسُ ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَرَفَعَهُ حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ إلَيْهِ ثُمَّ شَرِبَ فَقِيلَ بَعْدَ ذَلِكَ إنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ فَقَالَ أُولَئِكَ الْعُصَاةُ أُولَئِكَ الْعُصَاةُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال " كنا مع رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ أَكْثَرُنَا ظِلًّا صَاحِبُ الْكِسَاءِ فَمِنَّا مَنْ يَقِي الشَّمْسَ بيده فسقط الصوام وقام المفطرون فضربوا الا بينة وَسَقَوْا الرِّكَابَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالْأَجْرِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يكره أن تؤتي معصية " رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصُومُ فِي السَّفَرِ قَالَ " إنْ شِئْتَ فَصُمْ وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ يارسول أَجِدُ بِي قُوَّةً عَلَى الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " هِيَ رُخْصَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ ما فينا صَائِمٍ إلَّا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وعبد اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمُ وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَعِيبُ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ

(6/264)


وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَجَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَا " سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَصُومُ الصَّائِمُ وَيُفْطِرُ الْمُفْطِرُ وَلَا يَعِيبُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال " كنا نغزوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا الْمُفْطِرُ فَلَا يَجِدُ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ يَرَوْنَ أَنَّ مَنْ وَجَدَ قُوَّةً فَصَامَ فَإِنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ وَيَرَوْنَ أَنَّ مَنْ وَجَدَ ضَعْفًا فَأَفْطَرَ فَإِنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَيْضًا قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بَاعَدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " سَافَرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ عُسْفَانَ ثُمَّ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ فَشَرِبَ نَهَارًا لِيَرَاهُ النَّاسُ فَأَفْطَرَ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ صَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ وَأَفْطَرَ فَمَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " خَرَجْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عمرة في رَمَضَانَ فَأَفْطَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصُمْتُ وَقَصَرَ وَأَتْمَمْتُ فَقُلْتُ بِأَبِي وَأُمِّي أَفْطَرْت وَصُمْت وَقَصَرْتَ وَأَتْمَمْت فَقَالَ أَحْسَنْتِ يَا عَائِشَةُ " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ إسْنَادُهُ حَسَنٌ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ سِوَى مَا ذَكَرْتُهُ (وَأَمَّا) الاحاديث التى احتجوا بِهَا الْمُخَالِفُونَ فَمَحْمُولَةٌ عَلَى مَنْ يَتَضَرَّرُ بِالصَّوْمِ وفى بعضها التصريح بذلك ولابد مِنْ هَذَا التَّأْوِيلِ لِيُجْمَعَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ (وَأَمَّا) الْمَنْقُولُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " الصَّائِمُ فِي السَّفَرِ كَالْمُفْطِرِ فِي الْحَضَرِ " فَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ هُوَ مَوْقُوفٌ مُنْقَطِعٌ وَرُوِيَ مَرْفُوعًا وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِهِمْ فِيمَنْ أَطَاقَ الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ بِلَا ضرر هل الافضل صومه في رَمَضَانَ أَمْ فِطْرُهُ
* قَدْ ذَكَرْنَا مَذْهَبَنَا أَنَّ صَوْمَهُ أَفْضَلُ وَبِهِ قَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ وأنس بن مالك وعثمان بن الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَالْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالنَّخَعِيُّ وَالْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَأَبُو ثَوْرٍ وَآخَرُونَ وقال ابن عباس وابن عمرو ابن المسيب والشعبى والاوزاعي وأحمد واسحق وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ

(6/265)


الْمَالِكِيُّ: الْفِطْرُ أَفْضَلُ وَقَالَ آخَرُونَ هُمَا سَوَاءٌ وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَقَتَادَةُ الْأَفْضَلُ مِنْهُمَا هُوَ الْأَيْسَرُ وَالْأَسْهَلُ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ أَقُولُ
* وَاحْتَجَّ لِمَنْ رَجَّحَ الْفِطْرُ بِالْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ " وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّائِمِينَ " أُولَئِكَ الْعُصَاةُ " وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَامَ الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حتى بلغ كرع الْكَدِيدِ وَهُوَ بِفَتْحِ الْكَافِ ثُمَّ أَفْطَرَ قَالَ وَكَانَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتبعون الا حدث فَالْأَحْدَثَ مِنْ أَمْرِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو السَّابِقُ " هِيَ رُخْصَةٌ مِنْ اللَّهِ فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ " وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ السَّابِقِ فِي صِيَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَبْدُ اللَّهِ بن زواحة وبحديث أبي سعيد السابق " كنا نغزوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا الْمُفْطِرُ " إلَى آخِرِهِ وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ هُمَا الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَكَذَا حَدِيثُ عَائِشَةَ " قَصَرْتُ وَأَتْمَمْتُ " فِي صِيَامِ النَّبِيِّ إلَى آخِرِهِ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْمُحَبِّقِ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَفَتْحِهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال " مَنْ كَانَ فِي سَفَرٍ عَلَى حُمُولَةٍ يَأْوِي إلَى شِبَعٍ فَلْيَصُمْ حَيْثُ أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ " (فَهُوَ) حَدِيثٌ ضَعِيفٌ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهُ وَنُقِلَ عَنْ البخاري تضعيفه وانه ليس بشئ وَكَذَا الْحَدِيثُ الْمَرْفُوعُ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إنْ أَفْطَرْتُ فَهُوَ رُخْصَةٌ وَإِنْ صُمْتُ فَهُوَ أَفْضَلُ " حَدِيثٌ مُنْكَرٌ قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَإِنَّمَا هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى أَنَسٍ (وَالْجَوَابُ) عَنْ الْأَحَادِيثِ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا الْقَائِلُونَ
بِفَضْلِ الْفِطْرِ أَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى مَنْ يَتَضَرَّرُ بِالصَّوْمِ وَفِي بَعْضِهَا التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ كَمَا سَبَقَ ولابد مِنْ هَذَا التَّأْوِيلِ لِيُجْمَعَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَاَللَّهُ أعلم
*

(6/266)


* قال المصنف رحمه الله
* {فان خافت الحامل والمرضع على أنفسهما أفطرتا وعليهما القضاء دون الكفارة لانهما أفطرتا للخوف على أنفسهما فوجب عليهما القضاء دون الكفارة كالمريض وإن خافتا على ولديهما أفطرتا وعليهما القضاء بدلا عن الصوم وفى الكفارة ثلاثة أوجه (قال) في الام يجب عن كل يوم مد من الطعام وهو الصحيح لقوله تعالي (وعلي الذين يطيقونه فدية) قال ابن عباس نسخت هذه الآية وبقيت للشيخ الكبير والعجوز والحامل والمرضع إذا خافتا أفطرتا وأطعمتا كل يوم مسكينا (والثاني) ان الكفارة مستحبة غير واجبة وهو قول المزني لانه افطار بعذر فلم تجب فيه الكفارة كافطار المريض (والثالث) يجب علي المرضع دون الحامل لان الحامل أفطرت لمعنى فيها فهى كالمريض والمرضع أفطرت لمنفصل عنها فوجب عليها الكفارة وَاَللَّهُ أَعْلَمُ}
* {الشَّرْحُ} هَذَا الْمَنْقُولُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْهُ قَالَ أَصْحَابُنَا: الْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ إنْ خَافَتَا مِنْ الصَّوْمِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَفْطَرَتَا وَقَضَتَا وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِمَا كَالْمَرِيضِ وَهَذَا كُلُّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَإِنْ خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا وَوَلَدَيْهِمَا فَكَذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَإِنْ خَافَتَا عَلَى وَلَدَيْهِمَا لَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَفْطَرَتَا وَقَضَتَا بِلَا خِلَافٍ وَفِي الْفِدْيَةِ هَذِهِ الْأَقْوَالُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ (أَصَحُّهَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وُجُوبُهَا كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَغَيْرِهِمَا قَالَ صَاحِبُ الحاوى: هو نَصُّهُ فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ وَنَقَلَهُ الرَّبِيعُ وَالْمُزَنِيُّ قَالَ هُوَ وَغَيْرُهُ وَنَصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى وُجُوبِ الْفِدْيَةِ عَلَى الْمُرْضِعِ دُونَ الْحَامِلِ فَحَصَلَ في الحامل قَوْلَانِ وَنَقَلَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي الْإِفْصَاحِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ عَلَى أن الفدية ليست يواجبة عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَلْ هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ وَجَعَلَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَآخَرُونَ هَذَا الثَّالِثَ مَخْرَجًا مِنْ نَصِّ الْبُوَيْطِيِّ فِي الْحَامِلِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ هَذَا الثَّالِثَ وَكَذَا قَالَهُ غَيْرُهُ وَاقْتَصَرَ الْبَغَوِيّ وَالْجُرْجَانِيُّ

(6/267)


وَخَلْقٌ مِنْ الْأَصْحَابِ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي الْحَامِلِ وَقَطَعُوا بِالْوُجُوبِ عَلَى الْمُرْضِعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* فَإِذَا أَوْجَبْنَا الْفِدْيَةَ فَهَلْ تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْأَوْلَادِ فِيهِ طريقان (اصحهما) وبه قطع البغوي
(وَالثَّانِي)
فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ
* {فَرْعٌ} إذَا أَوْجَبْنَا الْفِدْيَةَ عَلَى الْمُرْضِعِ إذَا أَفْطَرَتْ لِلْخَوْفِ عَلَى وَلَدِهَا فَلَوْ اُسْتُؤْجِرَتْ لِإِرْضَاعِ وَلَدِ غَيْرِهَا (فَالصَّحِيحُ) بَلْ الصَّوَابُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي فَتَاوِيهِ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا الْإِفْطَارُ وَتَفْدِي كَمَا فِي وَلَدِهَا بَلْ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ يَجِبُ عَلَيْهَا الْإِفْطَارُ إنْ تَضَرَّرَ الرَّضِيعُ بِالصَّوْمِ وَاسْتَدَلَّ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ بِالْقِيَاسِ عَلَى السَّفَرِ فَإِنَّهُ يَسْتَوِي فِي جَوَازِ الْإِفْطَارِ بِهِ مَنْ سَافَرَ لِغَرَضِ نَفْسِهِ وَغَرَضِ غيره بأجرة وغيرها وشد الْغَزَالِيُّ فِي فَتَاوِيهِ فَقَالَ لَيْسَ لَهَا أَنْ تُفْطِرَ وَلَا خِيَارَ لِأَهْلِ الصَّبِيِّ وَهَذَا غَلَطٌ ظَاهِرٌ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: وَعَلَى مَنْ تَجِبُ فِدْيَةُ فِطْرِهَا فِي هَذَا الْحَالِ فِيهِ احْتِمَالَانِ هَلْ هِيَ عَلَيْهَا أَمْ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ كَمَا لو استأجر للمتمتع فَهَلْ يَجِبُ دَمُهُ عَلَى الْأَجِيرِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرِ فِيهِ وَجْهَانِ كَذَا قَالَ الْقَاضِي وَلَعَلَّ الْأَصَحَّ وُجُوبُهَا عَلَى الْمُرْضِعِ بِخِلَافِ دَمِ التَّمَتُّعِ فَإِنَّ الْأَصَحَّ وُجُوبُهُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّهُ مِنْ تَتِمَّةِ الْحَجِّ الْوَاجِبِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَهُنَا الْفِطْرُ مِنْ تَتِمَّةِ إيصَالِ الْمَنَافِعِ الْوَاجِبَةِ عَلَى الْمُرْضِعِ قَالَ الْقَاضِي وَلَوْ كَانَ هُنَاكَ نِسْوَةٌ مَرَاضِعُ فَأَرَادَتْ واحدة ان تأخذ سبيا تُرْضِعُهُ تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى جَازَ لَهَا الْفِطْرُ لِلْخَوْفِ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَعَيَّنًا عليها
* {فرع} لو كانت المرضع والحامل مُسَافِرَةً أَوْ مَرِيضَةً فَأَفْطَرَتْ بِنِيَّةِ التَّرَخُّصِ بِالْمَرَضِ أَوْ السَّفَرِ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهَا بِلَا خِلَافٍ وان لم تقصد الترخص أفطرت لِلْخَوْفِ عَلَى الْوَلَدِ لَا عَلَى نَفْسِهَا فَفِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِي فِطْرِ الْمُسَافِرِ بِالْجِمَاعِ لَا بِنِيَّةِ التَّرَخُّصِ كَذَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَالْأَصَحُّ فِي جِمَاعِ الْمُسَافِرِ الْمَذْكُورِ لَا كَفَّارَةَ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ إذَا خَافَتَا فَأَفْطَرَتَا
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُمَا إنْ خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا لَا غَيْرَ أَوْ عَلَى أَنْفُسِهِمَا وَوَلَدِهِمَا أَفْطَرَتَا وَقَضَتَا وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِمَا بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ أَفْطَرَتَا لِلْخَوْفِ عَلَى الْوَلَدِ أَفْطَرَتَا وَقَضَتَا وَالصَّحِيحُ وُجُوبُ الْفِدْيَةِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَلِلْعُلَمَاءِ فِي ذلك أربع

(6/268)


مَذَاهِبَ (قَالَ) ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ يُفْطِرَانِ وَيُطْعِمَانِ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِمَا (وَقَالَ) عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَالْحَسَنُ وَالضَّحَّاكُ وَالنَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَرَبِيعَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ يُفْطِرَانِ وَيَقْضِيَانِ وَلَا فِدْيَةَ كَالْمَرِيضِ (وَقَالَ) الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ يُفْطِرَانِ وَيَقْضِيَانِ وَيَفْدِيَانِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُجَاهِدٍ (وَقَالَ) مَالِكٌ الْحَامِلُ تُفْطِرُ وَتَقْضِي وَلَا فِدْيَةَ والمرضع تفطر وتقضى وتفدى قال ابن المنذر وبقول عطاء أقول *
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* {وَلَا يَجِبُ صوم رمضان الا برؤية الهلال فان غم عليهم وجب عليهم أن يستكملوا شعبان ثم يصوموا لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " صُومُوا لرؤيته وأفطرو لرؤيته فان غم عليكم فاكملوا العدة ولا تستقبلوا الشهر استقبالا "}
* {الشَّرْحُ} هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ هَكَذَا النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَفْظُهُ " إنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَدَّهُ لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ " وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَلَفْظُهُ " لَا تَصُومُوا قَبْلَ رَمَضَانَ صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لرؤيته فان حالت دونه غياية فَأَكْمِلُوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا " قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ (الْغَيَابَةُ) السَّحَابَةُ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " فَاقْدُرُوا ثَلَاثِينَ " وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ " فَإِذَا رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ " وَفِي رِوَايَةٍ " فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَصُومُوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا " وَفِي رِوَايَةٍ " فَإِنْ غبى عليكم فاكملوا العدد " وَفِي رِوَايَةٍ فَإِنْ " أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ الشَّهْرُ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ " هَذِهِ الرِّوَايَاتُ كُلُّهَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ " فَإِنْ غَبِيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ " وَعَنْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يتحفظ من شعبان مالا يَتَحَفَّظُ مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ يَصُومُ لِرُؤْيَةِ رَمَضَانَ فَإِذَا غُمَّ عَلَيْهِ عَدَّ ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ صَامَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَعَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تقوموا الشَّهْرَ حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثُمَّ صُومُوا حَتَّى

(6/269)


تَرَوْا الْهِلَالَ أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُمْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ بِمَعْنَى مَا ذَكَرْتُهُ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فإن غم عليكم فأقدروا له " فقال أحمد ابن حَنْبَلٍ وَطَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ مَعْنَاهُ ضَيِّقُوا لَهُ وَقَدِّرُوهُ تَحْتَ السَّحَابِ وَأَوْجَبَ هَؤُلَاءِ صِيَامَ لَيْلَةِ الْغَيْمِ وَقَالَ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبُو الْعَبَّاسِ ابن سُرَيْجٍ وَابْنُ قُتَيْبَةَ وَآخَرُونَ مَعْنَاهُ قَدِّرُوهُ بِحِسَابِ الْمَنَازِلِ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ: مَعْنَاهُ قَدِّرُوا لَهُ تَمَامَ الْعَدَدِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: يُقَالُ قَدَرْتُ الشئ بِتَخْفِيفِ الدَّالِ أَقْدِرُهُ وَأَقْدُرهُ بِضَمِّهَا وَكَسْرِهَا وَقَدَّرْتُهُ بِتَشْدِيدِهَا وَأَقْدَرْتُهُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ مِنْ التَّقْدِيرِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ: وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى (فَقَدَرْنَا فنعم القادرون) وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِالرِّوَايَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَكُلُّهَا صَحِيحَةٌ صريحة فاكملوا العدة ثَلَاثِينَ وَهِيَ مُفَسِّرَةٌ لِرِوَايَةِ فَاقْدُرُوا لَهُ الْمُطْلَقَةِ قَالَ الْجُمْهُورُ: وَمَنْ قَالَ بِتَقْدِيرِ تَحْتَ السَّحَابِ فَهُوَ مُنَابِذٌ لِصَرِيحِ بَاقِي الرِّوَايَاتِ وَقَوْلُهُ مَرْدُودٌ وَمَنْ قَالَ بِحِسَابِ الْمَنَازِلِ فَقَوْلُهُ مَرْدُودٌ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّحِيحَيْنِ " إنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَحْسِبُ وَلَا نَكْتُبُ الشَّهْرُ هكذا وهكذ " الْحَدِيثَ قَالُوا وَلِأَنَّ النَّاسَ لَوْ كُلِّفُوا بِذَلِكَ ضَاقَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ الْحِسَابَ إلَّا أَفْرَادٌ مِنْ النَّاسِ فِي الْبُلْدَانِ الْكِبَارِ فَالصَّوَابُ ماقاله الْجُمْهُورُ وَمَا سِوَاهُ فَاسِدٌ مَرْدُودٌ بِصَرَائِحِ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ " مَعْنَاهُ حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ غَيْمٌ يُقَالُ غُمَّ وَغُمِّيَ وَغُمِيَ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِهَا وَالْغَيْنُ مَضْمُومَةٌ فِيهِمَا وَيُقَالُ غَبِيَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَكَسْرِ الْبَاءِ وَقَدْ غَامَتْ السَّمَاءُ وَغَيَّمَتْ وَأَغَامَتْ وَتَغَيَّمَتْ وَأَغَمَّتْ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صوموا للرؤيته " الْمُرَادُ رُؤْيَةُ بَعْضِكُمْ وَهَلْ هُوَ عَدْلٌ أَمْ عَدْلَانِ فِيهِ الْخِلَافُ الْمَشْهُورُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ وَلَا يَجِبُ صَوْمُ رَمَضَانَ إلَّا بِدُخُولِهِ وَيُعْلَمُ دُخُولُهُ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَإِنْ غُمَّ وَجَبَ اسْتِكْمَالُ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ ثُمَّ يَصُومُونَ سَوَاءٌ كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً أَوْ مُغَيِّمَةً غَيْمًا قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا وَدَلِيلُهُ مَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ " شَهْرَا عِيدٍ لَا يَنْقُصَانِ رَمَضَانُ وَذُو الْحِجَّةِ " مَعْنَاهُ لَا يَنْقُصُ أَجْرُهُمَا وَالثَّوَابُ الْمُرَتِّبُ وَإِنْ نَقَصَ عَدَدُهُمَا وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا يَنْقُصَانِ مَعًا غَالِبًا مِنْ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ وَقِيلَ لَا يَنْقُصُ ثَوَابُ ذِي الْحِجَّةِ عَنْ ثَوَابِ رَمَضَانَ لِأَنَّ فِيهِ الْمَنَاسِكَ والعشر حكاه الْخَطَّابِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ بَاطِلٌ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَلَمْ يذكر

(6/270)


صَاحِبُ التَّتِمَّةِ غَيْرُهُ وَمَعْنَاهُ أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " " وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ كان كصيام الدهر " ونظائر ذلك فكل هَذِهِ الْفَضَائِلِ تَحْصُلُ سَوَاءٌ تَمَّ عَدَدُ رَمَضَانَ أَمْ نَقَصَ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَإِنَّمَا خَصَّ هَذَيْنِ الشَّهْرَيْنِ لِتَعَلُّقِ الْعِبَادَةِ بِهِمَا وَهِيَ الصَّوْمُ والحج
* وقال المصنف رحمه الله {فان اصبحوا يوم الثلاثين وهم يظنون أنه من شعبان فقامت البينة أنه من رمضان لزمه قضاء صومه لانه بان أنه من رمضان وهل يلزمهم امساك بقية النهار فيه قولان
(أحدهما)
لا يلزمهم لانهم أفطروا بعذر فلم يلزمهم إمساك بقية النهار كالحائض إذا طهرت والمسافر إذا أقام
(والثانى)
يلزمهم لانه أبيح لهم الفطر بشرط أنه من شعبان وقد بان انه من رمضان فلزمهم الامساك وإن رأوا الهلال بالنهار فهو لليلة المستقبلة لما روى شقيق بن سلمه قال " أتانا كتاب عمر رضى الله عنه ونحن بخانقين أن الاهلة بعضها اكبر من بعض فإذا رأيتم إلهلال نهارا فلا تفطروا حتى يشهد رجلان مسلمان انهما رأياه بالامس " وان رأوا الهلال في بلد ولم يروه في آخر فان كانا بلدين متقاربين وجب على اهل البلدين الصوم وإن كانا متباعدين وجب على من راى ولم يجب على من لم ير لما روى كريب قال " قدمت الشام فرأيت الهلال ليله الجمعة ثم قدمت المدينة ففال عبد الله بن عباس متى رأيتم الهلال فقلت ليلة الجمعة فقال انت رأيت قلت نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية فقال لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال تصوم حتى نكمل العدة أو نراه قلت أولا تكتفى برؤية معاوية قال هكذا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ كُرَيْبٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَحَدِيثُ شَقِيقٍ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ كِتَابِ الصِّيَامِ ثَانِيهِمَا أَوَاخِرُ الْكِتَابِ فِي شَهَادَةِ
الِاثْنَيْنِ عَلَى هِلَالِ شَوَّالٍ وَقَالَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: هَذَا أَثَرٌ صَحِيحٌ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (وَقَوْلُهُ) بِخَانِقِينَ هُوَ بِخَاءٍ معجمه ونون ثم قاف مكسورتين وهى بلد بِالْعِرَاقِ قَرِيبَةٌ مِنْ بَغْدَادَ وَكُرَيْبٌ هَذَا هُوَ بِضَمِّ الْكَافِ وَهُوَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا ثَبَتَ كَوْنُ يَوْمِ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ فَأَصْبَحُوا مُفْطِرِينَ فَثَبَتَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ كَوْنُهُ مِنْ رَمَضَانَ وَجَبَ قَضَاؤُهُ بِلَا خِلَافٍ وَفِي إمْسَاكِ بَقِيَّةِ النَّهَارِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) وُجُوبُهُ (وَالثَّانِي) لَا يَجِبُ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَقَلِيلُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ
(وَالثَّانِي)

(6/271)


يَجِبُ الْإِمْسَاكُ قَوْلًا وَاحِدًا وَهَذَا نَصُّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَبِهِ قَطَعَ كَثِيرُونَ أَوْ الْأَكْثَرُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَالدَّارِمِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْبَغَوِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَآخَرُونَ من الخراسانيين قل الْمُتَوَلِّي وَالْخِلَافُ فِي وُجُوبِ الْإِمْسَاكِ إذَا لَمْ يَكُنْ أَكَلَ قَبْلَ ثُبُوتِ كَوْنِهِ مِنْ رَمَضَانَ فان كن أَكَلَ وَقُلْنَا لَا يَجِبُ الْإِمْسَاكُ قَبْلَ الْأَكْلِ فهنا أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَجِبُ لِحُرْمَةِ الْيَوْمِ وَإِذَا أَوْجَبْنَا الْإِمْسَاكَ فَأَمْسَكَ فَهَلْ هُوَ صَوْمٌ شَرْعِيٌّ أَمْ لَا فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْمَحَامِلِيُّ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَآخَرُونَ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَيْسَ بِصَوْمٍ شَرْعِيٍّ قَالَ صاحب الحاوي قال أبو اسحق الْمَرْوَزِيُّ يُسَمَّى صَوْمًا شَرْعِيًّا قَالَ وَقَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا لَيْسَ هُوَ بِصَوْمٍ شَرْعِيٍّ وَإِنَّمَا هُوَ إمساك شرعي لانه لا يحزئه عَنْ صَوْمِ رَمَضَانَ وَلَا عَنْ غَيْرِهِ بِلَا خِلَافٍ هَكَذَا ذَكَرَ هَؤُلَاءِ الْوَجْهَيْنِ فِي أَنَّهُ صَوْمٌ شَرْعِيٌّ أَمْ لَا وَنَسَبُوا الْقَوْلَ بِأَنَّهُ صوم الي أبي اسحق وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ: فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ إمْسَاكٌ شَرْعِيٌّ يُثَابُ عَلَيْهِ
(وَالثَّانِي) لَا يُثَابُ عَلَيْهِ هَكَذَا ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ يَجِبُ أَنْ يُقَالَ فِي إمْسَاكِهِ ثَوَابٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَوَابَ صَوْمٍ قَالَ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ أَكَلَ ثُمَّ أَمْسَكَ يَكُونُ صَائِمًا مِنْ حِينِ أَمْسَكَ قَالَ صاحب الشامل: وهذا لا يجئ عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ فَلَا يَصِحُّ بنية من النَّهَارِ وَلِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَنْ رَمَضَانَ وَلَا نَفْلٍ قَالَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَا قَالَهُ أبو إسحق أَنَّهُ إمْسَاكٌ شَرْعِيٌّ يُثَابُ عَلَيْهِ هَذَا كَلَامُهُ فَحَصَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ
(الصَّحِيحُ) أَنَّهُ يُثَابُ عَلَى إمْسَاكِهِ وَلَا يَكُونُ صَوْمًا (وَالثَّانِي) يَكُونُ صَوْمًا (وَالثَّالِثُ) لَا يُثَابُ عَلَيْهِ وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ الْقَاضِي وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ فَاسِدَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا رَأَوْا الْهِلَالَ بِالنَّهَارِ فولليلة الْمُسْتَقْبَلَةِ سَوَاءٌ رَأَوْهُ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ
* هَذَا مَذْهَبُنَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَمُحَمَّدٌ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَأَبُو يُوسُفَ وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ الْمَالِكِيُّ: إنْ رَأَوْهُ قَبْلَ الزَّوَالِ

(6/272)


فَلِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ أَوْ بَعْدَهُ فَلِلْمُسْتَقْبِلَةِ سَوَاءٌ أَوَّلُ الشَّهْرِ وَأَخِرُهُ وَقَالَ إنْ كَانَ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ وَرَأَوْهُ فَلِلْمَاضِيَةِ وَبَعْدَهُ لِلْمُسْتَقْبَلَةِ وَإِنْ رَأَوْهُ فِي أَخِرِ رَمَضَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَلِلْمُسْتَقْبِلَةِ وَقَبْلَهُ فيه روايتان عنه
(أحدهما) لِلْمَاضِيَةِ
(وَالثَّانِيَةُ) لِلْمُسْتَقْبَلَةِ
* وَاحْتَجَّ لِمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ مَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ بِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ " كَتَبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلَى عُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ إذَا رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ نَهَارًا قَبْلَ أَنْ تَزُولَ الشمس لتمام ثلاثين فأفطروا وإذا رأيتموه بعد ما تَزُولُ الشَّمْسُ فَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَصُومُوا " وَاحْتَجَّ أصحابنا بماذ كره الْمُصَنِّفُ عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَبِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ الصحيح عن سالم بن عبد الله ابن عُمَرَ " أَنَّ نَاسًا رَأَوْا هِلَالَ الْفِطْرِ نَهَارًا فَأَتَمَّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا صِيَامَهُ إلَى اللَّيْلِ وَقَالَ لَا حَتَّى يرى من حيث يروه بِاللَّيْلِ " وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ ابْنُ عُمَرَ " لَا يصلح أَنْ يُفْطِرُوا حَتَّى يَرَوْهُ لَيْلًا مِنْ حَيْثُ يرى " وروينا في ذلك عن عثمان ابن عفان وعبد الله ابن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (وَأَمَّا) مَا احْتَجُّوا بِهِ مِنْ رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ فَإِنَّهُ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ وَلَا قَارَبَ زَمَانَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا رَأَوْا الْهِلَالَ فِي رَمَضَانَ فِي بَلَدٍ وَلَمْ يَرَوْهُ فِي غَيْرِهِ فَإِنْ تَقَارَبَ البلدان فحكمهما حكم بَلَدٌ وَاحِدٌ وَيَلْزَمُ أَهْلُ الْبَلَدِ الْآخَرِ الصَّوْمُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ تَبَاعَدَا فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجِبُ الصَّوْمُ عَلَى أَهْلِ البلد الاخرى وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَآخَرُونَ وَصَحَّحَهُ الْعَبْدَرِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ
(وَالثَّانِي) يَجِبُ وَبِهِ قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالدَّارِمِيُّ وَأَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَأَجَابَ هَؤُلَاءِ عَنْ حَدِيثِ كُرَيْبٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ فِي بَلَدٍ آخَرَ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَفِيمَا يُعْتَبَرُ به الْبُعْدِ وَالْقُرْبِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ
(أَصَحُّهَا) وَبِهِ قَطَعَ جمهور العراقيين والصيدلاني وغيرهم أن التباعذ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ كَالْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ وَالتَّقَارُبُ ان لا يَخْتَلِفَ كَبَغْدَادَ وَالْكُوفَةِ وَالرَّيِّ وَقَزْوِينَ لِأَنَّ مَطْلَعَ هؤلاء مطلع هؤلاء فإذ رَآهُ هَؤُلَاءِ فَعَدَمُ رُؤْيَتِهِ لِلْآخَرَيْنِ لِتَقْصِيرِهِمْ فِي التَّأَمُّلِ أَوْ لِعَارِضٍ بِخِلَافِ مُخْتَلِفِي الْمَطْلَعِ
(وَالثَّانِي) الِاعْتِبَارُ بِاتِّحَادِ الْإِقْلِيمِ وَاخْتِلَافِهِ فَإِنْ اتَّحَدَ فَمُتَقَارِبَانِ والا فمتباعدان وبهذا قال الصيمري وآخرون
(والثالث) أَنَّ التَّبَاعُدَ مَسَافَةُ الْقَصْرِ وَالتَّقَارُبَ دُونَهَا وَبِهَذَا قَالَ الْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَادَّعَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْمَطَالِعِ يُحْوِجُ إلَى حِسَابٍ وَتَحْكِيمِ الْمُنَجِّمِينَ وَقَوَاعِدُ الشَّرْعِ تَأْبَى ذَلِكَ فَوَجَبَ اعْتِبَارُ مَسَافَةِ الْقَصْرِ الَّتِي عَلَّقَ الشَّرْعُ بِهَا كَثِيرًا مِنْ الْأَحْكَامِ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ أَمْرَ الْهِلَالِ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ فَالصَّحِيحُ اعْتِبَارُ الْمَطَالِعِ كَمَا سَبَقَ فَعَلَى هَذَا لَوْ شَكَّ فِي اتِّفَاقِ الْمَطَالِعِ لَمْ يَلْزَمْ الَّذِينَ لَمْ يَرَوْا الصَّوْمُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَلِأَنَّ الصَّوْمَ إنَّمَا يَجِبُ بِالرُّؤْيَةِ لِلْحَدِيثِ وَلَمْ تَثْبُتْ الرُّؤْيَةُ فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ

(6/273)


لِعَدَمِ ثُبُوتِ قُرْبِهِمْ مِنْ بَلَدِ الرُّؤْيَةِ هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ هُوَ الْمَشْهُورُ لِلْأَصْحَابِ فِي الطَّرِيقَيْنِ وَانْفَرَدَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ بِطَرِيقَيْنِ آخَرَيْنِ فَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إذَا رَأَوْهُ فِي بَلَدٍ دُونَ بَلَدٍ فَثَلَاثَةُ أوجه (احدها) يلزم الذين لم يروا الان فَرْضَ رَمَضَانَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ وَقَدْ ثبت رمضان (والثاني) لا يلزمهم لِأَنَّ الطَّوَالِعَ وَالْغَوَارِبَ قَدْ تَخْتَلِفُ لِاخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ وَإِنَّمَا خُوطِبَ كُلُّ قَوْمٍ بِمَطْلَعِهِمْ وَمَغْرِبِهِمْ أَلَا تَرَى الْفَجْرَ قَدْ يَتَقَدَّمُ طُلُوعُهُ فِي بَلَدٍ وَيَتَأَخَّرُ فِي بَلَدٍ آخَرَ وَكَذَلِكَ الشَّمْسُ قَدْ يَتَعَجَّلُ غُرُوبُهَا فِي بَلَدٍ وَيَتَأَخَّرُ فِي آخَرَ ثُمَّ كُلُّ بَلَدٍ يُعْتَبَرُ طُلُوعُ فَجْرِهِ وَغُرُوبُ شَمْسِهِ فِي حَقِّ أَهْلِهِ فَكَذَلِكَ الْهِلَالُ (الثَّالِثُ) إنْ كَانَا مِنْ إقْلِيمٍ لَزِمَهُمْ وَإِلَّا فَلَا هَذَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ إذَا رَآهُ أَهْلُ نَاحِيَةٍ دُونَ نَاحِيَةٍ فَإِنْ قَرُبَتْ الْمَسَافَةُ لَزِمَهُمْ كُلَّهُمْ وَضَابِطُ الْقُرْبِ أَنْ يَكُونَ الْغَالِبُ أَنَّهُ إذَا أَبْصَرَهُ هَؤُلَاءِ لَا يَخْفَى عَلَيْهِمْ إلَّا لِعَارِضٍ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَسَافَةُ الْقَصْرِ أَوْ غَيْرُهَا قَالَ فَإِنْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) يَلْزَمُ الْجَمِيعَ وَاخْتَارَهُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ (وَالثَّانِي) لَا يَلْزَمُهُمْ (وَالثَّالِثُ) إنْ كَانَتْ الْمَسَافَةُ بَيْنَهُمَا بِحَيْثُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُرَى وَلَا يَخْفَى عَلَى أُولَئِكَ بِلَا عَارِضٍ لَزِمَهُمْ وَإِنْ كَانَتْ بِحَيْثُ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِمْ فلا
* فحصل في المسألة ست وُجُوهٍ
(أَحَدُهَا) يَلْزَمُ جَمِيعَ أَهْلِ الْأَرْضِ بِرُؤْيَتِهِ فِي مَوْضِعٍ مِنْهَا
(وَالثَّانِي) يَلْزَمُ أَهْلَ إقْلِيمِ بَلَدٍ الرُّؤْيَةُ دُونَ غَيْرِهِمْ
(وَالثَّالِثُ) يَلْزَمُ كُلَّ بَلَدٍ يُوَافِقُ بَلَدَ الرُّؤْيَا فِي الْمَطْلَعِ دُونَ غَيْرِهِ وَهَذَا أَصَحُّهَا
(وَالرَّابِعُ) يَلْزَمُ كُلَّ بَلَدِ لَا يُتَصَوَّرُ خَفَاؤُهُ عَنْهُمْ بِلَا عَارِضٍ دُونَ غيرهم وهو فيما حكاه السرخسي
(والخامس) يلزم من دون مسافة القصر دون غيرهم
(والسادس) لَا يَلْزَمُ غَيْرَ بَلَدِ الرُّؤْيَةِ وَهُوَ فِيمَا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَا إذَا رَأَى الْهِلَالَ أَهْلُ بَلَدٍ دُونَ غَيْرِهِمْ
* قَدْ ذَكَرْنَا تَفْصِيلَ مَذْهَبِنَا وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عِكْرِمَةَ وَالْقَاسِمِ وَسَالِمٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ غَيْرَ أَهْلِ بَلَدِ الرُّؤْيَةِ وَعَنْ اللَّيْثِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ يَلْزَمُ الْجَمِيعَ قَالَ وَلَا أَعْلَمُهُ إلَّا قَوْلَ الْمَدَنِيِّ وَالْكُوفِيِّ يَعْنِي مَالِكًا وَأَبَا حَنِيفَةَ
* {فَرْعٌ} لَوْ شرع في الصوم في بلد ثُمَّ سَافَرَ إلَى بَلَدٍ بَعِيدٍ لَمْ يَرَوْا فِيهِ الْهِلَالَ حِينَ رَآهُ أَهْلُ الْبَلَدِ الْأَوَّلِ فَاسْتَكْمَلَ ثَلَاثِينَ مِنْ حِينِ صَامَ (فَإِنْ قُلْنَا) لِكُلِّ بَلَدٍ حُكْمُ نَفْسِهِ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ مَعَهُمْ لِأَنَّهُ صَارَ مِنْهُمْ
(وَالثَّانِي) يُفْطِرُ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ حُكْمَ الْأَوَّلِ (وَإِنْ قُلْنَا) تَعُمُّ الروية كُلَّ الْبِلَادِ لَزِمَ أَهْلَ الْبَلَدِ الثَّانِي مُوَافَقَتُهُ فِي الْفِطْرِ إنْ ثَبَتَ عِنْدَهُمْ رُؤْيَةُ الْبَلَدِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ وَعَلَيْهِمْ قَضَاءُ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُمْ لَزِمَهُ هُوَ الْفِطْرُ كَمَا لَوْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ وَحْدَهُ ويفطر سرا ولو سافر من بلد لم يروا فيه إلي بلد رؤى فِيهِ فَعَيَّدُوا الْيَوْمَ التَّاسِعَ وَالْعِشْرِينَ مِنْ صَوْمِهِ فإن عممنا الحكم أو قلنا

(6/274)


لَهُ حُكْمُ الْبَلَدِ الثَّانِي عَيَّدَ مَعَهُمْ وَلَزِمَهُ قَضَاءُ يَوْمٍ وَإِنْ لَمْ نُعَمِّمْ الْحُكْمَ وَقُلْنَا لَهُ حُكْمُ الْبَلَدِ الْأَوَّلِ لَزِمَهُ الصَّوْمُ وَلَوْ رَأَى الْهِلَالَ فِي بَلَدٍ وَأَصْبَحَ مُعَيِّدًا مَعَهُمْ فَسَارَتْ بِهِ سَفِينَةٌ إلَى بَلَدٍ فِي حَدِّ الْبُعْدِ فَصَادَفَ أَهْلَهَا صَائِمِينَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ يَلْزَمُهُ إمْسَاكُ بَقِيَّةِ يَوْمِهِ إذَا قُلْنَا لِكُلِّ بَلَدٍ حُكْمُ نَفْسِهِ وَاسْتَبْعَدَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ الْحِكَايَةَ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَتُتَصَوَّرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي صُورَتَيْنِ (إحْدَاهُمَا) أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْيَوْمُ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ مِنْ صَوْمِ الْبَلَدَيْنِ لَكِنَّ الْمُنْتَقِلَ إلَيْهِمْ لَمْ يَرَوْهُ (وَالثَّانِيَةُ) أَنْ يَكُونَ التَّاسِعَ والعشرين المنتقل إلَيْهِمْ لِتَأَخُّرِ صَوْمِهِمْ بِيَوْمٍ قَالَ وَإِمْسَاكُ بَقِيَّةِ النَّهَارِ فِي الصُّورَتَيْنِ إنْ لَمْ يُعَمَّمْ الْحُكْمُ كَمَا ذَكَرْنَا وَجَوَابُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ لِكُلِّ بَلَدٍ حُكْمَهُ وَأَنَّ لِلْمُنْتَقِلِ حُكْمَ الْبَلَدِ الْمُنْتَقَلِ إلَيْهِ وَإِنْ عَمَّمْنَا الْحُكْمَ وأهل الْبَلَدِ الثَّانِي إذَا عَرَفُوا فِي أَثْنَاءِ الْيَوْمِ أَنَّهُ عِيدٌ فَهُوَ شَبِيهٌ بِمَا سَبَقَ فِي بَابِ صَلَاةِ الْعِيدِ إذَا
شَهِدُوا بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ يوم الثلاثين ولو اتفق هَذَا السَّفَرُ لِعَدْلَيْنِ وَقَدْ رَأَيَا الْهِلَالَ بِأَنْفُسِهِمَا وَشَهِدَا فِي الْبَلَدِ الثَّانِي فَهَذِهِ شَهَادَةُ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ فَيَجِبُ الْفِطْرُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى (وَأَمَّا) الثَّانِيَةُ فَإِنْ عَمَّمْنَا الْحُكْمَ بِجَمِيعِ الْبِلَادِ لَمْ يَبْعُدْ أَنْ يَكُونَ كَلَامُهُمَا عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ فِي بَابِ صَلَاةِ الْعِيدِ فَإِنْ قَبِلْنَا شَهَادَتَهُمْ قَضَوْا يَوْمًا وَإِنْ لَمْ نُعَمِّمْ الْحُكْمَ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى قَوْلِهِمَا
* وَلَوْ كَانَ عَكْسَهُ بِأَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فَسَارَتْ بِهِ سَفِينَةٌ إلَى قَوْمٍ مُعَيِّدِينَ فَإِنْ عَمَّمْنَا الْحُكْمَ أَوْ قلنا حُكْمُ الْمُنْتَقَلِ إلَيْهِ أَفْطَرَ وَإِلَّا فَلَا وَإِذَا افطر قضى بوما إذَا لَمْ يَصُمْ إلَّا ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا
*
*
قال المصنف رحمه الله تعالى
* {وفى الشهادة التي يثبت بها رؤية هلال شهر رمضان قولان (قال) في البويطي لاتقبل إلا من عدلين لما روى الحسين ابن حريث الجدلي جديلة قيس قال " خطبنا أمير مكة الحارث ابن حاطب فقال أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن ننسك لرؤيته فان لم نره فشهد شاهدان عدلان نسكنا يشهادتهما (وقال) في القديم والجديد يقبل من عدل واحد وهو الصحيح لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ الله عنه قَالَ " تَرَاءَى النَّاسُ الْهِلَالَ فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلم اني رأيته فصام رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمْرُ الناس بالصيام " ولانه إيجاب عبادة فقبل من واحد احتياطا للفرض (فان قلنا) يقبل من واحد فهل بقبل من العبد والمرأة فيه وجهان
(أحدهما)
يقبل لان ما قبل فيه قول الواحد قبل من العبد والمرأة كاخبار رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(وَالثَّانِي)
لا يقبل وهو الصحيح لان طريقها طريق الشهادة بدليل أنه لا يقبل من شاهد الفرع مع حضور شاهد الاصل فلم يقبل من العبد والمرأة كسائر الشهادات ولا يقبل في هلال الفطر إلا شاهدان لانه اسقاط فرض فاعتبر فيه العدد اجتياطا للفرض فان شهد واحد على رؤية هلال رمضان فقبل قوله وصاموا ثلاثين يوما وتغيمت

(6/275)


السماء ففيه وجهان
(أحدهما)
أنهم لا يفطرون لانه افطار بشاهد واحد (والثاني) انهم يفطرون وهو المنصوص في الام لانه بينة ثبت بها الصوم فجاز الافطار باستكمال العدد منها كالشاهدين وقوله إن هذا إفطار بشاهد لا يصح لان الذى ثبت بالشاهد هو الصوم والفطر ثبت على سبيل التبع وذلك
يجوز كما نقول إن النسب لا يثبت بقول أربع نسوة ثم لو شهد أربع نسوة بالولادة ثبتت الولادة وثبت النسب على سبيل التبع للولادة وإن شهد اثنان علي رؤية هلال رمضان فصاموا ثلاثين يوما والسماء مصحية فلم يروا الهلال ففيه وجهان (قال) أبو بكر بن الحداد لا يفطرون لان عدم الهلال مع الصحو يقين والحكم بالشاهدين ظن واليقين يقدم علي الظن (وقال) اكثر أصحابنا يفطرون لان شهادة اثنين يثبت بها الصوم والفطر فوجب أن يثبت بها الفطر وإن غم عليهم الْهِلَالُ وَعَرَفَ رَجُلٌ الْحِسَابَ وَمَنَازِلَ الْقَمَرِ وَعَرَفَ بالحساب أنه من شهر رمضان ففيه وجهان (قال) أبو العباس يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ لِأَنَّهُ عَرَفَ الشَّهْرَ بِدَلِيلٍ فَأَشْبَهَ إذا عرف بالبينة (والثاني) أنه لَا يَصُومُ لِأَنَّا لَمْ نُتَعَبَّدْ إلَّا بِالرُّؤْيَةِ ومن رأى هلال رمضان وحده صام وإن رأى هلال شوال وحده افطر وحده لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وافطروا لرؤيته ويفطر لرؤية هلال شوال سرا لانه إذا أظهر الفطر عرض نفسه للتهمة وعقوبة السلطان}
* {الشرح} حديث الحسين ابن حُرَيْثٍ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وغيره وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ هَذَا إسْنَادٌ مُتَّصِلٌ صَحِيحٌ وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ قال الدارقطني تفرد به مروان ابن مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ وَهُوَ ثِقَةٌ (وَقَوْلُهُ) حسين ابن حُرَيْثٍ هَكَذَا وَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ حُرَيْثٍ بِضَمِّ الْحَاءِ وَهُوَ غَلَطٌ فَاحِشٌ وَصَوَابُهُ حُسَيْنُ بْنُ الْحَارِثِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَهُوَ مَشْهُورٌ فِي رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ وَفِي جَمِيعِ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَكُتُبِ الْأَسْمَاءِ حُسَيْنُ بْنُ الْحَارِثِ (وَقَوْلُهُ) الْجَدَلِيُّ جَدِيلَةُ قَيْسٍ يَعْنِي أَنَّهُ مِنْ بَنِي جَدِيلَةَ قَبِيلَةٌ مَعْرُوفَةٌ مِنْ قَيْسِ عَيْلَانَ بِالْعَيْنِ المهملة احتراز من جديلة طي وَغَيْرِهَا وَقَدْ أُوضِحَتْ حَالُهُ وَحَالُ قَبِيلَتِهِ فِي تهذيب الاسماء واللغات (وقوله) الحارث ابن حَاطِبٍ هُوَ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ وَقَدْ أُوضِحَتْ حَالُهُ فِي التَّهْذِيبِ
* وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَافَقَهُ عَلَى رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ وَصَدَّقَهُ فِيهِ (وَقَوْلُهُ) نَنْسُكُ هُوَ بِضَمِّ السِّينِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَهُوَ العبادة ومن قال بالمذهب أنه يثبت الهلال بعدل واحد أجاب عَنْ حَدِيثِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَارِثِ بِأَنَّ النُّسُكَ هَهُنَا عِيدُ الْفِطْرِ وَكَذَا تَرْجَمَ لَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى ثُبُوتِ هِلَالِ شَوَّالٍ
بِعَدْلَيْنِ (وَأَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) فِي الشَّهَادَةِ الَّتِي يَثْبُتُ بِهَا هِلَالُ رَمَضَانَ ثَلَاثُ

(6/276)


طُرُقٍ (أَصَحُّهَا) وَأَشْهُرُهَا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ يَثْبُتُ بِعَدْلٍ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْقَدِيمِ وَمُعْظَمُ كُتُبِهِ فِي الْجَدِيدِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي ذَلِكَ (مِنْهَا) مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُ ذَلِكَ (وَالثَّانِي) وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ (وَالطَّرِيقُ) الثَّانِي الْقَطْعُ بِثُبُوتِهِ بِعَدْلٍ لِلْأَحَادِيثِ (وَالثَّالِثُ) حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ إنْ ثَبَتَتْ الْأَحَادِيثُ ثَبَتَ بِعَدْلٍ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) يُشْتَرَطُ عَدْلَانِ كَسَائِرِ الشُّهُورِ
(وَالثَّانِي)
يَثْبُتُ بِعَدْلٍ لِلِاحْتِيَاطِ وَهَذَا الطَّرِيقُ مُحْتَمَلٌ وَلَكِنَّ الْأَحَادِيثَ قَدْ ثَبَتَتْ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ ثُبُوتُهُ بِعَدْلٍ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ شَرَطْنَا عَدْلَيْنِ فَلَا مَدْخَلَ لِلنِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ وَيُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَيَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْقَاضِي وَلَكِنَّهَا شَهَادَةُ حِسْبَةٍ لَا ارْتِبَاطَ لَهَا بِالدَّعْوَى وان اكتفينا بعدل فهل هو بطريق الروابة أَمْ بِطَرِيقِ الشَّهَادَةِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَحَكَاهُمَا السَّرَخْسِيُّ قَوْلَيْنِ قَالَ الدَّارِمِيُّ الْقَائِلُ شَهَادَةٌ هُوَ أَبُو عَلِيٍّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْقَائِلُ رِوَايَةٌ هُوَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ (أَصَحَّهُمَا) أَنَّهُ شَهَادَةٌ فَعَلَى هَذَا لَا يُقْبَلُ فِيهِ الْعَبْدُ وَالْمَرْأَةُ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَبِهَذَا قَالَ جَمِيعُ أَصْحَابِنَا غَيْرُ أَبِي إِسْحَاقَ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ رِوَايَةٌ فَيُقْبَلُ مِنْ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَفِي اشْتِرَاطِ لَفْظِ الشَّهَادَةِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) يُشْتَرَطُ قَطْعًا (وَأَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ فِيهِ وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّهُ شَهَادَةٌ أَمْ رِوَايَةٌ (إنْ قُلْنَا) شَهَادَةُ شَرْطٍ وَإِلَّا فَلَا (وَأَمَّا) الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ الْمَوْثُوقُ بِهِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إنْ شَرَطْنَا اثْنَيْنِ أَوْ قُلْنَا شَهَادَةٌ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ (وَإِنْ قُلْنَا) رِوَايَةٌ فَطَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ لَا يُقْبَلُ قَطْعًا
(وَالثَّانِي)
فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْوَجْهَيْنِ الْمَشْهُورَيْنِ فِي قَبُولِ رِوَايَتِهِ إنْ قَبِلْنَاهَا قَبْلَ هَذَا وَإِلَّا فَلَا وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ (وَأَمَّا) الْكَافِرُ وَالْفَاسِقُ وَالْمُغَفَّلُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمْ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ وَلَا خِلَافَ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ الظَّاهِرَةِ فِيمَنْ نَقْبَلُهُ (وَأَمَّا) الْعَدَالَةُ الْبَاطِنَةُ (فَإِنْ قُلْنَا) يُشْتَرَطُ عَدْلَانِ اُشْتُرِطَتْ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الحرمين وآخرون قالو وَهُمَا جَارِيَانِ فِي رِوَايَةِ الْمَسْتُورِ الْحَدِيثَ (وَالْأَصَحُّ) قَبُولُ رِوَايَةِ الْمَسْتُورِ وَكَذَا الْأَصَحُّ قَبُولُ قَوْلِهِ هُنَا وَالصِّيَامُ بِهِ وَبِهَذَا قَطَعَ صَاحِبُ الْإِبَانَةِ وَالْعُدَّةِ وَالْمُتَوَلِّي قَالَ أَصْحَابُنَا: وَلَا فَرْقَ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَاهُ بَيْنَ كَوْنِ السَّمَاءِ مُصْحِيَةً أَوْ مُغَيِّمَةً
* {فَرْعٌ} إذَا أَخْبَرَهُ مَنْ يَثِقُ بِهِ كَزَوْجَتِهِ وَجَارِيَتِهِ وَصَدِيقِهِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ وَيَعْتَقِدُ صِدْقَهُ أَنَّهُ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ ولم يذكر ذلك عند القضي فَقَدْ قَطَعَتْ طَائِفَةٌ بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ بِقَوْلِهِ مِمَّنْ صَرَّحَ بِوُجُوبِ ذَلِكَ عَلَى الْمَقُولِ لَهُ أَبُو الْفَضْلِ بْنُ عَبْدَانَ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ إنْ قُلْنَا إنَّهُ رِوَايَةٌ لَزِمَ الصَّوْمُ بِقَوْلِهِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) هَلْ يَثْبُتُ هِلَالُ رَمَضَانَ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ فِيهِ طَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَأَشَارَ إلَيْهِ المصنف ثبوته

(6/277)


كَسَائِرِ الْأَحْكَامِ
(وَالثَّانِي)
فِيهِ قَوْلَانِ كَالْحُدُودِ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي لَيْسَتْ مَالِيَّةً وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَقَاسَهُ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ عَلَى الزَّكَاةِ وَإِتْلَافِ حُصْرِ الْمَسْجِدِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهُ يُقْبَلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ بِلَا خِلَافٍ بِخِلَافِ الْحُدُودِ فَإِنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الدَّرْءِ وَالْإِسْقَاطِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ: فَعَلَى هَذَا عَدَدُ الْفُرُوعِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْأُصُولِ فَإِنْ شَرَطْنَا الْعَدَدَ فِي الْأُصُولِ فَحُكْمُ الفروع هنا حكمهم فِي سَائِرِ الشَّهَادَاتِ فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَةِ كُلِّ وَاحِدٍ شَاهِدَانِ وَهَلْ يَكْفِي شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْ الْأَصْلِ جَمِيعًا فِيهِ القولان المشهوران (أصحهما) يَكْفِي وَعَلَى هَذَا لَا مَدْخَلَ لِشَهَادَةِ النِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ وَإِنْ اكْتَفَيْنَا بِوَاحِدٍ فَإِنْ قُلْنَا سَبِيلُهُ سَبِيلُ الرِّوَايَةُ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَكْفِي وَاحِدٌ كَرِوَايَةِ الحديث
(والثانى)
يشترط اثنان قال البغوي وهو الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخَبَرٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ أَخْبَرَنِي فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ أَنَّهُ رَأَى الْهِلَالَ فَعَلَى هَذَا هَلْ يُشْتَرَطُ إخْبَارُ حُرَّيْنِ ذَكَرَيْنِ أَمْ يَكْفِي امْرَأَتَانِ أَوْ عَبْدَانِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصْحُهُمَا) الْأَوَّلُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْأَصَحُّ الِاكْتِفَاءُ بِوَاحِدٍ عَنْ وَاحِدٍ إذَا قُلْنَا إنَّهُ رِوَايَةٌ وَبِهَذَا قَطَعَ الدَّارِمِيُّ وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْفَرْعِ حَدَّثَنِي فُلَانٌ أَنَّ فُلَانًا رَأَى الْهِلَالَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي قَبُولَهُ إذَا اكْتَفَيْنَا بِوَاحِدٍ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ قَالَ وَلَا نُسَلِّمُ دَعْوَاهُ الْإِجْمَاعَ مِنْ نِزَاعٍ وَاحْتِمَالٍ ظَاهِرٍ (أَمَّا) إذَا قُلْنَا طَرِيقُهُ طَرِيقُ الشَّهَادَةِ فَهَلْ يَكْفِي شَهَادَةُ وَاحِدٍ عَلَى شَهَادَةِ وَاحِدٍ أَمْ يُشْتَرَطُ اثْنَانِ فِيهِ وَجْهَانِ وَقَطَعَ الْبَغَوِيّ بِاشْتِرَاطِ اثْنَيْنِ وَهُوَ الْأَصَحُّ (وَأَمَّا) شَهَادَةُ الْفَرْعِ بِحَضْرَةِ الْأَصْلِ عَلَى شَهَادَتِهِ
فَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ وغيره بأنها لا تقبل ولا يبعد تخريح خِلَافٍ فِيهِ عَلَى قَوْلِنَا رِوَايَةٌ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا قَبِلْنَا فِي هِلَالِ رَمَضَانَ عَدْلًا وَصُمْنَا عَلَى قَوْلِهِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَلَمْ نَرَ الْهِلَالَ بَعْدَ الثَّلَاثِينَ فَهَلْ نُفْطِرُ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَجَمَاهِيرِ الْأَصْحَابِ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ نُفْطِرُ (وَالثَّانِي) لَا نُفْطِرُ لِأَنَّهُ إفْطَارٌ مبنى على قول عدل واحد والمذول لِأَنَّهَا حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ ثَبَتَ بِهَا هِلَالُ رَمَضَانَ فثبت الافطار يعد اسْتِكْمَالِ الْعَدَدِ مِنْهَا كَالشَّاهِدَيْنِ وَأَبْطَلَ الْأَصْحَابُ قَوْلَ الْآخَرِ قَالُوا لِأَنَّ الَّذِي ثَبَتَ بِالشَّاهِدِ إنَّمَا هُوَ الصَّوْمُ وَحْدُهُ (وَأَمَّا) الْفِطْرُ فَثَبَتَ تَبَعًا كَمَا أَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ لَا تُقْبَلُ عَلَى النَّسَبِ اسْتِقْلَالًا وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ بِالْوِلَادَةِ ثَبَتَتْ وَثَبَتَ النَّسَبُ تَبَعًا

(6/278)


