المجموع شرح المهذب ط دار الفكر

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله تعالى

* كتاب الحج

الْحَجُّ يُقَالُ - بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا - لُغَتَانِ قُرِئَ بِهِمَا فِي السَّبْعِ أَكْثَرُ السَّبْعَةِ بِالْفَتْحِ وَكَذَا الْحِجَّةُ فِيهَا لُغَتَانِ وَأَكْثَرُ الْمَسْمُوعِ الْكَسْرُ وَالْقِيَاسُ أصله الْقَصْدُ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ هُوَ مِنْ قَوْلِكَ حَجَجْتُهُ إذَا أَتَيْتَهُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ وَقَالَ اللَّيْثُ أَصْلُ الْحَجِّ فِي اللُّغَةِ زيارة شئ تُعَظِّمُهُ وَقَالَ كَثِيرُونَ هُوَ إطَالَةُ الِاخْتِلَافِ إلَى الشئ واختاره ابن جرير قال أهل اللغة يقول حَجَّ يَحُجُّ - بِضَمِّ الْحَاءِ - فَهُوَ حَاجٌّ وَالْجَمْعُ حُجَّاجٌ وَحَجِيجٌ وَحَجٌّ - بِضَمِّ الْحَاءِ - حَكَاهُ الْجَوْهَرِيُّ كنازل ونزل قال الْعُلَمَاءُ ثُمَّ اخْتَصَّ الْحَجُّ فِي الِاسْتِعْمَالِ بِقَصْدِ الْكَعْبَةِ لِلنُّسُكِ (وَأَمَّا) الْعُمْرَةُ فَفِيهَا قَوْلَانِ لِأَهْلِ اللُّغَةِ حَكَاهُمَا الْأَزْهَرِيُّ وَآخَرُونَ (أَشْهَرُهُمَا) وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ فَارِسٍ وَالْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا غَيْرَهُ أَصْلُهَا الزِّيَارَةُ (وَالثَّانِي) أَصْلُهَا الْقَصْدُ قَالَهُ الزَّجَّاجُ وَغَيْرُهُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَقِيلَ إنَّمَا اخْتَصَّ الِاعْتِمَارُ بِقَصْدِ الْكَعْبَةِ لانه قصد إلَى مَوْضِعٍ عَامِرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*

(7/2)


(فَرْعٌ)
فِي طَرَفٍ مِنْ فَضَائِلِ الْحَجِّ قَالَ الله تعالى (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْأَعْمَالِ
أَفْضَلُ قَالَ إيمَانٌ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ قِيلَ ثُمَّ مَاذَا قَالَ حَجٌّ مَبْرُورٌ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْهُ قَالَ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعُمْرَةُ إلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إلَّا الْجِنَّةُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* الْمَبْرُورُ الَّذِي لَا مَعْصِيَةَ فِيهِ وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَرَى الْجِهَادَ أَفْضَلَ الْعَمَلِ أَفَلَا نُجَاهِدُ قَالَ لَكِنْ أَفْضَلُ مِنْ الْجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنْ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ) رَوَاهُ مسلم وعن ابن عباس عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً - أَوْ حجة معى -) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى
* (الحج ركن من أركان الاسلام وفرض من فروضه لما رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا اله الا الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وححج البيت وصوم رمضان) وفي العمرة قولان (قال) في الجديد هي فرض

(7/3)


لما روت عائشة قالت (قلت يا رسول الله هل على النساء جهاد قال جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة) (وقال) في القديم ليست بفرض لِمَا رَوَى جَابِرٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل عن العمرة أهي واجبة قال لا وأن تعتمر خير لك) والصحيح الاول لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ رَفَعَهُ ابْنُ لَهِيعَةَ وَهُوَ ضعيف فيما ينفرد به)
* (الشرح) حديث ابن عمرو رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَجَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ (وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَانَ) وَجَاءَ (وَصَوْمِ رَمَضَانَ وَالْحَجِّ) وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَالْوَاوُ لَا تَقْتَضِي تَرْتِيبًا وَسَمِعَهُ ابْنُ عمرو مَرَّتَيْنِ فَرَوَاهُ بِهِمَا وَإِنَّمَا اسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ بِهِ وَلَمْ يَسْتَدِلَّ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَلِلَّهِ عَلَى الناس حج البيت) لِأَنَّ مُرَادَهُ الِاسْتِدْلَال عَلَى كَوْنِهِ رُكْنًا وَلَا تَحْصُلُ الدَّلَالَةُ لِهَذَا مِنْ الْآيَةِ وَإِنَّمَا تَحْصُلُ مِنْ الْحَدِيثِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَائِشَةَ فَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَإِسْنَادُ ابْنِ مَاجَهْ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَاسْتَدَلَّ الْبَيْهَقِيُّ لِوُجُوبِ
الْعُمْرَةِ بِحَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قِصَّةِ السَّائِلِ (الَّذِي سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَهُوَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَأَنْ تُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ وَتَحُجَّ الْبَيْتَ وَتَعْتَمِرَ وَتَغْتَسِلَ مِنْ الْجَنَابَةِ وَتُتِمَّ الْوُضُوءَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ قَالَ فَإِنْ قُلْتُ هَذَا فَأَنَا مُسْلِمٌ قَالَ نَعَمْ قَالَ صَدَقْتَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ) هَكَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ رواه مسلم في الصحيح ولم يسبق مَتْنَهُ هَذَا كَلَامُ الْبَيْهَقِيّ وَلَيْسَ هَذَا اللَّفْظُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَلَا للعمرة وَالْغُسْلُ مِنْ الْجَنَابَةِ وَالْوُضُوءُ فِيهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ذِكْرٌ لَكِنَّ الْإِسْنَادَ بِهِ لِلْبَيْهَقِيِّ مَوْجُودٌ من صحيح مسلم وروى الدارقطني هَذَا اللَّفْظَ الَّذِي رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِحُرُوفِهِ ثُمَّ قَالَ هَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ ثَابِتٌ
* وَاحْتَجَّ الْبَيْهَقِيُّ أيضا بما رواه باسناده عن أبي زرين

(7/4)


العقيلي الصحابي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ (يَا رَسُولَ الله إنى شيخ كبير لا أستطيع الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَلَا الظَّعْنَ قَالَ حُجَّ عَنْ أَبِيكَ وَاعْتَمِرْ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ لَا أعلم في إيجاب حديث العمرة أجود من حديث أبي زرين هَذَا وَلَا أَصَحَّ مِنْهُ هَذَا كَلَامُ الْبَيْهَقِيّ وحديث أبي زرين هَذَا صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ جَابِرٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الْعُمْرَةِ أَوَاجِبَةٌ هِيَ قَالَ لَا وَأَنْ تعتمر خير لك) فرواه الترمذي في جماعة مِنْ رِوَايَةِ الْحَجَّاجِ هُوَ ابْنُ أَرْطَاةَ عَنْ محمد بن المنكدر وجابر (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الْعُمْرَةِ أَوَاجِبَةٌ هِيَ قَالَ لَا وَأَنْ تَعْتَمِرَ فَهُوَ أَفْضَلُ) قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ التِّرْمِذِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ الْعُمْرَةُ سُنَّةٌ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَخَّصَ فِي تَرْكِهَا وليس فيها شئ ثَابِتٌ بِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ضَعِيفٌ لَا تَقُومُ بِمِثْلِهِ الْحُجَّةُ وَقَدْ بَلَغَنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يُوجِبُهَا هَذَا آخِرُ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ الْحَجَّاجِ هُوَ ابْنُ أَرْطَاةَ عن محمد ابن الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الْعُمْرَةِ أَوَاجِبَةٌ قَالَ لَا وَأَنْ تَعْتَمِرَ خَيْرٌ لَكَ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ كَذَا رَوَاهُ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ مَرْفُوعًا وَالْمَحْفُوظُ إنَّمَا هُوَ عَنْ جَابِرٍ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ غَيْرُ
مَرْفُوعٍ قَالَ وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا بِخِلَافِ ذَلِكَ قَالَ وَكِلَاهُمَا ضَعِيفٌ ثُمَّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ غَيْرِ جِهَةِ الْحَجَّاجِ قَالَ وَهَذَا وَهَمٌ إنَّمَا يُعْرَفُ هَذَا الْمَتْنُ بِالْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ

(7/5)


جَابِرٍ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ) وَإِسْنَادُهُمَا ضَعِيفٌ هَذَا كَلَامُ الْبَيْهَقِيّ (وَأَمَّا) قَوْلُ التِّرْمِذِيِّ إنَّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ فَغَيْرُ مَقْبُولٍ وَلَا يُغْتَرُّ بِكَلَامِ التِّرْمِذِيِّ فِي هَذَا فَقَدْ اتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ كَمَا سَبَقَ فِي كَلَامِ الْبَيْهَقِيّ وَدَلِيلُ ضَعْفِهِ أَنَّ مَدَارَهُ عَلَى الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ وَالتِّرْمِذِيُّ إنَّمَا رَوَاهُ مِنْ جِهَتِهِ وَالْحَجَّاجُ ضَعِيفٌ وَمُدَلِّسٌ بِاتِّفَاقِ الْحُفَّاظِ وَقَدْ قَالَ فِي حَدِيثِهِ عَنْ محمدا بْنِ الْمُنْكَدِرِ وَالْمُدَلِّسُ إذَا قَالَ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ لَا يُحْتَجُّ بِهَا بِلَا خِلَافٍ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ مَعْرُوفٌ فِي كُتُبِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَأَهْلِ الْأُصُولِ وَلِأَنَّ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ عَلَى تَضْعِيفِ الججاج بسبب آخر غير التدليس فادا كَانَ فِيهِ سَبَبَانِ يَمْنَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الاحتجاج بِهِ وَهُمَا الضَّعْفُ وَالتَّدْلِيسُ فَكَيْفَ يَكُونُ حَدِيثُهُ صَحِيحًا وَقَدْ سَبَقَ فِي كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ الشافعي انه قال ليس في المرة شئ ثابت انها واجبة فالحاصل ان الحديث صحيح ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ رَفَعَهُ ابْنُ لَهِيعَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ فِيمَا يَنْفَرِدُ بِهِ فَهَذَا مِمَّا أُنْكِرَ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَغُلِّطَ فِيهِ لِأَنَّ الَّذِي رَفَعَهُ إنَّمَا هُوَ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ كَمَا سَبَقَ لَا ابْنُ لَهِيعَةَ وَقَدْ ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ عَلَى الصَّوَابِ فَقَالُوا إنَّمَا رَفَعَهُ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ فِي مَعْرِفَةِ السُّنَنِ وَالْآثَارِ حَدِيثَ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَضَعَّفَهُ ثُمَّ قَالَ وَرَوَى ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا خِلَافَهُ قَالَ (الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فَرِيضَتَانِ وَاجِبَتَانِ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذَا ضَعِيفٌ أَيْضًا لَا يَصِحُّ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي هَذَا ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ (أَحَدُهَا) قَوْلُهُ ابْنُ لَهِيعَةَ وَصَوَابُهُ الْحَجَّاجُ ابن أَرْطَاةَ كَمَا ذَكَرْنَا
(وَالثَّانِي)
قَوْلُهُ رَفَعَهُ وَصَوَابُهُ أَنْ يَقُولَ إنَّمَا رَفَعَهُ (وَالثَّالِثُ) قَوْلُهُ وَهُوَ ضَعِيفٌ فِيمَا يَنْفَرِدُ بِهِ وَصَوَابُهُ حَذْفُ قَوْلِهِ فِيمَا يَنْفَرِدُ بِهِ وَيَقْتَصِرُ عَلَى قَوْلِهِ

(7/6)


ضَعِيفٌ لِأَنَّ ابْنَ لَهِيعَةَ ضَعِيفٌ فِيمَا انْفَرَدَ بِهِ وَفِيمَا شَارَكَ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَاسْمُ ابن لهيعة عبد الله ابن لهيعة ابن عقبة الحضرمي ويقال العاهي الْمِصْرِيُّ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَاضِي مِصْرَ (وَقَوْلُهُ) وَأَنْ تَعْتَمِرَ هُوَ - بِفَتْحِ
الْهَمْزَةِ - قَالَ أَصْحَابُنَا ولو صح حديث الحجاج ابن أَرْطَاةَ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ عَدَمُ وُجُوبِ الْعُمْرَةِ عَلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُرَادَ لَيْسَتْ وَاجِبَةً فِي حَقِّ السَّائِلِ لِعَدَمِ اسْتِطَاعَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْحَجُّ رُكْنٌ وَفَرْضٌ مُجْمَعٌ بَيْنَهُمَا فَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي أَوَّلِ كِتَابَيْ الزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ (وَأَمَّا) اسْتِدْلَالُهُ عَلَى وُجُوبِ الْحَجِّ بِالْحَدِيثِ وَلَمْ يَسْتَدِلَّ بِقَوْلِ اللَّهِ تعالى (ولله على الناس حج البيت) فَقَدْ سَبَقَ الْجَوَابُ عَنْهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصِّيَامِ
* (وَأَمَّا) أَحْكَامُ الْمَسْأَلَةِ فَالْحَجُّ فَرْضُ عَيْنٍ على كل مستطع بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَتَظَاهَرَتْ عَلَى ذَلِكَ دَلَالَةُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ (وَأَمَّا) الْعُمْرَةُ فَهَلْ هِيَ فَرْضٌ مِنْ فُرُوضِ الْإِسْلَامِ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (الصَّحِيحُ) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ أَنَّهَا فَرْضٌ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْجَدِيدِ (وَالْقَدِيمُ) أَنَّهَا سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ يَعْنِي مِنْ الْحَدِيثِ قَالَ أَصْحَابُنَا (فَإِنْ قُلْنَا) هِيَ فَرْضٌ فَهِيَ فِي شَرْطِ صِحَّتِهَا وَصِحَّةِ مُبَاشَرَتِهَا وَوُجُوبِهَا وَإِحْرَامِهَا عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ كَالْحَجِّ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ أَصْحَابُنَا وَالِاسْتِطَاعَةُ الْوَاحِدَةُ كَافِيَةٌ لوجوبها جَمِيعًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي وُجُوبِ الْعُمْرَةِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّهَا فَرْضٌ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَجَابِرٌ وَطَاوُسٌ وَعَطَاءٌ وابن المسيب وسعيد ابن جُبَيْرٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَابْنُ سِيرِينَ وَالشَّعْبِيُّ وَمَسْرُوقٌ وأبو بردة ابن أبى موسى الحضرمي وعبد الله ابن شَدَّادٍ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَابْنُ عُبَيْدٍ وَدَاوُد
* وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ هِيَ سُنَّةٌ لَيْسَتْ وَاجِبَةً وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ عَنْ النَّخَعِيِّ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ سَبَقَ بَيَانُهُ وَاَللَّهُ أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ولا يَجِبُ فِي الْعُمْرِ أَكْثَرُ مِنْ حِجَّةٍ وَعُمْرَةٍ بالشرع لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أن الاقرع ابن حابس سَأَلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (آلْحَجُّ كُلَّ عَامٍ قَالَ لَا بَلْ حَجَّةٌ) وروى سراقة بن مالك قال (قلت يا رسول الله أعمرتنا هذه لعامنا أم للابد قال لِلْأَبَدِ دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ القيامة))
*

(7/7)


(الشَّرْحُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ حَسَنَةٍ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ (خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فُرِضَ عَلَيْكُمْ الْحَجُّ فَحُجُّوا فَقَالَ رَجُلٌ أَكُلَّ عَامِ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ ثُمَّ قال ذروني ما تركتكم هَلَكَ مَنْ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا استعطعتم وإذا نهيتكم عن شئ فَدَعُوهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ سُرَاقَةَ فَرَوَاهُ الدارقطني بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ سُرَاقَةَ قَالَ (قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ عُمْرَتُنَا هَذِهِ لِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ فَقَالَ لَا بَلْ لِلْأَبَدِ دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلى يوم القيامة) قال الدارقطني رواته كلهم ثقاة وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ عَطَاءٍ وَطَاوُسٍ عَنْ سُرَاقَةَ وَهَذِهِ رِوَايَةٌ مُنْقَطِعَةٌ فَإِنَّهُمَا وُلِدَا سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِينَ أَوْ بَعْدَهَا وَتُوُفِّيَ سُرَاقَةُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ سُؤَالَ سُرَاقَةَ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ لَكِنْ بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) فَقَدْ ذَكَرَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ فِيهِ تَفْسِيرَيْنِ (أَحَدُهُمَا) مَعْنَاهُ دَخَلَتْ افعال العمرة في افعال الحج إذا جُمِعَ بَيْنَهُمَا بِالْقِرَانِ (وَالثَّانِي) مَعْنَاهُ لَا بَأْسَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَهُوَ تَفْسِيرُ الشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَنَقَلَهُ التِّرْمِذِيُّ عن الشافعي واحمد واسحاق قال والترمذي وَغَيْرُهُ وَسَبَبُهُ أَنَّ الْجَاهِلِيَّةَ كَانُوا لَا يَرَوْنَ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ الْفُجُورِ فَأَذِنَ الشَّرْعُ فِي ذَلِكَ وَبَيَّنَ جَوَازَهُ وَقَطَعَ الْجَاهِلِيَّةَ عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ وَلِهَذَا اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَرَهُ الْأَرْبَعَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثَلَاثًا مِنْهَا فِي ذِي الْقَعْدَةِ

(7/8)


وَالرَّابِعَةَ مَعَ حَجَّتِهِ حِجَّةِ الْوَدَاعِ فِي ذِي الْحِجَّةِ وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا ثَبَتَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (وَاَللَّهِ مَا أَعْمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِشَةَ فِي ذِي الْحِجَّةِ إلَّا لِيَقْطَعَ أَمْرَ أَهْلِ الشِّرْكِ فَإِنَّ هَذَا الْحَيَّ مِنْ قُرَيْشٍ وَمَنْ دَانَ دِينَهُمْ كانوا يقولون إذا عفا الوبر برأ الدَّبَرْ وَدَخَلَ صَفَرْ فَقَدْ حَلَّتْ الْعُمْرَةُ لِمَنْ اعْتَمَرْ فَكَانُوا يُحَرِّمُونَ الْعُمْرَةَ حَتَّى يَنْسَلِخَ ذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ) هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ بِلَفْظِهِ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مُخْتَصَرًا فَذَكَرَ بَعْضَهُ (وَقَوْلُ) الْمُصَنِّفِ لَا يَجِبُ فِي الْعُمْرِ أَكْثَرُ مِنْ حِجَّةٍ وَعُمْرَةٍ
بِالشَّرْعِ احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ بِالشَّرْعِ عَنْ النَّذْرِ وَعَمَّنْ أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ لِحَاجَةٍ لَا تَتَكَرَّرُ (إذَا قُلْنَا) يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ وَالْحِجَّةُ - بِكَسْرِ الْحَاءِ - أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا كَمَا سَبَقَ فِي أَوَّلِ الباب والعمرة - بضم العين والميم وبضم العين وَإِسْكَانِ الْمِيمِ وَبِفَتْحِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) أَحْكَامُ الْمَسْأَلَةِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ الْمُسْتَطِيعِ فِي جَمِيعِ عُمْرِهِ إلَّا حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ وَعُمْرَةٌ وَاحِدَةٌ بِالشَّرْعِ وَنَقَلَ أَصْحَابُنَا إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى هَذَا وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ عن بعض الناس أنه يجب كلسنة قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ يَجِبُ الْحَجُّ فِي كُلِّ سَنَتَيْنِ مرة قالوا وهذا خلاف الاجماع يقابله مَحْجُوجٌ بِإِجْمَاعِ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
وَمَنْ حَجَّ ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْحَجُّ بَلْ يُجْزِئُهُ حِجَّتُهُ السَّابِقَةُ عِنْدَنَا
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَآخَرُونَ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ وَمَبْنَى الْخِلَافِ عَلَى أَنَّ الرِّدَّةَ مَتَى تُحْبِطُ الْعَمَلَ فَعِنْدَهُمْ تُحْبِطُهُ فِي الْحَالِ سَوَاءٌ أَسْلَمَ بَعْدَهَا أَمْ لَا فَيَصِيرُ كَمَنْ لَمْ يَحُجَّ وَعِنْدَنَا لَا تُحْبِطُهُ إلَّا إذَا اتَّصَلَتْ بِالْمَوْتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافر فاولئك حبطت أعمالهم) وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مُسْتَوْفَاةً بِأَدِلَّتِهَا وَفُرُوعِهَا فِي أول كتاب الصَّلَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ
*

(7/9)


(ومن حَجَّ وَاعْتَمَرَ حِجَّةَ الْإِسْلَامِ وَعُمْرَتَهُ ثُمَّ أَرَادَ دخول مكة لحاجة نظرت فان كان لقتال أو دخلها خائفا من ظالم يطلبه ولا يمكنه أن يظهر لاداء النسك جاز أن يدخل بغير احرام لان النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ يوم الفتح بغير احرام لانه كان لا يأمن أن يقاتل ويمنع النسك وان كان دخوله لتجارة أو زيارة ففيه قولان (أشهرهما) أنه لا يجوز أن يدخل الا لحج أو عمرة لما روى ابن عباس أنه قال (لا يدخل أحدكم مكة الا محرما ورخص للحطابين) (والثاني) أنه يجوز لحديث الاقرع بن حابس وسراقة بن مالك وإن كان دخوله لحاجة تتكرر كالحاطبين والصيادين جاز بغير نسك لحديث ابن عباس ولان في ايجاب الاحرام على هؤلاء مشقة فان دخل لتجارة وقلنا إنه يجب عليه الاحرام فدخل بغير احرام لم يلزمه القضاء لانا لو ألزمناه القضاء لزمه لدخوله للقضاء قضاء فلا يتناهى قال أبو العباس بن القاص ان دخل بغير احرام ثم صار حطابا أو صيادا لزمه القضاء لانه لا يلزمه
للقضاء قضاء)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ دُخُولِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ صَحِيحٌ فَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ (هَذَا لَفْظُ إحْدَى رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(7/10)


دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ مِغْفَرٌ) (وَأَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إذَا حَجَّ وَاعْتَمَرَ حِجَّةَ الْإِسْلَامِ وَعُمْرَتَهُ ثُمَّ أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ لِحَاجَةٍ لَا تَتَكَرَّرُ كَزِيَارَةٍ أَوْ تِجَارَةٍ أَوْ رِسَالَةٍ أَوْ كَانَ مَكِّيًّا مُسَافِرًا فَأَرَادَ دُخُولَهَا عَائِدًا مِنْ سَفَرِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فِيهِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ قَوْلًا وَاحِدًا حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ فِي آخِرِ بَابِ مَوَاقِيتِ الْحَجِّ عَنْ أَبِي مُوسَى الْمَرْوَزِيِّ وَقَطَعَ به سليم الرازي في كتابه الكافية وَحَكَاهُ أَيْضًا الرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ (وَأَصَحُّهُمَا) وَأَشْهَرُهُمَا فِيهِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يُسْتَحَبُّ وَلَا يَجِبُ (وَالثَّانِي) يَجِبُ وَدَلِيلُ الْقَوْلَيْنِ فِي الْكِتَابِ وَاخْتَلَفُوا فِي أَصَحِّهِمَا فَصَحَّحَ ابْنُ الْقَاصِّ وَالْمَسْعُودِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ الْوُجُوبَ وَصَحَّحَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَصْحَابُهُ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَالْغَزَالِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ الِاسْتِحْبَابَ وَصَحَّحَهُ أَيْضًا الرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي عَامَّةِ كُتُبِهِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَعَلَى هَذَا يُكْرَهُ الدُّخُولُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ هَذَا حُكْمُ من يَتَكَرَّرُ دُخُولُهُ (أَمَّا) مَنْ يَتَكَرَّرُ دُخُولُهُ كَالْحَطَّابِ وَالْحَشَّاشِ وَالصَّيَّادِ وَالسَّقَّا وَنَحْوِهِمْ (فَإِنْ قُلْنَا) فِيمَنْ لا يتكرر لا يلزمه لا يلزم الْإِحْرَامُ فَهَذَا أَوْلَى وَإِلَّا فَطَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ وَبِهِ قَطَعَ كَثِيرُونَ أَوْ الْأَكْثَرُونَ (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ وَبَعْضُهُمْ يَحْكِيهِمَا قَوْلَيْنِ (أَحَدُهُمَا) يَلْزَمُهُ (وَالثَّانِي) لَا يَلْزَمُهُ وَمِمَّنْ حَكَى الْخِلَافَ فِيهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْمُتَوَلِّي حَكَيَاهُ وَجْهَيْنِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْقَاصِّ فِي التَّلْخِيصِ وَالْقَفَّالُ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالدَّارِمِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ قَوْلَيْنِ (فَإِنْ قُلْنَا) يَلْزَمُهُ فَقَدْ أَطْلَقَهُ كَثِيرُونَ وَمِمَّنْ حَكَى هَذَا الْخِلَافَ وَقَيَّدَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَآخَرُونَ بانه في كل سند مَرَّةٌ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ الشَّافِعِيُّ في عامة كتبه يدخلها

(7/11)


الخطاب وَنَحْوُهُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ قَالَ وَقَالَ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ يُحْرِمُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً لِئَلَّا يَسْتَهِينَ بِالْحَرَمِ
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ فِي الْإِفْصَاحِ (إنْ قُلْنَا) غَيْرُ الْحَطَّابِ وَنَحْوُهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ فَالْحَطَّابُ أَوْلَى وَإِلَّا فَقَوْلَانِ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قال وقال أبو إسحق قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ يُحْرِمُونَ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا غَيْرُ مَشْهُورٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) الْبَرِيدُ الَّذِي يَتَكَرَّرُ دُخُولُهُ إلَى مَكَّةَ لِلرَّسَائِلِ فَقَطَعَ الدَّارِمِيُّ بِأَنَّهُ كَالْحَطَّابِ وَنَحْوِهِ وقال القاضي أبو الطيب وصاحب الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ جَعَلَهُ كَالْحَطَّابِ لِتَكَرُّرِ دُخُولِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنْ قُلْنَا لَا يَجِبُ عَلَى الْحَطَّابِ فَفِي الْبَرِيدِ وَجْهَانِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْإِحْرَامُ لدخول مَكَّةَ عَلَى مَنْ دَخَلَ لِتِجَارَةٍ وَنَحْوِهَا مِمَّا لا يتكرر ولا على من يدخل لمتتكرر كَالْحَطَّابِ وَلَا عَلَى الْبَرِيدِ وَنَحْوِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ قُلْنَا يَجِبُ فَلِلْوُجُوبِ شُرُوطٌ (أَحَدُهَا) أَنْ يجئ الدَّاخِلُ مِنْ خَارِجِ الْحَرَمِ فَأَمَّا أَهْلُ الْحَرَمِ فَلَا إحْرَامَ عَلَيْهِمْ بِلَا خِلَافٍ لِدُخُولِهِ كَمَا لَا يُشْرَعُ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ لِمَنْ انْتَقَلَ مِنْ مَوْضِعٍ مِنْهُ إلَى مَوْضِعٍ مِنْهُ (وَالثَّانِي) أَلَّا يَدْخُلَهَا لِقِتَالٍ وَلَا خَائِفًا فَإِنْ دَخَلَهَا لِقِتَالِ بُغَاةٍ أَوْ قُطَّاعِ طَرِيقٍ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ الْقِتَالِ الْوَاجِبِ أَوْ الْمُبَاحِ أَوْ خَائِفًا مِنْ ظالم أو غريم يمسه وَهُوَ مُعْسِرٌ لَا يُمْكِنُهُ الظُّهُورُ لِأَدَاءِ النُّسُكِ إلَّا بِمَشَقَّةٍ وَمُخَاطَرَةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِحْرَامُ بِلَا خلاف (الثالث)

(7/12)


أَنْ يَكُونَ حُرًّا فَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَلَا إحْرَامَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَأْذَنْ سَيِّدُهُ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا إنْ أَذِنَ عَلَى الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ لَيْسَ وَاجِبًا عَلَيْهِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ فَلَا يَصِيرُ وَاجِبًا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ كَصَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَكَحِجَّةِ الْإِسْلَامِ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا أَذِنَ سَيِّدُهُ لِأَنَّ الْمَنْعَ لَحِقَهُ فَزَالَ بِإِذْنِهِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا قلنا بوجوب الاحرام واجتمعت شروطه فدخل إحْرَامٍ فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الجمهور لاقضاء لِأَنَّ الْقَضَاءَ مُتَعَذَّرٌ لِأَنَّ الدُّخُولَ الثَّانِيَ إحْرَامٌ يَقْتَضِي إحْرَامًا آخَرَ فَيَتَسَلْسَلُ وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ مَشْرُوعٌ لِحُرْمَةِ الْحَرَمِ لِئَلَّا يَنْتَهِكَهُ بِالدُّخُولِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ فإذا دخل بغير إحرام فات لحصول الِانْتِهَاكِ كَمَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا كَمَا إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَجَلَسَ وَلَمْ يُصَلِّ التَّحِيَّةَ فَإِنَّهَا تَفُوتُ بِالْجُلُوسِ وَلَا يُشْرَعُ قَضَاؤُهَا (الطَّرِيقُ الثَّانِي) فيه وجهان وقيل قولان (أصحهما) لاقضاء
(والثانى)
يجب القضاء وحكاه المصنف

(7/13)


والاصحاب ابْنِ الْقَاصِّ فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَخْرُجَ ثُمَّ يَعُودَ مُحْرِمًا قَالَ الرَّافِعِيُّ عَلَّلَ أَصْحَابُنَا عدم القضاء بعلتين (احدهما) أَنَّ الْقَضَاءَ لَا يُمْكِنُ لِأَنَّ الدُّخُولَ الثَّانِيَ يَحْتَاجُ إلَى قَضَاءٍ آخَرَ فَصَارَ كَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ الدَّهْرِ فَأَفْطَرَ وَفَرَّعَ ابْنُ الْقَاصِّ فِي هَذِهِ الْعِلَّةِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يتكرر دخوله كالحاطبين ثُمَّ صَارَ مِنْهُمْ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَرُبَّمَا نَقَلُوا عَنْهُ أَنَّهُ يُوجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَجْعَلَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ قَالَ (وَالْعِلَّةُ الثَّانِيَةُ) وَهِيَ الصَّحِيحَةُ وَبِهَا قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْقَفَّالُ أَنَّهُ تَحِيَّةٌ لِلْبُقْعَةِ فَلَا يَقْضِي كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا قُلْنَا يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ فَتَرَكَهُ وَتَرَكَ الْقَضَاءَ عَصَى وَلَا دَمَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الدَّمَ يَجْبُرُ الْخَلَلَ الْحَاصِلَ فِي النُّسُكِ بِالْإِحْرَامِ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ مِنْ غَيْرِ رُجُوعٍ إلَيْهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَهَذَا لَمْ يَدْخُلْ فِي نُسُكٍ قَالُوا وَإِذَا أَوْجَبْنَا الْإِحْرَامَ لَزِمَهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْمِيقَاتِ فَلَوْ أَحْرَمَ بَعْدَ مُجَاوَزَتِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِالصُّورَتَيْنِ الْقَاضِي أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ كَجٍّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالدَّارِمِيُّ وَآخَرُونَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا أَرَادَ دُخُولَ الْحَرَمِ وَلَمْ يُرِدْ دُخُولَ مَكَّةَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ دُخُولِ مَكَّةَ فَفِيهِ التَّفْصِيلُ وَالْخِلَافُ السَّابِقُ وَهَذَا الْخِلَافُ صَرَّحَ بِهِ جَمِيعُ الْأَصْحَابِ مِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي الماوردى والدارمى والقاضى أبو الطب فِي الْمُجَرَّدِ فِي بَابِ الْمَوَاقِيتِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَغَيْرِهِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي كِتَابَيْهِ الْبُلْغَةِ وَالتَّحْرِيرِ وَالشَّاشِيُّ فِي الْمُسْتَظْهِرِيِّ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَخَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ صَرَّحُوا بِهِ وَأَشَارَ إلَيْهِ الْمُتَوَلِّي

(7/14)


وَالْبَاقُونَ (وَأَمَّا) قَوْلُ الرَّافِعِيِّ هَلْ يَنْزِلُ دُخُولُ الْحَرَمِ مَنْزِلَةَ دُخُولِ مَكَّةَ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ قَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ نَعَمْ قَالَ الرَّافِعِيُّ لَا يَبْعُدُ تخريجه على خلاف في نظائره كأنه أرادا بِنَظَائِرِهِ إبَاحَةَ الصَّلَوَاتِ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ فَإِنَّهَا تُبَاحُ بِمَكَّةَ وَكَذَا فِي سَائِرِ الْحَرَمِ عَلَى الصَّحِيحِ فَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الرَّافِعِيُّ عَجَبٌ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
كَوْنُهُ نَقَلَ الْمَسْأَلَةَ عَنْ بَعْضِ الشُّرُوحِ وَهِيَ مَشْهُورَةٌ صَرِيحَةٌ فِي هَذِهِ الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا وَغَيْرِهَا
(وَالثَّانِي)
كَوْنُهُ قَالَ يُحْتَمَلُ تَخْرِيجُهُ عَلَى خِلَافٍ مَعَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ فَالصَّوَابُ مَا سَبَقَ أَنَّ الْحَرَمَ كمكة بلا خلاف والله أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَجَمِيعُ الْأَصْحَابِ هُنَا أَنَّهُ يَجُوزُ دُخُولُ مَكَّةَ لِلْقِتَالِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ قَالُوا وَصُورَةُ ذَلِكَ أَنْ يَلْتَجِئَ إلَيْهَا طَائِفَةٌ مِنْ الْكُفَّارِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ أَوْ طَائِفَةٌ مِنْ الْبُغَاةِ أَوْ قُطَّاعِ
الطَّرِيقِ وَنَحْوِهِمْ وَقَطَعَ الْأَصْحَابُ هُنَا بِجَوَازِ قِتَالِهِمْ وَهُوَ الصَّوَابُ الْمَشْهُورُ وَذَكَرَ الْقَفَّالُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ مِنْ شَرْحِ التَّلْخِيصِ فِي كِتَابِ خَصَائِصِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمَاوَرْدِيُّ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ خِلَافًا فِي قِتَالِهِمْ فِي مَكَّةَ وَسَائِرِ الْحَرَمِ وَوَجْهُ التَّحْرِيمِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ فَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ) (فَرْعٌ)
قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ هُنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَهُوَ لَا يَأْمَنُ أَنْ يُقَاتَلَ (قَدْ يُقَالُ) إنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ وَجَمِيعِ الْأَصْحَابِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (دَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ صُلْحًا وَفَتَحَهَا صُلْحًا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَآخَرُونَ فَتَحَهَا عَنْوَةً وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ السِّيَرِ وَهُنَاكَ ذَكَرَهَا الرَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ (وَالْجَوَابُ) أَنَّ هَذَا لَا يُخَالِفُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَالَحَ أَبَا سُفْيَانَ وَكَانَ لَا يَأْمَنُ غَدْرَ أَهْلِ مَكَّةَ فَدَخَلَ صُلْحًا وَهُوَ مُتَأَهِّبٌ لِلْقِتَالِ إنْ غَدَرُوا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*

(7/15)


فَرْعٌ فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ أَرَادَ دُخُولَ الحرم لحاجة لا تكرر كَالتِّجَارَةِ وَالزِّيَارَةِ وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَنَحْوِهَا
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِحْرَامُ وَلَا يَجِبُ سَوَاءٌ قَرُبَتْ دَارُهُ مِنْ الْحَرَمِ أَمْ بَعُدَتْ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ
* وَقَالَ مالك وأحمد يلزمه
* وقال أبو حنيفة يلزمه إنْ كَانَتْ دَارُهُ فِي الْمِيقَاتِ أَوْ أَقْرَبَ إلَى مَكَّةَ جَازَ دُخُولُهُ بِلَا إحْرَامٍ وَإِلَّا فَلَا
* وَاحْتَجُّوا لِلْوُجُوبِ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ
* وَاحْتَجَّ كَثِيرُونَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ فَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ) وَدَلِيلُنَا الصح حَدِيثُ (آلْحَجُّ كُلَّ عَامٍ قَالَ لَا بَلْ حَجَّةٌ) وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا وَلِأَنَّهُ تَحِيَّةٌ لِبُقْعَةٍ فَلَمْ تَجِبْ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ (وَأَمَّا) قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَيُعَارِضُهُ مَذْهَبُ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَاهُ وَاجِبًا (وَأَمَّا) حَدِيثُ (لَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي) فَالْمُرَادُ بِهِ الْقِتَالُ كَمَا سَبَقَ وَلَيْسَ فِي جَمِيعِ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَقْتَضِي الْإِحْرَامَ وَإِنَّمَا هُوَ صَرِيحٌ فِي الْقِتَالِ وَقَدْ سَبَقَ تَأْوِيلُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ إذَا قُلْنَا يَجِبُ الْإِحْرَامُ لِدُخُولِ الْحَرَمِ فَدَخَلَ بِغَيْرِ إحرام عصى والمذهب
أنه لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَلْزَمُهُ وَقَالَ ابْنُ الْقَاصِّ مِنْ أَصْحَابِنَا إذَا صَارَ حَطَّابًا وَنَحْوَهُ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَبِالْأَوَّلِ قَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا وَمَأْخَذُ الْخِلَافِ بَيْنَ الْجُمْهُورِ وَابْنِ الْقَاصِّ بقول إنَّمَا يَمْتَنِعُ الْقَضَاءُ لِلْخَوْفِ مِنْ التَّسَلْسُلِ فَإِذَا صَارَ حَطَّابًا زَالَ التَّسَلْسُلُ فَإِنَّ الْحَطَّابَ لَا يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ لِلدُّخُولِ وَقَالَ الْجُمْهُورُ الْعِلَّةُ الصَّحِيحَةُ فِي عَدَمِ وُجُوبِ الْقَضَاءِ أَنَّ الْإِحْرَامَ وَجَبَ لِحُرْمَةِ الدُّخُولِ وَالْبُقْعَةِ فَإِذَا لَمْ يَأْتِ بِهِ فَاتَ وَلَا يُشْرَعُ قَضَاؤُهُ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ إذَا جَلَسَ فِيهِ وَلَمْ يُصَلِّهَا فَإِنَّهُ لَا يُشْرَعُ لَهُ قَضَاؤُهَا كَمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ فِي بَابِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا هُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ قَضَاؤُهَا وَالصَّوَابُ فِيهَا مَا قَدَّمْنَاهُ هنا

(7/16)


قَالَ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ وَكَمَا لَوْ سَلَّمَ عَلَى إنْسَانٍ وَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامٌ ثُمَّ لَقِيَهُ فَأَرَادَ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ لِأَنَّهُ مُؤَقَّتٌ فَاتَ وَقْتُهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ كَمَا لَوْ فَرَّ فِي الزَّحْفِ مِنْ اثْنَيْنِ غير متحرف لقتال ولا مُتَحَيِّزٍ إلَى فِئَةٍ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ قَضَاؤُهُ لِأَنَّهُ مَتَى لَقِيَ اثْنَيْنِ مِمَّنْ يَجِبُ قِتَالُهُمَا وَجَبَ قِتَالُهُمَا بِاللِّقَاءِ لَا قَضَاءً قَالَ أَصْحَابُنَا فعلي هذا التعليل وصار حَطَّابًا وَنَحْوَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَضَاءُ لِعَدَمِ إمْكَانِ تَدَارُكِ فَوَاتِ انْتِهَاكِ الْحُرْمَةِ (فَإِنْ قِيلَ) إنَّمَا لم تقض تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ لِكَوْنِهَا سُنَّةً أَمَّا الْإِحْرَامُ فَوَاجِبٌ فينبغي فضاؤه قال الاصحاب (فالجواب) أن التحية لم بترك قَضَاؤُهَا لِكَوْنِهَا سُنَّةً فَإِنَّ السُّنَّةَ الرَّاتِبَةَ إذَا فَاتَتْ يُسْتَحَبُّ قَضَاؤُهَا عَلَى الصَّحِيحِ وَإِنَّمَا لَمْ تُقْضَ لِتَعَلُّقِهَا بِحُرْمَةِ مَكَان صِيَانَةً لَهُ مِنْ الِانْتِهَاكِ وَقَدْ حَصَلَ فَلَوْ صَلَّاهَا لَمْ يَرْتَفِعْ مَا حَصَلَ مِنْ الِانْتِهَاكِ وَكَذَا الْإِحْرَامُ لِدُخُولِ الْحَرَمِ وَاعْتُرِضَ عَلَى تَعْلِيلِ ابْنِ الْقَاصِّ فَقِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْقَضَاءُ وَيَدْخُلَ فِيهِ إحْرَامُ الدخول الثاني كما إذا دخل محرما بحجة الاسلام فانه يدخل فِيهِ إحْرَامُ الدُّخُولِ وَكَمَا إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى فَرِيضَةً فَيَدْخُلُ فِيهِ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ (وَالْجَوَابُ) مَا أَجَابَ بِهِ الْبَغَوِيّ أَنَّ الْإِحْرَامَ الْوَاحِدَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ عَنْ وَاجِبَيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَمَنْ أَهَلَّ بِحِجَّتَيْنِ لَا يَنْعَقِدُ احرامه بهما بل ينعقد بأحداهما وَقَالَ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا التَّعْلِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ الْقَاصِّ غَلَطٌ وَلَيْسَ الْعِلَّةُ فِي إسْقَاطِ الْقَضَاءِ التَّسَلْسُلِ بَلْ فوات

(7/17)


الْوَقْتِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ اعْتَرَضَ بَعْضُ شُيُوخِنَا عَلَى تَعْلِيلِ ابْنِ الْقَاصِّ فَقَالَ إنْ
كَانَ الْقَضَاءُ وَاجِبًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ سَوَاءٌ صَارَ حَطَّابًا أَوْ لَا وَإِلَّا فَيَبْطُلُ أَنْ يَجِبَ بِمَصِيرِهِ حَطَّابًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قال ابن القاص في التخليص كُلُّ عِبَادَةٍ وَاجِبَةٍ إذَا تَرَكَهَا لَزِمَهُ الْقَضَاءُ أَوْ الْكَفَّارَةُ إلَّا وَاحِدَةً وَهِيَ الْإِحْرَامُ لِدُخُولِ مَكَّةَ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ يُنْتَقَضُ بِأَشْيَاءَ (مِنْهَا) إمْسَاكُ يَوْمِ الشَّكِّ إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ يَجِبُ إمْسَاكُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ فَلَوْ تَرَكَ الْإِمْسَاكَ لَمْ يَلْزَمْهُ لِتَرْكِ الْإِمْسَاكِ كفارة ولا قضاء الامساك وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* (وَلَا يَجِبُ الحج والعمرة إلا على مسلم عاقل بالغ حر مستطيع (فأما) الكافر فان كان أصليا لم يصح منه لان ذلك مِنْ فُرُوعِ الْإِيمَانِ فَلَا يَصِحُّ مِنْ الْكَافِرِ ولا يخاطب به في حال الكفر فانه لا يصح منه فَإِنْ أَسْلَمَ لَمْ يُخَاطَبْ بِمَا فَاتَهُ فِي حال الكفر لقوله صلى الله عليه وسلم (الاسلام يجب ما قبله) ولانه لَمْ يَلْتَزِمْ وُجُوبَهُ فَلَمْ يَلْزَمْهُ كَضَمَانِ حُقُوقِ الآدميين وان كان مرتدا لم يصح منه لما ذكرناه ويجب عليه لانه التزم وجوبه فلم يسقط عنه بالردة كحقوق الآدميين)
* (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْإِسْلَامُ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ) هَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ مسلم ذكره في أوائل الكتب فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ - بِضَمِّ الْجِيمِ وَبَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ - مِنْ الْجَبِّ وَهُوَ الْقَطْعُ وَرَوَيْنَاهُ فِي كِتَابِ الزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ يَحُتُّ - بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبَعْدُهَا تَاءٌ مُثَنَّاةٌ فَوْقُ (مِنْ الْحَتِّ وَهُوَ الْإِزَالَةُ وَالْأَلْفَاظُ الثَّلَاثَةُ مُتَّفِقَةُ الْمَعْنَى وَقَدْ يُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ كَوْنُهُ اسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ وَهُوَ خَبَرُ آحَادٍ يُفِيدُ الظَّنَّ لَا الْقَطْعَ وَتَرَكَ الِاسْتِدْلَالَ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) فَيُنْكَرُ اسْتِدْلَالُهُ بِظَنِّيٍّ مَعَ وُجُودِ الْقَطْعِيِّ (وَجَوَابُهُ) أن الآية الكريمة تقتضي غفران الذنوب لاسقاط حُقُوقٍ وَعِبَادَاتٍ سَبَقَ وُجُوبُهَا (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ فَصَحِيحٌ صَرِيحٌ فِي قَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا قَبْلَ الْإِسْلَامِ فَكَانَ الِاسْتِدْلَال بِالْحَدِيثِ هُنَا هُوَ الْوَجْهَ لِانْطِبَاقِهِ عَلَى مَا اسْتَدَلَّ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَإِنْ كَانَ

(7/18)


أَصْلِيًّا فَيَعْنِي بِهِ الِاحْتِرَازَ عَنْ الْمُرْتَدِّ وَيَدْخُلُ في الاصلى الذى وَالْحَرْبِيُّ سَوَاءٌ الْكِتَابِيُّ وَالْوَثَنِيُّ وَغَيْرُهُمَا
(وَقَوْلُهُ) مِنْ فُرُوعِ الْإِيمَانِ فَلَا يَصِحُّ مِنْ الْكَافِرِ فَيُنْتَقَضُ بِالْكَفَّارَةِ وَالْعِدَّةِ وَأَشْبَاهِهِمَا فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ رُكْنٌ مِنْ فُرُوعِ الْإِيمَانِ (وَقَوْلُهُ) وَلَا يُخَاطَبُ بِهِ فِي حَالِ الْكُفْرِ مَعْنَاهُ لَا نُطَالِبُهُ بفعل الصلاة فِي حَالِ الْكُفْرِ (وَأَمَّا) الْخِطَابُ الْحَقِيقِيُّ فَهُوَ مُخَاطَبٌ بِالْفُرُوعِ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ وَقَدْ سَبَقَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصِّيَامِ مِثْلُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ وَبَسَطْنَا هُنَاكَ الْكَلَامَ فِيهَا (وَأَمَّا) قَوْلُهُ فَإِنْ أَسْلَمَ لَمْ يُخَاطَبْ بِمَا فَاتَهُ فِي حَالِ الْكُفْرِ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي حَالِ كفره واجدا للزاد والرحلة وَغَيْرِهِمَا مِنْ شُرُوطِ الِاسْتِطَاعَةِ ثُمَّ أَسْلَمَ فَلَا اعْتِبَارَ بِتِلْكَ الِاسْتِطَاعَةِ وَلَا يَسْتَقِرُّ الْحَجُّ فِي ذِمَّتِهِ بِهَا بَلْ يُعْتَبَرُ حَالُهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَإِنْ اسْتَطَاعَ لَزِمَهُ الْحَجُّ وَإِلَّا فَلَا وَيَكُونُ إسْلَامُهُ كَبُلُوغِ الصَّبِيِّ الْمُسْلِمِ فَيُعْتَبَرُ حَالُهُ بَعْدَهُ (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ وُجُوبَهُ فَلَمْ يَلْزَمْهُ كَضَمَانِ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ قَدْ يُقَالُ هَذَا الدَّلِيلُ نَاقِصٌ وَإِنَّمَا يَصِحُّ هَذَا فِي الْكَافِرِ وَالْحَرْبِيِّ (وَأَمَّا) الذِّمِّيُّ فَإِنَّ عَلَيْهِ ضَمَانَ حُقُوقٍ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ دَلِيلًا لِعَدَمِ الْوُجُوبِ عَلَى الذِّمِّيِّ إذَا أَسْلَمَ (وَجَوَابُهُ) أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ الْحَرْبِيَّ وَالذِّمِّيَّ لَمْ يَلْتَزِمَا الْحَجَّ فَلَمْ يَلْزَمْهُمَا إذَا أسلما كمالا يَلْزَمُ حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ مَنْ لَمْ يَلْتَزِمْهَا وَهُوَ الْحَرْبِيُّ وَقَدْ سَبَقَ مِثْلُ هَذَا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الزَّكَاةِ وَبَسَطْت هُنَاكَ بَيَانَهُ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ فِي الْمُرْتَدِّ يَجِبُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ وُجُوبَهُ فَقَدْ يُقَالُ يُنْتَقَضُ بِمَا إذَا أَتْلَفَ الْمُرْتَدُّ عَلَى مُسْلِمٍ شَيْئًا فِي حَالِ قِتَالِ الْإِمَامِ لِلطَّائِفَةِ الْمُرْتَدَّةِ الْعَاصِيَةِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ عَلَى الْأَصَحِّ وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ يَجِبُ عَلَى الْمُرْتَدِّ أَنَّهُ إذَا اسْتَطَاعَ فِي حَالِ الرِّدَّةِ اسْتَقَرَّ الْوُجُوبُ فِي ذِمَّتِهِ فَإِذَا أَسْلَمَ وَهُوَ مُعْسِرٌ دَامَ الْوُجُوبُ فِي ذِمَّتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) أَحْكَامُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إنَّمَا يَجِبُ الْحَجُّ على مسلم بالغ عاقل حُرٍّ مُسْتَطِيعٍ فَإِنْ اخْتَلَّ أَحَدُ الشُّرُوطِ لَمْ يَجِبْ بِلَا خِلَافٍ فَالْكَافِرُ الْأَصْلِيُّ لَا يُطَالَبُ بِفِعْلِهِ فِي الدُّنْيَا بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ الْحَرْبِيُّ وَالذِّمِّيُّ وَالْكِتَابِيُّ وَالْوَثَنِيُّ وَالْمَرْأَةُ وَالرَّجُلُ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ فَإِذَا اسْتَطَاعَ فِي حَالِ كُفْرِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ وَهُوَ مُعْسِرٌ لَمْ يَلْزَمْهُ الْحَجُّ إلَّا أَنْ يَسْتَطِيعَ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ فِي الْكُفْرِ لَا أَثَرَ لَهَا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ (وَأَمَّا) الْمُرْتَدُّ فَيَجِبُ عَلَيْهِ فَإِذَا اسْتَطَاعَ فِي رِدَّتِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ وَهُوَ مُعْسِرٌ فَالْحَجُّ مُسْتَقِرٌّ فِي ذِمَّتِهِ بِتِلْكَ الِاسْتِطَاعَةِ (وَأَمَّا) الْإِثْمُ بِتَرْكِ الْحَجِّ فَيَأْثَمُ الْمُرْتَدُّ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِهِ فِي حَالِ رِدَّتِهِ (وَأَمَّا) الْكَافِرُ الْأَصْلِيُّ فَهَلْ يَأْثَمُ قَالَ أَصْحَابُنَا فِيهِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِالْفُرُوعِ أَمْ لَا (فَإِنْ قُلْنَا) بِالصَّحِيحِ إنَّهُ مُخَاطَبٌ أَثِمَ وَإِلَّا فَلَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*

(7/19)


(فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا النَّاسُ فِي الْحَجِّ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ (قِسْمٌ) لَا يَصِحُّ مِنْهُ بِحَالٍ وَهُوَ الْكَافِرُ (وَالْقِسْمُ الثَّانِي) مَنْ يَصِحُّ لَهُ لَا بِالْمُبَاشَرَةِ وَهُوَ الصَّبِيُّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ وَالْمَجْنُونُ الْمُسْلِمَانِ فَيُحْرِمُ عَنْهُمَا الْوَلِيُّ وَفِي الْجُنُونِ خِلَافٌ سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَالثَّالِثُ) مَنْ يَصِحُّ مِنْهُ بِالْمُبَاشَرَةِ وَهُوَ الْمُسْلِمُ الْمُمَيِّزُ وَإِنْ كَانَ صَبِيًّا وَعَبْدًا (وَالرَّابِعُ) مَنْ يَصِحُّ مِنْهُ بِالْمُبَاشَرَةِ وَيُجْزِئُهُ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ الْمُسْلِمُ الْمُمَيِّزُ الْبَالِغُ الْحُرُّ (الْخَامِسُ) مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُسْلِمُ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ الْحُرُّ الْمُسْتَطِيعُ قَالُوا فَشَرْطُ الصِّحَّةِ الْمُطْلَقَةِ الْإِسْلَامُ فَقَطْ وَلَا يُشْتَرَطُ التَّكْلِيفُ بَلْ يَصِحُّ إحْرَامُ الْوَلِيِّ عَنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَشَرْطُ صِحَّةِ الْمُبَاشَرَةِ بِالنَّفْسِ الْإِسْلَامُ وَالتَّمْيِيزُ وَشَرْطُ وُقُوعِهِ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَالْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ فَلَوْ تَكَلَّفَ غَيْرُ الْمُسْتَطِيعِ الْحَجَّ وَقَعَ عَنْ فَرْضِ الْإِسْلَامِ وَلَوْ نَوَى غَيْرَهُ وَقَعَ عَنْهُ وَشَرْطُ وُجُوبِهِ هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ مَعَ الاستطاعة والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وأما المجنون فلا يصح منه لانه ليس من أهل العبادات فلم يصح حجه ولا يجب عليه لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يبلغ وعن المجنون حتى يفيق وعن النائم حتى يستيقظ)) (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ رَوَاهُ عَلِيٌّ وَعَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصِّيَامِ وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْحَجُّ عَلَى الْمَجْنُونِ (وَأَمَّا) صِحَّتُهُ فَفِيهَا وَجْهَانِ (جَزَمَ الْمُصَنِّفُ وَآخَرُونَ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ (وَجَزَمَ) الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ بِصِحَّتِهِ مِنْهُ كَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ فِي الْعِبَادَاتِ قَالُوا وَأَمَّا الْمُغْمَى عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْرِمَ عَنْهُ غَيْرُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزَائِلِ الْعَقْلِ ويرجى برؤه عن قريب فهو كالمريض قال الْمُتَوَلِّي فَلَوْ سَافَرَ الْوَلِيُّ بِالْمَجْنُونِ إلَى مَكَّةَ فَلَمَّا بَلَغَ أَفَاقَ فَأَحْرَمَ صَحَّ حَجُّهُ وَأَجْزَأَهُ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ قَالَ إلَّا أَنَّ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ قَبْلَ إفَاقَتِهِ فَقَدْرُ نَفَقَةِ الْبَلَدِ يَكُونُ فِي مَالِ الْمَجْنُونِ وَالزِّيَادَةُ فِي مَالِ الْوَلِيِّ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْمُسَافَرَةُ بِهِ هَذَا كَلَامُ الْمُتَوَلِّي وَفِي كَلَامِ غَيْرِهِ خِلَافٌ كَمَا سَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (أَمَّا) مَنْ يُجَنُّ وَيُفِيقُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَتْ مُدَّةُ إفَاقَتِهِ يَتَمَكَّنُ فِيهَا مِنْ الْحَجِّ
وَوُجِدَتْ الشُّرُوطُ الْبَاقِيَةُ لَزِمَهُ الْحَجُّ وَإِلَّا فَلَا
*

(7/20)


(فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ مُبَاشَرَتِهِ بِنَفْسِهِ لِلْحَجِّ إفَاقَتُهُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ وَالْوُقُوفِ وَالطَّوَافِ والسعى دون ما سواها
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وأما الصبي فلا يجب عليه الحج للخبر ويصح منه لما روى عن ابن عباس (أن امرأة رفعت صبيا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ محفتها فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِهَذَا حَجٌّ قَالَ نعم ولك أجر) فان كان مميزا فأحرم باذن الولى صح احرامه وان احرم بغير اذنه ففيه وجهان قال أبو إسحق يصح كما يصح احرامه بالصلاة وقال أكثر أصحابنا لا يصح لانه يفتقر في أدائه إلى المال فلم يصح بغير اذن الولي بخلاف الصلاة وان كان غير مميز جاز لامه أن تحرم عنه لحديث ابن عباس ويجوز لابيه قياسا على الام ولا يجوز للاخ والعم أن يحرم عنه لانه لا ولاية لهما على الصغير فان عقد له الاحرام فعل بنفسه ما يقدر عليه ويفعل عنه وليه ما لا يقدر عليه لما روى جابر قَالَ (حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعنا النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فَلَبَّيْنَا عَنْ الصِّبْيَانِ وَرَمَيْنَا عَنْهُمْ) وعن ابن عمر قال (كنا نحج بصبياننا فمن استطاع منهم رمى ومن لم يستطع رمي عنه) وفى نفقة الحج وما يلزمه من الكفارة قولان (أحدهما يجب في مال الولى لانه هو الذى أدخله فيه
(والثانى)
يجب في مال الصبى لانه وجب لمصلحته فكان في ماله كأجرة المعلم)
*

(7/21)


(الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ جَابِرٍ فَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ فِيهِ أَشْعَثُ بْنُ سَوَّارٍ وَقَدْ ضَعَّفَهُ الْأَكْثَرُونَ وَوَثَّقَهُ بَعْضُهُمْ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَالْمِحَفَّةِ - بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ - وَهِيَ مَرْكَبٌ مِنْ مَرَاكِبِ النساء كالهودج الا انها لاتقتب بِخِلَافِ الْهَوْدَجِ فَإِنَّهُ مَرْكَبٌ مِنْ مَرَاكِبِ النِّسَاءِ يَكُونُ مُقَتَّبًا وَغَيْرَ مُقَتَّبٍ وَكَانَ سُؤَالُ الْمَرْأَةِ المذكورين فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ سنة عشر من الهجرة قبل وفات
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ (أَمَّا) أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لَا يَجِبُ الْحَجُّ عَلَى الصَّبِيِّ وَيَصِحُّ مِنْهُ سَوَاءً فِي الصُّورَتَيْنِ الصَّغِيرُ كَابْنِ يَوْمٍ وَالْمُرَاهِقُ ثُمَّ إنْ كَانَ مُمَيِّزًا أَحْرَمَ بِنَفْسِهِ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ وَيَصِحُّ بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ اسْتَقَلَّ وَأَحْرَمَ بِنَفْسِهِ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا
(أَحَدُهُمَا)
يَصِحُّ وَبِهِ قَالَ أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَصِحُّ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَكَذَا نَقَلَهُ إيضا ابن الصباغ والبغوى وآخرون وصححه المصنفون

(7/22)


قال أصحابنا (فان قلنا) يصح فلو ليه تَحْلِيلُهُ إذَا رَآهُ مَصْلَحَةً وَلَوْ أَحْرَمَ عَنْهُ وَلِيُّهُ (فَإِنْ قُلْنَا) يَصِحُّ اسْتِقْلَالُ الصَّبِيِّ لَمْ يَصِحَّ إحْرَامُ الْوَلِيِّ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الرَّافِعِيِّ يَصِحُّ وَقَطَعَ الْبَغَوِيّ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إحْرَامُ الْوَلِيِّ عَنْهُ أَبًا كَانَ أَوْ جَدًّا وَقَطَعَ بِهِ أَيْضًا صَاحِبُ الشَّامِلِ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَجْهًا عَنْ أَبِي الْحُسَيْنِ بْنِ الْقَطَّانِ أَنَّهُ قَالَ لَا يَنْعَقِدُ إحْرَامُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ قَصْدٌ صَحِيحٌ قَالَ الْقَاضِي هَذَا غَلَطٌ فَإِنَّ لَهُ قَصْدًا صَحِيحًا وَلِهَذَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ وَصَوْمُهُ وَكَذَا الْحَجُّ قَالَ الْقَاضِي (فَإِنْ قِيلَ) قَدْ قُلْتُمْ لَا يَتَوَلَّى الصَّبِيُّ إخْرَاجَ فِطْرَتِهِ بِنَفْسِهِ وَجَوَّزْتُمْ هُنَا إحْرَامَهُ بِنَفْسِهِ فَمَا الْفَرْقُ (قُلْنَا) الْحَجُّ لَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ مَعَ الْقُدْرَةِ وَالْفِطْرَةُ تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ مَعَ الْقُدْرَةِ فَافْتَرَقَا وَلِأَنَّ الْفِطْرَةَ يَتَوَلَّاهَا الْوَلِيُّ وَالْإِحْرَامُ يَفْتَقِرُ إلَى إذْنِ الْوَلِيِّ فَهُمَا سَوَاءٌ هَذَا كُلُّهُ فِي الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ (أَمَّا) الصَّبِيُّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا يُحْرِمُ عَنْهُ وَلِيُّهُ قَالَ أَصْحَابُنَا سَوَاءٌ كَانَ الْوَلِيُّ مُحْرِمًا عَنْ نَفْسِهِ أَوْ عَنْ غَيْرِهِ أَوْ حَلَالًا وَسَوَاءٌ كَانَ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ أَمْ لَا وَهَلْ يُشْتَرَطُ حُضُورُ الصَّبِيِّ وَمُوَاجَهَتُهُ بِالْإِحْرَامِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالدَّارِمِيُّ وَآخَرُونَ قَالَ الرَّافِعِيُّ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُشْتَرَطُ قَالَ الْقَاضِي وَالدَّارِمِيُّ لَوْ كَانَ الْوَلِيُّ بِبَغْدَادَ وَالصَّبِيُّ بِالْكُوفَةِ فَأَرَادَ الْوَلِيُّ أَنْ يَعْقِدَ الْإِحْرَامَ لِلصَّبِيِّ وَهُوَ فِي مَوْضِعِهِ فَفِي جَوَازِهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ الْإِحْرَامُ فَلَا يصح في غيبته ولانه لَوْ جَازَ الْإِحْرَامُ عَنْهُ فِي غَيْبَتِهِ لَجَازَ الْوُقُوفُ بِعَرَفَاتٍ عَنْهُ فِي غَيْبَتِهِ عَنْهَا وَلِأَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ عَنْهُ وَهُوَ غَائِبٌ لَا يَعْلَمُ الْإِحْرَامَ فَرُبَّمَا أَتْلَفَ صَيْدًا أَوْ فَعَلَ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ الَّتِي لَوْ عَلِمَ الاحرام لا جتنبها (وَالثَّانِي) يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ نِيَّةُ الْوَلِيِّ وَذَلِكَ يَصِحُّ وَيُوجَدُ مَعَ غَيْبَةِ
الصَّبِيِّ وَلَكِنْ يُكْرَهُ لما ذكرناه من خوف فعل المخطورات والله أعلم
*

(7/23)


(فَرْعٌ)
وَأَمَّا الْوَلِيُّ الَّذِي يُحْرِمُ عَنْ الصَّبِيِّ أَوْ يَأْذَنُ لَهُ فَقَدْ اضْطَرَبَتْ طُرُقُ أَصْحَابِنَا فِيهِ فَأَنْقُلُ جُمْلَةً مِنْ مُتَفَرِّقَاتِ كَلَامِهِمْ ثُمَّ أَخْتَصِرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الْأَبَ يُحْرِمُ عَنْهُ وَيَأْذَنُ لَهُ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْجَدَّ كَالْأَبِ فِي ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ وَالْمُرَادُ بِالْجَدِّ أَبُو الْأَبِ فَأَمَّا مَعَ وُجُودِ الْأَبِ فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَصِحُّ إحْرَامُ الْجَدِّ وَلَا إذْنُهُ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ مَعَ وُجُودِ الْأَبِ وَبِهَذَا قَطَعَ الدَّارِمِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ
(وَالثَّانِي)
فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا
(وَالثَّانِي)
يَصِحُّ كَمَا يَصِيرُ مُسْلِمًا تَبَعًا لِجَدِّهِ مَعَ بَقَاءِ الْأَبِ عَلَى الكفر على خلاف مشهور المذهب الْأَوَّلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْفَرْقُ أَنَّ الْجَدَّ عَقَدَ الْإِسْلَامَ لِنَفْسِهِ لَا لِلطِّفْلِ وَصَارَ الطفل تَبَعًا لَهُ فِي الْإِسْلَامِ بِحُكْمِ الْبَعْضِيَّةِ وَالْبَعْضِيَّةُ مَوْجُودَةٌ (وَأَمَّا) الْإِحْرَامُ فَلَا يُحْرِمُ الْجَدُّ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّمَا يَعْقِدُ لِلطِّفْلِ فَيَقْتَضِي وِلَايَةً وَلَا وِلَايَةَ لَهُ فِي حَيَاةِ الْأَبِ قَالَ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ وَالْجَدُّ وَإِنْ عَلَا كَالْأَبِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ وَعَدَمِ جَدٍّ أَقْرَبَ مِنْهُ (وَأَمَّا) غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ فَقَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا إنْ كَانَ لَهُ وِلَايَةٌ بِأَنْ يَكُونَ وَصِيًّا أَوْ قَيِّمًا مِنْ جِهَةِ الْحَاكِمِ صَحَّ إحْرَامُهُ عَنْ الصَّبِيِّ وَإِذْنُهُ فِي الْإِحْرَامِ لِلْمُمَيِّزِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وِلَايَةٌ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْمَذْهَبِ

(7/24)


سَوَاءٌ فِي هَذَا الْأُمُّ وَالْأَخُ وَالْعَمُّ وَسَائِرُ الْعَصَبَاتِ وَغَيْرُهُمْ وَفِيهِ وَجْهٌ مَشْهُورٌ أَنَّ الْأَخَ وَالْعَمَّ وَسَائِرَ الْعَصَبَاتِ يَجُوزُ لَهُمْ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ وِلَايَةٌ وَلِأَنَّ لَهُمْ حَقًّا فِي الْحَضَانَةِ وَالتَّرْبِيَةِ وَفِي الْأُمِّ طَرِيقَانِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وِلَايَةٌ عَلَى مَالِ الصَّبِيِّ فَإِنْ كَانَ لَهُ أَبٌ أَوْ جَدٌّ فَإِحْرَامُهَا عَنْهُ كَإِحْرَامِ الْأَخِ فَلَا يَصِحُّ عَلَى الصَّحِيحِ وَإِنْ كَانَ لَهَا وِلَايَةٌ بِأَنْ كَانَتْ وَصِيَّةً أَوْ قَيِّمَةً مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي أَوْ قُلْنَا بِقَوْلِ الْإِصْطَخْرِيِّ إنَّهَا تَلِي الْمَالَ بَعْدَ الْجَدِّ صَحَّ إحْرَامُهَا وَإِذْنُهَا فِيهِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) الْقَطْعُ بِالصِّحَّةِ مُطْلَقًا وَهُوَ اختيار المصنف والطائفة لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَهِيَ طَرِيقَةٌ ضَعِيفَةٌ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْأُمَّ أَحْرَمَتْ عَنْهُ وَلَنَا وَجْهٌ أَنَّ الْوَصِيَّ وَالْقَيِّمَ لَا يَصِحُّ إحْرَامُهُ عَنْهُ وَلَا إذْنُهُ هَذِهِ جُمْلَةُ الْقَوْلِ فِي تَحْقِيقِ الْوَلِيِّ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ أَمَّا الْوَلِيُّ الذى يحرم عن الصبى ويأذن للميز فقال الشيخ
أبو حامة وَعَامَّةُ أَصْحَابِنَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْأَبِ وَالْجَدِّ لِأَنَّهُمَا يَلِيَانِ مَالَهُ بِغَيْرِ تَوْلِيَةٍ وَأَمَّا غَيْرُهُمَا مِنْ الْعَصَبَاتِ كَالْأَخِ وَابْنِ الْأَخِ وَالْعَمِّ وَابْنِ الْعَمِّ فَإِنَّ لَهُمْ حَقًّا فِي الْحَضَانَةِ وَتَعْلِيمِ الصَّبِيِّ وَتَأْدِيبِهِ وَلَيْسَ لَهُمْ التَّصَرُّفُ فِي مَالِهِ إلَّا بِوَصِيَّةٍ أَوْ تَوْلِيَةِ الْحَاكِمِ فَإِنْ كَانَ لَهُمْ التَّصَرُّفُ فِي مَالِهِ صَحَّ إحْرَامُهُمْ عَنْ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَإِذْنُهُمْ لِلْمُمَيِّزِ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ لَهُمْ تَعْلِيمُهُ وَتَأْدِيبُهُ وَالْإِنْفَاقُ فِي ذلك من ماله (واصحهم) لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ التَّصَرُّفَ فِي مَالِهِ فَهُمْ كَالْأَجَانِبِ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ فِي التأديب والتعليم لانها قليلة فسومح بها (واما) الْأُمُّ فَإِنْ قُلْنَا بِقَوْلِ الْإِصْطَخْرِيِّ إنَّهَا تَلِي المال بعد الجد فلها الاحرام والاذى وإن

(7/25)


قُلْنَا بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَهِيَ أَنَّهَا لَا تَلِي الْمَالَ بِنَفْسِهَا فَهِيَ كَالْإِخْوَةِ وَسَائِرِ الْعَصَبَاتِ قَالَ صاحب البيان هذه طريقة أبى حامد عامة اصحابنا قل وَقَالَ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ الْأُمُّ تُحْرِمُ عَنْهُ لِلْحَدِيثِ وَيَجُوزُ لِلْأَبِ قِيَاسًا عَلَى الْأُمِّ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهَا أَحْرَمَتْ عَنْهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَحْرَمَ عَنْهُ وَلِيُّهُ وَإِنَّمَا جُعِلَ لَهَا الْأَجْرُ لِحَمْلِهَا لَهُ وَمَعُونَتِهَا لَهُ فِي الْمَنَاسِكِ وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ هَذَا كَلَامِ صَاحِبِ الْبَيَانِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ قَالَ أبو اسحق الْمَرْوَزِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ فِي جَامِعِهِ يَجُوزُ لِلْأَبِ وَالْجَدِّ أَبِي الْأَبِ الْإِحْرَامُ عَنْهُ وَكَذَلِكَ الْأُمُّ وَأُمُّ الْأُمِّ لِأَنَّ وِلَادَتَهُمَا لَهُ حَقِيقَةٌ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ يَجُوزُ لِأَبِيهِ وَجَدِّهِ أَبِي أَبِيهِ وَلِوَصِيِّهِمَا وَفِي الاخ وابنه والعم وابنه وجهان والام ان قُلْنَا بِقَوْلِ الْإِصْطَخْرِيِّ فَكَالْأَبِ وَإِلَّا فَكَالْعَمِّ وَالْأَخِ هَذَا كَلَامُ أَبِي الطَّيِّبِ وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَجُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ مَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَعَامَّةِ أَصْحَابِنَا وَرَجَّحَ الدَّارِمِيُّ صِحَّةَ إحْرَامِ الْأُمِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وِلَايَةُ الْمَالِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي لِلْأَبِ وَالْجَدِّ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ الْإِحْرَامُ وَالْإِذْنُ لِلْمُمَيِّزِ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْأُمِّ عِنْدَ عَامَّةِ اصحابنا وجوزه الاصطخرى وأم الْإِخْوَةُ وَالْأَعْمَامُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ التَّصَرُّفُ فِي مَالِهِ بِوَصِيَّةٍ أَوْ إذْنِ حَاكِمٍ فَلَيْسَ لهم لاحرام عَلَى الصَّحِيحِ وَفِي وَجْهٍ يَجُوزُ لِأَنَّ لَهُمْ الحصانة وَالْقِيَامَ بِالْمَصَالِحِ وَتَأْدِيبَهُ إذَا ظَهَرَ مِنْهُ مَا يَقْتَضِي التَّأْدِيبَ وَتَعْلِيمَ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ قَالَ فَأَمَّا الوصي

(7/26)


وَالْقَيِّمُ فَجَوَّزَ لَهُمَا الْإِحْرَامَ عَنْهُ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ كَالتَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ وَقَالَ أَصْحَابُنَا الْخُرَاسَانِيُّونَ لَا يَجُوزُ
لَهُمَا ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُمَا عَلَى نَفْسِهِ وَالْإِحْرَامُ عَقْدٌ عَلَى نَفْسِهِ تَلْزَمُهُ أَحْكَامُهُ فَهُوَ كَالنِّكَاحِ هَذَا كَلَامُ الْمُتَوَلِّي وَقَالَ الْبَغَوِيّ يَجُوزُ لِلْأَبِ وَالْجَدِّ الْإِحْرَامُ عَنْهُ وَفِي الْوَصِيِّ وَالْقَيِّمِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَصِحُّ
(وَالثَّانِي)
لَا يَصِحُّ وَسَبَقَ تَعْلِيلُهُمَا فِي كَلَامِ الْمُتَوَلِّي وَقَالَ الرَّافِعِيُّ الْوَلِيُّ الَّذِي يُحْرِمُ عَنْهُ أَوْ يَأْذَنُ لَهُ هُوَ الْأَبُ وَكَذَا الْجَدُّ وَإِنْ عَلَا عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ وَلَا يَجُوزُ مَعَ وُجُودِهِ عَلَى الصَّحِيحِ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَجُوزُ وَفِي الْوَصِيِّ وَالْقَيِّمِ طَرِيقَانِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ بِالْجَوَازِ وَقَالَ آخَرُونَ فِيهِ وَجْهَانِ (أَرْجَحُهُمَا) عِنْدَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ الْمَنْعُ وَفِي الْأَخِ وَالْعَمِّ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْمَنْعُ وَفِي الْأُمِّ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ (وَأَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى وِلَايَتِهَا الْمَالَ فَعَلَى قَوْلِ الْإِصْطَخْرِيِّ تَلِي الْمَالَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ وَعَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ لَا تَلِي الْمَالَ فَلَا تَلِي الْإِحْرَامَ هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ قَالَ الرُّويَانِيُّ لَوْ أَذِنَ الْأَبُ لِمَنْ يُحْرِمُ عَنْ الصَّبِيِّ فَفِي صِحَّتِهِ وَجْهَانِ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَصَحَّهُمَا (وَالْأَصَحُّ) صِحَّتُهُ وَبِهِ قَطَعَ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ كَمَا يَصِحُّ أَنْ يُوَكِّلَ الْأَبُ فِي سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالِابْنِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ به الولى ثم اعطاه لمن يحصره الحج ذَلِكَ هَذَا كَلَامُ الْأَصْحَابِ فِي الْوَلِيِّ الَّذِي يُحْرِمُ عَنْ صَبِيٍّ لَا يُمَيِّزُ وَيَأْذَنُ لِلْمُمَيِّزِ وَحَاصِلُهُ جَوَازُ ذَلِكَ لِلْأَبِ وَكَذَا الْجَدُّ عِنْدَ عدم

(7/27)


الْأَبِ لَا عِنْدَ وُجُودِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَأَنَّ الْمَذْهَبَ جَوَازُهُ لِلْوَصِيِّ وَالْقَيِّمِ وَمَنْعُهُ فِي الْأُمِّ وَالْإِخْوَةِ وَالْأَعْمَامِ وَسَائِرِ الْعَصَبَاتِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ وَصِيَّةٌ وَلَا إذْنٌ مِنْ الْحَاكِمِ فِي وِلَايَةِ الْمَالِ وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ فِيهِ أَوْجُهٌ (احدها) لا يجوز الا للاب ولجد عِنْدَ عَدَمِهِ
(وَالثَّانِي)
يَجُوزُ لِلْأَبِ وَلِلْجَدِّ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ وَمَعَ وُجُودِهِ (وَالثَّالِثُ) يَجُوزُ لَهُمَا وَلِلْأُمِّ (وَالرَّابِعُ) لِهَؤُلَاءِ وَلِلْأُخُوَّةِ وَسَائِرِ الْعَصَبَاتِ (وَالْخَامِسُ) وَهُوَ الْأَصَحُّ لِلْأَبِ وَالْجَدِّ عِنْدَ عَدَمِهِ وَلِلْوَصِيِّ وَالْقَيِّمِ دُونَ غَيْرِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ صِفَةُ إحْرَامِ الْوَلِيِّ عَنْ الصَّبِيِّ أَنْ يَنْوِيَ جَعْلَهُ مُحْرِمًا فَيَصِيرُ الصَّبِيُّ مُحْرِمًا بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هُوَ أَنْ يَنْوِيَهُ لَهُ وَيَقُولَ عَقَدْتُ الْإِحْرَامَ فَيَصِيرُ الصَّبِيُّ مُحْرِمًا بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ كَمَا إذَا عَقَدَ لَهُ النِّكَاحَ فَيَصِيرُ مُتَزَوِّجًا بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ قَالَ الدَّارِمِيُّ يَنْوِي أَنَّهُ أَحْرَمَ بِهِ أَوْ عَقَدَهُ لَهُ أَوْ جَعَلَهُ مُحْرِمًا قَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ كَيْفِيَّةُ إحْرَامِ الْوَلِيِّ عَنْهُ أَنْ يَخْطِرَ بِبَالِهِ أَنَّهُ قَدْ عَقَدَ لَهُ الْإِحْرَامَ وَجَعَلَهُ مُحْرِمًا فَيَنْوِيَهُ فِي نَفْسِهِ
*
(فَرْعٌ)
الصَّوَابُ فِي حَقِيقَةِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ أَنَّهُ الَّذِي يَفْهَمُ الْخِطَابَ وَيُحْسِنُ رَدَّ الْجَوَابِ وَمَقَاصِدَ الْكَلَامِ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَلَا يُضْبَطُ بِسِنٍّ مَخْصُوصٍ بَلْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَفْهَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا مَتَى صَارَ الصَّبِيُّ مُحْرِمًا بِإِحْرَامِهِ أَوْ إحْرَامِ وَلِيِّهِ عَنْهُ فَعَلَ بِنَفْسِهِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَفَعَلَ عَنْهُ وَلِيُّهُ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الصَّبِيُّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ يُغَسِّلُهُ الْوَلِيُّ عِنْدَ إرَادَةِ الْإِحْرَامِ وَيُجَرِّدُهُ عَنْ المحيط وَيُلَبِّسُهُ الْإِزَارَ وَالرِّدَاءَ وَالنَّعْلَيْنِ إنْ تَأَتَّى مِنْهُ المشئ ويطيبه وينظفه

(7/28)


وَيَفْعَلُ مَا يَفْعَلُ الرَّجُلُ ثُمَّ يُحْرِمُ أَوْ يُحْرِمُ عَنْهُ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ التَّفْصِيلِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يُجَنِّبَهُ مَا يَجْتَنِبُهُ الرَّجُلُ فَإِنْ قَدَرَ الصَّبِيُّ عَلَى الطَّوَافِ بِنَفْسِهِ عَلَّمَهُ فَطَافَ وَإِلَّا طَافَ بِهِ كما سنوصحه فِي مَسَائِلِ الطَّوَافِ فِي بَابِ صِفَةِ الْحَجِّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالسَّعْيُ كَالطَّوَافِ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ صَلَّى الْوَلِيُّ عَنْهُ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالدَّارِمِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَنَقَلَهُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْإِمْلَاءِ وَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا أَمَرَهُ بِهِمَا فَصَلَّاهَا الصَّبِيُّ بِنَفْسِهِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالدَّارِمِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَيُشْتَرَطُ إحْضَارُ الصَّبِيِّ عَرَفَاتٍ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ الْمُمَيِّزُ وَغَيْرُهُ وَلَا يَكْفِي حضور عَنْهُ وَكَذَا يَحْضُرُ مُزْدَلِفَةَ وَالْمَشْعَرَ الْحَرَامَ وَمِنًى وَسَائِرَ الْمَوَاقِفِ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ يُمْكِنُ فِعْلُهُ مِنْ الصَّبِيِّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجْمَعُ الْوَلِيُّ فِي إحْضَارِهِ عَرَفَاتٍ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فَإِنْ تَرَكَ الْجَمْعَ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَوْ تَرَكَ مَبِيتَ الولي الْمُزْدَلِفَةِ أَوْ مَبِيتَ لَيَالِيَ مِنًى وَقُلْنَا بِوُجُوبِ الدَّمِ فِي كُلِّ ذَلِكَ وَجَبَ الدَّمُ فِي مَالِ الْوَلِيِّ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ لِأَنَّ التَّفْرِيطَ مِنْ الْوَلِيِّ بِخِلَافِ مَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فِدْيَةِ ما يرتكبه الصبى من المخطورات عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ قَالَ أَصْحَابُنَا (وَأَمَّا) الطِّفْلُ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الرَّمْيِ أَمَرَهُ بِهِ الْوَلِيُّ وَإِلَّا رَمَى عَنْهُ مَنْ لَيْسَ عَلَيْهِ فَرْضُ الرَّمْيِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَضَعَ الْحَصَاةَ فِي يَدِ الطِّفْلِ ثُمَّ يَأْخُذَ بِيَدِهِ وَيَرْمِيَ بِالْحَصَاةِ وَإِلَّا فَيَأْخُذُهَا مِنْ يَدِهِ ثُمَّ يَرْمِيهَا الْوَلِيُّ وَلَوْ لَمْ يَضَعْهَا فِي يَدِهِ بَلْ رَمَاهَا الْوَلِيُّ ابْتِدَاءً جَازَ (أَمَّا) إذَا كَانَ عَلَى الْوَلِيِّ رَمْيٌ عَنْ نَفْسِهِ فَإِنْ رَمَى وَنَوَى بِهِ نَفْسَهُ أَوْ أَطْلَقَ وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنْ نَوَاهُ عَنْ الصَّبِيِّ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ
(أَحَدُهُمَا)
يَقَعُ عَنْ الصَّبِيِّ لِأَنَّهُ نَوَاهُ (وَالثَّانِي) وَبِهِ قَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْمُتَوَلِّي يَقَعُ عَنْ الْوَلِيِّ لَا عَنْ الصَّبِيِّ لِأَنَّ مَبْنَى الْحَجِّ عَلَى أَنْ لَا يَتَبَرَّعَ بِهِ مَعَ قِيَامِ
الْفَرْضِ وَلَوْ تَبَرَّعَ وَقَعَ فَرْضًا لَا تَبَرُّعًا قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّوَافِ إذَا حَمَلَ الْوَلِيُّ الصَّبِيَّ وَطَافَ بِهِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ صُورَةَ الطَّوَافِ وَهِيَ الدَّوَرَانُ وُجِدَتْ مِنْ الصَّبِيِّ بِخِلَافِ الرَّمْيِ فَنَظِيرُهُ فِي الطَّوَافِ أَنْ يَطُوفَ الْوَلِيُّ غَيْرَ حَامِلٍ لِلصَّبِيِّ وَيَنْوِيَ عَنْ الصَّبِيِّ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ عَنْ الصَّبِيِّ بِلَا خِلَافٍ وَقَدْ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ لَوْ أَرْكَبَهُ الْوَلِيُّ دَابَّةً وَهُوَ غَيْرُ مُمَيِّزٍ فَطَافَتْ بِهِ لَمْ يَصِحَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلِيُّ سائقا أو قائدا وإنما ضبطره بِغَيْرِ الْمُمَيِّزِ لِأَنَّ الْمُمَيِّزَ لَوْ رَكِبَ دَابَّةً وَطَافَ عَلَيْهَا صَحَّ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الْفِعْلَ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ فَأَشْبَهَ الْبَالِغَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*

(7/29)


(فرع)
قال أصحابنا نفقة الصبي سَفَرِهِ فِي الْحَجِّ يُحْسَبُ مِنْهَا قَدْرُ نَفَقَتِهِ فِي الْحَضَرِ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ وَفِي الزَّائِدِ بِسَبَبِ السَّفَرِ خِلَافٌ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ وَصَاحِبَا الشَّامِلِ وَالتَّهْذِيبِ وَالشَّاشِيُّ وَآخَرُونَ قَوْلَيْنِ وَحَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ وَجْهَيْنِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا قَالَ أبو حامد والمحاملي والمتولي وغيرهم النصوص فِي الْإِمْلَاءِ مُخَرَّجٌ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ وُجُوبُهُ فِي مَالِ الْوَلِيِّ
(وَالثَّانِي)
يَجِبُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ فَعَلَى هَذَا لَوْ أَحْرَمَ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَصَحَّحْنَاهُ حَلَّلَهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الْوَلِيِّ هَكَذَا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ جَمِيعُ الْأَصْحَابِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ مَخْصُوصَانِ بِالزَّائِدِ عَلَى نَفَقَةِ الْحَضَرِ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ وَقَدْ نَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَهْمَلَهُ لِظُهُورِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَامِلِ الْقِرَاضِ فَإِنَّهُ إذَا سَافَرَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ وَقُلْنَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ فِي مَالِ الْقِرَاضِ فَإِنَّهُ يَجِبُ كُلُّ النَّفَقَةِ عَلَى قَوْلٍ لِأَنَّ عَامِلَ الْقِرَاضِ مُعَطَّلٌ فِي سَفَرِهِ عَنْ بَعْضِ مَكَاسِبِهِ الَّتِي كَانَتْ فِي الْحَضَرِ فَجَرَتْ لَهُ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ فَإِنَّ مَصْلَحَةَ السَّفَرِ مُخْتَصَّةٌ بِهِ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي تَعْلِيلِ الْقَوْلِ الثَّانِي إنَّهَا تَجِبُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ لِمَصْلَحَتِهِ فَكَانَتْ فِي مَالِهِ كَأُجْرَةِ التَّعْلِيمِ فَهَذَا اخْتِيَارٌ مِنْهُ لِلْأَصَحِّ أَنَّ أُجْرَةَ التَّعْلِيمِ تَجِبُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ مُطْلَقًا وَقَدْ سَبَقَ فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَجْهٌ

(7/30)


أَنَّ أُجْرَةَ تَعَلُّمِهِ مَا لَيْسَ مُتَعَيَّنًا بَعْدَ البلوغ كما زاد على الفاتحة والفقه وَغَيْرِ ذَلِكَ فِي مَالِ الْوَلِيِّ فَحَصَلَ
أَنَّ الْأَصَحَّ وُجُوبُ نَفَقَةِ الْحَجِّ فِي مَالِ الْوَلِيِّ وَوُجُوبُ أُجْرَةِ تَعَلُّمِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَالْفَرْقُ أَنَّ مَصْلَحَةَ التَّعَلُّمِ كَالضَّرُورِيَّةِ وَإِذَا لَمْ يَجْعَلْهَا الْوَلِيُّ فِي صِغَرِ الصَّبِيِّ احْتَاجَ الصَّبِيُّ إلَى اسْتِدْرَاكِهَا بَعْدَ بُلُوغِهِ بِخِلَافِ الْحَجِّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَلِأَنَّ مُؤْنَةَ التَّعْلِيمِ يَسِيرَةٌ غَالِبًا لَا تُجْحِفُ بِمَالِ الصَّبِيِّ بِخِلَافِ الْحَجِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمُتَوَلِّي لَيْسَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُسَلِّمَ النَّفَقَةَ إلَى الصَّبِيِّ وَلَكِنْ إنْ كَانَ مَعَهُ أَنْفَقَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ سَلَّمَ الْمَالَ إلَى أُمِّهِ لِتُنْفِقَ عَلَيْهِ فَلَوْ سَلَّمَهُ إلَى الصَّبِيِّ فَإِنْ كان المال من مال الولى فلا شئ عَلَى أَحَدٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ ضَمِنَهُ الْوَلِيُّ لِتَفْرِيطِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَدْ سَبَقَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ مَنْعُ الصَّبِيِّ من مخطورات الْإِحْرَامِ فَلَوْ تَطَيَّبَ أَوْ لَبِسَ نَاسِيًا فَلَا فِدْيَةَ قَطْعًا وَإِنْ تَعَمَّدَ قَالَ أَصْحَابُنَا يَنْبَنِي ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمَشْهُورَيْنِ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ أَنَّ عَمْدَ الصَّبِيِّ عَمْدٌ أَمْ خَطَأٌ الْأَصَحُّ أَنَّهُ عَمْدٌ (فَإِنْ قُلْنَا) خَطَأٌ فَلَا فِدْيَةَ وَإِلَّا وَجَبَتْ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُحَقِّقُونَ لِأَنَّ عَمْدَهُ فِي الْعِبَادَاتِ كَعَمْدِ الْبَالِغِ وَلِهَذَا لَوْ تَعَمَّدَ فِي صَلَاتِهِ كَلَامًا أَوْ فِي صَوْمِهِ أَكْلًا بَطَلَا وَحَكَى الدَّارِمِيُّ قَوْلًا غَرِيبًا أَنَّهُ إنْ كَانَ الصَّبِيُّ مِمَّنْ يَلْتَذُّ بِالطِّيبِ وَاللِّبَاسِ وَجَبَتْ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ حَلَقَ أَوْ قَلَّمَ ظُفْرًا أَوْ قَتَلَ صَيْدًا عَمْدًا وَقُلْنَا عَمْدُ هَذِهِ الْأَفْعَالِ وَسَهْوُهَا سَوَاءٌ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ وَإِلَّا فَهِيَ

(7/31)


كالطيب واللباس ومنى وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ فَهَلْ هِيَ فِي مَالِ الصَّبِيِّ أَمْ فِي مَالِ الْوَلِيِّ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَخَلَائِقُ قَوْلَيْنِ وَحَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَآخَرُونَ وَجْهَيْنِ وَدَلِيلُهُمَا مَا سَبَقَ فِي النَّفَقَةِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهَا فِي مَالِ الْوَلِيِّ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ قَالَ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَآخَرُونَ هذا القول هو النصوص فِي الْإِمْلَاءِ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهَا فِي مَالِ الصَّبِيِّ هُوَ نَصُّهُ فِي الْقَدِيمِ وَحَكَاهُ أَبُو حَامِدٍ وَجْهًا مُخَرَّجًا وَأَمَّا الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ فَقَالَ نَصَّ فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّهَا فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَفِي الْأُمِّ أَنَّهَا في مال الصبي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ إنَّمَا هُمَا فِيمَا إذَا أَحْرَمَ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ فَإِنْ أَحْرَمَ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَصَحَّحْنَاهُ فَالْفِدْيَةُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ شَيْئًا لِآدَمِيٍّ صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ
وَحَكَى الدَّارِمِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَجْهًا فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْوَلِيُّ أَبًا أَوْ جَدًّا فَالْفِدْيَةُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُمَا فَفِي مَالِهِ قَالَ الدَّارِمِيُّ هَذَا الْوَجْهُ قَالَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كُلِّ فِدْيَةٍ تَجِبُ بِفِعْلِ الصَّبِيِّ وَهَذَا غَرِيبٌ ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَمَتَى قُلْنَا الْفِدْيَةُ عَلَى الْوَلِيِّ فَهِيَ كَالْفِدْيَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَى الْبَالِغِ بِفِعْلِ نَفْسِهِ فَإِنْ اقْتَضَتْ صَوْمًا أَوْ غَيْرَهُ فَعَلَهُ وَأَجْزَأَهُ (وإذا قُلْنَا) إنَّهَا فِي مَالِ الصَّبِيِّ فَإِنْ كَانَتْ مرتبة

(7/32)


فَحُكْمُهَا حُكْمُ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَإِنْ كَانَتْ فِدْيَةَ تَخْيِيرٍ بَيْنَ الصَّوْمِ وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَ أَنْ يَفْدِيَ الصَّبِيُّ بِالصَّوْمِ فَهَلْ يَصِحُّ مِنْهُ فِي حَالِ الصِّبَا فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ فِيهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَضَاءِ الْحَجِّ الْفَاسِدِ فِي حَالِ الصِّبَا (أَصَحُّهُمَا) يُجْزِئُهُ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ وَالدَّارِمِيُّ وهو قول القاضى أبو حامد المروروزى لِأَنَّ صَوْمَ الصَّبِيِّ صَحِيحٌ
(وَالثَّانِي)
لَا لِأَنَّهُ يَقَعُ وَاجِبًا وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِمَّنْ يَقَعُ عَنْهُ وَاجِبٌ قَالَ الدَّارِمِيُّ هَذَا الْوَجْهُ قَوْلُ ابْنِ الْمَرْزُبَانِ وَلَوْ أَرَادَ الْوَلِيُّ فِي فِدْيَةِ التَّخْيِيرِ أَنْ يَفْدِيَ عَنْهُ بِالْمَالِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ فَلَا يَجُوزُ صَرْفُ الْمَالِ فِيهِ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ وَأَشَارَ الْمُتَوَلِّي إلَى خِلَافٍ فِيهِ فَقَالَ لَا يَجُوزُ عَلَى الْمَذْهَبِ
* (فَرْعٌ لَوْ طَيَّبَ الْوَلِيُّ الصَّبِيَّ وَأَلْبَسهُ أَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ أَوْ قَلَّمَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِحَاجَةِ الصَّبِيِّ فَالْفِدْيَةُ فِي مَالِ الْوَلِيِّ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا لَوْ طَيَّبَهُ أَجْنَبِيٌّ فَالْفِدْيَةُ فِي مَالِ الْأَجْنَبِيِّ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهَا الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ وَهَلْ يَكُونُ الصَّبِيُّ طَرِيقًا فِي ذَلِكَ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا لَمْ يُتَوَجَّهْ فِي مَالِ الصَّبِيِّ مُطَالَبَةٌ وَإِلَّا طُولِبَ وَرُجِعَ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ

(7/33)


أو الولى عند يساره أو إمكان الْأَخْذِ مِنْهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَكُونُ طَرِيقًا وَإِنْ فَعَلَ الْوَلِيُّ ذَلِكَ لِحَاجَةِ الصَّبِيِّ وَمَصْلَحَتِهِ فَطَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الْقَطْعُ بِأَنَّهَا فِي مَالِ الْوَلِيِّ لِأَنَّهُ الْفَاعِلُ (وَأَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ أَنَّهُ كَمُبَاشَرَةِ الصَّبِيِّ ذَلِكَ فَيَكُونُ فِيمَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْوَلِيُّ
(وَالثَّانِي)
الصَّبِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَلَوْ أَلْجَأَهُ الْوَلِيُّ إلَى التَّطَيُّبِ فَالْفِدْيَةُ فِي مَالِ الْوَلِيِّ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَوْ فَوَّتَهُ الْوَلِيُّ الْحَجَّ فَالْفِدْيَةُ فِي مَالِ الْوَلِيِّ
بِلَا خِلَافٍ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمُتَوَلِّي إذَا تَمَتَّعَ الصَّبِيُّ أَوْ قَرَنَ فَحُكْمُ دَمِ التَّمَتُّعِ وَدَمِ الْقِرَانِ حُكْمُ الْفِدْيَةِ بِارْتِكَابِ الْمَحْظُورَاتِ فَفِيهَا الْخِلَافُ السَّابِقُ لِوُجُودِ الْمَعْنَى الْمَوْجُودِ هُنَاكَ
* (فَرْعٌ)
لَوْ جَامَعَ الصَّبِيُّ فِي إحْرَامِهِ نَاسِيًا أَوْ عَامِدًا وَقُلْنَا عَمْدُهُ خَطَأٌ فَفِي فَسَادِ حَجِّهِ الْقَوْلَانِ الْمَشْهُورَانِ فِي الْبَالِغِ إذَا جَامَعَ نَاسِيًا (أَصَحُّهُمَا) لَا يُفْسِدُ حَجَّهُ
(وَالثَّانِي)
يُفْسِدُ وَإِنْ جَامَعَ عَامِدًا وَقُلْنَا عَمْدُهُ عَمْدٌ فَسَدَ بِلَا خِلَافٍ وَإِذَا فَسَدَ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ وَحَكَاهُمَا الْقَاضِي

(7/34)


أبو الطيب في تعليقه وجهين والمشهوران قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَجِبُ اتَّفَقُوا عَلَى تَصْحِيحِهِ مِمَّنْ صَحَّحَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ لِأَنَّهُ إحْرَامٌ صَحِيحٌ فَوَجَبَ الْقَضَاءُ إذَا أَفْسَدَهُ كَحَجِّ التَّطَوُّعِ فِي حَقِّ الْبَالِغِ (وَالثَّانِي) لَا يَجِبُ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِأَدَاءِ فَرْضِ الْحَجِّ فَإِنْ قُلْنَا يَجِبُ الْقَضَاءُ فَهَلْ يَصِحُّ مِنْهُ فِي حَالِ الصِّبَا فِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ وَالْبَغَوِيُّ وَطَائِفَةٌ قَوْلَيْنِ وَحَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْجُمْهُورُ وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ مِمَّنْ صَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ لِأَنَّهُ لَمَّا صَلَحَتْ حَالَةُ الصِّبَا لِلْوُجُوبِ عَلَى الصَّبِيِّ فِي هَذَا صَلَحَتْ لِإِجْزَائِهِ
(وَالثَّانِي)
لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّ الصِّبَا لَيْسَ مَحَلَّ أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ فَعَلَى هَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا بَلَغَ يُنْظَرُ فِي الْحِجَّةِ الَّتِي أَفْسَدَهَا إنْ كَانَتْ بِحَيْثُ لَوْ سَلِمَتْ مِنْ الْإِفْسَادِ

(7/35)


لَأَجْزَأَتْهُ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ بِأَنْ بَلَغَ قَبْلَ فوات الوقوف وقع القضاء عن حجة الإسلام وان كانت بحيث لا تجزى لَوْ سَلِمَتْ مِنْ الْفَسَادِ بِأَنْ بَلَغَ بَعْدَ الوقوف لم يقع القضاء عن حجة الإسلام بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَبْدَأَ بِحِجَّةِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ يَقْضِيَ فَإِنْ نَوَى الْقَضَاءَ أَوَّلًا وَقَعَ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا سَيَأْتِي إيضَاحُهُ بِدَلِيلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* هَكَذَا ذَكَرَ هَذَا التَّفْصِيلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ وَلَا خِلَافَ فِيهِ قَالَ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَهَذَا أصل لكل
حجة فاسدة إذا قضيت هل تَقَعُ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ فِيهَا هَذَا التَّفْصِيلُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا جَوَّزْنَا الْقَضَاءَ فِي مَالِ الصَّبِيِّ فَشَرَعَ فِيهِ وَبَلَغَ قَبْلَ الْوُقُوفِ انْصَرَفَ إلَى حِجَّةِ الْإِسْلَامِ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَحَيْثُ فَسَدَ حَجُّ الصَّبِيِّ وَقُلْنَا يَجِبُ الْقَضَاءُ وجبت الكفارة وهى بدنة وإن توجب القضاء ففى

(7/36)


الْبَدَنَةِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْوُجُوبُ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أبو حامد الاسفراينى وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِمَا وَالْمَحَامِلِيُّ وَصَاحِبُ الشامل وآخرن وَنَقَلَ الْمَحَامِلِيُّ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَإِذَا وجبت البدنة فهل تجب في مالى الْوَلِيِّ وَإِذَا أَوْجَبْنَا الْقَضَاءَ فَنَفَقَةُ الْقَضَاءِ هَلْ تَجِبُ فِي مَالِ الْوَلِيِّ أَمْ الصَّبِيِّ فِيهِ الْخِلَافُ كَالْبَدَنَةِ صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْفَرْعَ فِي بَابِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ وَذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ هُنَا فَرَأَيْتُ ذِكْرَهُ هُنَا أَوْلَى لِوَجْهَيْنِ (مُوَافَقَةُ) الْجُمْهُورِ (وَالْمُبَادَرَةُ) إلَى الْخَيْرَاتِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمُتَوَلِّي لَوْ صَامَ الصَّبِيُّ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَجَامَعَ فِيهِ جِمَاعًا يَفْسُدُ صَوْمُهُ وَقُلْنَا إنَّ وَطْأَهُ فِي الحج عامدا يوجب الفدية ففى وجوب كفارة الوطئ فِي الصَّوْمِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
تَلْزَمُهُ كَمَا تَلْزَمُهُ البدنة بافساد الصوم (وَالثَّانِي) لَا تَلْزَمُهُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالدَّارِمِيُّ إذَا نَوَى الْوَلِيُّ أَنْ يَعْقِدَ الْإِحْرَامَ لِلصَّبِيِّ فَمَرَّ بِهِ عَلَى الْمِيقَاتِ وَلَمْ يَعْقِدْهُ ثُمَّ عَقَدَهُ بَعْدَهُ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
تَجِبُ الْفِدْيَةُ فِي مَالِ الْوَلِيِّ خَاصَّةً لِأَنَّهُ لَوْ مَرَّ بِالْمِيقَاتِ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ وَلَمْ يُحْرِمْ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ فَكَذَلِكَ هُنَا وَلِأَنَّهُ لَوْ عَقَدَ الْإِحْرَامَ لِلصَّبِيِّ ثُمَّ فَوَّتَ الْحَجَّ وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ فِي مَالِ الْوَلِيِّ
(وَالثَّانِي)
لَا تَجِبُ الْفِدْيَةُ لَا عَلَى الْوَلِيِّ وَلَا فِي مَالِ الصَّبِيِّ (أَمَّا) الْوَلِيُّ فَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْرِمٍ وَلَمْ يُرِدْ الْإِحْرَامَ (وَأَمَّا) الصَّبِيُّ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الاحرام
*

(7/37)


(فَرْعٌ)
قَالَ الرَّافِعِيُّ حُكْمُ الْمَجْنُونِ حُكْمُ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ فِي جَمِيعِ مَا سَبَقَ قَالَ وَلَوْ خَرَجَ الْوَلِيُّ بِالْمَجْنُونِ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ فَرْضِ الْحَجِّ عَلَيْهِ وَأَنْفَقَ عَلَى الْمَجْنُونِ مِنْ مَالِهِ نُظِرَ إنْ لَمْ يُفِقْ حَتَّى فَاتَ الْوُقُوفُ غَرِمَ الْوَلِيُّ زِيَادَةَ نَفَقَةِ السَّفَرِ وَإِنْ أَفَاقَ وَأَحْرَمَ وَحَجَّ فَلَا غُرْمَ لِأَنَّهُ قَضَى ما عليه ويشترط إفاقته
عند الاحرام والوقوف وَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْأَصْحَابُ لِحَالَةِ الْحَلْقِ قَالَ وَقِيَاسُ كَوْنِهِ نُسُكًا اشْتِرَاطُ الْإِفَاقَةِ فِيهِ كسائر الاركان هذا كلام الرافعى وقال هو قَبْلَ هَذَا الْجُنُونِ كَصَبِيٍّ لَا يُمَيِّزُ يُحْرِمُ عَنْهُ وَلِيُّهُ قَالَ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِحْرَامُ عَنْهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَاتِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا الْخِلَافِ فِي صِحَّةِ إحْرَامِ الْوَلِيِّ عَنْهُ وَقَدْ ذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ نَحْوَ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ وَقَوْلُهُمْ يُشْتَرَطُ إفَاقَتُهُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ وَسَائِرِ الْأَرْكَانِ مَعْنَاهُ يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي وُقُوعِهِ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ (وَأَمَّا) وُقُوعُهُ تَطَوُّعًا فَلَا يُشْتَرَطُ فيه شئ مِنْ ذَلِكَ كَمَا قَالُوا فِي صَبِيٍّ لَا يُمَيِّزُ وَلِهَذَا قَالُوا هُوَ كَصَبِيٍّ لَا يُمَيِّزُ وَسَيَأْتِي إيضَاحُهُ مَبْسُوطًا فِي فَصْلِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا العراقيون والخراسانيون وغيرهم بأن الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَمَنْ غُشِيَ لَا يَصِحُّ إحْرَامُ وليه عنه وَلَا رَفِيقِهِ عَنْهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ زَائِلِ الْعَقْلِ وَيُرْجَى بُرْؤُهُ عَنْ قُرْبٍ فَهُوَ كَالْمَرِيضِ قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ خَرَجَ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمِيقَاتِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ لَمْ يَصِحَّ إحْرَامُ وَلِيِّهِ وَلَا رَفِيقِهِ عَنْهُ سَوَاءٌ كان اذن غلط فِيهِ قَبْلَ الْإِغْمَاءِ أَمْ لَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَصِحُّ إحْرَامُ رَفِيقِهِ عَنْهُ اسْتِحْسَانًا وَيَصِيرُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ مُحْرِمًا لِأَنَّهُ عُلِمَ مِنْ قَصْدِهِ ذَلِكَ وَلِأَنَّهُ يَشُقُّ عَلَيْهِ تَفْوِيتُ الْإِحْرَامِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَاحْتُجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا بِأَنَّ الْإِحْرَامَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْحَجِّ فَدَخَلَتْهُ النِّيَابَةُ لِلْعَجْزِ كَالطَّوَافِ قَالُوا وَقِيَاسًا عَلَى الطِّفْلِ قَالَ الْقَاضِي وَدَلِيلُنَا أَنَّهُ بَلَغَ فَلَمْ يَصِحَّ عَقْدُ الْإِحْرَامِ لَهُ مِنْ غَيْرِهِ كَالنَّائِمِ (فَإِنْ قِيلَ) الْمُغْمَى عَلَيْهِ إذَا نُبِّهَ لَا يَنْتَبِهُ بِخِلَافِ النَّائِمِ (قُلْنَا) هَذَا الْفَرْقُ يَبْطُلُ بِإِحْرَامِ غَيْرِ رَفِيقِهِ قَالَ الْقَاضِي وَقِيَاسُهُمْ عَلَى الطَّوَافِ لَا نُسَلِّمُهُ لِأَنَّ الطَّوَافَ لَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ حتى لو كَانَ مَرِيضًا لَمْ يَجُزْ لِغَيْرِهِ الطَّوَافُ عَنْهُ بَلْ يُطَافُ بِهِ مَحْمُولًا (وَأَمَّا) قِيَاسُهُمْ عَلَى الطِّفْلِ فَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِغْمَاءَ يُرْجَى زَوَالُهُ عَنْ قُرْبٍ بِخِلَافِ الصِّبَا وَلِهَذَا يَصِحُّ أَنْ يَعْقِدَ الْوَلِيُّ النِّكَاحَ لِلصَّبِيِّ دُونَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَاَللَّهُ اعلم
*

(7/38)


(فَرْعٌ)
اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الْمَرِيضَ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ أَنْ يُحْرِمَ لَهُ فَيَصِيرَ مُحْرِمًا سَوَاءٌ كَانَ مَرِيضًا مَأْيُوسًا مِنْهُ أَوْ غَيْرَهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطِّفْلِ
أَنَّ نَائِبَ الْمَرِيضِ يَحْتَاجُ أَنْ يَفْعَلَ عَنْهُ كُلَّ الْأَفْعَالِ فَإِنَّهَا مُتَعَذِّرَةُ مِنْهُ بِخِلَافِ الطِّفْلِ فَإِنَّهُ يَتَأَتَّى مِنْهُ مُعْظَمُ الْأَفْعَالِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي حَجِّ الصَّبِيِّ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يَصِحُّ حَجُّهُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ (فَأَمَّا) عَدَمُ وُجُوبِهِ عَلَى الصَّبِيِّ فَمُجْمَعٌ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْإِشْرَافِ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى سُقُوطِ فَرْضِ الْحَجِّ عَنْ الصَّبِيِّ وَعَنْ الْمَجْنُونِ وَالْمَعْتُوهِ قَالَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمَجْنُونَ إذَا حَجَّ ثم افاق أو الصبى ثم بلغ انه لا يُجْزِئُهُمَا عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ قَالَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ جِنَايَاتِ الصِّبْيَانِ لَازِمَةٌ لَهُمْ (وَأَمَّا) صِحَّةُ حَجِّ الصَّبِيِّ فَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَدَاوُد وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَأَشَارَ ابْنُ الْمُنْذِرِ إلَى الْإِجْمَاعِ فِيهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ لَا يَصِحُّ حَجُّهُ وَصَحَّحَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ
* وَاحْتُجَّ لَهُ بِحَدِيثِ (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ) إلَى آخِرِهِ وَهُوَ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا وَقِيَاسًا عَلَى النَّذْرِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ وَلِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ لانه لَوْ صَحَّ مِنْهُ لَوَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ إذَا أَفْسَدَهُ وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ فَلَا يَصِحُّ عَقْدُهَا مِنْ الْوَلِيِّ لِلصَّبِيِّ كَالصَّلَاةِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ امْرَأَةً رَفَعَتْ

(7/39)


صَبِيًّا فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ الله ألهذا أحج قَالَ نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ السائب ابن زيد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (حُجَّ بِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حِجَّةِ الْوَدَاعِ وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ)) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَبِحَدِيثِ جَابِرٍ (حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَنَا النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فَلَبَّيْنَا عَنْ الصِّبْيَانِ وَرَمَيْنَا عَنْهُمْ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ وَقِيَاسًا عَلَى الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ صَحَّحَهُمَا مِنْهُ وَكَذَا صَحَّحَ حَجَّهُ عِنْدَهُ بِلَا خِلَافٍ وَنَقْلُهُ خَطَأٌ مِنْهُ وَصَحَّحَ إمَامَةَ الصَّبِيِّ فِي النَّافِلَةِ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ (رُفِعَ الْقَلَمُ) فَمِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) الْمُرَادُ رَفْعُ الْإِثْمِ لَا إبْطَالُ أَفْعَالِهِ (الثَّانِي) أَنَّ مَعْنَاهُ لَا يُكْتَبُ عليه شئ وَلَيْسَ فِيهِ مَنْعُ الْكِتَابَةِ لَهُ وَحُصُولُ ثَوَابِهِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى النَّذْرِ مِنْ وَجْهَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْأَصْحَابُ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ يَنْكَسِرُ بِالْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ نَذْرُهُمَا وَيَصِحَّانِ مِنْهُ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْكَسْرَ هُوَ أَنْ تُوجَدَ مَعْنَى الْعِلَّةِ وَلَا حُكْمَ وَالنَّقْضُ أَنْ تُوجَدَ الْعِلَّةُ وَلَا حُكْمَ وَقَدْ أَوْضَحْتُ هَذَا فِي بَابِ صَدَقَةِ الْمَوَاشِي حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ النَّذْرَ الْتِزَامٌ
بِالْقَوْلِ وَقَوْلُ الصَّبِيِّ سَاقِطٌ بِخِلَافِ الْحَجِّ فَإِنَّهُ فِعْلٌ وَنِيَّةٌ فَهُوَ كَالْوُضُوءِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُمْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ مُنْتَقَضٌ بِالْوُضُوءِ (وَالثَّانِي) أَنَّ عَدَمَ الْوُجُوبِ لِلتَّخْفِيفِ وَلَيْسَ فِي صِحَّتِهِ تَغْلِيظٌ (وَأَمَّا) قَوْلُهُمْ لَوَجَبَ قَضَاؤُهُ إذَا أَفْسَدَهُ فَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ

(7/40)


(وَالْجَوَابُ) عَنْ قَوْلِهِمْ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ إلَى آخِرِهِ أَنَّ الْفَرْقَ ظَاهِرٌ فَإِنَّ الْحَجَّ تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي كِتَابِهِ الْأَسَالِيبِ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي المسألة الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي لَا تَقْبَلُ التَّأْوِيلَ وَذَكَرَ بَعْضَ مَا سَبَقَ مِنْ الْأَحَادِيثِ ثُمَّ ذَكَرَ دَلَائِلَ مِنْ حَيْثُ الْقِيَاسُ وَالْمَعْنَى ثُمَّ قَالَ وَهَذَا تَكَلُّفٌ بَعْدَ الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ قَالَ وَلَا يَسْتَقِيمُ لَهُمْ فَرْقٌ أَصْلًا بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ (فَإِنْ قَالُوا) فِي الْحَجِّ مُؤْنَةٌ (قُلْنَا) تِلْكَ الْمُؤَنُ فِي مَالِ الْوَلِيِّ عَلَى الصَّحِيحِ فَلَا ضَرَرَ عَلَى الصَّبِيِّ (فَإِنْ قَالُوا) فِيهِ مَشَقَّةٌ (قلنا مشقة المواظبة عَلَى الصَّلَاةِ وَالطَّهَارَةِ وَشُرُوطِهِمَا أَكْثَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ صَحَّحَ حَجَّ الصَّبِيِّ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَسَائِرُ فُقَهَاءِ الْحِجَازِ وَالثَّوْرِيُّ وَسَائِرُ فُقَهَاءِ الْكُوفَةِ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَسَائِرُ مَنْ سَلَكَ سَبِيلَهُمَا مِنْ أَهْلِ الشَّامِّ وَمِصْرَ قال وكل ما ذَكَرْنَاهُ يَسْتَحِبُّ الْحَجَّ بِالصِّبْيَانِ وَيَأْمُرُ بِهِ

(7/41)


قَالَ وَعَلَى هَذَا جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ كُلِّ قَرْنٍ قَالَ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَا يُحَجُّ بِالصَّبِيِّ وَهَذَا قَوْلٌ لَا يُعْرَجُ عَلَيْهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حَجَّ بِأُغَيْلِمَةِ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ) وَحَجَّ السَّلَفُ بِصِبْيَانِهِمْ قَالَ وَحَدِيثُ الْمَرْأَةِ الَّتِي رَفَعَتْ الصَّبِيَّ وَقَالَتْ (أَلِهَذَا حَجٌّ قَالَ نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ) قَالَ فَسَقَطَ كُلُّ مَا خَالَفَ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا حَجَّ ثُمَّ بَلَغَ لَا يُجْزِئُهُ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ إلَّا فِرْقَةً شَذَّتْ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهَا قَالَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يُحَجُّ بِهِ إلَّا طَائِفَةً مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ مَنَعُوا ذَلِكَ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ يُكْتَبُ لِلصَّبِيِّ ثَوَابُ مَا يَعْمَلُهُ مِنْ الطَّاعَاتِ كَالطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ وَالِاعْتِكَافِ وَالْحَجِّ وَالْقِرَاءَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالتَّدْبِيرِ إذَا صَحَّحْنَاهُمَا وَغَيْرِ ذَلِكَ من مِنْ الطَّاعَاتِ وَلَا يُكْتَبُ عَلَيْهِ مَعْصِيَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَدَلِيلُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ
كَحَدِيثِ (ألهذا احج قال نعم ولك أجر) وحديث السائب ابن يزيد وحديث جابر وغيرها مِمَّا سَبَقَ هُنَا وَحَدِيثِ صَلَاةِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَدِيثُ تَصْوِيمِ الصِّبْيَانِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَحَدِيثِ (مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ) وَهُوَ صَحِيحٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ وَحَدِيثِ إمَامَةِ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ وَهُوَ فِي الْبُخَارِيِّ واشباه ذلك
*

(7/42)


* قول المصنف رحمه الله تعالي
* (وأما العبد فلا يجب عليه ويصح منه لانه من أهل العبادة فصح منه الحج كالحر فان أحرم باذن السيد وفعل ما يوجب الكفارة فان ملكه السيد مالا وقلنا انه يملكه لزمه الهدى (وإن قلنا) لا يملك ولم يملكه السيد فعليه الصوم وللسيد أن يمنعه من الصوم لانه لم يأذن في سببه وان أذن له في التمتع أو القران وقلنا لا يملك المال صام وليس للمولى منعه من الصوم لانه وجب باذنه (وإن قلنا) يملك ففي الهدى قولان
(أحدهما)
يجب في مال السيد لانه وجب باذنه (والثاني) لا يجب عليه لان اذنه رضاء بوجوبه علي عبده لا في ماله ولان موجب التمتع في حق العبد هو الصوم لانه لا يقدر على الهدى فلا يجب عليه الهدى)
* (الشَّرْحُ) أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ مُسْتَحَقَّةٌ لِسَيِّدِهِ فَلَيْسَ هُوَ مُسْتَطِيعًا وَيَصِحُّ مِنْهُ الْحَجُّ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَبِغَيْرِ إذْنِهِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَبِهِ قَالَ الْفُقَهَاءُ كَافَّةً وَقَالَ داود لا يصح بغير اذنه
* دليلنا ما ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ أَحْرَمَ بِإِذْنِهِ لَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ تَحْلِيلُهُ سَوَاءٌ بَقِيَ نُسُكُهُ صَحِيحًا أَوْ أَفْسَدَهُ وَلَوْ بَاعَهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي تَحْلِيلُهُ وَلَهُ الْخِيَارُ إنْ جَهِلَ إحْرَامَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَصِحُّ بَيْعُهُ بِلَا خِلَافٍ وَيُخَالِفُ بَيْعَ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ عَلَى قَوْلٍ لان يد المستأحر تَمْنَعُ الْمُشْتَرِيَ مِنْ التَّصَرُّفِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَلَوْ أَحْرَمَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي إتْمَامِ نُسُكِهِ فَإِنْ

(7/43)


حَلَّلَهُ جَازَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَحَكَى ابْنُ كَجٍّ وَجْهًا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ تَخْرِيجًا مِنْ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُزَوَّجَةِ إذَا أَحْرَمَتْ
بِحَجِّ تَطَوُّعٍ وَهَذَا شَاذٌّ مُنْكَرٌ لِأَنَّ إذْنَ السَّيِّدِ تَبَرُّعٌ فَجَازَ الرُّجُوعُ فِيهِ كَالْعَارِيَّةِ فَلَوْ بَاعَهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فلمشترى تحليله ولاخيار لَهُ ذَكَرَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي الْمُعَايَاةِ وَآخَرُونَ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ فِي الْإِحْرَامِ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِي الْإِذْنِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ فَإِنْ رَجَعَ وَلَمْ يَعْلَمْ الْعَبْدُ فَأَحْرَمَ فَهَلْ لَهُ تَحْلِيلُهُ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي طَرِيقَتَيْ الْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ قَالَ أَصْحَابُنَا هُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إذَا عَزَلَ الْمُوَكِّلُ الْوَكِيلَ وَتَصَرَّفَ بَعْدَ الْعَزْلِ وَقَبْلَ الْعِلْمِ (أَصَحُّهُمَا) لَهُ تَحْلِيلُهُ كَمَا أَنَّ الْأَصَحَّ هُنَاكَ بُطْلَانُ تَصَرُّفِهِ وَإِنْ عَلِمَ الْعَبْدُ رُجُوعَ السَّيِّدِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ ثُمَّ أَحْرَمَ فَلَهُ تَحْلِيلُهُ وجها واحدا

(7/44)


لانه أحرم بغير اذن ويجئ فِيهِ الْوَجْهُ السَّابِقُ عَنْ حِكَايَةِ ابْنِ كَجٍّ وَإِنْ رَجَعَ السَّيِّدُ بَعْدَ إحْرَامِ الْعَبْدِ لَمْ يَصِحَّ رُجُوعُهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ تَحْلِيلُهُ عِنْدَنَا
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَهُ ذَلِكَ كَالْعَارِيَّةِ يَرْجِعُ فِيهَا مَتَى شَاءَ وَدَلِيلُنَا أَنَّهُ عَقَدَ عَقْدَهُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فَلَمْ يَكُنْ لِسَيِّدِهِ إبْطَالُهُ كَالنِّكَاحِ وَلِأَنَّ مَنْ صَحَّ إحْرَامُهُ بِإِذْنِ غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ لِلْغَيْرِ إبْطَالُهُ كَالزَّوْجِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ الْعَارِيَّةِ أَنَّ الرُّجُوعَ فِيهَا لَا يُبْطِلُ مَا مَضَى بِخِلَافِ الْإِحْرَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ أَذِنَ لَهُ فِي الْعُمْرَةِ فَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَلَهُ تَحْلِيلُهُ وَلَوْ كَانَ بِالْعَكْسِ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَحْلِيلُهُ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ قَالَ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ دُونَ الْحَجِّ وَقَالَ الدَّارِمِيُّ إنْ أَذِنَ لَهُ فِي حَجٍّ فَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ أَوْ فِي عُمْرَةٍ فَأَحْرَمَ بِحَجٍّ فَلَهُ تَحْلِيلُهُ وَقِيلَ لَا يُحَلِّلُهُ وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ كَلَامَ الْبَغَوِيِّ ثُمَّ قَالَ فِيمَا إذَا أَذِنَ فِي حَجٍّ فَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ ظَنِّي أَنَّهُ لَا يَسْلَمُ عَنْ خِلَافٍ هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ فَحَصَلَ فِي الصُّورَتَيْنِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ

(7/45)


(أَصَحُّهَا) وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ لَهُ أَنْ يُحَلِّلَهُ فيما إذا أذن في عمرة فأحرم يحج دُونَ عَكْسِهِ
(وَالثَّانِي)
لَهُ تَحْلِيلُهُ فِيهِمَا وَهُوَ اخْتِيَارُ الدَّارِمِيِّ (وَالثَّالِثُ) لَيْسَ لَهُ فِيهِمَا وَهَذَا غَلَطٌ فِي صُورَةِ الْإِذْنِ فِي عُمْرَةٍ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى الْمَأْذُونِ فِيهِ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ فِي التَّمَتُّعِ فَلَهُ مَنْعُهُ مِنْ الْحَجِّ بَعْدَ تَحَلُّلِهِ مِنْ الْعُمْرَةِ وَقَبْلَ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ كَمَا لَوْ رَجَعَ فِي الْإِذْنِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ ويجئ فِيهِ الْوَجْهُ السَّابِقُ عَنْ ابْنِ كَجٍّ وَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهُ مِنْ الْعُمْرَةِ وَلَا مِنْ الْحَجِّ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِمَا وَلَوْ أَذِنَ فِي الْحَجِّ أَوْ التَّمَتُّعِ فَقَرَنَ لَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهُ بِالِاتِّفَاقِ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي التَّمَتُّعِ إذْنٌ فِي الْحَجِّ هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ وَفِي كَلَامِ الدَّارِمِيِّ
إشَارَةٌ إلَى خِلَافٍ فِيهِ فَإِنَّهُ قَالَ لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي الْقِرَانِ فَأَفْرَدَ أَوْ تَمَتَّعَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ وَكَذَا إنْ أَذِنَ فِي الْإِفْرَادِ فَقَرَنَ أَوْ تَمَتَّعَ وَكَذَا لَوْ أَذِنَ فِي التَّمَتُّعِ أَوْ الْإِفْرَادِ فَقَرَنَ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الدَّارِمِيِّ قَالَ الدَّارِمِيُّ فَلَوْ أَذِنَ فِي الْإِحْرَامِ

(7/46)


مُطْلَقًا فَأَحْرَمَ وَأَرَادَ صَرْفَهُ إلَى نُسُكٍ وَأَرَادَ السَّيِّدُ غَيْرَهُ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الْقَوْلُ قَوْلُ الْعَبْدِ (وَالثَّانِي) هُوَ كَاخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ إذَا قَالَتْ رَاجَعْتَنِي بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِي وَقَالَ قَبْلَهَا (فَإِنْ قُلْنَا) قَوْلَانِ فَمِثْلُهُ (وَإِنْ قُلْنَا) الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ فِي الرَّجْعَةِ وَقَوْلُهَا فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَمِثْلُهُ (وَإِنْ قُلْنَا) يُرَاعَى السَّابِقُ بِالدَّعْوَى فَمِثْلُهُ قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ فِي الْإِحْرَامِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ فَأَحْرَمَ فِي شَوَّالٍ فَلَهُ في تحليله قبل دخول

(7/47)


ذى العقدة وَلَا يَجُوزُ بَعْدَ دُخُولِهِ قَالَ الدَّارِمِيُّ وَلَوْ أذن له في الاحرام من كان فَأَحْرَمَ مِنْ غَيْرِهِ فَلَهُ تَحْلِيلُهُ وَمُرَادُ الدَّارِمِيِّ إذَا أَحْرَمَ مِنْ أَبْعَدَ مِنْهُ قَالَ الدَّارِمِيُّ وَلَوْ قَالَ الْعَبْدُ لِسَيِّدِهِ أَذِنْتَ لِي فِي الاحرام

(7/48)


وَقَالَ السَّيِّدُ لَمْ آذَنْ فَالْقَوْلُ قَوْلُ السَّيِّدِ قَالَ وَلَوْ نَذَرَ الْعَبْدُ حِجًّا فَفِي صِحَّتِهِ وَجْهَانِ فَإِنْ صَحَّحْنَا فَعَلَهُ بَعْدَ عِتْقِهِ وَبَعْدَ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ فِي فِعْلِهِ رَقِيقًا فَفَعَلَهُ فَفِي صِحَّتِهِ الْوَجْهَانِ الْمَشْهُورَانِ في قضاء الصبى والعبد الحجة الْفَاسِدَةِ فِي حَالِ الصِّبَا وَالرِّقِّ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الْأَصْحَابِ صِحَّةُ نَذْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرُ وَالْأَمَةُ الْمُزَوَّجَةُ وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ وَمَنْ بَعْضُهُ رَقِيقٌ

(7/49)


كَالْعَبْدِ الْقِنِّ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَاهُ وَمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي إحْرَامِ العبد وما يتعلق به وَلَوْ أَحْرَمَ الْمُكَاتَبُ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ فَفِي جَوَازِ تَحْلِيلِهِ لِسَيِّدِهِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) فِيهِ قَوْلَانِ كَمَنْعِهِ مِنْ سَفَرِ التِّجَارَةِ
(وَالثَّانِي)
لَهُ تَحْلِيلُهُ قَطْعًا لِأَنَّ لِلسَّيِّدِ مَنْفَعَةً فِي سَفَرِهِ لِلتِّجَارَةِ بِخِلَافِ الْحَجِّ وَهَذَا الثَّانِي أَصَحُّ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي آخِرِ بَابِ الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*

(7/50)


(فَرْعٌ)
إذَا أَفْسَدَ الْعَبْدُ الْحِجَّةَ بِالْجِمَاعِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ فِيهِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
فِيهِ وَجْهَانِ كَالصَّبِيِّ
حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمُصَنِّفُ فِي بَابِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ وَطَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ (الصَّحِيحُ) لُزُومُهُ (وَالثَّانِي) لَا يَلْزَمُهُ وَهَذَا الطَّرِيقُ غَرِيبٌ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ فِي كُلِّ الطُّرُقِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ عَلَى قَوْلٍ وَهَلْ يُجْزِئُهُ الْقَضَاءُ فِي حَالِ رِقِّهِ فِيهِ قَوْلَانِ كَمَا سَبَقَ فِي الصَّبِيِّ (أَصَحُّهُمَا) يُجْزِئُهُ فَإِنْ قُلْنَا (1) لَمْ يَلْزَمْ السيد أن
__________
(1) كذا بالاصل فجرر

(7/51)


يَأْذَنَ لَهُ فِي الْقَضَاءِ إنْ كَانَ إحْرَامُهُ الْأَوَّلُ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَكَذَا إنْ كَانَ بِإِذْنِهِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ فِي الْإِفْسَادِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ وَآخَرُونَ إنْ قُلْنَا الْقَضَاءُ عَلَى التَّرَاخِي لَمْ يَلْزَمْ السَّيِّدَ الْإِذْنُ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ فَإِذَا قُلْنَا يُجْزِئُهُ الْقَضَاءُ فِي حَالِ الرِّقِّ فَشَرَعَ فِيهِ فَعَتَقَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بعرفات

(7/52)


أوحال الْوُقُوفِ أَجْزَأَهُ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ قَضَى بعد العتق فهو كالصبي إذ قَضَى بَعْدَ الْبُلُوغِ فَإِنْ كَانَ عِتْقُهُ قَبْلَ الْوُقُوفِ أَوْ حَالَ الْوُقُوفِ أَجْزَأَهُ الْقَضَاءُ عَنْ حجة الاسلام لانه لولا فَسَادُ الْأَدَاءِ لَأَجْزَأَهُ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ كَانَ عِتْقُهُ بَعْدَ الْوُقُوفِ لَمْ يُجْزِئْهُ الْقَضَاءُ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ فَعَلَيْهِ حِجَّةُ الْإِسْلَامِ ثُمَّ حِجَّةُ الْقَضَاءِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا وَاضِحًا قَرِيبًا فِي جِمَاعِ الصَّبِيِّ فِي الْإِحْرَامِ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ الْقَاعِدَةَ الْمُتَنَاوِلَةَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَنَظَائِرِهَا وَاَللَّهُ أعلم
*

(7/53)


(فرع)
كل دم لزم العبد المحرم يفعل مَحْظُورٍ كَاللِّبَاسِ وَالصَّيْدِ أَوْ بِالْفَوَاتِ لَمْ يَلْزَمْ السَّيِّدَ بِحَالٍ سَوَاءٌ أَحْرَمَ بِإِذْنِهِ أَمْ بِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ فِي ارْتِكَابِ الْمَحْظُورِ ثُمَّ إنَّ الْمَذْهَبَ الصَّحِيحَ الْجَدِيدَ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يملك المال بتمليك السيد على الْقَدِيمِ يَمْلِكُ بِهِ فَإِنْ مَلَكَهُ وَقُلْنَا يَمْلِكُ لَزِمَهُ إخْرَاجُهُ وَعَلَى الْجَدِيدِ فَرْضُهُ الصَّوْمُ وَلِلسَّيِّدِ مَنْعُهُ فِي حَالِ الرِّقِّ إنْ كَانَ أَحْرَمَ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَكَذَا بِإِذْنِهِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ فِي الْتِزَامِهِ وَلَوْ قَرَنَ أَوْ تَمَتَّعَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَحُكْمُ دَمِ الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ حُكْمُ دِمَاءِ الْمَحْظُورَاتِ
وَإِنْ قَرَنَ أَوْ تَمَتَّعَ بِإِذْنِهِ فَهَلْ يَجِبُ الدَّمُ عَلَى السَّيِّدِ أَمْ لَا قَالَ فِي الْجَدِيدِ لَا يَجِبُ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَفِي الْقَدِيمِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) هَذَا
(وَالثَّانِي)
يَجِبُ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي النِّكَاحِ فَإِنَّ السَّيِّدَ يَكُونُ ضَامِنًا لِلْمَهْرِ عَلَى الْقَوْلِ الْقَدِيمِ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ لِلْمَهْرِ وَلِلدَّمِ بَدَلٌ وَهُوَ الصَّوْمُ وَالْعَبْدُ مِنْ أَهْلِهِ وَعَلَى هَذَا لَوْ أَحْرَمَ بِإِذْنِ السَّيِّدِ فَأُحْصِرَ وَتَحَلَّلَ (فَإِنْ قِيلَ) لَا بَدَلَ لِدَمِ الْإِحْصَارِ صَارَ السَّيِّدُ ضَامِنًا عَلَى الْقَدِيمِ قَوْلًا وَاحِدًا (وَإِنْ قُلْنَا) لَهُ بَدَلٌ فَفِي صَيْرُورَتِهِ ضَامِنًا لَهُ فِي الْقَدِيمِ قَوْلَانِ وَإِذَا لَمْ نُوجِبْ الدَّمَ عَلَى السَّيِّدِ فَوَاجِبُ الْعَبْدِ الصَّوْمُ وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَبِهِ قَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ لِإِذْنِهِ فِي سَبَبِهِ ولو ملكه سيده هديا وقلنا بملكه أَرَاقَهُ وَإِلَّا لَمْ تَجُزْ إرَاقَتُهُ وَلَوْ أَرَاقَهُ السَّيِّدُ عَنْهُ فَعَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ وَلَوْ أَرَاقَ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ أَطْعَمَ عَنْهُ جَازَ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ حَصَلَ الْإِيَاسُ مِنْ تَكْفِيرِهِ وَالتَّمْلِيكُ بَعْدَ الْمَوْتِ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَلِهَذَا لَوْ تَصَدَّقَ عَنْ مَيِّتٍ جَازَ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ جَوَازِ الْهَدْيِ وَالْإِطْعَامِ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ بِلَا خِلَافٍ فِيهِ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ عَتَقَ الْعَبْدُ قَبْلَ صَوْمِهِ وَوَجَدَ هَدْيًا فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ إنْ اعْتَبَرْنَا فِي الْكَفَّارَةِ حَالَ الْأَدَاءِ أَوْ الْأَغْلَظَ وَإِنْ اعْتَبَرْنَا حَالَ الْوُجُوبِ فَلَهُ الصَّوْمُ وَهَلْ لَهُ الْهَدْيُ فِيهِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) لَهُ ذَلِكَ كَالْحُرِّ الْمُعْسِرِ يَجِدُ الْهَدْيَ
(وَالثَّانِي)
لا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِهِ حَالَ الْوُجُوبِ بِخِلَافِ الْحُرِّ الْمُعْسِرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*

(7/54)


(فَرْعٌ)
إذَا نَذَرَ الْعَبْدُ الْحَجَّ فَهَلْ يَصِحُّ مِنْهُ فِي حَالِ رِقِّهِ قَالَ الرُّويَانِيُّ فِيهِ وَجْهَانِ كَمَا فِي قَضَاءِ الْحِجَّةِ الَّتِي أَفْسَدَهَا
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا حَيْثُ جَوَّزْنَا لِلسَّيِّدِ تَحْلِيلَهُ اردنا انه يأمره بالتحلل لانه يَسْتَقِلُّ بِمَا يَحْصُلُ بِهِ التَّحَلُّلُ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ وَيَمْنَعَهُ الْمُضِيَّ وَيَأْمُرَهُ بِفِعْلِ الْمَحْظُورَاتِ أو يفعلها به ولا يرتفع الاحرام بشئ مِنْ هَذَا بِلَا خِلَافٍ وَحَيْثُ جَازَ لِلسَّيِّدِ تَحْلِيلُهُ جَازَ لِلْعَبْدِ التَّحَلُّلُ وَطَرِيقُ التَّحَلُّلِ أَنْ يَنْظُرَ (فَإِنْ) مَلَّكَهُ السَّيِّدُ هَدْيًا وَقُلْنَا يَمْلِكُهُ ذَبَحَ وَنَوَى التَّحَلُّلَ وَحَلَقَ وَنَوَى بِهِ أَيْضًا التَّحَلُّلَ وَإِنْ لَمْ يُمَلِّكْهُ فَطَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ كَالْحُرِّ فَيَتَوَقَّفُ تَحَلُّلُهُ عَلَى وُجُودِ الْهَدْيِ إنْ قُلْنَا لَا بَدَلَ لِدَمِ
الْإِحْصَارِ أَوْ عَلَى الضوم إنْ قُلْنَا لَهُ بَدَلٌ هَذَا كُلُّهُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَعَلَى أَظْهَرِهِمَا لَا يَتَوَقَّفُ بَلْ يَكْفِيهِ نِيَّةُ التَّحَلُّلِ وَالْحَلْقِ إنْ قُلْنَا هُوَ نسك (والطريق الثاني) لقطع بِهَذَا الْقَوْلِ الثَّانِي وَهَذَا الطَّرِيقُ هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْأَصْحَابِ لِعِظَمِ الْمَشَقَّةِ فِي انْتِظَارِ الْعِتْقِ وان منافعه لسيده وقد يستعمله في مخطورات الْإِحْرَامِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ تَحْلِيلَ الْعَبْدِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي بَابِ الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ وَاَللَّهُ اعلم
*

(7/55)


(فَرْعٌ)
حَيْثُ جَازَ تَحْلِيلُهُ فَأَعْتَقَهُ السَّيِّدُ قَبْلَ التَّحَلُّلِ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّحْلِيلُ بَلْ يَلْزَمُهُ إتْمَامُ الْحَجِّ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ إنَّمَا جَازَ لِحَقِّ السَّيِّدِ وَقَدْ زَالَ فَإِنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ فَلَهُ حُكْمُ الْفَوَاتِ فِي حَقِّ الْحُرِّ الْأَصْلِيِّ هَكَذَا صرح به الدارمي وغيره وهو ظاهر * قال المصنف رحمه الله تعالي
* (وان حج الصبى ثم بلغ أو حج العبد ثم اعتق لم يجزئه ذلك عن حجة الاسلام لما روى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أيما صبي حج ثم بلغ فعليه حجة اخرى وايما عبد حج ثم اعتق فعليه حجة اخرى) فان بلغ الصبي أو عتق العبد في الاحرام نظرت فان كان قبل الوقوف بعرفة أو في حال الوقوف بعرفة اجزأه عن حجة الاسلام لانه اتي بافعال النسك في حال الكمال فاجزاه وان كان ذلك بعد فوات الوقوف لم يجزئه لانه لم يدرك وقت العبادة وان كان بعد الوقوف وقبل فوات وقته ولم يرجع إلى الموقف فقد قال أبو العباس يجزئه لان ادراك العبادة في حال

(7/56)


الكمال كفعلها في حال الكمال والدليل عليه أنه لو أحرم ثم كمل جعل كانه بد أبالاحرام في حال الكمال وإذا صلي في أول الوقت ثم بلغ في آخر الوقت جعل كانه صلى في حال البلوغ (والمذهب) أنه لا يجزئه لانه لم يدرك الوقوف في حال الكمال فاشبه إذا اكمل في يوم النحر ويخالف الاحرام لان هناك ادرك الكمال والاحرام قائم فوزانه من مسألتنا أن يدرك الكمال وهو واقف بعرفة فيجزئه وههنا أدرك الكمال وقد انقضي الوقوف فلم يجزئه كما لو أدرك الكمال بعد التحلل عن الاحرام ويخالف الصلاة فان الصلاة تجزئه بادراك الكمال بعد الفرغ منها ولو فرغ من الحج ثم أدرك الكمال لم يجزئه)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَرَوَاهُ
أَيْضًا مَرْفُوعًا وَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِيهِ وَرِوَايَةُ الْمَرْفُوعِ قَوِيَّةٌ وَلَا يَضُرُّ تَفَرُّدُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمِنْهَالِ بِهَا فَإِنَّهُ ثِقَةٌ مَقْبُولٌ ضَابِطٌ روى عنه البخاري ومسلم في صحيحهما (وَقَوْلُهُ) كَمَلَ هُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا - ثَلَاثُ لُغَاتٍ وَفِي الْكَسْرِ ضَعْفٌ (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَإِذَا أَحْرَمَ الصَّبِيُّ بِالْحَجِّ ثُمَّ بَلَغَ أَوْ الْعَبْدُ ثُمَّ عَتَقَ فَلَهُمَا أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَ الْبُلُوغُ وَالْعِتْقُ بَعْدَ فَرَاغِ الْحَجِّ فَلَا يُجْزِئُهُمَا عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ بَلْ يكون تَطَوُّعًا فَإِنْ اسْتَطَاعَا بَعْدَ ذَلِكَ لَزِمَهُمَا حَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ اجماع من يعتد به للحديث المذكور لان حَجَّهُ وَقَعَ تَطَوُّعًا فَلَا يُجْزِئُهُ عَنْ الْوَاجِبِ بَعْدَهُ (الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ الْبُلُوغُ وَالْعِتْقُ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْحَجِّ لَكِنَّهُ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ فَلَا يُجْزِئُهُمَا عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ وَقْتَ الْعِبَادَةِ فَأَشْبَهَ مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ بَعْدَ

(7/57)


فَوَاتِ الرُّكُوعِ فَإِنَّهُ لَا تُحْسَبُ لَهُ تِلْكَ الرَّكْعَةُ (الثَّالِثُ) أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ أو في حَالَ الْوُقُوفِ فَيُجْزِئُهُمَا عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ لَا يُجْزِئُهُمَا وَالْخِلَافُ يُتَصَوَّرُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْعَبْدِ دُونَ الصَّبِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ لَا يَصِحُّ إحْرَامُهُ
* دَلِيلُنَا أَنَّهُ وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ كَامِلًا فَأَجْزَأَهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ كَمَا لَوْ كَمَلَ حَالَةَ الْإِحْرَامِ (الرَّابِعُ) أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ وَقَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِ الْوُقُوفِ بِأَنْ وَقَفَ يَوْمَ عَرَفَاتٍ ثُمَّ فَارَقَهَا ثُمَّ بَلَغَ أَوْ عَتَقَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لَيْلَةَ النَّحْرِ فَإِنْ رَجَعَ إلَى عَرَفَاتٍ فَحَصَلَ فِيهَا وَوَقْتُ الْوُقُوفِ بَاقٍ أَجْزَأَهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَوْ بَلَغَ وَهُوَ وَاقِفٌ وَإِنْ لَمْ يَعُدْ فوجهان مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا (الصَّحِيحُ) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لَا يُجْزِئُهُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ يُجْزِئُهُ وَسَبَقَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالصَّلَاةِ وَاضِحًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا أَجْزَأَهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ بَلَغَ أَوْ عَتَقَ فِي حَالِ الْوُقُوفِ أَوْ بَعْدَهُ وَعَادَ إلَى عَرَفَاتٍ فِي وَقْتِهِ أَوْ قَبْلَ الْوُقُوفِ فَإِنْ كَانَ لَمْ يَسْعَ عَقِبَ طَوَافِ الْقُدُومِ فَلَا بُدَّ مِنْ السَّعْيِ لِأَنَّهُ رُكْنٌ وَإِنْ كان

(7/58)


سَعَى فِي حَالِ الصِّبَا وَالرِّقِّ فَفِي وُجُوبِ إعَادَتِهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَجِبُ كَمَا لَا يَجِبُ إعَادَةُ الْإِحْرَامِ وَبِهَذَا قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سريج (أصحهما) يَجِبُ وَبِهِ قَطَعَ أَبُو عَلِيٍّ
الطَّبَرِيُّ فِي الْإِفْصَاحِ وَالدَّارِمِيُّ وَآخَرُونَ وَرَجَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي حَالِ النَّقْصِ فَوَجَبَتْ إعَادَتُهُ بِخِلَافِ الْإِحْرَامِ فَإِنَّهُ مُسْتَدَامٌ (وَأَمَّا) السَّعْيُ فَانْقَضَى بِكَمَالِهِ فِي حَالِ النَّقْصِ فَإِذَا وَقَعَ حَجُّهُ تَطَوُّعًا لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ وَقَعَ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ فَفِي وُجُوبِ الدَّمِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) عَلَى قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) لَا دَمَ إذْ لَا إسَاءَةَ وَلَا تَقْصِيرَ (وَالثَّانِي) يَجِبُ لِفَوَاتِ الْإِحْرَامِ الْكَامِلِ مِنْ الْمِيقَاتِ فَإِنَّ كَمَالَهُ أَنْ يُحْرِمَ بَالِغًا حُرًّا مِنْ الْمِيقَاتِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) لَا يَجِبُ قَوْلًا واحد وَبِهِ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ بْنُ سَلَمَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي بَابِ مَوَاقِيتِ الْحَجِّ وَجَزَمَ بِالطَّرِيقِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا الْخِلَافُ إذَا لَمْ يَعُدْ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ إلَى الْمِيقَاتِ فَإِنْ عَادَ إلَيْهِ مُحْرِمًا فَلَا دَمَ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا لَوْ تَرَكَ الْمِيقَاتَ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ وفيه وجه انه لا يسقط الدم بالعود هُنَا
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَالطَّوَافُ فِي الْعُمْرَةِ كَالْوُقُوفِ فِي الْحَجِّ فَإِذَا بَلَغَ أَوْ عَتَقَ أَجْزَأَتْهُ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ وَكَذَا لَوْ بَلَغَ أَوْ عَتَقَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فَلَا

(7/59)


وَحَيْثُ أَجْزَأَهُمَا عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَعُمْرَتِهِ فَهَلْ نَقُولُ وَقَعَ إحْرَامُهُمَا أَوَّلًا تَطَوُّعًا ثُمَّ انْقَلَبَ فَرْضًا عَقِبَ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ أَمْ وَقَعَ إحْرَامُهُمَا مَوْقُوفًا فَإِنْ أَدْرَكَا بِهِ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ تَبَيَّنَّا وُقُوعَهُ فَرْضًا وَإِلَّا فَنَفْلًا فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) وَقَعَ تَطَوُّعًا وَانْقَلَبَ فَرْضًا وَبِهَذَا قَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَفَائِدَةُ الْوَجْهَيْنِ أَنَّا إنْ قُلْنَا وَقَعَ نَفْلًا وَسَعَى عَقِبَ طَوَافِ الْقُدُومِ ثُمَّ بَلَغَ وَجَبَتْ إعَادَةُ السَّعْيِ وَإِلَّا فَلَا
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصْحَابَ قَالُوا إذَا أَفْسَدَ الصَّبِيُّ وَالْعَبْدُ حَجَّهُمَا وَقُلْنَا يَلْزَمُهُمَا الْقَضَاءُ وَلَا يَصِحُّ فِي الصِّبَا وَالرِّقِّ أَوْ قُلْنَا يَصِحُّ وَلَمْ يَفْعَلَاهُ حَتَّى كَمَلَا بِالْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ فَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْحَجَّةُ لَوْ سَلِمَتْ مِنْ الْإِفْسَادِ لَأَجْزَأَتْ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ بَلَغَ أَوْ عَتَقَ قَبْلَ فَوَاتِ الْوُقُوفِ وَقَعَ الْقَضَاءُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَتْ لَا تجزى عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ لَوْ سَلِمَتْ مِنْ الْإِفْسَادِ بِأَنْ بَلَغَ أَوْ عَتَقَ بَعْدَ فَوَاتِ الْوُقُوفِ لم يقع القضاء عن حجة الإسلام بل عَلَيْهِ أَنْ يَبْدَأَ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ يَقْضِيَ فَإِنْ نَوَى الْقَضَاءَ أَوَّلًا وَقَعَ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا أَصْلٌ لِكُلِّ حَجَّةٍ فَاسِدَةٍ إذَا قُضِيَتْ هَلْ يَقَعُ
عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ فِيهِ هَذَا التَّفْصِيلُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَاضِحًا فِي جِمَاعِ الصَّبِيِّ قَالَ الدَّارِمِيُّ: وَلَوْ فَاتَ الصَّبِيَّ وَالْعَبْدَ الْحَجُّ وَبَلَغَ وَعَتَقَ فَإِنْ كَانَ الْبُلُوغُ وَالْعِتْقُ قَبْلَ الْفَوَاتِ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ تُجْزِئُهُ عَنْ فَرْضِ الْإِسْلَامِ وَالْقَضَاءِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْفَوَاتِ فَعَلَيْهِ مجتان حجة الفوت وحجة الاسلام ويبدأ بالاسلام قال وإن أفد الْحُرُّ الْبَالِغُ حَجَّهُ قَبْلَ الْوُقُوفِ ثُمَّ فَاتَهُ الوقوف اجزأته حجة الْإِسْلَامِ وَيَبْدَأُ بِالْإِسْلَامِ قَالَ وَإِنْ أَفْسَدَ الْحُرُّ الْبَالِغُ حَجَّهُ قَبْلَ الْوُقُوفِ ثُمَّ فَاتَهُ الْوُقُوفُ أَجْزَأَتْهُ حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَالْفَوَاتِ وَالْقَضَاءِ وَعَلَيْهِ بَدَنَتَانِ إحْدَاهُمَا لِلْإِفْسَادِ وَالْأُخْرَى لِلْفَوَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي حُكْمِ إحْرَامِ الْكَافِرِ وَمُرُورِهِ بِالْمِيقَاتِ وَإِسْلَامِهِ فِي إحْرَامِهِ وَهَذَا الْفَرْعُ ذَكَرَهُ الْمُزَنِيّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَالْأَصْحَابُ أَجْمَعُونَ مَعَ مَسَائِلِ حَجِّ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ وَتَرْجَمُوا لِلْجَمِيعِ بَابًا وَاحِدًا وَقَدْ ذَكَرَ

(7/60)


الْمُصَنِّفُ مَسْأَلَةً مِنْهُ فِي بَابِ مَوَاقِيتِ الْحَجِّ فَرَأَيْتُ ذِكْرَهُ هُنَا أَوْلَى لِمُوَافَقَةِ الْجُمْهُورِ وَمُبَادَرَةً إلَى الْخَيْرَاتِ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا أَتَى كَافِرٌ الْمِيقَاتَ يُرِيدُ النُّسُكَ فَأَحْرَمَ مِنْهُ لَمْ يَنْعَقِدْ إحْرَامُهُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلَ فَوَاتِ الْوُقُوفِ وَلَزِمَهُ الْحَجُّ لِتَمَكُّنِهِ مِنْهُ فَلَهُ أَنْ يَحُجَّ مِنْ سَنَتِهِ وَلَهُ الاخير لِأَنَّ الْحَجَّ عَلَى التَّرَاخِي وَالْأَفْضَلُ حَجُّهُ مِنْ سَنَتِهِ فَإِنْ حَجَّ مِنْ سَنَتِهِ وَعَادَ إلَى الْمِيقَاتِ فَأَحْرَمَ مِنْهُ أَوْ عَادَ مِنْهُ مُحْرِمًا بَعْدَ إسْلَامِهِ فَلَا دَمَ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ لَمْ يَعُدْ بَلْ أَحْرَمَ وَحَجَّ مِنْ مَوْضِعِهِ لَزِمَهُ الدَّمُ كَالْمُسْلِمِ إذَا جَاوَزَهُ بِقَصْدِ النُّسُكِ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ إلَّا المزني فانه قال لا دم لانه مريد وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِ النُّسُكِ فَأَشْبَهَ غَيْرَ مُرِيدِ النُّسُكِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ هَذَا كُلُّهُ إذَا اسلم وامكنه الحج مِنْ سَنَتِهِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ بِأَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَتِهِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَجُّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَإِنْ اسْتَطَاعَ بَعْدَ ذَلِكَ لَزِمَهُ وَإِلَّا فَلَا وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لا اثر لاحرامه في الكفر في شئ مِنْ الْأَحْكَامِ فَلَوْ قَتَلَ صَيْدًا أَوْ وَطِئَ أَوْ تَطَيَّبَ أَوْ لَبِسَ أَوْ حَلَقَ شَعْرَهُ أَوْ فَعَلَ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ فلا شئ عَلَيْهِ وَلَا يَنْعَقِدُ نِكَاحُهُ وَكُلُّ هَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَلَوْ مَرَّ كَافِرٌ بِالْمِيقَاتِ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ وَأَقَامَ بِمَكَّةَ لِيَحُجَّ قَابِلًا مِنْهَا وَأَسْلَمَ قَالَ الدَّارِمِيُّ فَإِنْ كَانَ حِينَ مَرَّ بِالْمِيقَاتِ أَرَادَ حِجَّ تِلْكَ السَّنَةِ ثُمَّ حَجَّ بَعْدَهَا فَلَا دَمَ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ الدَّمَ
إنَّمَا يَجِبُ عَلَى تَارِكِ الْمِيقَاتِ إذَا حَجَّ مِنْ سَنَتِهِ وَهَذَا لَمْ يَحُجَّ مِنْ سَنَتِهِ وَإِنْ كَانَ نَوَى حَالَ مُرُورِهِ حِجَّ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ الَّتِي حَجَّ فِيهَا فَفِي وُجُوبِ الدَّمِ وَجْهَانِ قَالَ وَلَوْ كَانَ حِينَ مُرُورِهِ لَا يُرِيدُ إحْرَامًا بشئ ثُمَّ أَسْلَمَ وَأَحْرَمَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فَفَعَلَهُ مِنْ مَكَّةَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فَفِي وُجُوبِ الدَّمِ الْوَجْهَانِ كَالْكَافِرِ (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي حَجِّ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ سِوَى مَا سَبَقَ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّبِيَّ وَالْعَبْدَ إذَا أَحْرَمَا وَبَلَغَ وَعَتَقَ قَبْلَ فَوَاتِ الْوُقُوفِ أَجْزَأَهُمَا عَنْ حجة الاسلام وبه قال أبو اسحاق بن راهويه وقال بن الحسن البصري واحمد في العبد
* وقال أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ لَا يُجْزِئُهُمَا وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ (أَمَّا) إذَا لَمْ يَبْلُغْ ويعتق إلَّا بَعْدَ الْوُقُوفِ فَلَا يُجْزِئُهُ سَوَاءٌ كَانَ بَعْدَ ذَهَابِ وَقْتِ الْوُقُوفِ أَوْ فِي

(7/61)


الْوَقْتِ وَلَمْ يَعُدْ إلَى عَرَفَاتٍ كَمَا سَبَقَ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِنَا وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ يُجْزِئُهُمَا إنْ كَانَ وَقْتُ الْوُقُوفِ باقيا وان لم يرجعا والصحيح الْأَوَّلُ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ ولم يذكر في المسألة خلافا لغير ابن سريج قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ إلَّا مَنْ شَذَّ مِنْهُمْ مِمَّنْ لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِ خِلَافًا أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا حَجَّ ثُمَّ بَلَغَ وَالْعَبْدَ إذَا حَجَّ ثُمَّ عَتَقَ أَنَّ عَلَيْهِمَا بَعْدَ ذَلِكَ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ إنْ اسْتَطَاعَا وَإِحْرَامُ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ صَحِيحٌ عِنْدَنَا كَمَا سَبَقَ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَبِهِ قَالَ جَمِيعُ الْفُقَهَاءِ وَاخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُ دَاوُد وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ بُطْلَانُهُ وَلَوْ مَرَّ الْكَافِرُ بِالْمِيقَاتِ مُرِيدًا نُسُكًا وَجَاوَزَهُ ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ أَحْرَمَ وَلَمْ يَعُدْ إلَى الْمِيقَاتِ لَزِمَهُ دَمٌ كَمَا سَبَقَ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَقَالَ مَالِكٌ وَالْمُزَنِيُّ وَدَاوُد لَا يَلْزَمُهُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ (1) يَسُدُّ فِي وُجُوبِ الْحَجِّ لَكِنْ لَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ دفع المال إليه بل يصبحه الْوَلِيُّ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ أَوْ يُنَصِّبُ قَيِّمًا يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ السَّفِيهِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَإِذَا شَرَعَ السَّفِيهُ فِي حَجِّ الْفَرْضِ أَوْ حَجٍّ نَذَرَهُ قَبْلَ الْحَجْرِ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ لَمْ يَكُنْ لِلْوَلِيِّ تَحْلِيلُهُ بَلْ يَلْزَمُهُ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ السَّفِيهِ إلَى فَرَاغِهِ وَلَوْ شَرَعَ فِي حَجِّ تَطَوُّعٍ ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ وَلَوْ شَرَعَ فِيهِ بَعْدَ الْحَجْرِ فَلِلْوَلِيِّ تَحْلِيلُهُ إنْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَى مُؤْنَةٍ تَزِيدُ عَلَى نَفَقَتِهِ الْمَعْهُودَةِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ فَإِنْ لَمْ تَزِدْ أَوْ كَانَ لَهُ كَسْبٌ يَفِي مَعَ قَدْرِ النَّفَقَةِ الْمَعْهُودَةِ بِمُؤْنَةِ سَفَرِهِ وَجَبَ إتْمَامُهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ تَحْلِيلُهُ
*
(فَرْعٌ)
يَصِحُّ حَجُّ الْأَغْلَفِ وَهُوَ الَّذِي لَمْ يُخْتَنْ
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا يَحُجُّ الْأَغْلَفُ حَتَّى يُخْتَنَ) فَضَعِيفٌ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي كِتَابِ الْخِتَانِ مِنْ الْإِشْرَافِ هَذَا الْحَدِيثُ لَا يَثْبُتُ وَإِسْنَادُهُ مَجْهُولٌ
* (فَرْعٌ)
إذَا حَجَّ بِمَالٍ حَرَامٍ أَوْ رَاكِبًا دَابَّةً مَغْصُوبَةً أَثِمَ وَصَحَّ حَجُّهُ وَأَجْزَأَهُ عندنا وبه قال أبو حنيفة ومالك والعبد رى وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ
* وَقَالَ أَحْمَدُ لَا يُجْزِئُهُ
* وَدَلِيلُنَا أَنَّ الْحَجَّ

(7/62)


افعال مخصوصة والتحريم لمعنى خارج عنها * قال المصنف رحمه الله
* (فأما غير المستطيع فلا يجب عليه لقوله عز وجل (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إليه سبيلا) فدل على أنه لا يجب على غير المستطيع والمستطيع اثنان مستطيع بنفسه ومستطيع بغيره والمستطيع بنفسه ينظر فيه فان كَانَ مِنْ مَكَّةَ عَلَى مَسَافَةٍ تَقْصُرُ فِيهَا الصلاة فهو إن يكون صحيحا واجدا للزاد والماء بثمن المثل في المواضع التى جرت العادة ان يكون فيها في ذهابه ورجوعه وواجدا لراحلة تصلح لمثله بثمن المثل أو بأجرة المثل وان يكون الطريق آمنا من غير خفارة وان يكون عليه من الوقت ما يتمكن فيه من السير والاداء (فأما) إذا كان مريضا تلحقه مشقة غير معتادة فلا يلزمه لِمَا رَوَى أَبُو أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم مَنْ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ الْحَجِّ حَاجَةٌ أَوْ مَرَضٌ حَابِسٌ أَوْ سُلْطَانٌ جَائِرٌ فَلْيَمُتْ إنْ شاء يهوديا أو نصرانيا))
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ إسْنَادُهُ غَيْرَ قَوِيٍّ فَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ عَنْهُ نَحْوَهُ وَالْخُفَارَةُ - بِضَمِّ الْخَاءِ وَكَسْرِهَا وَفَتْحِهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ - حكاهن صاحب الحكم وَهِيَ الْمَالُ الْمَأْخُوذُ فِي الطَّرِيقِ لِلْحِفْظِ وَفِي الطَّرِيقِ لُغَتَانِ تَذْكِيرُهُ وَتَأْنِيثُهُ وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ هُنَا تَذْكِيرَهُ بِقَوْلِهِ آمِنًا وَلَمْ يَقُلْ آمِنَةً (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَالِاسْتِطَاعَةُ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْحَجِّ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَاخْتَلَفُوا فِي حَقِيقَتِهَا وَشُرُوطِهَا وَمَذْهَبُنَا أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ نوعان كما ذكره المصنف (استطاعة) بمباشرته بِنَفْسِهِ (وَاسْتِطَاعَةٌ) بِغَيْرِهِ فَالْأَوَّلُ شُرُوطُهُ الْخَمْسَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ (أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَ بَدَنُهُ صَحِيحًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُشْتَرَطُ
فِيهِ قُوَّةٌ يَسْتَمْسِكُ بِهَا عَلَى الرَّاحِلَةِ وَالْمُرَادُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ بِغَيْرِ مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ فَإِنْ وَجَدَ مَشَقَّةً شَدِيدَةً لِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَيْسَ مُسْتَطِيعًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَإِنْ لَمْ يجد الزاد لم يلزمه لما روى ابن عمر قال (قام رجل إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال يا رسول الله

(7/63)


ما يوجب الحج فقال الزاد والراحلة) فان لم يجد الماء لم يلزمه لان الحاجة الي الماء أشد من الحاجة إلى الزاد فإذا لم يجب علي من لم يجد الزاد فلان لا يجب علي من لم يجد الماء أولي وان وجد الماء والزاد باكثر من ثمن المثل لم يلزمه لانه لو لزم ذلك لم يامن ان لا يباع منه ذلك الا بما يذهب به جميع ماله وفى ايجاب ذلك إضرار فلم يلزمه)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَالَ إنَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَفِي إسْنَادِهِ إبْرَاهِيمُ بْنُ بريد الحوزى قال الترمذي وقد تكلم فيه بعض أهل مَنْ قَدْ قَلَّ حِفْظُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قُلْتُ) وقد اتفقت الاحفاظ على تضعيف ابراهيم الحوزى قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ قَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَادِيثَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْمَشْيُ عَلَى أَحَدٍ فِي الْحَجِّ وَإِنْ أَطَاقَهُ غَيْرَ أَنَّ فِيهَا منقطع ومنها ما يمتنع أَهْلُ الْحَدِيثِ مِنْ تَثْبِيتِهِ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ ابن عمر هذا من رواية الحوزى قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا هُوَ الَّذِي عَنَى الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ يَمْتَنِعُ أَهْلُ الْحَدِيثِ مِنْ تَثْبِيتِهِ قَالَ وانما امتنعوا من تثبيته لانه يعرف بالحوزى وَقَدْ ضَعَّفَهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ قَالَ وَقَدْ رُوِيَ من طريق غير الحوزى ولكنه اضعف من الحوزى قَالَ وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَرَاهُ إلَّا مُوهَمًا فَالصَّوَابُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ البصري عن النبي صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرُوِيَ فِي المسألة احاديث اخر لا يصح شئ منها (واشهرها) حديث ابراهيم الحوزى وينضم إليه مرسل الحسن وقد روى الدارقطني هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَهِيَ الْأَحَادِيثُ الَّتِي قَالَ الْبَيْهَقِيُّ لَا يَصِحُّ شئ مِنْهَا وَرَوَى الْحَاكِمُ حَدِيثَ أَنَسٍ وَقَالَ هُوَ صَحِيحٌ وَلَكِنَّ الْحَاكِمَ مُتَسَاهِلٌ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَيُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْحَجِّ وُجُودُ الزَّادِ وَالْمَاءِ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي جَرَتْ العادة بوجودها فِيهَا وَيُشْتَرَطُ وُجُودُهَا بِثَمَنِ الْمِثْلِ فَإِنْ زَادَ لم يجب الحج لان وجود الشئ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ
مِثْلِهِ كَعَدَمِهِ وَيُشْتَرَطُ وُجُودُ أَوْعِيَةِ الزَّادِ وَالْمَاءِ وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي سَفَرِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ كَانَتْ سَنَةَ

(7/64)


جَدْبٍ وَخَلَتْ بَعْضُ الْمَنَازِلِ الَّتِي جَرَتْ الْعَادَةُ بِحَمْلِ الزَّادِ مِنْهَا مِنْ أَهْلِهَا أَوْ انْقَطَعَتْ الْمِيَاهُ فِي بَعْضِهَا لَمْ يَجِبْ الْحَجُّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَثَمَنُ الْمِثْلِ الْمُعَيَّنُ فِي الْمَاءِ وَالزَّادِ هُوَ الْقَدْرُ اللَّائِقُ بِهِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ فَإِنْ وَجَدَهُمَا بِثَمَنِ الْمِثْلِ لَزِمَهُ تَحْصِيلُهُمَا والحج سواء كانت الاسعار غالية أم رخصية إذَا وَفَى مَالُهُ بِذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجِبُ حَمْلُ الْمَاءِ وَالزَّادِ بِقَدْرِ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ كَحَمْلِ الزَّادِ مِنْ الْكُوفَةِ إلَى (1) وَحَمْلِ الْمَاءِ مَرْحَلَتَيْنِ وَثَلَاثًا وَنَحْوِ ذَلِكَ بِحَسَبِ الْعَادَةِ وَالْمَوَاضِعِ وَيُشْتَرَطُ وُجُودُ آلَاتِ الْحَمْلِ (وَأَمَّا) عَلَفُ الدَّوَابِّ فَيُشْتَرَطُ وُجُودُهُ فِي كُلِّ مَرْحَلَةٍ لِأَنَّ الْمُؤْنَةَ تَعْظُمُ فِي حَمْلِهِ لِكَثْرَتِهِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَيَنْبَغِي أَنْ يَعْتَبِرَ فِيهِ الْعَادَةَ كَالْمَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَوْ ظَنَّ كَوْنَ الطَّرِيقِ فِيهِ مَانِعٌ كَعَدَمِ الْمَاءِ أَوْ الْعَلَفِ أَوْ أَنَّ فِيهِ عدوا أو نَحْوَ ذَلِكَ فَتَرَكَ الْحَجَّ فَبَانَ أَنْ لَا مانع فقد استقر عليه وجوب الحج صرح بِهِ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ وُجُودَ الْمَانِعِ وَلَا عَدَمَهُ قَالَ الدَّارِمِيُّ إنْ كَانَ هُنَاكَ أَصْلٌ عَمِلَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَيَجِبُ الْحَجُّ وَهَذَا فِي الْعَدُوِّ ظَاهِرٌ (وَأَمَّا) فِي وُجُودِ الْمَاءِ وَالْعَلَفِ فَمُشْكِلٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُمَا
* (فَرْعٌ)
لَوْ لَمْ يَجِدْ مَا يَصْرِفُهُ فِي الزَّادِ وَالْمَاءِ وَلَكِنَّهُ كَسُوبٌ يَكْتَسِبُ مَا يَكْفِيهِ وَوَجَدَ نَفَقَةً فَهَلْ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ تَعْوِيلًا عَلَى الْكَسْبِ حكى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُ إنْ كَانَ السَّفَرُ طَوِيلًا أَوْ قَصِيرًا وَلَا يَكْتَسِبُ فِي كُلِّ يَوْمٍ إلَّا كِفَايَةَ يَوْمِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ لِأَنَّهُ يَنْقَطِعُ عَنْ الْكَسْبِ فِي أَيَّامِ
*
__________
(1) بياض بالاصل فحرر

(7/65)


الْحَجِّ وَإِنْ كَانَ السَّفَرُ قَصِيرًا وَيَكْتَسِبُ فِي يَوْمٍ كِفَايَةَ أَيَّامٍ لَزِمَهُ الْحَجُّ قَالَ) الْإِمَامُ وَفِيهِ احْتِمَالٌ فَإِنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْكَسْبِ يَوْمَ الْعِيدِ لَا تُجْعَلُ كَمِلْكِ الصَّاعِ فِي وُجُوبِ الفطرة هذا مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَسَكَتَ عَلَيْهِ *
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* (وَإِنْ لَمْ يجد راحلة لم يلزمه لحديث ابن عمر وان وجد راحلة لا تصلح لمثله بان يكون ممن لا يمكنه
الثبوت على القتب والزاملة لم يلزمه حتي يجد عمارية أو هودجا وان بذل له رجل راحلة) من غير عوض لم يلزمه قبولها لان عليه في قبول ذلك منة وفي تحمل المنة مشقة فلا يلزمه وإن وجد بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ اجرة المثل لم يلزمه لما ذكرناه في الزاد)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الزَّامِلَةُ بَعِيرٌ يَسْتَظْهِرُ بِهِ الْمُسَافِرُ يَحْمِلُ عَلَيْهِ طَعَامَهُ وَمَتَاعَهُ (وَأَمَّا) الْعِمَارِيَّةُ - فَبِفَتْحِ الْعَيْنِ - وَالصَّوَابُ تَخْفِيفُ مِيمِهَا وَسَبَقَ بَيَانُهَا وَاضِحًا فِي بَابِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَسَبَقَ بَيَانُ الْهَوْدَجِ قَرِيبًا عِنْدَ ذِكْرِ الْمِحَفَّةِ فِي حَجِّ الصَّبِيِّ (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَإِذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَسَافَةٌ تَقْصُرُ فِيهَا الصَّلَاةُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْحَجُّ إلَّا إذَا وَجَدَ رَاحِلَةً تَصْلُحُ لِمِثْلِهِ بِثَمَنِ الْمِثْلِ أَوْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا أَوْ وَجَدَهَا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ أَوْ عَجَزَ عَنْ ثَمَنِهَا أَوْ أُجْرَتِهَا لَمْ يَلْزَمْهُ الْحَجُّ سَوَاءٌ قَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ وَكَانَ عَادَتَهُ أَمْ لَا لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لِلنَّاذِرِ الْحَجُّ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ كَانَ يَسْتَمْسِكُ عَلَى الرَّاحِلَةِ مِنْ غَيْرِ مَحْمِلٍ وَلَا يَلْحَقُهُ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ لَمْ يُشْتَرَطْ فِي حَقِّهِ الْقُدْرَةُ عَلَى الْمَحْمِلِ بَلْ يُشْتَرَطُ قُدْرَتُهُ

(7/66)


عَلَى رَاحِلَةٍ وَإِنْ كَانَتْ مُقْتَبَةً وَإِنْ كَانَتْ زَامِلَةً فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ إلَّا بِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ فَإِنْ كَانَ شَيْخًا هَرَمًا أَوْ شَابًّا ضَعِيفًا أَوْ عَادَتُهُ التَّرَفُّهَ وَنَحْوَ ذَلِكَ اُشْتُرِطَ وُجُودُ الْمَحْمِلِ وَرَاحِلَةٌ تَصْلُحُ لِلْمَحْمِلِ قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَآخَرُونَ وَلَوْ وَجَدَ مَشَقَّةً شَدِيدَةً فِي رُكُوبِ الْمَحْمِلِ اُشْتُرِطَ فِي حَقِّهِ الْكَنِيسَةُ وَنَحْوُهَا بِحَيْثُ تَنْدَفِعُ عَنْهُ الْمَشَقَّةُ الشَّدِيدَةُ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَآخَرُونَ وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَرْأَةِ وُجُودُ الْمَحْمِلِ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ مُسْتَمْسِكٍ عَلَى الْمُقْتَبِ وَغَيْرِهِ قَالَ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ الْعَادَةُ جَارِيَةٌ بِرُكُوبِ اثْنَيْنِ فِي مَحْمِلٍ فَإِذَا وَجَدَ مُؤْنَةَ مَحْمِلٍ أَوْ شِقَّ مَحْمِلٍ وَوَجَدَ شَرِيكًا يَرْكَبُ مَعَهُ فِي الشِّقِّ الْآخَرِ لَزِمَهُ الْحَجُّ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الشَّرِيكَ لَمْ يَلْزَمْهُ سَوَاءٌ وَجَدَ مُؤْنَةَ الْمَحْمِلِ أَوْ الشِّقِّ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَا يبعد تخريجه عَلَى إلْزَامِ أُجْرَةِ الْبَذْرَقَةِ قَالَ وَفِي كَلَامِ إمام الحرمين اشارة إليه وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* (وَإِنْ وُجِدَ الزاد والراحلة لذهابه ولم يجد لرجوعه نظرت فان كان له أهل في بلده لم يلزمه وان لم يكن له أهل ففيه وجهان
(أحدهما)
يلزمه لان البلاد كلها في حقه واحدة (والثاني) لا يلزمه لانه يستوحش
بالانقطاع عن الوطن والمقام في الغربة فلم يلزمه)
* (الشَّرْحُ) اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ فِي بَلَدِهِ أَهْلٌ أَوْ عَشِيرَةٌ اُشْتُرِطَتْ قُدْرَتُهُ عَلَى الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَسَائِرِ مُؤَنِ الْحَجِّ فِي ذَهَابِهِ وَرُجُوعِهِ فَإِنْ مَلَكَهُ لِذَهَابِهِ دُونَ رُجُوعِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ بِلَا خِلَافٍ

(7/67)


إلَّا مَا انْفَرَدَ بِهِ الْحَنَّاطِيُّ وَالرَّافِعِيُّ فَحَكَيَا وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ نَفَقَةُ الرُّجُوعِ وَهَذَا غَلَطٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَهْلٌ وَلَا عَشِيرَةٌ هَلْ يُشْتَرَطُ ذَلِكَ لِلرُّجُوعِ فِيهِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَهُمَا مَشْهُورَانِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ أَصَحَّهُمَا الِاشْتِرَاطُ فَلَا يَلْزَمُهُ إذا لم يقدر علي ذلك ودليلهما فِي الْكِتَابِ وَالْوَجْهَانِ جَارِيَانِ فِي اشْتِرَاطِ الرَّاحِلَةِ بِلَا خِلَافٍ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَهَلْ يُخَصُّ الْوَجْهَانِ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ له ببلده مسكنا فِيهِ احْتِمَالَاتٌ لِلْإِمَامِ (أَصَحُّهَا) عِنْدَهُ التَّخْصِيصُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَيْسَ الْمَعَارِفُ وَالْأَصْدِقَاءُ كَالْعَشِيرَةِ لِأَنَّ الِاسْتِبْدَالَ بِهِمْ مُتَيَسِّرٌ فَيَجْرِي فِيهِ الْوَجْهَانِ فِيمَنْ لَيْسَ له عشيرة ولا اهل
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* (وَإِنْ وُجِدَ مَا يَشْتَرِي بِهِ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لِدَيْنٍ عَلَيْهِ لَمْ يَلْزَمْهُ حَالًّا كَانَ الدَّيْنُ أَوْ مُؤَجَّلًا لِأَنَّ الدَّيْنَ الْحَالَّ عَلَى الْفَوْرِ وَالْحَجُّ عَلَى التَّرَاخِي فَقُدِّمَ عَلَيْهِ وَالْمُؤَجَّلُ يَحُلُّ عَلَيْهِ فَإِذَا صَرَفَ مَا مَعَهُ فِي الْحَجِّ لَمْ يَجِدْ مَا يَقْضِي بِهِ الدَّيْنَ)
* (الشَّرْحُ) هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ وَأَطْبَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ مِنْ الطَّرِيقَيْنِ وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ ضَعِيفٌ أَنَّهُ إذَا كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا أَجَلًا لَا يَنْقَضِي إلَّا بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ الْحَجِّ لَزِمَهُ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الدَّارِمِيُّ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَقَطَعَ بِهِ الْجَمَاهِيرُ وَنَقَلَ كَثِيرُونَ

(7/68)


أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ رَضِيَ صَاحِبُ الدَّيْنِ بِتَأْخِيرِهِ إلَى مَا بَعْدَ الْحَجِّ لَمْ يَلْزَمْهُ الْحَجُّ بِلَا خِلَافٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ فَإِنْ أَمْكَنَ تَحْصِيلُهُ فِي الْحَالِ بِأَنْ كَانَ حَالًّا عَلَى ملئ مُقِرٍّ أَوْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَهُوَ كَالْحَالِّ فِي يَدِهِ وَيَجِبُ الْحَجُّ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَحْصِيلُهُ بِأَنْ كَانَ مُؤَجَّلًا أَوْ حَالًّا عَلَى مُعْسِرٍ أَوْ جَاحِدٍ
وَلَا بَيِّنَةَ عَلَيْهِ لَمْ يَجِبْ عليه الْحَجُّ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِبْ عليه بسبب دبن عَلَيْهِ فَعَدَمُ وُجُوبِ الِاسْتِدَانَةِ أَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* (وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ لِنَفَقَةِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ لَمْ يلزمه الحج لان النقة عَلَى الْفَوْرِ وَالْحَجُّ عَلَى التَّرَاخِي وَإِنْ احْتَاجَ إلَيْهِ لِمَسْكَنٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مِثْلِهِ أَوْ خَادِمٍ يَحْتَاجُ إلَى خِدْمَتِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ)
* (الشَّرْحُ) أَمَّا إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ لِنَفَقَةِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مُدَّةَ ذَهَابِهِ وَرُجُوعِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَكِسْوَةُ مَنْ تَلْزَمُهُ كِسْوَتُهُ وَسُكْنَاهُ كَنَفَقَتِهِ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْمُؤَنِ (أَمَّا) إذَا احْتَاجَ إلَى مَسْكَنٍ أَوْ خَادِمٍ يَحْتَاجُ إلَى خِدْمَتِهِ لِمَنْصِبِهِ أَوْ زَمَانَتِهِ وَنَحْوِهِمَا وَلَيْسَ مَعَهُ مَا يَفْضُلُ عَنْ ذَلِكَ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَكَثِيرُونَ أَوْ الْأَكْثَرُونَ لَا يَلْزَمُهُ وَصَحَّحَهُ الْجُمْهُورُ وَمِمَّنْ قَطَعَ بِهِ مَعَ الْمُصَنِّفِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَفِي الْمُجَرَّدِ وَالدَّارِمِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْفُورَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ أَصْحَابِنَا وَنَقَلَ تَصْحِيحَهُ الرَّافِعِيُّ عن

(7/69)


الْأَكْثَرِينَ وَقَاسُوهُ عَلَى الْكَفَّارَةِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بَيْعُ الْمَسْكَنِ وَالْخَادِمِ فِيهِمَا وَعَلَى ثِيَابِهِ وَمَا في معناها من ضرورات حَاجَاتِهِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) يَلْزَمُهُ الْحَجُّ وَبَيْعُ الْمَسْكَنِ وَالْخَادِمِ فِي ذَلِكَ وَبِهَذَا قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِيمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَقَطَعَ بِهِ أيضا البندنيجي وصححه الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَالْمُتَوَلِّي وَعَلَى هَذَا يَسْتَأْجِرُ مَسْكَنًا وَخَادِمًا وَفَرَّقَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَفَّارَةِ بِأَنَّ لَهَا بَدَلًا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْحَجِّ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ كَمَا سَبَقَ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَلَمْ يَنُصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ قَرِيبًا مِنْهَا فَإِذَا اشْتَرَطْنَا لِوُجُوبِ الْحَجِّ زِيَادَةً عَلَى الْمَسْكَنِ وَالْخَادِمِ فَلَمْ يُوجَدَا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُ مَالٌ يَصْرِفُهُ فِيهِمَا ولا يفضل شئ لَمْ يَلْزَمْهُ الْحَجُّ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَتْ الدَّارُ مُسْتَغْرِقَةً لِحَاجَتِهِ وَكَانَتْ سُكْنَى مِثْلِهِ وَالْعَبْدُ لَائِقٌ بِخِدْمَةِ مِثْلِهِ فَإِنْ أَمْكَنَ بِبَعْضِ الدَّارِ وَوَفَى ثَمَنُهُ بِمُؤْنَةِ الْحَجِّ وَيَكْفِيهِ لِسُكْنَاهُ بَاقِيهَا أَوْ كَانَا لَا يَلِيقَانِ بِمِثْلِهِ وَلَوْ أَبْدَلَهُمَا أو في الزَّائِدُ بِمُؤْنَةِ الْحَجِّ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ هُنَا وَكَذَا نَقَلَ الرَّافِعِيُّ أن الاصحاب أطلقوه هنا قال لكن فِي بَيْعِ الدَّارِ وَالْعَبْدِ النَّفِيسَيْنِ
الْمَأْلُوفَيْنِ فِي الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ قَالَ وَلَا بُدَّ مِنْ جَرَيَانِهِمَا هُنَا وَهَذَا لَمْ يَنْقُلُهُ عَنْ غَيْرِهِ وَلَيْسَ جَرَيَانُهُمَا بِلَازِمٍ وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ لَهَا بدلا وَلِهَذَا اتَّفَقُوا عَلَى تَرْكِ الْمَسْكَنِ وَالْخَادِمِ فِي الْكَفَّارَةِ وَاخْتَلَفُوا فِيهِمَا هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ كَانَ فَقِيهًا وَلَهُ كُتُبٌ فَهَلْ يَلْزَمُهُ بَيْعُهَا لِلْحَجِّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ

(7/70)


لَهُ مِنْ كُلِّ كِتَابٍ إلَّا نُسْخَةٌ وَاحِدَةٌ لَمْ يَلْزَمْهُ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى كُلِّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لَهُ نُسْخَتَانِ لَزِمَهُ بَيْعُ إحْدَاهُمَا فَإِنَّهُ لَا حَاجَةَ بِهِ إلَيْهَا هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَقَالَ فِي مُجَرَّدِهِ لَا يَلْزَمُهُ بَيْعُ كُتُبِهِ إلَّا إذَا كَانَ لَهُ نُسْخَتَانِ مِنْ كِتَابٍ فَيَجِبُ بَيْعُ إحْدَاهُمَا وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ يَلْزَمُ الْفَقِيهَ بَيْعُ كُتُبِهِ فِي الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَصَرْفُ ذَلِكَ فِي الْحَجِّ وَكَذَا الْمَسْكَنُ وَالْخَادِمُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ ضَعِيفٌ وَهُوَ تَفْرِيعٌ مِنْهُ عَلَى طَرِيقَتِهِ الضَّعِيفَةِ فِي وُجُوبِ بَيْعِ الْمَسْكَنِ وَالْخَادِمِ لِلْحَجِّ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْمَذْهَبَ لَا يُلْزِمُهُ ذَلِكَ فَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فَهُوَ الْجَارِي عَلَى عَادَةِ الْمَذْهَبِ وَعَلَى مَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ هُنَا فِي الْمَسْكَنِ وَالْخَادِمِ وَعَلَى مَا قَالُوهُ فِي بَابِ الْكَفَّارَةِ وَبَابِ التَّفْلِيسِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْمَسْكَنِ وَالْخَادِمِ فِي أَوَّلِ بَابِ قَسْمِ الصَّدَقَاتِ فِي فَصْلِ سَهْمِ الْفَقِيرِ والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وان احتاج إلى النكاح وهو يخاف العنت قدم النكاح لان الحاجة الي ذلك علي الفور والحج ليس علي الفور)
* (الشَّرْحُ) قَالَ الرَّافِعِيُّ لَوْ مَلَكَ فَاضِلًا عَنْ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ مَا يُمْكِنُهُ بِهِ الْحَجُّ وَاحْتَاجَ إلَى النِّكَاحِ لِخَوْفِ الْعَنَتِ فَصَرْفُ الْمَالِ إلَى النِّكَاحِ أَهَمُّ مِنْ صَرْفِهِ إلَى الْحَجِّ هَذِهِ عِبَارَةُ الْجُمْهُورِ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ حَاجَةَ النِّكَاحِ نَاجِزَةٌ وَالْحَجُّ عَلَى التَّرَاخِي وَالسَّابِقُ إلَى الْفَهْمِ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْحَجُّ وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَيَصْرِفُ مَا مَعَهُ فِي النِّكَاحِ وَقَدْ صَرَّحَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِهَذَا وَلَكِنْ كَثِيرٌ مِنْ العراقيين وغيرهم

(7/71)


قالوا يجب الحج علي من أراد التزويج لَكِنْ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ لِوُجُوبِهِ عَلَى التَّرَاخِي ثُمَّ إنْ لَمْ يَخَفْ الْعَنَتَ
فَتَقْدِيمُ الْحَجِّ أَفْضَلُ وَإِلَّا فَالنِّكَاحُ هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَقَدْ صرح خلائق من الصحاب بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ وَيَسْتَقِرُّ فِي ذِمَّتِهِ وَلَكِنْ لَهُ صَرْفُ هَذَا الْمَالِ إلَى النِّكَاحِ وَهُوَ أَفْضَلُ وَيَبْقَى الْحَجُّ فِي ذِمَّتِهِ مِمَّنْ صَرَّحَ بِهَذَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابَيْهِ التَّعْلِيقِ وَالْمُجَرَّدِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كتابه الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالدَّارِمِيُّ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ فَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ وَلَا تُقْبَلُ دَعْوَى الرَّافِعِيِّ فِيمَا قَالَهُ عَنْ الْجُمْهُورِ وَفَهْمِهِ عَنْهُمْ (وأما) نقله عن إمام الحرمين فصحيح وَقَدْ صَرَّحَ الْجُرْجَانِيُّ فِي الْمُعَايَاةِ بِهِ فَقَالَ لَا يَصِيرُ مُسْتَطِيعًا وَهَذَا لَفْظُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ قال قال العراقيون لو فضل شئ وَخَافَ الْعَنَتَ لَوْ لَمْ يَتَزَوَّجْ وَكَانَ بِحَيْثُ يُبَاحُ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يَحُجَّ بَلْ لَهُ صَرْفُ الْمَالِ إلَى النِّكَاحِ لان في تأخيره ضرر به والحج على التراخي قال فإذا لَا اسْتِطَاعَةَ وَلَا وُجُوبَ قَالَ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْعِرَاقِيُّونَ قَاطِعِينَ بِهِ قِيَاسُ طُرُقِنَا وَإِنْ لم نجده منوصوصا فِيهَا هَذَا لَفْظُ الْإِمَامِ بِحُرُوفِهِ وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ إنَّمَا صَرَّحَ بِأَنَّهُ لَا تَحْصُلُ الِاسْتِطَاعَةُ اعْتِمَادًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْعِرَاقِيُّونَ وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرَهُ الْعِرَاقِيُّونَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْحَجُّ بَلْ قالوا تجب الْحَجُّ وَلَهُ تَأْخِيرُهُ وَصَرْفُ الْمَالِ إلَى النِّكَاحِ وَيَكُونُ الْحَجُّ ثَابِتًا فِي الذِّمَّةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُمْ وَفِي حِكَايَةِ الْإِمَامِ عَنْهُمْ إشَارَةٌ إلَى هَذَا فَالصَّوَابُ اسْتِقْرَارُ الْحَجِّ كَمَا سَبَقَ وَعَلَّلَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ النِّكَاحَ مِنْ الْمَلَاذِ فلا يمنع وجوب الحج والله اعلم
*

(7/72)


*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* (وَإِنْ احْتَاجَ إليه فِي بضاعة يَتَّجِرُ فِيهَا لِيُحَصِّل مَا يَحْتَاج إلَيْهِ لِلنَّفَقَةِ فَفِيهِ وَجْهَانِ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ ابن سُرَيْجٍ لَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ فهو كَالْمَسْكَنِ وَالْخَادِمِ (وَمِنْ) أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يَلْزَمُهُ لانه واجد للزاد والراحلة)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا كَانَتْ لَهُ بِضَاعَةٌ يكسب بِهَا كِفَايَتَهُ وَكِفَايَةَ عِيَالِهِ أَوْ كَانَ لَهُ عَرَضُ تِجَارَةٍ يُحَصِّلُ مِنْ غَلَّتِهِ كُلَّ سَنَةٍ كفاية وَكِفَايَةَ عِيَالِهِ وَلَيْسَ مَعَهُ مَا يَحُجُّ بِهِ غَيْرُ ذَلِكَ وَإِذَا حَجَّ بِهِ كَفَاهُ وَكَفَى عياله ذاهبا وراجعا ولا يفضل شئ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ فِيهِ هَذَانِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَهُمَا مَشْهُورَانِ
(أَحَدُهُمَا)

لَا يَلْزَمُهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ وَالشَّاشِيُّ قَالَ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ فِي الْمُفْلِسِ يُتْرَكُ لَهُ مَا يَتَّجِرُ بِهِ لِئَلَّا يَنْقَطِعَ وَيَحْتَاجَ إلَى النَّاسِ فَإِذَا جَازَ أَنْ يَقْطَعَ لَهُ مِنْ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِضَاعَةً فَجَوَازُهُ فِي الْحَجِّ أَوْلَى (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ لِلزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَهُمَا الرُّكْنُ الْمُهِمُّ فِي وُجُوبِ الْحَجِّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَلَوْ لَمْ نَقُلْ بِالْوُجُوبِ لَلَزِمَ أَنْ نَقُولَ مَنْ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَّجِرَ بِأَقَلَّ مِنْ أَلْفِ دِينَارٍ لَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ إذَا مَلَكَهَا وَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْمَسْكَنِ وَالْخَادِمِ أَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِمَا فِي الْحَالِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ نَجِدُهُ ذَخِيرَةً قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي بَابِ التَّفْلِيسِ فَمُرَادُهُ انه يترك له ذلك برضي الْغُرَمَاءِ فَأَمَّا بِغَيْرِ رِضَاهُمْ فَلَا يُتْرَكُ وَهَذَا الَّذِي صَحَّحْنَاهُ مِنْ وُجُوبِ الْحَجِّ هُوَ الصَّحِيحُ عند جماهير الاصحاب فمن صححه

(7/73)


الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِ سِوَى ابْنِ سُرَيْجٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَلَا أَعْرِفُ مَا حُكِيَ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ عَنْهُ وَلَا أجده في شئ من كتبه قال أبو حامة وَقَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ خِلَافٌ لِلْإِجْمَاعِ وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ قَوْلُ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ وَمَا قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ غَلَطٌ وَكَذَا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ عَامَّةَ أَصْحَابِنَا قَالُوا بِالْوُجُوبِ خِلَافًا لِابْنِ سُرَيْجٍ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُمْ غَلَّطُوا ابْنَ سُرَيْجٍ فِي هَذَا وَزَيَّفُوا قَوْلَهُ وَهُوَ كَمَا قَالُوهُ هَذَا لَفْظُ الْإِمَامِ وَبِالْوُجُوبِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَبِعَدَمِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَأَنْكَرَ بَعْضُهُمْ عَلَى الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ دَعْوَاهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى الْوُجُوبِ مَعَ مُخَالَفَةِ أَحْمَدَ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ أَرَادَ إجْمَاعَ مَنْ قَبْلَهُ وَكَأَنَّهُ يَقُولُ إنَّ أَحْمَدَ وَابْنَ سُرَيْجٍ مَحْجُوجَانِ بِالْإِجْمَاعِ قَبْلَهُمَا وَاَللَّهُ اعلم
*

(7/74)


* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* (وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْمَشْيِ وله صنعة يكتسب بها كافيته لِنَفَقَتِهِ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَحُجَّ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى إسْقَاطِ الْفَرْضِ بِمَشَقَّةٍ لَا يُكْرَهُ تَحَمُّلُهَا فاستحب له اسقاط الفرض كالمسافر
إذ قَدَرَ عَلَى الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ صَنْعَةٌ وَيَحْتَاجُ إلَى تَكَفُّفِ النَّاسِ كُرِهَ لَهُ أَنْ يَحُجَّ بِمَسْأَلَةٍ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَكْرُوهَةٌ وَلِأَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ تَحَمُّلَ مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ فكره)
* (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ لَا يُكْرَهُ تَحَمُّلُهَا احْتِرَازٌ عَنْ الْمَسْأَلَةِ (وَقَوْلُهُ) يَتَكَفَّفُ مَعْنَاهُ يَسْأَلُ النَّاسَ شَيْئًا فِي كَفِّهِ وَهَذَا الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ أَمْكَنَهُ أَنْ يُكْرِيَ نَفْسَهُ

(7/75)


فِي طَرِيقِهِ اُسْتُحِبَّ لَهُ الْحَجُّ بِذَلِكَ وَلَا يجب ذلك ودليلهما ما بين فِي الْقَادِرِ عَلَى الصَّنْعَةِ فَإِنْ أَكْرَى نَفْسَهُ فَحَضَرَ مَوْضِعَ الْحَجِّ لَزِمَهُ الْحَجُّ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ الْآنَ بِلَا مَشَقَّةٍ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِقْرَاضُ مَالٍ يَحُجُّ بِهِ بِلَا خِلَافٍ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ لِقَاصِدِ الْحَجِّ أَنْ يَكُونَ مُتَخَلِّيًا عَنْ التِّجَارَةِ وَنَحْوِهَا فِي طَرِيقِهِ فَإِنْ خَرَجَ بِنِيَّةِ الْحَجِّ وَالتِّجَارَةِ فَحَجَّ وَاتَّجَرَ صَحَّ حَجُّهُ وَسَقَطَ عَنْهُ فَرْضُ الْحَجِّ لَكِنْ ثَوَابُهُ دُونَ ثَوَابِ الْمُتَخَلِّي عَنْ التِّجَارَةِ وَكُلُّ هَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَدَلِيلُ هَذَا مَعَ مَا سَبَقَ ثَابِتٌ عَنْ ابْنِ عباس قال (كانت عكاظ ومكة وذو المحار اسواما فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَمَالُوا أَنْ يَتَّجِرُوا فِي الْمَوَاسِمِ فَنَزَلَتْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ ربكم فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ

(7/76)


أَيْضًا (أَنَّ النَّاسَ فِي أَوَّلِ الْحَجِّ كَانُوا يتبايعون بمني وعرفات وذى المحار وَمَوَاسِمِ الْحَجِّ فَخَافُوا الْبَيْعَ وَهُمْ حُرُمٌ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا من ربكم فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ التَّيْمِيِّ قَالَ (كُنْتُ رَجُلًا أُكْرَى فِي هَذَا الْوَجْهِ وَإِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ لَيْسَ لَك حَجٌّ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ أَلَيْسَ يُحْرِمُ وَيُلَبِّي وَيَطُوفُ بالبيت ويفضى من عرفات ويرمي الحجار قُلْتُ بَلَى قَالَ فَإِنَّ لَك حَجًّا جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَمَّا سَأَلْتنِي عَنْهُ فَسَكَتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُجِبْهُ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ ربكم) فَأَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَرَأَ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةَ وَقَالَ لَكَ حَجٌّ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ فقال (أو أجر
نَفْسِي مِنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ فَأَنْسُكُ مَعَهُمْ الْمَنَاسِكَ إلَى آخِرِهَا فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ نَعَمْ أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاَللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ) رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ
*

(7/77)


(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ عَادَتُهُ سُؤَالُ النَّاسِ أَوْ الْمَشْيُ
* مَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَنَقَلَهُ ابن المنذر عن الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَمُجَاهِدٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَأَحْمَدَ واسحق وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ قَالَ الْبَغَوِيّ هو قول العماء وَقَالَ مَالِكٌ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ فِي الصُّورَتَيْنِ وَبِهِ قَالَ دَاوُد وَقَالَ عِكْرِمَةُ الِاسْتِطَاعَةُ صِحَّةُ الْبَدَنِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَا يَثْبُتُ فِي الْبَابِ حديث مسند قال وحديث (ما لسبيل قَالَ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ) ضَعِيفٌ وَهُوَ كَمَا قَالَ وقد سبق بيانه
*

(7/78)


* قال المصنف رحمه الله
* (وإن كان الطريق غير آمن لم يلزمه لحديث ابي امامة ولان في ايجاب الحج مع الخوف تغريرا بالنفس والمال وإن كان الطريق آمنا الا انه محتاج إلى خفارة لم يلزمه لان ما يؤخذ من الخفارة بمنزلة ما زاد علي ثمن المثل واجرة المثل في الزاد والراحلة فلا يلزمه ولانه رشوة علي واجب فلم يلزمه)
*

(7/79)


(الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ سَبَقَ فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ وَسَبَقَ في الفصل المذكوران الْخُفَارَةَ - بِضَمِّ الْخَاءِ وَكَسْرِهَا وَفَتْحِهَا - وَالرِّشْوَةُ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا - لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْحَجِّ أَمْنُ الطَّرِيقِ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ النَّفْسِ وَالْمَالِ وَالْبَضْعِ (فَأَمَّا) الْبَضْعُ فَمُتَعَلِّقٌ بِحَجِّ الْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى وَسَنَذْكُرُهُمَا بَعْدَ هَذَا بِقَلِيلٍ حَيْثُ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وليس للامن الْمُشْتَرَطُ أَمْنًا قَطْعِيًّا قَالَ وَلَا يُشْتَرَطُ الْأَمْنُ

(7/80)


الْغَالِبُ فِي الْحَضَرِ بَلْ الْأَمْنُ فِي كُلِّ مَكَان بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِهِ (فَأَمَّا) النَّفْسُ فَمَنْ خَافَ عَلَيْهَا مِنْ سَبُعٍ
أَوْ عَدُوٍّ كَافِرٍ أَوْ مُسْلِمٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْحَجُّ إنْ لَمْ يَجِدْ طَرِيقًا آخَرَ آمِنًا فَإِنْ وَجَدَهُ لَزِمَهُ سَوَاءٌ كَانَ مِثْلَ طَرِيقِهِ أَوْ أَبْعَدَ إذَا وَجَدَ مَا يَقْطَعُهُ بِهِ وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ ضَعِيفٌ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ سُلُوكُ الْأَبْعَدِ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ (وَأَمَّا) الْبَحْرُ فَسَنَذْكُرُ الْخَوْفَ مِنْهُ عَقِيبَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) الْمَالُ فَلَوْ خَافَ عَلَى مَالِهِ فِي الطَّرِيقِ مِنْ عَدُوٍّ أَوْ رَصَدِيٍّ أَوْ غيره لم

(7/81)


يَلْزَمْهُ الْحَجُّ سَوَاءٌ طَلَبَ الرَّصَدِيُّ شَيْئًا قَلِيلًا أو كثيرا إذا تعين ذلك الطريق ولم يَجِدْ غَيْرَهُ سَوَاءٌ كَانَ الْعَدُوُّ الَّذِي يَخَافُهُ مُسْلِمِينَ أَوْ كُفَّارًا لَكِنْ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كان العدو كافرا وَأَطَاقَ الْحَاجُّ مُقَاوَمَتَهُمْ اُسْتُحِبَّ لَهُمْ الْخُرُوجُ إلَى الْحَجِّ وَيُقَاتِلُونَهُمْ لِيَنَالُوا الْحَجَّ وَالْجِهَادَ جَمِيعًا وَإِنْ كَانُوا مُسْلِمِينَ لَمْ يُسْتَحَبَّ الْخُرُوجُ وَلَا الْقِتَالُ قال أصحابنا ويكره بذل المال للرصديين لِأَنَّهُمْ يَحْرِصُونَ عَلَى التَّعَرُّضِ لِلنَّاسِ بِسَبَبِ ذَلِكَ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْن وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَلَوْ وَجَدُوا مَنْ يَخْفِرُهُمْ بِأُجْرَةٍ وَغَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَمْنُهُمْ فَفِي وُجُوبِ اسْتِئْجَارِهِ وَوُجُوبِ الْحَجِّ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ (أصحهما) عِنْدَهُ وُجُوبُهُ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ أُهَبِ الطَّرِيقِ فَهُوَ كَالرَّاحِلَةِ
(وَالثَّانِي)
لَا يَجِبُ لِأَنَّ سَبَبَ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ خَوْفُ الطَّرِيقِ وَخُرُوجُهَا عَنْ الِاعْتِدَالِ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ أَمْنَ الطَّرِيقِ شَرْطٌ هَكَذَا ذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَتَابَعَهُ الْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّهُ إذَا احْتَاجَ إلَى خُفَارَةٍ لَمْ يَجِبْ الْحَجُّ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُمْ أَرَادُوا بالخفارة ما يأخذه الرصديون في المراصد وَهَذَا لَا يَجِبُ الْحَجُّ مَعَهُ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَكُونُونَ مُتَعَرِّضِينَ لِمِثْلِهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ ويحتمل أنهم أرادو الصُّورَتَيْنِ فَيَكُونُ خِلَافَ مَا قَالَهُ وَلَكِنْ الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ وَأَظْهَرُ فِي الدَّلِيلِ فَيَكُونُ الْأَصَحُّ عَلَى الْجُمْلَةِ وُجُوبَ الْحَجِّ إذَا وَجَدُوا مَنْ يَصْحَبُهُمْ الطَّرِيقَ بِخُفَارَةٍ وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ وَقَدْ صَحَّحَهُ إمَامَانِ مِنْ مُحَقِّقِي مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِنَا أبو القاسم الرافعى وأبو عمر وبن الصلاح مع اطلاعهما على عبارة الصحاب الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَلَوْ امْتَنَعَ مَحْرَمُ الْمَرْأَةِ مِنْ الْخُرُوجِ مَعَهَا إلَّا بِأُجْرَةٍ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هُوَ مَقِيسٌ عَلَى أُجْرَةِ الْخَفِيرِ وَاللُّزُومُ فِي الْمَحْرَمِ أَظْهَرُ لِأَنَّ الدَّاعِيَ إلَى الْأُجْرَةِ مَعْنًى فِي الْمَرْأَةِ فَهُوَ كَمُؤْنَةِ الْمَحْمِلِ فِي حَقِّ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْحَجِّ وُجُودُ رُفْقَةٍ يَخْرُجُ مَعَهُمْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِ بَلَدِهِ بِالْخُرُوجِ فِيهِ فَإِنْ خَرَجُوا قَبْلَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْخُرُوجُ مَعَهُمْ وَإِنْ أَخَّرُوا الخروج بحيث لا يبلغوا مكة الا بان يقطعوا في كل أكثر من يوم مَرْحَلَةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ أَيْضًا قَالَ الْبَغَوِيّ لَوْ لَمْ يَجِدْ الْمَالَ حَالَ خُرُوجِ الْقَافِلَةِ ثُمَّ وَجَدَهُ بَعْدَ خُرُوجِهِمْ بِيَوْمٍ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يَتْبَعَهُمْ هَذَا كُلُّهُ إذَا خَافَ فِي الطَّرِيقِ فَإِنْ كَانَتْ آمِنَةً بِحَيْثُ لَا يَخَافُ الْوَاحِدُ فيها لزمه ولا يشترط الرفقة
*

(7/82)


* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* (وَإِنْ لَمْ يكن له طريق الا في البحر فقد قال في الام لا يجب عليه وقال في الاملاء ان كان أكثر معاشه في البحر لزمه فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يجب لانه طريق مسلوك فاشبه البر
(والثانى)
لا يجب لان فيه تغريرا بالنفس والمال فلا يجب كالطريق المخوف ومنهم من قال ان كان الغالب منه السلامة لزمه وان كان الغالب منه الهلاك لم يلزمه كطريق البر ومنهم من قال ان كان له عادة بركوبه لزمه وان لم يكن له عادة بركوبه لم يلزمه لان من له عادة لا يشق عليه ومن لا عادة له يشق عليه)
* (الشَّرْحُ) اخْتَلَفَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ فِي رُكُوبِ الْبَحْرِ فَقَالَ فِي الْأُمِّ وَالْإِمْلَاءِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَا يَتَبَيَّنُ لِي أَنْ أُوجِبَ عَلَيْهِ رُكُوبَ الْبَحْرِ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَ فِي الْبَرِّ طَرِيقٌ يُمْكِنُ سُلُوكَهُ قَرِيبٌ أَوْ بَعِيدٌ لَزِمَهُ الْحَجُّ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَفِيهِ طُرُقٌ (أَصَحُّهَا) وَبِهِ قَالَ أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ وَأَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ وَغَيْرُهُمَا فِيمَا حَكَاهُ صاحب الشامل والتتمة وغيرهما أنه ان كن الْغَالِبُ مِنْهُ الْهَلَاكَ إمَّا لِخُصُوصِ ذَلِكَ الْبَحْرِ وَإِمَّا لِهَيَجَانِ الْأَمْوَاجِ لَمْ يَجِبْ الْحَجُّ وَإِنْ غَلَبَتْ السَّلَامَةُ وَجَبَ وَإِنْ اسْتَوَيَا فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ لَا يَجِبُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) يَجِبُ قَوْلًا وَاحِدًا (الثَّالِثُ) لَا يَجِبُ (وَالرَّابِعُ) فِي وُجُوبِهِ قَوْلَانِ (وَالْخَامِسُ) إنْ كَانَ عَادَتُهُ رُكُوبَهُ وَجَبَ وَإِلَّا فَلَا (وَالسَّادِسُ) حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَ مَنْ لَهُ جُرْأَةٌ وَبَيْنَ الْمُسْتَشْعِرِ وَهُوَ ضَعِيفُ الْقَلْبِ فَلَا يَلْزَمُ الْمُسْتَشْعِرَ وَفِي غَيْرِهِ قَوْلَانِ (وَالسَّابِعُ) حَكَاهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ يَلْزَمُ الجريئ وفى المستشعر قولان (والثامن) يلزم الجريئ
وَلَا يَلْزَمُ الْمُسْتَشْعِرَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا قُلْنَا لَا يَجِبُ رُكُوبُ الْبَحْرِ فَفِي اسْتِحْبَابِهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يُسْتَحَبُّ مُطْلَقًا لِمَا فِيهِ مِنْ الْخَطَرِ (وَأَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ كَثِيرُونَ يُسْتَحَبُّ إنْ غَلَبَتْ السَّلَامَةُ فَإِنْ غَلَبَ الْهَلَاكُ حَرُمَ نَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فَإِنْ اسْتَوَيَا فَفِي التَّحْرِيمِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) التَّحْرِيمُ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ
(والثانى)
لا يحرم لكن يُكْرَهُ قَالَ إمَامُ

(7/83)


الْحَرَمَيْنِ لَا خِلَافَ فِي ثُبُوتِ الْكَرَاهِيَةِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي التَّحْرِيمِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا لَمْ نوجب ركوب البحر فتوسطه بِحَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَهَلْ يَلْزَمُهُ التَّمَادِي فِي رُكُوبِهِ إلَى الْحَجِّ أَمْ لَهُ الِانْصِرَافُ إلَى وَطَنِهِ يُنْظَرُ إنْ كَانَ مَا بَيْنَ يَدَيْهِ إلَى مَكَّةَ أَكْثَرَ مِمَّا قَطَعَهُ مِنْ الْبَحْرِ فَلَهُ الرُّجُوعُ إلَى وَطَنِهِ قَطْعًا وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَزِمَهُ التَّمَادِي قَطْعًا وَإِنْ اسْتَوَيَا فَوَجْهَانِ وَقِيلَ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَلْزَمُهُ التَّمَادِي لِاسْتِوَاءِ الْجُهْدَيْنِ فِي حَقِّهِ (وَالثَّانِي) لَا قَالُوا وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ فِيمَا إذَا كَانَ لَهُ فِي الرُّجُوعِ مِنْ مَكَّةَ إلَى وَطَنِهِ طَرِيقٌ فِي الْبَرِّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلَهُ الرُّجُوعُ إلَى وَطَنِهِ قَطْعًا لِئَلَّا يَتَحَمَّلَ زِيَادَةَ الْخَطَرِ بِرُكُوبِ الْبَحْرِ فِي الرُّجُوعِ مِنْ الْحَجِّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِيمَنْ أُحْصِرَ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَأَحَاطَ بِهِ الْعَدُوُّ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ فَهَلْ لَهُ التَّحَلُّلُ أَمْ لَا وَسَنُوَضِّحُهُمَا فِي مَوْضِعِهِمَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا كُلُّهُ فِي الرَّجُلِ (أَمَّا) الْمَرْأَةُ فَإِنْ لَمْ نُوجِبْ رُكُوبَ الْبَحْرِ عَلَى الرَّجُلِ فَهِيَ أَوْلَى وَإِلَّا فَفِيهَا خِلَافٌ (وَالْأَصَحُّ) الْوُجُوبُ (وَالثَّانِي) الْمَنْعُ لِضَعْفِهَا عَنْ احْتِمَالِ الْأَهْوَالِ وَلِكَوْنِهَا عَوْرَةً مُعَرَّضَةً لِلِانْكِشَافِ وَغَيْرِهِ لِضِيقِ الْمَكَانِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ لَمْ نُوجِبْهُ عَلَيْهَا لَمْ يُسْتَحَبَّ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقِيلَ فِي اسْتِحْبَابِهِ لَهَا حِينَئِذٍ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ فِي الرَّجُلِ وَحَكَى الْبَنْدَنِيجِيُّ قَوْلَيْنِ هَذَا كُلُّهُ حُكْمُ الْبَحْرِ (أَمَّا) الْأَنْهَارُ الْعَظِيمَةُ كَدِجْلَةَ وَسَيْحُونَ وَجَيْحُونَ وَغَيْرِهَا فَيَجِبُ رُكُوبُهَا قَوْلًا وَاحِدًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِأَنَّ الْمُقَامَ فِيهَا لَا يَطُولُ وَلَا يَعْظُمُ الْخَطَرُ فِيهَا وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ فِيهِ وَجْهًا شَاذًّا ضَعِيفًا أَنَّهُ كَالْبَحْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا حَكَمْنَا بِتَحْرِيمِ رُكُوبِ الْبَحْرِ لِلْحَجِّ عِنْدَ غَلَبَةِ الْهَلَاكِ كَمَا سَبَقَ فَيَحْرُمُ رُكُوبُهُ لِلتِّجَارَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْأَسْفَارِ الْمُبَاحَةِ وَكَذَا الْمَنْدُوبَةُ أَوْلَى وَهَلْ يَحْرُمُ رُكُوبُهُ فِي الذَّهَابِ إلَى الْعَدُوِّ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هُنَا
(أَحَدُهُمَا)
يَحْرُمُ لِأَنَّ الْخَطَرَ الْمُحْتَمَلَ فِي الْجِهَادِ هُوَ الحاصل بسبب القتل
وليس هذا منه (والثاني) لَا يَحْرُمُ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْعَدُوِّ يُنَاسِبُهُ فَإِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ الْجِهَادُ مَبْنِيًّا عَلَى الْعَدُوِّ لَمْ يَنْفُذْ احْتِمَالُ الْعَدُوِّ فِي السَّبَبِ وَاَللَّهُ أعلم
*

(7/84)


(فرع)
إذا كان البحر مفرقا أَوْ كَانَ قَدْ اغْتَلَمَ وَمَاجَ حَرُمَ رُكُوبُهُ لِكُلِّ سَفَرٍ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَلا تُلْقُوا بايديكم إلى التهلكة) ولقوله تعالي (ولا تقتلوا أنفسكم) هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْأَصْحَابُ (فَرْعٌ)
مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ أَنَّهُ يَجِبُ الْحَجُّ فِي الْبَحْرِ إنْ غَلَبَتْ فِيهِ السَّلَامَةُ وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا كَمَا سَبَقَ وَمِمَّا جَاءَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الاحاديث حديث ابن عمر وبن الْعَاصِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لا يركبن أحد بَحْرًا إلَّا غَازِيًا أَوْ مُعْتَمِرًا أَوْ حَاجًّا وَإِنَّ تَحْتَ الْبَحْرِ نَارًا وَتَحْتَ النَّارِ بَحْرًا) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَآخَرُونَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ البخاري هذا الحديث ليس بصحيح رواه البيهقى من طرق عن ابن عمرو وموقوفا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* (وَإِنْ كَانَ أعمي لم يجب عليه الا ان يكون معه قائد لان الاعمي من غير قائد كالزمن ومع القائد كالبصير)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ وُجِدَ لِلْأَعْمَى زَادٌ وَرَاحِلَةٌ وَمَنْ يَقُودُهُ وَيَهْدِيهِ عِنْدَ النُّزُولِ وَيُرْكِبُهُ وَيُنْزِلُهُ وَقَدَرَ عَلَى الثُّبُوتِ عَلَى الرَّاحِلَةِ بِلَا مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ لَزِمَهُ الْحَجُّ وَكَذَلِكَ مَقْطُوعُ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَلَا يَجُوزُ لَهُمَا الِاسْتِئْجَارُ لِلْحَجِّ عَنْهُمَا والحالة هذه وان لم يكن كذلك لم يلزمها الْحَجُّ بِأَنْفُسِهِمَا وَيَكُونَانِ مَعْضُوبَيْنِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي مَذْهَبِنَا وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ عَنْهُ يَجُوزُ لَهُ الِاسْتِئْجَارُ لِلْحَجِّ عَنْهُ فِي الْحَالَيْنِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ بِنَفْسِهِ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَحَكَى هَذَا الْوَجْهَ أَيْضًا الدَّارِمِيُّ عَنْ ابْنِ القطان عن ابن أبى هربرة عن أبي على ابن خَيْرَانَ وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِنَا مَا سَبَقَ وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى قَادِرٌ عَلَى الثُّبُوتِ عَلَى الرَّاحِلَةِ فَأَشْبَهَ الْبَصِيرَ وَقَاسَهُ الْمَاوَرْدِيُّ علي جاهل الطريق وأفعال الحج وعلى الصم فَإِنَّهُمَا يَلْزَمُهُمَا الْحَجُّ بِالِاتِّفَاقِ وَكَذَلِكَ يَلْزَمُهُمَا الْجُمُعَةُ إذَا وَجَدَا الْقَائِدَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِهَادِ أَنَّ الْجِهَادَ يَحْتَاجُ إلَى الْقِتَالِ
وَالْأَعْمَى لَيْسَ من أَهْلَ الْقِتَالِ بِخِلَافِ الْحَجِّ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْقَائِدُ فِي حَقِّ الْأَعْمَى كَالْمَحْرَمِ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ يَعْنِي فَيَكُونُ فِي وُجُوبِ اسْتِئْجَارِهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْوُجُوبُ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*

(7/85)


قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* (وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً لَمْ يَلْزَمْهَا إلَّا أَنْ تَأْمَنَ عَلَى نَفْسِهَا بِزَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ أَوْ نِسَاءٍ ثِقَاتٍ قَالَ فِي الْإِمْلَاءِ أَوْ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ وَرَوَى الْكَرَابِيسِيُّ عَنْهُ إذَا كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا جَازَ مِنْ غَيْرِ نِسَاءٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِمَا رَوَى عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (حَتَّى لَتُوشِكَ الظَّعِينَةُ أَنْ تَخْرُجَ مِنْهَا بِغَيْرِ جِوَارٍ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ قَالَ عَدِيٌّ فَلَقَدْ رَأَيْتُ الظَّعِينَةَ تَخْرُجُ مِنْ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ بِغَيْرِ جِوَارٍ) وَلِأَنَّهَا تصير مستطيعة بما ذكرناه ولا تصير مستعطيعة بغيره)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ عَدِيٍّ هَذَا صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بِمَعْنَاهُ فِي بَابِ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ وَهَذَا لَفْظُهُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ (بينا أَنَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَشَكَا إلَيْهِ الْفَاقَةَ ثُمَّ أَتَى إلَيْهِ آخَرُ فَشَكَا قَطْعَ السَّبِيلِ فَقَالَ يَا عَدِيُّ هَلْ رَأَيْتَ الْحِيرَةَ قُلْتُ لَمْ أَرَهَا وَقَدْ أُنْبِئْتُ عَنْهَا قَالَ فَإِنْ طَالَتْ بِكَ الْحَيَاةُ لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنْ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ أَحَدًا إلَّا اللَّهَ تَعَالَى قَالَ عَدِيٌّ فَرَأَيْتُ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنْ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ إلَّا اللَّهَ) هَذَا اللَّفْظُ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ مُخْتَصَرًا وَهُوَ بَعْضٌ مِنْ حَدِيثِ طَوِيلٍ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ جِوَارٍ - فَبِكَسْرِ الْجِيمِ - وَمَعْنَاهُ بِغَيْرِ أَمَانٍ وَذِمَّةٍ وَالْحِيرَةُ - بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ - وَهِيَ مَدِينَةٌ عِنْدَ الْكُوفَةِ وَالظَّعِينَةُ الْمَرْأَةُ وَيُوشِكُ - بِكَسْرِ الشين - أي يدع وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ الْحَجُّ إلَّا إذَا أَمِنَتْ عَلَى نَفْسِهَا بِزَوْجٍ أَوْ مَحْرَمِ نَسَبٍ أَوْ غَيْرِ نَسَبٍ أَوْ نِسْوَةٍ ثِقَاتٍ فَأَيُّ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وُجِدَ لَزِمَهَا الْحَجُّ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شئ مِنْ الثَّلَاثَةِ لَمْ يَلْزَمْهَا الْحَجُّ عَلَى الْمَذْهَبِ سَوَاءٌ وَجَدَتْ امْرَأَةً وَاحِدَةً أَمْ لَا وَقَوْلٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ تَخْرُجَ لِلْحَجِّ وَحْدَهَا إذَا كَانَ الطَّرِيقُ مَسْلُوكًا كَمَا يَلْزَمُهَا إذَا أَسْلَمَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ الْخُرُوجُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَحْدَهَا بِلَا خِلَافٍ وَهَذَا الْقَوْلُ اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ وَطَائِفَةٍ وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مَا سَبَقَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ أَنَّهُ
إخْبَارٌ عَمَّا سَيَقَعُ وَذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى الْجَوَاز لِأَنَّ الْحَجَّ يَجِبُ بِذَلِكَ وَالْجَوَابُ عَنْ الْخُرُوجِ مِنْ دَارِ الحرب

(7/86)


إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْخَوْفَ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَكْثَرُ مِنْ الْخَوْفِ فِي الطَّرِيقِ وَإِذَا خَرَجَتْ مَعَ نِسْوَةٍ ثِقَاتٍ فَهَلْ يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْحَجِّ أَنْ يَكُونَ مَعَ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مَحْرَمٌ لَهَا أَوْ زَوْجٌ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُشْتَرَطُ لِأَنَّ الْأَطْمَاعَ تَنْقَطِعُ بِجَمَاعَتِهِنَّ
(وَالثَّانِي)
يُشْتَرَطُ فَإِنْ فُقِدَ لَمْ يَجِبْ الْحَجُّ قَالَ الْقَفَّالُ لِأَنَّهُ قَدْ يَنُوبُهُنَّ أَمْرٌ يَحْتَاجُ إلَى الرَّجُلِ وَقَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَكَثِيرٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وَنَقَلَهُ الْمُتَوَلِّي عَنْ عَامَّةِ أَصْحَابِهِ سِوَى الْقَفَّالِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنْ يَكُونَ مَعَ كُلِّ وَاحِدَةٍ منهن محرم أو زوج قال ويقصد بِمَا قَالَهُ الْقَفَّالُ حُكْمَ الْخَلْوَةِ فَإِنَّهُ كَمَا يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَخْلُوَ بِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ كَذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَخْلُوَ بِنِسْوَةٍ وَلَوْ خَلَا رَجُلٌ بِنِسْوَةٍ وَهُوَ مَحْرَمُ إحْدَاهُنَّ جَازَ وَكَذَلِكَ إذَا خَلَتْ امْرَأَةٌ بِرِجَالٍ وَأَحَدُهُمْ مَحْرَمٌ لَهَا جَازَ وَلَوْ خَلَا عِشْرُونَ رَجُلًا بِعِشْرِينَ امْرَأَةً وَإِحْدَاهُنَّ مَحْرَمٌ لِأَحَدِهِمْ جَازَ قَالَ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُصَلِّيَ بِنِسَاءٍ مُفْرَدَاتٍ إلَّا أَنْ تَكُونَ إحْدَاهُنَّ مَحْرَمًا لَهُ هَذَا كَلَامُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ هُنَا وَحَكَى صَاحِبُ الْعُدَّةِ عَنْ الْقَفَّالِ فِي الْخَلْوَةِ مِثْلَ مَا ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِحُرُوفِهِ وَحَكَى فِيهِ نَصَّ الشَّافِعِيِّ فِي تَحْرِيمِ خَلْوَةٍ بنسوة منفردا بهن وهذا الذى ذكره الامام وصاحب العدة والمشهور جَوَازُ خَلْوَةِ رَجُلٍ بِنِسْوَةٍ لَا مَحْرَمَ لَهُ فيهن لعدم المفسدة غالبا لان النساء يستحين مِنْ بَعْضِهِنَّ بَعْضًا فِي ذَلِكَ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ صِفَةِ الْأَئِمَّةِ
* (فَرْعٌ)
هَلْ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُسَافِرَ لِحَجِّ التَّطَوُّعِ أَوْ لِسَفَرِ زِيَارَةٍ وَتِجَارَةٍ وَنَحْوِهِمَا مَعَ نِسْوَةٍ ثِقَاتٍ أَوْ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ فِيهِ وَجْهَانِ وَحَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ فِي بَابِ الْإِحْصَارِ وَحَكَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ (أَحَدُهُمَا) يَجُوزُ كَالْحَجِّ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِهِمْ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَكَذَا نَقَلُوهُ عَنْ النَّصِّ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ سفر لبس بِوَاجِبٍ هَكَذَا عَلَّلَهُ الْبَغَوِيّ وَيُسْتَدَلُّ لِلتَّحْرِيمِ أَيْضًا بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا تُسَافِرْ امْرَأَةٌ ثَلَاثًا إلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ (لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ ثَلَاثِ لَيَالٍ إلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ) وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(7/87)


لَا تُسَافِرْ امْرَأَةٌ إلَّا مَعَ مَحْرَمٍ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ قَالَ اُخْرُجْ مَعَهَا) رَوَاهُ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا تُسَافِرْ امْرَأَةٌ يَوْمَيْنِ إلَّا وَمَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ يَوْمًا وَلَيْلَةً لَيْسَ مَعَهَا ذُو حُرْمَةٍ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ (مَسِيرَةَ يَوْمٍ) وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ مَسِيرَةَ لَيْلَةٍ) وَسَأُعِيدُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِأَبْسَطَ مِنْ هَذَا مَعَ ذِكْرِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيهَا فِي آخِرِ بَابِ الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
يَجِبُ الْحَجُّ عَلَى الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ الْبَالِغِ وَيُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِ مِنْ الْمَحْرَمِ مَا شُرِطَ فِي الْمَرْأَةِ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ نِسْوَةٌ مِنْ مَحَارِمِهِ كَأَخَوَاتِهِ جَازَ وَإِنْ كُنَّ أَجْنَبِيَّاتٍ فَلَا لِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْخَلْوَةُ بِهِنَّ ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الْفَتْحِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمَا
* (فَرْعٌ)
اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا أَسْلَمَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَزِمَهَا الْخُرُوجُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَحْدَهَا مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ نِسْوَةٍ وَلَا امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وسواء كان طريقا مَسْلُوكًا أَوْ غَيْرَ مَسْلُوكٍ لِأَنَّ خَوْفَهَا عَلَى نَفْسِهَا وَدِينِهَا بِالْمُقَامِ فِيهِمْ أَكْثَرُ مِنْ خَوْفِ الطَّرِيقِ وَإِنْ خَافَتْ فِي الطَّرِيقِ سَبُعًا لَمْ يَجِبْ سُلُوكُهُ هَكَذَا ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِتَفْصِيلِهَا هُنَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا وَذَكَرَهَا الْأَصْحَابُ في كتاب السير
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَإِنْ لَمْ يبق من الوقت ما يتمكن فيه من السير لاداء الحج لم يلزمه لانه إذا ضاق الوقت لم يقدر علي الحج فلم يلزمه فرضه)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إمْكَانُ السَّيْرِ بِحَيْثُ يُدْرِكُ الْحَجَّ شَرْطٌ لِوُجُوبِهِ فَإِذَا وَجَدَ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ وَغَيْرَهُمَا مِنْ الشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ وَتَكَامَلَتْ وَبَقِيَ بَعْدَ تَكَامُلِهَا زَمَنٌ يُمْكِنُ فِيهِ الْحَجُّ وَجَبَ فَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْ تِلْكَ السَّنَةِ جَازَ لِأَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي لَكِنَّهُ يَسْتَقِرُّ فِي ذِمَّتِهِ فَإِنْ لَمْ يَبْقَ بَعْدَ اسْتِكْمَالِ الشَّرَائِطِ

(7/88)


زَمَنٌ يُمْكِنُ فِيهِ الْحَجُّ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ وَلَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ هَكَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ قَالُوا والمراد أَنْ يَبْقَى زَمَنٌ
يُمْكِنُ فِيهِ الْحَجُّ إذَا سَارَ السَّيْرَ الْمَعْهُودَ فَإِذَا احْتَاجَ إلَى أَنْ يقطع في يوم أو بعض الايام كثر مِنْ مَرْحَلَةٍ لَمْ يَجِبْ الْحَجُّ وَلَمْ يَذْكُرْ الْغَزَالِيُّ هَذَا الشَّرْطَ وَهُوَ إمْكَانُ السَّيْرِ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ ذَلِكَ وَقَالَ هَذَا الْإِمْكَانُ شَرَطَهُ الْأَئِمَّةُ لِوُجُوبِ الْحَجِّ وَأَهْمَلَهُ الْغَزَالِيُّ فَأَنْكَرَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ عَلَى الرَّافِعِيِّ اعْتِرَاضَهُ هَذَا عَلَى الْغَزَالِيِّ وَجَعْلَهُ إمْكَانَ السَّيْرِ رُكْنًا لِوُجُوبِ الْحَجِّ وَإِنَّمَا هُوَ شَرْطُ اسْتِقْرَارِ الْحَجِّ لِيَجِبَ قَضَاؤُهُ مِنْ تَرِكَتِهِ لَوْ مَاتَ قَبْلَ الْحَجِّ وَلَيْسَ شَرْطًا لِأَصْلِ وُجُوبِ الْحَجِّ بَلْ مَتَى وُجِدَتْ الِاسْتِطَاعَةُ مِنْ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ حُرٍّ لَزِمَهُ الْحَجُّ فِي الْحَالِ كَالصَّلَاةِ تَجِبُ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ قَبْلَ مُضِيِّ زَمَنٍ يَسَعُهَا ثُمَّ اسْتِقْرَارُهَا فِي الذِّمَّةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى مُضِيِّ زَمَنِ التَّمَكُّنِ مِنْ فِعْلِهَا هَذَا اعْتِرَاضُهُ وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ كَمَا نُقِلَ (وَأَمَّا) إنْكَارُ الشَّيْخِ فَفَاسِدٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ من استطاع إليه سبيلا) وَهَذَا غَيْرُ مُسْتَطِيعٍ فَلَا حِجَّ عَلَيْهِ وَكَيْفَ يَكُونُ مُسْتَطِيعًا وَهُوَ عَاجِزٌ حِسًّا (وَأَمَّا) الصَّلَاةُ فَإِنَّهَا تَجِبُ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ لِإِمْكَانِ تَتْمِيمِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ إمْكَانَ السَّيْرِ وَأَمْنَ الطَّرِيقِ لَيْسَا بِشَرْطٍ فِي وُجُوبِ الْحَجِّ
* دَلِيلُنَا أَنَّهُ لَا يَكُونُ مستطيعا بدونهما وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* (وَإِنْ كَانَ مِنْ مَكَّةَ عَلَى مَسَافَةٍ لَا تَقْصُرُ فِيهَا الصَّلَاةُ وَلَمْ يَجِدْ رَاحِلَةً نَظَرْت فَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْمَشْيِ وَجَبَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْحَجُّ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ وَإِنْ كَانَ زَمِنًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ وَيَقْدِرُ عَلَى الْحَبْوِ لَمْ يَلْزَمْهُ لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ فِي الْحَبْوِ فِي الْمَسَافَةِ الْقَرِيبَةِ أَكْثَرُ مِنْ الْمَشَقَّةِ فِي الْمَسَافَةِ الْبَعِيدَةِ فِي السَّيْرِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَقَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ إلَى مَوَاضِعِ النُّسُكِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَجَبَ عليه لانه يصير مستطيعا بذلك)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا مَنْ كَانَ فِي مَكَّةَ أَوْ كَانَتْ دَارُهُ مِنْ مَكَّةَ عَلَى مَسَافَةٍ لَا تَقْصُرُ فِيهَا الصَّلَاةُ فَإِنْ كَانَ قَوِيًّا عَلَى الْمَشْيِ لَزِمَهُ الْحَجُّ وَلَا يُشْتَرَطُ وُجُودُ الرَّاحِلَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَشْيِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مَشَقَّةٌ كَثِيرَةٌ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا لَا يَقْوَى عَلَى الْمَشْيِ أَوْ يَنَالُهُ بِهِ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ اُشْتُرِطَتْ الرَّاحِلَةُ لِوُجُوبِ

(7/89)


الْحَجِّ عَلَيْهِ وَكَذَا الْمَحْمِلُ إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الرُّكُوبُ وَلَا يَلْزَمُهُ الزَّحْفُ وَالْحَبْوُ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجَمَاهِيرُ وَحَكَى الدَّارِمِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْحَبْوُ حَكَاهُ عَنْ حِكَايَةِ ابْنِ الْقَطَّانِ وَهُوَ شَاذٌّ أَوْ غَلَطٌ
وَحَكَى الرَّافِعِيُّ أَنَّ الْقَرِيبَ مِنْ مَكَّةَ كَالْبَعِيدِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ إلَّا بِوُجُودِ الرَّاحِلَةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَوْ غَلَطٌ وَاتَّفَقَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا عَلَى اشْتِرَاطِ وُجُودِ الزَّادِ لِوُجُوبِ الْحَجِّ عَلَى هَذَا الْقَرِيبِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فَلَا حَجَّ عَلَيْهِ لِأَنَّ الزَّادَ لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ بِخِلَافِ الرَّاحِلَةِ وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْحَجِّ عَلَى هَذَا الْقَرِيبِ وُجُودُ الزَّادِ وَالصَّوَابُ الْمَشْهُورُ اشْتِرَاطُهُ لَكِنْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ فِي اعْتِبَارِ زَادِهِ كَلَامًا حَسَنًا قَالُوا إنْ عَدِمَ الزَّادَ وَكَانَ لَهُ صَنْعَةٌ يَكْتَسِبُ بِهَا كِفَايَتَهُ وَكِفَايَةَ عِيَالِهِ وَيَفْضُلُ لَهُ مُؤْنَةُ حَجَّةٍ لَزِمَهُ الْحَجُّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ صَنْعَةٌ أَوْ كَانَتْ بِحَيْثُ لَا يفضل منها شئ عَنْ كِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ عِيَالِهِ وَإِذَا اشْتَغَلَ بِالْحَجِّ أَضَرَّ بِعِيَالِهِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَجُّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَمُقَامُهُ عَلَى عِيَالِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَفْضَلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ جَعَلَ الْقَرِيبَ الَّذِي لَا يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْحَجِّ عَلَيْهِ الرَّاحِلَةُ إذَا أَطَاقَ الْمَشْيَ هُوَ مَنْ كَانَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ مِنْ مَكَّةَ وَلَمْ يَقُلْ مِنْ الْحَرَمِ وَهَكَذَا صَرَّحَ بِاعْتِبَارِهِ مِنْ مَكَّةَ شَيْخُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالدَّارِمِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَضَبَطَهُ آخَرُونَ بِالْحَرَمِ فَقَالُوا الْقَرِيبُ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَرَمِ مَسَافَةٌ لَا تُقْصَرُ فِيهَا الصَّلَاةُ مِمَّنْ صَرَّحَ بِهَذَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَهَذَا الْخِلَافُ نَحْوَ الْخِلَافِ فِي حَاضِرِ الْمَسْجِدِ وَهُوَ مَنْ كَانَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَهَلْ يُعْتَبَرُ مِنْ مَكَّةَ أَمْ مِنْ الْحَرَمِ وَسَنُوَضِّحُهُمَا فِي مَوْضِعِهِمَا إنْ شَاءَ اللَّهُ لَكِنَّ الْأَشْهَرَ هُنَا اعْتِبَارُ مَكَّةَ وَهُنَاكَ اعْتِبَارُ الْحَرَمِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ والله اعلم

(7/90)


* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* (وَمَنْ قَدَرَ عَلَى الْحَجِّ رَاكِبًا وَمَاشِيًا فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَحُجَّ رَاكِبًا (لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّ رَاكِبًا) وَلِأَنَّ الرُّكُوبَ أَعْوَنُ عَلَى الْمَنَاسِكِ)
* (الشَّرْحُ) الْمَنْصُوصُ لَلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الاملاء غيره أَنَّ الرُّكُوبَ فِي الْحَجِّ أَفْضَلُ مِنْ الْمَشْيِ وَنَصَّ أَنَّهُ إذَا نَذَرَ الْحَجَّ مَاشِيًا لَزِمَهُ وأنه إذ أَوْصَى بِحَجِّهِ مَاشِيًا لَزِمَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَنْهُ مَنْ يَحُجُّ مَاشِيًا وَلِلْأَصْحَابِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَمُعْظَمُ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّ الرُّكُوبَ أَفْضَلُ (لِأَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّ رَاكِبًا) وَلِأَنَّهُ أَعْوَنُ عَلَى الْمَنَاسِكِ وَالدُّعَاءِ وَسَائِرِ عِبَادَاتِهِ فِي طَرِيقِهِ وَأَنْشَطُ لَهُ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ مَشْهُورٌ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) الْمَشْيُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (عَلَى قَدْرِ نَصَبِكِ) وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ فِي بَابِ النَّذْرِ قَوْلًا ثَالِثًا أَنَّهُمَا سَوَاءٌ وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ هُمَا قَبْلُ الْإِحْرَامِ فَإِذَا أَحْرَمَ فَالْمَشْيُ أَفْضَلُ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ مَنْ سَهُلَ عَلَيْهِ الْمَشْيُ فَهُوَ أَفْضَلُ فِي حَقِّهِ وَمَنْ ضَعُفَ وَسَاءَ خُلُقُهُ بِالْمَشْيِ فَالرُّكُوبُ أَفْضَلُ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الرُّكُوبَ أَفْضَلُ مُطْلَقًا وَأَجَابَ الْقَائِلُونَ بِهَذَا عَنْ نَصِّهِ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْحِجِّ مَاشِيًا أَنَّ الْوَصِيَّةَ يُتَّبَعُ فِيهَا مَا سَمَّاهُ الْمُوصِي وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَفْضَلَ وَلِهَذَا لَوْ أَوْصَى أَنْ يُتَصَدَّقَ عَنْهُ بِدِرْهَمٍ لَا يَجُوزُ التَّصَدُّقُ عَنْهُ بِدِينَارٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْحَجِّ مَاشِيًا وَرَاكِبًا أَيُّهُمَا أَفْضَلُ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّ الرَّاكِبَ أَفْضَلُ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ
* وَقَالَ دَاوُد مَاشِيًا أَفْضَلُ
* وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَائِشَةَ (وَلَكِنَّهَا عَلَى قَدْرِ نَفَقَتِكِ - أَوْ نَصَبِكِ -) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ (عَلَى قَدْرِ عَنَائِكِ وَنَصَبِكِ) وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (مَا آسى علي شئ مَا آسَى أَنِّي لَمْ أَحُجَّ مَاشِيًا) وَعَنْ عبيدة وعمير قال ابن عباس (ما ندمت على شئ فَاتَنِي فِي شَبَابِي إلَّا أَنِّي لَمْ أَحُجَّ مَاشِيًا وَلَقَدْ حَجَّ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ خَمْسًا وَعِشْرِينَ حَجَّةً مَاشِيًا وَإِنَّ النَّجَائِبَ لَتُقَادُ مَعَهُ وَلَقَدْ قَاسَمَ اللَّهَ تَعَالَى مَالَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ حتي كان يعطى الخف ويمسك النعل)

(7/91)


ابن عمير يقول ذلك رواية عن الحسن ابن عَلِيٍّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ رُوِيَ فِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَفِيهِ ضَعْفٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ حَجَّ مِنْ مَكَّةَ مَاشِيًا حَتَّى رَجَعَ إلَيْهَا كُتِبَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ سَبْعُمِائَةِ حَسَنَةٍ مِنْ حَسَنَاتِ الْحَرَمِ وَحَسَنَاتُ الْحَرَمِ الْحَسَنَةُ بِمِائَةِ أَلْفِ حَسَنَةٍ) وَهُوَ ضَعِيفٌ وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ حَجَّا مَاشِيَيْنِ وَمَنْ حَيْثُ الْمَعْنَى أَنَّ الْأَجْرَ عَلَى قَدْرِ النَّصَبِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلِهَذَا كَانَ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ أَفْضَلُ مِنْ الْفِطْرِ لِمَنْ أَطَاقَ الصَّوْمَ وَصِيَامُ الصَّيْفِ أَفْضَلُ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّ رَاكِبًا) (فَإِنْ قِيلَ) حَجَّ رَاكِبًا لِبَيَانِ الْجَوَازِ (1) وَكَانَ يُوَاظِبُ فِي مُعْظَمِ الْأَوْقَاتِ عَلَى الصِّفَةِ الْكَامِلَةِ
فَأَمَّا مَا لَمْ يَفْعَلْهُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فَلَا يَفْعَلُهُ إلَّا عَلَى أَكْمَلِ وُجُوهِهِ وَمِنْهُ الْحَجُّ فَإِنَّهُ لَمْ يَحُجَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ إلَّا حَجَّةً وَاحِدَةً بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَهِيَ حَجَّةُ الْوَدَاعِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ وَدَّعَ النَّاسَ فِيهَا لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ) وَلِأَنَّهُ أَعْوَنُ لَهُ عَلَى الْمَنَاسِكِ كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا الْحَجُّ عَلَى الْمُقْتَبِ وَالزَّامِلَةِ أَفْضَلُ مِنْ الْمَحْمِلِ لِمَنْ أَطَاقَ ذَلِكَ وَدَلِيلُ ذَلِكَ حَدِيثُ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ (حَجَّ أَنَسٌ عَلَى رَحْلٍ وَلَمْ يَكُنْ صَحِيحًا وَحَدَّثَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّ عَلَى رَحْلٍ وَكَانَتْ زَامِلَةً) رَوَاهُ البخاري والله اعلم
*
__________
(1) كذا بالاصل وسقط منه مبدأ الجواب

(7/92)


* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* (وَالْمُسْتَطِيعُ بِغَيْرِهِ اثْنَانِ (أَحَدُهُمَا) مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْحَجِّ بِنَفْسِهِ لِزَمَانَةٍ أَوْ كِبَرٍ وَلَهُ مَالٌ يَدْفَعُهُ إلَى مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ فَرْضُ الْحَجِّ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى أَدَاءِ الْحَجِّ بِغَيْرِهِ كَمَا يَقْدِرُ عَلَى أَدَائِهِ بِنَفْسِهِ فَيَلْزَمُهُ فَرْضُ الْحَجِّ
(وَالثَّانِي)
مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْحَجِّ بِنَفْسِهِ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ وَلَكِنْ لَهُ وَلَدٌ يُطِيعُهُ إذَا أَمَرَهُ بِالْحَجِّ فَيُنْظَرُ فِيهِ فَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ مُسْتَطِيعًا بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَجَبَ عَلَى الْأَبِ الْحَجُّ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَأْمُرَ الْوَلَدَ بِأَدَائِهِ عَنْهُ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَدَاءِ الْحَجِّ بِوَلَدِهِ كَمَا يَقْدِرُ عَلَى أَدَائِهِ بِنَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْوَلَدِ مَالٌ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى تَحْصِيلِ الْحَجِّ بِطَاعَتِهِ
(وَالثَّانِي)
لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّ الصَّحِيحَ لَا يَلْزَمُهُ فَرْضُ الْحَجِّ مِنْ غَيْرِ زَادٍ وَلَا رَاحِلَةٍ فَالْمَعْضُوبُ أَوْلَى أَنْ لَا يَلْزَمَهُ وَإِنْ كَانَ الَّذِي يُطِيعُهُ غَيْرَ الْوَلَدِ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ بِطَاعَتِهِ لِأَنَّ فِي الْوَلَدِ إنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بَضْعَةٌ مِنْهُ فَنَفْسُهُ كَنَفْسِهِ وَمَالُهُ كَمَالِهِ فِي النَّفَقَةِ وَغَيْرِهَا وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهِ فَلَمْ يَجِبْ الْحَجُّ بِطَاعَتِهِ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ لِمَنْ يُطِيعُهُ فَأَشْبَهَ الْوَلَدَ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَنْ يَجِبُ الْحَجُّ عَلَيْهِ بِطَاعَتِهِ فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْحَاكِمَ يَنُوبُ عَنْهُ فِي الْإِذْنِ كَمَا يَنُوبُ عَنْهُ إذَا امْتَنَعَ مِنْ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ
(وَالثَّانِي)
لَا يَنُوبُ عَنْهُ كَمَا إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ وَلَمْ يُجَهِّزْ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ لَمْ يُنِبْ الْحَاكِمُ عَنْهُ فِي تَجْهِيزِ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ وَإِنْ بَذَلَ لَهُ الطَّاعَةَ ثُمَّ رَجَعَ الْبَاذِلُ
فَفِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجُزْ لِلْمَبْذُولِ لَهُ أَنْ يَرُدَّ لم يجز للباذل أن يرجع (والثاني) أَنَّهُ يَجُوزُ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِالْبَذْلِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِمَا بَذَلَ (وَأَمَّا) إذَا بَذَلَ لَهُ مَالًا يَدْفَعُهُ إلَى مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ كَمَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ الطَّاعَةِ (وَالثَّانِي) لَا يَلْزَمُهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ إيجَابُ كَسْبٍ لِإِيجَابِ الْحَجِّ فلم يلزمه كالكسب بالتجارة)
* (الشرح) قوله لانه بضعة منه هو بفتح الباء لا غير وهي قطعة اللَّحْمِ وَأَمَّا الْبِضْعُ وَالْبِضْعَةُ فِي الْعَدَدِ فَفِيهِ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ كَسْرُ الْبَاءِ وَفَتْحُهَا - وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ وَأَمَّا الْمَعْضُوبُ فَهُوَ بِالْعَيْنِ المهملة والضاد المعجمة وأصل المعضب القطع كَأَنَّهُ قُطِعَ عَنْ كَمَالِ الْحَرَكَةِ وَالتَّصَرُّفِ وَيُقَالُ له أيضا

(7/93)


الْمَعْصُوبُ - بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ - قَالَ الرَّافِعِيُّ كَأَنَّهُ قَطَعَ عَصَبَهُ أَوْ ضَرَبَ عَصَبَهُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَأَوَّلُهَا بَيَانُ حَقِيقَةِ الْمَعْضُوبِ قَالَ أَصْحَابُنَا مَنْ كَانَ بِهِ عِلَّةٌ يُرْجَى زَوَالُهَا فَلَيْسَ هُوَ بِمَعْضُوبٍ وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِنَابَةُ عَنْهُ فِي حَيَاتِهِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَاضِحًا بَعْدَ هَذَا حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ الْحَجِّ بِنَفْسِهِ عَجْزًا لَا يُرْجَى زَوَالُهُ لِكِبَرٍ أَوْ زَمَانَةٍ أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ أَوْ كَانَ كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ إلَّا بِمَشَقَّةٍ شديدة أو كان شابا نضؤ الْخَلْقِ لَا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ إلَّا بِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَهَذَا مَعْضُوبٌ فَيُنْظَرُ فِيهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَلَا مَنْ يُطِيعُهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَسْتَأْجِرُهُ أَوْ وَجَدَهُ وَطَلَبَ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ لَمْ يَجِبْ الْحَجُّ وَلَا يَصِيرُ مُسْتَطِيعًا وَالْحَالَةُ هَذِهِ فَلَوْ دَامَ حَالُهُ هَكَذَا حَتَّى مَاتَ فَلَا حَجَّ عَلَيْهِ وَإِنْ وَجَدَ مَالًا وَوَجَدَ مَنْ يَسْتَأْجِرُهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لَزِمَهُ الْحَجُّ فَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ وَحَجَّ الْأَجِيرُ عَنْهُ وَإِلَّا فَقَدْ اسْتَقَرَّ الْحَجُّ فِي ذِمَّتِهِ لِوُجُودِ الِاسْتِطَاعَةِ بِالْمَالِ وَهَكَذَا إذَا كَانَ لِلْمَعْضُوبِ وَلَدٌ لَا يُطِيعُهُ فِي الْحَجِّ عَنْهُ أَوْ يُطِيعُهُ وَلَمْ يَحُجَّ الْوَلَدُ عَنْ نَفْسِهِ لَا يَجِبُ الْحَجُّ عَلَى الْمَعْضُوبِ وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ يُطِيعُهُ وَقَدْ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ وَجَبَ الْحَجُّ عَلَى الْمَعْضُوبِ وَلَزِمَهُ أَنْ يَأْذَنَ لِلْوَلَدِ فِي أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْمَعْضُوبَ الِاسْتِنَابَةُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْجَاجُ عَنْ نَفْسِهِ فِي صُورَتَيْنِ (إحْدَاهُمَا) أَنْ يجد ما لا يَسْتَأْجِرُ بِهِ مَنْ يَحُجُّ وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ باحرة الْمِثْلِ وَأَنْ يَكُونَ الْمَالُ فَاضِلًا عَنْ الْحَاجَاتِ الْمُشْتَرَطَةِ فِيمَنْ يَحُجُّ
بِنَفْسِهِ إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ هُنَاكَ أَنْ يَكُونَ الْمَصْرُوفُ إلَى الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ فَاضِلًا عَنْ نَفَقَةِ عِيَالِهِ ذَهَابًا وَرُجُوعًا

(7/94)


وَهُنَا لَا يُشْتَرَطُ إلَّا كَوْنُهُ فَاضِلًا عَنْ نَفَقَتِهِمْ وَكِسْوَتِهِمْ يَوْمَ الِاسْتِئْجَارِ خَاصَّةً وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فَاضِلًا عَنْ ذَلِكَ مُدَّةَ ذَهَابِ الْأَجِيرِ كَمَا لَوْ حَجَّ بِنَفْسِهِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ كَمَا فِي الْفِطْرَةِ وَالْكَفَّارَةِ بِخِلَافِ مَنْ يَحُجُّ بِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ إذَا لم يفارق ولده أمكنه تحصيل نفقتهم ثُمَّ إنْ وَفَى مَا يَجِدُهُ بِأُجْرَةِ رَاكِبٍ فَقَدْ اسْتَقَرَّ الْحَجُّ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَفِ إلَّا بِأُجْرَةِ مَاشٍ فَفِي وُجُوبِ الِاسْتِئْجَارِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَجِبُ كَمَا لَا يَجِبُ عَلَى عَاجِزٍ عَنْ الرَّاحِلَةِ (وَأَصَحُّهُمَا) يَجِبُ إذْ لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِي مَشْيِ الْأَجِيرِ بِخِلَافِ مَنْ يَحُجُّ بِنَفْسِهِ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ لَوْ طَلَبَ الْأَجِيرُ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ لَا يَجِبُ الْحَجُّ لِأَنَّ وُجُودَ الْأَجِيرِ بِأَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ كَعَدَمِهِ كَمَا فِي نَظَائِرِ الْمَسْأَلَةِ وَلَوْ رَضِيَ الْأَجِيرُ بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَوَجَدَ الْمَعْضُوبُ ذَلِكَ لَزِمَهُ الْحَجُّ لِأَنَّهُ مُسْتَطِيعٌ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ كَثِيرُ مِنَّةٍ وَإِذَا تَمَكَّنَ مِنْ الِاسْتِئْجَارِ بِشَرْطِهِ فَلَمْ يَسْتَأْجِرْ فَهَلْ يَسْتَأْجِرُ عَنْهُ الحاكم لا متناعه أَمْ لَا فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا لِأَنَّ الْحَجَّ عَلَى التَّرَاخِي فَيَصِيرُ كَمَا لَوْ امْتَنَعَ الْقَادِرُ مِنْ تَعْجِيلِ الْحَجِّ (وَالثَّانِي) يَسْتَأْجِرُ عَنْهُ كَمَا يُؤَدِّي زَكَاةَ الْمُمْتَنِعِ هَكَذَا عَلَّلَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي إذَا لَزِمَهُ الْحَجُّ فَلَمْ يَحُجَّ حَتَّى صَارَ مَعْضُوبًا فَهَلْ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ عَلَى الْفَوْرِ أَمْ يَبْقَى عَلَى التَّرَاخِي فِيهِ وَجْهَانِ إنْ قُلْنَا عَلَى الْفَوْرِ فَامْتَنَعَ اسْتَأْجَرَ الْحَاكِمُ عَنْهُ وَإِلَّا فَلَا (الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ) لِوُجُوبِ الْحَجِّ عَلَى الْمَعْضُوبِ أَنْ لَا يَجِدَ الْمَالَ لَكِنْ يَجِدُ مَنْ يُحَصِّلُ لَهُ الْحَجَّ وَلَهُ أَحْوَالٌ (أَحَدُهَا) أَنْ يَبْذُلَ لَهُ أَجْنَبِيٌّ مَالًا لِيَسْتَأْجِرَ بِهِ فَفِي وُجُوبِ قَبُولِهِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ الْفَصْلِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ لَا يَلْزَمُهُ وَادَّعَى الْمُتَوَلِّي الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ وَيَسْتَقِرُّ بِهِ الْحَجُّ عَلَى هَذَا فِي ذِمَّتِهِ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ (الثَّانِي) أَنْ يَبْذُلَ وَاحِدٌ مِنْ بَنِيهِ أَوْ بَنَاتِهِ أَوْ أَوْلَادِهِمْ وَإِنْ سَفَلُوا الْإِطَاعَةَ فِي الْحَجِّ عَنْهُ فَيَلْزَمُهُ الْحَجُّ بِذَلِكَ وَعَلَيْهِ الْإِذْنُ لِلْمُطِيعِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي جَمِيع كُتُبِهِ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ إلَّا السَّرَخْسِيَّ فَحَكَى فِي الْأَمَالِي وَجْهًا عَنْ حِكَايَةِ أَبِي طَاهِرِ الزِّيَادِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُطَاعَ الْحَجُّ بِذَلِكَ وَهَذَا غَلَطٌ وَالصَّوَابُ
اللُّزُومُ وَسَنُوَضِّحُ دَلِيلَهُ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا يَصِيرُ الْحَجُّ وَاجِبًا عَلَى الْمُطَاعِ بِأَرْبَعَةِ شُرُوطٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَ الْمُطِيعُ مِمَّنْ يَصِحُّ مِنْهُ فَرْضُ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ بِأَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا بَالِغًا عَاقِلًا حُرًّا (وَالثَّانِي) أَنْ يَكُونَ الْمُطِيعُ قَدْ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ حَجَّةٌ وَاجِبَةٌ

(7/95)


عَنْ إسْلَامٍ أَوْ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ (وَالثَّالِثُ) أن يكون موثوقا بوفائه بطاعته (والرابع) أن لا يَكُونَ مَعْضُوبًا هَكَذَا ذَكَرَ هَذِهِ الشُّرُوطَ الْأَصْحَابُ في الطريقين اتفقوا عَلَيْهَا إلَّا الدَّارِمِيَّ فَقَالَ إذَا كَانَ عَلَى الْمُطِيعِ حَجٌّ فَفِي وُجُوبِ الْحَجِّ عَلَى الْمُطَاعِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) لَا يَلْزَمُهُ كَمَا قَالَ الْأَصْحَابُ (والثاني) يلزمه ويلزم الْحَجُّ بِلَا خِلَافٍ لِلشَّكِّ فِي حُصُولِ الِاسْتِطَاعَةِ وَلَوْ تَوَسَّمَ فِيهِ أَمْرَ الطَّاعَةِ وَظَنَّهَا فَهَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِالْحَجِّ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالشَّاشِيُّ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ يَلْزَمُهُ لِحُصُولِ الِاسْتِطَاعَةِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَآخَرُونَ (وَالثَّانِي) لَا يَلْزَمُهُ مَا لَمْ يُصَرِّح بِالطَّاعَةِ لِأَنَّ الظَّنَّ قَدْ يُخْطِئُ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْقُدْرَةَ بِذَلِكَ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَهَذَا اخْتِيَارُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَلَوْ بَذَلَ الْمُطِيعُ الطَّاعَةَ وَجَبَ عَلَى الْوَالِدِ الْمُطَاعِ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ أَلْزَمَهُ الْحَاكِمُ بِذَلِكَ فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى الِامْتِنَاعِ فَهَلْ يَنُوبُ الْحَاكِمُ عَنْهُ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (الصَّحِيحُ) لَا لِأَنَّ الْحَجَّ عَلَى التَّرَاخِي قَالَ الدَّارِمِيُّ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ هَذَا قَوْلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ (وَالثَّانِي) قَوْلُ أَبِي اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَإِذَا اجْتَمَعَتْ شُرُوطُ وُجُوبِ الْحَجِّ بِالطَّاعَةِ فَمَاتَ الْمُطِيعُ قَبْلَ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ أَوْ رَجَعَ عَنْ الطَّاعَةِ وَصَحَّحْنَا رُجُوعَهُ فَإِنْ مَضَى بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ زَمَنُ إمْكَانِ الْحَجِّ اسْتَقَرَّ وُجُوبُ الْحَجِّ فِي ذِمَّةِ الْمَيِّتِ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ كَانَ لَهُ مَنْ يُطِيعُهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِطَاعَتِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ موروث ولم يعلم به هكذا أَطْلَقَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَآخَرُونَ وَلَمْ يَذْكُرُوا حُكْمَهُ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ هُوَ كَمَنْ فَقَدَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ وَصَلَّى بِالتَّيَمُّمِ وَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ إعَادَةِ الصَّلَاةِ وَمَعْنَى هَذَا أنه يجئ هنا خلاف كذاك الْخِلَافُ فَيَكُونُ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجِبُ الْحَجُّ وَلَا يعذر بالجهل لانه مقصر (والثاني) بعذر وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَقَالَ الشَّاشِيُّ فِي الْمُعْتَمَدِ هُوَ شَبِيهٌ بِالْمَالِ الضَّالِّ فِي الزَّكَاةِ وَالْمَذْهَبُ وُجُوبُهَا فِيهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَك أَنْ تقول لا يجب الحج بِمَالٍ مَجْهُولٍ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالِاسْتِطَاعَةِ وَلَا اسْتِطَاعَةَ مَعَ عَدَمِ
الْعِلْمِ بِالْمَالِ وَالطَّاعَةِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلَوْ وَرِثَ الْمَعْضُوبُ مَالًا وَلَمْ يَعْلَمْهُ حَتَّى مَاتَ فَفِي وُجُوبِ قَضَاءِ الْحَجِّ مِنْ تِرْكَتِهِ هَذَا الْخِلَافُ قَالَ وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ مَنْ يُطِيعُهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ حَتَّى مَاتَ وَلَوْ بَذَلَ الْوَلَدُ الطَّاعَةَ ثُمَّ أَرَادَ الرُّجُوعَ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ إحْرَامِهِ لَمْ يَجُزْ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا (أَصَحُّهُمَا) لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بشئ لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الشُّرُوعُ فَإِنْ كَانَ رُجُوعُهُ قَبْلَ حَجِّ أَهْلِ بَلَدِهِ تَبَيَّنَّا

(7/96)


أَنَّهُ لَا حَجَّ عَلَى الْمُطَاعِ هَكَذَا أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ الْوَجْهَيْنِ وَقَالَ الدَّارِمِيُّ الْوَجْهَانِ إذَا بَذَلَ الطَّاعَةَ وَقَبِلَهَا الْوَالِدُ فَأَمَّا إذَا بَذَلَهَا وَلَمْ يَقْبَلْ الْوَالِدُ وَلَا الْحَاكِمُ إذَا قُلْنَا يَقُومُ مَقَامَهُ عِنْدَ الِامْتِنَاعِ فَلِلْبَاذِلِ الرُّجُوعُ (الْحَالُ الثَّالِثُ) أَنْ يَبْذُلَ الْأَجِيرُ الطَّاعَةَ فَيَجِبُ قَبُولُهَا عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَجْهًا وَاحِدًا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ظَاهِرٌ وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ مَحْمُولٌ عَلَى الرُّجُوعِ (وَالثَّانِي) لَا يَجِبُ وَالْأَخُ كَالْأَجْنَبِيِّ مُطِيعًا لِأَنَّ اسْتِخْدَامَهُ يَثْقُلُ عَلَى الْإِنْسَانِ كَاسْتِخْدَامِ الْأَجْنَبِيِّ بِخِلَافِ الْوَلَدِ (وَأَمَّا) ابْنُ الْأَخِ وَالْعَمُّ وَابْنُ الْعَمِّ فَكَالْأَخِ (وَأَمَّا) الْجَدُّ وَالْأَبُ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُمَا كَالْأَخِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَالْإِمْلَاءِ وَقِيلَ هُمَا كَالْوَلَدِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي النَّفَقَةِ وَالْعِتْقِ بِالْمِلْكِ وَمَنْعِ الشَّهَادَةِ وَنَحْوِهَا حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ بَعْدَ الْقَبُولِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ الدَّارِمِيُّ وَلَوْ رَجَعَ فَاخْتَلَفَا فَقَالَ الْأَبُ رَجَعْتُ بَعْدَ قَبُولٍ وَقَالَ الِابْنُ بَلْ قَبْلَهُ فَأَيُّهُمَا يُصَدَّقُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ (وَاعْلَمْ) أَنَّ مَا صَحَّحْنَاهُ مِنْ الْوَجْهَيْنِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ جَوَازُ الرُّجُوعِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَجَمَاهِيرِ الْأَصْحَابِ فِي الطَّرِيقَيْنِ وَشَذَّ الْمَاوَرْدِيُّ فَصَحَّحَ مَنْعَ الرُّجُوعِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَذْلِ الماء للتيمم ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ قَبْضِهِ بِأَنَّ لِلْمَاءِ بَدَلًا وَهُوَ التَّيَمُّمُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْحَالُ الرَّابِعُ) أَنْ يَبْذُلَ لَهُ الْوَلَدُ الْمَالَ فَهَلْ يَجِبُ قَبُولُهُ والحج فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجِبُ لِأَنَّهُ مِمَّا يُمَنُّ بِهِ بِخِلَافِ خِدْمَتِهِ بِنَفْسِهِ وَالْوَجْهَانِ مُرَتَّبَانِ عَلَى بَذْلِ الْأَجْنَبِيِّ الْمَالَ فَإِنْ أَوْجَبْنَا الْقَبُولَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ فَالْوَلَدُ أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (الْأَصَحُّ) لَا يَجِبُ وَلَوْ بَذَلَ الْمَالَ لِلْمَعْضُوبِ أَبُوهُ فَهَلْ هُوَ كَبَذْلِ الْأَجْنَبِيِّ أَمْ كَبَذْلِ الْوَلَدِ فِيهِ احْتِمَالَانِ ذَكَرَهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) كَالْوَلَدِ لِعَدَمِ الْمِنَّةِ بَيْنَهُمَا غَالِبًا وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي بَذْلِ الطَّاعَةِ كُلُّهُ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا كَانَ الْبَاذِلُ
يَحُجُّ رَاكِبًا فَلَوْ بَذَلَ الِابْنُ لِيَحُجَّ مَاشِيًا فَفِي لُزُومِ الْقَبُولِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَلْزَمُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَغَيْرُهُ هُمَا مُرَتَّبَانِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي وُجُوبِ اسْتِئْجَارِ الْمَاشِي وَهُنَا أولى مَنْعُ الْوُجُوبِ لِأَنَّهُ يَشُقُّ عَلَيْهِ مَشْيُ وَلَدِهِ وفى معناه الوالد إذا أطاع وأوجبنا قبوله ولا يجئ التَّرْتِيبُ إذَا كَانَ

(7/97)


الْمُطِيعُ أَجْنَبِيًّا فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقَبُولُ إذَا كَانَ الْمُطِيعُ مَاشِيًا أَبًا أَوْ وَلَدًا وَيَجِبُ إذَا كَانَ أَجْنَبِيًّا وَإِذَا أَوْجَبْنَا الْقَبُولَ وَالْمُطِيعُ مَاشٍ فَذَلِكَ إذَا كَانَ لَهُ زَادٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَعُوِّلَ عَلَى الْكَسْبِ فِي طَرِيقِهِ فَفِي وُجُوبِ الْقَبُولِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ لِأَنَّ الْكَسْبَ قَدْ يَنْقَطِعُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُكْتَسِبًا وَعُوِّلَ عَلَى السُّؤَالِ قَالَ الْإِمَامُ فَالْخِلَافُ قَائِمٌ عَلَى التَّرْتِيبِ وَأَوْلَى بِأَنْ لَا يَجِبَ قَالَ فَإِنْ احْتَاجَ إلَى رُكُوبِ مَفَازَةٍ لَيْسَ بِهَا كَسْبٌ وَلَا سُؤَالٌ يَنْفَعُ لَمْ يَجِبْ الْقَبُولُ بِلَا خِلَافٍ لانه لا يَحْرُمُ التَّغْرِيرُ بِالنَّفْسِ عَلَى الِابْنِ الْمُطِيعِ فَإِذَا حَرُمَ ذَلِكَ عَلَيْهِ اسْتَحَالَ وُجُوبُ اسْتِنَابَتِهِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ فِي اشْتِرَاطِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ لِلْمُطِيعِ وَجْهَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَرْتِيبٍ وَعَلَّلَ الْمُتَوَلِّي الْوُجُوبَ بِأَنَّ الْمُطَاعَ صَارَ قَادِرًا فَلَزِمَهُ الْحَجُّ كَمَنْ كَانَ مَعَهُ مَالٌ وَلَا يَكْفِيهِ لِحَجِّ فَرْضٍ وَوَجَدَ مَنْ يَحُجُّ بِذَلِكَ الْمَالِ يَلْزَمُهُ الِاسْتِئْجَارُ لِتَمَكُّنِهِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا أَفْسَدَ الْمُطِيعُ الْبَاذِلُ حَجَّهُ انْقَلَبَ إلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْأَجِيرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
قَالَ الدَّارِمِيُّ إذَا بَذَلَ الْوَلَدُ الطَّاعَةَ لا بويه فَقَبِلَا لَزِمَهُ وَيَبْدَأُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ قَالَ وَإِذَا قَبِلَ الْوَالِدُ الْبَذْلَ لَمْ يَجُزْ لَهُ الرُّجُوعُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا كَانَ عَلَى الْمَعْضُوبِ حَجَّةُ نَذْرٍ أَوْ قَضَاءٍ فَهِيَ كَحَجَّةِ الْإِسْلَامِ فِيمَا سَبَقَ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يُجْزِئُ الْحَجُّ عَنْ الْمَعْضُوبِ بِغَيْرِ إذْنِهِ بِخِلَافِ قَضَاءِ الدَّيْنِ عَنْ غَيْرِهِ لِأَنَّ الْحَجَّ يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ وَهُوَ أَهْلٌ لِلْإِذْنِ بِخِلَافِ الْمَيِّتِ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ يَجُوزُ بِغَيْرِ إذْنِهِ حَكَاهُ المتولي عن القاضى أبي حامد المروروزى وَحَكَاهُ أَيْضًا الرَّافِعِيُّ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى
جَوَازِ الْحَجِّ عَنْ الْمَيِّتِ وَيَجِبُ عِنْدَ اسْتِقْرَارِهِ عَلَيْهِ سَوَاءٌ أَوْصَى بِهِ أَمْ لَا وَيَسْتَوِي فِيهِ الْوَارِثُ وَالْأَجْنَبِيُّ كَالدَّيْنِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَيُخَالِفُ مَا لَوْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ عِتْقُ رَقَبَةٍ فَأَعْتَقَهَا أَجْنَبِيٌّ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ على أحد

(7/98)


الطَّرِيقَيْنِ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَقْتَضِي الْوَلَاءَ وَالْوَلَاءُ يَقْتَضِي الْمِلْكَ وَإِثْبَاتُ الْمِلْكِ بَعْدَ مَوْتِهِ مُسْتَحِيلٌ (وَأَمَّا) صِحَّةُ الْحَجِّ فَلَا تَقْتَضِي ثُبُوتَ مِلْكٍ لَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا تَجُوزُ الِاسْتِنَابَةُ عَنْ الْمَيِّتِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ حَجَّةٌ وَلَهُ تَرِكَةٌ وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) الْمَعْضُوبُ فَتَلْزَمُهُ الِاسْتِنَابَةَ سَوَاءٌ طَرَأَ الْعَضَبُ بَعْدَ الْوُجُوبِ أَوْ بَلَغَ مَعْضُوبًا وَاجِدًا لِلْمَالِ ولوجوب الاستنابة صورتان سبق بينهما وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمُتَوَلِّي الْمَعْضُوبُ إذَا كَانَ مِنْ مَكَّةَ أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِي الْحَجِّ لِأَنَّهُ لَا تَكْثُرُ الْمَشَقَّةُ عَلَيْهِ فِي أَدَاءِ الْحَجِّ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ قَادِرًا لَا يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ الْحَجِّ عَلَيْهِ الرَّاحِلَةُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا طَلَبَ الْوَالِدُ الْمَعْضُوبُ الْعَاجِزُ عَنْ الِاسْتِئْجَارِ مِنْ الْوَلَدِ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ اُسْتُحِبَّ لِلْوَلَدِ إجَابَتُهُ وَلَا تَلْزَمُهُ إجَابَتُهُ وَلَا الْحَجُّ بِلَا خِلَافٍ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِعْفَافِ وَهُوَ التَّزْوِيجُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الْوَلَدَ عِنْدَ حَاجَةِ الْأَبِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَأَنَّهُ ليس عَلَى الْمَذْهَبِ وَأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْوَالِدِ فِي امْتِنَاعِ الْوَلَدِ مِنْ الْحَجِّ ضَرَرٌ لِأَنَّهُ حَقُّ الشرع فإذا عَجَزَ عَنْهُ لَمْ يَأْثَمْ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْإِعْفَافِ فَإِنَّهُ حَقُّ الْأَبِ وَاضْطِرَارُهُ عَلَيْهِ فَهُوَ شَبِيهٌ بِالنَّفَقَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمُتَوَلِّي لَوْ اسْتَأْجَرَ الْمُطِيعُ إنْسَانًا لِيَحُجَّ عَنْ الْمُطَاعِ الْمَعْضُوبِ فَإِنْ كَانَ الْمُطِيعُ وَلَدًا فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُطَاعَ الْحَجُّ وَإِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا وَقُلْنَا يَجِبُ الْحَجُّ بِطَاعَةِ الْأَجْنَبِيِّ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ وَجَدَ مَنْ يُطِيعُهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَذَلَ الطَّاعَةَ بِنَفْسِهِ
(وَالثَّانِي)
لَا لِأَنَّ هَذَا فِي الْحَقِيقَةِ بَذْلُ مَالٍ وَلَا يَجِبُ الْحَجُّ بِبَذْلِ الْأَجْنَبِيِّ الْمَالَ وَهَذَا إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّ بَذْلَ الْأَجْنَبِيِّ الْمَالَ لَا يَجِبُ قَبُولُهُ وَقَدْ جَزَمَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُمْ بِاللُّزُومِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُطِيعُ وَلَدًا
* (فَرْعٌ)
إذَا كَانَ لِلْمَعْضُوبِ مَالٌ ولم يستأجر من يحج عنه فهل يستأجر الحاكم مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ
لِامْتِنَاعِهِ فِيهِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ فِيهِ وَجْهَيْنِ كَالْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِيمَا إذَا امْتَنَعَ الْمُطَاعُ مِنْ الْإِذْنِ

(7/99)


لِلْمُطِيعِ الْبَاذِلِ لِلطَّاعَةِ وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ الْفُورَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ
(وَالثَّانِي)
لَا يَسْتَأْجِرُ عَنْهُ وَجْهًا وَاحِدًا قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِذْنِ لِلْمُطِيعِ أَنَّ لِلْمَعْضُوبِ غَرَضًا فِي تَأْخِيرِ الِاسْتِئْجَارِ بِأَنْ يَنْتَفِعُ بِمَالِهِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَنْوِيَ الْبَاذِلُ لِلْحَجِّ عَنْ الْمَعْضُوبِ
* (فَرْعٌ)
إذَا بَذَلَ الْوَلَدُ الطَّاعَةَ وَقَبِلَهَا الْأَبُ ثم مات الباذل قبل الحج قال الدرامى إن كَانَ قَدَرَ عَلَى الْحَجِّ فَلَمْ يَحُجَّ قَضَى مِنْ مَالِهِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَقْدِرْ فَلَا شئ عَلَيْهِ قَالَ وَعَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ لِلْبَاذِلِ الرُّجُوعُ يَقُومُ وَرَثَتُهُ مَقَامَهُ فِي اخْتِيَارِ الرُّجُوعِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مِنْ وُجُوبِ قَضَائِهِ مِنْ تَرِكَةِ الْبَاذِلَ فِيهِ نَظَرٌ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ يَلْزَمُ الْبَاذِلَ أَنْ يَحُجَّ مِنْ الْمِيقَاتِ فَإِنْ جَاوَزَهُ لَزِمَهُ دَمٌ وَكَذَا كُلُّ عَمَلٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ فِدْيَةٌ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا وَشُرُوطُ الْبَاذِلِ الَّذِي يَصِحُّ بَذْلُهُ وَيَجِبُ بِهِ الْحَجُّ أَرْبَعَةٌ (أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَصِحُّ مِنْهُ أَدَاءُ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ بِنَفْسِهِ بِأَنْ يكون بالغا عاقلا حرامسلما (وَالثَّانِي) كَوْنُهُ لَا حَجَّ عَلَيْهِ (وَالثَّالِثُ) أَنْ يَكُونَ مَوْثُوقًا بِبَذْلِهِ لَهُ (وَالرَّابِعُ) أَنْ لَا يَكُونَ مَعْضُوبًا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الشُّرُوطِ وَقَدْ أَخَذَ الْمُصَنِّفُ بِإِيضَاحِهَا فَأَرَدْتُ التَّنْبِيهَ عَلَيْهَا مُفْرَدَةً لِتُحْفَظَ قَالَ السَّرَخْسِيُّ وَذَكَرَ الْقَفَّالُ مَعَ هَذِهِ الشُّرُوطِ شَرْطًا آخَرَ وَهُوَ بَقَاءُ الْمُطِيعِ عَلَى الطَّاعَةِ مُدَّةَ إمْكَانِ الْحَجِّ فَلَوْ رَجَعَ قَبْلَ الْإِمْكَانِ فَلَا وُجُوبَ كَمَا إذَا اسْتَجْمَعَ أَسْبَابَ الِاسْتِطَاعَةِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَفَاتَ بَعْضُهَا قَبْلَ إمْكَانِ الْحَجِّ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ الْوُجُوبُ وَلَا نَقُولُ إنَّهُ لَمْ يَجِبْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي وُجُوبِ الْحَجِّ عَلَى الْمَعْضُوبِ إذَا وَجَدَ مَالًا وَأَجِيرًا بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا وُجُوبُهُ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ عَلِيٌّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَدَاوُد وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَلَا يَجِبُ إلَّا

(7/100)


أَنْ يَقْدِرَ عَلَى الْحَجِّ بِنَفْسِهِ
* وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى) وبقوله تَعَالَى (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ استطاع إليه سبيلا) وَهَذَا لَا يَسْتَطِيعُ وَبِأَنَّهَا عِبَادَةٌ لَا تَصِحُّ فيها النيابة مع القدرة فكذا مع العجر كَالصَّلَاةِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ فِي الْحَجِّ عَلَى عِبَادِهِ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ قَالَ نَعَمْ وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي رزين الفضلى أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ (ان ابي شيخا كبيرا لَا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ وَلَا الْعُمْرَةَ وَلَا الظَّعْنَ قَالَ حُجَّ عَنْ أَبِيك وَاعْتَمِرْ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ (أَنَّ جَارِيَةً شَابَّةً مِنْ خَثْعَمَ اسْتَفْتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ إنَّ أبى شيخا كبيرا قَدْ أَقَرَّ وَقَدْ أَدْرَكَتْهُ فَرِيضَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْحَجِّ فَهَلْ يُجْزِئُ عَنْهُ أَنْ أُؤَدِّيَ عَنْهُ قَالَ نَعَمْ فَأَدِّي عَنْ أَبِيكِ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَعَنْ عَبْدِ الله ابن الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (جَاءَ رَجُلٌ مِنْ خَثْعَمَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إنَّ أَبِي أَدْرَكَهُ الْإِسْلَامُ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَطِيعُ رُكُوبَ الرَّحْلِ وَالْحَجُّ مَكْتُوبٌ عَلَيْهِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ قَالَ أَنْتَ أَكْبَرُ وَلَدِهِ قَالَ نَعَمْ قَالَ أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكَ دِينٌ فَقَضَيْتَهُ عَنْهُ أَكَانَ ذَلِكَ يُجْزِئُ عَنْهُ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَاحْجُجْ عَنْهُ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ (1) وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْله تَعَالَى (وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى) أَنَّهُ وَجَدَ مِنْ الْمَعْضُوبِ السَّعْيَ وَهُوَ بَذْلُ المال والاستئجار وعن قَوْله تَعَالَى (مَنْ اسْتَطَاعَ) أَنَّ هَذَا مُسْتَطِيعٌ بِمَالِهِ وَعَنْ الْقِيَاسِ عَلَى الصَّلَاةِ أَنَّهَا لَا يَدْخُلُهَا الْمَالُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي الْمَعْضُوبِ إذَا لَمْ يَجِدْ مَالًا يَحُجُّ بِهِ غَيْرُهُ فَوَجَدَ مَنْ يُطِيعُهُ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا وُجُوبُ الْحَجِّ عَلَيْهِ
* وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ
* وَدَلِيلُنَا وَدَلِيلُهُمْ يُعْرَفُ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ مَا ذَكَرْتُهُ فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِيمَا إذَا أَحَجَّ الْمَعْضُوبُ عَنْهُ ثُمَّ شُفِيَ وَقَدَرَ عَلَى الْحَجِّ بِنَفْسِهِ
* قَدْ ذَكَرنَا أَنَّ الصحيح
__________
(1) رياض بالاصل فحرر

(7/101)


مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ بِنَفْسِهِ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ جُمْهُورِ العلماء
* وقال أحمد واسحاق يجزئه *
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* (وَالْمُسْتَحَبُّ لِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ أن يقدمه لقوله تعالى (فاستبقوا الخيرات) ولانه إذا أخره عرضه للفوات بحوادت الزمان ويجوز أن يؤخره من سنة إلى سنة لان فريضة الحج نزلت سنة ست وأخر النبي صلى الله عليه وسلم الحج إلى سنة عشر من غير عذر فلو لم يجز التأخير لما أخره) (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ قَدْ يُنْكَرُ فَيُقَالُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَفْتَحْ مَكَّةَ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الْحَجِّ إلَّا فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أنه لم يتمكن مِنْ حِينِ نَزَلَتْ فَرِيضَةُ الْحَجِّ وَهَذَا اعْتِرَاضٌ فَاسِدٌ لِأَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمَكَّنَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَنَةَ تِسْعٍ وَتَمَكَّنَ كَثِيرُونَ مِنْ أَصْحَابِهِ وَلَمْ يَحُجَّ وَيَحُجُّوا إلَّا سَنَةَ عَشْرٍ وَلَمْ يَقُلْ الْمُصَنِّفُ أنه تمكن من سنة ست (أما) حكم الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ (إحْدَاهُمَا) الْمُسْتَحَبُّ لِمَنْ وَجَبَ عليه الحج بنفسه أو بغيره تعجليه لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلِحَدِيثِ مِهْرَانَ بْنِ صَفْوَانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيُعَجِّلْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ عَنْ مِهْرَانَ وَمِهْرَانُ هَذَا مَجْهُولٌ قَالَ ابن أبي حاتم سئل أبوذرعة عَنْهُ فَقَالَ لَا أَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ (الثَّانِيَةُ) إذَا وُجِدَتْ شُرُوطُ وُجُوبِ الْحَجِّ وجب على التَّرَاخِي عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ إلَّا الْمُزَنِيَّ فَقَالَ هُوَ عَلَى الْفَوْرِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ بَعْدَ سَنَةِ الْإِمْكَانِ مَا لَمْ يَخْشَ الْعَضَبَ فَإِنْ خَشِيَهُ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ حَكَاهُمَا إمَامُ الحرمين والبغوى والمتولي وصحاب العدة وآخرون قال الرَّافِعِيُّ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْمُوَسَّعَ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ إلَّا بِشَرْطِ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ السَّلَامَةُ إلَى وَقْتِ فِعْلِهِ وَهَذَا مَفْقُودٌ فِي مَسْأَلَتِنَا (وَالثَّانِي) يَجُوزُ لِأَنَّ أَصْلَ الْحَجِّ عَلَى التَّرَاخِي فَلَا يَتَغَيَّرُ بِأَمْرٍ مُحْتَمَلٍ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَيَجْرِي هَذَانِ الْوَجْهَانِ فِيمَنْ خَافَ أَنْ يَهْلِكَ مَالُهُ هَلْ لَهُ تَأْخِيرُ الْحَجِّ أَمْ لَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*

(7/102)


(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي كَوْنِ الْحَجِّ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ التَّرَاخِي
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ عَلَى
التَّرَاخِي وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ وَجَابِرٍ وَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ رَضِيَ الله تعالى عَنْهُمْ
* وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو يُوسُفَ هُوَ عَلَى الْفَوْرِ وَهُوَ قَوْلُ الْمُزَنِيِّ كَمَا سَبَقَ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا نَصَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي ذَلِكَ
* وَاحْتُجَّ لَهُمْ بِقَوْلِهِ تعالى (وأتموا الحج والعمرة لله) وَهَذَا أَمْرٌ وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْفَوْرَ وَبِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ السَّابِقِ فِي هَذَا الْفَصْلِ (مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيُعَجِّلْ) وَبِالْحَدِيثِ الْآخَرِ السَّابِقِ (مَنْ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ الْحَجِّ حَاجَةٌ أَوْ مَرَضٌ حَابِسٌ أَوْ سُلْطَانٌ جَائِرٌ فَلْيَمُتْ إنْ شَاءَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا) وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِإِفْسَادِهَا فَوَجَبَتْ عَلَى الْفَوْرِ كَالصَّوْمِ وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تَتَعَلَّقُ بِقَطْعِ مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ كَالْجِهَادِ قَالُوا وَلِأَنَّهُ إذَا لَزِمَهُ الْحَجُّ وَأَخَّرَهُ إمَّا أَنْ تَقُولُوا يَمُوتُ عَاصِيًا وَإِمَّا غَيْرَ عَاصٍ (فَإِنْ قُلْتُمْ) لَيْسَ بِعَاصٍ خَرَجَ الْحَجُّ عَنْ كَوْنِهِ وَاجِبًا وَإِنْ (قلتم) عاص فأما أن تقولوا عصى بِالْمَوْتِ أَوْ بِالتَّأْخِيرِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْصِيَ بِالْمَوْتِ إذْ لَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ فَثَبَتَ أَنَّهُ بِالتَّأْخِيرِ فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِهِ عَلَى الْفَوْرِ
* وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ بِأَنَّ فَرِيضَةَ الْحَجِّ نَزَلَتْ بَعْدَ الْهِجْرَةِ وَفَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَانْصَرَفَ عَنْهَا فِي شَوَّالٍ مِنْ سَنَتِهِ وَاسْتَخْلَفَ عَتَّابَ بْنَ أَسِيدٍ فَأَقَامَ النَّاسُ الْحَجَّ سَنَةَ ثَمَانٍ بِأَمْرِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقِيمًا بِالْمَدِينَةِ هُوَ وَأَزْوَاجُهُ وَعَامَّةُ أَصْحَابِهِ ثُمَّ غَزَا غَزْوَةَ تَبُوكَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَانْصَرَفَ عَنْهَا قَبْلَ الْحَجِّ فَبَعَثَ أَبَا بَكْرٍ رضي الله تعالى عَنْهُ فَأَقَامَ النَّاسُ الْحَجَّ سَنَةَ تِسْعٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ وَأَزْوَاجُهُ وَعَامَّةُ أَصْحَابِهِ قَادِرِينَ عَلَى الْحَجِّ غَيْرَ مُشْتَغِلِينَ بِقِتَالٍ وَلَا غَيْرِهِ ثُمَّ حَجَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَزْوَاجِهِ وَأَصْحَابِهِ كُلِّهِمْ سَنَةَ عَشْرٍ فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِهِ هَذَا دَلِيلُ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ الْأَصْحَابِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ مَأْخُوذٌ مِنْ الْأَخْبَارِ قَالَ (فَأَمَّا) نُزُولُ فَرْضِ الْحَجِّ بَعْدَ الْهِجْرَةِ فَكَمَا قَالَ وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا لَهُ بِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ (وَقَفَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَرَأْسِي يَتَهَافَتُ قَمْلًا فَقَالَ يُؤْذِيَكَ هَوَامُّك قُلْتُ نَعَمْ يَا رَسُولَ

(7/103)


اللَّهِ قَالَ أَبُو دَاوُد فَقَالَ قَدْ آذَاكَ هو ام رَأْسِكَ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَاحْلِقْ رَأْسَكَ قَالَ فَفِي نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ الي آخره) رواه البخاري ومسلم قَالَ أَصْحَابُنَا فَثَبَتَ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ
قَوْله تَعَالَى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فما استيسر من الهدى ولا تحلقوا رؤسكم حتى يبلغ الهدى محله فمن مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ) إلَى آخِرِهَا نَزَلَتْ سَنَةَ سِتٍّ مِنْ الْهِجْرَةِ وَهَذِهِ الْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى وُجُوبِ الْحَجِّ وَنَزَلَ بعدها قوله تعالي (وأقيموا الصلاة وآتو الزكاة) وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْحُدَيْبِيَةَ كَانَتْ سَنَةَ سِتٍّ مِنْ الْهِجْرَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَثَبَتَ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا حُنَيْنًا بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ وَقَسَّمَ غَنَائِمَهَا وَاعْتَمَرَ مِنْ سَنَتِهِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَكَانَ إحْرَامُهُ بِالْعُمْرَةِ مِنْ الْجِعْرَانَةِ وَلَمْ يَكُنْ بَقِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَجِّ إلا أياما يَسِيرَةٌ فَلَوْ كَانَ عَلَى الْفَوْرِ لَمْ يَرْجِعْ مِنْ مَكَّةَ حَتَّى يَحُجَّ مَعَ أَنَّهُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ كَانُوا حِينَئِذٍ مُوسِرِينَ فَقَدْ غَنِمُوا الْغَنَائِمَ الْكَثِيرَةَ وَلَا عُذْرَ لَهُمْ وَلَا قِتَالَ وَلَا شُغْلَ آخَرَ وَإِنَّمَا أَخَّرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ سَنَةِ ثَمَانٍ بَيَانًا لِجَوَازِ التَّأْخِيرِ وَلِيَتَكَامَلَ الْإِسْلَامُ وَالْمُسْلِمُونَ فَيَحُجَّ بِهِمْ حَجَّةَ الْوَدَاعِ ويحضرها الخلق فيبلغوا عنه المناسك وَلِهَذَا قَالَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ لِيُبَلِّغْ (الشَّاهِدُ مِنْكُمْ الْغَائِبَ وَلْتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ) وَنَزَلَ فِيهَا قوله تعالي (اليوم أكملت لكم دينكم) قال أبو زرعة الرازي فيما روينا عَنْهُ حَضَرَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ مِائَةُ أَلْفٍ وَأَرْبَعَةَ عَشْرَ أَلْفًا كُلُّهُمْ رَآهُ وَسَمِعَ مِنْهُ فَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ أَبِي زُرْعَةَ الَّذِي لَمْ يَحْفَظْ أَحَدٌ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ

(7/104)


صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَحِفْظِهِ وَلَا مَا يُقَارِبُهُ (فَإِنْ قِيلَ) إنَّمَا أَخَّرَهُ إلَى سَنَةِ عَشْرٍ لِتَعَذُّرِ الِاسْتِطَاعَةِ لِعَدَمِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ أَوْ الْخَوْفِ عَلَى الْمَدِينَةِ وَالِاشْتِغَالِ بِالْجِهَادِ (فَجَوَابُهُ) مَا سَبَقَ قَرِيبًا
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا أَيْضًا بِحَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (نُهِينَا أَنْ نَسْأَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شئ فكان يعجبنا أن يجئ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ الْعَاقِلُ فَيَسْأَلَهُ وَنَحْنُ نسمع فجاء رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَتَانَا رَسُولُكَ فَزَعَمَ لَنَا أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَكَ قَالَ صَدَقَ قَالَ فَمَنْ خَلَقَ السَّمَاءَ قَالَ اللَّهُ قَالَ فَمَنْ خَلْقَ الْأَرْضَ قَالَ اللَّهُ قَالَ فَمَنْ نَصَبَ هَذِهِ الْجِبَالَ وَجَعَلَ فِيهَا مَا جَعَلَ قَالَ اللَّهُ قَالَ فَبِاَلَّذِي خَلْقَ السَّمَاءَ وَخَلْقَ الْأَرْضَ وَنَصَبَ هَذِهِ الْجِبَالَ آللَّهُ أَرْسَلَكَ قَالَ نَعَمْ قَالَ وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِنَا وَلَيْلَتِنَا قَالَ صَدَقَ قَالَ فَبِاَلَّذِي أَرْسَلَكَ آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا قَالَ نَعَمْ قَالَ وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا زَكَاةً
فِي أَمْوَالِنَا قَالَ صَدَقَ قال فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا قال نَعَمْ قَالَ وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ فِي سَنَتِنَا قَالَ صَدَقَ قَالَ فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا قال نعم قَالَ وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا حِجَّ الْبَيْتِ من استطاع إليه سبيلا صَدَقَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ فِي أَوَّلِ

(7/105)


كِتَابِ الْإِيمَانِ بِهَذِهِ الْحُرُوفِ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ أَصْلَهُ وفى رواية البخاري أن هذا الرجل أبا ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ وَقُدُومُ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ سَنَةَ خَمْسٍ مِنْ الْهِجْرَةِ قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ حبيب وآخرون وغيره سَنَةَ سَبْعٍ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَقَدْ صَرَّحَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِوُجُوبِ الْحَجِّ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا أَيْضًا بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمُسْتَفِيضَةِ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هدى ان يفتتح الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَيَجْعَلُهُ عُمْرَةً وَهَذَا صَرِيحٌ فِي جَوَازِ تَأْخِيرِ الْحَجِّ مَعَ التَّمَكُّنِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا أَيْضًا بِأَنَّهُ إذَا أَخَّرَهُ مِنْ سَنَةٍ إلَى سَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ وَفَعَلَهُ يُسَمَّى مُؤَدِّيًا لِلْحَجِّ لَا قَاضِيًا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ هَكَذَا نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَ الِاتِّفَاقُ عَلَيْهِ أَيْضًا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَآخَرُونَ وَلَوْ حَرُمَ التَّأْخِيرُ لَكَانَ قَضَاءً لَا أَدَاءً (فَإِنْ قَالُوا) هَذَا يُنْتَقَضُ بِالْوُضُوءِ فَإِنَّهُ إذَا أَخَّرَهُ حَتَّى خَرَجَ وَقْتُ الصَّلَاةِ ثُمَّ فَعَلَهُ كَانَ أَدَاءً مَعَ أَنَّهُ يَأْثَمُ بِذَلِكَ (قُلْنَا) قَدْ مَنَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ كَوْنَهُ أَدَاءً فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَقَالَ بَلْ هُوَ قَضَاءٌ لِبَقَاءِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ لَهَا لَا لِنَفْسِهِ وَجَوَابٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْوُضُوءَ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مَحْدُودٌ فَلَا يُوصَفُ بِالْقَضَاءِ بِخِلَافِ الْحَجِّ وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الِاصْطِلَاحِ أَنَّ الْقَضَاءَ فِعْلُ الْعِبَادَةِ خَارِجَ وَقْتِهَا الْمَحْدُودِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا أَيْضًا بِأَنَّهُ إذَا تَمَكَّنَ مِنْ الْحَجِّ وَأَخَّرَهُ ثُمَّ فَعَلَهُ لَا تَرُدُّ شَهَادَتُهُ فِيمَا بَيْنَ تَأْخِيرِهِ وَفِعْلِهِ بِالِاتِّفَاقِ ولو حرم لردت لارتكابه المسئ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْأَسَالِيبِ أُسْلُوبُ الْكَلَامِ فِي الْمَسْأَلَةِ أَنْ تَقُولَ الْعِبَادَةُ الْوَاجِبَةُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ (أَحَدُهَا) مَا يَجِبُ لِدَفْعِ حَاجَةِ الْمَسَاكِينِ العاجزة وهو الزكاة فيجب على الفور لانه الْمَعْنَى مِنْ مَقْصُودِ الشَّرْعِ بِهَا (وَالثَّانِي) مَا

(7/106)


تعلق بغير مصلحة المكلف وتعلق باوقات شريقة كالصلاة وصوم رمضان فيتعن فِعْلُهَا فِي الْأَوْقَاتِ الْمَشْرُوعَةِ لَهَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِعْلُهَا فِي تِلْكَ الْأَوْقَاتِ (وَالثَّالِثُ) عِبَادَةٌ تَسْتَغْرِقُ الْعُمْرَ وَتُبْسَطُ عَلَيْهِ
حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَهُوَ الْإِيمَانُ فَيَجِبُ التَّدَارُكُ إلَيْهِ لِيَثْبُتَ وُجُوبُ اسْتِغْرَاقِ الْعُمْرِ بِهِ (وَالرَّابِعُ) عِبَادَةٌ لَا تَتَعَلَّقُ بِوَقْتٍ وَلَا حَاجَةٍ وَلَمْ تُشْرَعْ مُسْتَغْرِقَةً لِلْعُمْرِ وَكَانَتْ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الْعُمْرِ وَهِيَ الْحَجُّ فَحُمِلَ أَمْرُ الشَّرْعِ بِهَا لِلِامْتِثَالِ الْمُطْلَقِ وَالْمَطْلُوبُ تَحْصِيلُ الْحَجِّ فِي الْجُمْلَةِ وَلِهَذَا إذَا فَاتَتْ الصَّلَاةُ كَانَ قَضَاؤُهَا عَلَى التَّرَاخِي لِعَدَمِ الْوَقْتِ الْمُخْتَصِّ وَكَذَا الْقِيَاسُ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ إذَا فَاتَ لَا يَخْتَصُّ قَضَاؤُهُ بِزَمَانٍ وَلَكِنْ تَثْبُتُ آثَارٌ اقْتَضَتْ غَايَتَهُ بِمُدَّةِ السَّنَةِ هَذَا كُلُّهُ إذَا قُلْنَا إنَّهُ يَقْتَضِي الْفَوْرَ وَلَنَا طَرِيقٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّ الْأَمْرَ مُجَرَّدًا عَنْ الْقَرَائِنِ لَا يَقْتَضِي الْفَوْرَ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ الِامْتِثَالُ الْمُجَرَّدُ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يَقْتَضِي الْفَوْرَ نَقْلنَا الكلام معه إلَى أُصُولِ الْفِقْهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الْحَجُّ عِبَادَةٌ لَا تُنَالُ إلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ وَلَا يتأتى الاقدام عليها بعينها بل يقتضى التشاغل بِأَسْبَابِهَا وَالنَّظَرِ فِي الرِّفَاقِ وَالطُّرُقِ وَهَذَا مَعَ بُعْدِ الْمَسَافَةِ يَقْتَضِي مُهْلَةً فَسِيحَةً لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهَا بِوَقْتٍ وَهَذَا هُوَ الْحِكْمَةُ فِي إضَافَةِ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ هَذَا قَرِينَةٌ فِي اقْتِضَاءِ الْأَمْرِ بِالْحَجِّ لِلتَّرَاخِي فَنَقُولُ الْأَمْرُ بِالْحَجِّ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا وَالْأَمْرُ الْمُطْلَقُ لَا يَقْتَضِي الْفَوْرَ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ مَا يَقْتَضِي التَّرَاخِيَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ هَذَا كلام امام الحرمين رحمه الله (اما) الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِ الْحَنَفِيَّةِ بِالْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَأَنَّ الامر يقتضى الفور فمن وجهين (احدهما) ان أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا قَالُوا إنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ الْمُجَرَّدَ عَنْ الْقَرَائِنِ لَا يَقْتَضِي الْفَوْرَ بَلْ هُوَ عَلَى التَّرَاخِي وَقَدْ سَبَقَ تَقْرِيرُهُ فِي كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ مِنْ أَنَّ أَكْثَرَ أَصْحَابِنَا عَلَيْهِ هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي كُتُبِهِمْ فِي الْأُصُولِ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ يَقْتَضِي الْفَوْرَ وَهُنَا قَرِينَةٌ وَدَلِيلٌ يَصْرِفُهُ إلَى التَّرَاخِي وَهُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ مَعَ مَا ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ مِنْ الْقَرِينَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي آخِرِ كَلَامِهِ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ (مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلِيُعَجِّلْ) (فَجَوَابُهُ) مِنْ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ ضَعِيفٌ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ حُجَّةٌ لَنَا لِأَنَّهُ فَوَّضَ فَعْلَهُ إلَى إرَادَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ وَلَوْ كَانَ عَلَى الْفَوْرِ لَمْ يُفَوِّضْ تَعْجِيلَهُ إلَى اخْتِيَارِهِ (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ أَمْرُ نَدْبٍ جَمَعَا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ (فَلْيَمُتْ إنْ شَاءَ يَهُودِيًّا) فَمِنْ أَوْجُهٍ

(7/107)


(أَحَدُهَا) أَنَّهُ ضَعِيفٌ كَمَا سَبَقَ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ الذَّمَّ لِمَنْ أَخَّرَهُ إلَى الْمَوْتِ وَنَحْنُ نُوَافِقُ عَلَى تَحْرِيمِ تَأْخِيرِهِ
إلَى الْمَوْتِ وَاَلَّذِي نَقُولُ بِجَوَازِهِ هُوَ التَّأْخِيرُ بِحَيْثُ يُفْعَلُ قَبْلَ الْمَوْتِ (الثَّالِثُ) أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ تَرَكَهُ مُعْتَقِدًا عَدَمَ وُجُوبِهِ مَعَ الِاسْتِطَاعَةِ فَهَذَا كَافِرٌ وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ أَنَّهُ قَالَ (فَلِيَمُتْ إنْ شَاءَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا) وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَمُوتُ كَافِرًا وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا إذَا اعْتَقَدَ عَدَمَ وُجُوبِهِ مَعَ الِاسْتِطَاعَةِ وَإِلَّا فَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ مَنْ تَمَكَّنَ مِنْ الْحَجِّ فَلَمْ يَحُجَّ وَمَاتَ لَا يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ بَلْ هُوَ عاص فوجب تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ لَوْ صَحَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَالْجَوَابُ) عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الصَّوْمِ أَنَّ وَقْتَهُ مَضِيقٌ فَكَانَ فِعْلُهُ مُضَيَّقًا بِخِلَافِ الْحَجِّ (وَالْجَوَابُ) عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الْجِهَادِ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
جَوَابُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَغَيْرِهِ لَا نُسَلِّمُ وُجُوبَهُ عَلَى الْفَوْرِ بَلْ هُوَ مَوْكُولٌ إلَى رَأْي الْإِمَامِ بِحَسْبِ الْمَصْلَحَةِ فِي الْفَوْرِ وَالتَّرَاخِي (وَالثَّانِي) أَنَّ فِي تَأْخِيرِ الْجِهَادِ ضَرَرًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ الْحَجِّ (وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ إذَا أَخَّرَهُ وَمَاتَ هَلْ يَمُوتُ عَاصِيًا أَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدِنَا موته عصايا قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا عَصَى لِتَفْرِيطِهِ بِالتَّأْخِيرِ إلَى الْمَوْتِ وَإِنَّمَا جَازَ لَهُ التَّأْخِيرُ بِشَرْطِ سَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ كَمَا إذَا ضَرَبَ وَلَدَهُ أَوْ زَوْجَتَهُ أو المعلم

(7/108)


الصَّبِيَّ أَوْ عَزَّرَ السُّلْطَانُ إنْسَانًا فَمَاتَ فَإِنَّهُ يَجِبُ الضَّمَانُ لِأَنَّهُ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* (وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ فَلَمْ يَحُجَّ حَتَّى مَاتَ نظرت فان مات قبل أن يتمكن من الاداء سقط فرضه ولم يجب القضاء وقال أبويحيى البلخي يجب القضاء وأخرج إليه أبو إسحق نص الشافعي رحمه الله فرجع عنه والدليل علي أنه يسقط أنه هلك ما تعلق به الفرض قبل التمكن من الاداء فسقط الفرض كما لو هلك النصاب قبل أن يتمكن من اخراج الزكاة وان مات بعد التمكن من الاداء لم يسقط الفرض ويجب قضاؤه من تركته لما روى بريدة قال (أتت النبي صلى الله عليه وسلم امرأة فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أُمِّي مَاتَتْ ولم تحج قال حجى عن أمك) ولانه حق تدخله النيابة لزمه في حال الحياة فلم يسقط بالموت كدين الآدمى ويجب قضاؤه عنه من الميقات لان الحج يجب من الميقات ويجب من رأس المال لانه دين واجب فكان من رأس المال كدين الآدمى وان اجتمع الحج ودين الآدمى والتركة لا تتسع لهما ففيه الاقوال الثلاثة التى ذكرناها في آخر الزكاة)
*
(الشَّرْحُ) حَدِيثُ بُرَيْدَةَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ فَلَمْ يَحُجَّ حَتَّى مَاتَ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْأَدَاءِ بِأَنْ مَاتَ قَبْلَ حَجِّ النَّاسِ مِنْ سَنَةِ الْوُجُوبِ تَبَيَّنَّا عَدَمَ الْوُجُوبِ لَتَبَيُّنِ عَلَامَةِ عَدَمِ الْإِمْكَانِ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ وكان أبويحيى الْبَلْخِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا يَقُولُ يَجِبُ قَضَاؤُهُ مِنْ تِرْكَتِهِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ حِينَ أَخْرَجَ إليه أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ نَصَّ الشَّافِعِيِّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَدَلِيلَهُ فِي الْكِتَابِ وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ أَدَاءِ الْحَجِّ بِأَنَّ مَاتَ بَعْدَ حَجِّ النَّاسِ اسْتَقَرَّ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ وَوَجَبَ الْإِحْجَاجُ عَنْهُ مِنْ تِرْكَتِهِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَرُجُوعُ النَّاسِ لَيْسَ مُعْتَبَرًا إنَّمَا الْمُعْتَبَرُ إمْكَانُ فَرَاغِ أَفْعَالِ الْحَجِّ حتى لو مات بعد انتصاب لَيْلَةِ النَّحْرِ وَمَضَى إمْكَانُ السَّيْرِ إلَى مِنَى والرمي بها والى مكة والطواف بها استقرار الْفَرْضُ عَلَيْهِ وَإِنْ مَاتَ أَوْ جُنَّ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَسْتَقِرَّ عَلَيْهِ وَإِنْ هَلَكَ مَالُهُ بَعْدَ رُجُوعِ النَّاسِ أَوْ بَعْدَ مُضِيّ إمْكَانِ الرُّجُوعِ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَإِنْ هَلَكَ مَالُهُ بَعْدَ حَجِّهِمْ وَقَبْلَ الرُّجُوعِ أَوْ إمْكَانِهِ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ لَا يَسْتَقِرُّ

(7/109)


لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ بَقَاؤُهُ فِي الذَّهَابِ وَالرُّجُوعِ وَقَدْ تَبَيَّنَّا أَنَّ مَالَهُ لَا يَبْقَى إلَى الرُّجُوعِ هَذَا حَيْثُ نَشْتَرِطُ أَنْ يَمْلِكَ نَفَقَةَ الرُّجُوعِ فَإِنْ لَمْ نَشْتَرِطْهَا اسْتَقَرَّ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ أُحْصِرُوا وَأَمْكَنَهُ الْخُرُوجُ مَعَهُمْ فَتَحَلَّلُوا لَمْ يَسْتَقِرَّ عَلَيْهِ الْحَجُّ لِأَنَّا تَبَيَّنَّا عَجْزَهُ وَعَدَمَ إمْكَانِ الْحَجِّ هَذِهِ السَّنَةِ فَلَوْ سَلَكُوا طَرِيقًا آخَرَ وَحَجُّوا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَكَذَا لَوْ حَجُّوا فِي السَّنَةِ الَّتِي بَعْدَهَا إذَا عَاشَ وَبَقِيَ مَالُهُ (الثَّانِيَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا حَيْثُ وَجَبَ عَلَيْهِ الحج وأمكنه الاداء فمات يعد اسْتِقْرَارِهِ يَجِبُ قَضَاؤُهُ مِنْ تِرْكَتِهِ كَمَا سَبَقَ وَيَكُونُ قَضَاؤُهُ مِنْ الْمِيقَاتِ وَيَكُونُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَذَا إذَا لَمْ يُوصِ بِهِ فَإِنْ أَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ أَطْلَقَ الْوَصِيَّةَ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالثُّلُثِ وَلَا بِرَأْسِ الْمَالِ فَهَلْ يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ الثُّلُثِ أَمْ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ فِي كِتَابِ الْوَصِيَّةِ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ دَيْنُ آدَمِيٍّ وَضَاقَتْ التَّرِكَةُ عَنْهُمَا فَفِيهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ السَّابِقَةُ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ (أَصَحُّهَا) يُقَدَّمُ الْحَجُّ (وَالثَّانِي) دَيْنُ الْآدَمِيِّ (وَالثَّالِثُ) يُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا وَقَدْ ذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ قَوْلًا غَرِيبًا لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يُحَجُّ عَنْ الْمَيِّتِ الْحَجَّةَ الواجبة الا إذا أوصى حج عنه من الثلث وهذا
قولا غَرِيبٌ ضَعِيفٌ جِدًّا وَسَنُوَضِّحُ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الْوَصِيَّةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ لِلْمَيِّتِ تَرِكَةٌ فَلَوْ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَمَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ وَلَا تَرِكَةَ لَهُ بَقِيَ الْحَجُّ فِي ذِمَّتِهِ وَلَا يَلْزَمُ الْوَارِثَ الْحَجُّ عَنْهُ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ فَإِنْ حَجَّ عَنْهُ الْوَارِثُ بِنَفْسِهِ أَوْ اسْتَأْجَرَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْ الْمَيِّتِ سَوَاءٌ كَانَ أَوْصَى بِهِ أَمْ لَا لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْإِذْنِ فَلَمْ يُشْتَرَطْ إذْنُهُ بِخِلَافِ الْمَعْضُوبِ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ إذْنُهُ كَمَا سَبَقَ لِإِمْكَانِ أَدَائِهِ وَلَوْ حَجَّ عَنْ الْمَيِّتِ أَجْنَبِيٌّ وَالْحَالَةُ هَذِهِ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْوَارِثُ كَمَا يَقْضِي دَيْنَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَارِثِ وَيَبْرَأُ الْمَيِّتُ بِهِ (الثَّالِثَةُ) إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَتَمَكَّنَ مِنْ أَدَائِهِ وَاسْتَقَرَّ وُجُوبُهُ فَمَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَمْ يَحُجَّ فَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ يَجِبُ قَضَاؤُهُ وَهَلْ نَقُولُ مَاتَ عَاصِيًا فِيهِ أَوْجُهٌ مَشْهُورَةٌ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَصَحُّهَا) وَبِهِ قَطَعَ جَمَاهِيرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَآخَرُونَ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَمُوتُ عَاصِيًا وَاتَّفَقَ الَّذِينَ ذَكَرُوا فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا

(7/110)


عَلَى أَنَّ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ قَالُوا وَإِنَّمَا جَازَ لَهُ التَّأْخِيرُ بِشَرْطِ سَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ (وَالثَّانِي) لَا يَعْصِي لِأَنَّا حَكَمْنَا بِجَوَازِ التَّأْخِيرِ (وَالثَّالِثُ) يَعْصِي الشَّيْخُ دُونَ الشَّابِّ لِأَنَّ الشَّيْخَ يُعَدُّ مُقَصِّرًا لِقِصَرِ حَيَّاتِهِ فِي الْعَادَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْخِلَافُ جَارٍ فِيمَا لَوْ كَانَ صَحِيحَ الْبَدَنِ فَلَمْ يَحُجَّ حَتَّى صَارَ زَمِنًا (وَالْأَصَحُّ) الْعِصْيَانُ أَيْضًا لِأَنَّهُ فَوَّتَ الْحَجَّ بِنَفْسِهِ كَمَا لَوْ مَاتَ فَإِذَا زَمِنَ وَقُلْنَا بِالْعِصْيَانِ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِنَابَةُ عَلَى الْفَوْرِ بِخُرُوجِهِ بِالتَّقْصِيرِ عَنْ اسْتِحْقَاقِ التَّرْفِيهِ وَلِأَنَّهُ قَدْ صَارَ فِي مَعْنَى الْمَيِّتِ أَمْ لَهُ تَأْخِيرُ الِاسْتِنَابَةِ كَمَا لَوْ بَلَغَ مَعْضُوبًا فَإِنَّ لَهُ تَأْخِيرَ الِاسْتِنَابَةِ قَطْعًا فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَلْزَمُهُ عَلَى الْفَوْرِ وَعَلَى هذا لو امتن وَأَخَّرَ الِاسْتِنَابَةَ هَلْ يُجْبِرُهُ الْقَاضِي عَلَيْهَا وَيَسْتَأْجِرُ عَنْهُ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
نَعَمْ كَزَكَاةِ الْمُمْتَنِعِ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا وَقَدْ سَبَقَ الْوَجْهَانِ وَنَظَائِرُهُمَا قَرِيبًا فِيمَا إذَا بَذَلَ لِلْمَعْضُوبِ وَلَدُهُ الطَّاعَةَ فَلَمْ يَقْبَلْ هَلْ يَقْبَلُ الْحَاكِمُ عَنْهُ (الْأَصَحُّ) لَا يَقْبَلُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا قُلْنَا يَمُوتُ عَاصِيًا فَمِنْ أَيْ وَقْتٍ يُحْكَمُ بِعِصْيَانِهِ فِيهِ أَوْجُهٌ (أَصَحُّهَا) مِنْ السَّنَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ سِنِي الْإِمْكَانِ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ إلَيْهَا جَائِزٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطيب وغيره هذا قول ابى اسحق الْمَرْوَزِيِّ
(وَالثَّانِي)
مِنْ السَّنَةِ الْأُولَى لِاسْتِقْرَارِ الْفَرْضِ فِيهَا (وَالثَّالِثُ) يَمُوتُ عَاصِيًا وَلَا يُضَافُ الْعِصْيَانُ إلَى سَنَةٍ بِعَيْنِهَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ
الخلاف في احكام الدنيا صُوَرٍ (مِنْهَا) أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ بِشَهَادَةٍ وَلَمْ يُحْكَمْ بِهَا حَتَّى مَاتَ لَمْ يُحْكَمْ لِبَيَانِ فِسْقِهِ وَلَوْ قُضِيَ بِشَهَادَتِهِ بَيْنَ السَّنَةِ الْأُولَى وَالْأَخِيرَةِ مِنْ سِنِي الْإِمْكَانِ فَإِنْ قُلْنَا عِصْيَانُهُ مِنْ الْأَخِيرَةِ لَمْ يُنْقَضْ ذَلِكَ الْحُكْمُ لِأَنَّ فِسْقَهُ لَمْ يُقَارِنْ الْحُكْمَ بَلْ طَرَأَ بَعْدَهُ فَلَا يُؤَثِّرُ وَإِنْ قُلْنَا عِصْيَانُهُ مِنْ الْأَوْلَى فَفِي نَقْضِهِ الْقَوْلَانِ فِيمَا إذَا بَانَ أَنَّ فِسْقَ الشُّهُودِ كَانَ مُقَارِنًا لِلْحُكْمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* هَذَا حُكْمُ الْحَجِّ وَلَوْ أَخَّرَ الصَّلَاةَ عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ الْمُوسَعِ فَمَاتَ فِي أَثْنَائِهِ فَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ هَلْ يَمُوتُ عَاصِيًا فِيهِ وَجْهَانِ (الْأَصَحُّ) لَا يَمُوتُ عَاصِيًا (وَالْأَصَحُّ) فِي الْحَجِّ الْعِصْيَانُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْفَرْقُ أَنَّ آخِرَ وَقْتِ الصلاة معلوم وقريب فلا يعد مفرط فِي التَّأْخِيرِ إلَيْهِ مَعَ غَلَبَةِ الظَّنِّ بِالسَّلَامَةِ بِخِلَافِ الْحَجِّ وَقَدْ سَبَقَ فِي كِتَابِ مَوَاقِيتِ الصلاة ان تأخير لواجب الموسع انما بجوز لِمَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ السَّلَامَةُ إلَى أَنْ يَفْعَلَ فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ ذلك فلا يحل التَّأْخِيرُ بِلَا خِلَافٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*

(7/111)


(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْحَجِّ عَنْ الْمَيِّتِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ مَنْ تَمَكَّنَ مِنْ الْحَجِّ فَمَاتَ يَجِبُ الْإِحْجَاجُ مِنْ تِرْكَتِهِ سَوَاءٌ أَوْصَى بِهِ أَمْ لَا وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ لَا يُحَجُّ عَنْهُ إلَّا إذَا أَوْصَى بِهِ وَيَكُونُ تَطَوُّعًا
* دَلِيلُنَا حَدِيثُ بُرَيْدَةُ المذكور في الكتاب
*
* قال المصنف رحمه الله تعالي
* (وتجوز النيابة في حج الفرض في موضعين (احدهما) في حق الميت إذا مات وعليه حج والدليل عليه حديث بريدة (والثاني) في حق من لا يقدر على الثبوت على الراحلة الا بمشقة غير معتادة كالزمن والشيخ الكبير والدليل عليه مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ امرأة من خثعم أَتَتْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ فِي الْحَجِّ عَلَى عباده أدركت أبى شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستمسك على الراحلة أفأحج عنه قال نعم قالت اينفعه ذلك قال نعم كما لو كان علي أبيك دين فقضيته نفعه) ولانه أيس من الج بنفسه فناب عنه غيره كالميت وفى حج التطوع قولان (احدهما) لا يجوز لانه غير مضطر إلى الاستنابة فيه فلم تجز الاستنابة فيه كالصحيح
(والثانى)
انه يجوز وهو الصحيح لان كُلُّ عِبَادَةٍ جَازَتْ النِّيَابَةُ فِي فَرْضِهَا جَازَتْ النيابة في نفلها كالصدقة فان
استاجر من يتطوع عنه وقلنا لا يجوز فان الحج للحاج وهل يستحق الاجرة فيه قولان
(أحدهما)
أنه لا يستحق لان الحج قد انعقد له فلا يستحق الاجرة كالصرورة (والثاني) يستحق لانه لم يحصل له بهذا الحج منفعة لانه لم يسقط به عنه فرض ولا حصل له به ثواب بخلاف الصرورة فان هناك قد سقط عنه الفرض (فاما) الصحيح الذى يقدر على الثبوت علي الراحلة فلا تجوز النيابة عنه في الحج لان الفرض عليه في بدنه فلا ينتقل الفرض إلى غيره الا في الموضع الذى وردت فيه الرخصة وهو إذا أيس وبقى فيما سواه على الاصل فلا تجوز النيابة عنه فيه (وأما) المريض فينظر فيه قان كان غير مايوس منه لم يجز أن يحج عنه غيره لانه لم يياس من فعله بنفسه فلا تجوز النيابة عنه فيه كالصحيح فان خالف وأحج عن نفسه ثم مات فهل يجزئه عن حجة الاسلام فيه قولان (احدهما)

(7/112)


يجزئه لانه لما مات تبينا أنه كان مأيوسا منه
(والثانى)
لا يجزئه لانه أحج وهو غير مأيوس منه في الحال فلم يجزه كما لو برأ منه وان كان مريضا مأيوسا منه جازت النيابة عنه في الحج لانه مايوس منه فاشبه الزمن والشيخ الكبير فان أحج عن نفسه ثم برأ من المرض ففيه طريقان (احدهما) انه كالمسألة التى قبلها وفيها قولان (والثاني) أنه يلزمه الاعادة قولا واحدا لانا تبينا الخطأ في الاياس ويخالف ما إذا كان غير مأيوس منه فمات لانا لم نتبين الخطا لانه يجوز انه لم يكن مأيوسا منه ثم زاد المرض فصار مأيوسا منه ولا يجوز ان يكون مأيوسا منه ثم يصير غير مأيوس منه)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ بُرَيْدَةَ وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ صَحِيحَانِ سَبَقَ بَيَانُهُمَا قَرِيبًا وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ سَبَقَ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي حَجِّ الْمَعْضُوبِ أَنَّ الْبُخَارِيَّ وَمُسْلِمًا رَوَيَاهُ وَلَيْسَ فِيهِ الزِّيَادَةُ الَّتِي فِي آخِرِهِ وَهُنَاكَ سَبَقَ بَيَانُ لَفْظِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى الْحَجِّ عَنْ الْحَيِّ الْمَعْضُوبِ وَكَذَلِكَ احْتَجَّ بِهِ جَمِيعُ الْأَصْحَابِ هُنَا وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَتَرْجَمَ لَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَخَلَائِقُ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ (بَابُ الْحَجُّ عَنْ الْحَيِّ الْمَعْضُوبِ أَوْ الْعَاجِزِ) وَنَحْوِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ وَاحْتَجَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ بَابِ الْأَوْصِيَاءِ عَلَى جَوَازِ الْحَجِّ عَنْ الْمَيِّتِ وَكَذَا احْتَجَّ بِهِ الْغَزَالِيُّ وَمَنْ تَابَعَهُمَا وَقَدْ يُنْكَرُ ذَلِكَ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُمْ بِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ جَوَازُهُ عَنْ الْحَيِّ الْمَعْضُوبِ بِهَذَا الْحَدِيثِ
كَانَ جَوَازُهُ عَنْ الْمَيِّتِ أَوْلَى فَيَكُونُ الِاسْتِدْلَال بِهِ لِلْمَيِّتِ مِنْ بَابِ التَّنْبِيهِ بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَقَوْلُهُ) كُلُّ عِبَادَةٍ جَازَتْ النِّيَابَةُ فِي فَرْضِهَا جَازَتْ النِّيَابَةُ فِي نَفْلِهَا كَالصَّدَقَةِ يُنْتَقَضُ بِالصَّوْمِ عَنْ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِيهِ فِي الْفَرْضِ عَلَى الْقَوْلِ الْقَدِيمِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا سَبَقَ وَلَا تَجُوزُ فِي النَّفْلِ بِلَا خِلَافٍ (وَقَوْلُهُ) كَالصَّرُورَةِ هُوَ بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَحُجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا صَرُورَةَ فِي الْإِسْلَامِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ لا يبقى أحد في الاسلام بلا حج وَلَا يَحِلُّ لِمُسْتَطِيعٍ تَرْكُهُ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ وَلَا حصل

(7/113)


لَهُ ثَوَابٌ هَكَذَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ وَالْمُخْتَارُ حُصُولُ الثَّوَابِ لَهُ بِوُقُوعِ الْحَجِّ لَهُ (وَقَوْلُهُ) لَمْ يَيْأَسْ هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وكسرها لغتان مشهورتان (وقوله) برأ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَفِيهِ لُغَتَانِ أُخْرَيَانِ سَيَأْتِي (1) مُتَعَلِّقَةٌ بِاللَّفْظِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ (قَوْلُهُ) الْإِيَاسُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَيُقَالُ بِفَتْحِهَا وَالْأَحْسَنُ الْيَأْسُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِي حَجِّ الْفَرْضِ الْمُسْتَقَرِّ فِي الذِّمَّةِ فِي مَوْضِعَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
الْمَعْضُوبُ
(وَالثَّانِي)
الْمَيِّتُ وَسَبَقَ بَيَانُ الْمَعْضُوبِ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ (فَأَمَّا) حَجُّ التَّطَوُّعِ فَلَا تَجُوزُ الِاسْتِنَابَةُ فِيهِ عَنْ حَيٍّ ليس بمعضوب ولا خلاف عن جمهور الاصحاب في (2) جَوَازِهِ وَلَا عَنْ مَيِّتٍ لَمْ يُوصِ بِهِ بِلَا خِلَافٍ نَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَآخَرُونَ وَهَلْ يَجُوزُ عَنْ مَيِّتٍ أَوْصَى بِهِ أَوْ حَيٍّ مَعْضُوبٍ اسْتَأْجَرَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ مَنْصُوصَانِ لِلشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي أَصَحِّهِمَا فَقَالَ الْجُمْهُورُ (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى تَصْحِيحِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْمُصَنَّفُ هُنَا وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَصَحَّحَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ الْمَنْعَ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَالشَّاشِيُّ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ مَا ذَكَرَهُ الْقَائِلُ بِالْمَنْعِ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا جَازَ الِاسْتِنَابَةُ فِي الْفَرْضِ لِلضَّرُورَةِ وَلَا يَجُوزُ فِي النَّفْلِ فَيَلْتَبِسُ بِالتَّيَمُّمِ فَإِنَّهُ جَوَّزَ فِي الْفَرْضِ لِلْحَاجَةِ وَيَجُوزُ أَيْضًا فِي النفل وقد سبق في التيمم وَالْمُسْتَحَاضَةِ وَجْهٌ شَاذٌّ أَنَّهُمَا لَا يَفْعَلَانِ النَّفَلَ أَبَدًا تَخْرِيجًا مِنْ هَذَا الْقَوْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) الْحَجَّةُ الْوَاجِبَةُ بِقَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ فَيَجُوزُ النِّيَابَةُ فِيهَا عَنْ الْمَيِّتِ وَالْمَعْضُوبِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا
كَحَجَّةِ الْإِسْلَامِ لَكِنْ لَا يَجُوزُ عَنْ الْمَعْضُوبِ إلَّا بِإِذْنِهِ وَيَجُوزُ عَنْ الْمَيِّتِ بِإِذْنِهِ وَبِغَيْرِ إذْنِهِ وَيَجُوزُ مِنْ الْوَارِثِ وَالْأَجْنَبِيِّ سَوَاءٌ أَذِنَ لَهُ الْوَارِثُ أَمْ لَا بِلَا خِلَافٍ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ حَجٌّ وَلَا لَزِمَهُ حَجٌّ لِعَدَمِ الِاسْتِطَاعَةِ فَفِي جَوَازِ الْإِحْجَاجِ عَنْهُ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ
(أَحَدُهُمَا)
الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ لِوُقُوعِهِ وَاجِبًا
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ كَالتَّطَوُّعِ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا قُلْنَا تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِي حَجِّ التَّطَوُّعِ عَنْ الْمَيِّتِ وَالْمَعْضُوبِ جَازَ حَجَّتَانِ وَثَلَاثٌ وَأَكْثَرُ مِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا جَوَّزْنَاهُ جَازَ أن يكون الاجير عبدا وصبيا لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ بِخِلَافِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهُمَا فِيهَا وَهَلْ يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهُمَا فِي حَجَّةِ النَّذْرِ قَالَ الرَّافِعِيُّ إنْ قُلْنَا يَسْلُكُ بِالنَّذْرِ مَسْلَكَ جَائِزِ التَّبَرُّعِ جَازَ وإلا فلا قال أصحابنا وإذا صَحَحْنَا النِّيَابَةَ فِي حَجِّ التَّطَوُّعِ اسْتَحَقَّ الْأَجِيرُ الاجرة المسماة بلا خلاف وهل يستحق أجرة المثل فيه قولان
__________
(1) كذا في الاصل ولعل الصواب سبق بيانهما في باب التيمم (2) كذا في الاصل ولعل الصواب في عدم جوازه

(7/114)


مَشْهُورَانِ ذَكَرُهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (1) (أَصَحُّهُمَا) لَا يُجْزِئُهُ
(وَالثَّانِي)
يُجْزِئُهُ هَكَذَا أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ الصُّورَةَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ إذَا مَاتَ بِذَلِكَ الْمَرَضِ فَلَوْ مَاتَ فِيهِ بِسَبَبٍ عَارِضٍ بِأَنْ قُتِلَ أَوْ لَسَعَتْهُ حَيَّةٌ وَنَحْوُهَا أَوْ وَقَعَ عَلَيْهِ سَقْفٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ لَمْ يُجْزِئْهُ قَوْلًا وَاحِدًا لانا لم نتبين كون المرض غير مرجوا لزوال (أَمَّا) إذَا كَانَ الْمَرَضُ وَالْعِلَّةُ غَيْرَ مَرْجُوِّ الزَّوَالِ فَلَهُ الِاسْتِنَابَةُ فَإِنْ حَجَّ النَّائِبُ وَاتَّصَلَ بِالْمَوْتِ أَجْزَأَهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ شُفِيَ فطريقان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما
(أحدهما)
القطع بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ (وَأَصَحُّهُمَا) فِيهِ الْقَوْلَانِ كَالصُّورَةِ الَّتِي قَبْلهَا (أَصَحُّهُمَا) لَا يُجْزِئُهُ (فَإِنْ قُلْنَا) فِي الصُّورَتَيْنِ يُجْزِئُهُ اسْتَحَقَّ الْأَجِيرُ الْأُجْرَةَ الْمُسَمَّاةَ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يُجْزِئُهُ فَعَمَّنْ يَقَعُ الْحَجُّ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ يَقَعُ عَنْ الْأَجِيرِ تَطَوُّعًا لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ تَطَوُّعٌ وَعَلَيْهِ فَرْضٌ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْغَزَالِيِّ يَقَعُ عَنْ تَطَوُّعِ المستأجر ويكون ذا غَرَرًا فِي وُقُوعِ النَّفْلِ قَبْلَ الْفَرْضِ كَالرِّقِّ وَالصِّبَا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ كَثِيرُونَ (فَإِنْ قُلْنَا) يَقَعُ عَنْ الْأَجِيرِ فَهَلْ
يَسْتَحِقُّ أُجْرَةً فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ فِي الطَّرِيقَيْنِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَسْتَحِقُّ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا
(وَالثَّانِي)
يَسْتَحِقُّ لِأَنَّهُ عَمَلٌ لَهُ فِي اعْتِقَادِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ مَبْنَيَانِ عَلَى أَنَّ الْأَجِيرَ إذَا أَحْرَمَ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ ثُمَّ صَرَفَ الْإِحْرَامَ إلَى نَفْسِهِ لَا يَنْصَرِفُ بَلْ يَبْقَى لِلْمُسْتَأْجِرِ وَهَلْ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ يَسْتَحِقُّ لِأَنَّ حَجَّهُ وَقَعَ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ فَرْضًا كَأَنَّهُ لَمْ يَصْرِفْهُ (وَالثَّانِي) لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا لِأَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ لَهُ فِي اعْتِقَادِهِ وَالْفَرْقُ فِي الصُّورَتَيْنِ فِي الْأَصَحِّ حَيْثُ قُلْنَا الْأَصَحُّ فِي هَذِهِ الثَّانِيَةِ الْمَبْنِيِّ عَلَيْهَا أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ وَالْأَصَحُّ في الاولي المبنية لا يستحق أن في الثانية وقع الحج قرضا عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ كَمَا اسْتَأْجَرَهُ وَفِي الْأُولَى لَمْ يَقَعْ عَنْهُ وَقَاسَ أَصْحَابُنَا وُجُوبَ الْأُجْرَةِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي صُورَةِ صَرْفِ الْإِحْرَامِ إلَى نَفْسِ الْأَجِيرِ عَلَى مَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ إنْسَانٌ لِيَبْنِيَ لَهُ حَائِطًا فَبَنَاهُ الْأَجِيرُ مُعْتَقِدًا أَنَّ الْحَائِطَ لِنَفْسِهِ فَبَانَ لِلْمُسْتَأْجِرِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الْأُجْرَةَ قَوْلًا وَاحِدًا وَالْفَرْقُ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ أَنَّ الْأَجِيرَ فِي صَرْفِ الْإِحْرَامِ جَائِرٌ مُخَالِفٌ وَإِنْ كَانَ لَا يَنْصَرِفُ بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنْ قُلْنَا فِي أَصْلِ مَسْأَلَتِنَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ فَهَلْ هِيَ المسمى أن أُجْرَةُ الْمِثْلِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ
(أَحَدُهُمَا)
الْمُسَمَّاةُ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَبْطُلْ
(وَالثَّانِي)
أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَتَعَيَّنُ عَمَّا عُقِدَ عَلَيْهِ وَهَذَا أَصَحُّ (وَإِنْ قُلْنَا) عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ اسْتَحَقَّ الْأَجِيرُ الْأُجْرَةَ قَوْلًا وَاحِدًا وَهَلْ هِيَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ أَمْ الْمُسَمَّى (الصَّحِيحُ) أَنَّهَا الْمُسَمَّى وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْبَغَوِيِّ وَالْأَكْثَرِينَ وَقَالَ الشَّيْخُ أبو محمد
__________
(1) هكذا الاصل وفيه سقط يعلم بمراجعة عبارة المتن

(7/115)


لا يبعد تخريجه الْوَجْهَيْنِ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ إذَا كَانَ مَرِيضًا غَيْرَ مَأْيُوسٍ مِنْهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَنِيبَ وَلَوْ اسْتَنَابَ وَمَاتَ لَا يُجْزِئُهُ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هَذَا إذَا مَاتَ بَعْدَ حَجِّ الْأَجِيرِ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ حَجِّ الْأَجِيرِ أَجْزَأَهُ وَوَقَعَ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَيَجْرِي الْقَوْلَانِ فِيمَا لَوْ تَفَاحَشَ ذَلِكَ الْمَرَضُ فَصَارَ مَأْيُوسًا مِنْهُ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ
* (فَرْعٌ)
يُعْرَفُ كَوْنُ الْمَرِيضِ مَأْيُوسًا مِنْهُ بِقَوْلِ مُسْلِمَيْنِ عَدْلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الخبرة ذكره (1) وينبغي
ان يجئ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ أَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ الْعَدَدُ فِي كَوْنِ الْمَرَضِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بِسُهُولَةٍ أَمْرُ التَّيَمُّمِ
* (فَرْعٌ)
الْجُنُونُ غَيْرُ مَأْيُوسٍ مِنْ زَوَالِهِ قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْأَصْحَابُ فَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ ثُمَّ جُنَّ لَا يُسْتَنَابُ عَنْهُ فَإِذَا مَاتَ حَجَّ عَنْهُ وَإِنْ اسْتَنَابَ وَحَجَّ عَنْهُ فِي حَالِ حَيَّاتِهِ ثُمَّ أَفَاقَ لَزِمَهُ الْحَجُّ قَوْلًا وَاحِدًا كَمَا سَبَقَ فِي الْمَرِيضِ إذَا شُفِيَ وَإِنْ اسْتَمَرَّ جُنُونُهُ حَتَّى مَاتَ قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَرِيضِ إذَا اتَّصَلَ مَرَضُهُ بِالْمَوْتِ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ الْمَرِيضَ غَيْرَ الْمَأْيُوسِ مِنْهُ لَا يَصِحُّ اسْتِنَابَتُهُ فِي الْحَجِّ وَكَذَا الْمَجْنُونُ لَا يَجُوزُ اسْتِنَابَتُهُ فِي حَجِّ الْفَرْضِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ أَحْمَدْ وَدَاوُد وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ جَوَازَهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَالَ وَيَكُونُ مَوْقُوفًا فَإِنْ صَحَّ وَجَبَ فِعْلُهُ وَإِنْ مَاتَ أَجْزَأَهُ
* وَاحْتَجَّ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْمَعْضُوبِ قُلْنَا الْمَعْضُوبُ آيِسٌ مِنْ الْحَجِّ بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ هَذَا
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ لَا يَصِحُّ اسْتِنَابَتُهُ فِي حَجِّ فَرْضٍ وَلَا نَفْلٍ
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَدَاوُد
* وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ اسْتِنَابَتَهُ فِي التَّطَوُّعِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ
* دَلِيلُنَا الْقِيَاسُ عَلَى الْفَرْضِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ حَيٍّ وَلَا يُصَلِّي وَلَا يَعْتَكِفُ تَطَوُّعًا
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا الْمَشْهُورَ أَنَّهُ إنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ حَجُّ الْإِسْلَامِ أَوْ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ وَجَبَ قَضَاؤُهَا مِنْ تِرْكَتِهِ أَوْصَى بِهَا أَمْ لَمْ يُوصِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَابْنُ سِيرِينَ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي ثَوْرٍ وابن المنذر وقال النخعي وابن أبى ذئيب لَا يَحُجُّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَقَالَ مَالِكٌ إذَا لَمْ يُوصِ بِهِ يُتَطَوَّعُ عَنْهُ بِغَيْرِ الْحَجِّ وَيُهْدَى عَنْهُ أَوْ يُتَصَدَّقُ أَوْ يُعْتَقُ عنه
*
__________
(1) بياض بالاصل

(7/116)


قال المصنف رحمه الله تعالى
* (ولا يحج عن الغير من لم يحج عن نفسه لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلا يقول لبيك عن شبرمة فقال أحججت عن نفسك قال لا قال فحج عن نفسك ثم حج عن شبرمة) ولا يجوز أن يعتمر عن غيره من لم يعتمر عن نفسه قياسا علي الحج قال الشافعي رحمه الله وأكره أن يسمي من لم يحج صرورة لما روى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا صرورة في الاسلام) ولا يجوز أن يتنفل بالحج والعمرة وعليه فرضهما ولا يحج ويعتمر عن النذر وعليه فرض حجة الاسلام لان النفل والنذر أضعف من حجة الاسلام فلا يجوز تقديمهما عليها كحج غيره على حجه فان أحرم عن غيره وعليه فرضه انعقد أحرامه لنفسه لما روى في حَدِيثُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ أحججت عن نفسك قال لا قال فاجعل هذه عن نفسك ثم حج عن شبرمة) فان أحرم بالنفل وعليه فرضه انعقد إحرامه عن الفرض وان أحرم عن النذر وعليه فرض الاسلام انعقد احرامه عن فرض الاسلام قياسا على من أحرم عن غيره وعليه فرضه فان أمر المعضوب من يحج عنه عن النذر وعليه حجة الاسلام فاحرم عنه انصرف إلى حجة الاسلام لانه نائب عنه ولو أحرم هو عن النذر انصرف إلى حجة الاسلام فكذلك النائب عنه وان كان عليه حجة الاسلام وحجة نذر فاستئجر رجلين يحجان عنه في سنة واحدة فقد نص في الام أنه يجوز وكان أولى لانه لم يقدم النذر عن حجة الاسلام ومن أصحابنا من قال لا يجوز لانه لا يحج بنفسه حجتين في سنة وليس بشئ)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ (لَا صَرُورَةَ فِي الْإِسْلَامِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ بَعْضُهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَبَاقِيهِ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَالصَّرُورَةُ - بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ - قَدْ بَيَّنَّاهُ قَرِيبًا وَأَنَّهُ اسْمٌ لِمَنْ لَمْ يَحُجَّ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ صر بنفسه عن أخراجها فِي الْحَجِّ وَيُقَالُ أَيْضًا لِمَنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ صَرُورَةٌ لِأَنَّهُ صَرَّ بِنَفْسِهِ عَنْ إخْرَاجِهَا فِي النِّكَاحِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قِصَّةِ شبرمة فرواه أبو داود والدارقطني وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم سمع رجلا يقول لبيك عن شُبْرُمَةَ قَالَ مَنْ شُبْرُمَةُ قَالَ أَخٌ لِي أَوْ قَرِيبٌ قَالَ أَحَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ قَالَ لَا قَالَ حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ حُجَّ عن شبرمة) هذا لفظ أبي دَاوُد وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ لَبَّيْكَ عَنْ

(7/117)


شُبْرُمَةَ فَقَالَ مَنْ شُبْرُمَةَ فَذَكَرَ أَخًا لَهُ أَوْ قَرَابَةً فَقَالَ أَحَجَجْتَ قَطُّ قَالَ لَا قَالَ فَاجْعَلْ هَذِهِ عَنْكَ ثُمَّ حُجَّ عَنْ شبرمة) قال البيهقي هذا إسناده صَحِيحٌ قَالَ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْبَابِ أَصَحُّ مِنْهُ ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ طُرُقٍ كَذَلِكَ مَرْفُوعًا قَالَ وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ ومن رواه مرفوعا حافظ ثقة فلا يفسره خِلَافُ مَنْ خَالَفَهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (سمع رجلا يقول لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ شُبْرُمَةُ فَقَالَ أَخٌ لِي فَقَالَ هَلْ حَجَجْتَ قَالَ لَا قَالَ حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ اُحْجُجْ عَنْ شُبْرُمَةَ) قال البيهقى قال الدارقطني هَذَا هُوَ الصَّوَابُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ وَهْمٌ قَالَ إنَّ الْحَسَنَ بْنَ عُمَارَةَ كَانَ يَرْوِيهِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ فَحَدَّثَ بِهِ عَلَى الصَّوَابِ مُوَافِقًا لِرِوَايَةِ غَيْرِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ وَهُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) شُبْرُمَةُ - فَبِشِينٍ مُعْجَمَةٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ رَاءٍ مَضْمُومَةٍ (أَمَّا أَحْكَامُ الْفَصْلِ) فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لَا يَجُوزُ لِمَنْ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ أَوْ حَجَّةُ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ أَنْ يَحُجَّ عَنْ غَيْرِهِ وَلَا لِمَنْ عَلَيْهِ عُمْرَةُ الْإِسْلَامِ إذَا أَوْجَبْنَاهَا أَوْ عُمْرَةُ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ أَنْ يَعْتَمِرَ عَنْ غَيْرِهِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا فَإِنْ أَحْرَمَ عَنْ غَيْرِهِ وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ لَا عَنْ الْغَيْرِ هَذَا مَذْهَبُنَا وبه قال ابن عباس والاوزاعي وأحمد اسحق وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا غَيْرِهِ وَمِنْ أَصْحَابِهِ مَنْ قَالَ يَنْعَقِدُ الْإِحْرَامُ عَنْ الْغَيْرِ ثُمَّ يَنْقَلِبُ عَنْ نَفْسِهِ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَجَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ وايوب السجستاني وعطاء والنخعي وابو حنيفة (1) نُظِرَ إنْ ظَنَّهُ قَدْ حَجَّ فَبَانَ لَمْ يَحُجُّ لَمْ يَسْتَحِقَّ أُجْرَةً لِتَغْرِيرِهِ وَإِنْ عِلْمَ أَنَّهُ لَمْ يَحُجَّ وَقَالَ يَجُوزُ فِي اعْتِقَادِي أَنْ يَحُجَّ عَنْ غَيْرِهِ مَنْ لَمْ يَحُجَّ فحج الاجير الاخير وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ وَفِي اسْتِحْقَاقِهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ قَوْلَانِ أَوْ وَجْهَانِ سَبَقَ نَظَائِرُهُمَا (وَأَمَّا) إذَا اسْتَأْجَرَ لِلْحَجِّ مَنْ حَجَّ وَلَمْ يَعْتَمِرْ أَوْ لِلْعُمْرَةِ مَنْ اعْتَمَرَ وَلَمْ يَحُجَّ فَقَرَنَ الْأَجِيرُ وَأَحْرَمَ بِالنُّسُكَيْنِ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ أَحْرَمَ بِمَا استؤجر له عن المستأجر وبالاخير عَنْ نَفْسِهِ فَقَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ (الْجَدِيدُ) الاصح يقعان عن لاجير لِأَنَّ نُسُكَيْ الْقِرَانِ لَا يَفْتَرِقَانِ لِاتِّحَادِ الْإِحْرَامِ وَلَا يُمْكِنُ صَرْفُ مَا لَمْ يَأْمُرْ بِهِ الْمُسْتَأْجِرُ إلَيْهِ (وَالثَّانِي) أَنَّ مَا اُسْتُؤْجِرَ لَهُ يَقَعُ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْآخَرُ عَنْ الْأَجِيرِ وَقَطَعَ
كَثِيرُونَ بِالْجَدِيدِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَأْجِرُ عَنْهُ حَيًّا فَإِنْ كَانَ مَيِّتًا وَقَعَ النُّسُكَانِ جَمِيعًا عَنْ الْمَيِّتِ بِلَا خِلَافٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ قَالُوا لِأَنَّ الْمَيِّتَ يَجُوز أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ الْأَجْنَبِيُّ وَيَعْتَمِرَ مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ وَلَا إذْنِ وَارِثٍ بِلَا خِلَافٍ كَمَا يَقْضِي دينه (أما) إذا استأجر رجلان شخصا
__________
(1) كذا في الاصل ولعله سقط لفظ (ينعقد وهل يستحق الاجرة)

(7/118)