لَهَا بِلَا خِلَافٍ فَكَذَا هُنَا ثُمَّ الْقَوْلَانِ جاريان سواء كانت لسماء مُصْحِيَةً أَوْ مُغَيِّمَةً هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ صَرَّحَ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ مَفْهُومِ كَلَامِ الْجُمْهُورِ وَقَالَ أَبُو الْمَكَارِمِ فِي الْعُدَّةِ الْوَجْهَانِ إذَا كَانَتْ مُصْحِيَةً فَإِنْ كَانَتْ مُغَيِّمَةً أَفْطَرْنَا بِلَا خِلَافٍ لِاحْتِمَالِ وُجُودِهِ وَاسْتِتَارِهِ بِالْغَيْمِ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَآخَرُونَ: إذَا صُمْنَا بِشَهَادَةِ عَدْلٍ ثَلَاثِينَ وَكَانَتْ السَّمَاءُ مُغَيِّمَةً فَفِي الْفِطْرِ الْوَجْهَانِ فَفَرَضُوا الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا غَيَّمَتْ وقال البغوي قيل الوجهان إذا كانت مصحية فان تغيمت وَجَبَ الْفِطْرُ قَطْعًا قَالَ وَقِيلَ هُمَا فِي الْغَيْمِ وَالصَّحْوِ وَالْمَذْهَبُ طَرْدُهُمَا فِي الْحَالَيْنِ (أَمَّا) إذَا صُمْنَا بِقَوْلِ عَدْلَيْنِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَمْ نَرَ الْهِلَالَ فَإِنْ كَانَتْ السَّمَاءُ مُغَيِّمَةً أَفْطَرْنَا بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَتْ مُصْحِيَةً فَطَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) نُفْطِرُ قَوْلًا وَاحِدًا وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ وَحَرْمَلَةَ وَبِهِ قَطَعَ كَثِيرُونَ (وَأَشْهَرُهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَكَثِيرُونَ فِيهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) وَقَوْلُ الجمهور أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ نُفْطِرُ لِأَنَّ أَوَّلَ الشَّهْرِ ثَبَتَ وَقَدْ أُمِرْنَا بِإِكْمَالِ الْعِدَّةِ إذَا لَمْ نَرَ الهلال وقد اكملناها فَوَجَبَ الْفِطْرُ (وَالثَّانِي) لَا نُفْطِرُ لِأَنَّ عَدَمَ الرُّؤْيَةِ مَعَ الصَّحْوِ يَقِينٌ فَلَا نَتْرُكُهُ بِقَوْلِ شَاهِدَيْنِ وَهُوَ ظَنٌّ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْحَدَّادِ حَكَاهُ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا مُزَيَّفٌ غَيْرُ مَعْدُودٍ مِنْ الْمَذْهَبِ وَإِنَّمَا يَجْرِي عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَنُقِلَ قَوْلُ ابْنِ الْحَدَّادِ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَيْضًا قَالَ وَفَرَّعَ بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى هِلَالِ شَوَّالٍ فَأَفْطَرْنَا ثُمَّ
لَمْ نَرَ الْهِلَالَ بَعْدَ ثَلَاثِينَ وَالسَّمَاءُ مُصْحِيَةٌ قَضَيْنَا صَوْمَ أَوَّلِ يَوْمٍ أَفْطَرْنَاهُ لانه بان أنه من آخر رمضان لكن لَا كَفَّارَةَ عَلَى مِنْ جَامَعَ فِيهِ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ عَلَى مِنْ أَثِمَ بِالْجِمَاعِ وَهَذَا لَمْ يَأْثَمْ لِعُذْرِهِ (وَأَمَّا) عَلَى الْمَذْهَبِ وَقَوْلِ الْجُمْهُورِ فَلَا قَضَاءَ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) قَالَ الْمُصَنِّفُ إذَا غُمَّ الْهِلَالُ وَعَرَفَ رَجُلٌ الْحِسَابَ وَمَنَازِلَ الْقَمَرِ وَعَرَفَ بِالْحِسَابِ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ فَوَجْهَانِ (قَالَ) ابْنُ سُرَيْجٍ يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ لِأَنَّهُ عَرَفَ الشَّهْرَ بِدَلِيلٍ فَأَشْبَهَ مَنْ عَرَفَهُ بِالْبَيِّنَةِ (وَقَالَ) غَيْرُهُ لَا يَصُومُ لِأَنَّا لَمْ نُتَعَبَّدْ إلَّا بِالرُّؤْيَةِ هذا كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَوَافَقَهُ عَلَى هَذِهِ الْعِبَارَةِ جَمَاعَةٌ وَقَالَ الدَّارِمِيُّ لَا يَصُومُ بِقَوْلِ مُنَجِّمٍ وَقَالَ قَوْمٌ يَلْزَمُ قَالَ فَإِنْ صَامَ بِقَوْلِهِ فَهَلْ يُجْزِئُهُ عَنْ فَرْضِهِ فِيهِ وَجْهَانِ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ إذَا عَرَفَ بِحِسَابِ الْمَنَازِلِ أَنَّ غَدًا من رمضان أو اخبره عارف بذلك فَصَدَّقَهُ فَنَوَى وَصَامَ بِقَوْلِهِ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يُجْزِئُهُ قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لِأَنَّهُ سَبَبٌ حَصَلَ لَهُ بِهِ غَلَبَةُ ظَنٍّ فأشبه مالو أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ عَنْ مُشَاهَدَةٍ
(وَالثَّانِي)
لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّ النُّجُومَ وَالْحِسَابَ لَا مَدْخَلَ لَهُمَا فِي الْعِبَادَاتِ قَالَ وَهَلْ يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ بِذَلِكَ قَالَ ابن الصباغ أما بِالْحِسَابِ فَلَا يَلْزَمُهُ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ أَنَّ الْوَجْهَيْنِ فِي الْوُجُوبِ هذا كلام

(6/279)


صَاحِبِ الْبَيَانِ وَقَطَعَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ بِأَنَّ الْحَاسِبَ وَالْمُنَجِّمَ لَا يَعْمَلُ غَيْرُهُمَا بِقَوْلِهِمَا وَقَالَ الْمُتَوَلِّي لَا يَعْمَلُ غَيْرُ الْحَاسِبِ بِقَوْلِهِ وَهَلْ يَلْزَمُهُ هُوَ الصَّوْمُ بِمَعْرِفَةِ نَفْسِهِ الْحِسَابَ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَلْزَمُهُ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ لَا يَجِبُ بِمَا يَقْتَضِيهِ حِسَابُ الْمُنَجِّمِ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ الصَّوْمُ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَكَذَا مَنْ عَرَفَ مَنَازِلَ الْقَمَرِ لَا يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ بِهِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ (وَأَمَّا) الْجَوَازُ فَقَالَ الْبَغَوِيّ لَا يجوز تقليد المنجم في حسابه لافى الصَّوْمِ وَلَا فِي الْفِطْرِ وَهَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِحِسَابِ نَفْسِهِ فِيهِ وَجْهَانِ وَجَعَلَ الرُّويَانِيُّ الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا عَرَفَ مَنَازِلَ الْقَمَرِ وَعَلِمَ بِهِ وُجُودَ الْهِلَالِ وَذَكَرَ أَنَّ الْجَوَازَ اخْتِيَارُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَالْقَفَّالِ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ قَالَ فَلَوْ عَرَفَهُ بِالنُّجُومِ لَمْ يَجُزْ الصَّوْمُ بِهِ قَطْعًا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَرَأَيْتُ فِي بَعْضِ الْمُسَوَّدَاتِ تَعَدِّيَةَ الْخِلَافِ فِي جَوَازِ الْعَمَلِ بِهِ إلَى غَيْرِ الْمُنَجِّمِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فَحَصَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ
(أَصَحُّهَا) لَا يَلْزَمُ الْحَاسِبُ وَلَا الْمُنَجِّمُ وَلَا غَيْرُهُمَا بِذَلِكَ لَكِنْ يَجُوزُ لَهُمَا دُونَ غَيْرِهِمَا وَلَا يُجْزِئُهُمَا عَنْ فَرْضِهِمَا
(وَالثَّانِي) يَجُوزُ لَهُمَا وَيُجْزِئُهُمَا
(وَالثَّالِثُ) يَجُوزُ لِلْحَاسِبِ وَلَا يَجُوزُ لِلْمُنَجِّمِ
(وَالرَّابِعُ) يَجُوزُ لَهُمَا وَيَجُوزُ لِغَيْرِهِمَا تَقْلِيدُهُمَا
(وَالْخَامِسُ) يَجُوزُ لَهُمَا وَلِغَيْرِهِمَا تَقْلِيدُ الْحَاسِبِ دُونَ الْمُنَجِّمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) مَنْ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ وَحْدَهُ لَزِمَهُ الصَّوْمُ وَمَنْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ وَحْدَهُ لَزِمَهُ الْفِطْرُ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدنَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا: وَيُفْطِرُ لِرُؤْيَةِ هِلَالِ شَوَّالٍ سِرًّا لِئَلَّا يَتَعَرَّضَ لِلتُّهْمَةِ فِي دِينِهِ وَعُقُوبَةِ السُّلْطَانِ قال اصحابنا: ولو رؤى رَجُلٌ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ يَأْكُلُ بِلَا عُذْرٍ عُزِّرَ فَلَوْ شَهِدَ بَعْدَ الْأَكْلِ أَنَّهُ رَأَى الْهِلَالَ الْبَارِحَةَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي إسْقَاطِ التَّعْزِيرِ عَنْ نَفْسِهِ بِخِلَافِ مالو شَهِدَ أَوَّلًا فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ ثُمَّ أَكَلَ لَا يُعَزَّرُ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ حَالَ الشَّهَادَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا: وَإِذَا رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ وَحْدَهُ وَلَمْ يَقْبَلْ الْقَاضِي شَهَادَتَهُ فَالصَّوْمُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرْنَا فَلَوْ صَامَ وَجَامَعَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ فِي حَقِّهِ هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ لُزُومِ الصَّوْمِ بِرُؤْيَتِهِ هِلَالَ رَمَضَانَ وَحْدَهُ وَوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ لَوْ جَامَعَ فِيهِ مَذْهَبُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ عَطَاءٌ وَالْحَسَنُ وَابْنُ سيرين وابو ثور واسحق بن راهويه لا يلزمه
* وقال أَبُو حَنِيفَةَ يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ وَلَكِنْ إنْ جَامَعَ فِيهِ فَلَا كَفَّارَةَ وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ لُزُومِ الْفِطْرِ لِمَنْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ قَالَ بِهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَأَحْمَدُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ فِيهِ
* دَلِيلُنَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْحَدِيثُ وَلِأَنَّ يَقِينَ نَفْسِهِ أَبْلَغُ مِنْ الظَّنِّ الْحَاصِلِ بِالْبَيِّنَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) لَا يَثْبُتُ هِلَالُ شَوَّالٍ وَلَا سَائِرِ الشُّهُورِ غَيْرَ

(6/280)


هِلَالِ رَمَضَانَ إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ حُرَّيْنِ عَدْلَيْنِ لِحَدِيثِ الْحَارِثِ بْنِ حَاطِبٍ السَّابِقِ قَرِيبًا وَقِيَاسًا عَلَى بَاقِي الشَّهَادَاتِ الَّتِي لَيْسَتْ مَالًا وَلَا الْمَقْصُودُ مِنْهَا الْمَالُ وَيَطَّلِعُ عَلَيْهَا الرِّجَالُ غَالِبًا مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ احْتِيَاطٌ لِلْعِبَادَةِ بِخِلَافِ هِلَالِ رَمَضَانَ
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا أَبَا ثَوْرٍ فَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْهُ أَنَّهُ يُقْبَلُ فِي هِلَالِ شَوَّالٍ عَدْلٌ وَاحِدٌ كَهِلَالِ رَمَضَانَ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ وَطَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ لَوْ قُلْتُ بِمَا قَالَهُ أَبُو ثَوْرٍ لَمْ أَكُنْ مُبْعِدًا وَقَالَ الدَّارِمِيُّ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ هَلْ يَثْبُتُ بِمَا يَثْبُتُ بِهِ هِلَالُ رَمَضَانَ أَمْ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ فِيهِ وَجْهَانِ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
{فَرْعٌ} إذَا قُلْنَا يَثْبُتُ هِلَالُ رَمَضَانَ بِقَوْلِ وَاحِدٍ فَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الصَّوْمِ خَاصَّةً (فَأَمَّا) الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ وَغَيْرُهُمَا مِمَّا عُلِّقَ عَلَى رَمَضَانَ فَلَا يَقَعُ بِهِ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا لَا يَحِلُّ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ إلَيْهِ وَلَا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ وَلَا يَتِمُّ حَوْلُ الزَّكَاةِ وَالْجِزْيَةِ وَالدِّيَةِ الْمُؤَجَّلَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآجَالِ بِلَا خلاف بل لابد في كل ما سوى الصوم مِنْ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ كَامِلَيْ الْعَدَالَةِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهَذَا الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ
* {فَرْعٌ} قَالَ الْمُتَوَلِّي لَوْ شَهِدَ عَدْلٌ بِإِسْلَامِ ذِمِّيٍّ مَاتَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ وَحْدَهُ فِي إثْبَاتِ إرْثِ قَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ مِنْهُ وَحِرْمَانِ قَرِيبِهِ الْكَافِرِ بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ تُقْبَلُ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ بِقَوْلِ عَدْلٍ وَاحِدٍ وَجَزَمَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي فَتَاوِيهِ بِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ ذكره في آخر كتاب الصيال وَالرِّدَّةِ
* {فَرْعٌ} قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرِهِمَا وَهَذَا لَفْظُ صَاحِبِ الْبَيَانِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ وَإِنْ عَقَدَ رَجُلٌ عِنْدَهُ أَنَّ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ فِي يَوْمِ الشَّكِّ فَصَامَ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ أَجْزَأَهُ قَالَ قَالَ أَصْحَابُنَا: أَرَادَ الشَّافِعِيُّ بِذَلِكَ إذَا أَخْبَرَهُ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ مَنْ يَثِقُ بِخَبَرِهِ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ أَوْ عَبْدٍ فَصَدَّقَهُ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ الْحَاكِمُ شَهَادَتَهُ وَنَوَى الصَّوْمَ وَصَامَ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ نَوَى الصَّوْمَ بِظَنٍّ وَصَادَفَهُ فَأَشْبَهَ الْبَيِّنَةَ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَكَذَا لَوْ أَخْبَرَهُ صَبِيٌّ عَاقِلٌ (فَأَمَّا) إذَا صَامَ اتِّفَاقًا مِنْ غَيْرِ مُسْتَنَدٍ فَوَافَقَ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ بِلَا خِلَافٍ
* {فَرْعٌ} لَوْ كَانَتْ لَيْلَةُ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ وَلَمْ يَرَ النَّاسُ الْهِلَالَ فَرَأَى إنْسَانٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ فَقَالَ لَهُ اللَّيْلَةُ أَوَّلُ رَمَضَانَ لَمْ يَصِحَّ الصَّوْمُ بِهَذَا الْمَنَامِ لَا لِصَاحِبِ الْمَنَامِ وَلَا لغيره ذكره القاضي حسين فِي الْفَتَاوَى وَآخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ وَقَدْ قَرَّرْتُهُ بِدَلَائِلِهِ

(6/281)


فِي أَوَّلِ شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَمُخْتَصَرُهُ أَنَّ شَرْطَ الرَّاوِي وَالْمُخْبِرَ وَالشَّاهِدَ أَنْ يَكُونَ مُتَيَقِّظًا حَالِ التَّحَمُّلِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّوْمَ لَا تَيَقُّظَ فِيهِ وَلَا ضَبْطَ فَتُرِكَ الْعَمَلُ بِهَذَا الْمَنَامِ لِاخْتِلَالِ ضَبْطِ الرَّاوِي لَا لِلشَّكِّ فِي الرُّؤْيَةِ فَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ " مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ
رَآنِي حَقًّا فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ فِي صُورَتِي " وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي هلال
* ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا ثُبُوتُهُ بِعَدْلَيْنِ بِلَا خِلَافٍ وَفِي ثُبُوتِهِ بِعَدْلٍ خِلَافٌ (الصَّحِيحُ) ثُبُوتُهُ وَسَوَاءٌ أَصْحَتْ السَّمَاءُ أَوْ غَيَّمَتْ وَمِمَّنْ قَالَ يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَآخَرُونَ وَمِمَّنْ قَالَ يُشْتَرَطُ عَدْلَانِ عَطَاءٌ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ والليث والماجشون وإسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ وَدَاوُد وَقَالَ الثَّوْرِيُّ يُشْتَرَطُ رَجُلَانِ أو رجل وامرأتان كذا حكاه عنه ابْنُ الْمُنْذِرِ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَتْ السَّمَاءُ مُغَيِّمَةً ثَبَتَ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ وَلَا يَثْبُتُ غير رَمَضَانُ إلَّا بِاثْنَيْنِ قَالَ وَإِنْ كَانَتْ مُصْحِيَةً لَمْ يَثْبُتْ رَمَضَانُ بِوَاحِدٍ وَلَا بِاثْنَيْنِ وَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِعَدَدِ الِاسْتِفَاضَةِ
* وَاحْتُجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ يَنْظُرَ الْجَمَاعَةُ الْكَبِيرَةُ إلَى مَطْلَعِ الْهِلَالِ وَأَبْصَارُهُمْ صَحِيحَةٌ وَلَا مَانِعَ مِنْ الرُّؤْيَةِ وَيَرَاهُ وَاحِدٌ أَوْ اثْنَانِ دُونَهُمْ
* وَاحْتَجَّ مَنْ شَرَطَ اثْنَيْنِ بِحَدِيثِ الْحَارِثِ بْنِ حَاطِبٍ وَهُوَ صَحِيحٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ " تَرَاءَى النَّاسُ الْهِلَالَ فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي رَأَيْتُهُ فَصَامَ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ " وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا سبق بيانه قريبا حيث ذكره الْمُصَنِّفُ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إلَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إنِّي رَأَيْتُ الْهِلَالَ يَعْنِي رَمَضَانَ فَقَالَ أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ قَالَ نَعَمْ قَالَ أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ قَالَ يَا بِلَالُ أَذِّنْ فِي النَّاسِ فَلْيَصُومُوا غَدًا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَهَذَا لَفْظُهُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَغَيْرُهُمْ وقال الحاكم هو حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَدْ رُوِيَ مُرْسَلًا عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ غَيْرِ ذِكْرِ ابْنِ عَبَّاسٍ وكذا رواه أَبُو دَاوُد مِنْ بَعْضِ طُرُقِهِ مُرْسَلًا قَالَ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ مُرْسَلًا وَكَذَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ مَوْصُولًا وَمِنْ طُرُقٍ مُرْسَلًا وَطُرُقُ الِاتِّصَالِ صَحِيحَةٌ وَقَدْ سَبَقَ مَرَّاتٍ أَنَّ الْمَذْهَبَ الصَّحِيحَ أَنَّ الْحَدِيثَ إذَا رُوِيَ مُرْسَلًا وَمُتَّصِلًا اُحْتُجَّ بِهِ لِأَنَّ مَعَ مَنْ وَصَلَهُ زِيَادَةٌ وَزِيَادَةُ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ وَقَدْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِصِحَّتِهِ كَمَا سَبَقَ فَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ هُمَا الْعُمْدَةُ فِي الْمَسْأَلَةِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَا " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَازَ شَهَادَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ عَلَى هِلَالِ رَمَضَانَ وَكَانَ لَا يُجِيزُ عَلَى شَهَادَةِ الْإِفْطَارِ الا شهادة رجلين " فرواه الْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهُ قَالَ وَهَذَا مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْتَجَّ بِهِ

(6/282)


قَالَ وَفِي الْحَدِيثَيْنِ السَّابِقَيْنِ كِفَايَةٌ ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُسْنَدِ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ إلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ " أَنَّ رَجُلًا شَهِدَ عِنْدَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى رُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ فَصَامَ وأحسبه قال وأمر الناس بالصيام وَقَالَ أَصُومُ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ " (وَالْجَوَابُ) عَمَّا احْتَجَّ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فَلَا يُعَرَّجُ عَلَيْهِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَرَاهُ بَعْضُهُمْ دُونَ جُمْهُورِهِمْ لِحُسْنِ نَظَرِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وليس هذا ممتنعا ولهذا لَوْ شَهِدَ بِرُؤْيَتِهِ اثْنَانِ أَوْ وَاحِدٌ وَحَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ لَمْ يُنْقَضْ بِالْإِجْمَاعِ وَوَجَبَ الصَّوْمُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ كَانَ مُسْتَحِيلًا لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ وَوَجَبَ نَقْضُهُ (وَالْجَوَابُ) عَمَّا احْتَجَّ بِهِ الْآخَرُونَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ نَنْسُكُ هِلَالَ شَوَّالٍ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَالِاحْتِيَاطِ ولابد مِنْ أَحَدِ هَذَيْنِ التَّأْوِيلَيْنِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ بَعْضِ الشِّيعَةِ أَنَّهُمْ أَسْقَطُوا حُكْمَ الْأَهِلَّةِ وَاعْتَمَدُوا الْعَدَدَ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ عَنْ الصَّحِيحَيْنِ " شَهْرَا عِيدٍ لَا يَنْقُصَانِ " وَبِالْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ " صَوْمُكُمْ يَوْمَ نَحْرِكُمْ " وَدَلِيلُنَا عَلَيْهِمْ الْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ هُنَا مَعَ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ " صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ " وَالْأَحَادِيثُ الْمَشْهُورَةُ فِي الصَّحِيحَيْنِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ " أَيْ قَدْ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَفِي روايات " الشهر هكذا وهكذا وهكذ وأشار باصابعه الْعَشْرِ وَحَبَسَ الْإِبْهَامَ فِي الثَّالِثَةِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إنا أمة أمية لا نكتب ولا نجسب الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا يَعْنِي مَرَّةً تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَمَرَّةً ثَلَاثِينَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِلَفْظِهِ وَمُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " لما صُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ أَكْثَرَ مِمَّا صُمْنَا ثَلَاثِينَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " مَا صُمْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ أَكْثَرَ مِمَّا صُمْتُ مَعَهُ ثَلَاثِينَ " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ إسْنَادُهُ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلُهُ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ (وَالْجَوَابُ) " عَنْ شَهْرَا عِيدٍ لَا يَنْقُصَانِ " أَيْ لَا يَنْقُصُ أَجْرُهُمَا أَوْ لَا يَنْقُصَانِ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ مَعًا غَالِبًا وَقَدْ سَبَقَ هَذَانِ التَّأْوِيلَانِ فِيهِ مَعَ غَيْرِهِمَا (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ " صَوْمُكُمْ يَوْمَ
نَحْرِكُمْ " أَنَّهُ ضَعِيفٌ بَلْ مُنْكَرٌ بِاتِّفَاقِ الْحُفَّاظِ وَإِنَّمَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ فِي هَذَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " الصَّوْمُ يَوْمَ تَصُومُونَ وَالْفِطْرُ يَوْمَ تُفْطِرُونَ وَالْأَضْحَى يَوْمَ تُضَحُّونَ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حسن ولفظه

(6/283)


" الْفِطْرُ يَوْمَ تُفْطِرُونَ " وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفِطْرُ يَوْمَ يُفْطِرُ النَّاسُ وَالْأَضْحَى يَوْمَ يُضَحِّي النَّاسُ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصحيح من مذهبنا أنه لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ وحكاه ابن المنذر عن الليث والماجشون المالكى ولم يحك عن أحد قبولها
*
* قال المصنف رحمه الله
* {وإن اشتبهت الشهور علي اسير لزمه ان يتحرى ويصوم كما يلزمه ان يتحرى في وقت الصلاة وفى القبلة فان تحرى وصام فوافق الشهر أو ما بعده اجزأه فان وافق شهرا بالهلال ناقصا وشهر رمضان الذى صامه الناس كان تاما ففيه وجهان (احدهما) يجزئه وهو قول الشيخ ابي حامد الاسفراينى رحمه الله تعالى لان الشهر يقع علي مابين الهلالين ولهذا لو نذر صوم شهر فصام شهرا ناقصا بالاهلة اجزأه (والثاني) انه يجب عليه صوم يوم وهو اختيار شيخنا القاضي ابي الطيب وهو الصحيح عندي لانه فاته صوم ثلاثين وقد صام تسعة وعشرين يوما فلزمه صوم يوم وان وافق صومه شهرا قبل رمضان قال الشافعي لا يجزئه ولو قال قائل يجزئه كان مذهبا قال أبو اسحق المروزى لا يجزئه قولا واحدا وقال سائر اصحابنا فيه قولان (احدهما) يجزئه لانه عبادة تفعل في السنة مرة فجاز ان يسقط فرضها بالفعل قبل الوقت عند الخطأ كالوقوف بعرفة إذا اخطأ الناس ووقفوا قبل يوم عرفة
(والثانى)
لا يجزئه وهو الصحيح لانه تَعَيَّنَ لَهُ يَقِينُ الْخَطَأِ فِيمَا يَأْمَنُ مِثْلَهُ في القضاء فلم يعتد له بما فعله كما لو تحرى في وقت الصلاة قبل الوقت}
* {الشَّرْحُ} قَوْلُهُ عِبَادَةٌ تُفْعَلُ فِي السَّنَةِ مَرَّةً احْتِرَازٌ مِنْ الْخَطَأِ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ الْوَقْتِ وَالِاحْتِرَازُ
فِي قَوْلِهِ تَعَيَّنَ لَهُ يَقِينُ الْخَطَأِ فِيمَا يَأْمَنُ مِثْلَهُ فِي الْقَضَاءِ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَهَذَا الَّذِي قَاسَهُ عَلَى الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ تَفْرِيعٌ عَلَى الضَّعِيفِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ أَنَّهُ يُجْزِئُهُمْ وَبِهِ قطع المصنف والاصح انه لا يُجْزِئُهُمْ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (أَمَّا) أَحْكَامُ هَذَا الْفَصْلِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى: إذَا اشْتَبَهَ رَمَضَانُ عَلَى أَسِيرٍ أَوْ مَحْبُوسٍ فِي مَطْمُورَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ الِاجْتِهَادُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ صَامَ بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ وَوَافَقَ رَمَضَانَ لَمْ يُجْزِئْهُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا قُلْنَا فِيمَنْ اشتهبت عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ فَصَلَّى إلَى جِهَةٍ بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ وَوَافَقَ أَوْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ وَقْتُ الصَّلَاةِ فَصَلَّى بلا

(6/284)


اجْتِهَادٍ وَوَافَقَ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ بِلَا خِلَافٍ وَيَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ فِي الصَّوْمِ وَغَيْرِهِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ اجْتَهَدَ وَصَامَ فَلَهُ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ يَسْتَمِرُّ الْإِشْكَالُ وَلَا يَعْلَمُ أَنَّهُ صَادَفَ رَمَضَانَ أَوْ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ فَهَذَا يُجْزِئُهُ بِلَا خِلَافٍ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَعَلَّلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الِاجْتِهَادِ الْإِصَابَةُ (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يُوَافِقَ صَوْمُهُ رَمَضَانَ فَيُجْزِئُهُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا الْحَسَنَ بْنَ صَالِحٍ فَقَالَ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ لِأَنَّهُ صَامَ شَاكًّا فِي الشَّهْرِ قَالَ وَدَلِيلُنَا إجْمَاعُ السَّلَفِ قَبْلَهُ وَقِيَاسًا عَلَى مَنْ اجتهد في القبلة ووافقها وأما الشك فانهما يَضُرُّ إذَا لَمْ يَعْتَضِدْ بِاجْتِهَادٍ بِدَلِيلِ الْقِبْلَةِ (الْحَالُ الثَّالِثُ) أَنْ يُوَافِقَ صَوْمُهُ مَا بَعْدَ رَمَضَانَ فَيُجْزِئُهُ بِلَا خِلَافٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّهُ صَامَ بِنِيَّةِ رَمَضَانَ بَعْدَ وجوبه ولا يجئ فِيهِ الْخِلَافُ فِي اشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْقَضَاءِ الْمَذْكُورِ فِي الصَّلَاةِ وَفَرَّقَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ هَذَا مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ وَلَكِنْ هَلْ يَكُونُ هَذَا الصَّوْمُ قَضَاءً أَمْ أَدَاءً فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ وَحَكَاهُمَا جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) قَضَاءً لِأَنَّهُ خَارِجُ وَقْتِهِ وَهَذَا شَأْنُ الْقَضَاءِ
(وَالثَّانِي)
أَدَاءً لِلضَّرُورَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَتَفَرَّعُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ مااذا كَانَ ذَلِكَ الشَّهْرُ نَاقِصًا وَكَانَ رَمَضَانُ تَامًّا وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ الْوَجْهَيْنِ قَالَ أَصْحَابُنَا: إنْ قُلْنَا قَضَاءً لَزِمَهُ صَوْمُ يَوْمٍ آخَرَ وَإِنْ قُلْنَا أَدَاءً فَلَا يَلْزَمُهُ كَمَا لَوْ كَانَ رَمَضَانُ نَاقِصًا (وَالْأَصَحُّ) أَنَّهُ يَلْزَمُهُ وَهَذَا هُوَ مُقْتَضَى التَّفْرِيعِ عَلَى الْقَضَاءِ وَالْأَدَاءِ وَصَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ وَقَطَعَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ كَانَ بِالْعَكْسِ فَصَامَ شَهْرًا تَامًّا وَكَانَ رَمَضَانُ
نَاقِصًا فَإِنْ قُلْنَا قَضَاءً فَلَهُ إفْطَارُ الْيَوْمِ الْأَخِيرِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ كَانَ الشَّهْرُ الَّذِي صَامَهُ وَرَمَضَانُ تَامَّيْنِ أَوْ نَاقِصَيْنِ أَجْزَأَهُ بِلَا خِلَافٍ هَذَا كُلُّهُ إذَا وَافَقَ غَيْرَ شَوَّالٍ وَذِي الْحِجَّةِ فَإِنْ وَافَقَ شَوَّالًا حَصَلَ مِنْهُ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا إنْ كَمُلَ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا إنْ نَقَصَ لِأَنَّ صَوْمَ الْعِيدِ لَا يَصِحُّ فَإِنْ جعلناه قضاء وكان رمضان ناقصا فلا شئ عَلَيْهِ إنْ تَمَّ شَوَّالٌ وَيَقْضِي يَوْمًا إنْ نَقَصَ بَدَلَ الْعِيدِ وَإِنْ كَانَ رَمَضَانُ تَامًّا قَضَى يَوْمًا إنْ تَمَّ شَوَّالٌ وَإِلَّا فَيَوْمَيْنِ وَإِنْ جَعَلْنَاهُ أَدَاءً لَزِمَهُ قَضَاءُ يَوْمٍ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ بَدَلَ يَوْمِ الْعِيدِ وَإِنْ وَافَقَ ذى الْحِجَّةِ حَصَلَ مِنْهُ سِتَّةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا إنْ تَمَّ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا إنْ نَقَصَ لِأَنَّ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ لَا يَصِحُّ صَوْمُهَا الْعِيدُ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ فَإِنْ جَعَلْنَاهُ قَضَاءً وَكَانَ رَمَضَانُ ناقصا

(6/285)


قَضَى ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إنْ تَمَّ ذُو الْحِجَّةِ وَإِلَّا فَأَرْبَعَةَ أَيَّامٍ وَإِنْ كَانَ رَمَضَانُ تَامًّا قَضَى أَرْبَعَةً إنْ تَمَّ ذُو الْحِجَّةِ وَإِلَّا فَخَمْسَةً وَإِنْ جَعَلْنَاهُ أَدَاءً قَضَى أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ بِكُلِّ حَالٍ هَكَذَا ذَكَرَ الْأَصْحَابُ وَهُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ لَا يَصِحُّ صَوْمُهَا فَإِنْ صَحَّحْنَاهَا لِغَيْرِ الْمُتَمَتِّعِ فَذُو الْحِجَّةِ كَشَوَّالٍ كَمَا سَبَقَ (الْحَالُ الرَّابِعُ) أَنْ يُصَادِفَ صَوْمُهُ مَا قَبْلَ رَمَضَانَ فَيُنْظَرُ إنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ بَعْدَ بَيَانِ الْحَالِ لَزِمَهُ صَوْمُهُ بِلَا خِلَافٍ لِتَمَكُّنِهِ مِنْهُ فِي وَقْتِهِ (وَإِنْ) لَمْ يَبِنْ الْحَالُ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ رَمَضَانَ فَطَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَحَدُهُمَا) الْقَطْعُ بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ (وَأَصَحُّهُمَا) وَأَشْهَرُهُمَا فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) وُجُوبُ الْقَضَاءِ
(وَالثَّانِي)
لَا قَضَاءَ قَالَ الْخُرَاسَانِيُّونَ هَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ إذَا صَادَفَ مَا بَعْدَ رَمَضَانَ هَلْ هُوَ أَدَاءٌ أَمْ قَضَاءٌ إنْ قُلْنَا أَدَاءٌ لِلضَّرُورَةِ أَجْزَأَهُ هُنَا وَلَا قَضَاءَ لِأَنَّهُ كَمَا جُعِلَ أَدَاءً بَعْدَ وَقْتِهِ لِلضَّرُورَةِ كَذَا قَبْلَهُ وَإِنْ قُلْنَا قَضَاءٌ لَمْ يُجْزِئْهُ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لَا يَكُونُ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ قَضَاءٌ فَالصَّحِيحُ وُجُوبُ الْقَضَاءِ هُنَا وَهَذَا الْبِنَاءُ إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى طَرِيقَةِ مَنْ جَعَلَ الْخِلَافَ فِي الْقَضَاءِ وَالْأَدَاءِ قَوْلَيْنِ (وَأَمَّا) مَنْ حَكَاهُ وَجْهَيْنِ فَلَا يَصِحُّ بِنَاءُ قَوْلَيْنِ عَلَى وَجْهَيْنِ وَلَوْ صَامَ شَهْرًا ثُمَّ بَانَ لَهُ الْحَالُ فِي بَعْضِ رَمَضَانَ لَزِمَهُ صِيَامُ مَا أَدْرَكَهُ مِنْ رَمَضَانَ بِلَا خِلَافٍ وَفِي قَضَاءِ الْمَاضِي مِنْهُ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الْقَطْعُ بِوُجُوبِهِ (وَأَصَحُّهُمَا) وَأَشْهَرُهُمَا أَنَّهُ عَلَى الطَّرِيقَيْنِ فِيمَا إذَا بَانَ لَهُ بَعْدَ مُضِيِّ جَمِيعِ رَمَضَانَ والله تعالى أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
إذَا صَامَ الْأَسِيرُ وَنَحْوُهُ بِالِاجْتِهَادِ فَصَادَفَ صَوْمُهُ اللَّيْلَ دُونَ النَّهَارِ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ وَقْتًا لِلصَّوْمِ فَوَجَبَ الْقَضَاءُ كَيَوْمِ الْعِيدِ وَمِمَّنْ نَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ
* {فَرْعٌ} ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي قِيَاسِهِ أَنَّهُ لَوْ تَحَرَّى فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ فَصَلَّى قَبْلَ الْوَقْتِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ يَعْنِي قَوْلًا وَاحِدًا وَلَا يَكُونُ فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي فِي الصَّوْمِ إذَا صَادَفَ مَا قَبْلَ رَمَضَانَ وَهَذَا عَلَى طَرِيقَتِهِ وَطَرِيقَةِ مَنْ وَافَقَهُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَإِلَّا فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِي الصَّلَاةِ أَيْضًا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ وَفِي بَابِ الشَّكِّ فِي نَجَاسَةِ الْمَاءِ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ طَرَدَ الْخِلَافَ فِي الْمُجْتَهِدِ فِي الْأَوَانِي إذَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ بِالْمَاءِ النَّجَسِ وَصَلَّى هَلْ تَلْزَمُهُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ وَيَقْرُبُ مِنْهُ الْخِلَافُ فِي تَيَقُّنِ الْخَطَأِ فِي الْقِبْلَةِ وَفِي الصَّلَاةِ بِنَجَاسَةٍ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا أَوْ نَسِيَ الْمَاءَ فِي رِحْلَةٍ وَتَيَمَّمَ أَوْ نَسِيَ تَرْتِيبَ الْوُضُوءِ أَوْ نَسِيَ الْفَاتِحَةَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ صَلَّوْا صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ لِسَوَادٍ رَأَوْهُ فَبَانَ أَنَّهُ لَيْسَ عَدُوًّا أَوْ بَانَ بَيْنَهُمْ خَنْدَقٌ أَوْ دَفَعَ الزَّكَاةَ إلَى مَنْ ظَاهِرُهُ الْفَقْرُ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ فَبَانَ غَنِيًّا أو أحج

(6/286)


عن نفسه لكونه معضوبا فبرأ أو غلطوا ووفقوا بِعَرَفَاتٍ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ وَفِي كُلِّ هَذِهِ الصُّوَرِ خِلَافٌ بَعْضُهُ كَبَعْضٍ وَبَعْضُهُ مُرَتَّبٌ عَلَى بَعْضٍ أَوْ أَقْوَى مِنْ بَعْضٍ وَالصَّحِيحُ فِي الْجَمِيعِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وَكُلُّ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مُقَرَّرَةٌ فِي مَوَاضِعِهَا مَبْسُوطَةٌ وَقَدْ سَبَقَتْ مَجْمُوعَةً ايضا في باب طهارة البدن وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الاسير ونحوه إذا اشتبهت عليه الشهور يَتَحَرَّى وَيَصُومُ بِمَا يَظْهَرُ بِالْعَلَامَةِ أَنَّهُ رَمَضَانُ فلو تحرى فلم يظهر له شئ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ يَلْزَمُهُ أَنْ يَصُومَ عَلَى سَبِيلِ التَّخْمِينِ وَيَلْزَمُهُ القضاء كالمصلى إذا لم تظهر له الْقِبْلَةُ بِالِاجْتِهَادِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَيَقْضِي قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ هَذَا عِنْدِي غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ دُخُولَ رَمَضَانَ بِيَقِينٍ وَلَا ظَنٍّ لَا يَلْزَمُهُ الصِّيَامُ كَمَنْ شَكَّ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُصَلِّيَ هَذَا كَلَامُ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَذَكَرَ الْمُتَوَلِّي فِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ
(وَالثَّانِي)
قَالَ وَهُوَ الصَّحِيحُ لَا يُؤْمَرُ بِالصَّوْمِ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ دُخُولَ الْوَقْتِ وَلَا ظَنَّهُ فَلَمْ يُؤْمَرْ بِهِ كَمَنْ شَكَّ فِي دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ الْقِبْلَةِ فَإِنَّهُ تَحَقَّقَ دُخُولُ
وَقْتِ الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا عَجَزَ عَنْ شَرْطِهَا فَأُمِرَ بِالصَّلَاةِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي هُوَ الصَّوَابُ وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ وَلَعَلَّ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ أَرَادَ إذَا عَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّ رَمَضَانَ قَدْ جَاءَ أَوْ مَضَى وَلَمْ يَعْلَمْ وَلَا ظَنَّ عَيْنَهُ لَكِنَّهُ لَوْ كَانَ هَذَا لَكَانَ يَصُومُ وَلَا يَقْضِي لِأَنَّهُ يَقَعُ صَوْمُهُ فِي رَمَضَانَ أَوْ بَعْدَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} لَوْ شَرَعَ فِي الصَّوْمِ بِالِاجْتِهَادِ فَأَفْطَرَ بِالْجِمَاعِ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ فَإِنْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ صَادَفَ رَمَضَانَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ وَطِئَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ الثَّابِتَ بِنَوْعِ دَلَالَةٍ فَأَشْبَهَ مَنْ وَطِئَ بَعْدَ حُكْمِ الْقَاضِي بِالشَّهْرِ بِقَوْلِ عَدْلٍ وَاحِدٍ وَإِنْ صَادَفَ شَهْرًا غَيْرَهُ فلا كفارة لان الكفارة لحرمة - ضرمان وَلَمْ يُصَادِفْ رَمَضَانَ وَمِمَّنْ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ الْمُتَوَلَّيْ
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي صِيَامِ الْأَسِيرِ بِالِاجْتِهَادِ
* ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ إنْ صَادَفَ صَوْمُهُ رَمَضَانَ أَوْ مَا بَعْدَهُ أَجْزَأَهُ وَإِنْ صَادَفَ مَا قَبْلَهُ لَمْ يُجْزِئْهُ عَلَى الصَّحِيحِ وَبِهَذَا كُلِّهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ

(6/287)


وَأَبُو ثَوْرٍ وَخَالَفَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ فَقَالَ لَا يُجْزِئُهُ وَإِنْ صَادَفَ رَمَضَانَ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَسَبَقَ الِاسْتِدْلَال عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ صَامَ رَمَضَانَ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ فَرْضِهِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُجْزِئُهُ
* {فَرْعٌ} إذَا لَمْ يَعْرِفْ الْأَسِيرُ وَنَحْوُهُ اللَّيْلَ وَلَا النَّهَارَ بَلْ اسْتَمَرَّتْ عَلَيْهِ الظُّلْمَةُ دَائِمًا فَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُهِمَّةٌ قَلَّ مَنْ ذَكَرَهَا وَقَدْ حَكَى الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الْمَرْوَزِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِيهِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ لِلْأَصْحَابِ (أَحَدُهَا) يَصُومُ وَيَقْضِي لِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ
(وَالثَّانِي)
لَا يَصُومُ لِأَنَّ الْجَزْمَ بِالنِّيَّةِ لَا يَتَحَقَّقُ مَعَ جَهَالَةِ الْوَقْتِ (وَالثَّالِثُ) يَتَحَرَّى وَيَصُومُ وَلَا يَقْضِي كَيَوْمِ الْغَيْمِ فِي الصَّلَاةِ (قُلْتُ) الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ التَّحَرِّي وَالصَّوْمُ ولا قضاء عليه هذا إذَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ فِيمَا بَعْدُ الْخَطَأُ فَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ صَادَفَ اللَّيْلَ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ بلا خلاف وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ
* {ولا يَصِحُّ صَوْمُ رَمَضَانَ وَلَا غَيْرِهِ مِنْ الصِّيَامِ إلَّا بِالنِّيَّةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى " وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ فَلَمْ يَصِحَّ مِنْ غير نية كالصلاة وتجب
النية لكل يوم لان صوم كل يوم عبادة منفردة يدخل وقتها بطلوع الفجر ويخرج وقتها بغروب الشمس لا يفسد بفساد ما قبله ولا بفساد ما بعده فلم يكفه نية واحدة كالصلوات ولا يصح صوم رمضان ولا غيره من الصوم الواجب بنية من النهار لما روت حَفْصَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصيام من الليل فلا صيام له " وهل تجوز نيته مع طلوع الفجر فِيهِ وَجْهَانِ (مِنْ) أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يَجُوزُ لانه عبادة فجازت بنية تقارن ابتداءها كسائر العبادات (وقال) أكثر أصحابنا لا يجوز إلا بنية من الليل لحديث حفصة رضي الله عنها ولان أول وقت الصوم يخفى فوجب تقديم النية عليه بخلاف سائر العبادات فَإِذَا قُلْنَا بِهَذَا فَهَلْ تَجُوزُ النِّيَّةُ فِي جميع الليل فيه وجهان (من) أصحابنا من قال لا تجوز إلا في النصف الثاني قياسا علي أذان الصبح والدفع من المزدلفة (وقال) أكثر أصحابنا يجوز في جميع الليل لحديث حفصة ولانا لو أوجبنا النية في النصف الثاني ضاق علي الناس ذلك وشق وان نوى بالليل ثم أكل أو جامع لم تبطل نيته وحكي عن أبي اسحق انه قال تبطل لان الاكل ينافى الصوم فأبطل النية والمذهب الاول وقيل ان أبا اسحق رجع عن ذلك والدليل ان الله تعالي أحل الاكل الي طلوع الفجر فلو كان الاكل يبطل النية لما جاز أن يأكل الي الفجر لانه يبطل النية}
*

(6/288)


{الشَّرْحُ} حَدِيثُ " إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم من رواية عمر ابن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَسَبَقَ بَيَانُهُ وَاضِحًا فِي بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ وَحَدِيثُ حَفْصَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ كَثِيرَةِ الِاخْتِلَافِ وَرُوِيَ مَرْفُوعًا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمَوْقُوفًا مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُخْتِهِ حَفْصَةَ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ فِي كَثِيرٍ مِنْ الطُّرُقِ فَيُعْتَمَدُ عَلَيْهِ وَلَا يَضُرُّ كَوْنُ بَعْضِ طُرُقِهِ ضَعِيفًا أو موقوفا فَإِنَّ الثِّقَةَ الْوَاصِلَ لَهُ مَرْفُوعًا مَعَهُ زِيَادَةُ عِلْمٍ فَيَجِبُ قَبُولُهَا كَمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ مَرَّاتٍ وَأَكْثَرُ الْحُفَّاظِ رِوَايَةً لِطُرُقِهِ الْمُخْتَلِفَةِ النَّسَائِيُّ ثُمَّ الْبَيْهَقِيَّ وَذَكَرَهُ النَّسَائِيُّ فِي طُرُقٍ كَثِيرَةٍ مَوْقُوفًا علي حفصة وفى بعضها موقوفا عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَفِي بَعْضِهَا عَنْ عائشة وحفصة موقوفا عليهما وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إلَّا
مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابن عمر قَوْلِهِ وَهُوَ أَصَحُّ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا حَدِيثٌ قَدْ اخْتَلَفَ عَلَى الزُّهْرِيِّ فِي إسْنَادِهِ وَفِي رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَقَامَ إسْنَادَهُ وَرَفَعَهُ وَهُوَ مِنْ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ رَفَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ مِنْ الثِّقَاتِ الرُّفَعَاءِ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ إسْنَادُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ (قُلْتُ) وَالْحَدِيثُ حَسَنٌ يُحْتَجُّ بِهِ اعْتِمَادًا عَلَى رِوَايَةِ الثِّقَاتِ الرَّافِعِينَ وَالزِّيَادَةُ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ " يُبَيِّتُ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ " وَفِي بَعْضِهَا يُجْمِعَ وَيُجَمِّعُ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ وَكُلُّهُ بِمَعْنًى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ فَاحْتِرَازٌ مِنْ الْعِدَّةِ وَالْكِتَابَةِ وَقَضَاءِ الدَّيْنِ وَنَحْوِهَا (أَمَّا) أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَصِحُّ صَوْمُ رَمَضَانَ وَلَا غَيْرِهِ مِنْ الصِّيَامِ الْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا فَلَا يَصِحُّ صَوْمٌ فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ إلَّا بِنِيَّةٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمَحَلُّ النِّيَّةِ الْقَلْبُ وَلَا يُشْتَرَطُ نُطْقُ اللِّسَانِ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَكْفِي عَنْ نِيَّةِ الْقَلْبِ بِلَا خِلَافٍ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ التَّلَفُّظُ مَعَ الْقَلْبِ كَمَا سَبَقَ فِي الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ (الثَّانِيَةُ) تَجِبُ النِّيَّةُ كُلَّ يَوْمٍ سَوَاءٌ رَمَضَانُ وَغَيْرُهُ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا فَلَوْ نَوَى فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ صَوْمَ الشَّهْرِ كُلِّهِ لَمْ تَصِحَّ هَذِهِ النِّيَّةُ لِغَيْرِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَلْ تَصِحُّ لِلْيَوْمِ الْأَوَّلِ فِيهِ خِلَافٌ وَالْمَذْهَبُ صِحَّتُهَا لَهُ وَبِهِ قَطَعَ أَبُو الْفَضْلِ بْنُ عَبْدَانَ وَغَيْرُهُ وَتَرَدَّدَ فِيهِ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ مِنْ حَيْثُ إنَّ النِّيَّةَ قَدْ فَسَدَ بَعْضُهَا (الثالثة) تبييت النية شرط في صوم رمضان وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ فَلَا يَصِحُّ صَوْمُ رَمَضَانَ وَلَا الْقَضَاءُ وَلَا الْكَفَّارَةُ وَلَا صَوْمُ

(6/289)


فدية الحج غيرها مِنْ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ بِلَا خِلَافٍ وَفِي صَوْمِ النَّذْرِ طَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْمُخْتَصَرِ لَا يَصِحُّ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ بناء علي أنه يَسْلُكُ بِهِ فِي الصِّفَاتِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ أَمْ جَائِزِهِ وَمَنْدُوبِهِ (إنْ قُلْنَا) كَوَاجِبٍ لَمْ يَصِحَّ بِنِيَّةِ النَّهَارِ وَإِلَّا فَيَصِحُّ كَالنَّفْلِ وَمِمَّنْ حَكَى هَذَا الطَّرِيقَ الْمُتَوَلِّي
هُنَا وَالْغَزَالِيُّ وَجَمَاعَاتٌ من الخراسانيين في كتاب النذور وَالْمَذْهَبُ يُفَرِّقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَاقِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ فِي النَّذْرَ هَلْ يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكَ الْوَاجِبِ أَمْ الْمَنْدُوبِ بِأَنَّ الْحَدِيثَ هُنَا عَامٌّ فِي اشْتِرَاطِ تَبْيِيتِ النِّيَّةِ لِلصَّوْمِ خُصَّ مِنْهُ النَّفَلُ بِدَلِيلٍ وَبَقِيَ النَّذْرُ عَلَى الْعُمُومِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا فَلَوْ نَوَى قُبَيْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ بِلَحْظَةٍ أَوْ عَقِبَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِلَحْظَةٍ لَمْ يَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ نَوَى مَعَ الفجر فوجهان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما (الصَّحِيحُ) عِنْدَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرِ الْمُصَنَّفِينَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَطَعَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كُتُبِهِ وَآخَرُونَ وَالْمُعْتَمَدُ فِي دَلِيلِهِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَأَمَّا) مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ حَيْثُ ذَكَرَ هَذَا ثُمَّ قَالَ وَلِأَنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ أَوْجَبَ إمْسَاكَ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ لِيَكْمُلَ له الصوم جَمِيعِ النَّهَارِ فَوَجَبَ تَقْدِيمُ النِّيَّةِ لِيَسْتَوْعِبَهُ (فَغَلَطٌ) لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَجِبُ فِيهِ إمْسَاكُ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ من الفجر) وَإِنَّمَا يَجِبُ إمْسَاكُ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لِيَتَحَقَّقَ كَمَالُ النَّهَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} لَوْ نَوَى بَعْدَ الْفَجْرِ وَقَبْلَ الزَّوَالِ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ صَوْمَ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ لَمْ يَنْعَقِدْ لِمَا نَوَاهُ وَفِي انْعِقَادِهِ نَفْلًا وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي قَالَ وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَ الزَّوَالِ
* {فَرْعٌ} لَا يَصِحُّ صَوْمُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ فِي رَمَضَانَ إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ وَلِهَذَا قُلْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ تَبْيِيتُ النِّيَّةِ شَرْطٌ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ مِنْ الْوَاجِبِ وَكَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ لَا يَصِحُّ صَوْمُ رَمَضَانَ وَلَا غَيْرِهِ مِنْ الصِّيَامِ الْوَاجِبِ إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ وَتَقْدِيرُهُ لَا يَصِحُّ صَوْمُ رَمَضَانَ مِنْ أَحَدٍ إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ وَلَا يَصِحُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ (الرَّابِعَةُ) تَصِحُّ النِّيَّةُ فِي جميع الليل مابين غُرُوبِ الشَّمْسِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ فَلَوْ نَوَى الصَّوْمَ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ صَحَّتْ نِيَّتُهُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ النِّيَّةُ إلَّا فِي النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ اللَّيْلِ

(6/290)


حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْجُمْهُورُ قَائِلَهُ وَبَيَّنَهُ السَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي فَقَالَ هُوَ أَبُو الطَّيِّبِ بْنُ
سَلَمَةَ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى تَغْلِيطِهِ فِيهِ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَإِذَا قُلْنَا بِهَذَا فَهَلْ تَجُوزُ النِّيَّةُ فِي جَمِيعِ اللَّيْلِ فِيهِ وَجْهَانِ فَعِبَارَةٌ مُشْكِلَةٌ لِأَنَّهَا تُوهِمُ اخْتِصَاصَ الْخِلَافِ بِمَا إذَا قُلْنَا لَا تَجُوزُ النِّيَّةُ مَعَ الْفَجْرِ وَلَمْ يَقُلْ هَذَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا بَلْ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِي النِّصْفِ الثَّانِي جَارٍ سَوَاءٌ جَوَّزْنَا النِّيَّةَ مَعَ الْفَجْرِ أَمْ لَا لِأَنَّ مَنْ جَوَّزَهَا مَعَ الْفَجْرِ لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهَا قَبْلَهُ وَهَذَا لَا خلاف فيه فلابد من تأويل كلام المصنف والله تعالى أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) قِيَاسُ ابْنِ سَلَمَةَ عَلَى أَذَانِ الصُّبْحِ وَالدَّفْعِ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ فَقِيَاسٌ عَجِيبٌ وَأَيُّ علة تجعهما وَلَوْ جَمَعَتْهُمَا عِلَّةٌ فَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ لِأَنَّ اخْتِصَاصَ الْأَذَانِ وَالدَّفْعِ بِالنِّصْفِ الثَّانِي لَا حَرَجَ فِيهِ بِخِلَافِ النِّيَّةِ فَقَدْ يَسْتَغْرِقُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ النِّصْفَ الثَّانِيَ بِالنَّوْمِ فَيُؤَدِّي إلَى تَفْوِيتِ الصَّوْمِ وَهَذَا حَرَجٌ شَدِيدٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَاَللَّهُ تعالي أَعْلَمُ
* (الْخَامِسَةُ) إذَا نَوَى بِاللَّيْلِ الصَّوْمَ ثُمَّ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ جَامَعَ أَوْ أَتَى بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مُنَافِيَاتِ الصَّوْمِ لَمْ تَبْطُلْ نِيَّتُهُ وَهَكَذَا لَوْ نَوَى وَنَامَ ثُمَّ انْتَبَهَ قَبْلَ الْفَجْرِ لَمْ تَبْطُلْ نِيَّتُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ تَجْدِيدُهَا هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ إلَّا مَا حكاه المصنف وكثيرون بل الاكثرون عن ابن اسحق الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهُ قَالَ تَبْطُلُ نِيَّتُهُ بِالْأَكْلِ وَالْجِمَاعِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمُنَافِيَاتِ وَيَجِبُ تَجْدِيدُهَا فَإِنْ لَمْ يُجَدِّدْهَا فِي اللَّيْلِ لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ قَالَ وَكَذَا لَوْ نَوَى وَنَامَ ثُمَّ انْتَبَهَ قَبْلَ الْفَجْرِ لَزِمَهُ تَجْدِيدُهَا فَإِنْ لَمْ يُجَدِّدْهَا لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ وَلَوْ اسْتَمَرَّ نَوْمُهُ إلَى الْفَجْرِ لَمْ يَضُرَّهُ وَصَحَّ صَوْمُهُ وَهَذَا الْمَحْكِيُّ عَنْ ابى اسحق غَلَطٌ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ المصنف وآخرون وقيل أن أبا اسحق رَجَعَ عَنْهُ وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ هَذَا النقل لا يصح عن ابي اسحق وقال إمام الحرمين رجع أبو اسحق عَنْ هَذَا عَامَ حَجَّ وَأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ هَذَا الذى قاله أبو إسحق غَلَطٌ قَالَ وَحَكَى أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيَّ لما بلغه قول ابي اسحق هَذَا قَالَ هَذَا خِلَافُ إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ ويستتاب أبو إسحق هَذَا وَقَالَ الدَّارِمِيُّ حَكَى ابْنُ الْقَطَّانِ عَنْ ابى بكر الحزنى أنه حكى للاصطخري قول ابي اسحق هذا فقال خرق الاجماع حكاه الحزني لابي اسحق بحضرة ابن القطان فلم يتكلم أبو اسحق قَالَ فَلَعَلَّهُ رَجَعَ فَحَصَلَ أَنَّ الصَّوَابَ أَنَّ النية لا تبطل بشئ مِنْ هَذَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَفِي كَلَامِ الْعِرَاقِيِّينَ تَرَدُّدٌ فِي أَنَّ الْغَفْلَةَ هَلْ تُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ النَّوْمِ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا تَذَكَّرَ بَعْدَهَا يَجِبُ تَجْدِيدُ النِّيَّةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَنْسُوبِ إلَى ابى اسحق قَالَ وَالْمَذْهَبُ اطِّرَاحُ كُلِّ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*

(6/291)


* قال المصنف رحمه الله
* {وأما صوم التطوع فانه يجوز بنية قبل الزوال وقال المزني لا يجوز الا بنية من الليل كالفرض والدليل علي جوازه ماروت عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " أصبح اليوم عندكم شئ تطعمون فقالت لا فقال انى إذا صائم " ويخالف الفرض لان النفل أخف من الفرض والدليل عليه انه يجوز ترك الصيام واستقبال القبلة في النفل مع القدرة ولا يجوز في الفرض وهل يجوز بنية بعد الزوال فيه قولان (روى) حرملة انه يجوز لانه جزء من النهار فجازت نية النفل فيه كالنصف لاول (وقال) في القديم والجديد لا يجوز لان النية لم تصحب معظم العبادة فأشبه إذا نوى مع غروب الشمس ويخالف النصف الاول فان النية هناك صحبت معظم العبادة ومعظم الشئ يجوز أن يقوم مقام كل الشئ ولهذا لو ادرك معظم الركعة مع الامام جعل مدركا للركعة ولو ادرك دون المعظم لم يجعل مدركا لها فان صام المتطوع بنية من النهار فهل يكون صائما مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ أَمْ مِنْ وَقْتِ النِّيَّةِ فيه وجهان (قال) أبو اسحق يكون صائما من وقت النية لان ما قبل النية لم يوجد فيه قصد القربة فلم يجعل صائما فيه (وقال) اكثر اصحابنا انه صائم من اول النهار لانه لو كان صائما من وقت النية لم يضره الاكل قبلها}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا صَحِيحٌ رواه مسلم ولفظه قَالَتْ " قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ يَا عَائِشَةُ هَلْ عندكم شئ فقلت يارسول الله ما عندنا شئ قَالَ فَإِنِّي صَائِمٌ " هَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا اصوم (وقوله) صلى الله عليه وسلم " إذا أَصُومُ " مَعْنَاهُ أَبْتَدِئُ نِيَّةَ الصِّيَامِ هَذَا مُقْتَضَاهُ وَسَأَذْكُرُ بَاقِي الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ بِمَعْنَاهُ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يَصِحُّ صَوْمُ النَّفْلِ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَشَذَّ عَنْ الْأَصْحَابِ الْمُزَنِيّ وَأَبُو يَحْيَى الْبَلْخِيُّ فَقَالَا لَا يَصِحُّ إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَدَلِيلُ الْمَذْهَبِ وَالْوَجْهِ فِي الْكِتَابِ وَهَلْ تَصِحُّ بِنِيَّةٍ بَعْدَ الزَّوَالِ فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وَهُوَ نَصُّهُ فِي مُعْظَمِ كُتُبِهِ الْجَدِيدَةِ وَفِي الْقَدِيمِ لَا يَصِحُّ وَنَصَّ فِي كِتَابَيْنِ مِنْ الْجَدِيدِ عَلَى صِحَّتِهِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي حَرْمَلَةَ
وَفِي كِتَابِ اخْتِلَافِ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ كُتُبِ الْأُمِّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَعَلَى هَذَا يَصِحُّ فِي جَمِيعِ سَاعَاتِ النَّهَارِ وَفِي آخِرِ سَاعَةٍ لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَتَّصِلَ غُرُوبُ الشَّمْسِ بِالنِّيَّةِ بَلْ يَبْقَى بَيْنَهُمَا زَمَنٌ وَلَوْ أَدْنَى لَحْظَةً صَرَّحَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ ثُمَّ إذَا نَوَى قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ

(6/292)