(أَحَدُهُمَا)
لِيَحُجَّ عَنْهُ (وَالْآخَرُ) لِيَعْتَمِرَ عَنْهُ فَقَرَنَ عَنْهُمَا فَعَلَى الْجَدِيدِ يَقَعَانِ عَنْ الْأَجِيرِ وَعَلَى الثَّانِي يَقَعُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مَا اسْتَأْجَرَ لَهُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ أَحْرَمَ الْأَجِيرُ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ ثُمَّ نَذْرَ حَجَّةً نَظَرَ إنْ نَذَرَهُ بَعْدَ الْوُقُوفِ لَمْ يَنْصَرِفْ حَجُّهُ إلَيْهِ بَلْ يَقَعُ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ وَإِنْ نَذْرَهُ قَبْلَهُ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا (1) والرافعي وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) انْصِرَافُهُ إلَى الْأَجِيرِ (وَالثَّانِي) لَا ينصرف ولو أحرم رجل يحج تطوع ثم ندر حَجًّا بَعْدَ الْوُقُوفِ لَمْ يَنْصَرِفْ إلَى النَّذْرِ وَقَبْلَهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ (2) (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) نَقَلَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ أَكْرَهُ أَنْ يُسَمَّى مَنْ لَمْ يَحُجَّ صَرُورَةً قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ سَبَبُ الْكَرَاهَةِ أَنَّهُ مِنْ أَلْفَاظِ الْجَاهِلِيَّةِ كَمَا كَرِهَ أَنْ يُقَالَ لِلْعِشَاءِ عَتَمَةٌ وَلِلْمَغْرِبِ عِشَاءٌ وَلِلطَّوَافِ شَوْطٌ قَالُوا وَكَانَتْ الْعَرَبُ تُسَمِّي مَنْ لَمْ يَحُجَّ صَرُورَةً لِصَرِّهِ النَّفَقَةَ وَإِمْسَاكِهَا وَتُسَمِّي مَنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ صَرُورَةً لِأَنَّهُ صَرَّ الْمَاءَ فِي ظَهْرِهِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي (وَقَوْلُهُ) يُكْرَهْ تَسْمِيَةُ الطَّوَافِ شَوْطًا هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ تَسْمِيَةُ الطَّوَافِ شَوْطًا وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّمَا اسْتَعْمَلَاهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَهَذَا جَوَابٌ ضَعِيفٌ وَسَنُعِيدُ الْمَسْأَلَةَ فِي مَسَائِلِ الطَّوَافِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) كَرَاهِيَةُ تَسْمِيَةِ مَنْ لَمْ يَحُجَّ صَرُورَةً وَاسْتِدْلَالَهُمْ بِهَذَا الْحَدِيثِ فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ تَعَرُّضٌ لِلنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي الْإِسْلَامِ أَحَدٌ يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ وَلَا يَحُجُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَحَجَّةُ نَذْرٍ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا وُجُوبُ تَقْدِيمِ حَجَّةِ الاسلام وبه قال ابن عمرو عطاء وأحمد واسحق وَأَبُو عُبَيْدٍ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ يُجْزِئُهُ حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ عَنْهُمَا وَقَالَ مَالِكٌ إذَا أَرَادَ بِذَلِكَ وَفَاءَ نَذْرِهِ فَهِيَ عَنْ النَّذْرِ وَعَلَيْهِ
حَجَّةُ الْإِسْلَامِ مَنْ قَابِلٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَصْلٌ فِي الِاسْتِئْجَارِ لِلْحَجِّ)
هَذَا الْفَصْلُ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بَعْضَهُ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ وَبَعْضًا مِنْهُ فِي كِتَابِ الْوَصِيَّةِ وَحَذَفَ بَعْضًا مِنْهُ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُزَنِيّ فِي الْمُخْتَصَرِ هُنَا وَتُرْجَمَ لَهُ بَابًا مُسْتَقِلًّا فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْحَجِّ وَتَابَعَهُ الْأَصْحَابُ عَلَى ذِكْرِهِ هُنَا إلَّا الْمُصَنِّفُ فَأَرَدْتُ موافقة المزني والاصحاب
__________
(1) بياض بالاصل (2) كذا في الاصل وسقط منه المسألة الثانية والثالثة فليحرر

(7/119)


فَأَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَقَاصِدَ مَا ذَكَرُوهُ مُخْتَصِرَةً قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْحَجِّ وَعَلَى الْعُمْرَةِ لِدُخُولِ النِّيَابَةِ فِيهِمَا كَالزَّكَاةِ وَيَجُوزُ بِالْبَذْلِ كَمَا يَجُوزُ بِالْإِجَارَةِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ والصحاب قَالُوا وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ حُجَّ عَنَى وَأُعْطِيكَ نَفَقَتَكَ أَوْ كَذَا وَكَذَا وَإِنَّمَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ حَيْثُ تَجُوزُ النِّيَابَةُ وَإِنَّمَا تَجُوزُ فِي صُورَتَيْنِ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ وَفِي الْمَعْضُوبِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَأُجْرَةُ الْحَجِّ حَلَالٌ مِنْ أَطْيَبِ الْمَكَاسِبِ
* (فَرْعٌ)
الِاسْتِئْجَارُ فِي جَمِيعِ الْأَعْمَالِ ضَرْبَانِ
(أَحَدُهُمَا)
اسْتِئْجَارُ عَيْنِ الشَّخْصِ
(وَالثَّانِي)
إلْزَامُ ذِمَّتِهِ الْعَمَلَ مِثَالُ الْأَوَّلِ مِنْ الْحَجِّ أَنْ يَقُولَ الْمَعْضُوبُ استأجرتك أن تحج عَنْ مَيِّتِي وَلَوْ قَالَ اُحْجُجْ بِنَفْسِكَ كَانَ تَأْكِيدًا (وَمِثَالُ الثَّانِي) أَلْزَمْتُ ذِمَّتَكَ تَحْصِيلَ الْحَجِّ لِي أَوْ لَهُ وَيَفْتَرِقُ النَّوْعَانِ فِي أُمُورٍ سَتَرَاهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ لِصِحَّةِ الِاسْتِئْجَارِ شُرُوطٌ وَآثَارٌ وَأَحْكَامٌ مَوْضِعُهَا كِتَابُ الْإِجَارَةِ وَاَلَّذِي نَذْكُرُ هُنَا مَا يَتَعَلَّقُ بِخُصُوصِ الْحَجِّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ ضَرْبَيْ الْإِجَارَةِ قَدْ يُعَيَّنُ فِيهِ زَمَنُ الْعَمَلِ وَقَدْ لَا يُعَيَّنُ وَإِذَا عُيِّنَ فَقَدْ تُعَيَّنُ السَّنَةُ الْأُولَى وَقَدْ تُعَيَّنُ غَيْرُهَا فَأَمَّا فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ فَإِنْ عَيَّنَّا السَّنَةَ الْأُولَى جَازَ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْخُرُوجُ وَالْحَجُّ فِيمَا بَقِيَ مِنْهَا مَقْدُورًا لِلْأَجِيرِ فَلَوْ كَانَ مَرِيضًا لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجَ أَوْ كَانَ الطَّرِيقُ غَيْرَ آمِنٍ أَوْ كَانَتْ الْمَسَافَةُ بَعِيدَةً بِحَيْثُ لَا تَنْقَطِعُ فِي بَقِيَّةِ السَّنَةِ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ لِلْعَجْزِ عَنْ الْمَنْفَعَةِ فَإِنْ عَيَّنَّا غَيْرَ السَّنَةِ الْأُولَى لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ كَاسْتِئْجَارِ الدَّارِ لِلشَّهْرِ الْمُسْتَقْبَلِ قَالَ أَصْحَابُنَا إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَسَافَةُ بَعِيدَةً بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ قَطْعُهَا فِي سَنَةٍ فَلَا يَضُرُّ
التَّأْخِيرُ وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ السَّنَةُ الْأُولَى مِنْ سِنِي الْإِمْكَانِ فَيُعْتَبَرُ فِيهَا مَا سَبَقَ (وَأَمَّا) الْإِجَارَةُ الْوَارِدَةُ عَلَى الذِّمَّةِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا السَّنَةُ الْأُولَى بَلْ يَجُوزُ تَعَيُّنُ السَّنَةِ الْأُولَى وَتَعَيُّنُ غَيْرِهَا فَإِنْ عَيَّنَ الْأُولَى أَوْ غَيْرَهَا تَعَيَّنَتْ وَإِنْ أطلق حمل عى الْأُولَى وَلَا يَقْدَحُ فِي هَذِهِ الْإِجَارَةِ مَرَضُ الْأَجِيرِ وَلَا خَوْفُ الطَّرِيقِ لِإِمْكَانِ الِاسْتِنَابَةِ فِي هَذِهِ الْإِجَارَةِ وَلَا يَقْدَحُ فِيهَا أَيْضًا ضِيقُ الْوَقْتِ إنْ عَيَّنَ غَيْرَ السَّنَةِ الْأُولَى قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَيْسَ لِلْأَجِيرِ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ أَنْ يَسْتَنِيبَ بِحَالٍ وَأَمَّا فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ فَقَدْ أَطْلَقَ الْجُمْهُورُ أَنَّ لَهُ الِاسْتِنَابَةُ وَقَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ إنْ قَالَ أَلْزَمْتُ ذِمَّتَكَ تَحْصِيلَ حَجَّةٍ لِي جَازَ أَنْ يَسْتَنِيبَ وَإِنْ قَالَ اُحْجُجْ بِنَفْسِكَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْتَنِيبَ بَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَحُجَّ بِنَفْسِهِ لِأَنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَعْيَانِ الْأُجَرَاءِ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الْفَصْلَ عَنْ الصَّيْدَلَانِيِّ وَخَطَّأَهُ

(7/120)


فِيهِ وَقَالَ الْإِجَارَةُ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ بَاطِلَةٌ لان الدينية مع الربط بالغنيمة يتاقضان كمن أسلم في ثمرة انسان مُعِينٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا إشْكَالٌ قَوِيٌّ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّ الْبَيْعَ يَنْقَسِمُ إلَى ضَرْبَيْنِ كَالْإِجَارَةِ (أَحَدُهُمَا) بَيْعُ عين وهو أن يبيع عينا بعينه فَيَقُول بِعْتُكَ هَذَا فَإِنْ أَطْلَقَ الْعَقْدَ اقْتَضَى الصِّحَّةَ وَتَسْلِيمَ الْعَيْنِ فِي الْحَالِ فَإِنْ تَأَخَّرَ التَّسْلِيمُ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا أَوْ أَكْثَرَ لَمْ يَبْطُلْ الْعَقْدُ سَوَاءٌ كَانَ بِعُذْرٍ أَوْ بِلَا عُذْرٍ وَإِنْ شَرَطَ فِي الْعَقْدِ تَأْخِيرَ السَّلَمِ وَلَوْ سَاعَةً بَطَلَ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ غَرَرٌ لَا يُفْتَقَرُ الْعَقْدُ إلَيْهِ وَرُبَّمَا تَلِفَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ وَالصَّوَابُ الثَّانِي وَهُوَ بَيْعُ صِفَةٍ وَهُوَ السَّلَمُ فَإِنْ أَطْلَقَ الْعَقْدَ اقْتَضَى الْحُلُولَ وَإِنْ شَرَطَ أَجَلًا صَحَّ بِخِلَافِ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ لَا يُتَصَوَّرُ تَلَفُهُ فَلَا غَرَرَ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا أَعْمَالُ الْحَجِّ مَعْرُوفَةٌ فَإِنْ عَلِمَهَا الْمُتَعَاقِدَانِ عِنْدَ الْعَقْدِ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ وَإِنْ جَهِلَهَا أَحَدُهُمَا لَمْ تَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ وَمِمَّنْ صرح به امام الحرمين والبغوى وَالْمُتَوَلِّي وَهَلْ يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْمِيقَاتِ الَّذِي يُحْرِمُ مِنْهُ الْأَجِيرُ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَمُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ وَنَصَّ فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّهُ لا يشترط وللاصحاب أَرْبَعُ طُرُقٍ (أَصَحُّهَا) وَبِهِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ المروزى والا كثرون وَوَافَقَ
الْمُصَنَّفُونَ عَلَى تَصْحِيحِهِ فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُشْتَرَطُ وَيُحْمَلُ عَلَى مِيقَاتِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ فِي الْعَادَةِ الْغَالِبَةِ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَقَعُ عَلَى حَجٍّ شَرْعِيٍّ وَالْحَجُّ الشَّرْعِيُّ لَهُ مِيقَاتٌ مَعْقُودٌ شَرْعًا وَغَيْرُهَا فَانْصَرَفَ الْإِطْلَاقُ إلَيْهِ وَلِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا يُقَرِّرَهُ الْمُتَعَاقِدَانِ وَمَا تَقَرَّرَ فِي الشَّرْعِ أَوْ الْعُرْفِ كَمَا لَوْ بَاعَ بِثَمَنٍ مُطْلَقٍ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي الْعُرْفِ وَهُوَ النَّقْدُ الْغَالِبُ وَيَكُونُ كَمَا قَرَّرَاهُ وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى تَصْحِيحِ هَذَا الْقَوْلِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) يُشْتَرَطُ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ قَدْ يَكُونُ مِنْ الْمِيقَاتِ وَفَوْقَهُ وَدُونَهُ وَالْغَرَضُ يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ فَوَجَبَ بَيَانُهُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) إنْ كَانَ لِلْبَلَدِ طَرِيقَانِ مُخْتَلِفَا الْمِيقَاتِ أَوْ طَرِيقٌ يُفْضِي إلَى مِيقَاتَيْنِ كَقَرْنٍ وَذَاتِ عِرْقٍ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ وَكَالْجُحْفَةِ وَذِي الْحُلَيْفَةِ لِأَهْلِ الشَّامِّ فَإِنَّهُمْ تَارَةً يَمُرُّونَ بِهَذَا وَتَارَةً يَمُرُّونَ بِهَذَا اشْتَرَطَ بَيَانُهُ وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا الطَّرِيقُ مَشْهُورٌ فِي طريقي الْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ (وَالثَّالِثُ) إنْ كَانَ الِاسْتِئْجَارُ عَنْ حَيٍّ اُشْتُرِطَ وَإِنْ كَانَ عَنْ مَيِّتٍ فَلَا لِأَنَّ الْحَيَّ قَدْ يَتَعَلَّقُ لَهُ بِهِ غَرَضٌ بِخِلَافِ الْمَيِّتِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ فِي حَقِّهِ تَحْصِيلُ الْحَجِّ وَهَذَا الطَّرِيقُ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وضعفه الشيخ

(7/121)


أَبُو حَامِدٍ وَآخَرُونَ وَقَالُوا هَذَا وَاَلَّذِي قَبْلَهُ ليس بشئ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ (وَالرَّابِعُ) يُشْتَرَطُ قَوْلًا وَاحِدًا حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ شَرَطَا تَعْيِينَهُ فَأَهْمَلَاهُ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ لَكِنْ يَقَعُ الْحَجُّ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ لَهُ لِوُجُودِ الْإِذْنِ وَيَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَلَوْ عَيَّنَّا مِيقَاتًا أَقْرَبَ إلَى مَكَّةَ مِنْ مِيقَاتِ بَلَدِ الْمُسْتَأْجِرِ فَهُوَ شَرْطٌ فَاسِدٌ وَتَفْسُدُ الْإِجَارَةُ لَكِنْ يَصِحُّ الْحَجُّ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ كَمَا سَبَقَ وَلَوْ عَيَّنَّا مِيقَاتًا أَبْعَدَ عَنْ مَكَّةَ مِنْ مِيقَاتِهِ صَحَتْ الْإِجَارَةُ وَيَتَعَيَّنُ ذَلِكَ الْمِيقَاتُ كَمَا لَوْ نَذَرَهُ وَأَمَّا تَعْيِينُ زَمَانِ الْإِحْرَامِ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ لِلْإِحْرَامِ وَقْتًا مَضْبُوطًا لَا يَجُوزُ التَّقَدُّمُ عَلَيْهِ فَلَوْ شُرِطَ الْإِحْرَامُ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ شَوَّالٍ جَازَ وَلَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَعَلَى هَذَا لَوْ أَحْرَمَ فِي أَوَّلِ شَوَّالٍ وَأَفْسَدَهُ لَزِمَهُ فِي الْقَضَاءِ أَنْ يُحْرِمَ فِي أَوَّلِ شَوَّالٍ كَمَا فِي مِيقَاتِ الْمَكَانِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ اُشْتُرِطَ بِلَا خلاف بيان أنهما أفراد أَوْ تَمَتُّعٌ أَوْ قِرَانٌ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِهِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذَا
فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ (فَرْعٌ)
نَقَلَ الْمُزَنِيّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي الْمَنْثُورِ أَنَّهُ إذَا قَالَ الْمَعْضُوبُ مَنْ حَجَّ عَنَى فَلَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَحَجَّ عَنْهُ إنْسَانٌ اسْتَحَقَّ الْمِائَةَ قَالَ الْمُزَنِيّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَحِقَّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ لِأَنَّ هَذَا إجَارَةٌ فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ الْأَجْرِ هَذَا كَلَامُ الشَّافِعِيِّ وَالْمُزَنِيِّ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي أَوَّلِ بَابِ الْجَعَالَةِ وَلِلْأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) وُقُوعُ الْحَجِّ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ وَيَسْتَحِقُّ الْأَجِيرُ الْأُجْرَةَ الْمُسَمَّاةَ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ كَمَا نص عليه الشَّافِعِيُّ قَالُوا لِأَنَّهُ جَعَالَةٌ وَلَيْسَ بِإِجَارَةٍ وَالْجَعَالَةُ تَجُوزُ عَلَى عَمَلٍ مَجْهُولٍ فَالْمَعْلُومُ أَوْلَى (وَالثَّانِي) وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيّ أَنَّهُ يَقَعُ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ وَيَسْتَحِقُّ الْأَجِيرُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ لَا الْمُسَمَّى حَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ مُعْظَمَ الْإِصْحَابِ مَالُوا إلَى هَذَا وَلَيْسَ كَمَا قَالَ وَهَذَا الْقَائِلُ يَقُولُ لَا تَجُوزُ الْجَعَالَةُ عَلَى عَمَلٍ مَعْلُومٍ لِأَنَّهُ يمكن الاسئجار عَلَيْهِ (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ يَفْسُدُ الْإِذْنُ وَيَقَعُ الْحَجُّ عَنْ الْأَجِيرِ لِأَنَّ الْإِذْنَ غَيْرُ مُتَوَجِّهٍ إلَى إنْسَانٍ بِعَيْنِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ وَكَّلْتُ مَنْ أَرَادَ بَيْعَ دَارِي فِي بَيْعِهَا فَالْوَكَالَةُ بَاطِلَةٌ وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُ الْبَائِعِ اعْتِمَادًا عَلَى هَذَا التَّوْكِيلِ وَهَذَا الْوَجْهُ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَذَكَرَ امام الحرمين أن شيخ وَالِدَهُ أَبَا مُحَمَّدٍ أَشَارَ إلَيْهِ فَقَالَ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَحْكُمَ بِفَسَادِ الْإِذْنِ وَهَذَا الْوَجْهُ ضَعِيفٌ جِدًّا بَلْ بَاطِلٌ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ وَالْمَذْهَبِ وَالدَّلِيلِ فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ وَالْمَنْصُوصِ فَقَالَ مَنْ حج عنى فَلَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَسَمِعَهُ رَجُلَانِ وَأَحْرَمَا عَنْهُ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْأَصْحَابُ إنْ سَبَقَ

(7/122)


إحْرَامُ أَحَدِهِمَا وَقَعَ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ الْقَائِلِ وَيَسْتَحِقُّ السَّابِقُ الْمِائَةَ وَإِحْرَامُ الثَّانِي يَقَعُ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا وَإِنْ أَحْرَمَا مَعًا أَوْ شك في السبق والمعية لم يقع شئ مِنْهُ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ بَلْ يَقَعُ إحْرَامُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَصَارَ كَمَنْ عَقَدَ نِكَاحَ أُخْتَيْنِ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ وَلَوْ قَالَ مَنْ حَجَّ عَنِّي فَلَهُ مِائَةُ دِينَارٍ فَأَحْرَمَ عَنْهُ رَجُلَانِ أحدهما بعد الآخر وقع الاحرام السَّابِقِ بِالْإِحْرَامِ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ الْقَائِلِ وَلَهُ عَلَيْهِ الْمِائَةُ وَلَوْ أَحْرَمَا مَعًا وَقَعَ حَجُّ كُلِّ واحد منهما عن نفسه ولا شئ لَهُمَا عَلَى الْقَائِلِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا أَوَّلٌ وَلَوْ كَانَ الْعِوَضُ مَجْهُولًا بِأَنْ قَالَ مَنْ حَجَّ عَنِّي فَلَهُ عَبْدٌ أَوْ ثَوْبٌ أَوْ دَرَاهِمُ وَقَعَ الْحَجُّ عَنْ الْقَائِلِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
إذَا اسْتَأْجَرَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ بِأُجْرَةٍ فَاسِدَةٍ أَوْ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ بِشَرْطٍ فَاسِدٍ وَحَجَّ الْأَجِيرُ وَقَعَ الْحَجُّ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ لِصِحَّةِ الْإِذْنِ قَالَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ وَهُوَ كَمَا لَوْ وَكُلَّهُ فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ عِوَضٍ فَاسِدٍ لِلْوَكِيلِ فَالْإِذْنُ صَحِيحٌ وَالْعِوَضُ فَاسِدٌ فَإِذَا بَاعَ الْوَكِيلُ صَحَّ وَاسْتَحَقَّ أجرة الْمِثْلِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الرَّافِعِيُّ مُقْتَضَى كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ تَجْوِيزَ تَقْدِيمِ إجَارَةِ الْعَيْنِ عَلَى وَقْتِ خُرُوجِ النَّاسِ لِلْحَجِّ وَأَنَّ لِلْأَجِيرِ انْتِظَارَ خُرُوجِهِمْ وَيَخْرُجُ مَعَ أَوَّلِ رُفْقَةٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ عَلَى اخْتِلَافِ طَبَقَاتِهِمْ يُنَازَعُ فِيهِ وَيَقْتَضِي اشْتِرَاطُ وُقُوعِ الْعَقْدِ فِي وَقْتِ خُرُوجِ النَّاسِ مِنْ ذَلِكَ الْبَلَدِ حَتَّى قَالَ الْبَغَوِيّ لَا تَصِحُّ إجَارَةُ الْعَيْنِ إلَّا فِي وَقْتِ خُرُوجِ الْقَافِلَةِ مِنْ ذَلِكَ

(7/123)


الْبَلَدِ بِحَيْثُ يَشْتَغِلْ عَقِبَ الْعَقْدِ بِالْخُرُوجِ أَوْ بِأَسْبَابِهِ مِثْلُ شِرَاءِ الزَّادِ وَنَحْوِهِ فَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ لَمْ يَصِحَّ قَالَ وَبَنَوْا عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الِاسْتِئْجَارُ بِمَكَّةَ لَمْ يَجُزْ إلَّا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِالْعَمَلِ عَقِبَ الْعَقْدِ قَالَ وَعَلَى مَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ لَوْ جَرَى الْعَقْدُ فِي وَقْتِ تراكم الثلوج والانداء فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَجُوزُ وَبِهِ قَطَعَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَجِيزِ وَصَحَّحَهُ فِي الْوَسِيطِ لِأَنَّ تَوَقُّعَ زَوَالِهَا مَضْبُوطٌ
(وَالثَّانِي)
لَا لِتَعَذُّرِ الِاشْتِغَالِ بِالْعَمَلِ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ انْتِظَارِ خُرُوجِ الرُّفْقَةِ فَإِنَّ خُرُوجَهَا فِي الْحَالِ غَيْرُ مُتَعَذِّرٍ هَذَا كُلُّهُ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ (أَمَّا) إجَارَةُ الذِّمَّةِ فَيَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْخُرُوجِ بِلَا شَكٍّ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَقَدْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ هَذَا النَّقْلَ عَنْ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ قَالَ وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْبَغَوِيِّ يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَلَامِ الْإِمَامِ أَوْ هُوَ شُذُوذٌ مِنْ الْبَغَوِيِّ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُضَافَ إلَى جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ فَإِنَّ الَّذِي رَأَيْنَاهُ فِي الشَّامِلِ والغمة وَالْبَحْرِ وَغَيْرِهَا مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَصِحُّ الْعَقْدُ فِي وَقْتٍ يُمْكِنُ فِيهِ الْخُرُوجُ وَالسَّيْرُ عَلَى الْعَادَةِ وَالِاشْتِغَالُ بِأَسْبَابِ الْخُرُوجِ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ أَمَّا عَقْدُهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَيَجُوزُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لِإِمْكَانِ الْإِحْرَامِ فِي الْحَالِ هَذَا كَلَامُ أَبِي عَمْرٍو وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ إنَّمَا يَجُوزُ عَقْدُ إجَارَةِ الْعَيْنِ فِي وَقْتِ الْخُرُوجِ إلَى الْحَجِّ وَاتِّصَالِ الْقَوَافِلِ لِأَنَّ عَلَيْهِ الِاشْتِغَالَ بِعَمَلِ الْحَجِّ عَقِيبَ الْعَقْدِ وَالِاشْتِغَالَ بشراء الزاد والتأهب للسفر منزلة منزل السَّفَرِ وَلَيْسَ
عَلَيْهِ الْخُرُوجُ قَبْلَ الرُّفْقَةِ وَلَوْ استأجره أَخَاهُ مِنْ قَبْلِ زَمَانِ خُرُوجِ الْقَافِلَةِ لَمْ تَنْعَقِدْ الْإِجَارَةُ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ فِي زَمَانٍ مُسْتَقْبَلٍ بَاطِلَةٌ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِ بَابِ الْإِجَارَةِ فَإِنْ اسْتَأْجَرَ مَنْ يَحُجُّ لَمْ يَجُزْ إلَّا فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ التَّوَجُّهِ فَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ قَرِيبٍ لَمْ يَجُزْ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لِأَنَّهُ يَتَأَخَّرُ اسْتِيفَاءُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عَنْ حَالِ الْعَقْدِ وَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ بَعِيدٍ لَا يُدْرِكُ الْحَجَّ إلَّا أَنْ يَسِيرَ قَبْلَ أَشْهُرِهِ لَمْ يَسْتَأْجِرْ إلَّا فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَتَوَجَّهُ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ وَقْتُ الشُّرُوعِ فِي الِاسْتِيفَاءِ وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ إلَّا فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَتَمَكَّنُ في أَفْعَالِ الْحَجِّ أَوْ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي سَيْرِهِ إلَى الْحَجِّ عَقِبَ الْعَقْدِ قَالَ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِمَكَّةَ أَوْ غَيْرِهَا

(7/124)


مِنْ الْبِلَادِ الَّتِي يُمْكِنُ ابْتِدَاءُ الْحَجِّ فِيهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَيُدْرِكُهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ بِهِ إلَى ذَلِكَ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى شَرْطِ تَأْخِيرِ السَّلَمِ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ صَحَّ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ وَيَأْخُذَ فِي أَفْعَالِهِ عَقِبَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ فَلَا يَتَأَخَّرُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ عَنْ حَالِ الْعَقْدِ وَإِنْ كَانَ بِبَلَدٍ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَحُجَّ إلَّا بِأَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ جَازَ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى السَّيْرِ إلَى الْحَجِّ وَالْخُرُوجِ له من البلد ولا تجوز قَبْلَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ فِي تَعْلِيقِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَذَكَرَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَكَثِيرُونَ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطيب في المجرد لا تجوز إجَارَةُ الْعَيْنِ إلَّا فِي وَقْتٍ يُمْكِنُ الْعَمَلُ فِيهِ أَوْ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى السَّبَبِ فَإِنْ كَانَ بِمَكَّةَ أَوْ فِي بِلَادٍ قَرِيبَةٍ بِحَيْثُ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيمِ السَّيْرِ عَلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ كَبِلَادِ الْعِرَاقِ لَمْ يَجُزْ عَقْدُهَا إلَّا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَإِنْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيمِ السَّيْرِ قَبْلَ أَشْهُرِهِ كَبِلَادِ خُرَاسَانَ جَازَ تَقْدِيمُ الْعَقْدِ عَلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ بِحَسْبِ الْحَاجَةِ فَأَمَّا عَقْدُهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَيَجُوزُ فِي كُلِّ مَكَان لِإِمْكَانِ الِاشْتِغَالِ بِهِ وَقَالَ الدَّارِمِيُّ إذَا اسْتَأْجَرَ عَنْهُ فَإِنْ وَصَلَ الْعَقْدُ بِالرَّحِيلِ صَحَّ الْعَقْدُ وَإِنْ لَمْ يَصِلْهُ فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَمْ يَجُزْ وَقَالَ ابْنُ الْمَرْزُبَانِ يَجُوزُ وَقِيلَ إنْ كَانَ بِبَلَدٍ

(7/125)


قَرِيبٍ كَبَغْدَادَ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا جَازَ
* (فَرْعٌ)
إذَا لَمْ يَشْرُعْ فِي الْحَجِّ فِي السَّنَةِ الْأُولَى لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى
الْعَيْنِ انْفَسَخَتْ بِلَا خلاف الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ يُنْظَرُ إنْ لَمْ يُعَيِّنَا سَنَةً فَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ كَتَعْيِينِ السَّنَةِ الْأُولَى وَذَكَرَ الْبَغَوِيّ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّأْخِيرُ عَنْ السَّنَةِ الْأُولَى وَالْحَالَةُ هَذِهِ لَكِنْ يَثْبُتُ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْخِيَارُ وَإِنْ عَيَّنَا السَّنَةَ الْأُولَى أَوْ غَيْرَهَا وَأَخَّرَ عَنْهَا فَطَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) عَلَى قَوْلَيْنِ كَمَا لَوْ انْقَطَعَ الْمُسْلَمُ فِيهِ فِي مَحِلِّهِ (أَظْهَرُهُمَا) لَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ (وَالثَّانِي) يَنْفَسِخُ قَوْلًا وَاحِدًا وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ وَبِهِ قَطَعَ غَيْرُهُ فَإِذَا قُلْنَا لَا يَنْفَسِخُ فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ هُوَ الْمَعْضُوبُ عَنْ نَفْسِهِ فَلَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ فَسَخَ وَإِنْ شَاءَ أَخَّرَ لِيَحُجَّ الْأَجِيرُ فِي السَّنَةِ الْأُخْرَى وَإِنْ كَانَ الِاسْتِئْجَارُ عَنْ مَيِّتٍ فقال المصنف وسائر أصحاب الْعِرَاقِيِّينَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ غَيْرِهِمْ لَا خِيَارَ لِلْمُسْتَأْجِرِ قَالُوا لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي الْأُجْرَةِ إذَا فُسِخَ الْعَقْدُ وَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِئْجَارِ غَيْرِهِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فَلَا وَجْهَ لِلْفَسْخِ

(7/126)


وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ ثُمَّ قَالَ وَفِيمَا ذَكَرُوهُ نَظَرٌ قَالَ وَلَا يُمْنَعُ أَنْ يَثْبُتَ الْخِيَارُ لِلْوَرَثَةِ نَظَرًا لِلْمَيِّتِ وَسَيُعِيدُونَ بِالْفَسْخِ اسْتِرْدَادَ الْأُجْرَةِ وَصَرْفَهَا إلَى إحْرَامٍ آخَرَ أَحْرَى بِتَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ وَتَابَعَهُ الْغَزَالِيُّ عَلَى ذَلِكَ فَحَكَى قَوْلَ الْعِرَاقِيِّينَ وَجَزَمَ بِهِ ثُمَّ قَالَ وَفِيهِ احْتِمَالٌ وَذَكَرَ احْتِمَالَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَقَالَ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى مُرَاعَاةُ الْمَصْلَحَةِ فَإِنْ كَانَتْ فِي تَرْكِ الْفَسْخِ تَرَكَهُ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْفَسْخِ لِخَوْفِ إفْلَاسِ الْأَجِيرِ أَوْ هَرَبِهِ لَزِمَهُ أَنْ يَفْسَخَ فَإِنْ لَمْ يَفْسَخْ ضَمِنَ قَالَ الرَّافِعِيُّ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ قَالَ فَيَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ الْمَنْقُولُ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ عَلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ وَأَثْبَتَهُمَا الْأَئِمَّةُ
(أَحَدُهُمَا)
صَوَّرَ بَعْضُهُمْ الْمَنْعَ بِمَا إذَا كَانَ الْمَيِّتُ قَدْ أَوْصَى بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ فُلَانٌ مَثَلًا وَوَجْهُهُ بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ

(7/127)


مستحقة الصرف إليه (والثاني) قال أبو إسحق فِي الشَّرْحِ لِلْمُسْتَأْجِرِ عَنْ الْمَيِّتِ أَنْ يَرْفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي لِيَفْسَخَ الْعَقْدَ إنْ كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ تَقْتَضِيهِ وَأَنْ لَا يَسْتَقِلَّ بِهِ فَإِذَا نَزَلَ مَا ذَكَرُوهُ عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ ارْتَفَعَ الْخِلَافُ وَإِنْ نَزَلَ عَلَى الثَّانِي هَانَ أَمْرُهُ هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ (أَمَّا) إذَا اسْتَأْجَرَ إنْسَانٌ من مال نَفْسِهِ مَنْ يَحُجُّ عَنْ الْمَيِّتِ فَهُوَ كَاسْتِئْجَارِ الْمَعْضُوبِ لِنَفْسِهِ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ بِالِاتِّفَاقِ (وَأَمَّا) إذَا اسْتَأْجَرَ الْمَعْضُوبُ لِنَفْسِهِ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ فَمَاتَ الْمَعْضُوبُ وَأَخَّرَ الْأَجِيرُ الْحَجَّ عَنْ السَّنَةِ الْمُعِينَةِ فَقَالَ الرَّافِعِيُّ
لَمْ أَرَ الْمَسْأَلَةَ مَسْطُورَةً قَالَ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَارِثِ فَسْخُ الْإِجَارَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْقِيَاسُ ثُبُوتُ الْخِيَارِ لِلْوَارِثِ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَنَحْوِهِ هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَالصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ إذْ لَا مِيرَاثَ فِي هَذِهِ الْأُجْرَةِ بِخِلَافِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ قَدَّمَ الْأَجِيرُ عَلَى السَّنَةِ الْمُعِينَةِ جَازَ بِلَا خِلَافٍ وَقَدْ زَادَ خَيْرًا وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ عَجَّلَ الْمُسْلَمَ فِيهِ قَبْلَ الْمَحِلِّ فَإِنَّ فِي وُجُوبِ قَبُولِهِ خلاف وتفصيل بِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ فِي تَأْخِيرِ قَبْضِ الْمُسْلَمِ فِيهِ لِيُحْفَظَ فِي الذِّمَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْحَجِّ (فَرْعٌ)
إذَا انْتَهَى الْأَجِيرُ إلَى الْمِيقَاتِ الْمُتَعَيَّنِ لِلْإِحْرَامِ إمَّا بِشَرْطِهِ وَإِمَّا بالشرع إذا لم يشترط تعيينها يُحْرِمْ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ بَلْ أَحْرَمَ عَنْ نَفْسِهِ بِعُمْرَةٍ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهَا أَحْرَمَ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ بالحج فله

(7/128)


حَالَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنْ لَا يَعُودَ إلَى الْمِيقَاتِ فيصح الحج عن المستأجر للاذن ويحط شئ من الاجرة المسماة لا خلاله بِالْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ الْمُلْتَزَمِ وَفِي قَدْرِ الْمَحْطُوطِ خِلَافٌ مُتَعَلِّقٌ بِأَصْلٍ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا سَارَ الْأَجِيرُ مِنْ بَلَدِ الْإِجَارَةِ وَحَجَّ فَالْأُجْرَةُ تَقَعُ عَنْ مُقَابَلَةِ أَصْلِ الْحَجِّ وَحْدَهَا أَمْ مُوَزَّعَةً عَلَى السَّيْرِ وَالْأَعْمَالِ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ سَنُوَضِّحُهُمَا قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا إذَا مَاتَ الْأَجِيرُ (أَصَحُّهُمَا) تُوَزَّعُ عَلَى الْأَعْمَالِ وَالسَّيْرِ جَمِيعًا (وَالثَّانِي) عَلَى الْأَعْمَالِ وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ إنْ قَالَ اسْتَأْجَرْتُكَ لِتَحُجَّ عَنِّي يُقَسَّطُ عَلَى الْأَعْمَالِ فَقَطْ وَإِنْ قَالَ لِتَحُجَّ عَنِّي مِنْ بَلَدِ كَذَا يُقَسَّطُ عَلَيْهِمَا وَحَمْلُ الْقَوْلَيْنِ عَلَى هَذَيْنِ الْحَالَيْنِ فَإِنْ خَصَصْنَاهَا بِالْأَعْمَالِ وُزِّعَتْ الْأُجْرَةُ الْمُسَمَّاةُ عَلَى حَجَّةٍ مِنْ الْمِيقَاتِ وَحَجَّةٍ مِنْ مَكَّةَ لِأَنَّ الْمُقَابَلَ بِالْأُجْرَةِ عَلَى هَذَا هُوَ الْحَجُّ مِنْ الْمِيقَاتِ فَإِذَا كَانَتْ أُجْرَةَ الْحَجَّةِ الْمُسَمَّاةِ مِنْ مَكَّةَ دِينَارَانِ وَالْمُسَمَّاةُ مِنْ الْمِيقَاتِ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ فَالتَّفَاوُتُ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسٍ فَيَحُطُّ ثَلَاثَةَ أَخْمَاسِ الْمُسَمَّى وَإِنْ وَزَّعْنَا الْأُجْرَةَ عَلَى السَّيْرِ وَالْأَعْمَالِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ فَقَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا تُحْسَبُ لَهُ الْمَسَافَةُ هُنَا لِأَنَّهُ صَرَفَهَا إلَى غَرَضِ نَفْسِهِ لِإِحْرَامِهِ بِالْعُمْرَةِ مِنْ الْمِيقَاتِ فَعَلَى هَذَا تُوَزَّعُ عَلَى حَجَّةٍ تَنْشَأُ مِنْ بَلَدِ الْإِجَارَةِ وَيَقَعُ الْإِحْرَامُ بِهَا مِنْ الْمِيقَاتِ وَعَلَى حَجَّةٍ تَنْشَأُ مِنْ مَكَّةَ فَيَحُطُّ مِنْ الْمُسَمَّى بِنِسْبَتِهِ فَإِذَا كَانَتْ أُجْرَةُ الْمُنْشَأَةِ مِنْ الْبَلَدِ مِائَةً وَالْمُنْشَأَةُ مِنْ مَكَّةَ عَشْرَةً حَطَّ تِسْعَةَ أَعْشَارِ الْمُسَمَّى (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) وَهُوَ الْأَصَحُّ يُحْسَبُ قَطْعُ الْمَسَافَةِ إلَى الْمِيقَاتِ لِجَوَازِ أَنَّهُ قَصَدَ الْحَجَّ مِنْهُ إلَّا أَنَّهُ عُرِضَ لَهُ الْعُمْرَةُ فَعَلَى هَذَا تُوَزَّعُ الْمُسَمَّاةُ
عَلَى حَجَّةٍ مُنْشَأَةٍ مِنْ بَلَدِ الْإِجَارَةِ إحْرَامُهَا مِنْ الْمِيقَاتِ وَعَلَى حَجَّةٍ مُنْشَأَةٍ مِنْ الْبَلَدِ إحْرَامُهَا مِنْ مَكَّةَ فَإِذَا كَانَتْ أُجْرَةُ الْأُولَى مِائَةً وَالثَّانِيَةُ تِسْعِينَ حَطَّ عُشْرَ الْمُسَمَّى فَحَصَلَ فِي الْجُمْلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (الْمَذْهَبُ) مِنْهَا هَذَا الْأَخِيرُ قَالَ أَصْحَابُنَا ثُمَّ إنَّ الْأَجِيرَ فِي مَسْأَلَتِنَا يَلْزَمُهُ دَمٌ لِإِحْرَامِهِ بِالْحَجِّ بَعْدَ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ وَسَنَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى خِلَافًا فِي غَيْرِ صُورَةِ الِاعْتِمَارِ أَنَّ إسَاءَةَ الْمُجَاوَزَةِ هَلْ تَنْجَبِرُ بِإِخْرَاجِ الدَّمِ حتى لا يحط شئ من الاجرة أم لا وذلك الخلاف يجئ هنا ذكره أبو الفضل ابن عبدان وآخرون فإذا الْخِلَافِ فِي قَدْرِ الْمَحْطُوطِ
* (فَرْعٌ)
لِلْقَوْلِ بِإِثْبَاتِ أَصْلِ الْحَطِّ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ وَيُقْطَعُ بِعَدَمِ الِانْجِبَارِ هُنَا لِأَنَّهُ ارْتَفَقَ بِالْمُجَاوَزَةِ هُنَا حَيْثُ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ لِنَفْسِهِ (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يَعُودَ إلَى الْمِيقَاتِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعُمْرَةِ فَيُحْرِمَ بِالْحَجِّ مِنْهُ فَهَلْ يحط شئ مِنْ الْأُجْرَةِ يُبْنَى عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ (إنْ

(7/129)


قلنا) الاجرة موزعة الْأَعْمَالِ وَالسَّيْرِ لَمْ يُحْسَبْ السَّيْرُ لِانْصِرَافِهِ إلَى عُمْرَةٍ وَوُزِّعَتْ الْأُجْرَةُ عَلَى حَجَّةٍ مُنْشَأَةٍ مِنْ بلد الاجارة إحرامها من اليمقات وَعَلَى حَجَّةٍ مُنْشَأَةٍ مِنْ الْمِيقَاتِ بِغَيْرِ قَطْعِ مَسَافَةٍ وَيُحَطُّ بِالنِّسْبَةِ مِنْ الْمُسَمَّى (وَإِنْ قُلْنَا) الْأُجْرَةُ فِي مُقَابَلَةِ الْأَعْمَالِ أَوْ وَزَّعْنَاهَا عَلَيْهِ وَعَلَى السَّيْرِ وَحُسِبَتْ الْمَسَافَةُ فَلَا حَطَّ وَتَجِبُ الْأُجْرَةُ كُلُّهَا وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَكَثِيرُونَ غَيْرُهُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ الْوَاجِبُ عَلَى الْأَجِيرِ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْمِيقَاتِ الْوَاجِبِ بِالشَّرْعِ أَوْ الشَّرْطِ فَإِنْ أَحْرَمَ مِنْهُ فَقَدْ فَعَلَ وَاجِبًا وَإِنْ أَحْرَمَ قَبْلَهُ فَقَدْ زَادَ خَيْرًا هَذِهِ عِبَارَةُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَسَائِرِ الْأَصْحَابِ فَإِنْ جَاوَزَ الْأَجِيرُ الْمِيقَاتَ الْمُعْتَبَرَ بِالشَّرْطِ أَوْ الشَّرْعِ غَيْرَ مُحْرِمٍ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ لِلْمُسْتَأْجِرِ فَيُنْظَرُ إنْ عَادَ إلَيْهِ وَأَحْرَمَ مِنْهُ فلا دم ولا يحط من الاجرة شئ وَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ جَوْفِ مَكَّةَ أَوْ بَيْنَ الْمِيقَاتِ وَمَكَّةَ وَلَمْ يَعُدْ لَزِمَهُ دَمٌ لِلْإِسَاءَةِ بِالْمُجَاوَزَةِ وَهَلْ يَنْجَبِرُ بِهِ الْخَلَلُ حَتَّى لَا يحط شئ مِنْ الْأُجْرَةِ فِيهِ طَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ وَالْأَصْحَابُ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ فِيهِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَنْجَبِرُ وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ فَيَجِبُ جَمِيعُ الْأُجْرَةِ وَهَذَا ظَاهِرُ نَصِّهِ فِي الْإِمْلَاءِ وَالْقَدِيمِ لِأَنَّهُ قَالَ يَجِبُ الدَّمُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْحَطَّ (وَأَصَحُّهُمَا) وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ
وَالْمُخْتَصَرِ يُحَطُّ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) الْقَطْعُ بِالْحَطِّ وَتَأَوَّلُوا مَا قَالَهُ فِي الْإِمْلَاءِ وَالْقَدِيمِ بِأَنَّهُ سَكَتَ عَنْ وُجُوبِ الْحَطِّ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ سُكُوتِهِ عَنْهُ عَدَمُ وُجُوبِهِ مَعَ أَنَّهُ نَصَّ عَلَى وُجُوبِ الْحَطِّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْأُمِّ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالِانْجِبَارِ فَهَلْ نَعْتَبِرُ قِيمَةَ الدَّمِ وَنُقَابِلُهَا بِالتَّفَاوُتِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) لَا لِأَنَّ التَّعْوِيلَ فِي هَذَا الْقَوْلِ عَلَى جَبْرِ الْخَلَلِ وَقَدْ حَكَمَ الشَّرْعُ بِأَنَّ الدَّمَ يَجْبُرُهُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ (وَالثَّانِي) نَعَمْ فَلَا يَنْجَبِرُ مَا زَادَ عَلَى قِيمَةِ الدَّمِ فَعَلَى هَذَا تُعْتَبَرُ قِيمَةُ الدَّمِ فَإِنْ كَانَ التَّفَاوُتُ مِثْلَهَا أَوْ أَقَلَّ حَصَلَ الِانْجِبَارُ وَلَا حَطَّ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ وَجَبَ الزَّائِدُ هَذَا إذَا قُلْنَا بِالِانْجِبَارِ وَإِنْ قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ وَهُوَ الْحَطُّ فَفِي قَدْرِهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْأَصْلِ السَّابِقِ وَهُوَ أَنَّ الاجرة في مقابلة ماذا (إن قلنا) مُقَابَلَةِ الْأَعْمَالِ فَقَطْ وَزَّعْنَا الْمُسَمَّى عَلَى حَجَّةٍ مِنْ الْمِيقَاتِ وَحَجَّةٍ مِنْ حَيْثُ أَحْرَمَ (وَإِنْ قُلْنَا) فِي مُقَابَلَةِ الْأَعْمَالِ وَالسَّيْرِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَزَّعْنَا الْمُسَمَّى عَلَى حَجَّةٍ مِنْ بَلْدَةِ إحْرَامِهَا من الميقات على حَجَّةٍ مِنْ بَلْدَةِ إحْرَامِهَا مِنْ حَيْثُ أَحْرَمَ وَعَلَى هَذَا يَقِلُّ الْمَحْطُوطُ ثُمَّ حَكَى الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ

(7/130)


وَمَنْ تَابَعَهُمَا وَجْهَيْنِ فِي أَنَّ النَّظَرَ إلَى الْفَرَاسِخِ وَحْدَهَا أَمْ يُعْتَبَرُ مَعَ ذَلِكَ السُّهُولَةُ وَالْحُزُونَةُ (أَصَحُّهُمَا) الثَّانِي (أَمَّا) إذَا عَدَلَ الْأَجِيرُ عَنْ طَرِيقِ الْمِيقَاتِ الْمُعْتَبَرِ إلَى طَرِيقٍ آخَرَ مِيقَاتُهُ مِثْلُ الْمُعْتَبَرِ أَوْ أَقْرَبُ إلَى مَكَّةَ فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ والجمهور أنه لا شئ عليه وحكى القاضى حسين والبغوى وَغَيْرِهِمَا فِيهِ وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمِيقَاتِ الْمُعْتَبَرِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ كَمَنْ تَرَكَ الْمِيقَاتَ وَأَحْرَمَ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ بِالشَّرْطِ تَعَيَّنَ الْمَكَانُ (أَمَّا) إذَا عَيَّنَّا مَوْضِعًا آخَرَ فَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ إلَى مَكَّةَ مِنْ الشَّرْعِيِّ فَالشَّرْطُ فَاسِدٌ يُفْسِدُ الْإِجَارَةَ كَمَا سَبَقَ إذْ لَا يَجُوزُ لِمُرِيدِ النُّسُكِ مُجَاوَزَةُ الْمِيقَاتِ غَيْرَ مُحْرِمٍ وَإِنْ كَانَ أَبْعَدَ بِأَنْ عَيَّنَّا الْكُوفَةَ فَيَلْزَمُ الْأَجِيرَ الْإِحْرَامُ مِنْهَا وَفَاءٌ بِالشَّرْطِ فَلَوْ جَاوَزَهَا وَأَحْرَمَ بَعْدَ مُجَاوَزَتِهَا فَهَلْ يَلْزَمُهُ الدَّمُ فِيهِ وَجْهَانِ (الْأَصَحُّ) الْمَنْصُوصُ نَعَمْ لِأَنَّهُ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ الْوَاجِبَ بِالشَّرْطِ فَأَشْبَهَ مُجَاوَزَةَ الْمِيقَاتِ الشَّرْعِيِّ (وَالثَّانِي) لَا لِأَنَّ الدَّمَ يَجِبُ فِي مُجَاوَزَةِ الشَّرْعِيِّ فَإِنْ قُلْنَا لَا يَلْزَمُهُ الدَّمُ وَجَبَ حَطُّ قِسْطٍ مِنْ الْأُجْرَةِ
قَطْعًا وَإِنْ أَلْزَمْنَاهُ الدَّمَ فَفِي حُصُولِ الِانْجِبَارِ بِهِ الطَّرِيقَانِ السَّابِقَانِ (الْمَذْهَبُ) لَا يَنْجَبِرُ وَكَذَا لَوْ لَزِمَهُ الدَّمُ لِتَرْكِ مَأْمُورٍ بِهِ كَالرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ فَفِيهِ الطَّرِيقَانِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ فَإِنْ تَرَكَ نُسُكًا لَا دَمَ فِيهِ كَالْمَبِيتِ وَطَوَافِ الْوَدَاعِ إذَا قُلْنَا لا دم فيهما لزمه رد شئ مِنْ الْأُجْرَةِ بِقِسْطِهِ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَنْجَبِرُ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَا دَمٌ يَنْجَبِرُ بِهِ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ فَإِنْ لَزِمَهُ بِفِعْلٍ مَحْظُورٍ كَاللُّبْسِ والقلم لم يحط شئ مِنْ الْأُجْرَةِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ شيأ مِنْ الْعَمَلِ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى التَّصْرِيحِ بِهَذَا وَنَقَلَ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَيَجِب الدَّمُ فِي مَالِ الْأَجِيرِ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ شَرَطَ الْإِحْرَامَ فِي أَوَّلِ شَوَّالٍ فَأَخَّرَهُ لَزِمَهُ الدَّمُ وَفِي الِانْجِبَارِ الْخِلَافُ وَكَذَا لَوْ شَرَطَ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا فَحَجَّ رَاكِبًا لِأَنَّهُ تَرْكَ مَقْصُودًا هكذا حكى المسألتين عن القاضى حسين الرافعى ثُمَّ قَالَ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَا مُفَرِّعِينَ عَلَى أَنَّ الْمِيقَاتَ الْمَشْرُوطَ الشَّرْعِيَّ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ الدَّمُ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ تَعْيِينِ الْكُوفَةِ هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَقَطَعَ الْبَغَوِيّ بِأَنَّهُ إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَحُجَّ مَاشِيًا فَحَجَّ رَاكِبًا (فَإِنْ قُلْنَا) الْحَجُّ رَاكِبًا أَفْضَلُ فَقَدْ زَادَ خَيْرًا

(7/131)


(وَإِنْ قُلْنَا) الْحَجُّ مَاشِيًا أَفْضَلُ فَقَدْ أَسَاءَ بِتَرْكِ الْمَشْيِ وَعَلَيْهِ دَمٌ وَفِي وُجُوبِ رَدِّ التَّفَاوُتِ بَيْنَ أُجْرَةِ الرَّاكِبِ وَالْمَاشِي وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى مَا سَبَقَ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْمُتَوَلِّي هو الاصح
* (فرع)
قال أصحابنا إذا اتسأجره لِلْقِرَانِ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَتَارَةً يَمْتَثِلُ وَتَارَةً يَعْدِلُ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى فَإِنْ امْتَثَلَ فَقَدْ وَجَبَ دَمُ الْقِرَانِ وَعَلَى مَنْ يَجِبُ فِيهِ وَجْهَانِ وَقِيلَ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ كَمَا لَوْ حَجَّ بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ الَّذِي شَرَطَ الْقِرَانَ (وَالثَّانِي) عَلَى الْأَجِيرِ لِأَنَّهُ الْمُتَرَفِّهُ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ شَرْطَاهُ عَلَى الْأَجِيرِ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ بَيْعٍ مَجْهُولٍ وَإِجَارَةٍ لِأَنَّ الدَّمَ مَجْهُولُ الصِّفَةِ فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ مُعْسِرًا فَالصَّوْمُ الَّذِي هُوَ بَدَلُ الْهَدْيِ عَلَى الْأَجِيرِ لِأَنَّ بَعْضَ الصَّوْمِ وَهُوَ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي الْحَجِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحج) وَاَلَّذِي فِي الْحَجِّ مِنْهُمَا هُوَ الْأَجِيرُ كَذَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي هُوَ كَالْعَاجِزِ عَنْ الْهَدْيِ وَالصَّوْمِ جَمِيعًا وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةِ بِكَمَالِهَا (فَأَمَّا) إذَا عَدَلَ فَيَنْظُرُ إنْ عَدَلَ إلَى الْإِفْرَادِ فَحَجَّ ثُمَّ اعْتَمَرَ فَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى
الْعَيْنِ لَزِمَهُ أَنْ يَرُدَّ مِنْ الْأُجْرَةِ حِصَّةَ الْعُمْرَةِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْمَنَاسِكِ الْكَبِيرِ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالُوا لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْعَمَلِ فِي هَذِهِ الْإِجَارَةِ عَنْ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ وَإِنْ كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ نَظَرَ فَإِنْ عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ لِلْعُمْرَةِ فَلَا شئ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ زَادَ خَيْرًا وَلَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَمْ يُقْرِنْ وَإِنْ لَمْ يَعُدْ فَعَلَى الْأَجِيرِ دَمٌ لِمُجَاوَزَتِهِ الْمِيقَاتَ لِلْعُمْرَةِ وَهَلْ يحط شئ مِنْ الْأُجْرَةِ أَمْ تَنْجَبِرُ الْإِسَاءَةُ بِالدَّمِ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ وَإِنْ عَدَلَ إلَى التَّمَتُّعِ فَقَدْ أشار المتولي إلى أنه إن كانت الاجارة عَيْنٍ لَمْ يَقَعْ الْحَجُّ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ لِوُقُوعِهِ فِي غَيْرِ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ وَهَذَا هُوَ قِيَاسُ مَا سَبَقَ قَرِيبًا مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الذِّمَّةِ نَظَرَ إنْ عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ لِلْحَجِّ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَإِنْ لَمْ يَعُدْ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يُجْعَلُ مُخَالِفًا لِتَقَارُبِ الْجِهَتَيْنِ فَيَكُونُ حُكْمُهُ كَمَا لَوْ امْتَثَلَ وَفِي كَوْنِ الدَّمِ عَلَى الْأَجِيرِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرِ الْوَجْهَانِ (وَأَصَحُّهُمَا) يُجْعَلُ مُخَالِفًا فَيَجِبُ الدم علي الاجير لا ساءته وفى حط

(7/132)


شئ مِنْ الْأُجْرَةِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الْأَجِيرِ إذَا أَحْرَمَ بَعْدَ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ (قِيلَ) يُحَطُّ قَوْلًا وَاحِدًا وَالْأَصَحُّ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) يُحَطُّ (وَالثَّانِي) لَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَذَكَرَ أَصْحَابُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْأَجِيرَ دَمٌ لِتَرْكِ الْمِيقَاتِ وَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ دَمٌ آخَرَ لِأَنَّ الْقِرَانَ الَّذِي أَمَرَ بِهِ يَتَضَمَّنُهُ قَالَ وَاسْتَبْعَدَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ
* (فَرْعٌ)
إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِلتَّمَتُّعِ فَامْتَثَلَ فَهُوَ كَمَا لو استأجره للقران فامثتل وَإِنْ أَفْرَدَ نَظَرَ إنْ قَدَّمَ الْعُمْرَةَ وَعَادَ لِإِحْرَامِ الْحَجِّ إلَى الْمِيقَاتِ فَقَدْ زَادَ خَيْرًا وان أَخَّرَ الْعُمْرَةَ نَظَرْتُ فَإِنْ كَانَتْ إجَارَةُ عَيْنٍ انْفَسَخَتْ فِي الْعُمْرَةِ لِفَوَاتِ وَقْتِهَا الْمُعِينِ فَيَرُدُّ حِصَّتَهَا مِنْ الْمُسَمَّى وَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ فِي الذِّمَّةِ وَعَادَ إلَى الْمِيقَاتِ لِلْعُمْرَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ شئ وَإِنْ لَمْ يَعُدْ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِ الْإِحْرَامِ بالعمرة من الميقات وفى حط شئ مِنْ الْأُجْرَةِ الْخِلَافُ السَّابِقُ وَإِنْ قَرَنَ فَقَدْ زَادَ خَيْرًا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّهُ أَحْرَمَ بالنسكين من الميقات وكان مامروا بِأَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ ثُمَّ إنْ عدد الافعال للنسكين فلا شئ عليه والا فهل يحط شئ مِنْ الْأُجْرَةِ لِاقْتِصَارِهِ عَلَى الْأَفْعَالِ فِيهِ وَجْهَانِ وَكَذَا الْوَجْهَانِ فِي أَنَّ الدَّمَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أم الاجير
*
(فرع)
لو استاجر لِلْإِفْرَادِ فَامْتَثَلَ فَذَاكَ فَلَوْ قَرَنَ نُظِرَ إنْ كانت الاجارة عَلَى الْعَيْنِ فَالْعُمْرَةُ وَاقِعَةٌ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا فَهُوَ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِلْحَجِّ وَحْدَهُ فَقَرَنَ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي فَرْعٍ بَعْدَ الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي قَبْلَ فَصْلِ الِاسْتِئْجَارِ وَذَكَرْنَا فِيهِ قَوْلَيْنِ بِتَفْرِيعِهِمَا (الْجَدِيدُ) الْأَصَحُّ وُقُوعُ النُّسُكَيْنِ عَنْ الْأَجِيرِ (وَأَمَّا) إنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ فِي الذِّمَّةِ فَيَقَعَانِ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ وَعَلَى الْأَجِيرِ الدم وهل يحط شئ مِنْ الْأُجْرَةِ لِلْخَلَلِ أَمْ يَنْجَبِرُ بِالدَّمِ فِيهِ الْخِلَافُ وَإِنْ تَمَتَّعَ فَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى الْعَيْنِ وَقَدْ أَمَرَهُ بِتَأْخِيرِ الْعُمْرَةِ فَقَدْ وَقَعَتْ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا فَيَرُدُّ مَا يَخُصُّهَا مِنْ الْأُجْرَةِ وَإِنْ أَمَرَهُ بِتَقْدِيمِهَا أَوْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى الذِّمَّةِ وَقَعَا عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ وَلَزِمَ الْأَجِيرَ دَمٌ إنْ لَمْ يَعُدْ إلَى الْمِيقَاتِ لِإِحْرَامِ الحج وفى حط شئ مِنْ الْأُجْرَةِ الْخِلَافُ
* هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْمَحْجُوجُ عَنْهُ حَيًّا فَإِنْ كَانَ مَيِّتًا فَقَرَنَ الْأَجِيرُ أَوْ تَمَتَّعَ وَقَعَ النُّسُكَانِ عَنْ الْمَيِّتِ بِكُلِّ حَالٍ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ قَالُوا لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَفْتَقِرُ إلَى إذْنِهِ فِي وُقُوعِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ عَنْهُ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ بَادَرَ أَجْنَبِيٌّ فَحَجَّ عَنْ الْمَيِّتِ صَحَّ وَوَقَعَ عَنْ فَرْضِ الْمَيِّتِ مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ وَلَا إذْنَ وَارِثٍ وَلَوْ قَالَ الْحَيُّ لِلْأَجِيرِ حُجَّ

(7/133)


عَنِّي وَإِنْ تَمَتَّعْتَ أَوْ قَرَنْتَ فَقَدْ أَحْسَنْتَ فَقَرَنَ أَوْ تَمَتَّعَ وَقَعَ النُّسُكَانِ (1) بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَوْ اُسْتُؤْجِرَ لِلْحَجِّ فَاعْتَمَرَ أَوْ لِلْعُمْرَةِ فَحَجَّ فَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ لِمَيِّتِ وَقَعَ عَنْ الْمَيِّتِ لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ كَانَتْ عَنْ حَيٍّ وَقَعَتْ عَنْ الْأَجِيرِ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ فِي الْحَالَيْنِ
* (فَرْعٌ)
إذَا جَامَعَ الْأَجِيرُ وَهُوَ مُحْرِمٌ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ فَسَدَ حَجُّهُ وَانْقَلَبَ الْحَجُّ إلَيْهِ فَيَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ فِي مَالِهِ وَالْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ وَالْقَضَاءُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَتَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ لَا يَنْقَلِبُ وَلَا يَفْسُدُ وَلَا يَجِبُ الْقَضَاءُ بَلْ يَبْقَى صَحِيحًا وَاقِعًا عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ لِلْمُسْتَأْجِرِ فَلَا تَفْسُدُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ وَبِهَذَا الْقَوْلِ قَالَ الْمُزَنِيّ أَيْضًا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ
* قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنَّمَا قُلْنَا تَنْقَلِبُ الْحَجَّةُ الْفَاسِدَةُ إلَى الْأَجِيرِ وَلَا تُضَافُ بَعْدَ الْفَسَادِ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّ الْحَجَّةَ الْمَطْلُوبَةَ لَا تَحْصُلُ بِالْحَجَّةِ الْفَاسِدَةِ بِخِلَافِ مَنْ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا غَيْرَ مُفْسِدٍ وَهُوَ أَجِيرٌ لِأَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْحَجَّةِ يُعْتَدُّ بِهِ شَرْعًا فَوَقَعَ الِاعْتِدَادُ بِهِ فِي حَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْحَجُّ لِلَّهِ تَعَالَى وَإِنْ
اخْتَلَفَتْ الْإِضَافَاتُ وَالْحَجَّةُ الْفَاسِدَةُ لَا تُبْرِئُ الذِّمَّةَ (فَإِذَا قُلْنَا) بِالْمَذْهَبِ فَإِنْ كَانَتْ إجَارَةُ عَيْنٍ انْفَسَخَتْ وَيَكُونُ الْقَضَاءُ الَّذِي يَأْتِي بِهِ وَاقِعًا عَنْ الْأَجِيرِ وَيَرُدُّ الْأُجْرَةَ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ لَمْ تَنْفَسِخْ لِأَنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِزَمَانٍ فَإِذَا قَضَى فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فَعَمَّنْ يَقَعُ الْقَضَاءُ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ هُمَا قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّهُ قَضَاءُ الْأَوَّلِ وَلَوْ سَلِمَ الْأَوَّلُ مِنْ الْإِفْسَادِ لَكَانَ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ فَكَذَا قَضَاؤُهُ (وَأَصَحُّهُمَا) عَنْ الْأَجِيرِ وَبِهِ قَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَآخَرُونَ لِأَنَّ الْأَدَاءَ الْفَاسِدَ وَقَعَ عَنْهُ فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُهُ سِوَى الْقَضَاءِ حَجَّةٌ أُخْرَى فَيَقْضِي عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ يَحُجُّ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ فِي سَنَةٍ أُخْرَى أَوْ يَسْتَنِيبُ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ أَوْ غَيْرِهَا وَإِذَا لَمْ تَنْفَسِخْ الْإِجَارَةُ فَلِلْمُسْتَأْجِرِ خِيَارُ الْفَسْخِ لِتَأَخُّرِ الْمَقْصُودِ
* هَذَا إنْ كَانَ مَعْضُوبًا فَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ عَنْ مَيِّتٍ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ فِيمَا إذَا لَمْ يَحُجَّ الْأَجِيرُ فِي السَّنَةِ الْمُعِينَةِ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ قَالَ الْخُرَاسَانِيُّونَ يَثْبُتُ الْخِيَارُ وَمَنَعَهُ الْعِرَاقِيُّونَ وَقَدْ سَبَقَ تَوْجِيهُهُمَا
* (فَرْعٌ)
إذَا أَحْرَمَ الْأَجِيرُ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ ثُمَّ صَرَفَ الْإِحْرَامَ إلَى نَفْسِهِ ظَنَّا مِنْهُ أَنَّهُ يَنْصَرِفُ وَأَتَمَّ الْحَجَّ عَلَى هَذَا الظَّنِّ فَلَا يَنْصَرِفُ الْحَجُّ إلَى الْأَجِيرِ بَلْ يَبْقَى لِلْمُسْتَأْجِرِ بِلَا خِلَافٍ نَصَّ عَلَيْهِ (2) وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ الْإِحْرَامَ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ فَإِذَا انْعَقَدَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَى غَيْرِهِ وَفِي اسْتِحْقَاقِ الْأَجِيرِ الْأُجْرَةَ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ فِي الطَّرِيقَيْنِ
(أحدهما)
لا يستحق شيئا
__________
(1) كذا بالاصل
*
* (2) بياض بالاصل فحرر

(7/134)


لِإِعْرَاضِهِ عَنْهَا وَلِأَنَّهُ عَمِلَ لِنَفْسِهِ فِيمَا يَعْتَقِدُ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ فِي الطَّرِيقَيْنِ يَسْتَحِقُّ لِحُصُولِ غَرَضِ الْمُسْتَأْجِرِ وَكَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَبْنِيَ لَهُ حَائِطًا فَبَنَاهُ الْأَجِيرُ ظَانًّا أَنَّ الْحَائِطَ لَهُ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ بِلَا خِلَافٍ وَقَدْ سَبَقَ هَذَا وَسَبَقَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَجِيرِ فِي الْحَجِّ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْأَجِيرَ فِي الْبِنَاءِ لَمْ يَجُرْ وَلَا خَالَفَ وَفِي الْحَجِّ جَارٍ وَخَالَفَ فَإِنْ قُلْنَا يَسْتَحِقُّ الْأَجِيرُ فِي الْحَجِّ فَهَلْ يَسْتَحِقُّ الْمُسَمَّى أَمْ أُجْرَةَ الْمِثْلِ فيه وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ يَسْتَحِقُّ الْمُسَمَّى لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَفْسُدْ فَبَقِيَ الْمُسَمَّى
(وَالثَّانِي)
أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِأَنَّهُ عَيَّنَ الْعَقْدَ بِنِيَّتِهِ وَهَذَا ضَعِيفٌ نَقْلًا وَدَلِيلًا قَالَ إمَامُ
الْحَرَمَيْنِ وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْأُجْرَةِ بَنَاهُمَا الْأَئِمَّةُ عَلَى مَا إذَا دَفَعَ ثَوْبًا إلَى صَبَّاغٍ لِيَصْبِغَهُ بِأُجْرَةٍ فَجَحَدَ الثَّوْبَ وَأَصَرَّ عَلَى أَخْذِهِ لِنَفْسِهِ ثُمَّ صَبَغَهُ لِنَفْسِهِ ثُمَّ نَدِمَ وَرَدَّهُ عَلَى مَالِكِهِ هَلْ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ عَلَى مَالِكِ الثَّوْبِ فِيهِ قَوْلَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا مَاتَ الْحَاجُّ عَنْ نَفْسِهِ فِي أثنائه هل تجوز النيابة عَلَى حَجِّهِ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (الْأَصَحُّ) الْجَدِيدُ لَا يَجُوزُ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ (وَالْقَدِيمُ) يَجُوزُ لِدُخُولِ النِّيَابَةِ فِيهِ فَعَلَى الْجَدِيدِ يَبْطُلُ الْمَأْتِيُّ بِهِ إلَّا فِي الثَّوَابِ وَيَجِب الْإِحْجَاجُ عَنْهُ مِنْ تِرْكَتِهِ إنْ كَانَ قَدْ اسْتَقَرَّ الْحَجُّ فِي ذِمَّتِهِ وَإِنْ كَانَ تَطَوَّعَا أَوْ لَمْ يَسْتَطِعْ إلَّا هَذِهِ السَّنَةَ لَمْ يَجِبْ وَعَلَى الْقَدِيمِ قَدْ يَمُوتُ وَقَدْ بَقِيَ وَقْتُ الْإِحْرَامِ وَقَدْ يَمُوتُ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهِ فَإِنْ بَقِيَ أَحْرَمَ النَّائِبُ بِالْحَجِّ وَيَقِفُ بِعَرَفَةَ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمَيِّتُ وَقَفَ وَلَا يَقِفُ إنْ كَانَ وَقَفَ وَيَأْتِي بِبَاقِي الْأَعْمَالِ فَلَا بَأْسَ بِوُقُوعِ إحْرَامِ النَّائِبِ دَاخِلِ الْمِيقَاتِ لِأَنَّهُ يَبْنِي عَلَى إحْرَامٍ أُنْشِئَ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ وَقْتُ الْإِحْرَامِ فَبِمَ يُحْرِمُ بِهِ النَّائِبُ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَبِهِ قال أبو إسحق يُحْرِمُ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ يَطُوفُ وَيَسْعَى فَيُجْزِئَانِهِ عَنْ طَوَافِ الْحَجِّ وَسَعْيِهِ وَلَا يَبِيتُ وَلَا يَرْمِي لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ الْعُمْرَةِ وَلَكِنْ يُجْبَرَانِ بِالدَّمِ (وَأَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ تَفْرِيعًا عَلَى الْقَدِيمِ أَنَّهُ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ وَيَأْتِي بِبَقِيَّةِ الْأَعْمَالِ وَإِنَّمَا يَمْنَعُ إنْشَاءِ الْإِحْرَامِ بَعْدَ أَشْهُرِ الْحَجِّ إذَا ابْتَدَأَهُ وَهَذَا لَيْسَ مُبْتَدَأً بَلْ مَبْنِيٌّ عَلَى إحْرَامٍ قَدْ وَقَعَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَعَلَى هَذَا إذَا مَاتَ بَيْنَ التَّحَلُّلَيْنِ أَحْرَمَ إحْرَامًا لَا يُحَرِّمُ اللُّبْسَ وَالْقَلْمَ وَإِنَّمَا يُحَرِّمُ النِّسَاءَ كَمَا لَوْ بَقِيَ الْمَيِّتُ هَذَا كُلُّهُ إذًا مَاتَ قَبْلَ التَّحَلُّلَيْنِ فَإِنْ مَاتَ بَعْدَهُمَا لَمْ تَجُزْ النِّيَابَةُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ جَبْرُ الْبَاقِي بِالدَّمِ
* قَالَ الرَّافِعِيُّ وَأَوْهَمَ بَعْضُهُمْ إجْرَاءَ الْخِلَافِ وَهَذَا غَلَطٌ
* (فَرْعٌ)
إذَا مَاتَ الْأَجِيرُ فِي أَثْنَاءِ الْحَجِّ فَلَهُ أَحْوَالٌ (أَحَدُهَا) يَمُوتُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْأَرْكَانِ وَقَبْلَ فَرَاغِهَا فَهَلْ يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْأُجْرَةِ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ

(7/135)


(أَحَدُهُمَا)
لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ الْمَقْصُودُ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ مَنْ رَدَّ عَبْدِي فَلَهُ دِينَارٌ فَرَدَّهُ إلَى بَابِ الدَّارِ ثُمَّ هَرَبَ أَوْ مَاتَ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ يَسْتَحِقُّ بِقَدْرِ عَمَلِهِ لِأَنَّهُ عَمِلَ بَعْضَ مَا اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ فَوَجَبَ لَهُ قِسْطُهُ كَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِبِنَاءِ عَشْرَةِ أَذْرُعِ فَبَنَى بَعْضَهَا ثُمَّ مَاتَ
فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ بِقِسْطِهِ بِخِلَافِ الْجَعَالَةِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ عَقْدًا لَازِمًا إنَّمَا هِيَ الْتِزَامٌ بِشَرْطٍ فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ الشرط بكماله لا يلزمه شئ كَتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ نَصُّهُ فِي الْقَدِيمِ وَالثَّانِي الْأَصَحُّ هُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَالْإِمْلَاءِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ مَاتَ بَعْدِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ أَوْ قَبْلَهُ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ (وَقِيلَ) يَسْتَحِقُّ بَعْدَهُ قَطْعًا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ شاذ ضعيف فإذا قلنا يستحق فهل يسقط عَلَى الْأَعْمَالِ فَقَطْ أَمْ عَلَيْهَا وَعَلَى قَطْعِ الْمَسَافَةِ جَمِيعًا فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ وَقَدْ ذَكَرُهُمَا الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ وَسَبَقَ بَيَانُهُمَا قَرِيبًا (فَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَطَائِفَةٍ عَلَى الْأَعْمَالِ فَقَطْ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ عَلَى الْأَعْمَالِ وَالْمَسَافَةِ جَمِيعًا مِمَّنْ صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَفِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقٌ آخَرُ قَدَّمْنَاهُ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ إنْ قَالَ اسْتَأْجَرْتُكَ لِتَحُجَّ عَنِّي قُسِّطَ عَلَى الْعَمَلِ فَقَطْ وَإِنْ قَالَ لِتَحُجَّ مِنْ بَلَدِ كَذَا قُسِطَ عَلَيْهِمَا وَحَمْلُ الْقَوْلَيْنِ عَلَى هَذَيْنِ الْحَالَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* ثُمَّ هَلْ يَجُوزُ الْبِنَاءُ عَلَى فِعْلِ الْأَجِيرِ يُنْظَرُ إنْ كَانَتْ إجَارَةُ عَيْنٍ انْفَسَخَتْ وَلَا بِنَاءَ لِوَرَثَةِ الْأَجِيرِ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ وَهَلْ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَبْنِيَ فِيهِ الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ في الفرع قبله في جوزا الْبِنَاءِ وَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى الذِّمَّةِ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَجُوزُ الْبِنَاءُ فَلِوَرَثَةِ الْأَجِيرِ أَنْ يَسْتَأْجِرُوا مَنْ يَسْتَأْنِفُ الْحَجَّ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ فَإِنْ أمكنهم في تلك السنة لبقاء الوقت فذاك وَإِنْ تَأَخَّرَ إلَى السَّنَةِ الْقَابِلَةِ ثَبَتَ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ الْإِجَارَةِ كَمَا سَبَقَ (وَإِنْ جَوَّزْنَا) الْبِنَاءَ فَلِوَرَثَةِ الْأَجِيرِ أَنْ يَبْنُوا ثُمَّ الْقَوْلُ فِيمَا يُحْرِمُ بِهِ النَّائِبُ وَفِي حُكْمِ إحْرَامِهِ بَيْنَ التَّحَلُّلَيْنِ عَلَى مَا سَبَقَ فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يَمُوتَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي السَّفَرِ وَقَبْلَ الْإِحْرَامِ وَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْأُجْرَةِ بِنَاءُ عَلَى أَنَّ الْأُجْرَةَ لَا تُقَابِلُ قَطْعَ الْمَسَافَةِ بِسَبَبٍ إلَى الْحَجِّ وَلَيْسَ بِحَجٍّ فَلَمْ يَسْتَحِقَّ فِي مُقَابَلَتِهِ أُجْرَةً كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَخْبِزَ لَهُ فَأَحْضَرَ الْآلَةَ وَأَوْقَدَ النَّارَ وَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَخْبِزَ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا هَذَا تَعْلِيلُ الْمُصَنِّفِ وَعَلَّلَ غَيْرُهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ شَيْئًا

(7/136)


مِنْ الْمَقْصُودِ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سعيد الاصطخرى وأبى بكر الصرفى يَسْتَحِقُّ مِنْ الْأُجْرَةِ
بِقَدْرِ مَا قَطَعَ مِنْ المسافة وافيا بهذا نسبه العرامطة وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا ثَالِثًا عَنْ أَبِي الْفَضْلِ بْنِ عَبْدَانَ أَنَّهُ إنْ قَالَ اسْتَأْجَرْتُكَ لِتَحُجَّ مِنْ بَلَدِ كَذَا اسْتَحَقَّ بِقِسْطِهِ وَهَذَا نَحْوُ مَا سَبَقَ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ فِي الْحَالِ الْأَوَّلِ (الْحَالُ الثَّالِثُ) أَنْ يَمُوتَ بَعْدَ فَرَاغِ الْأَرْكَانِ وَقَبْلَ فَرَاغِ بَاقِي الْأَعْمَالِ فَيُنْظَرُ إنْ فات وقتها أو لم يفت ولكن لَمْ نُجَوِّزْ الْبِنَاءَ وَجَبَ جَبْرُ الْبَاقِي بِالدَّمِ مِنْ مَالِ الْأَجِيرِ وَهَلْ يَرُدُّ شَيْئًا مِنْ الْأُجْرَةِ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِيمَنْ أَحْرَمَ بَعْد مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ وَلَمْ يَعُدْ إلَيْهِ وَجَبْرُهُ بِالدَّمِ وَهُوَ طَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) وُجُوبُ الرَّدِّ وَإِنْ جَوَّزْنَا الْبِنَاءَ وَكَانَ وَقْتُهَا بَاقِيًا فَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ على العين انفسخت في الْأَعْمَالُ الْبَاقِيَةُ وَوَجَبَ رَدُّ قِسْطِهَا مِنْ الْأُجْرَةِ وَيَسْتَأْجِرُ الْمُسْتَأْجِرُ مَنْ يَرْمِي وَيَبِيتُ وَلَا دَمَ فِي تِرْكَةِ الْأَجِيرِ وَإِنْ كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ اسْتَأْجَرَ وَارِثُ الْأَجِيرِ مَنْ يَرْمِي وَيَبِيتُ وَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِحْرَامِ لِأَنَّهُمَا عَمَلَانِ يُفْعَلَانِ بَعْدَ التحللين ولا يلزم الدم ولا رد شئ مِنْ الْأُجْرَةِ ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ
* (فَرْعٌ)
إذَا أُحْصِرَ الْأَجِيرُ قَبْلَ إمْكَانِ الْأَرْكَانِ تَحَلَّلَ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ ولا على المستأجر كانه أحصر وتحلل فان كان حَجَّةَ تَطَوُّعٍ أَوْ كَانَتْ حَجَّةَ إسْلَامٍ وَقَدْ اسْتَقَرَّتْ قَبْلَ هَذِهِ السَّنَةِ بَقِيَ الِاسْتِقْرَارُ وَإِنْ كَانَ اسْتَطَاعَهَا هَذِهِ السَّنَةَ سَقَطَتْ الِاسْتِطَاعَةُ فَإِذَا تَحَلَّلَ الْأَجِيرُ فَعَمَّنْ يَقَعُ مَا أَتَى بِهِ فيه وجهان (أَصَحُّهُمَا) عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ كَمَا لَوْ مَاتَ إذْ لَا تَقْصِيرَ
(وَالثَّانِي)
عَنْ الْأَجِيرِ كَمَا لَوْ أَفْسَدَهُ فَعَلَى هَذَا دَمُ الْإِحْصَارِ عَلَى الْأَجِيرِ وعلي الاول هو على المستاجر في اسْتِحْقَاقِهِ شَيْئًا مِنْ الْأُجْرَةِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الْمَوْتِ وَإِنْ لَمْ يَتَحَلَّلْ وَدَامَ عَلَى الْإِحْرَامِ حَتَّى فَاتَهُ الْحَجُّ انْقَلَبَ الْإِحْرَامُ إلَيْهِ كَمَا فِي الْإِفْسَادِ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ حَيْثُ لَمْ يَتَحَلَّلْ بِأَعْمَالِ عُمْرَةٍ وَعَلَيْهِ دَمُ الْفَوَاتِ وَلَوْ حَصَلَ الْفَوَاتُ بِنَوْمٍ أَوْ تَأَخُّرٍ عَنْ الْقَافِلَةِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ غَيْرِ إحْصَارٍ انْقَلَبَ الْمَأْتِيُّ بِهِ إلَى الْأَجِيرِ أَيْضًا كَمَا فِي الْإِفْسَادِ وَلَا شئ لِلْأَجِيرِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقِيلَ فِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الْمَوْتِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هَلْ لَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ مَا عَمِلَهُ إلَى حِينِ انْقَلَبَ الْإِحْرَامُ إلَيْهِ فِيهِ قَوْلَانِ مَنْصُوصَانِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ اسْتَأْجَرَ الْمَعْضُوبُ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ فَأَحْرَمَ الْأَجِيرُ عَنْ نَفْسِهِ تَطَوُّعًا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا
إمام الحرمين
(أحدهما)
وهو قول الشيخ أبو مُحَمَّدٍ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ وكذا كل

(7/137)


مَنْ فِي ذِمَّتِهِ حَجَّةٌ مُرْسَلَةٌ بِإِجَارَةٍ فَإِذَا نَوَى التَّطَوُّعَ بِالْحَجِّ انْصَرَفَ إلَى مَا فِي ذِمَّتِهِ كَمَا لَوْ نَوَى التَّطَوُّعَ وَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ أَوْ النَّذْرِ أَوْ الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى مَا عَلَيْهِ دُونَ التَّطَوُّعِ بِلَا خِلَافٍ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ قَوْلُ سَائِرِ الْأَصْحَابِ يَقَعُ تَطَوُّعًا لِلْأَجِيرِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَمَا قَالَهُ شَيْخِي أَبُو مُحَمَّدٍ انْفَرَدَ بِهِ وَلَا يُسَاعِدُهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ لِأَنَّا إنَّمَا نُقَدِّمُ وَاجِبَ الْحَجِّ عَلَى نَفْلِهِ لِأَمْرٍ يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الْحَجِّ مَعَ بَقَاءِ الْأُمَّةِ عَلَى تَقْدِيمِ الْأَوْلَى فَالْأَوْلَى فِي مَرَاتِبِ الْحَجِّ (وَأَمَّا) الِاسْتِحْقَاقُ عَلَى الْأَجِيرِ فَلَيْسَ مِنْ خَاصَّةِ الْحَجِّ وَلَوْ أَلْزَمَ الْأَجِيرُ ذِمَّتَهُ بِالْإِجَارَةِ مَا لَا يَلْزَمُ مِثْلُهُ لَكَانَ حُكْمُ الْوُجُوبِ فِيهِ حُكْمَ الْوُجُوبِ فِي الْحَجِّ قَالَ وَاَلَّذِي يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّ الْحَجَّةَ قَدْ تَكُونُ تَطَوُّعًا مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ إذَا جَوَّزْنَا الِاسْتِئْجَارَ فِي حَجِّ التَّطَوُّعِ وهو الصح فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ ذَلِكَ اللُّزُومَ لَيْسَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْحَجِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أصحابنا لو استاجر رجلان يَحُجُّ عَنْهُمَا فَأَحْرَمَ عَنْهُمَا مَعًا أَنْعَقَدَ إحْرَامُهُ لِنَفْسِهِ تَطَوُّعًا وَلَا يَنْعَقِدُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْإِحْرَامَ لَا يَنْعَقِدُ عَنْ اثْنَيْنِ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ وَلَوْ أَحْرَمَ عَنْ أَحَدِهِمَا وَعَنْ نَفْسِهِ مَعًا انْعَقَدَ إحْرَامُهُ عَنْ نَفْسِهِ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ عَنْ اثْنَيْنِ لَا يَجُوزُ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ فَانْعَقَدَ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَتَابَعَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْأَصْحَابُ
* (فَرْعٌ)
إذَا اسْتَأْجَرَهُ اثْنَانِ لِيَحُجَّ عَنْهُمَا أَوْ أَمَرَاهُ بِلَا إجَارَةٍ فَأَحْرَمَ عَنْ أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ انْعَقَدَ إحْرَامُهُ عَنْ أَحَدِهِمَا وَكَانَ لَهُ صَرْفُهُ إلَى أَيِّهِمَا شاء قبل التلبس بشئ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَنَقَلَهُ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ مَذْهَبِنَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَقَعُ عَنْ نَفْسِهِ
* دَلِيلُنَا أَنَّ مَالِكًا يَعْتَقِدُ ابْتِدَاءَ ذَلِكَ الْإِحْرَامِ بِهِ مُطْلَقًا ثُمَّ يَصْرِفُهُ إلَى مَا يَشَاءُ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ صَرَفَهُ إلَى حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ
* وَاحْتَجَّ أَبُو يُوسُفَ بِأَنَّهُ أَحْرَمَ بِإِحْرَامٍ مُعَيَّنٍ فَإِذَا أَحْرَمَ مُطْلَقًا لَمْ يَأْتِ بِالْمَأْمُورِ فِيهِ (قُلْنَا) نَقِيضُ مَا أُسْنِدَ لِلنِّيَابَةِ هَذَا إذَا اسْتَأْجَرَاهُ لِيَحُجَّ بِنَفْسِهِ فَإِنْ عَقَدَا مَعًا فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ
فِي حَقِّهِمَا وَإِنْ عَقَدَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ فالاول صحيح والثانى باطل وإن عقدا الْعَقْدَيْنِ فِي الذِّمَّةِ صَحَّا فَإِنْ تَبَرَّعَ بِالْحَجِّ عَنْ أَحَدِهِمَا يَثْبُتُ لِلْآخَرِ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ الْعَقْدِ لِتَأْخِيرِ حَقِّهِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي فِي بَابِ الْإِجَارَةِ عَلَى الْحَجِّ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِزِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم لم يصح قَالَ وَأَمَّا الْجَعَالَةُ عَلَى زِيَارَةِ الْقَبْرِ فَإِنْ كَانَتْ عَلَى مُجَرَّدِ الْوُقُوفِ

(7/138)


عِنْدَ الْقَبْرِ وَمُشَاهَدَتِهِ لَمْ تَصِحَّ لِأَنَّهُ لَا تدخلة النيابة وان كانت على الادعاء عِنْدَ زِيَارَةِ قَبْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَحَّتْ لِأَنَّ الدُّعَاءَ تَدْخُلهُ النِّيَابَةُ وَلَا تَضُرُّ الجبالة بِنَفْسِ الدُّعَاءِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الِاسْتِئْجَارِ لِلْحَجِّ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا صِحَّةُ الْإِجَارَةِ لِلْحَجِّ بِشَرْطِهِ السَّابِقِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ لَا يَصِحُّ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَيْهِ بَلْ يُعْطِي رِزْقًا عَلَيْهِ قَالَ أبو حنيفة يعطيه نفقة الطريق فان فضل منها شئ رَدَّهُ وَيَكُونُ الْحَجُّ لِلْفَاعِلِ وَلِلْمُسْتَأْجِرِ ثَوَابُ نَفَقَتِهِ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهَا كالصلاة والصوم ولان الْحَجَّ يَقَعُ طَاعَةً فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَلَيْهِ
* دَلِيلُنَا أَنَّهُ عَمَلٌ تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ فَجَازَ أَخْذُ الْعِوَضِ عَلَيْهِ كَتَفْرِقَةِ الصَّدَقَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَعْمَالِ (فَإِنْ قِيلَ) لَا نُسَلِّمُ دُخُولَ النِّيَابَةِ بَلْ يَقَعُ الْحَجُّ عَنْ الْفَاعِلِ (قُلْنَا) هَذَا مُنَابِذٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ فِي إذْنِ النَّبِيِّ صلي الله وسلم في الحج عن العاجز وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ) (وَحُجَّ عَنْ أَبِيك) وَغَيْرُ ذَلِكَ (فَإِنْ قِيلَ) يُنْتَقَضُ بِشَاهِدِ الْفَرْعِ فَإِنَّهُ ثَابِتٌ عَنْ شَاهِدِ الْأَصْلِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى شَهَادَتِهِ (قُلْنَا) شَاهِدُ الْفَرْعِ لَيْسَ ثَابِتًا عَنْ شَاهِدِ الْأَصْلِ وَإِنَّمَا هُوَ شَاهِدٌ عَلَى شَهَادَتِهِ وَلَوْ كَانَ ثَابِتًا عَنْهُ لَجَازَ أَنْ يَشْهَدَ بِأَصْلِ الْحَقِّ لَا عَلَى شَهَادَتِهِ وَدَلِيلٌ آخر وهو أَنَّ الْحَجَّ يَجُوزُ أَخْذُ الرِّزْقِ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ فَجَازَ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ كَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ (فَإِنْ قِيلَ) يُنْتَقَضُ بِالْجِهَادِ (قُلْنَا) الْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا حَضَرَ الصَّفَّ تَعَيَّنَ الْجِهَادُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجَاهِدَ عَنْ غَيْرِهِ وَعَلَيْهِ فَرْضُهُ (وَأَمَّا) الرِّزْقُ فِي الْجِهَادِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ لِقَطْعِ الْمَسَافَةِ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ فَهُوَ أَنَّهُ لَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ بِخِلَافِ الْحَجِّ (وعن) قولهم الْحَجُّ يَقَعُ طَاعَةً فَيُنْتَقَضُ بِأَخْذِ الرِّزْقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيُفْرِدَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَقَرَنَ عَنْهُ وَقَعَ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ عَنْ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ وَقَدْ زَادَهُ خَيْرًا وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا أَمَرَهُ أَنْ يَحُجَّ عَنْ مَيِّتٍ أَوْ يَعْتَمِرَ فَقَرَنَ فَهُوَ ضَامِنٌ لِلْمَالِ الَّذِي أَخَذَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى وجهه
* دليلنا أنه أمره يحج وَعُمْرَةٍ فَأَتَى بِهِمَا وَزَادَهُ خَيْرًا بِتَقْدِيمِ الْعُمْرَةِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَا بَأْسَ أَنْ يَكْتَرِيَ الْمُسْلِمُ جُمَلًا مِنْ ذِمِّيٍّ لِلْحَجِّ عَلَيْهَا لَكِنَّ الذِّمِّيَّ لَا يَدْخُلُ الْحَرَمَ فَيُوَجِّهُ مَعَ جُمَلِهِ مُسْلِمًا يَقُودُهَا وَيَحْفَظُهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وإذا كان المسلم عند نَصْرَانِيٌّ خَلَفَهُ فِي الْحِلِّ وَلَا يَجُوزُ إدْخَالُهُ مَعَهُ الْحَرَمَ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا قَالَ الْمُوصِي أَحِجُّوا عَنِّي فُلَانًا فَمَاتَ فُلَانٌ وَجَبَ إحْجَاجُ غَيْرِهِ كَمَا

(7/139)


لَوْ قَالَ اعْتِقُوا عَنِّي رَقَبَةً فَاشْتَرَوْا رَقَبَةً لِيَعْتِقُوهَا فَمَاتَ قَبْلَ الْإِعْتَاقِ وَجَبَ شِرَاءُ أُخْرَى قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَدَلِيلُ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهِمَا تَحْصِيلُ الْعِبَادَةِ فَإِذَا مَاتَ مِنْ غير ايقاعها أقيم غيره مقامه *
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* (وَلَا يَجُوزُ الاحرام بالحج الا في أشهر الحج والدليل عليه قوله عز وجل (الحج أشهر معلومات فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فسوق ولا جدال في الحج) والمراد به وقت إحرام الحج لان الحج لا يحتاج الي أشهر فدل على أنه أراد به وقت الاحرام ولان الاحرام نسك من مناسك الحج فكان موقتا كالوقوف والطواف وأشهر الحج شَوَّالٌ وَذُو الْقِعْدَةِ وَعَشْرُ لَيَالٍ مِنْ ذِي الحجة وهو إلى أن يطلع الفجر من يوم النحر لما روى عن ابن مسعود وجابر وابن الزبير رضى الله عنهم انهم قالوا (أشهر الحج معلومات شَوَّالٌ وَذُو الْقِعْدَةِ وَعَشْرُ لَيَالٍ مِنْ ذِي الحجة) فان أحرم بالحج في غير أشهره انعقد احرامه بالعمرة لانها عبادة مؤقتة فإذا عقدها في غير وقتها انعقد غيرها من جنسها كَصَلَاةِ الظُّهْرِ إذَا أَحْرَمَ بِهَا قَبْلَ الزَّوَالِ فانه ينعقد احرامه بالنفل ولا يَصِحُّ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ أَكْثَرُ مِنْ حَجَّةٍ لان الوقت يستغرق أفعال الحجة الواحدة فلا يمكن اداء الحجة الاخرى)
*
(الشَّرْحُ) (قَوْلُهُ) لِأَنَّ الْوَقْتَ يَسْتَغْرِقُ أَفْعَالَ الْحَجَّةِ الْأَجْوَدُ أَنْ يُقَالَ لِأَنَّ الْحَجَّةَ تَسْتَغْرِقُ الْوَقْتَ ثُمَّ فِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِأَلْفَاظِهِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ) قَالَ الْمُفَسِّرُونَ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَعْنَاهُ مَنْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ وَأَلْزَمَهَا الْحَجَّ وَمَعْنَى الْفَرْضِ فِي اللُّغَةِ الْإِلْزَامُ وَالْإِيجَابُ (وَأَمَّا) الرَّفَثُ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْجُمْهُورُ الْمُرَادُ بِهِ الْجِمَاعُ وَقَالَ كَثِيرُونَ الْمُرَادُ بِهِ هُنَا التَّعَرُّضُ لِلنِّسَاءِ بِالْجِمَاعِ وَذِكْرُهُ بِحَضْرَتِهِنَّ فَأَمَّا ذِكْرُهُ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ النِّسَاءِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَآخَرِينَ (وَأَمَّا) الْفُسُوقُ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَالْجُمْهُورُ هُوَ الْمَعَاصِي كُلُّهَا (وَأَمَّا) الْجِدَالُ فَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ وَغَيْرُهُمْ الْمُرَادُ النَّهْيُ عَنْ جِدَالِ صَاحِبِهِ وَمُمَارَاتِهِ حَتَّى يُغْضِبَهُ وَسُمِّيَتْ الْمُخَاصَمَةُ مُجَادَلَةً لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَصْمَيْنِ يروم أن يقتل صَاحِبَهُ عَنْ رَأْيِهِ وَيَصْرِفَهُ عَنْهُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُمَا مَعْنَاهُ هُنَا وَلَا شَكَّ فِي الْحَجِّ أَنَّهُ فِي ذِي الْحِجَّةِ وَالْمُرَادُ إبْطَالُ مَا كَانَتْ الْجَاهِلِيَّةُ عَلَيْهِ مِنْ تَأْخِيرِهِ وفعلهم النساء وهو النسئ وَالتَّأْخِيرُ وَالْأَوَّلُ هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ تَفْسِيرَ ابْنَ عَبَّاسٍ الْآيَةَ فِي آخِرِ بَابِ الْإِحْرَامِ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ وَأَهْلُ الْمَعَانِي وَغَيْرُهُمْ ظَاهِرُ الْآيَةِ نَفْيٌ وَمَعْنَاهَا نَهْيٌ أَيْ لَا تَرْفُثُوا وَلَا تَفْسُقُوا وَلَا تُجَادِلُوا وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ السَّبْعَةُ فِي قِرَاءَةِ
*

(7/140)


هذه الآية فقرأ ابن كثير وأبو عمر (فلا رفث ولا فسوق) بالرفع والتنوين وقرأ باقى السبعة بالنصب فيهما بِلَا تَنْوِينٍ وَاتَّفَقُوا عَلَى نَصْبِ اللَّامَ مِنْ جدال (وأما) قوله تعالى (الحج أشهر) والمراد شهران وبعض الثالث فجار عَلَى الْمَعْرُوفِ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ فِي إطْلَاقِهِمْ لَفْظَ الْجَمْعِ عَلَى اثْنَيْنِ وَبَعْضِ الثَّالِثِ وَمِنْهُ قوله تعالى (يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) وَيَكْفِيهَا طُهْرَانِ وَبَعْضُ الطُّهْرِ الْأَوَّلِ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَقْتُ إحْرَامِ الْحَجِّ فَهَكَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَوَافَقَهُمْ بَعْضُ العلماء (وأما) النحويون واصحاب المعاني ومحققوا المفسرين فذكرو فِي الْآيَةِ قَوْلَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
تَقْدِيرُهَا أَشْهُرُ الْحَجِّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَحُذِفَ الْمُضَافُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَقَامَهُ (وَالثَّانِي) تَقْدِيرُهَا الْحَجُّ حَجُّ أَشْهُرٍ مَعْلُومَاتٍ أي لاحج إلَّا فِي هَذِهِ الْأَشْهُرِ فَلَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهَا خِلَافَ مَا كَانَتْ الْجَاهِلِيَّةُ تَفْعَلُهُ مِنْ حَجِّهِمْ فِي غَيْرِهَا فَعَلَى هَذَا يَكُونُ حَذْفُ الْمَصْدَرِ الْمُضَافِ لِلْأَشْهُرِ قَالَ الْوَاحِدِيُّ وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى
غَيْرِ إضْمَارٍ وَهُوَ أَنَّ الْأَشْهُرَ جعلت نفس الحج لكون الْحَجُّ فِيهَا كَقَوْلِهِمْ لَيْلٌ نَائِمٌ لِمَا كَانَ النَّوْمُ فِيهِ جُعِلَ نَائِمًا (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ نُسُكٌ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ وَكَانَ مُؤَقَّتًا كَالْوُقُوفِ وَالطَّوَافِ فَمَقْصُودُهُ بِهِ إلْزَامُ تَعْبِيرِ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ يَقُولُ إنَّهُ يَجُوزُ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ ولا يأتي بشئ مِنْ أَفْعَالِهِ قَبْلَ أَشْهُرِهِ وَوَافَقُونَا عَلَى أَنَّ الْوُقُوفَ وَالطَّوَافَ لَا يَكُونَانِ فِي كُلِّ السَّنَةِ بَلْ هُمَا مُؤَقَّتَانِ فَقَاسَ الْمُصَنِّفُ الْإِحْرَامَ عَلَيْهِمَا (وَأَمَّا) قَوْلُهُ أَشْهُرُهُ شَوَّالٌ وَذُو الْقِعْدَةِ أَوْ القعدة بفتح القاف على المشهور حكى كَسْرُهَا وَذُو الْحِجَّةِ بِكَسْرِ الْحَاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحُكِيَ فَتْحُهَا (وَأَمَّا) الْآثَارُ الْمَذْكُورَةُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ فَسَنَذْكُرُهَا فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لانها عبادة مؤقتة فقال القلمى اُحْتُرِزَ بِمُؤَقَّتَةٍ عَنْ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَهُوَ مَا إذا توضأ للطهر مثلا قبل الزوال فانه يصح وضوؤه للظهر وغيرها وَتَنْعَقِدُ طَهَارَتُهُ الَّتِي عَيَّنَهَا بِعَيْنِهَا قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ إذَا كَانَ مُتَطَهِّرًا فَتَوَضَّأَ أَوْ اغتسل بنية الحدث أو الجنابة الذين يوجدا في المستقبل فانه لا يصح له وما نواه ولا ينعقد وضوؤه تَجْدِيدًا وَلَا غُسْلُهُ مَسْنُونًا قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَحْتَرِزَ مِنْ التَّيَمُّمِ وَهُوَ إذَا تَيَمَّمَ لِلظُّهْرِ قَبْلَ الزَّوَالِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ فَرِيضَةً وَلَا نَافِلَةً

(7/141)


فَأَمَّا الْفَرِيضَةُ فَلِأَنَّهُ تَيَمَّمَ لَهَا قَبْلَ وَقْتِهَا (وَأَمَّا) النَّافِلَةُ فَلِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَبِيحُهَا بِالتَّيَمُّمِ تَبَعًا للفريضة فإذا لم يستبيح المتبوع لم يستبيح التَّابِعَ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ كَصَلَاةِ الظُّهْرِ إذَا أَحْرَمَ بِهَا قَبْلَ الزَّوَالِ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ بِالنَّفْلِ فَهَكَذَا قَاسَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَكَذَا نَقَلَهُ الْمُزَنِيّ في المختصر وهذا الذي قاله مِنْ انْعِقَادِ الظُّهْرِ نَفْلًا إذَا أَحْرَمَ بِهَا قَبْلَ الزَّوَالِ هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَجُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ إنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ وَسَبَقَ بَيَانُ الْمَسْأَلَةِ فِي أَوَّلِ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ إذَا ظَنَّ دُخُولَ الْوَقْتِ فَبَانَ خِلَافُهُ (فَأَمَّا) إذَا أَحْرَمَ بِهَا قَبْلَ الزَّوَالِ عَالِمًا بِأَنَّ الْوَقْتَ لَمْ يَدْخُلْ فَلَا تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهِ خِلَافٌ ضَعِيفٌ جِدًّا سَبَقَ هُنَاكَ (وَاعْلَمْ) أَنَّ قِيَاسَ الْمُصَنِّفِ وَالشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى مَنْ صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَرَادُوا بِهِ مَا إذَا كَانَ جَاهِلًا عَدَمَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَحِينَئِذٍ يُقَالُ لَيْسَتْ صُورَةُ الْحَجِّ مِثْلَهَا إلَّا أَنْ يُفْرَضَ فِيمَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ ظَانًّا جَوَازَ ذَلِكَ عَالِمًا بِأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ
الْحَجُّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَالِمِ وَالْجَاهِلِ فَيَنْبَنِي الْإِشْكَالُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) لَا يَنْعَقِدُ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ إلَّا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَأَشْهُرُهُ شَوَّالٌ وَذُو الْقِعْدَةِ وَعَشْرُ لَيَالٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ آخِرُهَا طُلُوعُ الْفَجْرِ لَيْلَةَ النَّحْرِ (فَأَمَّا) كَوْنُ أَوَّلِهَا أَوَّلَ شَوَّالٍ فَمُجْمَعٌ عَلَيْهِ (وَأَمَّا امْتِدَادُهَا إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ فَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَقَطَعَ بِهِ جمهور الاصحاب في الطريقين وحكي الخراسانيون وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْإِحْرَامُ لَيْلَةَ الْعَشْرِ بَلْ آخِرَ الشَّهْرِ آخِرَ يَوْمِ عَرَفَةَ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ أَشْهُرَ الْحَجِّ شَوَّالٌ وَذُو الْقِعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ بِكَمَالِهِ حَكَاهُ الْمَحَامِلِيُّ وَأَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ نَصِّهِ فِي الْإِمْلَاءِ وَنَقَلَهُ السَّرَخْسِيُّ عَنْ نَصِّهِ فِي الْقَدِيمِ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ فِي الْكِتَابِ مَعَ مَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّالِثَةُ) إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَمْ يَنْعَقِدْ حَجًّا بِلَا خِلَافٍ وَفِي انْعِقَادِهِ عُمْرَةً ثَلَاثُ طُرُقٍ (الصَّحِيحُ) أَنَّهُ يَنْعَقِدُ عُمْرَةً مُجْزِئَةٌ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ يَتَحَلَّلُ بِأَفْعَالِ عُمْرَةٍ وَلَا يُحْسَبُ عُمْرَةً كَمَنْ فَاتَهُ الحج قال المتولي وأخرجه السِّتَّةِ إنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْحَجُّ لِعَدَمِ الْوَقْتِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ يَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ بِهِمَا فَإِنْ صَرَفَهُ إلَى عُمْرَةٍ كَانَ عُمْرَةً صَحِيحَةً وَإِلَّا تَحَلَّلَ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ وَلَا يُحْسَبُ عُمْرَةً قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا خِلَافَ فِي انْعِقَادِ إحْرَامِهِ وَأَنَّهُ يَتَحَلَّلُ بِأَعْمَالِ عُمْرَةٍ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّهَا عُمْرَةٌ مُجْزِئَةٌ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ (أَمَّا) إذَا أَحْرَمَ بِنُسُكٍ مُطْلَقًا قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَيَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ عُمْرَةً عَلَى الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ

(7/142)


الاصحاب فِي كُلِّ الطُّرُقِ إلَّا الرَّافِعِيُّ فَحَكَى فِيهِ طَرِيقًا آخَرَ أَنَّهُ عَلَى وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا
(وَالثَّانِي)
هُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الحصرى يَنْعَقِدُ بِهِمَا فَإِذَا دَخَلَتْ أَشْهُرُ الْحَجِّ صَرَفَهُ إلَى مَا شَاءَ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ قِرَانٍ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْوَقْتَ لَا يَقْبَلُ إلَّا الْعُمْرَةَ فَتَعَيَّنَ إحْرَامُهُ لَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الرَّابِعَةُ) قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ لَا يَصِحُّ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ أَكْثَرُ مِنْ حَجَّةٍ لِأَنَّ الوقت يستغرق أفعال الحجة الواحدة لانه مادام في أفعال الحج لَا يَصْلُحُ إحْرَامُهُ لِحَجَّةٍ أُخْرَى وَلَا يَفْرُغُ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ إلَّا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَلَا يَصِحُّ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ فِيهَا وَلَوْ صَحَّ الْإِحْرَامُ فِيهَا عَلَى الْقَوْلِ السَّابِقِ عَنْ الْإِمْلَاءِ
وَالْقَدِيمِ لَمْ يُمْكِنَ حَجَّةٌ أُخْرَى لِتَعَذُّرِ الْوُقُوفِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ أَحْرَمَ بِحَجَّتَيْنِ أَوْ عُمْرَتَيْنِ انْعَقَدَتْ إحْدَاهُمَا وَلَا تَنْعَقِدُ الْأُخْرَى وَلَا تَثْبُتُ فِي ذِمَّتَهُ عِنْدِنَا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْمُضِيُّ فِيهِمَا فَلَمْ يَصِحَّ الدُّخُولُ فِيهِمَا قِيَاسًا عَلَى صَوْمِ النَّذْرِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي أَوَائِلِ بَابِ الْإِحْرَامِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهَا حَجَّةً أُخْرَى أَوْ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهَا عُمْرَةً أُخْرَى فَالثَّانِيَةُ لَغْوٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَإِنْ قِيلَ) قُلْتُمْ لَوْ أَحْرَمَ بِحَجَّتَيْنِ انْعَقَدَتْ إحْدَاهُمَا وَلَوْ أَحْرَمَ بِصَلَاتَيْنِ لَمْ تَنْعَقِدْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا فَمَا الْفَرْقُ (فَالْجَوَابُ) أَنَّ تَعْيِينَ النِّيَّةِ شَرْطٌ فِي الصَّلَاةِ بِخِلَافِ الْحَجِّ وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ يُحَافِظُ عَلَيْهِ مَا أَمْكَنَ وَلَا يُلْغَى وَلِهَذَا لَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ انْعَقَدَ عُمْرَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ لَوْ أَحْرَمَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ شَكَّ هَلْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ أَمْ بِعُمْرَةٍ فَهِيَ عُمْرَةٌ قَطْعًا وَإِنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ شَكَّ هَلْ كَانَ إحْرَامُهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَمْ قَبْلَهَا قَالَ الصَّيْمَرِيُّ كَانَ حَجًّا لِأَنَّهُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ هَذَا الزَّمَانِ وَعَلَى شَكٍّ مِنْ تَقَدُّمِهِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ أَشْهُرُ الْحَجِّ شَوَّالٌ وَذُو الْقِعْدَةِ وَتِسْعٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَهُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ فَمَنْ لَمْ يُدْرِكْ إلَى الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ هذا نصه بحروفه وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ الطَّاهِرِيُّ فَقَالَ قَوْلُهُ ان اراد به الليالى فهو خطأ لا اللَّيَالِيَ عَشْرٌ وَإِنْ أَرَادَ الْأَيَّامَ فَهُوَ خَطَأٌ فِي اللُّغَةِ فَإِنَّ الْأَيَّامَ مُذَكَّرَةٌ فَالصَّوَابُ تِسْعَةٌ وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ الْمُرَادَ الْأَيَّامُ والليالي وغلب لفظ الثأنيث عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فَإِنَّ الْعَرَبَ تُغَلِّبُ لَفْظَ التأنيث في اسم العدد يقولون ضمنا عشرا ويريدون الليالى والايام ويقولون ضمنا خَمْسًا وَيُرِيدُونَ الْأَيَّامَ وَمِنْ هَذَا قَوْلُ اللَّهِ تعالي (يتربصن بانفسهن اربعة اشهر وعشرا) والمراد الليالى وَالْأَيَّامِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى (يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لبثتن الا عشرا) ومنه قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ صَامَ وَأَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ) وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ

(7/143)


هَذَا كُلِّهِ وَاضِحًا فِي بَابِ صَوْمِ التَّطَوُّعِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ يَقُولُونَ صُمْنَا عَشْرًا وَلَوْ قُلْتَ صُمْتُ عَشَرَةً لَمْ تَكُنْ مُتَكَلِّمًا بِكَلَامِ الْعَرَبِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْأَصْحَابُ إنَّمَا أَفْرَدَ الشَّافِعِيُّ لَيْلَةَ النَّحْرِ بِالذِّكْرِ وَذَكَرهَا بَعْدَ التِّسْعِ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهَا قَالُوا وَيُحْتَمَلُ
أَنَّهُ أَفْرَدَهَا لِأَنَّهَا تَنْفَرِدُ عَنْ الْيَوْمِ الَّذِي بَعْدَهَا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَفْرَدَهَا لَتَعَلُّقِ الْفَوَاتِ بِهَا
* (فَرْعٌ)
فِي مذاهب العملاء فِي وَقْتِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ
* لَا يَنْعَقِدُ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ إلَّا فِي أَشْهُرِهِ عِنْدَنَا فَإِنْ أَحْرَمَ فِي غَيْرِهَا انْعَقَدَ عُمْرَةً وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَجَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَحْمَدَ
* وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ يَتَحَلَّلُ بِعُمْرَةٍ
* وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا يُحْرِمُ بِالْحَجِّ إلَّا فِي أَشْهُرِهِ
* وَقَالَ دَاوُد لَا يَنْعَقِدُ
* وَقَالَ النَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ يَجُوزُ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَكِنْ يُكْرَهُ قَالُوا فَأَمَّا الْأَعْمَالُ فَلَا تَجُوزُ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ بِلَا خِلَافٍ
* وَاحْتُجَّ لَهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مواقيت للناس والحج) فَأَخْبَرَ سُبْحَانُهُ وَتَعَالَى أَنَّ الْأَهِلَّةَ كُلَّهَا مَوَاقِيتُ للناس والحج ولانها عبادة لا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي إفْسَادِهَا فَلَمْ تختص بِوَقْتٍ كَالْعُمْرَةِ وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ يَصِحُّ فِي زَمَانٍ لَا يُمْكِنُ إيقَاعُ الْأَفْعَالِ فِيهِ وَهُوَ شَوَّالٌ فَعَلِمَ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ قَالُوا وَلِأَنَّ التَّوْقِيتَ ضَرْبَانِ تَوْقِيتُ مَكَان وَزَمَانٍ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَوْ تَقَدَّمَ إحْرَامُهُ عَلَى مِيقَاتِ الْمَكَانِ صَحَّ فَكَذَا الزَّمَانُ قَالُوا وَأَجْمَعَنَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ انْعَقَدَ لَكِنْ اخْتَلَفْنَا هَلْ يَنْعَقِدُ حَجًّا أَمْ عُمْرَةً فَلَوْ لَمْ يَنْعَقِدْ حَجًّا لَمَا انْعَقَدَ
* وَاحْتَجَّ اصحابنا بقوله تعالي (الحج اشهر معلومات) قَالُوا وَتَقْدِيرُهُ وَقْتُ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَفْعَالُ الْحَجِّ لِأَنَّ الْأَفْعَالَ لَا تَكُونُ فِي أَشْهُرٍ وَإِنَّمَا تَكُونُ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ (فان) قالوا قد قال الزجاج ان جُمْهُورُ أَهْلُ الْمَعَانِي وَالنَّحْوِيِّينَ مَعْنَى الْآيَةِ أَشْهُرُ الْحَجِّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ (قُلْنَا) قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ هَذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَائِدَةٌ وَفِي التَّقْدِيرِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فَائِدَةٌ فَالْحَمْلُ عَلَيْهِ أَوْلَى (فَإِنْ قِيلَ) تَقْدِيرُ وَقْتِ الْإِحْرَامِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَقْدِيمَهُ لَا يَصِحُّ كَالسَّعْيِ فَإِنَّهُ مُؤَقَّتٌ وَيَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَى وَقْتِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا لَا نُسَلِّمُ جَوَازَ تَقْدِيمِ السَّعْيِ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ تَأْخِيرُ السَّعْيِ عَلَى الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَيُكْرَهُ عِنْدَهُمْ فِي غَيْرِهَا (قُلْنَا) هَذَا خِلَافُ الظَّاهِرِ وَهُوَ مُنْتَقَضٌ بِيَوْمِ الْعِيدِ فَإِنَّهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَلَا يُسْتَحَبُّ الْإِحْرَامُ فِيهِ (فَإِنْ) قَالُوا نَحْنُ لَا نُجِيزُ الْحَجَّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ وَإِنَّمَا نُجِيزُ الْإِحْرَامَ بِهِ وَذَلِكَ لَيْسَ عِنْدَنَا مِنْ الْحَجِّ قَالَ أَصْحَابُنَا (فَالْجَوَابُ) أَنَّ الْإِحْرَامَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ مِنْ

(7/144)


الْحَجِّ إلَّا أَنَّ الْمُحْرِمَ يَدْخُلُ بِهِ فِي الْحَجِّ فَإِذَا أَحْرَمَ بِهِ قَبْلَ أَشْهُرِهِ دَخَلَ فِي الْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا أَيْضًا بِرِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ (سُئِلَ جَابِرٌ أَهِلُّ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ قَالَ لَا) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَا يُحْرَمُ بِالْحَجِّ إلَّا فِي أَشْهُرِهِ فَإِنَّ مِنْ سُنَّةِ الْحَجِّ أَنْ يُحْرَمَ بِالْحَجِّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مُؤَقَّتَةٌ فَكَانَ الْإِحْرَامُ بِهَا مُؤَقَّتًا كَالصَّلَاةِ وَلِأَنَّهُ آخِرُ (1) أَرْكَانِ الْحَجِّ فَلَا يَصِحُّ تَقْدِيمُهُ عَلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةِ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَمَّا احْتَجُّوا بِهِ مِنْ قَوْله تَعَالَى (يسألونك عن الاهلة) فَهُوَ أَنَّ الْأَشْهُرَ هُنَا مُجْمَلَةٌ فَوَجَبَ حَمْلَهَا عَلَى الْمُبَيَّنِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى (الْحَجُّ أَشْهُرٌ معلومات) وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْله تَعَالَى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لله) مَعَ قَوْلِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أنه محمول عَلَى دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ الْإِحْرَامُ مِنْهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ (وَالثَّانِي) إنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرْنَا فَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا صَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ وَإِذَا أَخْتَلَفَتْ الصَّحَابَةُ لَمْ يُعْمَلْ بِقَوْلِ بَعْضِهِمْ (وَأَمَّا) الْقِيَاسُ عَلَى الْعُمْرَةِ (فَجَوَابُهُ) أَنَّ أَفْعَالَهَا غَيْرُ مُؤَقَّتَةٍ فَكَذَا إحْرَامُهَا بِخِلَافِ الْحَجِّ (وَأَمَّا) قَوْلُهُمْ إنَّ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ يَصِحُّ فِي زَمَانٍ لَا يُمْكِنُ إيقَاعُ الأفعال فيه وهو شوال فعلم أنه لا يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ (فَجَوَابُهُ) مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ (وَالثَّانِي) يُنْتَقَضُ بِصَلَاةِ الظُّهْرِ فَإِنَّ الْإِحْرَامَ بِهَا يَجُوزُ عَقِيبَ الزَّوَالِ وَلَا يَجُوزُ حِينَئِذٍ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ وَهِيَ مُؤَقَّتَةٌ (وَأَمَّا) قَوْلُهُمْ التَّوْقِيتُ ضَرْبَانِ إلَى آخِرِهِ فَهُوَ أَنَّ مُقْتَضَى التَّوْقِيتِ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ خَالَفْنَا ذَلِكَ فِي الْمَكَانِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الزَّمَانُ (وَأَمَّا) قَوْلُهُمْ وَلِأَنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى صِحَّةِ إحْرَامِهِ (فَجَوَابُهُ) إنَّمَا صَحَّ إحْرَامُهُ عِنْدَنَا بِالْعُمْرَةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ صِحَّةُ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ وَنَظِيرُهُ إذَا أَحْرَمَ بِالظُّهْرِ قَبْلَ الزَّوَالِ غَلَطًا يَصِحُّ نَفْلًا لَا ظُهْرًا
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهَا شَوَّالٌ وَذُو الْقِعْدَةِ وَعَشْرُ لَيَالٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَالشَّعْبِيِّ وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَالنَّخَعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَدَاوُد وَقَالَ مَالِكٌ هِيَ شَوَّالٌ وَذُو الْقِعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ بِكَمَالِهِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَرَوَى عن ابن عمرو ابن عَبَّاسٍ رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وأصحاب داود شوال وذو القعدة وعشر أَيَّامٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَخَالَفَ أَصْحَابُ دَاوُد
__________
(1) كذا في الاصل ولعله من اركان

(7/145)


فِي هَذَا وَالْخِلَافُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وموافقيه في يوم النحر فهو عِنْدَهُ مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَلَيْسَ هُوَ عِنْدَنَا مِنْهَا وَقَدْ نَقَلَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ إجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ أَشْهُرِ الْحَجِّ شَوَّالٌ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي آخِرِهَا قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَآخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَهَذَا الْخِلَافُ الَّذِي بيننا وبين أبي حنيفة يُجَوِّزُ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ كَمَا حَكَيْنَاهُ عَنْهُمَا فِي الْفَرْعِ السَّابِقِ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا إيقَاعُ الْفِعْلِ إلَّا فِي أَوْقَاتِهَا مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَلَا فَرْقَ بَيْن أَنْ يُوَافِقُونَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ يُخَالِفُونَا وَقَالَ الْمُتَوَلِّي لَا فَائِدَةَ فِي هَذَا الْخِلَافِ إلَّا فِي شئ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّ عِنْدَ مَالِكٍ يُكْرَهُ الِاعْتِمَارُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَالْعُمْرَةُ عِنْدَهُ مَكْرُوهَةٌ فِي جَمِيعِ ذِي الْحِجَّةِ وَهَذَا الَّذِي اسْتَثْنَاهُ الْمُتَوَلِّي لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ لَا تُكْرَهُ عندنا في شئ مِنْ السَّنَةِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُوَافِقَنَا مَالِكٌ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ يُخَالِفَنَا وَهَكَذَا قول الْعَبْدَرِيُّ إنَّ فَائِدَةَ الْخِلَافِ عِنْدَ مَالِكٍ إذَا أَخَّرَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ عَنْ ذِي الْحِجَّةِ لَزِمَ دَمٌ وَهَذَا أَيْضًا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّ الدَّمَ لَا يَجِبُ عِنْدَنَا بِتَأْخِيرِ الطَّوَافِ وَلَوْ أَخَّرَهُ سِنِينَ
* وَاحْتُجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالُوا أَشْهُرُ الْحَجِّ شَهْرَانِ وَعَشْرُ لَيَالٍ قَالُوا وَإِذَا أُطْلِقَتْ اللَّيَالِي تَبِعَتْهَا الْأَيَّامُ فَيَكُونُ يَوْمُ النَّحْرِ مِنْهَا وَلِأَنَّ يَوْمَ النَّحْرِ يُفْعَلُ فِيهِ مُعْظَمُ الْمَنَاسِكِ فَكَانَ مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ كَيَوْمِ عَرَفَةَ
* وَاحْتَجَّ مَالِكٌ بِأَنَّ الْأَشْهُرَ جَمْعٌ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِرِوَايَةِ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ (أَشْهُرُ الْحَجِّ شَوَّالٌ وَذُو الْقِعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ) وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنٍ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ مِثْلُهُ رَوَاهَا كُلَّهَا الْبَيْهَقِيُّ وَصَحَّحَ الرِّوَايَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَرِوَايَةُ ابْنِ عُمَرَ صَحِيحَةٌ
* وَأَجَابَ أصحابنا عن قول الحنيفة إذَا أُطْلِقَتْ اللَّيَالِي تَبِعَتْهَا الْأَيَّامُ بِأَنَّ ذَلِكَ عند ارادة المتكلم ولا نسلم وجود الْإِرَادَةِ هُنَا بَلْ الظَّاهِرُ عَدَمُهَا فَنَحْنُ قَائِلُونَ بِمَا قَالَتْهُ الصَّحَابَةُ (وَالْجَوَابُ) عَنْ قَوْلِهِمْ إنَّ يَوْمَ النَّحْرِ يُفْعَلُ فِيهِ مُعْظَمُ الْمَنَاسِكُ فَيُنْتَقَضُ بايام التشريق (والجواب) عن قَوْلُ مَالِكٍ إنَّ الْعَرَبَ تُعَبِّرُ عَنْ اثْنَيْنِ وَبَعْضِ الثَّالِثِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) واجمعنا نحن ومالك علي أن القراء هِيَ الْأَطْهَارُ وَأَنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا فِي بَقِيَّةِ طُهْرٍ حُسِبَتْ تِلْكَ الْبَقِيَّةُ قُرْءًا
فَاتَّفَقْنَا عَلَى حمل الاقراء على قرئين وَبَعْضٍ وَاتَّفَقَتْ الْعَرَبُ وَأَهْلُ اللُّغَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِ مِثْلِهِ فِي التَّوَارِيخِ وَغَيْرِهَا يَقُولُونَ كَتَبْتُ لِثَلَاثٍ وَهُوَ فِي بَعْضِ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِيمَنْ أَهَلَّ بِحَجَّتَيْنِ
* قَدْ ذكرنا أن مذهبنا أنه ينعقد احداهما (1) ويلزمه
__________
(1) كذا في الاصل وفيه سقط ولعله وعند ابي حنيفة الخ فحرر

(7/146)


فعل الْأُخْرَى وَاَلَّذِي حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ أَنَّهُ يَصِيرُ نَاقِضًا لِإِحْدَاهُمَا حَتَّى يَتَوَجَّهُ إلَى مَكَّةَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ أَمَّا أَنَا فَأَرَاهُ نَاقِضًا لِإِحْدَاهُمَا حِينَ يُحْرِمُ بِهِمَا قَبْلَ أَنْ يَسِيرَ إلى مكة دَلِيلُنَا مَا سَبَقَ
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* (وأما العمرة فانها تجوز في أشهر الحج وغيرها لما روت عائشة رضي اله عَنْهَا (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اعتمر عمرتين في ذى القعدة وفى شوال) وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (عُمْرَةٌ فِي رمضان تعدل حجة) ولا يكره فعل عمرتين وأكثر في سنة لما ذكرناه من حديث عائشة رضى الله عنها)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَرَوَتْ أُمُّ مَعْقِلٍ الصَّحَابِيَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ وَفِي الْبَابِ بِغَيْرِ عُمْرَةٍ فِي رَمَضَانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ وَأَنَسِ بْنِ مالك وأبى هريرة ووهب بن حبيس قال ويقال هرم ابن حينس رضى الله عنهم قَالَ التِّرْمِذِيُّ قَالَ إِسْحَاقُ يَعْنِي ابْنُ رَاهْوَيْهِ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ مِثْلُ قِرَاءَةِ قُلْ هُوَ الله أحد تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ (وَأَمَّا) حَدِيثِ عَائِشَةَ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعتمر عمرتين فِي ذِي الْقِعْدَةِ وَفِي شَوَّالٍ) فَصَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ وَقَدْ ثَبَتَ فِعْلُ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ (مِنْهَا) حَدِيثُ أَنَسٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرَ كُلُّهُنَّ فِي ذِي القعدة الَّتِي مَعَ حَجَّتِهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ عُمَرَ إحْدَاهُنَّ فِي رَجَبَ فَبَلَغَ ذَلِكَ عَائِشَةَ فَقَالَتْ يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا اعْتَمَرَ عُمْرَةً قَطُّ
إلَّا وَهُوَ شَاهِدٌ وَمَا اعْتَمَرَ قَطُّ فِي رَجَبٍ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ الْبَرَاءِ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَمَرَ فِي ذِي الْقِعْدَةِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَفِي الْبَابِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ جَمِيعُ السَّنَةِ وَقْتٌ لِلْعُمْرَةِ فَيَجُوزُ الْإِحْرَامُ بِهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ السَّنَةِ وَلَا يُكْرَهُ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ وَسَوَاءٌ أَشْهُرُ الْحَجِّ وَغَيْرُهَا في جوزها فِيهَا مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَلَا يُكْرَهُ عُمْرَتَانِ وَثَلَاثٌ وَأَكْثَرُ فِي السَّنَةِ الْوَاحِدَةِ وَلَا فِي

(7/147)


الْيَوْمِ الْوَاحِدِ بَلْ يُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْهَا بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ الِاعْتِمَارُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَفِي رَمَضَانَ لِلْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَالْعُمْرَةُ فِي رَمَضَانَ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي بَاقِي السَّنَةِ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَقَدْ يَمْتَنِعُ الْإِحْرَامُ بِالْعُمْرَةِ فِي بَعْضِ السَّنَةِ لِعَارِضٍ لَا بِسَبَبِ الْوَقْتِ وَذَلِكَ كَالْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِحْرَامُ بِالْعُمْرَةِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي التَّحَلُّلِ مِنْ الْحَجِّ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا لَا يَصِحُّ إحْرَامُهُ بِهَا قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي التَّحَلُّلِ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي إحْرَامِ الْقَارِنِ قَالَ أصحابنا ولو تَحَلَّلَ مِنْ الْحَجِّ التَّحَلُّلَيْنِ وَأَقَامَ بِمِنَى لِلرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ فَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ لَمْ يَنْعَقِدْ إحْرَامُهُ بِلَا خِلَافٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ التَّشَاغُلِ بِهَا لِوُجُوبِ مُلَازَمَةِ إتْمَامِ الْحَجِّ بِالرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يلزمه بذلك شئ (فَأَمَّا) إذَا نَفَرَ النَّفْرَ الْأَوَّلَ وَهُوَ بَعْدَ الرَّمْيِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فِيمَا بَقِيَ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَعُمْرَتُهُ صَحِيحَةٌ بِلَا خِلَافٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي كِتَابِهِ الْفُرُوقِ وَآخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الصورتين أن المقيم بمعنى يَوْمَ النَّفْرِ وَإِنْ كَانَ خَالِيًا مِنْ عَلَائِقِ الْإِحْرَامِ بِالتَّحَلُّلَيْنِ إلَّا أَنَّهُ مُقِيمٌ عَلَى نُسُكٍ مُشْتَغِلٌ بِإِتْمَامِهِ وَهُوَ الرَّمْيُ وَالْمَبِيتُ وَهُمَا مِنْ تَمَامِ الْحَجِّ فَلَا تَنْعَقِدُ عُمْرَتُهُ مَا لَمْ يُكْمِلْ حَجَّهُ بِخِلَافِ مَنْ نَفَرَ فَإِنَّهُ فَرَغَ مِنْ الْحَجِّ وَصَارَ كَغَيْرِ الْحَاجِّ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَلَا يُتَصَوَّرُ حِينَ يُحْرِمُ بِالْعُمْرَةِ فِي وقت ولا تنعقد عمرته لا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَدْ يَرِدُ عَلَى هَذَا مَا إذَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فِي حَالِ جِمَاعِهِ الْمَرْأَةَ فَإِنَّهُ حَلَالٌ وَلَا يَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ عَلَى أَصَحِّ الْأَوْجُهِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي جِمَاعِ الْمُحْرِمِ
* وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ عَدَمَ انْعِقَادِ الْعُمْرَةِ هُنَا العدم أَهْلِيَّةِ الْمُحْرِمِ لَا لِعَارِضٍ فَهُوَ كَالْكَافِرِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ لَا يَصِحُّ
إحْرَامُهُ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْكَافِرَ وَنَحْوَهُ لَا يَرِدُ عَلَى قَوْلِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي وَقْتِ الْعُمْرَةِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا جَوَازُهَا فِي جَمِيعِ السَّنَةِ ولا تكره في شئ مِنْهَا وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تُكْرَهُ الْعُمْرَةُ (1) وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ حَتَّى يَثْبُتَ النَّهْيُ الشَّرْعِيُّ وَلَمْ يَثْبُتْ هَذَا الْخَبَرُ وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ الْقِرَانُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ بِلَا كَرَاهَةٍ فَلَا يُكْرَهُ إفْرَادُ الْعُمْرَةِ فِيهِ كَمَا فِي جَمِيعِ السَّنَةِ وَلِأَنَّ كُلَّ وَقْتٍ لَا يُكْرَهُ فِيهِ اسْتِدَامَةُ الْعُمْرَةِ لَا يُكْرَهُ فِيهِ إنْشَاؤُهَا كَبَاقِي السَّنَةِ (وَأَمَّا) قَوْلُ عَائِشَةَ (فَأَجَابَ) أَصْحَابُنَا عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ أَجْوَدُهَا أَنَّهُ بَاطِلٌ لَا يُعْرَفُ عَنْهَا وَلَمْ يَذْكُرْهُ عَنْهَا احد ممن يعتمد
*
__________
(1) كذا في الاصل وفيه سقط يعلم نصه مما بعده ما نص قول عائشة فليحرر

(7/148)


وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ قَوْلُ صَحَابِيٍّ لَمْ يُشْتَهَرْ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ عَلَى الصَّحِيحِ وَلَوْ صَحَّ وَاشْتُهِرَ لَكَانَ مَحْمُولًا عَلَى مَنْ كَانَ مُتَلَبِّسًا بِالْحَجِّ (وَأَمَّا) قَوْلُهُمْ إنَّهَا أَيَّامُ الْحَجِّ فَكُرِهَتْ فِيهَا الْعُمْرَةُ فَدَعْوَى بَاطِلَةٌ لَا شُبْهَةَ لَهَا
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي تَكْرَارِ الْعُمْرَةِ فِي السَّنَةِ
* مَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ ذَلِكَ بَلْ يُسْتَحَبُّ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ وَمِمَّنْ حَكَاهُ عَنْ الجمهور الماوردى والسرخى والعبد رى وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ وَعَائِشَةَ وعطاء وغيرهم رضى الله عنهم وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَابْنُ سِيرِينَ وَمَالِكٌ تُكْرَهُ الْعُمْرَةُ فِي السَّنَةِ أَكْثَرُ مِنْ مَرَّةٍ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تَشْتَمِلُ عَلَى الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ فَلَا تُفْعَلُ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً كَالْحَجِّ
* وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَخَلَائِقُ بِمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ (أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَحْرَمَتْ بِعُمْرَةٍ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَحَاضَتْ فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُحْرِمَ بِحَجٍّ فَفَعَلَتْ وَصَارَتْ قَارِنَةً وَوَقَفَتْ الْمَوَاقِفَ فَلَمَّا طَهُرَتْ طَافَتْ وَسَعَتْ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ حَلَلْتِ مِنْ حَجِّكِ وعمرتك فطلبت من النبي صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعْمِرَهَا عُمْرَةً أُخْرَى فَأَذِنَ لَهَا فَاعْتَمَرَتْ مِنْ التَّنْعِيمِ عُمْرَةً أُخْرَى) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مُطَوَّلًا وَنَقَلْته مُخْتَصَرًا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَكَانَتْ عُمْرَتُهَا فِي
ذِي الْحِجَّةِ ثُمَّ أَعْمَرَهَا الْعُمْرَةَ الْأُخْرَى فِي ذِي الْحِجَّةِ فَكَانَ لَهَا عُمْرَتَانِ فِي ذِي الْحِجَّةِ وَعَنْ عَائِشَةَ أَيْضًا (أَنَّهَا اعْتَمَرَتْ فِي سَنَةٍ مَرَّتَيْنِ أَيْ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَفِي رِوَايَةٍ ثَلَاثُ عُمَرَ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ اعْتَمَرَ أَعْوَامًا فِي عَهْدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ مَرَّتَيْنِ فِي كُلِّ عَامٍ ذَكَرَ هَذِهِ الْآثَارَ كُلَّهَا الشَّافِعِيُّ ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ بِأَسَانِيدِهِمَا (وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ لِأَنَّهَا لَمْ تَقُلْ اعْتَمَرَ فِي ذِي الْقِعْدَةِ وَشَوَّالٍ مِنْ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا أَيْضًا فِي الْمَسْأَلَةِ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْعُمْرَةُ إلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَبَقَ ذِكْرُهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحَجِّ وَلَكِنْ لَيْسَتْ دَلَالَتُهُ ظَاهِرَةٌ وَإِنْ كَانَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ قَدْ احْتَجُّوا بِهِ وَصَدَّرَ بِهِ الْبَيْهَقِيُّ الْبَابَ فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَجْهُ دَلَالَتِهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ كَوْنِ الْعُمْرَتَيْنِ فِي سَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ وَهَذَا تَعْلِيقٌ ضَعِيفٌ
* وَاحْتَجَّ أَيْضًا بِالْقِيَاسِ عَلَى الصَّلَاةِ فَقَالُوا عِبَادَةٌ غَيْرُ مُؤَقَّتَةٍ فَلَمْ

(7/149)


يُكْرَهْ تَكْرَارُهَا فِي السَّنَةِ كَالصَّلَاةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ مَنْ قَالَ لَا يَعْتَمِرُ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً مُخَالِفٌ لِسُنَّةِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي حَدِيثَ عَائِشَةَ السَّابِقَ (فَإِنْ قِيلَ) قَدْ ثَبَتَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا (اُرْفُضِي عُمْرَتَكِ وَامْتَشِطِي وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ) فَفَعَلَتْ ثُمَّ اعْتَمَرَتْ وَهَذَا ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ لَهَا إلَّا عُمْرَةً وَاحِدَةً (فَالْجَوَابُ) أَنَّهَا لَمْ تَرْفُضْهَا يَعْنِي الْخُرُوجَ مِنْهَا وَالْإِعْرَاضَ عَنْهَا لِأَنَّ الْعُمْرَةَ وَالْحَجَّ لَا يُخْرَجُ مِنْهُمَا بِنِيَّةِ الْخُرُوجِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنَّمَا رَفْضُهَا رَفْضَ أَعْمَالِهَا مُسْتَقِلَّةً لِأَنَّهَا أَحْرَمَتْ بَعْدَهَا بِالْحَجِّ فَصَارَتْ قَارِنَةً فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اُرْفُضِيهَا) أَيْ اُتْرُكِي أَعْمَالَهَا الْمُسْتَقِلَّةَ لِانْدِرَاجِهَا فِي أَفْعَالِ الْحَجِّ (وَأَمَّا) امْتِشَاطُهَا فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ
* قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ يَجُوزُ لَهُ عِنْدَنَا الِامْتِشَاطُ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِ مَالِكٍ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْحَجِّ فَهُوَ أَنَّ الْحَجَّ مُؤَقَّتٌ لَا يُتَصَوَّرُ تَكْرَارُهُ فِي السَّنَةِ وَالْعُمْرَةُ غَيْرُ مُؤَقَّتَةٍ فَتُصَوِّرَ تَكْرَارُهَا كَالصَّلَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* (ويجوز افراد الحج عن العمرة والتمتع بالعمرة إلى الحج والقران بينهما لما روت عَائِشَةَ قَالَتْ
(خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فمنا من اهل بالحج ومنا من اهل بالعمرة ومنا من أهل بالحج والعمرة) والافراد والتمتع افضل من القران وقال المزني القران افضل والدليل علي ما قلناه أن المفرد والمتمتع يأتي بكل واحد من النسكين بكمال أفعاله والقارن يقتصر على عمل الحج وحده فكان الافراد والتمتع أفضل وفى التمتع والافراد قولان
(أحدهما)
أن التمتع أَفْضَلُ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (تَمَتَّعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ)
(والثانى)
أن الافراد افضل لما روى جابر قَالَ (أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يحج ليس معه عمرة) ولان التمتع يتعلق به وجوب دم فكان الافراد أفضل منه كالقران (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فانه يحتمل انه أراد أمر بالتمتع كما روى أنه رجم ماعزا وأراد انه أمر برجمه والدليل عليه ان ابن عمر هو الراوى وقد رُوِيَ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افرد بالحج))
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ عَائِشَةَ وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ وَحَدِيثُ جَابِرٍ رَوَاهَا كُلَّهَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِلَفْظِهَا إلَّا حَدِيثَ جَابِرٍ فَلَفْظُهُمَا فِيهِ (أَهَلَّ النَّبِيُّ صَلَّى الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِالْحَجِّ) (وَأَمَّا)

(7/150)


قَوْلُهُ لَيْسَ مَعَهُ عُمْرَةٌ فَلَيْسَتْ فِي رِوَايَتِهِمَا وَرَوَاهَا الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَدْ أَتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابُ عَلَى جَوَازِ الْإِحْرَامِ عَلَى خَمْسَةِ أَنْوَاعٍ الْإِفْرَادُ وَالتَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ وَالْإِطْلَاقُ وَهُوَ أَنْ يُحْرِمَ بِنُسُكٍ مُطْلَقًا ثُمَّ يَصْرِفُهُ إلَى مَا شَاءَ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ كِلَيْهِمَا وَالتَّعْلِيقُ وَهُوَ أَنْ يُحْرِمَ بِإِحْرَامٍ كَإِحْرَامِ (1) فَهَذِهِ الْأَنْوَاعُ الْخَمْسَةُ جَائِزَةٌ بِلَا خِلَافٍ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا الثَّلَاثَةَ الْأَوْلَى (وَأَمَّا) النَّوْعَانِ الآخر فَذَكَرَهُمَا فِي بَابِ الْإِحْرَامِ وَسَنُوَضِّحُهُمَا هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) الْأَفْضَلُ مِنْ هَذِهِ الانواع الثلاثة الاولى ففيه طرق وأقول مُنْتَشِرَةٌ (الصَّحِيحُ) مِنْهَا الْإِفْرَادُ ثُمَّ التَّمَتُّعُ ثُمَّ الْقِرَانُ هَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي عَامَّةِ كُتُبِهِ وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِهِ (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) أَنَّ أَفْضَلَهَا التَّمَتُّعُ ثُمَّ الْإِفْرَادُ وَهَذَا الْقَوْلُ فِي الْكِتَابِ وَهَذَا الثَّانِي نَصَّهُ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ حَكَاهُ عَنْهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْأَصْحَابُ (وَالثَّالِثُ) أَفْضَلُهَا الْإِفْرَادُ ثُمَّ الْقِرَانُ ثُمَّ التَّمَتُّعُ حَكَاهُ صَاحِبُ الْفُرُوعِ وَالسَّرَخْسِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ قَالُوا نَصَّ عَلَيْهِ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَمِمَّنْ
اخْتَارَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُزَنِيّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَشَرْطُ تَقْدِيمِ الْإِفْرَادِ أَنْ يَحُجَّ ثُمَّ يَعْتَمِرَ فِي سَنَةٍ فَإِنْ أَخَّرَ الْعُمْرَةَ عَنْ سَنَةٍ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ أَفْضَلُ مِنْهُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْعُمْرَةَ عَنْ سَنَةِ الْحَجِّ مَكْرُوهٌ
* هَكَذَا قَالَهُ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ مِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي الْإِفْرَادُ أَفْضَلُ مِنْ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ سَوَاءٌ اعْتَمَرَ فِي سَنَتِهِ أَمْ فِي سَنَةٍ أُخْرَى وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْإِفْرَادِ وَالتَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا جَوَازُ الثَّلَاثَةِ وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وكافة الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ إلَّا مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا كَانَا يَنْهَيَانِ عَنْ التَّمَتُّعِ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَآخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَمِنْ غيرهم من العلماء في النهى عُمَرَ وَعُثْمَانَ تَأْوِيلَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُمَا نَهَيَا عَنْهُ تَنْزِيهًا وَحَمْلًا لِلنَّاسِ عَلَى مَا هُوَ الْأَفْضَلُ عِنْدَهُمَا وَهُوَ الْإِفْرَادُ لَا أَنَّهُمَا يَعْتَقِدَانِ بُطْلَانَ التَّمَتُّعِ (1) هَذَا مَعَ عِلْمِهِمَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ من الهدى)
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُمَا كَانَا يَنْهَيَانِ عَنْ التَّمَتُّعِ الَّذِي فَعَلَتْهُ الصَّحَابَةُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهُوَ فَسْخُ الحج الي العمرة لان
__________
(1) لعله كاحرام زيد مثلا (2) بياض بالاصل

(7/151)


ذَلِكَ كَانَ خَاصًّا لَهُمْ كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَاضِحًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا التَّأْوِيلُ ضَعِيفٌ وَإِنْ كَانَ مَشْهُورًا وَسِيَاقُ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ يَقْتَضِي خِلَافَهُ
* وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ مَنْ يَقْتَضِي كَلَامُهُ أَنَّ مَذْهَبَ عُمَرَ بُطْلَانُ التَّمَتُّعِ وهو ضعيف ولا ينبعى أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ عَلَيْهِ بَلْ الْمُخْتَارُ فِي مَذْهَبِهِ مَا قَدِمْتُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي الْأَفْضَلِ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِنَا
أَنَّ الْإِفْرَادَ أَفْضَلُ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ وَجَابِرٌ وَعَائِشَةُ وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَقَالَ أبو حنيفة وسفيان الثوري واسحق بن راهويه والمزني وابن المنذر وابو اسحق الْمَرْوَزِيُّ الْقِرَانُ أَفْضَلُ وَقَالَ أَحْمَدُ التَّمَتُّعُ أَفْضَلُ
* وَحَكَى أَبُو يُوسُفَ أَنَّ التَّمَتُّعَ وَالْقِرَانَ أَفْضَلُ مِنْ الْإِفْرَادِ
* وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْأَنْوَاعَ الثَّلَاثَةَ سَوَاءٌ فِي الْفَضِيلَةِ لَا أَفْضَلِيَّةَ لِبَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ يُفْهَمُ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمِمَّا سَأَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمُزَنِيّ فِي الْمُخْتَصَرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ في اختلاف الحديث ليس شئ مِنْ الِاخْتِلَافِ أَيْسَرَ مِنْ هَذَا وَإِنْ كَانَ الْغَلَطُ فِيهِ قَبِيحًا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مُبَاحٌ لِأَنَّ الْكِتَابَ ثُمَّ السُّنَّةَ ثُمَّ مَا لَا علم فيه خلافا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّمَتُّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ وَإِفْرَادُ الْحَجِّ وَالْقِرَانِ وَاسِعٌ كُلُّهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خَرَجَ يَنْتَظِرُ الْقَضَاءَ فَنَزَلَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَهُوَ فِيمَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً وَقَالَ لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً) قَالَ الشَّافِعِيُّ (فَإِنْ) قَالَ قَائِلٌ فَمِنْ أَيْنَ أَثْبَتَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ وَجَابِرٍ وَابْنِ عُمَرَ يَعْنِي رِوَايَتَهُمْ لِلْإِفْرَادِ دُونَ حَدِيثِ مَنْ قَالَ قَرَنَ (قِيلَ) لِتَقَدُّمِ صُحْبَةِ جَابِرٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحُسْنِ سِيَاقِهِ لِابْتِدَاءِ الْحَدِيثِ وَآخِرِهِ لِرِوَايَةِ عَائِشَةَ وَفَضْلِ حِفْظِهَا عَنْهُ وَقُرْبِ ابْنِ عُمَرَ مِنْهُ هَذَا نَصُّهُ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ يَعْنِي قَوْلَ الشَّافِعِيِّ ليس شئ مِنْ الْخِلَافِ أَيْسَرَ مِنْ هَذَا لِأَنَّهُ مُبَاحٌ لَيْسَ فِيهِ تَغْيِيرُ حُكْمٍ لِأَنَّ الْإِفْرَادَ وَالتَّمَتُّعَ كُلَّهَا جَائِزَةٌ قَالَ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَإِنْ كَانَ الْغَلَطُ فِيهِ قَبِيحًا يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ أَرَادَ الْإِنْكَارَ عَلَى الرُّوَاةِ حَيْثُ لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى نَقْلِهَا وَهِيَ حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ أَرَادَ الْإِنْكَارَ عَلَى مَنْ لَا مَعْرِفَةَ لَهُ بالاحاديث

(7/152)


وَتَرْتِيبِ مُخْتَلَفِهَا وَالْجَمْعِ بَيْنَهَا وَأَنَّهَا غَيْرُ مُتَضَادَّةٍ بَلْ يُجْمَعُ بَيْنَهَا
* هَذَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِنَّمَا اسْتَيْسَرَ الْخِلَافُ فِيهِ لِأَنَّ الْأَنْوَاعَ الثَّلَاثَةَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا فِي الْقُرْآنِ وَكُلُّهَا مَنْقُولَةٌ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَحِيحَةٌ عَنْهُ وَكُلُّهَا جَائِزَةٌ بِالْإِجْمَاعِ (أَمَّا) الْإِفْرَادُ فَبَيِّنٌ فِي قَوْله تَعَالَى (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البيت من استطاع إليه سبيلا) (وَأَمَّا) التَّمَتُّعُ فَفِي قَوْله تَعَالَى (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) (وَأَمَّا) الْقِرَانُ فَفِي قَوْله تَعَالَى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ والعمرة لله) هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي
حُسَيْنٍ وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهَذِهِ الْأَخِيرَةِ لِلْقِرَانِ نَظَرٌ وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِهَا أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ لِمَذْهَبِهِمْ فِي تَرْجِيحِ الْقِرَانِ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ أَصْحَابُنَا وَقَالُوا لَا دَلَالَة فِي الْآيَةِ لِلْقِرَانِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْآيَةِ أَكْثَرُ مِنْ جَمْعِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فِي الذِّكْرِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ جَمْعُهُمَا فِي الْفِعْلِ نَظِيرُهُ قَوْله تعالي (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ فِي شَرْحِ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ هَذَا وَقَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الْغَلَطُ فِيهِ قَبِيحًا يَعْنِي اخْتِلَافَهُمْ فِيهَا قَبِيحٌ قَالَ ثُمَّ عَذَرَهُمْ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ ثَبَتَ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْإِفْرَادَ وَالتَّمَتُّعَ وَالْقِرَانَ كُلَّهَا جَائِزَةٌ لَمْ يَهْتَمُّوا بِمَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَيْثُ يَعْلَمُونَهُ عِلْمًا قَطْعِيًّا وَيَتَّفِقُونَ عَلَيْهِ بَلْ اقْتَصَرَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى مَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ كَمَا رواه وتسمعه مِنْهُ مَعَ أُمُورٍ فَوْقَ ظَنِّهِ فِي رِوَايَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
أَذْكُرُ فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى جُمْلَةً مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي الْإِفْرَادِ وَالتَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ (فَأَمَّا) جَوَازُهَا كُلُّهَا فَفِيهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَجِّ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ (مِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ مُفْرِدًا وَمِنَّا مَنْ قَرَنَ وَمِنَّا مَنْ تَمَتَّعَ) (وَأَمَّا) تَرْجِيحُ الْإِفْرَادِ فَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ (فَأَمَّا) حَدِيثُ عَائِشَةَ فَقَدْ سَبَقَ الْآنَ فِي قَوْلِهَا (وَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَجِّ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْرَدَ الْحَجَّ) وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ أَيْضًا عَنْهَا (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أَهَلَّ بِالْحَجِّ مُفْرِدًا) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ قالت (خرجنا مع رسول الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَذْكُرُ لَنَا الْحَجَّ فَلَمَّا جِئْنَا سَرِفَ طَمَثْت وَذَكَرَتْ تَمَامَ الْحَدِيثِ إلَى قَوْلِهَا ثُمَّ رَجَعُوا مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ يَعْنِي إلَى مِنًى) (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَعَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَبِّي بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ جَمِيعًا قَالَ بَكْرٌ فَحَدَّثْتُ

(7/153)


بِذَلِكَ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ لَبَّى بِالْحَجِّ وَحْدَهُ فَلَقِيتُ أَنَسًا فَحَدَّثْتُهُ بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ فَقَالَ أَنَسٌ مَا تَعُدُّونَنَا إلَّا صِبْيَانًا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ (أَنَّ رَجُلًا
أَتَى ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ (بِمَ أَهَلَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بِالْحَجِّ ثُمَّ أَتَاهُ مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَسَأَلَهُ فَقَالَ أَلَمْ تَأْتِنِي عَامَ أَوَّلٍ قَالَ بَلَى وَلَكِنَّ أَنَسًا يَزْعُمُ أَنَّهُ قَرَنَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ إنَّ أَنَسًا كَانَ يدخل علي النساء وهن منكشفات الرؤوس وَإِنِّي كُنْتُ تَحْتَ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكُنْتُ أَسْمَعُهُ يُلَبِّي بِالْحَجِّ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (أَهْلَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالحج مُنْفَرِدًا) (وَأَمَّا) حَدِيثُ جَابِرٍ فَعَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ (أَهَلَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِالْحَجِّ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ قَالَ (أَهْلَلْنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَجِّ خَالِصًا وَحْدَهُ فَقَدِمْنَا صُبْحَ رَابِعَةٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ فَأَمَرَنَا أَنْ نَحِلَّ (وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ قَالَ) خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنَاسِكِ الْحَجِّ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ إلَى أَنْ قَالَ حَتَّى إذَا كَانَ آخِرُ طَوَافٍ عَلَى الْمَرْوَةِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقْ الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَتَحَلَّلْ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً) (قَوْلُهُ) آخِرُ طَوَافٍ عَلَى الْمَرْوَةِ يَعْنِي السَّعْيَ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَفِيهِ قَالَ (أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَجِّ فَقَدِمَ لِأَرْبَعٍ مَضَيْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَصَلَّى الصُّبْحَ وَقَالَ لَمَّا صَلَّى الصُّبْحَ مَنْ شَاءَ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً فَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ ثُمَّ دعى بِنَاقَتِهِ فَأَشْعَرَهَا فِي صَفْحَةِ سَنَامِهَا الْأَيْمَنِ وَسَلَتَ الدَّمَ وَقَلَّدَهَا نَعْلَيْنِ ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ فَلَمَّا اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ بِالْحَجِّ) وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِابْنِهِ (يَا بُنَيَّ أَفْرِدْ الْحَجَّ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ (وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أنه بِإِفْرَادِ الْحَجِّ
* (وَأَمَّا) تَرْجِيحُ التَّمَتُّعِ فَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (تَمَتَّعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ إلَى الحج وأهدى فساق معه الهدى من دى الْحُلَيْفَةِ وَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَكَانَ مِنْ النَّاسِ مَنْ أَهْدَى فَسَاقَ الْهَدْيَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُهْدِ فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ قَالَ لِلنَّاسِ مَنْ كَانَ منكم أهدى فانه لا يحل من شئ حتى يقضي حجته وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلْيُقَصِّرْ وَلْيُحْلِلْ ثُمَّ لِيُهِلَّ بِالْحَجِّ وَلْيُهْدِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ وَطَافَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

(7/154)


وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ فَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ أَوَّلَ شئ ثُمَّ خَبَّ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ مِنْ السَّبْعِ وَمَشَى أَرْبَعَةَ أَطْوَافٍ ثُمَّ رَكَعَ حِينَ قَضَى طَوَافَهُ بِالْبَيْتِ عِنْدَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ فَانْصَرَفَ فَأَتَى الصَّفَا فَطَافَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعَةَ أَطْوَافٍ ثم لم يحلل من شئ حرم منه حتى قضا حَجَّهُ وَنَحَرَ هَدْيَهُ يَوْمَ النَّحْرِ وَأَفَاضَ فَطَافَ بالبيت ثم حل من كل شئ حَرُمَ مِنْهُ وَفَعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَهْدَى وَسَاقَ الْهَدْيَ مِنْ النَّاسِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* وَعَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ (تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ وَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَهُ قَالَ الزُّهْرِيُّ مِثْلُ الَّذِي أَخْبَرَنِي سَالِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَدْ رَوَيْنَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ فِيمَا سَبَقَ فِي إفْرَادِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يُخَالِفُ هَذَا قَالَ وَكَوْنُهُ قَالَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَمْ يَتَحَلَّلْ مِنْ إحْرَامِهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ حَجِّهِ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا
* وَعَنْ غُنَيْمِ بْنِ قَيْسٍ بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ (سَأَلْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ الْمُتْعَةِ فَقَالَ فَعَلْنَاهَا وَهَذَا يَوْمئِذٍ كَافِرٌ بِالْعُرُشِ يَعْنِي بُيُوتَ مَكَّةَ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَقَوْلُهُ) الْعُرُشُ هُوَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ وَهِيَ بُيُوتُ مَكَّةَ (وَقَوْلُهُ) وَهَذَا كَافِرٌ يَعْنِي مُعَاوِيَةَ وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِ مُسْلِمٍ (فَعَلْنَاهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا يَوْمئِذٍ كَافِرٌ بِالْعُرُشِ يَعْنِي مُعَاوِيَةَ) وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّهُ (سَمِعَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ وَالضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ عَامَ حَجِّ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَهُمَا يَذْكُرَانِ التَّمَتُّعَ وَالْعُمْرَةَ إلَى الْحَجِّ فَقَالَ الضَّحَّاكُ لَا يَصْنَعُ مِثْلَ هَذَا إلَّا مَنْ جَهِلَ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ سَعْدٌ بِئْسَ مَا قلت يا بن أَخِي قَالَ الضَّحَّاكُ فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ نَهَى عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ سَعْدٌ قَدْ صَنَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَنَعْنَاهَا مَعَهُ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَآخَرُونَ أَيْضًا وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ (بَعَثَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى قَوْمِي بِالْيَمَنِ فَجِئْتُ وَهُوَ مُنِيخٌ بِالْبَطْحَاءِ فَقَالَ بِمَ أهللت قلت أَهْلَلْتُ كَإِهْلَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ هَلْ مَعَكَ مِنْ هَدْيٍ قُلْتُ لَا فَأَمَرَنِي فَطُفْتُ بِالْبَيْتِ وَالصَّفَّا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ أَمَرَنِي فَأَحْلَلْت فَأَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ قَوْمِي فَمَشَطَتْنِي أَوْ غَسَلَتْ رَأْسِي) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ عَنْ التَّمَتُّعِ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ هِيَ حَلَالٌ قَالَ الشَّامِيُّ إنَّ أَبَاكَ قَدْ نَهَى عَنْهَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ أَبِي نَهَى
عَنْهَا وَصَنَعَهَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَقَدْ صَنَعَهَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَلِهَذَا لَمْ يَقَعْ فِي بَعْضِ نُسَخِ التِّرْمِذِيِّ قَوْلُهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ (تَمَتَّعَ النَّبِيُّ صَلَّى

(7/155)


الله عليه وسلم تمتعنا مَعَهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِمَعْنَاهُ قَالَ (مُتِّعْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَزَلَ الْقُرْآنُ قَالَ رجل برايه ما شاء) وعن أبى حمزة بِالْجِيمِ قَالَ (تَمَتَّعْتُ فَنَهَانِي نَاسٌ عَنْ ذَلِكَ فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَأَمَرَنِي بِهَا فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ رَجُلًا يَقُولُ لِي حَجٌّ مَبْرُورٌ وَعُمْرَةٌ مُتَقَبَّلَةٌ فَأَخْبَرْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ سُنَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَأَمَّا) الْقِرَانُ فَجَاءَتْ فِيهِ أَحَادِيثُ (مِنْهَا) حَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ (اخْتَلَفَ عَلِيٌّ وعثمان وهما بعسفان فكان عثمان ينهى عَنْ الْمُتْعَةِ أَوْ الْعُمْرَةِ فَقَالَ عَلِيٌّ مَا تُرِيدُ إلَّا أَنْ تَنْهَى عَنْ أَمْرٍ فَعَلَهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عُثْمَانُ دَعْنَا مِنْكَ فَقَالَ إنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَدَعَكَ فَلَمَّا رَأَى عَلِيٌّ ذَلِكَ أَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعًا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَمِنْهَا) حَدِيثُ أَنَسٍ فَعَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَبِّي بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ جَمِيعًا قَالَ بَكْرٌ فَحَدَّثْتُ بِذَلِكَ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ لَبَّى بِالْحَجِّ وَحْدَهُ فَلَقِيتُ أَنَسًا فَحَدَّثْتُهُ بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ فَقَالَ أَنَسٌ مَا تَعُدُّونَنَا إلَّا صِبْيَانًا سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا) وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عن سليمان بن حارث وَهُوَ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ قَالَ (سَمِعَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ أَبُو قِلَابَةَ مِنْ أَنَسٍ وَأَبُو قِلَابَةَ فَقِيهٌ) قال وقد روى حمية ويحيى بن ابى اسحق عَنْ أَنَسٍ قَالَ (سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَبِّي بِعُمْرَةٍ وَحَجٍّ قَالَ سُلَيْمَانُ وَلَمْ يَحْفَظَا إنَّمَا الصَّحِيحُ مَا قَالَ أَبُو قِلَابَةَ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْرَدَ الْحَجَّ وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ) فَأَمَّا سَمْعُ أَنَسٍ فَعَنْ أُولَئِكَ الَّذِينَ جَمَعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فَالِاشْتِبَاهُ وَقَعَ لِأَنَسٍ لَا لِمَنْ دُونَهُ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُ رَجُلًا كَيْفَ صُورَةُ الْقِرَانِ لَا أَنَّهُ قَرَنَ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهَلَّ بِهِمَا لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بين حجة وَعُمْرَةٍ ثُمَّ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ حَتَّى مَاتَ وَلَمْ يَنْزِلْ فِيهِ قُرْآنٌ يُحَرِّمُهُ)
رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ بِوَادِي الْعَقِيقِ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبِّي فَقَالَ صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ وَقَالَ عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ هَكَذَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَقَالَ عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ وَفِي بَعْضِهَا وَقُلْ عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَيَكُونُ ذَلِكَ إذْنًا فِي إدْخَالِ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ فِي نفسه وعن العتبي بْنِ مَعْبَدٍ قَالَ (كُنْتُ رَجُلًا نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمْتُ فاهلكت بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَلَمَّا أَتَيْتُ الْعُذَيْبَ لَقِيَنِي سَلْمَانُ بْنُ رَبِيعَةَ وَزَيْدُ بْنُ صُوحَانَ وَأَنَا أُهِلُّ بِهِمَا جَمِيعًا فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ مَا هَذَا بِأَفْقَهَ مِنْ بَعِيرِهِ قَالَ فَكَأَنَّمَا أَلْقَى عَلَيَّ جَبَلٌ حَتَّى أَتَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقُلْتُ لَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنِّي كُنْتُ رَجُلًا أَعْرَابِيًّا نَصْرَانِيًّا وَإِنِّي أَسْلَمْتُ وَأَنَا حَرِيصٌ عَلَى الْجِهَادِ وَإِنِّي وَجَدْتُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ مَكْتُوبَيْنِ عَلَيَّ فَأَتَيْتُ رَجُلًا مِنْ قَوْمِي فَقَالَ لِي اجْمَعْهُمَا وَاذْبَحْ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ وَإِنِّي أَهْلَلْتُ بِهِمَا جَمِيعًا فَقَالَ عُمَرُ هُدِيتَ لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ صلى الله عليه وسلم) واه أبو داود والنسائي

(7/156)


باسناد صحيح قال الدارقطني فِي كِتَابِ الْعِلَلِ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَمُقْتَضَى هَذَا جَوَازُ الْقِرَانِ لَا تَفْضِيلُهُ وَقَدْ أَمَرَ عُمَرُ بِالْإِفْرَادِ (قُلْتُ) وَهَذَا أَوَدُّ مَا قُلْتُهُ مِنْهُ فِي تَأْوِيلِ نَهْيِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنْ التَّمَتُّعِ وَأَنَّهُ إنَّمَا نَهَى عَنْهُ لِتَفْضِيلِهِ أَمْرَ الْإِفْرَادِ لَا لِبُطْلَانِ التَّمَتُّعِ وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ (إنَّمَا جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِجَامِعٍ بَعْدَهَا) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَعَنْ حَفْصَةَ قَالَتْ (قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا وَلَمْ تَحِلَّ مِنْ عُمْرَتِكَ قَالَ إنِّي قَلَّدْتُ هَدْيِي وَلَبَّدْتُ رَأْسِي فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَحِلَّ مِنْ الْحَجِّ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ قَوْلُهَا مِنْ عُمْرَتِكَ أَيْ مِنْ إحْرَامِكَ قَالَ إنِّي قَلَّدْتُ هَدْيِي وَلَبَّدْتُ رَأْسِي فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ أَيْ حَتَّى يَحِلَّ الْحَاجُّ لِأَنَّ الْقَضَاءَ نَزَلَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ جَعَلَ إحْرَامَهُ حَجًّا (وَاعْلَمْ) أَنَّ الْبَيْهَقِيَّ ذَكَرَ بَابًا فِي جَوَازِ الْإِفْرَادِ وَالتَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ ثُمَّ بَابًا فِي تَفْضِيلِ الْإِفْرَادِ ثُمَّ بَابَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْقِرَانَ أَفْضَلُ وَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُتَمَتِّعًا وَذَكَرَ فِي كُلٍّ نَحْوَ ما ذكرته من الاحاديث ثُمَّ قَالَ بَابُ كَرَاهَةِ مَنْ كَرِهَ التَّمَتُّعَ وَالْقِرَانَ وَبَيَانِ أَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ جَائِزٌ وَإِنْ كُنَّا اخْتَرْنَا الْإِفْرَادَ فَذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتى عمر ابن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَشَهِدَ عِنْدَهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي قُضِيَ فِيهِ يَنْهَى عَنْ الْعُمْرَةِ قَبْلَ الْحَجِّ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي سَمَاعِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مِنْ عُمَرَ لَكِنَّهُ لَمْ يُرْوَ هُنَا عَنْ عُمَرَ بَلْ عَنْ صَحَابِيٍّ غَيْرِ مُسْمًى وَالصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ عُدُولٌ.
وَعَنْ مُعَاوِيَةَ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُقْرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ حَدِيثَ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ) تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَزَلَ فِيهِ الْقُرْآنُ فَلْيَقُلْ رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ أَبِي مُوسَى السَّابِقُ فِي الْقِرَانِ وَأَنَّ أَبَا مُوسَى قَالَ قُلْتُ أُفْتِي النَّاسَ بِاَلَّذِي أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ التَّمَتُّعِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَمَنِ أَبِي بَكْرٍ وَصَدْرِ خِلَافَةِ عُمَرَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِيهِ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَنْهَى عَنْهَا وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ أَبَا مُوسَى سَأَلَ عُمَرَ عَنْ نَهْيِهِ فَقَالَ عُمَرُ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ فَعَلَهُ وَأَصْحَابُهُ وَلَكِنْ كَرِهْتُ أَنْ يَظَلُّوا مُعْرِسِينَ بِهِنَّ فِي الْأَرَاكِ ثُمَّ يَرُوحُونَ فِي الحج تقطر رؤسهم) رَوَاهُ مُسْلِمٌ إلَّا قَوْلَهُ وَأَصْحَابُهُ) وَلَكِنْ كَرِهْتُ أَنْ يَظَلُّوا مُعْرِسِينَ بِهِنَّ تَحْتَ الْأَرَاكِ ثُمَّ يروحون) (والاعراس) كناية عن وطئ السنام وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ (أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ فِي تَمَتُّعِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج وتمتع الناس معه بمثل الذى أخرني سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال الزهري فقلت لسالم فلم ينه عَنْ التَّمَتُّعِ وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَعَلَهُ النَّاسُ مَعَهُ قَالَ سَالِمٌ أَخْبَرَنِي ابْنُ عُمَرَ أَنَّ الْأَتَمَّ للعمرة ان تفردوها من أشهر الحج (الحج
__________
(1) كذا بالاصل ولعله هذا يؤيد أو نحوه فليراجع

(7/157)


أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ) شَوَّالٌ وَذُو الْقِعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ فَأَخْلِصُوا فِيهِنَّ الْحَجَّ وَاعْتَمِرُوا فِيمَا سِوَاهُنَّ مِنْ الشُّهُورِ قَالَ وَإِنْ أَعْمَرَ بِذَلِكَ لَزِمَهُ إتْمَامُ الْعُمْرَةِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ) وَذَلِكَ أَنَّ الْعُمْرَةَ إنَّمَا يُتَمَتَّعُ بِهَا إلَى الْحَجِّ وَالتَّمَتُّعُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْهَدْيِ أَوْ الصِّيَامِ إذَا لَمْ يَجِدْ هَدْيًا وَالْعُمْرَةُ فِي غير اشهر الحج تتم لا هَدْيٍ وَلَا صِيَامٍ فَأَرَادَ عُمَرُ بِتَرْكِ التَّمَتُّعِ اتمام الْعُمْرَةِ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِإِتْمَامِهَا وَأَرَادَ أَيْضًا أَنْ تُكَرَّرَ زِيَارَةُ الْكَعْبَةِ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّتَيْنِ فَكَرِهَ التَّمَتُّعَ لِئَلَّا يَقْتَصِرُوا عَلَى زِيَارَةِ مَرَّةٍ فَتَرَدَّدَ الْأَئِمَّةُ فِي التَّمَتُّعِ حَتَّى ظَنَّ النَّاسُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ يَرَوْنَ ذَلِكَ حَرَامًا قَالَ وَلَعَمْرِي لَمْ يَرَ الْأَئِمَّةُ ذَلِكَ حَرَامًا وَلَكِنَّهُمْ اتَّبَعُوا مَا أَمَرَ بِهِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
إحْسَانًا لِلْخَيْرِ وَبِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ سَالِمٍ قَالَ (سُئِلَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ فَأَمَرَ بِهَا فَقِيلَ إنَّك تُخَالِفُ أَبَاكَ فَقَالَ إنَّ أَبِي لَمْ يَقُلْ الَّذِي يَقُولُونَ إنَّمَا قَالَ أَفْرِدُوا الْحَجَّ مِنْ الْعُمْرَةِ أَيْ إنَّ الْعُمْرَةَ لَا تَتِمُّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَجَعَلْتُمُوهَا أَنْتُمْ حَرَامًا وَعَاقَبْتُمْ النَّاسَ عَلَيْهَا وَقَدْ أَحَلَّهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَعَمِلَ بِهَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَإِذَا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ قَالَ فَكِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمْ عُمَرُ) وَعَنْ سَالِمٍ قَالَ (كَانَ ابن عمر يفنى بِاَلَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الرُّخْصَةِ فِي التَّمَتُّعِ وَبَيَّنَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ نَاسٌ لِابْنِ عُمَرَ كَيْفَ أَبَاكَ وَقَدْ نَهَى عَنْ ذَلِكَ فَيَقُولُ لَهُمْ ابْنُ عُمَرَ أَلَا تَتَّقُونَ اللَّهَ أَرَأَيْتُمْ إنْ كان عمر نهي عن ذَلِكَ يَبْغِي فِيهِ الْخَيْرَ وَيَلْتَمِسُ فِيهِ تَمَامَ الْعُمْرَةِ فَلِمَ كَرِهْتُمُوهَا وَقَدْ أَحَلَّهَا اللَّهُ تَعَالَى وَعَمِلَ بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَقُّ أَنْ تَتَّبِعُوا أَمْ عُمَرُ إنَّ عمر لم يقل ذلك لان الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ حَرَامٌ وَلَكِنَّهُ قَالَ ان اتمام العمرة أن تفردوها مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ) ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ (قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَهَيْتَ عَنْ الْمُتْعَةِ قَالَ لَا وَلَكِنِّي أَرَدْتُ كَثْرَةَ زِيَارَةِ الْبَيْتِ فَقَالَ عَلِيٌّ مَنْ أَفْرَدَ الْحَجَّ فَحَسَنٌ وَمَنْ تَمَتَّعَ فَقَدْ أَخَذَ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم) وعن أَبِي نُصْرَةَ قَالَ (قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ إنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَنْهَى عَنْ الْمُتْعَةِ وَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ يَأْمُرُ بِهَا فَقَالَ جَابِرٌ عَلَى يَدَيَّ دَارَ الْحَدِيثُ تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا قَامَ عُمَرُ قَالَ إنَّ اللَّهَ كَانَ يُحِلُّ لِرَسُولِهِ صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ بِمَا شَاءَ وَإِنَّ الْقُرْآنَ قَدْ نَزَلَ مَنَازِلَهُ فَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لله كما أمركم الله وابتوا نِكَاحَ هَذِهِ النِّسَاءِ فَلَنْ أُوتَى بِرَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةً إلَى أَجَلٍ إلَّا رَجَمْتُهُ بِالْحِجَارَةِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ (فَإِنَّهُ أَتَمُّ بِحَجِّكُمْ وَأَتَمُّ بِعُمْرَتِكُمْ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَفِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ عُمَرَ نَهَى عَنْ الْمُتْعَةِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي سَبَقَ بَيَانُهُ فِي الْحَدِيثِ قَبْلَهُ
* وعن عبد الله ابن شَقِيقٍ (كَانَ عُثْمَانُ يَنْهَى عَنْ الْمُتْعَةِ وَكَانَ عَلِيٌّ يَأْمُرُ بِهَا فَقَالَ عُثْمَانُ لِعَلِيٍّ كَلِمَةً ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ لَقَدْ عَلِمْتَ