وَصَحَّحْنَاهُ فَهَلْ هُوَ صَائِمٌ مِنْ وَقْتِ النِّيَّةِ فَقَطْ وَلَا يُحْسَبُ لَهُ ثَوَابُ مَا قَبْلَهُ أَمْ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَيُثَابُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ وَالْمُتَوَلِّي الْوَجْهُ الْقَائِلُ يُثَابُ مِنْ حِينِ النِّيَّةِ هُوَ قول ابى اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَاتَّفَقُوا عَلَى تَضْعِيفِهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ هُوَ غَلَطٌ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَتَبَعَّضُ قَالُوا وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْعِبَادَةَ قَبْلَ النِّيَّةِ لَا أَثَرَ لَهُ فَقَدْ يُدْرِكُ بَعْضَ الْعِبَادَةِ وَيُثَابُ كَالْمَسْبُوقِ يُدْرِكُ الْإِمَامَ رَاكِعًا فَيَحْصُلُ لَهُ ثَوَابَ جَمِيعِ الرَّكْعَةِ باتفاق الاصحاب وبهذا ردوا على ابى اسحق وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَنْ نَوَى الْوُضُوءَ عِنْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ وَلَمْ يَنْوِ قَبْلَهُ فانه لا يُثَابُ عَلَى الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَغَسْلِ الْكَفَّيْنِ لِأَنَّ الْوُضُوءَ يَنْفَصِلُ بَعْضُهُ عَنْ بَعْضٍ وَلَوْ حُذِفَتْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ مِنْهُ صَحَّ بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ أَصْحَابُنَا (فَإِنْ قُلْنَا) يُثَابُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ اُشْتُرِطَتْ جَمِيعُ شُرُوطِ الصَّوْمِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ فَإِنْ كَانَ أَكَلَ أَوْ جَامَعَ أَوْ فَعَلَ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْمُنَافِيَاتِ لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ (وَإِنْ قُلْنَا) يُثَابُ مِنْ أَوَّلِ النِّيَّةِ فَفِي اشْتِرَاطِ خُلُوِّ أَوَّلِ النَّهَارِ عَنْ الاكل والجماع وغيرها وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) الِاشْتِرَاطُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَآخَرُونَ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ
(وَالثَّانِي)
لَا يُشْتَرَطُ فَلَوْ كَانَ أَكَلَ أَوْ جَامَعَ أَوْ فعل غير ذلك من المنافيات ثُمَّ نَوَى صَحَّ صَوْمُهُ وَيُثَابُ مِنْ حِينِ النِّيَّةِ وَهَذَا الْوَجْهُ مَحْكِيٌّ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ وَالشَّيْخِ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ وَحَكَاهُ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي الْإِفْصَاحِ وَالْقَاضِي أَبُو الطيب في المجرد وَجْهًا مُخَرَّجًا قَالَا وَالْمُخَرِّجُ لَهُ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ وَحَكَاهُ الْمُتَوَلِّي عَنْ جَمَاعَةٍ من الصحابة أبي طَلْحَةَ وَأَبِي أَيُّوبَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَمَا أَظُنُّهُ صَحِيحًا عَنْهُمْ (فان قلنا) بالذهب أَنَّ الْإِمْسَاكَ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ شَرْطٌ فَلَوْ كَانَ أَوَّلَ النَّهَارِ
كَافِرًا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ حَائِضًا ثُمَّ زَالَ ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ وَنَوَى صَوْمَ التَّطَوُّعِ فَفِي صِحَّتِهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَصِحُّ صَوْمُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلصَّوْمِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ: فِي السِّلْسِلَةِ الْوَجْهَانِ فِي وَقْتِ ثَوَابِ الصَّائِمِ هُنَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ قدوم زيد فقدم ضحوة وَهُوَ صَائِمٌ هَلْ يُجْزِئُهُ عَنْ نَذْرِهِ إنْ قُلْنَا يُجْزِئُهُ حَصَلَ لَهُ الثَّوَابُ هُنَا مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَإِلَّا فَمِنْ وَقْتِ النِّيَّةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ *
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*

(6/293)


{ولا يصح صوم رمضان الا بتعيين النية وهو ان ينوى انه صائم من رمضان لانه قربة مضافة إلى وقتها فوجب تعيين الوقت في نيتها كصلاة الظهر والعصر وهل يفتقر إلى نِيَّةُ الْفَرْضِ فِيهِ وَجْهَانِ (قَالَ) أَبُو إِسْحَاقَ يلزمه ان ينوى صوم فرض رمضان لان صوم رمضان قد يكون نفلا في حق الصبى فافتقر إلى إلى نية الفرض ليتميز عن صوم الصبى (وَقَالَ) أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يفتقر الي ذلك لان رمضان في حق البالغ لا يكون الا فرضا فلا يفتقر إلى تعيين الفرض فان نوى في ليلة الثلاثين من شعبان فقال ان كان غدا من رمضان فانا صائم عن رمضان أو عن تطوع فكان من رمضان لم يصح لعلتين (احداهما) انه لم يخلص النية لرمضان (والثانية) ان الاصل انه من شعبان فلا تصح نية رمضان ولو قال ان كان غدا من رمضان فانا صائم عن رمضان وان لم يكن من رمضان فانا صائم عن تطوع لم يصح لعلة واحدة وهو أن الاصل أنه من شعبان فلا تصح نية الفرض فان قال ليلة الثلاثين من رمضان ان كان غدا من رمضان فانا صاثم عن رمضان أو مفطر فكان من رمضان لم يصح صومه لانه يخلص النية للصوم وان قال ان كان غدا من رمضان فانا صائم عن رمضان وان لم يكن من رمضان فانا مفطر فكان من رمضان صح صومه لانه اخلص النية للفرض وبني على أصل لان الاصل انه من رمضان}
* {الشَّرْحُ} قَوْلُهُ قُرْبَةٌ مُضَافَةٌ إلَى وَقْتِهَا احْتِرَازٌ مِنْ الْكَفَّارَةِ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا تَعْيِينُهَا عَنْ قَتْلٍ أَوْ ظِهَارٍ أَوْ غَيْرِهِمَا (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لَا يَصِحُّ صَوْمُ رَمَضَانَ وَلَا قَضَاءٌ وَلَا كَفَّارَةٌ وَلَا نَذْرٌ وَلَا فِدْيَةُ حَجٍّ وَلَا غير ذلك من الصيام الواحب إلَّا بِتَعْيِينِ النِّيَّةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَإِنَّمَا لِكُلِّ
امْرِئٍ مَا نَوَى " فَهَذَا ظاهر في اشتراط التعيبن لِأَنَّ أَصْلَ النِّيَّةِ فُهِمَ اشْتِرَاطُهُ مِنْ أَوَّلِ الْحَدِيثِ " إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ " وَاسْتَدَلَّ الْأَصْحَابُ بِالْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ اشْتِرَاطِ تَعْيِينِ النِّيَّةِ هُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ إلَّا الْمُتَوَلِّي فَحَكَى عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحَلِيمِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَجْهًا أَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ يَصِحُّ بِنِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ وَهَذَا الْوَجْهُ شَاذٌّ مَرْدُودٌ (الثَّانِيَةُ) صِفَةُ النِّيَّةِ الْكَامِلَةِ الْمُجْزِئَةِ بِلَا خِلَافٍ أَنْ يَقْصِدَ بِقَلْبِهِ صَوْمَ غَدٍ عَنْ أَدَاءِ فَرْضِ رَمَضَانَ هَذِهِ السَّنَةَ لِلَّهِ تَعَالَى فَأَمَّا الصَّوْمُ فَلَا بُدَّ مِنْهُ وَكَذَا رَمَضَانُ لَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِهِ إلَّا وَجْهَ الْحَلِيمِيِّ السَّابِقَ فِي الْمَسْأَلَةِ قبلها (وأما) الاداء والفرضية فَفِيهِمَا الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الصَّلَاةِ وَقَدْ سَبَقَ مُوَضَّحًا بِدَلِيلِهِ لَكِنَّ الْأَصَحَّ هُنَا وَهُنَاكَ أَنَّ الاداء لا يشترط (وأما) الفرضية فَاخْتَلَفُوا فِي الْأَصَحِّ هُنَاكَ وَهُنَا فَالْأَصَحُّ عِنْدَ الاكثرين هناك

(6/294)


الِاشْتِرَاطُ وَالْأَصَحُّ هُنَا أَيْضًا عِنْدَ الْبَغَوِيِّ الِاشْتِرَاطُ وَالْأَصَحُّ هُنَا عِنْدَ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَصَاحِبِ الشَّامِلِ وَالْأَكْثَرِينَ عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ وَالْفَرْقُ أَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ مِنْ الْبَالِغِ لَا يَكُونُ إلَّا فَرْضًا وَصَلَاةَ الظُّهْرِ مِنْ الْبَالِغِ قَدْ تَكُونُ نَفْلًا فِي حَقِّ مَنْ صَلَّاهَا ثَانِيًا فِي جَمَاعَةٍ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ (وَأَمَّا) الْإِضَافَةُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ أَنَّ فِيهَا وَجْهَيْنِ فِي جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ ذَكَرَهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ (أَصَحُّهُمَا) لا تجب وبه قطع العراقيون (وأما) لتقييد بِهَذِهِ السَّنَةِ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَآخَرُونَ مِنْ غَيْرِهِمْ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَجْهًا فِي اشْتِرَاطِهِ وَغَلَّطُوا قَائِلَهُ وَحَكَى الْبَغَوِيّ وَجْهًا فِي اشْتِرَاطِ فَرْضِ هَذَا الشَّهْرِ وهو بمعني فرض هذا السنة وهو ايضا غلط وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} قَالَ أَصْحَابُنَا الْخُرَاسَانِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ إذَا نَوَى يَوْمًا وَأَخْطَأَ فِي وَصْفِهِ لَا يَضُرُّهُ (مِثَالُهُ) نَوَى لَيْلَةَ الثُّلَاثَاءِ صَوْمَ الْغَدِ وَهُوَ يَعْتَقِدُهُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ أَوْ نَوَى صَوْمَ غَدٍ مِنْ رَمَضَانَ هَذِهِ السَّنَةَ وَهُوَ يَعْتَقِدُهَا سَنَةَ ثَلَاثٍ فَكَانَتْ سَنَةَ أَرْبَعٍ صَحَّ صَوْمُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى لَيْلَةَ الِاثْنَيْنِ صَوْمَ يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ أَوْ نَوَى وَهُوَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ صَوْمَ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَلَاثٍ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ الْوَقْتَ وَمِمَّنْ ذَكَرَ هَذَا الْفَرْعَ كَمَا ذَكَرْتُهُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالدَّارِمِيُّ لَكِنْ قَالَ الدَّارِمِيُّ لَوْ نَوَى
صَوْمَ غَدٍ يَوْمَ الْأَحَدِ وَهُوَ غَيْرُهُ فَوَجْهَانِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الشَّامِلِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطيلب وَغَيْرِهِ ثُمَّ قَالَ وَعِنْدِي أَنَّهُ يُجْزِئُهُ فِي جميع هذه الصور ولا فرق بينها
* {فَرْعٌ} قَالَ الرَّافِعِيُّ اشْتِرَاطُ الْغَدِ فِي كَلَامِ الاصحاب في تفسير التعيبن قَالَ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ مِنْ حَدِّ التَّعْيِينِ وَإِنَّمَا وَقَعَ ذَلِكَ مِنْ نَظَرِهِمْ إلَى التبييت
* {فرع} حكم التعيبن فِي صَوْمِ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ سَبَبِ الْكَفَّارَةِ لَكِنْ لَوْ عَيَّنَ وَأَخْطَأَ لَمْ يُجْزِئْهُ وَسَيَأْتِي فِي الْكَفَّارَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إيضَاحُهُ وسبقت الاشارة الي شئ مِنْهُ فِي بَابِ صِفَةِ الْأَئِمَّةِ (وَأَمَّا) صَوْمُ التَّطَوُّعِ فَيَصْحُ بِنِيَّةِ مُطْلَقِ الصَّوْمِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ هَكَذَا أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَطَ التَّعْيِينُ فِي الصَّوْمِ الْمُرَتَّبِ كَصَوْمِ عَرَفَةَ وَعَاشُورَاءَ وَأَيَّامِ الْبِيضِ وَسِتَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ وَنَحْوِهَا كَمَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي الرَّوَاتِبِ مِنْ نَوَافِلِ الصَّلَاةِ (الثالثة) قال أصحبنا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ جَازِمَةً فَلَوْ نَوَى ليلة الثلاثين من شعبان صوم غدا إنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ فَلَهُ حَالَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنْ لَا يَعْتَقِدَ كَوْنَهُ مِنْ رَمَضَانَ فَإِنْ رَدَّدَ نِيَّتَهُ فَقَالَ أَصُومُ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ ان كان

(6/295)


مِنْهُ وَإِلَّا فَأَنَا مُفْطِرٌ أَوْ مُتَطَوِّعٌ لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ رَمَضَانَ إذَا بَانَ مِنْهُ لِأَنَّهُ صَامَ شَاكًّا وَلَمْ يَكُنْ عَلَى أَصْلٍ يَسْتَصْحِبُهُ وَلَا ظَنٍّ يَعْتَمِدُهُ وَقَالَ الْمُزَنِيّ يُجْزِئُهُ عَنْ رَمَضَانَ وَلَوْ قَالَ أَصُومُ غَدًا عَنْ رَمَضَانَ أَوْ تَطَوُّعًا لَمْ يُجْزِئْهُ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ لَمْ يُرَدِّدْ نِيَّتَهُ بَلْ جَزَمَ بِالصَّوْمِ عَنْ رَمَضَانَ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ صَادَفَ رَمَضَانَ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ رَمَضَانَ ولانه إذا لَمْ يَعْتَقِدْهُ مِنْ رَمَضَانَ لَمْ يَتَأَتَّ مِنْهُ الْجَزْمُ بِهِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ حَدِيثُ نَفْسٍ لَا اعْتِبَارَ بِهِ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَجْهًا عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ عَنْ رَمَضَانَ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ (أَمَّا) إذَا كَانَ فِي آخِرِ رَمَضَانَ فَقَالَ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْهُ أَصُومُ غَدًا إنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ أَتَطَوَّعُ أَوْ قَالَ أَصُومُ أَوْ أُفْطِرُ وَصَادَفَ رَمَضَانَ فَلَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْزِمْ وان قال اصوم غدا عن رَمَضَانَ إنْ كَانَ مِنْهُ وَإِلَّا فَأَنَا مُفْطِرٌ فَكَانَ مِنْهُ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ رَمَضَانَ فأجزأه استصحابا للاصل (الحال الثاني) أن يعتد كَوْنَهُ مِنْ رَمَضَانَ فَإِنْ لَمْ يَسْتَنِدْ اعْتِقَادُهُ إلَى مَا يُثِيرُ ظَنًّا فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ وَحُكْمُهُ مَا سَبَقَ فِي الْحَالِ الْأَوَّلِ وَإِنْ
اسْتَنَدَ إلَيْهِ فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمُخْتَصَرِ لَوْ عَقَدَ رَجُلٌ عَلَى أَنَّ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ فِي يَوْمِ الشَّكِّ ثم بان أنه من رمضان أجزأه هذا نَصُّهُ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ اسْتَنَدَ إلَى مَا يَحْصُلُ ظَنًّا بِأَنْ اعْتَمَدَ قَوْلَ مَنْ يَثِقُ بِهِ مِنْ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ أَوْ امْرَأَةٍ أَوْ صِبْيَانٍ ذَوِي رُشْدٍ وَنَوَى صَوْمَ رَمَضَانَ فبان منه اجزأه بلا خلاف هكذا نقله الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ وَصَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَلَكِنْ لَمْ يَذْكُرْ الصِّبْيَانَ وَصَرَّحَ بِهِ كُلَّهُ آخَرُونَ مِنْهُمْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ فَصَرَّحَ بِالصِّبْيَانِ ذَوِي الرُّشْدِ قَالَ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ لَوْ نَوَى الصَّوْمَ بِرُؤْيَةِ مَنْ تَسْكُنُ نَفْسُهُ إلَيْهِ مِنْ امْرَأَةٍ أَوْ عَبْدٍ أَوْ فَاسِقٍ أَوْ مُرَاهِقٍ وَكَانَ مِنْ رَمَضَانَ أَجْزَأَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِاعْتِمَادِ الصَّبِيِّ الْمُرَاهِقِ وَصِحَّةِ الصَّوْمِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ فَإِنْ قَالَ فِي نِيَّتِهِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ أَصُومُ عَنْ رَمَضَانَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ فَهُوَ تَطَوُّعٌ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ فَظَاهِرُ النَّصِّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَإِنْ بَانَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ لِأَنَّهُ مُتَرَدِّدٌ قَالَ الْإِمَامُ وَذَكَرَ طَوَائِفُ مِنْ الْأَصْحَابِ وَجْهًا آخَرَ أَنَّهُ يَصِحُّ لِاسْتِنَادِهِ إلَى أَصْلٍ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَذْهَبِ الْمُزَنِيِّ وَرَأَى الْإِمَامُ طَرْدَ الْخِلَافِ وَإِنْ جَزَمَ قَالَ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ الْجَزْمُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ لِأَنَّهُ لَا مُوجِبَ لَهُ وَإِنَّمَا الْحَاصِلُ لَهُ حَدِيثُ نَفْسٍ وَإِنْ سَمَّاهُ جَزْمًا قَالُوا وَيَدْخُلُ فِي قِسْمِ اسْتِنَادِ الِاعْتِقَادِ إلَى مَا يُثِيرُ ظَنًّا الصَّوْمُ مُسْتَنِدًا إلَى دَلَالَةِ الْحِسَابِ بِمَنَازِلِ الْقَمَرِ حَيْثُ جَوَّزْنَاهُ كَمَا سَبَقَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَمِنْ ذَلِكَ إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ بِثُبُوتِ رَمَضَانَ بِعَدْلَيْنِ أَوْ بِعَدْلٍ إذَا جَوَّزْنَاهُ فَيَجِبُ الصَّوْمُ وَيُجْزِئُ إذَا بَانَ مِنْ رَمَضَانَ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَضُرُّ مَا قَدْ يَبْقَى مِنْ الِارْتِيَابِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ لِحُصُولِ الِاسْتِنَادِ إلَى ظَنٍّ مُعْتَمَدٍ قَالَ

(6/296)


أَصْحَابُنَا وَمِنْ ذَلِكَ الْأَسِيرُ وَالْمَحْبُوسُ فِي مَطْمُورَةٍ إذَا اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الشُّهُورُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ مَبْسُوطًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* وَلَوْ قَالَ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ أَصُومُ غَدًا نَفْلًا إنْ كَانَ مِنْ شَعْبَانَ وَإِلَّا فَمِنْ رَمَضَانَ وَلَمْ يَكُنْ أَمَارَةٌ وَلَا غَيْرُهَا فَصَادَفَ شَعْبَانَ صَحَّ صَوْمُهُ نَفْلًا لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ شَعْبَانَ صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَإِنْ صَادَفَ رَمَضَانَ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فَرْضًا وَلَا نَفْلًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ فَقَالَ أَصُومُ غَدًا عَنْ الْقَضَاءِ أَوْ تَطَوُّعًا لم يجزئه غن الْقَضَاءِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْزِمْ بِهِ وَيَصِحُّ نَفْلًا إذَا كَانَ فِي غَيْرِ رَمَضَانِ
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَقَعُ عَنْ الْقَضَاءِ
وَاَللَّهُ تعالي اعلم
* {ومن دخل في الصوم ونوى الخروج منه بطل صومه لان النية شرط في جميعه فإذا قطعها في اثائه بقي الباقي بغير نية فبطل وإذا بطل البعض بطل الجميع لانه لا ينفرد بعضه عن بعض ومن اصحابنا من قال لا يبطل لانه عبادة تتعلق الكفارة بجنسها فلم تبطل بنية الخروج كالحج والاول أظهر لان الحج لا يخرج منه بما يفسده والصوم يخرج منه بما يفسده فكان كالصلاة}
* {الشرح} قوله تتعلق الْكَفَّارَةُ بِجِنْسِهَا احْتِرَازٌ مِنْ الصَّلَاةِ (وَقَوْلُهُ) يُخْرَجُ مِنْ الصَّوْمِ بِمَا يُفْسِدُهُ وَلَا يُخْرَجُ مِنْ الْحَجِّ بِمَا يُفْسِدُهُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا أَبْطَلَ الصَّوْمَ بِالْأَكْلِ أَوْ غَيْرِهِ صَارَ خَارِجًا مِنْهُ فَلَوْ جَامَعَ بَعْدَهُ فِي هَذَا الْيَوْمِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ آثِمًا بِهَذَا الْجِمَاعِ لِأَنَّهُ كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ إمْسَاكُ بَقِيَّةِ النَّهَارِ وَلَكِنْ وُجُوبُ الْإِمْسَاكِ لِحُرْمَةِ الْيَوْمِ وَالْكَفَّارَةُ إنَّمَا تَجِبُ عَلَى مَنْ أَفْسَدَ الصَّوْمَ بِالْجِمَاعِ وَهَذَا لَمْ يُفْسِدْ بِجِمَاعِهِ صَوْمًا (وَأَمَّا) الْحَجُّ فَإِذَا افسده بِالْجِمَاعِ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ بِالْإِفْسَادِ بَلْ حُكْمُ إحْرَامِهِ بَاقٍ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَلَوْ قتل بعد صيد أَوْ تَطَيَّبَ أَوْ لَبِسَ أَوْ فَعَلَ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ لِكَوْنِهِ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ بَلْ هُوَ مُحْرِمٌ كَمَا كَانَ فَهَذَا مُرَادُ الْمُصَنِّفُ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَهُمَا مفترقان في الخروج وعدمه متفقان فِي وُجُوبِ الْمُضِيِّ فِي فَاسِدِهِمَا (وَأَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَإِذَا دَخَلَ فِي صَوْمٍ ثُمَّ نَوَى قطعه فهل يبطل فيه وجهان مشهوان ذكر المصنف دليلهما (اصحهما) عند المصنف والغوى وَآخَرِينَ بُطْلَانُهُ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ لَا يَبْطُلُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَائِلِ بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ مَا يَبْطُلُ بِنِيَّةِ الْخُرُوجِ ومالا يَبْطُلُ وَمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَسَبَقَ أَيْضًا فِي بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ
* هَذَا إذَا جَزَمَ بِنِيَّةِ الْخُرُوجِ فِي الْحَالِ فَلَوْ تَرَدَّدَ فِي الْخُرُوجِ مِنْهُ أَوْ عَلَّقَ الْخُرُوجَ عَلَى دُخُولِ زَيْدٍ مَثَلًا فَالْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ لَا يَبْطُلُ وَجْهًا وَاحِدًا
(وَالثَّانِي)
عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَنْ جَزَمَ بِالْخُرُوجِ فَإِنْ قُلْنَا فِي التَّعْلِيقِ إنَّهُ لَا يَبْطُلُ فَدَخَلَ زَيْدٌ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ هَلْ يَبْطُلُ فِيهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) لَا يَبْطُلُ

(6/297)


حَكَاهُمَا جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْبَغَوِيّ فِي بَابِ صِفَةِ اصلاة وَجَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّهُ لَوْ نَوَى أَنَّهُ سَيُفْطِرُ بَعْدَ سَاعَةٍ لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ
* وَمَتَى نَوَى الْخُرُوجَ مِنْ الصَّوْمِ بِأَكْلٍ أَوْ جِمَاعٍ وَنَحْوِهِمَا وَقُلْنَا إنَّهُ يَبْطُلُ فَالْمَشْهُورُ
بُطْلَانُهُ فِي الْحَالِ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) هَذَا
(وَالثَّانِي)
لَا يَبْطُلُ حَتَّى يَمْضِيَ زَمَانُ إمْكَانِ الْأَكْلِ وَالْجِمَاعِ وَهَذَا غَرِيبٌ ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَلَوْ كَانَ صَائِمًا عَنْ نَذْرٍ فَنَوَى قَلْبُهُ إلَى كَفَّارَةٍ أَوْ عَكْسِهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُتَوَلِّي وَالْأَصْحَابُ لَا يَحْصُلُ لَهُ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا الَّذِي كَانَ فِيهِ (فَإِنْ قُلْنَا) إنَّ نِيَّةَ الْخُرُوجِ لَا تُبْطِلُهُ بَقِيَ عَلَى ماكان وَلَا أَثَرَ لِمَا جَرَى (وَإِنْ قُلْنَا) تُبْطِلُهُ فَهَلْ يَبْطُلُ أَمْ يَنْقَلِبُ نَفْلًا فِيهِ خِلَافٌ كَمَا سَبَقَ فِي نَظَائِرِهِ فِيمَنْ نَوَى قَلْبَ صَلَاةِ الظُّهْرِ عَصْرًا وَشَبَهَهُ وَقَدْ سَبَقَ إيضَاحُ هَذَا وَأَشْبَاهِهِ فِي أَوَّلِ صِفَةِ الصَّلَاةِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَهَذَا الْوَجْهُ فِي انْقِلَابِهِ نَفْلًا هُوَ فِيمَا إذَا كَانَ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ وَإِلَّا فَرَمَضَانُ لَا يَقَعُ فِيهِ نَفْلٌ أَصْلًا كما سنوضحه قريبا ان شاء الله تعلي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِنِيَّةِ الصَّوْمِ
(إحْدَاهَا) إذَا نَوَتْ الْحَائِضُ صَوْمَ الْغَدِ قَبْلَ انْقِطَاعِ دَمِ حَيْضِهَا ثُمَّ انْقَطَعَ فِي اللَّيْلِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا إنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً يَتِمُّ لَهَا فِي اللَّيْلِ أَكْثَرُ الْحَيْضِ أَوْ مُعْتَادَةً عَادَتُهَا أَكْثَرُ الْحَيْضِ وَهِيَ تُتِمُّ فِي اللَّيْلِ صَحَّ صَوْمُهَا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّا نَقْطَعُ بِأَنَّ نَهَارَهَا كُلَّهُ طُهْرٌ وَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهَا دُونَ أَكْثَرِهِ وَيَتِمُّ بِاللَّيْلِ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) تَصِحُّ نِيَّتُهَا وَصَوْمُهَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ اسْتِمْرَارُ عَادَتِهَا فَقَدْ بَنَتْ نِيَّتَهَا عَلَى أَصْلٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَادَةٌ أَوْ كَانَتْ وَلَا يَتِمُّ أَكْثَرُ الْحَيْضِ فِي اللَّيْلِ أَوْ كَانَتْ لَهَا عَادَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهَا لَمْ تَجْزِمْ وَلَا بَنَتْ عَلَى أَصْلٍ وَلَا أَمَارَةٍ
* (الثَّانِيَةُ) قَالَ الْمُتَوَلِّي لَوْ تَسَحَّرَ لِيَقْوَى عَلَى الصَّوْمِ أَوْ عَزَمَ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ أَنْ يَتَسَحَّرَ فِي آخِرِهِ لِيَقْوَى عَلَى الصَّوْمِ لَمْ يَكُنْ هَذَا نِيَّةً لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ قَصْدُ الشُّرُوعِ فِي الْعِبَادَةِ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْمَكَارِمِ فِي الْعُدَّةِ لَوْ قَالَ فِي اللَّيْلِ أَتَسَحَّرُ لِأَقْوَى عَلَى الصَّوْمِ لَمْ يَكْفِ هَذَا فِي النِّيَّةِ قَالَ وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ عَنْ نَوَادِرِ الْأَحْكَامِ لِأَبِي الْعَبَّاسِ الرُّويَانِيِّ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَتَسَحَّرُ لِلصَّوْمِ أَوْ أَشْرَبُ لَدَفْعِ الْعَطَشِ نَهَارًا أَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ مَخَافَةَ الْفَجْرِ كَانَ ذَلِكَ نِيَّةً لِلصَّوْمِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ إنْ خَطَرَ بِبَالِهِ الصَّوْمُ بِالصِّفَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ لِأَنَّهُ إذَا تَسَحَّرَ لِيَصُومَ صَوْمَ كَذَا فَقَدْ قَصِدَهُ
* (الثَّالِثَةُ) لَوْ عَقَّبَ النِّيَّةَ بِقَوْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ بِقَلْبِهِ أَوْ بِلِسَانِهِ فَإِنْ قَصَدَ التَّبَرُّكَ أَوْ وُقُوعَ الصَّوْمِ وَبَقَاءَ الْحَيَاةِ إلَى تَمَامِهِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَضُرَّهُ وَإِنْ قَصَدَ تَعْلِيقَهُ وَالشَّكَّ لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْهُمْ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنْ قَالَ أَصُومُ غَدًا إنْ شَاءَ زَيْدٌ لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ وَإِنْ شَاءَ زَيْدٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْزِمْ النِّيَّةَ وَإِنْ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) لَا يَصِحُّ صَوْمُهُ كَقَوْلِهِ إنْ شَاءَ زَيْدٌ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ وَشَأْنُهُ أَنْ يُوقِعَ مَا نَطَقَ بِهِ (وَالثَّانِي) يَصِحُّ صَوْمُهُ هَذَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ وَجَمَعَ

(6/298)


صَاحِبُ الْبَيَانِ كَلَامَ الْأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ لَوْ قَالَ أَصُومُ غَدًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي ابي الطَّيِّبِ يَصِحُّ لِأَنَّ الْأُمُورَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى (وَالثَّانِي) لَا يَصِحُّ وَهُوَ قَوْلُ الصَّيْمَرِيِّ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يُبْطِلُ حُكْمَ مَا اتَّصَلَ بِهِ (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الصَّبَّاغِ إنْ قَصَدَ الشَّكَّ فِي فِعْلِهِ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ قَصَدَ أَنَّ ذَلِكَ مَوْقُوفٌ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ وَتَوْفِيقِهِ وَتَمْكِينِهِ صَحَّ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ التَّفْصِيلُ السَّابِقُ
* (الرَّابِعَةُ) إذَا نَسِيَ نِيَّةَ الصَّوْمِ فِي رَمَضَانَ حتى طلع الْفَجْرِ لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا لِأَنَّ شَرْطَ النِّيَّةِ اللَّيْلُ وَيَلْزَمُهُ إمْسَاكُ النَّهَارِ وَيَجِبُ قَضَاؤُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَصُمْهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْوِيَ فِي أَوَّلِ نَهَارِهِ الصَّوْمَ عَنْ رَمَضَانَ لِأَنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَحْتَاطُ بِالنِّيَّةِ (الْخَامِسَةُ)
* إذَا نَوَى وَشَكَّ هَلْ كَانَتْ نِيَّتُهُ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَهُ فَقَدْ قَطَعَ الصَّيْمَرِيُّ وَصَاحِبُهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ صَوْمُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ النِّيَّةِ وَيُحْتَمَلُ أن يجئ فِيهِ وَجْهٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ اللَّيْلِ كَمَنْ شَكَّ هَلْ أَدْرَكَ رُكُوعَ الْإِمَامِ أَمْ لَا فَإِنَّ فِي حُصُولِ الرَّكْعَةِ لَهُ خِلَافًا سَبَقَ فِي مَوْضِعِهِ الْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تَحْصُلُ
* وَلَوْ نَوَى ثُمَّ شَكَّ هَلْ طَلَعَ الْفَجْرُ أَمْ لَا أَجْزَأَهُ وَصَحَّ صَوْمُهُ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ به صاحب البيان قال هو والصميرى وَلَوْ أَصْبَحَ شَاكًّا فِي أَنَّهُ نَوَى أَمْ لَا لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ (السَّادِسَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى يَتَعَيَّنُ رَمَضَانُ لِصَوْمِ رَمَضَانَ فَلَا يَصِحُّ فِيهِ غَيْرُهُ فَلَوْ نَوَى فِيهِ الْحَاضِرُ أَوْ الْمُسَافِرُ أَوْ الْمَرِيضُ صَوْمَ كَفَّارَةٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ قَضَاءٍ أَوْ تَطَوُّعٍ أَوْ أَطْلَقَ نِيَّةَ الصَّوْمِ لَمْ تَصِحَّ نِيَّتُهُ وَلَا يَصِحُّ صَوْمُهُ لَا عَمَّا نَوَاهُ وَلَا عَنْ رَمَضَانَ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي الطُّرُقِ إلَّا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَقَالَ لَوْ أَصْبَحَ فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ غَيْرَ نَاوٍ فَنَوَى التَّطَوُّعَ قَبْلَ الزَّوَالِ قَالَ الْجَمَاهِيرُ لَا يَصِحُّ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ يَصِحُّ قَالَ الْإِمَامُ فَعَلَى قِيَاسِهِ يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ التَّطَوُّعُ بِهِ وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ
* وَاحْتَجَّ لَهُ الْمُتَوَلِّي أَنَّ التَّشَبُّهَ بِالصَّائِمِينَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَلَا يَنْعَقِدُ جِنْسُ تِلْكَ الْعِبَادَةِ مَعَ قِيَامِ فَرْضِ التَّشَبُّهِ كَمَا لَوْ أَفْسَدَ الْحَجَّ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يحرم احراما آخر صحيحا لم بنعقد لانه يلزمه الْمُضِيُّ
فِي فَاسِدِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (السَّابِعَةُ) قَالَ الْمُتَوَلِّي فِي آخِرِ الْمَسْأَلَةِ السَّادِسَةِ مِنْ مَسَائِلِ النِّيَّةِ لَوْ نَوَى فِي اللَّيْلِ ثُمَّ قَطَعَ النِّيَّةَ قَبْلَ الْفَجْرِ سَقَطَ حُكْمُهَا لِأَنَّ تَرْكَ النية ضد للنية بخلاف مالو أكل في الليل بَعْدَ النِّيَّةِ لَا تَبْطُلُ لِأَنَّ الْأَكْلَ لَيْسَ ضِدَّهَا (الثَّامِنَةُ) قَالَ الْمُتَوَلِّي لَوْ نَوَى صَوْمَ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ بَعْدَ الْفَجْرِ فَإِنْ كَانَ فِي رَمَضَانَ لَمْ يَنْعَقِدْ لَهُ صَوْمٌ أَصْلًا لِأَنَّ رَمَضَانَ لَا يُقْبَلُ غَيْرُهُ كَمَا سَبَقَ وَلَمْ يَنْوِ رَمَضَانَ مِنْ اللَّيْلِ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ لَمْ يَنْعَقِدْ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ لِأَنَّ شَرْطَهُمَا نِيَّةُ اللَّيْلِ وَهَلْ يَنْعَقِدُ نَفْلًا فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ نَوَى الظُّهْرَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مَعَ نَظَائِرِهَا فِي أَوَّلِ صِفَةِ الصَّلَاةِ (التَّاسِعَةُ) قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ حِكَايَةً عَنْهُ لَوْ عَلِمَ أَنَّ عَلَيْهِ صَوْمًا وَاجِبًا لَا يَدْرِي

(6/299)


هَلْ هُوَ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ فَنَوَى صَوْمًا وَاجِبًا أَجْزَأَهُ كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ لَا يَعْرِفُ عَيْنَهَا فَإِنَّهُ يُصَلِّي الْخَمْسَ وَيُجْزِئُهُ عَمَّا عَلَيْهِ وَيُعْذَرُ فِي عَدَمِ جَزْمِ النِّيَّةِ لِلضَّرُورَةِ
(الْعَاشِرَةُ) قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ حِكَايَةً عَنْهُ لَوْ قَالَ أَصُومُ غدا ان شاء زيد أو ان نَشَطْتُ لَمْ تَصِحَّ لِعَدَمِ الْجَزْمِ وَإِنْ قَالَ ماكنت صَحِيحًا مُقِيمًا أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ لَوْ مَرِضَ أَوْ سَافَرَ قَبْلَ الْفَجْرِ
(الْحَادِيَةَ عشر) لَوْ شَكَّ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ هَلْ نَوَى مِنْ اللَّيْلِ ثُمَّ تَذَكَّرَ بَعْدَ مُضِيِّ أَكْثَرِ النَّهَارِ أَنَّهُ نَوَى صَحَّ صَوْمُهُ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الْفَتَاوَى وَالْبَغَوِيُّ وآخرون وقاسه البغوي علي مالو شك المصلي في النية ثم تذكرها قَبْلَ إحْدَاثِ رُكْنٍ
(الثَّانِيَةُ عَشْرَةَ) إذَا كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ رَمَضَانَ فَصَامَ وَنَوَى قَضَاءَ الْيَوْمِ الثَّانِي فَفِي إجْزَائِهِ وَجْهَانِ مشهوران حكاهما البغوي وآخرون جزم الْمُتَوَلِّي بِأَنَّهُ لَا يُجْزِئُ قَالَ وَكَذَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ سَنَةٍ فنوى قضاءه من صوم أُخْرَى غَلَطًا لَا يُجْزِئُهُ كَمَا لَوْ كَانَ عليه كفارة قَتَلَ فَأَعْتَقَ بِنِيَّةِ كَفَّارَةِ ظِهَارٍ لَا يُجْزِئُهُ وَإِنْ كَانَ لَوْ أَطْلَقَ النِّيَّةَ عَنْ وَاجِبِهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ أَجْزَأَهُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ لَكِنَّهُ ذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ احْتِمَالَيْنِ لَهُ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَرَ النَّقْلَ فِيهَا
* (الثَّالِثَةُ عَشْرَةَ) فِي مَسَائِلَ جَمَعَهَا الدَّارِمِيُّ هُنَا مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالنِّيَّةِ عَلَى شَكٍّ وَذَكَرَ الْمَسَائِلَ السَّابِقَةَ قَرِيبًا إذَا نَوَى يَوْمَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ أَوْ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ صَوْمَ الْغَدِ فَحُكْمُهُ مَا سَبَقَ قَالَ وَلَوْ كَانَ مُتَطَهِّرًا وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ فَتَوَضَّأَ وَقَالَ إنْ كُنْتُ مُحْدِثًا فَهَذَا لِرَفْعِهِ وَإِلَّا فَتَبَرُّدٌ لَمْ يُجْزِئْهُ وَلَوْ تَيَقَّنَ الْحَدَثَ وَشَكَّ فِي الطَّهَارَةِ فَقَالَ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ عَمَلًا بِالْأَصْلِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَلَوْ شَكَّ فِي دُخُولِ وَقْتِ صَلَاةٍ فَنَوَى إنْ كَانَتْ دَخَلَتْ فَعَنْهَا وَإِلَّا فَنَافِلَةٌ لَمْ يُجْزِئْهُ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ صَلَاةٌ وَشَكَّ فِي أَدَائِهَا فَقَالَ أُصَلِّي عَنْهَا إنْ كَانَتْ وَإِلَّا فَنَافِلَةٌ فَكَانَتْ أَجْزَأَهُ وَلَوْ قَالَ نَوَيْتُهَا إنْ كَانَتْ أَوْ نَافِلَةً لَمْ يُجْزِئْهُ إنْ كَانَتْ كَمَا سَبَقَ نَظِيرُهُ فِي الصَّوْمِ وَلَوْ أَخْرَجَ دارهم وَنَوَى هَذِهِ زَكَاةُ مَالِي إنْ كُنْتُ كَسَبْتُ نِصَابًا أَوْ نَافِلَةً أَوْ قَالَ وَإِلَّا فَهِيَ نَافِلَةٌ لَمْ يُجْزِئْهُ فِي الْحَالَيْنِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْكَسْبِ وَلَوْ أَحْرَمَ فِي يَوْمِ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ وَهُوَ شَاكٌّ فَقَالَ إنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ فَإِحْرَامِي بِعُمْرَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ شَوَّالٍ فَهُوَ حَجٌّ فَكَانَ مِنْ شَوَّالٍ كَانَ حَجًّا صَحِيحًا وَلَوْ أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ فِي آخِرِ وَقْتِ الْجُمُعَةِ فَقَالَ إنْ كَانَ وَقْتُ الْجُمُعَةِ بافيا فَجُمُعَةٌ وَإِلَّا فَظُهْرٌ فَبَانَ بَقَاؤُهُ فَفِي صِحَّةِ الْجُمُعَةِ وَجْهَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي نِيَّةِ الصَّوْمِ
* مَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ صَوْمٌ إلَّا بِنِيَّةٍ سَوَاءٌ الصَّوْمُ الْوَاجِبُ مِنْ رَمَضَانَ وَغَيْرُهُ وَالتَّطَوُّعُ وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كافة الا عطاء ومجاهد وَزُفَرَ فَإِنَّهُمْ قَالُوا إنْ كَانَ الصَّوْمُ مُتَعَيَّنًا بان يكون صحبحا مقما فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فَأَمَّا صَوْمُ النَّذْرِ

(6/300)


وَالْكَفَّارَةِ فَيُشْتَرَطُ لَهُ النِّيَّةُ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ
* وَاحْتُجَّ لِعَطَاءٍ وَمُوَافِقِيهِ بِأَنَّ رَمَضَانَ مُسْتَحَقُّ الصَّوْمِ يَمْنَعُ غَيْرَهُ مِنْ الْوُقُوعِ فِيهِ فَلَمْ يَفْتَقِرْ إلَى نِيَّةٍ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ " إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ " وَبِحَدِيثِ حَفْصَةَ السَّابِقِ وَقِيَاسًا عَلَى الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَلِأَنَّ الصَّوْمَ هُوَ الْإِمْسَاكُ لُغَةً وَشَرْعًا وَلَا يتميز الشرعي عن اللغوى الا بالنية فوجبت للتمييز (وَالْجَوَابُ) عَمَّا ذَكَرُوهُ أَنَّهُ مُنْتَقِضٌ بِالصَّلَاةِ إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ وَقْتِهَا إلَّا قَدْرُ الْفَرْضِ فَإِنَّ هَذَا الزَّمَانَ مُسْتَحِقٌّ لِفِعْلِهَا وَيَمْنَعُ مِنْ إيقَاعِ غَيْرِهَا فِيهِ وَتَجِبُ فِيهَا النِّيَّةُ بِالْإِجْمَاعِ وَقَدْ يُجِيبُونَ عَنْ هَذَا بِأَنَّ ذَلِكَ الزَّمَانَ وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ فِيهِ صَلَاةٌ أُخْرَى لَكِنْ لَوْ فُعِلَتْ انْعَقَدَتْ وَقَدْ يُنَازَعُ فِي انْعِقَادِهَا لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي لَا سَبَبَ لَهَا لَوْ فُعِلَتْ فِي وَقْتِ النَّهْيِ لَا تَنْعَقِدُ عَلَى الْأَصَحِّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي نِيَّةِ صَوْمِ رَمَضَانَ
* ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالنِّيَّةِ مِنْ اللَّيْلِ وَبِهِ قَالَ
مالك واحمد واسحق وَدَاوُد وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَصِحُّ بِنِيَّةٍ قَبْلَ الزَّوَالِ قَالَ وَكَذَا النَّذْرُ الْمُعَيَّنُ وَوَافَقْنَا عَلَى صَوْمِ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ أَنَّهُمَا لَا يَصِحَّانِ إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ وَاحْتَجَّ لَهُ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " بَعَثَ يوم عشوراء إلَى أَهْلِ الْعَوَالِي وَهِيَ الْقُرَى الَّتِي حَوْلَ الْمَدِينَةِ أَنْ يَصُومُوا يَوْمَهُمْ ذَلِكَ " قَالُوا وَكَانَ صَوْمُ عَاشُورَاءَ وَاجِبًا ثُمَّ نُسِخَ وَقِيَاسًا عَلَى صوم الفل
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ حَفْصَةَ وَحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا " لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ " وَهُمَا صَحِيحَانِ سَبَقَ بَيَانُهُمَا وَبِالْقِيَاسِ عَلَى صَوْمِ الْكَفَّارَةِ وَالْقَضَاءِ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْ حَدِيثِ عَاشُورَاءَ بِجَوَابَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ لَمْ يكن واجبا وانما كان تطوعا متأكدا شديدا التَّأْكِيدِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا (وَالثَّانِي) أَنَّهُ لَوْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ كَانَ فَرْضًا فَكَانَ ابْتِدَاءُ فَرْضِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ حِينِ بَلَغَهُمْ وَلَمْ يخاطبوا بما قبله كاهل قبا فِي اسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ فَإِنَّ اسْتِقْبَالَهَا بَلَغَهُمْ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَاسْتَدَارُوا وَهُمْ فِيهَا مِنْ اسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إلَى اسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ وَأَجْزَأَتْهُمْ صَلَاتُهُمْ حَيْثُ لَمْ يَبْلُغْهُمْ الْحُكْمُ إلَّا حِينَئِذٍ وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ بِاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ قَدْ سَبَقَ قَبْلَ هَذَا فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ وَيَصِيرُ هَذَا كَمَنْ اصبح بلا نية ثم نذر في أثاء النَّهَارِ صَوْمَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَأَجَابَ الْمَاوَرْدِيُّ بِجَوَابٍ ثَالِثٍ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَاشُورَاءُ وَاجِبًا فَقَدْ نُسِخَ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أنه ليس بواجب وإذا نسخ حكم شئ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُلْحَقَ بِهِ غَيْرُهُ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى التَّطَوُّعِ فَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ لِأَنَّ التَّطَوُّعَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ وَلِأَنَّهُ ثَبَتَ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ فِيهِ وَثَبَتَ حَدِيثُ حَفْصَةَ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَوَجَبَ الْجَمْعُ بَيْنَ ذَلِكَ كُلِّهِ وَهُوَ حَاصِلٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ حَدِيثَ التَّبْيِيتِ فِي الصَّوْمِ الْوَاجِبِ وَغَيْرَهُ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*

(6/301)


{فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي النِّيَّةِ لِكُلِّ يَوْمٍ مِنْ كُلِّ صَوْمٍ
* مَذْهَبُنَا أَنَّ كُلَّ يَوْمٍ يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ سَوَاءٌ نِيَّةُ صَوْمِ رَمَضَانَ وَالْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ وَالنَّذْرِ وَالتَّطَوُّعِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حنيفة واسحق بن راهوايه وَدَاوُد وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ مَالِكٌ إذَا نَوَى فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ صَوْمَ جَمِيعِهِ كَفَاهُ لِجَمِيعِهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ لكل يوم وعن احمد واسحق رِوَايَتَانِ (أَصَحُّهُمَا) كَمَذْهَبِنَا (وَالثَّانِيَةُ) كَمَالِكٍ
* وَاحْتُجَّ لِمَالِكٍ بِأَنَّهُ عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ فَكَفَتْهُ نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ كَالْحَجِّ وَرَكَعَاتِ الصَّلَاةِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ كُلَّ يَوْمٍ
عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لَا يَرْتَبِطُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ وَلَا يَفْسُدُ بِفَسَادِ بَعْضٍ بِخِلَافِ الْحَجِّ وَرَكَعَاتِ الصَّلَاةِ
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي تَعْيِينِ النِّيَّةِ
* مَذْهَبُنَا أَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ لا يصح إلا بنعيين النِّيَّةِ وَفِي اشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْفَرِيضَةِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُشْتَرَطُ وَبِهِ قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ
(والثانى)
يشترط قالة أبو اسحق المروزى وبوجوب التعيين قال مالك وأحمد واسحق وداود والجمهور واوجب هؤلاء الاربعة نية الفرضية وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجِبُ تَعْيِينُ النِّيَّةِ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ فَلَوْ نَوَى فِيهِ صَوْمًا وَاجِبًا أَوْ صَوْمًا مُطْلَقًا أَوْ تَطَوُّعًا وَقَعَ عَنْ رَمَضَانَ إنْ كَانَ مُقِيمًا وَكَذَا صَوْمُ النَّذْرِ الْمُتَعَيَّنِ فِي زَمَانٍ مُعَيَّنٍ قَالَ فَلَوْ كَانَ مُسَافِرًا وَنَوَى فَرْضًا آخَرَ وَقَعَ عَنْ ذَلِكَ الْفَرْضِ وَإِنْ نَوَى تَطَوُّعًا فَهَلْ يَقَعُ تَطَوُّعًا كَمَا نَوَى أَمْ يَقَعُ عَنْ رَمَضَانَ فِيهِ رِوَايَتَانِ
* وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْحَجِّ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وانما لكل امرء مَا نَوَى " وَبِالْقِيَاسِ عَلَى صَوْمِ الْقَضَاءِ (وَأَجَابُوا) عَنْ الْحَجِّ بِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى التَّوْسِعَةِ وَلِهَذَا لَا يُخْرَجُ مِنْهُ بِالْإِفْسَادِ وَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ عَلَى إحْرَامٍ كَإِحْرَامِ غَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِهِمْ فِيمَنْ أَصْبَحَ فِي رَمَضَانَ بِلَا نِيَّةٍ ثُمَّ جَامَعَ قَبْلَ الزَّوَالِ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لكن يأثم وقال أبو يوسف عليه الكفارة قَالَ وَلَوْ جَامَعَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَلَا كَفَّارَةَ وَالْأَكْلُ عِنْدَهُ كَالْجِمَاعِ فِي هَذَا قَالَ لِأَنَّ صَوْمَهُ قَبْلَ الزَّوَالِ مُرَاعًى حَتَّى لَوْ نَوَاهُ صَحَّ عِنْدَهُ فَإِذَا أَكَلَ أَوْ جَامَعَ فَقَدْ أَسْقَطَ الْمُرَاعَاةَ فَكَأَنَّهُ أَفْسَدَ الصَّوْمَ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ نِيَّةُ رَمَضَانَ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ
* وَدَلِيلُنَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ لِإِفْسَادِ الصَّوْمِ بِالْجِمَاعِ وَهَذَا لَيْسَ بِصَائِمٍ
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي نِيَّةِ صَوْمِ التَّطَوُّعِ
* ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا صِحَّتُهُ بِنِيَّةٍ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبِهِ قَالَ علي ابن أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ وَطَلْحَةُ وَأَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَآخَرُونَ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو الشَّعْثَاءِ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ التَّابِعِيِّ وَمَالِكٌ وَزُفَرُ وَدَاوُد لَا يَصِحُّ إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ وَبِهِ قَالَ الْمُزَنِيّ وَأَبُو يَحْيَى الْبَلْخِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ اسْتَثْنَى مَنْ يَسْرُدُ

(6/302)


الصَّوْمَ فَصَحَّحَ نِيَّتَهُ فِي النَّهَارِ
* وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِعُمُومِ حَدِيثَيْ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ " لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ
مِنْ اللَّيْلِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يوم فقال هل عندكم شئ قلنا لا قال فانى إذا صائم " رواه مسلم وفى رواية قال " إذا أصوم " رواها الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ هَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ تَبْيِيتِ النِّيَّةِ أَنَّهُ عَامٌّ فَنَخُصُّهُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ بَدَا لَهُ الصَّوْمُ بَعْدَ مَا زَالَتْ الشمس فصام والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* {ويدخل فِي الصَّوْمِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ وَيَخْرُجُ مِنْهُ بِغُرُوبِ الشمس لِمَا رَوَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَالَ إذَا اقبل الليل من ههنا وأدبر النهار من ههنا وغابت الشمس من ههنا فقد أفطر الصائم " ويجوز أن يأكل ويشرب ويباشر الي طلوع الفجر لقوله تَعَالَى (فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ من الخيط الاسود من الفجر) فان جامع قبل طلوع الفجر وأصبح وهو جنب جاز صومه لانه عز وجل لما أذن في المباشرة إلي طلوع الفجر ثم أمر بالصوم دل علي انه يجوز أن يصبح صائما وهو جنب وَرَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يصبح جنبا من جماع غير احتلام ثم يصوم " فان طلع الفجر وفى فيه طعام فأكله أو كان مجامعا فاستدام بطل صومه وان لفظ الطعام أو أخرج مع طلوع الفجر صح صومه وقال المزني إذا اخرج مع طلوع الفجر لم يصح صومه لان الجماع إيلاج واخراج فإذا بطل بالايلاج بطل بالاخراج والدليل علي انه يصح صومه ان الاخراج ترك للجماع وما علق علي فعل شئ لا يتعلق بتركه كما لو حلف لا يلبس هذا الثوب وهو عليه فبدأ ينزعه لم يحنث وان اكل وهو يشك فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ صَحَّ صَوْمُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بقاء الليل وإن أكل وهو شاك في غروب الشمس لم يصح صومه لان الاصل بقاء النهار}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَيْسَ فِيهِ " بَعْدَ الشَّمْسِ مِنْ هَهُنَا " وَإِنَّمَا قَالَ " وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ " وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى بِمَعْنَاهُ فَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ لِابْنِ أَبِي أَوْفَى " إذَا رَأَيْتُمْ اللَّيْلَ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ هَهُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ قِبَلَ الْمَشْرِقِ " وَلَفْظُ مُسْلِمٍ " إذَا غَابَتْ الشَّمْسُ مِنْ هَهُنَا وَجَاءَ اللَّيْلُ مِنْ هَهُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ " قَالَ الْعُلَمَاءُ إنَّمَا ذَكَرَ غُرُوبَ الشَّمْسِ وَإِقْبَالَ اللَّيْلِ وَإِدْبَارَ النَّهَارِ لِيُبَيِّنَ أَنَّ غُرُوبَهَا عَنْ الْعُيُونِ لَا يَكْفِي لِأَنَّهَا قَدْ تَغِيبُ فِي بَعْضِ الْأَمَاكِنِ
عَنْ الْعُيُونِ وَلَا تَكُونُ غَرَبَتْ حَقِيقَةً فَلَا بُدَّ مِنْ إقْبَالِ اللَّيْلِ وَإِدْبَارِ النَّهَارِ
* (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها فرواه البخاري ومسلم أيضا من روايتها وَمِنْ رِوَايَةِ أُمِّ سَلَمَةَ أَيْضًا وَقَوْلُهَا " مِنْ جِمَاعٍ غَيْرِ احْتِلَامٍ ذَكَرَتْ الْجِمَاعَ لِئَلَّا يَتَوَهَّمَ أَحَدٌ أَنَّهُ كَانَ مِنْ احْتِلَامٍ وَإِنَّ الْمُحْتَلِمَ مَعْذُورٌ لِكَوْنِهِ قَدْ يُدْرِكُهُ

(6/303)


الصُّبْحُ وَهُوَ نَائِمٌ مُحْتَلِمٌ بِخِلَافِ الْمُجَامِعِ فَبَيَّنَتْ أَنْ تِلْكَ الْجَنَابَةَ مِنْ جِمَاعٍ ثُمَّ أَكَّدَتْهُ لِشِدَّةِ الِاعْتِنَاءِ بِبَيَانِهِ فَقَالَتْ غَيْرِ احْتِلَامٍ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي بَابِ الْغُسْلِ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ هَلْ كَانَ الِاحْتِلَامُ مُتَصَوَّرًا فِي حَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ يَحْتَجُّ مَنْ صَوَّرَهُ بِمَفْهُومِ هَذَا الْحَدِيثِ وَيُجِيبُ الْآخَرُ بِأَنَّهَا ذَكَرَتْهُ لِلتَّوْكِيدِ لَا لِلِاحْتِرَازِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَقَوْلُ) الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ لَمَّا أَذِنَ فِي الْمُبَاشَرَةِ يُقَالُ بِفَتْحِ هَمْزَةِ أَذِنَ وَضَمِّهَا وَالْفَتْحُ أَجْوَدُ (وَقَوْلُهُ) لَفَظَ الطَّعَامَ هُوَ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُهُ لِأَنِّي رَأَيْتُ مَنْ يُصَحِّفُهُ (أَمَّا) أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) يَنْقَضِي الصَّوْمُ وَيَتِمُّ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ لِهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ وَسَبَقَ بَيَانُ حَقِيقَةِ غُرُوبِهَا فِي بَابِ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجِبُ إمْسَاكُ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ بَعْدَ الْغُرُوبِ لِيَتَحَقَّقَ بِهِ اسْتِكْمَالُ النَّهَارِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذَا فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ فِي مَسْأَلَةِ الْقُلَّتَيْنِ (الثَّانِيَةُ) يَدْخُلُ فِي الصَّوْمِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي وَهُوَ الْفَجْرُ الصَّادِقُ وَسَبَقَ بَيَانُهُ وَتَحْقِيقُ صِفَتِهِ في باب مواقيت الصلاة ويصير منلبسا بِالصَّوْمِ بِأَوَّلِ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَالْمُرَادُ الطُّلُوعُ الَّذِي يَظْهَرُ لَنَا لَا الَّذِي فِي نَفْسِ الْأَمْرِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَقَدْ يَطْلُعُ الْفَجْرُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ وَيَتَبَيَّنُ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ فِي بَلَدٍ آخَرَ فَيُعْتَبَرُ فِي كُلِّ بَلَدٍ طُلُوعُ فَجْرِهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَكَذَا غُرُوبُ شَمْسِهِ وَقَدْ سَبَقَ بيان هذا

(6/304)


فِي كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ فِي مَسْأَلَةِ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ فِي بَلَدٍ دُونَ بَلَدٍ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ أَنَّ الْأَحْكَامَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالْفَجْرِ تَتَعَلَّقُ كُلُّهَا بِالْفَجْرِ الثَّانِي ولا يتعلق بالفجر الاول الكاذب شئ مِنْ الْأَحْكَامِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَسَبَقَ هُنَاكَ بَيَانُ دَلَائِلِهِ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِيهِ
* {فَرْعٌ} هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ الدُّخُولِ فِي الصَّوْمِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ وَتَحْرِيمِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْجِمَاعِ بِهِ هُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ
بَعْدَهُمْ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعُلَمَاءُ الْأَمْصَارِ قَالَ وَبِهِ نَقُولُ قَالَ رَوَيْنَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ حِينَ صَلَّى الْفَجْرَ الْآنَ حِينَ تَبَيَّنَ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ قَالَ وَرُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ لَمَّا طَلَعَ الْفَجْرُ تَسَحَّرَ ثُمَّ صَلَّى قَالَ وَرُوِيَ مَعْنَاهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَقَالَ مَسْرُوقٌ لَمْ يَكُونُوا يَعُدُّونَ الْفَجْرَ فَجْرَكُمْ إنَّمَا كَانُوا يَعُدُّونَ الْفَجْرَ الَّذِي يَمْلَأُ الْبُيُوتَ وَالطُّرُقَ قَالَ وَكَانَ إِسْحَاقُ يَمِيلُ إلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْعَنَ عَلَى الْآخَرِينَ قَالَ إِسْحَاقُ وَلَا قَضَاءَ عَلَى مَنْ أَكَلَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي قَالَهُ هَؤُلَاءِ هَذَا كَلَامُ ابْنِ الْمُنْذِرِ
* وَحَكَى أصحابنا عن الاعمش واسحق بْنِ رَاهْوَيْهِ أَنَّهُمَا جَوَّزَا الْأَكْلَ وَغَيْرَهُ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا أَظُنُّهُ يَصِحُّ عَنْهُمَا
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا وَالْجُمْهُورُ عَلَى هَؤُلَاءِ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ الْمُتَظَاهِرَةِ (مِنْهَا) حَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " لَمَّا نَزَلَتْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الفجر قلت يارسول اللَّهِ إنِّي أَجْعَلُ تَحْتَ وِسَادَتِي عِقَالَيْنِ عِقَالًا أَبْيَضَ وَعِقَالًا أَسْوَدَ أَعْرِفُ اللَّيْلَ مِنْ النَّهَارِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ وَسَادَكَ لَعَرِيضٌ إنَّمَا هُوَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* وَعَنْ سَهْلِ بن سعد رضي الله عنهما قال " أُنْزِلَتْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ من الخيط الاسود ولم ينزل من الفجر فكان رجال إذا أرادو الصَّوْمَ رَبَطَ أَحَدُهُمْ فِي رِجْلِهِ الْخَيْطَ الْأَبْيَضَ وَالْخَيْطَ الْأَسْوَدَ وَلَا يَزَالُ يَأْكُلُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ رُؤْيَتُهُمَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْفَجْرِ فَعَلِمُوا أَنَّهُ يَعْنِي بِهِ اللَّيْلَ مِنْ النَّهَارِ " رواه البخاري ومسلم وفى رواية مسلم رئتهما بِالرَّاءِ مَهْمُوزٍ وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَغُرَّنَّكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ وَلَا هَذَا الْعَارِضُ لِعَمُودِ الصُّبْحِ حَتَّى يَسْتَطِيرَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ أَوْ أَحَدًا مِنْكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ مِنْ سَحُورِهِ فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ أَوْ يُنَادِي بِلَيْلٍ لِيَرْجِعَ قَائِمُكُمْ وَلِيُنَبِّهَ نَائِمُكُمْ وَلَيْسَ أَنْ يَقُولَ الْفَجْرُ أَوْ الصُّبْحُ وَقَالَ بِأَصَابِعِهِ وَرَفَعَهَا إلَى فَوْقَ وَطَأْطَأَ إلَى أَسْفَلُ حَتَّى يَقُولَ