(7/158)


أَنَّا قَدْ تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال أجل ولكنا كُنَّا خَائِفِينَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَرَادَ بِكُنَّا خَائِفِينَ عُمْرَةَ الْقَضَاءِ وَكَانَتْ سَنَةَ سَبْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ قَبْلَ الْفَتْحِ وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ (كَانَتْ الْمُتْعَةُ فِي الْحَجِّ لِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً) رَوَاهُ مُسْلِمٌ
* قَالَ الْبَيْهَقِيُّ انما أراد فسخهم الحج إلى العمرة وهو أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ
أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ يَجْعَلُوهُ عُمْرَةً لِيُنْقَضَ بِذَلِكَ عَادَتُهُمْ فِي تَحْرِيمِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَهَذَا لَا يَجُوزُ الْيَوْمَ وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ مَا دَلَّ عَلَى ذلك
* وعن محمد بن اسحق عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ سُلَيْمَانَ ابن الْأَسْوَدِ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كان يقول وفي حج ثم فسخها بعمرة ولم يكبر ذَلِكَ إلَّا الرَّكْبُ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ صَاحِبَ الْمَغَازِي هَذَا مُدَلِّسٌ وَقَدْ قَالَ (عَنْ) وَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُدَلِّسَ إذَا قَالَ (عَنْ) لَا يُحْتَجُّ بِرِوَايَتِهِ
* وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ لَيْسَ فِيهَا عُمْرَةٌ)
* قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَكَرَاهَةُ مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ أَظُنُّهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ (أُحِبُّ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (1) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فَثَبَتَ بِالسُّنَّةِ الثَّابِتَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَوَازُ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَالْإِفْرَادِ وَثَبَتَ بِمُضِيِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجٍّ مُفْرَدٍ ثُمَّ بِاخْتِلَافِ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ فِي كَرَاهَةِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ دُونَ الْإِفْرَادِ كَوْنُ إفْرَادِ الْحَجِّ عن العمرة أفضل والله أعلم
* (فَرْعٌ)
فِي طَرِيقِ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي تَقْتَضِيهِ طُرُقُهَا
* قَدْ سَبَقَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ مِنْ الصَّحَابَةِ مَنْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مُفْرِدًا (وَمِنْهُمْ) مَنْ رَوَى أَنَّهُ كَانَ قَارِنًا (وَمِنْهُمْ) مَنْ رَوَى أَنَّهُ كَانَ مُتَمَتِّعًا وَكُلُّهُ فِي الصَّحِيحِ وَهِيَ قِصَّةٌ وَاحِدَةٌ فَيَجِبُ تَأْوِيلُ جَمِيعِهَا بِبَعْضِهَا وَالْجَمْعُ بَيْنَهَا وَصَنَّفَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ كِتَابًا فِيهَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ اخْتَارَ الْقِرَانَ وَتَأَوَّلَ بَاقِي الْأَحَادِيثِ وَتَأْوِيلُ بَعْضِهَا لَيْسَ بِظَاهِرٍ فِيمَا قَالَهُ (وَالصَّوَابُ) الَّذِي نَعْتَقِدُهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْرَمَ أَوَّلًا بِالْحَجِّ مُفْرِدًا ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ فَصَارَ قَارِنًا وَإِدْخَالُ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ جَائِزٌ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَنَا وعلي الاصح لا يجوز لنا وحاز لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ السَّنَةَ لِلْحَاجَةِ وَأَمَرَ بِهِ فِي قَوْلِهِ (لَبَّيْكَ عُمْرَةً فِي حَجَّةٍ) كَمَا سَبَقَ
* فَإِذَا عَرَفْتَ مَا قُلْنَاهُ سَهُلَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ (فَمَنْ) رَوَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُفْرِدًا وهم الاكثرون كما سبق أراد أنه اعمر اول الاحرام (ومن)
__________
(1) كذا بالاصل فحرر

(7/159)


رَوَى أَنَّهُ كَانَ قَارِنًا أَرَادَ أَنَّهُ اعْتَمَرَ آخره وما بعد احراه (وَمَنْ) رَوَى أَنَّهُ كَانَ مُتَمَتِّعًا أَرَادَ التَّمَتُّعَ اللُّغَوِيَّ وَهُوَ الِانْتِفَاعُ وَالِالْتِذَاذُ وَقَدْ انْتَفَعَ بِأَنْ كَفَاهُ عَنْ النُّسُكَيْنِ فِعْلٌ وَاحِدٌ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى إفْرَادِ كُلِّ وَاحِدٍ بِعَمَلٍ وَيُؤَيِّدُ هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعْتَمِرْ تِلْكَ السَّنَةِ عُمْرَةً مُفْرَدَةً لَا قَبْلَ الْحَجِّ وَلَا بَعْدَهُ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْقِرَانَ أَفْضَلُ مِنْ إفْرَادِ الْحَجِّ مِنْ غَيْرِ عُمْرَةٍ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ جُعِلَتْ حَجَّتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُفْرَدَةً لَزِمَ مِنْهُ أَنْ لَا يَكُونَ اعْتَمَرَ تِلْكَ السَّنَةَ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ الْحَجَّ وَحْدَهُ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَانِ وَعَلَى هَذَا الْجَمْعِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ يَنْتَظِمُ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا فِي حَجَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفْسِهِ (وَأَمَّا) الصَّحَابَةُ فَكَانُوا ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ (قِسْمٌ) أَحْرَمُوا بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ أَوْ بِحَجٍّ وَمَعَهُمْ هَدْيٌ فَبَقُوا عَلَيْهِ حَتَّى تَحَلَّلُوا مِنْهُ يَوْمَ النَّحْرِ (وَقِسْمٌ) بِعُمْرَةٍ فَبَقُوا فِي عُمْرَتِهِمْ حَتَّى تَحَلَّلُوا قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ ثُمَّ أَحْرَمُوا بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ (وَقِسْمٌ) بِحَجٍّ وَلَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فِيهَا وَلَا أَمَرَهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقْلِبُوا حَجَّهُمْ عُمْرَةً وَهُوَ مَعْنَى فَسْخِ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ وَعَلَى هَذَا تَنْتَظِمُ الرِّوَايَاتُ فِي إحْرَامِ الصَّحَابَةِ (فَمَنْ) رَوَى أَنَّهُمْ كَانُوا قَارِنِينَ أَوْ مُتَمَتِّعِينَ أَوْ مُفْرِدِينَ أَرَادَ بعضهم وهم الطائفة الذين علم ذلك مِنْهُمْ وَظَنَّ أَنَّ الْبَاقِينَ مِثْلُهُمْ فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ مِنْ الْجَمْعِ وَالتَّأْوِيلِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَحَاصِلُهُ تَرْجِيحُ الْإِفْرَادِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَارَهُ أَوَّلًا وَإِنَّمَا أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ لِتِلْكَ الْمُصْلِحَةِ السَّابِقَةِ وَهِيَ بَيَانُ جَوَازِ الِاعْتِمَارِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَكَانَتْ الْعَرَبُ تَعْتَقِدُ أَنَّ ذلك من أفجر الفجور فاراد بَيَانَهُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ الَّتِي جَمَعَتْ مِنْ الْخَلْقِ مَا لَمْ يَجْتَمِعْ قَبْلَهَا مِثْلُهَا لِيَظْهَرَ فِيهِمْ ذَلِكَ وَيَشْتَهِرَ جَوَازُهُ وَصِحَّتُهُ عِنْدَ جَمْعِهِمْ وَإِنْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ اعْتَمَرَ قَبْلَ ذَلِكَ مَرَّاتٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ إلَّا أَنَّهَا لَمْ تَشْتَهِرْ اشْتِهَارَ هَذِهِ (1) فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَلَا قَرِيبًا مِنْهَا وَكُلُّ هَذَا لَا يُخْرِجُ الْإِفْرَادَ عَنْ كَوْنِهِ الْأَفْضَلَ وَتَأَوَّلَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا الْأَحَادِيثَ الَّتِي جَاءَتْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُتَمَتِّعًا أَوْ قَارِنًا أَنَّهُ أَمَرَ بِذَلِكَ كَمَا قَالُوا رَجَمَ ما عزا أي امر برجمه وهذا ضعيف برده صَرِيحُ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ بَلْ الصَّوَابُ مَا قَدَّمْتُهُ قَرِيبًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْإِمَامُ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ طَعَنَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْجُهَّالِ وَكَفَرَةٌ مِنْ الْمُلْحِدِينَ فِي الْأَحَادِيثِ وَالرُّوَاةِ حَيْثُ اخْتَلَفُوا فِي حَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ كَانَ مُفْرِدًا أَوْ مُتَمَتِّعًا أَوْ قارنا وهى
__________
(1) بياض بالاصل ولعلها العمرة

(7/160)


حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ مُخْتَلِفَةُ الْأَفْعَالِ وَلَوْ يُسِّرُوا لِلتَّوْفِيقِ واغتنوا يحسن الْمَعْرِفَةِ لَمْ يُنْكِرُوا ذَلِكَ وَلَمْ يَدْفَعُوهُ قَالَ وَقَدْ أَنْعَمَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِبَيَانِ هَذَا فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ وَجَوَّدَ الْكَلَامَ فِيهِ وَفِي اقْتِصَاصِ كُلِّ مَا قَالَهُ تَطْوِيلٌ وَلَكِنَّ الْوَجِيزَ الْمُخْتَصَرَ مِنْ جَوَامِعِ مَا قَالَ أَنَّ مَعْلُومًا فِي لُغَةِ الْعَرَبِ جَوَازُ إضَافَةِ الْفِعْلِ إلَى الْآمِرِ بِهِ لِجَوَازِ إضَافَتِهِ إلَى الْفَاعِلِ كَقَوْلِكَ بَنَى فُلَانٌ دَارًا إذَا أَمَرَ بِبِنَائِهَا وَضَرَبَ الْأَمِيرُ فُلَانًا إذَا أَمَرَ بِضَرْبِهِ وَرَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاعِزًا وَقَطَعَ سَارِقَ رِدَاءَ صَفْوَانَ وَإِنَّمَا أَمَرَ بِذَلِكَ
* وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ فِي الْكَلَامِ وَكَانَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ الْقَارِنُ وَالْمُفْرِدُ وَالْمُتَمَتِّعُ وَكُلٌّ مِنْهُمْ يَأْخُذُ عَنْهُ أَمْرَ نُسُكِهِ وَيَصْدُرُ عَنْ تَعْلِيمِهِ فَجَازَ أَنْ تُضَافَ كُلُّهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ أَمَرَ بِهَا وَأَذِنَ فِيهَا قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ بَعْضَهُمْ سَمِعَهُ يَقُولُ لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ فَحَكَى أَنَّهُ أَفْرَدَ وَخَفِيَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ وَعُمْرَةٍ فَلَمْ يَحْكِ إلَّا مَا سَمِعَ وَسَمِعَ أَنَسٌ وَغَيْرُهُ الزِّيَادَةَ وَهِيَ لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ وَلَا يُنْكَرُ قَبُولُ الزِّيَادَةِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ التناقض لَوْ كَانَ الزَّائِدُ نَافِيًا لِقَوْلِ صَاحِبِهِ فَأَمَّا إذَا كَانَ مُثْبِتًا لَهُ وَزَائِدًا عَلَيْهِ فَلَيْسَ فِيهِ تَنَاقُضٌ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي سَمِعَهُ يَقُولُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ عَلَى وَجْهِ التَّعْلِيمِ فَيَقُولُ لَهُ لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ عَلَى سَبِيلِ التَّلْقِينِ
* فَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ الْمُخْتَلِفَةُ فِي الظَّاهِرِ لَيْسَ فِيهَا تَكَاذُبٌ وَالْجَمْعُ بَيْنَهَا سَهْلٌ كَمَا ذَكَرْنَا وَقَدْ رَوَى جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْرَمَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ إحْرَامًا مَوْقُوفًا وَخَرَجَ يَنْتَظِرُ الْقَضَاءَ فَنَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ وَهُوَ عَلَى الصَّفَا فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ أَنْ يَجْعَلَهُ عُمْرَةً وَأَمَرَ مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ أَنْ يَحُجَّ هَذَا كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ الْكَلَامَ عَلَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مِنْ عُلَمَاءَ وَغَيْرِهِمْ فَمِنْ مُجِيدٍ مُنْصِفٍ وَمِنْ مُقَصِّرٍ مُتَكَلِّفِ وَمِنْ دَخِيلٍ مُكْرَهٍ وَمِنْ مُقْتَصِرٍ مُخْتَصِرٍ وَأَوْسَعُهُمْ نَفَسًا فِي ذَلِكَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ الْحَنَفِيُّ وَإِنْ كَانَ تَكَلَّفَ فِي ذَلِكَ فِي زِيَادَةٍ عَلَى أَلْفِ وَرَقَةٍ وَتَكَلَّمَ مَعَهُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ ثُمَّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ أَبِي صُفْرَةَ بْنِ الْمُهَلِّبِ وَالْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْمُرَابِطِ وَالْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ القصار البغدادي والحافظ أبو عمرو بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وأولي ما يقال في هذا علي ما لخصناه من كلامهم واخترناه من اختيار انهم مِمَّا هُوَ أَجْمَعُ لِلرِّوَايَاتِ وَأَشْبَهُ بِمَسَاقِ الْأَحَادِيثِ أن

(7/161)


النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَاحَ لِلنَّاسِ مِنْ فِعْلِ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ لِيَدُلَّ عَلَى جواز جمعها إذْ لَوْ أَمَرَ بِوَاحِدٍ لَكَانَ غَيْرُهُ
يَظُنُّ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ فَأُضِيفَ الْجَمِيعُ إلَيْهِ وَأَخْبَرَ كُلُّ وَاحِدٍ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ وَأَبَاحَهُ لَهُ وَنَسَبَهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إمَّا لِأَمْرِهِ بِهِ وَإِمَّا لِتَأْوِيلِهِ عَلَيْهِ (وَأَمَّا) إحرامه صلى الله عليه وسلم بنفسه فأخذنا الافضل فَأَحْرَمَ مُفْرِدًا بِالْحَجِّ وَبِهِ تَظَاهَرَتْ الرِّوَايَاتُ الصَّحِيحَةُ وَأَمَّا الرِّوَايَاتُ بِأَنَّهُ كَانَ مُتَمَتِّعًا فَمَعْنَاهَا أَمَرَ بِهِ وَأَمَّا الرِّوَايَاتُ بِأَنَّهُ كَانَ قَارِنًا فَإِخْبَارٌ عَنْ حَالَتِهِ الثَّانِيَةِ لَا عَنْ ابْتِدَاءِ إحْرَامِهِ بل إخبار عن حاله حين أمر صحابه بِالتَّحَلُّلِ مِنْ حَجِّهِمْ وَقَلَبَهُ إلَى عُمْرَةٍ لِمُخَالِفَةِ الْجَاهِلِيَّةِ إلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَكَانَ هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْهَدْيِ فِي آخِرِ إحْرَامِهِمْ قَارِنِينَ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ أَرْدَفُوا الْحَجَّ بِالْعُمْرَةِ وَفَعَلَ ذَلِكَ مُوَاسَاةً لِأَصْحَابِهِ وَتَأْنِيسًا لَهُمْ فِي فِعْلِهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لِكَوْنِهَا كَانَتْ مُنْكَرَةً عِنْدَهُمْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَلَمْ يُمْكِنْهُ التَّحَلُّلُ مَعَهُمْ لِسَبَبِ الْهَدْيِ وَاعْتَذَرَ إلَيْهِمْ بِذَلِكَ فِي تَرْكِ مُوَاسَاتِهِمْ فَصَارَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَارِنًا فِي آخِرِ أمره وقد اتفق جمهور العملاء عَلَى جَوَازِ إدْخَالِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ وَشَذَّ بَعْضُ النَّاسِ فَمَنَعَهُ وَقَالَ لَا يَدْخُلُ إحْرَامٌ عَلَى إحْرَامٍ كَمَا لَا يَدْخُلُ صَلَاةٌ عَلَى صَلَاةٍ وَاخْتَلَفُوا فِي إدْخَالِ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ فَجَوَّزَهُ أَصْحَابُ الرَّأْيِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَمَنَعَهُ آخَرُونَ وَجَعَلُوا هَذَا خَاصًّا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِضَرُورَةِ الِاعْتِمَارِ حِينَئِذٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ قَالَ وَكَذَلِكَ يَتَأَوَّلُ قَوْلَ مَنْ كَانَ مُتَمَتِّعًا أَيْ تَمَتَّعَ بِفِعْلِهِ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَفَعَلَهَا مَعَ الْحَجِّ لِأَنَّ لفظ المتعة يلق عَلَى مَعَانٍ فَانْتَظَمَتْ الْأَحَادِيثُ وَاتَّفَقَتْ
* قَالَ وَلَا يَبْعُدُ رَدُّ مَا وَرَدَ عَنْ الصَّحَابَةِ مِنْ فِعْلِ مِثْلِ ذَلِكَ إلَى مِثْلِ هَذَا مَعَ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ أَنَّهُمْ أَحْرَمُوا بِالْحَجِّ مُفْرَدًا فَيَكُونُ الْإِفْرَادُ إخْبَارًا عَنْ فِعْلِهِمْ أَوَّلًا وَالْقِرَانُ إخْبَارًا عَنْ إحْرَامِ الَّذِينَ مَعَهُمْ هَدْيٌ بِالْعُمْرَةِ ثَانِيًا وَالتَّمَتُّعُ لِفَسْخِهِمْ الْحَجَّ إلَى الْعُمْرَةِ ثُمَّ إهْلَالُهُمْ بِالْحَجِّ بَعْدَ التَّحَلُّلِ مِنْهَا كَمَا فَعَلَهُ كُلُّ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا إنَّهُ أَحْرَمَ إحْرَامًا مُطْلَقًا مُنْتَظِرًا مَا يُؤْمَرُ بِهِ مِنْ إفْرَادٍ أَوْ تَمَتُّعٍ أَوْ قِرَانٍ ثُمَّ أُمِرَ بِالْحَجِّ ثُمَّ أُمِرَ بِالْعُمْرَةِ فِي وَادِي الْعَقِيقِ بِقَوْلِهِ (هل فِي هَذَا الْوَادِي وَقُلْ عُمْرَةً فِي حَجَّةٍ) قَالَ الْقَاضِي وَاَلَّذِي سَبَقَ أَبْيَنُ وَأَحْسَنُ فِي التَّأْوِيلِ
* هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي عِيَاضٌ ثُمَّ قَالَ القاضى في موضع آخَرَ بَعْدَهُ لَا يَصِحُّ قَوْلُ مَنْ قَالَ أَحْرَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إحْرَامًا مُطْلَقًا مِنْهُمَا لِأَنَّ رِوَايَةَ جَابِرٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ تَرُدُّهُ وَهِيَ مُصَرِّحَةٌ بخلافه
*

(7/162)


(فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا مَا جَاءَ مِنْ الْأَحَادِيثِ فِي الْإِفْرَادِ وَالتَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَالْإِطْلَاقِ وَاخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِي الْأَفْضَلِ مِنْهَا وَفِي كَيْفِيَّةِ الْجَمْعِ بَيْنَهَا وَفِي الْجَوَابِ عَنْ اعْتِرَاضِ الْمُلْحِدِينَ عَلَيْهَا وَذَكَرْنَا أَنَّ جَمِيعَ الْأَنْوَاعِ جَائِزَةٌ وَأَوْضَحْنَا الْجَوَابَ عَمَّا نُقِلَ مِنْ كَرَاهَةِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِنْ التَّمَتُّعِ أَوْ الْقِرَانِ وَذَكَرْنَا أَنَّ الاصح تفضيل الافراد ورجحه الشافعي والاصحاب وغيرها بِأَشْيَاءَ مِنْهَا أَنَّهُ الْأَكْثَرُ فِي الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ فِي حَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَمِنْهَا) أَنَّ رُوَاتَهُ أَخَصُّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْحَجَّةِ فَإِنَّ مِنْهُمْ جَابِرًا وَهُوَ أَحْسَنُهُمْ سِيَاقًا لِحَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم فانه ذكرها من أَوَّلَ خُرُوجِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى فَرَاغِهِ وَذَلِكَ مَشْهُورٌ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى ضَبْطِهِ لَهَا وَاعْتِنَائِهِ بِهَا (وَمِنْهُمْ) ابْنُ عُمَرَ وَقَدْ قَالَ كنت تَحْتَ نَاقَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمَسُّنِي لُعَابُهَا أَسْمَعُهُ يُلَبِّي بِالْحَجِّ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا عَنْهُ وَمِنْهُمْ عَائِشَةُ وَقُرْبُهَا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْرُوفٌ وَاطِّلَاعُهَا عَلَى بَاطِنِ أَمْرِهِ وَفِعْلِهِ فِي خَلْوَتِهِ وَعَلَانِيَتِهِ مَعَ فِقْهِهَا وَعِظَمِ فِطْنَتِهَا (وَمِنْهُمْ) ابْنُ عَبَّاسٍ وَهُوَ بِالْمَحِلِّ الْمَعْرُوفِ مِنْ الْفِقْهِ وَالْفَهْمِ الثَّاقِبِ مَعَ كَثْرَةِ بَحْثِهِ وَحِفْظِهِ أَحْوَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي لَمْ يَخْفِهَا وَأَخْذِهِ إيَّاهَا مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ (وَمِنْهَا) أَنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْرَدُوا الْحَجَّ وَوَاظَبُوا عَلَيْهِ كَذَلِكَ فَعَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَاخْتَلَفَ فِعْلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَقَدْ حَجَّ عُمَرُ بِالنَّاسِ عَشْرَ حِجَجٍ مُدَّةَ خِلَافَتِهِ كلها مفردا لو ولم يَكُنْ هَذَا هُوَ الْأَفْضَلُ عِنْدَهُمْ وَعَلِمُوا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّ مُفْرِدًا لَمْ يُوَاظِبُوا عَلَى الْإِفْرَادِ مَعَ أَنَّهُمْ الْأَئِمَّةُ الْأَعْلَامُ وَقَادَةُ الْإِسْلَامِ وَيُقْتَدَى بِهِمْ فِي عَصْرِهِمْ وَبَعْدَهُمْ وَكَيْفَ يُظَنُّ بِهِمْ الْمُوَاظَبَةُ عَلَى خِلَافِ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أَنَّهُمْ خَفِيَ عَلَيْهِمْ جَمِيعِهِمْ فِعْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَأَمَّا) الْخِلَافُ عَنْ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ فَإِنَّمَا فَعَلُوهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْهُمْ مَا يُوَضِّحُ هَذَا (وَمِنْهَا) أَنَّ الْإِفْرَادَ لَا يَجِبُ فِيهِ دَمٌ بِالْإِجْمَاعِ وَذَلِكَ لِكَمَالِهِ وَيَجِبُ الدَّمُ فِي التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَذَلِكَ الدَّمُ دَمُ جبران لسقوط الميقات وبعض الاعمال ولان مالا خلل فيه ولا يحتاج إلَى جَبْرٍ أَفْضَلُ (وَمِنْهَا) أَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى جَوَازِ الْإِفْرَادِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَكَرِهَ عمر وعثمان وغيرهما ممن ذكرناه قَبْلَ هَذَا التَّمَتُّعِ وَبَعْضُهُمْ التَّمَتُّعَ وَالْقِرَانَ وَإِنْ كَانُوا يُجَوِّزُونَهُ عَلَى مَا سَبَقَ تَأْوِيلُهُ فَكَانَ مَا أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ

(7/163)


لَا كَرَاهَةَ فِيهِ أَفْضَلُ
* وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِتَرْجِيحِ الْقِرَانِ بِالْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ فِيهِ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَأَتِمُّوا الحج والعمرة لله) وَمَشْهُورٌ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ أَنَّهُمَا قَالَا إتْمَامُهُمَا أَنْ تُحْرِمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِكَ وَبِحَدِيثِ العتبى بْنِ مَعْبَدٍ السَّابِقِ وَقَوْلِ عُمَرَ لَهُ هُدِيتَ نسنة نَبِيِّكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِحَدِيثِ وَادِي الْعَقِيقِ (وَقُلْ لَبَّيْكَ عُمْرَةً فِي حَجَّةٍ) قَالُوا وَلِأَنَّ الْمُفْرِدَ لَا دَمَ عَلَيْهِ وَعَلَى الْقَارِنِ دَمٌ وَلَيْسَ هُوَ دَمُ جُبْرَانٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ حَرَامًا بَلْ دَمَ عِبَادَةٍ وَالْعِبَادَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْبَدَنِ وَالْمَالِ أَفْضَلُ مِنْ الْمُخْتَصَّةِ بِالْبَدَنِ قَالَ الْمُزَنِيّ وَلِأَنَّ الْقَارِنَ مُسَارِعٌ إلَى الْعِبَادَةِ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ تَأْخِيرِهَا قَالُوا وَلِأَنَّ فِي الْقِرَانِ تَحْصِيلَ الْعُمْرَةِ فِي زَمَنِ الْحَجِّ وَهُوَ أَشْرَفُ (وَأَجَابَ) أَصْحَابُنَا عَنْ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي الْقِرَانِ بِجَوَابَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ أَحَادِيثَ الْإِفْرَادِ أَكْثَرُ وَأَرْجَحُ وَذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ كَمَا سَبَقَ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ أَحَادِيثَ الْقِرَانِ مُؤَوَّلَةٌ كَمَا سَبَقَ وَلَا بُدَّ مِنْ التَّأْوِيلِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَقَدْ سَبَقَ إيضَاحُ الْجَمْعِ وَالتَّأْوِيلِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أنه ليس فيها الا الامر باتمامها وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ قَرْنُهُمَا فِي الْفِعْلِ كما قوله تعالي (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) (وَأَمَّا) مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ فَمَعْنَاهُ الْإِحْرَامُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ صَحَّ عَنْ عُمَرَ كَرَاهَتُهُ للتمتع وأمره بالافراد (والجواب) عن حديث العتبي بْنِ مَعْبَدٍ أَنَّ عُمَرَ أَخْبَرَهُ بِأَنَّ الْقِرَانَ سُنَّةٌ أَيْ جَائِزٌ قَدْ أَذِنَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَقُلْ إنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِفْرَادِ بَلْ الْمَعْرُوفُ عَنْ عُمَرَ تَرْجِيحُ الْإِفْرَادِ كَمَا سَبَقَ (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ وَادِي الْعَقِيقِ مِنْ وَجْهَيْنِ سَبَقَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ ذِكْرِهِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ الْقِرَانِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ لَا فِي أَوَّلِ الْإِحْرَامِ وَقَدْ سَبَقَ إيضَاحُ هَذَا (وَالْجَوَابُ) عَنْ قَوْلِهِمْ إنَّ الْقَارِنَ عَلَيْهِ دَمٌ وَهُوَ دَمُ نُسُكٍ قَالَ أَصْحَابُنَا بَلْ هُوَ عِنْدَنَا دَمُ جُبْرَانٍ عَلَى الصَّحِيحِ بِدَلِيلِ أَنَّ الصِّيَامَ يَقُومُ مَقَامَهُ عِنْدَ الْعَجْزِ وَلَوْ كَانَ دَمَ نُسُكٍ لَمْ يَقُمْ مَقَامَهُ كَالْأُضْحِيَّةِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُمْ إنَّ الْقَارِنَ لَمْ يَفْعَلْ حَرَامًا فَلَيْسَ شَرْطَ وُجُوبِ دَمِ الْجُبْرَانِ أَنْ يَكُونَ فِي ارْتِكَابِ حَرَامٍ بَلْ قَدْ يَكُونُ فِي مَأْذُونٍ كَمَنْ حَلَقَ رَأْسَهُ لِلْأَذَى أَوْ لَبِسَ لِلْمَرَضِ أَوْ لِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ أَكَلَ صَيْدًا لِمَجَاعَتِهِ أَوْ احْتَاجَ إلَى التَّدَاوِي بِطَيِّبٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ الدَّمُ وَلَمْ يَفْعَلْ حَرَامًا (وَالْجَوَابُ) عَمَّا قَالَ الْمُزَنِيّ إنَّ مِنْ الْعِبَادَاتِ مَا تَأْخِيرُهَا أَفْضَلُ لِمَعْنًى كَمَنْ عدم الماء في السفر وعلم وجوده في أَوَاخِرَ الْوَقْتِ فَتَأْخِيرُ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ وَكَتَأْخِيرِ
صَلَاةِ عيد الفطر وتأخير صلاة الاضحى إلَى امْتِدَادِ النَّهَارِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلِأَنَّ الْإِفْرَادَ فِعْلُ كُلِّ عِبَادَةٍ وحدها وافرادها بوقت فكان أفضل من جمعها كَالْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ (وَأَمَّا)

(7/164)


قَوْلُهُمْ لِأَنَّ فِي الْقِرَانِ تَحْصُلُ الْعُمْرَةُ فِي زَمَنِ الْحَجِّ وَهُوَ أَشْرَفُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا لَيْسَ هُوَ أَشْرَفُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعُمْرَةِ بَلْ رُخْصَةٌ فِي فِعْلِهَا فِيهِ وَإِنَّمَا شَرَفُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى لحج وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِتَرْجِيحِ التَّمَتُّعِ بِالْأَحَادِيثِ السابقة وبقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقْ الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً) فَتَأَسَّفَ عَلَى فَوَاتِ الْعُمْرَةِ وَالتَّمَتُّعِ فَدَلَّ عَلَى رُجْحَانِهِ
* وَدَلِيلُنَا عَلَيْهِمْ مَا سَبَقَ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَمَنْ الدَّلَائِلِ عَلَى تَرْجِيحِ الْإِفْرَادِ (وَأَمَّا) تَأَسُّفُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَبَبُهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ هَدْيٌ أُمِرُوا بِجَعْلِهَا عُمْرَةً فَحُصِلَ لَهُمْ حُزْنٌ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ هَدْيٌ وَيُوَافِقُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَقَاءِ عَلَى الْإِحْرَامِ فَتَأَسَّفَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَئِذٍ عَلَى فَوَاتِ مُوَافَقَتِهِمْ تَطْيِيبًا لِنُفُوسِهِمْ وَرَغْبَةً فِيمَا يَكُونُ فِي مُوَافَقَتِهِمْ لَا أَنَّ التَّمَتُّعَ دَائِمًا أَفْضَلُ
* قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَلِأَنَّ ظَاهِرَ هَذَا الْحَدِيثِ غَيْرُ مُرَادٍ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ سَوْقَ الْهَدْيِ يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْعُمْرَةِ وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِهِ والله أعلم
*

(7/165)


(فَرْعٌ)
ذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ تَعْلِيقِهِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي آخِرِ بَابِ صَوْمِ الْمُتَمَتِّعِ مِنْ تَعْلِيقِهِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَقَلَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مُطْلَقًا وَكَانَ ينظر الْقَضَاءَ وَهُوَ نُزُولُ جِبْرِيلَ بِبَيَانِ مَا يَصْرِفُ إحْرَامَهُ الْمُطْلَقَ إلَيْهِ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَمَرَهُ بِصَرْفِهِ إلَى الْحَجِّ الْمُفْرَدِ
* وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكَبِيرِ فِي هَذَا بَابًا قَالَ بَابُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْرَمَ إحْرَامًا مُطْلَقًا يَنْتَظِرُ الْقَضَاءَ ثُمَّ أُمِرَ بِإِفْرَادِ الْحَجِّ وَمَضَى فِيهِ واستدل له البيهقى عَنْ طَاوُوسٍ قَالَ (خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمَدِينَةِ لَا يُسَمِّي حَجًّا وَلَا عُمْرَةً يَنْتَظِرُ الْقَضَاءَ فَنَزَلَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَهُوَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً وَقَالَ لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمَا سُقْتُ الْهَدْيَ)
* وَذَكَرَ فِي الْبَابِ
أَيْضًا حَدِيثَ جَابِرٍ الطَّوِيلَ بِكَمَالِهِ قَالَ فِيهِ فَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّوْحِيدِ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إنَّ الحمد لله وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ وَأَهَلَّ الناس بهذا الذى يهلون به فم يَرُدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ شَيْئًا مِنْهُ وَلَزِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم تلبيته قال جابر لسنانوى إلَّا الْحَجَّ لَسْنَا نَعْرِفُ الْعُمْرَةَ حَتَّى إذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ وَذَكَرَ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ
* قَالَ فَلَمَّا كَانَ آخِرَ طَوَافِهِ عَلَى الْمَرْوَةِ قَالَ لَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقْ الْهَدْيَ وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً فمن كان منكم ليس معه هدى فليحل وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً) رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِهَذِهِ الْحُرُوفِ (قُلْتُ) ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ كُلِّهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُحْرِمْ إحْرَامًا مُطْلَقًا بَلْ مُعَيَّنًا وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمَشْهُورُ فِي الْأَحَادِيثِ خِلَافُ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ فِي هَذَا وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْرَمَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِالْحَجِّ فَلَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ فَسَخَهُ إلَى الْعُمْرَةِ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ لَا يَجُوزُ لَهُ فَسْخُهُ وَقَلْبُهُ عُمْرَةً وَإِذَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ فَسْخُهَا حَجًّا لَا لِعُذْرٍ وَلَا لِغَيْرِهِ وَسَوَاءٌ سَاقَ الْهَدْيَ أَمْ لَا هَذَا مَذْهَبُنَا قَالَ ابْنُ الصباغ والعبد رى وآخرون وبه

(7/166)


قَالَ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ
* وَقَالَ أَحْمَدُ يَجُوزُ فَسْخُ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ لِمَنْ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ
* وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ فَسْخَ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ كَانَ خَاصًّا لِلصَّحَابَةِ قَالَ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ هُوَ جَائِزٌ الْآنَ
* وَاحْتُجَّ لِأَحْمَدَ بِحَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ فِي الْفَرْعِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً) وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانُوا يَرَوْنَ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ فِي الْأَرْضِ وَيَجْعَلُونَ الْمُحَرَّمَ صَفَرًا وَيَقُولُونَ إذَا بَرَأَ الدَّبَرْ وَعَفَّى الْأَثَرْ وَانْسَلَخَ صَفَرْ حَلَّتْ الْعُمْرَةُ لِمَنْ اعْتَمَرْ
* فَقَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً فَتَعَاظَمَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْحِلِّ قَالَ (حِلٌّ كُلُّهُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ الْحِلُّ كُلُّهُ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ قَالَ (قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ لِصُبْحِ رَابِعَةٍ يُلَبُّونَ بِالْحَجِّ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً الا من كان مع هَدْيٌ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَذَا
لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ (أَهَلَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِالْحَجِّ وَلَيْسَ مَعَ أَحَدٍ مِنْهُمْ هَدْيٌ غَيْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَلْحَةَ وَكَانَ عَلِيٌّ قَدِمَ مِنْ الْيَمَنِ وَمَعَهُ هَدْيٌ فَقَالَ أَهْلَلْتُ بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً وَيَطُوفُوا وَيُقَصِّرُوا وَيُحِلُّوا إلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ فَقَالُوا نَنْطَلِقُ إلَى مِنًى وَذَكَرُ أَحَدِنَا يَقْطُرُ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ (لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أمرى ما استدبرت ما أهديت ولولا أَنَّ مَعِي الْهَدْيَ لَأَحْلَلْتُ وَأَنَّ سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكٍ لَقِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَقَبَةِ وَهُوَ يَرْمِيهَا فَقَالَ أَلَكُمْ هَذِهِ خَاصَّةً يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ بَلْ لِلْأَبَدِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ (خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نذكر إلا الحج حتى جئنا سرف فطمث فَدَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا قَدِمْتُ مَكَّةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ اجْعَلُوهَا عُمْرَةً فَأَحَلَّ النَّاسُ إلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ قَالَتْ فَكَانَ الْهَدْيُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَذَوِي اليسارة ثم أهلوا حين راحوا إلى منا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ لِمُسْلِمٍ وَعَنْ أَبِي سعيد

(7/167)


قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصْرُخُ بِالْحَجِّ صُرَاخًا فَلَمَّا قَدِمْنَا مكة أمرنا أن نجعلها أعمرة إلَّا مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ التروية ورحنا إلي منا أَهْلَلْنَا بِالْحَجِّ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ رُحْنَا أَيْ ردنا الرَّوَاحَ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ فَقَالَ (أَهَلَّ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ وَأَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَأَهْلَلْنَا فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجعلوا اهلا لكم بِالْحَجِّ عُمْرَةً إلَّا مَنْ قَلَّدَ الْهَدْيَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فَقَالَ وَقَالَ أَبُو كَامِلٍ قَالَ أَبُو مَعْشَرٍ قَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَتَّابٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ الدِّمَشْقِيُّ فِي الْأَطْرَافِ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَلَمْ أَرَهُ عِنْدَ أَحَدٍ إلَّا عِنْدَ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ قَالَ وَلَمْ يَذْكُرْ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مَنْ أخذ عِكْرِمَةَ وَعِنْدِي أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَخَذَهُ عَنْ مُسْلِمٍ قُلْتُ يُحْتَمَلُ مَا قَالَهُ أَبُو مَسْعُودٍ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَخَذَهُ مِنْ أَبِي كَامِلٍ بِلَا وَاسِطَةٍ
* قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالْبُخَارِيُّ يَسْتَعْمِلُ هَذِهِ الْعِبَارَةَ فِيمَا أَخَذَهُ عَرَضًا وَمُنَاوَلَةً لَا سَمَاعًا وَالْعَرَضُ وَالْمُنَاوَلَةُ صَحِيحَانِ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِمَا كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ هَذَا الْفَسْخَ كَانَ خَاصًّا بِالصَّحَابَةِ وَإِنَّمَا أَمَرَهُمْ النبي صلى الله عليه وسلم بالفسخ ليحرم كما بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ
وَيُخَالِفُوا مَا كَانَتْ الْجَاهِلِيَّةُ عَلَيْهِ مِنْ تَحْرِيمِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَقَوْلُهُمْ إنَّهَا أَفْجَرُ الْفُجُورِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا وموافقوهم للتخصيص بحديث الحرث بن بلال بن الحرث عَنْ أَبِيهِ قَالَ (قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ فَسْخَ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ لَنَا خَاصَّةً أَمْ لِلنَّاسِ عَامَّةً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ لَكُمْ خَاصَّةً) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ إلا الحرث بن بلال ولم أر في الحرث جَرْحًا وَلَا تَعْدِيلًا وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَمْ يُضَعِّفْهُ وَقَدْ ذَكَرْنَا مَرَّاتٍ أَنَّ مَا لَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد فَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ عِنْدَهُ إلَّا أَنْ يُوجَدَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي ضَعْفَهُ وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ هَذَا الْحَدِيثُ لَا يَثْبُتُ عِنْدِي وَلَا أَقُولُ بِهِ قال وقد روى الفسخ فأحد عشر صحابيا أين يقع الحرث بْنُ بِلَالٍ مِنْهُمْ قُلْتُ لَا مُعَارَضَةَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ حَتَّى يُقَدَّمُوا عَلَيْهِ لِأَنَّهُمْ أَثْبَتُوا الْفَسْخَ لِلصَّحَابَةِ وَلَمْ يَذْكُرُوا حُكْمَ غَيْرِهِمْ وَقَدْ وَافَقَهُمْ الحرث بْنُ بِلَالٍ فِي إثْبَاتِ الْفَسْخِ لِلصَّحَابَةِ لَكِنَّهُ زاد زيادة لا تخالفهم وهى اختصاص

(7/168)


الْفَسْخِ بِهِمْ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (كَانَتْ الْمُتْعَةُ فِي الْحَجِّ لِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً) رَوَاهُ مُسْلِمٌ مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي ذَرٍّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ أَرَادَ بِالْمُتْعَةِ فَسْخَ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ لِأَنَّهُ كَانَ لِمَصْلَحَةٍ وَهِيَ بَيَانُ جَوَازِ الِاعْتِمَارِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَقَدْ زَالَتْ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ الْيَوْمَ لِأَحَدٍ
* وَاحْتَجَّ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا في ذلك برواية محمد بن اسحق عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْأَسْوَدِ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ كَانَ يَقُولُ في من حَجَّ ثُمَّ فَسَخَهَا بِعُمْرَةٍ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إلَّا لِلرَّكْبِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِسْنَادُهُ هَذَا لَا يحتج به لان محمد بن اسحق مُدَلِّسٌ وَقَدْ قَالَ عَنْ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُدَلِّسَ إذَا قَالَ عَنْ لَا يُحْتَجُّ بِهِ (وَأَجَابَ) أَصْحَابُنَا عَنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَسُرَاقَةَ (بَلْ لِلْأَبَدِ) أَنَّ الْمُرَادَ جَوَازُ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لَا فَسْخَ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ دُخُولُ أَفْعَالِهَا فِي أَفْعَالِ الْحَجِّ وَهُوَ الْقِرَانُ وَحَمَلَهُ مَنْ يَقُولُ إنَّ الْعُمْرَةَ لَيْسَتْ وَاجِبَةً عَلَى أَنَّ الْعُمْرَةَ انْدَرَجَتْ فِي الْحَجِّ فَلَا تَجِبُ وَإِنَّمَا تَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ دُونَ الْعُمْرَةِ
* (فَرْعٌ)
مَذْهَبُنَا أَنَّ الْمَكِّيَّ لَا يُكْرَهُ لَهُ التَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ وَإِنْ تَمَتَّعَ لَمْ يَلْزَمْهُ دَمٌ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يكره له التمتع والقران وإن تَمَتَّعَ أَوْ قَرَنَ فَعَلَيْهِ دَمٌ
* وَاحْتَجَّ لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (فَمَنْ تَمَتَّعَ
بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الحرام) فَأَبَاحَ التَّمَتُّعَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ خاصه ولان المتمتع شرع له أن لا يلم بأهله وَالْمَكِّيُّ مُلِمٌّ بِأَهْلِهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ قَالُوا وَلِأَنَّ الْغَرِيبَ إذَا تَمَتَّعَ لَزِمَهُ دَمٌ وَقُلْتُمْ إذَا تَمَتَّعَ مَكِّيٌّ فَلَا دَمَ وَهَذَا يدل على أن نكسه نَاقِصٌ عَنْ نُسُكِ الْغَرِيبِ فَكُرِهَ لَهُ فِعْلُهُ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ مَا كَانَ مِنْ النُّسُكِ قُرْبَةٌ وَطَاعَةٌ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمَكِّيِّ كَانَ قُرْبَةً وَطَاعَةً فِي حَقِّ الْمَكِّيِّ كَالْإِفْرَادِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ الْآيَةِ أَنَّ مَعْنَاهَا فَمَنْ تَمَتَّعَ فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ فَإِنْ كَانَ فَلَا دَمَ فَهَذَا ظَاهِرُ الْآيَةِ فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ (فَإِنْ قِيلَ) فَقَوْلُهُ تَعَالَى (ذلك لمن لم يكن أهله) ولم يقيل عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ (قُلْنَا)

(7/169)


اللَّامُ بِمَعْنَى عَلَى كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا) أَيْ فَعَلَيْهَا وقَوْله تَعَالَى (أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ) أَيْ عَلَيْهِمْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَجَوَابٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ قَوْله تَعَالَى (فَمَنْ تَمَتَّعَ) شرط وقوله تعالى (فما استيسر من الهدى) جَزَاءُ الشَّرْطِ وقَوْله تَعَالَى (ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي المسجد) بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِثْنَاءِ وَهُوَ عَائِدٌ إلَى الْجَزَاءِ دُونَ الشَّرْطِ كَمَا لَوْ قَالَ مَنْ دَخَلَ الدَّارَ فَلَهُ دِرْهَمٌ إلَّا بَنِي تَمِيمٍ أَوْ قَالَ ذلك لمن يكن من نبي تَمِيمٍ فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَعُودُ إلَى الْجَزَاءِ دُونَ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ دُخُولُ الدَّارِ كَذَا هَهُنَا (وَأَمَّا) قَوْلُهُمْ الْمُتَمَتِّعُ شُرِعَ لَهُ أَنْ لَا يَلُمَّ بِأَهْلِهِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ وَلَا تَأْثِيرَ لِلْإِلْمَامِ بِأَهْلِهِ فِي التَّمَتُّعِ وَلِهَذَا لَوْ تَمَتَّعَ غَرِيبٌ عَنْ أَهْلِهِ فَأَلَمَّ بِأَهْلِهِ يَصِحُّ تَمَتُّعُهُ وَكَذَا لَوْ تَمَتَّعَ مِنْ غَيْرِ إلْمَامٍ بِأَهْلِهِ فَتَمَتُّعُهُ عِنْدَهُمْ مَكْرُوهٌ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ إنَّ نُسُكَهُ نَاقِصٌ لِوُجُوبِ الدَّمِ عَلَى الْغَرِيبِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إنَّمَا لَزِمَ الْغَرِيبَ الدَّمُ لِأَنَّهُ تَرَفَّهَ بِالتَّمَتُّعِ فَيَلْزَمُهُ الدَّمُ وَالْمَكِّيُّ أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ مِنْ مِيقَاتِهِ الْأَصْلِيِّ فَلَمْ يَلْزَمْهُ دَمٌ لِعَدَمِ التَّرَفُّهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ الْعُمْرَةِ قَبْلَ الْحَجِّ سَوَاءٌ حَجَّ فِي سَنَتِهِ أَمْ لَا وَكَذَا الْحَجُّ قَبْلَ الْعُمْرَةِ وَاحْتَجُّوا لَهُ بِحَدِيثِ ابْنُ عُمَرَ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَمَرَ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَبِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَمَرَ ثَلَاثَ عُمَرَ قَبْلَ حَجَّتِهِ وَكَانَ
أَصْحَابُهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ أَقْسَامًا مِنْهُمْ مَنْ اعْتَمَرَ قَبْلَ الْحَجِّ وَمِنْهُمْ مَنْ حَجَّ قَبْلَ الْعُمْرَةِ) كما سبق
*
*
قال المصنف رحمه الله تعالى
* (والافراد أن يحج ثم يعتمر والتمتع أن يعتمر في أشهر الحج ثم يحج من عامه والقران أن يحرم بهما جميعا فان احرم بالعمرة ثم ادخل عليها الحج قبل الطواف جاز ويصير قارنا لما روى (ان عائشة رضي الله عنها احرمت بالعمرة فحاضت فدخل عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهي تبكي فقال لَهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهلى بالحج واصنعي مَا يَصْنَعُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بالبيت ولا تصلى) وان ادخل عليها الحج بعد الطواف لم يجز واختلف أصحابنا في علته (فمنهم) من قال لا يجوز لانه قد أخذ في التحلل (ومنهم) من قال لا يجوز لانه قد أتى بمقصود العمرة وإن أحرم بالحج وأدخل عليه العمرة ففيه قولان
(أحدهما)
يجوز لانه أحد النسكين فجاز إدخاله علي الآخر كالحج (والثاني)

(7/170)


لا يجوز لان أفعال العمرة استحقت باحرام الحج فلا يعد إحرام العمرة شيئا (فان قلنا) إنه يجوز فهل يجوز بعد الوقوف يبني على العلتين في إدخال الحج علي العمرة بعد الطواف (فان قلنا) لا يجوز إدخال الحج على العمرة بعد الطواف لانه أخذ في التحلل جاز ههنا بعد الوقوف لانه لم يأخذ في التحلل (وان قلنا) لا يجوز لانه أتى بالمقصود لم يجز ههنا لانه قد أتى بمعظم المقصود وهو الوقوف وإن أحرم بالعمرة وأفسدها ثم أدخل عليها الحج ففيه وجهان
(أحدهما)
ينعقد الحج ويكون فاسدا لانه إدخال حج على عمرة فأشبه إذا كان صحيحا (والثاني) لا ينعقد لانه لا يجوز أن يصح لانه إدخال حج على احرام فاسد ولا يجوز أن يفسد لان احرامه لم يصادفه الوطئ فلا يجوز افساده)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ إلَّا قَوْلَهُ (وَلَا تُصَلِّي) فَإِنَّهَا لَفْظَةٌ غَرِيبَةٌ لَيْسَتْ مَعْرُوفَةً (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ صُوَرٌ مُخْتَلَفٌ فِي بَعْضِهَا (أَمَّا) الْإِفْرَادُ فَصُورَتُهُ الْأَصْلِيَّةُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ وَحْدَهُ وَيَفْرُغَ مِنْهُ ثُمَّ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ وَسَيَأْتِي بَاقِي صُوَرِهِ فِي شُرُوطِ التَّمَتُّعِ الْمُوجِبِ لِلدَّمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) التَّمَتُّعُ فَصُورَتُهُ الْأَصْلِيَّةُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ مِيقَاتِ بَلَدِهِ وَيَدْخُلَ مَكَّةَ وَيَفْرُغَ مِنْ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ ثُمَّ يُنْشِئَ الْحَجَّ مِنْ مَكَّةَ وَيُسَمَّى مُتَمَتِّعًا لِاسْتِمْتَاعِهِ
بِمَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ يَحِلُّ لَهُ جَمِيعُ الْمَحْظُورَاتِ إذَا تَحَلَّلَ مِنْ الْعُمْرَةِ سَوَاءٌ كَانَ سَاقَ الْهَدْيَ أَمْ لَا وَيَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ وَلِوُجُوبِهِ شُرُوطٌ تَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) الْقِرَانُ فَصُورَتُهُ الْأَصْلِيَّةُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مَعًا فَتُدْرَجَ أَعْمَالُ الْعُمْرَةِ فِي أَعْمَالِ الْحَجِّ وَيَتَّحِدُ الْمِيقَاتُ وَالْفِعْلُ فَيَكْفِي لَهُمَا طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ وَحَلْقٌ وَاحِدٌ وَإِحْرَامٌ وَاحِدٌ فَلَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَدُخَّل عَلَيْهَا الحج أي أحرم به نظر ان ادخله فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَغَا إدْخَالَهُ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ إحْرَامُهُ بِالْعُمْرَةِ وَإِنْ أَدْخَلَهُ فِي أَشْهُرِهِ نُظِرَ إنْ كَانَ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَفِي صِحَّةِ إدْخَالِهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ السِّنْجِيِّ بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْجِيمِ وَحَكَاهُ عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْإِدْخَالُ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى صِحَّةِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ (وَأَصَحُّهُمَا) يَصِحُّ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَفَّالِ وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبَا الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ وَآخَرُونَ لِأَنَّهُ أَحْرَمَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي وَقْتِهِ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ فِي حال ادخاله وهو وقت صالح

(7/171)


للحج ولو أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ أَدْخَلَهُ عَلَيْهَا فِي أَشْهُرِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَرَعَ في شئ مِنْ طَوَافِهَا صَحَّ وَصَارَ قَارِنًا بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ قَدْ شَرَعَ فِيهِ وَخَطَى مِنْهُ خُطْوَةً لَمْ يَصِحَّ إحْرَامُهُ بِالْحَجِّ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ وَقَفَ عِنْدَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ لِلشُّرُوعِ فِي الطَّوَافِ وَلَمْ يَمَسَّهُ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ صَحَّ وصار قارنا لانه لم يتلبس بشئ مِنْ الطَّوَافِ وَإِنْ اسْتَلَمَ الْحَجَرَ وَلَمْ يَمْشِ ثُمَّ أَحْرَمَ قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الْمَشْيِ فَإِنْ كَانَ اسْتِلَامُهُ لَيْسَ بِنِيَّةِ الِاسْتِلَامِ لِلطَّوَافِ صَحَّ إحْرَامُهُ بِالْحَجِّ بِلَا خِلَافٍ
* كَذَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِنْ كَانَ اسْتِلَامُهُ بِنِيَّةِ أَنْ يَطُوفَ فَفِي صِحَّةِ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ بَعْدَهُ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الصَّيْمَرِيُّ وَصَاحِبُهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ
(أَحَدُهُمَا)
يَصِحُّ لِأَنَّهُ مُقَدِّمَةٌ لِلطَّوَافِ
(وَالثَّانِي)
لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ أَحَدُ أَبْعَاضِ الطَّوَافِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ أَصَحَّ وَلَوْ شَكَّ هَلْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الطَّوَافِ أَوْ بَعْدَهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا صَحَّ إحْرَامُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ جَوَازُ إدْخَالِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ حَتَّى يَتَيَقَّنَ الْمَنْعَ فَصَارَ كَمَنْ أَحْرَمَ وَتَزَوَّجَ وَلَمْ يَدْرِ هَلْ كَانَ إحْرَامُهُ قَبْلَ تَزَوُّجِهِ أَمْ بَعْدَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ أَجْزَأَهُ وَصَحَّ تَزَوُّجُهُ هَذَا كَلَامُ الماورى
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا شَرَعَ الْمُحْرِمُ بِالْعُمْرَةِ فِي الطَّوَافِ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَقَدْ قُلْتُ إنَّهُ لا يصح بلا خلاف وفي علة بُطْلَانِهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ مَشْهُورَةٍ حَكَى الْمُصَنِّفُ مِنْهَا اثْنَيْنِ (أَحَدُ)
الْأَرْبَعَةِ أَنَّهُ اشْتَغَلَ بِعَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ الْعُمْرَةِ
(وَالثَّانِي)
لِأَنَّهُ شَرَعَ فِي فَرْضٍ من فورضها (وَالثَّالِثُ) لِأَنَّهُ أَتَى بِمُعْظَمِ أَفْعَالِهَا (وَالرَّابِعُ) لِأَنَّهُ شَرَعَ فِي سَبَبِ التَّحَلُّلِ وَهَذَا الرَّابِعُ هُوَ الْأَصَحُّ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ نَقَلَهُ أَبُو بَكْرٍ الْفَارِسِيُّ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَصَحَّحَ الْبَنْدَنِيجِيُّ الثَّالِثَ وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ هَذَا الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ وَجَوَّزْنَاهُ كَمَا سَنَذْكُرُهُ الْآنَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَتْ الْعُمْرَةُ الَّتِي أَدْخَلَ عَلَيْهَا الْحَجَّ صَحِيحَةً فَإِنْ كَانَتْ فَاسِدَةً بِأَنْ أَفْسَدَهَا بِجِمَاعٍ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهَا حَجًّا فَفِي صِحَّةِ إدْخَالِهِ وَمَصِيرِهِ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ يَصِيرُ مُحْرِمًا وَبِهِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَالشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ
(وَالثَّانِي)
لَا يَصِيرُ وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَإِنْ قُلْنَا يَصِيرُ فَهَلْ يَكُونُ حَجُّهُ صَحِيحًا مُجْزِئًا فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
نَعَمْ لِأَنَّ الْمُفْسِدَ مُتَقَدِّمٌ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا لِأَنَّهُ

(7/172)


تَابِعٌ لِعُمْرَةٍ فَاسِدَةٍ فَعَلَى هَذَا هَلْ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا مِنْ أَصْلِهِ أَمْ صَحِيحًا ثُمَّ يَفْسُدُ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَنْعَقِدُ صَحِيحًا ثُمَّ يَفْسُدُ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ فَجَامَعَ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ صَحِيحًا ثُمَّ يَفْسُدُ عَلَى أَحَدِ الْأَوْجُهِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَصَحُّهُمَا) يَنْعَقِدُ فَاسِدًا إذْ لَوْ انْعَقَدَ صَحِيحًا لَمْ يَفْسُدْ إذْ لَمْ يُوجَدْ بَعْدَ انْعِقَادِهِ مُفْسِدٌ (فَإِنْ قُلْنَا) يَنْعَقِدُ فَاسِدًا أَوْ صَحِيحًا ثُمَّ يفيد لَزِمَهُ الْمُضِيُّ فِي النُّسُكَيْنِ وَلَزِمَهُ قَضَاؤُهُمَا (وَإِنْ قُلْنَا) يَنْعَقِدُ صَحِيحًا وَلَا يَفْسُدُ قَضَى الْعُمْرَةَ دُونَ الْحَجِّ وَعَلَى الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ يَلْزَمُهُ دَمُ الْقِرَانِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِالْإِفْسَادِ إلَّا بَدَنَةٌ وَاحِدَةٌ
* كَذَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ إذَا حَكَمْنَا بِانْعِقَادِ حَجِّهِ فَاسِدًا
(أَحَدُهُمَا)
يَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ أُخْرَى لِفَسَادِ الْحَجِّ
(وَالثَّانِي)
يَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ لِلْعُمْرَةِ وَشَاةٌ لِلْحَجِّ كَمَا لَوْ جَامَعَ ثُمَّ جَامَعَ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ ضَعِيفَانِ وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو عَلِيٍّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* هَذَا كُلُّهُ فِي الْإِحْرَامِ لِلْحَجِّ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ (أَمَّا) إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (الْقَدِيمُ) صِحَّتُهُ وَيَصِيرُ قَارِنًا (وَالْجَدِيدُ) لَا يَصِحُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْقَدِيمِ فَإِلَى مَتَى يَجُوزُ الْإِدْخَالُ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ مُفَرَّعَةٍ عَلَى الْأَوْجُهِ الْأَرْبَعَةِ السَّابِقَةِ فِيمَنْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ بِالْحَجِّ (أَحَدُهَا) يَجُوزُ مَا لَمْ يَشْرَعْ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ قَالَ الْبَغَوِيّ هَذَا أَصَحُّهَا (وَالثَّانِي) يَجُوزُ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ مَا لَمْ يَشْرَعْ فِي
السَّعْيِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ فُرُوضِ الْحَجِّ
* قَالَهُ الْخُضَرِيُّ (وَالثَّالِثُ) يَجُوزُ وَإِنْ فَعَلَ فَرْضًا مَا لَمْ يَقِفْ بِعَرَفَاتٍ فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ قَدْ سَعَى لَزِمَهُ إعَادَةُ السَّعْيِ لِيَقَعَ عَنْ النُّسُكَيْنِ جَمِيعًا كَذَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ وَغَيْرُهُ (وَالرَّابِعُ) يَجُوزُ وَإِنْ وَقَفَ ما لم يشتغل بشئ مِنْ أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ مِنْ الرَّمْيِ وَغَيْرِهِ وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ قَدْ سَعَى فَقِيَاسُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو عَلِيٍّ وُجُوبُ إعَادَتِهِ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِيهِ وَجْهَيْنِ وَقَالَ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يجب والله اعلم * قال المصنف رحمه الله
* (ويجب علي المتمتع دم لقوله تعالى (فمن تمتع بالععمرة الي الحج فما استيسر من الهدى) ولا يجب عليه الا بخمسة شروط (أحدها) أن يعتمر في أشهر الحج فان اعتمر في غير أشهر الحج لم يلزمه

(7/173)


دم لانه لم يجمع بين النسكين في أشهر الحج فلم يلزمه دم كالمفرد فان أحرم بالعمرة في غير أشهر الحج وأتى بأفعالها في أشهر الحج ففيه قولان (قال) في القديم والاملاء يجب عليه دم لان استدامة اللاحرام بمنزلة الابتداء ولو ابتداء الاحرام بالعمرة في أشهر الحج لزمه الدم فكذلك إذا استدامه (وقال) في الام لا يجب عليه الدم لان الاحرام نسك لا تتم العمرة الا به وقد أتى به في غير أشهر الحج فلم يلزمه دم التمتع كالطواف (والثاني) أن يحج من سنته فاما إذا حج في سنة اخرى لم يلزمه دم لما روى سعيد ابن المسيب قَالَ (كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم يعتمرون في اشهر الحج فإذا لم يحجوا من عامهم ذلك لم يهدوا ولان الدم انما يجب لترك الاحرام بالحج من الميقات وهذا لم يترك الاحرام بالحج من الميقات فانه ان أقام بمكة صارت مكة ميقاته وان رجع إلى بلده وعاد فقد احرم من الميقات (والثالث) ان لا يعود لاحرام الحج إلى الميقات فاما إذا رجع لاحرام الحج إلى الميقات وأحرم فلا يلزمه دم لان الدم وجب بترك الميقات وهذا لم يترك الميقات فان احرم بالحج من جوف مكة ثم رجع إلى الميقات قبل ان يقف ففيه وجهان (احدهما) لا دم عليه لانه حصل محرما من الميقات قبل التلبس بنسك فاشبه من جاوز الميقات غير محرم ثم احرم وعاد الي الميقات
(والثانى)
يلزمه لانه وجب عليه الدم بالاحرام من مكة فلا يسقط بالعود إلي الميقات كما لو ترك الميقات واحرم دونه ثم عاد بعد التلبس بنسك (والرابع) ان يكون غير حاضرى المسجد الحرام (فاما) إذا كان من حاضري المسجد الحرام فلا دم عليه لقول اللَّهِ تَعَالَى (ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ
حَاضِرِي المسجد الحرام) وحاضر والمسجد الحرام أهل الحرم ومن بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَسَافَةٌ لَا تُقْصَرُ فِيهَا الصَّلَاةُ لان الحاضر في اللغة هو القريب ولا يكون قريبا الا في مسافة لا تقصر فيها الصلاة وفي الخامس وجهان وهو نية التمتع
(أحدهما)
انه لا يحتاج إليها لان الدم يتعلق بترك الاحرام بالحج من الميقات وذلك يوجد من غير نية
(والثانى)
أنه يحتاج إلى نية التمتع لانه جمع بين العبادتين في وقت احداهما فافتقر إلى نية الجمع كالجمع بين الصلاتين (فإذا قلنا) بهذا ففى وقت النية وجهان
(أحدهما)
انه يحتاج إلى أن ينوى عند الاحرام بالعمرة
(والثانى)
يجوز أن ينوى ما لم يفرغ من العمرة بناء على القولين في وقت نية الجمع بين الصلاتين فان في ذلك قولين
(أحدهما)
ينوى في ابتداء الاولى منهما (والثاني) ينوى ما لم يفرغ من الاولي)
* (الشرح) هذا الاثر الْمَذْكُورُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ حَسَنٌ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ قَالَ

(7/174)


أَصْحَابُنَا يَجِبُ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ الدَّمُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ من الهدى) قَالَ أَصْحَابُنَا وَلِوُجُوبِ هَذَا الدَّمِ شُرُوطٌ (أَحَدُهَا) أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَهُمْ مَنْ مَسْكَنِهِ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ مِنْ الْحَرَمِ وَقِيلَ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِ مَكَّةَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ قَوْلًا قَدِيمًا أَنَّهُ مِنْ أَهْلِهِ دُونَ الْمِيقَاتِ وَهَذَا غَرِيبٌ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ فَإِنْ كَانَ عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَلَيْسَ بِحَاضِرٍ بِالِاتِّفَاقِ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَسْكَنَانِ أَحَدُهُمَا فِي حَدِّ الْقُرْبِ وَالْآخَرُ بَعِيدٌ فَإِنْ كَانَ مَقَامُهُ بِأَحَدِهِمَا فَالْحُكْمُ لَهُ فَإِنْ اسْتَوَى مَقَامُهُ بِهِمَا وَكَانَ أَهْلُهُ وَمَالُهُ فِي أَحَدِهِمَا دَائِمًا أَوْ أَكْثَرُ فَالْحُكْمُ لَهُ فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي ذَلِكَ وَكَانَ عَزْمُهُ الرُّجُوعَ إلَى أَحَدِهِمَا فَالْحُكْمُ لَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَزْمٌ فَالْحُكْمُ لِلَّذِي خَرَجَ مِنْهُ هَكَذَا ذَكَرَ أَصْحَابُنَا هَذَا التَّفْصِيلَ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ إلَّا الْمَسْأَلَةَ الْأَخِيرَةَ فَلَمْ يَنُصَّ عَلَيْهَا وَلَكِنْ ذَكَرَهَا أَصْحَابُنَا وَاتَّفَقُوا عَلَيْهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُرِيقَ دَمًا بِكُلِّ حَالٍ وَلَوْ اسْتَوْطَنَ غَرِيبٌ مَكَّةَ فَهُوَ حَاضِرٌ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ اسْتَوْطَنَ مَكِّيٌّ الْعِرَاقَ أَوْ غَيْرَهُ فَلَيْسَ بِحَاضِرٍ بِالِاتِّفَاقِ وَلَوْ قَصَدَ الْغَرِيبُ مَكَّةَ فَدَخَلَهَا مُتَمَتِّعًا نَاوِيًا الْإِقَامَةَ بِهَا بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ النُّسُكَيْنِ أَوْ مِنْ الْعُمْرَةِ أو نوى الاقامة بها بعد ما اعْتَمَرَ فَلَيْسَ بِحَاضِرٍ فَلَا يَسْقُطُ
عَنْهُ الدَّمُ وَلَوْ خَرَجَ الْمَكِّيُّ إلَى بَعْضِ الْآفَاقِ لِحَاجَةٍ ثُمَّ رَجَعَ وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ دَمٌ عندنا بلا خلاف وقال طاووس يَلْزَمُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الرَّافِعِيُّ ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ مِنْ عَامِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ دَمٌ عِنْدَنَا بِلَا خلاف وقال طاووس يَلْزَمُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الرَّافِعِيُّ ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ مَسْأَلَةً وَهِيَ مِنْ مَوَاضِعِ التَّوَقُّفِ قَالَ وَلَمْ أَجِدْهَا لِغَيْرِهِ بَعْدَ الْبَحْثِ قَالَ الرَّافِعِيُّ إذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مَرِيدٍ نُسُكًا فَاعْتَمَرَ عَقِبَ دُخُولِهِ مَكَّةَ ثُمَّ حَجَّ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا إذَا صَارَ مِنْ الْحَاضِرِينَ إذْ لَيْسَ يُشْتَرَطُ فِيهِ قَصْدُ الْإِقَامَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَتَعَلَّقُ بِالْخِلَافِ السَّابِقِ فِي أَنَّ قَصْدَ مَكَّةَ هَلْ يُوجِبُ الْإِحْرَامَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَمْ لَا ثُمَّ قَالَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ اعْتِبَارِ اشْتِرَاطِ الْإِقَامَةِ يُنَازِعُهُ فِيهِ كَلَامُ الْأَصْحَابِ وَنَقْلُهُمْ عَنْ نَصِّهِ فِي الْإِمْلَاءِ وَالْقَدِيمِ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي اعْتِبَارِ الْإِقَامَةِ بَلْ فِي اعْتِبَارِ الِاسْتِيطَانِ وَفِي الْوَسِيطِ حِكَايَةُ وَجْهَيْنِ فِي صُورَةٍ تُدَانِي هَذِهِ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ جَاوَزَ الْغَرِيبُ الْمِيقَاتَ وَهُوَ لَا يُرِيدُ نُسُكًا وَلَا دُخُولَ الْحَرَمِ ثُمَّ بَدَا لَهُ بِقُرْبِ مَكَّةَ أَنْ يَعْتَمِرَ فَاعْتَمَرَ مِنْهُ وَحَجَّ بَعْدَهَا عَلَى صُورَةِ التَّمَتُّعِ هَلْ يَلْزَمُهُ الدَّمُ (أَحَدُ)

(7/175)


الْوَجْهَيْنِ لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ حِينَ بَدَا لَهُ كَانَ فِي مَسَافَةِ الْحَاضِرِ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَلْزَمُهُ لِوُجُودِ صُورَةِ التَّمَتُّعِ وَهُوَ غَيْرُ مَعْدُودٍ مِنْ الْحَاضِرِينَ هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَالْمُخْتَارُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى الَّتِي ذَكَرَهَا الْغَزَالِيُّ أَنَّهُ مُتَمَتِّعٌ لَيْسَ بِحَاضِرٍ بَلْ يَلْزَمُهُ الدَّمُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَجِبُ عَلَى حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ دَمُ الْقِرَانِ كَمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَمُ التَّمَتُّعِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الْحَنَّاطِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْخِلَافُ عَلَى وَجْهَيْنِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْعُدَّةِ أَنَّ دَمَ الْقِرَانِ دم جبر أن دَمُ نُسُكٍ وَالْمَذْهَبُ الْمَعْرُوفُ أَنَّهُ دَمُ جَبْرٍ (قُلْتُ) الَّذِي قَطَعَ بِهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ أَنَّ دَمَ التَّمَتُّعِ وَدَمَ الْقِرَانِ دَمُ جَبْرٍ وَإِنَّمَا الْقَائِلُ بِأَنَّهُمَا دَمُ نُسُكٍ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ بِدَلِيلِهِ فِي مَسْأَلَةِ تَفْضِيلِ الْإِفْرَادِ عَلَى التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ
* (فَرْعٌ)
هَلْ يَجِبُ عَلَى الْمَكِّيِّ إذَا قَرَنَ إنْشَاءُ الْإِحْرَامِ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ كَمَا لَوْ أَفْرَدَ الْعُمْرَةَ أَمْ يَجُوزُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ جَوْفِ مَكَّةَ إدْرَاجًا لِلْعُمْرَةِ تَحْتَ الْحَجِّ فِي الْمِيقَاتِ كَمَا أُدْرِجَتْ أَفْعَالُهَا فِي أَفْعَالِهِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا (1) وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) الثَّانِي وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ قَالُوا وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ في آفاقى إذَا
كَانَ بِمَكَّةَ وَأَرَادَ الْقِرَانَ (الشَّرْطُ الثَّانِي) أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَلَوْ أَحْرَمَ بِهَا وَفَرَغَ مِنْهَا قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ فِي سَنَتِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ دَمٌ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وقال طاووس يَلْزَمُهُ دَلِيلُنَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَوْ أَحْرَمَ بِهَا قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَأَتَى بِجَمِيعِ أَفْعَالِهَا فِي أَشْهُرِهِ فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) نَصَّهُ فِي الْأُمِّ لَا دَمَ
(وَالثَّانِي)
نَصَّهُ فِي الْقَدِيمِ وَالْإِمْلَاءِ يَجِبُ الدَّمُ وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ لَيْسَتْ عَلَى قَوْلَيْنِ بَلْ عَلَى حالين ان أقام بالميقات محرما بالعمرة حتى دَخَلَتْ أَشْهُرُ الْحَجِّ أَوْ عَادَ إلَيْهِ فِي أَشْهُرِهِ مُحْرِمًا بِهَا وَجَبَ الدَّمُ وَإِنْ جَاوَزَهُ قَبْلَ الْأَشْهُرِ وَلَمْ يَعُدْ إلَيْهِ فَلَا دَمَ وَلَوْ وُجِدَ الْإِحْرَامَ بِالْعُمْرَةِ وَبَعْضَ أَعْمَالِهَا قَبْلَ أَشْهُرِهِ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا دَمَ إذَا لَمْ تتقدم الْإِحْرَامُ فَهِيَ أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَهُمْ لَا يَجِبُ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ قَالَ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَإِذَا لَمْ نُوجِبْ دَمَ التَّمَتُّعِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ فَفِي وُجُوبِ دَمِ الْإِسَاءَةِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَجِبُ لِأَنَّهُ أَحْرَمَ بالحج من مكة (وأصحهما) لا لان المسئ مَنْ يَنْتَهِي إلَى الْمِيقَاتِ قَاصِدًا لِلنُّسُكِ وَيُجَاوِزُهُ
__________
(1) بياض بالاصل فحرر

(7/176)


غَيْرَ مُحْرِمٍ وَهَذَا جَاوَزَهُ مُحْرِمًا (الشَّرْطُ الثَّالِثُ) أَنْ تَقَعَ الْعُمْرَةُ وَالْحَجُّ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ فلوا اعْتَمَرَ ثُمَّ حَجَّ فِي السَّنَةِ الْقَابِلَةِ فَلَا دَمَ سَوَاءٌ أَقَامَ بِمَكَّةَ إلَى أَنْ حَجَّ أَمْ رَجَعَ وَعَادَ وَهَلْ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ جَمِيعًا فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْمُصَنِّفِينَ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرُونَ مِنْهُمْ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ لَا يُشْتَرَطُ
(وَالثَّانِي)
يُشْتَرَطُ انْفَرَدَ بِهِ أَبُو عَلِيٍّ بْنُ خَيْرَانَ (الشَّرْطُ الرَّابِعُ) أَنْ لَا يَعُودَ إلَى الْمِيقَاتِ بِأَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ نَفْسِ مَكَّةَ وَاسْتَمَرَّ فَلَوْ عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ الَّذِي أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْهُ وَإِلَى مَسَافَةِ مِثْلِهِ وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَلَا دَمَ بِالِاتِّفَاقِ وَلَوْ أَحْرَمَ بِهِ مِنْ مَكَّةَ ثُمَّ ذَهَبَ إلَى الْمِيقَاتِ مُحْرِمًا فَفِي سُقُوطِهِ الْخِلَافُ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي من جاوز الميقات غير محرم ثم عاد إليه مُحْرِمًا وَلَوْ عَادَ إلَى مِيقَاتٍ أَقْرَبَ إلَى مَكَّةَ مِنْ مِيقَاتِ عُمْرَتِهِ وَأَحْرَمَ مِنْهُ بِأَنْ كَانَ مِيقَاتُ عُمْرَتِهِ الْجُحْفَةَ فَعَادَ إلَى ذَاتِ عِرْقٍ فَهَلْ هُوَ كَالْعَوْدِ إلَى مِيقَاتِ عُمْرَتِهِ
فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا وَعَلَيْهِ دَمٌ لِأَنَّهُ دونه (واصحهما) نععم لِأَنَّهُ أَحْرَمَ مِنْ مَوْضِعٍ لَيْسَ سَاكِنُوهُ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا اخْتِيَارُ الْقَفَّالِ وَالْمُعْتَبَرِينَ وَقَطَعَ الْفُورَانِيُّ بِأَنَّهُ لَوْ سَافَرَ بعد عمرته من مَكَّةَ سَفَرًا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ ثُمَّ حَجَّ مِنْ سَنَتِهِ لَا دَمَ عَلَيْهِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ دَخَلَ الْقَارِنُ مَكَّةَ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا دَمَ عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرُونَ أَوْ الْأَكْثَرُونَ وَصَحَّحَهُ الْحَنَّاطِيُّ وَآخَرُونَ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ (إنْ قُلْنَا) الْمُتَمَتِّعُ إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ وَالْفَرْقُ أَنَّ اسْمَ الْقِرَانِ لَا يَزُولُ بِالْعَوْدِ بِخِلَافِ التَّمَتُّعِ وَلَوْ أَحْرَمَ العمرة مِنْ الْمِيقَاتِ وَدَخَلَ مَكَّةَ ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْمِيقَاتِ قَبْلَ طَوَافِهِ فَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَهُوَ قَارِنٌ قَالَ الدَّارِمِيُّ فِي آخِرِ بَابِ الْفَوَاتِ (إنْ قُلْنَا) إذَا أَحْرَمَ بِهِمَا جَمِيعًا ثُمَّ رَجَعَ سَقَطَ الدَّمُ فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (الشَّرْطُ الْخَامِسُ) مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَهُوَ أَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ وُقُوعُ النُّسُكَيْنِ عَنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ فِيهِ وَجْهَانِ مشهوران قال الخضري يشترط وقال الجمهور لا يُشْتَرَطُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُتَصَوَّرُ فَوَاتُ هَذَا الشَّرْطِ فِي صُوَرٍ (إحْدَاهَا) أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ شَخْصٌ لِحَجٍّ وَآخَرُ لِعُمْرَةٍ (الثَّانِيَةُ) أَنْ يَكُونَ اجيرا في عمرة فيفرغ منه ثم يحل لِنَفْسِهِ (الثَّالِثَةُ) أَنْ يَكُونَ أَجِيرًا لِحَجٍّ فَيَعْتَمِرَ لِنَفْسِهِ ثُمَّ يَحُجَّ لِلْمُسْتَأْجِرِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِقَوْلِ الْجُمْهُورِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَجَبَ نِصْفُ دَمِ التَّمَتُّعِ عَلَى مَنْ يَقَعُ لَهُ الْحَجُّ وَنِصْفُهُ عَلَى مَنْ تَقَعُ لَهُ الْعُمْرَةُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَيْسَ هَذَا الْإِطْلَاقُ عَلَى ظَاهِرِهِ بَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى تَفْصِيلٍ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ (أَمَّا) فِي الصُّورَةِ الاولى فقال إن اذن المستأجر ان في التمتع

(7/177)


فَالدَّمُ عَلَيْهِمَا نِصْفَانِ وَإِلَّا فَعَلَى الْأَجِيرِ وَعَلَى قِيَاسِهِ أَنَّهُ إنْ أَذِنَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ فَالنِّصْفُ عَلَى الْآذِنِ وَالنِّصْفُ عَلَى الْأَجِيرِ (وَأَمَّا) فِي الصورتين الاخرتين فقال إن أذن له المتسأجر فِي التَّمَتُّعِ فَالدَّمُ عَلَيْهِمَا نِصْفَانِ وَإِلَّا فَالْجَمِيعُ عَلَى الْأَجِيرِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَاعْلَمْ بَعْدَ هَذَا أُمُورًا (أَحَدُهَا) أَنَّ إيجَابَ الدَّمِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِينَ أَوْ أَحَدِهِمَا مُفَرَّعٌ عَلَى الْأَصَحِّ وَهُوَ أَنَّ دَمَ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَإِلَّا فَهُوَ عَلَى الْأَجِيرِ بِكُلِّ حَالٍ (الثَّانِي) إذَا لَمْ يَأْذَنْ الْمُسْتَأْجِرَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَالْمُسْتَأْجِرُ فِي الثَّالِثَةِ وَكَانَ مِيقَاتُ الْبَلَدِ مُعَيَّنًا فِي الْإِجَارَةِ أَوْ نَزَّلْنَا الْإِطْلَاقَ عَلَيْهِ لَزِمَهُ مَعَ دَمِ التَّمَتُّعِ دَمُ الْإِسَاءَةِ لِمُجَاوَزَةِ
مِيقَاتِ نسكه (الثالث) إذا أوجبنا الدم علي الستأجرين وَكَانَا مُعْسِرَيْنِ لَزِمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَوْمُ خَمْسَةِ أَيَّامٍ لَكِنَّ صَوْمَ التَّمَتُّعِ بَعْضُهُ فِي الْحَجِّ وَبَعْضُهُ بَعْدَ الرُّجُوعِ وَهُمَا لَمْ يُبَاشِرَا حجا وقد سبق في فروع الاجارة في من اُسْتُؤْجِرَ لِيَقْرِنَ فَقَرَنَ أَوْ لِيَتَمَتَّعَ فَتَمَتَّعَ وَكَانَ المستأجر معسرا وقلنا الدم (1) خلافا بَيْنَ الْبَغَوِيِّ وَالْمُتَوَلِّي فَعَلَى قِيَاسِ الْبَغَوِيِّ الصَّوْمُ عَلَى الْأَجِيرِ وَعَلَى قِيَاسِ الْمُتَوَلِّي هُوَ كَمَا لَوْ عَجَزَ الْمُتَمَتِّعُ عَنْ الْهَدْيِ وَالصَّوْمِ جَمِيعًا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمُتَمَتِّعِ إذَا لَمْ يَصُمْ فِي الحج كيف يقضي فإذا أوجبنا فتفريق الخمسة بنسبة الثلاثة والسبعة بِبَعْضِ الْقِسْمَيْنِ فَيُكْمِلَانِ وَيَصُومُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سِتَّةَ أَيَّامٍ وَقِسْ عَلَى هَذَا مَا إذَا أوجبنا الدم في الصورتين الاخرتين عَلَى الْأَجِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ (وَأَمَّا) إذَا قُلْنَا بِقَوْلِ الخضرى فإذا اعتمر عن السمتاجر ثُمَّ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ فَفِي كَوْنِهِ مُسِيئًا الخلاف السابق في من اعْتَمَرَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ مِنْ مكة لكن الاصح هنا أنه مسئ لِإِمْكَانِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ حِينَ حَضَرَ الْمِيقَاتُ قَالَ الْإِمَامُ فَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ الدَّمُ فَفَوَاتُ هَذَا الشَّرْطِ لَا يُؤَثِّرُ إلَّا فِي فَوَاتِ فَضِيلَةِ التَّمَتُّعِ فِي قَوْلِنَا إنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِفْرَادِ وَإِنْ أَلْزَمْنَاهُ الدَّمَ فَلَهُ أَثَرَانِ
(أَحَدُهُمَا)
هَذَا (وَالثَّانِي) أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ لَا يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ إلَى الْمِيقَاتِ وَإِذَا عَادَ وَأَحْرَمَ مِنْهُ سَقَطَ عَنْهُ الدم بلا خلاف والمسئ يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ وَإِذَا عَادَ فَفِي سُقُوطِ الدَّمِ عَنْهُ خِلَافٌ وَأَيْضًا فَالدَّمَانِ يَخْتَلِفُ بَدَلُهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الشَّرْطُ السَّادِسُ) مُخْتَلَفٌ فِيهِ أَيْضًا وَهُوَ نِيَّةُ التَّمَتُّعِ وَفِي اشْتِرَاطِهَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) لَا يُشْتَرَطُ كَمَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقِرَانُ فَإِنْ شَرَطْنَاهَا فَفِي وَقْتِهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا الدَّارِمِيُّ وَآخَرُونَ (أَحَدُهَا) حَالَةُ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الْأَصَحُّ مَا لَمْ يَفْرُغْ مِنْ الْعُمْرَةِ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ فِي الْكِتَابِ (وَالثَّالِثُ) مَا لَمْ يَشْرَعْ فِي الْحَجِّ وَقَدْ سَبَقَ مِثْلُ هَذِهِ الْأَوْجُهِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ (الشَّرْطُ) السَّابِعُ) أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ الميقات فلو جاوزة مُرِيدًا لِلنُّسُكِ ثُمَّ أَحْرَمَ بِهَا فَقَدْ نَصَّ الشافعي أنه ليس
__________
(1) بياض بالاصل فحرر

(7/178)


عَلَيْهِ دَمُ التَّمَتُّعِ بَلْ يَلْزَمُهُ دَمُ الْإِسَاءَةِ فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ بِظَاهِرِ النَّصِّ وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ هَذَا إذَا كَانَ الْبَاقِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَإِنْ بَقِيَتْ مَسَافَةُ الْقَصْرِ فَعَلَيْهِ الدَّمَانِ مَعًا وَمِمَّا يُؤَيِّدُ
هَذَا أَنَّ صَاحِبَيْ الْبَيَانِ وَالشَّامِلِ ذَكَرَا عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ حَكَى عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ أَنَّهُ إذَا مَرَّ بِالْمِيقَاتِ فَلَمْ يُحْرِمْ حَتَّى بَقِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فَعَلَيْهِ دَمُ الْإِسَاءَةِ بِتَرْكِ الْمِيقَاتِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ دَمُ التَّمَتُّعِ لِأَنَّهُ صَارَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا هَذِهِ الشُّرُوطُ السَّبْعَةُ مُعْتَبَرَةٌ لِوُجُوبِ الدَّمِ وِفَاقًا وَخِلَافًا وَهَلْ يُعْتَبَرُ فِي تَسْمِيَتِهِ مُتَمَتِّعًا فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَآخَرُونَ
(أَحَدُهُمَا)
يُعْتَبَرُ فَلَوْ فَاتَهُ شَرْطٌ كَانَ مُفْرِدًا (وَالثَّانِي) لَا يُعْتَبَرُ بَلْ يُسَمَّى مُتَمَتِّعًا مَتَى أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَرْجَحِ مِنْهُمَا فَقَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ لَا يُعْتَبَرُ وَقَالَ الْقَفَّالُ يُعْتَبَرُ وَذَكَرَ أَنَّهُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَطَعَ الدَّارِمِيُّ وَقَالَ الرافعى الاشبه أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ قَالَ وَلِهَذَا قَالَ الْأَصْحَابُ يَصِحُّ التَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ مِنْ الْمَكِّيِّ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ (قُلْتُ) الْأَصَحُّ لَا يُعْتَبَرُ لِمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ
* (فَرْعٌ)
إذَا اعْتَمَرَ الْمُتَمَتِّعُ وَلَمْ يُرِدْ الْعَوْدَ إلَى الْمِيقَاتِ لَزِمَهُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ مِنْ نَفْسِ مَكَّةَ وَهِيَ فِي حَقِّهِ كَهِيَ فِي حَقِّ الْمَكِّيِّ وَأَمَّا الْمَوْضِعُ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ لِلْإِحْرَامِ وَإِحْرَامُهُ مِنْ خَارِجِ مَكَّةَ أَوْ خَارِجِ الْحَرَمِ مِنْ غَيْرِ عَوْدٍ إلَى الْمِيقَاتِ وَلَا إلَى مَسَافَتِهِ فَحُكْمُهُ كُلُّهُ كَمَا سَنَذْكُرُهُ فِي بَابِ مَوَاقِيتِ الْحَجِّ فِي الْمَكِّيِّ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِذَا اقْتَضَى الْحَالُ وُجُوبَ دَمِ الْإِسَاءَةِ وَجَبَ أَيْضًا مَعَ دَمِ التَّمَتُّعِ حَتَّى لَوْ خَرَجَ بَعْدَ تَحَلُّلِهِ مِنْ الْعُمْرَةِ إلَى الْحِلِّ وَأَحْرَمَ مِنْ طَرَفِهِ بِالْحَجِّ فَإِنْ عَادَ إلَى مَكَّةَ مُحْرِمًا قَبْلَ وُقُوفِهِ بِعَرَفَاتٍ لَزِمَهُ دَمُ التَّمَتُّعِ دُونَ دم الْإِسَاءَةِ وَإِنْ ذَهَبَ إلَى عَرَفَاتٍ وَلَمْ يَعُدْ إلَى مَكَّةَ قَبْلَ الْوُقُوفِ فَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ دَمَانِ دَمُ التَّمَتُّعِ وَدَمُ الْإِسَاءَةِ وَحَكَى ابْنُ الصَّبَّاغِ هَذَا عَنْ الْأَصْحَابِ ثُمَّ قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ دَمٌ وَاحِدٌ لِلتَّمَتُّعِ لِأَنَّ دَمَ التَّمَتُّعِ وَجَبَ لترك

(7/179)


الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ مِنْ مِيقَاتِ بَلَدِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَتْرُكَ مِنْهُ مَسَافَةً قَلِيلَةً أَوْ كَثِيرَةً وَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ مَوْضِعٍ مِنْ الْحَرَمِ خَارِجَ مَكَّةَ وَلَمْ يَعُدْ إلَى مَكَّةَ فَهَلْ هُوَ كَمَنْ أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ أَمْ كَمَنْ أَحْرَمَ مِنْ الْحِلِّ قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ فِيهِ وَجْهَانِ وَقِيلَ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
كَمَكَّةَ لِأَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي الْإِحْرَامِ وَتَحْرِيمِ
الصَّيْدِ وَغَيْرِهِ (وَالثَّانِي) كَالْحِلِّ لِأَنَّ مَكَّةَ صَارَتْ مِيقَاتَهُ فَهُوَ كَمَنْ لزم الْإِحْرَامُ مِنْ قَرْيَتِهِ الَّتِي بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمِيقَاتِ فَجَاوَزَهَا وَأَحْرَمَ وَهَذَا الثَّانِي أَصَحُّ
* (فَرْعٌ)
قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ إذَا حَجَّ رَجُلٌ لِنَفْسِهِ مِنْ مِيقَاتٍ فِي أَشْهُرِ الحج فلما ما تَحَلَّلَ مِنْهُ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ أدنى الحل أو تمتتع أَوْ قَرَنَ لِنَفْسِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ ثُمَّ اعْتَمَرَ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ لَمْ يَلْزَمْهُ عَنْ الْعُمْرَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ دَمٌ وَكَذَا لَوْ أَفْرَدَ عَنْ غَيْرِهِ فَحَجَّ ثُمَّ اعْتَمَرَ عَنْهُ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ أَوْ تَمَتَّعَ أَوْ قَرَنَ عَنْ زَيْدٍ ثُمَّ أَحْرَمَ عَنْهُ بِالْعُمْرَةِ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إلَّا دَمُ الْقِرَانِ والتمتع قال فأما إذَا اعْتَمَرَ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ ثُمَّ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ مَكَّةَ أَوْ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ مَكَّةَ أَوْ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ ثُمَّ اعْتَمَرَ عَنْ غَيْرِهِ من ادني الحل فعليه الدم خلافا أبى حَنِيفَةَ
* دَلِيلُنَا أَنَّ الْإِحْرَامَيْنِ إذَا كَانَا عَنْ شَخْصَيْنِ وَجَبَ فِعْلُهُمَا مِنْ الْمِيقَاتِ فَإِذَا تَرَكَ الْمِيقَاتَ فِي أَحَدِهِمَا لَزِمَ الدَّمُ كَمَنْ مَرَّ بِالْمِيقَاتِ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ وَإِنْ أَحْرَمَ بَعْدَ مُجَاوَزَتِهِ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَعَلَى قِيَاسِ هَذَا إذَا أَحْرَمَ الْأَجِيرُ بِالْعُمْرَةِ مِنْ الْمِيقَاتِ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ تحلل مِنْهَا ثُمَّ أَقَامَ يَعْتَمِرُ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ لَزِمَهُ الدَّمُ لِلْعُمْرَةِ الَّتِي أَحْرَمَ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ وَلَا يَلْزَمُ الدَّمُ لِمَا بَعْدَهَا مِنْ الْعُمْرِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ بِنُسُكٍ وَاحِدٍ
* هَذَا آخِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْبَيَانِ
* (فَرْعٌ)
إذَا فَرَغَ الْمُتَمَتِّعُ مِنْ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ صَارَ حَلَالًا وَحَلَّ لَهُ الطِّيبُ وَاللِّبَاسُ وَالنِّسَاءُ وَكُلُّ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ سَوَاءٌ كَانَ سَاقَ الْهَدْيَ أَمْ لَا هَذَا مَذْهَبُنَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ تَحَلَّلَ كَمَا قُلْنَا فَإِنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَحَلَّلَ بَلْ يُقِيمُ عَلَى إحْرَامِهِ حَتَّى يُحْرِمَ بِالْحَجِّ وَيَتَحَلَّلَ مِنْهُمَا جَمِيعًا لِحَدِيثِ حَفْصَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ (مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا لِعُمْرَةٍ وَلَمْ تَحْلِلْ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ قَالَ إنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي وَقَلَّدْتُ

(7/180)


هَدْيِي فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهُ مُتَمَتِّعٌ أَكْمَلَ أَفْعَالَ عُمْرَتِهِ فَتَحَلَّلَ كَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ حَفْصَةَ فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا كَمَا سَبَقَ إيضَاحُهُ وَلِهَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمَا سُقْتُ
الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً) وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ (فَإِنْ قِيلَ) فَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ (خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ حَتَّى قَدِمْنَا مَكَّةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَلَمْ يُهْدِ فَلْيُحْلِلْ وَمَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَأَهْدَى فَلَا يَتَحَلَّلُ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ وَمَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ فَلْيُتِمَّ حَجَّهُ) فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ مُخْتَصَرَةٌ مِنْ رِوَايَتَيْنِ ذَكَرَهُمَا مُسْلِمٌ قَبْلَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَبَعْدَهَا قَالَتْ (خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهْلِلْ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ ثُمَّ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا) فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مُفَسِّرَةٌ لِلْأُولَى وَيَتَعَيَّنُ هَذَا التَّأْوِيلُ لِأَنَّ الْقِصَّةَ وَاحِدَةٌ فَصَحَّتْ الرِّوَايَاتُ
* (فَرْعٌ)
إذَا تَحَلَّلَ الْمُتَمَتِّعُ مِنْ الْعُمْرَةِ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ لَا يُحْرِمَ بِالْحَجِّ إلَّا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَهُوَ الثَّامِنُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ هَذَا إنْ كَانَ وَاجِدَ الْهَدْيِ وَإِنْ كَانَ عَادِمَهُ اُسْتُحِبَّ لَهُ تَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ قَبْلَ الْيَوْمِ السَّادِسِ لِأَنَّ فَرْضَهُ الصَّوْمُ وَلَا يَجُوزُ إلَّا بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَوَاجِبُهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٌ إذَا رَجَعَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَصُومَ يَوْمَ عَرَفَةَ فَيَتَعَيَّنُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ قَبْلَهُ وَهِيَ السَّادِسُ وَالسَّابِعُ وَالثَّامِنُ هَذَا مَذْهَبُنَا وَثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ فِعْلِهِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَآخَرُونَ مِنْهُمْ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَحْمَدُ واسحق وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَآخَرُونَ وَقَالَ مَالِكٌ وَآخَرُونَ الْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ أَوَّلِ ذِي الْحِجَّةِ سَوَاءٌ كَانَ وَاجِدًا لِلْهَدْيِ أَمْ لَا وَحَكَاهُ ابْنُ المنذر عن عمر ابن الْخَطَّابِ وَأَبِي ثَوْرٍ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ أَكْثَرِ الصحابة والعملاء وَالْخِلَافُ فِي الِاسْتِحْبَابِ فَكِلَاهُمَا جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ
* دَلِيلُنَا مَا ثَبَتَ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ (حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ سَاقَ الْهَدْيَ مَعَهُ يعني حجة الوداع وقد أهلو بِالْحَجِّ مُفْرَدًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحِلُّوا مِنْ إحْرَامِكُمْ فَطُوفُوا بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَقَصِّرُوا وَأَقِيمُوا حَلَالًا حَتَّى إذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ

(7/181)


فَأَهِلُّوا بِالْحَجِّ وَاجْعَلُوا الَّتِي قَدِمْتُمْ بِهَا مُتْعَةً) وفى رواية قال (تحللا فوقعنا النساء وتطيبنا ولبثنا ثِيَابَنَا وَلَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ عَرَفَةَ إلَّا أَرْبَعَ لَيَالٍ ثُمَّ أَهْلَلْنَا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ يَعْنِي بِالْحَجِّ) وَفِي رِوَايَةٍ (فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ أَهْلَلْنَا بِالْحَجِّ) وَفِي رِوَايَةٍ (حَتَّى إذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَجَعَلْنَا مَكَّةَ بِظَهْرٍ أَهْلَلْنَا بِالْحَجِّ وَفِي رِوَايَةٍ (أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا
أَهْلَلْنَا أَنْ نُحْرِمَ إذَا تَوَجَّهْنَا إلَى مِنًى) هَذِهِ الرِّوَايَاتُ كُلُّهَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَبَعْضُهَا فِي الْبُخَارِيِّ أَيْضًا وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ (أَنَّهُ كَانَ إذَا كَانَ بِمَكَّةَ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ فَقَالَ لَهُ عبيد بن جريح فِي ذَلِكَ فَقَالَ إنِّي لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهِلُّ حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلَتُهُ) قَالَ الْعُلَمَاءُ أَجَابَهُ ابْنُ عُمَرَ بِضَرْبٍ مِنْ الْقِيَاسِ حَيْثُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِنَفْسِ فَعَلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ بِعَيْنِهَا فَاسْتَدَلَّ بِمَا فِي مَعْنَاهُ وَوَجْهُ قِيَاسِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا أَحْرَمَ عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي أَفْعَالِ الْحَجِّ وَالذَّهَابِ إلَيْهِ فَأَخَّرَ ابْنُ عُمَرَ الْإِحْرَامَ إلَى حَالِ شُرُوعِهِ فِي الحج وَتَوَجُّهِهِ إلَيْهِ وَهُوَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ لِأَنَّهُمْ حِينَئِذٍ يَخْرُجُونَ مِنْ مَكَّةَ إلَى مِنًى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي مَسَائِلَ سَبَقَتْ (مِنْهَا) إذَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَفَعَلَ أَفْعَالَهَا فِي أَشْهُرِهِ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ دَمُ التَّمَتُّعِ وَبِهِ قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وقتادة وأحمد وإسحق وَدَاوُد وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ الْحَسَنُ وَالْحَكَمُ وَابْنُ شُبْرُمَةَ يَلْزَمُهُ وَمِنْهَا إذَا عَادَ الْمُتَمَتِّعُ لِإِحْرَامِ الْحَجِّ إلَى الْمِيقَاتِ سَقَطَ عَنْهُ دَمُ التَّمَتُّعِ عِنْدَنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَسْقُطُ (وَمِنْهَا) حَاضِرُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عِنْدَنَا مَنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَسَافَةٌ لَا تُقْصَرُ فيها الصلاة وقال ابن عباس وطاووس وَمُجَاهِدٌ وَالثَّوْرِيُّ هُوَ مَنْ كَانَ بِالْحَرَمِ خَاصَّةً وَقَالَ مَالِكٌ هُمْ أَهْلُ مَكَّةَ وَذِي طُوًى وَقَالَ مَكْحُولٌ هُمْ مَنْ كَانَ أَهْلُهُ دُونَ الْمِيقَاتِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ هُوَ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمِيقَاتِ أَوْ دُونَهُ (وَمِنْهَا) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ لِمَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَنْ يُدْخِلَ عَلَيْهَا الْحَجَّ مَا لَمْ يَفْتَتِحْ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي إدْخَالِهِ عَلَيْهَا بَعْدَ افْتِتَاحِ الطَّوَافِ فَجَوَّزَهُ مَالِكٌ وَمَنَعَهُ عَطَاءٌ والشافعي وأبو ثور قال وَاخْتَلَفُوا فِي إدْخَالِ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ فَقَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ وَيَصِيرُ قَارِنًا وَعَلَيْهِ دَمُ الْقِرَانِ وَهُوَ قَوْلٌ قَدِيمٌ لِلشَّافِعِيِّ وَمَنَعَهُ الشَّافِعِيُّ فِي مصر ونقل

(7/182)


مَنْعَهُ عَنْ أَكْثَرِ مَنْ لَقِيَهُ قَالَ ابْنُ المنذر وبقول مالك أقول (وَمِنْهَا) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ دَخَلَ مَكَّةَ بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مُرِيدًا لِلْمُقَامِ بِهَا ثُمَّ حَجَّ مِنْ مَكَّةَ أَنَّهُ مُتَمَتِّعٌ يَعْنِي وَعَلَيْهِ الدَّمُ (وَمِنْهَا) إذَا خَرَجَ الْمَكِّيُّ إلَى بَعْضِ الْآفَاقِ لِحَاجَةٍ ثُمَّ عَادَ وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْهُ أَوْ مِنْ مِيقَاتِهِ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ
فَلَا دَمَ عَلَيْهِ عندنا وقال طاووس يجب * قال المصنف رحمه الله
* (ويجب دم التمتع بالاحرام بالحج لِقَوْلِهِ تَعَالَى (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فما استيسر من الهدى) ولان شرائط الدم انما توجد بوجود الاحرام بالحج فوجب أن يتعلق الوجوب به وفى وقت جوازه قولان
(أحدهما)
لا يجوز قبل أن يحرم بالحج لان الذبح قربة تتعلق بالبدن فلا يجوز قبل وجوبها كالصوم والصلاة
(والثانى)
يجوز بعد الفراغ من العمرة لانه حق مال يجب بسببين فجاز تقديمه على أحدهما كالزكاة بعد ملك النصاب)
* (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ يَتَعَلَّقُ بِالْبَدَنِ احْتِرَازٌ مِنْ الزَّكَاةِ (وَقَوْلُهُ) حَقُّ مَالٍ احْتِرَازٌ مِنْ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ (وقوله) يجب بسببين احتراز من حق مَالٍ يَجِبُ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ كَكَفَّارَةِ الْجِمَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ وَغَيْرِهَا مِمَّا قَدَّمْنَا بَيَانَهُ فِي آخِرِ بَابِ تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَدْ سَبَقَ أَنَّ دَمَ التَّمَتُّعِ وَاجِبٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَوَقْتَ وُجُوبِهِ عِنْدَنَا الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ بِلَا خِلَافٍ (وَأَمَّا) وَقْتُ جَوَازِهِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَجُوزُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْعُمْرَةِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ لَهُ سَبَبٌ وَيَجُوزُ بَعْدَ الاحرام بالحج بلا خلاف ولا يتوقت بوقت كسائر دماء الجبران لكن الْأَفْضَلَ ذَبْحُهُ يَوْمَ النَّحْرِ وَهَلْ تَجُوزُ إرَاقَتُهُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ مِنْ الْعُمْرَةِ وَقَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ وَحَكَاهُمَا جَمَاعَةٌ وَجْهَيْنِ وَالْمَشْهُورُ قَوْلَانِ وَذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ فَعَلَى هَذَا هَلْ يَجُوزُ قَبْلَ التَّحَلُّلِ مِنْ الْعُمْرَةِ فِيهِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَجُوزُ قَطْعًا وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَكَثِيرِينَ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ
(وَالثَّانِي)
فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجُوزُ
(والثانى)
يجوز

(7/183)


لِوُجُودِ بَعْضِ السَّبَبِ حَكَاهُ أَصْحَابُنَا الْخُرَاسَانِيُّونَ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ فَالْحَاصِلُ فِي وَقْتِ جَوَازِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ (وَأَصَحُّهَا) بَعْدَ فَرَاغِهَا (وَالثَّالِثُ) بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي وَقْتِ وُجُوبِ دَمِ التَّمَتُّعِ
* ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا وُجُوبُهُ بِالْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُد وَقَالَ عَطَاءٌ لَا يَجِبُ حَتَّى يَقِفَ بِعَرَفَاتٍ
* وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجِبُ حَتَّى يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ (وَأَمَّا) جَوَازُهُ فَذَكَرْنَا أَنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَنَا بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ بِلَا خِلَافٍ وَفِيمَا قَبْلَهُ خِلَافٌ
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الحج فما استيسر من الهدى) وَمَعْنَاهُ فَعَلَيْهِ مَا اسْتَيْسَرَ وَبِمُجَرَّدِ الْإِحْرَامِ يُسَمَّى مُتَمَتِّعًا فَوَجَبَ الدَّمُ حِينَئِذٍ وَلِأَنَّ مَا جُعِلَ غاية تعلق الحكم بأوله كقوله تعالى (وأتموا الصيام إلى الليل) ولان شروط التمتع وجدت فوجب الدَّمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ الْعُلَمَاءُ قَوْله تَعَالَى (فمن تمتع بالعمرة) أَيْ بِسَبَبِ الْعُمْرَةِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَمَتَّعُ بِمَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِسَبَبِ الْعُمْرَةِ قَالُوا وَالتَّمَتُّعُ هُنَا التَّلَذُّذُ وَالِانْتِفَاعُ يُقَالُ تَمَتَّعَ بِهِ أَيْ أَصَابَ مِنْهُ وَتَلَذَّذَ بِهِ وَالْمَتَاعُ كُلُّ شئ يُنْتَفَعُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَاحْتَجَّ بِهِ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي أَنَّ دَمَ التَّمَتُّعِ لَا يَجُوزُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْأُضْحِيَّةِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا عَلَيْهِمَا بِالْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَلِأَنَّهُمَا وَافَقَا عَلَى جَوَازِ صَوْمِ التَّمَتُّعِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ أَعْنِي صَوْمَ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ فَالْهَدْيُ أَوْلَى وَلِأَنَّهُ دَمُ جُبْرَانٍ فَجَازَ بَعْدَ وُجُوبِهِ وَقَبْلَ يَوْمِ النحر كدم فدية الطيب واللباس وغيرهما يخالف الْأُضْحِيَّةَ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَى وَقْتِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا دَمُ التَّمَتُّعِ شَاةٌ صِفَتُهَا صِفَةُ الْأُضْحِيَّةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَقُومُ مَقَامَهَا سُبْعُ بدنة أو سبع بقرة * قال المصنف رحمه الله
*

(7/184)


(فان لم يكن واجدا للهدى في موضعه انتقل إلى الصوم وهو صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رجع لقوله تعالى (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ) فأما صوم ثلاثة أيام فلا يجوز قبل الاحرام بالحج لانه صوم واجب فلا يجوز قبل وجوبه كصوم رمضان ويجوز بعد الاحرام بالحج إلى يوم النحر والمستحب أن يفرغ منه قبل يوم عرفة فانه يكره للحاج صوم يوم عرفة وهل يجوز صيامها في أيام التشريق فيه قولان وقد ذكرناهما في كتاب الصيام (وأما) صوم السبعة ففيه قولان قال في حرمه لا يجوز حتى يرجع إلى أهله لِمَا رَوَى جَابِرٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (من كان معه هدى فليهد ومن لم يكن يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذا رجع إلى أهله) وقال في الاملاء يصوم إذا أخذ في السير خارجا من مكة لقوله تعالي (وسبعة إذا رجعتم) وابتداء الرجوع إذا ابتدأ بالسير من مكة فإذا قلنا بهذا ففى الافضل قولان
(أحدهما)
الافضل أن يصوم بعد اللابتداء بالسير لان تقديم العبادة في أول وقتها أفضل (والثاني) الافضل أن يؤخر إلى أن
يرجع إلي الوطن ليخرج من الخلاف فان لم يصم الثلاثة حتى رجع الي أهله لزمه صوم عشرة أيام وهل يشترط التفريق بينهما وجهان
(أحدهما)
ليس بشرط لان التفريق وجب بحكم الوقت وقد فات فسقط كالتفريق بين الصلوات
(والثانى)
أنه يشترط وهو المذهب لان ترتيب احدهما على الآخر لا يتعلق بوقت فلم يسقط بالفوات كترتيب أفعال الصلاة (فان قلنا) بالوجه الاول صام عشرة أيام كيف شاء (وان قلنا) بالمذهب فرق بينهما بمقدار ما وجب التفريق بينهما في الاداء)
* (الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلفظ هذا (وأما) حكم الْفَصْلِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إذَا وَجَدَ الْمُتَمَتِّعُ الْهَدْيَ فِي مَوْضِعِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْعُدُولُ إلَى الصوم لقوله تعالى (فمن لم يجد) وهذا مجمع عليه فان قدم

(7/185)


الهدى في موضعه لزمه صَوْمُ عَشْرَةِ أَيَّامٍ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ مَالٌ غَائِبٌ فِي بَلَدِهِ أَوْ غَيْرِهِ أَمْ لَمْ يَكُنْ بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الِانْتِقَالِ إلَى الصَّوْمِ فِيهَا الْعَدَمُ مُطْلَقًا وَالْفَرْقُ أَنَّ بدل الدم موقت بِكَوْنِهِ فِي الْحَجِّ وَلَا تَوْقِيتَ فِي الْكَفَّارَةِ وَلِأَنَّ الْهَدْيَ يَخْتَصُّ ذَبْحُهُ بِالْحَرَمِ بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ قال أصحابنا فان وَجَدَ الْهَدْيَ وَثَمَنَهُ لَكِنَّهُ لَا يُبَاعُ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ فَهُوَ كَالْمَعْدُومِ فَلَهُ الِانْتِقَالُ إلَى الصَّوْمِ وَلَوْ وَجَدَ الثَّمَنَ وَعُدِمَ الْهَدْيُ فِي الْحَالِ وَعَلِمَ أَنَّهُ يَجِدُهُ قَبْلَ فَرَاغِ الصَّوْمِ هَلْ يَجُوزُ الِانْتِقَالُ إلَى الصَّوْمِ فِيهِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ وَسَبَقَ مِثْلُ هَذَا الْخِلَافِ فِي التَّيَمُّمِ
* قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَوْ كَانَ يَرْجُو الهدى ولا يتيقنه جاز الصوام
* وَهَلْ يُسْتَحَبُّ انْتِظَارُ الْهَدْيِ فِيهِ قَوْلَانِ كَالتَّيَمُّمِ قَالَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا لَمْ يَجُزْ تَأْخِيرُ الصَّوْمِ لِأَنَّهُ مُضَيَّقٌ كَمَنْ عَدِمَ الْمَاءَ يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ وَلَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ بِخِلَافِ جَزَاءِ الصَّيْدِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ إذَا غَابَ مَالُهُ لِأَنَّهُ يَقْبَلُ التَّأْخِيرَ كَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَالْجِمَاعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* ثُمَّ الصَّوْمُ الْوَاجِبُ يُقْسَمُ ثَلَاثَةً وَسَبْعَةً فَالثَّلَاثَةُ يَصُومُهَا فِي الْحَجِّ وَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا علي الاحرام بالحج ولا يجوز صوم شئ مِنْهَا يَوْمَ النَّحْرِ وَفِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ قَوْلَانِ سَبَقَا فِي كِتَابِ الصِّيَامِ
* وَيُسْتَحَبُّ صَوْمُ جَمِيعِ الثَّلَاثَةِ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ لِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْحَاجِّ فِطْرُ يَوْمِ عَرَفَةَ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ يُكْرَهُ صَوْمُهُ فَخِلَافُ عِبَارَةِ الْجُمْهُورِ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِهِ وَإِنَّمَا يُمْكِنُهُ هَذَا إذَا تَقَدَّمَ إحْرَامُهُ بِالْحَجِّ عَلَى
الْيَوْمِ السَّادِسِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ
* قال أصحابنا يستحب للتمتع الَّذِي هُوَ مِنْ أَهْلِ الصَّوْمِ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ السَّادِسِ
* وَحَكَى الْحَنَّاطِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَوَقَّعْ هَدْيًا وَجَبَ تَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ عَلَى السَّابِعِ لِيُمْكِنَهُ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ (وَالْمَذْهَبُ) أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ (وَأَمَّا) وَاجِدُ الْهَدْيِ فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَهُوَ الثَّامِنُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الثلاثة ولا شئ مِنْهَا عَنْ يَوْمِ عَرَفَةَ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَتَابَعَهُ الْأَصْحَابُ وَدَلِيلُهُ قَوْله تَعَالَى (ثلاثة في الحج)
* قال أصحابنا واذ فَاتَ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ فِي الْحَجِّ لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا وَلَا دَمَ عَلَيْهِ وَخَرَّجَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَأَبُو اسحق الْمَرْوَزِيُّ قَوْلًا أَنَّهُ يَسْقُطُ الصَّوْمُ وَيَسْتَقِرُّ الْهَدْيُ فِي ذِمَّتِهِ حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وآخرون عن أبى اسحق وَحَكَاهُ الْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وحكاه

(7/186)


صَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ عَنْهُمَا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَحْصُلُ فَوَاتُهَا بِفَوَاتِ يَوْمِ عَرَفَةَ إنْ قُلْنَا لَا يَجُوزُ صَوْمُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَإِنْ جَوَّزْنَاهُ حَصَلَ الْفَوَاتُ بِخُرُوجِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهَا تَفُوتُ بِخُرُوجِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ حَتَّى لَوْ تَأَخَّرَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ عَنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ كان يعد فِي الْحَجِّ وَكَانَ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ بَعْدَ التَّشْرِيقِ قَضَاءً وَإِنْ بَقِيَ الطَّوَافُ لِأَنَّ تَأْخِيرَهُ بَعِيدٌ فِي الْعَادَةِ فَلَا يُحْمَلُ عَلَى قَوْلِ اللَّهِ تعالى (ثلاثة فِي الْحَجِّ) هَكَذَا ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ وَحَكَى الْبَغَوِيّ فِيهِ وَجْهًا آخَرَ
* قَالَ أَصْحَابُنَا (فان قلنا) أيام الشتريق يَجُوزُ لَهُ صَوْمُهَا فَصَامَهَا كَانَ صَوْمُهَا أَدَاءً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) السَّبْعَةُ فَوَقْتُهَا إذَا رَجَعَ وَفِي الْمُرَادِ بِالرُّجُوعِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ الرُّجُوعُ إلَى أَهْلِهِ وَوَطَنِهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَحَرْمَلَةَ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ الْفَرَاغُ مِنْ الْحَجِّ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْإِمْلَاءِ (فَإِذَا قُلْنَا) بِالْوَطَنِ فَالْمُرَادُ بِهِ كلما يُقْصَدُ اسْتِيطَانُهُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْحَجِّ سَوَاءٌ كَانَ بَلَدُهُ الْأَوَّلَ أَمْ غَيْرَهُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا فَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَتَوَطَّنَ مَكَّةَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْحَجِّ صَامَ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَتَوَطَّنْهَا لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ بِهَا وَهَلْ يَجُوزُ فِي الطَّرِيقِ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إلَى وَطَنِهِ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ قَبْلَ وَقْتِهِ
(وَالثَّانِي)
يَجُوزُ لِأَنَّهُ يُسَمَّى رَاجِعًا حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ (وَإِنْ قُلْنَا) الْمُرَادُ بِالرُّجُوعِ الْفَرَاغُ فَأَخَّرَهُ حَتَّى رَجَعَ إلَى وَطَنِهِ جَازَ وَهَلْ هُوَ أَفْضَلُ أَمْ التَّقْدِيمُ
فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) التَّأْخِيرُ أَفْضَلُ ولا يجوز صوم شئ مِنْ السَّبْعِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَإِنْ جَوَّزْنَا صِيَامَهَا لِغَيْرِهِ فَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى رَاجِعًا وَلِأَنَّهُ يُعَدُّ فِي الْحَجِّ وَإِنْ تَحَلَّلَ
* وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ قَوْلًا أَنَّ الْمُرَادَ بالرجوع إلَى مَكَّةَ مِنْ مِنًى وَجَعَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ هَذَا قَوْلًا غَيْرَ قَوْلِ الْفَرَاغِ مِنْ الْحَجِّ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمُقْتَضَى كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الاصحاب انهما شئ وَاحِدٌ قَالَ وَهُوَ الْأَشْبَهُ قَالَ وَعَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ قَوْلًا آخَرَ يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ مِنْ مِنًى إلَى مَكَّةَ صَحَّ صَوْمُهُ وَإِنْ تَأَخَّرَ طَوَافُ الْوَدَاعِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الرَّافِعِيُّ عَجَبٌ فَإِنَّ الرُّجُوعَ إلَى مَكَّةَ غَيْرُ الفراغ

(7/187)


فَقَدْ يَفْرُغُ وَيَتَأَخَّرُ عَنْ مَكَّةَ يَوْمًا أَوْ أَيَّامًا بَعْدَ التَّشْرِيقِ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ خِلَافًا فِي مَعْنَى نَصِّهِ فِي الْإِمْلَاءِ قَالَ قَالَ أَصْحَابُنَا الْبَصْرِيُّونَ مَذْهَبُهُ فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّهُ يَصُومُهَا بَعْدَ شُرُوعِهِ مِنْ مَكَّةَ إلَى وَطَنِهِ وَلَا يَجُوزُ صَوْمُهَا فِي مَكَّةَ قَبْلَ خُرُوجِهِ قَالَ وَقَالَ أَصْحَابُنَا الْبَغْدَادِيُّونَ مَذْهَبُهُ فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّهُ يَصُومُهَا إذَا رَجَعَ إلَى مَكَّةَ مِنْ مِنًى بَعْدَ فَرَاغِ مَنَاسِكِهِ سَوَاءٌ أَقَامَ بِمَكَّةَ أَوْ خَرَجَ مِنْهَا وَهَذَا الْخِلَافُ الَّذِي حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ حَكَاهُ أَيْضًا صَاحِبُ الشَّامِلِ وَآخَرُونَ فَحُصِلَ فِي الْمُرَادِ بِالرُّجُوعِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ (أَصَحُّهَا) إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ
(وَالثَّانِي)
إذَا تَوَجَّهَ مِنْ مَكَّةَ رَاجِعًا إلَى أَهْلِهِ (وَالثَّالِثُ) إذَا رَجَعَ مِنْ مِنًى إلَى مَكَّةَ (وَالرَّابِعُ) إذَا فَرَغَ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ إلَى مَكَّةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) مَنْ بَقِيَ عَلَيْهِ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ فَلَا يَجُوزُ صِيَامُهُ سَوَاءٌ قُلْنَا الرُّجُوعُ إلَى أَهْلِهِ أَمْ الْفَرَاغِ سَوَاءٌ كَانَ بِمَكَّةَ أَوْ فِي غَيْرِهَا وَحَكَى الدَّارِمِيُّ فِيهِ وَجْهًا ضَعِيفًا أَنَّهُ يَجُوزُ إذَا قُلْنَا الرُّجُوعُ الْفَرَاغُ
* قَالَ أصحابنا وإذا لم يصم يالثلاثة فِي الْحَجِّ وَرَجَعَ لَزِمَهُ صَوْمُ الْعَشَرَةِ فَالثَّلَاثَةُ قضاء والسبع أَدَاءٌ وَفِي الثَّلَاثَةِ الْقَوْلُ الْمُخَرَّجُ السَّابِقُ أَنَّهُ لا يصومها بل يستقر الْهَدْيُ فِي ذِمَّتِهِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ هَلْ يَجِبُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَالسَّبْعَةِ فِيهِ قَوْلَانِ وَقِيلَ وَجْهَانِ وَهُمَا مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) عند الصمنف وَالْجُمْهُورِ يَجِبُ قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَبِهَذَا الْوَجْهِ قَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا مِمَّنْ صَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْمَاوَرْدِيُّ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ لَا يَجِبُ فَعَلَى الْأَوَّلِ هَلْ يَجِبُ التَّفْرِيقُ بِقَدْرِ مَا يَكُونُ تَفْرِيقُ الْأَدَاءِ فِيهِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا بَلْ يَكْفِي التَّفْرِيقُ بِيَوْمٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ وَبِهِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ (وَأَصَحُّهُمَا) يَجِبُ وَفِي قَدْرِهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ تَتَوَلَّدُ
مِنْ أَصْلَيْنِ سَبَقَا وَهُمَا صَوْمُ الْمُتَمَتِّعِ أَيَّامَ التشريق وان الرجوع مماذا (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْأَصَحِّ إنَّ الْمُتَمَتِّعَ لَيْسَ لَهُ صَوْمُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَأَنَّ الرُّجُوعَ رُجُوعُهُ إلَى الْوَطَنِ فَالتَّفْرِيقُ بِأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَمُدَّةِ إمْكَانِ السَّيْرِ إلَى أَهْلِهِ عَلَى الْعَادَةِ الْغَالِبَةِ وَبِهَذَا جَزَمَ المصنف وغيره (وان قلنا) ليس له صومها والرجوع الفراغ فالتفريق باربعة ايام فقط (وَإِنْ قُلْنَا) لَهُ صَوْمُهَا وَالرُّجُوعُ هُوَ الرُّجُوعُ إلَى الْوَطَنِ فَالتَّفْرِيقُ بِمُدَّةِ إمْكَانِ السَّيْرِ فَقَطْ (وَإِنْ قُلْنَا) لَهُ صَوْمُهَا وَالرُّجُوعُ الْفَرَاغُ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجِبُ التَّفْرِيقُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْأَدَاءِ تَفْرِيقٌ وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبَا الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ
(وَالثَّانِي)
يَجِبُ التَّفْرِيقُ بِيَوْمٍ لِأَنَّ التَّفْرِيعَ كُلَّهُ عَلَى وُجُوبِ التَّفْرِيقِ
* فَإِنْ أَرَدْتَ اخْتِصَارَ الْأَقْوَالِ التي تجئ في من لَمْ يَصُمْ الثَّلَاثَةَ فِي الْحَجِّ كَانَتْ سِتَّةً (احدها) لا صوم

(7/188)


بَلْ يَنْتَقِلُ إلَى الْهَدْيِ (وَالثَّانِي) عَلَيْهِ صَوْمُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ مُتَفَرِّقَةٍ أَوْ مُتَتَابِعَةٍ (وَالثَّالِثُ) عَشَرَةٌ وَيُفَرِّقُ بِيَوْمٍ فَصَاعِدًا (وَالرَّابِعُ) يُفَرِّقُ بِأَرْبَعَةٍ فَقَطْ (وَالْخَامِسُ) يُفَرِّقُ بِمُدَّةِ إمْكَانِ السَّيْرِ (وَالسَّادِسُ) بِأَرْبَعَةٍ وَمُدَّةِ إمْكَانِ السَّيْرِ وَهَذَا أَصَحُّهَا فَلَوْ صَامَ عَشَرَةً مُتَوَالِيَةً وَقُلْنَا بِالْمَذْهَبِ وَهُوَ وُجُوبُ قَضَاءِ الثَّلَاثَةِ أَجْزَأَهُ إنْ لَمْ نَشْتَرِطْ التَّفْرِيقَ فَإِنْ شَرَطْنَاهُ وَاكْتَفَيْنَا بِالتَّفْرِيقِ بِيَوْمٍ لَمْ يُعْتَدَّ بِالْيَوْمِ الرَّابِعِ وَيُسْتَحَبُّ مَا بَعْدَهُ فَيَصُومُ يَوْمًا آخَرَ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَفِي وَجْهٍ لَا يعتد بشئ سِوَى الثَّلَاثَةِ حَكَاهُ الْفُورَانِيُّ وَآخَرُونَ وَفِي وَجْهِ الْإِصْطَخْرِيِّ لَا يُعْتَدُّ بِالثَّلَاثَةِ أَيْضًا إذَا نَوَى السَّابِعَ وَهُمَا شَاذَّانِ ضَعِيفَانِ وَمِمَّنْ حَكَى هَذَا الْأَخِيرَ الدَّارِمِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ
* قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هَذَا الَّذِي قَالَهُ الْإِصْطَخْرِيُّ غَلَطٌ فَاحِشٌ لِأَنَّ تَفْرِيقَ الصَّوْمِ وَمُتَابَعَتَهُ يَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ لَا بِالنِّيَّةِ وَلِأَنَّ فَسَادَ بَعْضِ الْأَيَّامِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ فَسَادُ غَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ إفْسَادُ الثَّلَاثَةِ لِفَسَادِ السَّبْعَةِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنْ شَرَطْنَا التَّفْرِيقَ بِأَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ لَمْ يُعْتَدَّ بِذَلِكَ الْقَدْرِ
* هَكَذَا ذَكَرَ الْأَصْحَابُ هَذَا التَّفْصِيلَ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ هَذَا عَنْ الْأَصْحَابِ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي الْقَوْلِ الْأَخِيرِ يُفَرِّقُ بِقَدْرِ مُدَّةِ السَّيْرِ وَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا أَرْبَعَةٍ وَفِي الْقَوْلِ الْخَامِسِ بِقَدْرِ مُدَّةِ السَّيْرِ إلَّا يَوْمًا وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِمَا لَا دَلَالَةَ فِيهِ
* قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْأَصْحَابُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ أَقَلُّ مَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا بِيَوْمٍ قَالُوا وَاخْتَلَفَ أصحابنا في معناه فقال أبو إسحق هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى جَوَازِ صِيَامِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ عَنْ كُلِّ صَوْمٍ لَهُ سَبَبٌ لِأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ الثَّلَاثَةِ يَوْمَ عَرَفَةَ وَيُفْطِرَ
يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ يَصُومُ التَّشْرِيقَ عَنْ سَبْعَةٍ
* قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَهَذَا الْوَجْهُ خَطَأٌ فَاحِشٌ مِنْ قَائِلِهِ لِأَنَّ صَوْمَ السَّبْعَةِ لَا يَجُوزُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ بَعْدَ فَرَاغِ الْحَجِّ أَوْ بَعْدَ الرُّجُوعِ إلَى أَهْلِهِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ هَذَا قول للشافعي مستقل ليس مبنى على شئ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا وَالتَّفْرِيقُ يَحْصُلُ بِيَوْمٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ صَوْمِ الثَّلَاثَةِ وَالسَّبْعَةِ لَا يَجِبُ التَّتَابُعُ فِيهِ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ الدَّارِمِيُّ فِي وُجُوبِ التَّتَابُعِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَجْهَانِ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا فِي وُجُوبِ التَّتَابُعِ قَوْلًا مُخْرَجًا مِنْ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ
*

(7/189)


(فَرْعٌ)
يَنْوِي بِهَذَا الصَّوْمِ صَوْمَ التَّمَتُّعِ وَإِنْ كَانَ قَارِنًا نَوَى صَوْمَ الْقِرَانِ وَإِذَا صَامَ الثلاثة في الحج والسبعة بعد الرجوع إلى يَلْزَمْهُ نِيَّةُ التَّفْرِقَةِ
* هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَحَكَى الدَّارِمِيُّ فِيهِ طَرِيقَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
هَذَا (وَالثَّانِي) فِي وُجُوبِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُ عَنْ حِكَايَةِ ابْنِ الْقَطَّانِ والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (فان دخل في الصوم ثم وجد الهدى فالافضل أن يهدى ولا يلزمه وقال المزني يلزمه كالمتيمم إذا رأى الماء وان وجد الهدى بعد الاحرام بالحج وقبل الدخول في الصوم فهو مبني على الاقوال الثلاثة في الكفارات (أحدها) أن الاعتبار بحال الوجوب ففرضه الصوم
(والثانى)
الاعتبار بحال الاداء ففرضه الهدى (والثالث) الاعتبار بأغلظ الحالين ففرضه الهدى)
* (الشَّرْحُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا شَرَعَ فِي صَوْمِ التَّمَتُّعِ الثَّلَاثَةِ أَوْ السَّبْعَةِ ثُمَّ وَجَدَ الْهَدْيَ لَمْ يَلْزَمْهُ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُهْدِيَ وَبِمَذْهَبِنَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَقَالَ الْمُزَنِيّ يَلْزَمُهُ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَلْزَمُهُ إنْ وَجَدَهُ فِي الثَّلَاثَةِ وَلَا يَلْزَمُهُ فِي السَّبْعَةِ وَالْخِلَافُ شَبِيهٌ بِالْخِلَافِ بَيْنَ الشَّافِعِيِّ وَبَيْنَهُمَا فِي رُؤْيَةِ الْمُسَافِرِ الْمَاءَ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ بِالتَّيَمُّمِ وَسَبَقَ بَيَانُهُ بِدَلَائِلِهِ وَإِنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَلَا هَدْيَ ثُمَّ وَجَدَهُ قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الصَّوْمِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْكَفَّارَةِ بِمَاذَا وَفِيهَا الْأَقْوَالُ الَّتِي
ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ (وَأَصَحُّهَا) الِاعْتِبَارُ بِوَقْتِ الْأَدَاءِ فَيَلْزَمُهُ الْهَدْيُ وَهُوَ نص الشافعي في هذه المسألة
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ويجب على القارن دم لانه روى ذلك عن ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهم ولانه إذا وجب على التمتع لانه جمع بين النسكين في وقت أحدهما فلان يجب على القارن وقد جمع بينهما في الاحرام أولى وإن لم يجد الهدي فعليه صوم التمتع ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع على ما بيناه)
* (الشَّرْحُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يَلْزَمُ الْقَارِنَ دَمٌ بلا خلاف لما ذكره الصمنف فَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ فَعَلَيْهِ صَوْمُ التَّمَتُّعِ كَمَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ وَتَفْرِيعُهُ وَهَذَا الدَّمُ شَاةٌ كَدَمِ التَّمَتُّعِ كَمَا سَبَقَ
* هَكَذَا ذَكَرَهُ

(7/190)


الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ إلَّا الْحَنَّاطِيُّ وَالرَّافِعِيُّ فَحَكَيَا قَوْلًا قَدِيمًا أَنَّهُ بَدَنَةٌ وَهُوَ مذهب الشافعي وقال طاووس وحكاه العبدرى عن الحسن بن علي بن سُرَيْجٍ وَهُوَ مَذْهَبُ دَاوُد وَابْنِهِ أَبِي بَكْرٍ محمد دَاوُد لَا دَمَ عَلَيْهِ وَبِالشَّاةِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ هُوَ قَوْلُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً سِوَى مَنْ ذَكَرْنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ الْقَارِنُ أَخَفُّ حَالًا مِنْ الْمُتَمَتِّعِ قَالَ أَصْحَابُنَا يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهَذَا الرَّدَّ عَلَى الشَّعْبِيِّ لِأَنَّ الْقَارِنَ أَحْرَمَ بِالنُّسُكَيْنِ مِنْ الْمِيقَاتِ بِخِلَافِ الْمُتَمَتِّعِ فَإِذَا كَفَى الْمُتَمَتِّعَ الدم فالقارن أولى ويحتمل انه رد على طاووس لِأَنَّ الْقَارِنَ أَقَلُّ فِعْلًا مِنْ الْمُتَمَتِّعِ فَإِذَا لَزِمَ الْمُتَمَتِّعَ الدَّمُ فَالْقَارِنُ أَوْلَى وَهَذَانِ التَّأْوِيلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابَيْهِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَسَائِرُ شُرَّاحِ الْمُخْتَصَرِ قال الماوردى والتأويل الْأَوَّلُ هُوَ نَصُّهُ فِي الْقَدِيمِ وَالثَّانِي هُوَ نَصُّهُ فِي الْجَدِيدِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ فَإِنْ مَاتَ الْمُتَمَتِّعُ قَبْلَ أَنْ يَصُومَ تصدق عما أمكنه صَوْمُهُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ بِمُدٍّ مِنْ حِنْطَةٍ هَذَا نَصُّهُ وَقَالَ فِي الْأُمِّ إذَا أَحْرَمَ الْمُتَمَتِّعُ بِالْحَجِّ لَزِمَهُ الْهَدْيُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فعليه الصيام فان مات من صاعته فَفِيهِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يُهْدَى عَنْهُ (وَالثَّانِي) لَا هدى ولا إطعام
* هَذَا نَصُّهُ فِي الْأُمِّ قَالَ أَصْحَابُنَا فِي شَرْحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا مَاتَ الْمُتَمَتِّعُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْحَجِّ وَهُوَ وَاجِدٌ
لِلْهَدْيِ وَلَمْ يَكُنْ أَخْرَجَهُ وَجَبَ إخْرَاجُهُ مِنْ تَرِكَتِهِ بِلَا خِلَافٍ كَسَائِرِ الدُّيُونِ الْمُسْتَقِرَّةِ وَإِنْ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْحَجِّ فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَسْقُطُ الدَّمُ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِالْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فَلَا يَسْقُطُ فَيَجِبُ إخْرَاجُهُ مِنْ تَرِكَتِهِ كَمَا لَوْ مَاتَ وعليه دم الوطئ فِي الْإِحْرَامِ أَوْ دَمُ اللِّبَاسِ وَغَيْرِهِ (وَالثَّانِي) يسقط لانه انما يجب بالتمتع لتحصل الْحَجِّ وَلَمْ يَحْصُلْ الْحَجُّ بِتَمَامِهِ هَكَذَا أَطْلَقَ الْجُمْهُورُ صُورَةَ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إذَا مَاتَ قَبْلَ فراغ الحج وهو موسر وذكرهما الماوردى في من مَاتَ قَبْلَ فَرَاغِ أَرْكَانِ الْحَجِّ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَوْ مَاتَ بَعْدَ فَرَاغِ الْأَرْكَانِ وَقَدْ بَقِيَ الرَّمْيُ وَالْمَبِيتُ لَزِمَ الدَّمُ قَوْلًا وَاحِدًا وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ

(7/191)


وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْحَجَّ قَدْ حصل هذا كله في من مَاتَ وَهُوَ وَاجِدُ الْهَدْيِ فَإِنْ مَاتَ مُعْسِرًا فَقَدْ مَاتَ وَفَرْضُهُ الصَّوْمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ فَقَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَسْقُطُ لِعَدَمِ التَّمَكُّنِ كَصَوْمِ رَمَضَانَ
(وَالثَّانِي)
يُهْدَى عَنْهُ قال أصحابنا وهذا القول يتصور فيهما إذَا لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ فِي مَوْضِعِهِ وَلَهُ فِي بَلَدِهِ مَالٌ أَوْ وَجَدَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ أَصْلًا وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الصَّوْمِ فَيَسْقُطُ عَنْهُ قَطْعًا وَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْ الصَّوْمِ فَلَمْ يَصُمْ حَتَّى مَاتَ فَهَلْ هُوَ كَصَوْمِ رَمَضَانَ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) نَعَمْ فَيَصُومُ عَنْهُ وَلِيُّهُ علي القول القديم وفى الجديد يطعم عنه مِنْ تَرِكَتِهِ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ فَإِنْ كَانَ تَمَكَّنَ مِنْ الْأَيَّامِ الْعَشَرَةِ وَجَبَ عَشْرَةُ أَمْدَادٍ وَإِلَّا فَبِالْقِسْطِ وَهَلْ يَتَعَيَّنُ صَرْفُهُ إلَى فُقَرَاءِ الْحَرَمِ وَمَسَاكِينِهِ فِيهِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ (أَحَدُهُمَا) يَتَعَيَّنُونَ فَإِنْ فُرِّقَتْ عَلَى غَيْرِهِمْ لَمْ يجز لانه مال وجب الاحرام فَتَعَيَّنَ لِأَهْلِ الْحَرَمِ كَالدَّمِ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَتَعَيَّنُونَ بَلْ يُسْتَحَبُّ صَرْفُهُ إلَيْهِمْ فَإِنْ صُرِفَ إلَى غَيْرِهِمْ جَازَ لِأَنَّ هَذَا الْإِطْعَامَ بَدَلٌ عَنْ الصَّوْمِ الَّذِي لَا يَخْتَصُّ بِالْحَرَمِ فَكَذَا بَدَلُهُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) لَا يَكُونُ كَصَوْمِ رَمَضَانَ فَعَلَى هَذَا فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) الرُّجُوعُ إلَى الدَّمِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى هَذَا الصَّوْمِ مِنْ الْأَمْدَادِ فيجب في ثلاثة أيام إلى العشرد شَاةٌ وَفِي يَوْمٍ ثُلُثُ شَاةٍ وَفِي يَوْمَيْنِ ثلثاها وأشار أبو اسحق الْمَرْوَزِيُّ إلَى أَنَّ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ كَإِتْلَافِ الْمُحْرِم شَعْرَةً أَوْ شَعْرَتَيْنِ وَفِي الشَّعْرَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ مشهورة عن الاصحاب (أَحَدُهَا) مُدٌّ
(وَالثَّانِي)
دِرْهَمٌ (وَالثَّالِثُ) ثُلُثُ شَاةٍ وغلط أصحابنا أبا اسحق فِي هَذَا وَنَقَلَ تَغْلِيطَهُ عَنْ الْأَصْحَابِ صَاحِبُ الشامل وغيرهم (والقول الثاني) لا يجب شئ أَصْلًا وَأَمَّا الْمُتَمَكِّنُ
الْمَذْكُورُ فَصَوْمُ الثَّلَاثَةِ يُتَمَكَّنُ مِنْهُ بِأَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ فِي زَمَنٍ يَسَعُ صَوْمَهَا قَبْلَ الْفَرَاغِ وَلَا يَكُونُ عَارِضٌ مِنْ مرض وغيره وذكر إمام الحرمين انه لا يجب شئ فِي تَرِكَتِهِ مَا لَمْ يَنْتَهِ إلَى الْوَطَنِ لِأَنَّ دَوَامَ السَّفَرِ كَدَوَامِ الْمَرَضِ وَلَا يَزِيدُ تَأْكِيدُ الثَّلَاثَةِ عَلَى صَوْمِ رَمَضَانَ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ

(7/192)


صَوْمَ الثَّلَاثَةِ يَجِبُ إيقَاعُهُ فِي الْحَجِّ بِالنَّصِّ وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا فَلَيْسَ السَّفَرُ عُذْرًا فِيهِ بِخِلَافِ رَمَضَانَ (وَأَمَّا) السَّبْعَةُ (فَإِنْ قُلْنَا) الرُّجُوعُ إلَى الْوَطَنِ فَلَا يُمْكِنُ قَبْلَهُ (وَإِنْ قُلْنَا) الْفَرَاغُ مِنْ الْحَجِّ فَلَا يُمْكِنُ قَبْلَهُ ثُمَّ داوم السَّفَرِ عُذْرٌ هَكَذَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إذَا اسْتَحْبَبْنَا التَّأْخِيرَ إلَى وُصُولِهِ الْوَطَنَ تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِ الْفَرَاغِ فَهَلْ يُهْدَى عَنْهُ إذَا مَاتَ فِيهِ وَجْهَانِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي مُتَمَتِّعٍ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ فَانْتَقَلَ إلَى الصَّوْمِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَصُومَ إلَّا بَعْدَ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عمر وعائشة واسحق وابن المنذر وابو حَنِيفَةَ يَجُوزُ فِي حَالِ الْعُمْرَةِ
* وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ
* دَلِيلُنَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ فَاتَهُ صَوْمُ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ فِي الْحَجِّ لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا وَلَا دَمَ عَلَيْهِ
* هَذَا مَذْهَبُنَا الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَيْهِ دَمَانِ أَحَدُهُمَا لِلتَّمَتُّعِ وَالثَّانِي لِتَأْخِيرِ الصَّوْمِ
* وَعَنْ أَحْمَدَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ (أَصَحُّهَا) كَأَبِي حَنِيفَةَ (وَالثَّانِيَةُ) دَمٌ وَاحِدٌ (وَالثَّالِثَةُ) يُفَرَّقُ بَيْنَ الْمَعْذُورِ وَغَيْرِهِ
* دَلِيلُنَا أَنَّهُ صَوْمٌ وَاجِبٌ مُؤَقَّتٌ فَإِذَا فات وجب قضاؤه كَرَمَضَانَ لَا غَيْرَ (وَأَمَّا) صَوْمُ السَّبْعَةِ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَنَا أَنَّهُ يَصُومُهَا إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ
* وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وعطاء ومجاهد وقتادة وابن المنذر (الثاني) يَصُومُهَا إذَا تَحَلَّلَ مِنْ حَجِّهِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ وَجَدَ الْهَدْيَ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* باب المواقيت * قال المصنف رحمه الله
* (ميقات أهل المدينة ذو الحليفة وميقات اهل الشام الجحفة وميقات أهل نجد قرن وميقات أهل اليمن يلملم لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال (يهل
أهل المدينة من ذى الحليفة وأهل الشام من الجحفة وأهل نجد من قرن) قال ابن عمر رضى الله عنهما وبلغني أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (يهل أهل اليمن من يلملم وأهل الشام من الجحفة) (وأما) أهل العراق فميقاتهم ذات عرق وهل هو منصوص عليه أو مجتهد فِيهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ هو غير منصوص عليه ووجهه ما روى عن ابن عمر قال (لما فتح المصران أتوا عمر رضى

(7/193)


الله عنه فقالوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حد لاهل نجد قرنا وانا إذا أردنا أن نأتى قرنا شق علينا قال فانظروا حذوها من طريقكم قال فحد لهم ذات عرق) ومن أصحابنا من قال هو منصوص عليه ومذهبه ما ثبتت به السنة والدليل عليه ما روى جابر بن عبد الله قَالَ (خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ (يهل أهل المشرق من ذات عرق) وَرَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عرق (قال الشافعي رحمه الله ولو أهل أهل المشرق من العقيق كان أحب إلى لانه روى عن ابن عباس قال (في وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ المشرق العقيق) ولانه أبعد من ذات عرق فكان أفضل)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الْأَوَّلُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ هَكَذَا وَرَوَيَاهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ وَلِأَهْلِ اليمن يلملم وقال هُنَّ لَهُنَّ وَلِكُلِّ مَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حَتَّى أَهْلِ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ) هَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا (فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمُهَلُّهُ مِنْ أَهْلِهِ) وَكَذَلِكَ حَتَّى أَهْلِ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الثَّانِي (لَمَّا فُتِحَ الْمِصْرَانِ) إلَخْ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ جَابِرٍ فِي ذَاتِ عِرْقٍ فَضَعِيفٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ لَكِنَّهُ قَالَ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ (أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا يَسْأَلُ عَنْ الْمُهَلِّ فَقَالَ سَمِعْتُ أَحْسَبُهُ رُفِعَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (ومهل أَهْلِ الْعِرَاقِ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ) فَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ لَكِنَّهُ لَمْ يَجْزِمْ بِرَفْعِهِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَثْبُتُ رَفْعُهُ بمجرد هذا ورواه ابن ماجه من راوية ابراهيم بن بريد الْجُوزِيِّ بِضَمِّ الْجِيمِ الْمُعْجَمَةِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ جَابِرٍ
موفوعا بِغَيْرِ شَكٍّ لَكِنَّ الْجُوزِيَّ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِرِوَايَتِهِ وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَا شَكٍّ أَيْضًا لَكِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ الْحَجَّاجِ بْن أَرْطَاةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ
* وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَقَّتَ لِأَهْلِ العراق ذات عرق) رواه أبوداد والنسائي والدارقطني وَغَيْرُهُمْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ لَكِنْ نَقَلَ ابْنُ عَدِيٍّ أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ أَنْكَرَ عَلَى أَفْلَحَ بْنِ حُمَيْدٍ رِوَايَتَهُ هَذِهِ وَانْفِرَادَهُ بِهِ أَنَّهُ ثِقَةٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ

(7/194)


الْعَقِيقَ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ زِيَادٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ
* وَعَنْ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرٍو السَّهْمِيِّ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ عَطَاءٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنَّهُ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ ذَاتَ عِرْقٍ) رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا وَعَطَاءٌ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ الِاحْتِجَاجُ بِمُرْسَلِ كِبَارِ التَّابِعِينَ إذَا اعْتَضَدَ بِأَحَدِ أَرْبَعَةِ أُمُورٍ (مِنْهَا) أَنْ يَقُولَ بِهِ بعض الصحابة أو أكثر العلماء وهذا وقد اتَّفَقَ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ الصَّحَابَةُ وَمَنْ بَعْدَهُمْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ رِوَايَةِ عَطَاءٍ أَنَّهُ رَوَاهُ مُرْسَلًا قَالَ قَدْ رَوَاهُ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ عَنْ عَطَاءٍ وَغَيْرِهِ مُتَّصِلًا وَالْحَجَّاجُ ظَاهِرُ الضَّعْفِ فَهَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ (وَأَمَّا) أَلْقَابُ الْفَصْلِ وَأَلْفَاظِهِ (فَقَوْلُهُ) ذُو الْحُلَيْفَةِ هُوَ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْفَاءِ وَهُوَ مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا نَحْوُ سِتَّةِ أَمْيَالٍ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ نَحْوُ عَشْرِ مَرَاحِلَ فَهُوَ أَبْعَدُ الْمَوَاقِيتِ مِنْ مَكَّةَ (وَأَمَّا) الْجُحْفَةُ فَبِجِيمٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ حَاءٌ مُهْمَلَةٌ سَاكِنَةٌ وَيُقَالُ لَهَا مَهْيَعَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْيَاءِ مَعَ سُكُونِ الْهَاءِ بَيْنَهُمَا وَهِيَ قَرْيَةٌ كَبِيرَةٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ عَلَى نَحْوِ ثَلَاثِ مَرَاحِلَ مِنْ مَكَّةَ سُمِّيَتْ جُحْفَةُ لِأَنَّ السَّيْلَ جَحَفَهَا فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي (وَأَمَّا) يَلَمْلَمُ بِفَتْحِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ وَاللَّامَيْنِ وَقِيلَ لَهُ أَلَمْلَمُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَحُكِيَ صَرْفُهُ وَتَرْكُ صَرْفِهِ وَهُوَ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ (وَأَمَّا) قَرْنُ فَبِفَتْحِ الْقَافِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَاللُّغَةِ وَالتَّوَارِيخِ وَغَيْرِهِمْ وَهُوَ جَبَلٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَرْحَلَتَانِ وَيُقَالُ لَهُ قَرْنُ الْمُبَارَكِ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْجَوْهَرِيِّ إنَّهُ بِفَتْحِ الرَّاءِ
وَأَنَّ أُوَيْسًا الْقَرَنِيَّ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ فَغَلَطٌ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ فَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ غَلَطٌ فِيهِ فِي شَيْئَيْنِ فَتْحُ رَائِهِ وَنِسْبَةُ أُوَيْسٍ إلَيْهِ وَإِنَّمَا هُوَ مَنْسُوبٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلَى قَرْنَ قَبِيلَةٍ مِنْ مُرَادٍ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ (أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرْنِ) (وَقَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يُهِلُّ) مَعْنَاهُ يُحْرِمُ بِرَفْعِ الصَّوْتِ (وَأَمَّا) ذَاتُ عِرْقٍ فَبِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ (وَهِيَ قَرْيَةٌ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ وَقَدْ خَرِبَتْ (وَأَمَّا) الْعَقِيقُ فَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو مَنْصُورٍ الْأَزْهَرِيُّ فِي تَهْذِيبِ اللُّغَةِ يُقَالُ لِكُلِّ مَسِيلِ مَاءٍ شَقَّهُ السَّيْلُ فَأَنْهَرَهُ وَوَسَّعَهُ عَقِيقٌ قَالَ وَفِي بِلَادِ الْعَرَبِ اربعة أعقة

(7/195)


وهى أودية عادية (منها) عقيق بدفق مَاؤُهُ فِي غَوْرِ تِهَامَةَ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فَقَالَ لَوْ أَهَلُّوا مِنْ الْعَقِيقِ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ (وَقَوْلُهُ) لَمَّا فُتِحَ الْمِصْرَانِ يَعْنِي البصرة والكوفة ومعني فتحا نشئا أَوْ أُنْشِئَا فَإِنَّهُمَا أُنْشِئَا فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَهُمَا مَدِينَتَانِ إسْلَامِيَّتَانِ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُمَا فِي تَهْذِيبِ اللُّغَاتِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا مِيقَاتُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ زَمَانِيٌّ وَمَكَانِيٌّ (أَمَّا) الزَّمَانِيُّ فَسَبَقَ بَيَانُهُ وَاضِحًا فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا (وَأَمَّا) الْمَكَانِيُّ فَالنَّاسُ فِيهِ ضَرْبَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الْمُقِيمُ بِمَكَّةَ مَكِّيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَفِي مِيقَاتِ الْحَجِّ فِي حَقِّهِ وَجْهَانِ وَغَيْرِهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) نفس مكة وهو ما كان داخل مِنْهَا
(وَالثَّانِي)
مَكَّةُ وَسَائِرُ الْحَرَمِ وَقَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ دَلِيلُ الْأَصَحِّ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ السَّابِقُ لِأَنَّ مَكَّةَ وَالْحَرَمَ فِي الْحُرْمَةِ سَوَاءٌ عَلَى الصَّحِيحِ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ فَارَقَ بُنْيَانَ مَكَّةَ وَأَحْرَمَ في الحرم فهو مسئ يَلْزَمُهُ الدَّمُ إنْ لَمْ يَعُدْ كَمُجَاوَزَةِ سَائِرِ الْمَوَاقِيتِ وَعَلَى الثَّانِي حَيْثُ أَحْرَمَ فِي الْحَرَمِ لَا إسَاءَةَ (أَمَّا) إذَا أَحْرَمَ خَارِجَ الْحَرَمِ فمسئ بِلَا خِلَافٍ فَيَأْثَمُ وَيَلْزَمُهُ الدَّمُ إلَّا أَنْ يَعُودَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ إلَى مَكَّةَ عَلَى الْأَصَحِّ أَوْ إلَى الْحَرَمِ عَلَى الثَّانِي قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجُوزُ الْإِحْرَامُ مِنْ كُلِّ مَوْضِعٍ مِنْ مَكَّةَ بِلَا خِلَافٍ لِعُمُومِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَفِي الْأَفْضَلِ قَوْلَانِ وَقِيلَ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنْ يَتَهَيَّأَ لِلْإِحْرَامِ وَيُحْرِمُ مِنْ الْمَسْجِدِ قَرِيبًا مِنْ الْكَعْبَةِ إمَّا تَحْتَ الْمِيزَابِ وَإِمَّا فِي غَيْرِهِ (وَأَصَحُّهُمَا) أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ بَابِ دَارِهِ وَيَأْتِيَ الْمَسْجِدَ مُحْرِمًا وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ) (وَأَمَّا) الْمِيقَاتُ الزَّمَانِيُّ لِلْمَكِّيِّ فَهُوَ كَغَيْرِهِ لَكِنْ
يُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَهُوَ الثَّامِنُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ واضحا في الباب قبل (الضرب والثاني) غَيْرُ الْمَكِّيِّ وَهُوَ صِنْفَانِ
(أَحَدُهُمَا)
مِنْ مَسْكَنِهِ بَيْنَ الْمِيقَاتِ وَمَكَّةَ فَمِيقَاتُهُ الْقَرْيَةُ الَّتِي يَسْكُنُهَا أَوْ الْحِلَّةُ الَّتِي يَنْزِلُهَا الْبَدَوِيُّ فَإِنْ أَحْرَمَ بعد مجاوزتها إلى مكة فمسئ بِلَا خِلَافٍ وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ (الصِّنْفُ الثَّانِي) مِنْ مَسْكَنِهِ فَوْقَ الْمِيقَاتِ الشَّرْعِيِّ وَيُسَمَّى هذا الافاقى بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِهَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ مِنْ الميقات بَلَدِهِ وَالْمَوَاقِيتُ الشَّرْعِيَّةُ خَمْسَةٌ (أَحَدُهَا) ذُو الْحُلَيْفَةِ وَهُوَ مِيقَاتُ مَنْ تَوَجَّهَ مِنْ الْمَدِينَةِ (وَالثَّانِي) الْجُحْفَةُ مِيقَاتُ الْمُتَوَجِّهِينَ مِنْ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ هكذا قاله الْأَصْحَابُ وَأَهْمَلَ الْمُصَنِّفُ ذِكْرَ مِصْرَ وَالْمَغْرِبِ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ مِصْرَ فِي التَّنْبِيهِ (الثَّالِثُ)

(7/196)


يَلَمْلَمُ مِيقَاتُ الْمُتَوَجِّهِينَ مِنْ الْيَمَنِ (الرَّابِعُ) قَرْنٌ مِيقَاتُ الْمُتَوَجِّهِينَ مِنْ نَجْدِ الْيَمَنِ وَنَجْدِ الْحِجَازِ هَكَذَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْأَصْحَابُ وَلَمْ يُنَبِّهْ الْمُصَنِّفُ عَلَى إيضَاحِهِ (الْخَامِسُ) ذَاتُ عِرْقٍ مِيقَاتُ الْمُتَوَجِّهِينَ مِنْ الْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْمُرَادُ بِقَوْلِنَا مِيقَاتُ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ أَيْ مِيقَاتُ تِهَامَةَ الْيَمَنُ لَا كُلَّ الْيَمَنِ فَإِنَّ الْيَمَنَ تَشْمَلُ نَجْدًا وَتِهَامَةَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ وَالْأَرْبَعَةُ الْأُولَى مِنْ هَذِهِ الْخَمْسَةِ نَصَّ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَا خِلَافٍ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لِلْأَحَادِيثِ وَفِي ذَاتِ عِرْقٍ وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ
(أَحَدُهُمَا)
وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ اجْتَهَدَ فِيهِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ السَّابِقِ (لَمَّا فُتِحَ الْمِصْرَانِ) (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْأَكْثَرِينَ وَرَجَّحَ جَمَاعَةٌ كَوْنَهُ مُجْتَهَدًا فِيهِ مِنْهُمْ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُمَا وَقَطَعَ بِهِ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الصَّحِيحُ أَنَّ عُمَرَ وَقَّتَهُ قِيَاسًا عَلَى قَرْنِ وَيَلَمْلَمَ قَالَ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ التَّعْوِيلُ أَنَّهُ بِاجْتِهَادِ عُمَرَ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ أَنَّ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ قَدْ اخْتَلَفَ فِي ذَاتِ عِرْقٍ فَقَالَ فِي مَوْضِعٍ هُوَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ وَفِي مَوْضِعٍ لَيْسَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ وَمِمَّنْ قَالَ إنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ مِنْ السلف طاووس وَابْنُ سِيرِينَ وَأَبُو الشَّعْثَاءِ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ
وَحَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْهُمْ وَمِمَّنْ قَالَ مِنْ السَّلَفِ إنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَغَيْرُهُ وَحَكَاهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ (وَاحْتَجَّ) مَنْ قَالَ إنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ (لَمَّا فُتِحَ الْمِصْرَانِ (وَاحْتَجَّ) الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ بِالْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالُوا وَإِنْ كَانَتْ أَسَانِيدُ مُفْرَدَاتِهَا ضَعِيفَةً فَمَجْمُوعُهَا يُقَوِّي بَعْضُهُ بَعْضًا وَيَصِيرُ الْحَدِيثُ حَسَنًا وَيُحْتَجُّ بِهِ وَيُحْمَلُ تَحْدِيدُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِاجْتِهَادِهِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ تَحْدِيدُ النبي صلى الله عليه وسلم فحدده باجتهاد فَوَافَقَ النَّصَّ وَكَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ نَصَّيْهِ السَّابِقَيْنِ إنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ لِعَدَمِ ثُبُوتِ الْحَدِيثِ عِنْدَهُ وَقَدْ اجْتَمَعَتْ طُرُقُهُ عِنْدَ غَيْرِهِ فَقَوِيَ وَصَارَ حَسَنًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْمُصَنَّفُ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ لَوْ أَحْرَمَ أَهْلُ الْمَشْرِقِ مِنْ الْعَقِيقِ كَانَ أَفْضَلَ وَهُوَ واد وراء

(7/197)


ذات عرق مما بلي الْمَشْرِقَ وَقَالَ أَصْحَابُنَا وَالِاعْتِمَادُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا فِي الْعَقِيقِ مِنْ الِاحْتِيَاطِ قِيلَ وَفِيهِ سَلَامَةٌ مِنْ الْتِبَاسٍ وَقَعَ فِي ذَاتِ عِرْقٍ لان ذات عرق قربة خرجت وَحُوِّلَ بِنَاؤُهَا إلَى جِهَةِ مَكَّةَ فَالِاحْتِيَاطُ الْإِحْرَامُ قَبْلَ مَوْضِعِ بِنَائِهَا الْآنَ قَالُوا وَيَجِبُ عَلَى مَنْ أَتَى مِنْ جِهَةِ الْعِرَاقِ أَنْ يَتَحَرَّى وَيَطْلُبَ آثَارَ الْقَرْيَةِ الْعَتِيقَةِ وَيُحْرِمَ حِينَ يَنْتَهِي إلَيْهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمِنْ عَلَامَاتِهَا الْمَقَابِرُ الْقَدِيمَةُ فَإِذَا انْتَهَى إلَيْهَا أَحْرَمَ وَاسْتَأْنَسَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي ذَلِكَ مَعَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الِاحْتِيَاطِ بِحَدِيثِ تَوْقِيتِ الْعَقِيقِ السَّابِقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا أَعْيَانُ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ لَا تُشْتَرَطُ بَلْ الْوَاجِبُ عَيْنُهَا أَوْ حَذْوُهَا قَالُوا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ أَوَّلِ الْمِيقَاتِ وَهُوَ الطَّرَفُ الابعد من مكة حتى لا يمر بشئ مِمَّا يُسَمَّى مِيقَاتًا غَيْرَ مُحْرِمٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ أَحْرَمَ مِنْ الطَّرَفِ الْأَقْرَبِ إلَى مَكَّةَ جَازَ بِلَا خِلَافٍ لِحُصُولِ الِاسْمِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا الِاعْتِبَارُ فِي هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ الْخَمْسَةِ بِتِلْكَ الْمَوَاضِعِ لَا بِاسْمِ الْقَرْيَةِ وَالْبِنَاءِ فَلَوْ خَرِبَ بَعْضُهَا وَنُقِلَتْ عِمَارَتُهُ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ قَرِيبٍ مِنْهُ وَسُمِّيَ بِاسْمِ الْأَوَّلِ لَمْ يَتَغَيَّرْ الْحُكْمُ بل الاعتبار بموضع الاول * قال المصنف رحمه الله
* (وَهَذِهِ الْمَوَاقِيتُ لِأَهْلِهَا وَلِكُلِّ مَنْ مَرَّ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ ولاهل نجد قرنا وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ وَقَالَ هَذِهِ الْمَوَاقِيتُ لِأَهْلِهَا وَلِكُلِّ مَنْ أَتَى عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَمَنْ كَانَ دَارُهُ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ يُنْشِئُ ثُمَّ كَذَلِكَ أهل مكة يهلون من مكة))
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ وَلَفْظُهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَهَذَا الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَإِذَا مَرَّ شَامِيٌّ مِنْ طَرِيقِ الْعِرَاقِ أَوْ الْمَدِينَةِ أَوْ عِرَاقِيٌّ مِنْ طَرِيقِ الْيَمَنِ فَمِيقَاتُهُ مِيقَاتُ الْإِقْلِيمِ الَّذِي مَرَّ بِهِ وَهَكَذَا عَادَةُ حَجِيجِ الشَّامِ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ أَنَّهُمْ يَمُرُّونَ بِالْمَدِينَةِ فَيَكُونُ مِيقَاتُهُمْ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلَا يَجُوزُ لهم تأخير الاحرام إلى الجحفة
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا لَا مِيقَاتَ فِيهِ مِنْ بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ فَمِيقَاتُهُ إذَا حَاذَى أَقْرَبَ الْمَوَاقِيتِ إلَيْهِ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا اجْتَهَدَ فِي مِيقَاتِ أَهْلِ الْعِرَاقِ اعْتَبَرَ ما ذكرناه)
* (الشَّرْحُ) هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَ أَصْحَابُنَا

(7/198)


وَيَجْتَهِدُ فَيُحْرِمُ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ حَذْوُ أَقْرَبِ الْمَوَاقِيتِ إلَيْهِ قَالُوا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَظْهِرَ حَتَّى يَتَيَقَّنَ أَنَّهُ قَدْ حاذى اليمقات أَوْ فَوْقَهُ وَأَشَارَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ إلَى وُجُوبِ هَذَا الِاسْتِظْهَارِ وَالْمَذْهَبُ اسْتِحْبَابُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) إذَا أَتَى مِنْ نَاحِيَةٍ وَلَمْ يَمُرَّ بِمِيقَاتٍ وَلَا حَاذَاهُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا لَزِمَهُ أَنْ يُحْرِمَ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ اعْتِبَارًا بِفِعْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي تَوْقِيتِهِ ذَاتَ عِرْقٍ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ سَلَكَ طَرِيقًا لَا مِيقَاتَ فِيهِ لَكِنْ حَاذَى مِيقَاتَيْنِ طَرِيقُهُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ تَسَاوَيَا فِي الْمَسَافَةِ إلَى مَكَّةَ فَمِيقَاتُهُ مَا يُحَاذِيهِمَا وَإِنْ تَفَاوَتَا فيها وَتَسَاوَيَا فِي الْمَسَافَةِ إلَى طَرِيقِهِ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَتَخَيَّرُ إنْ شَاءَ أَحْرَمَ مِنْ الْمُحَاذِي لِأَبْعَدِ الْمِيقَاتَيْنِ وَإِنْ شَاءَ لِأَقْرَبِهِمَا (وَأَصَحُّهُمَا) يَتَعَيَّنُ مُحَاذَاةُ أَبْعَدِهِمَا وَقَدْ يُتَصَوَّرُ فِي هَذَا الْقِسْمِ مُحَاذَاةُ مِيقَاتَيْنِ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَذَلِكَ بِانْحِرَافِ أَحَدِ الطَّرِيقَيْنِ وَالْتِوَائِهِ أَوْ لِوُعُورَةٍ وَغَيْرِهَا فَيُحْرِمُ مِنْ الْمُحَاذَاةِ وَهَلْ هُوَ مَنْسُوبٌ إلَى أَبْعَدِ الطَّرِيقَيْنِ
أَوْ أَقْرَبِهِمَا فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ قَالَ وَفَائِدَتُهُمَا أَنَّهُ لَوْ جَاوَزَ مَوْضِعَ الْمُحَاذَاةِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ وَانْتَهَى إلَى مَوْضِعٍ يُفْضِي إلَيْهِ طَرِيقَا الْمِيقَاتَيْنِ وَأَرَادَ الْعَوْدَ لِرَفْعِ الْإِسَاءَةِ وَلَمْ يَعْرِفْ مَوْضِعَ الْمُحَاذَاةِ هَلْ يَرْجِعُ إلَى هَذَا الميقات أم إلى ذاك ولو تفاوتا الْمِيقَاتَانِ فِي الْمَسَافَةِ إلَى مَكَّةَ وَإِلَى طَرِيقِهِ فَهَلْ الِاعْتِبَارُ بِالْقُرْبِ إلَيْهِ أَمْ إلَى مَكَّةَ فيه وجهان (أصحهما) إليه والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ومن كان دَارُهُ فَوْقَ الْمِيقَاتِ فَلَهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْمِيقَاتِ وَلَهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ فَوْقِ الْمِيقَاتِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا قَالَا (إتْمَامُهُمَا أَنْ تُحْرِمَ بِهِمَا مِنْ دويرة أهلك) وفى الافضل قولان
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْمِيقَاتِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْرَمَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَلَمْ يُحْرِمْ مِنْ الْمَدِينَةِ وَلِأَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ مِنْ بَلَدِهِ لَمْ يَأْمَنْ أَنْ يَرْتَكِبَ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ وَإِذَا أَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ أَمِنَ ذَلِكَ فَكَانَ الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ أَفْضَلَ (وَالثَّانِي) أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ دَارِهِ لِمَا رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ مِنْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ ووجبت له الجنة))

(7/199)


(الشَّرْحُ) حَدِيثُ إحْرَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ صَحِيحٌ مَشْهُورٌ مُسْتَفِيضٌ رواه البخاري ومسلم في صحيحهما مِنْ رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَآخَرُونَ وَإِسْنَادُهُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ (وَأَمَّا) الْأَثَرُ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَرَوَاهُ الشافعي وغيره باسناد (1) (وَاعْلَمْ) أَنَّهُ وَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ (وَغُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ وَوَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ) بِالْوَاوِ وَكَذَا وَقَعَ فِي أَكْثَرِ كُتُبِ الْفِقْهِ وَالصَّوَابُ (أَوْ وَجَبَتْ) بِأَوْ وَهُوَ شَكٌّ مِنْ عَبْدِ الله بن عبد الرحمن ابن يُحَنَّسَ أَحَدُ رُوَاتِهِ هَكَذَا هُوَ بِأَوْ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَصَرَّحُوا بِأَنَّ ابْنَ يُحَنَّسَ هُوَ الَّذِي شَكَّ فِيهِ وَيُحَنَّسَ بِمُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْتٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ حَاءٌ مُهْمَلَةٌ مَفْتُوحَةٌ ثُمَّ نُونٌ مَكْسُورَةٌ وَمَفْتُوحَةٌ ثُمَّ سِينٌ مُهْمَلَةٌ (أَمَّا) أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَأَجْمَعَ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنْ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ وَمِمَّا فَوْقَهُ وَحَكَى الْعَبْدَرِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ دَاوُد أَنَّهُ قَالَ لَا يَجُوزُ الْإِحْرَامُ
مِمَّا فَوْقَ الْمِيقَاتِ وَأَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ مِمَّا قَبْلَهُ لَمْ يَصِحَّ إحْرَامُهُ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَرْجِعَ وَيُحْرِمَ مِنْ الْمِيقَاتِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ بِإِجْمَاعِ مَنْ قَبْلَهُ (وَأَمَّا) الْأَفْضَلُ فَفِيهِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَحَدُهُمَا) الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ أَفْضَلُ
(وَالثَّانِي)
مِمَّا فَوْقَهُ أَفْضَلُ وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ فِي طَرِيقَتَيْ الْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ وَفِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْإِحْرَامَ أَفْضَلُ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ قَوْلًا وَاحِدًا وَهِيَ قَوْلُ الْقَفَّالِ وَهِيَ مَشْهُورَةٌ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَهِيَ ضَعِيفَةٌ غَرِيبَةٌ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ ثُمَّ إنَّ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ مَنْصُوصَانِ فِي الْجَدِيدِ نَقَلَهُمَا الْأَصْحَابُ عَنْ الْجَدِيدِ (أَحَدُهُمَا) الْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ
(وَالثَّانِي)
الافضل الاحرام من الميقات نص عليه الْبُوَيْطِيِّ وَالْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلْمُزَنِيِّ (وَأَمَّا) الْغَزَالِيُّ فَقَالَ فِي الْوَسِيطِ لَوْ أَحْرَمَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ فَهُوَ أَفْضَلُ قَطَعَ بِهِ فِي الْقَدِيمِ وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ هُوَ مَكْرُوهٌ وَهُوَ مُتَأَوَّلٌ وَمَعْنَاهُ أَنْ يتوقى المخيط والطيب
__________
(1) كذا بالاصل فحرر

(7/200)


مِنْ غَيْرِ إحْرَامٍ وَكَذَا نَقَلَ الْفُورَانِيُّ فِي الْإِبَانَةِ أَنَّهُ كَرِهَ فِي الْجَدِيدِ الْإِحْرَامَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ وَكَأَنَّ الْغَزَالِيَّ تَابَعَ الْفُورَانِيَّ فِي هَذَا النَّقْلِ وَهُوَ نَقْلٌ ضَعِيفٌ غَرِيبٌ لَا يُعْرَفُ لِغَيْرِهِمَا وَنَسَبَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ إلَى بَعْضِ أَصْحَابِنَا بِخُرَاسَانَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ الْفُورَانِيَّ ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ هَذَا النَّقْلُ غَلَطٌ ظَاهِرٌ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ مِنْ التَّغْلِيطِ هُوَ الصَّوَابُ فَإِنَّ الَّذِي كَرِهَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ انه هو التجرد عن المحيط لَا الْإِحْرَامَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ بَلْ نَصَّ فِي الْجَدِيدِ عَلَى الْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ كَرِهَ الْإِحْرَامَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْأَصَحِّ مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ فَصَحَّحَتْ طَائِفَةٌ الْإِحْرَامَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ مِمَّنْ صَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَالْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ فِي كِتَابَيْهِ وَصَحَّحَ الْأَكْثَرُونَ وَالْمُحَقِّقُونَ تَفْضِيلَ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ مِمَّنْ صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَآخَرُونَ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرُونَ مِنْ أَصْحَابِ الْمُخْتَصَرَاتِ مِنْهُمْ أَبُو الْفَتْحِ سُلَيْمٌ الرَّازِيّ فِي الْكِفَايَةِ وَالْمَاوَرْدِيُّ فِي الْإِقْنَاعِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَأَبُو الْفَتْحِ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ فِي الْكَافِي وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ
الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثُ طُرُقٍ (أَصَحُّهَا) عَلَى قَوْلَيْنِ
(وَالثَّانِي)
الْقَطْعُ باستحبابه من دويرة أهله (والثالث) ان أمن عَلَى نَفْسِهِ مِنْ ارْتِكَابِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ فَدُوَيْرَةُ أَهْلِهِ أَفْضَلُ وَإِلَّا فَالْمِيقَاتُ (وَالْأَصَحُّ) عَلَى الْجُمْلَةِ أَنَّ الْإِحْرَامَ مِنْ الْمِيقَاتِ أَفْضَلُ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْرَمَ فِي حَجَّتِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ) وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَحُجَّ بَعْدَ وُجُوبِ الْحَجِّ وَلَا بَعْدَ الْهِجْرَةِ غَيْرَهَا (وَأَحْرَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ بِالْعُمْرَةِ مِنْ مِيقَاتِ المدينة ذى الحيلفة) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي وَكَذَلِكَ أَحْرَمَ مَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَجَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَالْعُمْرَةِ الْمَذْكُورَةِ أَصْحَابُهُ مِنْ الْمِيقَاتِ وَهَكَذَا فَعَلَ بَعْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابُهُ وَالتَّابِعُونَ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَأَهْلُ الْفَضْلِ فَتَرَكَ النبي صلى الله عليه سلم الْإِحْرَامَ مِنْ مَسْجِدِهِ الَّذِي صَلَاةٌ فِيهِ أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْمَسَاجِدِ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَأَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ فَلَا يَبْقَى بَعْدَ هَذَا شَكٌّ فِي أَنَّ الْإِحْرَامَ مِنْ الْمِيقَاتِ أَفْضَلُ (فَإِنْ قِيلَ) إنَّمَا أَحْرَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمِيقَاتِ ليبين جوازه