(6/305)


هَكَذَا وَقَالَ بِسَبَّابَتَيْهِ إحْدَاهُمَا فَوْقَ الْأُخْرَى ثُمَّ مَدَّهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ " رواه البخاري ومسلم
* وسبق باب مواقيت الصلاة غير هذه من الْأَحَادِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالْجِمَاعُ إلَى طُلُوعِ
الْفَجْرِ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَوْ شَكَّ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ جَازَ لَهُ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالْجِمَاعُ وَغَيْرُهَا بِلَا خِلَافٍ حَتَّى يَتَحَقَّقَ الْفَجْرُ لِلْآيَةِ الكريمة (حتى يتبين لكم الخيط الابيض) وَلِمَا صَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ " كُلْ مَا شَكَكْتَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَفِي رواية عن حبيب ابن أَبِي ثَابِتٍ قَالَ " أَرْسَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَجُلَيْنِ يَنْظُرَانِ الْفَجْرَ فَقَالَ أَحَدُهُمَا أَصْبَحْتُ وَقَالَ الْآخَرُ لَا قَالَ اخْتَلَفْتُمَا أَرِنِي شَرَابِي " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرُوِيَ هَذَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَرِنِي شَرَابِي جَارٍ عَلَى الْقَاعِدَةِ أَنَّهُ يَحِلُّ الشُّرْبُ وَالْأَكْلُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْفَجْرُ وَلَوْ كان قد تبين لما اختلف الرَّجُلَانِ فِيهِ لِأَنَّ خَبَرَيْهِمَا تَعَارَضَا وَالْأَصْلُ بَقَاءُ اللَّيْلِ وَلِأَنَّ قَوْلَهُ أَصْبَحْتُ لَيْسَ صَرِيحًا فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ فَقَدْ تُطْلَقُ هَذِهِ اللَّفْظَةُ لِمُقَارَبَةِ الْفَجْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَقَدْ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى جَوَازِ الْأَكْلِ لِلشَّاكِّ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ وَصَرَّحُوا بِذَلِكَ فَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالدَّارِمِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَخَلَائِقُ لَا يُحْصُونَ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْغَزَالِيِّ فِي الْوَسِيطِ لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ هُجُومًا فِي أَوَّلِ النَّهَارِ وَقَوْلُ الْمُتَوَلِّي فِي مَسْأَلَةِ السَّحُورِ لَا يَجُوزُ لِلشَّاكِّ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ أَنْ يَتَسَحَّرَ فَلَعَلَّهُمَا أَرَادَا بِقَوْلِهِمَا لَا يَجُوزُ أَنَّهُ لَيْسَ مُبَاحًا مُسْتَوِيَ الطَّرَفَيْنِ بَلْ الْأَوْلَى تَرْكُهُ فَإِنْ أَرَادَ بِهِ تَحْرِيمَ الْأَكْلِ عَلَى الشَّاكِّ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ فَهُوَ غَلَطٌ مُخَالِفٌ لِلْقُرْآنِ وَلِابْنِ عَبَّاسٍ وَلِجَمِيعِ الْأَصْحَابِ بَلْ لِجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ وَلَا نعرف أحد من العلماء قال بتحريمه إلا مالك فَإِنَّهُ حَرَّمَهُ وَأَوْجَبَ الْقَضَاءَ عَلَى مَنْ أَكَلَ شَاكًّا فِي الْفَجْرِ وَذَكَرَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْأَشْرَافِ بَابًا فِي إبَاحَةِ الْأَكْلِ لِلشَّاكِّ فِي الْفَجْرِ فَحَكَاهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَأَحْمَدَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَاخْتَارَهُ وَلَمْ يَنْقُلْ الْمَنْعَ إلَّا عَنْ مَالِكٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَالْأَفْضَلُ لِلشَّاكِّ أَنْ لَا يَأْكُلَ وَلَا يَفْعَلَ غَيْرَهُ مِنْ مَمْنُوعَاتِ الصَّوْمِ احْتِيَاطًا (الرَّابِعَةُ) لَوْ أَكَلَ شَاكًّا فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ وَدَامَ الشَّكُّ وَلَمْ يَبِنْ الْحَالُ بَعْدَ ذَلِكَ صَحَّ صَوْمُهُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ
* وَقَالَ مَالِكٌ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَقَدْ سَبَقَتْ أَدِلَّةُ المسألة في المسألة قبلها قال أصحابنا وينبغي للصائم أن لا يَأْكُلَ حَتَّى يَتَيَقَّنَ غُرُوبَ الشَّمْسِ فَلَوْ غَلَبَ علي ظنه غروبها باجتهاد بورد أَوْ غَيْرِهِ جَازَ لَهُ الْأَكْلُ عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وغيره وجها للاستاذ أبي اسحق الاسفراينى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْيَقِينِ بِصَبْرٍ يَسِيرٍ وَلَوْ أَكَلَ ظَانًّا غُرُوبَ الشَّمْسِ فَبَانَتْ طَالِعَةً أَوْ ظَانًّا أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ فَبَانَ طَالِعًا صَارَ
مُفْطِرًا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ

(6/306)


فيهما لانه معذر وَهُوَ مُخَرَّجٌ مِنْ الْخِلَافِ فِيمَنْ غَلَطَ فِي الْقِبْلَةِ وَمِنْ الْأَسِيرِ إذَا اجْتَهَدَ فِي الصَّوْمِ وَصَادَفَ مَا قَبْلَ رَمَضَانَ وَنَظَائِرِهِ وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ قَوْلُ الْمُزَنِيِّ وَابْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ يُفْطِرُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ لِتَقْصِيرِهِ فِي الْأُولَى وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ لِلشَّاكِّ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَيَجُوزُ فِي الثَّانِيَةِ وَمِمَّنْ حَكَى هَذَا الْوَجْهَ الرَّافِعِيُّ وَلَوْ هَجَمَ عَلَى الْأَكْلِ فِي طَرَفَيْ النَّهَارِ بِلَا ظَنٍّ وَتَبَيَّنَ الْخَطَأُ فَحُكْمُهُ مَا ذَكَرْنَا وَإِنْ بَانَ التَّيَقُّنُ أَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ فِي النَّهَارِ اسْتَمَرَّتْ صِحَّةُ صَوْمِهِ وَإِنْ دَامَ الْإِبْهَامُ وَلَمْ يَظْهَرْ الْخَطَأُ وَلَا الصَّوَابُ فَإِنْ كَانَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ فَلَا قَضَاءَ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ اللَّيْلِ وَإِنْ كَانَ فِي آخِرِهِ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النَّهَارِ وَلَوْ أَكَلَ فِي آخِرِ النَّهَارِ بِالِاجْتِهَادِ وَقُلْنَا بِالْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَجُوزُ فَاسْتَمَرَّ الْإِبْهَامُ فَلَا قَضَاءَ وَإِنْ قلنا بقول الاستاذ أبى اسحق إنَّهُ لَا يَجُوزُ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ كَمَا لَوْ أَكَلَ بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ عِنْدَهُ لَا أَثَرَ لَهُ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَنْ أَكَلَ بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ فِي آخِرِ النَّهَارِ وصادف اكله الليل حيث قلنا لاقضاء عَلَيْهِ وَبَيْنَ مَنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ أَوْ وَقْتُ الصَّلَاةِ فَصَلَّى بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ وَصَادَفَ الصَّوَابَ فَإِنَّ عَلَيْهِ الْإِعَادَةَ لِأَنَّ هُنَاكَ شَرَعَ فِي الْعِبَادَةِ شَاكًّا مِنْ غَيْرِ مُسْتَنَدٍ شَرْعِيٍّ فَلَمْ يَصِحَّ وَهُنَا لَمْ يَحْصُلْ الشَّكَّ فِي ابْتِدَاءِ الْعِبَادَةِ بَلْ مَضَتْ عَلَى الصِّحَّةِ وَشَكَّ بَعْدَ فَرَاغِهَا هَلْ وُجِدَ مُفْسِدٌ لَهَا بَعْدَ تَحَقُّقِ الدُّخُولِ فِيهَا وَقَدْ بَانَ أَنْ لَا مُفْسِدَ وَإِنَّمَا نَظِيرُهُ مِنْ الصَّلَاةِ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْهَا ثُمَّ يَشُكُّ هَلْ تَرَكَ رُكْنًا مِنْهَا أَمْ لَا ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا فَإِنَّ صَلَاتَهُ صَحِيحَةٌ بِلَا خِلَافٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} لَوْ ظَنَّ غُرُوبَ الشَّمْسِ فَجَامَعَ فَبَانَ خِلَافُهُ لَزِمَهُ قَضَاءُ الصَّوْمِ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا سَبَقَ قَالَ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ وَلِأَنَّهَا إنَّمَا تجب علي من أفسد الصوم يجماع أَثِمَ بِهِ كَمَا سَيَأْتِي إيضَاحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ تَفْرِيعًا عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ جَوَازُ الْإِفْطَارِ بِالظَّنِّ وَإِلَّا فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَفَاءً بِالضَّابِطِ الْمَذْكُورِ لِوُجُوبِهَا (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) إذَا جَامَعَ فِي اللَّيْلِ وَأَصْبَحَ وَهُوَ جُنُبٌ صَحَّ صَوْمُهُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَكَذَا لَوْ انْقَطَعَ دَمُ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ فِي اللَّيْلِ فَنَوَتَا صَوْمَ الْغَدِ وَلَمْ يَغْتَسِلَا صَحَّ صَوْمُهُمَا بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ
الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وابن مسعود وأبي ذر وزيد ابن ثَابِتٍ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَعَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَجَمَاهِيرُ التَّابِعِينَ وَالثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَهُوَ قَوْلُ سَائِرِ الْفُقَهَاءِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ لَا يَصِحُّ صَوْمُهُ قَالَ وَهُوَ الْأَشْهَرُ عَنْ أَبِي هريرة والحسن البصري وعن طاوس وعروة

(6/307)


ابن الزُّبَيْرِ رِوَايَةً عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ إنْ عَلِمَ جَنَابَتَهُ قَبْلَ الْفَجْرِ ثُمَّ نَامَ حَتَّى أَصْبَحَ لَمْ يَصِحَّ وَإِلَّا فَيَصِحُّ وَقَالَ النَّخَعِيُّ يَصِحُّ النَّفَلُ دُونَ الْفَرْضِ وَعَنْ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ صَوْمُ مُنْقَطِعَةِ الْحَيْضِ حَتَّى تَغْتَسِلَ احْتَجُّوا بِحَدِيثِ " مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فَلَا صَوْمَ لَهُ " رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ فِي صَحِيحَيْ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ
* دَلِيلُنَا نَصُّ الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصيام إلي الليل) وَيَلْزَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنْ يُصْبِحَ جُنُبًا إذَا بَاشَرَ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ (مِنْهَا) حَدِيثُ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتَا " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ غَيْرِ حُلُمٍ ثُمَّ يَصُومُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَاتٍ لَهُمَا فِي الصَّحِيحِ " مِنْ جِمَاعٍ غَيْرِ احْتِلَامٍ " وَعَنْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدْرِكُهُ الْفَجْرُ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ غَيْرِ حُلُمٍ فَيَغْتَسِلُ وَيَصُومُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْهَا " أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَفْتِيهِ وَهِيَ تَسْمَعُ مِنْ وَرَاءِ الْبَابِ فَقَالَ يارسول اللَّهِ تُدْرِكُنِي الصَّلَاةُ وَأَنَا جُنُبٌ أَفَأَصُومُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا تُدْرِكُنِي الصَّلَاةُ وَأَنَا جُنُبٌ فَأَصُومُ فَقَالَ لَسْتَ مثلنا يارسول اللَّهِ قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ فَقَالَ وَاَللَّهِ إنِّي لارجو أَنْ أَكُونَ أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَعْلَمَكُمْ بِمَا أَتَّقِي " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْأَحَادِيثُ بِمَعْنَى هَذَا كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْهُ بِجَوَابَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ مَنْسُوخٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: رَوَيْنَا عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْمُنْذِرِ قَالَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِيهِ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ لِأَنَّ الْجِمَاعَ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ مُحَرَّمًا عَلَى الصَّائِمِ فِي اللَّيْلِ بَعْدَ النَّوْمِ كَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَلَمَّا أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى الْجِمَاعَ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ جَازَ لِلْجُنُبِ إذَا أَصْبَحَ قَبْلَ الِاغْتِسَالِ أَنْ يَصُومَ فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يفتى بما سمعه من الفضل
ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْأَمْرِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَعْلَمْ النَّسْخَ فَلَمَّا سَمِعَ خَبَرَ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا رَجَعَ إلَيْهِ هَذَا كَلَامُ الْبَيْهَقِيّ عَنْ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَكَذَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ قَالَ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْوَجْهُ حَمْلُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى أَنَّهُ مَنْسُوخٌ (وَالْجَوَابُ الثَّانِي) أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ مُجَامِعٌ فَاسْتَدَامَ مَعَ عِلْمِهِ بِالْفَجْرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ إنْ احْتَلَمَ فِي اللَّيْلِ وَأَمْكَنَهُ الِاغْتِسَالُ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَمْ يَغْتَسِلْ وَأَصْبَحَ جُنُبًا بِالِاحْتِلَامِ أَوْ احْتَلَمَ فِي النَّهَارِ فَصَوْمُهُ صَحِيحٌ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي صَوْمِ الْجُنُبِ بِالْجِمَاعِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (السَّادِسَةُ) إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ وَفِي فِيهِ طَعَامٌ فَلْيَلْفِظْهُ فَإِنْ لَفَظَهُ صَحَّ صَوْمُهُ فَإِنْ ابْتَلَعَهُ أَفْطَرَ فَلَوْ لفظه في الحال فسبق منه شئ إلَى جَوْفِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَوَجْهَانِ مُخَرَّجَانِ مِنْ سَبْقِ الْمَاءِ فِي الْمَضْمَضَةِ لَكِنَّ الْأَصَحَّ هُنَا أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ وَالْأَصَحُّ فِي

(6/308)


الْمَضْمَضَةِ أَنَّهُ إنْ بَالَغَ أَفْطَرَ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ مُجَامِعٌ فَنَزَعَ فِي الْحَالِ صَحَّ صَوْمُهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَصَرِ قَالَ أَصْحَابُنَا: لِلنَّزْعِ عِنْدَ الْفَجْرِ ثَلَاثُ صُوَرٍ (إحْدَاهَا) أَنْ يَحُسَّ بِالْفَجْرِ وَهُوَ مُجَامِعٌ فَيَنْزِعُ بِحَيْثُ يَقَعُ آخِرُ النَّزْعِ مَعَ أَوَّلِ الطُّلُوعِ (وَالثَّانِيَةُ) يَطْلُعُ الْفَجْرُ وَهُوَ مُجَامِعٌ فَيَعْلَمُ الطُّلُوعَ فِي أَوَّلِهِ فَيَنْزِعُ فِي الْحَالِ (الثَّالِثَةُ) أَنْ يَمْضِيَ بَعْدَ الطُّلُوعِ لَحْظَةً وَهُوَ مُجَامِعٌ لَا يَعْلَمُ الْفَجْرَ ثُمَّ يَعْلَمَهُ فَيَنْزِعَ (أَمَّا) الثَّالِثَةُ فَلَيْسَتْ مُرَادَةً بِنَصِّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَلْ الْحُكْمُ فِيهَا بُطْلَانُ الصَّوْمِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهَا الْوَجْهُ السَّابِقُ فِيمَنْ أَكَلَ ظَانًّا أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ وَكَانَ قَدْ طَلَعَ فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَوْ مَكَثَ بَعْدَ عِلْمِهِ أَثِمَ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا مَكَثَ بَعْدَ بُطْلَانِ الصوم على الْوَجْهِ الضَّعِيفِ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ بِالِاسْتِدَامَةِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) الصُّورَتَانِ الْأُولَتَانِ فَهُمَا مُرَادَتَانِ بِالنَّصِّ فَلَا يَبْطُلُ الصَّوْمُ فِيهِمَا وَفِي الثَّانِيَةِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ شَاذٌّ أَنَّهُ يَبْطُلُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُزَنِيِّ أَيْضًا كَمَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وفد ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَ الْجَمِيعِ (أَمَّا) إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ مُجَامِعٌ فَعَلِمَ طُلُوعَهُ ثُمَّ مَكَثَ مُسْتَدِيمًا لِلْجِمَاعِ فَيَبْطُلُ صَوْمُهُ بِلَا خِلَافٍ نَصَّ عَلَيْهِ وَتَابَعَهُ الْأَصْحَابُ وَلَا يُعْلَمُ فِيهِ خِلَافٌ لِلْعُلَمَاءِ وَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقِيلَ فِيهِ قَوْلَانِ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ جَامَعَ نَاسِيًا ثُمَّ تَذَكَّرَ فَاسْتَدَامَ فَهُوَ كَالِاسْتِدَامَةِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْفَجْرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (فَإِنْ قِيلَ) كَيْفَ يَعْلَمُ الْفَجْرَ بِمُجَرَّدِ طُلُوعِهِ وَطُلُوعُهُ الْحَقِيقِيُّ يَتَقَدَّمُ عَلَى عِلْمِنَا بِهِ (فَأَجَابَ) الشَّيْخُ
أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَوَلَدُهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِجَوَابَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهَا مَسْأَلَةٌ عِلْمِيَّةٌ وَلَا يَلْزَمُ وُقُوعُهَا كَمَا يُقَالُ فِي الْفَرَائِضِ مِائَةُ جَدَّةٍ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ الصَّوَابُ الَّذِي لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ أَنَّ هَذَا مُتَصَوَّرٌ لِأَنَّا إنَّمَا تَعَبَّدْنَا بِمَا نَطَّلِعُ عَلَيْهِ لَا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَلَا مَعْنَى لِلصُّبْحِ إلَّا ظُهُورَ الضَّوْءِ لِلنَّاظِرِ وَمَا قَبْلَهُ لَا حُكْمَ لَهُ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ تَكْلِيفٌ فَإِذَا كَانَ الْإِنْسَانُ عَارِفًا بِالْأَوْقَاتِ وَمَنَازِلِ الْقَمَرِ فَيَرْصُدُ بِحَيْثُ لَا حَائِلَ فَهُوَ أَوَّلُ الصُّبْحِ الْمُعْتَبَرِ فَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَالْجُمْهُورُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي مَسَائِلَ تَقَدَّمَتْ (مِنْهَا) إذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ جَامَعَ ظَانًّا غُرُوبَ الشَّمْسِ أَوْ عَدَمَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَبَانَ خِلَافُهُ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانِ وَعَطَاءٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ وَالزُّهْرِيُّ وَالثَّوْرِيُّ كَذَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُمْ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ واحمد وابو ثور والجمهور وقال اسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ وَدَاوُد صَوْمُهُ صَحِيحٌ وَلَا قَضَاءَ وَحَكَى ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَمُجَاهِدٍ
* وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ " رواه البيهقي وغيره فِي غَيْرِ هَذَا الْبَابِ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ

(6/309)


الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ الي الليل) وَهَذَا قَدْ أَكَلَ فِي النَّهَارِ وَبِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ تَسَحَّرَ وَهُوَ يَرَى أَنَّ عَلَيْهِ لَيْلًا وَقَدْ طَلَعَ الْفَجْرُ فَقَالَ " مَنْ أَكَلَ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ فَلْيَأْكُلْ مِنْ آخِرِهِ وَمَعْنَاهُ فَقَدْ أَفْطَرَ " وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مَعْنَاهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَبِحَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ " أَفْطَرْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ غَيْمٍ ثُمَّ طَلَعَتْ الشَّمْسُ قِيلَ لهشام فامروا بالقضاء فقال بُدَّ مِنْ قَضَاءٍ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ الْإِمَامِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَخِيهِ خَالِدِ بن أسلم أن عمر ابن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ فِي يَوْمٍ ذِي غَيْمٍ وَرَأَى أَنَّهُ قَدْ أَمْسَى وَغَابَتْ الشَّمْسُ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْخَطْبُ يَسِيرٌ وَقَدْ اجْتَهَدْنَا " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ مَعْنَى الْخَطْبُ يسير قضاء يوم مكانه قال
البيهقى ورواه سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَخِيهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ عَنْ عُمَرَ مُفَسَّرًا فِي الْقَضَاءِ ثُمَّ ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِأَسَانِيدِهِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِالْقَضَاءِ فَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَنْظَلَةَ عَنْ أَبِيهِ وَكَانَ أَبُوهُ صَدِيقًا لِعُمَرَ قَالَ " كُنْتُ عِنْدَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي رَمَضَانَ فَأَفْطَرَ وَأَفْطَرَ النَّاسُ فصعد الموذن لِيُؤَذِّنَ فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ هَذِهِ الشَّمْسُ لَمْ تَغْرُبْ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَنْ كَانَ أَفْطَرَ فَلْيَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ " وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَقَالَ عُمَرُ " لَا نُبَالِي وَاَللَّهِ نَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ " ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَفِي تَظَاهُرِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْقَضَاءِ دَلِيلٌ عَلَى خَطَأِ رِوَايَةِ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ فِي تَرْكِ الْقَضَاءِ ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ ذَلِكَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ سُفْيَانَ الْحَافِظِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى عَنْ شَيْبَانَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ الْمُسَيِّبِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ " بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ فِي رَمَضَانَ وَالسَّمَاءُ مُتَغَيِّمَةٌ فَرَأَيْنَا أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَابَتْ وَأَنَّا قَدْ أَمْسَيْنَا فَأُخْرِجَتْ لَنَا عِسَاسٌ مِنْ لَبَنٍ مِنْ بَيْتِ حَفْصَةَ فَشَرِبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَشَرِبْنَا فَلَمْ نَلْبَثْ أَنْ ذَهَبَ السَّحَابُ وَبَدَتْ الشَّمْسُ فَجَعَلَ بَعْضُنَا يَقُولُ لِبَعْضٍ نَقْضِي يَوْمَنَا هَذَا فَسَمِعَ بِذَلِكَ عُمَرُ فَقَالَ وَاَللَّهِ لَا نَقْضِيهِ وَمَا يُجَانِفُنَا الْإِثْمُ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ كَذَا رَوَاهُ شَيْبَانُ وَرَوَاهُ حَفْصُ بْنُ عَتَّابٍ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَكَانَ يَقُولُ ابْنُ سُفْيَانَ يُحْمَلُ عَلَى زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ المخالفة للروايات

(6/310)


الْمُتَقَدِّمَةِ وَبَعْدَهَا مِمَّا خُولِفَ فِيهِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَزَيْدٌ ثِقَةٌ إلَّا أَنَّ الْخَطَأَ غَيْرُ مَأْمُونٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَعْصِمُنَا مِنْ الزَّلَلِ وَالْخَطَأِ بِمَنِّهِ وَسَعَةِ رَحْمَتِهِ ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ " أَفْطَرْنَا مَعَ صُهَيْبٍ الْخَيْرِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي يَوْمِ غَيْمٍ وَطَشٍّ فَبَيْنَا نَحْنُ نَتَعَشَّى إذْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَقَالَ صُهَيْبٌ طُعْمَةُ اللَّهِ أَتِمُّوا صِيَامَكُمْ إلَى اللَّيْلِ وَاقْضُوا يَوْمًا مَكَانَهُ " قَوْلُهُ عِسَاسٍ مِنْ لَبَنِ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَبِسِينٍ مهملة مكررة وهى الاقداح واحدها عسي بِضَمِّ الْعَيْنِ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْ حَدِيثِ " إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ " أَنَّهُ هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى رَفْعِ الْإِثْمِ فَإِنَّهُ عَامٌّ خُصَّ منه غرامات المتلفات وانتفاض الْوُضُوءِ بِخُرُوجِ الْحَدَثِ سَهْوًا وَالصَّلَاةُ بِالْحَدَثِ نَاسِيًا وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ فَيَخُصُّ هُنَا بِمَا
ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِهِمْ فِيمَنْ أَوْلَجَ ثُمَّ نَزَعَ مَعَ طُلُوعِ الْفَجْرِ
* ذَكَرْنَا أَنَّ مذهبا أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ وَلَا قَضَاءَ وَلَا كَفَّارَةَ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَآخَرُونَ وَقَالَ مَالِكٌ وَالْمُزَنِيُّ وَزُفَرُ وَدَاوُد يَبْطُلُ صَوْمُهُ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةً أَنَّهُ يُفْطِرُ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَفِي رِوَايَةٍ يَصِحُّ صَوْمُهُ وَلَا قَضَاءَ وَلَا كَفَّارَةَ وَقَدْ سَبَقَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ دَلِيلُ الْمَذْهَبَيْنِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ إذَا نُودِيَ بِالصَّلَاةِ وَالرَّجُلُ عَلَى امْرَأَتِهِ لَمْ يَمْنَعْهُ ذَلِكَ أَنْ يَصُومَ إذَا أَرَادَ الصِّيَامَ قَامَ وَاغْتَسَلَ وَأَتَمَّ صِيَامَهُ
* {فَرْعٌ} ذَكَرْنَا أَنَّ مَنْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَفِي فِيهِ طَعَامٌ فَلْيَلْفِظْهُ وَيُتِمَّ صَوْمُهُ فَإِنْ ابْتَلَعَهُ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْفَجْرِ بَطَلَ صَوْمُهُ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ " رَوَاهُ

(6/311)


الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي الصَّحِيحِ أَحَادِيثُ بِمَعْنَاهُ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ " إذَا سَمِعَ أَحَدُكُمْ النِّدَاءَ وَالْإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ فَلَا يَضَعْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ " وَفِي وراية " وكان المؤذن يؤذن إذا بزع الْفَجْرُ " فَرَوَى الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرِّوَايَةَ الاولي وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَرَوَاهُمَا الْبَيْهَقِيُّ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا إنْ صَحَّ مَحْمُولٌ عِنْدَ عَوَامِّ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ أَنَّهُ يُنَادَى قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِحَيْثُ يَقَعُ شُرْبُهُ قُبَيْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَالَ وَقَوْلُهُ إذَا بَزَغَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ مَنْ دُونَ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ يَكُونَ خبرا عن الْأَذَانِ الثَّانِي وَيَكُونُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إذَا سَمِعَ أَحَدُكُمْ النِّدَاءَ وَالْإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ " خَبَرًا عَنْ النِّدَاءِ الْأَوَّلِ لِيَكُونَ مُوَافِقًا لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنهما قَالَ وَعَلَى هَذَا تَتَّفِقُ الْأَخْبَارُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* {ويحرم علي الصائم الاكل والشرب لقوله سبحانه وتعالي (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصيام الي الليل) فان أكل أو شرب وهو ذاكر للصوم عالم بتحريمه مختار بطل صومه لانه فعل ما ينافى الصوم من غير عذر وان استعط أو صب الماء في
اذنه فوصل الي دماغه بطل صومه لما روى لقيط بن صبرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال " إذا استنشقت فابلغ الوضوء الا أن تكون صائما " فدل علي أنه إذا وصل إلى الدماغ شئ بطل صومه ولان الدماغ أحد الجوفين فبطل الصوم بالواصل إليه كالبطن وان احتقن بطل صومه لانه إذا بطل بما يصل إلى الدماغ بالسعوط فلان يبطل بما يصل إلى الجوف بالحقنة أولى وان كان به جائفة أو آمة فداواها فوصل الدواء الي جوفه أو إلى الدماغ أو طَعَنَ نَفْسَهُ أَوْ طَعَنَهُ غَيْرُهُ بِإِذْنِهِ فَوَصَلَتْ الطعنة الي جوفه بطل صومه لما ذكرنا في السعوط والحقنة وان زرق في احليلة شيئا أو أدخل فيه ميلا ففيه وجهان
(أحدهما)
يبطل صومه لانه منفذ يتعلق الفطر بالخارج منه فتعلق بالواصل إليه كالفم
(والثانى)
لا يبطل لان ما يصل الي المتانة لا يصل الي الجوف فهو بمنزلة مالو ترك في فمه شيئا}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ لَقِيطٍ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَغَيْرُهُمْ وَلَفْظُهُمْ عَنْ لَقِيطٍ " قَالَ قلت يارسول اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنْ الْوُضُوءِ قَالَ أَسْبِغْ الْوُضُوءَ وَخَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا " قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ صِفَةِ الْوُضُوءِ بَيَانُ هَذَا الْحَدِيثِ وَبَيَانُ حَالِ لَقِيطٍ وَابْنُ صَبِرَةَ بِفَتْحِ الصَّادِ وَكَسْرِ الْبَاءِ وَيَجُوزُ إسْكَانُ الْبَاءِ مَعَ فَتْحِ الصَّادِ وَكَسْرِهَا وَوَقَعَ فِي نُسَخِ الْمُهَذَّبِ فِي حَدِيثِ لَقِيطٍ " فَأَبْلِغْ الوضوء " وهذه اللفظة غير

(6/312)


مَعْرُوفَةٌ وَالْمَعْرُوفُ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ رِوَايَةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالسُّعُوطِ بِضَمِّ السِّينِ هُوَ نَفْسُ الْفِعْلِ وهو جعل الشئ فِي الْأَنْفِ وَجَذْبُهُ إلَى الدِّمَاغِ وَالسَّعُوطُ بِفَتْحِهَا اسم للشئ الَّذِي يَتَسَعَّطُهُ كَالْمَاءِ وَالدُّهْنِ وَغَيْرِهِمَا وَالْمُرَادُ هُنَا بِالضَّمِّ (وَقَوْلُهُ) فَلَأَنْ يَبْطُلَ هُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ (وَالْآمَّةُ) بِالْمَدِّ هِيَ الْجِرَاحَةُ الْوَاقِعَةُ فِي الرَّأْسِ بِحَيْثُ تَبْلُغُ أُمَّ الدِّمَاغِ وَالْمَنْفَذُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالْمَثَانَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَبِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَهِيَ مَجْمَعُ الْبَوْلِ (أَمَّا الْأَحْكَامُ) فَقَالَ أَصْحَابُنَا: أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ عَلَى الصَّائِمِ وَهُوَ مَقْصُودُ الصَّوْمِ وَدَلِيلُهُ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ وَالْإِجْمَاعُ وَمِمَّنْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَضَبَطَ الْأَصْحَابُ الدَّاخِلَ الْمُفْطِرَ بِالْعَيْنِ الْوَاصِلَةِ مِنْ الظَّاهِرِ إلَى الْبَاطِنِ فِي مَنْفَذٍ مَفْتُوحٍ عَنْ قَصْدٍ مَعَ ذِكْرِ الصَّوْمِ وَفِيهِ قُيُودٌ (مِنْهَا) الْبَاطِنُ الْوَاصِلُ إلَيْهِ وَفِيمَا يُعْتَبَرُ بِهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْجَوْفِ
(وَالثَّانِي)
يُعْتَبَرُ مَعَهُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ قُوَّةٌ تُحِيلُ الْوَاصِلَ إلَيْهِ مِنْ دَوَاءٍ أَوْ غِذَاءٍ قَالَ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُوَافِقُ لِتَفْرِيعِ الْأَكْثَرِينَ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُمْ جَعَلُوا الْحَلْقَ كَالْجَوْفِ فِي إبْطَالِ الصَّوْمِ بِوُصُولِ الْوَاصِلِ إلَيْهِ وَقَالَ إمام الحرمين إذا جاوز الشئ الْحُلْقُومَ أَفْطَرَ وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا بَاطِنُ الدِّمَاغِ وَالْبَطْنِ وَالْأَمْعَاءِ وَالْمَثَانَةِ مِمَّا يُفْطِرُ الْوُصُولُ إلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ حَتَّى لَوْ كَانَتْ بِبَطْنِهِ أَوْ بِرَأْسِهِ مَأْمُومَةٌ وَهِيَ الْآمَّةُ فَوَضَعَ عَلَيْهَا دَوَاءً فَوَصَلَ جَوْفَهُ أَوْ خَرِيطَةَ دِمَاغِهِ أَفْطَرَ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ بَاطِنَ الْأَمْعَاءِ وَبَاطِنَ الْخَرِيطَةِ وَسَوَاءٌ كَانَ الدَّوَاءُ رَطْبًا أَوْ يَابِسًا عِنْدَنَا وَحَكَى الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّ الْوُصُولَ إلَى الْمَثَانَةِ لَا يُفْطِرُ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَهُوَ شَاذٌّ (وَأَمَّا) الْحُقْنَةُ فَتُفْطِرُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ لا تفطر وهو شاذ وان كَانَ مُنْقَاسًا فَعَلَى الْمَذْهَبِ قَالَ أَصْحَابُنَا سَوَاءٌ كَانَتْ الْحُقْنَةُ قَلِيلَةً أَوْ كَثِيرَةً وَسَوَاءٌ وَصَلَتْ إلَى الْمَعِدَةِ أَمْ لَا فَهِيَ مُفْطِرَةٌ بِكُلِّ حَالٍ عِنْدَنَا (وَأَمَّا) السُّعُوطُ فَإِنْ وَصَلَ إلَى الدِّمَاغِ أَفْطَرَ بِلَا خِلَافٍ قَالَ أَصْحَابُنَا: وَمَا جَاوَزَ الْخَيْشُومَ فِي الِاسْتِعَاطِ فَقَدْ حَصَلَ فِي حد الباطن وَحَصَلَ بِهِ الْفِطْرُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَدَاخِلُ الْفَمِ وَالْأَنْفِ إلَى مُنْتَهَى الْغَلْصَمَةِ وَالْخَيْشُومِ لَهُ حُكْمُ الظَّاهِرِ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ حَتَّى لَوْ أَخْرَجَ إليه القئ أَوْ ابْتَلَعَ مِنْهُ نُخَامَةً أَفْطَرَ وَلَوْ أَمْسَكَ فِيهِ تَمْرَةً وَدِرْهَمًا وَغَيْرَهُمَا لَمْ يُفْطِرْ مَا لم ينفصل من التمرة ونحوها شئ وَلَوْ تَنَجَّسَ هَذَا الْمَوْضِعُ وَجَبَ غَسْلُهُ وَلَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ حَتَّى يَغْسِلَهُ وَلَهُ حُكْمُ الْبَاطِنِ في

(6/313)


أَشْيَاءَ (مِنْهَا) أَنَّهُ إذَا ابْتَلَعَ مِنْهُ الرِّيقَ لَا يُفْطِرُ وَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ عَلَى الْجُنُبِ والله تعالى أَعْلَمُ (وَأَمَّا) إذَا قَطَّرَ فِي إحْلِيلِهِ شَيْئًا وَلَمْ يَصِلْ إلَى الْمَثَانَةِ أَوْ زَرَّقَ فِيهِ مِيلًا فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) يُفْطِرُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
(وَالثَّانِي)
لَا (وَالثَّالِثُ) إنْ جَاوَزَ الْحَشَفَةَ أَفْطَرَ وَإِلَّا فَلَا والله اعلم
* {فرع} لو اوصل الدَّوَاءُ إلَى دَاخِلِ لَحْمِ السَّاقِ أَوْ غَرَزَ فِيهِ سِكِّينًا أَوْ غَيْرَهَا فَوَصَلَتْ مُخَّهُ لَمْ يُفْطِرْ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ عُضْوًا مُجَوَّفًا
* {فَرْعٌ} لَوْ طَعَنَ نَفْسَهُ أَوْ طَعَنَهُ غَيْرُهُ بِإِذْنِهِ فَوَصَلَتْ السِّكِّينُ جَوْفَهُ أَفْطَرَ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا سَوَاءٌ
كَانَ بَعْضُ السِّكِّينِ خَارِجًا ام لا
* {فرع} إذا ابتلع طرف خيط وَطَرَفُهُ الْآخَرُ بَارِزًا أَفْطَرَ بِوُصُولِ الطَّرَفِ الْوَاصِلِ وَلَا يُعْتَبَرُ الِانْفِصَالُ مِنْ الظَّاهِرِ وَحَكَى الْحَنَّاطِيُّ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَجْهًا فِيمَنْ أَدْخَلَ طَرَفَ خَيْطٍ جوفه أو دبره وبعضه خارج أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَلَوْ ابْتَلَعَ طَرَفَ خَيْطٍ فِي الليل وطرفه الآخر خارج فَأَصْبَحَ كَذَلِكَ فَإِنْ تَرَكَهُ بِحَالِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ حَامِلٌ لِطَرْفِهِ الْبَارِزِ وَهُوَ مُتَّصِلٌ بِنَجَاسَةٍ وَإِنْ نَزَعَهُ أَوْ ابْتَلَعَهُ بَطَلَ صَوْمُهُ وَصَحَّتْ صَلَاتُهُ إذَا غَسَلَ فَمَهُ بَعْدَ النَّزْعِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُبَادِرَ غَيْرُهُ إلَى نَزْعِهِ وَهُوَ غَافِلٌ فَيَنْزِعَهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ فَإِنْ لَمْ يَتَّفِقْ ذَلِكَ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يُحَافِظُ عَلَى الصَّلَاةِ فَيَنْزِعُهُ أَوْ يَبْلَعُهُ
(وَالثَّانِي)
يَتْرُكُهُ عَلَى حَالِهِ مُحَافَظَةً عَلَى الصَّوْمِ وَيُصَلِّي كَذَلِكَ وَيَجِبُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً فِي بَابِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ
* {فَرْعٌ} لَوْ أَدْخَلَ الرَّجُلُ أُصْبُعَهُ أَوْ غَيْرَهَا دُبُرَهُ أَوْ أَدْخَلَتْ الْمَرْأَةُ أُصْبُعَهَا أَوْ غَيْرَهَا دُبُرَهَا أَوْ قُبُلَهَا وَبَقِيَ الْبَعْضُ خَارِجًا بَطَلَ الصَّوْمُ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا إلَّا الْوَجْهَ الشَّاذَّ السَّابِقَ عَنْ الْحَنَّاطِيِّ فِي الْفَرْعِ الَّذِي قَبْلَ هذا قال أصحابنا وينبغى للصائمة أن لا تُبَالِغَ بِأُصْبُعِهَا فِي الِاسْتِنْجَاءِ قَالُوا فَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ فَرْجِهَا إذَا قَعَدَتْ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ لَهُ حكم الظاهر فيلزمها تطهيره ولا يلزمها مجاورته فَإِنْ جَاوَزَتْهُ بِإِدْخَالِ أُصْبُعِهَا زِيَادَةً عَلَيْهِ بَطَلَ صَوْمُهَا وَقَدْ سَبَقَ إيضَاحُ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ الِاسْتِطَابَةِ
* هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا كَانَ الْوَاصِلُ إلَى الْبَاطِنِ مُتَّصِلًا بِخَارِجٍ لَا يَبْطُلُ صَوْمُهُ
* دَلِيلُنَا أَنَّهُ وَصَلَ الْبَاطِنَ فَبَطَلَ صَوْمُهُ كَمَا لَوْ غَابَ كُلُّهُ
* {فَرْعٌ} لَوْ قَطَّرَ فِي أُذُنِهِ مَاءً أَوْ دُهْنًا أَوْ غَيْرَهُمَا فَوَصَلَ إلَى الدِّمَاغِ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يُفْطِرُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ لِمَا ذَكَرَهُ المصنف
(والثانى)
لا يفطر قاله أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيِّ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ

(6/314)


الْمَكْسُورَةِ وَبِالْجِيمِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ وَصَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ كلا كتحال وَادَّعَوْا أَنَّهُ لَا مَنْفَذَ مِنْ الْأُذُنِ إلَى الدِّمَاغِ وَإِنَّمَا يَصِلُهُ بِالْمَسَامِّ كَالْكُحْلِ وَكَمَا لَوْ دَهَنَ بَطْنَهُ فَإِنَّ الْمَسَامَّ تَتَشَرَّبُهُ وَلَا يُفْطِرُ بِخِلَافِ الْأَنْفِ فَإِنَّ السُّعُوطَ يَصِلُ مِنْهُ إلَى الدِّمَاغِ فِي مَنْفَذٍ مَفْتُوحٍ وَنَقَلَ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ
السِّنْجِيِّ أَنَّهُ يُفْطِرُ وَالْمَعْرُوفُ عَنْهُ مَا ذَكَرْتُهُ فَيَكُونُ ذَكَرَ الْفِطْرَ فِي بعض كتبه
*
* قال المصنف رحمه الله تعالي
* {ولا فرق بين أن يأكل ما يؤكل وما لا يؤكل فان استف ترابا أو ابتلع حصاة أو درهما أو دينارا بطل صومه لان الصوم هو الامساك عن كل ما يصل الي الجوف وهذا ما امسك ولهذا يقال فلان يأكل الطين ويأكل الحجر ولانه إذا بطل الصوم بما وصل الي الجوف مما ليس باكل كالسعوط والحقنة وجب ان يبطل ايضا بما يصل مما ليس بمأكول وان قلع ما يبقى بين اسنانه بلسانه وابتلعه بطل صومه وان جمع في فمه ريقا كثيرا وابتلعه ففيه وجهان (احدهما) يبطل صومه لانه ابتلع ما يمكنه الاحتراز منه مما لا حاجة به إليه فاشبه مااذا قلع مابين اسنانه وابتلعه (والثاني) لا يبطل لانه وصل إلى جوفه من معدنه فاشبه ما يبتلعه من ريقه علي عادته فان اخرج البلغم من صدره ثم ابتلعه أو جذبه من رأسه بطل صومه وان استقاء بطل صومه لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " من استقاء فعليه القضاء ومن ذرعه القئ فلا قضاء عليه " ولان القئ إذا صعد تردد فيرجع بعضه الي الجوف فيصير كطعام ابتلعه}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ لَا أَرَاهُ مَحْفُوظًا وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مَرْفُوعًا كَمَا ذَكَرْنَا وَمَوْقُوفًا عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ وَإِسْنَادُ أَبِي دَاوُد وَغَيْرُهُ فِيهِ إسْنَادُ الصَّحِيحِ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ وقد سبق مَرَّاتٍ أَنَّ مَا لَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد فَهُوَ عِنْدَهُ حُجَّةٌ إمَّا صَحِيحٌ وَإِمَّا حَسَنٌ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ تَفَرَّدَ بِهِ هِشَامُ ابن حَسَّانَ قَالَ وَبَعْضُ الْحُفَّاظِ لَا يَرَاهُ مَحْفُوظًا قَالَ قَالَ أَبُو دَاوُد وَسَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حنبل يقول ليس من ذا شئ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ أَوْجُهٍ أُخَرَ ضَعِيفَةٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا قَالَ وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثُمَّ رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ " إذَا تَقَايَأَ وَهُوَ صَائِمٌ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وإذا ذرعه القئ فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ " وَهَذَا ضَعِيفٌ فَإِنَّ الْحَارِثَ ضَعِيفٌ مَتْرُوكٌ كَذَّابٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ معدان ابن طَلْحَةَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاءَ فَأَفْطَرَ " قَالَ معدان لقيت

(6/315)


ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَقُلْتُ لَهُ إنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ أَخْبَرَنِي " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاءَ فَأَفْطَرَ فَقَالَ صَدَقَ أَنَا صَبَبْتُ عَلَيْهِ وُضُوءَهُ " فَهَذَا حَدِيثٌ مُخْتَلَفٌ فِي إسْنَادِهِ فَإِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى القئ عَامِدًا وَكَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ صائما تطوعا قال وروى مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ (وَأَمَّا) حَدِيثُ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ " أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَائِمًا فَقَاءَ فَأَفْطَرَ فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إنِّي قِئْتُ " قَالَ وَهُوَ أَيْضًا مَحْمُولٌ عَلَى الْعَمْدِ قَالَ وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُفْطِرُ مَنْ قَاءَ وَلَا مَنْ احْتَلَمَ وَلَا مَنْ احْتَجَمَ " فَهُوَ مَحْمُولٌ إنْ صَحَّ عَلَى مَنْ ذرعه القئ قَالَ وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدِ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال " ثلاث لا يفطرن الصائم القئ وَالِاحْتِلَامُ وَالْحِجَامَةُ " قَالَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ضَعِيفٌ وَالْمَحْفُوظُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ هُوَ الْأَوَّلُ هَذَا كَلَامُ الْبَيْهَقِيّ وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ هَذَا وَضَعَّفَهُ وَقَالَ هُوَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ قَالَ وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ مُرْسَلًا لَمْ يَذْكُرُوا أَبَا سَعِيدٍ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا حَدِيثَ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَثَوْبَانَ مِنْ رِوَايَةِ مَعْدَانَ بْنِ طَلْحَةَ كَمَا سَبَقَ وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَالَ فِيهِ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الا من حديث عيسى ابن يُونُسَ قَالَ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ لَا أَرَاهُ مَحْفُوظًا قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَلَا يصح اسناده قال وقد رُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَثَوْبَانَ وَفَضَالَةَ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاءَ فَأَفْطَرَ " قَالَ وَإِنَّمَا مَعْنَى هَذَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ صَائِمًا مُتَطَوِّعًا فَقَاءَ فَضَعُفَ فَأَفْطَرَ لِذَلِكَ هَكَذَا رُوِيَ فِي بَعْضِ الْحَدِيثِ مُفَسَّرًا قَالَ وَالْعَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّ الصَّائِمَ إذَا ذرعه القئ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَإِذَا
اسْتِقَاءَ عَمْدًا فَلْيَقْضِ هَذَا كَلَامُ التِّرْمِذِيِّ وَذَكَرَ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ حَدِيثَيْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَثَوْبَانَ وَقَالَ هُمَا صَحِيحَانِ
* فَالْحَاصِلُ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ بِمَجْمُوعِ طُرُقِهِ وَشَوَاهِدِهِ الْمَذْكُورَةِ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَكَذَا نَصَّ عَلَى حُسْنِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْحُفَّاظِ وَكَوْنُهُ تَفَرَّدَ بِهِ هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ لَا يَضُرُّ لِأَنَّهُ ثِقَةٌ وَزِيَادَةٌ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ والفقه والاصول (وقوله) ذرعه

(6/316)


القئ هُوَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ غَلَبَهُ وَإِنَّمَا قَاسَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْوَاصِلِ بِالسَّعُوطِ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَّ فِيهِ وَهُوَ حَدِيثُ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ السَّابِقُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَالَ الشَّافِعِيُّ والاصحاب رحمهم الله إذا ابتلع الصائم مالا يُؤْكَلُ فِي الْعَادَةِ كَدِرْهَمٍ وَدِينَارٍ أَوْ تُرَابٍ أَوْ حَصَاةٍ أَوْ حَشِيشًا أَوْ نَارًا أَوْ حَدِيدًا أَوْ خَيْطًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ أَفْطَرَ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَبَعْضِ أَصْحَابِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ بِذَلِكَ وَحَكَوْا عَنْ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ كَانَ يَتَنَاوَلُ الْبَرَدَ وَهُوَ صَائِمٌ وَيَبْتَلِعُهُ وَيَقُولُ لَيْسَ هُوَ بِطَعَامٍ وَلَا شَرَابٍ وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَبِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَوْ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ " إنَّمَا الْوُضُوءُ مِمَّا يَخْرُجُ وَلَيْسَ مِمَّا يَدْخُلُ وَإِنَّمَا الْفِطْرُ مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ " وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (الثَّانِيَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا بَقِيَ فِي خَلَلِ أَسْنَانِهِ طَعَامٌ فَيَنْبَغِي إنْ يُخَلِّلَهُ فِي اللَّيْلِ وَيُنَقِّيَ فَمَهُ فان اصبح صائما وفى خلل اسنانه شئ فَابْتَلَعَهُ عَمْدًا أَفْطَرَ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو يُوسُفَ وَأَحْمَدُ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُفْطِرُ وَقَالَ زُفَرُ يُفْطِرُ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَدَلِيلُنَا فِي فِطْرِهِ أَنَّهُ ابْتَلَعَ مَا يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَلَا تَدْعُو حَاجَتُهُ إلَيْهِ فَبَطَلَ صَوْمُهُ كَمَا لَوْ أَخْرَجَهُ إلَى يَدِهِ ثم ابتلعه ولدليل عَلَى زُفَرَ أَنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا وَجَبَتْ فِي الْجِمَاعِ لِفُحْشِهِ فَلَا يُلْحَقُ بِهِ مَا دُونَهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (أَمَّا) إذَا جَرَى بِهِ الرِّيقُ فَبَلَعَهُ بِغَيْرِ قَصْدٍ فَنَقَلَ الْمُزَنِيّ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ وَنَقَلَ الرَّبِيعُ أَنَّهُ يُفْطِرُ فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ فِي فِطْرِهِ بِذَلِكَ قَوْلَانِ عَمَلًا بِالنَّصَّيْنِ وَالصَّحِيحُ الَّذِي قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ إنَّهُمَا عَلَى حَالَيْنِ فَحَيْثُ قَالَ لَا يُفْطِرُ أَرَادَ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَمْيِيزِهِ وَمَجِّهِ وَحَيْثُ قَالَ يُفْطِرُ أَرَادَ إذَا قَدَرَ فَلَمْ يَفْعَلْ وَابْتَلَعَهُ وَقَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِأَنَّهُ لَا يُفْطِرُ وَقَالَ إمَامُ
الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ: إنْ نَقَّى أَسْنَانَهُ بِالْخِلَالِ عَلَى الْعَادَةِ لَمْ يُفْطِرْ كَغُبَارِ الطريق وإلا افطر لنقصيره كَالْمُبَالَغَةِ فِي الْمَضْمَضَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلِقَائِلٍ أَنْ ينازعهما فِي إلْحَاقِهِ بِالْمُبَالَغَةِ الَّتِي وَرَدَ النَّصُّ بِالنَّهْيِ عَنْهَا وَلِأَنَّ مَاءَ الْمُبَالَغَةِ أَقْرَبُ إلَى الْجَوْفِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} لَوْ ابْتَلَعَ شَيْئًا يَسِيرًا جِدًّا كَحَبَّةِ سِمْسِمٍ أَوْ خَرْدَلٍ وَنَحْوِهِمَا أَفْطَرَ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي يُفْطِرُ عِنْدَنَا وَلَا يُفْطِرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا قَالَ فِي الْبَاقِي فِي خَلَلِ الْأَسْنَانِ (الثَّالِثَةُ) ابْتِلَاعُ الرِّيقِ لَا يُفْطِرُ بِالْإِجْمَاعِ إذَا كَانَ عَلَى الْعَادَةِ لِأَنَّهُ يَعْسُرُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ قَالَ أَصْحَابُنَا: وَإِنَّمَا لَا يُفْطِرُ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يَتَمَحَّضَ الرِّيقُ فَلَوْ اخْتَلَطَ بِغَيْرِهِ وَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ أَفْطَرَ بِابْتِلَاعِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُغَيِّرُ طَاهِرًا كَمَنْ فَتَلَ خَيْطًا مَصْبُوغًا تَغَيَّرَ بِهِ رِيقُهُ أَوْ نَجِسًا كَمَنْ دَمِيَتْ لِثَتُهُ أَوْ انْقَلَعَتْ سِنُّهُ أَوْ تَنَجَّسَ فَمُهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُفْطِرُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الْمَعْفُوَّ عَنْهُ هُوَ الرِّيقُ لِلْحَاجَةِ وَهَذَا أَجْنَبِيٌّ غَيْرُ الرِّيقِ

(6/317)


وَهُوَ مُقَصِّرٌ بِهِ بِخِلَافِ غُبَارِ الطَّرِيقِ وَنَحْوِهِ فَلَوْ بَصَقَ حَتَّى ابْيَضَّ الرِّيقُ وَلَمْ يَبْقَ فِيهِ تَغَيُّرٌ فَفِي إفْطَارِهِ بِابْتِلَاعِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ قَالَ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ يُفْطِرُ وَهَذَا هُوَ الصحيح عند غيره وقطع به المتولي وآخرون وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ تَصْحِيحَهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ لِأَنَّهُ نَجِسٌ لَا يَجُوزُ ابْتِلَاعُهُ وَلَا يَطْهُرُ الْفَمُ إلَّا بِالْغَسْلِ بِالْمَاءِ كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ وَعَلَى هَذَا لَوْ أَكَلَ بِاللَّيْلِ شَيْئًا نَجِسًا وَلَمْ يَغْسِلْ فَمَهُ حَتَّى أَصْبَحَ فَابْتَلَعَ الرِّيقَ أَفْطَرَ صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا (الشَّرْطُ الثَّانِي) أَنْ يَبْتَلِعَهُ مِنْ مَعْدِنِهِ فَلَوْ خَرَجَ عَنْ فِيهِ ثُمَّ رَدَّهُ بِلِسَانِهِ أَوْ غَيْرِ لِسَانِهِ وَابْتَلَعَهُ أَفْطَرَ قَالَ أَصْحَابُنَا حَتَّى لَوْ خَرَجَ إلَى ظَاهِرِ الشَّفَةِ فَرَدَّهُ وَابْتَلَعَهُ أَفْطَرَ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ بِذَلِكَ وَلِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ مَحَلِّ الْعَفْوِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلَوْ خَرَجَ إلَى شَفَتِهِ ثُمَّ رَدَّهُ وَابْتَلَعَهُ افطر ولو اخرج لِسَانُهُ وَعَلَيْهِ رِيقٌ حَتَّى بَرَزَ لِسَانُهُ إلَى خَارِجِ فِيهِ ثُمَّ رَدَّهُ وَابْتَلَعَهُ فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ (الْمَذْهَبُ) وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ وَجْهًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ لَمْ يَنْفَصِلْ ولا يثبت حكم الخروج للشئ إلَّا بِانْفِصَالِهِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ مِنْ دَارٍ فَأَخْرَجَ رَأْسَهُ أَوْ رَجْلَهُ لَمْ يَحْنَثْ وَلَوْ أَخْرَجَ الْمُعْتَكِفُ رَأْسَهُ أَوْ رَجْلَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ لَمْ يَبْطُلْ اعْتِكَافُهُ
(وَالثَّانِي)
فِي إبْطَالِهِ وَجْهَانِ كَمَا لَوْ جَمَعَ الرِّيقَ ثُمَّ ابْتَلَعَهُ وَقَدْ سَبَقَ مِثْلُ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فِي بَابِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ فِيمَا لَوْ أَخْرَجَتْ دُودَةٌ رَأْسَهَا مِنْ فَرْجِهِ ثُمَّ رَجَعَتْ قَبْلَ انفصالها هل ينتقض وضوؤه فِيهِ
وَجْهَانِ (الْأَصَحُّ) يَنْتَقِضُ (الشَّرْطُ الثَّالِثُ) أَنْ يَبْتَلِعَهُ عَلَى الْعَادَةِ فَلَوْ جَمَعَهُ قَصْدًا ثُمَّ ابْتَلَعَهُ فَهَلْ يُفْطِرُ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) لَا يُفْطِرُ وَلَوْ اجْتَمَعَ رِيقٌ كَثِيرٌ بِغَيْرِ قَصْدٍ بِأَنْ كَثُرَ كَلَامُهُ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ بِغَيْرِ قَصْدٍ فَابْتَلَعَهُ لَمْ يُفْطِرْ بِلَا خِلَافٍ
* {فَرْعٌ} لَوْ بَلَّ الْخَيَّاطُ خَيْطًا بِالرِّيقِ ثُمَّ رَدَّهُ إلَى فِيهِ عَلَى عَادَتِهِمْ حَالَ الْفَتْلِ قَالَ أَصْحَابُنَا: إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ رُطُوبَةٌ تَنْفَصِلُ لَمْ يُفْطِرْ بِابْتِلَاعِ رِيقِهِ بَعْدَهُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْفَصِلْ شئ يَدْخُلُ جَوْفَهُ وَمِمَّنْ نَقَلَ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى هَذَا الْمُتَوَلِّي وَإِنْ كَانَتْ رُطُوبَةٌ تَنْفَصِلُ وَابْتَلَعَهَا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَمُتَابَعُوهُ وَالْمُتَوَلِّي (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ لَا يُفْطِرُ قَالَ كَمَا لَا يُفْطِرُ بِالْبَاقِي مِنْ مَاءِ الْمَضْمَضَةِ (وَأَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ يُفْطِرُ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ وَقَدْ ابْتَلَعَهُ بَعْدَ مفارقة معدنه وَانْفِصَالِهِ وَخَصَّ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ الْوَجْهَيْنِ بِمَا إذَا كَانَ جَاهِلًا تَحْرِيمَ ذَلِكَ قَالَ فَإِنْ كَانَ عَالَمًا بِتَحْرِيمِهِ أَفْطَرَ بِلَا خِلَافٍ لِتَقْصِيرِهِ
* {فَرْعٌ} لَوْ اسْتَاكَ بِسِوَاكٍ رَطْبٍ فَانْفَصَلَ مِنْ رُطُوبَتِهِ أو خشبه المتشعب شئ وَابْتَلَعَهُ أَفْطَرَ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْفُورَانِيُّ وَغَيْرُهُ
* {فَرْعٌ} اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ إذَا ابْتَلَعَ رِيقَ غَيْرِهِ أَفْطَرَ وَفِي حَدِيثُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ وَيَمُصُّ لِسَانَهَا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ فِيهِ سَعْدُ بْنُ أَوْسٍ وَمِصْدَعٌ وَهُمَا مِمَّنْ اُخْتُلِفَ فِي جَرْحِهِ وَتَوْثِيقِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ بَصَقَهُ وَلَمْ يَبْتَلِعْهُ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ)

(6/318)


قَالَ أَصْحَابُنَا النُّخَامَةُ إنْ لَمْ تَحْصُلْ فِي حَدِّ الظَّاهِرِ مِنْ الْفَمِ لَمْ تَضُرَّ بِالِاتِّفَاقِ فَإِنْ حَصَلَتْ فِيهِ بِانْصِبَابِهَا مِنْ الدِّمَاغِ فِي الثقبة النافدة مِنْهُ إلَى أَقْصَى الْفَمِ فَوْقَ الْحُلْقُومِ نَظَرَ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى صَرْفِهَا وَمَجِّهَا حَتَّى نَزَلَتْ إلَى الْجَوْفِ لَمْ تَضُرَّ وَإِنْ رَدَّهَا إلَى فَضَاءِ الْفَمِ أَوْ ارْتَدَّتْ إلَيْهِ ثُمَّ ابْتَلَعَهَا أَفْطَرَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يفطر لان جنسها معفو عنه وهذا شاذ مرود وَإِنْ قَدَرَ عَلَى قَطْعِهَا مِنْ مَجْرَاهَا وَمَجِّهَا فَتَرَكَهَا حَتَّى جَرَتْ بِنَفْسِهَا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ
(أَحَدُهُمَا)
يُفْطِرُ لِتَقْصِيرِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا هُوَ الْأَوْفَقُ لِكَلَامِ الْأَصْحَابِ
(وَالثَّانِي)
لَا يُفْطِرُ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا وَإِنَّمَا تَرَكَ الدَّفْعَ فَلَمْ يُفْطِرْ كَمَا لَوْ وَصَلَ الْغُبَارُ إلَى جَوْفِهِ مَعَ إمْكَانِ إطْبَاقِ فِيهِ وَلَمْ يُطْبِقْهُ
فَإِنَّهُ لَا يُفْطِرُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عمر وبن الصَّلَاحِ وَلَعَلَّ هَذَا الْوَجْهَ أَقْرَبُ قَالَ وَلَمْ أَجِدْ ذِكْرًا لِأَصَحِّهِمَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (الْخَامِسَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا تَقَايَأَ عَمْدًا بَطَلَ صومه وان ذرعه القئ أَيْ غَلَبَهُ لَمْ يَبْطُلْ وَهَذَانِ الطَّرَفَانِ لَا خلاف فيهما عندنا وفى سبب الفطر بالقئ عَمْدًا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَقَدْ يُفْهَمَانِ مِنْ كَلَامِ المصنف (أصحهما) ان نفس الاستقاءة مُفْطِرَةٌ كَإِنْزَالِ الْمَنِيِّ بِالِاسْتِمْنَاءِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ الْمُفْطِرَ رجوع شئ مِمَّا خَرَجَ وَإِنْ قَلَّ فَلَوْ تَقَايَأَ عَمْدًا مَنْكُوسًا أَوْ تَحَفَّظَ بِحَيْثُ تَيَقَّنَ أَنَّهُ لَمْ يرجع شئ إلَى جَوْفِهِ (فَإِنْ قُلْنَا) الْمُفْطِرُ نَفْسُ الِاسْتِقَاءَةِ أَفْطَرَ وَإِلَّا فَلَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَلَوْ استقاء عمدا وتحفظ جهده فغلبه القئ ورجع شئ (فَإِنْ قُلْنَا) الِاسْتِقَاءَةُ مُفْطِرَةٌ بِنَفْسِهَا فَهُنَا أَوْلَى (وان قلتا لا يفطر الا برجوع شئ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمُبَالَغَةِ فِي الْمَضْمَضَةِ إذَا سَبَقَ الْمَاءُ إلَى جَوْفِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا: وحيث افطر بالقئ عَمْدًا لَزِمَهُ الْقَضَاءُ فِي الصَّوْمِ الْوَاجِبِ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ فِي رَمَضَانَ وَاَللَّهُ تعالى اعلم
* {فرع} إذا اقتلع تخامة مِنْ بَاطِنِهِ وَلَفَظَهَا لَمْ يُفْطِرْ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْحَنَّاطِيُّ وَكَثِيرُونَ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِيهِ وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُفْطِرُ لانه مما تدعو إليه الحاجة (والثاني) يفطر كالقئ قَالَ الْغَزَالِيُّ مَخْرَجُ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ الْبَاطِنِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ مِنْ الظَّاهِرِ وَوَافَقَهُ الرَّافِعِيُّ فَقَالَ هَذَا ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْمُهْمَلَةَ تَخْرُجُ مِنْ الْحَلْقِ وَالْحَلْقُ بَاطِنٌ وَالْمُعْجَمَةُ تَخْرُجُ مِمَّا قَبْلَ الْغَلْصَمَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ لَكِنْ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ قَدْرَ مِمَّا بَعْدَ مَخْرَجِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ الظَّاهِرِ أَيْضًا هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُهْمَلَةَ أَيْضًا مِنْ الظَّاهِرِ وَعَجَبٌ كَوْنُهُ ضَبَطَ بِالْمُهْمَلَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ وَسَطِ الْحَلْقِ وَلَمْ يَضْبِطْ بِالْهَاءِ أَوْ الْهَمْزَةِ فَإِنَّهُمَا مِنْ أَقْصَى الْحَلْقِ (وَأَمَّا) الْخَاءُ الْمُعْجَمَةِ فَمِنْ أَدْنَى الْحَلْقِ وَكُلُّ هَذَا مشهور لاهل العربية وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ في القئ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ مَنْ تَقَايَأَ عَمْدًا أَفْطَرَ وَلَا كَفَّارَةَ

(6/319)


عَلَيْهِ إنْ كَانَ فِي رَمَضَانَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مَنْ تَقَايَأَ عَمْدًا أَفْطَرَ قَالَ ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ عُمَرَ وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ وَعَلْقَمَةُ وَالزُّهْرِيُّ ومالك واحمد واسحق وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ
وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْقَضَاءُ قَالَ وَقَالَ عَطَاءٌ وَأَبُو ثَوْرٍ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ وَقَالَ وَبِالْأَوَّلِ أَقُولُ قَالَ وَأَمَّا من ذرعه القئ فَقَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ عُمَرَ وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ ومالك والثوري والاوزاعي واحمد واسحق وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ لَا يَبْطُلُ صَوْمُهُ قَالَ وَهَذَا قَوْلُ كُلِّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ الْعِلْمُ وَبِهِ أَقُولُ قَالَ: وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رِوَايَتَانِ الْفِطْرُ وَعَدَمُهُ هَذَا نَقْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَقَالَ الْعَبْدَرِيُّ نُقِلَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لا يفطر بالقئ عَمْدًا قَالَ وَعَنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ فِي فِطْرِ من ذرعه القئ خِلَافٌ قَالَ وَقَالَ أَحْمَدُ إنْ تَقَايَأَ فَاحِشًا أَفْطَرَ فَخَصَّهُ بِالْفَاحِشِ
* دَلِيلُنَا عَلَى الْجَمِيعِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} فِي مَسَائِلَ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا (مِنْهَا) الْحُقْنَةُ ذَكَرْنَا أَنَّهَا مُفْطِرَةٌ عِنْدَنَا وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عن عطاء والثوري وابى حنيفة واحمد واسحق وَحَكَاهُ الْعَبْدَرِيُّ وَسَائِرُ أَصْحَابِنَا أَيْضًا عَنْ مَالِكٍ وَنَقَلَهُ الْمُتَوَلِّي عَنْ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَدَاوُد لَا يُفْطِرُ (وَمِنْهَا) لَوْ قَطَّرَ فِي إحْلِيلِهِ شَيْئًا فَالصَّحِيحُ عِنْدَنَا أَنَّهُ يُفْطِرُ كَمَا سَبَقَ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَدَاوُد لَا يُفْطِرُ (وَمِنْهَا) السُّعُوطُ إذَا وَصَلَ لِلدِّمَاغِ أَفْطَرَ عِنْدَنَا وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عن الثوري والاوزاعي وابو حنيفة ومالك واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ وَقَالَ دَاوُد لَا يُفْطِرُ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ (وَمِنْهَا) لَوْ صَبَّ الْمَاءَ أَوْ غَيْرَهُ فِي أُذُنَيْهِ فَوَصَلَ دِمَاغَهُ أَفْطَرَ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَدَاوُد لَا يُفْطِرُ إلَّا أَنْ يَصِلَ حَلْقَهُ (وَمِنْهَا) لَوْ دَاوَى جُرْحَهُ فَوَصَلَ الدَّوَاءُ إلَى جَوْفِهِ أَوْ دِمَاغِهِ أَفْطَرَ عِنْدَنَا سَوَاءٌ كَانَ الدَّوَاءُ رَطْبًا أَوْ يَابِسًا وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي حنيفة والمشهور عن ابي حنيفة انه يفطران كَانَ دَوَاءٌ رَطْبًا وَإِنْ كَانَ يَابِسًا فَلَا
* وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد لَا يُفْطِرُ مُطْلَقًا (وَمِنْهَا) لَوْ طَعَنَ نَفْسَهُ بِسِكِّينٍ أَوْ غَيْرِهَا فَوَصَلَتْ جَوْفَهُ أَوْ دِمَاغَهُ أَوْ طَعَنَهُ غَيْرُهُ بِأَمْرِهِ فَوَصَلَتْهُمَا أَفْطَرَ عِنْدَنَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يُفْطِرُ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ نَفَذَتْ الطَّعْنَةُ إلَى الْجَانِبِ الْآخِرِ أَفَطَرَ وَإِلَّا فَلَا (وَمِنْهَا) الطَّعَامُ الْبَاقِي بَيْنَ أَسْنَانِهِ إذَا ابْتَلَعَهُ قَدْ سَبَقَ تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا فِيهِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لا شئ عَلَى الصَّائِمِ فِيمَا يَبْلَعُهُ مِمَّا يَجْرِي مَعَ الرِّيقِ مِمَّا بَيْنَ أَسْنَانِهِ مِمَّا لَا يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهِ قَالَ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى رَدِّهِ فَابْتَلَعَهُ عَمْدًا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُفْطِرُ وَقَالَ سَائِرُ الْعُلَمَاءِ يُفْطِرُ وَبِهِ أَقُولُ وَدَلَائِلُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ سَبَقَتْ فِي مَوَاضِعِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*

(6/320)


{وتحرم المباشرة في الفرج لقوله سبحانه وتعالى (فالآن باشروهن) إلى قوله عز وجل (ثم أتموا الصيام إلى الليل) فان باشرها في الفرج بطل صومه لانه احد ما ينافى الصوم فهو كالاكل وان باشر فيما دون الفرج فانزل أو قبل فانزل بطل صومه وإن لم ينزل لم يبطل لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قبلت وَأَنَا صَائِمٌ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فقلت قبلت وانا صائم فقال ارأيت لو تمضمضت وان صائم " فشبه القبلة بالمضمضة وقد ثبت انه إذا تمضمض فوصل الماء الي جوفه افطر وان لم يصل لم يفطر فدل علي ان القبلة مثلها فان جامع قبل طلوع الفجر فاخرج مع الطلوع وانزل لم يبطل صومه لان الانزال تولد من مباشرة هو مضطر إليها فلم يبطل الصوم وان نظر وتلذذ فانزل لم يبطل صومه لانه انزل من غير مباشرة فلم يبطل الصوم كما لو نام فاحتلم وان استمنى فانزل بطل صومه لانه انزال عن مباشرة فهو كالانزال عن القبلة ولان الاستمناء كالمباشرة فيما دون الفرج من الاجنبية في الاثم والتعزير فكذلك في الافطار {الشَّرْحُ} هَذَا الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ مِمَّا غَيَّرَهُ الْمُصَنِّفُ فَجَعَلَهُ عَنْ جَابِرٍ وَأَنَّهُ هُوَ الْمُقَبِّلُ وَلَيْسَ هُوَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا الْمُقَبِّلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ السَّائِلُ وَهَذَا لَفْظُ الحديث في سنن أبي داود وسند أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَسُنَنِ الْبَيْهَقِيّ وَجَمِيعِ كُتُبِ الْحَدِيثِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَشَشْتُ فَقَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ فقلت يارسول اللَّهِ صَنَعْتُ الْيَوْمَ أَمْرًا عَظِيمًا قَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ قَالَ أَرَأَيْتَ لَوْ مَضْمَضْت مِنْ الْمَاءِ وَأَنْتَ صَائِمٌ قُلْتُ لَا بَأْسَ قَالَ فَمَهْ " هَذَا لَفْظُ الْحَدِيثِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ هُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إنَّهُ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ إنَّمَا هُوَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إثْبَاتُ الْقِيَاسِ وَالْجَمْعُ بين الشيئين في الحكم الواحد لاجتماعها فِي الشَّبَهِ لِأَنَّ الْمَضْمَضَةَ بِالْمَاءِ ذَرِيعَةٌ إلَى نُزُولِهِ إلَى الْبَطْنِ فَيَفْسُدُ الصَّوْمُ كَمَا أَنَّ الْقُبْلَةَ ذَرِيعَةٌ إلَى الْجِمَاعِ الْمُفْسِدِ لِلصَّوْمِ فَإِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا غَيْرَ مُفْطِرٍ وَهُوَ الْمَضْمَضَةُ فَكَذَا الْآخَرُ (وَقَوْلُهُ) هَشَشْتُ مَعْنَاهُ نَشَطْتُ وَارْتَحْتُ (وَقَوْلُ)
الْمُصَنِّفِ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَوْ تَمَضْمَضَ فَوَصَلَ الْمَاءُ إلَى جَوْفِهِ أَفْطَرَ هَذَا تَفْرِيعٌ مِنْهُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَضْمَضَةِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ الْجِمَاعِ فِي الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ عَلَى الصَّائِمِ وَعَلَى أَنَّ الْجِمَاعَ يُبْطِلُ صَوْمَهُ لِلْآيَاتِ الْكَرِيمَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَلِأَنَّهُ مُنَافٍ لِلصَّوْمِ فَأَبْطَلَهُ كَالْأَكْلِ وَسَوَاءٌ أَنْزَلَ أَمْ لَا فَيَبْطُلُ صَوْمُهُ فِي الْحَالَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَالْأَحَادِيثِ وَلِحُصُولِ الْمُنَافِي وَلَوْ لَاطَ بِرَجُلٍ أَوْ صبي أو اولج في قبل بهمية أَوْ دُبُرِهَا بَطَلَ صَوْمُهُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا سواء أنزل أم لا
* وقل أَبُو حَنِيفَةَ فِي اللِّوَاطِ كَمَذْهَبِنَا
* وَقَالَ فِي الْبَهِيمَةِ إنْ أَنْزَلَ بَطَلَ

(6/321)


صومه وإلا فلا وسواء في الوطئ وطئ زَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ وَأَجْنَبِيَّةٍ بِزِنًا أَوْ شُبْهَةٍ فَكُلُّهُ يُفْطِرُ بِهِ إذَا كَانَ عَالِمًا بِالصَّوْمِ (الثَّانِيَةُ) إذَا قَبَّلَ أَوْ بَاشَرَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ بِذَكَرِهِ أَوْ لَمَسَ بَشَرَةَ امْرَأَةٍ بِيَدِهِ أَوْ غَيْرِهَا فَإِنْ أَنْزَلَ الْمَنِيَّ بَطَلَ صَوْمُهُ وَإِلَّا فَلَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَنَقَلَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى بُطْلَانِ صَوْمِ مَنْ قَبَّلَ أَوْ بَاشَرَ دُونَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ وَيُسْتَدَلُّ أَيْضًا لِعَدَمِ الْفِطْرِ إذَا لَمْ يُنْزِلْ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ " وَسَيَأْتِي بَيَانُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ وَالِدِهِ أَنَّهُ حَكَى وَجْهَيْنِ فِيمَنْ ضَمَّ امْرَأَةً إلَى نَفْسِهِ وَبَيْنَهُمَا حَائِلٌ فَأَنْزَلَ قَالَ وَهُوَ عِنْدِي كَسَبْقِ مَاءِ الْمَضْمَضَةِ قَالَ فَإِنْ ضَاجَعَهَا مُتَجَرِّدًا فَهُوَ كَالْمُبَالَغَةِ فِي الْمَضْمَضَةِ قَالَ وَقَدْ وَجَدْتُ لِلشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ السِّنْجِيِّ فِي الشَّرْحِ رَمْزًا إلَى هَذَا قُلْتُ قَدْ جَزَمَ الْمُتَوَلِّي بِأَنَّهُ لَوْ قَبَّلَهَا فَوْقَ خِمَارٍ فَأَنْزَلَ لَا يُفْطِرُ لِعَدَمِ الْمُبَاشَرَةِ قَالَ وَلَوْ لَمَسَ شَعْرَهَا فَأَنْزَلَ فَفِي بُطْلَانِ صَوْمِهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى انْتِقَاضِ الْوُضُوءِ بِمَسِّهِ (الثَّالِثَةُ) إذَا جَامَعَ قَبْلَ الْفَجْرِ ثُمَّ نَزَعَ مَعَ طُلُوعِهِ أَوْ عَقِبَ طُلُوعِهِ وَأَنْزَلَ لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ لِأَنَّهُ تَوَلَّدَ مِنْ مُبَاشَرَةٍ مُبَاحَةٍ فَلَمْ يجب فيه شئ كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ قِصَاصًا فَمَاتَ المقتص مِنْهُ فَهَذَا هُوَ التَّعْلِيلُ الصَّحِيحُ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ تَوَلَّدَ مِنْ مُبَاشَرَةٍ هُوَ مُضْطَرٌّ إلَيْهَا فَلَيْسَ بِمَقْبُولٍ (الرَّابِعَةُ) إذَا نَظَرَ إلَى امرأة ونحوها وَتَلَذَّذَ فَأَنْزَلَ بِذَلِكَ لَمْ يُفْطِرْ سَوَاءٌ كَرَّرَ النَّظَرَ أَمْ لَا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا إلَّا وَجْهًا شَاذًّا حَكَاهُ السَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي أَنَّهُ إذَا كَرَّرَ النَّظَرَ فَأَنْزَلَ بَطَلَ صَوْمُهُ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَالَ أَبُو الشَّعْثَاءِ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ التَّابِعِيُّ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَحَكَى
ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ هُوَ كَالْجِمَاعِ فَيَجِبُ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ وَنَحْوُهُ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وعن مالك روايتان
(أحدهما)
كَالْحَسَنِ (وَالثَّانِيَةُ) إنْ تَابَعَ النَّظَرَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ وَإِلَّا فَالْقَضَاءُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَا شئ عَلَيْهِ وَلَوْ احْتَاطَ فَقَضَى يَوْمًا فَحَسَنٌ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي أَمَّا إذَا فَكَّرَ بِقَلْبِهِ مِنْ غير نظر فتلدذ فَأَنْزَلَ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ بِالْإِجْمَاعِ قَالَ وَإِذَا كَرَّرَ النَّظَرَ فَأَنْزَلَ أَثِمَ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ الْقَضَاءُ (الْخَامِسَةُ) إذَا اسْتَمْنَى بِيَدِهِ وَهُوَ اسْتِخْرَاجُ الْمَنِيِّ أَفْطَرَ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَوْ حَكَّ ذَكَرَهُ لِعَارِضٍ فَأَنْزَلَ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الصَّيْمَرِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ قَالُوا ويشبه أن يكونا مبنبين عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ سَبَقَ مَاءُ الْمَضْمَضَةِ إلَى جَوْفِهِ قُلْتُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ فِي مَسْأَلَةِ حَكِّ الذَّكَرِ لِعَارِضٍ لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ مُبَاشَرَةٍ مُبَاحَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) إذَا احْتَلَمَ فَلَا يُفْطِرُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ مَغْلُوبٌ كَمَنْ طَارَتْ ذُبَابَةٌ فَوَقَعَتْ فِي جَوْفِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي دَلِيلِ الْمَسْأَلَةِ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ عَنْ النَّبِيِّ

(6/322)


صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا يُفْطِرُ مَنْ قاء وَلَا مَنْ احْتَجَمَ " فَحَدِيثٌ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ به وسبق بيانه في مسالة القئ والله تعالي أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} لَوْ قَبَّلَ امْرَأَةً وَتَلَذَّذَ فَأَمْذَى وَلَمْ يُمْنِ لَمْ يُفْطِرْ عِنْدَنَا بِلَا خِلَافٍ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي ثَوْرٍ قَالَ وَبِهِ أَقُولُ
* وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ يُفْطِرُ دَلِيلُنَا أَنَّهُ خَارِجٌ لَا يُوجِبُ الْغُسْلَ فَأَشْبَهَ الْبَوْلَ {فَرْعٌ} قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ إذَا أَمْنَى الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ عَنْ مُبَاشَرَةٍ وَهُوَ صَائِمٌ أَوْ رَأَى الدَّمَ يَوْمًا كَامِلًا مِنْ فَرْجِ النِّسَاءِ لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ عُضْوٌ زَائِدٌ وَإِنْ أَمْنَى مِنْ فَرْجِ الرِّجَالِ عَنْ مُبَاشَرَةٍ وَرَأَى الدَّمَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ فَرْجِ النِّسَاءِ وَاسْتَمَرَّ الدَّمُ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَيْضِ بَطَلَ صَوْمُهُ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ رَجُلًا فَقَدْ أَنْزَلَ عَنْ مُبَاشَرَةٍ وَإِلَّا فَقَدْ حَاضَتْ فَإِنْ اسْتَمَرَّ بِهِ الدَّمُ بَعْدَ ذَلِكَ أَيَّامًا وَلَمْ يُنْزِلْ عَنْ مُبَاشَرَةٍ من آلة الرجال لم يبطل صومه في يوم انْفِرَادِ الدَّمِ أَوْ الْإِنْزَالِ وَلَا كَفَّارَةَ حَيْثُ قُلْنَا بِفِطْرِهِ لِلِاحْتِمَالِ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْبَيَانِ * قال المصنف رحمه الله {وان فعل ذلك كله ناسيا لم يبطل صومه لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ أَكَلَ ناسيا أو شرب ناسيا فلا يفطر فانما هو رزق رزقه الله " فنص على الاكل والشرب وقسنا عليه كل ما يبطل الصوم من الجماع وغيره وان فعل ذلك وهو جاهل بتحريمه لم يبطل صومه لانه يجهل تحريمه فهو كالناسي وان فعل ذلك به بغير اختياره بان اوجر الطعام في حلقه مكرها لم يبطل صومه وان شد امرأته ووطئها وهى مكرهة لم يبطل صومها وان استدخلت المرأة ذكر الرجل وهو نائم لم يبطل صومه لحديث ابي هريرة " ومن ذرعه القئ فلا قضاء عليه " فدل.
على ان كل ما حصل بغير اختياره لم يجب به القضاء ولان النبي صلى الله عليه وسلم اضاف أكل الناسي إلى الله تعالى واسقط به القضاء فدل على ان كل ما حصل بغير فعله لا يوجب القضاء وان أكره حتي أكل بنفسه أو أكرهت المرأة حتى مكنت من الوطئ فوطئها ففيه قولان
(أحدهما)
يبطل الصوم لانه فعل ما ينافى الصوم لدفع الضرر وهو ذا كر للصوم فبطل صومه كما لو أكل لخوف المرض أو شرب لدفع العطش
(والثانى)
لا يبطل لانه وصل إلى جوفه بغير اختياره فاشبه إذا أوجر في حلقه
*} {الشرح} حديث أبى هريرة " من ذرعه القئ " سبق بيانه في مسالة القئ وَحَدِيثُهُ الْأَوَّلُ " مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا " إلَى آخِرِهِ رواه الترمذي والدارقطني وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِلَفْظِهِ الَّذِي هُنَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ

(6/323)


وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ لَفْظُ الْبُخَارِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا نَسِيَ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ " وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ " مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا وَهُوَ صَائِمٌ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ " وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " من أَفْطَرَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ نَاسِيًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَوْ حَسَنٍ
* وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ شَدَّ امْرَأَتَهُ لَوْ قَالَ امْرَأَةً لَكَانَ أَحْسَنَ وَأَعَمَّ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ تَقَايَأَ أَوْ اسْتَعَطَ أَوْ جَامَعَ أَوْ فَعَلَ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ مُنَافِيَاتِ الصَّوْمِ نَاسِيًا لَمْ يُفْطِرْ عِنْدَنَا سَوَاءٌ قَلَّ ذَلِكَ أَمْ كَثُرَ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرُهُمْ وَذَكَرَ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِي أَكْلِ النَّاسِي إذَا كَثُرَ وَجْهَيْنِ كَكَلَامِ النَّاسِي فِي الصَّلَاةِ
إذَا كَثُرَ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ هُنَا وَجْهًا وَاحِدًا لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَسْتَمِرُّ بِهِ النِّسْيَانُ حَتَّى يَأْكُلَ كَثِيرًا وَيَنْدُرُ ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ وَذَكَرَ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِي جِمَاعِ النَّاسِي طَرِيقَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ لِلْأَحَادِيثِ (وَالثَّانِي) عَلَى قَوْلَيْنِ كَجِمَاعِ الْمُحْرِمِ نَاسِيًا (أَصَحُّهُمَا) لَا يُفْطِرُ (وَالثَّانِي) يُفْطِرُ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَهُوَ مُخَرَّجٌ مِنْ الْحَجِّ لَيْسَ مَنْصُوصًا وَبِهَذَا الْقَوْلِ قَالَ أَحْمَدُ فَعَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ الطَّرِيقُ الْأَوَّلُ قَالَ السَّرَخْسِيُّ الْفَرْقُ بَيْنَ جِمَاعِ النَّاسِي فِي الْإِحْرَامِ وَالصِّيَامِ أَنَّ المحرم له هيئة يتذكر بها حاله فَإِذَا نَسِيَ كَانَ مُقَصِّرًا بِخِلَافِ الصَّائِمِ
* وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْأَكْلِ وَغَيْرِهِ نَاسِيًا
* ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لا يفطر بشئ مِنْ الْمُنَافِيَاتِ نَاسِيًا لِلصَّوْمِ وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمُجَاهِدٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ عَطَاءٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ يَجِبُ قَضَاؤُهُ فِي الْجِمَاعِ نَاسِيًا دُونَ الْأَكْلِ وَقَالَ رَبِيعَةُ وَمَالِكٌ يَفْسُدُ صَوْمُ النَّاسِي فِي جَمِيعِ ذَلِكَ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ
* وَقَالَ أَحْمَدُ يَجِبُ بِالْجِمَاعِ نَاسِيًا الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ ولا شئ فِي الْأَكْلِ
* دَلِيلُنَا عَلَى الْجَمِيعِ الْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ والله تعالى أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا أَكَلَ الصَّائِمُ أَوْ شَرِبَ أَوْ جَامَعَ جَاهِلًا بِتَحْرِيمِهِ فَإِنْ كَانَ قَرِيبَ عَهْدٍ بِإِسْلَامٍ أَوْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ بِحَيْثُ يَخْفَى عَلَيْهِ كَوْنُ هَذَا مُفْطِرًا لَمْ يُفْطِرْ لِأَنَّهُ لَا يَأْثَمُ فَأَشْبَهَ النَّاسِيَ الَّذِي ثَبَتَ فِيهِ النَّصُّ وَإِنْ كَانَ مُخَالِطًا لِلْمُسْلِمِينَ بِحَيْثُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ تَحْرِيمُهُ أَفْطَرَ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ يَنْزِلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ أَطْلَقَ الْمَسْأَلَةَ وَلَوْ فَصَّلَ الْمُصَنِّفُ كَمَا فَصَّلَ غَيْرُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ كَانَ أَوْلَى (الثَّالِثَةُ) إذَا فَعَلَ بِهِ غَيْرُهُ الْمُفْطِرَ بِأَنْ أَوْجَرَ الطَّعَامَ قَهْرًا أَوْ أَسَعَطَ الْمَاءَ وَغَيْرَهُ أَوْ طُعِنَ بِغَيْرِ رِضَاهُ بِحَيْثُ وَصَلَتْ الطَّعْنَةُ جَوْفَهُ أَوْ رُبِطَتْ الْمَرْأَةُ وَجُومِعَتْ أَوْ جُومِعَتْ نَائِمَةً فَلَا فِطْرَ فِي كُلِّ ذَلِكَ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَكَذَا لَوْ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَهُ نَائِمًا أَفْطَرَتْ هِيَ دُونَهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ

(6/324)


وسواء في ذلك امرأته وَزَوْجُهَا وَالْأَجْنَبِيَّةُ وَالْأَجْنَبِيُّ وَلَا خِلَافَ عِنْدَنَا فِي شئ مِنْ هَذَا إلَّا وَجْهًا حَكَاهُ الْحَنَّاطِيُّ وَالرَّافِعِيُّ فيما إذا أَوْجَرَ أَنَّهُ يُفْطِرُ وَهَذَا شَاذٌّ مَرْدُودٌ وَلَوْ كَانَ مُغْمًى عَلَيْهِ وَقَدْ نَوَى مِنْ اللَّيْلِ وَأَفَاقَ فِي بَعْضِ النَّهَارِ وَقُلْنَا يَصِحُّ صَوْمُهُ فَأَوْجَرَهُ غَيْرُهُ شَيْئًا فِي حَالِ إغْمَائِهِ لِغَيْرِ الْمُعَالَجَةِ لَمْ
يَبْطُلْ صَوْمُهُ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْحَنَّاطِيِّ وَإِنْ أَوْجَرَهُ مُعَالَجَةً وَإِصْلَاحًا لَهُ فَهَلْ يفطر فيه وجهان مشوران فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُفْطِرُ كَغَيْرِ المعالجة لانه لاصنع لَهُ (وَالثَّانِي) يُفْطِرُ لِأَنَّ فِعْلَ الْمُعَالَجِ لِمَصْلَحَتِهِ فَصَارَ كَفِعْلِهِ قَالُوا وَنَظِيرُ الْمَسْأَلَةِ إذَا عُولِجَ الْمُحْرِمُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ بِدَوَاءٍ فِيهِ طِيبٌ هَلْ تَجِبُ الْفِدْيَةُ فِيهِ خِلَافٌ سَنُوَضِّحُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* {فَرْعٌ} لَوْ طَعَنَهُ غَيْرُهُ طَعْنَةً وَصَلَتْ جَوْفَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَكِنْ أَمْكَنَهُ دَفْعُهُ فَلَمْ يَدْفَعْهُ فَفِي فِطْرِهِ وَجْهَانِ حكاهما الدارمي (أقيسهما) لا يفطر إذ لافعل لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الرَّابِعَةُ) لَوْ أُكْرِهَ الصَّائِمُ عَلَى أَنْ يَأْكُلَ بِنَفْسِهِ أَوْ يَشْرَبَ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ أُكْرِهَتْ عَلَى التَّمْكِينِ مِنْ الوطئ فَمُكِّنَتْ فَفِي بُطْلَانِ الصَّوْمِ بِهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ قَلَّ مَنْ بَيَّنَ الْأَصَحَّ مِنْهُمَا (وَالْأَصَحُّ) لَا يَبْطُلُ مِمَّنْ صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الوجيز والعبد رى فِي الْكِفَايَةِ وَالرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ وَآخَرُونَ وَهُوَ الصَّوَابُ وَلَا تَغْتَرَّ بِتَصْحِيحِ الرَّافِعِيِّ فِي الْمُحَرَّرِ الْبُطْلَانَ وَقَدْ نَبَّهْتُ عَلَيْهِ فِي مُخْتَصَرِ الْمُحَرَّرِ
* واحتجوا لعدم الطلان بأنه بالا كراه سَقَطَ أَثَرُ فِعْلِهِ وَلِهَذَا لَا يَأْثَمُ بِالْأَكْلِ لِأَنَّهُ صَارَ مَأْمُورًا بِالْأَكْلِ لَا مَنْهِيًّا عَنْهُ فَهُوَ كَالنَّاسِي بَلْ أَوْلَى مِنْهُ بِأَنْ لَا يُفْطِرَ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِالْأَكْلِ لِدَفْعِ ضَرَرِ الْإِكْرَاهِ عَنْ نَفْسِهِ بِخِلَافِ النَّاسِي فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُخَاطَبٍ بِأَمْرٍ وَلَا نَهْيٍ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْقَائِلِ الْآخَرِ إنَّهُ أَكَلَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ فَكَانَ كَالْآكِلِ لدفع الجوع والعطش ففوقوا بينهما بأن الاكراه قادح فِي اخْتِيَارِهِ وَأَمَّا الْجُوعُ وَالْعَطَشُ فَلَا يَقْدَحَانِ في اختياره بل يزيد انه قال اصحابنا فان قلنا يفطر المنكرة فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ أُكْرِهَ عَلَى أَكْلٍ أَوْ أُكْرِهَتْ عَلَى التَّمْكِينِ مِنْ الوطئ وأما إذا اكره رجل على الوطئ فيبني على الخلاف المشهور أنه هل يتصور إكراهه علي الوطئ أَمْ لَا قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ قُلْنَا يُتَصَوَّرُ إكْرَاهُهُ فَهُوَ كَالْمُكْرَهِ فَفِي إفْطَارِهِ الْقَوْلَانِ (فَإِنْ قُلْنَا) يُفْطِرُ فَلَا كَفَّارَةَ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهَا تَجِبُ عَلَى مَنْ جَامَعَ جِمَاعًا يَأْثَمُ بِهِ وَهَذَا لَمْ يَأْثَمْ بِلَا خِلَافٍ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يُتَصَوَّرُ إكْرَاهُهُ أَفْطَرَ قَوْلًا وَاحِدًا وَوَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكْرَهٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي: لَوْ شُدَّتْ يَدَا الرَّجُلِ وَأُدْخِلَ ذَكَرُهُ فِي الْفَرْجِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ وَلَا قَصْدٍ مِنْهُ فَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ فَصَوْمُهُ صَحِيحٌ وَإِنْ أَنْزَلَ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَبْطُلُ صَوْمُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْطُلْ بِالْإِيلَاجِ فَلَمْ يَبْطُلْ بِمَا حَدَثَ مِنْهُ وَكَأَنَّهُ أَنْزَلَ مِنْ غَيْرِ مُبَاشَرَةٍ لِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ سَقَطَ أَثَرُهَا بِالْإِكْرَاهِ
(وَالثَّانِي)
يَبْطُلُ لِأَنَّ
زال لَا يَحْدُثُ إلَّا عَنْ قَصْدٍ وَاخْتِيَارٍ قَالَ فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ إنْ كَانَ فِي رَمَضَانَ وَفِي الْكَفَّارَةِ

(6/325)


وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
تَجِبُ لِأَنَّا جَعَلْنَاهُ مُفْطِرًا بِاخْتِيَارِهِ (وَالثَّانِي) لَا تَجِبُ لِلشُّبْهَةِ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْحَاوِي قُلْتُ هَذَا الْخِلَافُ فِي فِطْرِهِ شَبِيهٌ بِالْخِلَافِ فِيمَنْ أُكْرِهَ عَلَى كَلِمَةِ الطَّلَاقِ فَقَصَدَ إيقَاعَهُ فَفِي وُقُوعِهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَقَعُ لِأَنَّ اللَّفْظَ سَقَطَ أَثَرُهُ بِالْإِكْرَاهِ وَبَقِيَ مُجَرَّدُ نِيَّةٍ وَالنِّيَّةُ وَحْدَهَا لَا يَقَعُ بِهَا طَلَاقٌ (وَأَصَحُّهُمَا) يَقَعُ لِوُجُودِ قَصْدِ الطَّلَاقِ بِلَفْظِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ فِي مَسْأَلَةِ الصَّوْمِ أَنَّهُ إنْ حَصَلَ بِالْإِنْزَالِ تَفَكُّرٌ وَقَصْدٌ وَتَلَذُّذٌ أَفْطَرَ وَإِلَّا فَلَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُكْرَهَ عَلَى الْأَكْلِ وَغَيْرِهِ لَا يَبْطُلُ صَوْمُهُ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ يبطل والله تعالي أعلم
*
* قال المنصف رحمه الله تعالى
* {وإن تمضمض أو استنشق فوصل الماء الي جوفه أو دماغه فقد نص فيه علي قولين (فمن) أصحابنا من قال القولان إذا لم يبالغ فأما إذا بالغ فيبطل صومه قولا واحدا وهو الصحيح لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ للقيط بن صبرة " إذا استنشقت فأبلغ الوضوء إلا أن تكون صائما " فنهاه عن المبالغة فلو لم يكن وصول الماء في المبالغة يبطل الصوم لم يكن للنهى عن المبالغة معني ولان المبالغة منهى عنها في الصوم وماتولد من سبب منهي عنه فهو كالمباشرة والدليل عليه انه إذا جرح انسانا فمات جعل كأنه باشر قتله (ومن) اصحبنا من قال هي على قولين بالغ أو لم يبالغ (احدهما) يبطل صومه لقوله صلى الله عليه وسلم لمن قبل وهو صائم " أرأيت لو تمضمضت " فشبه القبلة بالمضمضة وإذا قبل فأنزل بطل صومه فكذلك إذا تمضمض فنزل الماء إلى جوفه وجب ان يبطل صومه
(والثانى)
لا يبطل لانه وصل إلى جوفه بغير اختياره فلم يبطل صومه كغبار الطريق وغربلة الدقيق}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ لَقِيطٍ سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا فِي فَصْلِ تَحْرِيمِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ عَلَى الصَّائِمِ وَحَدِيثُ قُبْلَةِ الصَّائِمِ وَتَشْبِيهِهَا بِالْمَضْمَضَةِ بَيَّنَّاهُ قَرِيبًا (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا وَنُصُوصُ الشَّافِعِيِّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلصَّائِمِ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ فِي وُضُوئِهِ كَمَا يُسْتَحَبَّانِ لِغَيْرِهِ لَكِنْ تُكْرَهُ الْمُبَالَغَةُ فِيهِمَا لِمَا سَبَقَ فِي بَابِ الْوُضُوءِ فَلَوْ سَبَقَ الْمَاءُ فَحَاصِلُ الْخِلَافِ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ إذَا وَصَلَ الْمَاءُ مِنْهُمَا جَوْفَهُ أَوْ دِمَاغَهُ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَصَحُّهَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ إنْ بَالَغَ أَفْطَرَ وَإِلَّا فَلَا (وَالثَّانِي) يُفْطِرُ مُطْلَقًا (وَالثَّالِثُ) لَا يُفْطِرُ مُطْلَقًا وَالْخِلَافُ فِيمَنْ هُوَ ذَاكِرٌ لِلصَّوْمِ عَالِمٌ بِالتَّحْرِيمِ فَإِنْ كَانَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا لَمْ يَبْطُلْ بِلَا خِلَافٍ كَمَا سَبَقَ وَلَوْ غَسَلَ فَمَهُ مِنْ نَجَاسَةٍ فَسَبَقَ الْمَاءُ إلَى جَوْفِهِ فَهُوَ كَسَبْقِهِ فِي الْمَضْمَضَةِ فَلَوْ بَالَغَ هَهُنَا قَالَ الرَّافِعِيُّ هَذِهِ الْمُبَالَغَةُ لِحَاجَةٍ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ كَالْمَضْمَضَةِ بِلَا مُبَالَغَةٍ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْمُبَالَغَةِ

(6/326)


لِلنَّجَاسَةِ دُونَ الْمَضْمَضَةِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مُتَعَيِّنٌ ولو سبق الماء من غسل تبرد أو من الْمَضْمَضَةِ فِي الْمَرَّةِ الرَّابِعَةِ قَالَ الْبَغَوِيّ إنْ بَالَغَ أَفْطَرَ وَإِلَّا فَهُوَ مُرَتَّبٌ عَلَى الْمَضْمَضَةِ وَأَوْلَى بِإِبْطَالِ الصَّوْمِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ هَذَا كَلَامُ الْبَغَوِيِّ وَالْمُخْتَارُ فِي الرَّابِعَةِ الْجَزْمُ بِالْإِفْطَارِ لِأَنَّهَا مَنْهِيٌّ عَنْهَا وَلَوْ جَعَلَ الْمَاءَ فِي فِيهِ لَا لِغَرَضٍ فَسَبَقَ وَنَزَلَ إلَى جَوْفِهِ فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي (أَحَدُهُمَا) يُفْطِرُ
(وَالثَّانِي)
عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَلَوْ أَصْبَحَ وَلَمْ يَنْوِ صَوْمًا فتمضمض ولم يبالغ فَسَبَقَ الْمَاءُ إلَى جَوْفِهِ ثُمَّ نَوَى صَوْمَ تَطَوُّعٍ صَحَّ صَوْمُهُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ لاأثر لِمَا سَبَقَ عَلَى الصَّحِيحِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي فَتَاوِيهِ: إنْ قُلْنَا إنَّ السَّبْقَ لَا يُبْطِلُ الصَّوْمَ صَحَّ صَوْمُهُ هَذَا وَإِلَّا فَلَا قَالَ وَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ هَذَا كَلَامُهُ وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُهِمَّةٌ نَفِيسَةٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* قَالَ الدَّارِمِيُّ: وَلَوْ كَانَ الْمَاءُ فِي فِيهِ أَوْ أَنْفِهِ فَوُجِدَ مِنْهُ عُطَاسٌ أَوْ نَحْوُهُ فَنَزَلَ الْمَاءُ بِذَلِكَ إلَى جَوْفِهِ أَوْ دِمَاغِهِ لَمْ يُفْطِرْ قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ صَوْمُ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ فَحُكْمُهُمَا سَوَاءٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ إنْ سَبَقَ الْمَاءُ فِي وُضُوءِ مَكْتُوبَةٍ لَمْ يُفْطِرْ وَإِنْ كانت نَافِلَةً أَفْطَرَ وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الْمَضْمَضَةَ مَأْمُورٌ بِهَا فِي وُضُوءِ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ إذَا تَمَضْمَضَ الصَّائِمُ لَزِمَهُ مَجُّ الْمَاءِ وَلَا يَلْزَمُهُ تَنْشِيفُ فَمِهِ بِخِرْقَةٍ وَنَحْوِهَا بِلَا خِلَافٍ قَالَ الْمُتَوَلِّي لِأَنَّ فِي ذَلِكَ مَشَقَّةً قَالَ وَلِأَنَّهُ لَا يَبْقَى فِي الْفَمِ بَعْدَ الْمَجِّ إلَّا رُطُوبَةٌ لَا تَنْفَصِلُ عَنْ الْمَوْضِعِ إذْ لَوْ انْفَصَلَتْ لَخَرَجَتْ فِي الْمَجِّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ فَسَبَقَ الْمَاءُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ إلَى جَوْفِهِ أَوْ دِمَاغِهِ
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ إنْ بَالَغَ فَالصَّحِيحُ عِنْدَنَا بُطْلَانُ صَوْمِهِ وَإِلَّا فَلَا وَمِمَّنْ قَالَ بِبُطْلَانِ الصوم مطلقا مالك وأبو حنيفة والمرنى قال الماوردى وهو قول أكثر الفقهاء وقال الحسن البصري وأحمد وإسحق وَأَبُو ثَوْرٍ لَا يَبْطُلُ مُطْلَقًا وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَابْنِ أَبِي لبلي أَنَّهُ إنْ تَوَضَّأَ لِنَافِلَةٍ بَطَلَ صَوْمُهُ وَإِنْ تَوَضَّأَ لِفَرِيضَةٍ فَلَا لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَيْهِ فِي الْفَرِيضَةِ وَمُخْتَارٌ فِي النَّافِلَةِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هَذَا ضَعِيفٌ لِوَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ سُنَّتَانِ فَهُوَ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلَيْهِمَا فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَمَنْدُوبٌ إلَيْهِمَا فِيهِمَا
(وَالثَّانِي)
أَنَّ حُكْمَ الْفِطْرِ لَا يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ وَلِهَذَا لَوْ أَجْهَدَهُ الصَّوْمُ أَكَلَ وَقَضَى وَلَوْ أَكَلَ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ قَضَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ طَارَتْ ذُبَابَةٌ فَدَخَلَتْ جَوْفَهُ أَوْ وَصَلَ إلَيْهِ غُبَارُ الطَّرِيقِ أَوْ غَرْبَلَةُ الدَّقِيقِ بِغَيْرِ تَعَمُّدٍ لَمْ يُفْطِرْ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُكَلَّفُ إطْبَاقَ فَمِهِ عِنْدَ الْغُبَارِ وَالْغَرْبَلَةِ لان

(6/327)


فِيهِ حَرَجًا فَلَوْ فَتْحَ فَمَهُ عَمْدًا حَتَّى دخله الغبار ووصل وجهه فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا قَالَ الْبَغَوِيّ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُفْطِرُ لِأَنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْ جِنْسِهِ
(وَالثَّانِي)
يُفْطِرُ لِتَقْصِيرِهِ وَهُوَ شَبِيهٌ بِالْخِلَافِ السَّابِقِ فِي دَمِ الْبَرَاغِيثِ إذَا كَثُرَ وَفِيمَا إذَا تَعَمَّدَ قَتْلَ قَمْلَةٍ فِي ثَوْبِهِ وَصَلَّى وَنَظَائِرِ ذلك والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* {وان أكل أو جامع وهو يظن أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ وَكَانَ قَدْ طَلَعَ أو يظن أن الشمس قد غربت ولم تغرب لزمه القضاء لما روى حنظلة قال " كنا بالمدينة في شهر رمضان وفى السماء شئ من السحاب فظننا أن الشمس قد غابت فأفطر بعض الناس فأمر عمر رضى الله عنه من كان قد افطر أن يصوم يوما مكانه " ولانه مفطر لانه كان يمكنه أن يثبت إلي أن يعلم فلم يعذر}
* {لشرح} هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَدَلِيلُهَا وَفُرُوعُهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا سَبَقَ بَيَانُهُ كُلِّهِ قَرِيبًا فِي فَصْلٍ يَدْخُلُ فِي الصَّوْمِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ وَيَخْرُجُ مِنْهُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَنَّ الصَّحِيحَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ آخَرَانِ سَبَقَا هُنَاكَ وَسَبَقَ بَيَانُ حَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذَا الْمَذْكُورُ فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله
*
{ومن أفطر في رمضان بغبر الجماع من غير عذر وجب عليه القضاء لقوله صلي الله عليه وسلم " من استقاء فعليه القضاء " ولان الله تعالي أوجب القضاء علي المريض والمسافر مع وجود العذر فلان يجب مع عدم العذر أولي ويجب امساك بقية النهار لانه أفطر بغير عذر فلزمه امساك بقية النهار ولا يجب عليه الكفارة لان الاصل عدم الكفارة الا فيما ورد به الشرع وقد ورد الشرع بايجاب الكفارة في الجماع وما سواه وليس في معناه لان الجماع أغلظ ولهذا يجب به الحد في ملك الغير ولا يجب فيما سواه فبقي على الاصل وان بلغ ذلك السلطان عزره لانه محرم ليس فيه حد ولا كفارة فثبت فيه التعزير كالمباشرة فيما دون الفرج من الاجنبية}
* {الشَّرْحُ} هَذَا الْحَدِيثُ سَبَقَ بَيَانُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا أَفْطَرَ الصَّائِمُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ بِغَيْرِ الجماع من غير عذر عامدا مُخْتَارًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ بِأَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ اسْتَعَطَ أَوْ بَاشَرَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ فأنرل أَوْ اسْتَمْنَى فَأَنْزَلَ أَثِمَ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَامِسَاكُ بَقِيَّةِ النَّهَارِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ الْعُظْمَى وَهِيَ عِتْقُ رَقَبَةٍ وَهَلْ تَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ وَهِيَ مُدٌّ مِنْ الطَّعَامِ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ لَا يَلْزَمُهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
(وَالثَّانِي)
حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ جُمْهُورِهِمْ لَا يَلْزَمُهُ
(وَالثَّانِي)
يَلْزَمُهُ لِأَنَّهَا إذَا لَزِمَتْ الْمُرْضِعَ وَالْحَامِلَ وَهُمَا مَعْذُورَتَانِ فَهَذَا أَوْلَى وهذا الوجه حكاه

(6/328)


البندنيجى عن أبى علي بن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَإِذَا عَلِمَ الساطان أَوْ نَائِبُهُ بِهَذَا عَزَّرَهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
* {فَرْعٌ} ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا الْخُرَاسَانِيُّونَ
* قَالُوا لَوْ رَأَى الصَّائِمُ فِي رَمَضَانَ مُشْرِفًا عَلَى الْغَرَقِ وَنَحْوَهُ ولم يمكنه تخليصه الا بالفظر لِيَتَقَوَّى فَأَفْطَرَ لِذَلِكَ جَازَ بَلْ هُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَفِي الْفِدْيَةِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِهِمْ لُزُومُهَا كَالْمُرْضِعِ (وَالثَّانِي) لَا يَلْزَمُهُ كَالْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} قَالَ أَصْحَابُنَا الْإِمْسَاكُ تَشْبِيهًا بِالصَّائِمِينَ مِنْ خَوَاصِّ رَمَضَانَ كَالْكَفَّارَةِ فَلَا إمْسَاكَ عَلَى مُتَعَدٍّ بِالْفِطْرِ فِي نَذْرٍ أَوْ قَضَاءٍ أَوْ كَفَّارَةٍ كَمَا لَا كَفَّارَةَ وَهَذَا كُلُّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا ثم
من امسك تشببها فَلَيْسَ هُوَ فِي صَوْمٍ بِخِلَافِ الْمُحْرِمِ إذَا أَفْسَدَ إحْرَامَهُ وَيَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي أَنَّ الْمُحْرِمَ لَوْ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ وَلَوْ ارْتَكَبَ الممسك محظورا فلا شئ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ سِوَى الْإِثْمِ وَقَدْ سَبَقَ بيان هذا في مَسْأَلَةِ الْإِمْسَاكِ إذَا بَانَ يَوْمُ الشَّكِّ مِنْ رَمَضَانَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجِبُ الْإِمْسَاكُ عَلَى كُلِّ مُتَعَدٍّ بِالْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ سَوَاءٌ أَكَلَ أَوْ ارْتَدَّ أَوْ نَوَى الْخُرُوجَ مِنْ الصَّوْمِ إذَا قُلْنَا يَخْرُجُ مِنْهُ بِنِيَّةِ الْخُرُوجِ وَيَجِبُ عَلَى من نسبي النِّيَّةَ مِنْ اللَّيْلِ وَأَمَّا الْمُسَافِرُ إذَا أَقَامَ وَالْمَرِيضُ إذَا بَرَأَ وَالصَّبِيُّ إذَا بَلَغَ وَالْمَجْنُونُ إذَا أَفَاقَ وَالْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ إذَا طَهُرَتَا وَالْكَافِرُ إذَا أَسْلَمَ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ فِي مَعْنَاهُمْ فَسَبَقَ بَيَانُ حُكْمِهِمْ فِي الْإِمْسَاكِ فِي أَوَائِلِ الْبَابِ مَبْسُوطًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ أَفْطَرَ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ عُدْوَانًا
* ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَ يَوْمٍ بَدَلَهُ وَإِمْسَاكَ بَقِيَّةِ النَّهَارِ وَإِذَا قَضَى يَوْمًا كَفَاهُ عَنْ الصَّوْمِ وَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُ مِنْهُ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ قال العبدى هُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ كَافَّةً إلَّا مَنْ سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَصُومَ اثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ لِأَنَّ السَّنَةَ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ يَلْزَمُهُ صَوْمُ ثلاثين يوما وقال النخعي يلزمه صوم ثلاثة الاف يوم كذا حكاه عنه ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَصْحَابُنَا وَقَالَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَا يَقْضِيهِ صَوْمُ الدَّهْرِ
* وَاحْتَجَّ لِهَذَا الْمَذْهَبِ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ رُخْصَةٍ لَمْ يُجْزِهِ صِيَامُ الدَّهْرِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ غَرِيبٍ لَكِنْ لَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد (وَأَمَّا) الْكَفَّارَةُ فِيهِ وَالْفِدْيَةُ فمذهبنا انه لا يلزمه شئ مِنْ ذَلِكَ كَمَا سَبَقَ وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَابْنُ سِيرِينَ وَالنَّخَعِيُّ وَحَمَّادُ بْنُ

(6/329)


أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مالا يُتَغَذَّى بِهِ فِي الْعَادَةِ كَالْعَجِينِ وَبَلْعِ حَصَاةٍ وَنَوَاةٍ وَلُؤْلُؤَةٍ يُوجِبُ الْقَضَاءَ وَلَا كَفَّارَةَ وَكَذَا إنْ بَاشَرَ دُونَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ أَوْ اسْتَمْنَى فلا كفارة وقال الزهري والاوزاعي والثوري واسحق: تَجِبُ الْكَفَّارَةُ الْعُظْمَى مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَيْضًا عَنْ عَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَأَبِي ثَوْرٍ وَمَالِكٍ وَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ الْعُظْمَى فِي كُلِّ
فِطْرٍ لِمَعْصِيَةٍ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَحُكِيَ عَنْهُ خِلَافُهُ قَالَ ابن المذر وَرَوَيْنَا أَيْضًا عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ عَلَيْهِ تَحْرِيرَ رَقَبَةٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا فَبَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً أَوْ عِشْرِينَ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ
* دَلِيلُنَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ هُشَيْمٍ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَّهُ أَمَرَ الذى أفطر في فِي شَهْرِ رَمَضَانَ بِكَفَّارَةِ الظِّهَارِ " وَفِي رِوَايَةٍ عن هشيم عن ليث ابن أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُهُ (فَجَوَابُهُ) مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ الْأُولَى مُرْسَلَةٌ وَالثَّانِيَةَ فِيهَا لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ (وَالْجَوَابُ الثَّانِي) جَوَابُ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ هَذَا اخْتِصَارٌ وَقَعَ مِنْ هُشَيْمٍ فَقَدْ رَوَاهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِ لَيْثٍ عَنْهُ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي هريرة رضى الله عنه مفسرا في قصته الَّذِي وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَكَذَا كُلُّ حَدِيثٍ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ مُطْلَقًا مِنْ وَجْهٍ فَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مُفَسَّرًا بِأَنَّهُ فِي قِصَّةِ الْوَاقِعِ عَلَى امْرَأَتِهِ قَالَ وَلَا يَثْبُتْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْفِطْرِ بالاكل شئ هذا كلام البيهقى والله اعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* {وان افطر بالجماع من غير عذر وجب عليه القضاء لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ الذى واقع اهله في رمضان بقضائه " ولانه إذا وجب القضاء علي المريض والمسافر وهما معذوران فعلي المجامع أولي ويجب عليه إمساك بقية النهار لانه افطر بغير عذر وفى الكفارة ثلاثة أقوال (أحدها) تجب علي الرجل دون المرأة لانه حق مال مختص بالجماع فاختص به الرجل دون المرأة كالمهر (والثاني) تجب علي كل واحد منهما كفارة لانه عقوبة تتعلق بالجماع فاستوى فيها الرجل والمرأة كحد الزنا (والثالث) تجب عليه عنه وعنها كفارة لان الاعرابي سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ فعل مشترك بينهما فاوجب عتق رقبة فدل علي أن ذلك عنه وعنها}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ لَفْظُهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ هَلَكْتُ يارسول اللَّهِ قَالَ وَمَا أَهْلَكَكَ قَالَ وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ فَقَالَ هَلْ تَجِدُ مَا تعتق رَقَبَةً قَالَ لَا قَالَ فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تصوم شهرين

(6/330)


مُتَتَابِعَيْنِ قَالَ لَا قَالَ فَهَلْ تَجِدُ مَا تطعم سِتِّينَ مِسْكِينًا قَالَ لَا ثُمَّ جَلَسَ فَأَتَى النبي صلى الله عليه وسلم بعزق فيه تمر فقال تصدق بهذا فقال أَفْقَرَ مِنَّا فَمَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إلَيْهِ مِنَّا فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ثُمَّ قَالَ اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ " وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ " أَعَلَى أفقر مني يارسول اللَّهِ " وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد قَالَ " فَأَتَى بِعِرْقٍ فِيهِ تَمْرٌ قَدْرَ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا وَفِيهَا قَالَ كُلْهُ أَنْتَ وَأَهْلُ بَيْتِكَ وَصُمْ يَوْمًا وَاسْتَغْفِرْ اللَّهَ " وَاسِنَادُ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد هَذِهِ جَيِّدٌ إلَّا أَنَّ فِيهِ رَجُلًا ضَعَّفَهُ وَقَدْ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَلَمْ يُضَعِّفْ أَبُو دَاوُد هَذِهِ الرِّوَايَةَ (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ حَقُّ مَالٍ احْتِرَازٌ مِنْ الْغُسْلِ وَالْحَدِّ (وَقَوْلُهُ) يَخْتَصُّ بِالْجِمَاعِ احْتِرَازٌ مِنْ غَرَامَةِ الْمُتْلَفَاتِ وَالزَّكَاةِ وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالْقَتْلِ (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ احْتِرَازٌ مِنْ الْمَهْرِ وَمِنْ لُحُوقِ النَّسَبِ وَحُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ في وطئ الشُّبْهَةِ فَإِنَّ الشُّبْهَةَ تُعْتَبَرُ فِي الرَّجُلِ دُونَ الْمَرْأَةِ عَلَى الصَّحِيحِ (وَقَوْلُهُ) تَتَعَلَّقُ بِالْجِمَاعِ احْتِرَازٌ مِنْ الدِّيَةِ وَمِنْ قَتْلِ الْحَرْبِيِّ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ الرجل دون المرأة (أما) احكام الْمَسْأَلَةِ فَإِذَا أَفْطَرَ الرَّجُلُ أَوْ الْمَرْأَةُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ بِالْجِمَاعِ بِغَيْرِ عُذْرٍ لَزِمَهُ إمْسَاكُ بَقِيَّةِ النَّهَارِ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَفِي وُجُوبِ قَضَاءِ ذَلِكَ الْيَوْمِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَأَكْثَرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّهُ يَجِبُ
(وَالثَّانِي)
ذَكَرَهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَصَحُّهَا) وُجُوبُهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
(وَالثَّانِي)
لَا يَجِبُ وَتَنْدَرِجُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ (وَالثَّالِثُ) إنْ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ لَمْ يَجِبْ وَإِلَّا وَجَبَ وَحَكَى بَعْضُ الْخُرَاسَانِيِّينَ هَذَا الْخِلَافَ قَوْلَيْنِ وَوَجْهًا وَقَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ أَوْمَأَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ إلَى قَوْلَيْنِ سَوَاءٌ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ أَمْ بِغَيْرِهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمَرْأَةَ يَلْزَمُهَا الْقَضَاءُ إذَا لم نوجب عليها كفارة وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِالْجِمَاعِ بِلَا خِلَافٍ وَهِيَ عَلَى الرَّجُلِ فَأَمَّا الزَّوْجَةُ الْمَوْطُوءَةُ فَإِنْ كَانَتْ مُفْطِرَةً بِحَيْضٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ صَائِمَةً وَلَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهَا لِكَوْنِهَا نَائِمَةً مَثَلًا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَتْ صَائِمَةً فَمَكَّنَتْهُ طَائِعَةً فَقَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْإِمْلَاءِ يَلْزَمُهَا كَفَّارَةٌ أُخْرَى فِي مَالِهَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَلْزَمُهَا بَلْ يَخْتَصُّ الزَّوْجُ بِهَا وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَالْقَدِيمِ فَعَلَى هَذَا هل الكفارة التي تلزم الزوح عَنْهُ خَاصَّةً أَمْ عَنْهُ وَعَنْهَا وَيَتَحَمَّلُهَا هُوَ عَنْهَا فِيهِ قَوْلَانِ مُسْتَنْبَطَانِ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَرُبَّمَا قِيلَ مَنْصُوصَانِ وَرُبَّمَا قِيلَ وَجْهَانِ وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ يَجْمَعُ الْمَسْأَلَتَيْنِ كَمَا فَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَكَثِيرُونَ وَيَقُولُ فِي الْكَفَّارَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَصَحُّهَا) تَجِبُ
عَلَى الزَّوْجِ خَاصَّةً
(وَالثَّانِي)
تَجِبُ عَلَيْهِ عنه وَعَنْهَا (وَالثَّالِثُ) يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفَّارَةٌ وَالْأَصَحُّ عَلَى الْجُمْلَةِ وُجُوبُ كَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَيْهِ خاصة عن نفسه فقط وانه لا شئ عَلَى الْمَرْأَةِ وَلَا يُلَاقِيهَا الْوُجُوبُ وَذَكَرَ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ (وَالرَّابِعُ) يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ فِي مَالِهِ كَفَّارَتَانِ كفارة