(7/201)


(فالجواب) من أوجه (أحدها) أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بَيَّنَ الجواز بقوله صلى االه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مُهَلُّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ) (الثَّانِي) أَنَّ بَيَانَ الْجَوَازِ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يَتَكَرَّرُ فِعْلُهُ فَفَعَلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّةً أَوْ مَرَّاتٍ يَسِيرَةً عَلَى أَقَلَّ مَا يُجْزِئُ بَيَانًا لِلْجَوَازِ وَيُدَاوِمُ فِي عُمُومِ الْأَحْوَالِ عَلَى أَكْمَلِ الْهَيْئَاتِ كَمَا تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ وَدَاوَمَ عَلَى الثَّلَاثِ وَنَظَائِرُ هَذَا كَثِيرَةٌ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْرَمَ مِنْ الْمَدِينَةِ وَإِنَّمَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَعُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ (الثَّالِثُ) أَنَّ بَيَانَ الْجَوَازِ إنَّمَا يَكُونُ فِي شئ اُشْتُهِرَ أَكْمَلُ أَحْوَالِهِ بِحَيْثُ يُخَافُ أَنْ يُظَنَّ وُجُوبُهُ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ هُنَا
* وَهَذَا كُلُّهُ إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ عَلَى تَقْدِيرِ دَلِيلٍ صَرِيحٍ صَحِيحٍ فِي مُقَابِلَتِهِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فَإِنَّ حَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ قَدْ سَبَقَ أَنَّ إسْنَادَهُ ليس بقوى فيجاب عنه باربعة أَجْوِبَةٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ إسْنَادَهُ لَيْسَ بِقَوِيٍّ (الثَّانِي) أَنَّ فِيهِ بَيَانَ فَضِيلَةِ الْإِحْرَامِ مِنْ فَوْقِ الْمِيقَاتِ وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْمِيقَاتِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْإِحْرَامَ مِنْ فَوْقِ الْمِيقَاتِ فِيهِ فَضِيلَةٌ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ (فَإِنْ قِيلَ) هَذَا الْجَوَابُ يُبْطِلُ فَائِدَةَ تَخْصِيصِ الْمَسْجِدِ الاقصي (فالجواب) ان فيه فائدة وهى تبين قَدْرَ الْفَضِيلَةِ فِيهِ (الْجَوَابُ الثَّالِثُ)
أَنَّ هَذَا مُعَارِضٌ لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَكَرِّرِ فِي حَجَّتِهِ وَعُمْرَتِهِ فَكَانَ فِعْلُهُ الْمُتَكَرِّرُ أَفْضَلَ (الرابع) أن هذه الفضيلة جائت فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى لِأَنَّ لَهُ مَزَايَا عَدِيدَةً مَعْرُوفَةً وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْمِيقَاتِ وَبِهِ قَالَ عطاء والحسن البصري ومالك وأحمد وإسحق وَرُوِيَ عَنْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُمْ كُلِّهِمْ وَرَجَّحَ آخَرُونَ دُوَيْرَةَ أَهْلِهِ وهو الْمَشْهُورَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ وعبد الرحمن وأبى إسحق يَعْنِي السَّبِيعِيِّ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ سَبَقَ بَيَانُهُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَثَبَتَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَهَلَّ مِنْ إِيلِيَّا وَهُوَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ
*

(7/202)


(فَرْعٌ)
إنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ مِيقَاتِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ حَيْثُ جَازَ تَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ عَلَى مِيقَاتِ الْمَكَانِ دُونَ الزَّمَانِ فَالْجَوَابُ مَا أَجَابَ بِهِ الْجُرْجَانِيُّ فِي الْمُعَايَاةِ أَنَّ مِيقَاتَ الْمَكَانِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ بِخِلَافِ مِيقَاتِ الزَّمَانِ وَاَللَّهُ اعلم * قال المصنف رحمه الله
* (ومن كان داره دون الميقات فيمقاته موضعه ومن جاوز الميقات قاصدا إلى موضع قبل مكة ثم أراد النسك أحرم من موضعه كما إذا دخل مكة لحاجة ثم اراد الاحرام كان ميقاته من مكة)
* (الشَّرْحُ) مَنْ كَانَ مَسْكَنُهُ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمِيقَاتِ فيمقاته مَوْضِعُهُ بِلَا خِلَافٍ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ السَّابِقِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا كَانَ فِي قَرْيَةٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمِيقَاتِ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الطَّرَفِ الْأَبْعَدِ مِنْهَا إلَى مَكَّةَ فَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ الطَّرَفِ الْأَدْنَى إلَى مَكَّةَ جَازَ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا سَبَقَ فِي الْمَوَاقِيتِ الخمسة فان خرج من قرية وَفَارَقَ الْعُمْرَانَ إلَى جِهَةِ مَكَّةَ ثُمَّ أَحْرَمَ كَانَ آثِمًا وَعَلَيْهِ الدَّمُ لِلْإِسَاءَةِ فَإِنْ عَادَ إلَيْهَا سَقَطَ الدَّمُ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ خِيَامٍ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ أَبْعَدِ أَطْرَافِ الْخِيَامِ إلَى مَكَّةَ وَيَجُوزُ مِنْ الطَّرَفِ الْأَدْنَى إلَى مَكَّةَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفَارِقَهَا إلَى جِهَةِ مَكَّةَ غَيْرَ مُحْرِمٍ
* وَإِنْ كَانَ فِي وَادٍ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَقْطَعَ طَرَفَيْهِ مُحْرِمًا فَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ الطَّرَفِ الْأَقْرَبِ إلَى مَكَّةَ جَازَ فَإِنْ كَانَ فِي بَرِّيَّةٍ سَاكِنًا مُنْفَرِدًا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمِيقَاتِ أَحْرَمَ مِنْ مَنْزِلِهِ لَا يُفَارِقُهُ غَيْرَ مُحْرِمٍ
هَكَذَا ذَكَرَ هَذَا التَّفْصِيلَ كُلَّهُ أصحابنا في الطريقين قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ لَوْ كَانَ مَسْكَنُهُ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمِيقَاتِ فَتَرَكَهُ وَقَصَدَ الْمِيقَاتَ فَأَحْرَمَ مِنْهُ جَازَ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ كَالْمَكِّيِّ إذَا لَمْ يُحْرِمْ مِنْ مَكَّةَ بَلْ خَرَجَ إلَى مِيقَاتٍ فَأَحْرَمَ مِنْهُ جَازَ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا مَرَّ الْآفَاقِيُّ بِالْمِيقَاتِ غَيْرَ مُرِيدٍ نُسُكًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَاصِدًا نَحْوَ الْحَرَمِ ثُمَّ عَنَّ لَهُ قَصْدُ النُّسُكِ بَعْدَ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ فَمِيقَاتُهُ حَيْثُ عَنَّ له هذا القصد وان كان قاصد الْحَرَمَ لِحَاجَةٍ فَعَنَّ لَهُ النُّسُكُ بَعْدَ الْمُجَاوَزَةِ (فَإِنْ قُلْنَا) مَنْ أَرَادَ الْحَرَمَ لِحَاجَةٍ يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ فَهَذَا يَأْثَمُ بِمُجَاوَزَتِهِ غَيْرَ مُحْرِمٍ وَهُوَ كَمَنْ قَصَدَ النُّسُكَ وَجَاوَزَهُ غَيْرَ مُحْرِمٍ
* وَسَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَإِنْ قُلْنَا) بِالْأَصَحِّ إنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ فَهُوَ كَمَنْ جَاوَزَهُ غَيْرَ قَاصِدٍ دُخُولَ الْحَرَمِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا ان من مسكنه بين مكة والميقات فيمقاته موضعه وبه قال طاووس وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَالْجُمْهُورُ
* وَقَالَ مُجَاهِدٌ يُحْرِمُ

(7/203)


مِنْ مَكَّةَ
* وَدَلِيلُنَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ السَّابِقُ (أَمَّا) إذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُرِيدٍ نُسُكًا ثُمَّ أَرَادَهُ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يُحْرِمُ مِنْ مَوْضِعِهِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَعَطَاءٌ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَبُو ثور وابن المنذر
* وقال احمد واسحق يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ إلَى الْمِيقَاتِ
* (فَرْعٌ)
حَكَى الشَّافِعِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَحْرَمَ مِنْ الْفُرْعِ بِضَمِّ الْفَاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَهُوَ بِلَادٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ بَيْنَ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَبَيْنَ مَكَّةَ فَتَكُونُ دُونَ مِيقَاتِ الْمَدَنِيِّ وَابْنُ عُمَرَ مَدَنِيٌّ وَهَذَا ثَابِتٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ وَتَأَوَّلَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُنَا تَأْوِيلَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنْ يَكُونَ خَرَجَ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى الْفُرْعِ لِحَاجَةٍ وَلَمْ يَقْصِدْ مَكَّةَ ثُمَّ أَرَادَ النُّسُكَ فَإِنَّ مِيقَاتَهُ مَكَانُهُ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ كَانَ بِمَكَّةَ فَرَجَعَ قَاصِدًا إلَى الْمَدِينَةِ فَلَمَّا بَلَغَ الْفُرْعَ بَدَا لَهُ أَنْ يرجع إلى مكة فميقاته مكانه * قال المصنف رحمه الله
* (ومن كان من اهل مكة واراد الحج فميقاته من مكة وان اراد العمرة فميقاته من ادني الحل والافضل ان يحرم مِنْ الْجِعْرَانَةِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم اعتمر منها فان اخطأها فَمِنْ التَّنْعِيمِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم اعمر عائشة من التنعيم)
*
(الشَّرْحُ) أَمَّا إحْرَامُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْجِعْرَانَةِ فَصَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا مِنْ رِوَايَةِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَرَوَاهُ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَغَيْرُهُمْ أَيْضًا من رواية محرش الْكَعْبِيِّ الْخُزَاعِيِّ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ مُحَرِّشٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ وَبَعْدَهَا شِينٌ مُعْجَمَةٌ هَذَا أَشْهَرُ الْأَقْوَالِ فِي ضَبْطِهِ وَلَا يَذْكُرُ ابْنُ مَاكُولَا وَجَمَاعَةٌ الا هذا
(والثانى)
محرش بكسر الميم اسكان الْمُهْمَلَةِ (وَالثَّالِثُ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ مِمَّنْ حَكَى هَذِهِ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ فِيهِ أَبُو عُمَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْمَرَ عَائِشَةَ مِنْ التَّنْعِيمِ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ وَأَمَّا الْجِعْرَانَةُ فَبِكَسْرِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَكَذَا الْحُدَيْبِيَةُ بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ هَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِيهِمَا وَبِهِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَالْأَدَبِ وَبَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ صَاحِبُ مَالِكٍ هما

(7/204)


بِالتَّشْدِيدِ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُحَدِّثِينَ وَالصَّحِيحُ تَخْفِيفُهُمَا وَالتَّنْعِيمُ أَقْرَبُ أَطْرَافِ الْحِلِّ إلَى مَكَّةَ وَالتَّنْعِيمُ بِفَتْحِ التَّاءِ وَهُوَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنْ مَكَّةَ وَقِيلَ أَرْبَعَةٌ قِيلَ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ عَنْ يَمِينِهِ جَبَلًا يُقَالُ لَهُ نَعِيمٌ وَعَنْ شِمَالِهِ جَبَلٌ يُقَالُ لَهُ نَاعِمٌ وَالْوَادِي نُعْمَانُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ (إحْدَاهُمَا) مِيقَاتُ الْمَكِّيِّ بِالْحَجِّ نَفْسُ مَكَّةَ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ مَكَّةُ وَسَائِرُ الْحَرَمِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَاضِحَةً بِفُرُوعِهَا وَالْمُرَادُ بِالْمَكِّيِّ مَنْ كَانَ بِمَكَّةَ عِنْدَ إرَادَةِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ سَوَاءٌ كَانَ مُسْتَوْطِنَهَا أَوْ عَابِرَ سبيل (المسألة الثانية) إذا كان بمكة مسستوطنا أو عبار سبيل وأراد العمرة فيمقاته أَدْنَى الْحِلِّ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَ أَصْحَابُنَا يَكْفِيهِ الْحُصُولُ فِي الْحِلِّ وَلَوْ بِخُطْوَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ أَيْ الْجِهَاتِ كَانَ جِهَاتُ الْحِلِّ هَذَا هُوَ الْمِيقَاتُ الْوَاجِبُ (وَأَمَّا) المصتحب فَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ أُحِبُّ أَنْ يَعْتَمِرَ مِنْ الْجِعْرَانَةِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَمَرَ مِنْهَا فَإِنْ أَخْطَأَهُ مِنْهَا فَمِنْ التَّنْعِيمِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْمَرَ عَائِشَةَ مِنْهَا وَهِيَ أَقْرَبُ الْحِلِّ إلَى الْبَيْتِ فَإِنْ أَخْطَأَهُ ذَلِكَ فَمِنْ الْحُدَيْبِيَةِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِهَا مِنْ الْجِعْرَانَةِ وَبَعْدَهَا فِي الْفَضِيلَةِ التَّنْعِيمُ ثُمَّ الْحُدَيْبِيَةُ كَمَا نُصَّ عَلَيْهِ وَاتَّفَقَ
الْأَصْحَابُ عَلَى التَّصْرِيحِ بِهَذَا فِي كُلِّ الطُّرُقِ وَلَا خِلَافَ في شئ منه الا ان الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ قَالَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَبُ أَنَّ الِاعْتِمَارَ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ بَعْدَ الْجِعْرَانَةِ أَفْضَلُ مِنْ التَّنْعِيمِ فَقَدَّمَ الْحُدَيْبِيَةَ عَلَى التَّنْعِيمِ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي التَّنْبِيهِ الْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ بِهَا مِنْ التَّنْعِيمِ فَغَلَطٌ وَمُنْكَرٌ لَا يُعَدُّ من المذهب الا أن يتأول على إذَا أَرَادَ أَفْضَلَ أَدْنَى الْحِلِّ التَّنْعِيمَ فَإِنَّهُ قَالَ أَوَّلًا خَرَجَ إلَى أَدْنَى الْحِلِّ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ التَّنْعِيمِ فَالِاعْتِذَارُ عَنْهُ بِهَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ أَحْسَنُ مِنْ تَخْطِئَتِهِ وَلَيْسَتْ الْمَسْأَلَةُ خَفِيَّةً أَوْ غَرِيبَةً لِيُعْذَرَ فِي الْغَلَطِ فِيهَا وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ لِلْإِحْرَامِ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ بَعْدَ التَّنْعِيمِ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِهَا وَأَرَادَ الْمَدْخَلَ لِعُمْرَتِهِ مِنْهَا وَهَذَا صَحِيحٌ معروف في الصحيحين وغيرهما وكذلك استدل محققوا الْأَصْحَابِ وَهَذَا الِاسْتِدْلَال هُوَ الصَّوَابُ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْغَزَالِيِّ فِي الْبَسِيطِ وَقَوْلُ غَيْرِهِ إنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَمَّ بِالْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ فَغَلَطٌ صَرِيحٌ بَلْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*

(7/205)


(فَإِنْ قِيلَ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إنَّ الْإِحْرَامَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ الْجِعْرَانَةِ أَفْضَلُ مِنْ التَّنْعِيمِ فَكَيْفَ أَعْمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِشَةَ مِنْ التَّنْعِيمِ (فَالْجَوَابُ) أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا أَعْمَرَهَا مِنْهُ لِضِيقِ الْوَقْتِ عَنْ الْخُرُوجِ إلَى أَبْعَدَ مِنْهُ وَقَدْ كَانَ خُرُوجُهَا إلَى التَّنْعِيمِ عِنْدَ رَحِيلِ الْحَاجِّ وَانْصِرَافِهِمْ وَوَاعَدَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى مَوْضِعٍ فِي الطَّرِيقِ هَكَذَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا بَيَانُ الْجَوَازِ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ أَنْ يُحْرِمَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَهُوَ الثَّامِنُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَلَا يُقَدِّمُ الْإِحْرَامَ قَبْلَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَمَتِّعًا لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ فَيُحْرِمُ قَبْلَ الْيَوْمِ السَّادِسِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ حَتَّى يُمْكِنَهُ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ السَّابِقِ فِي أَحْكَامِ التَّمَتُّعِ فِي فَرْعٍ مُسْتَقِلٍّ وَذَكَرْنَا فِيهِ مَذَاهِبَ الْعُلَمَاءِ وَدَلِيلَ الْمَسْأَلَةِ * قال المصنف رحمه الله
* (ومن بلغ الميقات مريدا للنسك لم يجز أن يجاوزه حتى يحرم لما ذكرناه من حديث ابن عباس رضى الله عنهما فان جاوزه وأحرم دونه نظرت فان كان له عذر بأن يخشي ان يفوته الحج أو الطريق مخوف
لم يعد وعليه دم وان لم يخش شيئا لزمه ان يعود لانه نسك واجب مقدور عليه فلزمه الاتيان به فانه لم يرجع لزمه الدم وان رجع نظرت فان كان قبل ان يتلبس بنسك سقط عنه الدم لانه قطع المسافة بالاحرام وزاد عليه فلم يلزمه دم وان عاد بعد ما وقف أو بعد ما طاف لم يسقط عنه الدم لانه عاد بعد فوات الوقت فلم يسقط عنه الدم كما لو دفع من الموقف قبل الغروب ثم عاد في غير وقته)
* (الشَّرْحُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا انْتَهَى الْآفَاقِيُّ إلَى الْمِيقَاتِ وَهُوَ يُرِيدُ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ أَوْ الْقِرَانَ حَرُمَ عَلَيْهِ مُجَاوَزَتُهُ غَيْرَ مُحْرِمٍ بالاجماع فان جاوزه فهو مسئ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ النَّاحِيَةِ أَمْ مِنْ غَيْرِهَا كَالشَّامِيِّ يَمُرُّ بِمِيقَاتِ الْمَدِينَةِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَمَتَى جَاوَزَ مَوْضِعًا يَجِبُ الْإِحْرَامُ مِنْهُ غَيْرَ مُحْرِمٍ أَثِمَ وَعَلَيْهِ الْعَوْدُ إلَيْهِ وَالْإِحْرَامُ مِنْهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ فَإِنْ كَانَ عُذْرٌ كَخَوْفِ الطَّرِيقِ أَوْ انْقِطَاعٍ عَنْ رُفْقَتِهِ أَوْ ضِيقِ الْوَقْتِ أَوْ مَرَضٍ شَاقٍّ أو أَحْرَمَ مِنْ مَوْضِعِهِ وَمَضَى وَعَلَيْهِ دَمٌ إذَا لَمْ يَعُدْ فَقَدْ أَثِمَ بِالْمُجَاوَزَةِ وَلَا يَأْثَمُ يترك الرُّجُوعِ فَإِنْ عَادَ فَلَهُ حَالَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَعُودُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ فَيُحْرِمُ مِنْهُ فَالْمَذْهَبُ الَّذِي قَطَعَ

(7/206)


بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجَمَاهِيرُ لَا دَمَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ دَخَلَ مَكَّةَ أَمْ لَا وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ إنْ عَادَ قَبْلَ أَنْ يَبْعُدَ عَنْ الْمِيقَاتِ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ سَقَطَ الدَّمُ وَإِنْ عَادَ بَعْدَ دُخُولِ مَكَّةَ وَجَبَ وَلَمْ يَسْقُطْ بِالْعَوْدِ وَإِنْ عَادَ بَعْدَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَقَبْلَ دُخُولِ مَكَّةَ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَسْقُطُ وَهَذَا التَّفْصِيلُ شَاذٌّ مُنْكَرٌ (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يُحْرِمَ بَعْدَ مجاوزة الميقات ثم يعود إلى الْمِيقَاتِ مُحْرِمًا فَطَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
فِي سُقُوطِ الدَّمِ وَجْهَانِ وَقِيلَ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَآخَرُونَ
* قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هُمَا قَوْلَانِ وَكَانَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ يَقُولُ وَجْهَانِ
* قَالَ وَالصَّحِيحُ قَوْلَانِ وَسَوَاءٌ عِنْدَ هَؤُلَاءِ رَجَعَ مِنْ مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ أَوْ بَعِيدَةٍ لَكِنَّهُمْ شَرَطُوا رُجُوعَهُ قَبْلَ تَلَبُّسِهِ بِنُسُكٍ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ يُفَصَّلُ فَإِنْ عَادَ قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِنُسُكٍ سَقَطَ الدَّمُ وَإِنْ عَادَ بَعْدَهُ لَمْ يَسْقُطْ سَوَاءٌ كَانَ النُّسُكُ ركنا كالوقوف والسعى أو سنة كطواف الوقوف وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلتَّلَبُّسِ بِالسُّنَّةِ فَيَسْقُطُ بِالْعَوْدِ بَعْدُ حَكَاهُ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ كَمَا لَوْ كَانَ مُحْرِمًا بِالْعُمْرَةِ مِمَّا دُونَ الْمِيقَاتِ وَعَادَ إلَيْهِ بَعْدَ طَوَافِهَا فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ الدَّمُ بِالْعَوْدِ بِلَا خِلَافٍ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَيُخَالِفُ الْمُعْتَمِرَ فَإِنَّهُ عَادَ بَعْدَ فِعْلِهِ معظم أفعال
النسك والحاج لم يأت بشئ مِنْ أَعْمَالِ النُّسُكِ الْوَاجِبَةِ فَسَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ
* وَاعْلَمْ أَنَّ جُمْهُورَ الْأَصْحَابِ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِزَوَالِ الْإِسَاءَةِ بِالْعَوْدِ وَقَدْ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَهَلْ يَكُونُ مُسِيئًا بِالْمُجَاوَزَةِ إذَا عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ حَيْثُ سَقَطَ الدَّمُ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا فِي الْفُرُوعِ
* الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُسِيئًا لِأَنَّهُ حَصَلَ فِيهِ مُحْرِمًا
(وَالثَّانِي)
يَصِيرُ مُسِيئًا لِأَنَّ الْإِسَاءَةَ حَصَلَتْ بِنَفْسِ الْمُجَاوَزَةِ فَلَا يَسْقُطُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا فَرْقَ فِي لُزُومِ الدَّمِ فِي كُلِّ هَذَا بَيْنَ الْمُجَاوِزِ لِلْمِيقَاتِ عَامِدًا عَالِمًا أَوْ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا لَكِنْ يَفْتَرِقُونَ فِي فِي الْإِثْمِ فَلَا إثْمَ عَلَى النَّاسِي وَالْجَاهِلِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا وَيُخَالِفُ مَا لَوْ تَطَيَّبَ نَاسِيًا لَا دَمَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الطِّيبَ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ وَالنِّسْيَانُ عُذْرٌ عِنْدَنَا فِي الْمُحَرَّمَاتِ كَالْأَكْلِ وَالصَّوْمِ وَالْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ (وَأَمَّا) الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ فَمَأْمُورٌ بِهِ وَالْجَهْلُ وَالنِّسْيَانُ فِي الْمَأْمُورِ بِهِ لَا يُجْعَلُ عُذْرًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) إذَا مَرَّ بِالْمِيقَاتِ وَأَحْرَمَ بِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ ثُمَّ بَعْدَ مُجَاوَزَتِهِ أَدْخَلَ النُّسُكَ الْآخَرَ عَلَيْهِ بِأَنْ أَدْخَلَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ أَوْ عَكْسُهُ وَجَوَّزْنَاهُ فَفِي وُجُوبِهِ عَلَيْهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ

(7/207)


(أَحَدُهُمَا)
يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ وَأَحْرَمَ بَعْدَهُ (وَالثَّانِي) لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ مُحْرِمًا فَصَارَ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ بِالْمِيقَاتِ إحْرَامًا مُبْهَمًا فَلَمَّا جَاوَزَ صَرَفَهُ إلَى الْحَجِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ إذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ فَأَحْرَمَ دُونَهُ اتم فَإِنْ عَادَ قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِالنُّسُكِ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ سَوَاءٌ عَادَ مُلَبِّيًا أَمْ غَيْرَ مُلَبٍّ
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَبُو ثَوْرٍ
* وَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَزُفَرُ وَأَحْمَدُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ بِالْعَوْدِ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ عَادَ مُلَبِّيًا سَقَطَ الدَّمُ وَإِلَّا فَلَا
* وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ أَنَّهُ لَا دَمَ عَلَى الْمُجَاوِزِ مُطْلَقًا قَالَ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ عَطَاءٍ
* وَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَقْضِي حَجَّتَهُ ثُمَّ يَعُودُ إلَى الْمِيقَاتِ فَيُحْرِمُ بِعُمْرَةٍ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ لَا حَجَّ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ سمعت الشريفي الْعُثْمَانِيَّ مِنْ أَصْحَابِنَا يَقُولُ إذَا جَاوَزَ الْمَدَنِيُّ ذَا الْحُلَيْفَةِ غَيْرَ مُحْرِمٍ وَهُوَ مُرِيدٌ لِلنُّسُكِ فَبَلَغَ مَكَّةَ غَيْرَ مُحْرِمٍ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا إلَى مِيقَاتِ بَلَدٍ آخَرَ كَذَاتِ عِرْقٍ أَوْ يَلَمْلَمَ وَأَحْرَمَ مِنْهُ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ مُجَاوَزَةِ ذِي الْحُلَيْفَةِ لِأَنَّهُ لَا حُكْمَ لِإِرَادَتِهِ النُّسُكَ
لَمَّا بَلَغَ مَكَّةَ غَيْرَ مُحْرِمٍ فَصَارَ كَمَنْ دَخَلَ مَكَّةَ غَيْرَ مُحْرِمٍ وَقُلْنَا يَجِبُ الْإِحْرَامُ لِدُخُولِهَا لَا دَمَ عَلَيْهِ هَذَا نَقْلُ صاحب البيان وهو محتمل وفيه نظر * قال المصنف رحمه الله
* (وان نذر الاحرام من موضع فوق الميقات لزمه الاحرام منه فان جاوزه وأحرم دونه كان كمن جاوز الميقات واحرم دونه في وجوب العود والدم لانه وجب الاحرام منه كما وجب من الميقات فكان حكمه حكم الميقات وان مر كافر بالميقات مريدا للحج فاسلم دونه واحرم ولم يعد إلى الميقات لزمه الدم وقال المزني لا يلزمه لانه مر بالميقات وليس هو من أهل النسك فاشبه إذا مر به غير مريد للنسك ثم أسلم دونه واحرم وهذا لا يصح لانه ترك الاحرام من الميقات وهو مريد للنسك فلزمه الدم كالمسلم وان مر بالميقات صبي وهو محرم أو عبد وهو محرم فبلغ الصبى أو عتق العبد ففيه قولان
(أحدهما)
أنه يجب عليه دم لانه ترك الاحرام بحجة الاسلام من الميقات
(والثانى)
لا يلزمه لانه جاوز الميقات وهو محرم فلم يلزمه دم كالحر البالغ)
*

(7/208)


(الشَّرْحُ) (أَمَّا) مَسْأَلَةُ النَّذْرِ فَهِيَ كَمَا قَالَهَا الْمُصَنِّفُ (وَأَمَّا) مَسْأَلَةُ الْكَافِرِ وَمَسْأَلَةُ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ فَقَدْ سَبَقَتَا وَاضِحَتَيْنِ بِفُرُوعِهِمَا فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الحج عند احرام الصبي وبالله التوفيق
*
* قال المصنف رحمه الله
* (فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فَخَرَجَ لِإِحْرَامِ الْحَجِّ إلَى أَدْنَى الْحِلِّ وَأَحْرَمَ فَإِنْ رَجَعَ إلَى مَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يَقِفَ بِعَرَفَةَ لَمْ يَلْزَمْهُ دَمٌ وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ حَتَّى وَقَفَ وَجَبَ عَلَيْهِ دَمٌ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْإِحْرَامَ مِنْ الْمِيقَاتِ فَأَشْبَهَ غَيْرَ الْمَكِّيِّ إذَا أَحْرَمَ مِنْ دون الميقات وإن خرج من مكة لى خارج البلد وأحرم في موضع من احرم فَفِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَلْزَمُهُ الدَّمُ لِأَنَّ مَكَّةَ وَالْحَرَمَ فِي الْحُرْمَةِ سَوَاءٌ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْمِيقَاتَ هُوَ الْبَلَدُ وَقَدْ تَرَكَهُ فَلَزِمَهُ الدَّمُ وَإِنْ أَرَادَ الْعُمْرَةَ فَأَحْرَمَ مِنْ جَوْفِ مَكَّةَ نَظَرْتَ فَإِنْ خَرَجَ إلَى أَدْنَى الْحِلِّ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لَمْ يَلْزَمْهُ دم لانه دخل الحرم فَأَشْبَهَ إذَا أَحْرَمَ أَوَّلًا مِنْ الْحِلِّ وَإِنْ طَافَ وَسَعَى وَلَمْ يَخْرُجْ إلَى الْحِلِّ فَفِيهِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يُعْتَدُّ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ عَنْ الْعُمْرَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْحَرَمَ بِإِحْرَامٍ فَلَمْ يُعْتَدَّ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ يُعْتَدُّ بِهِ وَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِهِ
الْمِيقَاتَ كَغَيْرِ الْمَكِّيِّ إذَا جَاوَزَ مِيقَاتَ بَلَدِهِ غَيْرَ مُحْرِمٍ ثُمَّ أَحْرَمَ ودخل مكة وطاف وسعى)
* (الشَّرْحُ) أَمَّا إحْرَامُ الْمَكِّيِّ بِالْحَجِّ فَقَدْ سَبَقَ حُكْمُهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ مُسْتَوْفًى وَأَمَّا إحْرَامُهُ بِالْعُمْرَةِ فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مِيقَاتَهُ الْوَاجِبَ فِيهَا أَدْنَى الْحِلِّ وَلَوْ بِخُطْوَةٍ وَالْمُسْتَحَبُّ إحْرَامُهُ مِنْ الْجِعْرَانَةِ فَإِنْ فَاتَهُ فَالتَّنْعِيمُ ثُمَّ الْحُدَيْبِيَةُ فَإِنْ خَالَفَ فَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فِي الْحَرَمِ انْعَقَدَ إحْرَامُهُ بِلَا خِلَافٍ ثُمَّ لَهُ حَالَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنْ لَا يَخْرُجَ إلَى الْحِلِّ بَلْ يَطُوفَ وَيَسْعَى وَيَحْلِقُ فَهَلْ يُجْزِئُهُ ذَلِكَ وَتَصِحُّ عُمْرَتُهُ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ نَصَّ عَلَيْهِمَا فِي الْأُمِّ وَذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) يُجْزِئُهُ وَيَلْزَمُهُ دَمٌ لِتَرْكِهِ الْإِحْرَامَ مِنْ الْمِيقَاتِ الْوَاجِبِ
(وَالثَّانِي)
لَا يُجْزِئُهُ بَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَجْمَعَ فِي عُمْرَتِهِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ كَمَا يَجْمَعُ الْحَاجُّ فِي حَجِّهِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ وُقُوفُهُ بِعَرَفَاتٍ وَهِيَ مِنْ الْحِلِّ وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَهُمَا فِي الْحَرَمِ فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لَوْ وَطِئَ بَعْدَ الحلق لا شئ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ الوطئ وَاقِعًا قَبْلَ التَّحَلُّلِ لَكِنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ مُتَحَلِّلٌ فَيَكُونُ كَجِمَاعِ النَّاسِي وَفِي كَوْنِهِ مُفْسِدًا الْقَوْلَانِ الْمَشْهُورَانِ فَإِنْ جَعَلْنَاهُ مُفْسِدًا لَزِمَهُ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ بِأَنْ يَخْرُجَ إلَى الْحِلِّ وَيَعُودَ فَيَطُوفَ وَيَسْعَى وَيَحْلِقَ وَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ

(7/209)


وَكَفَّارَةُ الْجِمَاعِ وَدَمُ الْحَلْقِ لِوُقُوعِهِ قَبْلَ التَّحَلُّلِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالْأَصَحِّ إنَّ جِمَاعَ النَّاسِي لَا يَفْسُدُ فَعُمْرَتُهُ عَلَى حَالِهَا فَلَزِمَهُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْحِلِّ وَيَرْجِعَ فَيَطُوفَ وَيَحْلِقَ وَقَدْ تَمَّتْ عُمْرَتُهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ دَمُ الْجِمَاعِ وَأَمَّا دَمُ الْحَلْقِ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ الْمَشْهُورَانِ فِي حَلْقِ النَّاسِي (أَصَحُّهُمَا) يَجِبُ (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْحِلِّ ثُمَّ يَدْخُلَ مَكَّةَ فَيَطُوفَ وَيَسْعَى وَيَحْلِقَ فَيُعْتَدَّ بِذَلِكَ وَتَتِمَّ عُمْرَتُهُ بِلَا خِلَافٍ وَفِي سُقُوطِ دَمِ الْإِسَاءَةِ عَنْهُ طَرِيقَانِ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ سُقُوطُهُ (وَالثَّانِي) عَلَى طَرِيقَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) الْقَطْعُ بِسُقُوطِهِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ في من جاوز الميقات غير محرم (فإذا قلنا) بالمذهب فَالْوَاجِبُ خُرُوجُهُ إلَى الْحِلِّ قَبْلَ الْأَعْمَالِ إمَّا فِي ابْتِدَاءِ الْإِحْرَامِ وَإِمَّا بَعْدَهُ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يَسْقُطُ فَالْوَاجِبُ هُوَ الْخُرُوجُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي آخِرِ كِتَابِ الْحَجِّ مِنْ تَعْلِيقِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ أُحِبُّ لِمَنْ أَحْرَمَ فِي بَلَدِهِ أَنْ يَخْرُجَ مُتَوَجِّهًا فِي طَرِيقِ حَجِّهِ عَقِبَ إحْرَامِهِ وَلَا يُقِيمَ بَعْدَ إحْرَامِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَكَذَا
لَوْ كَانَ إحْرَامُهُ مِنْ جَوْفِ مَكَّةَ قَالَ أَبُو حَامِدٍ هَذَا الَّذِي قَالَهُ الشَّافِعِيُّ صَحِيحٌ فَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَحْرَمَ مِنْ بَلَدِهِ أَوْ مِنْ مَكَّةَ أَنْ يَخْرُجَ عَقِبَ إحْرَامِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إحْرَامُ الْمَكِّيِّ عِنْدَ إرَادَتِهِ التَّوَجُّهَ إلَى مِنًى وَقَدْ سَبَقَ قَرِيبًا بَيَانُ هَذَا وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله
* بَابُ الْإِحْرَامِ وَمَا يَحْرُمُ فِيهِ (إذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْتَسِلَ لِمَا رَوَى زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اغْتَسَلَ لاحرامه) وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ اغْتَسَلَتْ لِلْإِحْرَامِ لِمَا رَوَى الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ (أَنَّ أسماء بنت عميس ولدت محمد ابن أَبِي بَكْرٍ بِالْبَيْدَاءِ فَذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرُوهَا فَلْتَغْتَسِلْ ثُمَّ لِتُهِلَّ) وَلِأَنَّهُ

(7/210)


غُسْلٌ يُرَادُ بِهِ النُّسُكَ فَاسْتَوَى فِيهِ الْحَائِضُ وَالطَّاهِرُ وَمَنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ تَيَمَّمَ لِأَنَّهُ غُسْلٌ مَشْرُوعٌ فَانْتُقِلَ فِيهِ إلَى التَّيَمُّمِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ قَالَ فِي الْأُمِّ وَيُغْتَسَلُ لِسَبْعَةِ مَوَاطِنَ لِلْإِحْرَامِ وَدُخُولِ مَكَّةَ وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَالْوُقُوفِ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَلِرَمْيِ الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ تَجْتَمِعُ لَهَا النَّاسُ فَاسْتُحِبَّ لَهَا الِاغْتِسَالُ وَلَا يُغْتَسَلُ لِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ لِأَنَّ وَقْتَهُ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ إلَى آخِرِ النَّهَارِ فَلَا يَجْتَمِعُ لَهُ النَّاسُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَأَضَافَ إلَيْهَا فِي الْقَدِيمِ الْغُسْلَ لِطَوَافِ الزِّيَارَةِ وَطَوَافِ الْوَدَاعِ لِأَنَّ النَّاسَ يَجْتَمِعُونَ لَهُمَا وَلَمْ يستحبه في الجديد لان وَقْتَهُمَا مُتَّسَعٌ فَلَا يَتَّفِقُ اجْتِمَاعُ النَّاسِ فِيهِمَا)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَفِي مَعْنَاهُ حَدِيثُ الْقَاسِمِ فِي قِصَّةِ أَسْمَاءَ وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) حَدِيثُ الْقَاسِمِ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ هَكَذَا مُرْسَلًا كَمَا رَوَاهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْقَاسِمِ أَنَّ أَسْمَاءَ وَلَدَتْ فَذَكَرَهُ بِكَمَالِهِ وَهَذَا اللَّفْظُ يَقْتَضِي إرْسَالَ الْحَدِيثِ فَإِنَّ الْقَاسِمَ تَابِعِيٌّ وهو القاسم ابن مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ كَذَلِكَ فِي رِوَايَةٍ لَهُ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَسْمَاءَ وَلَدَتْ فَذَكَرَهُ بِلَفْظِهِ هَكَذَا مُتَّصِلًا بِذِكْرِ عَائِشَةَ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ وَالدَّارِمِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ فِي روايته الاخرى وغيرهم فالحديث متصل صصحيح وَكَفَى بِهِ
صِحَّةً رِوَايَةُ مُسْلِمٍ لَهُ فِي صَحِيحِهِ وَوَصْلُهُ ثَابِتٌ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ رواية عبيد الله بن عمر العميري عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ وَنَاهِيكَ بِهَذَا صِحَّةً وَثَبَتَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَأَسْمَاءُ هَذِهِ هِيَ امْرَأَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَأَبُوهَا عُمَيْسٌ بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ كتاب الطهارة والبيداء بفتح الباء وبالمد والمراد به هنا مكن بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَقَدْ جَاءَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الرِّوَايَاتِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ وَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَذَكَرَهُ إلَى آخِرِهِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مُرُوهَا) أَنْ تَغْتَسِلَ ثُمَّ لِتُهِلَّ يَجُوزُ فِي لَامِ لِتُهِلَّ الْكَسْرُ وَالْإِسْكَانُ وَالْفَتْحُ وَهُوَ غَرِيبٌ وَوَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نُسَخِ الْمُهَذَّبِ (مُرْهَا) وَفِي بَعْضِهَا (مُرُوهَا) بِزِيَادَةِ وَاوٍ وَذَكَرَ الْإِمَامُ مَحْمُودُ بْنُ خيلياشي بْنِ عبد الله الخيلياشى انه رآه هكذا بخط المصنف

(7/211)


(وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بَابُ الْإِحْرَامِ وَمَا يَحْرُمُ فِيهِ فَكَذَا قَالَهُ فِي التَّنْبِيهِ وَهُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الرَّاءِ مِنْ يَحْرُمُ وَلَيْسَ هُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ لِأَنَّهُ صَدَّرَ الْبَابَ بمقدمات الاحرام من الاغتسال والتنظف وَالتَّطَيُّبِ وَالصَّلَاةِ ثُمَّ ذَكَرَ الْإِحْرَامَ نَفْسَهُ وَهُوَ النِّيَّةُ فَكُلُّ هَذَا دَاخِلٌ فِي تَرْجَمَةِ الْإِحْرَامِ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ مَا يَحْرُمُ بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ وَلَوْ كَانَ بِضَمِّ الْيَاءِ عَلَى إرَادَةِ مَا يَلْبَسُهُ الْمُحْرِمُ لَكَانَتْ التَّرْجَمَةُ قَاصِرَةً لِأَنَّهُ يَكُونُ مُدْخِلًا فِي الْبَابِ مَا لَمْ يُتَرْجِمْ لَهُ وَهُوَ مُحَرَّمَاتُ الْإِحْرَامِ وَهِيَ مُعْظَمُ الباب فتعين ما قلناه والحمد الله وَهُوَ أَعْلَمُ
* (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ غُسْلٌ يُرَادُ لِلنُّسُكِ احْتِرَازٌ مِنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَالْجُمُعَةِ وَأَرَادَ بِالنُّسُكِ مَا يَخْتَصُّ بِالْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ (وَقَوْلُهُ) غُسْلٌ مَشْرُوعٌ ذَكَرَ الْقَلَعِيُّ أَنَّهُ احْتِرَازٌ مِنْ الْغُسْلِ لِلدُّخُولِ عَلَى السُّلْطَانِ وَلُبْسِ الثَّوْبِ وَنَحْوِهِمَا وَهَذَا مُحْتَمَلٌ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ تَقْرِيبَ الْفَرْعِ مِنْ الْأَصْلِ دُونَ الِاحْتِرَازِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْغُسْلُ عِنْدَ إرَادَةِ الْإِحْرَامِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ بِهِمَا سَوَاءٌ كَانَ إحْرَامُهُ مِنْ الْمِيقَاتِ الشَّرْعِيِّ أَوْ غَيْرِهِ وَلَا يَجِبُ هَذَا الْغُسْلُ وَإِنَّمَا هُوَ سُنَّةٌ مُتَأَكَّدَةٌ يُكْرَهُ تَرْكُهَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ كَمَا سَأَذْكُرُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْأَشْرَافِ أَجْمَعَ عَوَامُّ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْإِحْرَامَ بِغَيْرِ غُسْلٍ جَائِزٌ قَالَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْغُسْلَ لِلْإِحْرَامِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ إذَا نَسِيَ الْغُسْلَ يَغْتَسِلُ إذَا ذَكَرَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا
وَالدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ أَنَّهُ غُسْلٌ لِأَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ فَلَمْ يَكُنْ وَاجِبًا كَغُسْلِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ أَسْتَحِبُّ الغسل عند الاحرام للرجل والصبي والمرأة الحائض والنفساء وكل من اراد الاحرام قال اكره تَرْكَ الْغُسْلِ لَهُ وَمَا تَرَكْتُ الْغُسْلَ لِلْإِحْرَامِ ولقد كنت أغتسل له مريضا له فِي السَّفَرِ وَأَنِّي أَخَافُ ضَرَرَ الْمَاءِ وَمَا صَحِبْتُ أَحَدًا أَقْتَدِي بِهِ رَأَيْتُهُ تَرَكَهُ وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْهُمْ عَدَا بِهِ أَنْ رَآهُ اخْتِيَارًا قَالَ وَإِذَا أَتَتْ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ الْمِيقَاتَ وَعَلَيْهِمَا مِنْ الزَّمَانِ مَا يُمْكِنُ فِيهِ طُهْرُهُمَا وَأَدْرَكَهُمَا الْحَجُّ بِلَا عِلَّةٍ أَحْبَبْتُ اسْتِئْخَارَهُمَا لِيَطْهُرَا فَيُحْرِمَا طَاهِرَتَيْنِ وَإِنْ أَهَلَّتَا غَيْرَ طَاهِرَتَيْنِ أَجْزَأَ عَنْهُمَا وَلَا فِدْيَةَ قَالَ وَكُلُّ مَا عَمِلَتْهُ الْحَائِضُ عَمِلَهُ الرَّجُلُ الْجُنُبُ وَالْمُحْدِثُ وَالِاخْتِيَارُ لَهُ أَنْ لَا يَعْمَلَهُ كُلَّهُ إلَّا طَاهِرًا قَالَ وَكُلُّ عَمَلِ الْحَجِّ تَعْمَلُهُ الْحَائِضُ وَغَيْرُ الطَّاهِرِ مِنْ الرِّجَالِ إلَّا الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ وَرَكْعَتَيْهِ هَذَا آخِرُ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ بِحُرُوفِهِ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ عَلَى جَمِيعِ هَذَا إلَّا قَوْلًا شَاذًّا ضَعِيفًا حَكَاهُ

(7/212)


الرَّافِعِيُّ أَنَّ الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ لَا يُسَنُّ لَهُمَا الْغُسْلُ (وَالصَّوَابُ) اسْتِحْبَابُهُ لَهُمَا لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَغْتَسِلَانِ بِنِيَّةِ غُسْلِ الْإِحْرَامِ كَمَا يَنْوِي غَيْرُهُمَا وَلِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ فِي نِيَّتِهِمَا احْتِمَالٌ (الثَّانِيَةُ) إذَا عَجَزَ الْمُحْرِمُ عَنْ الْغُسْلِ تَيَمَّمَ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ إلَّا أَنَّ الرَّافِعِيَّ قَالَ يَتَيَمَّمُ الْعَاجِزُ
* قَالَ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي غُسْلِ الْجُمُعَةِ احْتِمَالًا لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ لَا يتيمم قال وذاك الاحتمال جَارٍ هُنَا وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ مِنْ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ إذَا عَجَزَ عَنْ الْغُسْلِ أَحْسَنُ وَأَعَمُّ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَمَنْ وَافَقَهُ فِي قَوْلِهِمْ إنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ يَتَيَمَّمُ لِأَنَّ الْعَجْزَ يَعُمُّ عَدَمَ الْمَاءِ وَالْخَوْفِ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَالْحُكْمُ فِي الْجَمِيعِ واحد (وأما) إذا وجد من الماء مالا يكفه لِلْغُسْلِ فَقَدْ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي كُتُبِهِ الثَّلَاثَةِ الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ وَالْمُقْنِعِ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ يَتَوَضَّأُ بِهِ وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ إنْ أَرَادُوا بِهِ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ مَعَ التَّيَمُّمِ فَحَسَنٌ وَإِنْ أَرَادُوا أَنَّهُ يقتصر علي الوضوء فليس بمعقول وَلَا يُوَافَقُونَ عَلَيْهِ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ يَقُومُ مَقَامَ الْغُسْلِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْمَاءِ وَلَا يَقُومُ الْوُضُوءُ مَقَامَ الْغُسْلِ وَلَا يَرِدُ هَذَا عَلَى الْجُنُبِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ أَوْ يَنَامَ أَوْ يُجَامِعَ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْوُضُوءُ وَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّيَمُّمُ لِأَنَّ الْجُنُبَ الَّذِي فِيهِ الْكَلَامُ وَاجِدٌ لِمَا يَكْفِيهِ
لِغُسْلِهِ وَلَا يُفِيدُهُ التَّيَمُّمُ شَيْئًا وَلَا يَصِحُّ لِلْقُدْرَةِ على الماء ويفيده الوضوء رَفْعِ الْحَدَثِ عَنْ أَعْضَائِهِ فَاسْتُحِبَّ لَهُ وَفِي مَسْأَلَةِ الْمُحْرِمِ هُوَ عَادِمٌ لِمَا يَكْفِيهِ لِغُسْلِهِ فنظيره من الجنب أن يكون عاد ما لِمَا يَكْفِيهِ مِنْ الْمَاءِ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ مَعَ الوضوء أو يتيم مِنْ غَيْرِ وُضُوءٍ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمَعْرُوفَيْنِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ (الثَّالِثَةُ) قَالَ الْمُصَنِّفُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ يَغْتَسِلُ الْمُحْرِمُ لِسَبْعَةِ مَوَاطِنَ لِلْإِحْرَامِ وَدُخُولِ مَكَّةَ وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَالْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةَ وَلِرَمْيِ الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ يَجْتَمِعُ لَهَا النَّاسُ وَيُسْتَحَبُّ لَهَا الِاغْتِسَالُ وَهَذَا النَّصُّ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ الْأُمِّ كَذَا هُوَ فِي الْأُمِّ وَكَذَا نَقَلَهُ أَصْحَابُنَا عَنْ الْأُمِّ وَنَقَلَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ نُصُوصِهِ قَدِيمًا وَجَدِيدًا وَلَيْسَ هَذَا التَّعْلِيلُ فِي الْأُمِّ أَعْنِي قَوْلَهُ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَوَاطِنَ يَجْتَمِعُ لَهَا النَّاسُ بَلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ وَإِنَّمَا اسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ فِي ذَلِكَ بِآثَارٍ ذَكَرَهَا قَالَ فِي الْأُمِّ عَقِبَ ذِكْرِهِ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ وَأَسْتَحِبُّ الْغُسْلَ بَيْنَ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ عِنْدَ تَغَيُّرِ الْبَدَنِ بِالْعَرَقِ وَغَيْرِهِ تَنْظِيفًا لِلْبَدَنِ قَالَ فَلِذَلِكَ أُحِبُّهُ لِلْحَائِضِ قَالَ وَلَيْسَ وَاحِدٌ من هذا واجبا والله أعلم
* (وقوله) وللوقوف بِمُزْدَلِفَةَ يَعْنِي الْوُقُوفَ عَلَى الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَهُوَ قزح وذلك الوقف يَكُونُ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ يَوْمَ النَّحْرِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهَكَذَا قَالَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ

(7/213)


فِي هَذَا الْغُسْلِ إنَّهُ لِلْوُقُوفِ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَنَقَلَهُ عَنْ الْأُمِّ وَكَذَا رَأَيْتُهُ فِي الْأُمِّ صَرِيحًا وَخَالَفَهُمْ الْمَحَامِلِيُّ فِي كُتُبِهِ الثَّلَاثَةِ الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ وَالْمُقْنِعِ وَأَبُو الْفَتْحِ سُلَيْمٌ الرَّازِيّ فِي الْكِفَايَةِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ فِي الْكَافِي فَقَالُوا الْغُسْلُ لِلْمَبِيتِ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَلَمْ يَذْكُرُوا الْغُسْلَ لِلْوُقُوفِ بِالْمُزْدَلِفَةِ بَلْ جَعَلُوا الْغُسْلَ السَّابِعَ هُوَ الْغُسْلُ لِلْمَبِيتِ بِهَا وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْمَبِيتَ بِهَا لَيْسَ فِيهِ اجْتِمَاعٌ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى غُسْلٍ بِخِلَافِ الوقوف فالصواب أن الغسل السابع للوقوف بِالْمُزْدَلِفَةِ وَأَنَّهُ لَا يُشْرَعُ لِلْمَبِيتِ بِهَا وَقَوْلُهُمْ لِرَمْيِ الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ يَعْنُونَ الْجَمَرَاتِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يَغْتَسِلُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ غُسْلًا وَاحِدًا لِرَمْيِ الْجَمَرَاتِ وَلَا يَغْتَسِلُ لِكُلِّ جَمْرَةٍ فِي انْفِرَادِهَا هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْأَغْسَالِ الْمُسْتَحَبَّةِ فِي الْحَجِّ سَبْعَةٌ فَقَطْ هُوَ نَصُّهُ فِي الْجَدِيدِ وَأَضَافَ إلَيْهَا فِي الْقَدِيمِ اسْتِحْبَابَهُ لِطَوَافِ الزِّيَارَةِ وَطَوَافِ الْوَدَاعِ هَكَذَا نَقَلَهُ الْأَصْحَابُ عَنْ الْقَدِيمِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَجُمْهُورُ
الْأَصْحَابِ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ عَنْ الْقَدِيمِ أَنَّهُ أَضَافَ إلَى هَذَيْنِ الْغُسْلَيْنِ وَزَادَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالرَّافِعِيُّ عَنْ الْقَدِيمِ غُسْلًا ثَالِثًا وَهُوَ الْغُسْلُ لِلْحَلْقِ وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُهُ وَطُرُقُ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ الْغُسْلُ لِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ وقد ذكر المصنف دليله والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ثم يتجرد عن المخيط في ازار ورداء أبيضين ونعلين لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (ليحرم أحدكم في ازار ورداء ونعلين) والمستحب أن يكون ذلك بياضا لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَالَ الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمْ الْبَيَاضَ فَإِنَّهَا مِنْ خِيَارِ ثِيَابِكُمْ وَكَفِّنُوا فيها موتاكم) والمستحب أن يتطيب في بدنه لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ وَلِحِلِّهِ قبل أن يطوف بالبيت) ولا يطيب ثوبه لانه ربما نزعه للغسل فيطرحه على بدنه فتجب به الفدية والمستحب أن يصلي ركعتين لما روى ابن عباس وجابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بذى الحليفة ركعتين ثم أحرم) وفى الافضل قولان (قال) في القديم الافضل أن يحرم عقب الركعتين لما روى ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهل في دبر الصلاة) (وقال) في الام الافضل أن يحرم إذا انبعثت به راحلته ان كان راكبا وإذا ابتدأ السيران كان راجلا لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا رُحْتُمْ إلَى منى

(7/214)


متوجهين فأهلوا بالحج) ولانه إذا لبى مع السير وافق قوله فعله وإذا لبي في مصلاه لم يوافق قوله فعله فكان ما قلناه أولى)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ (لِيُحْرِمْ أَحَدُكُمْ فِي إزَارٍ وَرِدَاءٍ وَنَعْلَيْنِ) حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَيُغْنِي عَنْهُ مَا ثَبَتَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (انْطَلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم من المدينة بعد ما تَرَجَّلَ وَادَّهَنَ وَلَبِسَ إزَارَهُ وَرِدَاءَهُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ ولم ينه عن شئ مِنْ الْأُزُرِ وَالْأَرْدِيَةِ يُلْبَسُ إلَّا الْمُزَعْفَرَةَ الَّتِي تردع علي الجلد حتى أصبح بذى الحيلفة رَكِبَ رَاحِلَتَهُ حَتَّى اسْتَوَى عَلَى الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ هُوَ وَأَصْحَابُهُ) ثُمَّ ذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ (وَقَوْلُهُ) تَرْدَعُ الْجِلْدَ أَيْ تُلَطِّخُهُ إذَا لُبِسَتْ وَهُوَ
بِفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقٍ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ ثُمَّ دَالٌ مَفْتُوحَةٌ ثُمَّ عَيْنٌ مُهْمَلَتَيْنِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الرَّدْعُ بِالْعَيْنِ المهملة أثر من الطيب كالزعفران والرذع بالمعجمة الطين وقال أبو بكر ابْنُ الْمُنْذِرِ ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (وَلِيُحْرِمْ أَحَدُكُمْ فِي إزَارٍ وَرِدَاءٍ وَنَعْلَيْنِ) قَالَ وَكَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ والشافعي وأحمد واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ يَقُولُونَ يَلْبَسُ الَّذِي يُرِيدُ الْإِحْرَامَ إزَارًا وَرِدَاءً هَذَا كَلَامُ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَيْرَةَ وَغَيْرِهِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ في من لَمْ يَجِدْ النَّعْلَيْنِ (فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ) وَثَبَتَ فِيهِمَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (من لم يجد الازار فليلبس السروال وَمَنْ لَمْ يَجِدْ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ) وَمِثْلُهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمْ الْبَيَاضَ فَإِنَّهَا مِنْ خِيَارِ ثِيَابِكُمْ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ) فَحَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ فِي الْجَنَائِزِ وَسَبَقَ ذِكْرُهُ وَبَيَانُهُ فِي الْمُهَذَّبِ فِي بَابِ هَيْئَةِ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَائِشَةَ (كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ) فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ وَهُوَ حَدِيثٌ مُسْتَفِيضٌ مَشْهُورٌ جِدًّا وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا عَنْ عَائِشَةَ أَيْضًا مِنْ طُرُقٍ قَالَتْ (كَأَنَّمَا أَنْظُرُ إلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفْرِقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ) وَفِي بعض

(7/215)


الرِّوَايَاتِ مَفَارِقِ (وَفِي بَعْضِهَا) (وَبِيصِ الْمِسْكِ) وَالْمَفَارِقُ جَمْعُ مَفْرِقٍ بِكَسْرِ الرَّاءِ هُوَ وَسَطُ الرَّأْسِ حَيْثُ يَنْفَرِقُ الشَّعْرُ يَمِينًا وَشِمَالًا وَالْوَبِيصُ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ الْبَرِيقُ وَاللَّمَعَانُ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ إنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَجَابِرًا رَوَيَا صَلَاةَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم ركعتين بذى الحيلفة فَحَدِيثُ جَابِرٍ صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ فِي جُمْلَةِ حَدِيثٍ جَابِرٍ الطَّوِيلِ فِي صِفَةِ حَجِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ حَدِيثٌ عَظِيمُ الْفَوَائِدِ فِيهِ مَنَاسِكُ وَمُعْظَمُهَا ذُكِرَ فِيهِ كُلُّ مَا فَعَلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حِينِ خُرُوجِهِ إلَى فَرَاغِهِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا بِطُولِهِ وَلَمْ يَرْوِهِ الْبُخَارِيُّ بِطُولِهِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي صَلَاةِ
الرَّكْعَتَيْنِ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَإِسْنَادُهُ لَيْسَ بِقَوِيٍّ وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ كِفَايَةٌ عَنْهُ وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ (أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي مَسْجِدَ ذِي الْحُلَيْفَةِ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَرْكَبُ فَإِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قائمة أحرم ثُمَّ قَالَ هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهَلَّ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ) فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هُوَ ضَعِيفُ الاسناد لان في اسناده حصيف الجررى قَالَ وَهُوَ غَيْرُ قَوِيٍّ وَكَذَا قَالَهُ غَيْرُهُ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ (وَأَمَّا) قَوْلُ البيهقى ان حصيف غَيْرُ قَوِيٍّ فَقَدْ خَالَفَهُ فِيهِ كَثِيرُونَ مِنْ الْحُفَّاظِ وَالْأَئِمَّةِ الْمُتَقَدِّمِينَ فِي الْبَيَانِ فَوَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ إمَامُ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ وَوَثَّقَهُ أَيْضًا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَقَالَ النَّسَائِيُّ فِيهِ هُوَ صَالِحٌ وَقَوْلُ التِّرْمِذِيِّ إنَّهُ حَسَنٌ لَعَلَّهُ اُعْتُضِدَ عِنْدَهُ فَصَارَ بِصِفَةِ الْحَسَنِ الَّتِي سَبَقَ بَيَانُهَا فِي مُقَدَّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ جَابِرٍ أن النى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا رُحْتُمْ إلَى مِنًى مُتَوَجِّهِينَ فَأَهِلُّوا بِالْحَجِّ) فَصَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِمَعْنَاهُ وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ البخاري عن جابر (أَنَّ إهْلَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ ذى الحليفة حين استوت به رَاحِلَتُهُ) وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهِلُّ حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلَتُهُ) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا أَدْخَلَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ وَاسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ أَهَلَّ مِنْ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ) الْغَرْزُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَبَعْدَهَا زَايٌ رِكَابٌ وَكَانَ كُورَ الْبَعِيرِ إذَا كَانَ مِنْ جِلْدٍ أَوْ خَشَبٍ فَإِنْ كَانَ مِنْ حَدِيدٍ فَهُوَ رِكَابٌ وَقِيلَ يُسَمَّى غَرْزًا مِنْ أَيْ شئ كَانَ
* وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

(7/216)


وَسَلَّمَ أَهَلَّ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمَةً) وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاتَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَلَمَّا أَصْبَحَ وَاسْتَوَتْ رَاحِلَتُهُ أَهَلَّ) وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ فَلَمَّا اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ بِالْحَجِّ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَهَذِهِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ قَاطِعَةٌ بِتَرَجُّحِ الْإِحْرَامِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ السَّيْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَمَنْ قَالَ بِتَرَجُّحِ الْإِحْرَامِ عَقِبَ الصَّلَاةِ احْتَجَّ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ السَّابِقِ وَقَدْ أَشَارَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةٍ لَهُ رَوَاهَا الْبَيْهَقِيُّ
باسناده عن محمد بن اسحق عن حصيف عن سعد بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ (قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ عَجِبْتُ لِاخْتِلَافِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إهْلَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَوْجَبَ فَقَالَ إنِّي لَأَعْلَمُ النَّاسَ بِذَلِكَ إنَّهَا إنَّمَا كَانَتْ حَجَّةً وَاحِدَةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمِنْ هُنَاكَ اخْتَلَفُوا (خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجًّا فَلَمَّا صَلَّى فِي مَسْجِدِهِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْهِ أَوْجَبَهُ فِي مَجْلِسِهِ أَهَلَّ بِالْحَجِّ حِينَ فَرَغَ مِنْ رَكْعَتَيْهِ فَسَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ أَقْوَامٌ فَحَفِظَتْهُ عَنْهُ ثُمَّ رَكِبَ فَلَمَّا اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ أَهَلَّ وَأَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْهُ أَقْوَامٌ وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَأْتُونَ أَرْسَالًا فَسَمِعُوهُ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ يُهِلُّ فَقَالُوا إنَّمَا أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ ثُمَّ مَضَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا عَلَا عَلَى شَرَفِ الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ وَأَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْهُ أَقْوَامٌ فَقَالُوا أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ علا على شَرَفَ الْبَيْدَاءِ وَأَيْمُ اللَّهِ لَقَدْ أَوْجَبَ فِي مُصَلَّاهُ وَأَهَلَّ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ وَأَهَلَّ حين علا شرف البيداء) قال البيهقي حصيف غَيْرُ قَوِيٍّ وَقَدْ سَبَقَ قَرِيبًا ذِكْرُ الِاخْتِلَافِ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) السُّنَّةُ أَنْ يُحْرِمَ فِي إزَارٍ وَرِدَاءٍ وَنَعْلَيْنِ هَذَا مُجْمَعٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ كَمَا سَبَقَ فِي كَلَامِ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَفِي أَيْ شئ أحرم جاز إلا الخف ونحوه والمحيط كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ كَوْنُ الْإِزَارِ وَالرِّدَاءِ أَبْيَضَيْنِ لما ذكره الصمف قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وصاحب البيان وآخرون من الطريقتين الثواب الجديد في هذا أفظل مِنْ الْمَغْسُولِ قَالُوا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَدِيدٌ فَمَغْسُولٌ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ جَدِيدَيْنِ وَنَظِيفَيْنِ فَقَدْ يُوهِمُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي الْفَضِيلَةِ وَلَكِنْ يُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى مُوَافَقَةِ الْأَصْحَابِ وَتَقْدِيرُ كَلَامِهِ جَدِيدَيْنِ وَإِلَّا نَظِيفَيْنِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُكْرَهُ لَهُ الثَّوْبُ الْمَصْبُوغُ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي

(7/217)


آخِرِ هَذَا الْبَابِ وَهُنَاكَ يَنْبَسِطُ الْكَلَامُ فِيهِ بِأَدِلَّتِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الثَّانِيَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَطَيَّبَ فِي بَدَنِهِ عِنْدَ إرَادَةِ الْإِحْرَامِ سَوَاءٌ الطِّيبُ الَّذِي يَبْقَى لَهُ جِرْمٌ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَاَلَّذِي لَا يَبْقَى وَسَوَاءٌ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ في جميع الطرق
* وحكى الرافعي وجها أو التَّطَيُّبَ مُبَاحٌ لَا مُسْتَحَبٌّ
* وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَآخَرُونَ قَوْلًا أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لِلنِّسَاءِ التَّطَيُّبُ بِحَالٍ
* وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَآخَرُونَ وجها أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِنَّ التَّطَيُّبُ بِمَا يَبْقَى عَيْنُهُ
* وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ
وَغَيْرُهُ وَجْهًا فِي تَحْرِيمِ مَا يَبْقَى عَيْنُهُ عَلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَلَيْسَ بشئ وَالصَّوَابُ اسْتِحْبَابُهُ مُطْلَقًا
* قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ فِي كُتُبِهِ قَالَ وَبِهِ قَطَعَ عَامَّةُ الْأَصْحَابُ
* وَسَنَبْسُطُ أَدِلَّتَهُ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ فِي اسْتِحْبَابِهِ الْمَرْأَةُ الشَّابَّةُ والعجوز وقالوا والفرق بينه وبين الجمعة فانه يُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ الْخُرُوجُ إلَيْهَا مُتَطَيِّبَاتٍ لِأَنَّ مَكَانَ الْجُمُعَةِ يَضِيقُ وَكَذَلِكَ وَقْتُهَا فَلَا يُمْكِنُهَا اجْتِنَابُ الرِّجَالِ بِخِلَافِ النُّسُكِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا تَطَيَّبَ فَلَهُ اسْتِدَامَتُهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ إذَا تطيبت ثم لزمتها عدة يَلْزَمُهَا إزَالَةُ الطِّيبِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ الْعِدَّةَ حَقٌّ آدَمِيٌّ فَالْمُضَايَقَةُ فِيهِ أَكْثَرُ
* وَلَوْ أَخَذَ طِيبًا مِنْ مَوْضِعِهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَرَدَّهُ إلَيْهِ أَوْ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَقِيلَ فِيهِ قَوْلَانِ
* وَلَوْ انْتَقَلَ الطِّيبُ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى موضع بالعرق فوجهان (أصحهما) لا شئ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ تَوَلَّدَ مِنْ مُبَاحٍ
(وَالثَّانِي)
عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ إنْ تَرَكَهُ لِخُرُوجِهِ عَنْ مَحِلِّ الْإِذْنِ لانه حصل بغير اختياره فَصَارَ كَالنَّاسِي وَلِأَنَّ حُصُولَهُ هُنَاكَ تَوَلَّدَ مِنْ فِعْلِهِ فَهَذَا الْوَجْهُ ضَعِيفٌ عَنْ الْأَصْحَابِ
* وَلَوْ مَسَّهُ بِيَدِهِ عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَيَكُونُ مُسْتَعْمِلًا لِلطِّيبِ ابْتِدَاءً (الثَّالِثَةُ) اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لا يستحب تطيب ثَوْبِ الْمُحْرِمِ عِنْدَ إرَادَةِ الْإِحْرَامِ وَفِي جَوَازِ تطيبه طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْعِرَاقِيُّونَ جَوَازُهُ فَإِذَا طَيَّبَهُ وَلَبِسَهُ ثُمَّ أَحْرَمَ وَاسْتَدَامَ لُبْسَهُ جَازَ وَلَا فِدْيَةَ فَإِنْ نَزَعَهُ ثُمَّ لَبِسَهُ لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ لِأَنَّهُ لَبِسَ ثَوْبًا مُطَيَّبًا بَعْدَ إحْرَامِهِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) طَرِيقَةُ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) الْجَوَازُ كَمَا سَبَقَ قِيَاسًا عَلَى الْبَدَنِ (وَالثَّانِي) التَّحْرِيمُ لِأَنَّهُ يَبْقَى عَلَى الثَّوْبِ وَلَا يُسْتَهْلَكُ وَيَلْبَسُهُ أَيْضًا بَعْدَ نَزْعِهِ فَيَكُونُ مُسْتَأْنِفًا لِلطِّيبِ فِي الْإِحْرَامِ (وَالثَّالِثُ) يَجُوزُ بِمَا لَا يَبْقَى لَهُ جِرْمٌ وَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِهِ قَالُوا فَإِنْ قُلْنَا يَجُوزُ فَنَزَعَهُ ثُمَّ لَبِسَهُ فَفِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْبَغَوِيِّ وَغَيْرِهِ الْوُجُوبُ كَمَا لَوْ أَخَذَ الطِّيبَ مِنْ بَدَنِهِ ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ
(وَالثَّانِي)

(7/218)


لَا فِدْيَةَ لِأَنَّ الْعَادَةَ فِي الثَّوْبِ النَّزْعُ وَاللُّبْسُ فَصَارَ مَعْفُوًّا عَنْهُ
* وَحَكَى الْمُتَوَلِّي فِي طِيبِ الثِّيَابِ قَوْلَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
يُسْتَحَبُّ كَمَا يُسْتَحَبُّ فِي الْبَدَنِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ مُحَرَّمٌ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ الِاسْتِحْبَابِ غَرِيبٌ جِدًّا هَذَا كُلُّهُ فِي تَطَيُّبِ ثِيَابِ الْإِحْرَامِ (أَمَّا) إذَا طَيَّبَ الْبَدَنَ فَتَعَطَّرَ ثَوْبُهُ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ
لَيْسَ بِحَرَامٍ وَأَنَّهُ لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ أُحِبُّ للمرأة أن تخضب لِلْإِحْرَامِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْخِضَابِ لَهَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ كَانَ لَهَا زَوْجٌ أَمْ لَا لِأَنَّ هَذَا مُسْتَحَبٌّ بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا (فَأَمَّا) إذَا كَانَتْ تُرِيدُ الْإِحْرَامَ فَإِنْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ اُسْتُحِبَّ لَهَا الْخِضَابُ فِي كُلِّ وَقْتٍ لِأَنَّهُ زِينَةٌ وَجَمَالٌ وَهِيَ مَنْدُوبَةٌ إلَى الزِّينَةِ وَالتَّجَمُّلِ لِزَوْجِهَا كُلَّ وَقْتٍ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ ذَاتِ زَوْجٍ وَلَمْ تُرِدْ الْإِحْرَامَ كُرِهَ لَهَا الْخِضَابُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لِأَنَّهُ يُخَافُ بِهِ الْفِتْنَةُ عَلَيْهَا وَعَلَى غَيْرِهَا بِهَا وَهَذَا كُلُّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَسَوَاءٌ فِي اسْتِحْبَابِ الْخِضَابِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ الْعَجُوزُ وَالشَّابَّةُ كَمَا سَبَقَ فِي التَّطَيُّبِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَحَيْثُ اخْتَضَبَتْ تَخْضِبُ يَدَيْهَا إلَى الْكُوعَيْنِ وَلَا تَزِيدُ عَلَيْهِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ هُوَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْهَا
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَتَخْضِبُ الْكَفَّيْنِ تَعْمِيمًا ولا تطوف الْأَصَابِعَ وَلَا تَنْقُشُ وَلَا تُسَوِّدُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا فِي بَابِ طَهَارَةِ الْبَدَنِ
* وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ مَنْهِيٌّ عَنْ الْخِضَابِ قَالُوا وَكَذَلِكَ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَرْأَةِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ أَنْ تَمْسَحَ وجهها أيضا بشئ مِنْ الْحِنَّاءِ قَالَ وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ وَفِي خضاب كفها أن يستر لَوْنُ الْبَشَرَةِ لِأَنَّهَا تُؤْمَرُ بِكَشْفِ الْوَجْهِ وَقَدْ يَنْكَشِفُ الْكَفَّانِ أَيْضًا
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلِأَنَّ الْحِنَّاءَ مِنْ زِينَةِ النِّسَاءِ فَاسْتُحِبَّ عِنْدَ الْإِحْرَامِ كَالطِّيبِ وَتَرْجِيلِ الشَّعْرِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ (قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعى عمرتك وانقضى رَأْسَكَ وَامْتَشِطِي وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ) وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ (كُنَّا نَخْرُجُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى مَكَّةَ فَنُضَمِّدُ جِبَاهَنَا بِالْمِسْكِ الْمُطَيِّبِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ فَإِذَا عَرِقَتْ إحْدَانَا سَالَتْ عَلَى وجهها فيراه النبي صلى الله عليه وسلم فَلَا يَنْهَانَا) هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ الْخِضَابُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ لِأَنَّهُ مِنْ الزِّينَةِ وَهِيَ مَكْرُوهَةٌ لِلْمُحْرِمِ لِأَنَّهُ أَشْعَثُ أَغْبَرُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا اخْتَضَبَتْ فِي الْإِحْرَامِ فَلَا فِدْيَةَ لِأَنَّ الْحِنَّاءَ لَيْسَ بِطِيبٍ عِنْدَنَا فَإِنْ اخْتَضَبَتْ

(7/219)


وَلَفَّتْ عَلَى يَدَيْهَا الْخِرَقَ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ رَأَيْتُ أَنْ تَفْتَدِيَ وَقَالَ فِي الْإِمْلَاءِ لَا يَبِينُ لِي أَنَّ عَلَيْهَا
الْفِدْيَةَ
* قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْأَصْحَابُ هَذَا الاختلاف من قول الشافعي مع تحريمه القفاز مِنْ هَذَيْنِ الْكِتَابَيْنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ مُخْتَلِفٌ فِي سَبَبِ تَحْرِيمِ الْقُفَّازَيْنِ فَالْمَوْضِعُ الَّذِي أَوْجَبَ فِيهِ الْفِدْيَةَ فِي الْخِرْقَةِ الْمَلْفُوفَةِ يَدُلُّ علي أن تحريم القفازين إنما كان لان إحْرَامِ الْمَرْأَةِ يَتَعَلَّقُ بِوَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا وَإِنَّمَا جَوَّزَ لَهَا سَتْرَ كَفَّيْهَا بِكُمَّيْهَا لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْ ذَلِكَ
* وَدَلِيلُ ذَلِكَ أَنَّ الْكَفَّيْنِ لَيْسَا عَوْرَةً فَوَجَبَ كَشْفُهُمَا مِنْهَا كَالْوَجْهِ قَالُوا وَالْمَوْضِعُ الَّذِي لَمْ يُوجِبْ فِيهِ الْفِدْيَةَ فِي الْخِرَقِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا حَرَّمَ الْقُفَّازَيْنِ لِأَنَّهُمَا مَعْمُولَانِ عَلَى قَدْرِ الْكَفَّيْنِ كَمَا يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ الْخُفَّانِ
* وَدَلِيلُ هَذَا أَنَّهُ لَمَّا تَعَلَّقَ إحْرَامُهَا بِعُضْوٍ تَعَلَّقَ تحريم المحيط بِغَيْرِهِ كَالرَّجُلِ وَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا سَائِرُ بَدَنِهَا لِأَنَّهُ عَوْرَةٌ هَذَا نَقْلُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَصَاحِبِ الشَّامِلِ وَالْأَكْثَرِينَ وَلَمْ يَحْكِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ نَصَّهُ فِي الْإِمْلَاءِ وَإِنَّمَا حَكَى نَصَّهُ فِي الْأُمِّ قَالَ إنْ لَمْ يَشُدَّ الْخِرْقَةَ فَلَا فِدْيَةَ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ كَالْقُفَّازَيْنِ وَقَطَعَ آخَرُونَ بِأَنَّ لَفَّ الْخِرَقِ عَلَى يَدَيْهَا مَعَ الْحِنَّاءِ أَوْ دُونَهُ لَا فِدْيَةَ فِيهِ
* وَالْحَاصِلُ ثَلَاثُ طُرُقٍ (الْمَذْهَبُ) أَنَّ لَفَّ الْخِرَقِ مَعَ الْحِنَّاءِ وَغَيْرِهِ عَلَى يَدَيْ الْمَرْأَةِ لَا فِدْيَةَ فِيهِ
(وَالثَّانِي)
فِي وُجُوبِهَا قَوْلَانِ (وَالثَّالِثُ) إنْ لَمْ تَشُدَّهَا لَا فِدْيَةَ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ وَسَنُعِيدُ الْمَسْأَلَةَ فِي فَصْلِ تَحْرِيمِ اللِّبَاسِ مِنْ هَذَا الْبَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الرَّابِعَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَأَهَّبَ لِلْإِحْرَامِ مَعَ مَا سَبَقَ بِحَلْقِ الْعَانَةِ وَنَتْفِ الْإِبِطِ وَقَصِّ الشَّارِبِ وقلم الاظفار وغسل الرأس بدر أَوْ خِطْمِيٍّ وَنَحْوِهِمَا وَعَجَبٌ كَوْنُ الْمُصَنِّفِ أَهْمَلَ هذا في المذهب مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي التَّنْبِيهِ وَمَعَ أَنَّهُ مَشْهُورٌ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُلَبِّدَ رَأْسَهُ بِصَمْغٍ أَوْ خِطْمِيٍّ أَوْ عَسَلٍ وَنَحْوِهَا وَالتَّلْبِيدُ أَنْ يَجْعَلَ فِي رَأْسِهِ شَيْئًا مِنْ صَمْغٍ وَنَحْوِهِ لِيَتَلَبَّدَ شَعْرُهُ فَلَا يَتَوَلَّدُ فِيهِ الْقَمْلُ وَلَا يَتَشَعَّثُ فِي مُدَّةِ الْإِحْرَامِ
* وَدَلِيلُ اسْتِحْبَابِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ فِي ذَلِكَ (مِنْهَا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهَلِّلُ مُلَبِّدًا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي خَرَّ مِنْ بَعِيرِهِ مَيِّتًا (اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ وَلَا تَمَسُّوهُ بِطِيبٍ وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ملبدا)

(7/220)


رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ هَكَذَا (مُلَبَّدًا) فَأَمَّا الْبُخَارِيُّ فَرَوَاهُ هَكَذَا فِي رِوَايَةٍ لَهُ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ وَرَوَاهُ
مُسْلِمٌ فِي كِتَابِ الْحَجِّ هَكَذَا مِنْ طُرُقٍ وَرَوَيْنَاهُ مِنْ أَكْثَرِ الطُّرُقِ (مُلَبِّيًا) وَلَا مُخَالِفَةَ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٍ وَعَنْ حَفْصَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يُحْلِلْنَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ قَالَتْ فَقُلْتُ مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تُحِلَّ فَقَالَ إنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي وَقَلَّدْتُ هَدْيِي فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ هَدْيِي) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (الْخَامِسَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ إرَادَةِ الْإِحْرَامِ وَهَذِهِ الصَّلَاةُ مُجْمَعٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهَا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ لَوْ كَانَ فِي وَقْتِ فَرِيضَةٍ فَصَلَّاهَا كَفَى عَنْ ركعتي الاحرام كتحية المسجد وتندرج فِي الْفَرِيضَةِ وَفِيمَا قَالُوهُ نَظَرٌ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ مَقْصُودَةٌ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَنْدَرِجَ كَسُنَّةِ الصُّبْحِ وَغَيْرِهَا قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ كَانَ فِي الْمِيقَاتِ مسجدا استحب أن يصليها فِيهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِيهِمَا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فِي الْأُولَى (قُلْ يَا أَيُّهَا الكافرون) وَفِي الثَّانِيَةِ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (فَإِنْ كَانَ إحْرَامُهُ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ الَّتِي نُهِيَ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا فَالْأَوْلَى انْتِظَارُ زَوَالِ وَقْتِ الْكَرَاهَةِ ثُمَّ يُصَلِّيهَا فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الِانْتِظَارُ فَوَجْهَانِ (الْمَشْهُورُ) الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ وَلَا يَكُونُ الْإِحْرَامُ سَبَبًا لِأَنَّهُ مُتَأَخِّرٌ وَقَدْ لَا يَقَعُ فَكُرِهَتْ الصَّلَاةُ كَصَلَاةِ الِاسْتِخَارَةِ وَالِاسْتِسْقَاءِ
(وَالثَّانِي)
لَا يُكْرَهُ حَكَاهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَقَطَعَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ لِأَنَّ سَبَبَهَا إرَادَةُ الْإِحْرَامِ وَقَدْ وُجِدَتْ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ السَّاعَاتِ الَّتِي نُهِيَ عَنْ الْإِحْرَامِ فِيهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (السَّادِسَةُ) هَلْ الْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ عَقِبَ صَلَاةِ الْإِحْرَامِ وَهُوَ جَالِسٌ أَمْ إذَا انْبَعَثَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ مُتَوَجِّهَةً إلَى مَقْصِدِهِ حِينَ ابْتِدَاءِ السَّيْرِ فِيهِ قَوْلَانِ وَهُمَا مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (الْقَدِيمُ) عَقِبَ الصَّلَاةِ (وَالْأَصَحُّ) نَصُّهُ فِي الْأُمِّ أَنَّ الْأَفْضَلَ حِينَ تَنْبَعِثُ بِهِ دَابَّتُهُ إلَى جِهَةِ مَكَّةَ إنْ كَانَ رَاكِبًا أَوْ حِينَ يَتَوَجَّهُ إلَى الطَّرِيقِ إنْ كَانَ مَاشِيًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ يُسْتَحَبُّ اسْتِقْبَالُ الْكَعْبَةِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ الْمُصَرِّحِ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الطِّيبِ عِنْدَ إرَادَةِ الْإِحْرَامِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُهُ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءُ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ مِنْهُمْ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ

(7/221)


وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَمُعَاوِيَةُ وَعَائِشَةُ وَأُمُّ حَبِيبَةَ وَأَبُو حنيفة والثوري وأبو يوسف وأحمد واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ
وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَدَاوُد وَغَيْرُهُمْ
* وَقَالَ عَطَاءٌ وَالزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ يُكْرَهُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ حُكِيَ أَيْضًا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَاحْتُجَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ (كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَاهُ رَجُلٌ وَهُوَ بالجعرانة وعليه جبة وعليه أثر الحلوق فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَأْمُرنِي أَنْ أَصْنَعَ فِي عُمْرَتِي فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْلَعْ عَنْكَ هَذِهِ الْجُبَّةَ وَاغْسِلْ عَنْكَ أَثَرَ الْخَلُوقِ وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ كَمَا تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالُوا وَلِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُتَطَيِّبِ بَعْدَ إحْرَامِهِ يُمْنَعُ مِنْهُ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثَيْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا السَّابِقَيْنِ وَهُمَا صَحِيحَانِ رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ كما سبق ولان الطيب معنى يراد لِلِاسْتِدَامَةِ فَلَمْ يَمْنَعْ الْإِحْرَامُ مِنْ اسْتِدَامَتِهِ كَالنِّكَاحِ (والجواب) عن حديث يعلى مأوجه (أحدها) أن هذا الحلوق كَانَ فِي الْجُبَّةِ لَا فِي الْبَدَنِ وَالرَّجُلُ مَنْهِيٌّ عَنْ التَّزَعْفُرِ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَسْتَوِي فِي النَّهْيِ عَنْ الْمُزَعْفَرِ الرَّجُلُ الْحَلَالُ وَالْمُحْرِمُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَاضِحًا فِي بَابِ مَا يُكْرَهُ لُبْسُهُ (الْجَوَابُ الثَّانِي) أَنَّ خَبَرَهُمْ مُتَقَدِّمٌ وَخَبَرُنَا مُتَأَخِّرٌ فَكَانَ الْعَمَلُ عَلَى الْمُتَأَخِّرِ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّ خَبَرَهُمْ بِالْجِعْرَانَةِ كَانَ عَقِبَ فَتْحِ مَكَّةَ سَنَةَ ثَمَانٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَخَبَرُنَا كَانَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِلَا شَكٍّ وَحَجَّةُ الْوَدَاعِ كَانَتْ سَنَةَ عَشْرٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ كَانَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يحج بعد الهجرة غيرها بالاجماع (فَإِنْ قِيلَ) فَلَعَلَّ عَائِشَةَ أَرَادَتْ بِقَوْلِهَا (أُطَيِّبُهُ لِإِحْرَامِهِ) أَيْ إحْرَامِهِ لِلْعُمْرَةِ (قُلْنَا) هَذَا غَلَطٌ وَغَبَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ وَجَهَالَةٌ بَيِّنَةٌ لِأَنَّهَا قَالَتْ (كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِحْرَامِهِ حِينَ يُحْرِمُ وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ) وَلَا خِلَافَ أَنَّ الطِّيبَ يَحْرُمُ عَلَى الْمُعْتَمِرِ قَبْلَ الطَّوَافِ وَبَعْدَهُ حَتَّى تَفْرُغَ عُمْرَتُهُ وَإِنَّمَا يُبَاحُ الطِّيبُ قَبْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ فِي الْحَجِّ فَتَعَيَّنَ مَا قُلْنَاهُ (الْجَوَابُ الثَّالِثُ) أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ الطِّيبَ بَعْدَ إحْرَامِهِ فَأَمَرَ بِإِزَالَتِهِ وَفِي هَذَا الْجَوَابِ جَمْعٌ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ فَيَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُمْ هُوَ فِي مَعْنَى الْمُتَطَيِّبِ بَعْدَ إحْرَامِهِ فَيَبْطُلُ بَعْدَ إحْرَامِهِ فَيَبْطُلُ عَلَيْهِمْ بِالنِّكَاحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَاضِي عِيَاضًا وَغَيْرَهُ مِمَّنْ يَقُولُ بِكَرَاهَةِ الطِّيبِ تَأَوَّلُوا حَدِيثَ عَائِشَةَ عَلَى أَنَّهُ تَطَيَّبَ ثُمَّ اغْتَسَلَ بَعْدَهُ فَذَهَبَ

(7/222)


الطِّيبُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ قَالُوا وَيَزِيدُ هَذَا قَوْلُهَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عِنْدَ إحْرَامِهِ ثُمَّ طَافَ عَلَى نِسَائِهِ ثُمَّ أَصْبَحَ مُحْرِمًا) هَكَذَا ثَبَتَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إنَّمَا تَطَيَّبَ لِمُبَاشَرَةِ نِسَائِهِ ثُمَّ زَالَ بِالْغُسْلِ بَعْدَهُ لَا سِيَّمَا وَقَدْ نُقِلَ أَنَّهُ كَانَ يَتَطَهَّرُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ قَبْلَ الْأُخْرَى وَلَا يَبْقَى مَعَ ذلك طيب ويكون قولها) ثم أصبح ينضخ طِيبًا) كَمَا ثَبَتَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَيْ أصبح ينضخ طِيبًا قَبْلَ غُسْلِهِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَنَّ ذَلِكَ الطِّيبَ كَانَ ذَرِيرَةً وَهِيَ مِمَّا يُذْهِبُهُ الْغُسْلُ قَالُوا وَقَوْلُهَا (كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفَارِقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ) الْمُرَادُ أثره لاجرمه هَذَا اعْتِرَاضُهُمْ وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ مِنْ اسْتِحْبَابِ الطِّيبِ لِلْإِحْرَامِ لِقَوْلِهَا (طَيَّبْتُهُ لِإِحْرَامِهِ) وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ التَّطَيُّبَ لِلْإِحْرَامِ لَا لِلنِّسَاءِ وَيَعْضِدُهُ قَوْلُهَا) كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى وَبِيصِ الطِّيبِ) وتأويلهم المذكر غَيْرُ مَقْبُولٍ لِمُخَالِفَتِهِ الظَّاهِرَ بِغَيْرِ دَلِيلٍ يَحْمِلُنَا عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ لِلْإِحْرَامِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ إحْرَامُهُ عِنْدَ ابْتِدَاءِ السَّيْرِ وَانْبِعَاثِ الرَّاحِلَةِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد إذَا فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْأَحَادِيثُ الدالة للمذهبين واضحة والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وينوى الاحرام ولا يصح الاحرام إلَّا بِالنِّيَّةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ) وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ فَلَمْ يَصِحَّ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ كَالصَّوْمِ والصلاة ويلبي لنقل الخلف عن السلف فان اقتصر على النية ولم يلب أجزأه وقال أبو عبد الله الزبيري لا ينعقد إلا بالنية والتلبية كما لا تنعقد الصلاة الا بالنية والتكبير والمذهب الاول لانها عبادة لا يجب النطق في آخرها فلم يجب في أولها كالصوم)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ (إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم من رواية عمر ابن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَسَبَقَ بَيَانُهُ وَاضِحًا فِي أَوَّلِ بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ (وَقَوْلُهُ) عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ احْتِرَازٌ مِنْ الْأَذَانِ وَالْعِدَّةِ وَنَحْوِهِمَا وَالسَّلَفُ الصَّدْرُ الْأَوَّلُ وَالْخَلَفُ مَنْ بَعْدَهُمْ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ سَبَقَ بَيَانُ حَالِهِ فِي بَابِ الْحَيْضِ (وَقَوْلُهُ) لَا يَجِبُ النُّطْقُ فِي آخِرِهَا احْتِرَازٌ

(7/223)


مِنْ الصَّلَاةِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا يَنْبَغِي لمريد الاحرام أن ينويه بقلبه ويتلفظ بِذَلِكَ بِلِسَانِهِ
وَيُلَبِّي فَيَقُولُ بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ نَوَيْتُ الْحَجَّ وَأَحْرَمْت بِهِ لِلَّهِ تَعَالَى لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ إلَى آخِرِ التَّلْبِيَةِ فَهَذَا أَكْمَلُ مَا يَنْبَغِي لَهُ فَالْإِحْرَامُ هُوَ النِّيَّةُ بِالْقَلْبِ وَهِيَ قَصْدُ الدُّخُولِ فِي الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ أَوْ كِلَيْهِمَا هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْأَصْحَابُ (وَأَمَّا) اللَّفْظُ بِذَلِكَ فَمُسْتَحَبٌّ لِتَوْكِيدِ مَا فِي الْقَلْبِ كَمَا سَبَقَ فِي نِيَّةِ الصَّلَاةِ وَنِيَّةِ الْوُضُوءِ فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى اللَّفْظِ دُونَ الْقَلْبِ لَمْ يَصِحَّ إحْرَامُهُ وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْقَلْبِ دُونَ لَفْظِ اللِّسَانِ صَحَّ إحْرَامُهُ كَمَا سَبَقَ هُنَاكَ (أَمَّا) إذَا لَبَّى وَلَمْ يَنْوِ فَنَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ الرَّبِيعِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا لَبَّى بِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَإِنْ لم يرد حجا ولا عمرة فليس بشئ وَلِلْأَصْحَابِ طَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ وَتَأَوَّلُوا رِوَايَةَ الرَّبِيعِ عَلَى مَنْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا ثُمَّ تَلَفَّظَ بِنُسُكٍ مُعَيَّنٍ وَلَمْ يَنْوِهِ فَيُجْعَلُ لَفْظُهُ تَعْيِينًا لِلْإِحْرَامِ الْمُطْلَقِ وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَمُتَابِعُوهُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ
(وَالثَّانِي)
يَنْعَقِدُ وَيَلْزَمُهُ مَا سَمَّى لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِالتَّسْمِيَةِ قَالُوا وَعَلَى هَذَا لَوْ أَطْلَقَ التَّلْبِيَةَ انْعَقَدَ الْإِحْرَامُ مُطْلَقًا يَصْرِفُهُ إلَى مَا شَاءَ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ قِرَانٍ وَهَذَا الْقَوْلُ ضَعِيفٌ جِدًّا بَلْ غَلَطٌ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَا أَعْرِفُ لَهُ وَجْهًا قَالَ فَإِنْ تَكَلَّفَ لَهُ مُتَكَلِّفٌ وَقَالَ مِنْ ضَرُورَةِ تَجْرِيدِ الْقَصْدِ إلَى التَّلْبِيَةِ مَعَ انْتِفَاءِ سائر المقاصد سوى الاحرام ان يجزى فِي الضَّمِيرِ قَصْدُ الْإِحْرَامِ (قُلْنَا) هَذَا لَيْسَ بشئ لِأَنَّهُ إذَا فَرَضَ هَذَا فَهُوَ إحْرَامٌ بِنِيَّةٍ وَلَا خِلَافَ فِي انْعِقَادِ الْإِحْرَامِ بِالنِّيَّةِ (قُلْتُ) وَالتَّأْوِيلُ الْمَذْكُورُ أَوَّلًا ضَعِيفٌ جِدًّا لِأَنَّا سَنَذْكُرُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْإِحْرَامَ الْمُطْلَقَ لَا يَصِحُّ صَرْفُهُ إلَّا بِنِيَّةٍ (وَاعْلَمْ) أَنَّ نَصَّهُ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ مُحْتَاجٌ إلَى قَيْدٍ آخَرَ وَمَعْنَاهُ لَمْ يُرِدْ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً وَلَا أَصْلَ الْإِحْرَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* هَذَا كُلُّهُ إذَا لَبَّى وَلَمْ يَنْوِ فَلَوْ نَوَى وَلَمْ يُلَبِّ فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ أَوْ أَقْوَالٍ (الصَّحِيحُ) الْمَشْهُورُ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ يَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ
(وَالثَّانِي)
لَا يَنْعَقِدُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الزبير وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ خَيْرَانَ وَأَبِي عَلِيٍّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ الْقَاصِّ وَحَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ قَوْلًا قَدِيمًا (وَالثَّالِثُ) حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَغَيْرُهُ قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِالتَّلْبِيَةِ

(7/224)


أَوْ سَوْقِ الْهَدْيِ وَتَقْلِيدِهِ وَالتَّوَجُّهِ مَعَهُ (وَالرَّابِعُ) حَكَاهُ الْحَنَّاطِيُّ وَغَيْرُهُ قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ أَنَّ التَّلْبِيَةَ
وَاجِبَةٌ وَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِلِانْعِقَادِ فَإِنْ نَوَى وَلَمْ يُلَبِّ انْعَقَدَ وَأَثِمَ وَلَزِمَهُ دَمٌ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ فَعَلَى الْمَذْهَبِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ الِاعْتِبَارُ بِالنِّيَّةِ فَلَوْ لَبَّى بِحَجٍّ وَنَوَى عُمْرَةً فَهُوَ مُعْتَمِرٌ وَإِنْ لَبَّى بِعُمْرَةٍ وَنَوَى حَجًّا فَهُوَ حَاجٌّ وَإِنْ لَبَّى بِأَحَدِهِمَا وَنَوَى الْقِرَانَ فَقَارِنٌ وَلَوْ لَبَّى بِهِمَا وَنَوَى أَحَدَهُمَا انْعَقَدَ مَا نَوَى فَقَطْ وَقَدْ سَبَقَ هَذَا مَعَ نَظَائِرِهِ فِي نِيَّةِ الْوُضُوءِ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا الْمَشْهُورَ أَنَّ الْإِحْرَامَ يَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ دُونَ التَّلْبِيَةِ وَلَا يَنْعَقِدُ بِالتَّلْبِيَةِ بِلَا نِيَّةٍ
* وَقَالَ دَاوُد وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ يَنْعَقِدُ بِمُجَرَّدِ التَّلْبِيَةِ قَالَ دَاوُد وَلَا تَكْفِي النِّيَّةُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ التَّلْبِيَةِ وَرَفْعِ الصَّوْتِ بِهَا
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَنْعَقِدُ الْإِحْرَامُ إلَّا بِالنِّيَّةِ مَعَ التَّلْبِيَةِ أَوْ مَعَ سَوْقِ الْهَدْيِ
* وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبَّى وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ)
* وَاحْتَجَّ دَاوُد لِوُجُوبِ رَفْعِ الصَّوْتِ بالتلبية بحديث جلاد بْنِ السَّائِبِ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي وَمَنْ مَعِي أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالْإِهْلَالِ أَوْ قَالَ بِالتَّلْبِيَةِ) رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَهَذَا لَفْظُ أَبِي دَاوُد وَلَفْظُ النَّسَائِيُّ (جَاءَنِي جِبْرِيلُ فَقَالَ لِي يَا مُحَمَّدُ مُرْ أَصْحَابَك أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّلْبِيَةِ) وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَحَمَلُوا أَحَادِيثَ التَّلْبِيَةِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله
* (وله أن يعين ما يحرم به من الحج أو العمرة لان النبي صلى الله عليه وسلم أهل بالحج فان أهل بنسك ونوي غيره انعقد ما نواه لان النية بالقلب وله أن يحرم إحراما مبهما لما روى أبو موسى الاشعري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ كيف أهللت قال قلت لبيك باهلال كاهلال النبي صلى الله عليه وسلم فقال أحسنت) وفى الافضل قولان (قال) في الام التعيين أفضل لانه إذا عين عرف

(7/225)


ما دخل فيه (والثاني) أن الابهام أفضل لانه احوط فانه ربما عرض مرض أو إحصار فيصرفه إلى ما هو اسهل عليه
* وإن عين انعقد ما عينه والافضل ان لا يذكر ما أحرم به في تلبيته على المنصوص لما روى نافع قال (سئل ابن عمر أيسمي احدنا حجا أو عمرة فقال اتنبئون الله بما في قلوبكم إنما هي نية
أحدكم) ومن اصحابنا من قال الافضل أن ينطق به لما روي أَنَسٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول (لبيك بحجة وعمرة) ولانه إذا نطق به كان ابعد من السهو فان ابهم الاحرام جاز ان يَصْرِفُهُ إلَى مَا شَاءَ مِنْ حَجٍّ أَوْ عمرة لانه يصلح لهما فصرفه الي ما شاء منهما)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي مُوسَى رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَنَسٍ وَحَدِيثُ إحْرَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَجٍّ فَصَحِيحَانِ سَبَقَ بَيَانُهُمَا فِي مَسْأَلَةِ الْإِفْرَادِ وَالتَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَذِكْرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا (وَقَدْ) يُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ احْتِجَاجُهُ بِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى لِجَوَازِ إطْلَاقِ الْإِحْرَامِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إطْلَاقٌ وَإِبْهَامٌ وَإِنَّمَا فِيهِ تَعْلِيقُ إحْرَامِهِ بِإِحْرَامِ غَيْرِهِ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذِهِ (وَيُجَابُ) عَنْهُ بِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ الدَّلَالَةُ لِأَنَّهُ إذَا دَلَّ بِجَوَازِ التَّعْلِيقِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ وَمُخَالِفَةِ الْقَوَاعِدِ فَالْإِطْلَاقُ أَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) لِلْإِحْرَامِ حَالَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنْ يَنْعَقِدَ مُعَيَّنًا بِأَنْ يَنْوِيَ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ أَوْ كِلَيْهِمَا فَيَنْعَقِدَ مَا يَنْوِي لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ) فلوا احرم بححتين أَوْ عُمْرَتَيْنِ انْعَقَدَتْ إحْدَاهُمَا فَقَطْ وَلَمْ تَلْزَمْهُ الْأُخْرَى وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ وَذَكَرْنَا مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهَا فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ (الثَّانِي) أَنْ يَنْعَقِدَ مُطْلَقًا وَيُسَمَّى الْمُطْلَقُ مُبْهَمًا كَمَا نَوَى ثُمَّ يُنْظَرُ فَإِنْ أَحْرَمَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَلَهُ صَرْفُهُ إلَى مَا شَاءَ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ قِرَانٍ وَيَكُونُ الصَّرْفُ بِالنِّيَّةِ لَا بِاللَّفْظِ وَلَا يُجْزِئُهُ الْعَمَلُ قَبْلَ النِّيَّةِ فَلَوْ طَافَ أَوْ سَعَى لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ قبل النية وان أحرم قبل الشهر فَإِنْ صَرَفَهُ إلَى الْعُمْرَةِ جَازَ وَإِنْ صَرَفَهُ إلَى الْحَجِّ بَعْدَ دُخُولِ الْأَشْهُرِ فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) لَا يَجُوزُ بَلْ انْعَقَدَ إحْرَامُهُ عُمْرَةً (وَالثَّانِي) يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَى مَا شَاءَ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ قِرَانٍ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ إحْرَامُهُ قَدْ وَقَعَ مُطْلَقًا

(7/226)


(أَمَّا) إذَا صَرَفَهُ إلَى الْحَجِّ قَبْلَ الْأَشْهُرِ فَهُوَ كَمَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ الْأَشْهُرِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) هَلْ الْأَفْضَلُ إطْلَاقُ الْإِحْرَامِ أَوْ تَعْيِينُهُ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) نَصُّهُ فِي الْأُمِّ أَنَّ التَّعْيِينَ أَفْضَلُ
(وَالثَّانِي)
نَصُّهُ فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّ الْإِطْلَاقَ أَفْضَلُ
* فَعَلَى الْأَوَّلِ هَلْ يُسْتَحَبُّ التَّلَفُّظُ فِي تَلْبِيَتِهِ بِمَا عَيَّنَهُ بِأَنْ يَقُولَ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ بِحَجٍّ أَوْ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ بِعُمْرَةٍ أَوْ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا
الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) لَا يُسْتَحَبُّ بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى النِّيَّةِ وَالتَّلْبِيَةِ وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَصَحَّحَهُ الْأَصْحَابُ هَكَذَا أَطْلَقَ الْجُمْهُورُ الْمَسْأَلَةَ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ هَذَا الْخِلَافُ فيما سوى التلبية الاولى فأما الْأُولَى الَّتِي عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْإِحْرَامِ فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُسَمِّيَ فِيهَا مَا أَحْرَمَ بِهِ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَجْهًا وَاحِدًا قَالَ وَلَا يَجْهَرُ بِهَذِهِ التَّلْبِيَةِ بَلْ يُسْمِعُهَا نَفْسَهُ بِخِلَافِ مَا بَعْدَهَا فَإِنَّهُ يَجْهَرُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا نَوَى بِقَلْبِهِ حَجًّا وَلَبَّى بِعُمْرَةٍ أَوْ عَكْسُهُ انْعَقَدَ مَا فِي قَلْبِهِ دُونَ لِسَانِهِ وَقَدْ سَبَقَتْ المسألة قريبا بفروعها واضحة * قال المصنف رحمه الله
* (فان قال اهلالا كاهلال فلان انعقد إحرامه بما عقد به فلان إحرامه فان مات الرجل الذى علق اهلاله باهلاله أو جن ولم يعلم ما أهل به يلزمه أن يقرن ليسقط ما لزمه بيقين فان بان أن فلانا لم يحرم انعقد إحراما مطلقا فيصرفه إلَى مَا شَاءَ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ لانه عقد الاحرام وإنما علق عين النسك على إحرام فلان فإذا سقط إحرام فلان بقى إحرامه مطلقا فيصرفه إلَى مَا شَاءَ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا أَحْرَمَ عَمْرٌو بِمَا أَحْرَمَ بِهِ زَيْدٌ جَازَ بِلَا خِلَافٍ لِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ السَّابِقِ ثُمَّ لِزَيْدٍ أَحْوَالٌ أَرْبَعَةٌ (أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَ مُحْرِمًا وَيُمْكِنَ مَعْرِفَةُ مَا أَحْرَمَ بِهِ فَيَنْعَقِدَ لِعَمْرٍو مِثْلُ إحْرَامِهِ إنْ كَانَ حَجًّا فَحَجٌّ وَإِنْ كَانَ عُمْرَةً فَعُمْرَةٌ وَإِنْ كَانَ قِرَانًا فَقِرَانٌ وَإِنْ كَانَ زَيْدٌ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ بِنِيَّةِ التَّمَتُّعِ كَانَ عَمْرٌو مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ وَلَا يَلْزَمُهُ التَّمَتُّعُ وَإِنْ كَانَ إحْرَامُ زَيْدٍ مُطْلَقًا انْعَقَدَ إحْرَامُ عَمْرٍو مُطْلَقًا وَيَتَخَيَّرُ كَمَا يَتَخَيَّرُ زَيْدٌ وَلَا يَلْزَمُهُ الصَّرْفُ إلَى مَا يَصْرِفُ إلَيْهِ زَيْدٌ
* هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ

(7/227)


وبه قطع الجمهور وحكي (1) والرافعي وَجْهًا أَنَّهُ تَلْزَمُهُ مُوَافَقَتُهُ فِي الصَّرْفِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ (1) قَالَ الْبَغَوِيّ إلَّا إذَا أَرَادَ إحْرَامًا كَإِحْرَامِ زَيْدٍ بَعْدَ تَعْيِينِهِ فَيَلْزَمُهُ (أَمَّا) إذَا كَانَ إحْرَامُ زَيْدٍ فَاسِدًا فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَنْعَقِدُ إحْرَامُ عَمْرٍو لِأَنَّ الْفَاسِدَ لَاغٍ (وَأَصَحُّهُمَا) انْعِقَادُهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِيمَنْ نَذَرَ صَلَاةً فَاسِدَةً هَلْ يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ بِصَلَاةٍ صَحِيحَةٍ أَمْ لَا يَنْعَقِدُ وَالصَّحِيحُ لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ (أَمَّا) إذَا كَانَ زَيْدٌ أَحْرَمَ مُطْلَقًا ثُمَّ عَيَّنَهُ قَبْلَ إحْرَامِ عَمْرٍو فَوَجْهَانِ
(أَصَحُّهُمَا) يَنْعَقِدُ إحْرَامُ عَمْرٍو مُطْلَقًا (وَالثَّانِي) مُعَيَّنًا وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَفَّالِ وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِيمَا لَوْ أَحْرَمَ زَيْدٌ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهَا الْحَجَّ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ عَمْرٌو مُعْتَمِرًا وَعَلَى الثَّانِي قَارِنًا (وَالْوَجْهَانِ) فِيمَا إذَا لَمْ يَخْطُرُ التَّشْبِيهُ بِإِحْرَامِ زَيْدٍ فِي الْحَالِ وَلَا في أوله فان خطر التشبيه باحرام زَيْدٍ فِي الْحَالِ فَالِاعْتِبَارُ بِمَا خَطَرَ بِلَا خِلَافٍ
* وَلَوْ أَخْبَرَهُ زَيْدٌ بِمَا أَحْرَمَ بِهِ وَوَقَعَ فِي نَفْسِهِ خِلَافُهُ فَهَلْ يَعْمَلُ بِخَبَرِهِ أَمْ بِمَا وَقَعَ فِي نَفْسِهِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الدَّارِمِيُّ (أَقْيَسُهُمَا) بِخَبَرِهِ
* وَلَوْ قَالَ لَهُ أَحْرَمْتُ بِالْعُمْرَةِ فَعَمِلَ بِقَوْلِهِ فَبَانَ أَنَّهُ كَانَ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ فَقَدْ بَانَ أَنَّ إحْرَامَ عَمْرٍو كَانَ مُنْعَقِدًا بِحَجٍّ فَإِنْ فَاتَ الْوَقْتُ تَحَلَّلَ وَأَرَاقَ دَمًا وَهَلْ الدَّمُ فِي مَالِهِ أَمْ فِي مَالِ زَيْدٍ فِيهِ وَجْهَانِ (الْأَصَحُّ) فِي مَالِهِ
* مِمَّنْ حَكَى الْوَجْهَيْنِ الدَّارِمِيُّ وَالرَّافِعِيُّ (وَالْحَالُ الثَّانِي) أَنْ لَا يَكُونَ زَيْدٌ مُحْرِمًا أَصْلًا فَيُنْظَرُ إنْ كَانَ عَمْرٌو جَاهِلًا بِهِ انْعَقَدَ إحْرَامُهُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ جَزَمَ بِالْإِحْرَامِ وَإِنْ كَانَ عَمْرٌو عَالِمًا بِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْرِمٍ بِأَنْ عَلِمَ مَوْتَهُ فَطَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) وَالْمَنْصُوصُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ انْعِقَادُ إحْرَامِ عَمْرٍو مُطْلَقًا (وَالثَّانِي) عَلَى وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا
(وَالثَّانِي)
لَا يَنْعَقِدُ أَصْلًا حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَفَّالِ وَحَكَاهُ آخَرُونَ كَمَا لَوْ قَالَ إنْ كَانَ زَيْدٌ مُحْرِمًا فَقَدْ أَحْرَمْتُ فَلَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا (وَالصَّوَابُ) الْأَوَّلُ
* وَيُخَالِفُ قَوْلَهُ إنْ كَانَ زَيْدٌ مُحْرِمًا فَإِنَّهُ تَعْلِيقٌ لِأَصْلِ الْإِحْرَامِ فَلِهَذَا يَقُولُ إنْ كَانَ زَيْدٌ مُحْرِمًا فَهَذَا الْمُعَلَّقُ وَإِلَّا فَلَا (وَأَمَّا) هَهُنَا فَأَصْلُ الْإِحْرَامِ مَجْزُومٌ بِهِ
* قَالَ الرَّافِعِيُّ

(7/228)


وَاحْتَجُّوا لِلْمَذْهَبِ بِصُورَتَيْنِ نُصَّ عَلَيْهِمَا فِي الْأُمِّ (إحْدَاهُمَا) لَوْ اسْتَأْجَرَهُ رَجُلَانِ لِيَحُجَّ عَنْهُمَا فَأَحْرَمَ عَنْهُمَا لَمْ يَنْعَقِدْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَانْعَقَدَ عَنْ الْأَجِيرِ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا مُتَعَذَّرٌ فَلَغَتْ الْإِضَافَةُ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْإِجَارَةُ فِي الذِّمَّةِ أَمْ على الْعَيْنِ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ إحْدَى إجَارَتَيْ الْعَيْنِ فَاسِدَةً إلَّا أَنَّ الْإِحْرَامَ عَنْ غَيْرِهِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى صِحَّةِ الْإِجَارَةِ (الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ) لَوْ استأجر رجل لِيَحُجَّ عَنْهُ فَأَحْرَمَ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ الْمُسْتَأْجِرِ لَغَتْ الْإِضَافَتَانِ وَبَقِيَ الْإِحْرَامُ لِلْأَجِيرِ فَلَمَّا لَغَتْ الْإِضَافَةُ فِي الصُّورَتَيْنِ وَبَقِيَ أَصْلُ الْإِحْرَامِ جَازَ أَنْ يَلْغُوَهَا التَّشْبِيهُ وَيَبْقَى أَصْلُ الْإِحْرَامِ (الْحَالُ الثَّالِثُ) أَنْ يَكُونَ زَيْدٌ مُحْرِمًا وَتَتَعَذَّرُ مُرَاجَعَتُهُ لِجُنُونٍ أَوْ مَوْتٍ أَوْ غَيْبَةٍ وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُقَدِّمَةٌ وَهِيَ إنْ أَحْرَمَ بِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ ثُمَّ نَسِيَهُ (قَالَ) فِي الْقَدِيمِ أُحِبُّ أَنْ يَقْرِنَ وَإِنْ تَحَرَّى رَجَوْتُ أَنْ يُجْزِئَهُ (وَقَالَ) فِي الْجَدِيدِ هُوَ قَارِنٌ وَلِلْأَصْحَابِ فِيهِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا) القطع بجوز التَّحَرِّي وَتَأْوِيلُ الْجَدِيدِ عَلَى مَا إذَا شَكَّ هَلْ أَحْرَمَ بِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ أَمْ قَرَنَ (وَأَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى (قَوْلَيْنِ) الْقَدِيمُ جَوَازُ التَّحَرِّي وَيَعْمَلُ بِظَنِّهِ وَالْجَدِيدُ لَا يَجُوزُ التَّحَرِّي بَلْ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَصِيرَ نَفْسُهُ قَارِنًا كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* فَإِذَا تَعَذَّرَ مَعْرِفَةُ إحْرَامِ زَيْدٍ فَطَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَكُونُ عَمْرٌو كَمَنْ نَسِيَ مَا أَحْرَمَ بِهِ وَفِيهِ الطَّرِيقَانِ وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ الدَّارِمِيُّ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ لَا يَتَحَرَّى بِحَالٍ بَلْ يَلْزَمُهُ الْقِرَانُ وَحَكَوْهُ عَنْ نَصِّهِ فِي الْقَدِيمِ وَلَيْسَ فِي الْجَدِيدِ مَا يُخَالِفُهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّكَّ فِي مَسْأَلَةِ النِّسْيَانِ وَقَعَ عَنْ فِعْلِهِ فَلَا سَبِيلَ إلَى التَّحَرِّي بِخِلَافِ إحْرَامِ زَيْدٍ
* (فَرْعٌ)
هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ لِزَيْدٍ هُوَ فِيمَا إذَا أَحْرَمَ عَمْرٌو فِي الْحَالِ بِإِحْرَامٍ كَإِحْرَامِ زَيْدٍ أَمَّا إذَا عَلَّقَ إحْرَامَهُ فَقَالَ إذَا أَحْرَمَ زَيْدٌ فَأَنَا مُحْرِمٌ فَلَا يَصِحُّ إحْرَامُهُ كَمَا لَوْ قَالَ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَأَنَا مُحْرِمٌ هَكَذَا نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ وَذَكَرَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ وَالدَّارِمِيُّ وَالشَّاشِيُّ فِي الْمُعْتَمَدِ فِي صِحَّةِ الْإِحْرَامِ الْمُعَلَّقِ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ وَنَحْوِهِ وَجْهَيْنِ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ وَالدَّارِمِيُّ (أَصَحُّهُمَا) لا ينعقد

(7/229)


قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقِيَاسُ تَجْوِيزِ تَعْلِيقِ أَصْلِ الْإِحْرَامِ بِإِحْرَامِ الْغَيْرِ تَجْوِيزُ هَذَا لِأَنَّ التَّعْلِيقَ مَوْجُودٌ فِي الْحَالَيْنِ إلَّا أَنَّ هَذَا تَعْلِيقٌ بِمُسْتَقْبَلٍ وَذَاكَ تَعْلِيقٌ بِحَاضِرٍ وَمَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ مِنْ العقود يقبلهما جَمِيعًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ لَوْ قَالَ أَحْرَمْتُ كَإِحْرَامِ زَيْدٍ وَعَمْرٍو فَإِنْ كَانَا مُحْرِمَيْنِ بِنُسُكٍ مُتَّفِقٍ كَانَ كَأَحَدِهِمَا وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا بِعُمْرَةٍ وَالْآخِرُ بِحَجٍّ كَانَ هَذَا الْمُعَلِّقُ قَارِنًا وَكَذَا إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا قَارِنًا قَالَ فَلَوْ قَالَ كَإِحْرَامِ زَيْدٍ الْكَافِرِ وَكَانَ الْكَافِرُ قَدْ أَتَى بِصُورَةِ إحْرَامٍ فَهَلْ يَنْعَقِدُ لَهُ مَا أَحْرَمَ بِهِ الْكَافِرُ أَمْ يَنْعَقِدُ مُطْلَقًا فِيهِ وَجْهَانِ وَهَذَا الَّذِي حَكَاهُ ضَعِيفٌ أَوْ غَلَطٌ بَلْ الصَّوَابُ انْعِقَادُهُ مُطْلَقًا
* قَالَ الرُّويَانِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ قَالَ أَحْرَمْتُ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ انْعَقَدَ مُطْلَقًا كَالطَّلَاقِ
* وَلَوْ قَالَ أَحْرَمْتُ بِنِصْفِ نُسُكٍ انْعَقَدَ بِنُسُكٍ كَالطَّلَاقِ وَفِيمَا نَقَلَهُ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْعَقِدَ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْعِبَادَاتِ وَالنِّيَّةُ الْجَارِيَةُ الْكَامِلَةُ شَرْطٌ فِيهَا بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْغَلَبَةِ وَالسِّرَايَةِ وَيَقْبَلُ الْإِخْطَارَ وَيَدْخُلُهُ التَّعْلِيقُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
إذَا أَحْرَمَ عَمْرٌو كَإِحْرَامِ زَيْدٍ فَأُحْصِرَ زَيْدٌ وَتَحَلَّلَ لَمْ يَجُزْ لِعَمْرٍو أَنْ يَتَحَلَّلَ بمجرد ذلك (فَرْعٌ)
إذَا أَحْرَمَ عَمْرٌو كَإِحْرَامِ زَيْدٍ فَأُحْصِرَ زَيْدٌ وَتَحَلَّلَ لَمْ يَجُزْ لِعَمْرٍو أَنْ يَتَحَلَّلَ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ بَلْ إنْ وُجِدَ عَمْرٌو فِي إحْصَارٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يُبِيحُ لَهُ التَّحَلُّلُ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ ارْتَكَبَ زَيْدٌ مَحْظُورًا فِي احرامه فلا شئ عَلَى عَمْرٍو بِذَلِكَ
* (فَرْعٌ)
إذَا أَحْرَمَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَقَالَ فِي نِيَّتِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ قَالَ الدَّارِمِيُّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ يَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ هَذَا نَقْلُ الدَّارِمِيِّ وَالصَّوَابُ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهِ كَمَا سَبَقَ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ فِيمَنْ نَوَى الصَّوْمَ وَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ الْمَسْأَلَةَ هُنَا فَقَالَ لَوْ قَالَ أَنَا مُحْرِمٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ يَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ فِي الْحَالِ وَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الِاسْتِثْنَاءُ قَالَ فَقِيلَ لَهُ أَلَيْسَ لَوْ قَالَ

(7/230)


لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ صَحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ فِيهِ فَقَالَ الْفَرْقُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يُؤَثِّرُ فِي النُّطْقِ وَلَا يُؤَثِّرُ فِي النِّيَّاتِ وَالْعِتْقُ يَنْعَقِدُ بِالنُّطْقِ وَلِذَلِكَ أَثَّرَ الِاسْتِثْنَاءُ فِيهِ وَالْإِحْرَامُ يَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ فَلَمْ يُؤَثِّرْ الِاسْتِثْنَاءُ فِيهِ فَقِيلَ لَهُ أَلَيْسَ لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ خَلِيَّةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَنَوَى الطَّلَاقَ أَثَّرَ الِاسْتِثْنَاءُ فِيهِ فَقَالَ الْفَرْقُ أَنَّ الْكِنَايَةَ مَعَ النِّيَّةِ فِي الطَّلَاقِ كَالصَّرِيحِ فَلِهَذَا صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ فِيهِ والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وان أحرم بحجتين أو عمرتين لم ينعقد الاحرام بهما لانه لا يمكن المضي فيهما وتنعقد احداهما لانه يمكنه المضى في احداهما قال في الام ولو استأجره رجلان ليحج عنهما فأحرم عنهما انعقد احرامه عن نفسه لانه لا يمكن الجمع بينهما ولا تقديم أحدهما على الآخر فتعارضا وسقطا وبقى احرام مطلق فانعقد له ولو استأجره رجل ليحج عنه فأحرم عنه وعن نفسه انعقد الاحرام عن نفسه لانه تعارض التعيينان فسقطا وبقى احرام مطلق فانعقد له)
* (الشَّرْحُ) هَذِهِ الْمَسَائِلُ صَحِيحَةٌ ذَكَرَهَا الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ كَمَا ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ مَسْأَلَةِ الْإِحْرَامِ بِحَجَّتَيْنِ أَوْ عُمْرَتَيْنِ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ فِي مَسْأَلَةِ لَا يَجُوزُ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ إلَّا فِي أَشْهُرِهِ وَذَكَرْنَا بَعْدَهَا تَعْلِيلَ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فيهما (وَأَمَّا) مَسْأَلَتَا الْأَجِيرِ فَسَبَقَتَا قَرِيبًا فِي الْحَالِ الثَّانِي
مِنْ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثِ الَّتِي فِي تَعْلِيقِ الْإِحْرَامِ بِإِحْرَامِ زَيْدٍ وَسَبَقَتَا أَيْضًا فِي فَصْلِ الاستئجار للحج والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (وان أحرم بنسك معين ثم نسيه قبل أن يأتي بنسك ففيه قولان (قال) في الام يلزمه أن يقرن لانه شك لحقه بعد الدخول في العبادة فيبنى فيه على اليقين كما لو شك في عدد ركعات الصلاة (وقال)

(7/231)


في القديم يتحرى لانه يمكن أن يدرك بالتحري فيتحرى فيه كالقبلة (فإذا قلنا) يقرن لزمه أن ينوى القران فإذا قرن أجزأه ذلك عن الحج وهل يجزئه عن العمرة (ان قلنا) يجوز ادخال العمرة على الحج أجزأه عن العمرة أيضا (وان قلنا) لا يجوز ففيه وجهان
(أحدهما)
لا يجزئه لانه يجوز ان يكون أحرم بالحج وأدخل عليه العمرة فلم يصح وإذا شك لم يسقط الفرض (والثاني) انه يجزئه لان العمرة انما لا يجوز ادخالها على الحج من غير حاجة وههنا به حاجة إلى ادخال العمرة على الحج والمذهب الاول (فان قلنا) انه يجزئه عن العمرة لزمه الدم لانه قارن (وان قلنا) لا يجزئه عن العمرة فهل يلزمه دم فيه وجهان
(أحدهما)
لا دم عليه وهو المذهب لانا لم نحكم له بالقران فلا يلزمه دم (والثاني) يلزمه دم لجواز ان يكون قارنا فوجب عليه الدم احتياطا وان نسى بعد الوقوف وقبل طواف القدوم فان نوى القران وعاد قبل طواف القدوم أجزأه الحج لانه ان كان حاجا أو قارنا فقد انعقد احرامه بالحج وان كان معتمرا فقد أدخل الحج على العمرة قبل طواف العمرة فصح حجه ولا يجزئه عن العمرة لان ادخال العمرة على الحج لا يصح في أحد القولين ويصح في الآخر ما لم يقف بعرفة فإذا وقف بعرفة لم يصح فلم يجزئه وان نسى بعد طواف القدوم وقبل الوقوف (فان قلنا) ان ادخال العمرة على الحج لا يجوز لم يصح له الحج ولا العمرة لانه يحتمل انه كان معتمرا فلا يصح ادخال الحج على العمرة بعد الطواف فلم يسقط فرض الحج مع الشك ولا تصح العمرة لانه يحتمل أن لا يكون أحرم بها أو أحرم بها بعد الحج فلا يصح وان قلنا انه يجوز ادخال العمرة على الحج لم يصح له

(7/232)


الحج لجواز أن يكون أحرم بالعمرة وطاف لها فلا يجوز أن يدخل الحج عليها وتصح له العمرة لانه أدخلها
على الحج قبل الوقوف فان أراد أن يجزئه الحج طاف وسعى لعمرته ويحلق ثم يحرم بالحج ويجزئه لانه ان كان معتمرا فقد حل من العمرة وأحرم بالحج وان كان حاجا أو قارنا فلا يضره تجديد الاحرام بالحج ويجب عليه دم واحد لانه ان كان معتمرا فقد حلق في وقته وصار متمتعا فعليه دم التمتع دون دم الحلق وان كان حاجا فقد حلق في غير وقته فعليه دم الحلق دون دم التمتع وان كان قارنا فعليه دم الحلق ودم القران فلا يجب عليه دمان بالشك ومن أصحابنا من قال يجب عليه دمان احتياطا وليس بشئ)
* (الشَّرْحُ) إذَا أَحْرَمَ بِنُسُكٍ ثُمَّ نَسِيَهُ وَشَكَّ هَلْ هُوَ حَجٌّ أَمْ عُمْرَةٌ أَمْ حَجٌّ وَعُمْرَةٌ فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ أُحِبُّ أَنْ يَقْرِنَ وَإِنْ تَحَرَّى رَجَوْتُ أَنْ يُجْزِئَهُ وَقَالَ فِي كُتُبِهِ الْجَدِيدَةِ هُوَ قَارِنٌ وَفِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ
(أَحَدُهُمَا)
الْقَطْعُ بِجَوَازِ التحرى وتأويل الجديد علي إذا ما شَكَّ هَلْ أَحْرَمَ بِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ أَمْ قَرَنَ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَهُوَ الَّذِي اقتصر عليه المصنف والجمهور الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَوْلَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
قَوْلُهُ الْقَدِيمُ يَجُوزُ التَّحَرِّي وَيَعْمَلُ بِظَنِّهِ (وَأَصَحُّهُمَا) وَهُوَ نَصُّهُ فِي كُتُبِهِ الْجَدِيدَةِ لَا يَجُوزُ التَّحَرِّي بَلْ يَقْرِنُ وَهَذَا نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ وَالْإِمْلَاءِ قَالَ المحاملي وهو نَصُّهُ فِي كُتُبِهِ الْجَدِيدَةِ وَالْإِمْلَاءِ وَالْمُخْتَصَرِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا قُلْنَا بِالْقَدِيمِ تَحَرَّى فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَحَدُهُمَا بِأَمَارَةِ عَمَلٍ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ الَّذِي ظَنَّهُ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً قَالُوا وَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ بَلْ يَعْمَلُ عَلَى مَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَعَلَى هَذَا الْقَدِيمِ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَتَحَرَّى بَلْ يَنْوِيَ الْقِرَانَ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْقَدِيمِ

(7/233)


إذَا أَحْرَمَ بِنُسُكٍ ثُمَّ نَسِيَهُ فَأُحِبُّ أَنْ يقرن القران عَلَى مَا فَعَلَهُ قَالَ فَإِنْ تَحَرَّى رَجَوْتُ أَنْ يُجْزِئَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا نَصُّهُ وَكَذَا نَقَلَهُ الْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ عَنْ الْقَدِيمِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ فَإِذَا قلنا بالقديم فتحرى فادى اجتهاده الي شئ عَمِلَ بِمُقْتَضَاهُ وَأَجْزَأَهُ ذَلِكَ النُّسُكُ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ تَفْرِيعًا عَلَى الْقَدِيمِ وَحَكَى جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ النُّسُكُ بَلْ فَائِدَةُ التَّحَرِّي التَّخَلُّصُ مِنْ الْإِحْرَامِ وَهَذَا إسْنَادٌ ضَعِيفٌ جِدًّا أَمَّا إذَا قُلْنَا بِالْجَدِيدِ فَلِلشَّكِّ حالان

(أحدهما)
أن يعرض قبل عمل شئ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ فَلَفْظُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَارِنٌ قَالَ الْأَصْحَابُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَنْوِي الْقِرَانَ وَيَصِيرُ نَفْسُهُ قَارِنًا وَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةٍ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجَمَاهِيرُ وَفِيهِ قَوْلٌ أَنَّهُ يَصِيرُ قَارِنًا بِلَا نِيَّةٍ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَكَذَا نَقَلَهُ الْمُزَنِيّ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ فَقَالَ إذَا لَبَّى بِأَحَدِهِمَا ثُمَّ نَسِيَهُ فَهُوَ قَارِنٌ وَكَذَا لَفْظُ الْمُصَنِّفِ فِي التَّنْبِيهِ فَإِنَّهُ قَالَ يَصِيرُ قَارِنًا وَتَأَوَّلَ الْجُمْهُورُ نَقْلَ الْمُزَنِيِّ عَلَى أَنَّهُ يَصِيرُ نَفْسُهُ قَارِنًا بِأَنْ يَنْوِيَ الْقِرَانَ وَكَذَا يُتَأَوَّلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي التَّنْبِيهِ قَالَ أَصْحَابُنَا ثُمَّ إذَا نَوَى الْقِرَانَ وَأَتَى بِالْأَعْمَالِ تَحَلَّلَ مِنْ إحْرَامِهِ وَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُ مِنْ الْحَجِّ بِيَقِينٍ وَأَجْزَأَهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ لَمْ يَضُرَّهُ تَجْدِيدُ نِيَّةِ الْعُمْرَةِ بَعْدَهُ سَوَاءٌ قُلْنَا يَصِحُّ إدْخَالُهَا عَلَيْهِ أَمْ لَا وَإِنْ كَانَ مُحْرِمًا بِالْعُمْرَةِ فَإِدْخَالُ الْحَجِّ عَلَيْهَا قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي أَعْمَالِهَا جَائِزٌ فَثَبَتَ لَهُ الْحَجُّ بِلَا خِلَافٍ (وَأَمَّا) الْعُمْرَةُ فَإِنْ جَوَّزْنَا إدْخَالَهَا عَلَى الْحَجِّ أَجْزَأَتْهُ أَيْضًا عَنْ عمرة الاسلام والا فوجهان (اصحهما) يجزئه والثانى لا تجزئه قال أبو اسحق الْمَرْوَزِيُّ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا

(7/234)


وزيف الاصحاب قول ابي اسحق الْمَرْوَزِيِّ هَذَا وَبَالَغُوا فِي إبْطَالِهِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ (فَإِنْ قُلْنَا) يُجْزِئُهُ الْعَمَلُ لزمه دم القران فان لم يجزئه لَزِمَهُ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعَ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يُجْزِئُهُ الدَّمُ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (الصَّحِيحُ) لَا يَلْزَمُهُ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ وَوَجْهُهُ مَعَ شِدَّةِ ضَعْفِهِ أَنَّ نِيَّةَ الْقِرَانِ وُجِدَتْ وَهِيَ مُوجِبَةٌ لِلدَّمِ إلَّا أَنَّا لَمْ نَعْتَدَّ بِالْعُمْرَةِ احْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ وَالِاحْتِيَاطُ فِي الدَّمِ وُجُوبُهُ وَهَذَا الِاسْتِدْلَال أَحْسَنُ مِنْ اسْتِدْلَالِ الْمُصَنِّفِ (وَاعْلَمْ) أَنَّ قَوْلَ الْأَصْحَابِ يَجْعَلُ نَفْسَهُ قَارِنًا وَقَوْلَ الْمُصَنِّفِ يَلْزَمُهُ أَنْ ينوى القران ليس المراد بجميعه تختم وجوب الاقران فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ نِيَّةُ الْحَجِّ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَمْ يَذْكُرْ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْقِرَانَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ بَلْ ذَكَرَهُ لِيَسْتَفِيدَ بِهِ الشَّاكُّ التَّحَلُّلَ مَعَ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ مِنْ النُّسُكَيْنِ قَالَ فَلَوْ اقْتَصَرَ بَعْدَ النِّسْيَانِ عَلَى الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَأَتَى بِأَفْعَالِهِ حَصَلَ التَّحَلُّلُ قَطْعًا وَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ مِنْ الْحَجِّ وَلَا تَبْرَأُ مِنْ الْعُمْرَةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَحْرَمَ ابْتِدَاءً بِالْحَجِّ وَكَذَا قَالَ الْمُتَوَلِّي لَوْ لَمْ يَنْوِ الْقِرَانَ وَلَكِنْ قَالَ صَرَفْتُ إحْرَامِي إلَى الْحَجِّ حُسِبَ لَهُ الْحَجُّ لانه ان كان محرما بالحج فقد جدد إحْرَامًا بِهِ فَلَا يَضُرُّهُ وَإِنْ كَانَ مُحْرِمًا بِالْعُمْرَةِ
فَقَدْ أَدْخَلَ الْحَجَّ عَلَيْهَا قَبْلَ الطَّوَافِ قَالَ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُرِيقَ دَمًا لِاحْتِمَالِ أَنَّ إحْرَامَهُ كَانَ بِعُمْرَةٍ فَيَكُونُ قَارِنًا قَالَ وَلَوْ قَالَ صَرَفْتُ إحْرَامِي إلَى عُمْرَةٍ لَمْ يَنْصَرِفْ إلَيْهَا وَإِذَا أَتَى بِأَعْمَالِهَا لَا تُحْسَبُ لَهُ الْعُمْرَةُ وَلَا يَتَحَلَّلُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مُحْرِمٌ بِحَجٍّ أَوْ قِرَانٍ أَمَّا إذَا اقْتَصَرَ عَلَى الاحرام بالعمرة وأتى بأعمال القران فيحصل لله التَّحَلُّلُ بِلَا شَكٍّ وَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ مِنْ الْعُمْرَةِ إنْ قُلْنَا بِجَوَازِ إدْخَالِهَا عَلَى الْحَجِّ وَإِلَّا فَلَا تَبْرَأُ مِنْهَا وَلَا يَبْرَأُ مِنْ الْحَجِّ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَحْرَمَ أَوَّلًا بِعُمْرَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَلَوْ لَمْ يُجَدِّدْ إحْرَامًا بَعْدَ النِّسْيَانِ بَلْ اقْتَصَرَ عَلَى عَمَلِ الْحَجِّ حُصِلَ التَّحَلُّلُ وَلَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ مِنْ الْحَجِّ وَلَا مِنْ الْعُمْرَةِ لِشَكِّهِ فِيمَا أَتَى بِهِ وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى عَمَلِ عُمْرَةٍ لَمْ يَحْصُلْ التَّحَلُّلُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَلَمْ يُتِمَّ أَعْمَالَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يَعْرِضَ الشك بعد فعل شئ مِنْ أَعْمَالِ النُّسُكِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ (الضَّرْبُ الاول) ان يعرض بعد الوقوف بعرفة وقبل الطواف فيجزئه الحج انه إنْ كَانَ مُحْرِمًا بِهِ فَذَاكَ وَإِنْ كَانَ مُحْرِمًا بِالْعُمْرَةِ فَقَدْ أَدْخَلَهُ عَلَيْهَا قَبْلَ الطَّوَافِ وَذَلِكَ جَائِزٌ وَلَا تُجْزِئُهُ الْعُمْرَةُ إذَا

(7/235)


قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ لَا يَجُوزُ إدْخَالُهَا عَلَى الْحَجِّ بَعْدَ الْوُقُوفِ وَقَبْلَ الشُّرُوعِ فِي أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ فَأَمَّا إنْ قُلْنَا بِجَوَازِ إدْخَالِ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ بَعْدَ الْوُقُوفِ وَقَبْلَ الشُّرُوعِ فِي أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ فَيَحْصُلُ لَهُ الْعُمْرَةُ صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَذْكُرَهُ لِأَنَّ تَقْسِيمَهُ يَقْتَضِيهِ وَقَدْ ذَكَرَ هُوَ فِيمَا سَبَقَ الْخِلَافَ فِي جَوَازِ إدْخَالِ الْعُمْرَةِ بَعْدَ الْوُقُوفِ فإذا قلنا بجوزاه وَحَصَلَتْ الْعُمْرَةُ وَجَبَ دَمُ الْقِرَانِ وَإِلَّا فَفِي وُجُوبِ الدَّمِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ فِي الْكِتَابِ وَقَدْ شَرَحْنَاهُمَا قَرِيبًا فِي الْحَالِ الْأَوَّلِ (أَصَحُّهُمَا) لَا دَمَ (وَالثَّانِي) يَجِبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الضَّرْبَ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا كَانَ وَقْتُ الْوُقُوفِ بَاقِيًا عِنْدَ مَصِيرِهِ قَارِنًا ثُمَّ وَقَفَ مَرَّةً ثَانِيَةً وَإِلَّا فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ إنْ كَانَ مُحْرِمًا بِالْعُمْرَةِ فَلَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ الْوُقُوفُ عَنْ الْحَجِّ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَتْهُ مِنْ تَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا كَانَ وَقْتُ الْوُقُوفِ بَاقِيًا لَا بُدَّ مِنْهُ وَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْبَيَانِ فِي كِتَابَيْهِ الْبَيَانِ وَمُشْكِلَاتِ الْمُهَذَّبِ وَنَبَّهَ عَلَيْهِ أَيْضًا الرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَالْمَحَامِلِيِّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْبَغَوِيِّ وَغَيْرِهِمْ إطْلَاقُهُمْ الْمَسْأَلَةَ مِنْ غَيْرِ تَنْبِيهٍ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَكَأَنَّهُمْ اسْتَغْنَوْا عَنْ ذِكْرِهِ بِوُضُوحِهِ وَمَعْرِفَتِهِ مِنْ سِيَاقِ الْمَسْأَلَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الضَّرْبُ الثَّانِي) أَنْ يَعْرِضَ الشَّكُّ بَعْدَ
الطَّوَافِ وَقَبْلَ الْوُقُوفِ فَإِذَا نَوَى الْقِرَانَ وَأَتَى بِأَعْمَالِ الْقَارِنِ لَمْ يُجْزِئْهُ الْحَجُّ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ كَانَ مُحْرِمًا بِالْعُمْرَةِ فَيَمْتَنِعُ إدْخَالُ الْحَجِّ عَلَيْهَا بَعْدَ الطَّوَافِ (وَأَمَّا) الْعُمْرَةُ فَإِنْ قُلْنَا بِجَوَازِ إدْخَالِهَا عَلَى الْحَجِّ بَعْدَ الطَّوَافِ أَجْزَأَتْهُ وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ الْمَذْهَبُ ثُمَّ ذَكَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَدَّادِ حِيلَةً لِتَحْصِيلِ الْحَجِّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَقَالَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُتَمِّمَ أَعْمَالَ الْعُمْرَةِ بِأَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ ثُمَّ يَسْعَى ثُمَّ يَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ ثُمَّ يُحْرِمَ بالحج ويأتي بأفعاله فإذا هَذَا صَحَّ حَجُّهُ وَأَجْزَأَهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ لَمْ يَضُرَّهُ الْإِحْرَامُ بِهِ ثَانِيًا وَإِنْ كَانَ مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ فَقَدْ تَحَلَّلَ مِنْهَا وَأَحْرَمَ بَعْدَهَا بِالْحَجِّ وَصَارَ مُتَمَتِّعًا فَأَجْزَأَهُ الْحَجُّ وَلَا تَصِحُّ عُمْرَتُهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ كَانَ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ وَلَمْ يُدْخِلْ الْعُمْرَةَ عَلَيْهِ إذْ لَمْ يَنْوِ

(7/236)


الْقِرَانَ هَذَا كَلَامُ ابْنِ الْحَدَّادِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ إذَا فَعَلَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَدَّادِ فَالْحُكْمُ كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ قَالُوا وَكَذَا إنْ كَانَ فَقِيهًا وَفَعَلَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَدَّادِ بِاجْتِهَادِهِ فَالْحُكْمُ مَا سَبَقَ وَأَمَّا إذَا اسْتَفْتَانَا فَهَلْ نُفْتِيهِ بِذَلِكَ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (قَالَ) الشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ الْمَرْوَزِيُّ لَا نُفْتِيهِ بِجَوَازِ الْحَلْقِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مُحْرِمٌ بِالْحَجِّ أَوْ قَارِنٌ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْحَلْقُ قَبْلَ وَقْتِهِ هَذَا كَلَامُ أَبِي زَيْدٍ وَبِهِ قَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَالْقَفَّالُ وَالْمَرْوَزِيُّ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ عَنْ أَصْحَابِنَا مُطْلَقًا قَالُوا وَهَذَا كَمَا لَوْ ابْتَلَعَتْ دَجَاجَةُ إنْسَانٍ جَوْهَرَةً لِغَيْرِهِ لَا يُفْتَى صَاحِبُ الْجَوْهَرَةِ بِذَبْحِهَا وَأَخْذِ الْجَوْهَرَةِ وَلَكِنْ لَوْ ذَبَحَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا التَّفَاوُتُ بَيْنَ قِيمَتِهَا مَذْبُوحَةً وَحَيَّةً قَالُوا وَكَذَا لَوْ تَقَابَلَتْ دَابَّتَانِ لِشَخْصَيْنِ عَلَى شَاهِقٍ وتعذر مرورهما لا يفني أَحَدُهُمَا بِإِهْلَاكِ دَابَّةِ الْآخَرِ لَكِنْ لَوْ فَعَلَ خلص دَابَّتَهُ لَزِمَهُ قِيمَةُ دَابَّةِ صَاحِبِهِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) نفتيه بها قَالَهُ ابْنُ الْحَدَّادِ وَيَجُوزُ لَهُ الْحَلْقُ لِأَنَّهُ يُسْتَبَاحُ فِي الْحَالِ الَّذِي يَكُونُ حَرَامًا مُحَقِّقًا لِلْحَاجَةِ فَاسْتَبَاحَهُ هُنَا وَلَا يَتَحَقَّقُ أَنَّهُ مُحْرِمٌ أو لا فَإِنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ أَيْضًا لِيَحْسِبَ لَهُ فِعْلَهُ وإلا فتلغوا وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الْوَجْهِ ابْنُ الْحَدَّادِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَآخَرُونَ وَرَجَّحَهُ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (واعلم) أن المصنف الْمُصَنِّفَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ طَافَ وَسَعَى وَحَلَقَ فَذَكَرَ إعَادَةَ الطَّوَافِ وَهُوَ خِلَافُ مَا قَالَ الْأَصْحَابُ وَخِلَافُ الدَّلِيلِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا الطَّوَافَ بل قالوا يسعى ويحلق فقط فهذا هُوَ الصَّوَابُ وَلَا حَاجَةَ
إلَى إعَادَةِ الطَّوَافِ فَإِنَّهُ قَدْ أَتَى بِهِ أَوَّلًا وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْبَيَانِ فِي كِتَابَيْهِ الْبَيَانِ وَمُشْكِلَاتِ الْمُهَذَّبِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا الطَّوَافُ لَا مَعْنَى لَهُ فَإِنَّهُ قَدْ طَافَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ أَفْتَيْنَاهُ بِمَا قَالَهُ ابن الحداد وموافقوه أم لم نُفْتِهِ بِهِ فَفَعَلَهُ لَزِمَهُ دَمٌ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُحْرِمًا بِحَجٍّ فَقَدْ حَلَقَ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ وَإِنْ كَانَ بِعُمْرَةٍ فَقَدْ تَمَتَّعَ فَيُرِيقُ دَمًا عَنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ وَلَا يُعَيِّنُ الْجِهَةَ كَمَا يُكَفِّرُ فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا لَا يَجِدُ دَمًا وَلَا طَعَامًا صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ كَصَوْمِ المتمتع فَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ دَمَ التَّمَتُّعِ فَذَاكَ وَإِنْ كان دم الحق أَجْزَأَهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَيَقَعُ الْبَاقِي تَطَوُّعًا وَلَا يُعَيِّنُ الْجِهَةَ فِي صَوْمِ

(7/237)


الثَّلَاثَةِ وَيَجُوزُ تَعْيِينُ التَّمَتُّعِ فِي صَوْمِ السَّبْعَةِ وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى صَوْمِ ثَلَاثَةٍ هَلْ تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ أَنَّهُ لَا تَبْرَأُ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ يَحْتَمِلُ أَنْ تَبْرَأَ وَعَبَّرَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ عَنْ هَذَيْنِ بِوَجْهَيْنِ وَيُجْزِئُهُ الصَّوْمُ مَعَ وُجُودِ الْإِطْعَامِ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلطَّعَامِ فِي التَّمَتُّعِ وَفِدْيَةُ الْحَلْقِ عَلَى التَّخْيِيرِ وَلَوْ أَطْعَمَ هَلْ تبرأ ذمته فيه كلاما الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ وَالْإِمَامِ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا اسْتَجْمَعَ الرَّجُلُ شُرُوطَ وُجُوبِ دَمِ التَّمَتُّعِ فَإِنْ لم يستجمعهما كَالْمَكِّيِّ لَمْ يَجِبْ الدَّمُ لِأَنَّ دَمَ التَّمَتُّعِ مَقْصُودٌ وَالْأَصْلُ عَدَمُ وُجُوبِ دَمِ الْحَلْقِ وَإِذَا جُوِّزَ أَنْ يَكُونَ إحْرَامُهُ أَوَّلًا بِالْقِرَانِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ دَمٌ آخَرُ مَعَ الدَّمِ الَّذِي وَصَفْنَاهُ فِيهِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ (الصَّحِيحُ) لَا يَلْزَمُهُ (الضَّرْبُ الثَّالِثُ) أَنْ يَعْرِضَ الشَّكُّ بَعْدَ الطَّوَافِ وَالْوُقُوفِ فَإِنْ أَتَى بِبَقِيَّةِ أَعْمَالِ الْحَجِّ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ حَجٌّ وَلَا عُمْرَةٌ (أَمَّا) الْحَجُّ فَلِجَوَازِ أَنَّهُ كَانَ مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ فَلَا يَنْفَعُهُ الْوُقُوفُ (وَأَمَّا) الْعُمْرَةُ فَلِجَوَازِ أَنَّهُ كَانَ مُحْرِمًا بِحَجٍّ وَلَمْ يَصِحَّ دُخُولُ الْعُمْرَةِ عَلَيْهِ فَإِنْ نَوَى الْقِرَانَ وَأَتَى بِأَعْمَالِ الْقَارِنِ فَإِجْزَاءُ الْعُمْرَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ هَلْ يَصِحُّ إدْخَالُهَا عَلَى الْحَجِّ بَعْدَ الْوُقُوفِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقِيَاسُ الْمَذْكُورِ فِي الضَّرْبِ السَّابِقِ أَنَّهُ لَوْ أَتَمَّ أَعْمَالَ الْعُمْرَةِ وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَأَتَى بِأَعْمَالِهِ مَعَ الْوُقُوفِ أَجْزَأَهُ الْحَجُّ وَعَلَيْهِ دَمٌ كَمَا سَبَقَ وَلَوْ أَتَمَّ أَعْمَالَ الْحَجِّ ثُمَّ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَأَتَى بِأَعْمَالِهَا أَجْزَأَتْهُ الْعُمْرَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ تَمَتَّعَ بالعمرة إلى الحج فطوف لِلْحَجِّ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ كَانَ مُحْدِثًا فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ ذَلِكَ وَلَا سَعْيُهُ بَعْدَهُ وَبَانَ أَنَّ حَلْقَهُ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ وَيَصِيرُ بِإِحْرَامِهِ بِالْحَجِّ
مُدْخِلًا لِلْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ قَبْلَ الطَّوَافِ فَيَصِيرُ قَارِنًا وَيُجْزِئُهُ طَوَافُهُ وَسَعْيُهُ فِي الْحَجِّ عَنْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَعَلَيْهِ دَمَانِ دَمٌ لِلْقِرَانِ وَدَمٌ لِلْحَلْقِ وَإِنْ بَانَ أَنَّهُ كَانَ مُحْدِثًا فِي طَوَافِ الْحَجِّ تَوَضَّأَ وَأَعَادَ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا دَمُ التَّمَتُّعِ إذَا اجْتَمَعَتْ شُرُوطُهُ وَلَوْ شَكَّ فِي أَيْ الطَّوَافَيْنِ كَانَ حَدَثُهُ لَزِمَهُ إعَادَةُ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ فَإِذَا أَعَادَهُمَا صَحَّ حَجُّهُ وَعُمْرَتُهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ لِأَنَّهُ قَارِنٌ أَوْ مُتَمَتِّعٌ وَيَنْوِي بِإِرَاقَتِهِ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ وَلَا يُعَيِّنُ الْجِهَةَ وَكَذَا لَوْ لَمْ يَجِدْ الدَّمَ فَصَامَ وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يُرِيقَ دَمًا آخَرَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ حَالِقٌ قَبْلَ الْوَقْتِ فَلَوْ لَمْ يَحْلِقْ فِي الْعُمْرَةِ وَقُلْنَا الْحَلْقُ اسْتِبَاحَةُ مَحْظُورٍ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَكَذَا لَا يَلْزَمُهُ عِنْدَ تَبَيُّنِ الْحَدَثِ فِي طواف الْعُمْرَةِ إلَّا دَمٌ وَاحِدٌ وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَكِنْ جَامَعَ بَعْدَ

(7/238)


الْعُمْرَةِ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُفَرَّعُ عَلَى أَصْلَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
جِمَاعُ النَّاسِي هَلْ يُفْسِدُ النُّسُكَ وَيُوجِبُ الْفِدْيَةَ كَالْعَمْدِ فِيهِ قَوْلَانِ (الْأَصْلُ الثَّانِي) إذَا أَفْسَدَ الْعُمْرَةَ بِجِمَاعٍ ثُمَّ أَدْخَلَ الْحَجَّ عَلَيْهَا هَلْ يُدْخِلُ وَيَصِيرُ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ فِيهِ وَجْهَانِ سَبَقَ بَيَانُهُمَا فِي فَصْلِ الْقِرَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ يَصِيرُ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ وَبِهِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَالشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ فَعَلَى هَذَا هَلْ يَكُونُ الْحَجُّ صَحِيحًا مُجْزِئًا فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
نَعَمْ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا وَعَلَى هَذَا هل يَنْعَقِدُ صَحِيحًا أَمْ يَفْسُدُ أَمْ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَنْعَقِدُ فَاسِدًا إذْ لَوْ انْعَقَدَ صَحِيحًا لَمْ يَفْسُدْ إذْ لَمْ يُوجَدْ بَعْدَ انْعِقَادِهِ مُفْسِدٌ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي الْقِرَانِ مَبْسُوطَةً (فَإِنْ قُلْنَا) يَنْعَقِدُ فَاسِدًا أَوْ صَحِيحًا ثُمَّ يَفْسُدُ مَضَى فِي النُّسُكَيْنِ وَقَضَاهُمَا (وَإِنْ قُلْنَا) يَنْعَقِدُ صَحِيحًا مُجْزِئًا وَلَا يَفْسُدُ قَضَى الْعُمْرَةَ دُونَ الْحَجِّ وَعَلَى الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ يَلْزَمُهُ دَمُ الْقِرَانِ وَلَا يَجِبُ لِلْإِفْسَادِ إلَّا بَدَنَةٌ وَاحِدَةٌ كَذَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ وحكي إمام الحرمين وجهين آخرين إذا حكما بِانْعِقَادِ حَجِّهِ فَاسِدًا
(أَحَدُهُمَا)
يَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ أُخْرَى لِفَسَادِ الْحَجِّ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ الْبَدَنَةُ لِلْعُمْرَةِ وَشَاةٌ لِلْحَجِّ كَمَا لَوْ جَامَعَ ثُمَّ جَامَعَ ثَانِيًا
* إذَا عَرَفْتَ هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ فَإِنْ قَالَ كَانَ الْحَدَثُ فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ فَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ فَاسِدَانِ والجماع واقع قبل التحلل لكن لَا يُعْلَمُ كَوْنُهُ قَبْلَ التَّحَلُّلِ فَهَلْ يَكُونُ كَالنَّاسِي فِيهِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
نَعَمْ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ (وَالثَّانِي) لَا فَإِنَّهُ لَمْ تَفْسُدْ الْعُمْرَةُ وَبِهِ صَارَ قَارِنًا وَعَلَيْهِ دَمٌ لِلْقِرَانِ وَدَمٌ لِلْحَلْقِ قَبْلَ وَقْتِهِ إنْ كَانَ حَلَقَ كَمَا سَبَقَ وَإِنْ أَفْسَدْنَا الْعُمْرَةَ
فَعَلَيْهِ لِلْإِفْسَادِ بَدَنَةٌ وَلِلْحَلْقِ شَاةٌ وَإِذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَقَدْ أَدْخَلَهُ عَلَى عُمْرَةٍ فَاسِدَةٍ فَإِنْ لَمْ نُدْخِلْهُ فَهُوَ فِي عُمْرَتِهِ كَمَا كَانَ فَيَتَحَلَّلُ مِنْهَا وَيَقْضِيهَا وَإِنْ أَدْخَلْنَاهُ وَقُلْنَا بِفَسَادِ الْحَجِّ فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ لِلْإِفْسَادِ وَدَمٌ لِلْحَلْقِ قَبْلَ وَقْتِهِ وَدَمٌ لِلْقِرَانِ وَيَمْضِي فِي فَاسِدِهِمَا ثُمَّ يَقْضِيهِمَا وَإِنْ قَالَ كَانَ الْحَدَثُ فِي طَوَافِ الْحَجِّ فَعَلَيْهِ إعَادَةُ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَقَدْ صَحَّ نُسُكَاهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا دَمُ التَّمَتُّعِ فَإِنْ قَالَ لا أدرى في الطَّوَافَيْنِ كَانَ أَخَذَ فِي كُلِّ حُكْمٍ بِالْيَقِينِ وَلَا يَتَحَلَّلُ مَا لَمْ يُعِدْ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ لِاحْتِمَالِ أَنَّ حَدَثَهُ كَانَ

(7/239)


فِي طَوَافِ الْحَجِّ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إنْ كَانَا وَاجِبَيْنِ عَلَيْهِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ مُحْدِثًا فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ وَتَأْثِيرُ الْجِمَاعِ فِي إفْسَادِ النُّسُكَيْنِ وَلَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ بِالشَّكِّ وَإِنْ كَانَ مُتَطَوِّعًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِاحْتِمَالِ أن لافساد وَعَلَيْهِ دَمٌ إمَّا لِلتَّمَتُّعِ إنْ كَانَ الْحَدَثُ فِي طَوَافِ الْحَجِّ وَإِمَّا لِلْحَلْقِ إنْ كَانَ فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْبَدَنَةُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَمْ يُفْسِدْ الْعُمْرَةَ لَكِنَّ الِاحْتِيَاطَ ذَبْحُ بذنة وَشَاةٍ إذَا جَوَّزْنَا إدْخَالَ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ الْفَاسِدَةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ صَارَ قَارِنًا بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (ويستحب أن يكثر من التلبية ويلبى عند اجتماع الرفاق وفى كل صعود وهبوط وفى ادبار الصلوات وإقبال الليل والنهار لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يلبى إذا رأى ركبا أو صعد أكمه أو هبط واديا وفى ادبار المكتوبة وآخر الليل) ولان في هذه المواضع ترتفع الاصوات ويكثر الضجيج وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أفضل الحج العج والثج) ويستحب في مسجد مكة ومنى وعرفات وفيما عداها من المساجد قولان (قال) في القديم لا يلبي (وقال) في الجديد يلبي لانه مسجد بني للصلاة فاستحب فيه التلبية كالمساجد الثلاثة وفى حال الطواف قولان (قال) في القديم يلبى ويخفض صوته (وقال) في الجديد لا يلبى لان للطواف ذكرا يختص به فكان الاشتغال به أولي ويستحب أن يرفع صوته بالتلبية لما روى زيد بن خالد الْجُهَنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (جاءني جبريل عليه

(7/240)


السلام فقال يَا مُحَمَّدُ مُرْ أَصْحَابَك أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بالتلبية فانها من شعائر الحاج) وان كانت امرأة لم ترفع الصوت بالتلبية لانه يخاف عليها الافتتان والتلبية أو يقول لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ
لَبَّيْكَ إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شريك لك لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لا شريك لك) قال الشافعي رحمه الله فان زاد على هذا فلا بأس لِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ يزيد فيها (لبيك وسعديك والخير كله بيديك والرغبة اليك والعمل) وإذا رأي شيئا يعجبه قال لبيك ان العيش عيش الآخرة لما رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ وَالنَّاسُ يُصْرَفُونَ عَنْهُ كَأَنَّهُ أعجبه ما هم فيه فقال (لبيك إن العيش عيش الآخرة) والمستحب إذَا فَرَغَ مِنْ التَّلْبِيَةِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لانه موضع شرع فيه ذكر الله سبحانه وتعالى فشرع فيه ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كالاذان ثم يسأل الله تعالى رضوانه والجنة ويستعيذ برحمته من النار لما روى خزيمة بن ثابت رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا فَرَغَ مِنْ تلبيته في حج أو عمرة سأل الله تعالي رضوانه والجنة واستعاذ برحمته من النار ثم يدعو بما أحب)) (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي تَلْبِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَكَذَلِكَ الزِّيَادَةُ الَّتِي زَادَهَا ابْنُ عُمَرَ من كلامه وهذ لَفْظُ الْجَمِيعِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عمران تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم) لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ) قَالَ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَزِيدُ فِيهَا (لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ بِيَدَيْكَ والرغباء إلَيْكَ وَالْعَمَلُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ فَرَوَاهُ ابن ماجه وأبو حاتم البسني وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ فَقَالَ روى بعضهم هذا الحديث عن جلاد بْنِ السَّائِبِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
* قَالَ التِّرْمِذِيُّ ولا يصح هذا قال والصحيح عن جلاد بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي

(7/241)


أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالْإِهْلَالِ وَالتَّلْبِيَةِ) قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَكَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ والشافعي وأبو داود والنسائي وغيرهم عن جلاد بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ وَسَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي انْعِقَادِ الْإِحْرَامِ بِالنِّيَّةِ دُونَ التَّلْبِيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) حَدِيثُ (أَفْضَلُ الْحَجِّ الْعَجُّ وَالثَّجُّ فَرَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ اسمعيل بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَرْبُوعٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ لَمْ يسمع من عبد الرحمن ابن يَرْبُوعٍ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ الَّذِي قَدَّمْتُهُ ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ عَنْ ضِرَارِ بْنِ صُرَدٍ عَنْ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَرْبُوعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو السَّوَّاقُ عَنْ أَبِي فُدَيْكٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ سَأَلْتُ الْبُخَارِيَّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ هو عندي مرسل محمد ابن الْمُنْكَدِرِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَرْبُوعٍ (قُلْتُ) فَمَنْ ذَكَرَ فِيهِ سَعِيدًا قَالَ هُوَ خَطَأٌ لَيْسَ فِيهِ سَعِيدٌ (قُلْتُ) ضِرَارُ بْنُ صُرَدٍ وَغَيْرُهُ رَوَى عَنْ ابْنِ أَبِي فديك هذا الحديث وقالوا عن سعيد ابن عبد الرحمن عن أبيه قال ليس بشئ قال البيهقى وكذ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِيمَا بَلَغَنَا عَنْهُ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْبَيْهَقِيّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الَّذِي رُوِيَ عَنْ أَبِي حَرِيزٍ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالزَّايِ فِي آخِرِهِ وَاسْمُهُ سَهْلٌ مَوْلَى المغيرة بن أبى الغيث عن هشام ابن عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ (خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا بَلَغْنَا الرَّوْحَاءَ حَتَّى سَمِعْتُ عَامَّةَ النَّاسِ قَدْ بُحَّتْ أَصْوَاتُهُمْ مِنْ التَّلْبِيَةِ) فَرَوَاهُ

(7/242)


الْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهُ قَالَ أَبُو حَرِيزٍ هَذَا ضَعِيفٌ
* قَالَ وَرَوَاهُ عُمَرُ بْنُ صَهْبَانَ وَهُوَ أَيْضًا ضعيف عن ابى الزياد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ (وَأَمَّا) (حَدِيثُ لَبَّيْكَ أن العيش الْآخِرَةِ فَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُظْهِرُ مِنْ التَّلْبِيَةِ) لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ فَذَكَرَ التَّلْبِيَةَ قَالَ حَتَّى إذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ وَالنَّاسُ يُصْرَفُونَ عَنْهُ كَأَنَّهُ أَعْجَبَهُ مَا هُمْ فِيهِ فَزَادَ فِيهَا لَبَّيْكَ إنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ) قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَحَسِبْت أَنَّ ذَلِكَ يَوْمُ عَرَفَةَ
* هَكَذَا رَوَيَاهُ مُرْسَلًا (وَأَمَّا) حَدِيثُ خزيمة بن ثابت فرواه الشافعي والدارقطني وَالْبَيْهَقِيُّ بِأَسَانِيدِهِمْ عَنْ صَالِحِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زايده عَنْ عُمَارَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا فَرَغَ مِنْ تَلْبِيَتِهِ سَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى مَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَاسْتَعَاذَ بِرَحْمَتِهِ مِنْ النَّارِ) قَالَ صَالِحٌ سَمِعْتُ
الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ وَكَانَ يُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ إذَا فَرَغَ مِنْ تَلْبِيَتِهِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصالح ابن عُمَرَ هَذَا ضَعِيفٌ صَرَّحَ بِضِعْفِهِ الْجُمْهُورُ وَقَالَ أَحْمَدُ لَا أَرَى بِهِ بَأْسًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) أَلْفَاظُ الْفَصْلِ فَالرِّفَاقُ بِكَسْرِ الرَّاءِ جَمْعُ رُفْقَةٍ بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ الرِّفَاقُ جَمْعُ رُفْقَةٍ بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا وَهِيَ الْجَمَاعَةُ يَتَرَافَقُونَ فَيَنْزِلُونَ مَعًا وَيَرْحَلُونَ مَعًا وَيَرْتَفِقُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ تَقُولُ رَافَقْتُهُ وَتَرَافَقْنَا وَهُوَ رفيقي وَمُرَافِقِي وَجَمْعُ رَفِيقٍ رُفَقَاءُ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ فِي كُلِّ صَعُودٍ وَهُبُوطٍ فَالصَّعُودُ وَالْهُبُوطُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِمَا اسْمٌ لِلْمَكَانِ الَّذِي يُصْعَدُ فِيهِ وَيُهْبَطُ مِنْهُ وَبِضَمِّهِمَا وَيَصِحُّ أَنْ يُقْرَأَ هُنَا بِالْوَجْهَيْنِ (وَأَمَّا) الْأَكَمَةُ فَبِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْكَافِ وَهِيَ دُونَ الرَّابِيَةِ (وأما) لعج فَرَفْعُ الصَّوْتِ وَالثَّجُّ إرَاقَةُ الدِّمَاءِ (وَقَوْلُهُ) فِي كلام ابن عمرو (الرغبة إلَيْكَ) كَذَا وَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ (وَالرَّغْبَةُ) وَاَلَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا (وَالرَّغْبَاءُ) وَفِيهَا لُغَتَانِ الرَّغْبَاءُ بفتح الراء والمد والرغبى بضم

(7/243)


بِضَمِّ الرَّاءِ وَالْقَصْرِ وَمَعْنَاهَا الرَّغْبَةُ (وَقَوْلُهُ) الْعَيْشُ عَيْشُ الْآخِرَةِ مَعْنَاهُ أَنَّ الْحَيَاةَ الْهَنِيَّةَ الْمَطْلُوبَةَ الدَّائِمَةَ هِيَ حَيَاةُ الدَّارِ الْآخِرَةِ (وَأَمَّا) لَفْظُ التَّلْبِيَةِ فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ التَّلْبِيَةُ مُثَنَّاةٌ لِلتَّكْثِيرِ وَالْمُبَالَغَةِ وَمَعْنَاهُ إجَابَةً بَعْدَ إجَابَةٍ وَلُزُومًا لِطَاعَتِكَ فثني للتوكيد لا تثنية حقيقة بَلْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْله تَعَالَى (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ) أَيْ نِعْمَتَاهُ عَلَى تَأْوِيلِ الْيَدِ بِالنِّعْمَةِ هُنَا وَنِعَمُ اللَّهِ تَعَالَى لَا تُحْصَى
* وَقَالَ يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ الْبَصْرِيُّ لَبَّيْكَ اسْمٌ مُفْرَدٌ لَا مُثَنًّى قَالَ وَأَلِفُهُ إنَّمَا انْقَلَبَتْ يَاءً لِاتِّصَالِهَا بِالضَّمِيرِ كَلَدَيَّ وَعَلَيَّ وَمَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ أَنَّهُ مُثَنًّى بِدَلِيلِ قَلْبِهَا يَاءً مَعَ الْمُظْهَرِ وَأَكْثَرُ النَّاسِ عَلَى مَا قَالَهُ سِيبَوَيْهِ
* قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ ثَنَّوْا لَبَّيْكَ كَمَا ثَنَّوْا حَنَانَيْكَ أَيْ تَحَنُّنًا بَعْدَ تَحَنُّنٍ وَأَصْلُ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ فَاسْتَثْقَلُوا الجمع بين ثلاث يأت فَأَبْدَلُوا مِنْ الثَّلَاثَةِ يَاءً كَمَا قَالُوا مِنْ الظَّنِّ تَظَنَّيْتُ وَالْأَصْلُ تَظَنَّنْت
* وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى لَبَّيْكَ وَاشْتِقَاقِهَا (فَقِيلَ) مَعْنَاهَا اتِّجَاهِي وَقَصْدِي إلَيْكَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ دَارِي تَلِبُّ دَارَكَ أَيْ تُوَاجِهُهَا (وَقِيلَ) مَعْنَاهَا مَحَبَّتِي لَكَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ امْرَأَةٌ لَبَّةٌ إذَا كَانَتْ مُحِبَّةً وَلَدَهَا عاطفة عليه (وقيل) معناها إخْلَاصِي لَكَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ حُبٌّ لُبَابٌ إذا كان خالصا محصنا وَمِنْ ذَلِكَ لُبُّ الطَّعَامِ وَلُبَابُهُ (وَقِيلَ) مَعْنَاهَا أَنَا مُقِيمٌ عَلَى طَاعَتِكَ وَإِجَابَتِك مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ لَبَّ الرَّجُلُ بِالْمَكَانِ وَأَلَبَّ إذَا أَقَامَ فيه ولزمه قال ابن الانباري وبهذا
قال الخليل وأحمد قَالَ الْقَاضِي قِيلَ هَذِهِ الْإِجَابَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى لِإِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَأَذِّنْ فِي الناس بالحج) قَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي مَعْنَى لَبَّيْكَ أَيْ قربامنك وطاعة والالباب القرب وقال أَبُو نَصْرٍ مَعْنَاهُ أَنَا مُلَبٍّ بَيْنَ يَدَيْكَ أَيْ خَاضِعٌ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي (قَوْلُهُ) لَبَّيْكَ إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ يُرْوَى بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مِنْ إنَّ وَفَتْحِهَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ لِأَهْلِ الحديث وأهل للغته
* قَالَ الْجُمْهُورُ وَالْكَسْرُ أَجْوَدُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْفَتْحُ رِوَايَةُ الْعَامَّةِ (قَالَ) ثَعْلَبٌ الِاخْتِيَارُ الْكَسْرُ وَهُوَ أَجْوَدُ فِي الْمَعْنَى مِنْ الْفَتْحِ لِأَنَّ مَنْ كَسَرَ جَعَلَ مَعْنَاهُ إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَمَنْ فَتَحَ قَالَ لَبَّيْكَ لِهَذَا السَّبَبِ (وَقَوْلُهُ) وَالنِّعْمَةَ لَكَ الْمَشْهُورُ فِيهِ نَصْبُ النِّعْمَةِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَيَجُوزُ رَفْعُهَا على الِابْتِدَاءِ وَيَكُونُ الْخَبَرُ مَحْذُوفًا قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ وَإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَ خَبَرَ إنَّ مَحْذُوفًا تَقْدِيرُهُ إنَّ الْحَمْدَ لَكَ وَالنِّعْمَةَ مُسْتَقِرَّةٌ لَكَ (وَقَوْلُهُ) وسعديك قال القاضى اعرابها وتثنيتها كما سَبَقَ فِي لَبَّيْكَ وَمَعْنَاهَا مُسَاعَدَةً لِطَاعَتِكَ بَعْدَ مُسَاعَدَةٍ (وَقَوْلُهُ) وَالْخَيْرُ بِيَدَيْكَ (أَيْ) الْخَيْرُ كُلُّهُ بِيَدِ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْ فَضْلِهِ (وَقَوْلُهُ) الرَّغْبَاءُ اليك

(7/244)


وَالْعَمَلُ مَعْنَاهُ الطَّلَبُ وَالْمَسْأَلَةُ إلَى مَنْ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالْعَمَلِ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّلْبِيَةِ وَيُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْهَا فِي دَوَامِ الْإِحْرَامِ وَيُسْتَحَبُّ قَائِمًا وَقَاعِدًا وَرَاكِبًا وَمَاشِيًا وَجُنُبًا وَحَائِضًا وَيَتَأَكَّدُ اسْتِحْبَابُهَا فِي كُلِّ صُعُودٍ وَهُبُوطٍ وَحُدُوثِ أَمْرٍ مِنْ رُكُوبٍ أَوْ نُزُولٍ أَوْ اجْتِمَاعِ رُفْقَةٍ أَوْ فَرَاغٍ مِنْ صَلَاةٍ وَعِنْدَ إقْبَالِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَوَقْتِ السَّحَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ تَغَايُرِ الْأَحْوَالِ نَصَّ عَلَى هَذَا كُلِّهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى اسْتِحْبَابِهَا فِي الْمَسْجِدِ وَمَسْجِدِ الْخَيْفِ بِمِنًى وَمَسْجِدِ إبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَاتٍ لِأَنَّهَا مَوَاضِعُ نُسُكٍ وَفِي سَائِرِ الْمَسَاجِدِ قَوْلَانِ (الْأَصَحُّ) الْجَدِيدُ يُسْتَحَبُّ التَّلْبِيَةُ (وَالْقَدِيمُ) لَا يُلَبِّي لِئَلَّا يُهَوِّشَ عَلَى الْمُصَلِّينَ وَالْمُتَعَبِّدِينَ ثُمَّ قَالَ الْجُمْهُورُ وَالْقَوْلَانِ فِي أَصْلِ التَّلْبِيَةِ فَإِنْ اسْتَحْبَبْنَاهَا اسْتَحْبَبْنَا رَفْعَ الصَّوْتِ بِهَا وَإِلَّا فَلَا وَجَعَلَهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي اسْتِحْبَابِ رَفْعِ الصَّوْتِ ثُمَّ قَالَ لَمْ يُسْتَحَبَّ رَفْعُهُ فِي سَائِرِ الْمَسَاجِدِ فَفِي الرَّفْعِ فِي الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ وَجْهَانِ (وَالْمَذْهَبُ) الْأَوَّلُ وَهَلْ يُسْتَحَبُّ التَّلْبِيَةُ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ وَالسَّعْيِ بَعْدَهُ فِيهِ قَوْلَانِ وهما مشهوان ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ
بِدَلِيلِهِمَا (الْأَصَحُّ) الْجَدِيدُ لَا يُلَبِّي وَالْقَدِيمُ يُلَبِّي وَلَا يَجْهَرُ وَلَا يُلَبِّي فِي طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَالْوَدَاعِ بِلَا خِلَافٍ لِخُرُوجِ وَقْتِ التَّلْبِيَةِ وَيُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ رَفْعُ صَوْتِهِ بِالتَّلْبِيَةِ بِحَيْثُ لا يضر بنفسه ولا تجهر بها المرأة بَلْ تَقْتَصِرُ عَلَى سَمَاعِ نَفْسِهَا قَالَ الرُّويَانِيُّ فَإِنْ رَفَعَتْ صَوْتَهَا لَمْ يَحْرُمْ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَةِ عَلَى الصَّحِيحِ
* هَذَا كَلَامُ الرُّويَانِيِّ وَكَذَا قال غيره لا يحرم لئن يُكْرَهُ صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَيَخْفِضُ الْخُنْثَى صَوْتَهُ كَالْمَرْأَةِ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ صَوْتُ الرَّجُلِ فِي صَلَاتِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقِبَ التَّلْبِيَةِ دُونَ صَوْتِهِ بِهَا
* قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُزَادَ عَلَى تَلْبِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم بل يكررها وهى (لبيك للهم لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ)
* قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ زَادَ لَمْ يُكْرَهْ لِمَا سَبَقَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ ذَكَرَ أَهْلُ الْعِرَاقِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ كَرِهَ الزِّيَادَةَ عَلَى ذَلِكَ قَالَ أَبُو حَامِدٍ وَغَلِطُوا بَلْ لَا تُكْرَهُ الزِّيَادَةُ وَلَا تُسْتَحَبُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَيُسْتَحَبُّ إذَا رَأَى شَيْئًا يُعْجِبُهُ أَنْ يَقُولَ لَبَّيْكَ إنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ
* وَيُسْتَحَبُّ إذَا فَرَغَ

(7/245)


مِنْ التَّلْبِيَةِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى رِضْوَانَهُ وَالْجَنَّةَ وَيَسْتَعِيذَ بِهِ مِنْ النَّارِ ثُمَّ يَدْعُو بِمَا أَحَبَّ
* وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ فِي أَثْنَاءِ تَلْبِيَتِهِ بِأَمْرٍ أَوْ نَهْيٍ أَوْ غَيْرِهِمَا لَكِنْ لَوْ سُلِّمَ عَلَيْهِ رَدَّ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ وَتَابَعَهُ الْأَصْحَابُ وَيُكْرَهُ التَّسْلِيمُ عَلَيْهِ فِي حَالِ تَلْبِيَتِهِ
* وَمَنْ لَا يُحْسِنُ التَّلْبِيَةَ بِالْعَرَبِيَّةِ يُلَبِّي بِلِسَانِهِ كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَغَيْرِهَا وَإِنْ أَحْسَنَ الْعَرَبِيَّةَ أَتَى بِهَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ
* قَالَ الْمُتَوَلِّي إذَا لَمْ يُحْسِنْ التَّلْبِيَةَ أُمِرَ بِالتَّعْلِيمِ وَفِي مُدَّةِ التَّعْلِيمِ يُلَبِّي بِلِسَانِ قَوْمِهِ وَهَلْ يَجُوزُ بِلُغَةٍ أُخْرَى مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّلْبِيَةِ حُكْمُهُ حُكْمُ التَّسْبِيحَاتِ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ تُكْرَهُ التَّلْبِيَةُ فِي مَوَاضِعِ النَّجَاسَاتِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَإِذَا لَبَّى فَأَسْتَحِبُّ أَنْ يُلَبِّيَ ثَلَاثًا
* قَالَ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَأْوِيلِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يُكَرِّرَ قَوْلَهُ لَبَّيْكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ (وَالثَّانِي) يُكَرِّرُ قَوْلَهُ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ (وَالثَّالِثُ) يُكَرِّرُ جَمِيعَ التَّلْبِيَةِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ
* هَذَا
كَلَامُهُ وَهَذَا الثَّالِثُ هُوَ الصَّحِيحُ أَوْ الصَّوَابُ وَالْأَوَّلَانِ فَاسِدَانِ لِأَنَّ فِيهِمَا تَغْيِيرًا لِلَّفْظِ التَّلْبِيَةِ الْمَشْرُوعَةِ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ التَّلْبِيَةَ مُسْتَحَبَّةٌ بِالِاتِّفَاقِ وَلَيْسَتْ وَاجِبَةً
* هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَشْهُورُ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ
* وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي حُكِيَ عَنْ أَبِي علي بن خيران وأبي علي بن أبي هُرَيْرَةَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ التَّلْبِيَةَ فِي أَثْنَاءِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَاجِبَةٌ قَالَ وَزَعَمَا أَنَّهُمَا وَجَدَا للشافعي نصا يدل عَلَيْهِ
* قَالَ وَلَيْسَ يُعْرَفُ لِلشَّافِعِيِّ فِي كُتُبِهِ نص يدل عليه هذا كلام الْحَاوِي
* وَقَالَ الدَّارِمِيُّ قَالَ الطَّبَرِيُّ يَعْنِي أَبَا عَلِيٍّ الطَّبَرِيَّ لِلشَّافِعِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا وَاجِبَةٌ
* قَالَ وَبِهِ قَالَ ابْنُ خَيْرَانَ وَالْمَذْهَبُ مَا قَدَّمْنَاهُ
* (فَرْعٌ)
مَذْهَبُنَا اسْتِحْبَابُ التَّلْبِيَةِ فِي كُلِّ مَكَان وَفِي الْأَمْصَارِ وَالْبَرَارِيِّ
* قَالَ الْعَبْدَرِيُّ إظْهَارُ التَّلْبِيَةِ فِي الْأَمْصَارِ وَمَسَاجِدِهَا لَا يُكْرَهُ وَلَيْسَ لَهَا مَوْضِعٌ تَخْتَصُّ بِهِ قَالَ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ قَالَ وَقَالَ أَحْمَدُ هُوَ مَسْنُونٌ فِي الصَّحَارِي
* قَالَ وَلَا يُعْجِبُنِي أَنْ يلبى في المصر والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (وإذا أحرم الرجل حرم عليه حلق الرأس لقوله تعالى (وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ

(7/246)


محله) ويحرم حلق شعر سائر البدن لانه حلق يتنظف به ويترفه به فلم يجز كحلق الرأس وتجب به الْفِدْيَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صيام أو صدقة أو نسك) ولما روى كعب ابن عجرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قال (لعلك اذاك هوام رأسك قلت نعم يا رسول الله قال احلق رأسك وصم ثلاثة أيام أو اطعم ستة مساكين أو انسك شاة) ويجوز له أن يحلق شعر الحلال لان نفعه يعود إلى الحلال فلم يمنع منه كما لو اراد ان يعممه أو يطيبه ويحرم عليه ان يقلم اظفاره لانه جزء ينمى وفى قطعه ترفيه وتنظيف فمنع الاحرام منه كحلق الشعر وتجب به الفدية قياسا على الحلق)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم وهو ام الرَّأْسِ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ الْقُمَّلُ (وَقَوْلُهُ) حَلْقٌ يَتَنَظَّفُ بِهِ احْتِرَازٌ مِنْ الشَّعْرِ النَّابِتِ فِي عَيْنِهِ وَقَالَ الْقَلَعِيُّ هُوَ احْتِرَازٌ مِنْ قَلْعِهِ
شَعْرَ الْحَلَالِ (وَقَوْلُهُ) جُزْءٌ يَنْمِي قَالَ الْقَلَعِيُّ هُوَ احْتِرَازٌ مِنْ قَطْعِ الْأُصْبُعِ الْمُتَآكِلَةِ وَجِلْدَةِ الْخِتَانِ قَالَ وَقَوْلُهُ فِي قَطْعِهِ تَرْفِيهٌ وَتَنْظِيفٌ احْتِرَازٌ مِنْ قَطْعِ الشَّجَرِ أَوْ الْحَشِيشِ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ هَذَا كَلَامُهُ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ احْتَرَزَ بِهِ عَنْ قَطْعِ الْيَدِ الصَّحِيحَةِ فَإِنَّهُ قَطْعُ جُزْءٍ ينمي ولا شئ فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَرْفِيهٌ وَلَا تَنْظِيفٌ قَالَ وَجَمْعُهُ بَيْنَ التَّرْفِيهِ وَالتَّنْظِيفِ لِلتَّأْكِيدِ لَا لِلِاحْتِرَازِ بَلْ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا كَفَاهُ (وَقَوْلُهُ) جُزْءٌ يَنْمِي هُوَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَيُقَالُ يَنْمُو لُغَتَانِ الْأُولَى أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ حَلْقِ شَعْرِ الرَّأْسِ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ وَسَوَاءٌ فِي تَحْرِيمِهِ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الصَّبِيِّ الْمُحْرِمِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ إزَالَةِ شَعْرِهِ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ تَمْكِينُ الصَّبِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ إزَالَتِهِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَخْتَصُّ التَّحْرِيمُ بِالْحَلْقِ وَلَا بِالرَّأْسِ بَلْ تَحْرُمُ إزَالَةُ الشَّعْرِ قَبْلَ وجوب التَّحَلُّلِ وَتَجِبُ بِهِ الْفِدْيَةُ سَوَاءٌ شَعْرُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ وَالشَّارِبِ وَالْإِبْطِ وَالْعَانَةِ وَسَائِرِ الْبَدَنِ وَسَوَاءٌ الْإِزَالَةُ بِالْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ وَالْإِبَانَةُ بِالنَّتْفِ أَوْ الْإِحْرَاقِ وَغَيْرِهِمَا وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا كُلِّهِ عِنْدَنَا
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِزَالَةُ الظُّفْرِ كَإِزَالَةِ الشَّعْرِ

(7/247)


سَوَاءٌ قَلَّمَهُ أَوْ كَسَرَهُ أَوْ قَطَعَهُ وَكُلُّ ذَلِكَ حَرَامٌ مُوجِبٌ لِلْفِدْيَةِ سَوَاءٌ كُلُّ الظُّفْرِ وَبَعْضُهُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ قَطَعَ يَدَهُ أَوْ بَعْضَ أَصَابِعِهِ وَعَلَيْهَا شَعْرٌ وَظُفْرٌ فَلَا فِدْيَةَ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُمَا تَابِعَانِ غَيْرُ مَقْصُودَيْنِ وَشَبَّهَ أَصْحَابُنَا هَذَا بِمَا لَوْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ صَغِيرَةٌ فَأَرْضَعَتْهَا أُمُّهُ انْفَسَخَ النِّكَاحُ وَلَزِمَ الْأُمَّ مَهْرُهَا وَلَوْ قَتَلَتْهَا لَمْ يَلْزَمْهَا الْمَهْرُ لِانْدِرَاجِ الْبُضْعِ فِي الْقَتْلِ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُنَا وَلَوْ كَشَطَ الْمُحْرِمُ جِلْدَةَ الرَّأْسِ فَلَا فِدْيَةَ وَالشَّعْرُ تَابِعٌ وَلَوْ افْتَدَى كَانَ أَفْضَلَ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَوْ مَشَطَ لِحْيَتَهُ فَنَتَفَ شَعَرَاتٍ لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ فلو شك هل كان منقلعا أَمْ اُنْتُتِفَ بِالْمُشْطِ فَوَجْهَانِ وَقِيلَ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا فِدْيَةَ لِلِاحْتِمَالِ مَعَ أَصْلِ الْبَرَاءَةِ
(وَالثَّانِي)
تجب الفدية لظاهر
* هَذَا كُلُّهُ فِي الْحَلْقِ وَالْقَلْمِ بِلَا عُذْرٍ فَإِنْ حَلَقَ لِعُذْرٍ أَوْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا أَوْ مُكْرَهًا فَسَيَأْتِي بَيَانُهُ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ حَلَقَ الْمُحْرِمُ رَأْسَ الْحَلَالِ جَازَ وَلَا فِدْيَةَ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَسَائِلَ مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ مُتَعَلِّقَةٍ بِالْحَلْقِ وَالْقَلْمِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا يُحَرِّمُ حَلْقَ جَمِيعِ شُعُورِ الْبَدَنِ وَالرَّأْسِ وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ لَا فِدْيَةَ فِي شَعْرٍ غير الرَّأْسِ وَعَنْ
مَالِكٍ رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ
* دَلِيلُنَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَمِنْهَا) لَوْ حَلَقَ الْمُحْرِمُ رَأْسَ الْحَلَالِ جَازَ وَلَا فِدْيَةَ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد (وَقَالَ) أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ فَإِنْ فَعَلَ قَالَ فَعَلَى الْحَالِقِ صَدَقَةٌ
* دَلِيلُنَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَمِنْهَا) يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ قَلْمُ أَظْفَارِهِ وَيَجْرِي مَجْرَى حَلْقَ الرَّأْسِ
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ قَلَمَ أَظْفَارَ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ بِكَمَالِهَا لَزِمَهُ فِدْيَةٌ كَامِلَةٌ وَإِنْ قَلَّمَ مِنْ كُلِّ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَرْبَعَةَ أَظْفَارٍ أَوْ دُونَهُ لَزِمَهُ صَدَقَةٌ وَقَالَ مَالِكٌ حُكْمُ الْأَظْفَارِ حُكْمُ الشَّعْرِ يَتَعَلَّقُ الدَّمُ بِمَا يُمِيطُ الْأَذَى وَقَالَ دَاوُد يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ قَلْمُ أَظْفَارِهِ كُلِّهَا وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ
* هَكَذَا نَقَلَ الْعَبْدَرِيُّ عَنْهُ وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى تَحْرِيمِ قَلْمِ الظُّفْرِ فِي الْإِحْرَامِ فَلَعَلَّهُمْ لَمْ يَعْتَدُّوا بِدَاوُد وَفِي الِاعْتِدَادِ بِهِ فِي الْإِجْمَاعِ خِلَافٌ سَبَقَ مَرَّاتٍ (وَأَمَّا) حَكُّ الْمُحْرِمِ رَأْسَهُ فَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي إبَاحَتِهِ بَلْ هُوَ جَائِزٌ وَقَدْ حَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ جَوَازَهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَسَعِيدِ بْنِ جبير والثوري وأصحاب (1) وأحمد وإسحق وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خلافا لكن قالوا برفق لئلا ينتف شعر والله أعلم
*
__________
(1) بياض في الاصل فحرر

(7/248)


* قال المصنف رحمه الله
* (ويحرم عليه أن يستر رَأْسُهُ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي خَرَّ مِنْ بَعِيرِهِ (لا تخمروا رأسه فانه يبعث يوم القيامة ملبيا) وتجب به الفدية لِأَنَّهُ فِعْلٌ مُحَرَّمٌ فِي الْإِحْرَامِ فَتَعَلَّقَتْ بِهِ الفدية كالحلق ويجوز أن يحمل على رأسه مكتلا لانه لا يقصد به الستر فلم يمنع منه كَمَا لَا يُمْنَعُ الْمُحْدِثُ مِنْ حَمْلِ الْمُصْحَفِ في عيبة المتاع حين لم يقصد حمل المصحف ويجوز أن يترك يده على رأسه لانه يحتاج إلى وضع اليد على الرأس في المسح فعفى عنه ويحرم عليه لبس القميص لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ في المحرم (لا يلبس الْقَمِيصَ وَلَا السَّرَاوِيلَ وَلَا الْبُرْنُسَ وَلَا الْعِمَامَةَ وَلَا الْخُفَّ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ نَعْلَيْنِ فيقطعهما أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ) وَلَا يَلْبَسُ مِنْ الثِّيَابِ ما مسه ورس أو زعفران وتجب به الفدية لانه فعل محظور في الاحرام فتعلقت به الفدية كالحلق ولا فرق بين أن يكون ما يلبسه من الخرق أو الجلود أو اللبود أو الورق ولا فرق بين أن يكون مخيطا بالابرة
أو ملصقا بعضه إلى بعض لانه في معنى المخيط والعباءة والدارعة كالقميص فيما ذكرناه لانه في معني القميص ويحرم عليه لبس السراويل لحديث ابن عمر رضى الله عنهما وتجب به الفدية لما ذكرناه من المعني والتبان والران كالسراويل فيما ذكرناه لانه في معني السراويل وان شق الازار وجعل له ذيلين وشدهما على ساقيه لم يجز لانهما كالسروايل وما على الساقين كالبابكين ويجوز أن يعقد عليه ازاره لان فيه مصلحة له وهو أن يثبت عليه ولا يعقد الرداء عليه لانه لا حاجة به إليه وله أن يغرز طرفيه في إزاره وان جعل لازاره حجزة وأدخل فيها التكة واتزر به جاز وان اتزر وشد فوقه تكة جاز قال في الاملاء وان زَرَّهُ أَوْ خَاطَهُ أَوْ شَوَّكَهُ لَمْ يَجُزْ لانه يصير كالمحيط وإن يجد ازارا جاز أن يلبس السراويل ولا فدية عَلَيْهِ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ لَمْ يَجِدْ إزَارًا فَلْيَلْبَسْ السَّرَاوِيلَ وَمَنْ لَمْ يجد نعلين فليلبس الخفين) فان لم يجد رداء لم يلبس القميص لانه يمكنه أن يرتدى به ولا يمكنه أن يتزر بالسراويل ثم وجد الازار لزمه خلعه ويحرم عليه لبس الخفين للخبر وتجب به الفدية لما ذكرناه من القياس علي الحلق فان لم يجد نعلين لبس الخفين بعد أن يقطعهما من أسفل الكعبين للخبر فان لبس الخف مقطوعا من

(7/249)


أسفل الكعب مع وجود النعل لم يجز على المنصوص وتجب عليه الفدية ومن أصحابنا من قال يجوز ولا فدية عليه لانه قد صار كالنعل بدليل انه يجوز المسح عليه وهذا خلاف المنصوص وخلاف السنة وما ذكره من المسح لا يصح لانه وان لم يجز المسح إلا انه يترفه به في دفع الحر والبرد والاذى ولانه يبطل بِالْخُفِّ الْمُخَرَّقِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ ثم يمنع من لبسه ويحرم عليه لبس القفازين وتحب به الفدية لانه ملبوس علي قدر العضو فأشبه الخف ولا يحرم عليه ستر الوجه لقوله صلى الله عليه وسلم في الذى خر من بعيره (ولا تخمروا رأسه) فخص الرأس بالنهي ويحرم على المرأة ستر الوجه لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى النِّسَاءَ فِي إحْرَامِهِنَّ عَنْ الْقُفَّازَيْنِ وَالنِّقَابِ وَمَا مسه الْوَرْسُ وَالزَّعْفَرَانُ مِنْ الثِّيَابِ) وَلْيَلْبَسْنَ بَعْدَ ذَلِكَ ما اختير مِنْ أَلْوَانِ الثِّيَابِ مِنْ مُعَصْفَرٍ أَوْ خَزٍّ أَوْ حُلِيٍّ أَوْ سَرَاوِيلَ أَوْ قَمِيصٍ أَوْ خف وتجب به الفدية قياسا على الحلق ويجوز أن تستر من وجهها ما لا يمكن
ستر الرأس الا بستره لانه لا يمكن ستر الرأس إلا بستره فعفى عن ستره فان أرادت ستر وجهها عن الناس سدلت على وجهها شيئا لا يباشر الوجه لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْرِمَاتٍ فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفنا) ولان الوجه من المرأة كالرأس من الرجل ثم يجوز للرجل ستر الرأس من الشمس بما لا يقع عليه فكذلك المرأة في الوجه ولا يحرم عليها لبس القميص والسراويل والخف لحديث ابن عمر رضى الله عنهما ولان جميع بدنها عورة إلا الوجه والكفين فجاز لها ستره لما ذكرناه وهل يجوز لها لبس القفازين فيه قولان (احدهما) انه يجوز لانه عضو يجوز لها ستره بغير المحيط فجاز لها ستره بالمحيط كالرجل (والثاني) لا يجوز للخبر ولانه عضو ليس بعورة منها فتعلق به حرمة الاحرام في اللبس كالوجه)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا يَلْبَسْ الْمُحْرِمُ الْقَمِيصَ وَلَا السَّرَاوِيلَ وَلَا الْبُرْنُسَ وَلَا الْعِمَامَةَ وَلَا الْخُفَّ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنْ الكعبين ولا يلبس من اثياب مَا مَسَّهُ وَرْسٌ أَوْ زَعْفَرَانٌ)

(7/250)


فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ هَكَذَا وَزَادَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ فِيهِ (وَلَا يَلْبَسُ الْقَبَاءَ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذِهِ الزِّيَادَةُ صَحِيحَةٌ مَحْفُوظَةٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ لَمْ يَجِدْ إزَارًا فَلْيَلْبَسْ السَّرَاوِيلَ وَمَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ) فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنُ عُمَرَ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى النِّسَاءَ فِي إحْرَامِهِنَّ عن القفازين والنقاب وما مسه الْوَرْسُ وَالزَّعْفَرَانُ مِنْ الثِّيَابِ وَلْيَلْبَسْنَ بَعْدَ ذَلِكَ ما أحبين مِنْ أَلْوَانِ الثِّيَابِ مِنْ مُعَصْفَرٍ أَوْ خَزٍّ أَوْ حَرِيرٍ أَوْ حُلِيٍّ أَوْ سَرَاوِيلَ أَوْ قَمِيصٍ أَوْ خُفٍّ) فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حسن وهو من رواية محمد بن اسحق صَاحِبِ الْمَغَازِي إلَّا أَنَّهُ قَالَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَكْثَرُ مَا أُنْكِرَ عَلَى ابن اسحق التَّدْلِيسُ وَإِذَا قَالَ الْمُدَلِّسُ حَدَّثَنِي اُحْتُجَّ بِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَائِشَةَ قَالَتْ (كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْرِمَاتٍ فإذا حاذونا
سدلت احدانا جلبابها مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْنَاهُ)
* فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمَا وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ (وَأَمَّا) لُغَاتُ الْفَصْلِ وَأَلْفَاظُهُ فَتَخْمِيرُ الرَّأْسِ تَغْطِيَتُهُ (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ فِعْلٌ مُحَرَّمٌ فِي الْإِحْرَامِ فَتَعَلَّقَتْ بِهِ الْفِدْيَةُ احْتَرَزْنَا بِالْإِحْرَامِ عَنْ الْغِيبَةِ فِي الصِّيَامِ وَنَحْوِهَا وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ مُحَرَّمُ الْإِحْرَامِ لِيَحْتَرِزَ عَنْ شُرْبِ الْخَمْرِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ مُحَرَّمٌ فِي الْإِحْرَامِ وَلَا فِدْيَةَ فِيهِ (وَأَمَّا) الْمِكْتَلُ فَبِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ وَهُوَ الزِّنْبِيلُ وَيُقَالُ فِيهِ أَيْضًا الزَّنْبِيلُ بِفَتْحِ الزاى والقفة العرق والفرق بِفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِهَا وَالسَّفِيفَةُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا كُلِّهِ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ فِي كَفَّارَةِ الْجِمَاعِ (وَقَوْلُهُ) لَا يُمْنَعُ الْمُحْدِثُ مِنْ حَمْلِ الْمُصْحَفِ فِي عَيْبَةِ الْمَتَاعِ هِيَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَهِيَ وِعَاءٌ يُجْعَلُ فِيهِ الثِّيَابُ وَجَمْعُهَا عِيَبٌ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الْيَاءِ كَبَدْرَةٍ وَبِدَرٍ وَعِيَابٌ وَعِيَبَاتٌ ذَكَرَهُنَّ الْجَوْهَرِيُّ (وَأَمَّا) الْبُرْنُسُ فَبِضَمِّ الْبَاءِ وَالنُّونِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَصَاحِبُ الْمُحْكَمِ وَغَيْرُهُمَا الْبُرْنُسُ كُلُّ ثَوْبٍ رَأْسُهُ مِنْهُ مُلْتَزِقٌ؟ بِهِ دراعة كانت اوجبة أو ممطرا والممطر بكسر الميم الْأُولَى وَفَتْحِ الطَّاءِ مَا يُلْبَسُ فِي الْمَطَرِ يتوفى بِهِ (وَأَمَّا) الْوَرْسُ فَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ زَكَاةِ الثمار (وقوله) محيطا بِالْإِبَرِ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ

(7/251)


وفتح الباء جمع ابرة (واما) لقباء فَمَمْدُودٌ وَجَمْعُهُ أَقْبِيَةٌ (وَيُقَالُ) تَقَبَّيْت الْقَبَاءَ
* قَالَ الْجَوَالِيقِيُّ قِيلَ هُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ وَقِيلَ عَرَبِيٌّ مُشْتَقٌّ مِنْ الْقَبْوِ وَهُوَ الضَّمُّ وَالْجَمْعُ (وَأَمَّا) الدُّرَّاعَةُ فَمِثْلُ الْقَمِيصِ لَكِنَّهَا ضَيِّقَةُ الْكُمَّيْنِ وَهِيَ لَفَظَّةٌ غَرِيبَةٌ (وَأَمَّا) التُّبَّانُ فَبِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ بَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ مُشَدَّدَةٌ وَهُوَ سَرَاوِيلُ قَصِيرَةٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ الْكَفَنِ (وَأَمَّا) الرَّانّ فَكَالْخَفِّ لَكِنْ لَا قَدَمَ لَهُ وَهُوَ أَطْوَلُ مِنْ الْخُفِّ (وَقَوْلُهُ) وَإِنْ جَعَلَ لِإِزَارِهِ حُزَّةً وَأَدْخَلَ فِيهَا التِّكَّةَ وَاتَّزَرَ بِهِ جَازَ التِّكَّةُ بِكَسْرِ التَّاءِ مَعْرُوفَةٌ (وَقَوْلُهُ) حُزَّةً كَذَا وَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ وَهُوَ صَحِيحٌ يُقَالُ حُزَّةُ السَّرَاوِيلِ وَحُجْزَةُ السَّرَاوِيلِ بِحَذْفِ الْجِيمِ وَإِثْبَاتِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ ذَكَرَهُمَا صَاحِبُ الْمُجْمَلِ وَالصِّحَاحِ وَآخَرُونَ وَهِيَ الَّتِي يُجْعَلُ فِيهَا التِّكَّةُ (وَقَوْلُهُ) إنْ زَرَّهُ أَوْ خَاطَهُ أَوْ شَوَّكَهُ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كالمحيط فَشَوَّكَهُ بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ مَعْنَاهُ خَلَّهُ بِشَوْكٍ أَوْ بِمِسَلَّةٍ وَنَحْوِهَا (وَأَمَّا) الْقُفَّازَانِ فَبِقَافِ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ فاء مشددة وبالزاى وهو شئ يُعْمَلُ لِلْيَدَيْنِ يُحْشَى بِقُطْنٍ وَيَكُونُ لَهُ أَزْرَارٌ تُزَرُّ عَلَى الْكَفَّيْنِ وَالسَّاعِدَيْنِ مِنْ الْبَرْدِ وَغَيْرِهِ
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَالْحَرَامُ عَلَى الرَّجُلِ مِنْ اللِّبَاسِ فِي الْإِحْرَامِ ضَرْبَانِ (ضَرْبٌ) مُتَعَلِّقٌ بِالرَّأْسِ (وَضَرْبٌ) بِبَاقِي الْبَدَنِ (وَأَمَّا) الضَّرْبُ الْأَوَّلُ فلا يجوز للرجل ستر رأسه لا بمحيط كَالْقَلَنْسُوَةِ وَلَا بِغَيْرِهِ كَالْعِمَامَةِ وَالْإِزَارِ وَالْخِرْقَةِ وَكُلُّ مَا يُعَدُّ سَاتِرًا فَإِنْ سَتَرَ لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ وَلَوْ تَوَسَّدَ وِسَادَةً أَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ انْغَمَسَ فِي مَاءٍ أَوْ اسْتَظَلَّ بمحمل وهودج جَازَ وَلَا فِدْيَةَ سَوَاءٌ مَسَّ الْمَحْمَلُ رَأْسَهُ أَمْ لَا وَقَالَ الْمُتَوَلِّي إذَا مَسَّ الْمَحْمَلُ رَأْسَهُ وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ وَهَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا أَوْ بَاطِلٌ
* قَالَ الرَّافِعِيُّ لَمْ أَرَهُ هُنَا لِغَيْرِهِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ جَائِزٌ وَلَا فِدْيَةَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ سَاتِرًا وَلَوْ وَضَعَ عَلَى رَأْسِهِ زِنْبِيلًا أَوْ حِمْلًا فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَكَثِيرُونَ أَوْ الْأَكْثَرُونَ يَجُوزُ وَلَا فِدْيَةَ لِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ بِهِ السَّتْرَ كَمَا لَا يُمْنَعُ الْمُحْدِثُ مِنْ حَمْلِ الْمُصْحَفِ فِي مَتَاعٍ
(وَالثَّانِي)
حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا
(والثانى)

(7/252)


يَحْرُمُ وَتَجِبُ بِهِ الْفِدْيَةُ وَمِمَّنْ ذَكَرَ الطَّرِيقَيْنِ جَمِيعًا الْبَغَوِيّ وَمِمَّنْ قَطَعَ بِتَحْرِيمِهِ أَبُو الْفَتْحِ سُلَيْمٌ الرَّازِيّ فِي الْكِفَايَةِ وَالْمَذْهَبُ الْجَوَازُ
* وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ حَكَى الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِحَمْلِ الْمِكْتَلِ عَلَى رَأْسِهِ وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ وَلَا اعْتَرَضَ عَلَيْهِ قَالَ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْأَشْرَافِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ
* قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا لَا نَعْرِفُهُ في شئ مِنْ كُتُبِ الشَّافِعِيِّ
* وَحَكَى أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ عَلَى وُجُوبِ الْفِدْيَةِ فِيهِ وَحَكَى الْبَنْدَنِيجِيُّ وُجُوبَ الْفِدْيَةِ عَنْ نَصِّهِ فِي الْإِمْلَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) إذَا طَلَى رَأْسَهُ بِطِينٍ أَوْ حِنَّاءٍ أَوْ مَرْهَمٍ أَوْ نَحْوِهَا فَإِنْ كَانَ رَقِيقًا لا يستر فلا فدية وإن كان تخينا سَاتِرًا فَوَجْهَانِ (الْأَصَحُّ) وُجُوبُ الْفِدْيَةِ وَبِهِ قَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ لِأَنَّهُ سَتْرٌ وَلِهَذَا لَوْ سَتَرَ عَوْرَتَهُ بِذَلِكَ صَحَّتْ صَلَاتُهُ
(وَالثَّانِي)
لَا لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ سَاتِرًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْفِدْيَةِ سَتْرُ جَمِيعِ الرَّأْسِ كَمَا لَا يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ فِدْيَةِ الْحَلْقِ الِاسْتِيعَابُ بَلْ تَجِبُ الْفِدْيَةُ بِسَتْرِ قَدْرٍ يُقْصَدُ سَتْرُهُ لِغَرَضٍ كَشَدِّ عِصَابَةٍ وَإِلْصَاقِ لُصُوقٍ لِشَجَّةٍ وَنَحْوِهَا هكذا ضبطه امام الحرمين والغزالي واتففق الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ شَدَّ خَيْطًا عَلَى رَأْسِهِ لَمْ يَضُرَّهُ وَلَا فِدْيَةَ
* قَالَ الرَّافِعِيُّ وهذا ينقض مَا ضَبَطَ بِهِ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ فَإِنْ سَتَرَ الْمِقْدَارَ الَّذِي يَحْوِيهِ الْخَيْطُ قَدْ يُقْصَدُ لِمَنْعِ الشَّعْرِ مِنْ الِانْتِشَارِ وَغَيْرِهِ فَالْوَجْهُ الضَّبْطُ بِتَسْمِيَتِهِ سَاتِرَ كُلِّ الرَّأْسِ أَوْ بَعْضِهِ
* هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَالصَّوَابُ
مَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَلَا يُنْتَقَضُ مَا قَالَاهُ بِمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ لِأَنَّهُمَا قالا قدر يَقْصِدُ سَتْرَهُ وَالْخَيْطُ

(7/253)


لَيْسَ بِسَاتِرٍ
* وَفَرَّقَ أَصْحَابُنَا بَيْنَ الْخَيْطِ حَيْثُ جَازَ شَدُّ الرَّأْسِ بِهِ وَالْعِصَابَةِ الْعَرِيضَةِ حَيْثُ لَمْ يَجُزْ بِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ سَاتِرًا بِخِلَافِ الْعِصَابَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ فِي التَّحْرِيمِ مَا يعتاد الستر به وما لا يعتاد كيقلنسوة مقورة وتجب الفدية بتغطيته الْبَيَاضِ الَّذِي وَرَاءَ الْآذَانِ ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَوْ غَطَّى رَأْسَهُ بِكَفِّ غَيْرِهِ فَلَا فِدْيَةَ كَمَا لَوْ غَطَّاهُ بِكَفِّ نَفْسِهِ
* هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَذَكَرَ صاحبا الحاوى والبحر فيه وجهين (لصحيح) هذا (والثاني) وجوب الْفِدْيَةُ لِجَوَازِ السُّجُودِ عَلَى كَفِّ غَيْرِهِ بِخِلَافِ كفه والله علم
* (الضَّرْبُ الثَّانِي) فِي غَيْرِ الرَّأْسِ قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ الْمُحْرِمِ سَتْرُ مَا عَدَا الرَّأْسَ مِنْ بَدَنِهِ فِي الْجُمْلَةِ وَسَنُوضِحُ تَفْصِيلَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا يَحْرُمُ عليه لبس المحيط وَمَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ مِمَّا هُوَ عَلَى قدر عضو من البدن فيحرم كل محيط بالبدن أو بعضو منه سواء كان محيطا بِخِيَاطَةٍ أَوْ غَيْرِهَا كَمَا سَنُوضِحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* قَالَ أَصْحَابُنَا فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ لُبْسُ القميص والسراويل والتبان والدارعة وَالْخُفِّ وَالرَّانِّ وَنَحْوِهَا فَإِنْ لَبِسَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ مُخْتَارًا عَامِدًا أَثِمَ وَلَزِمَهُ الْمُبَادَرَةُ إلَى إزَالَتِهِ وَلَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ سَوَاءٌ قَصُرَ الزَّمَانُ أَمْ طَالَ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا
* قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى مَنْعِ الْمُحْرِمِ مِنْ لُبْسِ الْقَمِيصِ وَالْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَالسَّرَاوِيلِ وَالْبُرْنُسِ وَالْخُفِّ وَلَوْ لَبِسَ الْقَبَاءَ لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ سَوَاءٌ أَخْرَجَ يَدَيْهِ مِنْ كُمَّيْهِ أَمْ لَا وسواء فِي ذَلِكَ جَمِيعُ الْأَقْبِيَةِ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ فِي الْحَاوِي وَغَيْرِهِ أَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ أَقْبِيَةِ خُرَاسَانَ ضَيِّقُ الْأَكْمَامِ قَصِيرُ الذَّيْلِ وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ وَإِنْ لَمْ يُدْخِلْ يَدَهُ فِي كُمِّهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَقْبِيَةِ الْعِرَاقِ وَاسِعُ الْكُمِّ طَوِيلُ الذَّيْلِ لَمْ تَجِبْ حَتَّى يُدْخِلَ يَدَيْهِ كُمَّيْهِ وَهَذَا الْوَجْهُ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ
* وَقَالَ الدَّارِمِيُّ إذَا طَرَحَ الْقَبَاءَ عَلَى كَتِفَيْهِ وَأَدْخَلَهُمَا لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِيهِ قَوْلَانِ وَهَذَا أَيْضًا غَرِيبٌ ضَعِيفٌ وَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ الْفِدْيَةِ مُطْلَقًا
* وَلَوْ أَلْقَى عَلَى بَدَنِهِ قَبَاءً أَوْ فَرْجِيَّة وَهُوَ مُضْطَجِعٌ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنْ صَارَ عَلَى بَدَنِهِ بِحَيْثُ لَوْ قَامَ عُدَّ لَابِسَهُ لزمته الفدية وإن كل بِحَيْثُ لَوْ قَامَ أَوْ قَعَدَ لَمْ يَسْتَمْسِكْ عَلَيْهِ إلَّا بِمَزِيدِ أَمْرٍ فَلَا فِدْيَةَ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَاللُّبْسُ الْحَرَامُ الْمُوجِبُ

(7/254)


لِلْفِدْيَةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا يُعْتَادُ فِي كُلِّ ملبوس فلو التحف بقميص أو قباء أَوْ ارْتَدَى بِهِمَا أَوْ اتَّزَرَ بِسَرَاوِيلَ فَلَا فدية لانه لبس لَيْسَ لُبْسًا لَهُ فِي الْعَادَةِ فَهُوَ كَمَنْ لَفَّقَ إزَارًا مِنْ خِرَقٍ وَطَبَّقَهَا وَخَاطَهَا فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا لَوْ الْتَحَفَ بِقَمِيصٍ أَوْ بِعَبَاءَةٍ أَوْ إزَارٍ وَنَحْوِهَا وَلَفَّهَا عَلَيْهِ طَاقًا أَوْ طَاقَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فَلَا فِدْيَةَ وَسَوَاءٌ فَعَلَ ذَلِكَ فِي النَّوْمِ أَوْ الْيَقَظَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَهُ أَنْ يَتَقَلَّدَ الْمُصْحَفَ وَحَمَائِلَ السَّيْفِ وَأَنْ يَشُدَّ الْهِمْيَانَ وَالْمِنْطَقَةَ فِي وَسَطِهِ وَيَلْبَسَ الْخَاتَمَ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ هذا كله وهذا الذى ذكرناه في المطقة وَالْهِمْيَانِ مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا ابْنَ عُمَرَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ فَكَرِهَهُمَا وَبِهِ قَالَ نَافِعٌ مَوْلَاهُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَتَوَقَّفُ التَّحْرِيمُ وَالْفِدْيَةُ عَلَى الْمَخِيطِ بَلْ سَوَاءٌ الْمَخِيطُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَضَابِطُهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ كُلُّ مَلْبُوسٍ مَعْمُولٍ عَلَى قَدْرِ الْبَدَنِ أَوْ قدر عضو منه بححيث يُحِيطُ بِهِ بِخِيَاطَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَيَدْخُلُ فِيهِ دِرْعُ الزَّرْدِ وَالْجَوْشَنُ وَالْجَوْرَبُ وَاللِّبْدُ وَالْمُلَزَّقُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ سَوَاءٌ الْمُتَّخَذُ مِنْ جِلْدٍ أَوْ قُطْنٍ أَوْ كَتَّانٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا كُلِّهِ
* (فَرْعٌ)
اتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَعْقِدَ الازار ويشد عليه خيطان وَأَنْ يَجْعَلَ لَهُ مِثْلَ الْحُجْزَةِ وَيُدْخِلَ فِيهَا التِّكَّةَ وَنَحْوَ ذَلِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَصْلَحَةِ الْإِزَارِ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَمْسِكُ إلَّا بِنَحْوِ ذَلِكَ
* هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ طُرُقِهِمْ وَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ لِلْإِزَارِ حُجْزَةً وَيُدْخِلَ فِيهَا التِّكَّةَ لانه يصير كَالسَّرَاوِيلِ وَهَذَا نَقْلٌ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْأَشْرَافِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَا يَعْقِدُ عَلَى إزَارِهِ وَهَذَا نَقْلٌ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِلْمَعْرُوفِ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَطُرُقِ الْأَصْحَابِ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَيَعْقِدُ الْمُحْرِمُ عليه أزراره لِأَنَّهُ مِنْ صَلَاحِ الْإِزَارِ قَالَ وَالْإِزَارُ مَا كَانَ مَعْقُودًا.
هَذَا نَصُّهُ بِحُرُوفِهِ.
وَيُمْكِنُ أَنْ يُتَأَوَّلَ مَا نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَلَى أَنَّ المراد بالعقد العقد بالخياطة فهذا احرام كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْكِتَابِ وَالْأَصْحَابُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَهُ غَرْزُ رِدَائِهِ فِي طَرَفِ إزَارِهِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلِاسْتِمْسَاكِ (وَأَمَّا) عَقْدُ الرِّدَاءِ فَحَرَامٌ

(7/255)


وَكَذَلِكَ خَلُّهُ بِخِلَالٍ أَوْ بِمِسَلَّةٍ وَنَحْوِهَا وَكَذَلِكَ رَبْطُ طَرَفِهِ إلَى طَرَفِهِ الْآخَرِ بِخَيْطٍ وَنَحْوِهِ وَكُلُّهُ حَرَامٌ
مُوجِبٌ لِلْفِدْيَةِ
* هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَلَى تَحْرِيمِ عَقْدِ الرِّدَاءِ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَفَرَّقَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ بَيْنَ الرِّدَاءِ وَالْإِزَارِ حَيْثُ جَازَ عَقْدُ الْإِزَارِ دُونَ الرِّدَاءِ بِأَنَّ الْإِزَارَ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْعَقْدِ دُونَ الرِّدَاءِ فَعَلَى هَذَا إذَا عَقَدَهُ أَوْ رَدَّهُ أَوْ خَلَّهُ بِخَلَالٍ أَوْ مِسَلَّةٍ أَوْ جَعَلَ لَهُ شَرْجًا وَعُرًى وَرَبَطَ الشَّرْجَ بِالْعُرَى لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ
* هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْجُمْهُورُ وَهُوَ مُقْتَضَى النَّصِّ السَّابِقِ فِي تَحْرِيمِ عَقْدِ الرِّدَاءِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا لَا يَحْرُمُ عَقْدُ الرِّدَاءِ كَمَا لَا يَحْرُمُ عَقْدُ الْإِزَارِ وَبِهَذَا قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ إلَّا أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ قَالَ يُكْرَهُ عَقْدُهُ فَإِنْ عَقَدَهُ فَلَا فِدْيَةَ وَدَلِيلُ هَذَا أَنَّهُ لَا يُعَدُّ مَخِيطًا وَدَلِيلُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَخِيطِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُسْتَمْسِكٌ بِنَفْسِهِ وَقَدْ أَنْكَرَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ عَلَى إمَامِ الْحَرَمَيْنِ تَجْوِيزَهُ عَقْدَ الرِّدَاءِ قَالَ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ فِي الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ الشَّيْخِ

(7/256)


أَبِي نَصْرٍ صَاحِبِ الْمُعْتَمَدِ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُ قَالَ لَا فِدْيَةَ فِي عَقْدِ الرِّدَاءِ وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ تَحْرِيمُ عَقْدِهِ وَوُجُوبُ الْفِدْيَةِ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا شَقَّ الْإِزَارَ نِصْفَيْنِ وجعل له ديلين وَلَفَّ عَلَى كُلِّ سَاقٍ نِصْفًا وَشَدَّهُ فَوَجْهَانِ (الصحيح) المنصوص في الام نصا صريحا ووجوب الْفِدْيَةِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَنَقَلُوهُ أَيْضًا عَنْ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ وَتَابَعُوهُ عَلَيْهِ وَأَطْبَقَ الْعِرَاقِيُّونَ عَلَى التَّصْرِيحِ بِهِ وَقَطَعَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ قَالُوا فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَثِمَ وَلَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ وَهَكَذَا نَقَلَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ قَالَ وَفِيهِ احْتِمَالُ أَنَّهُ لا فدية قاله إمام الحرمين قاله الرَّافِعِيُّ الَّذِي نَقَلَهُ الْأَصْحَابُ وُجُوبُ الْفِدْيَةِ لِأَنَّهُ كَالسَّرَاوِيلِ قَالَ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَا فِدْيَةَ بِمُجَرَّدِ اللَّفِّ وَعَقْدِهِ وَإِنَّمَا يَجِبُ إنْ كَانَتْ خياطة أو شرج وَعُرًى وَقَطَعَ الْمُتَوَلِّي بِأَنَّهُ يُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ ولا فدية فيه لان الاحاطة عَلَى سَبِيلِ اللَّفِّ لَيْسَتْ مُحَرَّمَةً كَمَا لَوْ اتحف بِإِزَارٍ وَقَمِيصٍ وَعَبَاءَةٍ
* وَوَجْهُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ شَابَهَ السَّرَاوِيلَ فِي الصُّورَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ الْمُصَنِّفُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ وَإِنْ زَرَّ الْإِزَارَ أَوْ شَوَّكَهُ أَوْ خَاطَهُ لَمْ يَجُزْ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ خَالَفَ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ لِمَا سَبَقَ مِنْ الدَّلِيلِ
*
(فَرْعٌ)
يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ لُبْسُ الْقُفَّازَيْنِ بِلَا خِلَافٍ وَفِي الْمَرْأَةِ خِلَافٌ سَنُوضِحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ اتَّخَذَ الرَّجُلُ لِسَاعِدِهِ أَوْ لِعُضْوٍ آخَرَ شَيْئًا مَخِيطًا أَوْ لِلِحْيَتِهِ خَرِيطَةً يُعَلِّقُهَا بِهَا إذَا خَضَبَهَا فَالْمَذْهَبُ تَحْرِيمُهُ وَوُجُوبُ الْفِدْيَةِ وَبِهَذَا قَطَعَ ابْنُ الْمَرْزُبَانِ وَالْأَكْثَرُونَ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْقُفَّازِ وَتَرَدَّدَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ

(7/257)


الْجُوَيْنِيُّ فِي تَحْرِيمِهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَحْرِيمُ الْمَلَابِسِ الْمُعْتَادَةِ وَهَذَا لَيْسَ مُعْتَادًا
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ لُبْسَ الْخُفِّ حَرَامٌ عَلَى الرَّجُلِ الْمُحْرِمِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ الْخُفُّ صَحِيحًا أَوْ مُخَرَّقًا لِعُمُومِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ السَّابِقِ (وَأَمَّا) لُبْسُ الْمَدَاسِ وَالْحِمْحِمِ وَالْخُفِّ الْمَقْطُوعِ أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ فَهَلْ يَجُوزُ مَعَ وُجُودِ النَّعْلَيْنِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (الصَّحِيحُ) بِاتِّفَاقِهِمْ تَحْرِيمُهُ وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرُونَ أَوْ الْأَكْثَرُونَ وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ السَّابِقِ (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ الصَّيْمَرِيُّ إذَا أَدْخَلَ رِجْلَيْهِ إلَى سَاقَيْ خُفَّيْهِ أَوْ أَدْخَلَ إحْدَى رِجْلَيْهِ إلَى قَرَارِ الْخُفِّ دُونَ الْأُخْرَى فَلَا فِدْيَةَ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَابِسَ خُفَّيْنِ هَذَا كَلَامُهُ (فَأَمَّا) الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ إدْخَالُ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ إلَى قَرَارِ الْخُفِّ فَغَلَطٌ صَرِيحٌ بَلْ الصَّوَابُ وُجُوبُ الْفِدْيَةِ بِلَا خِلَافٍ هَذَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَصَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْمُتَوَلِّي لَوْ لَبِسَ الْخُفَّ فِي إحْدَى رِجْلَيْهِ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ لِوُجُودِ مُخَالَفَةِ أَمْرِ الشَّارِعِ وَحُصُولِ السَّتْرِ
* هَذَا كَلَامُ الْمُتَوَلِّي وَكَلَامُ غَيْرِهِ بِمَعْنَاهُ قَالَ أَصْحَابُنَا لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْحَرَامِ الْمُوجِبِ لِلْفِدْيَةِ بَيْنَ مَا يَسْتَوْعِبُ الْعُضْوَ أَوْ بَعْضَهُ كَمَا لَوْ سَتَرَ بَعْضَ رَأْسِهِ أَوْ لَبِسَ الْقَمِيصَ إلَى سُرَّتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ تَجِبُ الْفِدْيَةُ بِلَا خِلَافٍ (وأما) المسألة الاولى فينبغي أن يجئ فِيهَا الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي بَابِ مَسْحِ الْخُفَّيْنِ فِيمَا إذَا أَدْخَلَ رِجْلَهُ إلَى سَاقِ الْخُفِّ ثُمَّ أَحْدَثَ قَبْلَ اسْتِقْرَارِهَا فِي الْقَدَمِ هَلْ يَجُوزُ الْمَسْحُ أَمْ لَا (الْأَصَحُّ لَا يَجُوزُ فَلَا يَكُونُ لُبْسًا فَلَا فِدْيَةَ (وَالثَّانِي) يَجُوزُ الْمَسْحُ فَيَكُونُ لُبْسًا فَتَجِبُ الْفِدْيَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*

(7/258)


(فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ كَانَ عَلَى الْمُحْرِمِ جِرَاحَةٌ فَشَدَّ عَلَيْهَا خِرْقَةً فَإِنْ كَانَتْ فِي غَيْرِ الرَّأْسِ فَلَا فِدْيَةَ وَإِنْ كَانَتْ فِي الرَّأْسِ لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ لِأَنَّهُ يُمْنَعُ فِي الرَّأْسِ الْمَخِيطُ وَغَيْرُهُ لَكِنْ لَا إثْمَ عَلَيْهِ لِلْعُذْرِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ لَوْ لَفَّ وَسَطَهُ بِعِمَامَةٍ أَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي كُمِّ قَمِيصٍ مُنْفَصِلٍ عَنْهُ فَلَا فِدْيَةَ لَهُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا سَوَاءٌ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَاهُ اللُّبْسُ فِي زَمَنٍ طَوِيلٍ وَقَصِيرٍ وَسَوَاءٌ الرَّجُلُ وَالصَّبِيُّ لكن الصبى لا يأثم وتجب الْفِدْيَةُ وَهَلْ تَجِبُ فِي مَالِهِ أَمْ مَالِ الولي فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ
* (فَرْعٌ)
هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ كُلَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلرَّجُلِ عُذْرٌ فِي اللُّبْسِ فَإِنْ كَانَ عُذْرٌ ففيه مسائل (احداها) إذَا احْتَاجَ إلَى سَتْرِ رَأْسِهِ أَوْ لُبْسِ الْمَخِيطِ لِعُذْرٍ كَحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ مُدَاوَاةٍ أَوْ احْتَاجَتْ الْمَرْأَةُ إلَى سَتْرِ الْوَجْهِ جَازَ الستر ووجبت الفديد لِقَوْلِهِ تَعَالَى (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى من رأسه ففدية) الْآيَةَ (الثَّانِيَةُ) إذَا لَمْ يَجِدْ رِدَاءً لَمْ يَجُزْ لَهُ لُبْسُ الْقَمِيصِ بَلْ يَرْتَدِي بِهِ ولو لم يجد ازار أو وجد سراويل نظران لَمْ يَتَأَتَّ مِنْهُ إزَارٌ لِصِغَرِهِ أَوْ لِعَدَمِ آلَةِ الْخِيَاطَةِ أَوْ لِخَوْفِ التَّخَلُّفِ عَنْ الْقَافِلَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَهُ لُبْسُهُ وَلَا فِدْيَةَ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ السَّابِقِ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ
* وَإِنْ تَأَتَّى مِنْهُ إزَارٌ وَأَمْكَنَهُ ذَلِكَ بِلَا ضَرَرٍ فَهَلْ يَجُوزُ لُبْسُ السَّرَاوِيلِ عَلَى حَالِهِ فِيهِ طَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) جَوَازُهُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ العراقييين وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَالثَّانِي حَكَاهُ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) لَا يَجُوزُ بَلْ يَتَعَيَّنُ جَعْلُهُ إزَارًا فَإِنْ لَبِسَهُ سَرَاوِيلَ لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ وَبِهَذَا الْوَجْهِ قطع الفواراني وَوَجَّهَهُ أَنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلَى السَّرَاوِيلِ

(7/259)


وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ وَلِأَنَّ فِي تَكْلِيفِ قَطْعِهِ مَشَقَّةً وَتَضْيِيعَ مَالٍ
* هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَتَّزِرَ بِالسَّرَاوِيلِ عَلَى هَيْئَتِهِ فَإِنْ أَمْكَنَهُ لَمْ يَجُزْ لُبْسُهُ عَلَى صِفَتِهِ فَإِنْ لَبِسَهُ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ
* صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلَّيْ وَغَيْرُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَقِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ فَقَدَ الرِّدَاءَ وَوَجَدَ الْقَمِيصَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لُبْسُهُ بَلْ يَرْتَدِي بِهِ كَمَا سَبَقَ
* وَحَيْثُ جَوَّزْنَا لُبْسَ السَّرَاوِيلِ لِعَدَمِ الْإِزَارِ فَلَبِسَهُ فَلَا فِدْيَةَ
* وَإِنْ طَالَ زَمَانُهُ فَلَوْ وَجَدَ الْإِزَارَ لَزِمَهُ نَزْعُهُ فِي الْحَالِ فَإِنْ أَخَّرَ أَثِمَ وَلَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ إنْ كَانَ عَالِمًا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَاتَّفَقُوا
عَلَيْهِ
* وَإِذَا وَجَدَ السَّرَاوِيلَ وَوَجَدَ إزار يُبَاعُ وَلَا ثَمَنَ مَعَهُ أَوْ كَانَ يُبَاعُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ جَازَ لُبْسُ السَّرَاوِيلِ
* قَالَ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَوْ وُهِبَ لَهُ الْإِزَارُ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ بَلْ لَهُ لُبْسُ السَّرَاوِيلِ لِمَشَقَّةِ الْمِنَّةِ فِي قَبُولِهِ وَكَذَا لَوْ وُهِبَ لَهُ ثَمَنُهُ فَإِنْ كَانَ الْوَاهِبُ وَلَدَهُ فَفِي وُجُوبِ قَبُولِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الدَّارِمِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُمَا وَهُمَا كَالْوَجْهَيْنِ فِي وُجُوبِ الْحَجِّ ببذل الولد المال للمعضوب وَسَبَقَ فِي بَذْلِ ثَمَنِ الْمَاءِ فِي التَّيَمُّمِ مِثْلُهُ
* قَالَ الدَّارِمِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَآخَرُونَ لو اعير ازار لَمْ يَجُزْ لُبْسُ السَّرَاوِيلِ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَقَدْ سَبَقَ فِي وُجُوبِ قَبُولِهِ عَارِيَّةَ الثَّوْبِ لِمَنْ يُصَلِّي فِيهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) وُجُوبُهُ وَهُنَا أَوْلَى بِجَرَيَانِ الْخِلَافِ كَطُولِ زَمَانِ لُبْسِهِ هنا في العادة ولو كان مع سَرَاوِيلُ قِيمَتُهُ قِيمَةُ إزَارٍ فَقَدْ أَطْلَقَ الدَّارِمِيُّ أنه يلزمه أن يستبدل به ازار إذَا أَمْكَنَهُ
* وَالصَّوَابُ

(7/260)


التَّفْصِيلُ ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ
* قَالَ إنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ مُضِيِّ زَمَانٍ تَظْهَرُ فِيهِ عَوْرَتُهُ لَزِمَهُ وَإِلَّا فَلَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الثَّالِثَةُ) إذَا لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ جَازَ لُبْسُ الْمَدَاسِ وَهُوَ الْمُكَعَّبُ وَلُبْسُ خُفَّيْنِ مَقْطُوعَيْنِ مِنْ أَسْفَلِ الْكَعْبَيْنِ وَلَا فِدْيَةَ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ
* وَلَوْ لَبِسَ الْخُفَّيْنِ الْمَقْطُوعَيْنِ لِفَقْدِ النَّعْلَيْنِ ثُمَّ وَجَدَ النَّعْلَيْنِ وَجَبَ نَزْعُهُ فِي الْحَالِ فَإِنْ أَخَّرَ وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ
* هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ كَمَا قُلْنَا فِي لُبْسِ السَّرَاوِيلِ بَعْدَ وُجُودِ الْإِزَارِ
(وَالثَّانِي)
يَجُوزُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَهُوَ الْوَجْهُ السَّابِقُ فِي جَوَازِ لُبْسِ الْمَدَاسِ وَالْخُفَّيْنِ الْمَقْطُوعَيْنِ مَعَ وُجُودِ النَّعْلَيْنِ لِأَنَّهُمَا فِي مَعْنَى النَّعْلَيْنِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ تَخْصِيصُ الْإِبَاحَةِ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْمَسْحِ يُنْتَقَضُ بِالْخُفِّ الْمُخَرَّقِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ مَعَ تَحْرِيمِ لُبْسِهِ وَوُجُوبِ الْفِدْيَةِ فِيهِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا جَازَ لُبْسُ الْخُفَّيْنِ الْمَقْطُوعَيْنِ لَمْ يَضُرَّ اسْتِتَارُ ظَهْرِ الْقَدَمَيْنِ بِبَاقِيهِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْمُرَادُ بِعَقْدِ الْإِزَارِ وَالْخُفِّ أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى تَحْصِيلِهِ لِعَقْدِهِ أَوْ لِعَدَمِ بَذْلِ مَالِكِهِ أَوْ عَجْزٍ عَنْ ثَمَنِهِ وَأُجْرَتِهِ وَلَوْ بِيعَ بِغَبْنٍ أَوْ نَسِيئَةٍ أَوْ وُهِبَ لَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَم
* (فَرْعٌ)
هَذَا الَّذِي سبق كله في أحكام الرجل (أَمَّا) الْمَرْأَةُ فَالْوَجْهُ فِي حَقِّهَا كَرَأْسِ الرَّجُلِ فَيَحْرُمُ سَتْرُهُ بِكُلِّ سَاتِرٍ كَمَا سَبَقَ فِي رَأْسِ الرَّجُلِ وَيَجُوزُ لَهَا سَتْرُ رَأْسِهَا وَسَائِرِ بَدَنِهَا بِالْمَخِيطِ وَغَيْرِهِ

(7/261)


كَالْقَمِيصِ وَالْخُفِّ وَالسَّرَاوِيلِ وَتَسْتُرُ مِنْ الْوَجْهِ الْقَدْرَ اليسير الذى بلى الرَّأْسَ لِأَنَّ سَتْرَ الرَّأْسِ وَاجِبٌ لِكَوْنِهِ عَوْرَةً وَلَا يُمْكِنُ اسْتِيعَابُ سَتْرِهِ إلَّا بِذَلِكَ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى سَتْرِ الرَّأْسِ بِكَمَالِهِ لِكَوْنِهِ عَوْرَةً أَوْلَى مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى كَشْفِ ذَلِكَ الْجُزْءِ مِنْ الْوَجْهِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَهَا أَنْ تَسْدُلَ عَلَى وَجْهِهَا ثَوْبًا مُتَجَافِيًا عَنْهُ بِخَشَبَةٍ وَنَحْوِهَا سَوَاءٌ فَعَلَتْهُ لِحَاجَةٍ كَحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أو خوف

(7/262)


فِتْنَةٍ وَنَحْوِهَا أَمْ لِغَيْرِ حَاجَةٍ
* فَإِنْ وَقَعَتْ الْخَشَبَةُ فَأَصَابَتْ الثَّوْبَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهَا وَرَفَعَتْهُ فِي الْحَالِ فَلَا فِدْيَةَ وَإِنْ كَانَ عَمْدًا أَوْ اسْتَدَامَتْهُ لَزِمَتْهَا الْفِدْيَةُ وَهَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهَا لُبْسُ الْقُفَّازَيْنِ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ تَحْرِيمُهُ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَالْإِمْلَاءِ وَيَجِبُ بِهِ الْفِدْيَةُ (وَالثَّانِي) لَا يَحْرُمُ وَلَا فِدْيَةَ وَلَوْ اخْتَضَبَتْ وَلَفَّتْ عَلَى يَدِهَا خِرْقَةً فَوْقَ الْخِضَابِ أَوْ لَفَّتْهَا بِلَا خِضَابٍ فَالْمَذْهَبُ لَا فِدْيَةَ وَقِيلَ قَوْلَانِ كَالْقُفَّازَيْنِ
* وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ إنْ لَمْ تَشُدَّ الْخِرْقَةَ فَلَا فِدْيَةَ وَإِلَّا فَالْقَوْلَانِ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَاضِحَةً فِي أَوَائِلِ هَذَا الْبَابِ عِنْدَ اسْتِحْبَابِ الْحِنَّاءِ لِلْمَرْأَةِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ
*

(7/263)


(فَرْعٌ)
هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي إحْرَامِ الْمَرْأَةِ وَلُبْسِهَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ
* وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ هَذَا الْمَذْكُورُ هُوَ حُكْمُ الْحُرَّةِ (فَأَمَّا) الْأَمَةُ فَفِي عَوْرَتِهَا وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهَا كَالرَّجُلِ فَعَوْرَتُهَا مَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا (وَالثَّانِي) جَمِيعُ بَدَنِهَا عَوْرَةٌ إلَّا رَأْسَهَا ويديها وساقيها
* قال فعلى هذا الثاني فيها وَجْهَانِ
* قَالَ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ هِيَ كَالْحُرَّةِ فِي الْإِحْرَامِ فَيَثْبُتُ لَهَا حُكْمُ الْحُرَّةِ فِي كل ما ذكرناه قَالَ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ وَفِي سَاقَيْهَا وَرَأْسِهَا وَجْهَانِ كَالْقُفَّازَيْنِ لِلْحُرَّةِ
* قَالَ وَإِنْ قُلْنَا هِيَ كَالرَّجُلِ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهَا كَالرَّجُلِ فِي حُكْمِ الْإِحْرَامِ (وَالثَّانِي) كَالْمَرْأَةِ
* قَالَ وَإِنْ كَانَ نِصْفُهَا حُرًّا وَنِصْفُهَا رَقِيقًا فَهَلْ هِيَ كَالْأَمَةِ أَوْ كَالْحُرَّةِ فِيهِ وَجْهَانِ
* هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَهُوَ شَاذٌّ وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ
* (فَرْعٌ)
(أَمَّا) الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إنْ سَتَرَ وَجْهَهُ فَلَا فِدْيَةَ فِيهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ رَجُلٌ
وَإِنْ سَتَرَ رَأْسَهُ فَلَا فِدْيَةَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ وَإِنْ سَتَرَهُمَا وَجَبَتْ لِتَيَقُّنِ سَتْرِ مَا لَيْسَ لَهُ سَتْرُهُ
* قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفُتُوحِ فَإِنْ قَالَ أَكْشِفُ رَأْسِي وَوَجْهِي قُلْنَا فِيهِ تَرْكٌ لِلْوَاجِبِ قَالَ وَلَوْ قِيلَ يُؤْمَرُ بِكَشْفِ الْوَجْهِ كَانَ صَحِيحًا لِأَنَّهُ إنْ كَانَ رَجُلًا فَكَشْفُ وَجْهِهِ لَا يُؤْثِرُ وَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ امْرَأَةً فَهُوَ الْوَاجِبُ قال صاحب البيان وعلى قياس قَوْلِ أَبِي الْفُتُوحِ إذَا لَبِسَ الْخُنْثَى قَمِيصًا والخف أَوْ سَرَاوِيلَ أَوْ خُفًّا فَلَا فِدْيَةَ لِجَوَازِ كونه امرأة ويستحب ان لا يستتر بِالْقَمِيصِ وَالْخُفِّ وَالسَّرَاوِيلِ لِجَوَازِ كَوْنِهِ رَجُلًا وَيُمْكِنُهُ سَتْرُ ذَلِكَ بِغَيْرِ الْمَخِيطِ
* هَكَذَا ذَكَرَ حُكْمَ الْخُنْثَى جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ في تعليقه

(7/264)


لَا خِلَافَ أَنَّا نَأْمُرُهُ بِالسَّتْرِ وَلُبْسِ الْمَخِيطِ كَمَا نَأْمُرُهُ فِي صَلَاتِهِ أَنْ يَسْتَتِرَ كَالْمَرْأَةِ قَالَ وَهَلْ تَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ
(وَالثَّانِي)
يَلْزَمُهُ احْتِيَاطًا كَمَا يَلْزَمُهُ السَّتْرُ فِي صَلَاتِهِ احْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ لُبْسُ خُفَّيْنِ بِشَرْطِ قَطْعِهِمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ وَلَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ قَطْعِهِمَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُد وَالْجُمْهُورُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعُرْوَةَ وَالنَّخَعِيِّ
* وَقَالَ أَحْمَدُ يَجُوزُ لُبْسُهُمَا مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ وَسَعِيدِ بْنِ سَالِمٍ الْقَدَّاحِ
* وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ يَقُولُ السَّرَاوِيلُ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْإِزَارَ وَالْخِفَافُ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ النَّعْلَيْنِ يَعْنِي الْمُحْرِمَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إزَارًا فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنْ الثِّيَابِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ السَّابِقَ فِي أَوَّلِ الفصل إلى

(7/265)


قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إلَّا أَحَدٌ لَا يَجِدُ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَجَابَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ عَنْ حَدِيثَيْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ بِأَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ فِيهِ زِيَادَةٌ فَالْأَخْذُ بِهِ أَوْلَى وَلِأَنَّهُ مُفَسَّرٌ وَخَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ مُجْمَلٌ فَوَجَبَ تَرْجِيحُ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ حَافِظَانِ عَدْلَانِ لَا مخالفة بينهما لكن زاد أَحَدَهُمَا زِيَادَةٌ فَوَجَبَ قَبُولُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ إزَارًا جَازَ لَهُ لُبْسُ السَّرَاوِيلِ وَلَا فِدْيَةَ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَدَاوُد وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ
* وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ لَهُ لُبْسُهُ وَإِنْ عَدِمَ الْإِزَارَ فَإِنْ لَبِسَهُ لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ
* وَقَالَ الرَّازِيّ مِنْ الخفية يَجُوزُ لُبْسُهُ وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ
* وَدَلِيلُنَا حَدِيثِ ابْنِ عمر وابن عباس المذكوين فِي الْفَرْعِ وَالْقِيَاسُ عَلَى مَنْ عَدِمَ النَّعْلَيْنِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ لُبْسُ الْخُفَّيْنِ الْمَقْطُوعَيْنِ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَاسُوا عَلَيْهِ مِنْ تَحْرِيمِ لُبْسِ الْقَمِيصِ إذَا لَمْ يَجِدْ الرِّدَاءَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ لُبْسُهُ فَلَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْإِزَارِ فَإِنَّهُ يَجِبُ لُبْسُهُ لِسَتْرِ الْعَوْرَةِ فَإِذَا لَمْ يَجِدْ عَدَلَ إلَى السَّرَاوِيلِ وَلِأَنَّ السَّرَاوِيلَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يتزز بِهِ وَيُمْكِنُهُ أَنْ يَرْتَدِيَ بِالْقَمِيصِ (وَإِذَا قُلْنَا) لَوْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَتَّزِرَ بِالسَّرَاوِيلِ لَمْ يَجُزْ لُبْسُهُ كَمَا سَبَقَ إيضَاحُهُ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ لُبْسُ الْقَبَاءِ سَوَاءٌ أَخْرَجَ يَدَيْهِ مِنْ كُمَّيْهِ أَمْ لَا فَإِنْ لَبِسَهُ لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ بِمَعْنَاهُ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ
* وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَالْخِرَقِيُّ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ يَجُوزُ لُبْسُهُ إذَا لَمْ يُدْخِلْ يَدَيْهِ فِي كُمَّيْهِ
* دَلِيلُنَا عَلَى تَحْرِيمِهِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ (أَنَّ رَجُلًا أَتَى إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنْ الثِّيَابِ قَالَ لَا يَلْبَسُ الْقَمِيصَ وَلَا الْعِمَامَةَ وَلَا الْبُرْنُسَ وَلَا السَّرَاوِيلَ وَلَا الْقَبَاءَ وَلَا ثَوْبًا يَمَسُّهُ وَرْسٌ أَوْ زَعْفَرَانٌ) رَوَاهُ

(7/266)


الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ وَهِيَ ذِكْرُ الْقَبَاءِ صَحِيحَةٌ مَحْفُوظَةٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن لُبْسِ الْقَمِيصِ وَالْأَقْبِيَةِ وَالسَّرَاوِيلَاتِ وَالْخُفَّيْنِ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ نَعْلَيْنِ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلِأَنَّهُ مَخِيطٌ فَكَانَ مُحَرَّمًا مُوجِبًا لِلْفِدْيَةِ كَالْجُبَّةِ (وأما) تَشْبِيهُهُمْ إيَّاهُ بِمَنْ الْتَحَفَ بِقَمِيصٍ فَلَا يَصِحُّ لان ذلك لا يُسَمَّى لُبْسًا فِي الْقَمِيصِ وَيُسَمَّى لُبْسًا فِي القباء ولانه غير معتاد في القميص ومعتاد فِي الْقَبَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَسْتَظِلَّ في المحمل بما شاء زاكيا وَنَازِلًا
وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ
* وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ لَا يَجُوزُ فَإِنْ فَعَلَ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَعَدَ تَحْتَ خَيْمَةٍ أَوْ سَقْفٍ جَازَ وَوَافَقُونَا عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ الزَّمَانُ يَسِيرًا فِي الْمَحْمَلِ فَلَا فِدْيَةَ وَكَذَا لَوْ اسْتَظَلَّ بِيَدِهِ وَوَافَقُونَا أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ
* وَقَدْ يُحْتَجُّ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عباس ابن أَبِي رَبِيعَةَ قَالَ (صَحِبْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَمَا رَأَيْتُهُ مُضْطَرِبًا فُسْطَاطًا حَتَّى رَجَعَ) رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وعن ابن عُمَرَ (أَنَّهُ أَبْصَرَ رَجُلًا عَلَى بَعِيرِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ قَدْ اسْتَظَلَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّمْسِ فَقَالَ اضْحَ لِمَنْ أَحْرَمْتَ لَهُ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ
* وَعَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَا مِنْ مُحْرِمٍ يَضْحَى لِلشَّمْسِ حَتَّى تَغْرُبَ إلَّا غَرَبَتْ بِذُنُوبِهِ حَتَّى يعود كما ولدته امه) وراه البيهقى وضعفه
* دليلنا حَدِيثُ أُمِّ الْحُصَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ فَرَأَيْتُ أُسَامَةَ وَبِلَالًا وَأَحَدُهُمَا آخِذٌ بِخِطَامِ نَاقَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم والآخر

(7/267)


رَافِعٌ ثَوْبَهُ يَسْتُرُهُ مِنْ الْحَرِّ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَلِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى لُبْسًا (وَأَمَّا) حَدِيثُ جَابِرٍ الْمَذْكُورُ فقد ذكرنا أَنَّهُ ضَعِيفٌ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ وَكَذَا فِعْلُ عُمَرَ وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ لَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ وَلَوْ كَانَ فَحَدِيثُ أُمِّ الْحُصَيْنِ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ الْمُحْرِمِ سَتْرُ وَجْهِهِ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ لَا يَجُوزُ كَرَأْسِهِ
* وَاحْتُجَّ لَهُمَا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي خَرَّ مِنْ بَعِيرِهِ (وَلَا تُخَمِّرُوا وَجْهَهُ وَلَا رَأْسَهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ (مَا فَوْقَ الذَّقَنِ مِنْ الرَّأْسِ فَلَا يُخَمِّرْهُ الْمُحْرِمُ رَوَاهُ مَالِكٌ وَالْبَيْهَقِيُّ وَهُوَ صَحِيحٌ عَنْهُ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِرِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ (أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَزَيْدَ ابن ثَابِتٍ وَمَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ كَانُوا يُخَمِّرُونَ وُجُوهَهُمْ وَهُمْ حُرُمٌ) وَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَلَكِنَّ الْقَاسِمَ لَمْ يُدْرِكْ عُثْمَانَ وَأَدْرَكَ مَرْوَانَ
* وَاخْتَلَفُوا فِي إمْكَانِ إدْرَاكِهِ زَيْدًا
* وَرَوَى مَالِكٌ وَالْبَيْهَقِيُّ بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ (رَأَيْتُ عُثْمَانَ بِالْعَرْجِ وَهُوَ مُحْرِمٌ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ قَدْ غَطَّى وَجْهَهُ بِقَطِيفَةِ أُرْجُوَانٍ) (وَالْجَوَابُ)
عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ إنَّمَا نَهَى عَنْ تَغْطِيَةِ وَجْهِهِ لِصِيَانَةِ رَأْسِهِ لَا لِقَصْدِ كَشْفِ وَجْهِهِ فَإِنَّهُمْ لَوْ غَطَّوْا وَجْهَهُ لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يُغَطُّوا رَأْسَهُ وَلَا بُدَّ مِنْ تَأْوِيلِهِ لِأَنَّ مَالِكًا وَأَبَا حَنِيفَةَ يَقُولَانِ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ سَتْرِ رأس الميت ووجهه وَالشَّافِعِيُّ وَمُوَافِقُوهُ يَقُولُونَ يُبَاحُ سَتْرُ الْوَجْهِ دُونَ الرَّأْسِ فَتَعَيَّنَ تَأْوِيلُ الْحَدِيثِ (وَأَمَّا) قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ فَمُعَارَضٌ بِفِعْلِ عُثْمَانَ وَمُوَافِقِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*

(7/268)


(فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا تَحْرِيمُ لُبْسِ الْقُفَّازَيْنِ عَلَى الْمَرْأَةِ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَعَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
* وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَقَلَّدَ السَّيْفَ وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ كَرَاهَتَهُ وَعَنْ مالك انه لا يجوز * قال المصنف رحمه الله
* (ويحرم عليه استعمال الطيب في ثيابه وبدنه لِحَدِيثِ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ) وَلَا يَلْبَسُ مِنْ الثِّيَابِ مَا مَسَّهُ وَرْسٌ أو زعفران) وتجب به الفدية قياسا على الحلق ولا يلبس ثوبا مبخرا بالطيب ولا ثوبا مصبوغا بالطيب وتجب به الفدية قياسا علي ما مسه الورس والزعفران وإن علق بخفه طيب وجبت به الفدية لانه ملبوس فهو كالثوب ويحرم عليه استعمال الطيب في بدنة ولا يجوز أن يأكله ولا أن يكتحل به ولا أن يستعط به ولا يحتقن فان استعمله في شئ من ذلك لزمته الفدية لانه إذا وجب ذلك فيما يستعمله في الثياب فلان يجب فيما يستعمله في بدنه أولي وإن كان الطيب في طعام نظرت فان ظهر في طعمه أو رائحته لم يجز أكله وتجب به الفدية وان ظهر ذلك في لونه وصبغ به اللسان من غير طعم ولا رائحة فقد قال في المختصر الاوسط

(7/269)


من الحج لا يجوز وقال في الام والاملاء يجوز قال أبو إسحق يجوز قولا واحدا وتأول قوله في الاوسط على ما إذا كانت له رائحة وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَجُوزُ لان اللون احدي صفات الطيب فمنع من استعماله كالطعم والرائحة (والثاني) يجوز وهو الصحيح لان الطيب بالطعم والرائحة)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَقَوْلُهُ) قِيَاسًا عَلَى الْحَلْقِ إنَّمَا قَاسَ عَلَيْهِ
لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْقُرْآنِ وَفِي حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ السَّابِقِ (وَقَوْلُهُ) وَإِنْ عَلِقَ بِخُفِّهِ طِيبٌ قَالَ الْفَارِقِيُّ وَفَرْضُ هَذَا فِي النَّعْلِ أَوْلَى لِأَنَّ النَّعْلَ يَجُوزُ لَهُ لُبْسُهُ وَالْخُفُّ يَحْرُمُ لُبْسُهُ قَالَ وَيُمْكِنُ تَصْوِيرُهُ بِأَنْ يَكُونَ قَدْ لَبِسَهُ وَلَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ وَعَلِقَ بِهِ الطِّيبُ فَيَلْزَمُهُ فِدْيَةٌ هَذَا كَلَامُهُ وَهُوَ مُتَصَوَّرٌ فِي النَّعْلِ وَفِي الْخُفِّ كَمَا ذَكَرَهُ وَفِيمَا لَوْ لَبِسَ خُفًّا مَقْطُوعًا لِلْعَجْزِ عَنْ النَّعْلَيْنِ وَفِيمَا لَوْ لَبِسَ الْخُفَّيْنِ جَاهِلًا تَحْرِيمَهُمَا وَعَلِقَ بِهِ طِيبٌ وَهُوَ يَعْلَمُ تَحْرِيمَهُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ اسْتِعْمَالُ الطِّيبِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَاسْتِعْمَالُ الطِّيبِ هُوَ أَنْ يَلْصَقَ الطِّيبُ بِبَدَنِهِ أَوْ مَلْبُوسِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ فِي ذَلِكَ الطِّيبِ فَلَوْ طَيَّبَ جُزْءًا مِنْ بَدَنِهِ بِغَالِيَةٍ أَوْ مِسْكٍ

(7/270)


مَسْحُوقٍ أَوْ مَاءِ وَرْدٍ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ سَوَاءٌ الالصاق بظاهر البدن لو بَاطِنِهِ بِأَنْ أَكَلَهُ أَوْ احْتَقَنَ بِهِ أَوْ اسْتَعَطَ أَوْ اكْتَحَلَ أَوْ لَطَخَ بِهِ رَأْسَهُ أَوْ وَجْهَهُ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ بَدَنِهِ اثم ولزمته الفدية ولا خلاف في شئ مِنْ ذَلِكَ إلَّا الْحُقْنَةَ وَالسَّعُوطَ فَفِيهِمَا وَجْهٌ أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ فِيهِمَا
* حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ ضعيف (والمهشور) وُجُوبُ الْفِدْيَةِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَلَوْ لَبِسَ ثَوْبًا مُبَخَّرًا بِالطِّيبِ أَوْ ثَوْبًا مَصْبُوغًا بِالطِّيبِ أَوْ عَلِقَ بِنَعْلِهِ طِيبٌ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَوْ عَبِقَتْ رَائِحَةُ الطِّيبِ دُونَ عَيْنِهِ بِأَنْ جَلَسَ فِي دُكَّانِ عَطَّارٍ أَوْ عِنْدَ الْكَعْبَةِ وَهِيَ تُبَخَّرُ أَوْ فِي بَيْتٍ يُبَخِّرُ سَاكِنُوهُ فَلَا فِدْيَةَ بِلَا خِلَافٍ ثم ان لم يقصد الموضع لاشمام الرَّائِحَةِ لَمْ يُكْرَهْ وَإِنْ قَصَدَ لِاشْتِمَامِهَا فَفِي كَرَاهَتِهِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ (أَصَحُّهُمَا) يُكْرَهُ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَآخَرُونَ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْإِمْلَاءِ (وَالثَّانِي) لَا يُكْرَهُ وَقَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ بِالْكَرَاهَةِ وَقَالَ إنَّمَا الْقَوْلَانِ فِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ (وَالْمَذْهَبُ) الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَقَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الْقُرْبُ مِنْ الْكَعْبَةِ لِشَمِّ الطِّيبِ
* قَالَ وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ فِي غَيْرِهَا وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ الْمَذْهَبُ طَرْدُ الْخِلَافِ فِي الْجَمِيعِ وَلَوْ احْتَوَى عَلَى مِجْمَرَةٍ فَتَبَخَّرَ بِالْعُودِ بَدَنُهُ أَوْ ثِيَابُهُ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ

(7/271)


بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ يُعَدُّ اسْتِعْمَالًا وَلَوْ مَسَّ طيبا يابسا كالمسك والكافور والدريرة فَإِنْ عَلِقَ بِيَدِهِ لَوْنُهُ وَرِيحُهُ وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ هَكَذَا يَكُونُ وَإِنْ لم يعلق بيده شئ مِنْ عَيْنِهِ لَكِنْ
عَبِقَتْ بِهِ الرَّائِحَةُ فَفِي وجوب الفدية قولان (الاصح) عند الاكثرين وهو نَصُّهُ فِي الْأَوْسَطِ لَا تَجِبُ لِأَنَّهَا عَنْ مجاوزة فَأَشْبَهَ مَنْ قَعَدَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ وَهِيَ تُبَخَّرُ
(وَالثَّانِي)
تَجِبُ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَهُوَ نصه فِي الْأُمِّ وَالْإِمْلَاءِ وَالْقَدِيمِ لِأَنَّهَا عَنْ مُبَاشَرَةٍ وَإِنْ كَانَ الطِّيبُ رَطْبًا فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ رَطْبٌ وَقَصَدَ مَسَّهُ فَعَلِقَ بِيَدِهِ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ يَابِسٌ فَمَسَّهُ فَعَلِقَ بِيَدِهِ فَقَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
تَجِبُ الْفِدْيَةُ لِأَنَّهُ مَسَّهُ قَاصِدًا فَصَارَ كَمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ رَطْبٌ
(وَالثَّانِي)
لَا لِأَنَّهُ عَلِقَ بِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَصَارَ كَمَنْ رش عليه ما وَرْدٍ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ وَذَكَرَ الدَّارِمِيُّ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ الثَّانِي نَصُّهُ فِي الْجَدِيدِ وَالْأَوَّلُ هُوَ القديم وذلك ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ قَالَ الرَّافِعِيُّ رَجَّحَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ الْوُجُوبَ وَرَجَّحَتْ طَائِفَةٌ عَدَمَ الْوُجُوبِ (قُلْتُ) هَذَا أَصَحُّ لِأَنَّهُ نَصُّهُ فِي الْجَدِيدِ وَلِأَنَّهُ غَيْرُ قَاصِدٍ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ فِي اسْتِعْمَالِ الطِّيبِ نَاسِيًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَلَوْ شَدَّ مِسْكًا أَوْ كَافُورًا أَوْ عَنْبَرًا فِي طَرَفِ ثَوْبِهِ أَوْ جُبَّتِهِ أو لبسته المرأة حشوا بشئ مِنْهَا وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ قَطْعًا لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالُهُ وَلَوْ شَدَّ الْعُودَ فَلَا فِدْيَةَ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ تَطَيُّبًا بِخِلَافِ شَدِّ الْمِسْكِ وَلَوْ شَمَّ الْوَرْدَ فَقَدْ تَطَيَّبَ وَلَوْ شَمَّ مَاءَ الْوَرْدِ فَلَا بَلْ اسْتِعْمَالُهُ أَنْ يَصُبَّهُ عَلَى بَدَنِهِ أَوْ ثوبه ولو حمل مسكا أو طيبا غيره فِي كِيسٍ أَوْ خِرْقَةٍ مَشْدُودًا أَوْ قَارُورَةٍ مُصَمَّمَةِ الرَّأْسِ أَوْ حَمَلَ الْوَرْدَ فِي وِعَاءٍ فَلَا فِدْيَةَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَقَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ أَنَّهُ إنْ كَانَ يَشُمُّ قَصْدًا لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ وَلَوْ حَمَلَ مِسْكًا فِي قَارُورَةٍ غَيْرِ مَشْقُوقَةٍ فَلَا فِدْيَةَ أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَنَقَلَهُ عَنْ الْأَصْحَابِ وَلَوْ كَانَتْ الْقَارُورَةُ مَشْقُوقَةً أَوْ مَفْتُوحَةَ الرَّأْسِ قَالَ الْأَصْحَابُ وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ طيبا ولو جاش عَلَى فِرَاشٍ مُطَيَّبٍ أَوْ أَرْضٍ مُطَيَّبَةٍ أَوْ نَامَ عَلَيْهَا مُفْضِيًا إلَيْهَا بِبَدَنِهِ أَوْ مَلْبُوسِهِ لزمته الفدية ولو فرض فوقه ثوبا

(7/272)


ثُمَّ جَلَسَ عَلَيْهِ أَوْ نَامَ لَمْ تَجِبْ الْفِدْيَةُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ لَكِنْ إنْ كَانَ الثَّوْبُ رَقِيقًا كُرِهَ وَإِلَّا فَلَا
* وَلَوْ دَاسَ بِنَعْلِهِ طِيبًا لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ خَفِيَتْ رَائِحَةُ الطِّيبِ أَوْ الثَّوْبِ الْمُطَيَّبِ لِمُرُورِ الزَّمَانِ أَوْ لِغُبَارٍ وَغَيْرِهِ فَإِنْ كَانَتْ بِحَيْثُ لَوْ أَصَابَهُ الْمَاءُ فَاحَتْ رَائِحَتُهُ حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ وَإِنْ بَقِيَ اللَّوْنُ لَمْ يَحْرُمْ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ
* وَلَوْ انْغَمَرَ
بشئ مِنْ الطِّيبِ فِي غَيْرِهِ كَمَاءِ وَرْدٍ انْمَحَقَ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ لَمْ تَجِبْ الْفِدْيَةُ بِاسْتِعْمَالِهِ على أصح الوجهين فلوا انْغَمَرَتْ الرَّائِحَةُ وَبَقِيَ اللَّوْنُ أَوْ الطَّعْمُ فَفِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الطَّعَامِ الْمُطَيَّبِ (أَمَّا) إذَا أَكَلَ طَعَامًا فِيهِ زَعْفَرَانٌ أَوْ طِيبٌ آخَرُ أَوْ اسْتَعْمَلَ مَخْلُوطًا بِالطِّيبِ لَا لِجِهَةِ الْأَكْلِ فَيُنْظَرُ إنْ اُسْتُهْلِكَ الطِّيبُ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ رِيحٌ وَلَا طَعْمٌ وَلَا لَوْنٌ فَلَا فِدْيَةَ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ ظَهَرَتْ هَذِهِ الْأَوْصَافُ وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ بَقِيَتْ الرَّائِحَةُ فَقَطْ وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ لِأَنَّهُ يُعَدُّ طِيبًا وَإِنْ بَقِيَ اللَّوْنُ وَحْدَهُ فَطَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ (أَصَحُّهُمَا) عَلَى قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) لَا فِدْيَةَ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَالْإِمْلَاءِ وَالْقَدِيمِ
(وَالثَّانِي)
يَجِبُ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأَوْسَطِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) لَا فِدْيَةَ قَطْعًا
* وَإِنْ بَقِيَ الطَّعْمُ فَقَطْ فَثَلَاثُ طُرُقٍ ذَكَرَهَا صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمَا (أصحها) وُجُوبُ الْفِدْيَةِ قَطْعًا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ كَالرَّائِحَةِ
(وَالثَّانِي)
فِيهِ طَرِيقَانِ (وَالثَّالِثُ) لَا فِدْيَةَ وَهَذَا ضَعِيفٌ أَوْ غَلَطٌ
* وَحَكَى البنديجى طَرِيقًا رَابِعًا لَا فِدْيَةَ قَطْعًا وَلَوْ أَكَلَ الحليحتين الْمُرَبَّى فِي الْوَرْدِ نُظِرَ فِي اسْتِهْلَاكِ الْوَرْدِ فيه وعدمه قال الرافعي ويجئ فيه هذا التفصيل وأطلق الدَّارِمِيُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِيهِ وَرْدٌ ظَاهِرٌ وجبت الفدية قال المارودى وَالرُّويَانِيُّ لَوْ أَكَلَ الْعُودَ لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ لانه لا يعد تطيبا إلَّا بِالتَّبَخُّرِ بِهِ بِخِلَافِ الْمِسْكِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ كَانَ الْمُحْرِمُ أَخَشْمَ لَا يَجِدُ رَائِحَةً فَاسْتَعْمَلَ الطِّيبَ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ وُجِدَ اسْتِعْمَالُ الطِّيبِ مَعَ الْعِلْمِ بِتَحْرِيمِهِ فَوَجَبَتْ الْفِدْيَةُ وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ كَمَا لَوْ نَتَفَ شَعْرَ لِحْيَتِهِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ شُعُورِهِ الَّتِي لَا يَنْفَعُهُ نَتْفُهَا وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِالْمَسْأَلَةِ الْمُتَوَلِّي وَصَاحِبَا الْعِدَّةِ وَالْبَيَانِ
*

(7/273)


(فَرْعٌ)
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَإِنْ لَبِسَ إزَارًا مطيبا لزمه فدية واحدة للطيب ولا شئ عَلَيْهِ فِي اللُّبْسِ لِأَنَّ لُبْسَ الْإِزَارِ مُبَاحٌ قَالَ وَإِنْ جَعَلَ عَلَى رَأْسِهِ الْغَالِيَةَ لَزِمَهُ فِدْيَتَانِ إحْدَاهُمَا لِلطِّيبِ وَالثَّانِيَةُ لِتَغْطِيَتِهِ رَأْسَهُ وَهُمَا جِنْسَانِ فَلَا يَتَدَاخَلَانِ
* هَذَا نَقْلُ الْقَاضِي وَكَذَا نَقَلَهُ غَيْرُهُ قَالَ الدَّارِمِيُّ لَوْ لَبِسَ إزَارًا غَيْرَ مُطَيَّبٍ وَلَبِسَ فَوْقَهُ إزَارًا آخَرَ مُطَيَّبًا قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِيهِ
وَجْهَانِ يَعْنِي هَلْ تَجِبُ فِيهِ فِدْيَةٌ أَمْ فِدْيَتَانِ الْأَصَحُّ فِدْيَةٌ لِأَنَّ جِنْسَ الْإِزَارِ مُبَاحٌ وَلَوْ طَبَّقَ أُزُرًا كثيرة بعضها فوق بعض جاز * قال المصنف رحمه الله
* (والطيب ما يتطيب به ويتخذ منه الطيب كالمسك والكافور والعنبر والصندل والورد والياسمين والورس والزعفران وفى الريحان الفارسى والمرزنجوش واللينوفر والنرجس قولان
(أحدهما)
يجوز شمها لما روى عثمان رضي الله عنه (أنه سئل عن المحرم يدخل البستان فقال نعم ويشم الريحان) وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَهَا رَائِحَةٌ إذَا كَانَتْ رَطْبَةً فَإِذَا جَفَّتْ لَمْ يَكُنْ لَهَا رَائِحَةٌ
(والثانى)
لا يجوز لانه يراد للرائحة فهو كالورد والزعفران (وأما) البنفسج فقد قال الشافعي ليس هو بطيب فمن أصحابنا من قال هو طيب قولا واحدا لانه تشم رائحته ويتخذ منه الدهن فهو كالورد وتأول قول الشافعي على المربب بالسكر ومنهم من قال هو بطيب قولا واحدا لانه يراد وفيه قولا واحدا لانه يراد للتداوي ولا يتخذ من يابسه طيب ومنهم من قال هو كالنرجس والريحان وفيه قولان لانه يشم رطبه ولا يتخذ من يابسه طيب (وأما) الاترج فليس بطيب لقوله صلى الله عليه وسلم (وليلبسن ما أحببن من المعصفر لانه يراد للون فهو كاللون والحناء ليس بطيب لما روى (إنَّ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كن يختضبن بالحناء وهن محرمات) ولانه يراد للون فهو كالعصفر
* ولا يجوز أن يستعمل الادهان المطيبة كدهن الورد والزنبق ودهن البان المنشوش وتجب بها الفدية لانه يراد للرائحة (وأما) غير المطيب كالزيت والشيرج والبان غير المنشوش فانه يجوز استعمالها في غير الرأس واللحية لانه ليس فيه طيب ولا تزيين ولا يحرم استعمالها في شعر الرأس واللحية لانه يرجل الشعر ويزينه وتجب به الفدية فان استعمله

(7/274)


في رأسه وهو أصلع جاز لانه ليس فيه تزيين وإن استعمله في رأسه وهو محلوق لم يجز لانه يحسن الشعر إذا نبت
* ويجوز أن يجلس عند العطار وفى موضع يبخر لان في المنع من ذلك مشقة ولان ذلك ليس بتطيب مقصود والمستحب أن يتوقى ذلك الا أن يكون في موضع قربة كالجلوس عند الكعبة وهى تجمر فلا يكره ذلك لان الجلوس عندها قربة فلا يستحب تركها لامر مباح
* وله أن يحمل الطيب في خرقة أو قارورة والمسك في نافجة ولا فدية عليه لان دونه حائلا
* وإن مس طيبا فعبقت
به رائحته ففيه قولان
(أحدهما)
لا فدية عليه لانه رائحة عن مجاورة فلم يكن لها حكم كالماء إذا تغيرت رائحته بجيفة بقربه
(والثانى)
يجب لان المقصود من الطيب هو الرائحة وقد حصل ذلك
* وان كان عليه طيب فاراد غسله فالمستحب أن يولى غيره غسله حتي لا يباشره بيده فان غسله بنفسه جاز لان غسله ترك له فلا يتعلق به تحريم كما لو دخل دار غيره بغير اذنه فاراد ان يخرج
* وإن حصل عليه طيب ولا يقدر علي ازالته بغير الماء وهو محدث ومعه من الماء ما لا يكفى الطيب والوضوء غسل به الطيب لان الوضوء له بدل وغسل الطيب لا بدل له وان كان عليه نجاسة استعمل الماء في ازالة النجاسة لان النجاسة تمنع صحة الصلاة والطيب لا يمنع صحة الحج
*

(7/275)


(الشرح) أما حديث (وليلبس مَا أَحْبَبْنَ) فَسَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا فِي فَصْلِ تَحْرِيمِ اللِّبَاسِ (وَأَمَّا) الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ عُثْمَانَ فغريب وصح عن ابن عباس معناه فدكره الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَعْنَاهُ تَعْلِيقًا بِغَيْرِ إسْنَادٍ أَنَّهُ قَالَ (يَشُمُّ الْمُحْرِمُ الرَّيْحَانَ وَيَتَدَاوَى بِأَكْلِ الزَّيْتِ وَالسَّمْنِ) وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ الْمُتَّصِلِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا لِلْمُحْرِمِ بِشَمِّ الرَّيْحَانِ
* وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَكْسَهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ فَرَوَى بِإِسْنَادَيْنِ صَحِيحَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ شَمَّ الرَّيْحَانِ لِلْمُحْرِمِ
(والثانى)
عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا يَسْأَلُ عَنْ الرَّيْحَانِ أَيَشُمُّهُ الْمُحْرِمُ وَالطِّيبِ وَالدُّهْنِ فَقَالَ لَا (وَأَمَّا) قَوْلُهُ إنَّ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كُنَّ يَخْتَضِبْنَ بِالْحِنَّاءِ وَهُنَّ مُحْرِمَاتٌ) فَغَرِيبٌ وَقَدْ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْأَشْرَافِ بِغَيْرِ إسْنَادٍ وَإِنَّمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَدِيثَ عَائِشَةَ أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ الْحِنَّاءِ وَالْخِضَابِ فَقَالَتْ (كَانَ خَلِيلِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُحِبُّ رِيحَهُ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِيهِ كَالدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الْحِنَّاءَ لَيْسَ بِطِيبٍ فَقَدْ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ الطِّيبَ وَلَا يُحِبُّ رِيحَ الْحِنَّاءِ) (أَمَّا) أَلْفَاظُ الْفَصْلِ فَالْيَاسَمِينُ وَالْيَاسَمُونُ إنْ شِئْتَ أَعْرَبْتَهُ بِالْيَاءِ وَالْوَاوِ وَإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَ الْإِعْرَابَ فِي النون لغتان (وَأَمَّا) الْوَرْسُ فَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ زَكَاةِ الثمار (وأما) الريحان الفارسى فهو الضمران (وَأَمَّا) الْمَرْزَنْجُوشُ فَمِيمٌ مَفْتُوحَةٌ ثُمَّ رَاءٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ زَايٌ مَفْتُوحَةٌ ثُمَّ نُونٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ جِيمٌ مَضْمُومَةٌ ثُمَّ وَاوٌ ثُمَّ شِينٌ مُعْجَمَةٌ وَهُوَ مَعْرُوفٌ وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الطِّيبِ يُشْبِهُ الغسلة بكسر العين
والعوام يصحنونه (وَأَمَّا) اللِّينُوفَرُ فَهَكَذَا هُوَ فِي الْمُهَذَّبِ بِلَامَيْنِ وَذَكَرَ أَبُو حَفْصِ بْنُ مَكِّيٍّ الصَّقَلِّيُّ الْإِمَامُ فِي كِتَابِهِ (تَثْقِيفُ اللِّسَانِ) أَنَّهُ إنَّمَا يُقَالُ نيلوفر بفتح النون واللام ونينوفر بنلونين مفتوحتين وَلَا يُقَالُ نَيْنَوْفَر بِكَسْرِ النُّونِ وَجَعَلَهُ مِنْ لَحْنِ الْعَوَامّ قَوْلُهُ وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَهَا رَائِحَةٌ إذَا كَانَتْ رَطْبَةً فَإِذَا جَفَّتْ لَمْ يكن لها رائحة يعني فلا يكون طبيا لِأَنَّ الطِّيبَ هُوَ مَا قُصِدَ بِهِ الطِّيبُ رَطْبًا وَيَابِسًا وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ فَإِنَّ رَائِحَتَهَا تَخْتَصُّ بِحَالِ الرُّطُوبَةِ (قَوْلُهُ) وَيَشُمُّ الرَّيْحَانَ هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالشِّينِ (قَوْلُهُ) الْأُتْرُجُّ هُوَ بضم الهمزة والراء وإسكان التَّاءِ بَيْنَهُمَا وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ وَيُقَالُ تُرُنْجٌ حَكَاهُ الْجَوْهَرِيُّ وَآخَرُونَ وَالْأَوَّلُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ (وَأَمَّا) الْحِنَّاءُ فَمَمْدُودٌ وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ وَالْوَاحِدَةُ حِنَّاءَةٌ كَقِثَّاءٍ وَقِثَّاءَةٍ (قَوْلُهُ) كَدُهْنِ الْوَرْدِ وَالزَّنْبَقِ هُوَ بِفَتْحِ الزَّايِ ثُمَّ نُونٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ

(7/276)


مَفْتُوحَةٌ ثُمَّ قَافٌ وَهُوَ دُهْنُ الْيَاسَمِينِ الْأَبْيَضِ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ هُوَ دُهْنُ الْيَاسَمِينِ فَلَمْ يَخُصَّهُ بِالْأَبْيَضِ وَهُوَ لَفْظٌ عَرَبِيٌّ (قَوْلُهُ) دُهْنُ الْبَانِ الْمَنْشُوشِ هُوَ بِالنُّونِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ الْمُكَرَّرَةِ وَمَعْنَاهُ الْمَغْلِيُّ بِالنَّارِ وَهُوَ يُغْلَى بِالْمِسْكِ (قَوْلُهُ) الْكَعْبَةُ وَهِيَ تُجَمَّرُ بِالْجِيمِ الْمَفْتُوحَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ أَيْ تَبَخَّرُ (قَوْلُهُ) الْمِسْكُ فِي نَافِجَةٍ هِيَ بِالنُّونِ وَالْفَاءِ وَالْجِيمِ وَهِيَ وِعَاؤُهُ الْأَصْلِيُّ الَّذِي تُلْقِيهِ الظَّبْيَةُ (قَوْلُهُ) عَبِقَتْ رَائِحَتُهُ هُوَ بِكَسْرِ الْبَاءِ أَيْ فَاحَتْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الطِّيبِ الَّذِي يُحْكَمُ بِتَحْرِيمِهِ أَنْ يَكُونَ مُعْظَمُ الْغَرَضِ مِنْهُ الطِّيبَ وَاتِّخَاذَ الطِّيبِ مِنْهُ أَوْ يَظْهَرَ فِيهِ هَذَا الْغَرَضُ هَذَا ضَابِطُهُ ثُمَّ فَصَّلُوهُ فَقَالُوا: الْأَصْلُ فِي الطِّيبِ الْمِسْكُ وَالْعَنْبَرُ والكافور والعود والصندل والدريرة وَنَحْوُ ذَلِكَ وَهَذَا كُلُّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَالْكَافُورُ صَمْغُ شَجَرٍ مَعْرُوفٍ (وَأَمَّا) النَّبَاتُ الَّذِي لَهُ رَائِحَةٌ فَأَنْوَاعٌ (مِنْهَا) مَا يُطْلَبُ لِلتَّطْيِيبِ وَاتِّخَاذِ الطِّيبِ مِنْهُ كَالْوَرْدِ وَالْيَاسَمِينِ وَالْخَيْرِيِّ وَالزَّعْفَرَانِ وَالْوَرْسِ وَنَحْوِهَا فَكُلُّ هَذَا طِيبٌ
* وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وجه شاذ فِي الْوَرْدِ وَالْيَاسَمِينِ وَالْخَيْرِيِّ أَنَّهَا لَيْسَتْ طِيبًا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا نَصَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ السَّابِقِ عَلَى الزَّعْفَرَانِ وَالْوَرْسِ وَنَبَّهْنَا بِهِمَا عَلَى مَا فِي مَعْنَاهُمَا وَمَا فَوْقَهُمَا كَالْمِسْكِ (وَمِنْهَا) مَا يطلب للاكل أو للتداوي غالبا كالقرنفل والدارسينى وَالْفُلْفُلِ وَالْمَصْطَكَى وَالسُّنْبُلِ وَسَائِرِ الْفَوَاكِهِ كُلُّ هَذَا وَشِبْهُهُ
لَيْسَ بِطِيبٍ فَيَجُوزُ أَكْلُهُ وَشَمُّهُ وَصَبْغُ الثَّوْبِ بِهِ وَلَا فِدْيَةَ فِيهِ سَوَاءٌ قَلِيلُهُ وكثيره ولا خلاف في شئ مِنْ هَذَا إلَّا الْقُرُنْفُلِ فَإِنَّ صَاحِبَ الْبَيَانِ حَكَى فِيهِ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
وَهُوَ قَوْلُ الصَّيْدَلَانِيِّ أَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ
(وَالثَّانِي)
قَوْلُ الصَّيْمَرِيِّ أَنَّهُ طِيبٌ
* قَالَ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَمِنْهَا) مَا يَنْبُتُ بِنَفْسِهِ وَلَا يُرَادُ لِلطِّيبِ كَنَوْرِ أَشْجَارِ الفواكه كالتفاح والمشمش والكمثرى والسفرجل وكالشبح والعيصوم وشقائق النعمان والادخر والخزامى

(7/277)


وَسَائِرِ أَزْهَارِ الْبَرَارِيِّ فَكُلُّ هَذَا لَيْسَ بِطِيبٍ فَيَجُوزُ أَكْلُهُ وَشَمُّهُ وَصَبْغُ الثَّوْبِ بِهِ وَلَا فِدْيَةَ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ (وَمِنْهَا) مَا يُتَطَيَّبُ بِهِ وَلَا يُتَّخَذُ مِنْهُ الطِّيبُ كَالنِّرْجِسِ وَالْمَرْزَنْجُوشِ وَالرَّيْحَانِ الْفَارِسِيِّ وَالْآسِ وَسَائِرِ الرَّيَاحِينِ فَفِيهَا طَرِيقَانِ حكاهما الْبَنْدَنِيجِيُّ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَهُ أَنَّهَا طِيبٌ قَوْلًا وَاحِدًا (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (الصَّحِيحُ) الْجَدِيدُ أَنَّهَا طِيبٌ مُوجِبَةٌ لِلْفِدْيَةِ (وَالْقَدِيمُ) لَيْسَتْ بِطِيبٍ وَلَا فِدْيَةَ
* وَمِمَّنْ ذَكَرَ كُلَّ الرَّيَاحِينِ فِي هَذَا النَّوْعِ وَحَكَى فِيهَا الْقَوْلَيْنِ المحاملى والبندنيجى وصاحب البيان (وأما) اللنيلوفر فَفِيهِ طَرِيقَانِ (الْمَشْهُورُ) أَنَّهُ كَالنِّرْجِسِ فَيَكُونُ فِيهِ الْقَوْلَانِ (الْجَدِيدُ) تَحْرِيمُهُ (وَالْقَدِيمُ) إبَاحَتُهُ
* وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ طِيبٌ قَوْلًا وَاحِدًا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَقَطَعَ المصنف في التلبيه بأنه ليس بطيب وهو شاذ ضعيف (وأما) البنفسح ففيه ثلاث طرق مشهورة ذكرها المصنف (أصحهما) أَنَّهُ طِيبٌ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ (وَالثَّالِثُ) فِيهِ قَوْلَانِ فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ طِيبٌ فَقَدْ ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ الَّذِي حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ تأويلين
(أحدهما)
انه مَحْمُولٌ عَلَى الْمُرَبَّى بِالسُّكَّرِ الَّذِي ذَهَبَتْ رَائِحَتُهُ وَهَذَا هُوَ التَّأْوِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْبَنَفْسَجِ الْبَرِّيِّ
* وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ عَادَةُ كُلِّ بَلَدٍ فِيمَا يُتَّخَذُ طِيبًا قَالَ وَهُوَ غَلَطٌ نَبَّهْنَا عَلَيْهِ وَالصَّوَابُ مَا سَبَقَ
* (فَرْعٌ)
الْحِنَّاءُ وَالْعُصْفُرُ لَيْسَا بِطِيبٍ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَلَا فدية فيهما كَيْفَ اسْتَعْمَلَهُمَا
* وَقَالَ صَاحِبُ الْإِبَانَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَوْ اخْتَضَبَتْ الْمَرْأَةُ بِالْحِنَّاءِ وَلَفَّتْ عَلَى يَدِهَا خرقة فعليها (1) قَالَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ
فِيهِ قَوْلَانِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَيْسَ بِطِيبٍ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ فِي لَفِّ الْخِرْقَةِ كَالْقَوْلَيْنِ فِي الْقُفَّازَيْنِ
* هَذَا كَلَامُهُ وَكَذَا قَالَ شَارِحُ الْإِبَانَةِ هُوَ وَصَاحِبُ الْعِدَّةِ الْحِنَّاءُ هَلْ هُوَ طِيبٌ أَمْ لَا (قِيلَ) فِيهِ قَوْلَانِ (وَقِيلَ) لَيْسَ بِطِيبٍ قَطْعًا وَهَذَا الْخِلَافُ الَّذِي حَكَيَاهُ غَلَطٌ وَالْمَشْهُورُ المعروف فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ فِي الْخِرَقِ الْمَلْفُوفَةِ وَقَدْ سَبَقَ بيانه واضحا والله أعلم
*
__________
(1) كذا بالاصل فليحرر

(7/278)


(فَرْعٌ)
فِي أَنْوَاعٍ مِنْ النَّبَاتِ غَرِيبَةٍ ذَكَرَهَا بَعْضُ الْأَصْحَابِ (مِنْهَا) الْكَاذِي بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ نَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ طِيبٌ قَوْلًا وَاحِدًا كَالْمِسْكِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ نَبَاتٌ يُشْبِهُ السَّوْسَنَ وَمِمَّنْ قَطَعَ بِأَنَّهُ طيب الماوردى وصاحب البيان (ومنها) للفاح ذكر المحاملي والقاضي أبو الطيب والبندنيجي والبغوى والمتولي وصاحب العدة انه على القولين كالنجرس
* قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَكَذَلِكَ الْقَوْلَانِ فِي النَّمَّامِ بِفَتْحِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَهُوَ نَبْتٌ مَعْرُوفٌ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ قَالَ وَيَجْرِيَانِ فِي السَّوْسَنِ وَالْبَرَمِ وَقَالَ الدَّارِمِيُّ النَّمَّامُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ كَالنِّرْجِسِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ قَطْعًا كَالْبُقُولِ
* قَالَ الدَّارِمِيُّ الْأُتْرُجُّ وَالنَّارِنْجُ لَيْسَا بِطِيبٍ قال وأما قشورهما فقال أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ لَيْسَتْ بِطِيبٍ وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِيهِ قَوْلَانِ كَالرَّيْحَانِ
* هَذَا كَلَامُهُ وَهُوَ غَرِيبٌ وَالصَّوَابُ الْقَطْعُ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ طِيبًا
* (فَرْعٌ)
حَبُّ الْمَحْلَبِ قَالَ الدَّارِمِيُّ لَيْسَ هُوَ بِطِيبٍ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا وَفِيمَا قَالَهُ احْتِمَالٌ
* (فَرْعٌ)
الْأَدْهَانُ ضَرْبَانِ
(أَحَدُهُمَا)
دُهْنٌ لَيْسَ بِطِيبٍ وَلَا فِيهِ طِيبٌ كَالزَّيْتِ وَالشَّيْرَجِ وَالسَّمْنِ وَالزُّبْدِ وَدُهْنِ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَنَحْوِهَا فَهَذَا لَا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ فِي جَمِيعِ الْبَدَنِ إلَّا فِي الرأس واللحية فيحرم استعماله فيها بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَلَوْ كَانَ أصلع لا تنبت رأسه شعر فدهن رأسه أو أمر دفدهن ذقته فَلَا فِدْيَةَ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ مَحْلُوقَ الرَّأْسِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي طَرِيقَةِ خُرَاسَانَ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاهِيرُ الْعِرَاقِيِّينَ وُجُوبُ الْفِدْيَةِ لما ذكره الصمنف (والثاني) لا فدية لانه لا يزول بِهِ شَعَثٌ وَهَذَا اخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ وَالْفُورَانِيِّ
* وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى جَوَازِ اسْتِعْمَالِ هَذَا الدُّهْنِ فِي جَمِيعِ بَدَنِهِ غَيْرَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ سَوَاءٌ شَعْرُهُ وَبَشَرُهُ وَعَلَى
جَوَازِ أَكْلِهِ
* وَلَوْ كَانَ عَلَى رَأْسِهِ شَجَّةٌ فَجَعَلَ هَذَا الدُّهْنَ فِي دَاخِلِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّ شَعْرًا فَلَا فِدْيَةَ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَآخَرُونَ
* قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ طَلَى شَعْرَ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ بِلَبَنٍ جَازَ وَلَا فِدْيَةَ وَإِنْ اُسْتُخْرِجَ مِنْهُ السَّمْنُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِدُهْنٍ وَلَا يَحْصُلُ بِهِ تَرْجِيلُ الشَّعْرِ
* قَالَ وَأَمَّا الشَّحْمُ وَالشَّمْعُ إذَا أُذِيبَا فَهُمَا كَالدُّهْنِ يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ تَرْجِيلُ شَعْرِهِ بِهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الضَّرْبُ الثَّانِي) دُهْنٌ هُوَ طِيبٌ (فَمِنْهُ) دُهْنُ الورد والمذهب وجوب الفدية وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ

(7/279)


(وَقِيلَ) فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَأَشَارَ إلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ (وَمِنْهُ) دُهْنُ الْبَنَفْسَجِ فَإِنْ لَمْ نوجب الْفِدْيَةُ فِي نَفْسِ الْبَنَفْسَجِ فَدُهْنُهُ أَوْلَى وَإِلَّا فَكَدُهْنِ الْوَرْدِ
* قَالَ الرَّافِعِيُّ ثُمَّ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ مَا طُرِحَ فِيهِ الْوَرْدُ وَالْبَنَفْسَجُ فَهُوَ دُهْنُهُمَا وَلَوْ طُرِحَا عَلَى السِّمْسِمِ فَأَخَذَ رَائِحَتَهُ ثُمَّ اُسْتُخْرِجَ مِنْهُ الدُّهْنُ قَالَ الْجُمْهُورُ لَا فِدْيَةَ فِيهِ وَخَالَفَهُمْ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فَأَوْجَبَهَا (وَمِنْهُ) الْبَانُ وَدُهْنُهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ أَطْلَقَ الْجُمْهُورُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طِيبٌ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُمَا لَيْسَا بِطِيبٍ وَتَابَعَهُ الْغَزَالِيُّ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ لَا يَكُونَ خِلَافًا مُحَقَّقًا بَلْ هُمَا محمولان على تفصيل حكاه صاحب المهذب وَالتَّهْذِيبِ وَهُوَ أَنَّ دُهْنَ الْبَانِ الْمَنْشُوشِ وَهُوَ المغلى في الطيب وَغَيْرُ الْمَنْشُوشِ لَيْسَ بِطِيبٍ هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَهُوَ كَمَا قَالَ
* وَقَدْ قَالَ بِالتَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ وَالتَّهْذِيبِ جَمَاعَاتٌ غَيْرُهُمَا مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ الْمَحَامِلِيُّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ (وَمِنْهُ) دُهْنُ الزَّنْبَقِ وَالْخَيْرِيِّ وَالْكَاذِي وَهَذَا كُلُّهُ طِيبٌ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) دُهْنُ الْأُتْرُجِّ فَفِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ طِيبٌ وَبِهِ قَطَعَ الدَّارِمِيُّ لِأَنَّ قِشْرَهُ يُرْبَى بِهِ الدُّهْنُ كَالْوَرْدِ
(وَالثَّانِي)
لَيْسَ بطيب لان لاترج لَيْسَ بِطِيبٍ وَإِنَّمَا هُوَ مَأْكُولٌ مُبَاحٌ لِلْمُحْرِمِ
* (فَرْعٌ)
اتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَجْلِسَ الْمُحْرِمُ عِنْدَ عَطَّارٍ وَهُوَ فِي مَوْضِعٍ يُبَخَّرُ وَالْأَوْلَى اجْتِنَابُهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا وَسَبَقَ فِيهِ أَيْضًا حُكْمُ حَمْلِ الطِّيبِ فِي قَارُورَةٍ وَخِرْقَةٍ وَحَمْلِ نَافِجَةِ الْمِسْكِ وَسَبَقَ فِيهِ أَيْضًا بَيَانُ الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ مَسَّ طِيبًا فَعَلِقَتْ بِهِ رَائِحَتُهُ وَأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
مَتَى لَصِقَ الطِّيبُ بِبَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُوجِبُ الْفِدْيَةَ بِأَنْ كَانَ نَاسِيًا أَوْ أَلْقَتْهُ رِيحٌ عَلَيْهِ لَزِمَهُ الْمُبَادَرَةُ بِإِزَالَتِهِ بِأَنْ يُنَحِّيَهُ أَوْ يَغْسِلَهُ أَوْ يُعَالِجَهُ بِمَا يَقْطَعُ ريحه
* قال الدارمي وغيره لوحته حتى ذهب أثره

(7/280)


كفاه
* قال المصنف والاصحاب الْأَوْلَى يَأْمُرُ غَيْرَهُ بِإِزَالَتِهِ وَلَا يُبَاشِرُهُ بِنَفْسِهِ فَإِنْ بَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ جَازَ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ أَخَّرَ إزَالَتَهُ مَعَ الْإِمْكَانِ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ فَإِنْ كَانَ زَمِنًا لَا يَقْدِرُ عَلَى إزَالَتِهِ فَلَا فِدْيَةَ كَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى التَّطَيُّبِ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ
* وَلَوْ لَصِقَ بِهِ طِيبٌ يُوجِبُ الْفِدْيَةَ لَزِمَهُ أَيْضًا الْمُبَادَرَةُ إلَى إزَالَتِهِ فَإِنْ أَخَّرَهُ عَصَى وَلَا تَتَكَرَّرُ بِهِ الْفِدْيَةُ
* قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ مَا يَكْفِيهِ لِوُضُوئِهِ أَوْ إزَالَةِ الطِّيبِ وَلَا يَكْفِيه لَهُمَا وَهُوَ مُحْدِثٌ وَلَمْ يُمْكِنْهُ إزَالَةُ الطِّيبِ بِغَيْرِ الْمَاءِ غَسَلَ الطِّيبَ لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ لَهُ وَيَتَيَمَّمُ
* هَكَذَا أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ وَكَثِيرُونَ الْمَسْأَلَةَ وَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ هَذَا إذَا لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِهِ وَيَجْمَعَهُ ثُمَّ يَغْسِلَ بِهِ الطِّيبَ فَإِنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ وَجَبَ فِعْلُهُ جَمْعًا بَيْنَ الْعِبَادَتَيْنِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ وَاضِحَةً فِي بَابِ التَّيَمُّمِ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ وَجَدَ بَعْضَ مَا يَكْفِيهِ
* وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ وَطِيبٌ وَلَمْ يُمْكِنْهُ إلَّا غَسْلُ أَحَدِهِمَا غَسَلَ النَّجَاسَةَ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ شِرَى الطِّيبِ كَمَا لَا يُكْرَهُ شِرَى الْمَخِيطِ وَالْجَارِيَةِ
* (فَرْعٌ)
يَحْرُمُ عَلَيْهِ أن يكتحل بِمَا فِيهِ طِيبٌ فَإِنْ احْتَاجَ إلَيْهِ جَازَ وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَلَهُ الِاكْتِحَالُ بِمَا لَا طِيبَ فِيهِ فَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَاخِرِ هَذَا الْبَابِ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِأَنَّهُ زِينَةٌ
* وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ (وَأَمَّا) الْكَرَاهَةُ فَنَقَلَ الْمُزَنِيّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَنَصَّ فِي الْإِمْلَاءِ عَلَى كَرَاهَتِهِ فَقِيلَ قَوْلَانِ (وَالْأَصَحُّ) أَنَّهُ عَلَى حَالَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فيه زينة كالتوتيا الْأَبْيَضِ لَمْ يُكْرَهْ وَإِنْ كَانَ فِيهِ زِينَةٌ كَالْإِثْمِدِ كُرِهَ إلَّا لِحَاجَةٍ كَرَمَدٍ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الطِّيبَ حَرَامٌ عَلَى الْمُحْرِمِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ
* وَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَتَبَخَّرَ أَوْ يَجْعَلَهُ فِي بَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ الثَّوْبُ مِمَّا يَنْفُضُ الطِّيبَ أن لَمْ يَكُنْ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَتَبَخَّرَ بِالْعُودِ وَالنِّدِّ وَلَا يَجُوزُ أَنَّ يَجْعَلَ شَيْئًا مِنْ الطِّيبِ فِي بَدَنِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يجعله على ظاهر ثَوْبِهِ فَإِنْ جَعَلَهُ فِي بَاطِنِهِ وَكَانَ الثَّوْبُ لا ينفض فلا شئ
عليه وإن كان ينفض لزمه الْفِدْيَةُ
* دَلِيلُنَا حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا يلبس ثبوا مَسَّهُ وَرْسٌ أَوْ زَعْفَرَانٌ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهُوَ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ مَا يَنْفُضُ وَغَيْرَهُ
*

(7/281)


(فَرْعٌ)
الْحِنَّاءُ لَيْسَ بِطِيبٍ عِنْدَنَا كَمَا سَبَقَ وَلَا فِدْيَةَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ طِيبٌ يُوجِبُ الْفِدْيَةَ
* (فَرْعٌ)
إذَا لَبِسَ ثَوْبًا مُعَصْفَرًا فَلَا فِدْيَةَ وَالْعُصْفُرُ لَيْسَ بِطِيبٍ
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَدَاوُد وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ وَعَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ وَعَطَاءٍ قَالَ وَكَرِهَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَمِمَّنْ تَبِعَهُ الثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ نَفَضَ عَلَى الْبَدَنِ وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ وَإِلَّا وَجَبَتْ صَدَقَةٌ
* دَلِيلُنَا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
* (فَرْعٌ)
إذَا حَصَلَ الطِّيبُ فِي مَطْبُوخٍ أَوْ مَشْرُوبٍ فَإِنْ لَمْ يَبْقَ لَهُ طَعْمٌ وَلَا لَوْنٌ وَلَا رَائِحَةٌ فَلَا فِدْيَةَ فِي أَكْلِهِ وَإِنْ بَقِيَتْ رَائِحَتُهُ وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ بِأَكْلِهِ عِنْدَنَا كَمَا سَبَقَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا فدية
* ودليلنا ان مقصود الطيب وهو التَّرَفُّهُ بَاقٍ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ الزَّيْتَ وَالشَّيْرَجَ وَالسَّمْنَ وَالزُّبْدَ وَنَحْوَهَا مِنْ الْأَدْهَانِ غَيْرِ الْمُطَيِّبَةِ لَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ اسْتِعْمَالُهَا فِي بَدَنِهِ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ فِي شَعْرِ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ
* وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ ذَلِكَ فِي بَدَنِهِ وَشَعْرِ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يَدْهُنَ بِهَا أَعْضَاءَهُ الظَّاهِرَةَ كَالْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَيَجُوزُ دَهْنُ الْبَاطِنَةِ وَهِيَ مَا يُوَارَى بِاللِّبَاسِ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ كَقَوْلِنَا فِي السَّمْنِ وَالزُّبْدِ وَخَالَفَنَا فِي الزَّيْتِ وَالشَّيْرَجِ فَقَالَ يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الرَّأْسِ وَالْبَدَنِ
* وَقَالَ أَحْمَدُ إنْ ادَّهَنَ بِزَيْتٍ أَوْ شَيْرَجٍ فَلَا فِدْيَةَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ سَوَاءٌ يَدَيْهِ وَرَأْسِهِ
* وَقَالَ دَاوُد يَجُوزُ دَهْنُ رَأْسِهِ ولحيته وبدنه بدهن غيره مطيب
* واحتج أصحابنا بحديث فرقد السنجي الزَّاهِدِ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ادَّهَنَ بِزَيْتٍ غَيْرِ مُقَتَّتٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَفَرْقَدٌ غَيْرُ قَوِيٍّ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ: قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ ضَعِيفٌ غَرِيبٌ لَا يعرف إلا

(7/282)


مِنْ حَدِيثِ فَرْقَدٍ وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ (وَقَوْلُهُ) غَيْرِ مُقَتَّتٍ أَيْ غَيْرِ مُطَيَّبٍ وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْحَدِيثُ تَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إلَى حَدِيثٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الَّذِي جَاءَ الشَّرْعُ بِهِ اسْتِعْمَالُ الطِّيبِ وَهَذَا لَيْسَ مِنْهُ فَلَا يَثْبُتُ تَحْرِيمُهُ
* هَذَا دَلِيلٌ عَلَى مَنْ حَرَّمَهُ فِي جَمِيعِ الْبَدَنِ (أَمَّا) مَنْ أَبَاحَهُ فِي الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ فَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ فِي تحريم الرياحين قولان (الْأَصَحُّ) تَحْرِيمُهُ وَوُجُوبُ الْفِدْيَةِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَجَابِرٌ وَالثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ إلَّا أَنَّ مَالِكًا وَأَبَا حَنِيفَةَ يَقُولَانِ يَحْرُمُ وَلَا فِدْيَةَ
* قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَاخْتُلِفَ فِي الْفِدْيَةِ عَنْ عَطَاءٍ وَأَحْمَدَ وَمِمَّنْ جَوَّزَهُ وَقَالَ هُوَ حَلَالٌ لَا فِدْيَةَ فِيهِ عُثْمَانُ وابن عباس والحسن البصري ومجاهد واسحق قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا جَوَازُ جُلُوسِ الْمُحْرِمِ عِنْدَ الْعَطَّارِ وَلَا فِدْيَةَ فِيهِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ وَأَوْجَبَ عَطَاءٌ فِيهِ الْفِدْيَةَ وَكَرِهَ ذَلِكَ مَالِكٌ
* (فَرْعٌ)
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَأْكُلَ الزَّيْتَ وَالشَّحْمَ وَالشَّيْرَجَ وَالسَّمْنَ قَالَ وَأَجْمَعَ عَوَامُّ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ لَهُ دَهْنُ بَدَنِهِ بالزيت والشحم والشيرج والسمن قيل وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ حَيْثُ اسْتِعْمَالُ الطيب في جميع بدنه والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ويحرم عليه أن يتزوج وأن يزوج غيره بالوكالة وبالولاية الخاصة فان تزوج أو زوج فالنكاح باطل لما روي عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا ينكح ولا يخطب ولانه عبادة تحرم الطيب فحرمت النكاح كالعدة وهل يجوز للامام أو الحاكم أن يزوج بولاية الحكم فيه وجهان
(أحدهما)
لا يجوز كما لا يجوز أن يزوج بالولاية الخاصة
(والثانى)
يجوز لان الولاية العامة آكد والدليل عليه أنه يملك بالولاية العامة ان يزوج المسلمة والكافرة ولا يملك بالولاية الخاصة
* ويجوز أن يشهد في النكاح وقال أبو سعيد الاصطخرى لا يجوز لانه ركن في العقد فلم يجز أن يكون محرما كالولي (والمذهب) انه يجوز لان العقد بالايجاب والقبول والشاهد لا صنع له في ذلك
* وتكره له الخطبة
لان النكاح لا يجوز فكرهت الخطبة له ويجوز له أن يراجع الزوجة في الاحرام لان الرجعة كاستدامة

(7/283)


النكاح بدليل انها تصح من غير ولي ولا شهود وتصح من العبد الرجعة بغير اذن الولى فلم يمنع الاحرامنه كالبقاء على العقد
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ عُثْمَانَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَاللَّفْظُ الْأَوَّلُ لَا يَنْكِحُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ أَيْ لَا يَتَزَوَّجُ (وَالثَّانِي) بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيْ لَا يُزَوِّجُ غَيْرَهُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا يَخْطِبُ) مَعْنَاهُ لَا يَخْطِبُ الْمَرْأَةَ وَهُوَ طَلَبُ زَوَاجِهَا
* هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي قَالَهُ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً (وَأَمَّا) قَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ الْفَارِقِيِّ فِي كِتَابِهِ (فوائد المهذب) الْمُرَادُ بِهِ الْخُطْبَةُ الَّتِي بَيْنَ يَدَيْ الْعَقْدِ وَهِيَ (الْحَمْدُ لِلَّهِ إلَخْ) فَغَلَطٌ صَرِيحٌ وَخَطَأٌ فَاحِشٌ وَلَا أَدْرِي مَا حَمَلَهُ عَلَى هَذَا الذى تعسفه وتجسر عليه لولا خوفى من اغترار بعض المتفقهين به لما استخرت حكايته والله أعلم
* (أما) حكم الْفَصْلِ فَيَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ أَنْ يَتَزَوَّجَ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يُزَوِّجَ مَوْلِيَّتَهُ بِالْوِلَايَةِ الْخَاصَّةِ وَهِيَ الْعُصُوبَةُ وَالْوَلَاءُ وَيَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ أَنْ يَتَزَوَّجَ فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ أَوْ الزَّوْجَةُ أَوْ الْوَلِيُّ أو وكيل الوزج أَوْ وَكِيلُ الْوَلِيِّ مُحْرِمًا فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِهَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ والنهى يقتضي الفساد وهل يجوز للامام والقاضى أن يزوج بالولاية العامة فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجُوزُ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَجْهًا ثَالِثًا أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ دُونَ الْقَاضِي وَحَكَاهُ أَيْضًا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالدَّارِمِيُّ وَآخَرُونَ
* وَهَلْ يَجُوزُ كَوْنُ الْمُحْرِمِ شَاهِدًا فِي الْعَقْدِ وَيَنْعَقِدُ بِحُضُورِهِ فِيهِ وجهان ذكرهما المصنف بدليهما (الصَّحِيحُ) بِاتِّفَاقِ الْمُصَنِّفِينَ يَجُوزُ وَيَنْعَقِدُ بِهِ وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَقَوْلُ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ (وَالثَّانِي) لَا يَجُوزُ وَلَا يَنْعَقِدُ قَالَهُ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ بِرِوَايَةٍ جَاءَتْ (لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكِحُ وَلَا يَشْهَدُ) وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْوَلِيِّ
* وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ عَنْ الرِّوَايَةِ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ ثَابِتَةً وَعَنْ الْقِيَاسِ بِالْفَرْقِ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ الْوَلِيَّ مُتَعَيَّنٌ كَالزَّوْجِ بِخِلَافِ الشَّاهِدِ (وَالثَّانِي) أَنَّ الْوَلِيَّ لَهُ فِعْلٌ فِي الْعَقْدِ بِخِلَافِ الشَّاهِدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيَجُوزُ لَهُ خِطْبَةُ الْمَرْأَةِ لَكِنْ يُكْرَهُ لِلْحَدِيثِ (فَإِنْ قِيلَ) كَيْفَ قُلْتُمْ يَحْرُمُ التَّزَوُّجُ وَالتَّزْوِيجُ وَتُكْرَهُ الْخِطْبَةُ وَقَدْ قَرَنَ بَيْنَ الْجَمِيعِ فِي الْحَدِيثِ (قلنا) لا يمتنع مثل ذلك كقوله تَعَالَى (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حقه
يوم حصاده) وَالْأَكْلُ مُبَاحٌ وَالْإِيتَاءُ وَاجِبٌ
* قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَيُكْرَهُ أَيْضًا لِلْحَلَالِ خِطْبَةُ مُحْرِمَةٍ لِيَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ إحْلَالِهَا وَلَا تَحْرُمُ بِخِلَافِ خِطْبَةِ الْمُعْتَدَّةِ وَفَرَّقَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُمَا

(7/284)


أَنَّ الْمُحْرِمَةَ مُتَمَكِّنَةٌ مِنْ تَعْجِيلِ تَحَلُّلِهَا فِي وَقْتِهِ وَالْمُعْتَدَّةُ لَا يُمْكِنُهَا تَعْجِيلٌ فَرُبَّمَا غَلَبَتْهَا الشَّهْوَةُ فَأَخْبَرَتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا قَبْلَ وَقْتِهَا وَاَللَّهُ أعلم
* قال الندنيجي وغيره ويكره للمحرم أن يخطب لغيره أيضا قَالَ هُوَ وَغَيْرُهُ وَيَجُوزُ أَنْ تُزَفَّ إلَيْهِ امْرَأَةٌ عَقَدَ عَلَيْهَا قَبْلَ الْإِحْرَامِ وَتُزَفُّ الْمُحْرِمَةُ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيَجُوزُ أَنْ يُرَاجِعَ الْمُحْرِمُ الْمُحْرِمَةَ وَالْمُحِلَّةَ سَوَاءٌ أَطَلَّقَهَا فِي الْإِحْرَامِ أَوْ قبله لما ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
* هَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي كُتُبِهِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْعِرَاقِيُّونَ
* وَذَكَرَ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ الشَّهَادَةِ عى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَفِي تَأْثِيرِ الْإِحْرَامِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
سَلْبُ الْوِلَايَةِ وَنَقْلِهَا إلَى الْأَبْعَدِ كَمَا لَوْ جُنَّ (وَأَصَحُّهُمَا) مُجَرَّدُ الِامْتِنَاعِ دُونَ زَوَالِ الْوِلَايَةِ لِبَقَاءِ الرُّشْدِ وَالنَّظَرِ فَعَلَى هَذَا يُزَوِّجُهَا السُّلْطَانُ وَالْقَاضِي كَمَا لَوْ غَابَ الْوَلِيُّ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَسْتَوِي فِي هَذَا كُلِّهِ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ وَالْإِحْرَامُ الصَّحِيحُ وَالْفَاسِدُ
* نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ غَيْرِهِمْ وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّ الْفَاسِدَ لَا يَمْنَعُ
* (فَرْعٌ)
مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ هَلْ يَصِحُّ نِكَاحُهُ قَبْلَ التَّحَلُّلِ بِعَمَلِ غَيْرِهِ فِيهِ وَجْهَانِ الحناطي (أصحهما) الْمَنْعُ لِأَنَّهُ مُحْرِمٌ
* (فَرْعٌ)
إذَا وَكَّلَ حَلَالٌ حَلَالًا فِي التَّزْوِيجِ ثُمَّ أَحْرَمَ أَحَدُهُمَا أَوْ الْمَرْأَةُ فَفِي انْعِزَالِ الْوَكِيلِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا ينعزل فيزوج بَعْدَ التَّحَلُّلِ بِالْوَكَالَةِ السَّابِقَةِ وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ
* وَفَرَّقَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْأَصْحَابُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّبِيِّ إذَا وَكَّلَ فِي تَزْوِيجِهِ ثُمَّ بَلَغَ فَزَوَّجَهُ الْوَكِيلُ لَا يَصِحُّ لان المحرم له عبارة وَإِذْنٌ صَحِيحٌ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ
* وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ الْحَلَالِ أن يزوج قبل تحلل الموكل
* هذا هو الصواب المعروف في المذهب ونقل الغزالي فِي الْوَجِيزِ فِيهِ وَجْهًا أَنَّهُ يَجُوزُ وَهُوَ غَلَطٌ
* قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا الْوَجْهُ لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ وَلَا لَهُ فِي الْوَسِيطِ (أَمَّا) إذَا وكله في حال إحْرَامِ
الْوَكِيلِ أَوْ الْمُوَكِّلِ أَوْ الْمَرْأَةِ نُظِرَ إنْ وَكَّلَهُ لِيَعْقِدَ فِي الْإِحْرَامِ لَمْ يَصِحَّ بلا خلاف لانه انما أَذِنَ لَهُ فِيمَا لَا يَصِحُّ مِنْهُ وَإِنْ قَالَ أَتَزَوَّجُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ أَوْ أُطَلِّقُ صَحَّ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ يَمْنَعُ انْعِقَادَ النِّكَاحِ دُونَ الْإِذْنِ
* قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمَنْ أَلْحَقَ الْإِحْرَامَ بِالْجُنُونِ لَمْ يُصَحِّحْهُ
* وَلَوْ قَالَ إذَا حَصَلَ التَّحَلُّلُ فَقَدْ وكلتك فهذا

(7/285)


تَعْلِيقُ الْوَكَالَةِ وَفِيهَا خِلَافٌ مَشْهُورٌ إنْ صَحَّحْنَاهُ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذْنُ الْمَرْأَةِ فِي حَالِ إحْرَامِهَا عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ فِي الْوَكِيلِ
* وَلَوْ وَكَّلَ حَلَالٌ مُحْرِمًا لِيُوَكِّلَ حلالا بالتزويج في صِحَّتِهِ وَجْهَانِ الْأَصَحُّ الصِّحَّةُ وَبِهِ قَطَعَ الْفُورَانِيُّ وَغَيْرُهُ لِأَنَّهُ سَفِيرٌ مَحْضٌ لَيْسَ إلَيْهِ مِنْ العقد شئ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَصِحُّ تَزْوِيجُ وَكِيلِ الْمُصَلِّي بِخِلَافِ وَكِيلِ الْمُحْرِمِ لِأَنَّ عِبَارَةَ الْمُحْرِمِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ وَعِبَارَةَ الْمُصَلِّي صَحِيحَةٌ وَلِهَذَا لَوْ زَوَّجَهَا فِي صَلَاتِهِ نَاسِيًا صَحَّ النِّكَاحُ وَالصَّلَاةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ لَوْ أَحْرَمَ رَجُلٌ ثُمَّ أَذِنَ لِعَبْدِهِ فِي التزويج قال أبو الحسن ابن الْمَرْزُبَانِ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ الْإِذْنُ بَاطِلٌ وَلَا يَصِحُّ نِكَاحُ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ نِكَاحُهُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَسَيِّدُهُ لَا يَصِحُّ تَزَوُّجُهُ وَلَا تَزْوِيجُهُ فِي حَالِ إحْرَامِهِ فَلَمْ يَصِحَّ إذْنُهُ (قِيلَ) لِابْنِ الْقَطَّانِ فَلَوْ أَذِنَتْ مُحْرِمَةٌ لعبدها في النكاح فقال لا يجوز وهي كَالرَّجُلِ قَالَ ابْنُ الْمَرْزُبَانِ وَعِنْدِي فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ نَظَرٌ
* هَذَا آخِرُ نَقْلِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ
* وَحَكَى الدَّارِمِيُّ كَلَامَ ابْنِ الْقَطَّانِ ثُمَّ قَالَ وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي الْجَوَازُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ
* (فَرْعٌ)
إذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ وَأَسْلَمْنَ وَأَحْرَمَ فَلَهُ أَنْ يَخْتَارَ فِي إحْرَامِهِ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ لِأَنَّهُ لَيْسَ نِكَاحًا
* هَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ فِيهِ قَوْلَانِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي بَابِ نِكَاحِ الْمُشْرِكِ وَأَوْضَحَ الْخِلَافَ فِيهَا
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ قَالَ مَنْصُورُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْفَقِيهُ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِهِ (الْمُسْتَعْمَلُ) إذا وكل لمحرم رَجُلًا لِيُزَوِّجَهُ إذَا حَلَّ مِنْ إحْرَامِهِ صَحَّ ذَلِكَ وَصَحَّ تَزَوُّجُهُ بَعْدَ إحْلَالِهِ وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلًا لِيُزَوِّجَهُ إذَا طَلَّقَ إحْدَى زَوْجَاتِهِ الْأَرْبَعِ أَوْ إذَا طَلَّقَ فُلَانٌ زَوْجَتَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا لَهُ لَمْ يَصِحَّ قَالَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَكِيلِ الْمُحْرِمِ أَنَّ وَكِيلَ الْمُحْرِمِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَقْدِ مَانِعٌ
سِوَى الْإِحْرَامِ وَمُدَّتُهُ مَعْلُومَةٌ وَغَايَتُهُ مَعْرُوفَةٌ وَفِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَقْدِ مُدَّةٌ لَيْسَ لَهَا غَايَةٌ مَعْرُوفَةٌ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ عِنْدِي فَيَصِحُّ التَّوْكِيلُ فِي الْجَمِيعِ أَوْ لَا يَصِحُّ فِي الْجَمِيعِ
* هَذَا مَا نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ (فَأَمَّا) مَسْأَلَةُ الْإِحْرَامِ فَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الصَّحِيحَ فِيهَا الصِّحَّةُ وَبِهَا

(7/286)


قطع الجمهور وأما المسألتان الاخيرتان ففيهما وَجْهَانِ سَنُوضِحُهُمَا فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (أَصَحُّهُمَا) بُطْلَانُ الْوَكَالَةِ وَالْإِذْنِ وَلَا يَصِحُّ التَّزْوِيجُ
* (فَرْعٌ)
إذَا تَزَوَّجَ بِنَفْسِهِ أَوْ تَزَوَّجَ لَهُ وَكِيلُهُ وَأَحْرَمَ ثُمَّ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ هَلْ كَانَ النِّكَاحُ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ أَمْ قَبْلَهُ فَإِنْ كَانَتْ بَيِّنَةٌ عُمِلَ بِهَا فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهُ وَقَعَ الْعَقْدُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ وَادَّعَتْ وُقُوعَهُ فِي الْإِحْرَام فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّجُلِ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ قَوِيٌّ فَوَجَبَ تَقْدِيمُهُ وَإِنْ ادَّعَتْ وُقُوعَهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ وَادَّعَى الرَّجُلُ وُقُوعَهُ فِي الْإِحْرَامِ فالقول قولها بيمينها في وجب الْمَهْرِ وَسَائِرِ مُؤَنِ النِّكَاحِ وَيُحْكَمُ بِانْفِسَاخِ النِّكَاحِ لِإِقْرَارِ الزَّوْجِ بِتَحْرِيمِهَا فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَجَبَ نِصْفُ الْمَهْرِ وَإِلَّا فَجَمِيعُهُ وَهَذَا كُلُّهُ مَشْهُورٌ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَصَاحِبُ الشامل وخلائق
* قال صاحب الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ وَآخَرُونَ فَلَوْ لَمْ يَدَّعِ الزَّوْجَانِ شَيْئًا وَشَكَّا هَلْ وَقَعَ الْعَقْدُ فِي الْإِحْرَامِ أَمْ قَبْلَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ النِّكَاحُ صَحِيحٌ فِي الظَّاهِرِ فَلَهُمَا الْبَقَاءُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ صِحَّتُهُ قَالَ وَالْوَرَعُ أَنْ يُفَارِقَهَا بِطَلْقَةٍ لِاحْتِمَالِ وُقُوعِهِ فِي الْإِحْرَامِ وَإِنَّمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ يُطَلِّقُهَا طَلْقَةً لِتَحِلَّ لِغَيْرِهِ بِيَقِينٍ وَحَكَى الدَّارِمِيُّ وهذا عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ ثُمَّ قَالَ وَخَرَّجَ أَصْحَابُنَا قَوْلًا أَنَّ النِّكَاحَ بَاطِلٌ على بناء مَسْأَلَةِ مَنْ قَدَّ مَلْفُوفًا وَفِيهَا قَوْلَانِ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ قَالَ الدَّارِمِيُّ وَلَوْ قَالَ الرَّجُلُ وَقَعَ الْعَقْدُ فِي الْإِحْرَامِ فَقَالَتْ لَا أَدْرِي حكم ببطلانه لا قراره وَلَا مَهْرَ لَهَا لِأَنَّهَا لَا تَدَّعِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي نِكَاحِ الْمُحْرِمِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَزَوُّجُ الْمُحْرِمِ وَلَا تَزْوِيجُهُ وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَهُوَ مَذْهَبُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ بَشَّارٍ وَالزُّهْرِيِّ

(7/287)


ومالك واحمد واسحق وداود وغيرهم
* وقال الحكم والثوري وَأَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ وَيُزَوِّجَ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى اسْتِدَامَةِ النِّكَاحِ عَلَى الْخُلْعِ وَالرَّجْعَةِ وَالشَّهَادَةِ عَلَى النِّكَاحِ وَشِرَاءِ الْجَارِيَةِ وَتَزْوِيجِ السُّلْطَانِ فِي إحْرَامِهِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكِحُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ (فَإِنْ) قِيلَ المراد بالنكاح الوطئ (فَالْجَوَابُ) مِنْ أَوْجُهٍ ذَكَرَهَا الْقَاضِي وَالْأَصْحَابُ (أَحَدُهَا) أَنَّ اللَّفْظَ إذَا اجْتَمَعَ فِيهِ عُرْفُ اللُّغَةِ وَعُرْفُ الشَّرْعِ قُدِّمَ عُرْفُ الشَّرْعِ لِأَنَّهُ طَارِئٌ وَعُرْفُ الشَّرْعِ أَنَّ النِّكَاحَ الْعَقْدُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (فانكحوهن باذن أهلهن ولا تعلوضوهن ان ينكحن) (وانكحوا ما طاب لكم من النساء) وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ (وَلَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا) وَفِي الصَّحِيحِ (انْكِحِي أُسَامَةَ) وَالْمُرَادُ بِالنِّكَاحِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَشَبَهِهَا الْعَقْدُ دُونَ الوطئ (وَأَمَّا) قَوْله تَعَالَى (فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بعد حتى تنكح زوجا غيره) وقَوْله تَعَالَى (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلا زَانِيَةً) فانما حملنا على الوطئ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ) (الْجَوَابُ الثَّانِي) أَنَّهُ يَصِحُّ حَمْلُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا يَنْكِحُ) علي الوطئ فَإِنْ قَالُوا الْمُرَادُ لَا يَطَأُ وَلَا يُمَكِّنُ غيره من الوطئ (قُلْنَا) أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ الْمُحْرِمَ يَجُوزُ لَهُ ان يمكن غيره من الوطئ وَهُوَ إذَا زَوَّجَ بِنْتَه حَلَالًا ثُمَّ أَحْرَمَ فانه يلزمه ان يمكن الزوج من الوطئ بِتَسْلِيمِهَا إلَيْهِ (الْجَوَابُ الثَّالِثُ) أَنَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ (لَا يَنْكِحُ وَلَا يُنْكِحُ وَلَا يَخْطُبُ) والخطبة تراد للعقد وكذلك النكاح قالوا يُحْمَلُ (وَلَا يَخْطُبُ) عَلَى أَنَّهُ لَا يَخْطُبُ الوطئ بالطلب والاستدعاء (وَالْجَوَابُ) أَنَّ الْخِطْبَةَ الْمَقْرُونَةَ بِالْعَقْدِ لَا يُفْهَمُ مِنْهَا إلَّا الْخِطْبَةَ الْمَشْهُورَةَ وَهِيَ طَلَبُ التَّزْوِيجِ (الْجَوَابُ الرَّابِعُ) أَنَّهُ ثَبَتَ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ وَهْبٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ أَرَادَ ان يزوج طلحة بن عمر ابنت شَيْبَةَ بْنِ جُبَيْرٍ فَأَرْسَلَ إلَى أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ لِيَحْضُرَ ذَلِكَ وَهُمَا مُحْرِمَانِ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَبَانُ وَقَالَ سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يَقُولَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكِحُ وَلَا يَخْطُبُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَهَذَا السَّبَبُ والاستدلال منهم

(7/288)


وَسُكُوتُهُمْ عَلَيْهِ يَدُلُّ عَلَى سُقُوطِ هَذَا التَّأْوِيلِ
* وعن أبى عطفان بن طريف المرنى (أَنَّ أَبَاهُ طَرِيفًا تَزَوَّجَ
امْرَأَةً وَهُوَ مُحْرِمٌ فَرَدَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ نِكَاحَهُ) رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعِيدِ ابن الْمُسَيِّبِ (أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَأَجْمَع أَهْلُ الْمَدِينَةِ عَلَى أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا) وَلِأَنَّهُ نكاح لا يعبه استباحه الوطئ وَلَا الْقُبْلَةِ فَلَمْ يَصِحَّ كَنِكَاحِ الْمُعْتَدَّةِ وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ يَمْنَعُ الْإِحْرَامُ مِنْ مَقْصُودِهِ فَمَنَعَ أَصْلَهُ كَشِرَاءِ الصَّيْدِ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عباس في نكاح ميمونة فمن أوجه (أحدها) أَنَّ الرِّوَايَاتِ اخْتَلَفَتْ فِي نِكَاحِ مَيْمُونَةَ فَرَوَى يَزِيدُ بْنُ الْأَصَمِّ عَنْ مَيْمُونَةَ وَهُوَ ابْنُ أُخْتِهَا (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ حَلَالٌ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ حَلَالًا وَبَنَى بِهَا حَلَالًا وَكُنْتُ الرَّسُولَ بَيْنَهُمَا) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا تَعَارَضَتْ الرِّوَايَاتُ تَعَيَّنَ الترجيح فرجحنا رواية الاكثرين انه تزوجها حَلَالًا (الْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ الرِّوَايَاتِ تَعَارَضَتْ فَتَعَيَّنَ الْجَمْعُ وَطَرِيقُ الْجَمْعِ تَأْوِيلُ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ قَوْلَهُ (مُحْرِمًا) أَيْ فِي الْحَرَمِ فَتَزَوَّجَهَا فِي الْحَرَمِ وَهُوَ حَلَالٌ أَوْ تَزَوَّجَهَا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَهَذَا شَائِعٌ فِي اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ وَيَتَعَيَّنُ التَّأْوِيلُ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ (الثَّالِثُ) التَّرْجِيحُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ رِوَايَةَ تَزَوَّجَهَا حَلَالًا مِنْ جِهَةِ مَيْمُونَةَ وَهِيَ صَاحِبَةُ الْقِصَّةِ وأبى رافع وكان السفير بينهما فَهُمَا أَعْرَفُ فَاعْتِمَادُ رِوَايَتِهِمَا أَوْلَى (الرَّابِعُ) أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم محرما لم يكن لهم فِيهِ دَلِيلٌ لِأَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَزَوَّجَ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الطَّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَالْمَسْأَلَةُ مَشْهُورَةٌ فِي الْخَصَائِصِ مِنْ أَوَّلِ كِتَابِ النِّكَاحِ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ أَقْيِسَتِهِمْ كُلِّهَا فَهُوَ أَنَّهَا كُلَّهَا لَيْسَتْ نِكَاحًا وَإِنَّمَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِالنَّهْيِ عَنْ النِّكَاحِ
* وَعَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الْإِمَامِ أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا أَلَّا يَصِحَّ تَزْوِيجُهُ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا (وَإِنْ قُلْنَا) بِالضَّعِيفِ إنَّهُ يَجُوزُ فَالْفَرْقُ بِقُوَّةِ وِلَايَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*

(7/289)


(فَرْعٌ)
إذَا تَزَوَّجَ الْمُحْرِمُ فَنِكَاحُهُ بَاطِلٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا تَفْرِقَةَ الْأَبَدَانِ بِغَيْرِ طَلَاقٍ
* وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ يَجِبُ تَطْلِيقُهَا لِتَحِلَّ لِغَيْرِهِ بِيَقِينٍ لِشُبْهَةِ الْخِلَافِ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ
* دَلِيلُنَا أَنَّ الْعَقْدَ الْفَاسِدَ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ فَلَا يُحْتَاجُ فِي إزَالَتِهِ إلَى فَسْخٍ كَالْبَيْعِ الْفَاسِد وَغَيْرِهِ وَفِي هَذَا جَوَابٌ
عَنْ دَلِيلِهِمْ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ مَذْهَبِنَا صِحَّةُ رَجْعَةِ الْمُحْرِمِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالْعُلَمَاءُ إلَّا أَحْمَدَ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ
* دَلِيلُنَا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِنِكَاحٍ وَإِنَّمَا نَهَى الشَّرْعُ عَنْ النِّكَاحِ والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ويحرم عليه الوطئ في الفرج لقوله تَعَالَى (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ ولا فسوق ولا جدال في الحج) قال ابن عباس الرفث الجماع وتجب به الكفارة لما روى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وابن عمر وعبد الله بن عمر وابن العاص رضي الله عنهم انهم أوجبوا فيه الكفارة ولانه إذا وجبت الكفارة في الحلق فلان تجب في الجماع أولى)
* (الشَّرْحُ) هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ سَبَقَ تَفْسِيرُهَا فِي مَسْأَلَةِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ الْجِمَاعِ فِي الْإِحْرَامِ سَوَاءٌ كَانَ الْإِحْرَامُ صَحِيحًا أَمْ فَاسِدًا وَتَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ وَالْقَضَاءُ إذَا كَانَ قَبْلَ التَّحَلُّلَيْنِ وَسَيَأْتِي فِي الْبَابِ الْآتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إيضَاحُ ذَلِكَ بِفُرُوعِهِ حَيْثُ ذَكَرَهُ

(7/290)


المصنف وسواء الوطئ فِي الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ وسواء وطئ الزَّوْجَةِ وَالزِّنَا (وَأَمَّا) إتْيَانُ الْبَهِيمَةِ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ كوطئ الْمَرْأَةِ وَلَا يَفْسُدُ بِهِ الْحَجُّ تَفْرِيعًا عَلَى وُجُوبِ التَّعْزِيرِ فِيهِ (وَأَمَّا) الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الْإِيلَاجُ وَالْإِيلَاجُ فِيهِ فَإِنْ أَوْلَجَ غَيْرُهُ فِي دُبُرِهِ فَهُوَ كَغَيْرِهِ يَفْسُدُ حَجُّهُ وَيَجِبُ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ وَالْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ.
وَإِنْ أَوْلَجَ غَيْرُهُ فِي قُبُلِهِ أَوْ أَوْلَجَ هُوَ فِي غَيْرِهِ لَمْ يَفْسُدْ وَلَا كَفَّارَةَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ عُضْوٌ زَائِدٌ.
فَإِنْ أَوْلَجَ فِي دُبُرِ رَجُلٍ وَأَوْلَجَ ذَلِكَ الرَّجُلُ فِي قُبُلِهِ فَسَدَ حَجُّهُمَا وَلَزِمَهُمَا الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ وَدَلِيلُهُ ظَاهِرٌ.
وَلَوْ لَفَّ الرَّجُلُ عَلَى ذَكَرِهِ خِرْقَةً وَأَوْلَجَهُ فَفِي فَسَادِ الْحَجِّ بِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ كَمَا فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهَا فِي بَابِ الْغُسْلِ (الاصح) فساد الحج ووجوب الغسل * قال المصنف رحمه الله
* (ويحرم عليه المباشرة فيما دون الفرج لانه إذا حرم عليه النكاح فلان تحرم المباشرة وهى ادعي الي الوطئ أولى وتجب به الكفارة لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قال (من قبل امرأة وهو محرم
فليهرق دما) ولانه فعل محرم في الاحرام فوجبت به الكفارة كالجماع)
* (الشَّرْحُ) اتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ الْمُبَاشَرَةُ بِشَهْوَةٍ كَالْمُفَاخَذَةِ وَالْقُبْلَةِ وَاللَّمْسِ بِالْيَدِ بِشَهْوَةٍ قَبْلَ التَّحَلُّلَيْنِ وَفِيمَا بَيْنَ التَّحَلُّلَيْنِ خِلَافٌ سَنَذْكُرُهُ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا يَحِلُّ بِالتَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* وَمَتَى ثَبَتَ التَّحْرِيمُ فَبَاشَرَ عَمْدًا بِشَهْوَةٍ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ وَهِيَ شَاةٌ أَوْ بَدَلُهَا مِنْ الْإِطْعَامِ أَوْ الصِّيَامِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْبَدَنَةُ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ أَنْزَلَ أَمْ لَا
* وَإِنَّمَا تَجِبُ الْبَدَنَةُ

(7/291)


فِي الْجِمَاعِ وَلَا يَفْسُدُ نُسُكُهُ بِالْمُبَاشَرَةِ بِشَهْوَةٍ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ أَنْزَلَ أَمْ لَا
* هَذَا كُلُّهُ إذَا بَاشَرَ عَالِمًا بِالْإِحْرَامِ فَإِنْ كَانَ نَاسِيًا فَلَا فِدْيَةَ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ اسْتِمْتَاعٌ مَحْضٌ فَلَا تَجِبُ فِيهِ الْفِدْيَةُ مَعَ النِّسْيَانِ كَالطِّيبِ وَاللِّبَاسِ بِخِلَافِ جِمَاعِ النَّاسِي عَلَى قَوْلٍ ضَعِيفٍ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الِاسْتِهْلَاكِ.
وَلَوْ بَاشَرَ دُونَ الْفَرْجِ ثُمَّ جَامَعَ هَلْ تَنْدَرِجُ الشَّاةُ أم يجبان معا فيه وجهان (وأما) للمس بغير شهوة فليس بِحَرَامٍ بِلَا خِلَافٍ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ كَوْنُهُ لَمْ يُنَبِّهْ عَلَيْهِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَكَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ هُوَ فِي التَّنْبِيهِ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْغَزَالِيِّ فِي الْوَسِيطِ وَالْوَجِيزِ تَحْرُمُ كُلُّ مُبَاشَرَةٍ تَنْقُضُ الْوُضُوءَ فَغَلَّطُوهُ فِيهِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ سَهْوٌ وَلَيْسَ وَجْهًا وَسَبَبُ التَّغْلِيطِ أَنَّهُ قَالَ مُبَاشَرَةٍ تَنْقُضُ الْوُضُوءَ فَتَدْخُلُ فِيهِ الْمُبَاشَرَةُ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ وَلَيْسَتْ مُحَرَّمَةً بِلَا خِلَافٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) الِاسْتِمْنَاءُ بِالْيَدِ فَحَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ حَرَامٌ فِي غَيْرِ الْإِحْرَامِ فَفِي الْإِحْرَامِ أَوْلَى.
فَإِنْ اسْتَمْنَى الْمُحْرِمُ فَأَنْزَلَ فَهَلْ تَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ فِيهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَشْهُورُ لُزُومُهَا وَبِهِ قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهَا وَقَطَعَ بِهِ أَيْضًا الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَآخَرُونَ لِأَنَّهُ مُبَاشَرَةٌ مُحَرَّمَةٌ فَأَشْبَهَ مُبَاشَرَةَ الْمَرْأَةِ
(وَالثَّانِي)
لَا فِدْيَةَ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ حِكَايَةِ الْعِرَاقِيِّينَ وَحَكَاهُ أَيْضًا الْفُورَانِيُّ وَالْقَاضِي حسين والمتولي والبغوى وَآخَرُونَ لِأَنَّهُ اسْتِمْتَاعٌ يَنْفَرِدُ بِهِ فَأَشْبَهَ الْإِنْزَالَ بِالنَّظَرِ فَإِنَّهُ لَا فِدْيَةَ فِيهِ.
قَالَ الْبَغَوِيّ وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِي تَقْبِيلِ الْغُلَامِ بِالشَّهْوَةِ (الْأَصَحُّ) وُجُوبُ الْفِدْيَةِ
(وَالثَّانِي)
لَا: قُلْتُ

(7/292)


والصواب في الغلام القطع بالوجوب لانها لِغَيْرِهِ وَهِيَ حَرَامٌ فَأَشْبَهَتْ مُبَاشَرَةَ الْمَرْأَةِ بِخِلَافِ الِاسْتِمْنَاءِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مُبَاشَرَةٌ لِغَيْرِهِ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله
*
(ويحرم عليه الصيد المأكول من الوحش والطير فلا يجوز له أخذه لقوله تَعَالَى (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حرما) فان أخذه لم يملكه بالاخذ لان مَا مُنِعَ مِنْ أَخْذِهِ لِحَقِّ الْغَيْرِ لَمْ يملكه بالاخذ من غير اذنه كما لو غصب مال غيره فان كان الصيد لآدمي وجب رده الي مالكه وان كان من المباح وَجَبَ إرْسَالُهُ فِي مَوْضِعٍ يَمْتَنِعُ عَلَى مَنْ يأخذه لِأَنَّ مَا حَرُمَ أَخْذُهُ لِحَقِّ الْغَيْرِ إذَا أخذه وجب رده إلى مالكه كالمغصوب وان هلك عنده وجب عليه الجزاء لانه مال حرام أخذه لحق الغير فصمنه بالبدل كمال الآدمى.
فان خلص صيدا من فم سبع فداواه فمات في يده لم يضمنه لانه قصد الاصلاح
* قال الشافعي رحمه الله ولو قيل يضمن لانه تلف في يده كان محتملا ويحرم عليه قتله فان قتله عمدا وجب عليه الجزاء لِقَوْلِهِ تَعَالَى (لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قتل من النعم) وان قتله خطأ وجب عليه الجزاء لان ما ضمن عمده بالمال ضمن خطأه كمال الآدمى ولانه كَفَّارَةٌ تَجِبُ بِالْقَتْلِ فَاسْتَوَى

(7/293)


فيه الخطأ والعمد ككفارة القتل.
وان كان الصيد مملوكا لآدمي وجب عليه الجزاء والقيمة وقال المزني لا يجب الجزاء في الصيد المملوك لانه يؤدي إلى إيجاب بدلين عن متلف واحد والدليل على أنه يجب أنه كفارة تجب بالقتل فوجبت بقتل المملوك ككفارة القتل ويحرم عليه جرحه لان ما منع من اتلافه لحق الغير منع من إتلاف أجزائه كالآدمي
* فان أتلف جزءا منه ضمنه بالجزاء لِأَنَّ مَا ضُمِنَ جَمِيعُهُ بِالْبَدَلِ ضُمِنَتْ أَجْزَاؤُهُ كالآدمي
* ويحرم عليه تنفير الصيد لقوله صلى الله عليه وسلم في مكة (لا ينفر صيدها) وَإِذَا حَرُمَ ذَلِكَ فِي صَيْدِ الْحَرَمِ وَجَبَ أن يحرم في الاحرام فان نفره فوقع في بئر فهلك أو نهشته حية أو أكله سبع وجب عليه الضمان لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ (دخل دار الندوة فعلق رداءه فوقع عليه طائر فخاف أن ينجسه فطيره فنهشته حية فقال طير طردته حتى نهشته الحية فسأل من كان معه أن يحكموا عليه فحكموا عليه بشاة) ولانه هلك بسبب من جهته فأشبه إذا حفر له بثمر أو نصب له أحبولة فهلك بها
* ويحرم عليه أن يعين علي قتله بدلالة أو إعارة آلة لان ما حرم قتله حرمت الاعانة علي قتله كالآدمي وإن أَعَانَ عَلَى قَتْلِهِ بِدَلَالَةٍ أَوْ إعَارَةِ آلَةٍ فقتل لم يجب عليه الجزاء لان لا ما يَلْزَمُهُ حِفْظُهُ لَا يَضْمَنُهُ بِالدَّلَالَةِ عَلَى إتْلَافِهِ كمال الغير)
*
(الشَّرْحُ) (أَمَّا) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فِي مَكَّةَ وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا) فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ (وَأَمَّا) الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ.
وَفِي إسْنَادِهِ رَجُلٌ مَسْتُورٌ وَالرَّجُلَانِ اللَّذَانِ حَكَمَا عَلَى عُمَرَ هُمَا عُثْمَانُ وَنَافِعُ بْنُ عَبْدِ الْحَارِثِ الصَّحَابِيُّ (قَوْلُهُ) مَا مُنِعَ مِنْ أَخْذِهِ لِحَقِّ الْغَيْرِ لَمْ يَمْلِكْهُ بِالْأَخْذِ من غير إذ قَالَ الْقَلَعِيُّ قَوْلُهُ لِحَقِّ الْغَيْرِ احْتِرَازٌ مِمَّنْ رَأَى صَيْدًا فِي لُجَّةٍ الْبَحْرِ أَوْ فِي مَهْلَكَةٍ أُخْرَى بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَالَجَ أَخْذَهُ لَهَلَكَ دُونَهُ فَإِنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ أَخْذِهِ فَلَوْ خَاطَرَ بِنَفْسِهِ وَأَخَذَهُ مَلَكَهُ قَالَ وَمَعَ هَذَا فَهَذِهِ الْعِلَّةُ مُنْتَقَضَةٌ بِمَنْ سَبَقَ إلَى مَعْدِنٍ ظَاهِرٍ أَوْ إلَى شئ مِنْ الْمُبَاحَاتِ فَإِنَّهُ أَحَقُّ بِهِ فَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ مُزَاحَمَتُهُ فِيهِ قَبْلَ قَضَاءِ وَطَرِهِ فَإِنْ زَاحَمَهُ فِيهِ غَيْرُهُ وَأَخَذَهُ مَلَكَهُ بِالْأَخْذِ مَعَ كَوْنِهِ مَمْنُوعًا مِنْ أَخْذِهِ لِحَقِّ الْغَيْرِ (قَوْلُهُ) لِأَنَّ مَا حَرُمَ أَخْذُهُ لِحَقِّ الْغَيْرِ إذَا أَخَذَهُ وَجَبَ رَدُّهُ كَالْمَغْصُوبِ قَالَ الْقَلَعِيُّ قَوْلُهُ لِحَقِّ الْغَيْرِ يُحْتَرَزُ مِمَّنْ غَصَبَ خَمْرًا مِنْ مُسْلِمٍ عَلَى قَصْدِ شُرْبِهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَخْذُهَا لِحَقِّ اللَّهِ

(7/294)


تَعَالَى لَا لِحَقِّ الْآدَمِيِّ ثُمَّ لَا يَجِبُ رَدُّهَا عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ بَلْ تَجِبُ إرَاقَتُهَا (قَوْلُهُ) لِأَنَّهُ مَالٌ حَرَامٌ أَخْذُهُ لِحَقِّ الْغَيْرِ فَضَمِنَهُ بِالْبَدَلِ كَمَالِ الْآدَمِيِّ احْتِرَازٌ مِمَّنْ خَاطَرَ بِنَفْسِهِ فِي أَخْذِ صَيْدٍ مِنْ مَهْلَكَةٍ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ الْهَلَاكُ إذَا عَالَجَ أَخْذَهُ بِأَنْ كَانَ فِي مَسْبَعَةٍ أَوْ لُجَّةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ أَخْذُهُ لِحَقِّ نَفْسِهِ لَا لِحَقِّ غَيْرِهِ فَإِذَا أَخَذَهُ مَلَكَهُ وَلَا يَضْمَنُهُ وَمَعَ هَذَا فَهَذِهِ الْعِلَّةُ مُنْتَقَضَةٌ بِالْحَرْبِيِّ إذَا أَتْلَفَ مَالَ مُسْلِمٍ وَبِالْعَبْدِ إذَا أَخَذَ مَالَ سَيِّدِهِ فَأَتْلَفَهُ فَإِنَّهُ مَا حَرُمَ أَخْذُهُ لِحَقِّ الْغَيْرِ وَلَا يَضْمَنُهُ بِالْبَدَلِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَالْأَخْذُ مِنْ أَهْلِ الضَّمَانِ فِي حَقِّهِ لِيَحْتَرِزَ مِنْ الْحَرْبِيِّ وَالْعَبْدِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ مِثْلَ هَذَا فِي أَوَّلِ بَابِ الْغَصْبِ (قَوْلُهُ) لِأَنَّ ما ضمن عمده بالمال ضمن خطأه احْتَرَزَ بِالْمَالِ مِنْ ضَمَانِ الْقِصَاصِ وَمَعَ هَذَا فَهَذِهِ الْعِلَّةُ مُنْتَقَضَةٌ بِمَنْ قَتَلَ مَنْ تَتَرَّسَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ النِّسَاءِ وَالصَّبِيَّانِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ بِالْكَفَّارَةِ إنْ قَتَلَهُ عَمْدًا وَلَا يَضْمَنُ إنْ قَتَلَهُ خَطَأً (قَوْلُهُ) لِأَنَّهُ كَفَّارَةٌ تَجِبُ بِالْقَتْلِ فَاسْتَوَى فِيهِ الْخَطَأُ وَالْعَمْدُ احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ بِالْقَتْلِ مِنْ الطِّيبِ وَاللِّبَاسِ فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ فِي الْعَمْدِ وَمَعَ هَذَا فَهُوَ مُنْتَقَضٌ بِمَنْ تَتَرَّسَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الِاحْتِرَازِ الَّذِي قَبْلَهُ (قَوْلُهُ) لِأَنَّ مَا ضُمِنَ جَمِيعُهُ بِالْبَدَلِ ضُمِنَتْ أَجْزَاؤُهُ احْتَرَزَ بِالْبَدَلِ عَنْ الْكَفَّارَةِ فَإِنَّهَا تَجِبُ بِقَتْلِ النَّفْسِ دُونَ قَطْعِ الطَّرَفِ وَمَعَ هذا فهذا مُنْتَقَضٌ بِالْعَارِيَّةِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ جَمِيعَهَا بِالْبَدَلِ وَلَا يَضْمَنُ أَجْزَاءَهَا النَّاقِصَةَ بِالِاسْتِعْمَالِ
فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يقول وما ضمن جميعه بالبدل ولم يؤذى فِي إتْلَافِ أَجْزَائِهِ ضُمِنَتْ أَجْزَاؤُهُ (قَوْلُهُ) وَإِذَا حَرُمَ ذَلِكَ فِي صَيْدِ الْحَرَمِ وَجَبَ أَنْ يَحْرُمَ فِي الْإِحْرَامِ يَعْنِي لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي تَحْرِيمِ الِاصْطِيَادِ وَالْإِحْرَامُ أَوْلَى لِأَنَّ حُرْمَتَهُ آكَدُ وَلِهَذَا يَحْرُمُ فِيهِ الطِّيبُ وَاللِّبَاسُ وَالنِّكَاحُ وَغَيْرُهَا بِخِلَافِ الحرم (قوله) دخل دار الندوة هي فتح النُّونِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَهِيَ دَارٌ مَعْرُوفَةٌ بِمَكَّةَ كَانَتْ مَنْزِلَ قُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ جَدِّ جَدِّ أَبِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بن هاشم بن عبد مناف ابن قُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ ثُمَّ صَارَتْ قُرَيْشٌ تَجْتَمِعُ فيها لمشاورة وَنَحْوِهَا إذَا عَرَضَ لَهُمْ أَمْرٌ مُهِمٌّ
* قَالَ الْأَزْرَقِيُّ فِي تَارِيخِ مَكَّةَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاجْتِمَاعِ النَّدِيِّ فِيهَا يَتَشَاوَرُونَ وَيُبْرِمُونَ أَمْرَهُمْ وَالنَّدِيُّ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ الْجَمَاعَةُ يَنْتَدُونَ أي يتحدثون قال الازرقي والخازمي وَغَيْرُهُمَا وَقَدْ صَارَتْ دَارُ

(7/295)


النَّدْوَةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَهِيَ فِي جَانِبِهِ الشمالي قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ أَوَّلُ دَارٍ بُنِيَتْ بِمَكَّةَ دَارُ النَّدْوَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ) نَصَبَ أُحْبُولَةً هِيَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالْبَاءِ وَهِيَ الْمِصْيَدَةُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَالْمَشْهُورُ فِي اللُّغَةِ فِيهَا حبالة بكسر الحاء (قوله) بِدَلَالَةٍ هِيَ بِكَسْرِ الدَّالِ وَفَتْحِهَا وَيُقَالُ دُلُولَة بِضَمِّهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ سَبَقَ بَيَانُهُنَّ (قَوْلُهُ) لِأَنَّ مَا لَا يَلْزَمُهُ حِفْظُهُ لَا يَضْمَنُهُ بِالدَّلَالَةِ عَلَى إتْلَافِهِ احْتِرَازٌ مِنْ الْوَدِيعَةِ عِنْدَهُ فَإِنَّهُ لَوْ دَلَّ عَلَيْهَا ضَمِنَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ الصَّيْدِ فِي الْإِحْرَامِ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي فُرُوعٍ مِنْهُ وَدَلَائِلُهُ نص الكتاب والنسة وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ قَالَ أَصْحَابُنَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ كُلُّ صَيْدٍ بَرِّيٍّ مَأْكُولٍ أَوْ فِي أَصْلِهِ مَأْكُولٌ وَحْشِيًّا كَانَ أَوْ فِي أَصْلِهِ وَحْشِيٌّ هَذَا ضَابِطُهُ فَأَمَّا مَا لَيْسَ بِصَيْدٍ كَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْإِبِلِ وَالْخَيْلِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْحَيَوَانِ الْإِنْسِيِّ فَلَيْسَ بِحَرَامٍ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَيْدٍ وَإِنَّمَا حَرَّمَ الشَّرْعُ الصَّيْدَ
* قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْأَصْحَابُ قَالَ الشَّافِعِيُّ يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ الدَّجَاجَةُ الْحَبَشِيَّةُ لانها وحشية تمنع بِالطَّيَرَانِ وَإِنْ كَانَتْ رُبَّمَا أَلِفَتْ الْبُيُوتَ قَالَ الْقَاضِي وَهِيَ شَبِيهَةٌ بِالدَّجَاجِ قَالَ وَتُسَمَّى بِالْعِرَاقِ دجاجة سِنْدِيَّةً فَإِنْ أَتْلَفَهَا لَزِمَهُ الْجَزَاءُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) مَا لَيْسَ بِمَأْكُولٍ وَلَا هُوَ مُتَوَلِّدٌ مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِ مَأْكُولٍ فَلَيْسَ بِحَرَامٍ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْفَصْلِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا وَهُنَاكَ نُوَضِّحُهُ بِدَلَائِلِهِ وَفُرُوعِهِ ان شاء الله تعالى (وأما) صَيْدُ
الْبَحْرِ فَحَلَالٌ لِلْحَلَالِ وَالْمُحْرِمِ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ البر ما دمتم حرما) قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْمُرَادُ بِصَيْدِ الْبَحْرِ الَّذِي هُوَ حلال للمحرم مالا يعيش الا في البحر سواء البحر الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ (أَمَّا) مَا يَعِيشُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ فَحَرَامٌ كَالْبَرِّيِّ تَغْلِيبًا لِجِهَةِ التَّحْرِيمِ كَمَا قُلْنَا فِي الْمُتَوَلِّدِ مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ (وَأَمَّا) الطُّيُورُ الْمَائِيَّةُ الَّتِي تَغُوصُ فِي الْمَاءِ وَتَخْرُجُ مِنْهُ فَبَرِّيَّةٌ مُحَرَّمَةٌ عَلَى الْمُحْرِمِ (وَأَمَّا) الْجَرَادُ فَبَرِّيٌّ عَلَى الْمَشْهُورِ وَفِيهِ قَوْلٌ وَاهٍ سَنُوَضِّحُهُ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ

(7/296)


ان شاء الله تعالى انه يجرى غَيْرُ مَضْمُونٍ
* قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وكلما كَانَ أَكْثَرُ عَيْشِهِ فِي الْمَاءِ فَكَانَ فِي بَحْرٍ أَوْ نَهْرٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ وَادٍ أَوْ مَاءِ مُسْتَنْقَعٍ أَوْ غَيْرِهِ فَسَوَاءٌ وَهُوَ مُبَاحٌ صَيْدُهُ لِلْمُحْرِمِ فِي الْحِلِّ وَالْحُرْمِ قَالَ فَأَمَّا طَائِرُهُ فَإِنَّمَا يَأْوِي إلَى أَرْضٍ فَهُوَ صَيْدُ بَرٍّ حَرَامٌ عَلَى الْمُحْرِمِ
* هَذَا نَصُّهُ وَتَابَعُوهُ عَلَيْهِ (وَأَمَّا) الْمُتَوَلِّدُ مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِ مَأْكُولٍ أَوْ مِنْ وَحْشِيٍّ وَإِنْسِيٍّ كَمُتَوَلِّدٍ بَيْنَ طبي وَشَاةٍ أَوْ بَيْنَ يَعْفُورٍ وَدَجَاجَةٍ فَيَحْرُمَانِ عَلَى الْمُحْرِمِ وَيَجِبُ فِيهِمَا الْجَزَاءُ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَهَا حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْفَصْلِ الْآتِي (وَأَمَّا) الصَّيْدُ الْمُحَرَّمُ الَّذِي سَبَقَ ضَبْطُهُ فَيَحْرُمُ جَمِيعُ أَنْوَاعِهِ صَغِيرُهُ وَكَبِيرُهُ وَحْشُهُ وَطَيْرُهُ وَسَوَاءٌ الْمُسْتَأْنِسُ مِنْهُ وَغَيْرُهُ وَالْمَمْلُوكُ وَغَيْرُهُ
* وَقَالَ الْمُزَنِيّ لَا جَزَاءَ فِي الْمَمْلُوكِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الدَّلِيلَ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يَضْمَنُ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ الْمَمْلُوكَ بِالْجَزَاءِ وَالْقِيمَةِ فَيَجِبُ الْجَزَاءُ لِلَّهِ تَعَالَى يُصْرَفُ إلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَالْقِيمَةُ لِمَالِكِهِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ أَتْلَفَهُ بِغَيْرِ ذَبْحٍ فَعَلَيْهِ لِلْآدَمِيِّ كَمَالُ الْقِيمَةِ وَعَلَيْهِ لِلَّهِ تَعَالَى الْجَزَاءُ وَإِنْ ذَبَحَهُ (فَإِنْ قُلْنَا) ذَبِيحَةُ الْمُحْرِمِ مَيْتَةٌ لَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ فَعَلَيْهِ أَيْضًا الْقِيمَةُ بِكَمَالِهَا (وَإِنْ قُلْنَا) تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ لَزِمَهُ مَعَ الْجَزَاءِ لِمَالِكِهِ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ مَذْبُوحًا وَحَيًّا إذَا رَدَّهُ إلَيْهِ مَذْبُوحًا وَإِذَا أَتْلَفَهُ أَوْ ذَبَحَهُ وَقُلْنَا هُوَ مَيْتَةٌ فَجِلْدُهُ لِمَالِكِهِ لَا لِلْمُحْرِمِ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ تَوَحَّشَ حَيَوَانٌ إنْسِيٌّ كَشَاةٍ وَبَعِيرٍ وَدَجَاجَةٍ وَنَحْوِهَا لَمْ يَحْرُمْ وَلَا جَزَاءَ فِيهِ بِلَا خلاف لانه ليس بصيد
* قال أصحابنا ويحزم قتل الصيد وأخذه وجرحه واتلاف شئ من اجزائه وتنفيره والسبب في ذلك كله أو في شئ مِنْهُ فَإِنْ أَخَذَهُ لَمْ يَمْلِكْهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ كَانَ مَمْلُوكًا لِآدَمِيٍّ لَزِمَهُ رَدُّهُ إلَى صَاحِبِهِ وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا وَجَبَ إرْسَالُهُ فِي مَوْضِعٍ يَمْتَنِعُ عَلَى مَنْ يَقْصِدُهُ فَإِنْ
أَتْلَفَهُ أَوْ تَلِفَ عِنْدَهُ ضَمِنَهُ بِالْجَزَاءِ وَإِنْ كان مملوكا كالآدمي ضَمِنَهُ بِالْجَزَاءِ أَوْ الْقِيمَةِ كَمَا سَبَقَ وَدَلِيلُ هَذَا كُلُّهُ فِي الْكِتَابِ
* وَلَوْ خَلَّصَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا مِنْ فَمِ سَبُعٍ أَوْ هِرَّةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا وَأَخَذَهُ لِيُدَاوِيَهُ ثُمَّ يُرْسِلُهُ أَوْ رَآهُ مَجْرُوحًا فَأَخَذَهُ لِيُدَاوِيَهُ ثُمَّ يُرْسِلُهُ فَمَاتَ فِي يَدِهِ فَفِي ضَمَانِهِ الْقَوْلَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَهُمَا مَشْهُورَانِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ قَصَدَ الصَّلَاحَ
* وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي كِتَابِ السِّلْسِلَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
عَلَى الْقَوْلَيْنِ (وَالثَّانِي) لَا يَضْمَنُ قَوْلًا وَاحِدًا قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَفَرَّعَ أَصْحَابُنَا عَلَى هَذَا أَنَّهُ لَوْ انْتَزَعَ إنْسَانٌ الْعَيْنَ الْمَغْصُوبَةَ مِنْ غَاصِبِهَا لِيَرُدَّهَا إلَى مَالِكِهَا فَتَلِفَتْ فِي يَدِهِ بِلَا تَفْرِيطٍ هَلْ يَضْمَنُ فِيهِ الطَّرِيقَانِ كَالصَّيْدِ
*

(7/297)


(فرع)
لو حصل تلف الصيد بسبب شئ فِي يَدِ الْمُحْرِمِ بِأَنْ كَانَ رَاكِبَ دَابَّةٍ أَوْ سَائِقَهَا أَوْ قَائِدَهَا فَتَلِفَ صَيْدُ بَعْضِهَا أَوْ رَفَسَهَا أَوْ بَالَتْ فِي الطَّرِيقِ فَزَلِقَ بِهِ صَيْدٌ فَهَلَكَ بِهِ ضَمِنَهُ لِأَنَّهَا مَنْسُوبَةٌ إلَيْهِ فَضَمِنَ مَا أَتْلَفَتْهُ أَوْ تَلِفَ بِسَبَبِهَا كما لو أتلفت آدَمِيًّا وَمَالًا (أَمَّا) إذَا انْفَلَتَتْ دَابَّةُ الْمُحْرِمِ فأتلفت صيدا فلا شئ عَلَيْهِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى هَذَا الْفَرْعِ كُلِّهِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ
* قَالَ الدَّارِمِيُّ وَلَوْ كَانَ مَعَ الدَّابَّةِ ثَلَاثَةٌ سَائِقٌ وَقَائِدٌ وَرَاكِبٌ فَأَتْلَفَتْ صَيْدًا فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَجِبُ الْجَزَاءُ عَلَى الثَّلَاثَةِ
(وَالثَّانِي)
عَلَى الرَّاكِبِ وَحْدَهُ.
(فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا جِهَاتُ ضَمَانِ الصَّيْدِ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ ثَلَاثٌ الْمُبَاشَرَةُ وَالْيَدُ وَالتَّسَبُّبُ (فَأَمَّا) الْمُبَاشَرَةُ فَمَعْرُوفَةٌ (وَأَمَّا) الْيَدُ فَيَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ وَضْعُ يَدِهِ عَلَى الصَّيْدِ وَلَا يَمْلِكُهُ بِذَلِكَ وَيَضْمَنُهُ إنْ تَلِفَ وَقَدْ سَبَقَ هَذَا قَرِيبًا وَاضِحًا وَمِنْ هَذَا مَا إذَا حَصَلَ التَّلَفُ بِسَبَبِ دارة فِي يَدِهِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا (وَأَمَّا) إذَا سَبَقَتْ الْيَدُ عَلَى الْإِحْرَامِ أَوْ كَانَتْ يَدًا قَهْرِيَّةً كَالْإِرْثِ أَوْ يَدَ مُعَاقَدَةٍ كَشِرَاءٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ هِبَةٍ وَنَحْوِهَا فَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا وَسَنُوَضِّحُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) التسبب ففيه مسائل (إحداهما) لَوْ نَصَبَ الْحَلَالُ شَبَكَةً أَوْ فَخًّا أَوْ حِبَالَةً وَنَحْوَ ذَلِكَ فِي الْحَرَمِ أَوْ نَصَبَهَا الْمُحْرِمُ حَيْثُ كَانَ فَتَعَقَّلَ بِهَا صَيْدٌ وَهَلَكَ لزمه ضمانها سَوَاءٌ نَصَبَهَا فِي مِلْكِهِ أَوْ مَوَاتٍ أَوْ غَيْرِهِمَا (فَأَمَّا) إذَا نَصَبَهَا وَهُوَ حَلَالٌ ثُمَّ أَحْرَمَ فَوَقَعَ بِهَا صَيْدٌ فَلَا يَضْمَنُهُ بِلَا خِلَافٍ
* نَصَّ عَلَيْهِ وَصَرَّحَ بِهِ الْقَفَّالُ وَالْبَنْدَنِيجِيّ
وَالْأَصْحَابُ (الثَّانِيَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ اسْتِصْحَابُ الْبَازِي وَكُلِّ صَائِدٍ مِنْ كَلْبٍ وَغَيْرِهِ فان حمله فَأَرْسَلَهُ عَلَى صَيْدٍ فَلَمْ يَقْتُلْهُ وَلَمْ يُؤْذِهِ فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ لَكِنْ يَأْثَمُ كَمَا لَوْ رَمَاهُ بِسَهْمٍ فَأَخْطَأَهُ فَإِنَّهُ يَأْثَمُ بِالرَّمْيِ لِقَصْدِهِ الْحَرَامَ وَلَا ضَمَانَ لِعَدَمِ الْإِتْلَافِ
* وَلَوْ انْفَلَتَ بِنَفْسِهِ فَقَتَلَهُ فَلَا ضَمَانَ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْمَنَاسِكِ الْكَبِيرِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ فِيهِ الْكَلْبُ وَالْبَازِي وَغَيْرُهُمَا
* قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَسَوَاءٌ فَرَّطَ فِي حِفْظِهِ أَمْ لَا لِأَنَّ لِلْكَلْبِ اختيار (وأما) إذا أرسل المحرم الْكَلْبَ عَلَى الصَّيْدِ أَوْ حَلَّ رِبَاطَهُ وَهُنَاكَ صَيْدٌ وَلَمْ يُرْسِلْهُ فَأَتْلَفَهُ ضَمِنَهُ لِأَنَّهُ مُتَسَبِّبٌ وَلَوْ كَانَ هُنَاكَ صَيْدٌ وَانْحَلَّ رِبَاطُ الْكَلْبِ لِتَقْصِيرِ الْمُحْرِمِ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَضْمَنُهُ وَفِيهِ خِلَافٌ ضَعِيفٌ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ صيد فأرسل الكلب أوحل رِبَاطَهُ فَظَهَرَ صَيْدٌ ضَمِنَهُ أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ (فَإِنْ قِيلَ) قُلْتُمْ هُنَا إنَّهُ لَوْ أَرْسَلَ الْكَلْبَ عَلَى االصيد ضَمِنَهُ وَلَوْ أَرْسَلَهُ عَلَى

(7/298)


آدَمِيٍّ فَقَتَلَهُ لَا ضَمَانَ فَالْفَرْقُ أَنَّ الْكَلْبَ معلم للاصطياد فإذا صار بِإِرْسَالِهِ كَانَ كَصَيْدِهِ بِنَفْسِهِ فَضَمِنَهُ وَلَيْسَ هُوَ مُعَلَّمًا قَتْلَ الْآدَمِيِّ فَإِذَا أَغْرَاهُ عَلَى آدَمِيٍّ فَقَتَلَهُ لَمْ يَكُنْ الْقَتْلُ مَنْسُوبًا إلَى الْمُغْرِي بَلْ إلَى اخْتِيَارِ الْكَلْبِ فَلَمْ يَضْمَنْهُ قَالَ وَمِثَالُهُ فِي الصَّيْدِ أَنْ يُرْسِلَ كَلْبًا غَيْرَ مُعَلَّمٍ عَلَى صَيْدٍ فَيَقْتُلَهُ فَلَا ضَمَانَ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُعَلَّمِ لَا يُنْسَبُ فِعْلُهُ إلَى الْمُرْسِلِ بَلْ إلَى اخْتِيَارِهِ وَلِهَذَا لَا يُؤْكَلُ مَا اصْطَادَهُ بَعْدَ الْإِرْسَالِ كَمَا لَا يُؤْكَلُ مَا صَادَهُ الْمُسْتَرْسَلُ بِنَفْسِهِ هَذَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِي غَيْرِ الْمُعَلَّمِ فِيهِ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ بِإِرْسَالِهِ لِأَنَّهُ سَبَبٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الثَّالِثَةُ) إذَا نَفَّرَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا فَعَثَرَ وَهَلَكَ بِالْعِثَارِ أَوْ أَخَذَهُ فِي مَغَارَةِ سَبُعٍ أَوْ انْصَدَمَ بِشَجَرَةٍ أَوْ جَبَلٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ لَزِمَهُ الضَّمَانُ سَوَاءٌ قَصَدَ تَنْفِيرَهُ أَمْ لَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَزَالُ الْمُنَفَّرُ فِي عهدة ضمان التنفير حَتَّى يَعُودَ الطَّيْرُ إلَى عَادَتِهِ فِي السُّكُونِ فَإِنْ عَادَ ثُمَّ هَلَكَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ هَلَكَ فِي حَالِ هَرَبِهِ وَنِفَارِهِ قَبْلَ سُكُونِهِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ قَالُوا (أَصَحُّهُمَا) لَا ضَمَانَ لِأَنَّهُ لَمْ يُتْلَفْ فِي يَدِهِ وَلَا بِسَبَبِهِ (وَالثَّانِي) يَضْمَنُهُ لِاسْتِدَامَةِ أَثَرِ النِّفَارِ (الرَّابِعَةُ) لَوْ صَاحَ الْمُحْرِمُ عَلَى صَيْدٍ فَمَاتَ بِسَبَبِ صِيَاحِهِ أَوْ صَاحَ حَلَالٌ عَلَى صَيْدِ فِي الْحَرَمِ فَمَاتَ بِهِ (فَوَجْهَانِ) حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ
(أَحَدُهُمَا)
يضمنه كَمَا لَوْ صَاحَ عَلَى بَالِغٍ عَاقِلٍ مُتَيَقِّظٍ فَمَاتَ لَا ضَمَانَ وَلَمْ
يُرَجِّحْ وَاحِدًا مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَالظَّاهِرُ الضَّمَانُ لِأَنَّهُ بِسَبَبِهِ (الْخَامِسَةُ) إذَا حَفَرَ الْمُحْرِمُ بِئْرًا فِي مَحَلِّ عُدْوَانٍ أَوْ حَفَرَهَا حَلَالٌ فِي الْحَرَمِ فِي مَحَلِّ عُدْوَانٍ فهلك فيها صيد لزمها الضَّمَانُ بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ حَفَرَهَا فِي مِلْكِهِ أو موات فأربعة أوجه (أصحها) يَضْمَنُ فِي الْحَرَمِ دُونَ الْإِحْرَامِ (وَالثَّانِي) يَضْمَنُ (وَالثَّالِثُ) لَا يَضْمَنُ فِيهِمَا (وَالرَّابِعُ) إنْ حَفَرَهَا لِلصَّيْدِ ضَمِنَ وَإِلَّا فَلَا
* وَجَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّهُ إنْ قَصَدَ الِاصْطِيَادَ لَا يَضْمَنُ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (السَّادِسَةُ) اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ لَوْ رَمَى صَيْدًا فَنَفَذَ فِيهِ السَّهْمُ وَأَصَابَ صَيْدًا آخَرَ فَقَتَلَهُمَا لَزِمَهُ جَزَاؤُهُمَا لِأَنَّ أَحَدَهُمَا عَمْدٌ وَالْآخَرُ خَطَأٌ أَوْ بِسَبَبِهِ وَكُلُّ ذَلِكَ مُضَمَّنٌ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى هَذَا وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَصَابَ صَيْدًا فَوَقَعَ الصَّيْدُ عَلَى صَيْدٍ آخَرَ أَوْ عَلَى فِرَاخِهِ وَبَيْضِهِ ضَمِنَ ذَلِكَ كُلَّهُ لِأَنَّهُ بِسَبَبِهِ (السَّابِعَةُ) لَوْ رَمَى حَلَالٌ إلَى صَيْدٍ ثُمَّ أَحْرَمَ ثُمَّ أَصَابَهُ فَفِي وُجُوبِ ضَمَانِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا (الْأَصَحُّ) يَضْمَنُ وَرَجَّحَ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ عَدَمَ الضَّمَانِ وَصَحَّحَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَالرَّافِعِيُّ الضَّمَانَ قَالَ الْمُتَوَلِّي هُمَا كَالْوَجْهَيْنِ فِيمَنْ رَمَى إلَى حَرْبِيٍّ أَوْ مُرْتَدٍّ فَأَسْلَمَ ثُمَّ أَصَابَهُ فَقَتَلَهُ قَالَ لَكِنَّ الْأَصَحَّ هُنَاكَ لَا ضَمَانَ لِأَنَّ الرَّمْيَ إلَى الْحَرْبِيِّ يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْقِتَالِ فَلَوْ أَوْجَبْنَا الضَّمَانَ لَامْتَنَعَ

(7/299)


مِنْ رَمْيِهِ خَوْفًا مِنْ إسْلَامِهِ (وَأَمَّا) الْمُحْرِمُ فيمكنه تأخر الْإِحْرَامِ إلَى مَا بَعْدَ الْإِصَابَةِ
* وَلَوْ رَمَى سَهْمًا إلَى صَيْدٍ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ الْحَلْقُ فَقَصَّرَ شَعْرَهُ بَعْدَ الرَّمْيِ ثُمَّ أَصَابَهُ السَّهْمُ بَعْدَ فَرَاغِ التَّقْصِيرِ وَهُوَ حَلَالٌ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ
(أَحَدُهُمَا)
لَا ضَمَانَ لِأَنَّ الْإِصَابَةَ فِي حَالٍ لَا يُضْمَنُ فِيهَا فَأَشْبَهَ مَنْ رَمَى إلَى مُسْلِمٍ فَارْتَدَّ أَوْ ذِمِّيٍّ فَنَقَضَ الْعَهْدَ ثُمَّ أَصَابَهُ لَا ضَمَانَ
(وَالثَّانِي)
يَجِبُ لِأَنَّ الرَّمْيَ جِنَايَةٌ وُجِدَتْ فِي الْإِحْرَامِ وَيُخَالِفُ الْمُرْتَدُّ وَالذِّمِّيُّ فَإِنَّهُمَا مُقَصِّرَانِ بِمَا أَحْدَثَا مِنْ إهْدَارِهِمَا (الثَّامِنَةُ) إذَا دَلَّ الْحَلَالُ مُحْرِمًا عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَهُ وَجَبَ الْجَزَاءُ عَلَى الْمُحْرِمِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْحَلَالِ سَوَاءٌ كَانَ الصَّيْدُ فِي يَدِهِ أَمْ لَا لَكِنَّهُ يَأْثَمُ وَلَوْ دَلَّ الْمُحْرِمُ حَلَالًا عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَهُ فَإِنْ كَانَ الصَّيْدُ فِي يَدِ الْمُحْرِمِ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ لِأَنَّهُ تَرَكَ حِفْظَهُ وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَصَارَ كَالْمُودَعِ إذَا دَلَّ السَّارِقَ عَلَى الْوَدِيعَةِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا
* وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ فَلَا جَزَاءَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَكِنْ يَأْثَمُ الْمُحْرِمُ بِدَلَالَتِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يَضْمَنْ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ حفظه
* ولو دل المحرم فَقَتَلَهُ أَوْ دَلَّ الْحَلَالُ حَلَالًا أَوْ مُحْرِمًا عَلَى صَيْدٍ فِي الْحَرَمِ
فَقَتَلَهُ فَلَا جَزَاءَ عَلَى الدَّالِّ وَيَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ
* وَلَوْ أَعَانَ الْمُحْرِمُ حَلَالًا أَوْ مُحْرِمًا فِي قَتْلِ صَيْدٍ بِإِعَارَةِ آلَتِهِ أَوْ أَمَرَهُ بِإِتْلَافِهِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَأَتْلَفَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُعِينِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ لَكِنْ يَأْثَمُ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْحِلِّ أَوْ الْحَرَمِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ الْعَامِدُ وَالْمُخْطِئُ وَهُوَ النَّاسِي وَالْجَاهِلُ فِي ضَمَانِ الصَّيْدِ سَوَاءٌ فَيَضْمَنُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِالْجَزَاءِ وَلَكِنْ يَأْثَمُ الْعَامِدُ دُونَ النَّاسِي وَالْجَاهِلِ
* هَذَا هُوَ المذهب وبه تظاهرات نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَطُرُقُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ فِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ عَلَى النَّاسِي قَوْلَانِ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا الْفَصْلِ وَحَكَاهُ الْأَصْحَابُ وَسَنُوضِحُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* وَلَوْ أَحْرَمَ بِهِ ثُمَّ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَقَتَلَ صَيْدًا فَفِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ قَوْلَانِ نَصَّ عَلَيْهِمَا (أَقْيَسُهُمَا) الْوُجُوبُ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْغَرَامَاتِ وَالْمَجْنُونُ كَغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ (وَالْأَصَحُّ) أَنَّهُ لَا يَجِبُ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الصَّيْدِ تَعَبُّدٌ يَتَعَلَّقُ بِالْمُكَلَّفِينَ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ بَعْدَ هَذَا الْفَصْلِ بِقَلِيلٍ
* وَلَوْ أُكْرِهَ الْمُحْرِمُ عَلَى قَتْلِ صَيْدٍ أَوْ أُكْرِهَ حَلَالٌ عَلَى قَتْلِ صَيْدٍ فِي الْحَرَمِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ
(أَحَدُهُمَا)
يَجِبُ الْجَزَاءُ عَلَى الْآمِرِ
(وَالثَّانِي)
يَجِبُ عَلَى الْمَأْمُورِ ثُمَّ يرجع علي الْآمِرِ كَمَا لَوْ حَلَقَ الْحَلَالُ شَعْرَ الْمُحْرِمِ مُكْرَهًا وَهَذَا الثَّانِي أَصَحُّ وَقَالَ الدَّارِمِيُّ هُوَ كما لو أكره علي قتل آدمي
* قال المصنف رحمه الله

(7/300)


(ويحرم عليه أكل ما صيد له لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال (الصيد حلال لكم ما لم تصيدوه أو يصاد لكم) ويحرم عليه أكل ما أعان على قتله بدلالة أو اعارة لما روي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ (كَانَ أبو قتادة في قوم محرمين وهو حلال فابصر حمار وحش فاختلس من بعضهم سوطا فضربه به حتى صرعه ثم ذبحه وأكله هو وأصحابه فسألوا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ هل أشار إليه احد منكم قالوا لا قال فلم ير باكله باسا) فان اكل ما صيد له أو اعان على قتله فهل يجب عليه الجزاء ام لا فيه قولان (احدهما يجب لانه فعل محرم يحكم الاحرام فوجبت فيه الكفارة كقتل الصيد (والثاني) لا يجب لانه ليس بنام ولا يؤل إلى النماء فلا يضمن بالجزاء كالشجر اليابس والبيض المذر) (الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ أَبِي عمرو المدنى مَوْلَى الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ عَنْ مَوْلَاهُ الْمُطَّلِبِ عَنْ جَابِرٍ وَإِسْنَادُهُ إلَى عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو
صَحِيحٌ (وَأَمَّا) عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو فَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ هُوَ بِقَوِيٍّ وَإِنْ كَانَ قَدْ رَوَى عَنْهُ مَالِكٌ وَكَذَا قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ هُوَ ضَعِيفٌ لَيْسَ بِقَوِيٍّ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ وَقَدْ أَشَارَ التِّرْمِذِيُّ إلَى تَضْعِيفِ الْحَدِيثِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَقَالَ لا يعرف للمطلب سماعا مِنْ جَابِرٍ فَأَمَّا تَضْعِيفُ عَمْرِو بْنِ أَبِي عمرو فغير ثابت لان البخاري ومسلم رَوَيَا لَهُ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَاحْتَجَّا بِهِ وَهُمَا الْقُدْوَةُ فِي هَذَا الْبَابِ وَقَدْ احْتَجَّ بِهِ مَالِكٌ وَرَوَى عَنْهُ وَهُوَ الْقُدْوَةُ وَقَدْ عُرِفَ مِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ لَا يَرْوِي فِي كِتَابِهِ إلَّا عَنْ ثِقَةٍ
* وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِيهِ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ هُوَ ثِقَةٌ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ لَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ مَالِكًا رَوَى عَنْهُ وَلَا يَرْوِي مَالِكٌ إلَّا عَنْ صَدُوقٍ ثِقَةٍ (قُلْتُ) وَقَدْ عُرِفَ أَنَّ الْجَرْحَ لَا يَثْبُتُ إلَّا مُفَسَّرًا وَلَمْ يُفَسِّرْهُ ابْنُ مَعِينٍ وَالنَّسَائِيُّ يُثْبِتُ تَضْعِيفَهُ (وَأَمَّا) إدْرَاكُ الْمُطَّلِبِ لِجَابِرٍ فَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَرَوَى عَنْ جَابِرٍ قَالَ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أَدْرَكَهُ
* هَذَا كَلَامُ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ فَحَصَلَ شك في ادراكه ومذهب مسلم ابن الْحَجَّاجِ الَّذِي ادَّعَى فِي مُقَدِّمَةِ صَحِيحِهِ الْإِجْمَاعَ فِيهِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي اتِّصَالِ الْحَدِيثِ اللِّقَاءُ بَلْ يَكْفِي إمْكَانُهُ وَالْإِمْكَانُ حَاصِلٌ قَطْعًا ومذهب على ابن الْمَدِينِيِّ وَالْبُخَارِيِّ وَالْأَكْثَرِينَ اشْتِرَاطُ ثُبُوتِ اللِّقَاءِ فَعَلَى مَذْهَبِ مُسْلِمٍ الْحَدِيثُ مُتَّصِلٌ وَعَلَى مَذْهَبِ الْأَكْثَرِينَ يَكُونُ مُرْسَلًا لِبَعْضِ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ مُرْسَلَ التَّابِعِيِّ الْكَبِيرِ يُحْتَجُّ بِهِ عِنْدَنَا إذَا اعْتَضَدَ بِقَوْلِ الصَّحَابَةِ أَوْ قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا سَبَقَ وَقَدْ اعْتَضَدَ هَذَا الْحَدِيثُ فَقَالَ بِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مَنْ سَنَذْكُرُهُ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ

(7/301)


فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ كَوْنُهُ جَعَلَهُ مُرْسَلًا فَقَالَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ كَانَ أَبُو قَتَادَةَ فَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ أَبِيهِ مَعَ أَنَّ الْحَدِيثَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عبد الله أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ مُتَّصِلٌ فَغَيَّرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَقَوْلُهُ) فِي حَدِيثِ جَابِرٍ (مَا لَمْ تَصِيدُوهُ أَوْ يُصَادُ لَكُمْ) هَكَذَا الرِّوَايَةُ فِيهِ يُصَادُ بِالْأَلِفِ وَهُوَ جَائِزٌ عَلَى لُغَةٍ وَمِنْهُ قَوْله (تعالى انه من يتقى ويصبر) عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ بِالْيَاءِ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ
* أَلَمْ يَأْتِيكَ وَالْأَنْبَاءُ تَنْمِي
* وَقَدْ غَيَّرَ الْمُصَنِّفُ أَلْفَاظًا فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ فَلَفْظُهُ فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ أَبَاهُ
حَدَّثَهُ قَالَ انْطَلَقْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فَأَحْرَمَ أَصْحَابُهُ وَلَمْ أُحْرِمْ فَبَصُرَ أَصْحَابُنَا بِحِمَارِ وَحْشٍ فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَضْحَكُ إلَى بَعْضٍ فَنَظَرْتُ فَرَأَيْتُهُ فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ الْفَرَسَ فَطَعَنْتُهُ فَأَثْبَتُّهُ فَاسْتَعَنْتُهُمْ فَلَمْ يُعِينُونِي فَأَكَلْنَا مِنْهُ ثُمَّ لَحِقْت بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا صِدْنَا حِمَارَ وَحْشٍ وَإِنَّ عِنْدَنَا فَاضِلَةً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ كُلُوا وَهُمْ مُحْرِمُونَ) وفى رواية فرايت اصحابي يتراؤن شَيْئًا فَنَظَرْتُ فَإِذَا حِمَارُ وَحْشٍ فَوَقَعَ السَّوْطُ فقالوا لا نعينك عليه بشئ إنَّا مُحْرِمُونَ فَتَنَاوَلْتُهُ فَأَخَذْتُهُ ثُمَّ أَتَيْتُ الْحِمَارَ مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ فَعَقَرْتُهُ فَأَتَيْتُ بِهِ أَصْحَابِي فَقَالَ بَعْضُهُمْ كُلُوا وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَأْكُلُوا فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ أَمَامَنَا فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ (كُلُوهُ حَلَالٌ) وَفِي رِوَايَةٍ (هُوَ حَلَالٌ فَكُلُوهُ) وَفِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ أَوْ أَشَارَ إلَيْهِ) وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ سَأَلَ أَصْحَابَهُ أَنْ يُنَاوِلُوهُ سَوْطَهُ فَأَبَوْا فَسَأَلَهُمْ رُمْحَهُ فَأَبَوْا فَأَخَذَهُ ثُمَّ شَدَّ عَلَى الْحِمَارِ فَقَتَلَهُ فَأَكَلَ مِنْهُ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَى بَعْضُهُمْ فَأَدْرَكُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم فسألوه عن ذلك فقل إنَّمَا هِيَ طُعْمَةٌ أَطْعَمَكُمُوهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ قَالَ (كُنْتُ جَالِسًا مَعَ رجال مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ وَالْقَوْمُ مُحْرِمُونَ وَأَنَا غَيْرُ مُحْرِمٍ فَأَبْصَرُوا حِمَارًا وَحْشِيًّا وَأَنَا مَشْغُولٌ أَخْصِفُ نعلي فلم يؤذنوني به أحبوا لَوْ أَنِّي أَبْصَرْتُهُ فَالْتَفَتُّ فَأَبْصَرْتُهُ فَقُمْتُ إلَى الْفَرَسِ فَأَسْرَجْتُهُ ثُمَّ رَكِبْتُ وَنَسِيتُ السَّوْطَ وَالرُّمْحَ فَقُلْتُ لَهُمْ نَاوِلُونِي السَّوْطَ وَالرُّمْحَ فَقَالُوا لَا والله لا نعينك عليه بشئ فَغَضِبْتُ فَنَزَلْتُ فَأَخَذْتهمَا ثُمَّ رَكِبْتُ فَشَدَدْتُ عَلَى

(7/302)


الْحِمَارِ فَعَقَرْتُهُ ثُمَّ جِئْتُ بِهِ وَقَدْ مَاتَ فَوَقَعُوا عَلَيْهِ يَأْكُلُونَهُ ثُمَّ إنَّهُمْ شَكُّوا فِي أكلهم اياه وهم حرم فرحنا وخباب الْعَضُدَ مَعِي فَأَدْرَكْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ هَلْ معكم من شئ فَنَاوَلْتُهُ الْعَضُدَ فَأَكَلَهَا حَتَّى تَعَرَّقَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فَقَالَ (هَلْ مَعَكُمْ مِنْهُ فَنَاوَلْتُهُ الْعَضُدَ فَأَكَلَهَا ثُمَّ تَعَرَّقَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فَقَالَ (هَلْ مَعَكُمْ مِنْهُ شئ فَقَالُوا مَعَنَا رِجْلُهُ فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكَلَهَا) هَذِهِ أَلْفَاظُ الْحَدِيثِ فِي الصَّحِيحِ
* وَإِنَّمَا أَخَذَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ما أخذه وأكله تطبيبا لِقُلُوبِهِمْ فِي إبَاحَتِهِ وَمُبَالَغَةً فِي إزَالَةِ الشُّبْهَةِ عَنْهُمْ وَالشَّكِّ فِيهِ لِحُصُولِ الِاخْتِلَافِ فِيهِ بَيْنَهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لانه فعل محرم يحكم الْإِحْرَامِ فَوَجَبَتْ فِيهِ الْكَفَّارَةُ
فَقَالَ الْقَلَعِيُّ احْتَرَزَ بفعل عن عقد النكاح (وَبِقَوْلِهِ) مُحَرَّمٌ مِنْ الْأَفْعَالِ الْمُبَاحَةِ فِي الْإِحْرَامِ (وَبِقَوْلِهِ) فِي الْإِحْرَامِ عَنْ ذَبْحِ شَاةِ غَيْرِهِ (وَقَوْلُهُ) لَيْسَ بِنَامٍ احْتِرَازٌ مِنْ قَتْلِ الصَّيْدِ وقطع شجر الحرم (وقوله) ولا يؤول إلَى النَّمَاءِ احْتِرَازٌ مِنْ كَسْرِ بَيْضِ الصَّيْدِ (وَقَوْلُهُ) الْبَيْضِ الْمَذِرِ هُوَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ الْفَاسِدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ أَكْلُ صَيْدٍ صاده هو أو أعان على اصطياده أَوْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِهِ بِدَلَالَةٍ أَوْ إعَارَةِ آلَةٍ سَوَاءٌ دَلَّ عَلَيْهِ دَلَالَةً ظَاهِرَةً أَوْ خَفِيَّةً وَسَوَاءٌ إعَارَةٌ مَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ الْقَاتِلُ أَمْ لَا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ لَحْمُ مَا صَادَهُ الحلال المحرم سَوَاءٌ عَلِمَ بِهِ الْمُحْرِمُ وَأَمَرَهُ بِذَلِكَ أَمْ لَا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ أَيْضًا (وَأَمَّا) إذَا صَادَ الْحَلَالُ شَيْئًا وَلَمْ يَقْصِدْ اصْطِيَادَهُ لِلْمُحْرِمِ وَلَا كَانَ مِنْ الْمُحْرِمِ فِيهِ إعَانَةٌ وَلَا دَلَالَةٌ فَيَحِلُّ لِلْمُحْرِمِ أَكْلُهُ بِلَا خِلَافٍ وَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ
* فَإِنْ أَكَلَ الْمُحْرِمُ مِمَّا صَادَهُ الْحَلَالُ لَهُ أَوْ بِإِعَانَتِهِ أَوْ دَلَالَتِهِ فَفِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ عَلَيْهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (الْأَصَحُّ) الْجَدِيدُ لَا جَزَاءَ (وَالْقَدِيمُ) وُجُوبُ الْجَزَاءِ وَهُوَ الْقِيمَةُ بِقَدْرِ مَا أَكَلَ
* هَكَذَا قَالَ الْأَكْثَرُونَ تفريعا على القديم وقال الماوردى في فِي كَيْفِيَّةِ الضَّمَانِ عَلَى الْقَدِيمِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) يَضْمَنُ مِثْلَهُ لَحْمًا مِنْ لُحُومِ النَّعَمِ يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ
(وَالثَّانِي)
يَضْمَنُ مِثْلَهُ مِنْ النَّعَمِ فَيَضْمَنُ بِقَدْرِ مَا أَكَلَ مِنْ مِثْلِهِ مِنْ النَّعَمِ فَإِنْ أَكَلَ عُشْرَ لَحْمِهِ لَزِمَهُ عُشْرٌ مِثْلُهُ (وَالثَّالِثُ) يَضْمَنُ قِيمَةُ ما أكل دراهم فان شاء بها تصدق دَرَاهِمَ وَإِنْ شَاءَ اشْتَرَى بِهَا طَعَامًا وَتَصَدَّقَ بِهِ هَذَا نَقْلُ الْمَاوَرْدِيُّ
* وَعَلَى مُقْتَضَى الثَّالِثِ أَنَّهُ إنْ شَاءَ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يوما

(7/303)


(أَمَّا) إذَا أَكَلَ الْمُحْرِمُ مَا ذَبَحَهُ بِنَفْسِهِ فَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ أنه لا يلزمه باكله بعد الذبح شئ آخَرُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا كَمَا لَا يَلْزَمُهُ في صيد الحرم بعد الذبح شئ آخر وانما يَلْزَمُهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ جَزَاءُ قَتْلِهِ فَقَطْ هَذَا مَذْهَبُنَا
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَلْزَمُهُ فِي صَيْدِ الْإِحْرَامِ جَزَاءٌ آخَرُ وَوَافَقَنَا فِي صَيْدِ الْحَرَمِ فَلِهَذَا قَاسَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ وَقَاسُوهُ أَيْضًا عَلَى مَنْ ذَبَحَ شَاةً لِآدَمِيٍّ ثُمَّ أَكَلَهَا فَإِنَّهُ تلزمه قيمة واحدة والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (فان ذبح المحرم صيدا حرم عليه أكله لانه إذا حرم عليه ما صيد له أو دل عليه فلان يحرم
ما ذبحه أولي وهل يحرم على غيره فيه قولان (قال) في الجديد يحرم لان ما حرم على الذابح أكله حرم علي غيره كذبيحة المجوسي (وقال) في القديم لا يحرم لان ما حل بذكاته غير الصيد حل بذكاته الصيد كالحلال فان أكل ما ذبحه لم يضمن بالاكل لان ما ضمنه بالقتل لم يضمنه بالاكل كشاة الغير) (الشَّرْحُ) إذَا ذَبَحَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا حَرُمَ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ وَفِي تَحْرِيمِهِ عَلَى غَيْرِهِ الْقَوْلَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ (الْجَدِيدُ) تَحْرِيمُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ
* وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ صَحَّحَ كَثِيرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا هَذَا الْقَدِيمَ
* وَقَالَ الْقَاضِي أَيْضًا فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ وَقَالَ أَصْحَابُنَا الْقَدِيمُ هُنَا هَذَا كَلَامُهُ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ هُوَ الْجَدِيدُ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ فِي الْكِتَابِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالْجَدِيدِ فَأَكَلَهُ غَيْرُ الْمُحْرِمِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْجَزَاءُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُتْلِفْ صَيْدًا فَهُوَ كَمَنْ أَكَلَ مَيْتَةً أُخْرَى
* صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ فَعَلَى الْجَدِيدِ ذَبِيحَةُ الْمُحْرِمِ مَيْتَةٌ وَعَلَى الْقَدِيمِ لَيْسَتْ مَيْتَةٌ
* هَذَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَلَا خِلَافَ فِي تَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ فِي الْإِحْرَامِ فَلَوْ تَحَلَّلَ وَاللَّحْمُ بَاقٍ هَلْ يَجُوزُ لَهُ (إنْ قُلْنَا) يَحْرُمُ عَلَى غَيْرِهِ فَعَلَيْهِ أَوْلَى وَإِلَّا فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ
(أَحَدُهُمَا)
الْقَطْعُ بِتَحْرِيمِهِ لِأَنَّا لَوْ أَبَحْنَاهُ له بعد التحلل جعل ذلك ذريعة لاي إدْخَارِهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ الْمَرَاوِزَةُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) تَحْرِيمُهُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ
(وَالثَّانِي)
إبَاحَتُهُ لِأَنَّ الْمَنْعَ لِلْإِحْرَامِ وقد زال وبهذا الطريق قطع المتولي والبغوى وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ إلَّا أَنَّهُ قَالَ زَيَّفُوا وَجْهَ الْإِبَاحَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* هَذَا حُكْمُ ذَبِيحَةِ الْمُحْرِمِ (فَأَمَّا) إذَا ذَبَحَ الْحَلَالُ صَيْدًا حَرَمِيًّا فَفِيهِ طَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ وَقَدْ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ كَذَبِيحَةِ الْمُحْرِمِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ وَفِي تَحْرِيمِهِ عَلَى غَيْرِهِ الْقَوْلَانِ (الْأَصَحُّ) تَحْرِيمُهُ (وَالثَّانِي) إبَاحَتُهُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) وَصَحَّحَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ يَحْرُمُ عَلَى غَيْرِهِ قَوْلًا وَاحِدًا كَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَبِيحَةِ الْمُحْرِمِ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ صَيْدَ الْحَرَمِ مُحَرَّمٌ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ
(وَالثَّانِي)

(7/304)


أَنَّهُ مُحَرَّمٌ فِي جَمِيعِ الْأَزْمَانِ بِخِلَافِ صَيْدِ الْإِحْرَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَإِذَا أَكَلَ مَا ذَبَحَهُ بِنَفْسِهِ فِي الْحَرَمِ أَوْ الْإِحْرَامِ لَا يَلْزَمُهُ بِالْأَكْلِ جَزَاءٌ إنَّمَا يَلْزَمُهُ جَزَاءٌ وَاحِدٌ بِسَبَبِ الذَّبْحِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ قَرِيبًا وَاضِحَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) إذَا كَسَرَ الْمُحْرِمُ بَيْضَ صَيْدٍ أو قلاه فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ وَفِي تَحْرِيمِهِ
عَلَى غَيْرِهِ طَرِيقَانِ (أَشْهَرُهُمَا) وَهِيَ الَّتِي اخْتَارَهَا الْمُصَنِّفُ فِي الْفَصْلِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا وَكَثِيرُونَ وَبِهَا قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَنَقَلَهَا صَاحِبُ الْبَحْرِ عن لاصحاب مُطْلَقًا أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ كَاللَّحْمِ (الْجَدِيدُ) تَحْرِيمُهُ (وَالْقَدِيمُ) إبَاحَتُهُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِيَةُ) الْقَطْعُ بِإِبَاحَتِهِ وَاخْتَارَهَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَحَّحَهَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرُهُمْ وَقَطَعَ بِهَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ في تعليقه والبغوى وَآخَرُونَ
* قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَجَهِلَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَحَكَى فِي تَحْرِيمِهِ قَوْلَيْنِ
* قَالَ وَهَذَا جَهْلٌ قَبِيحٌ وَالصَّوَابُ إبَاحَتُهُ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذَكَاةٍ
* وَفَرَّقَ هَؤُلَاءِ بَيْنَ اللَّحْمِ وَالْبَيْضِ بِأَنَّ الْحَيَوَانَ لَا يُسْتَبَاحُ إلَّا بِذَكَاةٍ وَالْمُحْرِمُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا بِخِلَافِ الْبَيْضِ فَإِنَّهُ يُبَاحُ بِكُلِّ حَالٍ وَيُبَاحُ مِنْ غَيْرِ قَلْيٍ وَلَوْ كَسَرَهُ مَجُوسِيٌّ أَوْ قَلَاهُ حَلَّ بِخِلَافِ الْحَيَوَانِ
* قَالَ الْمُتَوَلِّي فَعَلَى هَذَا يُنَزَّلُ الْبَيْضُ مَنْزِلَةَ ذَبِيحَةٍ حَلَالٍ فَمَنْ حَلَّ لَهُ أَكْلُ صَيْدٍ ذَبَحَهُ لَهُ حَلَالٌ حَلَّ لَهُ هَذَا الْبَيْضُ
* قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلَوْ حَلَبَ لَبَنَ صَيْدٍ أَوْ قَتَلَ جَرَادَةً فَهُوَ كَكَسْرِهِ الْبَيْضَ لِأَنَّ الْجَرَادَةَ تَحِلُّ بِالْمَوْتِ وَلِهَذَا لَوْ قَتَلَهَا مَجُوسِيٌّ حَلَّتْ وَقَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْجَرَادَ إذَا قَتَلَهُ مُحْرِمٌ حَلَّ لِلْحَلَالِ
* قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلَوْ أَخَذَ إنْسَانٌ بَيْضَ صَيْدِ الْحَرَمِ فَكَسَرَهُ أَوْ قَلَاهُ فَطَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ كَلَحْمِ صَيْدِ الْحَرَمِ (وَأَصَحُّهُمَا) أَنَّا إنْ قُلْنَا صَيْدُ الْحَرَمِ لَيْسَ بِمَيْتَةٍ فَالْبَيْضُ حَلَالٌ وَإِنْ قُلْنَا مَيْتَةٌ فَفِي الْبَيْضِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لا يحل لانا جعلنا صيد المحرم كَحَيَوَانٍ لَا يَحِلُّ لِكَوْنِهِ مُحَرَّمًا عَلَى الْعُمُومِ وَبَيْضُ مَا لَا يُؤْكَلُ لَا يَحِلُّ (وَالثَّانِي) يَحِلُّ لِأَنَّ أَخْذَ الْبَيْضِ وَقَلْيَهُ لَيْسَ سَبَبَ الاباحة بخلاف ذبح الصيد
* قال وحكم لبن صَيْدِ الْحَرَمِ وَحُكْمُ جَرَادِهِ حُكْمُ الْبَيْضِ فِيمَا ذَكَرْنَا
* وَقَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّ بَيْضَ صَيْدِ الْحَرَمِ حَرَامٌ عَلَى كَاسِرِهِ وَعَلَى جَمِيعِ النَّاسِ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّ حُرْمَةَ الْحَرَمِ لَمْ تَزُلْ عَنْهُ بكسره * قال المصنف رحمه الله
* (ويحرم عليه ان يشترى الصيد أو يتهبه لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ الصعب ابن جَثَّامَةَ أَهْدَى إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حمار وحش فرده عليه فلما رأى ما في وجهه قال

(7/305)


انا لم نرده عليه الا انا حرم) ولانه سبب يتملك به الصيد فلم يملك به مع الاحرام كالاصطياد
* وان مات من يرثه وله صيد ففيه وجهان
(أحدهما)
لا يرثه لانه سبب للملك فلا يملك به الصيد كالبيع والهبة

(والثانى)
أنه يرثه لانه يدخل في ملكه بغير قصده ويملك به الصبي والمجنون فجاز ان يملك به المحرم الصيد
* وان كان في ملكه صيد فاحرم ففيه قولان
(أحدهما)
لا يزول ملكه عنه لانه ملك فلا يزول بالاحرام كملك البضع (والثاني) يزول ملكه عنه لانه معنى لايراد لِلْبَقَاءِ يَحْرُمُ ابْتِدَاؤُهُ فَحَرُمَتْ اسْتِدَامَتُهُ كَلُبْسِ الْمَخِيطِ (فان قلنا) لا يزول ملكه جاز له بيعه وهبته ولا يجوز له قتله فان قتله وجب عليه الجزاء لان الجزاء كفارة تجب لله تعالى فجاز ان تجب علي مالكه ككفارة القتل (وان قلنا) يزول ملكه وجب عليه ارساله فان لم يرسله حتى مات ضمنه بالجزاء وان لم يرسله حتى تحلل ففيه وجهان
(أحدهما)
يعود إلى ملكه ويسقط عنه فرض الارسال لان علية زوال الملك هو الاحرام وقد زال فعاد الملك كالعصير إذا صار خمرا ثم صار خلا (والثاني) أنه لا يعود إلى ملكه ويلزمه ارساله لان يده متعدية فوجب أن يزيلها
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ من طرق (منها) ما ذكره المنصف بِلَفْظِهِ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ (أَنَّ الصَّعْبَ بْنَ جَثَّامَةَ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَارَ وَحْشٍ) وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ (مِنْ لَحْمِ حِمَارِ وَحْشٍ) وَفِي رِوَايَةٍ (رِجْلَ حِمَارِ وَحْشٍ) وَفِي رِوَايَةٍ (عَجُزَ حِمَارِ وَحْشٍ يَقْطُرُ دَمًا) وَفِي رِوَايَةٍ (شِقَّ حِمَارِ وَحْشٍ) وَفِي رواية (عضو مِنْ لَحْمِ صَيْدٍ) هَذِهِ الرِّوَايَاتُ كُلُّهَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَتَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ بَابُ إذَا أَهْدَى لِلْمُحْرِمِ حِمَارًا وَحْشِيًّا حَيًّا لَمْ يَقْبَلْ ثُمَّ رواه باسناد وَقَالَ فِي رِوَايَتِهِ حِمَارًا وَحْشِيًّا فَأَشَارَ الْبُخَارِيُّ إلَى أَنَّ هَذَا الْحِمَارَ كَانَ حَيًّا
* وَحَكَى هَذَا أَيْضًا عَنْ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ اسْتِدْلَالِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا
* وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ بِهَذِهِ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ
* (فَالصَّوَابُ) أَنَّهُ إنَّمَا أَهْدَى بَعْضَ لَحْمِ صَيْدٍ لِأَكْلِهِ وَيَكُونُ قَوْلُهُ حِمَارًا وَحْشِيًّا وَحِمَارَ وَحْشٍ مَجَازًا أَيْ بَعْضَ حِمَارٍ وَيَكُونُ رَدُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له عليه لِأَنَّهُ عَلِمَ مِنْهُ أَوْ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ اصْطَادَهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْ الِاصْطِيَادَ لَهُ لَقَبِلَهُ مِنْهُ فَإِنَّ لَحْمَ الصَّيْدِ الَّذِي صَادَهُ الْحَلَالُ إنَّمَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ إذَا صِيدَ لَهُ أَوْ أَعَانَ عَلَيْهِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا (فَإِنْ قِيلَ) فانما

(7/306)


عَلَّلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّهُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُمْ حُرُمٌ (قُلْنَا) لَا تَمْنَعُ هَذِهِ الْعِبَارَةُ كَوْنَهُ صِيدَ لَهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا
يَحْرُمُ الصَّيْدُ عَلَى الْإِنْسَانِ إذَا صِيدَ لَهُ بِشَرْطِ كَوْنِهِ مُحْرِمًا فَبَيَّنَ الشَّرْطَ الَّذِي يَحْرُمُ بِهِ وَسَأَبْسُطُ الْكَلَامَ فِي إيضَاحِ هَذَا الْحَدِيثِ وَبَيَانِ طُرُقِهِ وَمَا يُوَافِقُهُ وَكَلَامِ الْعُلَمَاءِ عَلَيْهِ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ مِنْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) قَوْلُهُ الصَّعْبُ بْنُ جَثَّامَةَ فَالصَّعْبُ بِفَتْحِ الصَّادِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ وَجَثَّامَةُ بِجِيمٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ ثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ مُشَدَّدَةٍ (وَقَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لم يرده عَلَيْكَ) هُوَ بِرَفْعِ الدَّالِ عَلَى الصَّوَابِ الْمَعْرُوفِ لِأَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَغَلَبَ عَلَى أَلْسِنَةِ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ فَتْحُهَا وَهُوَ ضَعِيفٌ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي التَّهْذِيبِ وَشَرْحِ مُسْلِمٍ (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ سَبَبٌ يُتَمَلَّكُ بِهِ الصَّيْدُ إنَّمَا قَالَ يُتَمَلَّكُ وَلَمْ يَقُلْ يُمْلَكُ ليحترز عن الارث فانه يُمْلَكُ لِيَحْتَرِزَ عَنْ الْإِرْثِ فَإِنَّهُ يُمْلَكُ بِهِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ سَبَبٌ يُمْلَكُ بِهِ الصيد ولا يقال في الرث يُتَمَلَّكُ إنَّمَا يُقَالُ يُمْلَكُ لِأَنَّهُ مِلْكٌ قَهْرِيٌّ (قَوْلُهُ) لِأَنَّهُ مَعْنًى لَا يُرَادُ لِلْبَقَاءِ يَحْرُمُ ابْتِدَاؤُهُ فَحَرُمَتْ اسْتِدَامَتُهُ كَلُبْسِ الْمَخِيطِ احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ لَا يُرَادُ لِلْبَقَاءِ مِنْ النِّكَاحِ وَبِقَوْلِهِ يَحْرُمُ ابْتِدَاؤُهُ مِنْ لُبْسِ مَا سِوَى الْمَخِيطِ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ مُنْتَقَضَةٌ بِالطِّيبِ فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ اسْتِدَامَتُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ شِرَاءُ الصَّيْدِ وَقَبُولُ هِبَتِهِ وهديته والوصية له به فَإِنْ اشْتَرَاهُ أَوْ قَبِلَ الْهِبَةَ أَوْ الْهَدِيَّةَ أَوْ الْوَصِيَّةَ فَهَلْ يَمْلِكُهُ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ لَا يَمْلِكُهُ لما ذكره المصنف
(والثانى)
طريقة للقفال وَمُعْظَمِ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّهُ يُبْنَى عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي مِلْكِهِ صَيْدٌ فَأَحْرَمَ (فَإِنْ قُلْنَا) يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ لَمْ يَمْلِكْ الصَّيْدَ بِالشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ وَالْهَدِيَّةِ وَالْوَصِيَّةِ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ كَشِرَاءِ الْكَافِرِ عَبْدًا مُسْلِمًا (أَصَحُّهُمَا) لَا يَمْلِكُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا (فان قلنا) بالمذهب أنه لا يَمْلِكُ فَلَيْسَ لَهُ الْقَبْضُ فَإِنْ قَبَضَ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَزِمَهُ إرْسَالُهُ
* وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مُرَادِهِ بِقَوْلِهِ لَزِمَهُ إرْسَالُهُ عَلَى وَجْهَيْنِ مَشْهُورَيْنِ فَمَنْ قَالَ إنَّهُ يَمْلِكُهُ تَعَلَّقَ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ لَوْلَا أَنَّهُ مَلَكَهُ مَا أَمَرَهُ بِإِرْسَالِهِ وَمَنْ قَالَ لَا يَمْلِكُهُ اخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَطَائِفَةٌ الْمُرَادُ بِإِرْسَالِهِ رَدُّهُ إلَى صَاحِبِهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ إرْسَالَهُ فِي الْبَرِّيَّةِ قَالُوا لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ تَضْيِيعُهُ وَلَمْ يَزُلْ مِلْكُ الْبَائِعِ وَالْوَاهِبِ عَنْهُ فَلَا يَجُوزُ تَفْوِيتُهُ عَلَيْهِ
* وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَآخَرُونَ يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ فِي الْبَرِّيَّةِ وَيُحْمَلُ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ عَلَى ظَاهِرِهِ فَيَجِبُ إرْسَالُهُ بِحَيْثُ يَتَوَحَّشُ

(7/307)


وَيَصِيرُ مُمْتَنِعًا فِي الْبَرِّيَّةِ وَيُدْفَعُ إلَى مَالِكِهِ الْقِيمَةُ
* قَالُوا وَيَجُوزُ تَفْوِيتُ حَقِّ الْمَالِكِ مِنْ عَيْنٍ وَإِنْ كَانَ بَاقِيًا عَلَى مِلْكِهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَسَبِّبُ فِي حُصُولِهِ فِي يَدِ الْمُحْرِمِ حَتَّى وَجَبَ إرْسَالُهُ فَانْتَقَلَ حَقُّهُ إلَى الْبَدَلِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ
* قَالَ الْمُتَوَلِّي وَيَصِيرُ الْمُحْرِمُ كَمَنْ اُضْطُرَّ إلَى أَكْلِ طَعَامِ غَيْرِهِ فَيَأْكُلُهُ وَيَغْرَمُ بَدَلَهُ وَيَكُونُ الِاضْطِرَارُ عُذْرًا فِي إتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَكَذَا هُنَا
* هَذَا مُخْتَصَرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ (لَزِمَهُ إرْسَالُهُ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُحْرِمِ قَبْلَ إرْسَالِهِ وَرَدِّهِ إلَى مَالِكِهِ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى يُدْفَعُ إلَى الْمَسَاكِينِ وَيَلْزَمُهُ لِمَالِكِهِ قِيمَتُهُ إنْ كَانَ قَبَضَهُ بِالشِّرَاءِ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ بِالشِّرَاءِ الْفَاسِدِ مَضْمُونٌ وَفِي وَقْتِ اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ الْخِلَافُ الْمَعْرُوفُ فِيمَنْ تَلِفَ عِنْدَهُ الْمَقْبُوضُ بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ وَإِنْ كَانَ قَبَضَهُ بِالْهِبَةِ وَنَحْوِهَا لَزِمَهُ الْجَزَاءُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَهَلْ يَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ لِمَالِكِهِ الْوَاهِبِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُلِّ مَا قُبِضَ بِهِبَةٍ فَاسِدَةٍ هَلْ يَكُونُ مَضْمُونًا أَمْ لَا (أَصَحُّهُمَا) لَا يَكُونُ مَضْمُونًا لِأَنَّ حُكْمَ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ حُكْمُ الصَّحِيحَةِ فِي الضَّمَانِ فَمَا ضُمِنَ صَحِيحُهُ ضُمِنَ فَاسِدُهُ وَمَا لَا يُضْمَنُ صَحِيحُهُ لَا يُضْمَنُ فَاسِدُهُ
* وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ مَشْهُورَةٌ سَنُوَضِّحُهَا فِي كِتَابِ الرَّهْنِ وَالشَّرِكَةِ وَالْهِبَةِ إنْ شَاءَ الله تعالى
* وممن ذكر الوجهين فيها هُنَا الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ والمحاملى وابو علي البندنيجى في كتابه االجامع وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ هُنَا بِالْأَصَحِّ وَهُوَ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ وَأَشَارَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ إلَى الْقَطْعِ بِالضَّمَانِ
* وَقَدْ اغْتَرَّ الرَّافِعِيُّ بِهَذَا فَوَافَقَ إشَارَتَهُمْ فَقَطَعَ هُنَا بِالضَّمَانِ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ وَأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَتَذَكَّرْهُ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ
* فَالْحَاصِلُ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ
* هَذَا كُلُّهُ إذَا تَلِفَ فِي يَدِ الْمُحْرِمِ (أَمَّا) إذَا أَتْلَفَهُ فَقَدْ صَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُمَا بِأَنَّهُ كَمَا لَوْ تَلِفَ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ (أَمَّا) إذَا رَدَّهُ إلَى مَالِكِهِ فَتَسْقُطُ عَنْهُ الْقِيمَةُ الَّتِي هِيَ حَقُّ الْآدَمِيِّ سَوَاءٌ كَانَ قَبَضَهُ بِالشِّرَاءِ أَوْ الْهِبَةِ وَنَحْوِهَا وَلَكِنْ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْجَزَاءُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا بِإِرْسَالِهِ
* وَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِ مَالِكِهِ بَعْدَ ذَلِكَ لَزِمَ الْمُحْرِمَ الْجَزَاءُ وَإِنْ أَرْسَلَهُ مَالِكُهُ سَقَطَ عَنْ الْمُحْرِمِ الْجَزَاءُ
* هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وقطع البدنيجي بانه إذا رد مَا قَبَضَهُ بِالْبَيْعِ إلَى بَائِعِهِ زَالَ عَنْهُ الضَّمَانُ وَلَوْ قَبَضَهُ بِالْهِبَةِ فَرَدَّهُ إلَى وَاهِبِهِ لَمْ يَزُلْ عَنْهُ الضَّمَانُ وَفَرَّقَ
بِأَنَّ الْمُتَّهَبَ كَانَ يُمْكِنُهُ إرْسَالُهُ وَلَا يَكُونُ ضَامِنًا لِوَاهِبِهِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي وَهَذَا الْحُكْمُ وَالْفَرْقُ ضَعِيفَانِ

(7/308)


قَالَ الْغَزَالِيُّ فَإِنْ صَحَّحَنَا الشِّرَاءَ فَبَاعَهُ الْمُحْرِمُ حَرُمَ الْبَيْعُ وَلَكِنْ يَنْعَقِدُ وَيَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي إرْسَالُهُ فَإِذَا أَرْسَلَهُ فَهَلْ يَكُونُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ فِيهِ الْخِلَافُ فِيمَنْ بَاعَ عَبْدًا مُرْتَدًّا فَقُتِلَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي
* هَذَا كَلَامُ الْغَزَالِيِّ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ مَا ذَكَرَهُ شَيْخُهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَإِنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ قَالَ قَالَ الْأَئِمَّةُ إذَا بَاعَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا أَمَرْنَاهُ بِإِطْلَاقِهِ وَوَجَبَ عَلَى الْمُشْتَرِي إرْسَالُهُ
* قَالَ فَإِنْ اسْتَبْعَدَ الْفَقِيهُ ذَلِكَ فَهُوَ كَتَصْحِيحِنَا مِنْ الْمُشْتَرِي شِرَاءَهُ مَعَ أَمْرِنَا إيَّاهُ بِإِرْسَالِهِ ثُمَّ إذَا أَرْسَلَهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ قبضه اتصل هذا بالتفريع فيمن اشترى مُرْتَدًّا فَقُتِلَ فِي يَدِهِ بِالرِّدَّةِ فَمِنْ ضَمَانِ مَنْ هُوَ وَفِيهِ خِلَافٌ
* قَالَ وَلَعَلَّ الْوَجْهَ الْقَطْعُ هُنَا بِإِرْسَالِهِ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَجْهًا واحدا لانا قد تقول الْمُرْتَدُّ قَدْ يُقْتَلُ لِرِدَّةٍ حَالَّةٍ وَالْخَطَرَاتُ تَتَجَدَّدُ وَالسَّبَبُ الَّذِي عَلَّقَ بِهِ وُجُوبَ الْإِرْسَالِ دَائِمٌ لَا تَجَدُّدَ فِيهِ
* (قَالَ) ثُمَّ قَالَ الْأَصْحَابُ لَوْ تَلِفَ الصَّيْدُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي أَوْ في يد من اشترى منه وهكذا كل شئ كيف تناسخت الايدى فالضمان على المحرم لانه الْمُتَسَبِّبُ إلَى إثْبَاتِ هَذِهِ الْأَيْدِي وَلِلسَّبَبِ فِي الْمَضْمُونَاتِ حُكْمُ الْمُبَاشَرَةِ
* هَذَا آخِرُ كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَمُرَادُهُ بِالضَّمَانِ الْمَذْكُورِ فِي آخِرِ كَلَامِهِ ضَمَانُ الْجَزَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا مات للمحرم قريب يملك صيد فَهَلْ يَرِثُهُ فِيهِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ فيه وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَرِثُهُ (وَالثَّانِي) لَا وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) وَبِهِ قَطَعَ الْقَفَّالُ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ الصَّيْدَلَانِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا الْخُرَاسَانِيِّينَ يَرِثُهُ وَجْهًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ مِلْكٌ قَهْرِيٌّ
* قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ الْقَوْلُ بِتَوْرِيثِهِ عَلَى قَوْلِنَا إنَّ الْإِحْرَامَ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ عَنْ الصَّيْدِ (فَأَمَّا) إذَا قُلْنَا بِالْقَوْلِ الْآخَرِ إنَّهُ يُزِيلُهُ فَلَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ بِالْإِرْثِ
* هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَكْسَهُ فَقَالَ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ إذَا قُلْنَا الْإِحْرَامُ يَقْطَعُ دَوَامَ الْمِلْكِ فَفِي الْإِرْثِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ لِأَنَّهُ مُشَبَّهٌ بِاسْتِمْرَارِ الْمِلْكِ عَلَى الدَّوَامِ فَإِذَا كَانَ الْإِحْرَامُ يُنَافِي دَوَامَ الْمِلْكِ فَكَذَلِكَ يُنَافِي الْمِلْكَ الْمُتَجَدِّدَ الْمُشَبَّهَ بِالدَّوَامِ (وَالثَّانِي) يَحْصُلُ الْمِلْكُ بِالْإِرْثِ وَيُزِيلُهُ فَإِنَّا نَضْطَرُّ إلَى الْجَرْيِ عَلَى قِيَاسِ التَّوْرِيثِ فَلْنُجْرِ ذَلِكَ الْحُكْمَ
ثُمَّ نحكم بِالزَّوَالِ
* هَذَا كَلَامُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ

(7/309)


جمهور الاصحاب لما قاله وهذا القتل الَّذِي أَضَافَهُ الْإِمَامُ إلَى الْعِرَاقِيِّينَ غَرِيبٌ فِي كتبهم (وأما) المتولي (فقال) ان قلنا يزول مِلْكُهُ فِي الصَّيْدِ لَمْ يَرِثْهُ وَإِلَّا فَيَرِثُهُ
* قَالَ الرَّافِعِيُّ فَإِنْ قُلْنَا يَرِثُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ يَزُولُ مِلْكُهُ عَقِبَ ثُبُوتِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ يَزُولُ عَنْ الصَّيْدِ بِالْإِحْرَامِ قَالَ وَفِي التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ خِلَافُهُ لِأَنَّهُمْ قَالُوا إذَا وَرِثَهُ لَزِمَهُ إرْسَالُهُ فَإِنْ بَاعَهُ صَحَّ بَيْعُهُ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ ضَمَانُ الْجَزَاءِ حَتَّى لَوْ مَاتَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَجَبَ الْجَزَاءُ عَلَى الْبَائِعِ وَإِنَّمَا يَسْقُطُ عَنْهُ إذَا أَرْسَلَهُ الْمُشْتَرِي
* هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَهَذَا الَّذِي أَضَافَهُ إلَى التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ وَآخَرُونَ
* قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ إذَا قُلْنَا إنَّهُ يَمْلِكُهُ بِالْإِرْثِ كَانَ مِلْكًا لَهُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ كَيْفَ شَاءَ إلَّا الْقَتْلَ وَالْإِتْلَافَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) إذَا قُلْنَا لَا يَرِثُ فَفِي حُكْمِهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي يَكُونُ مِلْكُ الصَّيْدِ لِبَاقِي الْوَرَثَةِ وَيَكُونُ إحْرَامُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الصَّيْدِ مَانِعًا مِنْ مَوَانِعِ الْإِرْثِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ بَلْ الصَّوَابُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَكُونُ بَاقِيًا عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي الْمَيِّتِ حَتَّى يَتَحَلَّلَ الْمُحْرِمُ مِنْ إحْرَامِهِ فَإِنْ تَحَلَّلَ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ
* وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهَذَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالدَّارِمِيُّ وَأَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي كِتَابِهِ الْجَامِعِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ المجموع التجريد وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَأَبُو الْقَاسِمِ الْكَرْخِيُّ شَيْخُ الْمُصَنِّفِ وَصَاحِبُ الْعِدَّةِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ
* قَالَ الدَّارِمِيُّ فَإِنْ مَاتَ الْوَارِثُ قَبْلَ تَحَلُّلِهِ قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا كَانَ فِي مِلْكِهِ صَيْدٌ فَأَحْرَمَ فَفِي زَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِمَا فِي الْأُمِّ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ إنَّمَا نَصَّ فِي الْإِمْلَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَزُولُ
* مِمَّنْ حَكَى هَذَا الشَّيْخُ أَبُو حامد والماوردي (والاصح) من الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ يَزُولُ
* مِمَّنْ صَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَفِي الْمُجَرَّدِ والعبد رى وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَخَالَفَهُمْ الْجُرْجَانِيُّ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ التَّحْرِيرِ الْأَصَحُّ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ وَالْمَشْهُورُ تَصْحِيحُ زَوَالِ مِلْكِهِ
* قَالَ الرَّافِعِيُّ هَلْ يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ فِيهِ قَوْلَانِ (الْأَظْهَرُ) يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ (وَقِيلَ) لَا يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ قَوْلًا وَاحِدًا بَلْ
يُسْتَحَبُّ
* قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ لَمْ نُوجِبْ الْإِرْسَالَ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ لَهُ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ لَكِنْ لَا يَجُوزُ لَهُ قَتْلُهُ فَإِنْ قَتَلَهُ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ كَمَا لَوْ قَتَلَ عَبْدَهُ يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ
* وَلَوْ أَرْسَلَهُ غَيْرُهُ أَوْ قَتَلَهُ لَزِمَهُ قِيمَتُهُ لِلْمَالِكِ ولا شئ

(7/310)


عَلَى الْمَالِكِ
* وَإِنْ أَوْجَبْنَا إرْسَالَهُ فَهَلْ يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَزُولُ فَعَلَى هَذَا لَوْ أَرْسَلَهُ غَيْرُهُ أَوْ قَتَلَهُ فَلَا شئ عليه ولو أرسله فَأَخَذَهُ غَيْرُهُ مَلَكَهُ لِأَنَّهُ صَارَ مُبَاحًا كَمَا كان قبل اصطياده أو لا
* وَلَوْ لَمْ يُرْسِلْهُ حَتَّى تَحَلَّلَ فَهَلْ يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) يلزمه وهو المنصوص اتفقوا عَلَى تَصْحِيحِهِ (وَالثَّانِي) لَا يَلْزَمُهُ وَهُوَ قَوْلُ أبي اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَجْهَيْنِ فِي أَنَّهُ يَزُولُ مِلْكُهُ بِنَفْسِ الْإِحْرَامِ أَمْ الْإِحْرَامُ يُوجِبُ عَلَيْهِ الْإِرْسَالَ فَإِذَا أَرْسَلَ زَالَ حِينَئِذٍ (وَالْأَوَّلُ) مِنْهُمَا أَصَحُّ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ وَصَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يَزُولُ مِلْكُهُ فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ آخذه فلو اخذه لم يملكه وقتله ضَمِنَهُ
* وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ لَوْ مَاتَ فِي يَدِهِ بعد امكان الارسال لزمه الجزاء لانهما مفرعان عَلَى وُجُوبِ الْإِرْسَالِ وَهُوَ مُقَصِّرٌ بِالْإِمْسَاكِ وَلَوْ مَاتَ الصَّيْدُ قَبْلَ إمْكَانِ الْإِرْسَالِ وَجَبَ الْجَزَاءُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَلَا يَجِبُ فِي الثَّانِي وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وصاحب البيان وَمِمَّنْ صَحَّحَ الْأَوَّلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالرَّافِعِيُّ
* وَإِذَا لَمْ يُرْسِلْهُ حَتَّى حَلَّ مِنْ إحْرَامِهِ وَقُلْنَا بِالصَّحِيحِ الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِرْسَالُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ فَقَتَلَهُ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ
(أَحَدُهُمَا)
لَا ضَمَانَ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ وَهُوَ حَلَالٌ (وَأَصَحُّهُمَا) وُجُوبُ الْجَزَاءِ لِأَنَّهُ ضَمِنَهُ بِالْيَدِ فِي الْإِحْرَامِ فَلَا يَزُولُ الضَّمَانُ إلَّا بِالْإِرْسَالِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ تَقْدِيمُ الْإِرْسَالِ على الاحرام وممن نَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْأَصْحَابُ مَتَى أَمَرَ بِإِرْسَالِ الصَّيْدِ فَأَرْسَلَهُ زَالَ عَنْهُ الضَّمَانُ وَصَارَ الصَّيْدُ مُبَاحًا فَمَنْ أَخَذَهُ مِنْ النَّاسِ بَعْدَ ذَلِكَ وَهُوَ حَلَالٌ مَلَكَهُ وَكَذَا لَوْ أَخَذَهُ الْمُحْرِمُ بَعْدَ تَحَلُّلِهِ مَلَكَهُ كَغَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ وَكَغَيْرِهِ مِنْ الصَّيُودِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ اشْتَرَى صَيْدًا فَوَجَدَهُ مَعِيبًا وَقَدْ أَحْرَمَ الْبَائِعُ فَإِنْ قُلْنَا لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَمْلِكَ الصَّيْدَ
بِالْإِرْثِ رَدَّهُ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَرُدُّ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ لَا يَدْخُلُ الصَّيْدُ فِي مِلْكِهِ (وَالثَّانِي) يَرُدُّ لِأَنَّ مَنْعَ الرَّدِّ إضْرَارٌ بِالْمُشْتَرِي
* قَالَ

(7/311)


الْمُتَوَلِّي (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَرُدُّ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا فَرَهَنَهُ ثُمَّ عَلِمَ بِهِ عَيْبًا وَهُوَ مَرْهُونٌ
* وَقَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ إذَا قلنا لارد فَمَاذَا يَصْنَعُ فِيهِ وَجْهَانِ (قَالَ) الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ يَرُدُّ عَلَيْهِ الْبَائِعُ الثَّمَنَ وَيُوقَفُ الصَّيْدُ حَتَّى يَتَحَلَّلَ فَيَرُدُّهُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمُتَعَذَّرَ هُوَ رَدُّ الصَّيْدِ دُونَ رَدِّ الثَّمَنِ (وَقَالَ) ابْنُ الصَّبَّاغِ يَكُونُ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُوقِفَ حَتَّى يَتَحَلَّلَ الْبَائِعُ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ وَبَيْنَ أَنْ يَرْجِعَ بِالْأَرْشِ لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ لَوْ مَلَكَ الْمُشْتَرِي لَزَالَ مِلْكُهُ عَنْ الصَّيْدِ إلَى الْبَائِعِ وَلَوَجَبَ رَدُّهُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يَجْتَمِعَ الْعِوَضَانِ لِلْمُشْتَرِي (قُلْتُ) هَذَا الَّذِي حَكَاهُ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ إنَّمَا هُوَ احْتِمَالٌ ذَكَرَهُ فِي تَعْلِيقِهِ وَلَمْ يَجْزِمْ بِهِ وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ اشتري الحلال صيد اثم أَفْلَسَ بِالثَّمَنِ وَالْبَائِعُ مُحْرِمٌ فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ فِي الصَّيْدِ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ التَّفْلِيسِ وَنَقَلَهُ الْمَحَامِلِيُّ هُنَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ أَصْحَابِنَا مُطْلَقًا وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَوَجْهُ الجواز رفع الضرر عن البائع والمذهب الاول لان هنا يملك الصيدا بالاختيار فلم يجزى مَعَ الْإِحْرَامِ كَالْمُشْتَرِي بِخِلَافِ الْإِرْثِ فَإِنَّهُ مُجْزِئٌ وَبِخِلَافِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ عَلَى وَجْهٍ فَإِنَّهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَإِذَا قُلْنَا لَا يَرْجِعُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ لَهُ الرُّجُوعُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ مِنْ إحْرَامِهِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ اسْتَعَارَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالْجَزَاءِ لِلَّهِ تَعَالَى وَالْقِيمَةِ لِلْمُعِيرِ وَلَيْسَ لَهُ التَّعَرُّضُ لَهُ فَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ لزمه الجزاء القيمة فان أرسله عصى ولزمه القيمة لمالك وَسَقَطَ عَنْهُ الْجَزَاءُ وَإِنْ رَدَّهُ إلَى الْمَالِكِ برئ مِنْ حَقِّ الْمَالِكِ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْجَزَاءُ مَا لَمْ يُرْسِلْهُ الْمَالِكُ
* هَكَذَا
ذَكَرَ هَذَا الْفَرْعَ أَصْحَابُنَا فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَاتَّفَقُوا عَلَى تَحْرِيمِ اعادة الصيد للمحرم وقد ذكر المصنف تحريم الاعادة فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْعَارِيَّةِ (وَأَمَّا) إذَا أَوْدَعَ الصَّيْدَ عِنْدَ الْمُحْرِمِ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ القاضي حسين والبغوى وَالرَّافِعِيُّ هُنَا أَنَّهُ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالْجَزَاءِ كَمَا لَوْ اسْتَعَارَهُ لِأَنَّهُ

(7/312)


مَمْنُوعٌ مِنْ وَضْعِ الْيَدِ عَلَيْهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ اسْتَوْدَعَ مَالًا مَغْصُوبًا
* فَعَلَى هَذَا إنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ وَلَا تَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ لِلْمَالِكِ إلَّا أَنْ يُفَرِّطَ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ لَا تُضْمَنُ إلَّا بِالتَّفْرِيطِ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ يَضْمَنُهُ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَإِنْ أَرْسَلَهُ عَصَى وَلَزِمَهُ الْقِيمَةُ لِلْمَالِكِ وَإِنْ رَدَّهُ إلَيْهِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْجَزَاءُ مَا لَمْ يُرْسِلْهُ المالك (والثاني) لَا جَزَاءَ عَلَيْهِ وَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَحَكَاهُ عَنْهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْعَارِيَّةِ لِأَنَّهُ لَمْ يُمْسِكْهُ لِنَفْسِهِ
* وَهَذِهِ الْعِلَّةُ تُنْتَقَضُ بِالْمَغْصُوبِ إذَا أُودِعَ عِنْدَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هُنَا فَأَمَّا إذَا اسْتَعَارَ الْحَلَالُ صَيْدًا مِنْ مُحْرِمٍ فَتَلِفَ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ (فَإِنْ قُلْنَا) يَزُولُ مِلْكُ الْمُحْرِمِ عَنْ الصَّيْدِ بِالْإِحْرَامِ وَجَبَ الْجَزَاءُ عَلَى الْمُحْرِمِ الْمُعِيرِ لِأَنَّهُ كَانَ مَضْمُونًا عليه باليد ولا شئ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ لَا جَزَاءَ وَلَا قِيمَةَ (أَمَّا) الْجَزَاءُ فَلِأَنَّهُ حَلَالٌ (وَأَمَّا) الْقِيمَةُ فَلِأَنَّ الْمُعِيرَ لَا يَمْلِكُهُ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يَزُولُ مِلْكُ الْمُحْرِمِ فَلَا جَزَاءَ عَلَى الْمُحْرِمِ لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا يَضْمَنُهُ إلَّا بِالْجِنَايَةِ وَتَجِبُ القيمة على المستعير للمسالك لِأَنَّهَا عَارِيَّةٌ مَمْلُوكَةٌ فَوَجَبَ ضَمَانُهَا بِالتَّلَفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا حَيْثُ صَارَ الصَّيْدُ مَضْمُونًا عَلَى الْمُحْرِمِ بِالْجَزَاءِ فَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ فَإِنْ قَتَلَهُ حَلَالٌ فِي يده فالجزاء عَلَى الْمُحْرِمِ وَإِنْ قَتَلَهُ مُحْرِمٌ آخَرُ فَوَجْهَانِ حكاهما الشيخ أبو حامد والماوردي والبغوى وَآخَرُونَ (أَحَدُهُمَا) الْجَزَاءُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ كَمَا لَوْ اشْتَرَكَا فِي قَتْلِ صَيْدٍ (وَأَصَحُّهُمَا) يَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ وَيَكُونُ الَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ طَرِيقًا فِي الضَّمَانِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَوْ كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ صَيْدٌ مَمْلُوكٌ لَهُمَا فَأَحْرَمَ أَحَدُهُمَا وَقُلْنَا يَلْزَمُ الْمُحْرِمَ إرْسَالُ الصَّيْدِ الَّذِي كَانَ فِي مِلْكِهِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ فَالْإِرْسَالُ هُنَا غَيْرُ مُمْكِنٍ فَأَقْصَى مَا يُمْكِنُ أَنْ يَرْفَعَ يَدَ نَفْسِهِ عَنْهُ قَالَ وَلَمْ يُوجِبْ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ السَّعْيَ فِي تَحْصِيلِ الْمِلْكِ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ لِيُطْلِقَهُ
وَلَكِنْ تَرَدَّدُوا فِي أَنَّهُ لَوْ تَلِفَ هَلْ يَلْزَمُهُ ضَمَانُ حِصَّتِهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَمْ يَتَأَتَّ مِنْهُ إطْلَاقُهُ عَلَى مَا ينبغى والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
*

(7/313)


(وان كان الصيد غير مأكول نظرت فان كان متولدا بين ما يؤكل وبين ما لا يؤكل كالسمع المتولد بين الذئب والضبع والحمار المتولد بين حمار الوحش وحمار الاهل فحكمه حكم ما يؤكل في تحريم صيده ووجوب الجزاء لانه اجتمع فيه جهة التحليل والتحريم فغلب التحريم كما غلبت جهة التحريم في أكله وان كان حيوانا لا يؤكل ولا هو متولد مما يؤكل فالحلال والحرام فيه واحد لقوله تَعَالَى (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حرما) فحرم من الصيد ما يحرم بالاحرام وهذا لا يكون الا فيما يؤكل وهل يكره قتله أو لا يكره ينظر فيه فان كان مما يضر ولا ينفع كالذئب والاسد والحية والعقرب والفأرة والحدأة والغراب والكلب العقور والبق والرغوث والقمل والقرقش والزنبور فالمستحب أن يقتله لانه يدفع ضرورة عن نفسه وعن غيره وان كان مما ينتفع به ويستضر به كالفهد والبازى فلا يستحب قتله لما فيه من المنفعة ولا يكره لما فيه من المضرة وان كان مما لا يضر وينفع كالخنافس والجعلان وبنات وردان فانه يكره قتله ولا يحرم
* (الشَّرْحُ) السِّمْعُ بِكَسْرِ السِّينِ وَالضَّبُعُ اسْمٌ لِلْأُنْثَى (وَأَمَّا) الذَّكَرُ فَيُقَالُ لَهُ ضِبْعَانُ بِكَسْرِ الضَّادِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ وَالْفَأْرَةُ مَهْمُوزَةٌ وَيَجُوزُ تَخْفِيفُهَا بِتَرْكِ الْهَمْزَةِ وَالْحِدَأَةُ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَبَعْدَ الدَّالِ هَمْزَةٌ وجمعها حِدَأٌ كَعِنَبَةٍ وَعِنَبٍ وَالْبُرْغُوثُ بِضَمِّ الْبَاءِ وَالْقِرْقِشُ بِقَافَيْنِ مَكْسُورَتَيْنِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ هُوَ الْبَعُوضُ الصِّغَارُ قَالَ وَيُقَالُ الْجِرْجِسُ بِجِيمَيْنِ مَكْسُورَتَيْنِ وَقِيلَ إنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الْبَقِّ (وَأَمَّا) الْبَازِي فَفِيهِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ تَخْفِيفُ الْيَاءِ وَتَشْدِيدُهَا وَالثَّالِثَةُ بَازٍ بِغَيْرِ يَاءٍ أَفْصَحُهُنَّ الْبَازِي بِالْيَاءِ الْمُخَفَّفَةِ وَلُغَةُ التَّشْدِيدِ غَرِيبَةٌ وَمِمَّنْ حَكَاهَا ابْنُ مَكِّيٍّ وَأَنْكَرَهَا الْأَكْثَرُونَ وَقَدْ أَوْضَحْتُ ذَلِكَ مَعَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ جَمْعِ الْكَلِمَةِ وَتَصْرِيفِهَا فِي تَهْذِيبِ اللُّغَاتِ (أما) الاحكام فنمهذ قَبْلَهَا بِحَدِيثِ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال (خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ كُلُّهُنَّ فَاسِقٌ يُقْتَلْنَ فِي الْحَرَمِ الْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا (فَيُقْتَلْنَ في الحل
والحرم) وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ لَيْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِهِنَّ جُنَاحٌ الْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم وفى رواية لمسلم

(7/314)


(فِي الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ (خَمْسٌ من قتلهن وهو محرم فلا جُنَاحَ عَلَيْهِ) وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ (سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ مَا يَقْتُلُ الرَّجُلُ مِنْ الدَّوَابِّ وَهُوَ مُحْرِمٌ قَالَ حدثنى إحْدَى نِسْوَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يأمر بقتل الكلب العقور والفأرة والعقرب والحدأة وَالْغُرَابِ وَالْحَيَّةِ) قَالَ وَفِي الصَّلَاةِ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَمَّا يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ قَالَ (الْحَيَّةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْفُوَيْسِقَةُ وَيَرْمِي الْغُرَابَ وَلَا يَقْتُلُهُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ وَالْحِدَأَةُ وَالسَّبُعُ الْعَادِي) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وغيرهم ومن رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا وَقَدْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ إنَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ فَإِنْ صَحَّ حُمِلَ قَوْلُهُ وَيَرْمِي الْغُرَابَ وَلَا يقتله على انه يَتَأَكَّدُ نَدْبُ قَتْلِهِ كَتَأَكُّدِهِ فِي الْحَيَّةِ وَالْفَأْرَةِ وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَعَنْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْوَزَغُ فُوَيْسِقٌ وَلَمْ أَسْمَعْهُ أَمَرَ بِقَتْلِهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أُمِّ شَرِيكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَمَرَ بِقَتْلِ الْأَوْزَاغِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ الْوَزَغِ وَسَمَّاهُ فُوَيْسِقًا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَمَرَ الْمُحْرِمَ بِقَتْلِ الزُّنْبُورِ) رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ
* وَعَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابن الجبيرى أَنَّهُ رَأَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عنه يفرد بعيرا له في طير بِالسُّقْيَا وَهُوَ مُحْرِمٌ) رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا مَا لَيْسَ مَأْكُولًا مِنْ الدَّوَابِّ

(7/315)


وَالطُّيُورِ ضَرْبَانِ
(أَحَدُهُمَا)
مَا لَيْسَ فِي أَصْلِهِ مأكولا (والثاني) ما أحد أصليه مأكولا فَالْأَوَّلُ لَا يَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لَهُ بِالْإِحْرَامِ فَيَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ قَتْلُهُ وَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ يَجُوزُ قَتْلُهُ لِلْحَلَالِ وَالْمُحْرِمِ فِي الْحَرَمِ وَلَا جَزَاءَ عليه للاحاديث السابقة قال أصحابنا وهذا للضرب ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ (أَحَدُهَا) مَا يُسْتَحَبُّ قَتْلُهُ لِلْمُحْرِمِ وَغَيْرِهِ وَهِيَ الْمُؤْذِيَاتُ كَالْحَيَّةِ وَالْفَأْرَةِ وَالْعَقْرَبِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ وَالْغُرَابِ
وَالْحِدَأَةِ وَالذِّئْبِ وَالْأَسَدِ وَالنَّمِرِ وَالدُّبِّ وَالنَّسْرِ وَالْعُقَابِ وَالْبُرْغُوثِ وَالْبَقِّ وَالزُّنْبُورِ وَالْقُرَادِ واللكة والقرقش وَأَشْبَاهِهَا (الْقِسْمُ الثَّانِي) مَا فِيهِ نفع ومضرة كالفهد والعقاب وَالْبَازِي وَالصَّقْرِ وَنَحْوِهَا فَلَا يُسْتَحَبُّ قَتْلُهَا وَلَا يُكْرَهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ الْقَاضِي نَفْعُ هَذَا الضَّرْبِ أَنَّهُ يُعَلَّمُ لِلِاصْطِيَادِ وَضَرَرُهُ أَنَّهُ يَعْدُو عَلَى النَّاسِ وَالْبَهَائِمِ (الثَّالِثُ) مَا لَا يَظْهَرُ فِيهِ نَفْعٌ وَلَا ضُرٌّ كَالْخَنَافِسِ وَالدُّودِ والجعلان والسرطان والبغاثة والرخمة والعضا واللحكاء وَالذُّبَابِ وَأَشْبَاهِهَا فَيُكْرَهُ قَتْلُهَا وَلَا يَحْرُمُ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ
* وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ يَحْرُمُ قَتْلُ الطُّيُورِ دُونَ الْحَشَرَاتِ وَدَلِيلُ الْكَرَاهَةِ أَنَّهُ عَبَثٌ بِلَا حَاجَةٍ وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قال (ان الله كتب الاحسان على كل شئ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا) إلَى آخِرِهِ وَلَيْسَ مِنْ الْإِحْسَانِ قَتْلُهَا عَبَثًا وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ قُطْبَةَ بْنِ مَالِكٍ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (كَانَ يُكْرَهُ أَنْ يَقْتُلَ الرَّجُلُ مَا لَا يَضُرُّهُ) قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَجُوزُ قَتْلُ النَّحْلِ وَالنَّمْلِ وَالْخَطَّافِ وَالضُّفْدَعِ وَفِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ بِقَتْلِ الْهُدْهُدِ وَالصُّرَدِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي جَوَازِ أَكْلِهِمَا إنْ جَازَ وَجَبَ وَإِلَّا فَلَا
* وَاسْتَدَلَّ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (نَهَى عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنْ الدَّوَابِّ النَّمْلَةِ وَالنَّحْلَةِ وَالْهُدْهُدِ وَالصُّرَدِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنَّ نَمْلَةً قَرَصَتْ نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ فَأَمَرَ بِقَرْيَةِ النَّمْلِ فأحرقت فأوحي الله تعالى إليه في أَنْ قَرَصَتْكَ نَمْلَةٌ أَهْلَكْتَ أُمَّةً مِنْ الْأُمَمِ تُسَبِّحُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) الْكَلْبُ الَّذِي لَيْسَ بِعَقُورٍ فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ فَقَتْلُهُ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ لم يكن فيه مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَحْرُمُ قَتْلُهُ وَقِيلَ يُكْرَهُ وَالْأَمْرُ بِقَتْلِ الْكِلَابِ مَنْسُوخٌ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مُسْتَوْفَاةً فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ

(7/316)


وَسَنُعِيدُهَا وَاضِحَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مَادَّتَهَا فِي بَابِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَمَا لَا يَجُوزُ (أَمَّا) الْقَمْلُ فَقَتْلُهُ مُسْتَحَبٌّ فِي غَيْرِ الْإِحْرَامِ بِلَا شَكٍّ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ (وَأَمَّا) فِي حَالِ الْإِحْرَامِ فَإِنْ ظَهَرَ عَلَى ثِيَابِ الْمُحْرِمِ أَوْ بَدَنِهِ فَلَا يُكْرَهُ لَهُ تَنْحِيَتُهُ وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ قَتْلُهُ فَإِنْ قَتَلَهُ فلا شئ
فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَأْكُولًا
* قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيُكْرَهُ أَنْ يُفَلِّيَ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ فَإِنْ فَعَلَ وَأَخْرَجَ مِنْهَا قَمْلَةً وَقَتَلَهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ تَصَدَّقَ وَلَوْ بِلُقْمَةٍ قَالَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ هَذَا التَّصَدُّقُ مُسْتَحَبٌّ
* وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ وَجْهًا شَاذًّا ضَعِيفًا أَنَّهُ وَاجِبٌ لِمَا فِيهِ مِنْ إزَالَةِ الْأَذَى عَنْ الرَّأْسِ
* قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَلَوْ جَعَلَ الزَّيْتَ فِي رَأْسِهِ فَمَاتَ الْقَمْلُ وَالصِّئْبَانُ فَفِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ هَذَانِ الْوَجْهَانِ
* هَذَا إذَا جَعَلَهُ فِي شَعْرِ رَأْسِهِ أَوْ لِحْيَتِهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ قَالُوا جَمِيعًا فَإِنْ جَعَلَهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ فَلَا فِدْيَةَ قَطْعًا لَا وَاجِبَةً وَلَا مُسْتَحَبَّةً قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلِلصِّئْبَانِ حُكْمُ الْقَمْلِ وَهُوَ بَيْضُ الْقَمْلِ لَكِنَّ فِدْيَتَهُ أَقَلُّ مِنْ فِدْيَةِ الْقَمْلِ لِكَوْنِهِ أَصْغَرَ مِنْهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَحَقِيقَةُ الْفِدْيَةِ ليست للقمل بل للترفه بازالة الذي عَنْ الرَّأْسِ فَأَشْبَهَ حَلْقَ شَعْرِ الرَّأْسِ (الضَّرْبُ الثَّانِي) مَا فِي أَصْلِهِ مَأْكُولٌ كَالْمُتَوَلَّدِ بَيْنَ ذِئْبٍ وَضَبُعٍ أَوْ حِمَارِ وَحْشٍ وَإِنْسٍ فَيَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لَهُ وَيَجِبُ الْجَزَاءُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَيَلْحَقُ بِهَذَا الضَّرْبِ مَا تَوَلَّدَ مِنْ صَيْدٍ وَحَيَوَانٍ أَهْلِيٍّ كَمُتَوَلَّدٍ بَيْنَ ضَبُعٍ وَشَاةٍ وَدَجَاجَةٍ وَيَعْفُورٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَيَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ التَّعَرُّضُ لَهُ وَيَضْمَنُهُ بِالْجَزَاءِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْمُتَوَلَّدِ بَيْنَ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ وَهَذَا كُلُّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ فَإِنْ أَتْلَفَ حَيَوَانًا وَشَكَّ هَلْ هُوَ مَأْكُولٌ أَمْ لَا أَوْ شَكَّ هَلْ خَالَطَهُ وَحْشِيٌّ مَأْكُولٌ أَمْ لَا لَمْ يَجِبْ الْجَزَاءُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ احْتِيَاطًا وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى هَذَا وَكَذَلِكَ الْبَيْضُ كَالْحَيَوَانِ عِنْدَ الشَّكِّ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (وما حرم على المحرم من الصيد حرم عليه بيضه وإذا كسره وجب عليه الجزاء وقال المزني رحمه الله لا جزاء عليه لانه لا روح فيه
* والدليل عليه ما رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي بيض النعامة (يصيبه المحرم ثمنه) ولانه خارج من الصيد يخلق منه مثله فضمن بالجزاء كالفرخ

(7/317)


فان كسر بيضا لم يحل له أكله وهل يحل لغيره فيه قولان كالصيد
* وقال شيخنا القاضى أبو الطيب رحمه الله في تحريمه علي غيره نظر لانه لا روح فيه فلا يحتاج الي ذكاة
* وان كسر بيضا مذرا لم يضمنه من غير النعامة لانه لا قيمة له ويضمنه من النعامة لان لقشر بيض النعامة قيمة
*
(الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَرَوَاهُ ابْنُ ماجه والدارقطني وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الْمُهَزِّمِ يَزِيدَ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبُو الْمُهَزِّمِ هَذَا ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ وَبَالَغُوا فِي تَضْعِيفِهِ حَتَّى قال شعبة لو أَعْطَوْهُ فَلْسًا لَحَدَّثَهُمْ سَبْعِينَ حَدِيثًا
* وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَابِ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً وَآثَارًا (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ الصَّيْدِ احْتِرَازٌ مِنْ بَيْضِ الدَّجَاجِ (وَقَوْلُهُ) يُخْلَقُ مِنْهُ مِثْلُهُ احْتِرَازٌ مِنْ الْبَيْضِ الْمَذِرِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ كُلُّ صَيْدٍ حَرُمَ عَلَى الْمُحْرِمِ حَرُمَ عَلَيْهِ بَيْضُهُ وَإِذَا كَسَرَهُ لَزِمَهُ قِيمَتُهُ
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا الْمُزَنِيَّ وَدَاوُد فَقَالَا هُوَ حَلَالٌ وَلَا جَزَاءَ فِيهِ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الْبَيْضَ الْمَذِرَ لَا يَحْرُمُ وَلَا جَزَاءَ فِي إتْلَافِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْضَ نعامة فعليه قيمته لان قشرهما يُنْتَفَعُ بِهِ مُتَقَوِّمٌ
* هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ إلَّا إمام الحرمين فانه قل لو كسر بيضة للنعامة مذرة فلا شئ عَلَيْهِ قَالَ وَإِنْ قُدِّرَتْ قِيمَتُهُ فَهِيَ لِلْقِشْرِ وَلَيْسَ هُوَ مَضْمُونًا كَمَا لَا يُضْمَنُ الرِّيشُ

(7/318)


الْمُنْفَصِلُ مِنْ الطَّائِرِ
* هَذَا كَلَامُهُ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ أَوْ غَلَطٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ نَفَّرَ صَيْدًا عَنْ بَيْضَتِهِ الَّتِي حَضَنَهَا فَفَسَدَتْ لَزِمَهُ قِيمَتُهَا لِأَنَّهَا تَلِفَتْ بِسَبَبِهِ وَلَوْ أَخَذَ بَيْضَ دَجَاجَةٍ فَأَحْضَنَهُ صَيْدًا فَلَمْ يَقْعُدْ الصَّيْدُ عَلَى بَيْضِ نَفْسِهِ فَفَسَدَ أَوْ قَعَدَ على بيضه وبيض الدجاجة فسد بَيْضُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ فَسَادَهُ بِسَبَبِ ضَمِّ بَيْضِ الدَّجَاجَةِ إلَيْهِ وَامْتِنَاعِهِ مِنْ الْقُعُودِ عَلَيْهِ بِسَبَبِهِ
* وَلَوْ أَخَذَ بَيْضَ صَيْدٍ وَأَحْضَنَهُ دَجَاجَةً فَهُوَ فِي ضَمَانِهِ حَتَّى يَخْرُجَ الْفَرْخُ وَيَسْعَى وَيَسْتَقِلَّ فَإِنْ خَرَجَ وَمَاتَ قَبْلَ الِامْتِنَاعِ لَزِمَهُ مِثْلُهُ مِنْ النَّعَمِ وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ وَإِنْ تَلِفَ الْبَيْضُ تَحْتَ الدَّجَاجَةِ لَزِمَهُ قِيمَتُهُ
* وَلَوْ كَسَرَ بَيْضَةَ صَيْدٍ فِيهَا فَرْخٌ له روح فطار وسلم فلا شئ عَلَيْهِ وَإِنْ مَاتَ فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ مِنْ النَّعَمِ
* ولو نزى دِيكٌ عَلَى يَعْفُورَةٍ أَوْ يَعْفُورٌ عَلَى دَجَاجَةٍ فَبَاضَتْ فَالْبَيْضُ حَرَامٌ عَلَى الْمُحْرِمِ كَمَا سَبَقَ فِي الْمُتَوَلَّدِ مِنْ الدَّجَاجَةِ وَالْيَعْفُورِ إذَا صَارَ فَرْخًا فَإِنْ أَتْلَفَهُ لَزِمَهُ قِيمَتُهُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَبَيْضُ الْجَرَادِ حَرَامٌ مَضْمُونٌ بِالْجَزَاءِ لِأَنَّهُ صَيْدٌ (وَأَمَّا) بَيْضُ السَّمَكِ فَمُبَاحٌ لِلْمُحْرِمِ كَالسَّمَكِ وَلَا جَزَاءَ فِيهِمَا
* قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ رَأَى الْمُحْرِمُ عَلَى فِرَاشِهِ بَيْضَ السَّمَكِ فَأَزَالَهُ عَنْهُ فَفَسَدَ فَقَدْ عَلَّقَ الشَّافِعِيُّ الْقَوْلَ فِيهِ قَالَ فَخَرَّجَهُ أَصْحَابُنَا عَلَى قَوْلَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
عَلَيْهِ ضَمَانُهُ لِأَنَّهُ فَسَدَ بِفِعْلِهِ
(وَالثَّانِي)
لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
إذَا كَسَرَ الْمُحْرِمُ بَيْضَ صَيْدٍ أَوْ قَلَاهُ حَرُمَ عَلَيْهِ أَكْلُهُ بِلَا خِلَافٍ وَفِي تَحْرِيمِهِ عَلَى الْحَلَالِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) فِيهِ قَوْلَانِ كَلَحْمِ الصَّيْدِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) لَا يَحْرُمُ عَلَى الْحَلَالِ قَوْلًا وَاحِدًا وَهَذَا الطَّرِيقُ أَصَحُّ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الطَّرِيقَيْنِ وَالْقَائِلِينَ بِهِمَا وَبَيَانُ التَّرْجِيحِ وَمَا يَتَفَرَّع عَلَيْهِمَا وَبَيْضُ صَيْدِ الْحَرَمِ ولبنه وبيض الجراد واوضحناه قَرِيبًا فِي مَسْأَلَةِ لَحْمِ صَيْدٍ ذَبَحَهُ الْمُحْرِمُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا حَلَبَ الْمُحْرِمُ لَبَنَ صَيْدٍ ضَمِنَهُ
* هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ أَبُو الْعَلَاءِ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي كِتَابِهِ الْجَامِعِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَالْجُمْهُورُ
* وَقَالَ الرُّويَانِيُّ لَا يَضْمَنهُ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ نَقَصَ الصَّيْدُ

(7/319)


بِذَلِكَ ضَمِنَهُ وَإِلَّا فَلَا وَدَلِيلُ الْمَذْهَبِ الْقِيَاسُ عَلَى الْبَيْضِ وَالرِّيشِ هَكَذَا اسْتِدْلَالُ صَاحِبِ الشَّامِلِ وَغَيْرِهِ
* (فَرْعٌ)
يَجِبُ فِي شَعْرِ الصَّيْدِ الْقِيمَةُ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْأَصْحَابُ قَالَ الْقَاضِي وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَوْرَاقِ أَشْجَارِ الحرم فانه لا يضمن ان جزاء الشَّعْرِ يَضُرُّ الْحَيَوَانَ وَبَقَاءَهُ يَنْفَعُهُ بِخِلَافِ الْوَرِقِ
* (فَرْعٌ)
إذَا رَمَى الْحَصَاةَ السَّابِعَةَ ثُمَّ رَمَى صَيْدًا قَبْلَ وُقُوعِ الْحَصَاةِ فِي الْجَمْرَةِ قَالَ الدَّارِمِيُّ قَالَ ابْنُ الْمَرْزُبَانِ يَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ لِأَنَّهُ رَمَاهُ قَبْلَ التَّحَلُّلِ فَإِنَّهُ لَا يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ إلَّا بِوُقُوعِ الْحَصَاةِ فِي الْجَمْرَةِ قَالَ الدَّارِمِيُّ وعندي انه لا فائدة في هذه الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّ مَوْضِعَ الرَّمْيِ مُتَوَسِّطٌ فِي الْحَرَمِ لَا يُمَكِّنُ أَحَدًا أَنْ يَرْمِيَ مِنْهُ إلَى صيد في الحل فسواه رَمَى الصَّيْدَ قَبْلَ رَمْيِ الْحَصَاةِ أَوْ بَعْدَهُ يَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ لِأَنَّهُ رَمَى صَيْدًا فِي الْحَرَمِ
* هَذَا كَلَامُ الدَّارِمِيِّ وَهَذَا عَجَبٌ مِنْهُ وَالصَّوَابُ قَوْلُ ابْنِ الْمَرْزُبَانِ وَالصُّورَةُ مَقْصُورَةٌ فِيمَا إذَا رَمَى إلَى صَيْدٍ مَمْلُوكٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ ويلزمه القيمة للمالك ولو كان رب لهذا الصيد بعد وقوع المصاد فِي الْجَمْرَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْجَزَاءُ لِأَنَّهُ صَيْدٌ مَمْلُوكٌ وَالْحَلَالُ إذَا قَتَلَ فِي الْحَرَمِ صَيْدًا مَمْلُوكًا لَمْ يَلْزَمْهُ الْجَزَاءُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَوَاخِرِ بَابِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالصَّيْدِ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ
(إحْدَاهَا) إذَا قَتَلَ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ نَاسِيًا لِإِحْرَامِهِ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ
وَالْجُمْهُورُ
* قَالَ الْعَبْدَرِيُّ هُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ كَافَّةً
* وَقَالَ مُجَاهِدٌ إنْ قَتَلَهُ خَطَأً أَوْ نَاسِيًا لِإِحْرَامِهِ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ وَإِنْ قَتَلَهُ عَمْدًا ذَاكِرًا لِإِحْرَامِهِ فَلَا جَزَاءَ
* قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ المحرم إذا

(7/320)


قَتَلَ الصَّيْدَ عَمْدًا ذَاكِرًا لِإِحْرَامِهِ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ إلَّا مُجَاهِدًا فَقَالَ إنْ تَعَمَّدَهُ ذَاكِرًا فَلَا جَزَاءَ وَإِنْ نَسِيَ وَأَخْطَأَ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ
* قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا وَافَقَ مُجَاهِدًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَهُوَ خِلَافُ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ قال واختلفو فِيمَنْ قَتَلَهُ خَطَأً فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَطَاوُسٌ وسعيد بن جبير وأبو ثور لا شئ عَلَيْهِ
* قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ أَقُولُ
* قَالَ وَقَالَ الْحَسَنُ وَعَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وأحمد واسحق وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ
* وَاحْتَجَّ مُجَاهِدٌ بِقَوْلِهِ تعالى (ومن قتله منكم متعمدا) قَالَ وَالْمُرَادُ مُتَعَمِّدًا لِقَتْلِهِ نَاسِيًا لِإِحْرَامِهِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى فِي آخِرِ الْآيَةِ (وَمَنْ عَادَ فينتقم الله منه) فعل الِانْتِقَامَ بِالْعَوْدِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ بِالْأَوَّلِ وَلَوْ كَانَ عَامِدًا ذَاكِرًا لِإِحْرَامِهِ لَأَثِمَ
* وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النعم) فَأَوْجَبَ الْجَزَاءَ عَلَى الْعَامِدِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ عَامِدِ الْقَتْلِ ذَاكِرًا لِلْإِحْرَامِ وَعَامِدِ الْقَتْلِ نَاسِيَ الاحرام فكانت

(7/321)


الْآيَةُ مُتَنَاوِلَةً عُمُومَ الْأَحْوَالِ
* وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ تَتَغَلَّظُ بِحَسَبِ الْإِثْمِ فَإِذَا وَجَبَتْ فِي الْخَطَأِ فَالْعَمْدُ أَوْلَى (وَالْجَوَابُ) عَنْ الْآيَةِ أَنَّ الْمُفَسِّرِينَ قَالُوا معني قوله تعالى (ومن عاد) أَيْ عَادَ إلَى قَتْلِ الصَّيْدِ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ لِأَنَّ مَا قَبْلَ نُزُولِهَا مَعْفُوٌّ عَنْهُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلِأَنَّا نَحْمِلُ الْآيَةَ عَلَى الْأَمْرَيْنِ وَنُوجِبُ الْجَزَاءَ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ
* وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْعَامِدَ يَضْمَنُ دُونَ الْمُخْطِئِ وَالنَّاسِي بِقَوْلِهِ تعالى
* ومن قتله منكم متعمدا فجزاء
* فَعَلَّقَهُ بِالْعَمْدِ وَبِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) وَهُوَ حَدِيثٌ سَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ وَلِأَنَّهُ مَحْظُورٌ فِي الْإِحْرَامِ فَوَجَبَ فِي الْعَمْدِ دُونَ النِّسْيَانِ وَالْخَطَأِ كَالطِّيبِ وَاللِّبَاسِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ تعالى (ومن قتله منكم متعمدا فجزاء) فاحتمل أن يكون المراد متعمدا لقتله نسايا لِإِحْرَامِهِ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مُتَعَمِّدًا لِقَتْلِهِ ذَاكِرًا لِإِحْرَامِهِ فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الْأَمْرَيْنِ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْعُمُومِ يَتَنَاوَلُهُمَا
*
وَبِمَا رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ (أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ إنِّي أَجْرَيْتُ أَنَا وَصَاحِبِي فَرَسَيْنِ لَنَا نَسْتَبِقُ إلَى ثُغْرَةٍ فَأَصَبْنَا ظَبْيًا وَنَحْنُ مُحْرِمَانِ فقال عمر لرجل إلى جنبه تعالى حَتَّى أَحْكُمَ أَنَا وَأَنْتَ فَحَكَمَ عَلَيْهِ بِعَنْزٍ) وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ وَالرَّجُلُ الَّذِي دَعَاهُ عُمَرُ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَهَذَا الْأَمْرُ وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا فَقَدْ قَالَ بِهِ بَعْضُ الصَّحَابَةِ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ كَمَا سَبَقَ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا أَيْضًا بِالْقِيَاسِ عَلَى قَتْلِ الْآدَمِيِّ فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ فِي قَتْلِهِ عَمْدًا وَخَطَأً (وَالْجَوَابُ) عَنْ الْآيَةِ أَنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا التَّعَمُّدَ تَنْبِيهًا عَلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِقَتْلِ الْآدَمِيِّ عَمْدًا وَلَمَّا ذَكَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْكَفَّارَةَ فِي قَتْلِ الْآدَمِيِّ خَطَأً فَقَالَ تَعَالَى
* وَمَنْ قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة
* نَبَّهَ بِذَلِكَ عَلَى وُجُوبِهَا بِقَتْلِ الصَّيْدِ الْخَطَأِ فَفِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ

(7/322)


الْآيَتَيْنِ تَنْبِيهٌ عَلَى حُكْمٍ مَا لَمْ يُذْكَرْ فِي الْأُخْرَى (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ فَهُوَ حَمْلُهُ هُنَا عَلَى رَفْعِ الْإِثْمِ لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْغَرَامَاتِ وَيَسْتَوِي فِيهَا الْعَامِدُ وَالنَّاسِي وَإِنَّمَا يَفْتَرِقَانِ فِيهَا فِي الْإِثْمِ
* (وَالْجَوَابُ) عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الطِّيبِ وَاللِّبَاسِ أَنَّهُ اسْتِمْتَاعٌ فَافْتَرَقَ عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ وَقَتْلُ الصَّيْدِ إتْلَافٌ فَاسْتَوَى عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ فِي الْغَرَامَةِ كَإِتْلَافِ مَالِ الْآدَمِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا قَتَلَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا وَلَزِمَهُ جَزَاؤُهُ ثُمَّ قَتَلَ صَيْدًا آخَرَ لَزِمَهُ لِلثَّانِي جَزَاءٌ آخَرُ
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وإسحق وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ
* قَالَ الْعَبْدَرِيُّ هُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ كَافَّةً إلَّا مَنْ سَنَذْكُرُهُ
* وَقَالَ ابن المنذر قال ابن عباس وشريج وَالْحَسَنُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ وَالنَّخَعِيُّ وَقَتَادَةُ يَجِبُ الْجَزَاءُ بِالصَّيْدِ الْأَوَّلِ دُونَ مَا بَعْدَهُ وَحَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ دَاوُد
* قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ دَاوُد لَوْ قَتَلَ مِائَةَ صَيْدٍ إنَّمَا يَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ بِالْأَوَّلِ فَقَطْ
* وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ
* وَأَحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ متعمدا فجزاء) فَعَلَّقَ وُجُوبَ الْجَزَاءِ عَلَى لَفْظِ مَنْ قَالُوا وَمَا عُلِّقَ عَلَى لَفْظِ مَنْ لَا يَقْتَضِي تَكْرَارًا كَمَا لَوْ قَالَ مَنْ دَخَلَ الدَّارَ فَلَهُ دِرْهَمٌ أَوْ مَنْ دَخَلَتْ الدَّارَ فَهِيَ طَالِقٌ فَإِذَا تَكَرَّرَ دُخُولُهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ إلَّا دِرْهَمًا بِالدُّخُولِ الْأَوَّلِ وَإِذَا تَكَرَّرَ دُخُولُهَا لَا يَقَعُ إلَّا طَلْقَةٌ بِالدُّخُولِ الْأَوَّلِ
* قَالُوا وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ (وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ منه) وَلَمْ يُرَتِّبْ عَلَى الْعَوْدِ غَيْرَ الِانْتِقَامِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ
تَعَالَى (لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ لَنَا دَلَالَتَانِ (إحْدَاهُمَا) أَنَّ لَفْظَ الصَّيْدِ إشَارَةٌ إلَى الْجِنْسِ لِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ يَدْخُلَانِ لِلْجِنْسِ أَوْ الْعَهْدِ وليس في الصيد مَعْهُودٌ فَتَعَيَّنَ الْجِنْسُ وَأَنَّ الْجِنْسَ يَتَنَاوَلُ الْجُمْلَةَ والافراد فقوله تعالى (ومن قتله منكم) يَعُودُ إلَى جُمْلَةِ الْجِنْسِ وَآحَادِهِ (وَالدَّلَالَةُ الثَّانِيَةُ) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا) فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) وَحَقِيقَةُ الْمُمَاثَلَةِ أَنْ يَفْدِيَ الْوَاحِدَ بِوَاحِدٍ وَالِاثْنَيْنِ بِاثْنَيْنِ وَالْمِائَةَ بِمِائَةٍ وَلَا يَكُونُ الْوَاحِدُ مِنْ النعم مثلا لجماعة صبود وَلِأَنَّهَا نَفْسٌ تُضْمَنُ بِالْكَفَّارَةِ فَتَكَرَّرَتْ بِتَكَرُّرِ الْقَتْلِ كَقَتْلِ الْآدَمِيِّينَ وَلِأَنَّهَا غَرَامَةُ مُتْلَفٍ فَتَكَرَّرَتْ بِتَكَرُّرِ الْإِتْلَافِ كَإِتْلَافِ أَمْوَالِ الْآدَمِيِّ
* قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَلِأَنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَتَلَ صيدين دفعة واحدة لزمه جزءان فَإِذَا تَكَرَّرَ بِقَتْلِهِمَا

(7/323)


معا وجب تكرره بقتلهما مرتبا كالعبدين وَسَائِرِ الْأَمْوَالِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ اسْتِدْلَالِهِمْ بِأَنَّ لَفْظَ مَنْ لَا يَقْتَضِي تَكْرَارًا قَالَ أَصْحَابُنَا إنَّمَا يَصِحُّ هَذَا إذَا كَانَ الْفِعْلُ الثَّانِي وَاقِعًا فِي مَحَلِّ الْأَوَّلِ (فَأَمَّا) إذَا وَقَعَ الثَّانِي فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْأَوَّلِ فَإِنَّ تَكْرَارَهُ يُوجِبُ تَكْرَارَ الْحُكْمِ كَقَوْلِهِ مَنْ دَخَلَ دَارِي فَلَهُ دِرْهَمٌ فَإِذَا دَخَلَ دَارًا لَهُ ثُمَّ دَارًا لَهُ اسْتَحَقَّ دِرْهَمَيْنِ فَكَذَلِكَ الصَّيْدُ لَمَّا كَانَ الثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ وَجَبَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ مَا تَعَلَّقَ بِالْأَوَّلِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ اسْتِدْلَالِهِمْ بِقَوْلِهِ تعالي (ومن عاد) أَنَّ الْمُرَادَ وَمَنْ عَادَ فِي الْإِسْلَامِ فَقَتَلَ صَيْدًا لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى (عَفَا اللَّهُ عَمَّا سلف) أي قبل نزول الآية والله أعلم
* (المسألة الثَّالِثَةُ) مَا صَادَهُ الْمُحْرِمُ أَوْ صَادَهُ لَهُ حَلَالٌ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ أَوْ كَانَ مِنْ الْمُحْرِمِ فِيهِ إشَارَةٌ أَوْ دَلَالَةٌ أَوْ إعَانَةٌ بِإِعَارَةِ آلَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَلَحْمُهُ حَرَامٌ عَلَى هَذَا الْمُحْرِمِ فَإِنْ صَادَهُ حَلَالٌ لِنَفْسِهِ وَلَمْ يَقْصِدْ الْمُحْرِمَ ثُمَّ أَهْدَى مِنْهُ لِلْمُحْرِمِ أَوْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ فَهُوَ حَلَالٌ لِلْمُحْرِمِ أَيْضًا
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ مَا صِيدَ لَهُ بِغَيْرِ إعَانَةٍ مِنْهُ
* وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ مَذَاهِبَ وَقَالَ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَمُجَاهِدٌ وسعيد بن جبير يقولون للمحرم أكل مَا صَادَهُ الْحَلَالُ قَالَ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ وَبِهِ قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ
* قال وقال عطاء ومالك والشافعي وأحمد وإسحق وَأَبُو ثَوْرٍ يَأْكُلُهُ إلَّا مَا صِيدَ مِنْ اجله
* قال

(7/324)


وَرُوِيَ بِمَعْنَاهُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ
* قَالَ ثُمَّ اخْتَلَفَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِيمَنْ أَكَلَ مَا صِيدَ لَهُ فَقَالَ مَالِكٌ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ
* وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا جَزَاءَ عَلَيْهِ قَالَ وَفِيهِ مَذْهَبٌ ثالث أنه يحرم مطلقا فكان على ابن أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ عُمَرَ لَا يَرَيَانِ لِلْمُحْرِمِ أَكْلَ الصَّيْدِ وَكَرِهَ ذَلِكَ طَاوُسٌ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَالثَّوْرِيُّ
* قَالَ وَرَوَيْنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ قَوْلًا رَابِعًا قَالَا مَا ذُبِحَ وَأَنْتَ مُحْرِمٌ فَهُوَ حَرَامٌ عَلَيْك
* وَاحْتَجَّ مَنْ حَرَّمَهُ مُطْلَقًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دمتم حرما) قالوا أو المراد بالصيد المصيد وبحديث الصعب ابن جَثَّامَةَ السَّابِقِ (أَنَّهُ أَهْدَى لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَارًا وَحْشِيًّا فَرَدَّهُ عَلَيْهِ وَقَالَ إنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إلَّا أَنَّا حُرُمٌ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ وَبَيَانُ طُرُقِهِ وَأَنَّهُ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ طُرُقٍ أنه أهدي لحم حمار
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا عَلَيْهِمْ بِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ السَّابِقِ أَنَّهُ لَمَّا صَادَ الْحِمَارَ الْوَحْشِيَّ وَسَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ فَقَالَ صَلَّى الله عليه وسلم للمحرمين (كلوه وَأَكَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ) كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَبِحَدِيثِ جَابِرٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (صَيْدُ الْبَرِّ لَكُمْ حَلَالٌ ما لم تصيدوه أو يصاد لَكُمْ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَسَبَقَ بَيَانُهُ
* وَفِي رِوَايَةٍ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهُ قَالَ حِينَ اصْطَادَ الْحِمَارَ الْوَحْشِيَّ (فَذَكَرْتُ

(7/325)


شَأْنَهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَحْرَمْتُ وَإِنَّمَا اصْطَدْتُهُ لَك فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ فَأَكَلُوا وَلَمْ يَأْكُلْ حَتَّى أَخْبَرْتُهُ أَنِّي اصطدته له) رواه الدارقطني والبيهقي باسناد صحيح
* قال الدارقطني قَالَ أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ (قَوْلُهُ) إنَّمَا اصْطَدْتُهُ لَك (وَقَوْلُهُ) لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا ذَكَرَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ غَيْرَ مَعْمَرٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذِهِ الزِّيَادَةُ غَرِيبَةٌ وَاَلَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اكل منه قال وإن كان الاسناد ان صَحِيحَيْنِ
* هَذَا كَلَامُ الْبَيْهَقِيّ (قُلْتُ) وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ جَرَى لِأَبِي قَتَادَةَ فِي تِلْكَ السَّفْرَةِ قَضِيَّتَانِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فَحَدِيثُ جَابِرٍ هَذَا صَرِيحٌ فِي الْفَرْقِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي فِي الدَّلَالَةِ لِلشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ وَرَدٌّ لِمَا قَالَهُ أَهْلُ الْمَذْهَبَيْنِ الْآخَرَيْنِ وَيُحْمَلُ حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ عَلَى أَنَّهُ
لَمْ يَقْصِدْهُمْ بِاصْطِيَادِهِ وَحَدِيثُ الصَّعْبِ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَهُمْ بِاصْطِيَادِهِ وَيُحْمَلُ قَوْله تَعَالَى
* (وحرم عليكم صيد البر مادتم حرما) عَلَى الِاصْطِيَادِ وَعَلَى لَحْمِ مَا صِيدَ لِلْمُحْرِمِ للاحاديث المبينة للمراة مِنْ الْآيَةِ (فَإِنْ قِيلَ) فَقَدْ عَلَّلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثٍ الصَّعْبِ حِينَ رَدَّهُ بِأَنَّهُ مُحْرِمٌ وَلَمْ يَقُلْ لِأَنَّكَ صِدْتَهُ لَنَا (فَالْجَوَابُ) أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ مَا يَمْنَعُ أَنَّهُ صَادَهُ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْرُمُ الصَّيْدُ على الاسنان إذَا صِيدَ لَهُ بِشَرْطِ أَنَّهُ مُحْرِمٌ فَبَيَّنَ الشَّرْطَ الَّذِي يَحْرُمُ بِهِ
* وَدَلِيلُنَا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَمُوَافِقِيهِ حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ أَوْ أَشَارَ إلَيْهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي الْفَصْلِ السَّابِقِ فِي أَكْلِ الْمُحْرِمِ لَحْمَ مَا صِيدَ لَهُ وَحَدِيثُ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ التَّيْمِيُّ قَالَ (كُنَّا مع طلحة بن عبد اللَّهِ وَنَحْنُ حُرُمٌ فَأُهْدِي لَهُ طَيْرٌ وَطَلْحَةُ رَاقِدٌ فَمِنَّا مَنْ أَكَلَ وَمِنَّا مَنْ تَوَرَّعَ فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ طَلْحَةُ وَافَقَ مَنْ أَكَلَهُ وَقَالَ أكلناه مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(7/326)


رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ عُمَيْرِ بْنِ سَلَمَةَ الضَّمْرِيِّ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يُرِيدُ مَكَّةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَمَرَّ بِالْعَرْجِ فإذا هو بحمار عفير فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَهْزٍ فقال برسول اللَّهِ هَذِهِ رَمِيَّتِي فَشَأْنُكُمْ بِهَا فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ فَقَسَّمَهُ بَيْنَ الرِّفَاقِ) رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ انه قال (انما نهيب أن يصاد وَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ سُئِلَ عَنْ لَحْمِ الصَّيْدِ يهديه الحلال للمحرم فقال كان عمر بأكله) وَفِي مُوَطَّأِ مَالِكٍ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (أَنَّهُ مَرَّ بِهِ قَوْمٌ مُحْرِمُونَ فَاسْتَفْتَوْهُ فِي لَحْمِ صَيْدٍ وَجَدَهُ نَاسٌ مُحِلُّونَ أَيَأْكُلُونَهُ فَأَفْتَاهُمْ بِأَكْلِهِ قَالَ ثُمَّ قَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ بِمَ أفتيهم قُلْتُ أُفْتِيهِمْ بِأَكْلِهِ قَالَ عُمَرُ لَوْ أَفْتَيْتَهُمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ لَأَوْجَعْتُكَ) وَبِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَامّ (كَانَ يَتَزَوَّدُ لَحْمَ الظِّبَاءِ فِي الْإِحْرَامِ) فَهَذَا كُلُّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا لَمْ يُصَدْ لِلْمُحْرِمِ وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا التَّأْوِيلِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ السَّابِقَةِ وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَقَدْ رَوَى مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بأسانيدهم الصحيحة عن عبد الله ابن عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ (رَأَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالْعَرْجِ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَقَدْ غَطَّى وَجْهَهُ بِقَطِيفَةِ أُرْجُوَانٍ ثُمَّ أَتَى بِلَحْمِ صَيْدٍ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ كُلُوا قَالُوا أَلَا تَأْكُلُ أَنْتَ قَالَ إنِّي
لست كهيأتكم إنَّمَا صِيدَ مِنْ أَجْلِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي بَيَانِ أَمْرِ مُهِمٍّ وَهُوَ حَدِيثُ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَارًا وَحْشِيًّا وَهُوَ مُحْرِمٌ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ وَقَالَ (إنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إلَّا أَنَّا حُرُمٌ)
* وذكرنا قبل هذا حيث ذكره الْمُصَنِّفُ بَيَانَ أَلْفَاظِ رِوَايَاتٍ كَثِيرَةٍ جَاءَتْ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ أَهْدَى لَحْمَ حِمَارٍ أَوْ شق حمار وذكرنا هنا أنه يتأول قوله حمارا أي بعض لَحْمَ حِمَارٍ أَوْ شِقَّ حِمَارٍ أَوْ عَجُزَ حِمَارٍ يَقْطُرُ دَمًا وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُصَرِّحَةِ بِأَنَّهُ أَهْدَى لَحْمَ حِمَارٍ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَنَّ الْبُخَارِيَّ وَالْمُصَنِّفَ وَسَائِرَ أَصْحَابِنَا احْتَجُّوا بِهِ في فدية الصَّيْدِ الْحَيِّ وَجَعَلُوهُ حِمَارًا حَيًّا
* وَكَذَا تَرْجَمَ لَهُ الْبَيْهَقِيُّ فَقَالَ بَابٌ لَا يَقْبَلُ الْمُحْرِمُ مَا يُهْدَى لَهُ مِنْ الصَّيْدِ حَيًّا ثُمَّ ذَكَرَهُ فِي الْبَابِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ (أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَارًا وَحْشِيًّا)
* وَكَذَا رَوَاهُ شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ حمار وحش وكذلك رواه الليث وصالح ابن كيسان ومعمر بن راشد وابن أبى ديب ومحمد بن اسحق وَمُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَلْقَمَةَ وَغَيْرُهُمْ عَنْ

(7/327)


الزُّهْرِيِّ حِمَارًا وَحْشِيًّا.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَخَالَفَهُمْ سُفْيَانُ: بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِإِسْنَادِهِ فَقَالَ لَحْمَ حِمَارِ وَحْشٍ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنْبِتٍ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ رَوَاهُ الْحُمَيْدِيُّ عَنْ سفيان على الصحة كما رواه سائل الناس عن الزهري ثم ذكره بِإِسْنَادِهِ وَقَالَ حِمَارَ وَحْشٍ ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْحُمَيْدِيِّ قَالَ كَانَ سُفْيَانُ يَقُولُ فِي لَحْمِ حِمَارِ وَحْشٍ وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ يَقْطُرُ دَمًا وَرُبَّمَا لَمْ يَقُلْ.
قَالَ وَكَانَ سُفْيَانُ فِيمَا خَلَا وَرُبَّمَا قَالَ حِمَارُ وَحْشٍ ثُمَّ صَارَ إلَى لَحْمٍ حَتَّى مَاتَ.
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قال (أهدى الصَّعْبُ بْنُ جَثَّامَةَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَارَ وَحْشٍ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ وَقَالَ لَوْلَا أَنَّا مُحْرِمُونَ لَقَبِلْنَاهُ مِنْك) رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبِي كُرَيْبٍ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ بِإِسْنَادِهِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَكَذَا رَوَاهُ الْأَعْمَشُ عَنْ حَبِيبٍ وَخَالَفَهُ شُعْبَةُ فَرَوَاهُ عَنْ حَبِيبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (أُهْدِيَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شِقُّ حِمَارِ وَحْشٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَرَدَّهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ
مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ شُعْبَةَ قَالَ وَخَالَفَهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ فَرَوَاهُ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ حَبِيبٍ كَمَا رَوَاهُ الْأَعْمَشُ عَنْ حَبِيبٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الصَّعْبَ بْنَ جَثَّامَةَ أَهْدَى إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَارَ وَحْشٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَرَدَّهُ) ثُمَّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ أَيْضًا عَنْ شُعْبَةَ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ الصَّعْبَ بْنَ جَثَّامَةَ أَهْدَى إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ عَجُزَ حِمَارٍ فَرَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْطُرُ دَمًا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ حَدِيثُ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَجُزَ حِمَارٍ وَحَدِيثُهُ عَنْ حَبِيبٍ حِمَارَ وَحْشٍ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فَقَدْ رَوَاهُ الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ قَالَا حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ وَحَبِيبِ ابن أَبِي ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ الصَّعْبَ بْنَ جَثَّامَةَ أَهْدَى إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَحَدُهُمَا عَجُزَ حِمَارٍ وَقَالَ الْآخَرُ حِمَارَ وَحْشٍ فَرَدَّهُ) ثُمَّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ الْفَضْلِ بِإِسْنَادِهِ كَذَلِكَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَإِذَا كَانَتْ الرِّوَايَةُ هَكَذَا وَافَقَتْ رِوَايَةُ شُعْبَةَ عَنْ حَبِيبٍ رِوَايَةَ الْأَعْمَشِ عَنْ حَبِيبٍ وَوَافَقَتْ رِوَايَةُ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ رِوَايَةَ مَنْصُورٍ عَنْ الْحَكَمِ فَيَكُونُ الحكم منفردا بذللك اللَّحْمِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ
* ثُمَّ رَوَى البيهقى باسناده عن المعتبر بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ الحكم عن سعية عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (أَهْدَى الصَّعْبُ بْنُ

(7/328)


جَثَّامَةَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِجْلَ حِمَارِ وَحْشٍ فَرَدَّهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ عن يحيى عن المعتمر رواه الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ قَالَ فَإِنْ كَانَ الصَّعْبُ بن جثامة أهدى إلى النبي صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحِمَارَ حَيًّا فَلَيْسَ لِمُحْرِمٍ ذَبْحُ حِمَارِ وَحْشٍ حَيٍّ وَإِنْ كَانَ أَهْدَى لَهُ لَحْمًا فَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ صِيدَ لَهُ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ وَإِيضَاحُهُ فِي حَدِيثِ جَابِرِ ابن عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي (صَيْدُ الْبَرِّ حَلَالٌ مَا لَمْ تَصِيدُوهُ أَوْ يُصَادُ لَكُمْ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَحَدِيثُ مَالِكٍ أَنَّ الصَّعْبَ أَهْدَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَارًا أَثْبَتُ مِنْ حَدِيثِ من حدث أنه أهدى حم حِمَارٍ
* قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثِ الصَّعْبِ أَنَّهُ أَكَلَ مِنْهُ ثُمَّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ (أَنَّ الصعب ابن جَثَّامَةَ أَهْدَى لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَجُزَ حِمَارٍ وَهُوَ بِالْجُحْفَةِ فَأَكَلَ مِنْهُ وَأَكَلَ الْقَوْمُ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ قَالَ فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَكَأَنَّهُ رَدَّ الْحِمَارَ وَقَبِلَ اللحم
* ثم روى البيهقى عن طاووس قَالَ (قَدِمَ زَيْدُ بْنُ أَرَقْمَ فَقَالَ لَهُ عبد الله ابن عَبَّاسٍ تَتَذَكَّرُ كَيْفَ أَخْبَرْتَنِي عَنْ لَحْمِ صَيْدٍ أهدى إلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ حَرَامٌ فَقَالَ أُهْدِيَ لَهُ عُضْوٌ مِنْ لَحْمِ صَيْدٍ فَرَدَّهُ فَقَالَ إنَّا لَا نَأْكُلُهُ إنَّا حُرُمٌ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ (ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الحرب صَنَعَ لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ طَعَامًا وَصَنَعَ فِيهِ مِنْ الْحَجَلِ وَالْيَعَافِيرِ وَلُحُومِ الْوَحْشِ فَبَعَثَ إلَى علي بن أبى طالب فجاء فَقَالُوا لَهُ كُلْ فَقَالَ أَطْعِمُوهُ قَوْمًا حَلَالًا فَإِنَّا حُرُمٌ) ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ أَنْشُدُ اللَّهَ من كان ههنا من أسجع أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْدَى إلَيْهِ رَجُلٌ حِمَارَ وَحْشٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَهُ قَالُوا نَعَمْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَتَأْوِيلُ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي تَأْوِيلِ حَدِيثِ مَنْ رَوَى فِي قِصَّةِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ لَحْمَ حِمَارٍ
* قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَأَمَّا عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَا

(7/329)


يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ أَكْلُهُ مُطْلَقًا وَخَالَفَهُمَا عُمَرُ وعثمان وطلحة والزبير وغيرهم ومنعهم حديث أبى قَتَادَةَ وَجَابِرٍ ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَمَّاسٍ قَالَ (سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ لَحْمِ الصَّيْدِ يُهْدِيه الْحَلَالُ لِلْمُحْرِمِ فَقَالَتْ اخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَرِهَهُ بَعْضُهُمْ وَلَمْ يَرَ بَعْضُهُمْ بِهِ بَأْسًا وَلَا بَأْسَ بِهِ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْمَسْأَلَةُ الرابعة) إذا ذبح المحرم صيد فِي الْحِلِّ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَكْلُهُ بِالْإِجْمَاعِ وفى تحريمه على غيره عندنا قَوْلَانِ سَبَقَا (الْأَصَحُّ) التَّحْرِيمُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَيَكُونُ مَيْتَةً
* وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ هَذَا عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالْقَاسِمِ وَسَالِمِ بن عبد الله ومالك والاوزاعي وأحمد واسحق وأصحاب الرأى قال وقال الحكم وسفيان والثوري وَأَبُو ثَوْرٍ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَأَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ يَأْكُلُهُ الْحَلَالُ
* قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَهُوَ مُذَكًّى كَذَبِيحَةِ السَّارِقِ وَسَبَقَ دَلِيلُ الْمَذْهَبَيْنِ فِي الْكِتَابِ (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) إذَا ذَبَحَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا وَأَكَلَ مِنْهُ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ بِالذَّبْحِ وَلَا يلزمه بالاكل شئ فِيهِ
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ عَطَاءٌ عَلَيْهِ جزاآن وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ بِالذَّبْحِ وَعَلَيْهِ قيمة مَا أَكَلَ وَوَافَقَنَا فِي صَيْدِ الْحَرَمِ أَنَّهُ إذَا قَتَلَهُ الْمُحْرِمُ وَأَكَلَهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا جَزَاءٌ وَاحِدٌ
* دَلِيلُنَا الْقِيَاسُ عَلَى صَيْدِ الْحَرَمِ وَلِأَنَّهُ أَكَلَ مَيْتَةً فَأَشْبَهَ سَائِرَ الْمَيْتَاتِ (السَّادِسَةُ) إذَا دَلَّ الْمُحْرِمُ حَلَالًا عَلَى صَيْدٍ فِي الْحَرَمِ فَقَتَلَهُ أَثِمَ الدَّالُّ وَلَا جَزَاءَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَوْ دَلَّ مُحْرِمٌ مُحْرِمًا فَقَتَلَهُ فَالْجَزَاءُ عَلَى الْقَاتِلِ دُونَ الدَّالِّ
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَالْحَرْبُ الْعُكْلِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ إذَا دَلَّ محرم محرما فَقَتَلَهُ فَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا جَزَاءٌ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَلَى كُلِّ
وَاحِدٍ مِنْ الْقَاتِلِ وَالْآمِرِ وَالدَّالِّ وَالْمُشْتَرِي جَزَاءٌ قَالَ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ قَالَا (إذَا دَلَّ الْمُحْرِمُ حَلَالًا فَقَتَلَهُ لَزِمَ الْمُحْرِمَ الْجَزَاءُ) وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَبَكْرُ بْنُ عَبْدِ الله وأحمد واسحق وأصحاب الرأى قال وعندي لا شئ عَلَيْهِ
* دَلِيلُنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ (وَمَنْ قتله منكم متعمدا فجزاء) فَأَوْجَبَ الْجَزَاءَ عَلَى الْقَاتِلِ فَلَا يَجِبُ عَلَى غَيْرِهِ وَلَا يُلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ (السَّابِعَةُ) إذَا قَتَلَ صَيْدًا مَمْلُوكًا فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ لِلَّهِ تَعَالَى وَقِيمَتُهُ لِلْمَالِكِ.
هَذَا مَذْهَبُنَا قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ دَاوُد وَقَالَ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ لَيْسَ لَهُ قَوْلٌ غَيْرَهُ قَالَ وَحُكِيَ عَنْهُ خِلَافُ هَذَا وَهُوَ غَلَطٌ وَقَالَ الْمُزَنِيّ عليه القيمة

(7/330)


لِمَالِكِهِ وَلَا جَزَاءَ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ دَاوُد لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ فَأَشْبَهَ الْأَنْعَامَ.
دَلِيلُنَا عُمُومُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فجزاء) وَلِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقَّانِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَحَقٌّ لِلْآدَمِيِّ فَوَجَبَ بَدَلُهُ كَمَا لَوْ أَكْرَهَ امْرَأَةً عَلَى الزِّنَا لَزِمَهُ الْحَدُّ وَالْمَهْرُ وَكَمَا لَوْ وَطِئَ زَوْجَةَ أَبِيهِ بِشُبْهَةٍ لَزِمَهُ مَهْرَانِ مَهْرٌ لَهَا وَمَهْرٌ لِأَبِيهِ لِأَنَّهُ أَفْسَدَ نِكَاحَهُ وَفَوَّتَ عَلَيْهِ الْبُضْعَ وَيُخَالِفُ الْأَنْعَامَ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ صيدا وانما ورد اللشرع بِالْجَزَاءِ فِي الصَّيْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّامِنَةُ) إذَا قَتَلَ الْقَارِنُ صَيْدًا لَزِمَهُ جَزَاءٌ وَاحِدٌ كَمَا لَوْ تَطَيَّبَ أَوْ لَبِسَ تَلْزَمُهُ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَحْمَدُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ.
وَقَالَ أَبُو حنيفة عليه جزءان لِأَنَّهُ أَدْخَلَ النَّقْصَ عَلَى الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِقَتْلِ الصيد فوجب جزاآن كما لو قتل المفرد في حجه وفى عمرته.
دليلنا الْمَقْتُولَ وَاحِدٌ فَوَجَبَ جَزَاءٌ وَاحِدٌ كَمَا لَوْ قَتَلَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ فَإِنَّهُ وَافَقَنَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ جَزَاءٌ وَاحِدٌ مَعَ أَنَّهُ اجتمع في حُرْمَتَانِ (وَأَمَّا) مَا قَاسَ عَلَيْهِ فَالْمَقْتُولُ هُنَاكَ اثْنَانِ (التَّاسِعَةُ) يَجِبُ الْجَزَاءُ عَلَى الْمُحْرِمِ بِإِتْلَافِ الْجَرَادِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْعِلْمِ كَافَّةً إلَّا أَبَا سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيَّ فَقَالَ لَا جَزَاءَ فِيهِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالُوا هُوَ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ فَلَا جَزَاءَ فِيهِ وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ أَبِي الْمُهَزِّمِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ (أَصَبْنَا سِرْبًا مِنْ جَرَادٍ فَكَانَ رَجُلٌ يَضْرِبُ بِسَوْطِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَقِيلَ لَهُ إنَّ هَذَا لَا يَصْلُحُ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إنَّمَا هُوَ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَاتَّفَقُوا عَلَى تَضْعِيفِهِ لِضَعْفِ أَبِي

(7/331)


الْمُهَزَّمِ وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الزَّايِ وَفَتْحِ الْهَاءِ بَيْنَهُمَا وَاسْمُهُ يَزِيدُ بْنُ سُفْيَانَ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ وَسَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا عِنْدَ ذِكْرِ الْبَيْضِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد عَنْ مَيْمُونِ بن حابان عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْجَرَادُ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ) قَالَ أَبُو دَاوُد وَأَبُو الْمُهَزِّمِ ضَعِيفٌ وَالرِّوَايَتَانِ جَمِيعًا وَهْمٌ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وغيره ميمون بن حابان غَيْرُ مَعْرُوفٍ.
وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَالْبَيْهَقِيُّ بِمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ أَوْ الْحَسَنِ وَالْبَيْهَقِيُّ عن عبد الله ابن أَبِي عَمَّارٍ أَنَّهُ قَالَ (أَقْبَلْتُ مَعَ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَكَعْبِ الْأَحْبَارِ فِي أُنَاسٍ مُحْرِمِينَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِعُمْرَةٍ حَتَّى إذَا كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ وَكَعْبٌ عَلَى نَارٍ يَصْطَلِي فَمَرَّتْ بِهِ رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ فَأَخَذَ جَرَادَتَيْنِ قَتَلَهُمَا وَنَسِيَ إحْرَامَهُ ثُمَّ ذَكَرَ إحْرَامَهُ فَأَلْقَاهُمَا فَلَمَّا قدمنا المدينة دخل القوم على عمرو دخلت مَعَهُمْ فَقَصَّ كَعْبٌ قِصَّةَ الْجَرَادَتَيْنِ عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ مَا جَعَلْتَ عَلَى نَفْسِكَ يَا كَعْبُ قَالَ دِرْهَمَيْنِ قَالَ بَخٍ دِرْهَمَانِ خَيْرٌ مِنْ مِائَةِ جَرَادَةٍ اجْعَلْ مَا جَعَلْتَ فِي نَفْسِكَ) وَبِإِسْنَادِ الشَّافِعِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ الصَّحِيحِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ (كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ جَرَادَةٍ قَتَلَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِيهَا قَبْضَةٌ مِنْ طَعَامٍ وَلَتَأْخُذُنَّ بِقَبْضَةٍ مِنْ جَرَادَاتٍ وَلَكِنْ وَلَوْ) قَالَ الشَّافِعِيُّ (قَوْلُهُ) وَلَتَأْخُذُنَّ بِقَبْضَةٍ جَرَادَاتٍ أَيْ إنَّمَا فِيهَا الْقِيمَةُ وَقَوْلُهُ وَلَوْ يقول يحتاط فَتُخْرِجُ أَكُثْرَ مِمَّا عَلَيْكَ بَعْدَ أَنْ أَعْلَمْتُكَ أَنَّهُ أَكْثَرُ مِمَّا عَلَيْكَ.
وَبِإِسْنَادِهِمَا الصَّحِيحِ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ (سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ صَيْدِ الجراد في الحرم فقال لا ونهي عَنْهُ) قَالَ فَإِمَّا قُلْتُ لَهُ وَإِمَّا رَجُلٌ من القوم فان قومك يأخذونه وهم محتبون فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ لَا يَعْلَمُونَ وَفِي رِوَايَةٍ منحنون قال الشافعي هذا أصواب كَذَا رَوَاهُ الْحُفَّاظُ مُنْحَنُونَ بِنُونَيْنِ بَيْنَهُمَا الْحَاءُ الْمُهْمَلَةُ (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْجَرَادِ أَنَّهُ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ كَمَا سَبَقَ وَدَعْوَى أَنَّهُ بَحْرِيٌّ لَا تُقْبَلُ بِغَيْرِ دَلِيلٍ وَقَدْ دَلَّتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ وَالْإِجْمَاعُ أَنَّهُ مَأْكُولٌ فَوَجَبَ جَزَاؤُهُ كَغَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الْعَاشِرَةُ) كُلُّ طَائِرٍ وَصَيْدٍ حَرُمَ عَلَى الْمُحْرِمِ يَحْرُمُ عَلَيْهِ بَيْضُهُ فَإِنْ أَتْلَفَهُ ضَمِنَهُ بقيمته.
هذا مذهبنا وبه قال أحمد وآخرن مِمَّنْ سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَالَ الْمُزَنِيّ وَبَعْضُ أَصْحَابِ دَاوُد لَا جَزَاءَ فِي البيض وقال مالك يضمننه بِعُشْرِ ثَمَنِ أَصْلِهِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ اخْتَلَفُوا فِي بَيْضِ الْحَمَامِ فَقَالَ عَلِيٌّ وَعَطَاءٌ فِي كُلِّ بَيْضَتَيْنِ دِرْهَمٌ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُ
الرَّأْيِ وَأَبُو ثَوْرٍ فِيهِ قِيمَتُهُ وَقَالَ مَالِكٌ يَجِبُ فِيهِ عُشْرُ مَا يَجِبُ فِي أُمِّهِ قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي بَيْضِ النَّعَامِ

(7/332)


فَقَالَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ يَجِبُ فِيهِ الْقِيمَةُ.
وَقَالَ أَبُو عبيدة وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ يَجِبُ فِيهِ صِيَامُ يَوْمٍ أَوْ إطْعَامُ مِسْكِينٍ وَقَالَ الْحَسَنُ فِيهِ جَنِينٌ مِنْ الْإِبِلِ وَقَالَ مَالِكٌ فِيهِ عُشْرُ ثَمَنِ الْبَدَنَةِ كَمَا فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ غُرَّةُ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ قِيمَتُهُ عُشْرُ دِيَةِ الْأُمِّ.
قَالَ وروينا عَنْ عَطَاءٍ فِيهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) كَقَوْلِ الْحَسَنِ (وَالثَّانِي) فِيهَا كَبْشٌ (وَالثَّالِثُ) دِرْهَمٌ (1) دَلِيلُنَا أَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الصَّيْدِ لَا مِثْلَ لَهُ مِنْ النَّعَمِ فَوَجَبَتْ قِيمَتُهُ كَسَائِرِ الْمُتْلَفَاتِ الَّتِي لَا مِثْلَ لَهَا.
وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ فِيهِ بَابًا فِيهِ أَحَادِيثُ وَآثَارٌ وَلَيْسَ فِيهَا ثَابِتٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) إذَا أَحْرَمَ وَفِي مِلْكِهِ صَيْدٌ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ وَيَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ.
وَقَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حنيفة وأحمد لا يزول ملكه ولكن يجب إزَالَةُ يَدِهِ الظَّاهِرَةِ عَنْهُ فَلَا يَكُونُ مُمْسِكًا لَهُ فِي يَدِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَتْرُكَهُ فِي بَيْتِهِ وَقَفَصِهِ وَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ مُجَاهِدٌ وعبد الله بن الحرث وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ لَيْسَ عَلَيْهِ إرْسَالُ مَا كَانَ فِي مَنْزِلِهِ؟ قَالَ وَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ إنْ كَانَ فِي يَدِهِ صَيْدٌ لَزِمَهُ إرْسَالُهُ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ لَيْسَ عَلَيْهِ إرْسَالُ مَا فِي يَدِهِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَهَذَا صَحِيحٌ (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ صَيْدَ الْبَحْرِ مُبَاحٌ لِلْمُحْرِمِ اصْطِيَادُهُ وَأَكْلُهُ وَبَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي قَوْله تَعَالَى (وَطَعَامُهُ متاعا لكم وللسيارة) فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ هُوَ مَا لَفَظَهُ الْبَحْرُ وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ صَيْدُهُ مَا اصْطَدْت وَطَعَامُهُ مَا تَزَوَّدْت مَمْلُوحًا (قُلْتُ) وَأَمَّا طَيْرُ الْمَاءِ فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَعَوَامُّ أَهْلِ الْعِلْمِ هُوَ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ فَإِذَا قَتَلَهُ الْمُحْرِمُ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) قَالَ الْعَبْدَرِيُّ الْحَيَوَانُ ضَرْبَانِ أَهْلِيٌّ وَوَحْشِيٌّ فَالْأَهْلِيُّ يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ قَتْلُهُ إجْمَاعًا وَالْوَحْشِيُّ يَحْرُمُ عَلَيْهِ إتْلَافُهُ إنْ كَانَ مَأْكُولًا أَوْ مُتَوَلَّدًا مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ وَلَيْسَ مُتَوَلِّدًا مِنْ مأكول وغيره هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ إلَّا فِي الذِّئْبِ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ ثَبَتَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (خَمْسٌ لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ قَتَلَهُنَّ فِي الْإِحْرَامِ الْغُرَابُ وَالْفَأْرَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ
وَالْحِدَأَةُ)) قَالَ فَأَخَذَ بِظَاهِرِ هذا الحديث الثوري والشافعي وأحمد وإسحق غَيْرَ أَنَّ أَحْمَدَ لَمْ يَذْكُرْ الْفَأْرَةَ قَالَ وَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ الْكَلْبُ الْعَقُورُ مَا عَقَرَ النَّاسَ وَعَدَا عَلَيْهِمْ كَالْأَسَدِ وَالنَّمِرِ وَالْفَهْدِ وَالذِّئْبِ.
قال فأما ما لا يعد ومن السِّبَاعِ فَفِيهِ الْفِدْيَةُ قَالَ وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إن ابتدأه السبع فلا شئ عليه وإن
__________
(1) كذا بالاصل وانظر أين الرابع والخامس

(7/333)


ابْتَدَأَ الْمُحْرِمُ السَّبُعَ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّمِ فَعَلَيْهِ دَمٌ إلا الكلب والذئب فلا شئ عَلَيْهِ وَإِنْ ابْتَدَأَهُمَا.
قَالَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لا شئ عَلَيْهِ فِي قَتْلِ الْحَيَّةِ قَالَ وَأَبَاحَ أَكْثَرُهُمْ قَتْلَ الْغُرَابِ فِي الْإِحْرَامِ مِنْهُمْ أَبُو عُمَرَ ومالك والشافعي وأحمد وإسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الحديث إنما يباح الغراب ألا يقع دُونَ سَائِرِ الْغِرْبَانِ (وَأَمَّا) الْفَأْرَةُ فَأَبَاحَ الْجُمْهُورُ قَتْلَهَا وَلَا جَزَاءَ فِيهَا وَلَا خِلَافَ فِيهَا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ إلَّا مَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ مُنِعَ الْمُحْرِمُ مِنْ قَتْلِهَا قَالَ وَهَذَا لَا مَعْنَى فِيهِ لِأَنَّهُ خِلَافُ السنة وقول العلماء.
قال ابن المنذر وأجمعوا عَلَى أَنَّ السَّبُعَ إذَا بَدَرَ الْمُحْرِمَ فَقَتَلَهُ فلا شئ عَلَيْهِ قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ بَدَأَ السَّبُعَ فَقَالَ مجاهد والنخعي والشعبى والثوري وأحمد وإسحق لا يقتله وقال عطاء وعمر بْنُ دِينَارٍ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ لَا بَأْسَ بِقَتْلِهِ فِي الْإِحْرَامِ عَدَا عَلَيْهِ أَمْ لَمْ يَعْدُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ أَقُولُ.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَصْحَابُ الرأى لا شئ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِ الْبَعُوضِ وَالْبَرَاغِيثِ وَالْبَقِّ وَكَذَا قَالَ عَطَاءٌ فِي الْبَعُوضِ وَالذُّبَابِ وَقَالَ مالك في الذباب والدر والقمل إذا قتلهن ارى ان يتصدق بشئ مِنْ الطَّعَامِ وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَكْرَهُ قَتْلَ النَّمْلَةِ وَلَا يَرَى عَلَى الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِهَا شَيْئًا قَالَ فَأَمَّا الزُّنْبُورُ فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عُمَرَ ابن الْخَطَّابِ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِقَتْلِهِ وَقَالَ عَطَاءٌ وَأَحْمَدُ لَا جَزَاءَ فِيهِ وَقَالَ مَالِكٌ يُطْعِمُ شيئا قال ابن المنذر واما القملة إذَا قَتَلَهَا الْمُحْرِمُ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ يَتَصَدَّقُ بِحَفْنَةٍ مِنْ طَعَامٍ.
وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَنَّهُ قال (اهون مقتول أي لا شى فِيهَا) .
وَقَالَ عَطَاءُ قَبْضَةٌ مِنْ طَعَامٍ وَمِثْلُهُ عَنْ قَتَادَةَ.
وَقَالَ مَالِكٌ حَفْنَةٌ مِنْ طَعَامٍ.
وقال أحمد يطعم شيئا.
وقال اسحق تَمْرَةٌ فَمَا فَوْقَهَا.
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ مَا تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ خَيْرٌ مِنْهَا.
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ يَقْتُلُهَا وَيُكَفِّرُ إذَا كَرِهَ وَقَالَ طَاوُسٌ وَعَطَاءُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَبُو ثَوْرٍ يَقُولُونَ لَا شئ فِيهَا
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ قَتَلَهَا مِنْ رَأْسِهِ افْتَدِي بِلُقْمَةٍ وَإِنْ كَانَتْ ظَاهِرَةً فِي جَسَدِهِ فَقَتَلَهَا فَلَا فِدْيَةَ.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَا شئ فِيهَا وَلَيْسَ لِمَنْ أَوْجَبَ فِيهَا شَيْئًا حُجَّةٌ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُ قَتْلِ الْقُرَادِ فِي الْإِحْرَامِ وَغَيْرِهِ.
قَالَ الْعَبْدَرِيُّ يَجُوزُ عِنْدَنَا لِلْمُحْرِمِ أَنْ يُقَرِّدَ بَعِيرَهُ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ.
وَقَالَ مَالِكٌ لَا يُقَرِّدُهُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَمِمَّنْ أَبَاحَ تَقْرِيدَ بَعِيرِهِ عُمَرُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرُ بْنُ زيد وعطاء والشافعي وأحمد وإسحق وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَكَرِهَهُ ابْنُ عُمَرَ وَمَالِكٌ وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ فِي المحرم

(7/334)


يَقْتُلُ قُرَادًا يَتَصَدَّقُ بِتَمْرَةٍ أَوْ تَمْرَتَيْنِ.
قَالَ ابن المنذر وبالاول اقول.
ودليلنا جَمِيعِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ قَرِيبًا حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ قَبْلَ مَا لَا يُؤْكَلُ وَاَللَّهُ أعلم.
قال المصنف رحمه الله
* وان احْتَاجَ الْمُحْرِمُ إلَى اللُّبْسِ لِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أو احتاج إلى الطيب لمرض أو إلى حلق الرأس للاذى أو الي شد رأسه بعصابة لجراحة عليه أو إلى ذبح الصيد للجماعة لم يحرم عليه.
وتجب عليه الكفارة لِقَوْلِهِ تَعَالَى (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أو صدقة أو نسك) ولحديث كعب بن عجرة.
فثبت الحلق بالنص وقسنا عليه ما سواه لانه في معناه وإن نبت في عينه شعرة فقلعها أو نزل شعر الراس على عينه فقطع ما غطى العين أو انكسر شئ من ظفره فقطع ما انكسر منه أو صال عليه صيد فقتله دفعا عن نفسه جاز ولا كفارة عليه لان الذى تعلق به المنع الجأه الي إتلافه.
ويخالف إذا اذاه القمل في راسه فحلق الشعر لان الاذى لم يكن من جهة الشعر الذى تعلق به المنع إنما كان من غيره.
وان افترش الجراد في طريقه فقتله ففيه قولان (احدهما) .
يجب عليه الجزاء لانه قتله المنفعة نفسه فأشبه إذا قتله للمجاعة (والثاني) لا يجب لان الجراد الجأه إلى قتله فأشبه إذا صال على الصيد فقتله للدفع.
وان باض صيد على فراشه فنقله ولم يحضنه الصيد فقد حكي الشافعي رحمه الله عن عطاء رحمه الله انه لا يلزمه ضمانه لانه مضطر إلى ذلك قال ويحتمل ان يضمن لانه اتلفه باختياره فحصل فيه قولان كالجراد.
وان كشط من يده جلدا وعليه شعر أو قطع كفه وفيه اظفار لم تلزمه فدية لانه تابع لمحله فسقط حكمه تبعا لمحله كالاطراف مع النفس في
قتل الآدمى) (الشَّرْحُ) قَوْله تَعَالَى (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ به أذى من رأسه ففدية) فِيهِ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْكَلَامِ وَتَقْدِيرُهُ فَحَلَقَهُ فَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ وَالْمَجَاعَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ شِدَّةُ الجوع وحديث كعب بن عجرة ورواه البخاري ومسلم وسبق بيانه (قوله) افترش الجواد هُوَ بِرَفْعِ الْجَرَادِ وَهُوَ فَاعِلُ افْتَرَشَ قَالَ أهل اللغة افترش الشئ إذَا انْبَسَطَ قَالُوا وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ أَكَمَةُ مُفْتَرَشَةٌ أي دكا وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ أَنَّهُ مَرْفُوعٌ وَأَوْضَحْته لِأَنِّي رَأَيْتُ بعض الكبار يغلطه فِيهِ (قَوْلُهُ) وَلَمْ يَحْضُنْهُ هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الضَّادِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ حَضَنَ الطائر بيضه يخضنه إذَا ضَمَّهُ إلَى نَفْسِهِ تَحْتَ جُنَاحِهِ (قَوْلُهُ) أَوْ قَطَعَ كَفَّهُ وَفِيهِ أَظْفَارٌ هَكَذَا فِي النَّسْخِ وَفِيهِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَفِيهَا

(7/335)


لِأَنَّ الْكَفَّ مُؤَنَّثَةٌ (وَيُجَابُ) عَنْهُ بِأَنَّهُ حَمْلُ الْكَلَامِ عَلَى الْمَعْنَى فَعَادَ الضَّمِيرُ إلَى مَعْنَى الْكَفِّ وَهُوَ الْعُضْوِ (أَمَّا الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا احْتَاجَ الْمُحْرِمُ إلَى اللُّبْسِ لِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ قِتَالِ صَائِلٍ مِنْ آدَمِيٍّ وَغَيْرِهِ أَوْ إلَى الطِّيبِ لِمَرَضٍ أَوْ إلَى حَلْقِ الشَّعْرِ مِنْ رَأْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ لِأَذًى فِي رَأْسِهِ مِنْ قَمْلٍ أَوْ وَسَخٍ أَوْ حَاجَةٍ أُخْرَى فِيهِ أَوْ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْبَدَنِ أَوْ إلَى شَدِّ عِصَابَةٍ عَلَى رَأْسِهِ لِجِرَاحَةٍ أَوْ وَجَعٍ وَنَحْوِهِ أَوْ إلَى ذَبْحِ صَيْدٍ لِلْمَجَاعَةِ أَوْ إلَى قَطْعِ ظُفْرٍ لِلْأَذَى أَوْ مَا فِي مَعْنَى هَذَا كُلِّهِ جَازَ له فعله وعليه الفدية لما ذكره المنصف وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا (الثَّانِيَةُ) إذَا نَبَتَ فِي عَيْنِهِ شَعْرَةٌ أَوْ شَعَرَاتٌ دَاخِلَ الْجَفْنِ وَتَأَذَّى بِهَا جَازَ قَلْعُهَا بِلَا خِلَافٍ
* هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَحَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ عَنْ الْأَئِمَّةِ ثُمَّ قَالَ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ فِيهِ طَرِيقِينَ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) تَخْرِيجُ وُجُوبِ الْفِدْيَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْجَرَادِ إذَا افْتَرَشَ فِي الطَّرِيقِ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا فِي الْمَعْنَى فَهُوَ بَعِيدٌ فِي النَّقْلِ
* وَذَكَرَ الْجُرْجَانِيُّ فِي كِتَابَيْهِ التَّحْرِيرِ وَالْمُعَايَاةِ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) لَا ضَمَانَ
(وَالثَّانِي)
يَضْمَنُ وَالْمَذْهَبُ لَا ضَمَانَ قَطْعًا
* وَلَوْ طَالَ شَعْرُ حَاجِبِهِ أَوْ رَأْسِهِ فَغَطَّى عَيْنَهُ فَلَهُ قَطْعُ الْمُغَطِّي بِلَا خِلَافٍ وَلَا فِدْيَةَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهِ الطَّرِيقَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْإِمَامُ وَسَلَكَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ طَرِيقَةً عَجِيبَةً فَقَطَعَ بِأَنَّهُ إذَا نَبَتَ الشَّعْرُ فِي عَيْنِهِ لَزِمَهُ
الْفِدْيَةُ بِقَلْعِهِ
* قَالَ وَلَوْ انْعَطَفَ هُدْبُهُ إلَى عَيْنِهِ فَآذَاهُ فَنَتَفَهُ أَوْ قَطَعَهُ فَلَا فِدْيَةَ وَفَرَّقَ بِأَنَّ هَذَا كَالصَّائِلِ بِخِلَافِ شَعْرِ الْعَيْنِ لِأَنَّهُ فِي مَوْضِعِهِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ فِي الْجَمِيعِ كَمَا سَبَقَ
* وَلَوْ انْكَسَرَ بَعْضُ ظُفْرٍ فَتَأَذَّى بِهِ فقطع الْمُنْكَسِرَ وَحْدَهُ جَازَ وَلَا فِدْيَةَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَحَكَى الْإِمَامُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ أَنَّهُ حَكَى فِيهِ الطَّرِيقَيْنِ كَشَعْرِ الْعَيْنِ (أَمَّا) إذَا قَطَعَ الْمَكْسُورَ وَشَيْئًا مِنْ الصَّحِيحِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ بِمَا يُضْمَنُ بِهِ الظُّفْرُ بِكَمَالِهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَكَذَا كُلُّ مَنْ أَخَذَ بَعْضَ ظُفْرٍ أَوْ بَعْضَ شَعْرٍ فَهُوَ كَالظُّفْرِ الْكَامِلِ والشعرة الكاملة وفيه وجه ضعيف انه ان اخذ جميع أَعْلَى الظُّفْرِ وَلَكِنَّهُ دُونَ الْمُعْتَادِ وَجَبَ مَا يَجِبُ فِي جَمِيعِ الظُّفْرِ كَمَا لَوْ قَطَعَ بَعْضُ الشَّعْرَةِ الْوَاحِدَةِ وَإِنْ أَخَذَ مِنْ جَانِبٍ دُونَ جَانِبٍ وَجَبَ بِقِسْطِهِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ الْآتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الثَّالِثَةُ) لَوْ صَالَ عَلَيْهِ صَيْدٌ وَهُوَ مُحْرِمٌ أَوْ فِي الْحَرَمِ وَلَمْ يُمْكِنْ دَفْعُهُ إلَّا بِقَتْلِهِ فَقَتَلَهُ لِلدَّفْعِ فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا
* وَلَوْ رَكِبَ إنْسَانٌ صَيْدًا وَصَالَ عَلَى الْمُحْرِمِ أَوْ الْحَلَالِ فِي الْحَرَمِ

(7/336)


وَلَمْ يُمْكِنْهُ دَفْعُهُ إلَّا بِقَتْلِهِ فَقَتَلَهُ لِلدَّفْعِ فَطَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) وُجُوبُ الْجَزَاءِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْأَكْثَرُونَ لِأَنَّ الْأَذَى لَيْسَ مِنْ الصَّيْدِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) حَكَاهُ الْقَفَّالُ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الرَّاكِبِ وَلَا يُطَالَبُ بِهِ الْمُحْرِمُ (وَالثَّانِي) يُطَالَبُ الْمُحْرِمُ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الرَّاكِبِ وَجَعَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْخِلَافَ قَوْلَيْنِ قَالَ وَكَذَا نَقَلَ الْقَفَّالُ الْقَوْلَيْنِ أَيْضًا فِيمَنْ رَكِبَ دَابَّةً مغصوبة وَقَصَدَ إنْسَانًا فَقَتَلَ الْمَقْصُودُ الدَّابَّةَ فِي ضَرُورَةِ الدَّفْعِ
(أَحَدُهُمَا)
الْغَرَامَةُ عَلَى الرَّاكِبِ وَلَا مُطَالَبَةَ عَلَى الدَّافِعِ
(وَالثَّانِي)
يُطَالَبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَالْقَرَارُ عَلَى الرَّاكِبِ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ (الرَّابِعَةُ) إذَا انْبَسَطَ الْجَرَادُ فِي طَرِيقِهِ وَعَمّ الْمَسَالِكَ فَلَمْ يَجِدْ عَنْهُ مَعْدِلًا وَلَمْ يُمْكِنْهُ الْمَشْيُ إلَّا عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ فِي مُرُورِهِ فَفِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ فِي وُجُوبِ ضَمَانِهِ قَوْلَانِ وَحَكَاهُمَا جَمَاعَةٌ وَجْهَيْنِ ذَكَرَ المنصف دَلِيلَهُمَا
(وَالثَّانِي)
الْقَطْعُ بِأَنَّ لَا ضَمَانَ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ (وَالْأَصَحُّ) مِنْ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ لَا ضَمَانَ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَالْفَارِقِيُّ فِي الْفَوَائِدِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَقَطَعَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَصَحَّحَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ إيجَابَ الضَّمَانِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ
* قَالَ
الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ وَسَوَاءٌ فِي جَرَيَانِ هَذَا الْخِلَافِ جَرَادُ الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْخَامِسَةُ) إذَا بَاضَ صَيْدٌ عَلَى فِرَاشِهِ فَنَقَلَهُ عَنْهُ فَلَمْ يَحْضُنْهُ الصَّيْدُ حَتَّى فَسَدَ أَوْ تَقَلَّبَ عَلَيْهِ فِي نَوْمِهِ فَقَتَلَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَفِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ فِيهِ الْقَوْلَانِ كَالْجَرَادِ الْمُفْتَرِشِ هَكَذَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ

(7/337)


وَلَوْ وَضَعَ الصَّيْدُ الْفَرْخَ عَلَى فِرَاشِ الْمُحْرِمِ فَنَقَلَهُ فَتَلِفَ أَوْ تَقَلَّبَ عَلَيْهِ جَاهِلًا فَتَلِفَ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ (السَّادِسَةُ) إذَا قَطَعَ الْمُحْرِمُ يَدَهُ وَعَلَيْهَا شَعْرٌ أَوْ كَشَطَ جِلْدَةً مِنْهَا عَلَيْهَا شَعْرٌ أَوْ قَطَعَ يَدَهُ وَعَلَيْهَا أَظْفَارٌ لَمْ يَلْزَمْهُ فِدْيَةٌ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمِمَّنْ نَقَلَ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ هُوَ وَغَيْرُهُ وَكَذَا لَوْ كَشَطَ جِلْدَةَ الرَّأْسِ الَّتِي عَلَيْهَا شَعْرٌ فَلَا فِدْيَةَ بِالِاتِّفَاقِ وَنَقَلَ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ هَذَا عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَجَزَمَ بِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَوْ افْتَدَى كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا قَتَلَ صَيْدًا صَالَ عَلَيْهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يلزمه الضمان * قال المصنف رحمه الله
* (وان لبس أو تطيب أو دهن رأسه أو لحيته جاهلا بالتحريم أو ناسيا للاحرام لم يلزمه الفدية لما روى أبو يعلى بن أمية رضى الله عنه قَالَ (أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِجْلَ بالجعرانة وعليه جبة وهو مصفر رأسه ولحيته فقال يا رسول الله أحرمت بعمرة وأنا كما ترى فقال اغسل عنك الصفرة وانزع عنك الجبة وما كنت صانعا في حجك فاصنع في عمرتك) ولم يأمره بالفدية فدل علي أن الجاهل لا فدية عليه وإذا ثبت هذا في الجاهل ثبت في الناسي لان الناسي يفعل وهو يجهل تحريمه عليه فَإِنْ ذَكَرَ مَا فَعَلَهُ نَاسِيًا أَوْ عَلِمَ ما فعله جاهلا نزع اللباس وأزال الطيب حديث يعلى بن أمية فان لم يقدر علي إزالة الطيب لم تلزمه الفدية لانه مضطر إلى تركه فلم تلزمه فديد كما لو أكره علي التطيب وان قدر على إزالته واستدام لزمته الفدية لانه تطيب من غير عذر فأشبه إذا ابتدأ به وهو عالم بالتحريم
* وان مس طيبا وهو يظن أنه يابس فكان رطبا ففيه قولان
(أحدهما)
تلزمه الفدية لانه قصد مس الطيب
(والثانى)
لا تلزمه