(6/331)


عنه وكفارة عنها * قال المصنف رحمه الله تعالي
* {والكفارة عِتْقُ رَقَبَةٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا والدليل عليه ماروى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلم " أمر الذى وقع على امرأته في يوم من شهر رمضان أن يعتق رقبة قال لاأجد قال صم شهرين متتابعين قال لا أستطيع قال أطعم ستين مسكينا قال لا أجد فَأَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعِرْقٍ من تمر فيه خمسة عشر صاعا قال خذه وتصدق به قال علي أفقر من أهلى والله مابين لابتى المدينة أحوج من اهلي فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بدت نواجذه قال خذه واستغفر الله تعالى واطعم أهلك " (فان قلنا) يجب عليه دونها اُعْتُبِرَ حَالُهُ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِتْقِ أَعْتَقَ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّوْمِ صَامَ وان كان من اهل الاطعام اطعم (وان قلنا) يجب علي كل واحد منهما كفارة اُعْتُبِرَ حَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنَفْسِهِ فَمَنْ كان من اهل العتق اعتق ومن كام مِنْ أَهْلِ الصَّوْمِ صَامَ وَمَنْ كَانَ مِنْ اهل الاطعام اطعم كرجلين افطرا بالجماع (فان قلنا) يجب عليه كفارة عنه وعنها اعتبر حالهما فان كانا من أهل العتق اعتق وان كانا من اهل الاطعام اطعم وان كانا من اهل الصيام وجب على كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لِأَنَّ الصوم لا يتحمل وان اختلف حالهما نظرت فان كان الرجل مِنْ أَهْلِ الْعِتْقِ وَهِيَ مِنْ أَهْلِ الصَّوْمِ اعتق رقبة ويجزئ عنهما لان من فرضه الصوم إذا أعتق اجزأه وكان ذلك افضل من الصوم وان كان من اهل الصوم وهي من اهل الاطعام لزمه ان يصوم شهرين ويطعم عنها ستين مسكينا لان النيابة تصح في الاطعام وانما اوجبنا كفارتين لان الكفارة لاتتبعض فوجب تكميل نصف كل واحد منهما وان كان الرجل من من اهل الصوم وهى من اهل العتق صام عن نفسه شهرين واعتق عنها رقبة وان كَانَ مِنْ أَهْلِ الْإِطْعَامِ وَهِيَ مِنْ أَهْلِ الصوم اطعم عن نفسه ولم يصم عنها لان الصوم لا تدخله النيابة وان كانت المرأة أَمَةً وَقُلْنَا
إنَّ الْأَمَةَ لَا تَمْلِكُ الْمَالَ فَهِيَ مِنْ أَهْلِ الصَّوْمِ وَلَا يُجْزِئُ عَنْهَا عتق فان قلنا انها تملك المال اجزأ عنها العتق كالحرة المعسرة وان قدم الرجل من السفر وهو مفطر وهي صائمة فقالت انا مفطرة فوطئها فان قلنا ان الكفارة عليه لم يلزمه ولم يلزمها وان قلنا ان الكفارة عنه وعنها وجب عليها الكفارة في مالها لانها غرته بقولها انى مفطرة وان اخبرته بصومها فوطئها وهي مطاوعة فان قلنا ان الكفارة عنه دونها لم يجب عليه شئ (وان قلنا) ان الكفارة عَنْهُ وَعَنْهَا لَزِمَهُ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهَا إنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الْعِتْقِ أَوْ الْإِطْعَامِ وَإِنْ كانت من أهل الصيام لزمها أو تصوم وان وطئ المجنون زوجته وهي صائمة مختارة (فان قلنا) ان الكفارة عنه دونها لم تجب (وان قلنا) تجب عنه وعنها فهل يتحمل الزوج فيه وجهان

(6/332)


(فال) أبو العباس لا يتحمل لانه لا فعل له (وقال) أبو اسحق يتحمل لانها وجبت بوطئه والوطئ كَالْجِنَايَةِ وَجِنَايَةُ الْمَجْنُونِ مَضْمُونَةٌ فِي مَالِهِ وَإِنْ كان الزوج نائما فاستدخلت المرأة ذكره (فان قلنا) الكفارة عنه دونها فلا شئ عليه (وان قلنا) عنهما لم يلزمه كفارة لانه لم يفطر ويجب عليها ان تكفر ولا يتحمل الزوج لانه لم يكن من جهته فعل وان زني بها في رمضان (فان قلنا) ان الكفارة عنه دونها وجبت عليه كفارة (وان قلنا) عنه وعنها وجب عليها كفارتان ولا يتحمل الرجل كفارتها لان الكفارة انما تتحمل بالملك ولا ملك ههنا}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا (وَأَمَّا) الْكَفَّارَةُ فَأَصْلُهَا مِنْ الْكَفْرِ بِفَتْحِ الْكَافِ وَهُوَ السِّتْرُ لِأَنَّهَا تَسْتُرُ الذَّنْبَ وَتُذْهِبُهُ هَذَا أَصْلُهَا ثُمَّ اُسْتُعْمِلَتْ فِيمَا وُجِدَ فِيهِ صُورَةٌ مُخَالِفَةٌ أَوْ انْتِهَاكٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إثْمٌ كَالْقَاتِلِ خَطَأً وَغَيْرِهِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُمْ عِتْقُ رَقَبَةٍ فَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ إنَّمَا قيل لمن اعتق نسمة اعتق رَقَبَةً وَفَكَّ رَقَبَةً فَخُصَّتْ الرَّقَبَةُ دُونَ بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ لِأَنَّ حُكْمَ السَّيِّدِ وَمِلْكَهُ كَالْحَبْلِ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ وَكَالْغُلِّ الْمَانِعِ لَهُ مِنْ الْخُرُوجِ عَنْهُ فَإِذَا أُعْتِقَ فَكَأَنَّهُ أُطْلِقَ مِنْ ذَلِكَ وَسَيَأْتِي تَهْذِيبُ الْعِتْقِ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَقَوْلُهُ) فِي الْكِتَابِ بِعَرَقِ تَمْرٍ هو بفتح العين والراء ويقال أيضا باسكاء الرَّاءِ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ فَتْحُهَا وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا الْمِكْتَلُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقَ والزنبيل بكسر الزاى والزنبيل بفتحها والفقة وَالسَّفِيفَةُ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبِفَاءٍ مُكَرَّرَةٍ
وَكُلُّهُ اسْمٌ لِهَذَا الْوِعَاءِ الْمَعْرُوفِ لَيْسَ لِسِعَتِهِ قَدْرٌ مَضْبُوطٌ بَلْ قَدْ يَصْغُرُ وَيَكْبُرُ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ رِوَايَةُ أَبِي داود " فيه خمسة عشر صاعا " (وقوله) مابين لابتي المدينة يعني حريتها وَالْحَرَّةُ هِيَ الْأَرْضُ الْمُكَبَّسَةُ حِجَارَةً سَوْدَاءَ وَيُقَالُ لَهَا لَابَةٌ وَلُوبَةٌ وَنَوْبَةٌ بِالنُّونِ وَقَدْ أَوْضَحْتُهَا فِي التَّهْذِيبِ (وَقَوْلُهُ) حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُهَذَّبِ نَوَاجِذُهُ وَكِلَاهُمَا ثَابِتٌ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَالنَّوَاجِذُ هِيَ الْأَنْيَابُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي اللُّغَةِ وَهُوَ مُتَعَيِّنُ هُنَا جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ وَيُقَالُ هِيَ الْأَضْرَاسُ وَهِيَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً وَقُلْنَا إنَّ الْأَمَةَ لَا تَمْلِكُ الْمَالَ فَهِيَ مِنْ أَهْلِ الصَّوْمِ وَلَا يُجْزِئُ عَنْهَا الْعِتْقُ (وَإِنْ قُلْنَا) إنَّهَا تَمْلِكُ أَجْزَأَ عَنْهَا الْعِتْقُ هَكَذَا يَقَعُ فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ وَلَا يُجْزِئُ عَنْهَا الْعِتْقُ وَفِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وَلَا يَجِبُ وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (أَمَّا) أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْكَفَّارَةُ مُرَتَّبَةٌ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ فَيَجِبُ عِتْقُ رَقَبَةٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمَذْكُورِ وَصِفَةُ هَذِهِ الرَّقَبَةِ وَبَيَانُ الْعَجْزِ عَنْهَا الْمُجَوِّزُ لِلِانْتِقَالِ إلَى الصَّوْمِ وَالْعَجْزُ عَنْ الصَّوْمِ الْمُجَوِّزُ لِلِانْتِقَالِ إلي

(6/333)


الاطعام وبيان التتابع وما يَقْطَعُهُ وَالْإِطْعَامُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ كُلِّهِ مُسْتَقْصَى فِي كِتَابِ الْكَفَّارَاتِ عَقِبَ كِتَابِ الظِّهَارِ وَقَدْ سَبَقَ فِيمَنْ يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَصَحُّهَا) تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى الرَّجُلِ عَنْ نفسه فقط ولا شئ عَلَى الْمَرْأَةِ وَلَا يُلَاقِيهَا الْوُجُوبُ (وَالثَّانِي) تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَتَكُونُ عَنْهُ وَعَنْهَا وَهِيَ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ (وَالثَّالِثُ) تَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَعَلَيْهَا كَفَّارَةٌ أُخْرَى قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْأَوَّلِ اُعْتُبِرَ حَالُهُ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِتْقِ أَعْتَقَ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّوْمِ صَامَ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْإِطْعَامِ أَطْعَمَ وَلَا نظر الي المرأة لانه لا يعتلق بِهَا وُجُوبٌ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالْقَوْلِ الثَّالِثِ اُعْتُبِرَ حَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنَفْسِهِ فَمَنْ كَانَ مِنْهُمَا مِنْ أَهْلِ الْعِتْقِ أَعْتَقَ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّوْمِ صَامَ وَمَنْ كَانَ مِنْ اهل الاطعام اطعم ولا يلزم واحد مِنْهُمَا مُوَافَقَةُ صَاحِبِهِ إذَا اخْتَلَفَتْ صِفَتُهُمَا بَلْ هُمَا كَرَجُلَيْنِ أَفْطَرَا بِالْجِمَاعِ فَيُعْتَبَرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالْقَوْلِ الثَّانِي وَهُوَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ عَنْهُ وَعَنْهَا فَهَذَا مَحَلُّ التَّفْصِيلِ وَالتَّفْرِيعِ الطَّوِيلِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ قَدْ
يَتَّفِقُ حَالُهُمَا وَقَدْ يَخْتَلِفُ فَإِنْ اتَّفَقَ نُظِرَ إنْ كَانَا جَمِيعًا مِنْ أَهْلِ الْعِتْقِ أَعْتَقَ الرَّجُلُ رَقَبَةً عَنْهُمَا وَإِنْ كَانَا مِنْ أَهْلِ الْإِطْعَامِ أَطْعَمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا عَنْهُمَا وَإِنْ كَانَا مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ بِأَنْ كَانَا مَمْلُوكَيْنِ أَوْ حُرَّيْنِ مُعْسِرَيْنِ لَزِمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ الْبَدَنِيَّةَ لَا تُتَحَمَّلُ (وَأَمَّا) إذَا اخْتَلَفَ حالهما فقد يكون أعلا حَالًا مِنْهَا وَقَدْ يَكُونُ أَدْنَى فَإِنْ كَانَ أعلا نُظِرَ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِتْقِ وَهِيَ مِنْ أَهْلِ الصَّوْمِ أَوْ الْإِطْعَامِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ (الصَّحِيحُ) مِنْهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ يُجْزِئُ الاعتقاد عنهما لان من فرضه الصوم أو الْإِطْعَامُ إذَا تَكَلَّفَ الْعِتْقَ أَجْزَأَهُ وَقَدْ زَادَ خيرا وهو افضل كذا قاله الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ قَالَ أَصْحَابُنَا: إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ أَمَةً فَعَلَيْهَا الصَّوْمُ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يُجْزِئُ عَنْهَا لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ الْوَلَاءَ وَلَيْسَتْ مِنْ اهله هكذا اطلقه الاصحاب وقال المصنف هنا لَا يُجْزِئُ عَنْهَا الْعِتْقُ إلَّا إذَا قُلْنَا إنَّ الْعَبْدَ يُمْلَكُ بِالتَّمْلِيكِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُ عَنْهَا كَالْحُرَّةِ الْمَعْسَرَةِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ غَرِيبٌ وَالْمَعْرُوفُ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الْعِتْقُ عَنْ الْأَمَةِ قَوْلًا وَاحِدًا وَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِذَلِكَ فِي الْمُهَذَّبِ فِي بَابِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ فَقَالَ لَا يَصِحُّ إعْتَاقُ الْعَبْدِ سَوَاءٌ قُلْنَا يَمْلِكُ أَمْ لَا لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ الْوَلَاءَ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) مِنْ الْوَجْهَيْنِ السَّابِقِينَ عَنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ لَا يُجْزِئُ الْإِعْتَاقُ عَنْ الْمَرْأَةِ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُهَا الصَّوْمُ إنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِهِ وَفِيمَنْ يَلْزَمُهُ الْإِطْعَامُ عَنْهَا إنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَلْزَمُهَا لِأَنَّ الزَّوْجَ أَخْرَجَ وَظِيفَتَهُ وَهِيَ الْعِتْقُ (وَأَصَحُّهُمَا) يَلْزَمُ الزَّوْجَ فَإِنْ عَجَزَ ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِ إلَى أَنْ يَقْدِرَ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مَعْدُودَةٌ مِنْ مؤن

(6/334)


الزَّوْجَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَى الزَّوْجِ (أَمَّا) إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ وَهِيَ مِنْ أَهْلِ الْإِطْعَامِ فَإِنْ تَكَلَّفَ الْإِعْتَاقَ فَأَعْتَقَ رَقَبَةً أَجْزَأَتْ عَنْهُمَا جَمِيعًا (فَأَمَّا) إنْ أَرَادَ الصِّيَامَ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَصُومَ عَنْ نَفْسِهِ وَيَلْزَمُهُ أَيْضًا أَنْ يُطْعِمَ عَنْهَا قَالُوا لِأَنَّ النِّيَابَةَ تَصِحُّ فِيهِمَا قَالُوا وَإِنَّمَا أَوْجَبْنَا كَفَّارَتَيْنِ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَتَبَعَّضُ فَوَجَبَ تَكْمِيلُ كُلِّ نِصْفٍ مِنْهَا هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمُقْتَضَى الْوَجْهِ الصَّحِيحِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ فِي إجْزَاءِ الْإِعْتَاقِ عَنْهُمَا عَنْ الصِّيَامِ أَنْ يُجْزِئَ هُنَا الصِّيَامُ عَنْ الْإِطْعَامِ هَذَا كُلُّهُ
إذَا كَانَ الزَّوْجُ أعلا حَالًا مِنْهَا فَإِنْ كَانَ أَدْنَى نُظِرَ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْإِطْعَامِ وَهِيَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ أَطْعَمَ عَنْ نَفْسِهِ وَلَزِمَهَا الصِّيَامُ عَنْ نَفْسِهَا لِأَنَّهُ لَا نِيَابَةَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ أَوْ الْإِطْعَامِ وَهِيَ مِنْ أَهْلِ الْإِعْتَاقِ صَامَ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ أَطْعَمَ ولزمه الاعتاق عنها إذا قدر والله تعالى أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} إذَا كَانَ الزَّوْجُ مَجْنُونًا فَوَطِئَهَا وَهِيَ صَائِمَةٌ مُخْتَارَةً (فَإِنْ قُلْنَا) عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ كَفَّارَةٌ لَزِمَتْهَا الْكَفَّارَةُ فِي مَالِهَا (وَإِنْ قلنا) تجب كفارة عنه دونها فلا شىء عَلَيْهِ وَلَا عَلَيْهَا (وَإِنْ قُلْنَا) تَجِبُ كَفَّارَةٌ عَنْهُ وَعَنْهَا فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَصَحُّهُمَا) يَلْزَمُهَا الْكَفَّارَةُ فِي مَالِهَا وَلَا يَتَحَمَّلُهَا الزَّوْجُ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلتَّحَمُّلِ كَمَا لَا تَلْزَمُهُ عَنْ فِعْلِ نَفْسِهِ وَلِأَنَّهُ لَا فِعْلَ لَهُ وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَبِهِ قَطَعَ البندنيجي
(والثانى)
قاله أبو اسحق تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي مَالِ الْمَجْنُونِ عَنْهَا لِأَنَّ ماله صالح للتحمل ولانها وجبت بوطئه والوطئ كَالْجِنَايَةِ وَجِنَايَةُ الْمَجْنُونِ مَضْمُونَةٌ فِي مَالِهِ وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ مُرَاهِقًا فَهُوَ كَالْمَجْنُونِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُكَلَّفًا وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ كَالْبَالِغِ تَخْرِيجًا مِنْ قَوْلِنَا عَمْدُهُ عَمْدٌ وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا أَوْ نَائِمًا فَاسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَهُ فَكَالْمَجْنُونِ وَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ بِأَنَّا إذَا قُلْنَا الْكَفَّارَةُ عَنْهُ وَعَنْهَا وَجَبَتْ فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِدْخَالِ فِي مَالِهَا لِأَنَّهُ لَا فِعْلَ لِلزَّوْجِ وَاَللَّهُ تعالي أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} لَوْ كَانَ الزَّوْجُ مُسَافِرًا صَائِمًا وَهِيَ حَاضِرَةً صَائِمَةً فَإِنْ أَفْطَرَ بِالْجِمَاعِ بِنِيَّةِ التَّرَخُّصِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ عَنْ نَفْسِهِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ التَّرَخُّصَ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي طَرِيقَةِ خُرَاسَانَ (أَصَحُّهُمَا) لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ فَصَارَ كَقَاصِدِ التَّرَخُّصِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَكَذَا حُكْمُ الْمَرِيضِ الَّذِي يُبَاحُ لَهُ الْأَكْلُ إذَا أَصْبَحَ صَائِمًا فَجَامَعَ وَكَذَا الصَّحِيحُ إذَا مَرِضَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ ثُمَّ جَامَعَ فَحَيْثُ قُلْنَا بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عليه فهو كغيره فيجئ فِي الْكَفَّارَةِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ وَحُكْمُ التَّحَمُّلِ مَا سَبَقَ وَحَيْثُ قُلْنَا لَا كَفَّارَةَ فَهُوَ كَالْمَجْنُونِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَلَوْ قَدِمَ الْمُسَافِرُ مُفْطِرًا فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا مُفْطِرَةٌ وَكَانَتْ صَائِمَةً فَوَطِئَهَا (فَإِنْ قلنا) الكفارة عنه فقط فلا شئ عَلَيْهِ وَلَا عَلَيْهَا (وَإِنْ

(6/335)


قُلْنَا) عَنْهُ وَعَنْهَا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهَا فِي مَالِهَا لِأَنَّهَا غَرَّتْهُ هَكَذَا قَالُوهُ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ
يَكُونَ هَذَا تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِنَا الْمَجْنُونُ لَا يَتَحَمَّلُ وَإِلَّا فَلَيْسَ الْعُذْرُ هُنَا بِأَوْضَحَ مِنْهُ فِي الْمَجْنُونِ
* قُلْتُ الْفَرْقُ أَنَّهُ لَا تَغْرِيرَ مِنْهَا فِي صُورَةِ المجنون (أما) ادا قَدِمَ الْمُسَافِرُ مُفْطِرًا فَأَخْبَرَتْهُ بِصَوْمِهَا فَوَطِئَهَا مُطَاوِعَةً (فان قلنا) الكفارة عنه فقط فلا شئ عَلَيْهِ وَلَا عَلَيْهَا (وَإِنْ قُلْنَا) عَنْهُ وَعَنْهَا لَزِمَهُ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهَا إنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الْعِتْقِ أَوْ الْإِطْعَامِ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ لَزِمَهَا الصِّيَامُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* {فرع} إذا أكرهها علي الوطئ وَهُمَا صَائِمَانِ فِي الْحَضَرِ فَلَهُمَا حَالَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنْ يَقْهَرَهَا بِرَبْطِهَا أَوْ بِغَيْرِهِ وَيَطَأَ فَلَا تُفْطِرُ هِيَ وَيَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ عَنْهُ قَطْعًا (وَالثَّانِي) أَنْ يُكْرِهَهَا حَتَّى تُمَكِّنَهُ فَفِي فِطْرِهَا قَوْلَانِ سَبَقَا (أَصَحُّهُمَا) لَا تُفْطِرُ فَيَكُونُ كَالْحَالِ الْأَوَّلِ (وَالثَّانِي) تُفْطِرُ وَعَلَيْهِمَا الْكَفَّارَةُ وَتَكُونُ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ وَحْدُهُ قَطْعًا
* {فَرْعٌ} هَذَا الَّذِي سَبَقَ كُلُّهُ فِيمَا إذَا وَطِئَ زَوْجَتَهُ فَلَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ أَوْ وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ فَطَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الْقَطْعُ بِوُجُوبِ كَفَّارَتَيْنِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفَّارَةٌ لِأَنَّ التَّحَمُّلَ بِسَبَبِ الزَّوْجِيَّةِ وَلَا زَوْجِيَّةَ هُنَا (وَأَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ إنْ قُلْنَا الْكَفَّارَةُ عَنْهُ خَاصَّةً فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَلَا شئ عليها (وان قلنا) عنه وعنها فعليها في مالها كَفَّارَةٌ أُخْرَى لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ
* {وإن جامع في يومين أو في أيام وجب لكل يوم كفارة لان صوم كل يوم عبادة منفردة فلم تتداخل كفارتها كالعمرتين وإن جامع في يوم مرتين لم يلزمه للثاني كفارة لان الجماع الثاني لم يصادف صوما}
* {الشَّرْحُ} اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ إذَا جَامَعَ فِي يَوْمَيْنِ أَوْ أَيَّامٍ وَجَبَ لِكُلِّ يَوْمٍ كَفَّارَةٌ سَوَاءٌ كَفَّرَ عَنْ الْأَوَّلِ أَمْ لَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِخِلَافِ مَنْ تَطَيَّبَ ثُمَّ تطيب في الاحترام قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يَكْفِيهِ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ بِخِلَافِ الْيَوْمَيْنِ مِنْ رَمَضَانَ وَإِنْ جَامَعَ زَوْجَتَهُ فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ مَرَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ عَنْ الْأَوَّلِ وَلَا شئ عَنْ الثَّانِي بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ
* {فَرْعٌ} قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْجُرْجَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُعَايَاةِ فِيمَنْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ ثَلَاثَةُ
أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ دُونَهَا (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ عَنْهُمَا (وَالثَّالِثُ) يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ كَفَّارَةٌ وَيَتَحَمَّلُ الزَّوْجُ مَا دَخَلَهُ التَّحَمُّلُ وَهُوَ الْعِتْقُ وَالْإِطْعَامُ قَالَ فَإِذَا وَطِئَ أَرْبَعَ زَوْجَاتٍ فِي يوم واحد

(6/336)


لَزِمَهُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ كَفَّارَةٌ فَقَطْ عَنْ الوطئ الاول ولا يلزمه شئ لباقي الوطآت وعلي الثاني يَلْزَمُهُ أَرْبَعُ كَفَّارَاتٍ كَفَّارَةٌ عَنْ وَطْئَتِهِ الْأُولَى عَنْهُ وَعَنْهَا وَثَلَاثٌ عَنْ الْبَاقِيَاتِ لِأَنَّهَا لَا تَتَبَعَّضُ إلَّا فِي مَوْضِعٍ يُوجِدُ التَّحَمُّلَ وَعَلَى الثَّالِثِ يَلْزَمُهُ خَمْسُ كَفَّارَاتٍ كَفَّارَتَانِ عَنْهُ وَعَنْ الْأُولَى بِوَطْئِهَا وَثَلَاثٌ عَنْ الْبَاقِيَاتِ قَالَ وَلَوْ كَانَتْ لَهُ زَوْجَتَانِ مُسْلِمَةٌ وَكِتَابِيَّةٌ فَوَطِئَهُمَا فِي يَوْمٍ لَزِمَهُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ بِكُلِّ حَالٍ (وَأَمَّا) عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي فَإِنْ قدم وطئ الْمُسْلِمَةِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَإِلَّا فَكَفَّارَتَانِ وَعَلَى الثَّالِثِ يَلْزَمُهُ كَفَّارَتَانِ بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّهُ إنْ قَدَّمَ المسلمة لزمه كفارتان عنه وعنها ولا شئ بِسَبَبِ الْكِتَابِيَّةِ وَإِنْ قَدَّمَ الْكِتَابِيَّةَ لَزِمَهُ لِنَفْسِهِ كَفَّارَةٌ ثُمَّ أُخْرَى عَنْ الْمُسْلِمَةِ هَذَا كَلَامُ الْجُرْجَانِيِّ وَفِي بَعْضِهِ نَظَرٌ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي إذَا وَطِئَ أَرْبَعَ زَوْجَاتٍ فِي يَوْمٍ (فَإِنْ قُلْنَا) الْكَفَّارَةُ عَنْهُنَّ فَعَلَيْهِ أَرْبَعُ كَفَّارَاتٍ وَإِلَّا فَكَفَّارَةٌ وَذَكَرَ فِي الْمُسْلِمَةِ وَالْكِتَابِيَّةِ نَحْوَ قَوْلِ الْجُرْجَانِيِّ
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ كَرَّرَ جِمَاعَ زَوْجَتِهِ فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ
* ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنْ عَلَيْهِ كَفَّارَةً وَاحِدَةً بِالْجِمَاعِ الْأَوَّلِ سَوَاءٌ كَفَّرَ عَنْ الْأَوَّلِ أَمْ لَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَقَالَ أَحْمَدُ ان كان الوطئ الثَّانِي قَبْلَ تَكْفِيرِهِ عَنْ الْأَوَّلِ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ اخرى لانه وطئ مُحَرَّمٌ فَأَشْبَهَ الْأَوَّلَ
* دَلِيلُنَا أَنَّهُ لَمْ يُصَادِفْ صَوْمًا مُنْعَقِدًا بِخِلَافِ الْجِمَاعِ الْأَوَّلِ
* {فَرْعٌ} فِي مذاهبهم في من وَطِئَ فِي يَوْمَيْنِ أَوْ أَيَّامٍ مِنْ رَمَضَانَ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يَجِبُ لِكُلِّ يَوْمٍ كَفَّارَةٌ سَوَاءٌ كَفَّرَ عَنْ الْأَوَّلِ أَمْ لَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَدَاوُد وَأَحْمَدُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ وَطِئَ فِي الثَّانِي قَبْلَ تَكْفِيرِهِ عَنْ الْأَوَّلِ كَفَتْهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ كَفَّرَ عَنْ الْأَوَّلِ فَعَنْهُ رِوَايَتَانِ قَالَ وَلَوْ جَامَعَ فِي رَمَضَانَيْنِ ففى رواية عنه هو كَرَمَضَانَ وَاحِدٍ وَفِي رِوَايَةٍ تَتَكَرَّرُ الْكَفَّارَةُ وَهَذِهِ هِيَ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ عَنْهُ وَقَاسَهُ عَلَى الْحُدُودِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهَا عِبَادَاتٌ فَلَمْ تَتَدَاخَلْ بِخِلَافِ الحدود المبنية علي الدرء والاسقاط
*
* قال المصنف رحمه الله
* {وان رأى هلال رمضان فرد الحاكم شهادته فصام وجامع وجبت عليه الكفارة لانه افطر في شهر رمضان بالجماع من غير عذر فاشبه إذا قبل الحاكم شهادته}
* {الشَّرْحُ} قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ لَزِمَهُ صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَإِنْ صَامَهُ وَجَامَعَ فِيهِ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَسَبَقَ إيضَاحُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَذَاهِبُ الْعُلَمَاءِ فِيهَا فِي أَوَائِلِ الْبَابِ وَلَوْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ وَحْدَهُ لَزِمَهُ الفطر كما سبق ولا شئ عَلَيْهِ بِالْجِمَاعِ فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ رَمَضَانَ والله اعلم
*

(6/337)


* قال المصنف رحمه الله
* {وإن طَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ مُجَامِعٌ فَاسْتَدَامَ مَعَ الْعِلْمِ بالفجر وجبت عليه الكفارة لانه منع صوم يوم من رمضان بجماع من غير عذر فوجبت عليه الكفارة كما لو وطئ في أثناء النهار وان جامع وعنده أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ وَكَانَ قَدْ طَلَعَ أو أن الشمس قد غربت ولم تكن غربت لم تجب عليه الكفارة لانه جامع وهو يعتقد انه يحل له ذلك وكفارة الصوم عقوبة تجب مع المأثم فلا تجب مع اعتقاد الاباحة كالحد وإن أكل ناسيا فظن أنه أفطر بذلك ثم جامع عامدا فالمنصوص في الصيام انه لا تجب الكفارة لانه وطئ وهو يعتقد انه غير صائم فأشبه إذا وطئ وعنده انه ليل ثم بان انه نهار وقال شيخنا القاضى أبو الطيب الطبري رحمه الله يحتمل عندي انه تجب عليه الكفارة لان الذى ظنه لا يبيح الوطئ بخلاف مالو جامع وظن أن الشمس غربت لان الذى ظن هناك يببح له الوطئ فان أفطر بالجماع وهو مريض أو مسافر لم تجب الكفارة لانه يحل له الفطر فلا تجب الكفارة مع اباحة الفطر وان أصبح المقيم صائما ثم سافر وجامع وجبت عليه الكفارة لان السفر لا يبيح له الفطر في هذا اليوم فكان وجوده كعدمه وإن أصبح الصحيح صائما ثم مرض وجامع لم تجب الكفارة لان المريض يباح له الفطر في هذا اليوم وإن جامع ثم سافر لم تسقط عنه الكفارة لان السفر لا يبيح له الفطر في يومه فلا يسقط عنه ما وجب فيه من الكفارة وإن جامع ثم مرض أو جن ففيه قولان (احدهما) لا تسقط عنه الكفارة لانه معني طرأ بعد وجوب الكفارة فلا يسقط الكفارة كالسفر
(والثانى) انه تسقط لان اليوم يرتبط بعضه ببعض فإذا خرج آخره عن ان يكون الصوم فيه مستحقا خرج أوله عن ان يكون صوما أو يكون الصوم فيه مستحقا فيكون جماعه في يوم فطر أو في يوم صوم غير مستحق فلا تجب به الكفارة}
* {الشَّرْحُ} فِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ مُجَامِعٌ فَاسْتَدَامَ مَعَ الْعِلْمِ بِالْفَجْرِ بَطَلَ صَوْمُهُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا سَبَقَ فِي مَوْضِعِهِ وَفِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ طَرِيقَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ وُجُوبُهَا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَحَكَى جَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِي وُجُوبِهَا قَوْلَيْنِ (الْمَنْصُوصُ) وُجُوبُهَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
(وَالثَّانِي) لَا تَجِبُ وَهُوَ مُخَرَّجٌ مِمَّا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّهُ لَمْ يُفْسِدْ بِهَذَا الْجِمَاعِ صَوْمًا لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ هُنَا عَلَى الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ مَنَعَ انْعِقَادَ الصَّوْمِ لَا لِإِفْسَادِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ قَالَ وَمَنْ قَالَ انْعَقَدَ صَوْمُهُ ثُمَّ فَسَدَ فَهَذَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ مَذْهَبًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ نَصَّ الشَّافِعِيُّ هُنَا عَلَى وُجُوبِ الكفارة

(6/338)


بِالِاسْتِدَامَةِ وَنَصَّ فِيمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ وَطِئْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَوَطِئَهَا وَاسْتَدَامَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ مَهْرٌ بِالِاسْتِدَامَةِ قَالُوا وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِمَا فَمِنْهُمْ مَنْ نَقَلَ وَخَرَّجَ فَجَعَلَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَوْلَيْنِ (أَحَدُهُمَا) تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَالْمَهْرُ كَمَا لَوْ نَزَعَ ثُمَّ أَوْلَجَ (وَالثَّانِي) لَا يَجِبُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِأَنَّ أَوَّلَ الْفِعْلِ كَانَ مُبَاحًا وَقَالَ الْجُمْهُورُ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَسْأَلَتَانِ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ دُونَ الْمَهْرِ وَالْفَرْقُ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْفِعْلِ هُنَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ كَفَّارَةٌ فوجبت الكفارة باستدامته لئلا يخلوا جِمَاعٌ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ عَمْدًا عَنْ كَفَّارَةٍ وأما المهر فلا يجب لان أول الوطئ تَعَلَّقَ بِهِ الْمَهْرُ لِأَنَّ مَهْرَ النِّكَاحِ يُقَابِلُ جميع الوطئات فَلَمْ يَجِبْ بِاسْتِدَامَتِهِ مَهْرٌ آخَرُ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى إيجَابِ مَهْرَيْنِ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ بِوَطْأَةٍ وَاحِدَةٍ وَهَذَا لَا يَجُوزُ وَقَوْلُنَا لِشَخْصٍ وَاحِدٍ احْتِرَازٌ مِمَّنْ وَطِئَ زَوْجَةَ أَبِيهِ أَوْ ابْنَهُ بِشُبْهَةٍ فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ نِكَاحُ زَوْجِهَا وَيَلْزَمُ الْوَاطِئَ مَهْرَانِ بالوطئة الْوَاحِدَةِ مَهْرٌ لِلزَّوْجَةِ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةَ بُضْعِهَا بِشُبْهَةٍ وَمَهْرٌ لِلزَّوْجِ لِأَنَّهُ أَفْسَدَ عَلَيْهِ نِكَاحَهُ والله أعلم
* {فرع} لو أحرم بالحج مجامعا ففيه ثلاث أَوْجُهٍ سَأُوَضِّحُهَا فِي كِتَابِ الْحَجِّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
(أَصَحُّهَا) لَا يَنْعَقِدُ حَجُّهُ كَمَا لَا يَنْعَقِدُ صَوْمُهُ وَلَا صَلَاةُ مَنْ أَحْرَمَ بِهَا مَعَ خُرُوجِ الْحَدَثِ
(وَالثَّانِي)
يَنْعَقِدُ حَجُّهُ صَحِيحًا فَإِنْ نَزَعَ فِي الْحَالِ صَحَّ حَجُّهُ ولا شئ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَسَدَ وَعَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ وَالْقَضَاءُ وَالْبَدَنَةُ (وَالثَّالِثُ) يَنْعَقِدُ فَاسِدًا وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْمُضِيُّ فِيهِ سَوَاءٌ مَكَثَ أَوْ نَزَعَ فِي الْحَالِ وَلَا تَجِبُ الْفِدْيَةُ إنْ نَزَعَ فِي الْحَالِ فَإِنْ مَكَثَ وَجَبَتْ شَاةٌ فِي الْأَصَحِّ وَفِي قَوْلِ بَدَنَةٌ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالصَّوْمِ أَنَّ الصَّوْمَ يَخْرُجُ مِنْهُ بِالْإِفْسَادِ فَلَا يَصِحُّ دُخُولُهُ فِيهِ مَعَ وُجُودِ الْمُفْسِدِ بِخِلَافِ الْحَجِّ وَقَدْ سَبَقَ فِي أَوَائِلِ هَذَا الْبَابِ بَيَانُ مَعْنَى قَوْلِهِمْ يَخْرُجُ مِنْ الصَّوْمِ بِالْإِفْسَادِ وَلَا يَخْرُجُ مِنْ الْحَجِّ بِالْإِفْسَادِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) لَوْ جَامَعَ ظَانًّا أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ أَوْ أَنَّ الشَّمْسَ غَرَبَتْ فَبَانَ غَلَطُهُ فَلَا كَفَّارَةَ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ إلَّا إمَامَ الْحَرَمَيْنِ فَإِنَّهُ قَالَ مَنْ أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ عَلَى النَّاسِي بِالْجِمَاعِ يَقُولُ بِمِثْلِهِ هُنَا لِتَقْصِيرِهِ فِي الْبَحْثِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقَوْلُهُمْ فِيمَنْ ظَنَّ غُرُوبَ الشَّمْسِ لَا كَفَّارَةَ تَفْرِيعٌ عَلَى جَوَازِ الْفِطْرِ بِظَنِّ ذَلِكَ فَإِنْ مَنَعْنَاهُ بِالظَّنِّ فَيَنْبَغِي وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّهُ جِمَاعٌ مُحَرَّمٌ صَادَفَ الصَّوْمَ (الثَّالِثَةُ) إذَا أَكَلَ الصَّائِمُ نَاسِيًا فَظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ بِذَلِكَ لِجَهْلِهِ بِالْحُكْمِ ثُمَّ جَامَعَ فَهَلْ يَبْطُلُ صَوْمُهُ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَحَدُهُمَا) وَبِهِ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ لَا كَمَا لَوْ سَلَّمَ مِنْ الصَّلَاةِ نَاسِيًا ثُمَّ تَكَلَّمَ عَامِدًا فَإِنَّهُ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِالِاتِّفَاقِ لِحَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ (وَأَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ تَبْطُلُ كَمَا لَوْ جَامَعَ أَوْ أَكَلَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ فَبَانَ طَالِعًا (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يُفْطِرُ فَلَا كَفَّارَةَ (وَإِنْ قُلْنَا) يُفْطِرُ فَلَا كَفَّارَةَ أَيْضًا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ عَنْ

(6/339)


نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ مِنْ الْأُمِّ وَفِيهِ الِاحْتِمَالُ الَّذِي حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَذَكَرَ دَلِيلَهُمَا أَمَّا إذَا أَكَلَ نَاسِيًا وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ بِهِ ثُمَّ جَامَعَ فِي يَوْمِهِ فَيُفْطِرُ وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ وَلَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ مُجَامِعٌ فَظَنَّ بُطْلَانَ صَوْمِهِ فَمَكَثَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ هَتْكَ حُرْمَةِ الصَّوْمِ بِالْجِمَاعِ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَكَذَا لَوْ قَبَّلَ وَلَمْ يُنْزِلْ أَوْ اغْتَابَ إنْسَانًا فَاعْتَقَدَ أَنَّهُ قَدْ بَطَلَ صَوْمُهُ فَجَامَعَ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ قَبَّلَ ثُمَّ جَامَعَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ إلَّا أَنْ يُفْتِيَهُ فَقِيهٌ أَوْ يَتَأَوَّلَ خَبَرًا فِي ذَلِكَ وَقَالَ فِي الَّذِي اغْتَابَ ثُمَّ جَامَعَ يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ أَفْتَى أَوْ
تَأَوَّلَ خَبَرًا
* دَلِيلُنَا أَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ إفْسَادَ صَوْمٍ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) إذَا أَفْطَرَ بِالْجِمَاعِ وَهُوَ مَرِيضٌ أَوْ مُسَافِرٌ فَإِنْ قَصَدَ بِالْجِمَاعِ التَّرَخُّصَ فَلَا كَفَّارَةَ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ لَا كَفَّارَةَ أَيْضًا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (الْخَامِسَةُ) إذَا أَصْبَحَ الْمُقِيمُ صَائِمًا ثُمَّ سَافَرَ وَجَامَعَ فِي يَوْمِهِ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ قَالَهُ الْمُزَنِيّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ فِي هَذَا الْيَوْمِ فَإِذَا جَامَعَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ وَاضِحَةً فِي فَصْلِ صَوْمِ الْمُسَافِرِ (السَّادِسَةُ) إذَا أَصْبَحَ الصَّحِيحُ صَائِمًا ثُمَّ مَرِضَ فَجَامَعَ فَلَا كَفَّارَةَ إنْ قَصَدَ التَّرَخُّصَ وَكَذَا إنْ لَمْ يَقْصِدْهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَآخَرُونَ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ قَرِيبًا (السَّابِعَةُ) لَوْ أَفْسَدَ الْمُقِيمُ صَوْمَهُ بِجِمَاعٍ ثُمَّ سَافَرَ فِي يَوْمِهِ لَمْ تَسْقُطْ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَقِيلَ فِيهِ قَوْلَانِ كطرآن الْمَرَضِ حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَلَوْ أَفْسَدَ الصَّحِيحُ صَوْمَهُ بِالْجِمَاعِ ثُمَّ مَرِضَ فِي يَوْمِهِ فَطَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا تَسْقُطُ الْكَفَّارَةُ وبه قطع لبغوى (وَأَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا تَسْقُطُ (وَالثَّانِي) تَسْقُطُ وَدَلِيلُهُمَا فِي الكتاب ولو أفسده بِجِمَاعٍ ثُمَّ طَرَأَ جُنُونٌ أَوْ حَيْضٌ أَوْ مَوْتٌ فِي يَوْمِهِ فَقَوْلَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا (أَصَحَّهُمَا) السُّقُوطُ لِأَنَّ يَوْمَهُ غَيْرُ صَالِحٍ لِلصَّوْمِ بِخِلَافِ الْمَرِيضِ وَصُورَةُ الْحَيْضِ مُفَرَّعَةٌ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ الْمُفْطِرَةَ بِالْجِمَاعِ يَلْزَمُهَا الْكَفَّارَةُ وَلَوْ ارْتَدَّ بَعْدَ الْجِمَاعِ فِي يَوْمِهِ لَمْ تَسْقُطْ الْكَفَّارَةُ بِلَا خِلَافٍ ذَكَرَهُ الدَّارِمِيُّ وَهُوَ وَاضِحٌ
* هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا وَمِمَّنْ قَالَ مِنْ الْعُلَمَاءِ لَا تَسْقُطُ الْكَفَّارَةُ بِطَرَآنِ الْجُنُونِ وَالْمَرَضِ وَالْحَيْضِ مَالِكٌ وابن ابى ليلي واحمد واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ تَسْقُطُ وَأَسْقَطَهَا زَفَرُ بِالْحَيْضِ وَالْجُنُونِ دُونَ الْمَرَضِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِالسَّفَرِ إلَّا ابن الماجشون المالكي فاسقطها به * قال المصنف رحمه الله تعالي
* {ووطئ المرأة في الدبر واللواط كالوطئ في الفرج في جميع ما ذكرناه من افساد الصوم ووجوب

(6/340)


القضاء والكفارة لان الجميع وطئ ولان الجميع في ايجاب الحد فكذلك في إفساد الصوم وايجاب الكفارة (وأما) إتيان البهيمة ففيه وجهان (من) أصحابنا من قال ينبنى ذلك علي وجوب الحد (فان قلنا) يجب فيه الحد أفسد الصوم وأوجب الكفارة كالجماع في الفرج (وإن قلنا) يجب فيه التعزير
لم يفسد الصوم ولم تجب به الكفارة لانه كالوطئ فيما دون الفرج في التعزير فكان مثله في إفساد الصوم وإيجاب الكفارة ومن أصحابنا من قال يفسد الصوم وتجب الكفارة قولا واحدا لانه وطئ يوجب الغسل فجاز أن يتعلق به افساد الصوم وإيجاب الكفارة كوطئ المرأة}
* {الشَّرْحُ} قَوْلُهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ طَرِيقَانِ فَعَبَّرَ بِالْوَجْهَيْنِ عَنْ الطَّرِيقَيْنِ مَجَازًا لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حِكَايَةٌ لِلْمَذْهَبِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ مِثْلِ هَذَا الْمَجَازِ فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ علي أن وطئ الْمَرْأَةِ فِي الدُّبُرِ وَاللِّوَاطَ بِصَبِيٍّ أَوْ رَجُلٍ كوطئ الْمَرْأَةِ فِي الْقُبُلِ فِي جَمِيعِ مَا سَبَقَ مِنْ إفْسَادِ الصَّوْمِ وَوُجُوبِ إمْسَاكِ بَقِيَّةِ النَّهَارِ وَوُجُوبِ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ وَجْهًا شَاذًّا بَاطِلًا فِي الْإِتْيَانِ فِي الدُّبُرِ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِيهِ وَهَذَا غَلَطٌ (وَأَمَّا) إتْيَانُ الْبَهِيمَةِ فِي دُبُرِهَا أَوْ قُبُلِهَا فَفِيهِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَصَحُّهُمَا) الْقَطْعُ بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِيهِ وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَغَيْرِهِ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ
(وَالثَّانِي)
فِيهِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى إيجَابِ الْحَدِّ بِهِ إنْ أَوْجَبْنَاهُ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ وَإِلَّا فَلَا حَكَاهُ الدارمي عن أبى علي ابن خيران وأبي اسحق الْمَرْوَزِيِّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هَذَا الطَّرِيقُ غَلَطٌ لِأَنَّ إيجَابَ الْكَفَّارَةِ لَيْسَ مُرْتَبِطًا بِالْحَدِّ وَلِهَذَا يَجِبُ في وطئ الزَّوْجَةِ الْكَفَّارَةُ دُونَ الْحَدِّ
* وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كُلِّهِ أَنْزَلَ أَمْ لَا إلَّا أَنَّهُ إذَا قُلْنَا فِي إتْيَانِ الْبَهِيمَةِ لَا كَفَّارَةَ لَا يَفْسُدُ الصَّوْمُ أَيْضًا كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ هَذَا إنْ لَمْ يُنْزِلْ فَإِنْ أَنْزَلَ أَفْسَدَ كَمَا لو قبل فانزل
* {فرع} الوطئ بِزِنًا أَوْ شُبْهَةٍ أَوْ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ ووطئ أَمَتِهِ وَأُخْتِهِ وَبِنْتِهِ وَالْكَافِرَةِ وَسَائِرِ النِّسَاءِ سَوَاءٌ فِي إفْسَادِ الصَّوْمِ وَوُجُوبِ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ وَإِمْسَاكِ بقية النهار وهذا الاخلاف فِيهِ
* {فَرْعٌ} إذَا أَفْسَدَ صَوْمَهُ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالِاسْتِمْنَاءِ وَالْمُبَاشَرَاتِ الْمُفْضِيَاتِ إلَى الْإِنْزَالِ فَلَا كَفَّارَةَ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي الْجِمَاعِ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَيْسَتْ فِي مَعْنَاهُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْجَمَاهِيرُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا عَنْ أَبِي خَلَفٍ الطَّبَرِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ تَلَامِذَةِ الْقَفَّالِ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهُ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِكُلِّ مَا يَأْثَمُ بِالْإِفْطَارِ بِهِ وَفِي وَجْهٍ حَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ يَجِبُ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ كَفَّارَةٌ فَوْقَ كَفَّارَةِ المرضع ودون كفارة المجامع وهذان الوجهان

(6/341)


علط وَحَكَى الْحَنَّاطِيُّ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ أَنَّهُ رَوَى عَنْ الشَّافِعِيِّ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ جَامَعَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ
* {فَرْعٌ} قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ إذَا اسْتَمْنَى مُتَعَمِّدًا بَطَلَ صَوْمُهُ وَلَا كَفَّارَةَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فَلَوْ حَكَّ ذَكَرَهُ لِعَارِضٍ وَلَمْ يَقْصِدْ الِاسْتِمْنَاءَ فَأَنْزَلَ فَلَا كَفَّارَةَ وَفِي بُطْلَانِ الصَّوْمِ وَجْهَانِ قُلْتُ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَبْطُلُ كَالْمَضْمَضَةِ بِلَا مُبَالَغَةٍ
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ وَطِئَ امْرَأَةً أَوْ رَجُلًا فِي الدُّبْرِ
* ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا وُجُوبُ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ
* وَقَالَ أبو حنيفة عليه القضاء وفى الْكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ عَنْهُ (أَشْهَرُهُمَا) عَنْهُ لَا كَفَّارَةَ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِحْصَانُ وَالتَّحْلِيلُ فَأَشْبَهَ الوطئ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهُ جِمَاعٌ أَثِمَ بِهِ لِسَبَبِ الصَّوْمِ فَوَجَبَتْ فِيهِ الْكَفَّارَةُ كَالْقَتْلِ قَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا كَفَّارَةَ فِي إتْيَانِ الْبَهِيمَةِ
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي المباشرة فيما دون الفرج
* قد ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِيهَا سَوَاءٌ فَسَدَ صَوْمُهُ بِالْإِنْزَالِ أَمْ لَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ دَاوُد كُلُّ إنْزَالٍ تجب به الكفارة حتى الاستمناء الا إذَا كَرَّرَ النَّظَرَ فَأَنْزَلَ فَلَا قَضَاءَ وَلَا كَفَّارَةَ
* وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ وَحُكِيَ هَذَا عَنْ عَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَابْنِ المبارك واسحق وقال أحمد يجب بالوطئ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ الْكَفَّارَةُ وَفِي الْقُبْلَةِ وَاللَّمْسِ رِوَايَتَانِ
* وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ أَفْطَرَ بِمَعْصِيَةٍ فَأَشْبَهَ الْجِمَاعَ فِي الْفَرْجِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهُ لَمْ يُجَامِعْ فِي الْفَرْجِ فَأَشْبَهَ الرِّدَّةَ فَإِنَّهَا تُبْطِلُ الصَّوْمَ وَلَا كَفَّارَةَ وَمَا قَالَهُ الْآخَرُونَ يُنْتَقَضُ بِالرِّدَّةِ
* {فَرْعٌ} قَالَ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا الضَّابِطُ في وجوب الكفارة بالجماع أنها تَجِبُ عَلَى مَنْ أَفْسَدَ صَوْمَ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ بِجِمَاعٍ تَامٍّ أَثِمَ بِهِ بِسَبَبِ الصَّوْمِ وَفِي هَذَا الضَّابِطِ قُيُودٌ (أَحَدُهَا) الْإِفْسَادُ فَمَنْ جَامَعَ نَاسِيًا لَا يُفْطِرُ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا سَبَقَ وَقِيلَ فِي فِطْرِهِ قَوْلَانِ سَبَقَ بَيَانُهُمَا (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يُفْطِرُ فَلَا كَفَّارَةَ لِعَدَمِ الْإِفْسَادِ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) لَا كَفَّارَةَ أَيْضًا لِعَدَمِ الْإِثْمِ (الثَّانِي) قَوْلُنَا مِنْ رَمَضَانَ فَلَا كَفَّارَةَ بِإِفْسَادِ صَوْمِ التَّطَوُّعِ وَالنَّذْرِ وَالْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ
بِالْجِمَاعِ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا هِيَ لِحُرْمَةِ رَمَضَانَ (الثَّالِثُ) قَوْلُنَا بِجِمَاعٍ احْتِرَازٌ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالِاسْتِمْنَاءِ وَالْمُبَاشَرَةِ دُونَ الْفَرْجِ فَلَا كَفَّارَةَ فِيهَا كُلِّهَا عَلَى المذهب كما بيناه قريبا (الرابع) قَوْلُنَا تَامٍّ احْتِرَازٌ مِنْ الْمَرْأَةِ إذَا جُومِعَتْ فَإِنَّهَا يَحْصُلُ فِطْرُهَا بِتَغْيِيبِ بَعْضِ الْحَشَفَةِ فَلَا يَحْصُلُ الْجِمَاعُ التَّامُّ إلَّا وَقَدْ أَفْطَرَتْ لِدُخُولِ دَاخِلٍ فِيهَا فَالْفِطْرُ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الدُّخُولِ وَأَحْكَامُ الْجِمَاعِ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِتَغْيِيبِ كُلِّ الْحَشَفَةِ فيصدق

(6/342)


عَلَيْهَا أَنَّهَا أَفْطَرَتْ بِالْجِمَاعِ قَبْلَ تَمَامِهِ وَقَوْلُنَا أَثِمَ بِهِ احْتِرَازٌ مِمَّنْ جَامَعَ بَعْدَ الْفَجْرِ ظَانًّا بَقَاءَ اللَّيْلِ فَإِنَّ صَوْمَهُ يَفْسُدُ وَلَا كَفَّارَةَ كَمَا سَبَقَ وَقَوْلُنَا بِسَبَبِ الصَّوْمِ احْتِرَازٌ مِنْ الْمُسَافِرِ إذَا شَرَعَ فِي الصَّوْمِ ثُمَّ أَفْطَرَ بِالزِّنَا مُتَرَخِّصًا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ وَإِنْ أَفْسَدَ صَوْمَ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ بِجِمَاعٍ تَامٍّ أَثِمَ بِهِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَأْثَمْ بِهِ بِسَبَبِ الصَّوْمِ لِأَنَّ الْإِفْطَارَ جَائِزٌ لَهُ وانما أثم بالزنا ولو زنا الْمُقِيمُ نَاسِيًا لِلصَّوْمِ وَقُلْنَا الصَّوْمُ يَفْسُدُ بِجِمَاعِ النَّاسِي فَلَا كَفَّارَةَ أَيْضًا فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْثَمْ بِسَبَبِ الصَّوْمِ لِأَنَّهُ نَاسٍ لَهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَجِمَاعُ الْمَرْأَةِ إذَا قُلْنَا لا شئ عَلَيْهَا وَلَا يُلَاقِيهَا الْوُجُوبُ مُسْتَثْنَى عَنْ الضَّابِطِ
* {فَرْعٌ} لَوْ صَامَ الصَّبِيُّ رَمَضَانَ فَأَفْسَدَهُ بِالْجِمَاعِ وَقُلْنَا إنَّ وَطْأَهُ فِي الْحَجِّ يُفْسِدُهُ وَيُوجِبُ البدن ففى وجوب كفارة الوطئ فِي الصَّوْمِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَسَأُوَضِّحُهُمَا هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله تعالي
* {ومن وطئ وطئا يوجب الكفارة ولم يقدر علي الكفارة ففيه قولان (احدهما) لا تجب لقوله صلي الله عليه وسلم " استغفر الله تعالي وخذ واطعم اهلك " أو لانه حق مال يجب لله تعالي لا علي وجه البدل فلم يجب مع العجز كزكاة الفطر (والثاني) انها تثبت في الذمة فإذا قدر لزمه قضاؤها وهو الصحيح لانه حق لله تعالى يجب بسبب من جهته فلم يسقط بالعجز كجزاء الصيد}
* {الشَّرْحُ} هَذَا الْحَدِيثُ سَبَقَ بَيَانُهُ (وَقَوْلُهُ) حَقُّ مَالٍ احْتِرَازٌ مِنْ الصَّوْمِ فِي حَقِّ الْمَرِيضِ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ بَلْ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ (وَقَوْلُهُ) لِلَّهِ تَعَالَى احْتِرَازٌ مِنْ الْمُتْعَةِ (وَقَوْلُهُ) لَا عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ احْتِرَازٌ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى قَالَ القلعي ليس هو احتراز بَلْ لِتَقْرِيبِ الْفَرْعِ مِنْ الْأَصْلِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ احْتِرَازٌ مِنْ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ (وَقَوْلُهُ) بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ احْتِرَازٌ مِنْ زَكَاةِ الْفِطْرِ
* أَمَّا أَحْكَامُ
الْفَصْلِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا الْحُقُوقُ الْمَالِيَّةُ الْوَاجِبَةُ لِلَّهِ تعالي ثلاثة أَضْرُبٍ وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهَا الْمُصَنِّفُ (ضَرْبٌ) يَجِبُ لَا بِسَبَبِ مُبَاشَرَةٍ مِنْ الْعَبْدِ كَزَكَاةِ الْفِطْرِ فَإِذَا عَجَزَ عَنْهُ وَقْتَ الْوُجُوبِ لَمْ يَثْبُتْ فِي ذِمَّتِهِ فَلَوْ أَيْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ (وَضَرْبٌ) يَجِبُ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ عَلَى جِهَةِ الْبَدَلِ كَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَفِدْيَةِ الْحَلْقِ وَالطِّيبِ وَاللِّبَاسِ فِي الْحَجِّ فَإِذَا عَجَزَ عَنْهُ وَقْتَ وُجُوبِهِ ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِ تَغْلِيبًا لِمَعْنَى الْغَرَامَةِ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ مَحْضٌ (وَضَرْبٌ) يَجِبُ بِسَبَبِهِ لَا عَلَى جِهَةِ الْبَدَلِ كَكَفَّارَةِ الْجِمَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالظِّهَارِ وَالْقَتْلِ قَالَ صَاحِبُ العدة ودم التمتع والقران قال الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالنَّذْرُ وَكَفَّارَةُ قَوْلِهِ أَنْتِ حَرَامٌ وَدَمُ التَّمَتُّعِ وَالطِّيبُ وَاللِّبَاسُ فَفِيهَا قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ فَمَتَى قَدِرَ عَلَى أَحَدِ الْخِصَالِ لَزِمَتْهُ
(وَالثَّانِي)
لَا تَثْبُتُ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَشَبَهُهَا بِجَزَاءِ الصَّيْدِ أَوْلَى مِنْ الْفِطْرَةِ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ مُؤَاخَذَةٌ عَلَى فِعْلِهِ كَجَزَاءِ الصَّيْدِ بِخِلَافِ الْفِطْرَةِ
* وَاحْتَجَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لِلْقَوْلِ بِسُقُوطِهَا

(6/343)


بِحَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قال " اطعمه أَهْلَكَ " وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تُصْرَفُ إلَى الْأَهْلِ وَقَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا وَالْمُحَقِّقُونَ حَدِيثُ الْأَعْرَابِيِّ دليل لثبوتها فِي الذِّمَّةِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ جَمِيعِ الْخِصَالِ لانه لما ذكر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَجْزَهُ عَنْ جَمِيعِ الْخِصَالِ ثُمَّ مَلَّكَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَرَقَ مِنْ التَّمْرِ ثُمَّ أَمَرَهُ بِأَدَاءِ الْكَفَّارَةِ لِقُدْرَتِهِ الْآنَ عَلَيْهَا فَلَوْ كَانَتْ تَسْقُطُ بِالْعَجْزِ لَمَا أَمَرَهُ بِهَا (وَأَمَّا) إطْعَامُهُ أَهْلَهُ فَلَيْسَ هُوَ عَلَى سَبِيلِ الْكَفَّارَةِ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّ هَذَا الطَّعَامَ صَارَ مِلْكًا لَهُ وَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ فَأَمَرَ بِإِخْرَاجِهِ عَنْهَا فَلَمَّا ذَكَرَ حَاجَتَهُ إلَيْهِ أَذِنَ لَهُ فِي أَكْلِهِ لِكَوْنِهِ فِي مِلْكِهِ لَا عَنْ الْكَفَّارَةِ وَبَقِيَتْ الْكَفَّارَةُ فِي الذِّمَّةِ وَتَأْخِيرُهَا لِمِثْلِ هَذَا جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ (فَإِنْ قِيلَ) لَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً لَبَيَّنَهَا لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ (فَالْجَوَابُ) مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ قَدْ بَيَّنَهَا لَهُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَصَدَّقْ بِهَذَا بَعْدَ إعْلَامِهِ بِعَجْزِهِ فَفَهِمَ الْأَعْرَابِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ هَذَا أَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَيْهِ (الثاني) أَنَّ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ جَائِزٌ وهذا ليس وَقْتِ الْحَاجَةِ فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ وَمَعْنَاهُ هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ وَالْأَكْثَرُونَ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَجْهًا لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَجُوزُ صَرْفُ كَفَّارَةِ الْجِمَاعِ خَاصَّةً إلَى زَوْجَةِ الْمُكَفِّرِ وَأَوْلَادِهِ إذَا كَانُوا فُقَرَاءَ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَوَافَقَ هَذَا الْقَائِلَ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ وَبَاقِيَ الْكَفَّارَاتِ لَا يَجُوزُ
صَرْفُهَا إلَى الزَّوْجَةِ وَالْأَوْلَادِ الْفُقَرَاءِ وَقَاسَ الْجُمْهُورُ عَلَى الزَّكَاةِ وَبَاقِي الْكَفَّارَاتِ وَأَجَابُوا عَنْ الْحَدِيثِ بِمَا سَبَقَ
* {فَرْعٌ} فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْجِمَاعِ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ (إحْدَاهَا) إذَا نَسِيَ النِّيَّةَ وَجَامَعَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَلَا كَفَّارَةَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُفْسِدْ بِهِ صَوْمًا (الثَّانِيَةِ) إذَا وَطِئَ الصَّائِمُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ وَقَالَ جَهِلْتُ تَحْرِيمَهُ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ لِقُرْبِ إسْلَامِهِ وَنَحْوِهِ فَلَا كَفَّارَةَ وَإِلَّا وَجَبَتْ وَلَوْ قَالَ عَلِمْتُ تَحْرِيمَهُ وَجَهِلْتُ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ بِلَا خِلَافٍ ذَكَرَهُ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ وَاضِحٌ وَلَهُ نَظَائِرُ مَعْرُوفَةٌ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ (الثَّالِثَةِ) إذَا أَفْسَدَ الْحَجَّ بِالْجِمَاعِ قَالَ الدَّارِمِيُّ فَفِي الْكَفَّارَةِ الْأَقْوَالُ الْأَرْبَعَةُ السَّابِقَةُ فِي كَفَّارَةِ الْجِمَاعِ فِي الصَّوْمِ
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي كَفَّارَةِ الْجِمَاعِ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَفِيهِ مَسَائِلُ
(إحْدَاهَا) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ مَنْ أَفْسَدَ صَوْمَ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ بِجِمَاعٍ تَامٍّ أَثِمَ بِهِ بِسَبَبِ الصَّوْمِ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَالْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا مَا حَكَاهُ الْعَبْدَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ الشَّعْبِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالنَّخَعِيِّ وَقَتَادَةَ أنهم قالوا لا كفارة عليه كما لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ بِإِفْسَادِ الصَّلَاةِ دَلِيلُنَا حَدِيثُ أبي هريرة السابق في قصة الاعرايى وَيُخَالِفُ الصَّلَاةَ فَإِنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلْمَالِ فِي جبرانها (الثانية) يجب علي المفكر مَعَ الْكَفَّارَةِ قَضَاءُ الْيَوْمِ الَّذِي جَامَعَ فِيهِ
* هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِنَا وَفِيهِ

(6/344)


خِلَافٌ سَبَقَ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَبِإِيجَابِ قَضَائِهِ قَالَ جَمِيعُ الْفُقَهَاءِ سِوَى الْأَوْزَاعِيِّ فَقَالَ إنْ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ لَمْ يَجِبْ قَضَاؤُهُ وَإِنْ كَفَّرَ بِالْعِتْقِ أَوْ الْإِطْعَامِ قَضَاهُ (الثَّالِثَةُ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ كَفَّارَةٌ أُخْرَى وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَلَيْهَا كَفَّارَةٌ أُخْرَى وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ (الرَّابِعَةُ) هَذِهِ الْكَفَّارَةُ عَلَى التَّرْتِيبِ فَيَجِبُ عِتْقُ رَقَبَةٍ فَإِنْ عَجَزَ فَصَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَإِنْ عَجَزَ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ
* وَقَالَ مَالِكٌ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْخِصَالِ الثَّلَاثِ وَأَفْضَلُهَا عِنْدَهُ الْإِطْعَامُ وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ عِتْقِ رَقَبَةٍ وَنَحْرِ بَدَنَةٍ وَاحْتَجَّا بِحَدِيثَيْنِ عَلَى وَفْقِ مَذْهَبَيْهِمَا
* دَلِيلُنَا حَدِيثُ أَبِي
هُرَيْرَةَ (وَأَمَّا) حَدِيثُ الْحَسَنِ فَضَعِيفٌ جِدًّا وحديث مالك يجاب عنه بِجَوَابَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
حَدِيثُنَا أَصَحُّ وَأَشْهَرُ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى التَّرْتِيبِ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَاتِ (الْخَامِسَةُ) يُشْتَرَطُ فِي صَوْمِ هَذِهِ الْكَفَّارَةِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ التَّتَابُعُ وَجَوَّزَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى تَفْرِيقَهُ لِحَدِيثٍ فِي صَوْمِ شَهْرَيْنِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ التَّرْتِيبِ دَلِيلُنَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقُ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِالتَّتَابُعِ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَيْهِ (السَّادِسَةُ) إذَا كَفَّرَ بِالْإِطْعَامِ فَهُوَ إطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا كُلُّ مِسْكِينٍ مُدٌّ سَوَاءٌ الْبُرُّ وَالزَّبِيبُ وَالتَّمْرُ وَغَيْرُهَا
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجِبُ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدَّانِ حِنْطَةً أَوْ صَاعٌ مِنْ سَائِرِ الْحُبُوبِ وَفِي الزَّبِيبِ عَنْهُ رِوَايَتَانِ رِوَايَةٌ صَاعٌ وَرِوَايَةٌ مُدَّانِ (السَّابِعَةُ) لَوْ جَامَعَ فِي صَوْمِ غَيْرِ رَمَضَانَ مِنْ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ غَيْرِهِمَا فَلَا كَفَّارَةَ كَمَا سَبَقَ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ قَتَادَةُ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي إفْسَادِ قَضَاءِ رَمَضَانَ
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* {إذَا نَوَى الصوم مِنْ اللَّيْلِ ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ جَمِيعَ النَّهَارِ لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ وعليه القضاء وقال المزني يصح صومه كما.
لو نوى الصوم ثم نام جميع النهار والدليل علي أن الصوم لا يصح أن الصوم نية وترك ثم لو انفرد الترك عن النية لم يصح فإذا انفردت النية عن النرك لم يصح وأما النوم فان أبا سعيد الاصطخرى قال إذا نام جميع النهار لم يصح صومه كما إذا أغمي عليه جميع النهار والمذهب أنه يصح صومه إذا نام والفرق بينه وبين الاغماء ان النائم ثابت العقل لانه إذا نبه انتبه والمغمى عليه بخلافة ولان النائم كالمستيقظ ولهذا ولايته ثابتة علي ماله بخلاف المغمي عليه وان نوى الصوم ثم اغمى عليه في بعض النهار فقد قال في كتاب الظهار ومختصر البويطي إذا كان في أوله مفيقا صح صومه وفى كتاب الصوم إذا كان في بعضه مفيقا اجزأه وقال فِي اخْتِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى إذا كانت صائمة فاغمى عليها أو حاضت بطل صومها وخرج أبو العباس قولا آخر أنه ان كان مفيقا في طرفي النهار صح صومه فمن أصحابنا من قال المسألة علي قول واحد أنه يعتبر أن يكون مفيقا

(6/345)


في اول النهار وتأول ما سواه من الاقوال علي هذا ومن اصحابنا من قال فيها اربعة أقوال (احدها) انه تعتبر الافاقة في اوله كالنية تعتبر في اوله
(والثانى)
انه تعتبر الافاقة في طرفيه كما ان في الصلاة يعتبر القصد
في الطرفين في الدخول والخروج ولا يعتبر فيما بينهما (والثالث) انه تعتبر الافاقة في جميعه فإذا اغمي عليه في بعضه لم يصح لانه معنى إذا اطرأ أسقط فرض الصلاة فابطل الصوم كالحيض (والرابع) تعتبر الافاقة في جزء منه ولا اعرف له وجها وان نوى الصوم ثم جن ففيه قولان (قال) في الجديد يبطل الصوم لانه عارض يسقط فرض الصلاة فابطل الصوم كالحيض (وقال) في القديم هو كالاغماء لانه يزيل العقل والولاية فهو كالاغماء}
* {الشَّرْحُ} قَوْلُهُ لِأَنَّهُ عَارِضٌ يُسْقِطُ فَرْضَ الصَّلَاةِ يُنْتَقَضُ بِالْإِغْمَاءِ فَإِنَّهُ يُسْقِطُ فَرْضَ الصَّلَاةِ وَلَا يَبْطُلُ الصَّوْمُ بِهِ فِي بَعْضِ النَّهَارِ عَلَى الْأَصَحِّ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا نَامَ جَمِيعَ النَّهَارِ وَكَانَ قَدْ نَوَى مِنْ اللَّيْلِ صَحَّ صَوْمُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ أَبُو الطَّيِّبِ بْنُ سَلَمَةَ وَأَبُو سعيد الاصطخرى لا يصح وحكاه الْبَنْدَنِيجِيُّ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَيْضًا وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ فِي الْكِتَابِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَيْقَظَ لَحْظَةً مِنْ النَّهَارِ وَنَامَ بَاقِيَهُ صَحَّ صَوْمُهُ (الثَّانِيَةُ) لَوْ نَوَى مِنْ اللَّيْلِ وَلَمْ يَنَمْ النَّهَارَ وَلَكِنْ كَانَ غَافِلًا عَنْ الصَّوْمِ فِي جَمِيعِهِ صَحَّ صَوْمُهُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ فِي تَكْلِيفِ ذِكْرِهِ حَرَجًا (الثَّالِثَةُ) لَوْ نَوَى مِنْ اللَّيْلِ ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ جَمِيعَ النَّهَارِ لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهِ قَوْلٌ مُخَرَّجٌ مِنْ النوم انه يصح خرجه المزني وغيره عن أَصْحَابِنَا وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ فِي الْكِتَابِ (الرَّابِعَةُ) إذَا نَوَى مِنْ اللَّيْلِ وَأُغْمِيَ عَلَيْهِ بَعْضَ النَّهَارِ دون بعض ففيه ثلاثة طرق (احداها) إنْ أَفَاقَ فِي جُزْءٍ مِنْ النَّهَارِ صَحَّ صَوْمُهُ وَإِلَّا فَلَا وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْجُزْءُ أَوَّلَ النَّهَارِ أَوْ غَيْرَهُ وَهَذَا هُوَ نَصُّ الشافعي في باب الصيام من مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيّ وَمِمَّنْ حَكَى هَذَا الطَّرِيقَ الْبَغَوِيّ وَحَكَاهُ الدَّارِمِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَتَأَوَّلَ هَذَا الْقَائِلُ النَّصَّيْنِ الْآخَرَيْنِ فَتَأَوَّلَ نَصَّهُ فِي اخْتِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى عَلَى أَنَّ بُطْلَانَ الصَّوْمِ عَائِدٌ إلَى الْحَيْضِ خَاصَّةً لَا إلَى الْإِغْمَاءِ قَالُوا وَقَدْ يَفْعَلُ الشَّافِعِيُّ مِثْلَ هَذَا وَتَأَوَّلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ تَأْوِيلًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِغْمَاءِ هُنَا الْجُنُونُ وَتَأَوَّلَ هَذَا الْقَائِلُ نَصَّهُ فِي الظِّهَارِ وَالْبُوَيْطِيُّ عَلَى أَنَّهُ ذَكَرَ الْإِفَاقَةَ فِي أَوَّلِهِ لِلتَّمْثِيلِ بِالْجُزْءِ لَا لاشتراط الاول (والطريق الثَّانِي) الْقَطْعُ بِأَنَّهُ إنْ أَفَاقَ فِي أَوَّلِهِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا وَتَأَوَّلَ نَصَّهُ فِي الصَّوْمِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجُزْءِ الْمُبْهَمِ أَوَّلُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الظِّهَارِ وَتَأَوَّلَ نَصُّ اخْتِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا سَبَقَ (وَالطَّرِيقُ الثَّالِثُ) فِي الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ وَهَذَا الطَّرِيقُ هُوَ الْأَصَحُّ الْأَشْهَرُ (أَصَحُّ) الْأَقْوَالِ يَشْتَرِطُ الْإِفَاقَةَ فِي جُزْءٍ مِنْهُ
(وَالثَّانِي)
فِي أَوَّلِهِ خَاصَّةً (وَالثَّالِثُ)
فِي طَرَفَيْهِ (وَالرَّابِعُ) فِي جَمِيعِهِ كَالنَّقَاءِ مِنْ الحيض وهذا الرَّابِعُ تَخْرِيجٌ لِابْنِ سُرَيْجٍ خَرَّجَهُ مِنْ الصَّلَاةِ وَلَيْسَ مَنْصُوصًا لِلشَّافِعِيِّ قَالَ وَلَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ فِي الْكِتَابِ إلَّا القول الاول

(6/346)


الْأَصَحَّ فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ لَا أَعْرِفُ لَهُ وَجْهًا وَهَذَا عَجَبٌ مِنْهُ مَعَ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ مُحَقِّقِي أَصْحَابِنَا فَالْأَصَحُّ مِنْ هَذَا الْخِلَافِ كُلِّهِ إنْ كَانَ مُفِيقًا فِي جُزْءٍ مِنْ النَّهَارِ أَيَّ جُزْءٍ كَانَ صَحَّ صَوْمُهُ وَإِلَّا فَلَا (الْخَامِسَةُ) إذَا نَوَى الصوم باليل وَجُنَّ فِي بَعْضِ النَّهَارِ فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ (الْجَدِيدُ) بُطْلَانُ صَوْمِهِ لِأَنَّهُ مُنَافٍ لِلصَّوْمِ كَالْحَيْضِ (وَقَالَ) فِي الْقَدِيمِ هُوَ كَالْإِغْمَاءِ فَفِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ حَكَى بَدَلَ الْقَوْلَيْنِ وَجْهَيْنِ كَصَاحِبِ الْإِبَانَةِ وَآخَرِينَ وَمِنْهُمْ مَنْ حَكَاهُمَا طَرِيقَيْنِ وَهُوَ أَحْسَنُ وَقَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ بِبُطْلَانِ الصَّوْمِ بِالْجُنُونِ فِي لَحْظَةٍ كَالْحَيْضِ
* وَلَوْ جُنَّ جَمِيعَ النَّهَارِ لَمْ يَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ (السَّادِسَةُ) لَوْ حَاضَتْ فِي بَعْضِ النَّهَارِ أَوْ ارْتَدَّ بَطَلَ صَوْمُهُمَا بِلَا خِلَافٍ وَعَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ وَكَذَلِكَ لَوْ نَفِسَتْ بَطَلَ صَوْمُهَا بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ وَلَدَتْ وَلَمْ تَرَ دَمًا أَصْلًا فَفِي بُطْلَانِ صَوْمِهَا خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ بِخُرُوجِ الْوَلَدِ وَحْدَهُ (إنْ قُلْنَا) لَا غُسْلَ لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهَا وَإِلَّا بَطَلَ عَلَى أَشْهَرِ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَلَمْ يَبْطُلْ عَلَى الْآخَرِ وَهُوَ الرَّاجِحُ دَلِيلًا وَقَدْ سَبَقَ إيضَاحُ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ (السَّابِعَةُ) حَيْثُ قُلْنَا لَا يَصِحُّ صَوْمُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ إمَّا لِوُجُودِ الْإِغْمَاءِ فِي كُلِّ النَّهَارِ أَوْ بَعْضِهِ وَإِمَّا لِعَدَمِ نِيَّتِهِ بِاللَّيْلِ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا فَاتَهُ مِنْ رَمَضَانَ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَفِيهِ وَجْهٌ لِابْنِ سُرَيْجٍ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي أَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَى الْمُغْمَى عَلَيْهِ كَمَا لَا قَضَاءَ عَلَى الْمَجْنُونِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ
* {فَرْعٌ} لَوْ نَوَى الصَّوْمَ فِي اللَّيْلِ ثُمَّ شَرِبَ دَوَاءً فَزَالَ عَقْلُهُ نَهَارًا بِسَبَبِهِ قَالَ الْبَغَوِيّ إنْ قُلْنَا لَا يَصِحُّ صَوْمُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ فَهَذَا أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ بِفِعْلِهِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلَوْ شَرِبَ الْمُسْكِرَ لَيْلًا وَبَقِيَ سُكْرُهُ جَمِيعَ النَّهَارِ لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ فِي رَمَضَانَ وَإِنْ صَحَا فِي بعضه فهو كالاغماء في بعض النهار
*
* قال المصنف رحمه الله تعالي
* ويجوز للصائم ان ينزل الماء وينغطس فيه لما روى أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال
" حدثني مَنْ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَوْمِ صائف يصب على رأسه الماء من شدة الحر والعطش وهو صائم " ويجوز أن يكتحل لما روى عن أنس " انه كان يكتحل وهو صائم ولان العين ليس بمنفد فلم يبطل الصوم بما يصل إليها "}
* {الشَّرْحُ} أَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هَذَا فَصَحِيحٌ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِمَا وَالْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ صحيحة واسناد مالك وداود النسائي وأبى علي شرط البخاري ومسلم ولفظ رواياتهم " مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ أَوْ الْعَطَشِ " وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ " الْحَرُّ " وَلَفْظُ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

(6/347)


وَسَلَّمَ أَنَّهُ حَدَّثَهُ قَالَ " لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ الْمَاءَ وَهُوَ صَائِمٌ مِنْ الْعَطَشِ أَوْ مِنْ الْحَرِّ " هَذَا لَفْظُهُ وَكَذَا لَفْظُ الْبَاقِينَ مُصَرِّحٌ بِأَنَّ الَّذِي حَدَّثَ أَبَا بَكْرٍ صَحَابِيٌّ وَلَوْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ كَذَلِكَ لَكَانَ أَحْسَنَ وَلَفْظُ رِوَايَةِ الْمُصَنِّفِ بِمَعْنَاهُ فَإِنَّ الَّذِي رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُسْلِمٌ صَحَابِيٌّ ثُمَّ إنَّ هَذَا الصَّحَابِيَّ وَإِنْ كَانَ مَجْهُولَ الِاسْمِ لَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كُلَّهُمْ عُدُولٌ وَلِهَذَا احْتَجَّ بِهِ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَسَائِرُ الْأَئِمَّةِ (وَأَمَّا) الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ أَنَسٍ فِي الِاكْتِحَالِ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ إلَّا رَجُلًا مُخْتَلَفًا فِيهِ وَلَمْ يُبَيِّنْ الَّذِي ضَعَّفَهُ سَبَبَ تَضْعِيفِهِ مَعَ أَنَّ الْجَرْحَ لَا يُقْبَلُ إلَّا مُفَسَّرًا وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلِأَنَّ الْعَيْنَ لَيْسَ بِمَنْفَذٍ هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخِ الْمُهَذَّبِ لَيْسَ وَهِيَ لُغَةٌ ضَعِيفَةٌ غَرِيبَةٌ وَالْمَشْهُورُ الْفَصِيحُ لَيْسَتْ بِإِثْبَاتِ التَّاءِ (وَأَمَّا) الْمَنْفَذُ فَبِفَتْحِ الْفَاءِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسْأَلَتَانِ (احداهما) يجوز للصائم ان ينزل في الْمَاءِ وَيَنْغَطِسَ فِيهِ وَيَصُبَّهُ عَلَى رَأْسِهِ سَوَاءٌ كَانَ فِي حَمَّامٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا وَدَلِيلُهُ الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يُصْبِحُ جُنُبًا وَهُوَ صَائِمٌ ثُمَّ يَغْتَسِلُ " (الثَّانِيَةُ) يَجُوزُ لِلصَّائِمِ الِاكْتِحَالُ بِجَمِيعِ الْأَكْحَالِ وَلَا يُفْطِرُ بِذَلِكَ سَوَاءٌ وَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ أَمْ لَا لِأَنَّ الْعَيْنَ لَيْسَتْ بِجَوْفٍ وَلَا مَنْفَذَ مِنْهَا إلَى الْحَلْقِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُكْرَهُ الِاكْتِحَالُ عِنْدَنَا قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ تَنَخَّمَهُ أَمْ لَا
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الِاكْتِحَالِ
* ذَكَرْنَا أَنَّهُ جَائِزٌ عِنْدَنَا وَلَا يُكْرَهُ وَلَا يُفْطِرُ بِهِ سَوَاءٌ وَجَدَ
طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ أَمْ لَا وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَطَاءٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَحَكَاهُ غَيْرُهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ وَابْنِ أَبِي أَوْفَى الصَّحَابِيَّيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَبِهِ قَالَ دَاوُد وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ وَمَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ وَابْنِ شُبْرُمَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّهُمْ قَالُوا يَبْطُلُ بِهِ صَوْمُهُ وَقَالَ قَتَادَةُ يَجُوزُ بِالْإِثْمِدِ وَيُكْرَهُ بِالصَّبْرِ
* وَقَالَ الثوري وإسحق يكره
* وقال مَالِكٌ وَأَحْمَدُ يُكْرَهُ وَإِنْ وَصَلَ إلَى الْحَلْقِ أَفْطَرَ
* وَاحْتَجَّ لِلْمَانِعِينَ بِحَدِيثِ مَعْبَدِ بْنِ هَوْذَةَ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَّهُ أَمَرَ بِالْإِثْمِدِ الْمُرَوِّحِ عِنْدَ النَّوْمِ وَقَالَ لِيَتَّقِهِ الصَّائِمُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ قَالَ لِي يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ هُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَحَادِيثَ ضَعِيفَةٍ نَذْكُرُهَا لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهَا (مِنْهَا) حَدِيثُ عَائِشَةَ قَالَتْ " اكْتَحَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ صَائِمٌ " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ مِنْ رِوَايَةِ بقية عن سعيد ابن أَبِي سَعِيدٍ الزُّبَيْدِيِّ شَيْخِ بَقِيَّةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَسَعِيدُ الزُّبَيْدِيُّ هَذَا مِنْ مَجَاهِيلِ شُيُوخِ بَقِيَّةَ يَنْفَرِدُ بِمَا لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ قُلْتُ وَقَدْ اتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى أَنَّ رِوَايَةَ بَقِيَّةَ عَنْ الْمَجْهُولِينَ مَرْدُودَةٌ وَاخْتَلَفُوا فِي رِوَايَتِهِ عَنْ الْمَعْرُوفِينَ فَلَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ هَذَا بِلَا خِلَافٍ وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ " جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ اشْتَكَتْ عَيْنِي أفأ كتحل وَأَنَا صَائِمٌ قَالَ نَعَمْ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ لَيْسَ إسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ قَالَ وَلَا يَصِحُّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الباب شئ وعن

(6/348)


نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ " خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَيْنَاهُ مملوءتان الْكُحْلِ وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ صَائِمٌ " فِي إسناد مَنْ اُخْتُلِفَ فِي تَوْثِيقِهِ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ " النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَكْتَحِلُ بِالْإِثْمِدِ وَهُوَ صَائِمٌ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهُ لِأَنَّ رَاوِيهِ مُحَمَّدٌ هَذَا ضَعِيفٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ جِدًّا أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ
* وَاحْتَجُّوا بِالْأَثَرِ الْمَذْكُورِ عَنْ أَنَسٍ وَقَدْ بَيَّنَّا إسْنَادَهُ وفى سنن ابي دواد عَنْ الْأَعْمَشِ قَالَ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِنَا يَكْرَهُ الْكُحْلَ لِلصَّائِمِ وَالْمُعْتَمَدُ فِي الْمَسْأَلَةِ ما ذكره المصنف
*
* قال المصنف رحمه الله
* {ويجوز أن يحتجم لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ " قال
في الام ولو ترك كان احب الي لما روى عبد الرحمن بن ابي ليلي عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انهم قالو " إنَّمَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الحجامة والوصال في الصوم إبقاء علي أصحابه "}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَحَدِيثُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ لَكِنْ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَالْبَيْهَقِيِّ وَغَيْرِهِمَا عن عبد الرحمن ابن أَبِي لَيْلَى قَالَ حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إلَى آخِرِهِ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلَفْظِ رِوَايَةِ الْمُهَذَّبِ (وَقَوْلُهُ) إبْقَاءً بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالْقَافِ وَبِالْمَدِّ أَيْ رِفْقًا بِهِمْ (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ تَجُوزُ الْحِجَامَةُ لِلصَّائِمِ وَلَا تُفْطِرُهُ وَلَكِنَّ الْأَوْلَى تَرْكُهَا هَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا الْجَامِعِينَ بَيْنَ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ يُفْطِرُ بِالْحِجَامَةِ مِمَّنْ قَالَهُ مِنْهُمْ أبو بكر ابن الْمُنْذِرِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ خُزَيْمَةَ وَأَبُو الْوَلِيدِ النيسابوري والحاكم أبو عَبْدِ اللَّهِ لِلْحَدِيثِ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْفَصْدُ كَالْحِجَامَةِ
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي حِجَامَةِ الصَّائِمِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ بِهَا لا الحاجم ولا لمحجوم وَبِهِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وأم سلمة وسعيد بن المسيب وعروة ابن الزُّبَيْرِ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُد وَغَيْرُهُمْ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ
* وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْحِجَامَةُ تُفْطِرُ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وابن سيرين وعطاء والاوزاعي وأحمد وإسحق وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَابْنِ خُزَيْمَةَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ قَالَ أحمد وإسحق يُفْطِرُ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ " وَعَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ وَقَالَ عَطَاءٌ يَلْزَمُ الْمُحْتَجِمَ فِي رَمَضَانَ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ
* وَاحْتَجَّ لِهَؤُلَاءِ بِحَدِيثِ ثَوْبَانَ قَالَ " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ

(6/349)


مَاجَهْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَإِسْنَادُ أَبِي دَاوُد عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ " أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَجُلٍ بِالْبَقِيعِ وَهُوَ يَحْتَجِمُ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِي لثمان عشرة خلت مِنْ رَمَضَانَ فَقَالَ
أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ " رَوَاهُ أبو داود والنساثى وابن ماجه بأسانيد صحيحة وعن رافع به خَدِيجٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُهُ وَعَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ هُوَ صَحِيحٌ ثُمَّ رَوَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ أَنَّهُ قَالَ هُوَ صَحِيحٌ وَرَوَى الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ أَصَحُّ مَا رُوِيَ فِي هَذَا الباب حديث ثوبان وعن علي ابن الْمَدِينِيِّ قَالَ لَا أَعْلَمُ فِيهَا أَصَحَّ مِنْ حديث رافع بن خديج قال الحاكم قد حكم أحمد لاحد الحديثين بالصحة وعلى للآخر بالصحة وحكم إسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ لِحَدِيثِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ بِالصِّحَّةِ ثم روى الحاكم باسناده عن اسحق أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِ شَدَّادٍ هَذَا إسْنَادٌ صحيح تقوم به الحجة قال اسحق وَقَدْ صَحَّ هَذَا الْحَدِيثُ بِأَسَانِيدَ وَبِهِ نَقُولُ قال الحاكم رضى الله عن اسحق فَقَدْ حَكَمَ بِالصِّحَّةِ لِحَدِيثٍ صِحَّتُهُ ظَاهِرَةٌ وَقَالَ بِهِ قَالَ الْحَاكِمُ وَفِي الْبَابِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ بِأَسَانِيدَ مُسْتَقِيمَةٍ مِمَّا يَطُولُ شَرْحُهُ ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْإِمَامِ الْحَافِظِ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ الدَّارِمِيِّ قَالَ صَحَّ عِنْدِي حَدِيثُ " أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ " مِنْ رِوَايَةِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ وَثَوْبَانَ قَالَ عُثْمَانُ وَبِهِ أَقُولُ قَالَ وَسَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ بِهِ وَيَقُولُ صَحَّ عِنْدَهُ حَدِيثُ ثَوْبَانَ وَشَدَّادٍ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ حَدِيثَ " أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ " أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ اسامة ابن زَيْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ رِوَايَةِ عَطَاءَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا وعن عَطَاءٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا قَالَ هَذَا الْمُرْسَلُ هُوَ الْمَحْفُوظُ مِنْ رِوَايَةِ عَطَاءٍ وَذِكْرُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيهِ وَهْمٌ وَعَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ الْحَافِظِ قَالَ حَدِيثُ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا فِي هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَفِي الْمُوَطَّإِ عَنْ نَافِعٍ قَالَ إنَّ ابْنَ عُمَرَ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ ثُمَّ تَرَكَهُ فَكَانَ إذَا صَامَ لَمْ يَحْتَجِمْ حَتَّى يُفْطِرَ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَعَنْ ثَابِتِ الْبُنَانِيِّ قَالَ " سُئِلَ أَنَسٌ أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ الْحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ قَالَ لَا إلَّا مِنْ أَجْلِ الضَّعْفِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَهُ " عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ " حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْحِجَامَةِ وَالْمُوَاصَلَةِ وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُمَا إلَّا إبْقَاءً عَلَى أَصْحَابِهِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ
الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ كَمَا سَبَقَ وَاحْتَجَّ بِهِ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا فِي أَنَّ الْحِجَامَةَ لَا تُفْطِرُ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ

(6/350)


الْخُدْرِيِّ قَالَ " رَخَّصَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ وَالْحِجَامَةِ " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ إسْنَادُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ وَرَوَاهُ مِنْ طريق آخر قال كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ " أَوَّلُ مَا كرهتت الْحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ فَمَرَّ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَفْطَرَ هَذَانِ ثُمَّ رَخَّصَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدُ في الحجامة للصائم " وكان أنس يحتحم وَهُوَ صَائِمٌ " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ قَالَ وَلَا أَعْلَمُ لَهُ عِلَّةً وَعَنْ عَائِشَةَ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرَوَيْنَا فِي الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ والحسين بن على وزيد ابن أَرْقَمَ وَعَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَاسْتَدَلَّ الْأَصْحَابُ أَيْضًا بِأَحَادِيثَ أُخَرَ فِي بَعْضِهَا ضعف والمعتمد ما ذكرنا وَاسْتَدَلُّوا بِالْقِيَاسِ عَلَى الْفَصْدِ وَالرُّعَافِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ " أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ " فَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ (أَحَدُهَا) جَوَابُ الشَّافِعِيِّ ذَكَرَهُ فِي الْأُمِّ وَفِيهِ اختلاف وتابعه عليه والخطابى البيهقى وَسَائِرُ أَصْحَابِنَا وَهُوَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ مِمَّا ذَكَرْنَا وَدَلِيلُ النَّسْخِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ وَالْبَيْهَقِيَّ رَوَيَاهُ بِإِسْنَادِهِمَا الصَّحِيحِ عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ " كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَانَ الْفَتْحِ فَرَأَى رَجُلًا يَحْتَجِمُ لِثَمَانِ عَشَرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ فَقَالَ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِي أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ " وَقَدْ ثبت في صحيح البخاري في حديث بْنِ عَبَّاسٍ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ صَائِمٌ " قَالَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ عَبَّاسٍ إنَّمَا صَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ

(6/351)


عليه وسلم محرما في حجة الوادع سنة عشرة مِنْ الْهِجْرَةِ وَلَمْ يَصْحَبْهُ مُحْرِمًا قَبْلَ ذَلِكَ وَكَانَ الْفَتْحُ سَنَةَ ثَمَانٍ بِلَا شَكٍّ فَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ بَعْدَ حَدِيثِ شَدَّادٍ بِسَنَتَيْنِ وَزِيَادَةٍ قَالَ فَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ نَاسِخٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ ويدل علي النسح أَيْضًا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ السَّابِقِ فِي قِصَّةِ جَعْفَرٍ " ثُمَّ رَخَّصَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم بعد في الحجامة " هو حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ قَالَ وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ السَّابِقُ أَيْضًا فِيهِ لَفْظُ التَّرْخِيصِ وغالب مَا يُسْتَعْمَلُ التَّرْخِيصُ بَعْدَ النَّهْيِ (الْجَوَابُ الثَّانِي) أَجَابَ بِهِ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا
أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عباس أصح ويعضده أيضا القياس فوجب تقدبمه (الْجَوَابُ الثَّالِثِ) جَوَابُ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا وَالْخَطَّابِيِّ وَأَصْحَابِنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِأَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ أَنَّهُمَا كَانَا يَغْتَابَانِ فِي صَوْمِهِمَا وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ ذَلِكَ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ ثَوْبَانَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ يَكُونُ الْمُرَادُ بِإِفْطَارِهِمَا أَنَّهُ ذَهَبَ أَجْرُهُمَا كَمَا قَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ لِمَنْ تَكَلَّمَ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ لَا جُمُعَةَ لَكَ أَيْ لَيْسَ لَكَ أَجْرُهَا وَإِلَّا فَهِيَ صَحِيحَةٌ مُجْزِئَةٌ عنه (الجواب الرَّابِعِ) ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ أَنَّ مَعْنَاهُ تَعَرَّضَا لِلْفِطْرِ (أما) المحجوم فلضعفه بخروج الدم فربما لحقه مَشَقَّةٌ فَعَجَزَ عَنْ الصَّوْمِ فَأَفْطَرَ بِسَبَبِهَا (وَأَمَّا) الحاجم فقد يصل جوفه شئ من الدم أو غيره إذَا ضَمَّ شَفَتَيْهِ عَلَى قَصَبِ الْمُلَازِمِ كَمَا يُقَالُ لِلْمُتَعَرِّضِ لِلْهَلَاكِ هَلَكَ فُلَانٌ وَإِنْ كَانَ باقيا سالما وَكَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ جُعِلَ قَاضِيًا فَقَدْ ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ " أَيْ تَعَرَّضَ لَلذَّبْحِ بِغَيْرِ سِكِّينٍ

(6/352)


(الْخَامِسِ) ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ أَيْضًا أَنَّهُ مَرَّ بِهِمَا قريب المغرب فقال أفطرا أَيْ حَانَ فِطْرُهُمَا كَمَا يُقَالُ أَمْسَى الرَّجُلُ إذَا دَخَلَ فِي وَقْتِ الْمَسَاءِ أَوْ قَارَبَهُ (السَّادِسِ) أَنَّهُ تَغْلِيظٌ وَدُعَاءٌ عَلَيْهِمَا لِارْتِكَابِهِمَا مَا يُعَرِّضُهُمَا لِفَسَادِ صَوْمِهِمَا (وَاعْلَمْ) أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ خُزَيْمَةَ اعْتَرَضَ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَرَوَى عَنْهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ أَنَّهُ قَالَ ثَبَتَتْ الْأَحَادِيثُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ " أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ " فَقَالَ بَعْضُ مَنْ خَالَفَنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَالَ لَا يُفْطِرُ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ صَائِمٌ " وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي هَذَا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ صَائِمٌ فِي السَّفَرِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَطُّ مُحْرِمًا مُقِيمًا بِبَلَدِهِ وَالْمُسَافِرُ إذَا نَوَى الصَّوْمَ لَهُ الْفِطْرُ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْحِجَامَةِ وَغَيْرِهَا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ حِجَامَتِهِ أَنَّهَا لَا تُفْطِرُ فَاحْتَجَمَ وَصَارَ مُفْطِرًا وَذَلِكَ جَائِزٌ هَذَا كَلَامُ ابْنِ خُزَيْمَةَ وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ قَالَ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَثْبَتَ لَهُ الصِّيَامَ مَعَ الْحِجَامَةِ وَلَوْ بَطَلَ صَوْمُهُ بِهَا لَقَالَ أَفْطَرَ بِالْحِجَامَةِ كَمَا يُقَالُ أَفْطَرَ الصَّائِمُ بِأَكْلِ الْخُبْزِ وَلَا يُقَالُ أَكَلَهُ وَهُوَ صَائِمٌ قُلْتُ وَلِأَنَّ السَّابِقَ إلَى الْفَهْمِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ " احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ " الْإِخْبَارُ بِأَنَّ الْحِجَامَةَ لَا تُبْطِلُ الصَّوْمَ ويؤيده باقى الاحاديث المذكروة والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
*
{قال واكره له العلك لانه يجفف الفم ويعطش ولا يفطر لانه يدور في الفم ولا ينزل الي الجوف شئ فان تفرك وتفتت فوصل منه شئ الي الجوف بطل الصوم ويكره له أن يمضغ الخبز فان كان له ولد صغير ولم يكن له من يمضغ غيره لم يكره له ذلك}
* {الشَّرْحُ} قَوْلُهُ قَالَ يَعْنِي الشَّافِعِيَّ وَالْعِلْكُ بِكَسْرِ العين هو هذا الْمَعْرُوفُ وَيَجُوزُ فَتْحُ الْعَيْنِ وَيَكُونُ الْمُرَادُ الْفِعْلَ وَهُوَ مَضْغُ الْعِلْكِ وَإِدَارَتُهُ وَقَوْلُهُ يَمْضَغُ هُوَ بفتح الصاد وَضَمِّهَا لُغَتَانِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسْأَلَتَانِ (إحْدَاهُمَا) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ الْعِلْكُ لِأَنَّهُ يجمع الريق ويورث العطش والقئ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ " لَا يَمْضَغُ الْعِلْكَ الصَّائِمُ " وَلَفْظُ الشَّافِعِيِّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَأَكْرَهُ الْعِلْكَ لِأَنَّهُ يَحْلُبُ الْفَمَ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي رُوِيَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ بِالْجِيمِ وَبِالْحَاءِ فَمَنْ قَالَ بِالْجِيمِ فَمَعْنَاهُ يَجْمَعُ الرِّيقَ فَرُبَّمَا ابْتَلَعَهُ وَذَلِكَ يُبْطِلُ الصَّوْمَ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَمَكْرُوهٌ فِي الْآخَرِ قَالَ وَقَدْ قِيلَ مَعْنَاهُ يُطَيِّبُ الْفَمَ وَيُزِيلُ الْخُلُوفَ قَالَ وَمَنْ قَالَهُ بِالْحَاءِ فَمَعْنَاهُ يَمْتَصُّ الرِّيقَ وَيُجْهِدُ الصَّائِمَ فَيُورِثُ الْعَطَشَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُفْطِرُ بِمُجَرَّدِ الْعِلْكِ وَلَا بِنُزُولِ

(6/353)


الرِّيقِ مِنْهُ إلَى جَوْفِهِ فَإِنْ تَفَتَّتَ فَوَصَلَ من جرمه شئ إلى جوفه عمدا وَإِنْ شَكَّ فِي ذَلِكَ لَمْ يُفْطِرْ وَلَوْ نَزَلَ طَعْمُهُ فِي جَوْفِهِ أَوْ رِيحُهُ دُونَ جُرْمِهِ لَمْ يُفْطِرْ لِأَنَّ ذَلِكَ الطَّعْمَ بِمُجَاوَرَةِ الرِّيقِ لَهُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الدَّارِمِيُّ وَجْهًا عَنْ ابْنِ الْقَطَّانِ أَنَّهُ إنْ ابْتَلَعَ الرِّيقَ وَفِيهِ طَعْمُهُ أَفْطَرَ وليس بشئ (الثَّانِيَةُ) يُكْرَهُ لَهُ مَضْغُ الْخُبْزِ وَغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَكَذَا ذَوْقُ الْمَرَقِ وَالْخَلِّ وَغَيْرِهِمَا فَإِنْ مَضَغَ أَوْ ذَاقَ وَلَمْ يَنْزِلْ إلَى جوفه شئ مِنْهُ لَمْ يُفْطِرْ فَإِنْ احْتَاجَ إلَى مَضْغِهِ لِوَلَدِهِ أَوْ غَيْرِهِ وَلَمْ يَحْصُلْ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْ مَضْغِهِ لَمْ يُكْرَهْ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ " لَا بَأْسَ أَنْ يتطاعم الصائم بالشئ " يعني المرقة ونحوها * قال المصنف رحمه الله
* {ومن حركت القبلة شهوته كره له أن يقبل وهو صائم والكراهة كراهة تحريم وان لم تحرك شهوته قال الشافعي فلا بأس بها وتركها أولي والاصل في ذلك ماروت عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقبل ويباشر وهو صائم ولكنه كان أملككم لاربه " وعن ابن عباس انه ارخص فيها للشيخ وكرهها للشاب ولانه في حق احدهما لا يأمن ان ينزل فيفسد الصوم وفى الاخر يأمن ففرق بينهما}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " يُقَبِّلُ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ صَائِمٌ " وَعَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَيُقَبِّلُ الصَّائِمُ فَقَالَ سَلْ هَذِهِ لِأُمِّ سَلَمَةَ فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يصنع ذلك فقال يارسول اللَّهِ قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاَللَّهِ إنِّي أَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَخْشَاكُمْ لَهُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ هَذَا هُوَ الْحِمْيَرِيُّ هَكَذَا جَاءَ مُبَيَّنًا فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ وَلَيْسَ هُوَ ابْنَ أُمِّ سَلَمَةَ وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " قَالَ هَشَشْتُ يَوْمًا فَقَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ إنِّي صَنَعْتُ الْيَوْمَ أَمْرًا عَظِيمًا قَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَأَيْتَ لَوْ تَمَضْمَضْتَ بِمَاءٍ وَأَنْتَ صَائِمٌ قُلْتُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ قَالَ فَفِيمَ " رَوَاهُ أبو داود قد سبق بيانه حيث ذكره المصنف ومما جاء في كراهتها للشاب وَنَحْوِهِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " رُخِّصَ لِلْكَبِيرِ الصَّائِمِ فِي الْمُبَاشَرَةِ وَكُرِهَ لِلشَّابِّ " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ هَكَذَا وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مَرْفُوعٌ وَرَوَاهُ مَالِكٌ والشافعي والبيهقي باسانيدهم الصحيحة عن عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ سُئِلَ عَنْ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ فَأَرْخَصَ فِيهَا لِلشَّيْخِ وَكَرِهَهَا للشاب هكذا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مَوْقُوفًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ فَرَخَّصَ لَهُ وَأَتَاهُ آخَرُ فَنَهَاهُ هَذَا الَّذِي رَخَّصَ لَهُ شَيْخٌ وَاَلَّذِي نَهَاهُ شَابٌّ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد

(6/354)


بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ وَعَنْ ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ " كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فجاء شاب فقال يارسول اللَّهِ أُقَبِّلُ وَأَنَا صَائِمٌ فَقَالَ لَا فَجَاءَ شَيْخٌ فَقَالَ أُقَبِّلُ وَأَنَا صَائِمٌ قَالَ نَعَمْ " رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ لَهِيعَةَ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ عَنْ ميمونة مولاة النبي صلي الله عليه قَالَتْ " سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَجُلٍ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ وَهُمَا صَائِمَانِ فَقَالَ قَدْ أَفْطَرَا " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ باسناد ضعيف قال الدارقطني روايه مَجْهُولٌ قَالَ وَلَا يَثْبُتُ هَذَا وَعَنْ الْأَسْوَدِ قَالَ " قُلْتُ
لِعَائِشَةَ أَيُبَاشِرُ الصَّائِمُ قَالَتْ لَا قُلْتُ أَلَيْسَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يباشر قالت كَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ فَهَذِهِ جُمْلَةٌ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ الْوَارِدَةِ فِي الْقُبْلَةِ (وَقَوْلُهَا) لِإِرْبِهِ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مَعَ إسْكَانِ الراء وروى أيضا بفتحهما جميعا
* (أما) حكم الْمَسْأَلَةِ فَهُوَ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ تُكْرَهُ الْقُبْلَةُ عَلَى مَنْ حَرَّكَتْ شَهْوَتَهُ وَهُوَ صَائِمٌ وَلَا تُكْرَهُ لِغَيْرِهِ لَكِنَّ الْأَوْلَى تَرْكُهَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّيْخِ وَالشَّابِّ فِي ذَلِكَ فَالِاعْتِبَارُ بِتَحْرِيكِ الشَّهْوَةِ وَخَوْفِ الْإِنْزَالِ فَإِنْ حَرَّكَتْ شَهْوَةَ شَابٍّ أَوْ شَيْخٍ قَوِيٍّ كُرِهَتْ وَإِنْ لَمْ تُحَرِّكْهَا لِشَيْخٍ أَوْ شَابٍّ ضَعِيفٍ لَمْ تُكْرَهْ وَالْأَوْلَى تَرْكُهَا وَسَوَاءٌ قَبَّلَ الْخَدَّ أَوْ الْفَمَ أَوْ غَيْرَهُمَا وَهَكَذَا الْمُبَاشَرَةُ بِالْيَدِ وَالْمُعَانَقَةُ لَهُمَا حُكْمُ الْقُبْلَةِ ثُمَّ الْكَرَاهَةُ فِي حَقِّ مَنْ حَرَّكَتْ شهوته كراهة تحريم عند المنصف وشيخه القاضي أبى الطيب والعبد رى وَغَيْرِهِمْ وَقَالَ آخَرُونَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ مَا لَمْ يُنْزِلْ وَصَحَّحَهُ الْمُتَوَلِّي قَالَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ الْأَصَحُّ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ وَإِذَا قَبَّلَ وَلَمْ يُنْزِلْ لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا سَوَاءٌ قُلْنَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ أَوْ تَنْزِيهٍ
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ
* ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا كَرَاهَتُهَا لِمَنْ حَرَّكَتْ شَهْوَتَهُ وَلَا تُكْرَهُ لِغَيْرِهِ وَالْأَوْلَى تَرْكُهَا فَإِنْ قَبَّلَ مَنْ تُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ وَلَمْ يُنْزِلْ لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ رَخَّصَ فِي الْقُبْلَةِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةُ وَعَطَاءٌ وَالشَّعْبِيُّ والحسن واحمد واسحق قال وكان سعد ابن أَبِي وَقَّاصٍ لَا يَرَى بِالْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ بَأْسًا وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ وَكَرِهَ مَالِكٌ الْقُبْلَةَ لِلشَّابِّ وَالشَّيْخِ فِي رَمَضَانَ وَأَبَاحَتْهَا طَائِفَةٌ للشيخ دون الشاب ممن قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ إنْ خَافَ الْمُجَاوَزَةَ مِنْ الْقُبْلَةِ إلَى غَيْرِهَا لَمْ يُقَبِّلْ هَذَا نَقْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَذْهَبِنَا وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ مَنْ قَبَّلَ فِي رَمَضَانَ قَضَى يوما مكانه وحكاه الماورى عن محمد ابن الحنفية وعبد الله ابن شُبْرُمَةَ قَالَ وَقَالَ سَائِرُ الْفُقَهَاءِ الْقُبْلَةُ لَا تُفْطِرُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهَا إنْزَالٌ فَإِنْ أَنْزَلَ مَعَهَا أَفْطَرَ وَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ وَدَلَائِلُ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ تُعْرَفُ مِمَّا سَبَقَ فِي الاحاديث وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
*

(6/355)


* قال المصنف رحمه الله* {وينبعى للصائم أن ينزه صومه عن الغيبة والشم فان شوتم قال انى صائم لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا كَانَ احدكم صائما فلا يرفث ولا يجهل فان أمرؤ قاتله أو شاتمه فليقل انى صائم "}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالرَّفَثُ الْفُحْشُ فِي الْكَلَامِ وَمَعْنَى شَاتَمَهُ شَتَمَهُ مُتَعَرِّضًا لِمُشَاتَمَتِهِ (وَقَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فليقل اني صائم ذكر العلماء فيه تأويلين (احدهما) يقوله بِلِسَانِهِ وَيُسْمِعُهُ لِصَاحِبِهِ لِيَزْجُرَهُ عَنْ نَفْسِهِ
(وَالثَّانِي)
وبه جزم المتولي يقوله فِي قَلْبِهِ لَا بِلِسَانِهِ بَلْ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِذَلِكَ وَيُذَكِّرُهَا أَنَّهُ صَائِمٌ لَا يَلِيقُ بِهِ الْجَهْلُ وَالْمُشَاتَمَةُ وَالْخَوْضُ مَعَ الْخَائِضِينَ قَالَ هَذَا الْقَائِلُ لِأَنَّهُ يَخَافُ عَلَيْهِ الرِّيَاءَ إذَا تَلَفَّظَ بِهِ وَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ يَقْصِدُ زَجْرَهُ لَا لِلرِّيَاءِ وَالتَّأْوِيلَانِ حَسَنَانِ وَالْأَوَّلُ أَقْوَى وَلَوْ جَمَعَهُمَا كَانَ حَسَنًا (وَقَوْلُ) الْمُصَنِّفِ يَنْبَغِي لِلصَّائِمِ أَنْ ينز صومه عن الغليبة وَالشَّتْمِ مَعْنَاهُ يَتَأَكَّدُ التَّنَزُّهُ عَنْ ذَلِكَ فِي حَقِّ الصَّائِمِ أَكْثَرُ مِنْ غَيْرِهِ لِلْحَدِيثِ وَإِلَّا فَغَيْرُ الصَّائِمِ يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ أَيْضًا وَيُؤْمَرُ بِهِ فِي كُلِّ حَالٍ وَالتَّنَزُّهُ التَّبَاعُدُ فَلَوْ اغْتَابَ فِي صَوْمِهِ عَصَى وَلَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَالْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا الْأَوْزَاعِيَّ فَقَالَ يَبْطُلُ الصَّوْمُ بِالْغِيبَةِ وَيَجِبُ قَضَاؤُهُ
* وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ وَبِحَدِيثِهِ أَيْضًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْهُ أَيْضًا قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إلَّا الْجُوعُ وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إلَّا السَّهَرُ " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِمَا وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ قَالَ وَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَعَنْهُ أَيْضًا قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ الصِّيَامُ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَقَطْ الصِّيَامُ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ هُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَبِالْحَدِيثِ الْآخَرِ " خَمْسٌ يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ الْغِيبَةُ وَالنَّمِيمَةُ وَالْكَذِبُ وَالْقُبْلَةُ وَالْيَمِينُ الْفَاجِرَةُ " وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ سِوَى الْأَخِيرِ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ كَمَالَ الصَّوْمِ وَفَضِيلَتَهُ الْمَطْلُوبَةَ إنَّمَا يَكُونُ بصيانته عن اللغو والكلام الردئ لَا أَنَّ الصَّوْمَ يَبْطُلُ بِهِ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الْأَخِيرُ " خَمْسٌ يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ " فَحَدِيثٌ بَاطِلٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَأَجَابَ عَنْهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا بِأَنَّ الْمُرَادَ بُطْلَانُ الثَّوَابِ لَا نَفْسَ الصَّوْمِ
*
* قال المصنف رحمه الله تعالي
* {ويكره الوصال في الصوم لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إياكم والوصال إياكم والوصال قالوا إنك تواصل يارسول اللَّهِ قَالَ إنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إنِّي أَبِيتُ

(6/356)


عند ربي يطعمنى ويسقيني " وهل هو كراهة تحريم أو كراهة تنزيه فيه وجهان
(أحدهما)
أنه كراهة تحريم لان النهي يقتضي التحريم
(والثانى)
أنه كراهة تنزيه لانه إنما نهى عنه حتي لا يضعف عن الصوم وذلك أمر غير محقق فلم يتعلق به أثم فان واصل لم يبطل صومه لان النهي لا يرجح إلى الصوم فلا يوجب بطلانه}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ والوصال بكسر الواو ويطعمني بضم الياء ويسقيي بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِهَا وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ إنَّمَا نَهَى عَنْهُ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِهَا
* أَمَّا حُكْمُ الْوِصَالِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَهَلْ هِيَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ أَمْ تَنْزِيهٍ فِيهِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَهُمَا مَشْهُورَانِ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رضي الله قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ فَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ رَسُولِهِ وَبَيْنَ خَلْقِهِ فِي أُمُورٍ أَبَاحَهَا لَهُ وَحَظَرَهَا عَلَيْهِمْ وَذَكَرَ مِنْهَا الْوِصَالَ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا بِتَصْحِيحِ تَحْرِيمِهِ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ والخطابى في المعالم وسليم الدارى فِي الْكِفَايَةِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ وَالْبَغَوِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ فِي كِتَابِهِ الْكَافِي وَآخَرُونَ كُلُّهُمْ صَرَّحُوا بِتَحْرِيمِهِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَحَقِيقَةُ الْوِصَالِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ أن يَصُومُ يَوْمَيْنِ فَصَاعِدًا وَلَا يَتَنَاوَلُ فِي اللَّيْلِ شَيْئًا لَا مَاءً وَلَا مَأْكُولًا فَإِنْ أَكَلَ شَيْئًا يَسِيرًا أَوْ شَرِبَ فَلَيْسَ وِصَالًا وَكَذَا إنْ أَخَّرَ الْأَكْلَ إلَى السَّحَرِ لِمَقْصُودٍ صَحِيحٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَيْسَ بِوِصَالٍ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّ الوصال أن لا يَأْكُلَ وَلَا يَشْرَبَ وَيَزُولُ الْوِصَالُ بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ وَإِنْ قَلَّ صَاحِبُ الْحَاوِي وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَخَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَأَمَّا قَوْلُ الْمَحَامِلِيِّ فِي الْمَجْمُوعِ وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَرَ الْبَنْدَنِيجِيِّ
فِي كِتَابِهِ الْجَامِعِ وَالْغَزَالِيِّ فِي الْوَسِيطِ والبغوى في التهذيب الوصال أن لا يَأْكُلَ شَيْئًا فِي اللَّيْلِ وَخَصُّوهُ بِالْأَكْلِ فَضَعِيفٌ بَلْ هُوَ مُتَأَوِّلٌ عَلَى مُوَافَقَةِ الْأَصْحَابِ وَيَكُونُ مُرَادُهُمْ لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ كَمَا قَالَهُ الْجَمَاهِيرُ وَاكْتَفَوْا بِذِكْرِ أَحَدِ الْقَرِينَيْنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (سرابيل تقيكم الحر) أَيْ وَالْبَرْدَ وَنَظَائِرُهُ مَعْرُوفَةٌ وَقَدْ بَالَغَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَقَالَ فِي النِّهَايَةِ فِي بَيَانِ مَا يَزُولُ بِهِ الْوِصَالُ فَقِيلَ يَزُولُ الْوِصَالُ بِقَطْرَةٍ يَتَعَاطَاهَا كُلَّ لَيْلَةٍ وَلَا يَكْفِي اعْتِقَادُهُ أَنَّ مَنْ جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ فَقَدْ أَفْطَرَ هَذَا لَفْظُهُ بِحُرُوفِهِ (وَاعْلَمْ) أَنَّ الْجُمْهُورَ قَدْ أَطْلَقُوا فِي بَيَانِ حَقِيقَةِ الْوِصَالِ أَنَّهُ صَوْمُ يَوْمَيْنِ فَأَكْثَرَ مِنْ غَيْرِ أَكْلٍ وَلَا شُرْبٍ فِي الليل وقال الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ الْوِصَالُ أَنْ يَصِلَ صَوْمَ اللَّيْلِ بِصَوْمِ النَّهَارِ قَصْدًا فَلَوْ تَرَكَ الْأَكْلَ بِاللَّيْلِ لَا عَلَى قَصْدِ الْوِصَالِ وَالتَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ بِهِ لَمْ يُحَرَّمْ

(6/357)


وَقَالَ الْبَغَوِيّ الْعِصْيَانُ فِي الْوِصَالِ لِقَصْدِهِ إلَيْهِ وَإِلَّا فَالْفِطْرُ حَاصِلٌ بِدُخُولِ اللَّيْلِ كَالْحَائِضِ إذَا صَلَّتْ عَصَتْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا صَلَاةٌ وَهَذَا الَّذِي قَالَاهُ خِلَافُ إطْلَاقِ الْجُمْهُورِ وَخِلَافُ مَا صَرَّحَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ كَمَا سَبَقَ قَرِيبًا وَقَدْ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ الْوِصَالُ تَرْكُ الْأَكْلِ بِاللَّيْلِ دُونَ نِيَّةِ الْفِطْرِ لِأَنَّ الْفِطْرَ يَحْصُلُ بِاللَّيْلِ سَوَاءٌ نَوَى الْإِفْطَارَ أَمْ لَا هَذَا كَلَامُهُ وَظَاهِرُهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الرُّويَانِيِّ وَالْبَغَوِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَالصَّوَابُ أَنَّ الْوِصَالَ تَرْكُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي اللَّيْلِ بَيْنَ الصَّوْمَيْنِ عَمْدًا بِلَا عُذْرٍ
* {فَرْعٌ} اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ عَلَى أَنَّ الْوِصَالَ لَا يُبْطِلُ الصَّوْمَ سَوَاءٌ حَرَّمْنَاهُ أَوْ كَرَّهْنَاهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ النَّهْيَ لَا يَعُودُ إلَى الصَّوْمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} اتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ الْوِصَالَ مِنْ خَصَائِصِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ مَكْرُوهٌ فِي حَقِّنَا (إمَّا) كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ عَلَى الصَّحِيحِ (وَإِمَّا) تَنْزِيهٍ وَمُبَاحٌ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هُوَ قُرْبَةٌ فِي حَقِّهِ وَقَدْ نَبَّهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ " إنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إنِّي أَبِيتُ عِنْدَ رَبِّي يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي " وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى وَجْهَيْنِ مَشْهُورَيْنِ فِي الْحَاوِي وَمِنْهَاجِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالْمَعَالِمِ لِلْخَطَّابِيِّ وَالْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرِهَا
(أَحَدُهُمَا)
وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّ مَعْنَاهُ أُعْطِيَ قُوَّةَ الطَّاعِمِ الشَّارِبِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْأَكْلَ حَقِيقَةً إذْ لَوْ أَكَلَ حَقِيقَةً لَمْ يَبْقَ وِصَالٌ وَلَقَالَ مَا أَنَا مُوَاصِلٌ وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ مَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
قَرِيبًا فِي فَرْعِ بَيَانِ الْأَحَادِيثِ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إنِّي أَظَلُّ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي " وَلَا يُقَالُ ظَلَّ إلَّا فِي النَّهَارِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُؤْتَى بِطَعَامٍ وَشَرَابٍ مِنْ الْجَنَّةِ كَرَامَةً لَهُ لَا تُشَارِكُهُ فِيهَا الْأُمَّةُ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ تَأْوِيلًا ثَالِثًا مَعَ هَذَيْنِ قَالَا وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ مَحَبَّةَ اللَّهِ تَشْغَلُنِي عَنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْحُبُّ الْبَالِغُ يَشْغَلُ عَنْهُمَا
* {فَرْعٌ} قَالَ أَصْحَابُنَا الْحِكْمَةُ فِي النَّهْيِ عَنْ الْوِصَالِ لِئَلَّا يَضْعُفَ عَنْ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَسَائِرِ الطَّاعَاتِ أَوْ يَمَلَّهَا وَيَسْأَمَ مِنْهَا لِضَعْفِهِ بِالْوِصَالِ أَوْ يَتَضَرَّرَ بَدَنُهُ أَوْ بَعْضُ حَوَاسِّهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الضَّرَرِ
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْوِصَالِ
* ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وبه قال الجمهور وقال العبدرى هو قَوْلُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إلَّا ابْنَ الزُّبَيْرِ فَإِنَّهُ كَانَ يُوَاصِلُ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ابْنُ الْمُنْذِرِ كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَابْنُ أَبِي نَعِيمٍ يُوَاصِلَانِ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَاصَلَ سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ أَفْطَرَ عَلَى سَمْنٍ وَلَبَنٍ وَصَبْرٍ قَالَ وَتَأَوَّلَ فِي السَّمْنِ أَنَّهُ يُلَيِّنُ الْأَمْعَاءَ وَاللَّبَنُ أَلْطَفُ غِذَاءً وَالصَّبْرُ يُقَوِّي الْأَعْضَاءَ
* دَلِيلُنَا الْحَدِيثُ السَّابِقُ وَمَا سَنَذْكُرُهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* {فَرْعٌ} فِي بَيَانِ جُمْلَةٍ مِنْ أَحَادِيثِ الْوِصَالِ
* عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن

(6/358)


الْوِصَالِ قَالُوا إنَّكَ تُوَاصِلُ قَالَ إنِّي لَسْتُ مثلكم إنى أطعم وأسقى " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاصَلَ في رمضان فواصل الناس فنهاههم قِيلَ لَهُ أَنْتَ تُوَاصِلُ قَالَ إنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ إنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى " وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن الوصال فقال رجل فانك يارسول اللَّهِ تُوَاصِلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَيُّكُمْ مِثْلِي إنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي ربى ويسقيني فلما أبوا ان يَنْتَهُوا عَنْ الْوِصَالِ وَاصَلَ بِهِمْ يَوْمًا ثُمَّ يَوْمًا ثُمَّ رَأَوْا الْهِلَالَ فَقَالَ لَوْ تَأَخَّرَ الهلال لزدتكم كالمنكل لهم حين ابوأن يَنْتَهُوا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْهُ أَيْضًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ مَرَّتَيْنِ قِيلَ إنَّكَ تُوَاصِلُ قَالَ أَبِيتُ عِنْدَ رَبِّي يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي فَاكْلَفُوا مِنْ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِهَذَا اللَّفْظِ وَمُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ وَاكْلَفُوا بِفَتْحِ اللَّامِ مَعْنَاهُ خُذُوا بِرَغْبَةٍ وَنَشَاطٍ وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْوِصَالِ رَحْمَةً لَهُمْ قَالُوا إنَّكَ
تُوَاصِلُ قَالَ إنِّي لَسْتُ كهيأتكم إنِّي يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا تُوَاصِلُوا قَالُوا إنَّكَ تُوَاصِلُ قَالَ إنِّي لَسْتُ كَأَحَدٍ مِنْكُمْ إنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِلَفْظِهِ وَمُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ وَعَنْهُ قَالَ " وَاصَلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوَّلِ شَهْرِ رَمَضَانَ فَوَاصَلَ نَاسٌ فَبَلَغَهُ ذَلِكَ فَقَالَ لَوْ مُدَّ لَنَا الشَّهْرُ لواصلنا وصالا يدع الْمُتَعَمِّقُونَ تَعَمُّقَهُمْ إنَّكُمْ لَسْتُمْ مِثْلِي أَوْ قَالَ إنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ إنِّي أَظَلُّ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي " رَوَاهُ مُسْلِمٌ هُنَا وَالْبُخَارِيُّ فِي بَابِ لو من كتاب التمنني من صَحِيحِهِ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " لَا تواصلوا فأيكم ارد أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ إلَى السَّحَرِ قَالُوا فَإِنَّكَ تواصل يارسول الله قال إنى لست كهيأتكم إنِّي أَبِيتُ لِي مُطْعِمٌ يُطْعِمُنِي وَسَاقٍ يَسْقِينِي " رواه البخاري
*
*
قَالَ الْمُصَنَّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* {وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يتسحر للصوم لِمَا رَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال " تسحروا فان في السحور بركة " ولان فيه معونة علي الصوم ويستحب تأخير السحور لما روى انه قيل لعائشة " ان عبد الله يعجل الفطر ويؤخر السحور فقالت هكذا كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعل " ولان السحور يراد للتقوى علي الصوم والتأخير أبلغ في ذلك فكان اولي والمستحب ان يعجل الفطر إذا تحقق غروب الشمس لحديث عائشة رضي الله عنها ولما رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يزال هذا الدين ظاهرا ما عجل الناس الفطر ان اليهود والنصاري يؤخرون "}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَنَسٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ عَبْدِ اللَّهِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَبْدُ اللَّهِ هَذَا هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ رُوِيَ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ وَهُوَ حديث صحيح

(6/359)


وَإِنَّمَا تُقَالُ صِيغَةُ التَّمْرِيضِ فِي ضَعِيفٍ وَقَدْ سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَى مِثْلِ هَذَا مَرَّاتٍ كَثِيرَةٍ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِلَفْظِهِ هَذَا إلَّا أَنَّهُ قَالَ " لِأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى يُؤَخِّرُونَ " وَفِي نُسَخِ الْمُهَذَّبِ " أَنَّ الْيَهُودَ " وكذا رواه البيهقى في السنن الكبير وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْرَأَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ مِنْ أَنَّ لِيُوَافِقَ رِوَايَةَ أَبِي دَاوُد وَهَذَا الْحَدِيثُ أَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ كَمَا سَأَذْكُرُهُ فِي
فَرْعٍ مُنْفَرِدٍ لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي السَّحُورِ وَرِوَايَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَأَبُو دَاوُد إسنادها صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً " رُوِيَ بِفَتْحِ السِّينِ وَهُوَ الْمَأْكُولُ كَالْخُبْزِ وَغَيْرِهِ وَبِضَمِّهَا وَهُوَ الْفِعْلُ وَالْمَصْدَرُ وَسَبَبُ الْبَرَكَةِ فِيهِ تَقْوِيَتُهُ الصَّائِمَ عَلَى الصَّوْمِ وَتَنْشِيطُهُ لَهُ وَفَرَحُهُ بِهِ وَتَهْوِينُهُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ سَبَبٌ لِكَثْرَةِ الصَّوْمِ (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ السَّحُورَ سُنَّةٌ وَأَنَّ تَأْخِيرَهُ أَفْضَلُ وَعَلَى أَنَّ تَعْجِيلَ الْفِطْرِ سُنَّةٌ بَعْدَ تَحَقُّقِ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَدَلِيلُ ذَلِكَ كُلُّهُ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ وَلِأَنَّ فِيهِمَا إعَانَةً عَلَى الصَّوْمِ وَلِأَنَّ فِيهِمَا مُخَالَفَةً لِلْكُفَّارِ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي سَأَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى " فَصَلَ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ " وَلِأَنَّ محل الصوم هو الليل فَلَا مَعْنَى لِتَأْخِيرِ الْفِطْرِ وَالِامْتِنَاعِ مِنْ السَّحُورِ فِي آخِرِ اللَّيْلِ وَلِأَنَّ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ صَارَ مُفْطِرًا فَلَا فَائِدَةَ فِي تَأْخِيرِ الْفِطْرِ قَالَ اصحابنا وإنما يستحب تأخير السحور مادام مُتَيَقِّنًا بَقَاءَ اللَّيْلِ فَمَتَى حَصَلَ شَكٌّ فِيهِ فَالْأَفْضَلُ تَرْكُهُ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي فَصْلِ وَقْتِ الدُّخُولِ فِي الصَّوْمِ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّهُ إذَا شَكَّ فِي بَقَاءِ اللَّيْلِ وَلَمْ يَتَسَحَّرْ يُسْتَحَبُّ لَهُ تَرْكُ السَّحُورِ فَإِنْ تَسَحَّرَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ صَحَّ صَوْمُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ اللَّيْلِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ إذَا أَخَّرَ الْإِفْطَارَ بَعْدَ تَحَقُّقِ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَإِنْ كَانَ يَرَى الْفَضْلَ فِي تَأْخِيرِهِ كَرِهْتُ ذَلِكَ لِمُخَالَفَةِ الْأَحَادِيثِ وَإِنْ لَمْ يَرَ الْفَضْلَ فِي تَأْخِيرِهِ فَلَا بَأْسَ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَصْلُحُ فِي اللَّيْلِ هَذَا نَصُّهُ
* {فَرْعٌ} وَقْتُ السَّحُورِ بَيْنَ نِصْفِ اللَّيْلِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ
* {فَرْعٌ} يَحْصُلُ السَّحُورُ بِكَثِيرِ الْمَأْكُولِ وَقَلِيلِهِ وَيَحْصُلُ بِالْمَاءِ أَيْضًا وَفِيهِ حَدِيثٌ سَنَذْكُرُهُ
* {فَرْعٌ} قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْأَشْرَافِ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ السَّحُورَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ مُسْتَحَبٌّ لَا إثْمَ عَلَى مَنْ تَرَكَهُ
* {فَرْعٌ} فِي الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي السَّحُورِ وَتَأْخِيرِهِ وَتَعْجِيلِ الْفِطْرِ
* عَنْ أَنَسٌ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال " فصل مابين صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ "

(6/360)


رَوَاهُ مُسْلِمٌ
* أَكْلَةُ السَّحَرِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ هِيَ السحور وعن المقدام بن معدى كرب عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " عَلَيْكُمْ بِهَذَا السَّحُورِ فَإِنَّهُ هُوَ الْغِذَاءُ الْمُبَارَكُ " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ بِمَعْنَاهُ وَفِي إسْنَادِهِ نَظَرٌ وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَبَقَ فِي الْكِتَابِ مَعْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِزِيَادَةٍ وَعَنْ أَبِي عَطِيَّةَ قَالَ " دَخَلْتُ أَنَا وَمَسْرُوقٌ عَلَى عَائِشَةَ فَقُلْنَا يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ رَجُلَانِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أَحَدُهُمَا يُعَجِّلُ الْإِفْطَارَ وَيُعَجِّلُ الصَّلَاةَ وَالْآخَرُ يُؤَخِّرُ الْإِفْطَارَ وَيُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ فَقَالَتْ أَيُّهُمَا الَّذِي يُعَجِّلُ الْإِفْطَارَ وَيُعَجِّلُ الصَّلَاةَ قُلْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ قَالَتْ كَذَلِكَ كَانَ يَصْنَعُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ " يُعَجِّلُ الْمَغْرِبَ " وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا تزال امتى بخير ماعجلو الْإِفْطَارَ وَأَخَّرُوا السَّحُورَ " رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَحَبُّ عِبَادِي إلَيَّ أَعْجَلُهُمْ فِطْرًا " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ " كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُؤَذِّنَانِ بِلَالٌ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ قَالَ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنْ يَنْزِلَ هَذَا وَيَرْقَى هَذَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ " أَنَّ بِلَالًا كَانَ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَإِنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ " تَسَحَّرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قُمْنَا إلَى الصَّلَاةِ قُلْتُ كَمْ كَانَ قَدْرُ مَا بَيْنَهُمَا قَالَ خَمْسِينَ آيَةً " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ " كُنْتُ أَتَسَحَّرُ فِي أَهْلِي ثُمَّ تَكُونُ سُرْعَتِي أَنْ أُدْرِكَ صَلَاةَ الْفَجْرِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " تَسَحَّرُوا وَلَوْ بِجَرْعَةِ مَاءٍ " وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَكْلَةُ السَّحَرِ بَرَكَةٌ فَلَا تَدَعُوهُ وَلَوْ أَنْ يَجْرَعَ أَحَدُكُمْ جَرْعَةً مِنْ مَاءٍ " رَوَاهُمَا ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ فِي كِتَابِهِ بِإِسْنَادَيْنِ ضَعِيفِينَ وَفِي الْبَابِ
أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ غَيْرُ مَا ذَكَرْتُهُ (وَأَمَّا) مَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِأَسَانِيدِهِمْ الصَّحِيحَةِ عَنْ حَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ " أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَا يُصَلِّيَانِ الْمَغْرِبَ حِينَ يَنْظُرَانِ إلَى اللَّيْلِ الْأَسْوَدِ ثُمَّ يُفْطِرَانِ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ " فَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَبْسُوطِ قَالَ الشَّافِعِيُّ كَأَنَّهُمَا يَرَيَانِ تَأْخِيرَ الْفِطْرِ وَاسِعًا لَا أَنَّهُمَا يَتَعَمَّدَانِ فَضِيلَةً فِي ذَلِكَ وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَا يُؤَخِّرَانِ

(6/361)


الْإِفْطَارَ وَأَجَابَ بِأَنَّهُمَا أَرَادَا بَيَانَ جَوَازِ ذَلِكَ لِئَلَّا يُظَنَّ وُجُوبُ التَّعْجِيلِ وَهَذَا التَّأْوِيلُ ظَاهِرٌ فَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ وَهُوَ مِنْ أَكْبَرِ التَّابِعِينَ قَالَ " كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْجَلَ النَّاسِ إفْطَارًا وَأَبْطَأَهُمْ سَحُورًا " (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ أُمِرْنَا أَنْ نُعَجِّلَ إفْطَارَنَا وَنُؤَخِّرَ سَحُورَنَا وَنَضَعَ أَيْمَانَنَا عَلَى شَمَائِلِنَا فِي الصَّلَاةِ " فَضَعِيفٌ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ هَكَذَا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَمِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ (وَأَصَحُّ) مَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ كَلَامِ عَائِشَةَ مَوْقُوفًا عَلَيْهَا وَفِي حَدِيثٍ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " نعم سحور المؤمن التمر " * قال المصنف رحمه الله
* {والمستحب أَنْ يُفْطِرَ عَلَى تَمْرٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فعلى الماء لما روى سلمان بْنِ عَامِرٍ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إذا أفطر أحدكم فليفطر علي تمر فان لم يجد فليفطر علي ماء فانه طهور "
* والمستحب أن يقول عِنْدَ إفْطَارِهِ اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ وَعَلَى رِزْقِكَ أفطرت لما روى أبو هُرَيْرَةَ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إذا صام ثم أفطر قال اللهم لك صمت وعلي رزقك أفطرت " ويستحب أن يفطر الصأم لما روى زيد بن خالد الجهيني إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " من فطر صائما فله مثل أجره ولا ينقص من أجر الصائم شئ "}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ فَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا وَغَيْرُهُ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَغَرِيبٌ لَيْسَ معروف وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ مُعَاذِ بْنِ زُهْرَةَ عَنْ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ مُسْنَدًا مُتَّصِلًا بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) يُسْتَحَبُّ أَنْ يُفْطِرَ عَلَى تَمْرٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَعَلَى الْمَاءِ وَلَا يُخَلِّلُ بَيْنَهُمَا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَنُصَّ عَلَيْهِ فِي حَرْمَلَةَ وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ سَلْمَانَ السَّابِقُ وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفْطِرُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى رُطَبَاتٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رُطَبَاتٌ فَتُمَيْرَاتٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تُمَيْرَاتٌ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ يُفْطِرُ عَلَى تَمْرٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَعَلَى حَلَاوَةٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَعَلَى الْمَاءِ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ الْأَوْلَى فِي زَمَانِنَا أَنْ يُفْطِرَ عَلَى مَا يَأْخُذُهُ بِكَفِّهِ مِنْ النَّهْرِ لِيَكُونَ أَبْعَدَ عَنْ الشُّبْهَةِ وَهَذَا الَّذِي قَالَاهُ شَاذٌّ وَالصَّوَابُ مَا سَبَقَ كَمَا صَرَّحَ به الحديث

(6/362)


الصَّحِيحُ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدَّمَ التَّمْرَ وَنَقَلَ مِنْهُ إلَى الْمَاءِ بِلَا وَاسِطَةٍ
* {فَرْعٌ} ذَكَرَ صَاحِبُ الْبَيَانِ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَشْرَبَ أَنْ يَتَمَضْمَضَ وَيَمُجَّهُ وَكَأَنَّ هَذَا شَبِيهٌ بِكَرَاهَةِ السِّوَاكِ لِلصَّائِمِ بَعْدَ الزَّوَالِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لِكَوْنِهِ يُزِيلُ الْخَلُوفَ (الثَّانِيَةُ) قال المصنف وسائر الاصحاب يستحب ان يدعوا عِنْدَ إفْطَارِهِ اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَفْطَرَ قَالَ ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتْ الْعُرُوقُ وَثَبَتَ الْأَجْرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى " وَفِي كِتَابِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إنَّ لِلصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ دَعْوَةً ما ترد " وكان ابْنُ عَمْرٍو إذَا أَفْطَرَ يَقُولُ " اللَّهُمَّ بِرَحْمَتِكَ التي وسعت كل شئ اغْفِرْ لِي " (الثَّالِثَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ الصَّائِمَ وَيُفَطِّرَهُ فِي وَقْتِ الْفِطْرِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِي اسْتِحْبَابِهِ لِلْحَدِيثِ قَالَ الْمُتَوَلِّي فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى عَشَائِهِ فَطَّرَهُ عَلَى تَمْرَةٍ أَوْ شَرْبَةِ مَاءٍ أَوْ لَبَنٍ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّ بعض الصحابة قال " يارسول اللَّهِ لَيْسَ كُلُّنَا يَجِدُ مَا يُفَطِّرُ الصَّائِمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِي اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الثَّوَابَ مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا عَلَى تَمْرَةٍ أَوْ شَرْبَةِ مَاءٍ أَوْ مزقة لبن " * قال المصنف رحمه الله
* {إذا كان عليه قضاء ايام من رمضان ولم يكن له عذر لم يجز ان يؤخره الي ان يدخل رمضان آخر فان أخره حتي أدركه رمضان آخر وجب عليه لكل يوم مد من طعام لما روى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ
انهم قالوا فيمن عليه صوم فلم يصمه حتى ادركه رمضان آخر يطعم عن الاول فان اخره سنتين ففيه وجهان (احدهما) يجب لكل سنة مد لانه تأخير سنة فاشبهت السنة الاولي
(والثانى)
لا يجب للثانية شئ لان القضاء مؤقت بما بين رمضانين فإذا اخره عن السنة الاولي فقد اخره عن وقته فوجبت الكفارة وهذا المعنى لا يوجد فيما بعد السنة الاولي فلم يجب بالتأخير كفارة والمستحب ان يقضي ما عليه متتابعا لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال " مَنْ كَانَ عَلَيْهِ صَوْمٌ مِنْ رَمَضَانَ فَلْيَسْرُدْهُ ولا يقطعه " ولان فيه مبادرة إلى اداء الفرض ولان ذلك اشبه بالاداء فان قضاه متفرقا جاز لقوله تعالي (فعدة من ايام اخر) ولانه تتابع وجب لاجل الوقت فسقط بفوات الوقت وان كان عليه قضاء اليوم الاول فصام ونوى به اليوم الثاني فانه يحتمل ان يجزئه لانه تعيين اليوم غير واجب ويحتمل ان لا يجزئه لانه نوى غير ما عليه فلم يجزئه كما لو كان عليه عتق عن اليمين فنوى عتق الظهار
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ كَانَ عَلَيْهِ صَوْمٌ مِنْ رَمَضَانَ فَلْيَسْرُدْهُ وَلَا يَقْطَعْهُ " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَاهُ (وَأَمَّا)

(6/363)


الْآثَارُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْإِطْعَامِ فَرَوَاهَا الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ فِي إسْنَادِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ جِدًّا وَاسِنَادُ ابْنِ عَبَّاسٍ صَحِيحٌ أَيْضًا وَلَفْظُ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " مَنْ مَرِضَ ثُمَّ صَحَّ وَلَمْ يَصُمْ حَتَّى أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ آخَرُ قَالَ يَصُومُ الَّذِي أَدْرَكَهُ ثُمَّ يَصُومُ الشَّهْرَ الَّذِي أَفْطَرَ فِيهِ وَيُطْعِمُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا " وَلَفْظُ الْبَاقِي بِمَعْنَاهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ فِي رِوَايَتِهِ عَنْهُمْ أَنَّهُ يَجِبُ قَضَاءُ الصَّوْمِ (وَقَوْلُهُ) وَلِأَنَّهُ تَتَابُعٌ وَجَبَ لِأَجْلِ الْوَقْتِ فِيهِ احْتِرَازٌ مِنْ التَّتَابُعِ فِي صَوْمِ الْكَفَّارَةِ أو في النذر الْمُتَتَابِعِ (أَمَّا) أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ أَوْ بَعْضِهِ فَإِنْ كَانَ مَعْذُورًا فِي تَأْخِيرِ الْقَضَاءِ بِأَنْ اسْتَمَرَّ مَرَضُهُ أَوْ سَفَرُهُ وَنَحْوُهُمَا جَازَ لَهُ التأخير مادام عُذْرُهُ وَلَوْ بَقِيَ سِنِينَ وَلَا تَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ بِهَذَا التَّأْخِيرِ وَإِنْ تَكَرَّرَتْ رَمَضَانَات وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَقَطْ لِأَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُ أَدَاءِ رَمَضَانَ بِهَذَا الْعُذْرِ فَتَأْخِيرُ الْقَضَاءِ أَوْلَى بِالْجَوَازِ فَإِنْ لم يكن عُذْرٌ لَمْ يَجُزْ التَّأْخِيرُ إلَى رَمَضَانَ آخَرَ بلا خلاف بل عليه قضاوه قبل مجئ رَمَضَانَ السَّنَةَ الْقَابِلَةَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصَّوْمِ
وَالصَّلَاةِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ قَضَاءِ رَمَضَانَ إلَى رَمَضَانَ آخَرَ وَيَجُوزُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ إلَى مَا بَعْدَ صَلَاةٍ أُخْرَى مِثْلِهَا بَلْ إلَى سِنِينَ إنَّ تَأْخِيرَ الصَّوْمِ إلَى رَمَضَانَ آخَرَ تَأْخِيرٌ لَهُ إلَى زَمَنٍ لَا يَقْبَلُ صَوْمَ الْقَضَاءِ وَلَا يَصِحُّ فِيهِ فَهُوَ كَتَأْخِيرِهِ إلَى الْمَوْتِ فَلَمْ يَجُزْ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا تَصِحُّ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ فَلَوْ أَخَّرَ الْقَضَاءَ إلَى رَمَضَانَ آخَرَ بِلَا عُذْرٍ أَثِمَ وَلَزِمَهُ صَوْمُ رَمَضَانَ الْحَاضِرِ وَيَلْزَمُهُ بَعْدَ ذَلِكَ قَضَاءُ رَمَضَانَ الْفَائِتِ وَيَلْزَمُهُ بِمُجَرَّدِ دُخُولِ رَمَضَانَ الثَّانِي عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِنْ الْفَائِتِ مُدٌّ مِنْ طَعَامٍ مَعَ الْقَضَاءِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ إلَّا الْمُزَنِيَّ فَقَالَ لَا تَجِبُ الْفِدْيَةُ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَلَوْ أَخَّرَهُ حَتَّى مَضَى رَمَضَانَانِ فَصَاعِدًا فَهَلْ يَتَكَرَّرُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ بِتَكَرُّرِ السِّنِينَ أَمْ يَكْفِي مُدٌّ عَنْ كُلِّ السِّنِينَ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) يَتَكَرَّرُ صَحَّحَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ وَخَالَفَهُمْ صَاحِبُ الْحَاوِي فَقَالَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَكْفِي مُدٌّ وَاحِدٌ لِجَمِيعِ السِّنِينَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَلَوْ أَفْطَرَ عُدْوَانًا وَقُلْنَا تَجِبُ فِيهِ الْفِدْيَةُ فَأَخَّرَ الْقَضَاءَ حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ آخَرُ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ يَوْمٍ مَعَ الْقَضَاءِ فِدْيَتَانِ فِدْيَةٌ لِلْإِفْطَارِ عُدْوَانًا وَأُخْرَى لِلتَّأْخِيرِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ
* وَاحْتَجَّ لَهُ الْبَغَوِيّ بِأَنَّ سَبَبَهُمَا مُخْتَلِفٌ فَلَا يَتَدَاخَلَانِ بِخِلَافِ الْحُدُودِ وَقَالَ إبْرَاهِيمُ الْمَرْوَزِيُّ إنْ عَدَدْنَا الْفِدْيَةَ بِتَعَدُّدِ رَمَضَانَ فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ وَلَوْ أَخَّرَ الْقَضَاءَ مَعَ الْإِمْكَانِ حَتَّى مَاتَ بَعْدَ دُخُولِ رَمَضَانَ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ وَقُلْنَا الْمَيِّتُ يُطْعَمُ عَنْهُ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي الْفَصْلِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ يَجِبُ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدَّانِ مِنْ تَرِكَتِهِ مُدٌّ عَنْ الصَّوْمِ وَمُدٌّ عَنْ التَّأْخِيرِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ

(6/364)


وَسَائِرِ أَصْحَابِنَا سِوَى ابْنِ سُرَيْجٍ
(وَالثَّانِي)
يَجِبُ مُدٌّ وَاحِدٌ لِأَنَّ الْفَوَاتَ يُضْمَنُ بِمُدٍّ وَاحِدٍ كَالشَّيْخِ الْهَرِمِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هَذَا غَلَطٌ وَأَمَّا إذَا قُلْنَا يَصُومُ عَنْهُ وَلِيُّهُ فَصَامَ حَصَلَ تَدَارُكُ أَصْلِ الصَّوْمِ وَيَجِبُ مُدٌّ لِلتَّأْخِيرِ لِأَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ وَإِذَا قُلْنَا بالاصح وهو التكرر فَكَانَ عَلَيْهِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ فَمَاتَ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ شَعْبَانَ إلَّا خَمْسَةُ أَيَّامٍ وَجَبَ فِي تَرِكَتِهِ خَمْسَةَ عَشَرَ مُدًّا عَشَرَةٌ لِأَجْلِ الصَّوْمِ وَخَمْسَةٌ لِلتَّأْخِيرِ لِأَنَّهُ لَوْ عَاشَ لَمْ يُمْكِنْهُ إلَّا قَضَاءُ خَمْسَةٍ وَأَمَّا إذَا أَفْطَرَ بِلَا عُذْرٍ وَقُلْنَا يَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ فَأَخَّرَ الصَّوْمَ حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ آخَرُ وَمَاتَ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَالْمَذْهَبُ وجوب ثلاثة امداد لكل يَوْمٍ فَإِنْ تَكَرَّرَتْ
السُّنُونَ زَادَتْ الْأَمْدَادُ وَإِذَا لَمْ يَبْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَمَضَانَ الثَّانِي مَا يَتَأَتَّى فِيهِ قَضَاءُ جَمِيعِ الْفَائِتِ فَهَلْ تَلْزَمُهُ الفدية في الحال عما لا يسعه الْوَقْتِ أَمْ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ رَمَضَانَ فِيهِ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِيمَنْ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ هَذَا الرَّغِيفَ غَدًا فَتَلِفَ قَبْلَ الْغَدِ هَلْ يحنث في الحال أم بعد مجئ الغد
* {فرع} إذ أراد تعجيل فدية التأخير قبل مجئ رَمَضَانَ الثَّانِي لِيُؤَخِّرَ الْقَضَاءَ مَعَ الْإِمْكَانِ فَفِي جَوَازِهِ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِي تَعْجِيلِ الْكَفَّارَةِ عَنْ الْحِنْثِ الْمُحَرَّمِ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَعَ نَظَائِرَ كَثِيرَةٍ لَهَا فِي آخِرِ بَابِ تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ
* {فَرْعٌ} إذَا أَخَّرَ الشَّيْخُ الْهَرِمُ الْمُدَّ عن السنة فالمذهب انه لا شئ عَلَيْهِ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ فِي تَكَرُّرِ مُدٍّ آخَرَ لِتَأْخِيرِهِ وَجْهَانِ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ (المسألة الثانية) إذا كان عليه قضاء شئ مِنْ رَمَضَانَ يُسْتَحَبُّ قَضَاؤُهُ مُتَتَابِعًا فَإِنْ فَرَّقَهُ جَازَ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا (الثَّالِثَةُ) إذَا كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ رَمَضَانَ فَصَامَ وَنَوَى بِهِ الْيَوْمَ الثَّانِيَ فَفِي إجْزَائِهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُجْزِئُهُ وَبِهِ قَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْمُتَوَلِّي ذَكَرَهُ فِي مَسَائِلِ النِّيَّةِ وَجَعَلَ الْمُصَنِّفُ الِاحْتِمَالَيْنِ لَهُ لِكَوْنِهِ لَمْ يَرَ النَّقْلَ الَّذِي ذَكَرَهُ غَيْرُهُ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مَعَ نَظَائِرِهَا فِي هَذَا الْبَابِ فِي مَسَائِلِ النِّيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} إذَا لَزِمَهُ قَضَاءُ رَمَضَانَ أَوْ بَعْضُهُ فَإِنْ كَانَ فَوَاتُهُ بِعُذْرٍ كَحَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَمَرَضٍ وَإِغْمَاءٍ وَسَفَرٍ وَمَنْ نَسِيَ النِّيَّةَ أَوْ أَكَلَ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ لَيْلٌ فَبَانَ نَهَارًا أَوْ الْمُرْضِعُ وَالْحَامِلُ فَقَضَاؤُهُ عَلَى التَّرَاخِي بِلَا خِلَافٍ مَا لَمْ يَبْلُغْ بِهِ رَمَضَانَ الْمُسْتَقْبَلَ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُهُ وَإِنْ فَاتَهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَوَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِي قَضَاءِ الصَّلَاةِ الفائتة بلا عذر (ارجحهما) عند أَكْثَرِ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي أَيْضًا (وَالثَّانِي) وهو الصحيح صححه الخراسانيون ومحققوا الْعِرَاقِيِّينَ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَاتٌ أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ وَكَذَا الْخِلَافُ فِي قَضَاءِ الْحَجَّةِ

(6/365)


الْمُفْسَدَةِ (الْأَصَحُّ) عَلَى الْفَوْرِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هذا كله في آخر بَابِ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ وَسَبَقَ هُنَاكَ حُكْمُ الْكَفَّارَةِ وهى كَالصَّوْمِ سَوَاءٌ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ مَا وَجَبَتْ بِسَبَبٍ محرم وغيرها وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
{فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي من أَخَّرَ قَضَاءَ رَمَضَانَ بِغَيْرِ عُذْرٍ حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ آخَرُ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ صَوْمُ رَمَضَانَ الْحَاضِرِ ثُمَّ يَقْضِي الْأَوَّلَ وَيَلْزَمُهُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ فِدْيَةٌ وَهِيَ مُدٌّ مِنْ طَعَامٍ وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَالْقَاسِمُ بْنُ محمد والزهرى والاوزاعي ومالك والثوري واحمد واسحق إلَّا أَنَّ الثَّوْرَيَّ قَالَ الْفِدْيَةُ مُدَّانِ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْمُزَنِيُّ وَدَاوُد يَقْضِيهِ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ أَمَّا إذَا دَامَ سَفَرُهُ وَمَرَضُهُ وَنَحْوُهُمَا مِنْ الْأَعْذَارِ حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ الثَّانِي فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَصُومُ رَمَضَانَ الْحَاضِرَ ثُمَّ يَقْضِي الْأَوَّلَ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ طَاوُسٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَحَمَّادِ بن ابى سليمان والاوزاعي ومالك واحمد واسحق وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمُزَنِيِّ وَدَاوُد قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةُ يَصُومُ رَمَضَانَ الْحَاضِرَ عَنْ الْحَاضِرِ وَيُفْدِي عَنْ الْغَائِبِ وَلَا قَضَاءَ عليه
*

(6/366)


{فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي تَفْرِيقِ قَضَاءِ رَمَضَانَ وَتَتَابُعِهِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَتَابُعُهُ وَيَجُوزُ تَفْرِيقُهُ وَبِهِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ ابي طالب ومعاذ ابن جَبَلٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَنَسٌ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ والثوري وابو حنيفة ومالك واحمد واسحق وابي ثَوْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَالنَّخَعِيِّ وَدَاوُد الظَّاهِرِيِّ أَنَّهُ يَجِبُ التَّتَابُعُ قَالَ دَاوُد هُوَ وَاجِبٌ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ قَالَ التَّتَابُعُ وَالتَّفْرِيقُ سَوَاءٌ وَلَا فَضِيلَةَ فِي التَّتَابُعِ
* {فَرْعٌ} يَجُوزُ قَضَاءُ رَمَضَانَ عِنْدَنَا فِي جَمِيعِ السَّنَةِ غَيْرَ رَمَضَانَ الثاني وأيام العيد والتشريق ولا كراهة في شئ مِنْ ذَلِكَ سَوَاءٌ ذُو الْحِجَّةِ وَغَيْرُهُ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَحْمَدَ واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَرَوَيْنَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ كَرِهَ قَضَاءَهُ فِي ذِي الْحِجَّةِ قَالَ وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالزُّهْرِيُّ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِالْأَوَّلِ أَقُولُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (فَعِدَّةٌ من أيام أخر)
*
* قال المصنف رحمه الله تعالي
*
{ولو كان عليه قضاء شئ من رمضان فلم يصم حتي مات نظرت فان أخره لعذر اتصل بالموت لم يجب عليه شئ لانه فرض لم يتمكن من فعله إلي الموت فسقط حكمه كالحج وإن زال العذر وتمكن فلم يصمه حتى مات أطعم عنه لكل مسكين مد من طعام عن كل يوم وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ يصام عنه لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اله عليه وسلم قال " مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ " ولانه عبادة تجب بافسادها الكفارة فجاز أن يقضي عنه بعد الموت كالحج والمنصوص في الام هو الاول وهو الصحيح والدليل عليه ماروى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " من مات وعليه صيام فليطعم عنه مكان كل يوم مسكين " ولانه عِبَادَةٌ لَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ فلا تدخلها النيابة بعد الموت كالصلاة (فان قلنا) أنه يصوم عنه وليه اجزأه فان أمر أجنبيا فصام عنه باجرة أو بغير أجرة اجزأه كالحج (وإن قلنا) يطعم عنه نظرت فان مات قبل أن يدركه رمضان آخر أطعم عنه عن كل يوم مسكين وإن مات بعد ما ادركه رمضان آخر ففيه وجهان (احدهما) يلزمه مدان مد للصوم ومد للتأخير (والثاني) يكفيه مد واحد للتأخير لانه إذا أخرج مدا للتأخير زال التفريط بالمد فيصير كما لو أخره بغيره تفريط فلا تلزمه كفارة}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ هُوَ غَرِيبٌ قَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عُمَرَ مِنْ قَوْلِهِ (وَقَوْلُ) الْمُصَنِّفِ عِبَادَةٌ تَجِبُ بِإِفْسَادِهَا الكفارة

(6/367)


احْتِرَازٌ مِنْ الصَّلَاةِ (وَقَوْلُهُ) عِبَادَةٌ لَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ احْتِرَازٌ مِنْ الْحَجِّ فِي حَقِّ الْمَعْضُوبِ (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ أَوْ بَعْضُهُ فَلَهُ حَالَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنْ يَكُونَ مَعْذُورًا فِي تَفْوِيتِ الْأَدَاءِ وَدَامَ عُذْرُهُ إلَى الْمَوْتِ كَمَنْ اتَّصَلَ مَرَضُهُ أَوْ سَفَرُهُ أَوْ إغْمَاؤُهُ أَوْ حَيْضُهَا أَوْ نِفَاسُهَا أَوْ حَمْلُهَا أَوْ إرضاعها ونحو ذلك بالموت لم يجب شئ عَلَى وَرَثَتِهِ وَلَا فِي تَرِكَتِهِ لَا صِيَامَ وَلَا إطْعَامَ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْقِيَاسِ عَلَى الْحَجِّ (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ قَضَائِهِ سَوَاءٌ فَاتَهُ بِعُذْرٍ أَمْ بِغَيْرِهِ وَلَا يَقْضِيهِ حَتَّى يَمُوتَ فَفِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَشْهَرُهُمَا وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْجُمْهُورِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْجَدِيدِ أَنَّهُ يَجِبُ فِي تَرِكَتِهِ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ مِنْ طَعَامٍ وَلَا يَصِحُّ صِيَامُ وَلِيِّهِ
عَنْهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ هَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ فِي كُتُبِهِ الْجَدِيدَةِ وَأَكْثَرِ الْقَدِيمَةِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الْقَدِيمُ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ مُحَقِّقِي أَصْحَابِنَا وَهُوَ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِوَلِيِّهِ أَنْ يَصُومَ عَنْهُ وَيَصِحُّ ذَلِكَ وَيُجْزِئُهُ عَنْ الْإِطْعَامِ وَتَبْرَأُ بِهِ ذِمَّةُ الْمَيِّتِ ولكن لا يَلْزَمُ الْوَلِيَّ الصَّوْمُ بَلْ هُوَ إلَى خِيَرَتِهِ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ وَسَأُفْرِدُ لَهُ فَرْعًا أَبْسُطُ أدلته فيه إن شاء الله تعالي
* قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فَإِذَا قُلْنَا بِالْقَدِيمِ فَأَمَرَ الْوَلِيُّ أَجْنَبِيًّا فَصَامَ عَنْ الْمَيِّتِ بِأُجْرَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا جَازَ بِلَا خِلَافٍ كَالْحَجِّ وَلَوْ صَامَ الْأَجْنَبِيُّ مُسْتَقِلًّا بِهِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُجْزِئُهُ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ أَمَرَ أَجْنَبِيًّا (وأما) المراد بالولي الذى يصوم عنه فقال إمام الحرمين يحتمل ان يكون من له الولاية يعني ولاية المال ويحتمل مطلق القرابة ويحتمل أن يشترط الارث ويحتمل أن يشترط العصوبة ثم توقف الامام فيه وقال لا نقل فيه عندي قال الرافعى وإذا فحصت عن نظائره وجدت الاشبه اعتبار الارث هذا كلام الرافعي وَاخْتَارَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ أَنَّهُ مطلق القرابة قال لان الولى مشتق من الولي باسكان اللام وهو القرب فيحمل عليه ما لم يدل دليل علي خلافه وهذا الذى اختاره أبو عمر وهو الاصح المختار وفي صحيح مسلم من رواية ابن عباس ومن رواية بُرَيْدَةَ " إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لامرأة ماتت أمها وعليها صوم صومي عن امك " وهذا يبطل احتمال الولاية والعصوبة فالصحيح ان الولي مطلق القرابة واحتمال الارث ليس ببعيد والله اعلم
* {فرع} قد ذكرنا فيمن مات وعليه صوم وتمكن منه فلم يصمه حتى مات انه علي قولين (الجديد) المشهو في المذهب وصححه اكثر الاصحاب انه يجب الاطعام عنه لكل يوم مد من طعام ولا يجزئ الصيام عنه وبالغ الاصحاب في تقوية هذا القول وانه مذهب للشافعي حتى قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ هُوَ نص الشافعي في كتبه القديمة والجديدة قال وحكي عنه انه قال في بعض كتبه القديمة

(6/368)


يَصُومُ عَنْهُ وَلِيُّهُ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ أَنَّهُ يُطْعِمُ عَنْهُ وَلَا يُصَامُ عَنْهُ قَالَ وَحَكَى بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ الْقَدِيمِ أَنَّهُ يَصُومُ عَنْهُ وَلِيُّهُ لِأَنَّهُ قال فيه قد روى ولك فِي ذَلِكَ خَبَرٌ فَإِنْ صَحَّ قُلْتُ بِهِ فجعله قولا ثانيا فال وَأَنْكَرَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا أَنْ يَكُونَ صَوْمُ الْوَلِيِّ عَنْهُ مَذْهَبًا لِلشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَتَأَوَّلُوا الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ " مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ " إنْ صَحَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْإِطْعَامُ أَيْ يَفْعَلُ عَنْهُ مَا يَقُومُ مَقَامَ الصِّيَامِ وَهُوَ الْإِطْعَامُ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَجِّ بِأَنَّ الْحَجَّ تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ فِي الْحَيَاةِ وَلَا تَدْخُلُ الصَّوْمَ النِّيَابَةُ فِي الْحَيَاةِ بِلَا خِلَافٍ هذا هو المشهور عند الاصحاب (والقول الثَّانِي) وَهُوَ الْقَدِيمُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِوَلِيِّهِ أَنْ يَصُومَ عَنْهُ وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَوْ أَطْعَمَ عَنْهُ جَازَ فَهُوَ عَلَى الْقَدِيمِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الصِّيَامِ وَالْإِطْعَامِ هَكَذَا نَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عَلَى الْقَدِيمِ وَهَذَا الْقَدِيمُ هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ مُحَقِّقِي أَصْحَابِنَا الْجَامِعِينَ بَيْنَ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَاسْتَدَلُّوا لَهُ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ (مِنْهَا) حَدِيثُ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يارسول اللَّهِ إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا فَقَالَ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكَ دين أكنت قاضيه عنها قال نعم قال فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا قَالَ " جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت.
يارسول اللَّهِ إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا قَالَ أَفَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِيهِ أَكَانَ يُؤَدِّي ذَلِكَ عَنْهَا قَالَتْ نَعَمْ قَالَ فَصُومِي عَنْ أُمِّكِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا تَعْلِيقًا بِمَعْنَاهُ وَعَنْ بريدة قال " بينا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ أتته امرأة فقالت يارسول اللَّهِ إنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ وَإِنَّهَا مَاتَتْ فَقَالَ وَجَبَ أَجْرُكِ وَرَدَّهَا عَلَيْكِ الْمِيرَاثُ قالت يارسول اللَّهِ إنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا قَالَ صُومِي عَنْهَا قَالَتْ إنَّهَا لَمْ تَحُجَّ قَطُّ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا قَالَ حُجِّي عَنْهَا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةً رَكِبَتْ الْبَحْرَ فَنَذَرَتْ إنْ اللَّهُ نَجَّاهَا أَنْ تَصُومَ شَهْرًا فَنَجَّاهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَلَمْ تَصُمْ حَتَّى مَاتَتْ فَجَاءَتْ بِنْتُهَا أَوْ أُخْتُهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَهَا أَنْ تَصُومَ عَنْهَا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحَيْنِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ غَيْرُ مَا ذَكَرْتُهُ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ في السنن الكبير هَذِهِ الْأَحَادِيثَ وَأَحَادِيثَ كَثِيرَةً بِمَعْنَاهَا ثُمَّ قَالَ فَثَبَتَ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ جَوَازُ الصِّيَامِ قَالَ وَكَانَ الشَّافِعِيُّ قَالَ فِي الْقَدِيمِ قَدْ رُوِيَ فِي الصوم عن الميت شئ فَإِنْ كَانَ ثَابِتًا صِيمَ عَنْهُ كَمَا يُحَجُّ عَنْهُ (وَأَمَّا) فِي الْجَدِيدِ فَقَالَ رَوَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَّهُ يصوم عنه وليه " قال وإنما لم أخذ بِهِ لِأَنَّ الزُّهْرِيَّ رَوَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَذْرًا وَلَمْ يُسَمِّهِ مَعَ حِفْظِ الزُّهْرِيِّ وَطُولِ مُجَالَسَةِ عُبَيْدِ الله لابن عَبَّاسٍ فَلَمَّا رَوَى غَيْرُهُ عَنْ

(6/369)


رجل عن ابن عباس غير مافى حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَشْبَهَ أَنْ لَا يَكُونَ مَحْفُوظًا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ يَعْنِي بِهِ حَدِيثَ الشَّافِعِيِّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عن ابن عَبَّاسٍ " أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ اسْتَفْتَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا نَذْرٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْضِهِ عَنْهَا " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ إلَّا أَنَّ في رواته سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ " أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ " يَعْنِي عَنْ الصَّوْمِ عَنْ أُمِّهَا وكذلك رواه الحكم بن عيينة وسلمة بن كهيل عن مجاهد عن ابن عباس وفى رواية عن مجاهد عن ابن عباس وفى رواية عَنْ مُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَرَوَاهُ عِكْرِمَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَرَوَاهُ بُرَيْدَةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا فِي مَعْرِفَةِ السُّنَنِ وَالْآثَارِ قَدْ ثَبَتَ جَوَازُ قَضَاءِ الصَّوْمِ عَنْ الْمَيِّتِ بِرِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ وَعِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَفِي رِوَايَةِ أَكْثَرِهِمْ " أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ " وَقَدْ ثَبَتَ الصَّوْمُ عَنْهُ من رواية عائشة ورواية لم بُرَيْدَةَ ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْكِتَابَيْنِ فَالْأَشْبَهُ أن تكون قصة السؤال عَنْ الصِّيَامِ بِعَيْنِهِ غَيْرُ قِصَّةِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ الَّتِي سَأَلَ فِيهَا عَنْ نَذْرٍ مُطْلَقٍ كَيْفَ وَقَدْ ثَبَتَ الصَّوْمُ عَنْهُ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ وَحَدِيثِ بُرَيْدَةَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ أَصْحَابِنَا يُضَعِّفُ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمَا رَوَى عن بريدة بْنِ زُرَيْعٍ عَنْ حَجَّاجِ الْأَحْوَلِ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " لَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَيُطْعِمُ عَنْهُ " وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ فِي صِيَامِ رَمَضَانَ يُطْعِمُ عَنْهُ وَفِي النَّذْرِ يَصُومُ عَنْهُ وَلِيُّهُ قَالَ وَرَأَيْتُ بَعْضَهُمْ ضَعَّفَ حَدِيثَ عَائِشَةَ بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ امْرَأَةٍ عَنْ عَائِشَةَ فِي امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمٌ قَالَتْ يُطْعَمُ عَنْهَا وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ " لَا تَصُومُوا عَنْ مَوْتَاكُمْ وَأَطْعِمُوا عَنْهُمْ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرُوا مَا يُوجِبُ ضَعْفَ الْحَدِيثِ فِي الصِّيَامِ عَنْهُ لِأَنَّ مَنْ يُجَوِّزُ الصِّيَامَ عَنْ الْمَيِّتِ يُجَوِّزُ الْإِطْعَامَ عَنْهُ قَالَ وَفِيمَا رُوِيَ عَنْهَا فِي النَّهْيِ عَنْ الصَّوْمِ عَنْ الْمَيِّتِ نَظَرٌ وَالْأَحَادِيثُ الْمَرْفُوعَةُ أَصَحُّ إسْنَادًا وَأَشْهَرُ رِجَالًا وَقَدْ أَوْدَعَهَا صَاحِبَا الصَّحِيحَيْنِ كِتَابَيْهِمَا وَلَوْ وَقَفَ الشَّافِعِيُّ عَلَى جَمِيعِ طُرُقِهَا وَنَظَائِرِهَا لَمْ يُخَالِفْهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْبَيْهَقِيّ قُلْتُ الصَّوَابُ الْجَزْمُ بِجَوَازِ صَوْمِ الْوَلِيِّ
عَنْ الْمَيِّتِ سَوَاءٌ صوم رمضان والنذر وغيره من الصوم الواحب لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ وَلَا مُعَارِضَ لَهَا وَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ قَالَ إذَا صَحَّ الْحَدِيثُ فَهُوَ مَذْهَبِي وَاتْرُكُوا قَوْلِي الْمُخَالِفَ لَهُ وَقَدْ صَحَّتْ فِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَمَا سَبَقَ وَالشَّافِعِيُّ إنَّمَا وَقَفَ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ بَعْضِ طُرُقِهِ كَمَا سَبَقَ وَلَوْ وَقَفَ عَلَى جَمِيعِ طُرُقِهِ وَعَلَى حَدِيثِ بُرَيْدَةَ وَحَدِيثِ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُخَالِفْ ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِيمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ فِي آخِرِ كَلَامِهِ فَكُلُّ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ صَحِيحَةٌ صَرِيحَةٌ

(6/370)


فَيَتَعَيَّنُ الْعَمَلُ بِهَا لِعَدَمِ الْمُعَارِضِ لَهَا (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي الْإِطْعَامِ عَنْهُ فَقَدْ سَبَقَ قَوْلُ التِّرْمِذِيِّ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عُمَرَ وَكَذَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْحُفَّاظِ لَا يَصِحُّ مَرْفُوعًا وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عُمَرَ وَإِنَّمَا رَفَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابن أَبِي لَيْلَى عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِي يَمُوتُ وَعَلَيْهِ رَمَضَانُ لَمْ يَقْضِهِ قَالَ " يُطْعَمُ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ نِصْفُ صَاعٍ بُرٍّ " قال البيهقى هذا خطأ من وحهين (أَحَدُهُمَا) رَفْعُهُ وَإِنَّمَا هُوَ مَوْقُوفٌ (الثَّانِي) قَوْلُهُ نِصْفُ صَاعٍ فَإِنَّمَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ قُلْتُ وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى تَضْعِيفِ محمد ابن ابي ليلي وانه لا يحتح بِرِوَايَتِهِ وَإِنْ كَانَ إمَامًا فِي الْفِقْهِ (وَأَمَّا) مَا حَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا مِنْ تَضْعِيفِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ بِمُخَالَفَتِهِمَا لِرِوَايَتِهِمَا فَغَلَطٌ مِنْ زَاعِمِهِ لِأَنَّ عَمَلَ الْعَالِمِ وَفُتْيَاهُ بِخِلَافِ حَدِيثٍ رَوَاهُ لَا يُوجِبُ ضَعْفَ الْحَدِيثِ وَلَا يَمْنَعُ الِاسْتِدْلَالَ بِهِ وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ مَعْرُوفَةٌ في كتب المحدثين والاصوليين لاسيما وَحَدِيثَاهُمَا فِي إثْبَاتِ الصَّوْمِ عَنْ الْمَيِّتِ فِي الصَّحِيحِ وَالرِّوَايَةُ عَنْ عَائِشَةَ فِي فُتْيَاهَا مِنْ عِنْدِ نَفْسِهَا بِمَنْعِ الصَّوْمِ ضَعِيفٌ لَمْ يُحْتَجَّ بها لو لم يعارضها شئ كَيْفَ وَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ (وَأَمَّا) تَأْوِيلُ مَنْ تَأَوَّلَ مِنْ أَصْحَابِنَا " صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ " أَيْ أَطْعَمَ بَدَلَ الصِّيَامِ فَتَأْوِيلٌ بَاطِلٌ يَرُدُّهُ باقى الا حديث
* {فَرْعٌ} إذَا قُلْنَا لَا يُصَامُ عَنْ الْمَيِّتِ بَلْ يُطْعَمُ عَنْهُ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ رَمَضَانَ الثَّانِي أُطْعِمَ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ مِنْ طَعَامٍ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ مجئ رَمَضَانَ الثَّانِي فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَهُمَا مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا (أَحَدُهُمَا) قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ يُطْعَمُ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ (وَأَصَحُّهُمَا) عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مُدَّانِ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ
أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَاتَّفَقَ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى تَصْحِيحِهِ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَاضِحَةً مَعَ نَظَائِرِهَا قَبْلَ هَذَا الْفَصْلِ بِقَلِيلٍ وَسَبَقَ تَفْرِيعٌ كَثِيرٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ
* {فَرْعٌ} حُكْمُ صَوْمِ النَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ وَجَمِيعِ أَنْوَاعِ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ سَوَاءٌ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ (فَفِي) الْجَدِيدِ يُطْعَمُ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ (وَفِي) الْقَدِيمِ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُ وَلَهُ أَنْ يَصُومَ عَنْهُ كَمَا سَبَقَ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْقَدِيمُ كَمَا سَبَقَ
* {فَرْعٌ} إذَا قُلْنَا إنَّهُ يجوز صوم الولى عن الميت وصوم الاجنبي باذن الْوَلِيِّ فَصَامَ عَنْهُ ثَلَاثُونَ إنْسَانًا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ هَلْ يُجْزِئُهُ عَنْ صَوْمِ جَمِيعِ رَمَضَانَ فَهَذَا مِمَّا لَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا كَلَامًا فِيهِ وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ الَّذِي نَعْتَقِدُهُ
* {فَرْعٌ} قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ وَلَا يُصَامُ عَنْ أَحَدٍ فِي حَيَاتِهِ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ كَانَ عَاجِزًا أَوْ قَادِرًا
*

(6/371)


{فَرْعٌ} لَوْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَلَاةٌ أَوْ اعْتِكَافٌ لَمْ يَفْعَلْهُمَا عَنْهُ وَلِيُّهُ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِالْفِدْيَةِ صَلَاةٌ وَلَا اعْتِكَافٌ
* هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ وَالْمَعْرُوفُ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ فِي الام وغيره ونقل الْبُوَيْطِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي الِاعْتِكَافِ يعتكف عنه وليه وفى وراية يُطْعِمُ عَنْهُ قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَا يَبْعُدُ تَخْرِيجُ هَذَا فِي الصَّلَاةِ فَيُطْعَمُ عَنْ كُلِّ صَلَاةٍ مُدٌّ (فَإِذَا قُلْنَا) بِالْإِطْعَامِ فِي الِاعْتِكَافِ فَالْقَدْرُ الْمُقَابِلُ بِالْمُدِّ هُوَ اعْتِكَافُ يَوْمٍ بِلَيْلَتِهِ هَكَذَا ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ نَقْلِ شَيْخِهِ ثُمَّ قَالَ الْإِمَامُ وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّ اعْتِكَافَ لَحْظَةٍ عِبَادَةٌ تَامَّةٌ وَنَقَلَ صَاحِبُ الْبَيَانِ فِي آخِرِ كِتَابِ الِاعْتِكَافِ أَنَّ الصَّيْدَلَانِيَّ حَكَى أَنَّهُ يُطْعَمُ فِي الِاعْتِكَافِ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ قَالَ وَلَمْ أَجِدْ هَذَا لِغَيْرِ الصَّيْدَلَانِيِّ
* {فَرْعٌ} فِي حُكْمِ الْفِدْيَةِ وَبَيَانِهَا سَوَاءٌ الْفِدْيَةُ الْمُخْرَجَةُ عَنْ الميت وعن المرضع وَالْحَامِلِ وَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْمَرِيضِ الَّذِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ وَمَنْ عَصَى بِتَأْخِيرِ قَضَاءِ رَمَضَانَ حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ آخَرُ وَمَنْ أَفْطَرَ عَمْدًا وَأَلْزَمْنَاهُ الْفِدْيَةَ عَلَى وَجْهٍ ضَعِيفٍ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ فدية في الصَّوْمِ وَهِيَ مُدٌّ مِنْ طَعَامٍ لِكُلِّ يَوْمٍ جِنْسُهُ جِنْسُ زَكَاةِ الْفِطْرِ فَيُعْتَبَرُ غَالِبُ قُوتِ بَلَدِهِ فِي أَصَحِّ الْأَوْجُهِ وَفِي الثَّانِي قُوتُ نَفْسِهِ
وَفِي الثَّالِثِ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ جَمِيعِ الْأَقْوَاتِ ويجئ فِيهِ الْخِلَافُ وَالتَّفْرِيعُ السَّابِقُ هُنَاكَ وَلَا يُجْزِئُ الدَّقِيقُ وَلَا السَّوِيقُ وَلَا الْحَبُّ الْمَعِيبُ وَلَا الْقِيمَةُ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا سَبَقَ هُنَاكَ وَمَصْرِفُهَا الْفُقَرَاءُ أَوْ الْمَسَاكِينُ وَكُلُّ مُدٍّ مِنْهَا مُنْفَصِلٌ عَنْ غَيْرِهِ فَيَجُوزُ صَرْفُ أَمْدَادٍ كَثِيرَةٍ عَنْ الشَّخْصِ الْوَاحِدِ وَالشَّهْرِ الْوَاحِدِ إلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ أَوْ فَقِيرٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِ إمْدَادِ الْكَفَّارَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ صَرْفُ كُلِّ مُدٍّ إلَى مِسْكِينٍ وَلَا يُصْرَفُ إلَى مِسْكِينٍ مِنْ كَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ مدان لان الكفارة شئ وَاحِدٌ (وَأَمَّا) الْفِدْيَةُ عَنْ أَيَّامِ رَمَضَانَ فَكُلُّ يوم مستقل بِنَفْسِهِ لَا يَفْسُدُ بِفَسَادِ مَا قَبْلَهُ وَلَا مَا بَعْدَهُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِمَعْنَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ فَاتَهُ بِمَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ الْأَعْذَارِ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ قَضَائِهِ حَتَّى مَاتَ
* ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لا شئ عَلَيْهِ وَلَا يُصَامُ عَنْهُ وَلَا يُطْعَمُ عَنْهُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَهُوَ قَوْلُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إلَّا طَاوُسًا وَقَتَادَةَ فَقَالَا يَجِبُ أَنْ يُطْعَمَ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ فَأَشْبَهَ الشَّيْخَ الْهَرِمَ
* وَاحْتَجَّ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا لِمَذْهَبِنَا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* واحتجو أَيْضًا بِالْقِيَاسِ عَلَى الْحَجِّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّيْخِ الْهَرِمِ بِأَنَّ الشَّيْخَ عَامِرُ الذِّمَّةِ وَمِنْ أَهْلِ الْعِبَادَاتِ بِخِلَافِ الْمَيِّتِ
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِهِمْ فِيمَنْ تَمَكَّنَ مِنْ صَوْمِ رَمَضَانَ فَلَمْ يَصُمْهُ حَتَّى مَاتَ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ فِي مَذْهَبِنَا قَوْلَيْنِ (أَشْهُرُهُمَا) يُطْعَمُ عَنْهُ لكل يَوْمٍ مُدٌّ مِنْ طَعَامٍ (وَأَصَحُّهُمَا) فِي الدَّلِيلِ يَصُومُ عَنْهُ وَلِيُّهُ وَمِمَّنْ قَالَ بِالصِّيَامِ عَنْهُ طَاوُسٌ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ وَأَبُو ثَوْرٍ وداود وقال ابن عباس وأحمد وإسحق

(6/372)


يُصَامُ عَنْهُ صَوْمُ النَّذْرِ وَيُطْعَمُ عَنْ صَوْمِ رَمَضَانَ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَعَائِشَةُ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ يُطْعَمُ عَنْهُ وَلَا يَجُوزُ الصِّيَامُ عَنْهُ لَكِنْ حَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالثَّوْرِيِّ أَنَّهُ يُطْعَمُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مُدَّانِ
*

(6/373)