(7/338)


لانه جهل تحريمه فاشبه إذا جهل تحريم الطيب في الاحرام
* وان حلق الشعر أو قلم الظفر ناسيا أو جاهلا
بالتحريم فالمنصوص أنه تجب عليه الفدية لانه إتلاف فاستوى في ضمانه العمد والسهو كاتلاف مال الآدمى وفيه قول آخر مخرج أنه لا تجب لانه ترفه وزينة فاختلف في فديته السهو والعمد كالطيب
* وان قتل صيدا ناسيا أو جاهلا بالتحريم وجب عليه الجزاء لان ضمانه ضمان المال فاستوي فيه السهو والعمد والعلم والجهل كضمان مال الآدميين وان أحرم ثم جن وقتل صيدا ففيه قولان
(أحدهما)
يجب عليه الجزاء لما ذكرناه (والثاني) لا يجب لان المنع من قتل الصيد تعبد والمجنون ليس من أهل التعبد فلا يلزمه ضمان
* ومن أصحابنا من نقل هذين القولين الي الناسي وليس بشئ وان جامع ناسيا أو جاهلا بالتحريم ففيه قولان (قال) في الجديد لا يفسد حجه ولا يلزمه شئ لانه عبادة تجب بافسادها الكفارة فاختلف في الوطئ فيها العمد والسهو كالصوم (وقال) في القديم يفسد حجه وتلزمه الكفارة لانه معني يتعلق به قضاء الحج فاستوى فيه العمد والسهو كالفوات) (حَدِيثُ يَعْلَى صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَسَبَقَ بَيَانُ الْجِعْرَانَةِ فِي بَابِ الْمَوَاقِيتِ (قَوْلُهُ) وَفِيهِ قَوْلٌ مُخَرَّجٌ أَيْ مُخَرَّجٌ مِنْ الطِّيبِ (قَوْلُهُ) لِأَنَّهُ تُرْفَةٌ وَزِينَةٌ احْتِرَازٌ مِنْ إتْلَافِ مَالِ الْآدَمِيِّ وَمَنْ إتْلَافِ الصَّيْدِ (قَوْلُهُ) لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ يَجِبُ بِإِفْسَادِهَا الْكَفَّارَةُ احْتِرَازٌ مِنْ الصَّلَاةِ وَالطَّهَارَةِ.
(قَوْلُهُ) يَتَعَلَّقُ بِهِ قَضَاءُ الْحَجِّ احْتِرَازٌ مِنْ الطِّيبِ وَاللِّبَاسِ.
(قَوْلُهُ) لِأَنَّ ضَمَانَهُ ضَمَانُ الْمَالِ يَعْنِي أَنَّهُ يَضْمَنُ بِالْمِثْلِ أَوْ القيمة

(7/339)


وقيه احْتِرَازٌ مِنْ قَتْلِ الْآدَمِيِّ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا تَطَيَّبَ أَوْ لَبِسَ أَوْ دَهَنَ رَأْسَهُ أَوْ لِحْيَتَهُ جَاهِلًا بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ أَوْ نَاسِيًا الْإِحْرَامَ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ إلَّا الْمُزَنِيَّ فَأَوْجَبَهَا
* دَلِيلُ الْمَذْهَبِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ ذَكَرَ مَا فَعَلَهُ نَاسِيًا أَوْ عَلِمَ مَا فَعَلَهُ جَاهِلًا لَزِمَهُ الْمُبَادَرَةُ بِإِزَالَةِ الطِّيبِ وَاللِّبَاسِ وَلَهُ نَزْعُ الثَّوْبِ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ وَلَا يُكَلَّفُ شَقُّهُ
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَخَالَفَ فِيهِ بَعْضُ السَّلَفِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ شَرَعَ فِي الْإِزَالَةِ وَطَالَ زَمَانُهَا مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ وَإِنْ أَخَّرَ الْإِزَالَةَ مَعَ إمْكَانِهَا لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ سَوَاءٌ طَالَ الزَّمَانُ أَمْ لَا لِأَنَّهُ مُتَطَيِّبٌ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ بِلَا عُذْرٍ وَإِنْ تَعَذَّرَتْ عَلَيْهِ إزَالَةُ الطِّيبِ أَوْ اللِّبَاسِ بِأَنْ كَانَ أَقْطَعَ أَوْ بِيَدِهِ عِلَّةٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ أَوْ عَجَزَ عَمَّا يُزِيلُ بِهِ الطِّيبَ فَلَا فِدْيَةَ مَا دَامَ الْعَجْزُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمَتَى تَمَكَّنَ وَلَوْ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لَزِمَهُ الْمُبَادَرَةُ
بِالْإِزَالَةِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ عَلِمَ تَحْرِيمَ الطِّيبِ وَجَهِلَ وُجُوبُ الْفِدْيَةِ وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ وَهُوَ كَمَنْ زَنَى أَوْ شَرِبَ أَوْ سَرَقَ عَالِمًا تَحْرِيمَ ذَلِكَ جَاهِلًا وُجُوبَ الْحَدِّ فَيَجِبُ الْحَدُّ بِالِاتِّفَاقِ وَكَذَا لَوْ عَلِمَ تَحْرِيمَ الْقَتْلِ وَجَهِلَ وُجُوبَ الْقِصَاصِ وَجَبَ الْقِصَاصُ وَلَوْ عَلِمَ تَحْرِيمَ الطِّيبِ وَجَهِلَ كَوْنَ الْمَمْسُوسِ طِيبًا فَلَا فِدْيَةَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقِيلَ فِي وُجُوبِهَا وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ (وَالصَّحِيحُ) الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ
* قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلَوْ عَلِمَ تَحْرِيمَ الطِّيبِ وَلَكِنَّهُ اعْتَقَدَ فِي بَعْضِ أَنْوَاعِ الطِّيبِ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ فَالصَّحِيحُ وُجُوبُ الْفِدْيَةِ لِتَقْصِيرِهِ (أَمَّا) إذَا مَسَّ طِيبًا يَظُنُّهُ يَابِسًا فَكَانَ رَطْبًا فَفِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (الْجَدِيدُ) لَا فِدْيَةَ (وَالْقَدِيمُ) وُجُوبُهَا وَسَبَقَ بَيَانُهُمَا وَاخْتِلَافُ الْأَصْحَابِ فِي الْأَصَحِّ مِنْهُمَا فِي فَصْلِ تَحْرِيمِ اسْتِعْمَالِ الطَّيِّبِ (أَمَّا) إذَا أُكْرِهَ عَلَى التَّطَيُّبِ فَلَا فِدْيَةَ بِالِاتِّفَاقِ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي قِيَاسِهِ الْمَذْكُورِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا حَلَقَ الشَّعْرَ أَوْ قَلَّمَ الظُّفْرَ نَاسِيًا لِإِحْرَامِهِ أَوْ جَاهِلًا تَحْرِيمَهُ فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ وُجُوبُ الْفِدْيَةِ (وَالثَّانِي) مُخَرَّجٌ أَنَّهُ

(7/340)


لَا فِدْيَةَ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَهُوَ مُخَرَّجٌ مِنْ الطِّيبِ وَاللِّبَاسِ
* وَقَالَ كَثِيرُونَ مُخَرَّجٌ مِنْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ إذَا حَلَقَ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي الْمُغْمَى عَلَيْهِ إذَا حَلَقَ أَوْ قَلَّمَ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ عَلَى قَوْلَيْنِ وَكَذَلِكَ إذَا قَتَلَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ الصَّيْدَ نَصَّ فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْمَجْنُونُ وَالصَّبِيُّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ إذَا أَزَالُوا فِي إحْرَامِهِمْ شَعْرًا أَوْ ظُفْرًا هَلْ تَجِبُ الْفِدْيَةُ فِيهِ قَوْلَانِ (الْأَصَحُّ) لَا فِدْيَةَ بِخِلَافِ الْعَاقِلِ النَّاسِي وَالْجَاهِلِ فَإِنَّ الْمَذْهَبَ وُجُوبُ الْفِدْيَةِ فَإِنَّهُ يُنْسَبُ إلَى تَقْصِيرٍ بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ (الثَّالِثَةُ) إذَا قَتَلَ الصَّيْدَ نَاسِيًا لِإِحْرَامِهِ أَوْ جَاهِلًا تَحْرِيمَهُ فَفِيهِ طَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا
(أَحَدُهُمَا)
الْقَطْعُ بِوُجُوبِ الْفِدْيَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ المصنف وآخرين
(والثانى)
على الْخِلَافُ فِي الْحَلْقِ وَالْقَلْمِ وَعَلَى الْجُمْلَةِ الْمَذْهَبُ وُجُوبُ الْفِدْيَةِ (وَأَمَّا) الْمَجْنُونُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالصَّبِيُّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ فَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَ قَتْلِهِمْ الصَّيْدَ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ وَذَكَرْنَاهُ أَيْضًا قَبْلَ هَذَا فِي أَوَائِلِ فَصْلِ تَحْرِيمِ الصَّيْدِ (الرَّابِعَةُ) إذَا جَامَعَ الْمُحْرِمُ قَبْلَ التَّحَلُّلِ مِنْ الْعُمْرَةِ أَوْ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ مِنْ الْحَجِّ نَاسِيًا لِإِحْرَامِهِ أَوْ جَاهِلًا تَحْرِيمَهُ فَفِيهِ قولان مشهووان ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا
(الْأَصَحُّ) الْجَدِيدُ لَا يَفْسُدُ نُسُكُهُ وَلَا كَفَّارَةَ (وَالْقَدِيمُ) فَسَادُهُ وَوُجُوبُ الْكَفَّارَةِ
* وَلَوْ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ وَحَلَقَ ثُمَّ جَامَعَ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ رَمَى قَبْلَ نِصْفِ اللَّيْلِ وَأَنَّ التَّحَلُّلَ لَمْ يَحْصُلْ فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الدَّارِمِيُّ (أَصَحُّهُمَا) كَالنَّاسِي فَيَكُونُ فِيهِ الْقَوْلَانِ (وَالثَّانِي) يَفْسُدُ حَجُّهُ قَوْلًا وَاحِدًا لِتَقْصِيرِهِ
* وَلَوْ أُكْرِهَتْ المحرمة علي الوطئ فَفِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي النَّاسِي وَلَوْ أُكْرِهَ الرَّجُلُ فَفِيهِ طَرِيقَانِ بِنَاءً عَلَى الخلاف في تصور اكراهه على الوطئ فِي الزِّنَا وَغَيْرِهِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ إكْرَاهَهُ لَا يُتَصَوَّرُ فَيَكُونُ مُخْتَارًا فَيَفْسُدُ نُسُكُهُ وَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ مُتَصَوَّرٌ

(7/341)


فَيَكُونُ فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى النَّاسِي كَمَا قُلْنَا فِي الْمَرْأَةِ (وَالْأَصَحُّ) لَا يَفْسُدُ لِأَنَّ الاصح تصورا كراهه
* وَلَوْ أَحْرَمَ عَاقِلًا ثُمَّ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَجَامَعَ فِي جُنُونِهِ أَوْ إغْمَائِهِ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ كَالنَّاسِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ فِي ضَابِطِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ إذَا فَعَلَ الْمُحْرِمُ مَحْظُورًا مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا فَإِنْ كَانَ إتْلَافًا كَقَتْلِ الصَّيْدِ وَالْحَلْقِ وَالْقَلْمِ فَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ الْفِدْيَةِ وَفِيهِ خِلَافٌ ضَعِيفٌ سَبَقَ بَيَانُهُ وَإِنْ كَانَ اسْتِمْتَاعًا مَحْضًا كَالطِّيبِ وَاللِّبَاسِ وَدَهْنِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ وَالْقُبْلَةِ وَاللَّمْسِ وَسَائِرِ الْمُبَاشَرَاتِ بِالشَّهْوَةِ مَا عَدَا الْجِمَاعَ فَلَا فِدْيَةَ وَإِنْ كَانَ جِمَاعًا فَلَا فِدْيَةَ فِي الْأَصَحِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*

(7/342)


(فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ إذَا لَبِسَ أَوْ تَطَيَّبَ نَاسِيًا لِإِحْرَامِهِ أَوْ جَاهِلًا تَحْرِيمَهُ فَلَا فِدْيَةَ وَبِهِ قَالَ عَطَاءُ وَالثَّوْرِيُّ واسحق وَدَاوُد
* وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْمُزَنِيُّ وَأَحْمَدُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَقَاسُوهُ عَلَى قَتْلِ الصَّيْدِ وَدَلِيلُنَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْفَرْقُ أَنَّ قَتْلَ الصَّيْدِ إتْلَافٌ (وَأَمَّا) إذَا وَطِئَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ نُسُكُهُ وَلَا كَفَّارَةَ.
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَفْسُدُ وَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ وَوَافَقَنَا دَاوُد فِي النَّاسِي وَالْمُكْرَهِ وقد ذكر المصنف دليل المذهبين * قال المصنف رحمه الله
*

(7/343)


(وان حلق رجل رأسه فان كان باذنه وجبت عليه الفدية لانه أزال شعره بسبب لا عذر له فيه فاشبه إذا حلقه بنفسه وان حلقه وهو نائم أو مكره وجبت الفدية وعلى من تجب فيه قولان
(أحدهما)
تجب على الحالق لانه أمانة عنده فإذا اتلفه غيره وجب الضمان علي من أتلفه كالوديعة إذا أتلفها غاصب
(والثانى)
تجب علي المحلوق لانه هو الذي ترفه بالحلق فكانت الفدية عليه (فان قلنا) تجب الفدية على الحالق فللمحلوق مطالبته باخراجها لانها تجب بسببه فان مات الحالق أو اعسر بالفدية لم تجب علي المحلوق الفدية (وإن قلنا) تجب على المحلوق أخذها من الحالق واخرجها وان افتدى المحلوق

(7/344)


نظرت فان افتدى بالمال رجع باقل الامرين من الشاة أو ثلاثة آصع وان اداها بالصوم لم يرجع عليه لانه لا يمكن الرجوع به ومن اصحابنا من قال يرجع بثلاثة امداد لان صوم كل يوم مقدر بمد
* وان حلق رأسه وهو ساكت ففيه طريقان (احدهما) انه كالنائم والمكره لان السكوت لا يجرى مجرى الاذن والدليل عليه انه لو اتلف رجل ماله فسكت لم يكن سكوته اذنا في اتلافه (والثاني) انه بمنزلة ما لو اذن فيه لانه يلزمه حفظه والمنع من حلقه فإذا لم يفعل جعل سكوته كالاذن فيه كالمودع إذا سكت عن اتلاف الوديعة)
* (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الشَّاةِ أَوْ ثَلَاثَةِ آصُعٍ هَكَذَا اسْتَعْمَلَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ هَذِهِ الْعِبَارَةَ وَالْأَجْوَدُ حَذْفُ الْأَلِفِ فَيُقَالُ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الشَّاةِ وَثَلَاثَةِ آصُعٍ وَهَذَا ظَاهِرٌ لِمَنْ تَأَمَّلَ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي تَهْذِيبِ اللُّغَاتِ وَفِي أَلْفَاظِ التَّنْبِيهِ (وَقَوْلُهُ) يَجْرِي مَجْرَى هُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ (وَقَوْلُهُ) سَكَتَ عَنْ إتْلَافِ الْوَدِيعَةِ يُقَالُ سَكَتَ عَنْهُ وَعَلَيْهِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا لِلْحَالِقِ وَالْمَحْلُوقِ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَا حلالين فلا شئ عَلَيْهِمَا (الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ الْحَالِقُ مُحْرِمًا وَالْمَحْلُوقُ حلالا فلا منع منه ولا شئ عَلَيْهِمَا (الثَّالِثُ) أَنْ يَكُونَا مُحْرِمَيْنِ (الرَّابِعُ) أَنْ يَكُونَ الْمَحْلُوقُ مُحْرِمًا دُونَ الْحَالِقِ وَفِي هَذَيْنِ الْحَالَيْنِ يَأْثَمُ الْحَالِقُ ثُمَّ إنْ كَانَ الْحَلْقُ بِإِذْنِ الْمَحْلُوقِ أَثِمَ أَيْضًا وَوَجَبَتْ الْفِدْيَةُ عَلَى المحلوق ولا شئ عَلَى الْحَالِقِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَ الْحَالِقُ مُحْرِمًا فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ
* دليلنا انه آلة اللمحلوق فَوَجَبَتْ إضَافَةُ الْحَلْقِ إلَى الْمَحْلُوقِ دُونَهُ أَمَّا إذَا حَلَقَ الْحَلَالُ أَوْ الْمُحْرِمُ شَعْرَ مُحْرِمٍ بغير اذنه فانه كَانَ
نَائِمًا أَوْ مُكْرَهًا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالشَّاشِيُّ وَآخَرُونَ (احدهما) طريقة ابي العباس بن سريج
(والثانى)
ابى اسحق المروزى ان المسألة قولين (احدهما) ان الفدية عليه الْحَالِقِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَالْإِمْلَاءِ

(7/345)


(وَالثَّانِي)
يَجِبُ عَلَى الْمَحْلُوقِ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْحَالِقِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ فِي مختصر الحج الاوسط وقال ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ فِي الْمُخْتَصَرِ الْكَبِيرِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) طَرِيقَةُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّ الْفِدْيَةَ تَجِبُ عَلَى الْحَالِقِ ابْتِدَاءً قَوْلًا وَاحِدًا فما دام موسرا حاضرا فلا شئ عَلَى الْمَحْلُوقِ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ إذَا غاب الحالق أو اعسر فهل يلزمه الْمَحْلُوقَ إخْرَاجُ الْفِدْيَةِ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْحَالِقِ إذَا حَضَرَ وَأُيْسِرَ فِيهِ الْقَوْلَانِ وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي الرَّاجِحِ مِنْ هَذَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ فَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي الصَّحِيحُ طَرِيقَةُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ وَبِهَا قَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا
* هَذَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ وَخَالَفَهُ الجمهور فصححوا طريقة ابن سريج وأبى اسحق.
مِمَّنْ صَحَّحَهَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ وَنَقَلَهَا صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا
* قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ هَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الشَّعْرَ عَلَى رَأْسِ الْمُحْرِمِ هَلْ هُوَ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَدِيعَةِ أَمْ بِمَنْزِلَةِ الْعَارِيَّةِ وَفِيهِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ (فَإِنْ) قُلْنَا عَارِيَّةٌ وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ عَلَى الْمَحْلُوقِ ثُمَّ يُرْجَعُ بِهَا عَلَى الْحَالِقِ كَمَا لَوْ تَلِفَتْ الْعَارِيَّةُ فِي يَدِهِ (وَإِنْ قُلْنَا) وَدِيعَةٌ وَجَبَتْ عَلَى الْحَالِقِ ولا شئ عَلَى الْمَحْلُوقِ كَمَا لَوْ تَلِفَتْ الْوَدِيعَةُ عِنْدَهُ بِلَا تَفْرِيطٍ
* وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُمْ قَالُوا فِيهِ قَوْلَانِ قَالَ وَقِيلَ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ عَارِيَّةٌ (وَالثَّانِي) وَدِيعَةٌ وَمِمَّنْ نَقَلَ الْخِلَافَ فِي أَنَّ الْخِلَافَ قَوْلَانِ أَوْ وَجْهَانِ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالشَّاشِيُّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالشَّامِلِي وَغَيْرُهُمْ (الْأَصَحُّ) أَنَّهُ كَالْوَدِيعَةِ قَالَ الْقَاضِي لِأَنَّ الْقَصْدَ بِالْعَارِيَّةِ انْتِفَاعُ الْمُسْتَعِيرِ بِهَا وَالْمُحْرِمُ لَا يَنْتَفِعُ بِكَوْنِ الشَّعْرِ عَلَى رَأْسِهِ وَإِنَّمَا مَنْفَعَتُهُ فِي إزَالَتِهِ لِأَنَّهُ لَوْ تَمَعَّطَ بِالْمَرَضِ لَمْ يَضْمَنْهُ بِلَا خِلَافٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَالْوَدِيعَةِ وَلَوْ كَانَ كَالْعَارِيَّةِ لَضَمِنَهُ كَالْعَارِيَّةِ التَّالِفَةِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ قَالَ
الْقَاضِي (فَإِنْ قِيلَ) إنَّمَا لَمْ يَضْمَنْ إذَا تَمَعَّطَ بِالْمَرَضِ لِأَنَّ صَاحِبَ الْعَارِيَّةِ هُوَ الذى اتلفها وهو الله

(7/346)


تَعَالَى (فَالْجَوَابُ) أَنَّهُ يَلْزَمُ مِثْلُ ذَلِكَ إذَا حَلَقَهُ بِنَفْسِهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الْفَاعِلُ الْحَقِيقِيُّ فِي الْحَلْقِ وَلَا مُحْدِثَ لِلْأَفْعَالِ سِوَاهُ قَالَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُفَرِّقَ بِأَنَّ الْحَلْقَ اكْتَسَبَهُ الْعَبْدُ فَضَمِنَهُ وَالتَّمَعُّطَ بِالْمَرَضِ لَيْسَ بِكَسْبٍ فَلَمْ يمضنه
* هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَنَقَلَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الشَّامِلِ أَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ قَالَ ذِكْرُ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ خَطَأٌ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ وَدِيعَةٌ وَهَذَا يُخَالِفُ قَوْلَ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ الْخِلَافَ وَلَمْ يَقُلْ إنَّهُ خَطَأٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ فِي أَنَّ الْأَصَحَّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ الْفِدْيَةَ تَجِبُ عَلَى الْحَالِقِ وَلَا يُطَالَبُ الْمَحْلُوقُ أَبَدًا وَمِمَّنْ صَرَّحَ بتصحيحه أبو اسحق الْمَرْوَزِيُّ فِي شَرْحِهِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابَيْهِ التَّعْلِيقِ وَالْمُجَرَّدِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَالْبَغَوِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَصَاحِبُ البيان والفارقي والرافعي وآخرون لان الملحوق مَعْذُورٌ وَلَا تَقْصِيرَ مِنْ جِهَتِهِ بِخِلَافِ النَّاسِي (وأما) قول القائل الآخر انه ترقة بِالْحَلْقِ فَقَالُوا هَذَا يَنْتَقِضُ بِمَنْ عِنْدَهُ شَرَابٌ وَدِيعَةً فَجَاءَ إنْسَانٌ فَأَوْجَرَهُ فِي حَلْقِ الْمُودِعِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَإِنَّ الضَّمَانَ يَجِبُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ دُونَ الْمُودِعِ وَإِنْ كَانَ قَدْ حَصَلَ فِي جَوْفِهِ لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا (فَإِنْ قُلْنَا) الْفِدْيَةُ عَلَى الْحَالِقِ فَامْتَنَعَ مِنْ أَدَائِهَا مَعَ قُدْرَتِهِ فَلِلْمَحْلُوقِ مُطَالَبَتُهُ بِإِخْرَاجِهَا
* هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ قَالَ وَهُوَ مُشْكِلٌ فِي الْمَعْنَى وَإِنَّمَا التَّعْوِيلُ عَلَى النَّقْلِ وَحَكَى ابْنُ الصَّبَّاغِ هَذَا عَنْ الْأَصْحَابِ ثُمَّ اسْتَشْكَلَهُ وَأَنْكَرَهُ عَلَى الْأَصْحَابِ كَمَا اسْتَشْكَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَنَقَلَ الْمُتَوَلِّي عَنْ الْأَصْحَابِ كُلِّهِمْ أَنَّهُمْ قَالُوا لِلْمَحْلُوقِ مُطَالَبَةُ الْحَالِقِ بِإِخْرَاجِ الْفِدْيَةِ وَلَهُ مُطَالَبَةُ الْإِمَامِ بِالِاسْتِيفَاءِ ثُمَّ قَالَ والصحيح انه ليس له مطالبته لان الحلق لَيْسَ لَهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي تَرْكِ الْإِخْرَاجِ ضَرَرٌ لِأَنَّ الْحَالِقَ هُوَ الْمَأْمُورُ بِالْإِخْرَاجِ بِخِلَافِ السَّرِقَةِ لِأَنَّ فِي الْقَطْعِ غَرَضًا وَهُوَ الزَّجْرُ لِصِيَانَةِ مِلْكِهِ
* هَذَا كَلَامُ الْمُتَوَلِّي وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَيْنِ (الصَّحِيحُ) وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ
(وَالثَّانِي)
لَا وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ لِلْمَشْهُورِ بِمَا احْتَجَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ قَالَ الْفَارِقِيّ وَلِأَنَّ حج

(7/347)


الْمَحْلُوقِ يُتِمُّ بِإِخْرَاجِ الْفِدْيَةِ فَكَانَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِإِخْرَاجِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَإِذَا قُلْنَا يَجِبُ عَلَى الْحَالِقِ فَمَاتَ أَوْ أُعْسِرَ فلا شئ عَلَى الْمَحْلُوقِ وَلَوْ أَخْرَجَ الْمَحْلُوقُ الْفِدْيَةَ إنْ كَانَ بِإِذْنِ الْحَالِقِ جَازَ بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَوْ أَدَّى زَكَاتَهُ وَكَفَّارَتَهُ بِإِذْنِهِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ (الْأَصَحُّ) لَا يُجْزِئُ كَمَا لَوْ أَخْرَجَهَا أَجْنَبِيٌّ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ وَجْهًا وَاحِدًا وَبِهَذَا الْوَجْهِ قَطَعَ الدَّارِمِيُّ وَأَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَضَاءِ الدَّيْنِ عَنْ الْإِنْسَانِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِغَيْرِ إذْنِهِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الْفِدْيَةَ شَبِيهَةٌ بِالْكَفَّارَةِ وَلِأَنَّهَا قُرْبَةٌ وَجَبَتْ بِسَبَبِ الْعِبَادَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) إذَا قُلْنَا تَجِبُ الْفِدْيَةُ عَلَى الْمَحْلُوقِ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ إنْ كَانَ الْحَالِقُ حَاضِرًا وَهُوَ مُوسِرٌ فَلِلْمَحْلُوقِ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْ الْحَالِقِ وَيُخْرِجُهَا لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِإِلْزَامِ الْمَحْلُوقِ بِإِخْرَاجِهَا ثُمَّ الرُّجُوعُ عَلَى الْحَالِقِ مَعَ إمْكَانِ الْأَخْذِ مِنْ الْحَالِقِ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ غَيْرِهِمْ
* وَقَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ هَلْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْحَالِقِ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَهُمْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَقَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ أَرَادَ إخْرَاجَهَا وَالْحَالَةُ هَذِهِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَفْدِيَ بِالْهَدْيِ أَوْ الْإِطْعَامِ دُونَ الصِّيَامِ هَكَذَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ لِأَنَّهُ مُتَحَمِّلٌ لِهَذِهِ الْفِدْيَةِ عَنْ غَيْرِهِ وَالصَّوْمُ لَا يَصِحُّ فِيهِ التَّحَمُّلُ
* وَإِنْ غَابَ الْحَالِقُ أَوْ أَعُسِرَ لَزِمَ الْمَحْلُوقَ أَنْ يَفْدِيَ لِيُخَلِّصَ نَفْسَهُ مِنْ الْفَرْضِ قَالَ الْأَصْحَابُ وَلَهُ هُنَا أَنْ يَفْدِيَ بِالْهَدْيِ وَالْإِطْعَامِ والصيام واطلق الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَفْدِيَ بِالْإِطْعَامِ وَالْهَدْيِ وَالصِّيَامِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ وُجُودِ الْحَالِقِ وَعَدَمِهِ وَقَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الصِّيَامُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ مُتَحَمِّلٌ
* وَإِذَا فَدَى الْمَحْلُوقُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ نُظِرَتْ فَإِنْ فَدَى بِالطَّعَامِ أَوْ الْهَدْيِ رَجَعَ بِأَقَلِّهِمَا قِيمَةً لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِالزِّيَادَةِ لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَهُمَا فَعُدُولُهُ إلَى أَكْثَرِهِمَا تَبَرُّعٌ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ وَيَرْجِعُ بِالْأَقَلِّ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجَمَاهِيرُ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْمَسْأَلَةِ وجهين
(أحدهما)

(7/348)


هَذَا (وَالثَّانِي) أَنَّهُ إذَا فَدَى بِأَكْثَرِهِمَا لَا يرجع على الحالق بشئ لِأَنَّهُ غَارِمٌ عَنْ غَيْرِهِ فَلَزِمَهُ أَنْ يُسْقِطَ الْغُرْمَ بِأَقَلَّ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَإِذَا عَدَلَ إلَى الْأَكْثَرِ كَانَ مُتَطَوِّعًا بِذَلِكَ غَيْرَ مَأْذُونٍ لَهُ فِيهِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَإِنْ فَدَى بِالصِّيَامِ فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ وبه قطع جماعة
لا يرجع بشئ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَالثَّانِي) يَرْجِعُ لِكُلِّ يَوْمٍ بِمُدٍّ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَالثَّالِثُ) يَرْجِعُ لِكُلِّ يَوْمٍ بِصَاعٍ ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي لِأَنَّ الشَّرْعَ عَادَلَ بَيْنَ صَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَثَلَاثَةِ آصُعٍ (وَالرَّابِعُ) حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ ابْنِ الْقَطَّانِ وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ يَرْجِعُ بِمَا يَرْجِعُ بِهِ لَوْ فَدَى بِالْهَدْيِ أَوْ الْإِطْعَامِ
* وَلَوْ أَرَادَ الْحَالِقُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنْ يَفْدِيَ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَ بِالصَّوْمِ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ كَانَ بِالْهَدْيِ أَوْ الْإِطْعَامِ فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ الْمَحْلُوقِ جَازَ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجُوزُ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرَّافِعِيُّ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ والفرق بين هذا وبين من أُكْرِهَ إنْسَانًا عَلَى إتْلَافِ مَالٍ وَقُلْنَا إنَّ الْمُكْرَهَ الْمَأْمُورَ يَضْمَنُ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْآمِرِ فَأَدَّاهُ الْآمِرُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَأْمُورِ يَبْرَأُ الْمَأْمُورُ لِأَنَّ الْفِدْيَةَ فِيهَا مَعْنَى الْقُرْبَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَصْدِهَا مِمَّنْ لَاقَاهُ الْوُجُوبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا حَلَقَ إنْسَانٌ رَأْسَ الْمُحْرِمِ وَهُوَ مُسْتَيْقِظٌ عَاقِلٌ غَيْرُ مُكْرَهٍ لَكِنَّهُ سَاكِتٌ فَطَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ كَمَا لَوْ حَلَقَ بِإِذْنِهِ فَتَكُونُ الْفِدْيَةُ عَلَى الْمَحْلُوقِ قَوْلًا وَاحِدًا وَلَا مُطَالَبَةَ عَلَى الْحَالِقِ بشئ لان الشعر عنده وديعة أو عادية وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ إذَا أُتْلِفَتْ الْعَارِيَّةُ أَوْ الْوَدِيعَةُ وَهُوَ سَاكِتٌ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْمَنْعِ يَكُونُ ضَامِنًا فِي الطَّرِيقِ الثَّانِي كَمَا أَنَّهُ لَوْ حَلَقَ نَائِمًا أَوْ مُكْرَهًا فَيَكُونُ عَلَى الْخِلَافِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ أَمَرَ حَلَالٌ حَلَالًا بِحَلْقِ رَأْسِ مُحْرِمٍ نائم الفدية عَلَى الْآمِرِ إنْ لَمْ يَعْرِفْ الْحَالِقُ الْحَالَ فَإِنْ عَرَفَهُ فَوَجْهَانِ (الْأَصَحُّ) أَنَّهَا عَلَيْهِ قَالَ الدَّارِمِيُّ وَلَوْ أَكْرَهَ إنْسَانٌ مُحْرِمًا عَلَى حَلْقِ رَأْسِ نَفْسِهِ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ كَمَا لَوْ حَلَقَهُ مُكْرَهًا
* وَلَوْ أُكْرِهَ رَجُلًا عَلَى حَلْقِ الْمُحْرِمِ فَالْفِدْيَةُ عَلَى الْآمِرِ
*

(7/349)


(فَرْعٌ)
إذَا سَقَطَ شَعْرُ الْمُحْرِمِ بِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْآفَاتِ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ آدَمِيٍّ فَلَا فِدْيَةَ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ طَارَتْ إلَيْهِ نَارٌ فَأَحْرَقَتْهُ فَقَدْ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ إطْفَاؤُهَا فَلَا فِدْيَةَ بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَوْ سَقَطَ بِالْمَرَضِ وَإِنْ أَمْكَنَهُ فَهُوَ كَمَنْ حَلَقَ رَأْسَهُ وَهُوَ سَاكِتٌ فَفِيهِ الطَّرِيقَانِ السَّابِقَانِ
* وَأَطْلَقَ الدَّارِمِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُ لَوْ أُحْرِقَ بِالنَّارِ لَا فِدْيَةَ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَا فِدْيَةَ وَاخْتَارَ الْقَاضِي أَنَّهُ إنْ قُلْنَا إنَّ الشَّعْرَ كَالْعَارِيَّةِ ضَمِنَهُ وَإِنْ قُلْنَا وَدِيعَةً فَلَا وَالصَّوَابُ
مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيِّ وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ كَلَامِ الْعِرَاقِيِّينَ عَلَى مَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْإِطْفَاءُ وَكَلَامُهُمْ يَقْتَضِيهِ فَإِنَّهُمْ جَعَلُوهُ حُجَّةً لِسُقُوطِ الْفِدْيَةِ عَنْ الْمَحْلُوقِ النَّائِمِ وَالْمُكْرَهِ وَبِهِ يَحْصُلُ الِاحْتِجَاجُ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْحَلَالَ إذَا حَلَقَ رَأْسَ الْمُحْرِمِ مُكْرِهًا وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ عَلَى الْحَالِقِ فِي الْأَصَحِّ وَفِي الثَّانِي تَجِبُ عَلَى الْمَحْلُوقِ وَيَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْحَالِقِ
* قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَمْ تَخْتَلِفْ الْأَئِمَّةُ فِي إيجَابِ الْفِدْيَةِ قَالَ وَأَقْرَبُ مَسْلَكٍ فِيهِ أَنَّ الشَّعْرَ فِي حَقِّ الْحَلَالِ كَصَيْدِ الْحَرَمِ وَشَجَرِهِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ لَوْ حَلَقَ مُحْرِمٌ رَأْسَ حَلَالٍ جَازَ وَلَا فِدْيَةَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ فَإِنْ فَعَلَ فَعَلَى الْحَالِقِ صَدَقَةٌ كَمَا لَوْ حَلَقَ رَأْسَ مُحْرِمٍ.
دَلِيلُنَا أَنَّهُ حَلَقَ شَعْرًا لَا حُرْمَةَ لَهُ بِخِلَافِ شَعْرِ الْمُحْرِمِ وَلَوْ حَلَقَ حَلَالٌ شَعْرَ مُحْرِمٍ نَائِمٍ أَوْ مُكْرَهٍ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا وُجُوبُ الْفِدْيَةِ عَلَى الْحَالِقِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تَجِبُ عَلَى الْمَحْلُوقِ وَلَا يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْحَالِقِ وَقَالَ عَطَاءٌ مَنْ أَخَذَ مِنْ شَارِبِ المحرم فعليهما الفدية
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ويكره للمحرم أن يحك شعره بأظفاره حتى لا ينتثر شعره فان انتثر منه شعرة لزمته الفدية ويكره أَنْ يُفَلِّيَ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ فَإِنْ فَلَّى وَقَتَلَ قملة استحب له ان يفديها قال الشافعي رحمه الله وأى شئ فداها به فهو خير منها فان ظهر القمل علي بدنه أو ثيابه لم يكره ان ينحيه لانه الجأه
* ويكره ان يكتحل

(7/350)


بما لا طيب فيه لانه زينة والحاج اشعث اغبر فان احتاج إليه لم يكره لانه إذا لم يكره ما يحرم من الحلق والطيب للحاجة فلان لا يكره ما لا يحرم أولى
* ويجوز أن يدخل الحمام ويغتسل بالماء لما روى ابو ايوب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يغتسل وهو محرم) ويجوز أن يغسل شعره بالماء والسدر لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي خَرَّ مِنْ بَعِيرِهِ اغْسِلُوهُ بماء وسدر) ويجوز أن يحتجم ما لم يقطع شعرا لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ) ويجوز أن يفتصد كما يجوز أن يحتجم ويجوز أن يستظل سائرا ونازلا لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَمَرَ بقية من شعران تضرب له بنمرة) وإذا ثبت جواز ذلك
بالحر نازلا وجب ان يجوز سائرا قياسا عليه ويكره ان يلبس الثياب المصبغة لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رأى على طلحة ثوبين مصبوغين وهو حرام فقال أيها الرهط انتم أئمة يقتدي بكم ولو ان جاهلا رأى عليك ثوبيك لقال قد كان طلحة يلبس الثياب المصبغة وهو محرم فلا يلبس احدكم من هذه الثياب المصبغة في الاحرام شيئا
* ويكره ان يحمل بازا أو كلبا معلما لانه ينفر به الصيد وربما انفلت فقتل صيدا وينبغى ان ينزه إحرامه من الخصومة والشتم والكلام القبيح لقوله تَعَالَى (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ ولا فسوق ولا جدال في الحج) قال ابن عباس الفسوق المنابزة بالالقاب وتقول لاخيك يا ظالم يا فاسق والجدال أن تمارى صاحبك حتي تغضبه وروى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كهيئته يوم ولدته امه وبالله التوفيق)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُ رِوَايَتِهِمَا قَالَ أَبُو أَيُّوبَ (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْتَسِلُ وَهُوَ مُحْرِمٌ) وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي خَرَّ مِنْ بَعِيرِهِ وَحَدِيثُهُ فِي الْحِجَامَةِ رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ جَابِرٍ فِي الْقُبَّةِ فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد فِي جُمْلَةِ حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ الَّذِي اسْتَوْعَبَ فِيهِ صِفَةَ حَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَفْظِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَعَنْ أُمِّ الْحُصَيْنِ الصَّحَابِيَّةِ رَضِيَ الله عنهما قَالَتْ (حَجَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ فَرَأَيْتُ أُسَامَةَ وَبِلَالًا وَأَحَدُهُمَا آخِذٌ بِخِطَامِ نَاقَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ يَسْتُرُهُ مِنْ الْحَرِّ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عُمَرَ وَقَوْلُهُ لِطَلْحَةَ فِي الثَّوْبِ الْمَصْبُوغِ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ باسناد

(7/351)


عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَأَمَّا) تَفْسِيرُ قَوْله تَعَالَى (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ ولا فسوق ولا جدال في الحج) فَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ فِي وَقْتِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ (قَوْلُهُ) يُكْرَهُ أَنْ يَفْلِيَ رَأْسَهُ هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) يُكْرَهُ حَكُّ الشَّعْرِ فِي الْإِحْرَامِ بِالْأَظْفَارِ لِئَلَّا يَنْتِفَ شَعْرًا وَلَا يُكْرَهُ بِبُطُونِ الْأَنَامِلِ وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى هَذَا بِقَوْلِهِ يُكْرَهُ أَنْ يَحُكَّ شَعْرَهُ بِأَظْفَارِهِ فَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ بِأَنَامِلِهِ وَيُكْرَهُ مَشْطُ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى نَتْفِ الشَّعْرِ فَإِنْ حَكَّ أَوْ مَشَطَ فَنَتَفَ
بِذَلِكَ شَعْرَةً أَوْ شَعَرَاتٍ لَزِمَهُ فِدْيَةٌ فَإِنْ سَقَطَ شَعْرٌ وَشَكَّ هل نتفه بفعله أم كان ينتسل بِنَفْسِهِ فَوَجْهَانِ وَقِيلَ قَوْلَانِ وَمِمَّنْ حَكَاهُمَا قَوْلَيْنِ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ حِكَايَتِهِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْبَنْدَنِيجِيُّ وصاحب البيان لافدية لانه محتمل الامرين والاصل برائته فَلَا تَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ بِالشَّكِّ
(وَالثَّانِي)
تَلْزَمُهُ إحَالَةً عَلَى السَّبَبِ الظَّاهِرِ قَالَ الْإِمَامُ وَهُوَ نَظِيرٌ من ضرب بطن امْرَأَةٍ فَأَجْهَضَتْ جَنِينًا يَجِبُ الضَّمَانُ وَإِنْ كَانَ يُحْتَمَلُ الْإِجْهَاضُ بِسَبَبٍ آخَرَ هَذَا كُلُّهُ فِي حَكِّ الشَّعْرِ (وَأَمَّا) حَكُّ الْجَسَدِ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ وَفِي الْمُوَطَّأِ عَنْ عَائِشَةَ (أَنَّهَا سُئِلَتْ أَيَحُكُّ الْمُحْرِمُ جَسَدَهُ قَالَتْ نَعَمْ فَلْيَحُكَّهُ وَلْيَشْدُدْ)
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ دَلْكُ الْبَدَنِ وَإِزَالَةُ الْوَسَخِ عَنْهُ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَفْعَلُهُ فَإِنْ فَعَلَهُ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ.
دَلِيلُنَا أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي ذَلِكَ نَهْيٌ شَرْعِيٌّ فَلَا يُمْنَعُ فَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الدَّلَالَةِ و (أما) مَا يَحْتَجُّ بِهِ أَصْحَابُنَا مِنْ رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ بِإِسْنَادِهِمَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّهُ دَخَلَ حَمَّامًا وَهُوَ بِالْجُحْفَةِ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَقَالَ مَا يعبأ الله بأوساخنا شيأ) فَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي يَحْيَى وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْد الْمُحَدِّثِينَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) يُكْرَهُ أَنْ يُفَلِّيَ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ فَإِنْ فَلَّى وَقَتَلَ قَمْلَةً تَصَدَّقَ وَلَوْ بِلُقْمَةٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشافعي وفى نص آخر قال أي شئ فَدَاهَا بِهِ فَهُوَ خَيْرٌ مِنْهَا كَمَا حَكَاهُ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ بِمَعْنَى

(7/352)


الْأَوَّلِ وَهَذَا التَّصَدُّقُ مُسْتَحَبٌّ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ
* هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَأْكُولَةً فَأَشْبَهَتْ قَتْلَ الْحَشَرَاتِ وَالسِّبَاعِ الَّتِي لَا تُؤْكَلُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّ التَّصَدُّقَ وَاجِبٌ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إزَالَةَ الْأَذَى عَنْ الرَّأْسِ وَقَدْ سَبَقَ بيانه في فصل قتل مالا يُؤْكَلُ مِنْ السِّبَاعِ وَالْحَشَرَاتِ حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ
* قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَلَوْ ظَهَرَ الْقَمْلُ فِي بَدَنِهِ وَثِيَابِهِ فَلَهُ إزَالَتُهُ وَلَا فِدْيَةَ بِلَا خِلَافٍ لَا وَاجِبَةً وَلَا مُسْتَحَبَّةً بِخِلَافِ قَمْلِ الرَّأْسِ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إزَالَةَ الْأَذَى مِنْ الرَّأْسِ وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَسَبَقَ هُنَاكَ أَنَّ الصِّئْبَانَ لَهَا حُكْمُ الْقَمْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الثَّالِثَةُ) يَحْرُمُ الِاكْتِحَالُ بحكل فِيهِ طِيبٌ كَمَا سَبَقَ فِي فَصْلِ الطِّيبِ فَإِنْ احْتَاجَ إلَيْهِ لِدَوَاءٍ جَازَ وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ (وَأَمَّا) الِاكْتِحَالُ بِمَا لَا طِيبَ فِيهِ فَقَدْ سَبَقَ فِي آخِرِ فَصْلِ تَحْرِيمِ الطِّيبِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ وَلِلشَّافِعِيِّ فِي كَرَاهَتِهِ نَصَّانِ فَقِيلَ قَوْلَانِ وَقِيلَ عَلَى حَالَيْنِ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَإِنْ كَانَ فِيهِ زِينَةٌ كَالْإِثْمِدِ وَنَحْوِهِ كُرِهَ
إلَّا لِحَاجَةٍ كَرَمَدٍ وَنَحْوِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ زِينَةٌ كَالتُّوتْيَا لَمْ يُكْرَهْ وَبِهَذَا التَّفْصِيلُ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْجُمْهُورُ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ إنْ كَانَ مِمَّا لَا يُحَسِّنُ الْعَيْنَ كَالتُّوتْيَا فَلَا كَرَاهَةَ وَإِنْ كَانَ يُحَسِّنُهَا كَالْإِثْمِدِ فَقَدْ نَقَلَ الْمُزَنِيّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَنَصَّ فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّهُ يُكْرَهُ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ قَالَ فَإِنْ صَحَّ نَقْلُ الْمُزَنِيِّ فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى قَوْلَيْنِ وَإِلَّا فَالْمَعْرُوفُ فِي كُتُبِهِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ فَالْمَذْهَبُ التَّفْصِيلُ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ وَآخَرُونَ وَيُكْرَهُ لِلْمُحْرِمَةِ الِاكْتِحَالُ بِالْإِثْمِدِ

(7/353)


أَشَدُّ مِنْ كَرَاهَتِهِ لِلرِّجَالِ لِأَنَّ مَا يَحْصُلُ مِنْ الزِّينَةِ أَكْثَرُ مِنْ الرَّجُلِ فَإِنْ اكْتَحَلَ بِهِ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ فَلَا فِدْيَةَ بِلَا خِلَافٍ وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في المحرم (يعنى يشتكي عينيه قال يضمدهما بِالصَّبِرِ) وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ شُمَيْسَةَ قَالَتْ (اشْتَكَتْ عَيْنَيْ وَأَنَا مُحْرِمَةٌ فَسَأَلْتُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ الْكُحْلِ فَقَالَتْ اكْتَحِلِي بِأَيِّ كُحْلٍ شِئْتِ غَيْرِ الْإِثْمِدِ أَوْ قَالَتْ غَيْرِ كُلِّ كُحْلٍ أَسْوَدَ أَمَا إنَّهُ لَيْسَ بحرام ولكنه زينة نحن نَكْرَهُهُ وَقَالَتْ إنْ شِئْتِ كَحَّلْتُكِ بِصَبِرٍ فَأَبَيْتُ)
* (فَرْعٌ)
اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ تَضْمِيدِ الْعَيْنِ وَغَيْرِهَا لِلْمُحْرِمِ بِالصَّبِرِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَيْسَ بِطِيبٍ وَلَا فِدْيَةَ فِي ذَلِكَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ إذَا احْتَاجَ إلَى مَا فِيهِ طِيبٌ جَازَ فِعْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ لَهُ ان يكتحل بمالا طِيبَ فِيهِ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ وَلَا فِدْيَةَ وَأَمَّا الِاكْتِحَالُ لِلزِّينَةِ فَمَكْرُوهٌ عِنْدَنَا عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا سَبَقَ وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ
* قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ ثَبَتَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ يَكْتَحِلُ الْمُحْرِمُ بِكُلِّ كُحْلٍ لَا طِيبَ فيه قال ورخص في الحكل له الثوري وأحمد واسحق وأصحاب الرأى غير أن اسحق

(7/354)


وَأَحْمَدَ قَالَا لَا يُعْجِبُنَا ذَلِكَ لِلزِّينَةِ وَكَرِهَهُ مجاهد وكره الاثمد للمحرم الثوري وأحمد واسحق قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَا يُكْرَهُ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي الْحَمَّامِ وَغَيْرِهِ وَيَنْغَمِسَ فِي الْمَاءِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَهُ إزَالَةُ الْوَسَخِ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقِيلَ يُكْرَهُ عَلَى الْقَدِيمِ وَلَهُ غَسْلُ رَأْسِهِ بِالسِّدْرِ وَالْخِطْمِيِّ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ
لَا يَفْعَلَ خَوْفًا مِنْ انْتِتَافِ الشَّعْرِ وَلِأَنَّهُ تَرَفُّهٌ وَنَوْعُ زِينَةٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الْجُمْهُورُ كَرَاهَتَهُ بَلْ اقْتَصَرُوا عَلَى أَنَّهُ خِلَافُ الْأُولَى
* وَصَرَّحَ الْبَنْدَنِيجِيُّ بِكَرَاهَتِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَذَكَرَ الْحَنَّاطِيُّ كَرَاهَتَهُ عَنْ الْقَدِيمِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا غَسَلَهُ فينبغي ان يرفق لئلا ينتتف شَعْرَهُ
* هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ أَمَّا اغتسال المحرم بالماء والا نغماس فِيهِ فَجَائِزٌ لَا يُعْرَفُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ خِلَافٌ فِيهِ لِحَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ السَّابِقِ (فَأَمَّا) دُخُولُ الْحَمَّامِ وَإِزَالَةُ الْوَسَخِ عَنْ نَفْسِهِ فَجَائِزٌ أَيْضًا عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ
* وَقَالَ مَالِكٌ تَجِبُ الْفِدْيَةُ بِإِزَالَةِ الْوَسَخِ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ غَسَلَ رَأْسَهُ بِخَطْمِي لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ
* دَلِيلُنَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي خَرَّ عَنْ بَعِيرِهِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَكَرِهَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَمَالِكٌ غَسْلَ الْمُحْرِمِ رَأْسَهُ بِالْخِطْمِيِّ قَالَ مَالِكٌ وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يَعْقُوبَ وَمُحَمَّدٌ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ هُوَ مُبَاحٌ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ (الْخَامِسَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَحْتَجِمَ وَيَفْتَصِدَ وَيَقْطَعَ الْعِرْقَ مَا لَمْ يَقْطَعْ شَعْرًا وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ
* هَذَا مَذْهَبُنَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ منهم مسروق وعطاء وعبيد ابن عمير والثوري وأحمد واسحق وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَمَالِكٌ لَيْسَ لَهُ الْحِجَامَةُ إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ

(7/355)


وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ إنْ فَعَلَهُ (1) دَلِيلُنَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ احْتَاجَ إلَى الْحِجَامَةِ وَنَحْوِهَا وَلَمْ يُمْكِنْ الا بقطع شعر قطعه ولزمه الْفِدْيَةُ (السَّادِسَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لَهُ أَنْ يَسْتَظِلَّ سَائِرًا وَنَازِلًا لِلْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلِحَدِيثِ أُمِّ الْحُصَيْنِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مَعَهُ
* هَذَا مَذْهَبُنَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ رَبِيعَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَابْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانِ وَعَطَاءٍ وَالْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ وَكَرِهَ ذَلِكَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ
* وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُهْدِي لَا أَسْتَظِلُّ قَالَ وَرَوَيْنَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (أَضْحِ لِمَنْ أَحْرَمْتَ لَهُ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَلَا بَأْسَ بِهِ عِنْدِي لِأَنِّي لَا أَعْلَمُ خَبَرًا ثَابِتًا يَمْنَعُ مِنْهُ وَمَا كَانَ لِلْحَلَالِ فِعْلُهُ كَانَ لِلْمُحْرِمِ فِعْلُهُ إلَّا مَا نُهِيَ عنه المحرم
* قال وكل مَا نُهِيَ عَنْهُ الْمُحْرِمُ يَسْتَوِي فِيهِ الرَّاكِبُ وَمَنْ عَلَى الْأَرْضِ كَالطِّيبِ وَاللِّبَاسِ السَّابِقَيْنِ فِي حَدِيثِ ضَرْبِ الْقُبَّةِ بِنَمِرَةَ وَحَدِيثِ أُمِّ الْحُصَيْنِ
* هَذَا كَلَامُ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَنَقَلَ أَصْحَابُنَا عَنْ مالك واحمد انهما قالا
__________
(1) كذا بالاصل فحرر

(7/356)


يَجُوزُ الِاسْتِظْلَالُ لِلنَّازِلِ وَلَا يَجُوزُ لِلسَّائِرِ فَإِنْ اسْتَظَلَّ لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ
* قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَوَافَقْنَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ زَمَنُ اسْتِظْلَالِهِ يَسِيرًا فَلَا فِدْيَةَ وَكَذَا لَوْ اسْتَظَلَّ بِيَدِهِ وَنَحْوِهَا دَلِيلُنَا الْحَدِيثَانِ السَّابِقَانِ (وَأَمَّا) مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ عَنْ نَافِعٍ قَالَ (أَبْصَرَ ابْنُ عُمَرَ رَجُلًا عَلَى بَعِيرِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ قَدْ اسْتَظَلَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّمْسِ فَقَالَ لَهُ أَضْحِ لِمَنْ أَحْرَمْتَ لَهُ) فَمَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ (وَقَوْلُهُ) أَضْحِ أَيْ اُبْرُزْ إلَى الشَّمْسِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ جَابِرٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (ما من محرم يضحى للشمس حى تَغْرُبَ إلَّا غَرَبَتْ بِذُنُوبِهِ حَتَّى يَعُودَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ) فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ هُوَ إسْنَادٌ ضَعِيفٌ وَلَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلِيلٌ لِلْمَنْعِ مِنْ الِاسْتِظْلَالِ وَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ وَلَا فِيهِ فَرْقٌ بَيْنَ سَائِرٍ وَنَازِلٍ
* قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا الِاسْتِظْلَالُ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا فَالْبُرُوزُ لِلشَّمْسِ أَفْضَلُ مِنْهُ لِلرَّجُلِ مَا لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا وَالسِّتْرُ لِلْمَرْأَةِ أَفْضَلُ (السَّابِعَةُ)
* قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ يُكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ لُبْسُ الثياب المصبغة كراهة تنزيه فان لبسها بلا فِدْيَةَ سَوَاءٌ فِي هَذَا الْمَصْبُوغُ بِالنِّيلِ وَالْمَغْرَةِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا لَيْسَ بِطِيبٍ
* (الثَّامِنَةُ) يُكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَسْتَصْحِبَ مَعَهُ بَازِيًا أَوْ كَلْبًا مُعَلَّمًا أَوْ غَيْرَهُمَا مِنْ جَوَارِحِ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَتَابَعَهُ الْأَصْحَابُ وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ بِفُرُوعِهَا فِي فَصْلِ الصَّيْدِ (التَّاسِعَةُ) قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ يَنْبَغِي أَنْ يُنَزِّهَ إحْرَامَهُ مِنْ الشَّتْمِ وَالْكَلَامِ الْقَبِيحِ وَالْخُصُومَةِ وَالْمِرَاءِ وَالْجِدَالِ وَمُخَاطَبَةِ النِّسَاءِ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْجِمَاعِ وَالْقُبْلَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ أَنْوَاعِ الِاسْتِمْتَاعِ وَكَذَا ذِكْرُهُ بِحَضْرَةِ الْمَرْأَةِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ كَلَامُهُ وَكَلَامُ الْحَلَالِ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْكَلَامِ الْمَنْدُوبِ كَتَعْلِيمٍ وَتَعَلُّمٍ وَغَيْرِ ذلك لحديثي أبى سريج

(7/357)


عن الْخُزَاعِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
* قَالَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ) وَلَا بَأْسَ عَلَيْهِمَا بِالْكَلَامِ الْمُبَاحِ مِنْ شِعْرٍ وَغَيْرِهِ لِحَدِيثِ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ مِنْ الشِّعْرِ لَحِكْمَةً) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الشِّعْرُ كَلَامٌ حَسَنُهُ كَحَسَنِ الْكَلَامِ وَقَبِيحُهُ كَقَبِيحِهِ) رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ
وَالْبَيْهَقِيُّ هَكَذَا مُرْسَلًا عَنْ عُرْوَةَ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ غَنَّى وَهُوَ مُحْرِمٌ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْعَاشِرَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا لَا بَأْسَ بِنَظَرِ الْمُحْرِمِ فِي الْمِرْآةِ وَلَا كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي كِتَابِهِ الْجَامِعِ لَا بَأْسَ بِنَظَرِ الْمُحْرِمِ وَالْمُحْرِمَةِ إلَى وَجْهِهِ فِي الْمِرْآةِ قَالَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي سُنَنِ حَرْمَلَةَ يُكْرَهُ لهما ذلك هذا كلام البدنيجى
* وقال صاحب العدة قال الشافعي في الامام لَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ فِي سُنَنِ حَرْمَلَةَ يكره ذلك لانه زينة
* قال صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ صَاحِبُ الْمُعْتَمَدِ لَا يُكْرَهُ قَالَ وَنَقَلَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ نَصَّ فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّهُ يُكْرَهُ فَحَصَلَ لِلشَّافِعِيِّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ (الْأَصَحُّ) لَا يُكْرَهُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ عن ابن عباس وأبي هريرة وطاووس والشافعي واحمد واسحق قَالَ وَبِهِ أَقُولُ
* وَكَرِهَ ذَلِكَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا عَنْ ضَرُورَةٍ
* قَالَ وَعَنْ عَطَاءٍ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يُكْرَهُ
(وَالثَّانِي)
لَا بَأْسَ بِهِ
* وَاحْتَجَّ الْبَيْهَقِيُّ بِحَدِيثِ نَافِعٍ (أَنَّ ابْنَ عُمَرَ نَظَرَ فِي الْمِرْآةِ) رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَنْظُرَ الْمُحْرِمُ فِي الْمِرْآةِ إلَّا مِنْ وَجَعٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَعَطَاءُ الْخُرَاسَانِيُّ ضَعِيفٌ لِقَوْلِهِ وَالرِّوَايَةُ الْأُولَى أَصَحُّ (الْحَادِيَةَ عَشَرَ) أَشَارَ الْمُصَنِّفُ فِي كَلَامِهِ فِي هَذَا الْفَصْلِ وَغَيْرِهِ إلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ كَوْنُ الْحَاجِّ أَشْعَثَ وَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَدَلِيلُهُ قَوْله تَعَالَى (ثم ليقضوا تفثهم) وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى

(7/358)


يُبَاهِي بِأَهْلِ عَرَفَاتٍ أَهْلَ السَّمَاءِ فَيَقُولُ لَهُمْ أنظروا إلى عبادي جاؤني لى شُعْثًا غُبْرًا) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ الْمُخْتَصَرِ الْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ فِي ذَلِكَ إلَّا مَا أُمِرَتْ بِهِ مِنْ السِّتْرِ فَأَسْتَرُ لَهَا أَنْ تَخْفِضَ صَوْتَهَا بِالتَّلْبِيَةِ وَلَهَا أَنْ تَلْبَسَ الْقَمِيصَ وَالْقَبَاءَ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ وَشَرَحَ الْأَصْحَابُ هَذَا الْكَلَامَ فاحسنهم شرحا صاحب الحاوى قال (فاما) أَرْكَانُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَلَا يَخْتَلِفُ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ في شئ مِنْهَا وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي هَيْئَاتِ الْإِحْرَامِ فَهِيَ تُخَالِفُهُ فِي خَمْسَةِ أَشْيَاءَ (أَحَدُهَا)
أَنَّهَا مَأْمُورَةٌ بِلُبْسِ الْمَخِيطِ كَالْقَمِيصِ وَالْقَبَاءِ وَالسَّرَاوِيلِ وَالْخُفَّيْنِ وَمَا هُوَ أَسْتَرُ لَهَا لِأَنَّ عَلَيْهَا سَتْرُ جَمِيعِ بَدَنِهَا غَيْرَ وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا وَالرَّجُلُ مَنْهِيٌّ عَنْ الْمَخِيطِ وَتَلْزَمُهُ بِهِ الْفِدْيَةُ (الثَّانِي) أَنَّهَا مَأْمُورَةٌ بِخَفْضِ صَوْتِهَا بِالتَّلْبِيَةِ وَالرَّجُلُ مَأْمُورٌ بِرَفْعِهِ لِأَنَّ صَوْتَهَا يَفْتِنُ (الثَّالِثُ) أَنَّ إحْرَامَهَا فِي وَجْهِهَا فَلَا تُغَطِّيهِ فَإِنْ سَتَرَتْهُ لَزِمَهَا الْفِدْيَةُ وَلِلرَّجُلِ سَتْرُهُ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ (الرَّابِعُ) لَيْسَ لِلرَّجُلِ لُبْسُ الْقُفَّازَيْنِ بِلَا خِلَافٍ

(7/359)


وَفِي الْمَرْأَةِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (الْخَامِسُ) يُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تَخْتَضِبَ لِإِحْرَامِهَا بِحِنَّاءٍ وَالرَّجُلُ مَنْهِيٌّ عَنْ ذلك (قلت) وتخالفه في شئ سادس من هيآت الاحرام هو أن كراهة الاكتحال فِي حَقِّهَا أَشَدُّ مِنْ الرَّجُلِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا وَفِي سَابِعٍ وَهُوَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لها مس وجهها عند ارادة الاحرام بشئ من الحناء لتستر بَشَرَتُهُ عَنْ الْأَعْيُنِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا وَاضِحًا فِي أَوَائِلِ هَذَا الْبَابِ
* قَالَ الْأَصْحَابُ وفى أشياء من هيآت الطَّوَافِ (أَحَدُهَا وَالثَّانِي) الرَّمَلُ وَالِاضْطِبَاعُ يُشْرَعَانِ لِلرَّجُلِ

(7/360)


دُونَهَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هِيَ مَنْهِيَّةٌ عَنْهُمَا بَلْ تَمْشِي عَلَى هِينَتِهَا وَتَسْتُرُ جَمِيعَ بَدَنِهَا غَيْرَ الوجهين وَالْكَفَّيْنِ (الثَّالِثُ) يُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تَطُوفَ لَيْلًا لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا وَالرَّجُلُ يَطُوفُ لَيْلًا وَنَهَارًا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَيُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ لَا تدنوا مِنْ الْكَعْبَةِ فِي الطَّوَافِ إنْ كَانَ هُنَاكَ رِجَالٌ وَإِنَّمَا تَطُوفُ فِي حَاشِيَةِ النَّاسِ وَالرَّجُلُ بِخِلَافِهَا قَالَ السَّرَخْسِيُّ وَهَكَذَا يُسْتَحَبُّ لَهَا فِي الطَّرِيقِ أَنْ لَا تُخَالِطُ النَّاسَ وَتَسِيرُ عَلَى حاشيتهم

(7/361)


تَحَرُّزًا عَنْهُمْ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَتُخَالِفُهُ فِي أَشْيَاءَ مِنْ هَيْئَاتِ السَّعْيِ (أَحَدُهَا) أَنَّهَا تَمْشِي جَمِيعَ المسافة بين الصفا والمروة ولا تسعى في شئ مِنْهَا بِخِلَافِ الرَّجُلِ
(وَالثَّانِي)
ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهَا تُمْنَعُ مِنْ السَّعْيِ رَاكِبَةً وَالرَّجُلُ لَا يُمْنَعُ مِنْهُ (وَالثَّالِثُ) ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَيْضًا أَنَّهَا تَمْتَنِعُ مِنْ صُعُودِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَالرَّجُلُ يُؤْمَرُ بِهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَتُخَالِفُهُ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ مِنْ هَيْئَاتِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ (أَحَدُهَا)

(7/362)


يُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تَقِفَ نَازِلَةً لَا رَاكِبَةً لِأَنَّهُ أَصْوَنُ لَهَا وَأَسْتَرُ وَالرَّجُلُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ رَاكِبًا عَلَى
الْأَصَحِّ
(وَالثَّانِي)
يُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تَكُونَ جَالِسَةً وَالرَّجُلُ قَائِمًا (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تَكُونَ فِي حَاشِيَةِ الْمَوْقِفِ وَأَطْرَافِ عَرَفَاتٍ وَالرَّجُلُ يُسْتَحَبُّ كَوْنُهُ عِنْدَ الصَّخَرَاتِ السُّودِ بِوَسَطِ عَرَفَاتٍ
* قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَتُخَالِفُهُ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ مِنْ هَيْئَاتِ بَاقِي الْمَنَاسِكِ (أَحَدُهَا) يُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ رَفْعُ يَدِهِ فِي رَمْيِ

(7/363)


الجمار ولا يستحب المرأة (وَالثَّانِي) يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَذْبَحَ نُسُكَهُ وَلَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ لِلْمَرْأَةِ (وَالثَّالِثُ) الْحَلْقُ فِي حَقِّ الرَّجُلِ أَفْضَلُ مِنْ التَّقْصِيرِ وَتَقْصِيرُهَا هِيَ أَفْضَلُ مِنْ حَلْقِهَا بَلْ حَلْقِهَا مَكْرُوهٌ قَالَ وَمَا سِوَى الْمَذْكُورِ فَالْمَرْأَةُ وَالرَّجُلُ فِيهِ سَوَاءٌ وَاَللَّهُ اعلم * قال المصنف رحمه الله
* باب ما يجب في محظورات الاحرام من كفارة وغيرها (إذا حلق المحرم رأسه فكفارته ان يذبح شاة أو يطعم ستة مساكين ثلاثة آصع لكل مسكين نصف صاع أو يصوم ثلاثة ايام وهو مخير بين الثلاثة لِقَوْلِهِ تَعَالَى (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أو صدقة أو نسك) ولحديث كعب بن عجرة
* وان حلق ثلاث شعرات كانت كفارته ما ذكرناه في حلق الرأس لانه يقع عليه اسم الجمع المطلق فصار كمن

(7/364)


حلق جميع رأسه وان حلق شعر رأسه وشعر بدنه لزمه ما ذكرناه وقال أبو القاسم الانماطي يلزمه فديتان لان شعر الرأس مخالف لشعر البدن ألا ترى انه يتعلق النسك بحلق الرأس ولا يتعلق بشعر البدن والمذهب الاول لانهما وإن اختلفا في النسك إلا ان لجميع جنس واحد فأجزأه لهما

(7/365)


فدية واحدة كما لو غطي رأسه ولبس القميص والسراويل
* وان حلق شعرة أو شعرتين ففيه ثلاثة اقوال (أحدها) يجب لكل شعرة ثلث دم لانه إذا وجب في ثلاث شعرات دم وجب في كل شعرة ثلثه (والثاني) يجب لكل شعرة درهم لان إخراج ثلث دم يشق فعدل إلى قيمته وكانت قيمة الشاة ثلاثة دراهم فوجب ثلاثه (والثالث) مد لان الله تعالى عدل في جزاء الصيد من الحيوان إلى الطعام

(7/366)


فيجب ان يكون هنا مثله وأقل ما يجب من الطعام مد فوجب ذلك
* وان قلم أظفاره أو ثلاثة أظفار وجب عليه ما يجب في الحلق وان قلم ظفرا أو ظفرين وجب فيهما ما يجب في الشعرة والشعرتين لانه في معناهما
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا دَمُ الْحَلْقِ وَالْقَلْمِ دَمُ تَخْيِيرٍ وَتَقْدِيرٍ وَمَعْنَى التَّخْيِيرِ أَنَّهُ يَجُوزُ الْعُدُولُ إلَى غَيْرِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَمَعْنَى التَّقْدِيرِ أَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ الْبَدَلَ الْمَعْدُولَ إلَيْهِ مُقَدَّرًا بِقَدْرٍ لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ وَلَا يَنْقُصُ مِنْهُ فَإِذَا حَلَقَ رَأْسَهُ أَوْ قَلَّمَ أَظْفَارَهُ لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ وَهِيَ ذَبْحُ شَاةٍ أَوْ إطْعَامُ ثَلَاثَةِ آصع

(7/367)


لِسِتَّةِ مَسَاكِينَ كُلُّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ أَوْ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ لِلْآيَةِ وَحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ
* وَإِذَا تَصَدَّقَ بِالْآصُعِ وَجَبَ أَنْ يُعْطِيَ كُلَّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ
* هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ

(7/368)


الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا عَنْ حِكَايَةِ صَاحِبِ الْعُدَّةِ أَنَّهُ لَا يُقَدَّرُ نُصِيبُ كُلِّ مِسْكِينٍ بَلْ تَجُوزُ الْمُفَاضَلَةُ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ
* وَلَوْ حَلَقَ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ فَهُوَ كَحَلْقِ كُلِّ رَأْسِهِ فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَهَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ قَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَظْفَارٍ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ أَظْفَارِ الْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ أَوْ مِنْهُمَا
* هذا إذ أَزَالَهَا دُفْعَةً وَاحِدَةً فِي مَكَان فَإِنْ فَرَّقَ زمانا

(7/369)


أَوْ مَكَانًا فَسَيَأْتِي حُكْمُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا إذَا حَلَقَ أَوْ قَلَّمَ أَوْ تَطَيَّبَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى (أَمَّا) إذَا حَلَقَ شَعْرَةً وَاحِدَةً أَوْ شَعْرَتَيْنِ فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أقوال ذكر المصنف الثلاثة لاول مِنْهَا بِدَلَائِلِهَا (أَصَحُّهَا) وَهُوَ

(7/370)


نَصُّهُ فِي أَكْثَرِ كُتُبِهِ يَجِبُ فِي شَعْرَةٍ مُدٌّ وَفِي شَعْرَتَيْنِ مُدَّانِ
(وَالثَّانِي)
يَجِبُ فِي شَعْرَةٍ دِرْهَمٌ وَفِي شَعْرَتَيْنِ دِرْهَمَانِ (وَالثَّالِثُ) فِي شَعْرَةٍ ثُلُثُ دَمٍ وَفِي شَعْرَتَيْنِ ثُلُثَاهُ (وَالرَّابِعُ) فِي الشَّعْرَةِ الْوَاحِدَةِ دَمٌ كَامِلٌ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ حِكَايَةِ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا الْقَوْلُ وَإِنْ كَانَ يَنْقَدِحُ تَوْجِيهُهُ فَلَسْتُ أَعُدُّهُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ فِي شَعْرَةٍ مُدًّا وَفِي شَعْرَتَيْنِ
مُدَّيْنِ هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مِمَّنْ صَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ والقاضى حسين في تعليقه والعبد رى والبغوى وصاحب لانتصار وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَفِي الْأُمِّ وَالْإِمْلَاءِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي هَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَفِي أَكْثَرِ كُتُبِهِ قَالَ وَعَلَيْهِ يُعَوِّلُ أَصْحَابُنَا وَالْقَوْلُ الَّذِي يَقُولُ يَجِبُ فِي الشَّعْرَةِ ثُلُثُ دَمٍ وَفِي الشَّعْرَتَيْنِ ثُلُثَانِ هُوَ رواية ابى بكر الحميدى وشيخ البخاري وصاحب الشافعي عن الشافعي وشذ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ فَصَحَّحَهُ وَالْمَشْهُورُ تَصْحِيحُ الْمُدِّ كَمَا سَبَقَ
* وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الظُّفْرَ كَالشَّعْرَةِ وَالظُّفْرَيْنِ كَالشَّعْرَتَيْنِ فَفِيهِ الْأَقْوَالُ الْأَرْبَعَةُ (الْأَصَحُّ) فِي الظُّفْرِ مُدٌّ وَفِي الظُّفْرَيْنِ مُدَّانِ (أَمَّا) إذَا حَلَقَ شَعْرَ رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (الصَّحِيحُ) وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ تَجِبُ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ قَوْلُ الْأَنْمَاطِيِّ فِدْيَتَانِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهُوَ غَلَطٌ
*

(7/371)


(فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا تَجِبُ الْفِدْيَةُ بِإِزَالَةِ ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ سَوَاءٌ شَعْرُ الرَّأْسِ وَالْبَدَنِ وَسَوَاءٌ النَّتْفُ وَالْإِحْرَاقُ وَالْحَلْقُ وَالتَّقْصِيرُ وَالْإِزَالَةُ بِالنُّورَةِ وَغَيْرُهَا فَتَقْصِيرُ الشَّعْرِ فِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ كَحَلْقِهِ مِنْ أَصْلِهِ
* هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي الطَّرِيقَيْنِ إلَّا الْمَاوَرْدِيُّ فَقَالَ لَوْ قَطَعَ نِصْفَ الشَّعْرَةِ مِنْ رَأْسِهِ أَوْ جَسَدِهِ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَلْزَمُهُ مَا يَلْزَمُهُ فِي الشَّعْرَةِ الْوَاحِدَةِ إذَا قَلَعَهَا مِنْ أَصْلِهَا وَفِيهِ الْأَقْوَالُ الْأَرْبَعَةُ (الْأَصَحُّ) مُدٌّ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ كَالْحَلْقِ مِنْ أَصْلِهِ فِي حُصُولِ التَّحَلُّلِ فَكَذَا فِي الْفِدْيَةِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) قَالَ وَهُوَ الْأَصَحُّ يَجِبُ بِقِسْطِ مَا أَخَذَ مِنْ الشَّعْرَةِ فَيَكُونُ نِصْفَ مُدٍّ عَلَى أَصَحِّ الْأَقْوَالِ الْأَرْبَعَةِ وَحَاصِلُهُ نِصْفُ مَا فِي الشَّعْرَةِ وَالصَّحِيحُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْأَصْحَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَلَوْ قَلَّمَ مِنْ ظُفْرِهِ دُونَ الْمُعْتَادِ وَلَكِنْ اسْتَوْعَبَ جَمِيعَ أَعْلَاهُ فَهُوَ كَقَطْعِ بَعْضِ شَعْرَةٍ فَيَجِبُ فِيهِ مَا يَجِبُ فِي الشَّعْرَةِ بِكَمَالِهَا عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهِ وَجَّهَ الْمَاوَرْدِيُّ
* وَلَوْ أَخَذَ مِنْ بَعْضِ جَوَانِبِ الظُّفْرِ وَلَمْ يَسْتَوْعِبْ جَوَانِبَهُ (فَإِنْ قُلْنَا) فِي الظُّفْرِ الْوَاحِدِ دَمٌ أَوْ دِرْهَمٌ وَجَبَ هُنَا بِقِسْطِهِ وَإِنْ قُلْنَا مُدٌّ وَجَبَ هُنَا أَيْضًا مُدٌّ وَلَمْ يُبَعِّضْ
* هَكَذَا ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَنَقَلَهُ الْمُتَوَلِّي عَنْ
الْأَصْحَابِ مُطْلَقًا قَالَ قَالُوا وَإِنَّمَا أَوْجَبْنَا الْمُدَّ فِي بَعْضِهِ لِأَنَّهُ لَا يَتَبَعَّضُ وَالْفِدْيَةُ فِي الْحَجِّ مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّغْلِيبِ
* (فَرْعٌ)
هَذِهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي الشَّعْرَةِ وَالشَّعْرَتَيْنِ وَالظُّفْرِ وَالظُّفْرَيْنِ تَجْرِي أَيْضًا فِي تَرْكِ حَصَاةٍ مِنْ الْجَمَرَاتِ وَفِي تَرْكِ مَبِيتِ لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِي مِنًى وَقَدْ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي مَوَاضِعِهَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْقَوْلُ بِدِرْهَمٍ فِي الشَّعْرَةِ لَا أَرَى لَهُ وَجْهًا إلَّا تَحْسِينَ الِاعْتِقَادِ في عطاء

(7/372)


فَإِنَّهُ قَالَهُ وَلَا يَقُولُهُ إلَّا عَنْ ثَبْتٍ
* هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ
* وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ إنَّ هَذَا القول ليس مذهبا للشافعي انما هُوَ مَذْهَبُ عَطَاءٍ قَالَ الْقَاضِي وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ (وَأَمَّا) احْتِجَاجُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ لِهَذَا الْقَوْلِ بِأَنَّ الشَّاةَ كَانَتْ تُسَاوِي ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ دَعْوَى لَا أَصْلَ لَهَا فَإِنْ أَرَادُوا أَنَّهَا كَانَتْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُسَاوِي ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فَهُوَ مَرْدُودٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَادَلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ عَشْرَةِ دَرَاهِمَ فِي الزَّكَاةِ فَجَعَلَ الْجُبْرَانَ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهَا كَانَتْ تُسَاوِي ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فِي زَمَنٍ آخَرَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ وَلَا يَلْزَمُ اعْتِمَادُ هَذَا فِي جَمِيعِ الْأَزْمَانِ
* وَأَنْكَرَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ عَلَى الْأَصْحَابِ قَوْلَهُمْ إنَّ الشَّاةَ كَانَتْ تُسَاوِي ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ هَذَا بَاطِلٌ لِأَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي يُصَارُ فِيهِ إلَى التَّقْوِيمِ فِي فِدْيَةِ الْحَجِّ لَا تُخْرِجُ الدَّرَاهِمَ بَلْ يُصْرَفُ الطَّعَامُ وَهُوَ جَزَاءُ الصَّيْدِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُصْرَفَ فِي الطَّعَامِ (وَالثَّانِي) أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْقِيمَةِ بِالْوَقْتِ لَا بِمَا كَانَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا فِي جَزَاءِ الصيد فانه يقوم مالا مِثْلَ لَهُ مِنْ النَّعَمِ بِقِيمَةِ الْوَقْتِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ ثُلُثُ قِيمَةِ شَاةٍ (الثَّالِثُ) أَنَّ الشَّرْعَ خَيَّرَ بَيْنَ الشَّاةِ وَالطَّعَامِ وَالطَّعَامُ يَحْتَمِلُ التَّبْعِيضَ كَمَا ذَكَرْنَا
* قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَأَمَّا تَوْجِيهُ الْقَوْلِ بِأَنَّ فِي الشَّعْرَةِ مُدًّا بِأَنَّ الشَّرْعَ عَدَلَ الْحَيَوَانَ بِالطَّعَامِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ وَغَيْرِهِ وَأَقَلُّ مَا يَجِبُ فِي الشَّرْعِ لِلْفَقِيرِ فِي الْكَفَّارَاتِ مُدٌّ وَالشَّعْرَةُ الْوَاحِدَةُ هِيَ النِّهَايَةُ فِي الْقِلَّةِ فَأَوْجَبْنَا فِي مُقَابَلَتِهَا أَقَلَّ مَا يُوَجِّبُ فِدْيَةً فِي الشَّرْعِ فَهَذَا التَّوْجِيهُ فِيهِ ضَعْفٌ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى الطَّعَامِ فَقَدْ قَابَلَ الشَّرْعُ الشَّاةَ فِي فِدْيَةِ الْحَلْقِ بِثَلَاثَةِ آصُعٍ وَالْآصُعُ مِمَّا يَحْتَمِلُ التَّقْسِيطَ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ فِي مُقَابِلَةِ الشَّعْرَةِ صَاعٌ قَالَ وَمَنْ
قَالَ يَجِبُ فِي الشَّعْرَةِ ثُلُثُ دِرْهَمٍ فَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الْقِيَاسِ
* قَالَ وَعَلَى مُقْتَضَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَخَيَّرَ بَيْنَ ثُلُثِ شَاةٍ وَبَيْنَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِصَاعٍ وَبَيْنَ أَنْ يَصُومَ يَوْمًا كَمَا يَتَخَيَّرُ فِي ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ بَيْنَ شَاةٍ وَصَوْمِ ثلاثة أيام واطعام ثلاثة آصع قال لكن هَذَا الْقَوْلَ فِيهِ إشْكَالٌ مِنْ جِهَةِ الْمَذْهَبِ لانه يضمن فِيمَا لَوْ جَرَحَ ظَبْيَةً فَنَقَصَ عُشْرُ قِيمَتِهَا أَنَّ عَلَيْهِ عُشْرَ ثَمَنِ شَاةٍ وَمَا أَوْجَبَهُ عُشْرَ شَاةٍ قَالَ فَالْقِيَاسُ

(7/373)


يَلْزَمُهُ صَاعٌ أَوْ صَوْمُ يَوْمٍ
* هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي تَوْجِيهِ إيجَابِ مُدٍّ فِي الشَّعْرَةِ هَذَا الْقَوْلُ مَشْهُورٌ مُعْتَضِدٌ بِآثَارِ السَّلَفِ وَهُوَ مَرْجُوعٌ إلَيْهِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ الشَّرِيعَةِ فَإِنَّ الْيَوْمَ الْوَاحِدَ مِنْ صَوْمِ رَمَضَانَ يُقَابَلُ بِمُدٍّ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ إذَا حَلَقَ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ فَصَاعِدًا لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ بِكَمَالِهَا
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ حَلَقَ رُبْعَ رَأْسِهِ لَزِمَهُ الدم وان حلق دونه فلا شئ وَفِي رِوَايَةٍ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَالصَّدَقَةُ عِنْدَهُ صَاعٌ مِنْ أَيِّ طَعَامٍ شَاءَ إلَّا الْبُرَّ فَيَكْفِيهِ مِنْهُ نِصْفُ صَاعٍ
* وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ حَلَقَ النِّصْفَ وَجَبَ عَلَيْهِ الدَّمُ وَقَالَ مَالِكٌ إنْ حَلَقَ مِنْ رَأْسِهِ مَا أَمَاطَ بِهِ عَنْهُ الْأَذَى وَجَبَ الدَّمُ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارٍ ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ
* وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ (إحْدَاهُمَا) كَقَوْلِنَا (وَالثَّانِيَةُ) يَجِبُ بِأَرْبَعِ شَعَرَاتٍ
* وَاحْتَجَّ مَالِكٌ بِأَنَّ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ لَا يَحْصُلُ بِهَا إمَاطَةُ الْأَذَى
* وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِأَنَّ الرُّبْعَ يَقُومُ مَقَامَ الْجَمِيعِ كَمَا يَقُولُ رَأَيْتُ زَيْدًا وَإِنَّمَا رَأَى بَعْضَهُ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَلا تَحْلِقُوا رؤسكم) أي شعر رؤسكم وَالشَّعْرُ اسْمُ جِنْسٍ أَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَى ثَلَاثٍ (وَالْجَوَابُ) عَنْ دَلِيلِ مَالِكٍ أَنَّ إمَاطَةَ الْأَذَى لَيْسَتْ شَرْطًا لِوُجُوبِ الْفِدْيَةِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا دَعْوَى لَيْسَتْ مَقْبُولَةً (أَمَّا) إذَا حَلَقَ شَعْرَةً أَوْ شَعْرَتَيْنِ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ هَذَا مَذْهَبُنَا قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ مجاهد لا شئ فِي شَعْرَةٍ وَشَعْرَتَيْنِ وَبِهِ قَالَ دَاوُد وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ عَطَاءٍ وَقَالَ أَحْمَدُ فِي الشَّعْرَةِ وَالشَّعْرَتَيْنِ يَجِبُ قَبْضَةٌ مِنْ طَعَامٍ وَذَكَرْنَا قَوْلَهُ فِي ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ وَقَالَ دَاوُد لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَأْتِيَ فِي إحْرَامِهِ كُلَّ مَا يَجُوزُ لِلْحَلَالِ فِعْلُهُ إلَّا مَا نَصَّ عَلَى تَحْرِيمِهِ فَلَهُ الِاغْتِسَالُ وَدَهْنُ لِحْيَتِهِ وَجَسَدِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ الدُّهْنُ مُطَيِّبًا وَلَهُ قَلْمُ أَظْفَارِهِ وَحَلْقُ عَانَتِهِ وَنَتْفُ إبْطِهِ إلَّا أَنْ يَعْزِمَ عَلَى الضحية فَلَا يَأْخُذُ مِنْ أَظْفَارِهِ وَلَا مِنْ
شَعْرِهِ فِي الْعَشْرِ حَتَّى يُضَحِّيَ قَالَ وَلِلْمَرْأَةِ الِاخْتِضَابُ وَلِلرَّجُلِ الْمُحْرِمِ شَمُّ الرِّيحَانِ وَأَكْلُ مَا فِيهِ زَعْفَرَانٌ فَإِنْ فَعَلَ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ لِبَاسٍ وَطِيبٍ لَمْ تَجِبْ الْفِدْيَةُ عَلَيْهِ عِنْدَ فِعْلِهِ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَى إيجَابِ ذَلِكَ

(7/374)


هَكَذَا حَكَاهُ عَنْهُ الْعَبْدَرِيُّ (أَمَّا) إذَا حَلَقَ الْمُحْرِمُ شَعْرَ بَدَنِهِ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا وُجُوبُ الْفِدْيَةِ كَحَلْقِ شَعْرِ الرَّأْسِ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ (إحْدَاهُمَا) عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ (وَالثَّانِيَةُ) لَا فِدْيَةَ وَبِهِ قَالَ دَاوُد وَلَا تَجِبُ الْفِدْيَةُ إلَّا بِشَعْرِ رَأْسِهِ
* دَلِيلُنَا أَنَّهُ مُحْرِمٌ تَرَفَّهَ بِأَخْذِهِ شَعْرَةً مِنْ غَيْرِ إلْجَاءٍ فَلَزِمَهُ الْفِدَاءُ كَشَعْرِ رَأْسِهِ وَفِيهِ احْتِرَازٌ مِنْ شَعْرٍ نَبَتَ فِي العين
*

(7/375)


(فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ فِدْيَةَ الحلق على التخير بين شاة وصوم ثلاثة أيام وإطعام ثلاثة اصع لست مَسَاكِينَ كُلُّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ وَسَوَاءٌ حَلَقَهُ لِأَذًى أَوْ غَيْرِهِ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ حَلَقَهُ لِعُذْرٍ فَهُوَ مُخَيَّرٌ كَمَا قُلْنَا وَإِنْ حَلَقَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ تَعَيَّنَتْ الْفِدْيَةُ بِالدَّمِ
* دَلِيلُنَا أَنَّ كُلَّ كَفَّارَةٍ لَا يَثْبُتُ فِيهَا التَّخْيِيرُ إذَا كَانَ سَبَبُهَا مُبَاحًا ثَبَتَ وَإِنْ كَانَ حَرَامًا كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالْقَتْلِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ
* وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) فأثبت التخيير عند العذر من الذى فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا تَخْيِيرَ مَعَ عَدَمِهِ (وَأَجَابَ) أَصْحَابُنَا بِأَنَّ هَذَا تَمَسَّكَ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ إلَّا أَنَّ السَّبَبِيَّةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَيْهِ (أَمَّا) الْأَظْفَارُ فَلَهَا حُكْمُ الشَّعْرِ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا فَيَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ إزَالَتُهَا وَتَجِبُ الْفِدْيَةُ بِهَا وَثَلَاثَةُ أَظْفَارٍ كَثَلَاثِ شَعَرَاتٍ وَظُفْرٌ كَشَعْرَةٍ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ قَلَمَ أَظْفَارَ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ بِكَمَالِهَا لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ الْكَامِلَةُ وَإِنْ قَلَّمَ مِنْ كُلِّ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَرْبَعَةَ أَظْفَارٍ فَمَا دُونَهَا لَزِمَتْهُ صَدَقَةٌ
* وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ إنْ قَلَّمَ خَمْسَةَ أَظْفَارٍ لَزِمَهُ الدَّمُ سَوَاءٌ مِنْ يَدٍ أَوْ يَدَيْنِ
* وَقَالَ مَالِكٌ حُكْمُ الْأَظْفَارِ حُكْمُ الشَّعْرِ يَتَعَلَّقُ الدَّمُ بِمَا يُمِيطُ الْأَذَى
* وَقَالَ دَاوُد يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ إزَالَةُ الْأَظْفَارِ كُلُّهَا وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ مَذْهَبِهِ قَرِيبًا
* دَلِيلُنَا أَنَّهُ كَالشَّعْرِ فِي التَّرَفُّهِ فَكَانَ لَهُ حُكْمُهُ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (وان تطيب أو لبس المخيط في شئ من بَدَنِهِ أَوْ غَطَّى رَأْسَهُ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ أو دهن رأسه أو لحيته وجب
عليه ما يجب في حلق الشعر لانه ترفه وزينة فو كالحلق وان تطيب ولبس وجبت لكل واحد منهما كفارة لانهما جنسان مختلفان وان لبس ومس طيبا وجب كفارة واحدة لان الطيب تابع للثوب فدخل في ضمانه وان لَبِسَ ثُمَّ لَبِسَ أَوْ تَطَيَّبَ ثُمَّ تَطَيَّبَ في اوقات متفرقة ففيه قولان (احدهما) تتداخل لانها جنس واحد فأشبه إذا كانت في وقت واحد
(والثانى)
لا تتداخل لانها في أوقات مختلفة فكان لكل وقت من ذلك حكم نفسه
* وان حلق ثلاث شعرات في ثلاثة أوقات فهي علي

(7/376)


القولين ان قلنا تتداخل لزمه دم وان قلنا لا تتداخل وجب لكل شعرة مد
* وان حلق تسع شعرات في ثلاثة أوقات فعلى القولين ان قلنا لا تتداخل لزمه ثلاثة دماء وان قلنا تتداخل لزمه دم واحد
* (الشَّرْحُ) فِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا تَطَيَّبَ فِي بَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ أَوْ لَبِسَ الْمَخِيطَ فِي بدنه أو غطى رأسه أو شيأ مِنْهُ أَوْ دَهَنَ رَأْسَهُ أَوْ لِحْيَتَهُ أَوْ بَاشَرَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ بِشَهْوَةٍ لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا سَوَاءٌ طَيَّبَ عُضْوًا كَامِلًا أَوْ بَعْضَهُ وَسَوَاءٌ اسْتَدَامَ اللُّبْسَ يَوْمًا أَوْ سَاعَةً أَوْ لَحْظَةً وَسَوَاءٌ سَتَرَ الرَّأْسَ سَاعَةً أَوْ لَحْظَةً فَتَجِبُ الْفِدْيَةُ فِي كُلِّ ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَفِي هَذِهِ الْفِدْيَةِ ثَلَاثُ طُرُقٍ (أَصَحُّهَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ أَنَّهَا كَفِدْيَةِ الْحَلْقِ فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ شَاةٍ وَصَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَإِطْعَامِ ثَلَاثَةٍ آصُعٍ كَمَا سَبَقَ
(وَالثَّانِي)
ذَكَرَهُ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي الْإِيضَاحِ وَآخَرُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ فِيهِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ كَالْمُتَمَتِّعِ فَيَلْزَمُهُ الْهَدْيُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ لَزِمَهُ صَوْمُ عَشْرَةِ أَيَّامٍ كَمَا سَبَقَ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ

(7/377)


الْهَدْيُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ قَوَّمَهُ دَرَاهِمَ وَالدَّرَاهِمَ طَعَامًا ثُمَّ يَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا (والطريق الثالث) فيه أربع أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) أَنَّهُ كَالْحَلْقِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي التَّرَفُّهِ (والثاني) أنا مُخَيَّرٌ بَيْنَ شَاةٍ وَبَيْنَ تَقْوِيمِهَا وَيُخْرِجُ قِيمَتَهَا طَعَامًا أَوْ يَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا (وَالثَّالِثُ) تَجِبُ شَاةٌ فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا لَزِمَهُ الطَّعَامُ بِقِيمَتِهَا (وَالرَّابِعُ) كَالْمُتَمَتِّعِ كَمَا سَبَقَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا تَطَيَّبَ وَلَبِسَ فِي مَجْلِسٍ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا أَوْ فَعَلَهُمَا مَعًا فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ مَشْهُورَةٍ فِي كُتُبِ العراقيين وغيرهم (أصحها) باتفاق الاصحاب
تجب فدينان لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَنْصُوصُهُ (وَالثَّانِي تَجِبُ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ لِأَنَّهُمَا اسْتِمْتَاعٌ فَتَدَاخَلَا كَمَا لَوْ لَبِسَ قَمِيصًا وَعِمَامَةً (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِي إنْ اتَّحَدَ سَبَبُهُمَا بِأَنْ أَصَابَتْهُ شَجَّةٌ وَاحْتَاجَ فِي مُدَاوَاتِهَا إلَى طِيبٍ وَسَتَرَهَا لَزِمَهُ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ لَمْ يَتَّحِدْ السَّبَبُ فَفِدْيَتَانِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَمَا قَالَ أَبُو عَلِيٍّ وَأَبُو سَعِيدٍ غَلَطٌ وَمُنْتَقَضٌ بِالْحَلْقِ وَالْقَلْمِ (الثَّالِثَةُ) إذَا لَبِسَ ثَوْبًا مُطَيَّبًا أَوْ طَلَى رَأْسَهُ بطيب ثخين بحيث يغطى بعضه بعضا فطريقاه (الْمَذْهَبُ) وُجُوبُ فِدْيَةٍ وَاحِدَةٍ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ
(وَالثَّانِي)
نَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ (إنْ قُلْنَا) بِقَوْلِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الطِّيبَ وَاللِّبَاسَ جِنْسٌ لَزِمَهُ فِدْيَةٌ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالْمَذْهَبِ إنَّهُمَا جِنْسَانِ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) فِدْيَةٌ لِأَنَّهُ تَابِعٌ
(وَالثَّانِي)
فِدْيَتَانِ (الرَّابِعَةُ) إذَا لَبِسَ ثُمَّ لَبِسَ أَوْ تَطَيَّبَ ثُمَّ تَطَيَّبَ أَوْ قَبَّلَ امْرَأَةً ثُمَّ قَبَّلَهَا فَإِنْ كَانَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَلَمْ يُكَفِّرْ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنْ لَبِسَ قَمِيصًا ثُمَّ سَرَاوِيلَ ثُمَّ عِمَامَةً أَوْ كَرَّرَ وَاحِدًا مِنْهَا فِي الْمَجْلِسِ مَرَّاتٍ أَوْ تَطَيَّبَ بِمِسْكٍ ثُمَّ زعفران ثم كافور أو كرر

(7/378)


احداهما فِي الْمَجْلِسِ مَرَّاتٍ أَوْ قَبَّلَ امْرَأَةً ثُمَّ أُخْرَى ثُمَّ أُخْرَى أَوْ كَرَّرَ قُبْلَةَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ وَفَعَلَ هَذَا كُلَّهُ فِي مَجْلِسٍ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ سَوَاءٌ طَالَ زَمَنُهُ فِي مُعَالَجَةِ لُبْسِ الْقَمِيصِ وَالسَّرَاوِيلِ وَلَفِّ الْعِمَامَةِ وَاسْتِعْمَالِ الطِّيبِ وَمُحَاوَلَةِ الْمَرْأَةِ فِي الْقُبْلَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ أَوْ قَصَّرَ فَيُكَفِّرُ كَفَّارَةً وَاحِدَةً مُطْلَقًا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ مُتَوَالِيًا لِأَنَّهُ كَالْفِعْلِ الْوَاحِدِ (أَمَّا) إذَا كَفَّرَ عَنْ الْأَوَّلِ قبل فعل الثَّانِي فَيَلْزَمُهُ لِلثَّانِي كَفَّارَةٌ أُخْرَى بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الْأَوَّلَ اسْتَقَرَّ حُكْمُهُ بِالتَّكْفِيرِ كَمَا لَوْ زنا فحد ثم زنا فَإِنَّهُ يُحَدُّ ثَانِيًا وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي مَجَالِسَ أَوْ فِي مَجْلِسَيْنِ وَتَخَلَّلَ زَمَانٌ طَوِيلٌ مِنْ غَيْرِ تُوَالِي الْأَفْعَالِ نَظَرْتَ فَإِنْ فَعَلَ الثاني بعد التكفير عن الاول لزمه لِلثَّانِي كَفَّارَةٌ أُخْرَى بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الْأَوَّلَ اسْتَقَرَّ حُكْمُهُ بِالتَّكْفِيرِ وَإِنْ فَعَلَ الثَّانِي قَبْلَ التَّكْفِيرِ عَنْ الْأَوَّلِ فَإِنْ كَانَ السَّبَبُ وَاحِدًا بِأَنْ لَبِسَ فِي الْمَرَّتَيْنِ أَوْ الْمَرَّاتِ لِلْبَرْدِ أَوْ لِلْحَرِّ أَوْ تَطَيَّبَ لِمَرَضٍ وَاحِدٍ مَرَّاتٍ فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (الْأَصَحُّ) الْجَدِيدُ لَا تَتَدَاخَلُ فَيَجِبُ لِكُلِّ مَرَّةٍ فِدْيَةٌ (وَالْقَدِيمُ) تَتَدَاخَلُ وَيَكْفِي فِدْيَةٌ عَنْ الْجَمِيعِ وَلَوْ كَانَ مِائَةَ
مَرَّةٍ وَإِنْ تَكَرَّرَ الْفِعْلُ بِسَبَبَيْنِ أَوْ أَسْبَابٍ مُخْتَلِفَةٍ بِأَنْ لَبِسَ بُكْرَةً لِلْبَرْدِ وَعَشِيَّةً لِلْحَرِّ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ (أَحَدُهُمَا) تَجِبُ فِدْيَتَانِ قَطْعًا وَيُجْعَلُ اخْتِلَافُ السَّبَبِ كَاخْتِلَافِ الْجِنْسِ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ كَثِيرُونَ فِيهِ قَوْلَانِ كَمَا لَوْ اتحد

(7/379)


السَّبَبُ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ اخْتِلَافَ السَّبَبِ وَإِنَّمَا اعْتَبَرَ اخْتِلَافَ الْجِنْسِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا الْخُرَاسَانِيُّونَ وَمَنْ تَابَعَهُمْ حَيْثُ قُلْنَا يَكْفِيهِ للجميع فدية واحدة فارتكب محظورا وخرج الفدية ونوى باخراجها التفكير.
عَمَّا فَعَلَهُ وَمَا سَيَفْعَلُهُ مِنْ جِنْسِهِ فَفِيهِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ تَقْدِيمِ التَّكْفِيرِ عَلَى الحنث المحظور ان منعناه فَلَا أَثَرَ لِهَذِهِ أَلْبَتَّةَ فَيَقَعُ التَّكْفِيرُ عَنْ الاول فقط ويجب التفكير ثَانِيًا عَنْ الثَّانِي وَإِنْ جَوَّزْنَاهُ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ الْفِدْيَةَ كَالْكَفَّارَةِ فِي جَوَازِ التَّقْدِيمِ فَلَا يلزمه للثاني شئ
(وَالثَّانِي)
لَا يُجْزِئُهُ عَنْ الثَّانِي مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لم يوجد سبب الثاني ولا شئ مِنْهُ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَهِيَ أَحَدُ السَّبَبَيْنِ (الْخَامِسَةُ) إذَا حَلَقَ شَعْرَ رَأْسِهِ كُلَّهُ فَإِنْ كَانَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ لَزِمَهُ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ فِي فِعْلِهِ كَمَا قُلْنَا فِي اللُّبْسِ وَكَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ فِي الْيَوْمِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فَوَضَعَ الطَّعَامَ وَجَعَلَ يَأْكُلُ لُقْمَةً لُقْمَةً مِنْ بُكْرَةٍ إلَى الْعَصْرِ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي أَمْكِنَةٍ أَوْ فِي مَكَان وَاحِدٍ فِي أَوْقَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَآخَرُونَ تَتَعَدَّدُ الْفِدْيَةُ فَيُفْرِدُ كُلَّ مَرَّةٍ بِحُكْمٍ فَإِنْ كَانَتْ كُلُّ مَرَّةٍ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ فَصَاعِدًا وَجَبَ لِكُلِّ مَرَّةٍ فِدْيَةٌ وَهِيَ شَاةٌ أَوْ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ إطْعَامُ ثَلَاثَةِ آصُعٍ سِتَّةَ مَسَاكِينَ وَإِنْ كَانَتْ شَعْرَةً أَوْ شَعْرَتَيْنِ فَفِيهَا الْأَقْوَالُ السَّابِقَةُ (الْأَصَحُّ) فِي كُلِّ شَعْرَةٍ مُدٌّ (وَالثَّانِي) دِرْهَمٌ (وَالثَّالِثُ) ثُلُثُ دَمٍ (وَالرَّابِعُ) دَمٌ كَامِلٌ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَشَيْخُهُ أَبُو الطَّيِّبِ وَمَنْ وَافَقَهُمَا أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ الرَّابِعَةِ فِيمَنْ كَرَّرَ لُبْسًا أَوْ تَطَيُّبًا (إنْ قُلْنَا) بِالْقَوْلِ الْقَدِيمِ وَهُوَ التَّدَاخُلُ لَزِمَهُ دَمٌ وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ فَعَلَ الْجَمِيعَ فِي مَجْلِسٍ مُتَوَالِيًا (وَإِنْ قُلْنَا) لَا تَدَاخُلَ لَزِمَهُ ثَلَاثَةُ دِمَاءٍ (أَمَّا) إذَا حَلَقَ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ فِي ثَلَاثَةِ أَمْكِنَةٍ أو ثلاثة أَزْمِنَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ فَفِيهِ الطَّرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) طَرِيقُ أَبِي حَامِدٍ وَمُوَافِقِيهِ أَنَّهُ يُفْرِدُ كُلَّ شَعْرَةٍ بِحُكْمِهَا وفيها الاقوال

(7/380)


السَّابِقَةُ (أَصَحُّهَا) فِي كُلِّ شَعْرَةٍ مُدٌّ فَيَجِبُ ثَلَاثَةُ أَمْدَادٍ
(وَالثَّانِي)
دِرْهَمٌ فَيَجِبُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ (والثالث) ثلث دم فيجل دَمٌ كَامِلٌ وَعَلَى الْقَوْلِ الرَّابِعِ الَّذِي حَكَاهُ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ أَنَّهُ يَجِبُ فِي الشَّعْرَةِ دَمٌ كَامِلٌ يَجِبُ هُنَا ثَلَاثَةُ دِمَاءٍ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) طَرِيقُ الْمُصَنِّفِ وَشَيْخِهِ (إنْ قُلْنَا) بِالتَّدَاخُلِ وَجَبَ دَمٌ وَإِلَّا فَفِيهِ الْأَقْوَالُ الْأَرْبَعَةُ وَاقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا عَلَى الْأَصَحِّ وَهُوَ وُجُوبُ ثَلَاثَةِ أَمْدَادٍ وَلَا بُدَّ مِنْ جَرَيَانِ بَاقِي الْأَحْوَالِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) إذَا أَخَذَ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ مِنْ ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ مِنْ بَدَنِهِ فَطَرِيقَانِ (الصَّحِيحُ) الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي مُعْظَمِ الطُّرُقِ أَنَّهُ كَمَا لَوْ أَخَذَهَا مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فَيَلْزَمُهُ دَمٌ وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ شَاةٍ وَصَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَثَلَاثَةٍ آصُعٍ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) هَذَا
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ كَمَا لَوْ أَزَالَهَا فِي ثَلَاثَةِ أَوْقَاتٍ فَيَكُونُ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ وهذا الطريق حكاه الفورانى فِي الْإِبَانَةِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَصَاحِبُ العدة وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَاتَّفَقُوا عَلَى تَضْعِيفِ الْوَجْهِ الثَّانِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَأَخْذُ الْأَظْفَارِ فِي مجالس كأخذ الشعرات في مجلس فيجئ فِيهِ مَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*

(7/381)


(فَرْعٌ)
فِيمَا إذَا فَعَلَ الْمُحْرِمُ مَحْظُورَيْنِ فَأَكْثَرَ هَلْ تَتَدَاخَلُ الْفِدْيَةُ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْآنَ مُعْظَمَهُ فنعيده مع ما بقى مختصرا ليتضبط إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ أَصْحَابُنَا الْمَحْظُورَاتُ تَنْقَسِمُ إلَى اسْتِهْلَاكٍ كَالْحَلْقِ وَالْقَلْمِ وَالصَّيْدِ وَإِلَى اسْتِمْتَاعٍ وَتَرَفُّهٍ كَالطِّيبِ وَاللِّبَاسِ وَمُقَدِّمَاتِ الْجِمَاعِ فَإِذَا فَعَلَ مَحْظُورَيْنِ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا اسْتِهْلَاكًا وَالْآخَرُ اسْتِمْتَاعًا فَيُنْظَرُ إنْ لم يستند إلى سبب واحد كالحق وَلُبْسِ الْقَمِيصِ تَعَدَّدَتْ الْفِدْيَةُ كَالْحُدُودِ الْمُخْتَلِفَةِ وَإِنْ اسْتَنَدَ إلَى سَبَبٍ كَمَنْ أَصَابَ رَأْسَهُ شَجَّةٌ وَاحْتَاجَ إلَى حَلْقِ جَوَانِبِهَا وَسَتْرَهَا بِضِمَادٍ وَفِيهِ طِيبٌ فَفِي تَعَدُّدِ الْفِدْيَةِ وَجْهَانِ سَبَقَا (الصَّحِيحُ) التَّعَدُّدُ (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ اسْتِهْلَاكًا وَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُقَابَلُ بِمِثْلِهِ وَهُوَ الصُّيُودُ فَتُعَدَّدُ الْفِدْيَةُ بِلَا خِلَافٍ عندنا سواء فدا عَنْ الْأَوَّلِ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ اتَّحَدَ الزَّمَانُ وَالْمَكَانُ أَمْ اخْتَلَفَ كَضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ (الضَّرْبُ الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مِمَّا يُقَابَلُ بِمِثْلِهِ دُونَ الآخر كالصيد والحلق فتعدد بِلَا خِلَافٍ (الضَّرْبُ الثَّالِثُ) أَنْ لَا يُقَابَلُ واحد منهما فَيُنْظَرُ إنْ اخْتَلَفَ نَوْعُهُمَا
كَحَلْقٍ وَقَلْمٍ أَوْ طِيبٍ وَلِبَاسٍ أَوْ حَلْقٍ تَعَدَّدَتْ الْفِدْيَةُ سَوَاءٌ فَرَّقَ أَوْ وَالَى فِي مَكَان أَوْ مَكَانَيْنِ بفعلين أم بِفِعْلٍ وَاحِدٍ إلَّا إذَا لَبِسَ ثَوْبًا مُطَيَّبًا فَقَدْ سَبَقَ فِيهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ (وَالثَّانِي) فِدْيَتَانِ وَإِنْ اتَّحَدَ النَّوْعُ بِأَنْ حَلَقَ فَقَطْ فَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيلُهُ قَرِيبًا (الْحَالُ الثَّالِثُ) أَنْ يَكُونَ اسْتِمْتَاعًا فَإِنْ اتَّحَدَ النَّوْعُ بِأَنْ تَطَيَّبَ بِأَنْوَاعٍ مِنْ الطِّيبِ أَوْ لَبِسَ أَنْوَاعًا مِنْ الثِّيَابِ كَعِمَامَةٍ وَقَمِيصٍ وَسَرَاوِيلَ وَخُفٍّ أَوْ نَوْعًا وَاحِدًا مَرَّاتٍ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ مُتَوَالِيًا مِنْ غَيْرِ تَخَلُّلِ تَكْفِيرٍ كَفَاهُ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ تَخَلَّلَهُ تَكْفِيرٌ وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ لِلثَّانِي أَيْضًا وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي مَكَانَيْنِ أَوْ فِي مَكَان وَتَخَلَّلَ زَمَانٌ فَإِنْ تَخَلَّلَ التَّكْفِيرُ وَجَبَ لِلثَّانِي فِدْيَةٌ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ (الْأَصَحُّ) الْجَدِيدُ تَتَعَدَّدُ الْفِدْيَةُ (وَالْقَدِيمُ) تَتَدَاخَلُ وَإِنْ اخْتَلَفَ النَّوْعُ بِأَنْ لَبِسَ وَتَطَيَّبَ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ سَبَقَ بَيَانُهَا قَرِيبًا (الْأَصَحُّ) التَّعَدُّدُ (وَالثَّانِي) لَا (وَالثَّالِثُ) إنْ اخْتَلَفَ السَّبَبُ تُعَدَّدُ وَإِنْ اتَّحَدَ فَلَا
* هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْجِمَاعِ فَإِنْ تَكَرَّرَ الْجِمَاعُ ففيه

(7/382)


خِلَافٌ سَنُوضِحُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ لِتَعَدُّدِ جِهَةِ التَّحْرِيمِ إذَا اتَّحَدَ الْفِعْلُ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي مُحْرِمٍ قَتَلَ صَيْدًا حَرَمِيًّا وَأَكَلَهُ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَسْبَابٍ لِلتَّحْرِيمِ وَهِيَ الْحُرُمُ وَالْإِحْرَامُ وَالْأَكْلُ وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ جَزَاءٌ وَاحِدٌ وَلَوْ بَاشَرَ امْرَأَتَهُ مباشرة توجب شَاةٌ لَوْ انْفَرَدَتْ ثُمَّ جَامَعَهَا فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) تَكْفِيهِ الْبَدَنَةُ عَنْهُمَا كَمَا لَوْ كَانَتْ اجنبية فانه يكفيه الحد ولا يعزر لِلْمُبَاشَرَةِ (وَالثَّانِي) تَجِبُ بَدَنَةٌ وَشَاةٌ وَلَا يَدْخُلُ أَحَدُهُمَا فِي الْآخِرِ لِاخْتِلَافِهِمَا وَاخْتِلَافِ وَاجِبِهِمَا (وَالثَّالِثُ) إنْ قَصَدَ بِالْمُبَاشَرَةِ الشُّرُوعَ فِي الْجِمَاعِ فَبَدَنَةٌ وَإِلَّا فَشَاةٌ وَبَدَنَةٌ (وَالرَّابِعُ) إنْ طَالَ الْفَصْلُ فَشَاةٌ وَبَدَنَةٌ وَإِلَّا فَبَدَنَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا لَبِسَ مِخْيَطًا أَوْ تَطَيَّبَ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ سَوَاءٌ لَبِسَ يَوْمًا أَوْ لَحْظَةً وَسَوَاءٌ طَيَّبَ عُضْوًا كَامِلًا أَوْ بَعْضَهُ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَوَافَقَنَا أَيْضًا

(7/383)


مَالِكٌ إلَّا أَنَّهُ يَشْتَرِطُ الِانْتِفَاعَ بِاللُّبْسِ قَالَ حَتَّى لَوْ خَلَعَهُ فِي الْحَالِ وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِلُبْسِهِ فَلَا فِدْيَةَ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ لَبِسَ يَوْمًا كَامِلًا أَوْ لَيْلَةً كَامِلَةً لَزِمَهُ فِدْيَةٌ كَامِلَةٌ وَإِنْ لَبِسَ دُونَ ذَلِكَ لَزِمَهُ صَدَقَةٌ قَالَ وَإِنْ غَطَّى
رُبْعَ رَأْسِهِ لَزِمَهُ فِدْيَةٌ كَامِلَةٌ وَإِنْ لَبِسَ دُونَ ذَلِكَ لَزِمَهُ صَدَقَةٌ قَالَ وَإِنْ طَيَّبَ عُضْوًا كَامِلًا لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ وَإِنْ طَيَّبَ بَعْضَهُ لَزِمَهُ صَدَقَةٌ وَالصَّدَقَةُ عِنْدَهُ إطْعَامُ مِسْكِينٍ صَاعًا مِنْ أَيِّ طَعَامٍ إلَّا الْبُرَّ فَيَكْفِيهِ مِنْهُ نِصْفُ صَاعٍ وَإِنْ كان زبيبا فعنه روايتان (إحداهما) صَاعٌ (وَالثَّانِيَةُ) نِصْفُ صَاعٍ
* وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ (إحْدَاهُمَا) كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ (وَالثَّانِيَةُ) أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِلُبْسِ أَكْثَرِ الْيَوْمِ وَأَكْثَرِ اللَّيْلَةِ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ نَحْوُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَلَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ فِي مَجْلِسٍ لَزِمَهُ فِدْيَةٌ وَإِنْ حَلَقَهُ فِي مَجَالِسَ لَزِمَهُ لِكُلِّ مَرَّةٍ فِدْيَةٌ سَوَاءٌ فَدَى عن الاول أم لا والله اعلم * قال المصنف رحمه الله
* (وإن وطئ في العمرة أو في الحج قبل التحلل الاول فقد فسد نسكه ويجب عليه أن يمضى في فاسده ثم يقضى لما روى عن عمر وعلى وابن عمر وابن عباس وعبد الله بن عمرو بن العاص وأبى هريرة رضي الله عنهم انهم أوجبوا ذلك وهل يجب القضاء علي الفور أم لا فيه وجهان
(أحدهما)
انه على الفور وهو ظاهر النص لما روى عن عمر وعلي وابن عمر وابن عباس وعبد الله بن عمرو بن العاص وأبي هريرة انهم قالوا يقضى من قابل
(والثانى)
انه علي التراخي لان الاداء على التراخي فكذلك القضاء وهذا لا يصح لان القضاء بدل عما أفسده والاداء وجب على الفور فوجب أن يكون القضاء مثله ويجب الاحرام في القضاء من حيث أحرم في الاداء لانه قد تعين ذلك بالدخول فيه فإذا أفسده وجب قضاؤه كحج التطوع فان سلك طريقا آخر لزمه أن يحرم من مقدار مسافة الاحرام في الاداء وان كان قارنا فقضاه بالافراد جاز لان الافراد أفضل من القران ولا يسقط عنه دم القران لان ذلك دم وجب عليه فلا يسقط عنه بالافساد كذم الطيب وفى نفقة المرأة في القضاء وجهان
(أحدهما)
في مالها كنفقة الاداء
(والثانى)
تجب علي الزوج لانها غرامة تتعلق بالوطئ فكانت علي الزوج كالكفارة وَفِي ثَمَنِ الْمَاءِ الَّذِي تَغْتَسِلُ بِهِ وَجْهَانِ
(أحدهما)
يجب على الزوج لما ذكرناه
(والثانى)
يجب عليها لان الغسل يجب للصلاة فكان ثمن مائه عليها وهل يجب عليهما أن يفترقا في موضع الوطئ فيه وجهان

(7/384)


(أحدهما)
يجب لما روى عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهم انهم قالوا يفترقان ولان اجتماعهما
في ذلك المكان يدعو إلى الوطئ فمنع منه (والثاني) لا يجب وهو ظاهر النص كما لا يجب في سائر الطريق ويجب عليه بدنة لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قال علي كل واحد منهما بدنة فان لم يجد فعليه بقرة لان البقرة كالبدنة لانها تجزئ في الاضحية عن سبعة فان لم يجد لزمه سبع من الغنم فان لم يجد قوم البدنة دراهم والدراهم طعاما وتصدق به فان لم يجد الطعام صام عن كل مد يوما وقال أبو إسحق فيه قول آخر انه يتخير بين هذه الاشياء الثلاثة قياسا علي فدية الاذى
* (الشَّرْحُ) الْوَجْهُ أَنَّ أَقْدَمَ الْآثَارِ الْوَارِدَةِ فِي الفصل عن يزيد ابن نُعَيْمٍ الْأَسْلَمِيِّ التَّابِعِيِّ أَنَّ رَجُلًا مِنْ جُذَامٍ جَامَعَ امْرَأَتَهُ وَهُمَا مُحْرِمَانِ فَسَأَلَ الرَّجُلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَقَالَ لَهُمَا اقْضِيَا نُسُكَكُمَا وَاهْدِيَا هَدْيًا ثُمَّ ارْجِعَا حَتَّى إذَا جِئْتُمَا الْمَكَانَ الَّذِي أَصَبْتُمَا فِيهِ مَا أَصَبْتُمَا فَتَفَرَّقَا وَلَا يَرَى

(7/385)


وَاحِدٌ مِنْكُمَا صَاحِبَهُ وَعَلَيْكُمَا حَجَّةٌ أُخْرَى فَتُقْبِلَانِ حَتَّى إذَا كُنْتُمَا بِالْمَكَانِ الَّذِي أَصَبْتُمَا فِيهِ مَا أَصَبْتُمَا فَأَحْرِمَا وَأَتِمَّا نُسُكَكُمَا وَاهْدِيَا) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ هَذَا مُنْقَطِعٌ
* وَفِي الْمُوَطَّأِ قَالَ مالك (انه بلغني أن عمر ابن الْخَطَّابِ وَعَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ سُئِلُوا عَنْ رَجُلٍ أَصَابَ أهله وهو محرم بالحج فقالوا (ينفدان لوجههما حَتَّى يَقْضِيَا حَجَّهُمَا ثُمَّ عَلَيْهِمَا الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ وَالْهَدْيُ وَقَالَ عَلِيٌّ فَإِذَا أَهَلَّا بِالْحَجِّ مِنْ قَابِلٍ تَفَرَّقَا حَتَّى يَقْضِيَا حَجَّهُمَا) وَهَذَا أَيْضًا مُنْقَطِعٌ وَعَنْ عَطَاءٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ فِي مُحْرِمٍ أَصَابَ امْرَأَتَهُ يَعْنِي وَهِيَ مُحْرِمَةٌ (فَقَالَ يَقْضِيَانِ حَجَّهُمَا وَعَلَيْهِمَا الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَهُوَ أَيْضًا مُنْقَطِعٌ فَإِنَّ عَطَاءً لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ وَإِنَّمَا وُلِدَ عَطَاءٌ فِي آخِرِ خِلَافَةِ عُثْمَانَ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ وَقَعَ عَلَى أَهْلِهِ وَهِيَ بِمِنًى قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْحَرَ بَدَنَةً) رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا فِي رَجُلٍ وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ قَالَ (اقضيا نسككما وارجعا إلى بلد كما فَإِذَا كَانَ عَامٌ قَابِلٌ فَاخْرُجَا حَاجَّيْنِ فَإِذَا أَحْرَمْتُمَا فَتَفَرَّقَا وَلَا تَلْتَقِيَا حَتَّى تَقْضِيَا نُسُكَكُمَا وَاهْدِيَا هَدْيًا) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَفِي رِوَايَةٍ (ثُمَّ أَهِّلَا مِنْ حَيْثُ أَهْلَلْتُمَا أَوَّلَ مرة) وعن

(7/386)


عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا أتى عبد الله بن عمر وَأَنَا مَعَهُ يَسْأَلُهُ عَنْ مُحْرِمٍ وَقَعَ بِامْرَأَتِهِ فَأَشَارَ إلَى
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَ اذْهَبْ إلَى ذَلِكَ فَسَلْهُ قَالَ شُعَيْبٌ فَلَمْ يَعْزِمْ الرَّجُلُ فَذَهَبْت مَعَهُ فَسَأَلَ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ بَطَلَ حَجُّكَ فَقَالَ الرَّجُلُ فَمَا أَصْنَعُ قَالَ اُخْرُجْ مَعَ النَّاسِ وَاصْنَعْ مَا يَصْنَعُونَ فَإِذَا أَدْرَكْتَ قَابِلَ فَحُجَّ وَاهْدِ فَرَجَعَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَأَنَا مَعَهُ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ اذْهَبْ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَسَلْهُ قَالَ شُعَيْبٌ فَذَهَبْتُ مَعَهُ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَرَجَعَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَأَنَا مَعَهُ فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ثُمَّ قَالَ مَا تَقُولُ أَنْتَ فَقَالَ قَوْلِي مِثْلُ مَا قَالَا) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ قَالَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ سَمَاعِ شُعَيْبِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عبد الله ابن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مِنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَعَنْ عِكْرِمَةَ (أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ أَصَبْتُ أَهْلِي فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَمَّا حَجُّكُمَا هَذَا فَقَدْ بَطَلَ فَحُجَّا عَامًا قَابِلًا ثُمَّ أَهِلَّا مِنْ حَيْثُ أَهْلَلْتُمَا وَحَيْثُ وَقَعْتَ عَلَيْهَا فَفَارِقْهَا فَلَا تَرَاكَ وَلَا تَرَاهَا حَتَّى تَرْمِيَا الْجَمْرَةَ وَاهْدِ نَاقَةً وَلِتُهْدِ نَاقَةً) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (إذَا جَامَعَ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَدَنَةٌ) رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْهُ (يُجْزِئُ عَنْهُمَا جَزُورٌ) رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْهُ قَالَ (إنْ كَانَتْ أَعَانَتْك فَعَلَى كُلِّ واحد منهما بَدَنَةٌ حَسْنَاءُ جَمْلَاءُ وَإِنْ كَانَتْ لَمْ تُعِنْكَ فَعَلَيْكَ نَاقَةٌ حَسْنَاءُ جَمْلَاءُ) رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ والبيهقي بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ (وَأَمَّا) أَلْفَاظُ الْفَصْلِ فَقَوْلُهُ غَرَامَةٌ تتعلق بالوطئ احْتِرَازٌ مِنْ نَفَقَتِهَا فِي حَجَّةِ الْأَدَاءِ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ إنَّ نَفَقَةَ الْأَدَاءِ فِي مَالِ الْمَرْأَةِ الزَّائِدِ عَلَى نَفَقَةِ الْحَضَرِ هَذَا إذَا سَافَرَتْ مَعَهُ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ إذَا وَطِئَ الْمُحْرِمُ بِالْحَجِّ فِي الْفَرْجِ عَامِدًا عَالَمًا بِتَحْرِيمِهِ وَبِالْإِحْرَامِ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ فَسَدَ حَجُّهُ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ

(7/387)


الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ أَوْ بَعْدَهُ وَتَفْسُدُ الْعُمْرَةُ أَيْضًا بِالْجِمَاعِ قَبْلَ التَّحَلُّلِ مِنْهَا وَلَيْسَ لَهَا إلَّا تَحَلُّلٌ وَاحِدٌ بِخِلَافِ الْحَجِّ فَإِنْ لَهُ تَحَلُّلَيْنِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي بَابِ صِفَةِ الْحَجِّ (فَإِنْ قُلْنَا) الْحَلْقُ نُسُكٌ فَهُوَ مِمَّا يَقِفُ التَّحَلُّلُ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا
* قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيَلْزَمُ مَنْ أَفْسَدَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً أَنْ يَمْضِيَ فِي فَاسِدِهِمَا وَهُوَ أَنْ يُتِمَّ مَا كَانَ يَعْمَلُهُ لَوْلَا الْإِفْسَادُ
* وَنَقَلَ أَصْحَابُنَا اتِّفَاقَ الْعُلَمَاءِ عَلَى هَذَا وَأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ فِيهِ إلَّا دَاوُد الظَّاهِرِيَّ فَإِنَّهُ قَالَ يَخْرُجُ مِنْهُ بِالْإِفْسَادِ
* وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ والعمرة لله) وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ
صَحِيحٍ وَفَاسِدٍ وَبِالْآثَارِ السَّابِقَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ وُجُوبِ الْمُضِيِّ فِي فَاسِدِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُمَا بِالْإِفْسَادِ مُخْتَصٌّ بِهِمَا دُونَ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ (وَأَمَّا) بَاقِي الْعِبَادَاتِ فَيَخْرُجُ مِنْهَا بِالْإِفْسَادِ وَلَا يَبْقَى لَهَا حُرْمَةٌ بَعْدَهُ إلَّا الصَّوْمُ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهُ بِالْفَسَادِ لَكِنَّهُ يَبْقَى لَهُ حُرْمَةٌ فَيَجِبُ إمْسَاكُ بَقِيَّةِ النَّهَارِ لِحُرْمَةِ الزَّمَانِ
* وقد سبق بيان الْقَاعِدَةِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الصَّوْمِ فِي مَسْأَلَةِ صَوْمِ الشَّكِّ إذَا ثَبَتَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ كَوْنُهُ مِنْ رَمَضَانَ

(7/388)


(فَرْعٌ)
يَجِبُ عَلَى مُفْسِدِ الْحَجِّ بَدَنَةٌ بِلَا خِلَافٍ وَفِي مُفْسِدِ الْعُمْرَةِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ يَجِبُ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ كَمُفْسِدِ الْحَجِّ (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) بَدَنَةٌ
(وَالثَّانِي)
شاة ممن حكاه الرافعي
* (فرع)
يجب مُفْسِدِ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ الْقَضَاءُ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ كَانَ الْحَجُّ أَوْ الْعُمْرَةُ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا لِأَنَّ النَّفَلَ مِنْهُمَا يَصِيرُ فَرْضًا بِالشُّرُوعِ فِيهِ بِخِلَافِ بَاقِي الْعِبَادَاتِ وَيَقَعُ الْقَضَاءُ عَنْ الْمُفْسِدِ فَإِنْ كَانَ فَرْضًا وَقَعَ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ نَفْلًا فَعَنْهُ وَلَوْ أَحْرَمَ بِالْقَضَاءِ فَأَفْسَدَهُ بِالْجِمَاعِ لَزِمَهُ الْكَفَّارَةُ وَلَزِمَهُ قَضَاءٌ وَاحِدٌ حَتَّى لَوْ أَحْرَمَ بِالْقَضَاءِ مِائَةَ مَرَّةٍ فَفَسَدَ كُلَّ مَرَّةٍ مِنْهُنَّ يَلْزَمُهُ قَضَاءٌ وَاحِدٌ وَيَقَعُ عَنْ الْأَوَّلِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُتَصَوَّرُ الْقَضَاءُ فِي عَامِ الْإِفْسَادِ بِأَنْ يُحْصَرَ بَعْدَ الْإِفْسَادِ وَيَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِي الْفَاسِدِ فَيَتَحَلَّلُ ثُمَّ يَزُولُ الْحَصْرُ وَالْوَقْتُ بَاقٍ فَيَحْرُمُ بِالْقَضَاءِ وَيَفْعَلُهُ وَيُجْزِئُهُ فِي سَنَتِهِ قَالُوا وَلَا يُتَصَوَّرُ الْقَضَاءُ فِي سَنَةِ الافساد إلا في هذه الصورة (وأما) وَقْتُ وُجُوبِ الْقَضَاءِ فَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ
(وَالثَّانِي)
عَلَى التَّرَاخِي (فَإِنْ قُلْنَا) عَلَى الْفَوْرِ وَجَبَ فِي السَّنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عَنْهَا فَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْهَا بِلَا عُذْرٍ أَثِمَ وَلَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْقَضَاءُ بَلْ تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ فِي السَّنَةِ الَّتِي تَلِيهَا وَهَكَذَا أَبَدًا
* قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ أُحْصِرَ بَعْدَ الْإِفْسَادِ وَتَحَلَّلَ قَبْلَ فَوَاتِ الْوُقُوفِ وَأَمْكَنَهُ الْإِحْرَامُ بِالْقَضَاءِ وَإِدْرَاكُ الْحَجِّ فِي سَنَتِهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ إذَا قُلْنَا إنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْفَوْرِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مِنْ السَّنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْقَضَاءِ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ أَبْعَدِ الْمَوْضِعَيْنِ وَهُمَا الْمِيقَاتُ الشَّرْعِيُّ وَالْمَوْضِعُ الَّذِي أَحْرَمَ مِنْهُ فِي الْأَدَاءِ
*
هَذِهِ عِبَارَةُ الْأَصْحَابِ وَشَرَحُوهَا فَقَالُوا إنْ كَانَ أَحْرَمَ فِي الْأَدَاءِ مِنْ الْمِيقَاتِ الشَّرْعِيِّ أَحْرَمَ مِنْهُ فِي الْقَضَاءِ وَإِنْ كَانَ أَحْرَمَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ أَوْ غَيْرِهَا لَزِمَهُ أَنْ يُحْرِمَ فِي هَذَا الْقَضَاءِ مِنْ ذَلِكَ

(7/389)


الْمَوْضِعِ فَإِنْ جَاوَزَهُ غَيْرَ مُحْرِمٍ لَزِمَهُ الدَّمُ كَمَا يَلْزَمُهُ بِمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ الشَّرْعِيِّ وَإِنْ كَانَ أَحْرَمَ فِي الْأَدَاءِ بَعْدَ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ الشَّرْعِيِّ نُظِرَ إنْ جَاوَزَهُ مُسِيئًا لَزِمَهُ فِي الْقَضَاءِ الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ الشَّرْعِيِّ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يسئ ثَانِيًا وَهَذَا مِمَّا يَدْخُلُ فِي قَوْلِ الْأَصْحَابِ يُحْرِمُ فِي الْقَضَاءِ مِنْ أَبْعَدِ الْمَوْضِعَيْنِ وَإِنْ جاوزه غير مسئ بِأَنْ لَمْ يُرِدْ النُّسُكَ ثُمَّ بَدَا لَهُ بَعْدَ مُجَاوَزَتِهِ فَأَحْرَمَ ثُمَّ أَفْسَدَهُ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُحْرِمَ فِي الْقَضَاءِ مِنْ الْمِيقَاتِ الشَّرْعِيِّ (وَالثَّانِي) لَهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِيَسْلُكَ بِالْقَضَاءِ مَسْلَكَ الْأَدَاءِ وَلِهَذَا لَوْ اعْتَمَرَ مِنْ الْمِيقَاتِ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ وَأَفْسَدَهُ كَفَاهُ فِي الْقَضَاءِ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ مِنْ نَفْسِ مَكَّةَ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا لَوْ أَفْرَدَ الْحَجَّ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ ثُمَّ أَفْسَدَهَا كَفَاهُ أَنْ يُحْرِمَ فِي قَضَائِهَا مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ بِلَا خِلَافٍ
* قَالَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَالْوَجْهَانِ فِيمَنْ لَمْ يَرْجِعْ فِي الْأَدَاءِ إلَى الْمِيقَاتِ أَمَّا مَنْ كَانَ رَجَعَ ثُمَّ عَادَ فَيَلْزَمُهُ فِي الْقَضَاءِ الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ وَجْهًا وَاحِدًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لا يلزمه فِي الْقَضَاءِ الطَّرِيقُ الَّذِي سَلَكَهُ فِي الْأَدَاءِ بَلْ سُلُوكُ طَرِيقٍ آخَرِ وَلَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يحرم من قدر مسافة لاحرام فِي الْأَدَاءِ
* وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ أَنْ يُحْرِمَ فِي الْقَضَاءِ فِي الزَّمَنِ الَّذِي أَحْرَمَ مِنْهُ فِي الْأَدَاءِ بَلْ لَهُ التَّأْخِيرُ عَنْهُ بِخِلَافِ الْمَكَانِ الَّذِي أَحْرَمَ مِنْهُ فِي الْأَدَاءِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِالْمَسْأَلَةِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَفَرَّقُوا بِأَنَّ اعْتِنَاءَ الشَّرْعِ بِالْمِيقَاتِ الْمَكَانِيِّ أَكْمَلُ وَلِهَذَا يَتَعَيَّنُ مَكَانُ الْإِحْرَامِ بِالنَّذْرِ وَلَا يَتَعَيَّنُ زَمَانُهُ بِالنَّذْرِ حَتَّى لَوْ نَذَرَ الْإِحْرَامَ فِي شَوَّالٍ لَهُ تَأْخِيرُهُ هَكَذَا ذَكَرَ هَذَا الِاسْتِشْهَادُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ القاضى وهو اسْتِشْهَادٌ مُشْكِلٌ لِأَنَّ طُولَ الْإِحْرَامِ عِبَادَةٌ وَمَا كَانَ عِبَادَةٌ لَزِمَهُ بِالنَّذْرِ قَالَ وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ الصَّوْمَ فِي أَيَّامٍ طِوَالٍ لَهُ أَنْ يَصُومَ فِي قِصَارٍ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ أَطْوَلَ أَيَّامِ السَّنَةِ لَزِمَهُ لِأَنَّهُ مُتَعَيِّنٌ وَكَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَأَظُنُّ هَذَا الاستشهاد لا يخلوا مِنْ نِزَاعٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*

(7/390)


(فَرْعٌ)
قَالَ الْمُتَوَلِّي لَوْ أَرَادَتْ الْمَرْأَةُ الْقَضَاءَ عَلَى الْفَوْرِ هَلْ لِلزَّوْجِ مَنْعُهَا أَمْ لَا (إنْ قُلْنَا) الْقَضَاءُ عَلَى التَّرَاخِي فَلَهُ مَنْعُهَا وَإِلَّا فَلَا
* وَقَالَ الْبَغَوِيّ هَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا فِي الْقَضَاءِ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَلْزَمُهُ فِي الِابْتِدَاءِ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَلْزَمَهَا الْقَضَاءَ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرَ الْقَفَّالُ وآخرون من الخراسانيين هما أَنَّ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا فِي كَوْنِ الْقَضَاءِ يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ أَمْ عَلَى التَّرَاخِي جَارِيَانِ فِي كُلِّ كَفَّارَةٍ وَجَبَتْ بِعِدْوَانٍ (وَأَمَّا) الْكَفَّارَةُ بِلَا عُدْوَانٍ فَعَلَى التَّرَاخِي وَذَكَرُوا قَضَاءَ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا كُلُّهُ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ هَذَا الشَّرْحِ فِي آخِرِ بَابِ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ وَفِي آخِرِ كِتَابِ الصَّوْمِ
* (فَرْعٌ)
اتفق اصحابنا على مَنْ أَفْسَدَ حَجًّا مُفْرَدًا أَوْ عُمْرَةً مُفْرَدَةً فَلَهُ أَنْ يَقْضِيَهُ مَعَ النُّسُكِ الْآخَرِ قَارِنًا وَلَهُ أَنْ يَقْضِيَهُ مُتَمَتِّعًا وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ لِلْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ أَنْ يَقْضِيَا عَلَى سَبِيلِ الْإِفْرَادِ وَلَا يَسْقُطُ دَمُ الْقِرَانِ بِالْقَضَاءِ عَلَى سَبِيلِ الْإِفْرَادِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا أَفْسَدَ الْقَارِنُ لَزِمَهُ الْبَدَنَةُ لِلْإِفْسَادِ وَيَلْزَمُهُ شَاةٌ لِلْقِرَانِ وَإِذَا قَضَاهُ قَارِنًا لَزِمَهُ شَاةٌ أُخْرَى لِلْقِرَانِ الثَّانِي وَإِنْ قَضَاهُ مُفْرِدًا لَزِمَهُ أَيْضًا شَاةٌ أُخْرَى لان الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ قَارِنًا فَلَمَّا أَفْرَدَ كَانَ مُتَبَرِّعًا بِالْإِفْرَادِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ
* هَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ عَلَى أَنَّ الْقَارِنَ إذَا أَفْسَدَهُ وَقَضَاهُ مُفْرِدًا يَلْزَمُهُ مَعَ الْبَدَنَةِ شَاتَانِ شَاةٌ فِي السَّنَةِ الْأُولَى لِلْقِرَانِ الْفَاسِدِ وَشَاةٌ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ وَاجِبَهُ الْقِرَانُ وَفِيهِ شَاةٌ فَإِذَا عَدَلَ إلَى الْإِفْرَادِ لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ الشَّاةُ وَكُلُّ الْأَصْحَابِ مُصَرِّحُونَ بِهَذَا (مِنْهُمْ) الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابَيْهِ التَّعْلِيقِ وَالْمُجَرَّدِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ وَالْمَاوَرْدِيُّ فِي الحاوى وابن الصباغ والمتولي واصحاب الْبَيَانِ وَآخَرُونَ وَلَا خِلَافَ فِيهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطِّيبِ فِي الْمُجَرَّدِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَإِذَا قَضَى الْقَارِنُ نُسُكَيْهِ مُفْرِدًا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ قَالُوا وَمُرَادُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ إسْقَاطُ الدَّمِ عَنْهُ بِالْإِفْرَادِ بَلْ عَلَيْهِ دَمُ الْقِرَانِ للقضاء وان قضاه

(7/391)


مفردا ولم يُرِدْ أَنَّ فَرْضَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ الْوَاجِبِينَ بِالْقِرَانِ الفاسد لا يسقطان عنه بافرادهما وَإِنَّمَا
أَرَادَ أَنَّ الدَّمَ لَا يَسْقُطُ هَكَذَا ذَكَرَ التَّأْوِيلَ هَؤُلَاءِ وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ عَنْ أَصْحَابِنَا كُلِّهِمْ وَلَا خِلَافَ فِيهِ وَإِنَّمَا بَسَطْتُ هَذَا الْكَلَامَ بَعْضَ الْبَسْطِ لِأَنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ غَيْرُ مُوَضِّحَةٍ لِمَقْصُودِ الْمَسْأَلَةِ بَلْ مُوهِمَةٌ خِلَافَ الصَّوَابِ وَالْوَهْمُ حَاصِلٌ مِنْ تَعْلِيلِهِ فِي قَوْلِهِ لَا يَسْقُطُ دَمُ الْقِرَانِ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَلَا يَسْقُطُ بِالْإِفْسَادِ كدم الطيب وهذا التعليل يوم أَنَّهُ يَلْزَمُهُ دَمٌ بِسَبَبٍ إفْسَادِ الْقِرَانِ وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ فِي الْقَضَاءِ مُفْرِدًا دَمٌ آخَرُ وَلَيْسَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ بَلْ يَلْزَمُهُ فِي الْقَضَاءِ مُفْرِدًا دَمٌ آخَرُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا حَكَيْنَاهُ عَنْ الْأَصْحَابِ وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ وَيُجَابُ عَنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ الدَّمَ الْوَاجِبَ بِالْقِرَانِ فِي سَنَةِ الْإِفْسَادِ لَا يَسْقُطُ وَلَمْ يَقُلْ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الْقَضَاءِ مُفْرِدًا دَمٌ آخَرُ بَلْ سَكَتَ عَنْ إثْبَاتِهِ وَنَفْيِهِ فَيَكُونُ سَاكِتًا عَنْ مَسْأَلَةٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ غَلَطًا إنَّمَا هُوَ فَوَاتُ فَضِيلَةٍ وَفَائِدَةٍ (وَاعْلَمْ) أَنَّ صَاحِبَ الْإِبَانَةِ حَكَى وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْقَارِنَ شَاةٌ فِي سَنَةِ الْإِفْسَادِ لِأَنَّ نُسُكَهُ لم يصح قرانا فلم يلزمه الدَّمُ وَتَابَعَهُ عَلَى حِكَايَتِهِ عَنْهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وغيره وهذا الوجه غلط انما أَذْكُرهُ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى بُطْلَانِهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ فَإِنَّهُ خَطَأٌ مِنْ حَيْثُ الْمَذْهَبِ وَمِنْ حَيْثُ الدَّلِيلِ (أَمَّا) الْمَذْهَبُ فَالْأَصْحَابُ مُطْبِقُونَ عَلَى خِلَافِهِ (وَأَمَّا) الدَّلِيلُ فَلِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ وَيَبْقَى لَهُ حُكْمُ الصَّحِيحِ وَمِنْ أَحْكَامِ الصَّحِيحِ وُجُوبُ الدَّمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وإذا جامع القارن فان كان قبل التحلل الْأَوَّلِ فَسَدَ حَجُّهُ وَعُمْرَتُهُ بِلَا خِلَافٍ وَلَزِمَتْهُ بَدَنَةٌ وَاحِدَةٌ بِسَبَبِ الْإِفْسَادِ لِاتِّحَادِ الْإِحْرَامِ وَيَلْزَمُهُ مَعَ ذَلِكَ شَاةٌ لِلْقِرَانِ

(7/392)


وفيه الوجه الضعيف المحكى عن صاحب الابانة
* وَإِنْ جَامَعَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ وَقَبْلَ الثَّانِي لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ بِلَا خِلَافٍ وَلَا تَفْسُدُ عُمْرَتُهُ أَيْضًا عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْأَوْدَنِيِّ مِنْ مُتَقَدِّمِي أَصْحَابِنَا أَنَّهُ تَفْسُدُ عمرته لانه لم يأت بشئ مِنْ أَعْمَالِهَا قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ حَكَى هَذَا الْوَجْهَ هَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ فِي الْقِرَانِ تَتْبَعُ الْحَجَّ فَإِذَا لَمْ يَفْسُدْ الْحَجُّ لم تفسد العمرة قالوا وَلِهَذَا يَحِلُّ لِلْقَارِنِ مُعْظَمُ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِأَعْمَالِ

(7/393)


العمرة ولانه لَوْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَاتٍ فَاتَهُ الْحَجُّ وَكَذَا الْعُمْرَةُ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
وان كَانَ وَقْتُ الْعُمْرَةِ مُوسَعًا وَلِأَنَّهُ لَوْ قَدِمَ الْقَارِنُ مَكَّةَ وَطَافَ وَسَعَى ثُمَّ جَامَعَ بَطَلَ حَجُّهُ وَعُمْرَتُهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ فَرَغَ مِنْ أعمال العمرة والله أعلم
* (فرع)
أَصْحَابُنَا إذَا فَاتَ الْقَارِنَ الْحَجُّ لِفَوَاتِ الْوُقُوفِ فَهَلْ يُحْكَمُ بِفَوَاتِ عُمْرَتِهِ فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) نَعَمْ تَبَعًا لِلْحَجِّ كَمَا تَفْسُدُ بِفَسَادِهِ (وَالثَّانِي) لَا لِأَنَّهَا لَا تَفُوتُ وَأَنَّهُ يَتَحَلَّلُ بِعَمَلِهَا فان قلنا بفواتها فَعَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ لِلْفَوَاتِ وَلَا يَسْقُطُ دَمُ الْقِرَانِ فَإِذَا قَضَاهُمَا فَالْحُكْمُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي قَضَائِهِمَا عِنْدَ الْإِفْسَادِ فَإِنْ قَرَنَ فِي الْقَضَاءِ أَوْ تَمَتَّعَ فَعَلَيْهِ دَمٌ ثَالِثٌ وَإِنْ أَفْرَدَ فَكَذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ عَنْ الابانة ومتابعيه
* (فرع)
إذا كانت المرأة الموطوأة مُحْرِمَةً أَيْضًا نُظِرَ إنْ جَامَعَهَا نَائِمَةً أَوْ مكرهة فهل يفسد حجها وعمرتها فيه طريقان (أصحهما) على القولين في وطئ النَّاسِي هَلْ يَفْسُدُ الْحَجُّ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَفْسُدُ وبهذا الطريق قطع ابن الْمَرْزُبَانِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ وَجْهًا وَاحِدًا وَعَلَى هَذَا فَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُكْرَهَةَ لَا فِعْلَ لَهَا بخلاف

(7/394)


النَّاسِي وَمِمَّنْ حَكَى الطَّرِيقَيْنِ الدَّارِمِيُّ وَإِنْ كَانَتْ طَائِعَةً عَالِمَةً فَسَدَ نُسُكُهَا كَالرَّجُلِ وَلَزِمَهَا الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ وَالْقَضَاءُ (وَأَمَّا) الْبَدَنَةُ فَهَلْ تَجِبُ عَلَيْهَا أَمْ لَا فِيهِ طَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ
(أَحَدُهُمَا)
حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ يَجِبُ عَلَيْهَا بدنة في مالها قولا واحد كَمَا يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ بَدَنَةٌ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) أَنَّ فِيهِ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ السَّابِقَةَ فِي جِمَاعِ الصَّائِمِ الصَّائِمَةَ (أَحَدُهَا) تَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَدَنَةٌ
(وَالثَّانِي)
تَجِبُ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ عَنْهُ وَعَنْهَا (وَالثَّالِثُ) تَجِبُ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ عَنْ نَفْسِهِ فقط ولا شئ عَلَيْهَا وَهَذَا الطَّرِيقُ أَشْهَرُ وَبِهِ قَطَعَ أَكْثَرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ فَرَّقَ بِأَنَّ الصَّائِمَةَ تُفْطِرُ بِكُلِّ وَاصِلٍ إلَى بَاطِنِهَا وَلَا يُفْطِرُ الرَّجُلُ إلَّا بِالْجِمَاعِ وَلَوْ أَدْخَلَ الرَّجُلُ أُصْبُعَهُ فِي فَرْجِهَا لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ وَبَطَل صَوْمُهَا وَأَمَّا الْحَجُّ فَلَا يَبْطُلُ حَجُّهَا إلَّا بِالْجِمَاعِ فَلَوْ أَدْخَلَتْ أُصْبُعَهَا أَوْ نَحْوَهَا لَمْ يَبْطُلْ حَجُّهَا فَهِيَ فِي الْحَجِّ كَالرَّجُلِ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي الْجِمَاعِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ

(7/395)


فَإِنَّ بُطْلَانَ صَوْمِهَا لَا يَتَعَيَّنُ لِكَوْنِهِ جِمَاعًا بَلْ لِدُخُولِ الدَّاخِلِ فَلَا تَلْزَمُهَا الْكَفَّارَةُ وَانْفَرَدَ الدَّارِمِيُّ بِطَرِيقَةٍ أُخْرَى سَبَقَ لَهُ مِثْلُهَا فِي الوطئ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَقَالَ فِي الْكَفَّارَةِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ كَكَفَّارَةِ الصِّيَامِ (أَحَدُهَا) يَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ عَنْهُ فَقَطْ (وَالثَّانِي) بَدَنَةٌ عَنْهُ وَعَنْهَا (وَالثَّالِثُ) يَلْزَمُهُ بَدَنَتَانِ بَدَنَةٌ عَنْهُ وَبَدَنَةُ عَنْهَا (وَالرَّابِعُ) يَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ وَيَلْزَمُهَا فِي مَالِهَا بَدَنَةٌ أُخْرَى وَذَكَرَ الماوردي في الحاوى الاقوال الاربع
* (فَرْعٌ)
أَمَّا نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ فِي قَضَاءِ الْحَجِّ فان كانت معه في القضاء لزمه قَدْرُ نَفَقَةِ الْحَضَرِ بِلَا خِلَافٍ وَفِي الزَّائِدِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) يَلْزَمُ الزَّوْجَ
(وَالثَّانِي)
يَجِبُ فِي مَالِهَا وَمَأْخَذُ الْخِلَافِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ يَحُجُّ بِامْرَأَتِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي مُرَادِهِ فَقِيلَ أَرَادَ وُجُوبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ إنَّهُ يَأْذَنُ لَهَا فِي الْحَجِّ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ أَرَادَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ مِنْ النَّفَقَةِ الزَّائِدَةِ

(7/396)


فَفِيهَا الْوَجْهَانِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَلَوْ زَمِنَتْ الزَّوْجَةُ وَصَارَتْ مَعْضُوبَةً هَلْ يَلْزَمُ الزَّوْجَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مِنْ مَالِهِ مَنْ يَحُجُّ عَنْهَا قَضَاءً فِيهِ الْوَجْهَانِ فِي النَّفَقَةِ الزَّائِدَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ تَجِبُ النَّفَقَةُ فِي مَالِهَا كَنَفَقَةِ الْأَدَاءِ فَمُرَادُهُ إذَا سَافَرَتْ وَحْدَهَا لِلْحَجِّ بِغَيْرِ

(7/397)


إذن الزوج أو باذنه فاتها إذَا سَافَرَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا بِلَا خِلَافٍ وَإِذَا سَافَرَتْ بِإِذْنِهِ فَفِي وُجُوبِ نَفَقَتِهَا عَلَيْهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ (الْأَصَحُّ) لَا تَجِبُ عَلَيْهِ فَقَاسَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْأَصَحِّ (وَأَمَّا) إذَا سَافَرَتْ فِي الْأَدَاءِ مَعَهُ فَيَجِبُ نَفَقَتُهَا عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ وَلِأَنَّهَا فِي قَبْضَتِهِ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ وَلَمْ يُوَضِّحْ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ هُنَا وَحُكْمُهَا مَا ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ الْمُصَنِّفُ وَفِي ثَمَنِ الْمَاءِ الَّذِي تَغْتَسِلُ به وجهان هذان الوجهان مشهوان وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُمَا فِي آخِرِ بَابِ صِفَةِ الْغُسْلِ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ حُكْمَ مَاءِ غُسْلِهَا مِنْ الوطئ وَالنِّفَاسِ وَالْحَيْضِ وَالِاحْتِلَامِ وَمَاءِ وُضُوئِهَا مِنْ لَمْسَةٍ أَوْ غَيْرِهِ وَمَاءِ طَهَارَةِ الْمَمْلُوكِ وَأَوْضَحْنَاهُ كُلَّهُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ
* قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ
فَإِنْ كَانَتْ الْمَوْطُوءَةُ أَجْنَبِيَّةً وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا فَمُؤْنَتُهَا فِي مَالِهَا بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً لِلْوَاطِئِ فَعَلَيْهِ مُؤْنَتُهَا فِي الْقَضَاءِ بِلَا خِلَافٍ وَاَللَّهُ أعلم
*

(7/398)


(فَرْعٌ)
إذَا خَرَجَ الرَّجُلُ وَزَوْجَتُهُ الْمُفْسِدَيْنِ لِيَقْضِيَا الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ وَاصْطَحَبَا فِي طَرِيقِهِمَا اُسْتُحِبَّ لَهُمَا أَنْ يَفْتَرِقَا مِنْ حِينِ الْإِحْرَامِ فَإِذَا وَصَلَا إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي جَامَعَهَا فِيهِ فَهَلْ يجب فيه المفارقة فيه خلاف حكاه المصنف والجمهور وجهن وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لَيْسَ بِوَاجِبٍ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ وَاجِبٌ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ فِي جَامِعِهِ وَالدَّارِمِيُّ وَالْقَاضِيَانِ أَبُو الطَّيِّبِ وَحُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِمَا وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ هَذَا الْخِلَافُ قَوْلَانِ (الْجَدِيدُ) أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ (وَالْقَدِيمُ) وَاجِبٌ (فان قلنا) يجب فتركاه أثما وصحح حَجُّهُمَا وَلَا دَمَ عَلَيْهِمَا وَإِذَا تَفَرَّقَا لَمْ يَجْتَمِعَا إلَّا بَعْدَ التَّحَلُّلِ سَوَاءٌ قُلْنَا التَّفَرُّقُ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ ويعتزلها في المسير وَالْمَنْزِلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*

(7/399)


(فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا الْمُفْسِدُ لِحَجِّهِ وَعُمْرَتِهِ إذَا مضى في فاسده وارتكب محظورا بعد الافساد أثم ولزمه الكفارة فإذ تَطَيَّبَ أَوْ لَبِسَ أَوْ قَتَلَ صَيْدًا أَوْ فَعَلَ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ وَلَا يُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا إلَّا الْجِمَاعَ مَرَّةً ثَانِيَةً فَفِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا خِلَافَ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ إلَّا مَا انْفَرَدَ بِهِ الْمُتَوَلِّي فَإِنَّهُ حَكَى قَوْلًا شَاذًّا ضَعِيفًا انه لا يلزمه شئ بِارْتِكَابِ الْمَحْظُورَاتِ كَمَا لَوْ وَطِئَ فِي نَهَارِ رمضان ثم وطئ ثانيا لا شئ عَلَيْهِ مَعَ وُجُوبِ الْإِمْسَاكِ وَهَذَا الْقَوْلُ بَاطِلٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ كُلَّهُ فِي جِمَاعِ الْعَامِدِ الْعَالَمِ بِتَحْرِيمِهِ الْمُخْتَارِ لَهُ العاقل (فأما) النَّاسِي وَالْجَاهِلُ وَالْمُكْرَهُ وَالْمَجْنُونُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ فَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ حُكْمِهِمْ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا أَحْرَمَ مُجَامِعًا فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا (أَصَحُّهُمَا) لَا يَنْعَقِدُ
إحْرَامُهُ كَمَا لَا تَنْعَقِدُ الصَّلَاةُ مَعَ الْحَدَثِ (وَالثَّانِي) يَنْعَقِدُ صَحِيحًا فَإِنْ نَزَعَ فِي الْحَالِ فَذَاكَ وَإِلَّا فَسَدَ نُسُكُهُ وَعَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ وَالْقَضَاءُ وَالْبَدَنَةُ
* وَاحْتَجُّوا لَهُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الصَّوْمِ فِيمَا إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ مَجَامِعٌ إنْ نَزَعَ فِي الْحَالِ صَحَّ صَوْمُهُ وَإِلَّا فَسَدَ (وَالثَّالِثُ) يَنْعَقِدُ فَاسِدًا وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ سَوَاءٌ نَزَعَ أَوْ مَكَثَ (وَأَمَّا) الْكَفَّارَةُ فَإِنْ نَزَعَ فِي الحال لم يجب شىء وَإِنْ مَكَثَ وَجَبَتْ وَفِي الْوَاجِبِ الْقَوْلَانِ فِي نَظَائِرِهِ
(أَحَدُهُمَا)
بَدَنَةٌ
(وَالثَّانِي)
شَاةٌ
* وَاسْتَدَلَّ الْبَغَوِيّ لِهَذَا الْوَجْهِ الثَّالِثِ بِأَنَّ الْحَجَّ لَا يَبْطُلُ ويخرج مِنْهُ بِمُنَافِيهِ وَهُوَ الْجِمَاعُ فَلَا يَمْتَنِعُ انْعِقَادُهُ مَعَهُ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا ارْتَدَّ فِي أَثْنَاءِ حَجَّتِهِ أَوْ عُمْرَتِهِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَقَدْ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ بَابِ الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ (أَصَحُّهُمَا) يَفْسُدُ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ صَحَّحَهُ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَهَذَا هو الاصح عند الشيخ أبى حَامِدٍ
(وَالثَّانِي)
لَا يَفْسُدُ كَمَا لَا يَفْسُدُ بِالْجُنُونِ فَعَلَى هَذَا لَا يُعْتَدُّ بِالْمَفْعُولِ فِي حَالِ الرِّدَّةِ لَكِنْ إذَا أَسْلَمَ بَنَى عَلَى مَا فَعَلَهُ قَبْلَ الرِّدَّةِ إنْ كَانَ وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ إنْ كَانَ وَقْتُ الْوُقُوفِ بَاقِيًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَقَفَ وَأَسْلَمَ بَعْدَ فَوَاتِ وَقْتِهِ لَزِمَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْفَوَاتِ وَسَوَاءٌ طَالَ زَمَنُ الرِّدَّةِ أَمْ قَصُرَ فَالْوَجْهَانِ جَارِيَانِ (إنْ قُلْنَا)

(7/400)


بِالْفَسَادِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهُمَا) وبه قطع المنصف وَالْأَكْثَرُونَ يَبْطُلُ النُّسُكُ مِنْ أَصْلِهِ فَلَا يَمْضِي فِيهِ لَا فِي الرِّدَّةِ وَلَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ كَالْإِفْسَادِ بِالْجِمَاعِ فَيَمْضِي فِي فَاسِدِهِ إنْ أَسْلَمَ لَكِنْ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَحَكَى الدارمي في آخر باب الاصحار وَجْهًا عَنْ حِكَايَةِ ابْنِ الْقَطَّانِ أَنَّهُ يَبْطُلُ حَجُّهُ وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى مَنْ أَفْسَدَ حَجَّهُ أَوْ عُمْرَتَهُ بِالْجِمَاعِ دَمٌ وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِيهِ هَلْ هُوَ دَمُ تَخْيِيرٍ أَمْ لَا فَفِيهِ طُرُقٌ (أَصَحُّهَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَسَائِرِ الْأَصْحَابِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَغَيْرِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ هُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي عَامَّةِ كُتُبِهِ أَنَّهُ دَمُ ترتيب وتعديل فيجب بدنة فإن عجز عنها فَبَقَرَةٌ وَإِنْ عَجَزَ فَسَبْعُ شِيَاهٍ فَإِنْ عَجَزَ قَوَّمَ الْبَدَنَةَ دَرَاهِمَ بِسِعْرِ مَكَّةَ
حَالَ الْوُجُوبِ ثُمَّ الدَّرَاهِمَ بِطَعَامٍ وَتَصَدَّقَ بِهِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) طَرِيقُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ حَكَاهُ عَنْهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهُمَا) كَالطَّرِيقِ الْأَوَّلِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْخَمْسَةِ وَهِيَ الْبَدَنَةُ وَالْبَقَرَةُ وَالشَّاةُ وَالْإِطْعَامُ وَالصِّيَامُ فَأَيُّهَا شَاءَ فَعَلَهُ وَأَجْزَأَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الثَّانِي (وَالطَّرِيقُ الثَّالِثُ) حَكَاهُ المصنف والاصحاب عن أبي إسحق الْمَرْوَزِيِّ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) الطَّرِيقُ الْأَوَّلُ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ الْأُولَى وَهِيَ الْبَدَنَةُ وَالْبَقَرَةُ وَالشَّاةُ فَلَا يُجْزِئُ الْإِطْعَامُ وَالصِّيَامُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الثَّلَاثَةِ قَوَّمَ أَيَّهَا شَاءَ وَتَصَدَّقَ بِقِيمَتِهِ طَعَامًا فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا (وَالطَّرِيقُ الرَّابِعُ) أَنَّهُ يَجِبُ بَدَنَةٌ فَإِنْ عَجَزَ فَبَقَرَةٌ فَإِنْ عَجَزَ فَسَبْعُ شِيَاهٍ فَإِنْ عَجَزَ قَوَّمَ الْبَدَنَةَ وَصَامَ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الصِّيَامِ أَطْعَمَ فَيُقَدِّمُ الصِّيَامَ عَلَى الْإِطْعَامِ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَنَحْوِهَا
* وَقِيلَ لَا مَدْخَلَ لِلْإِطْعَامِ وَالصِّيَامِ

(7/401)


هُنَا بَلْ إذَا عَجَزَ عَنْ الْغَنَمِ ثَبَتَ الهدى في ذمته الا أَنْ يَجِدَ تَخْرِيجًا مِنْ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي دَمِ الْإِحْصَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَحَيْثُ قُلْنَا بِالصِّيَامِ فَإِنْ كُسِرَ مُدٌّ صَامَ عَنْ بَعْضِ الْمُدِّ يَوْمًا كَامِلًا بِلَا خِلَافٍ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ مِنْ الْيَمِينِ وَغَيْرِهَا
* وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَحَيْثُ قُلْنَا بِالْإِطْعَامِ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ أَقَلُّ ما يجزى أَنْ يَدْفَعَ الْوَاجِبَ إلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ مَسَاكِينِ الْحَرَمِ إنْ أَمْكَنَهُ ثَلَاثَةً فَإِنْ دَفَعَ إلَى اثْنَيْنِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى ثَالِثٍ ضَمِنَ وَفِي قَدْرِ الضَّمَانِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الثُّلُثُ (وَأَصَحُّهُمَا) مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَهُمَا كَالْخِلَافِ فِيمَنْ دَفَعَ نَصِيبَ صِنْفٍ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ إلَى اثْنَيْنِ فَإِنْ فَرَّقَ عَلَى مَسَاكِينَ فَهَلْ يَتَعَيَّنُ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ أَمْ لَا فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا (أَصَحُّهُمَا) لَا يَتَعَيَّنُ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ الْمِسْكِينَ أَقَلَّ مِنْ مُدٍّ وَأَكْثَرَ مِنْ مُدٍّ كَمَا لَوْ ذَبَحَ الدَّمَ وفرق اللحم فانه لا يتقدر بشئ ويجزى أن يدفع إلى المسكين القليل والكثير
(والثانى)
يَتَقَدَّرُ بِمُدٍّ كَالْكَفَّارَةِ فَإِنْ أَعْطَاهُ أَكْثَرَ لَمْ تُحْسَبْ الزِّيَادَةُ وَإِنْ أَعْطَاهُ أَقَلَّ مِنْ مُدٍّ لم يحسب شئ مِنْهُ إلَّا أَنْ يُعْطِيَهُ تَمَامَ الْمُدِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَحَيْثُ قُلْنَا بِالْبَدَنَةِ أَوْ الْبَقَرَةِ أَوْ الشاة فالمراد ما يجزى فِي الْأُضْحِيَّةِ بِلَا خِلَافٍ وَسَيَأْتِي إيضَاحُهُ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*

(7/402)


(فَرْعٌ)
لَوْ وَطِئَ الْمُحْرِمُ زَوْجَاتٍ لَهُ فَهُوَ كوطئ الْوَاحِدَةِ فَيَفْسُدُ حَجُّهُ وَحَجُّهُنَّ وَعَلَيْهِ وَعَلَيْهِنَّ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ وَالْقَضَاءُ قَالَ الدَّارِمِيُّ وَحُكْمُ نَفَقَتِهِنَّ وغيرها كما مضى
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وان كان المحرم صبيا فوطئ عامدا بنيت على القولين
* فان قلنا ان عمده خطأ فهو كالناسي وقد بيناه وان قلنا عمده عمد فسد نسكه ووجب ت الكفارة وعلى من تجب فيه قولان
(أحدهما)
في ماله
(والثانى)
علي الولى وقد بيناه في أول الحج وهل يجب عليه القضاء فيه قولان
(أحدهما)
لا يجب لانها عبادة تتعلق بالبدن فلا تجب علي الصبي كالصوم والصلاة
(والثانى)
يجب لان من فسد الحج بوطئه وجب عليه القضاء كالبالغ فان قلنا يجب فهل يصح منه في حال الصغر فيه قولان
(أحدهما)
لا يصح لانه حج واجب فلا يصح من الصبي

(7/403)


كحجة الاسلام
(والثانى)
يصح لانه يصح منه أداؤه فصح منه قضاؤه كالبالغ وإن وطئ العبد في إحرامه عامدا فسد حجه ويجب عليه القضاء ومن أصحابنا من قال لا يلزمه لانه ليس من أهل فرض الحج وهذا خطأ لانه يلزمه الحج بالنذر فلا يلزمه القضاء بالافساد كالحر وهل يصح منه القضاء في حال الرق علي القولين علي ما ذكرناه في الصبي
* فان قلنا انه يصح منه القضاء فهل للسيد منعه منه يبنى على الوجهين في أن القضاء علي الفور أم لا فان قلنا ان القضاء على التراخي فله منعه لان حق السيد على الفور فقدم علي الحج وإن قلنا انه على الفور ففيه وجهان
(أحدهما)
انه لا يملك منعه لانه موجب ما أذن فيه وهو الحج فصار كما لو أذن فيه
(والثانى)
انه يملك منعه لان المأذون فيه حجة صحيحة فان أعتق بعد التحلل من الفاسد وقبل القضاء لم يجز أن يقضي حتى يحج حجة الاسلام ثم يقضى وان أعتق قبل التحلل من الفاسد نظرت فان كان بعد الوقوف مضي في فاسده ثم يحج حجة الاسلام في السنة الثانية ثم يحج عن القضاء في السنة الثالثة وان أعتق قبل الوقوف مضي في فاسده ثم يقضى ويجزئه ذلك عن القضاء وعن حجة الاسلام لانه لو لم يفسد لكان أداؤه يجزئه
عن حجة الاسلام فإذا فسد وجب أن يجزئه قضاؤه عن حجة الاسلام)
*

(7/404)


(الشَّرْحُ) هَذَا الْفَصْلُ تَقَدَّمَ بَيَانُ جَمِيعِهِ مَعَ فُرُوعٍ كَثِيرَةٍ مُتَعَلِّقَةٍ بِهِ فِي أَوَائِلِ الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ وَأَوْضَحْنَاهُ هُنَاكَ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ بُنِيَتْ يَعْنِي الْمَسْأَلَةَ (وَقَوْلُهُ) فِي الصَّبِيِّ إذَا أُفْسِدَ حَجُّهُ بِالْجِمَاعِ هَلْ يَجِبُ الْقَضَاءُ فِيهِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَجِبُ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْبَدَنِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الصَّبِيِّ كَالصَّوْمِ اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الزَّكَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ المصنف رحمه الله
* (وَإِنْ وَطِئَ وَهُوَ قَارِنٌ وَجَبَ مَعَ الْبَدَنَةِ دم القران لانه دم وجب بغير الوطئ فلا يسقط بالوطئ كَدَمِ الطِّيبِ وَإِنْ وَطِئَ ثُمَّ وَطِئَ وَلَمْ يُكَفِّرْ عَنْ الْأَوَّلِ فَفِيهِ قَوْلَانِ قَالَ فِي الْقَدِيمِ يَجِبُ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ وَاحِدَةٌ كَمَا لَوْ زَنَى ثُمَّ زَنَى كَفَاهُ لَهُمَا حَدٌّ وَاحِدٌ وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ يَجِبُ عَلَيْهِ لِلثَّانِي كَفَّارَةٌ أُخْرَى وَفِي الْكَفَّارَةِ الثَّانِيَةِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
شَاةٌ لانها مباشرة لا توجب الفساد فوجبت فيها شَاةٌ كَالْقُبْلَةِ بِشَهْوَةِ
(وَالثَّانِي)
يَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ لِأَنَّهُ وطئ في احرام منعقد فاشبه الوطئ فِي إحْرَامٍ صَحِيحٍ وَإِنْ وَطِئَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الاول لم

(7/405)


يَفْسُدْ حَجُّهُ لِأَنَّهُ قَدْ زَالَ الْإِحْرَامُ فَلَا يَلْحَقُهُ فَسَادٌ وَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَفِي كَفَّارَتِهِ قَوْلَانِ
(أحدهما)
أنها بَدَنَةٌ لِأَنَّهُ وَطِئَ فِي حَالٍ يَحْرُمُ فِيهِ الوطئ فَأَشْبَهَ مَا قَبْلَ التَّحَلُّلِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهَا شَاةٌ لِأَنَّهَا مُبَاشَرَةٌ لَا تُوجِبُ الْفَسَادُ فَكَانَتْ كَفَّارَتُهَا شَاةً كَالْمُبَاشَرَةِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ وَإِنْ جَامَعَ فِي قَضَاءِ الْحَجِّ لَزِمَتْهُ بَدَنَةٌ وَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا قَضَاءَ حَجَّةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ وَاحِدٌ فَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْهُ)
* (الشَّرْحُ) فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ (إحْدَاهَا) إذَا فَسَدَ حَجُّهُ بِالْجِمَاعِ ثُمَّ جَامَعَ ثَانِيًا فَفِيهِ خِلَافٌ

(7/406)


ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بَعْضَهُ وَبَاقِيهِ مَشْهُورٌ وَحَاصِلُهُ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ (أَصَحُّهَا) تَجِبُ بِالْأَوَّلِ بَدَنَةٌ وَبِالثَّانِي شَاةٌ
(وَالثَّانِي)
يَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ بَدَنَةٌ (وَالثَّالِثُ) يَكْفِي بَدَنَةٌ عَنْهُمَا جَمِيعًا (وَالرَّابِعُ) إنْ كَفَّرَ عَنْ الاول قبل الجماع الثَّانِي وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ لِلثَّانِي وَهِيَ شَاةٌ فِي الْأَصَحِّ وَبَدَنَةٌ فِي الْآخَرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَفَّرَ عَنْ الْأَوَّلِ كَفَتْهُ بَدَنَةٌ عَنْهُمَا (وَالْخَامِسُ) إنْ طَالَ الزَّمَانُ بَيْنَ الْجِمَاعِينَ أَوْ اخْتَلَفَ المجلس
ووجبت كَفَّارَةٌ أُخْرَى لِلثَّانِي وَفِيهَا الْقَوْلَانِ وَإِلَّا فَكَفَّارَةً وَاحِدَةً
* وَلَوْ وَطِئَ مَرَّةً ثَالِثَةً وَرَابِعَةً وَأَكْثَرَ فَفِيهِ هَذِهِ الْأَقْوَالُ (الْأَظْهَرُ) يَجِبُ لِلْأَوَّلِ بَدَنَةٌ وَلِكُلِّ مَرَّةٍ بَعْدَهُ شَاةٌ (وَالثَّانِي) يَجِبُ لِكُلِّ مَرَّةٍ بَدَنَةٌ وَبَاقِي الْأَقْوَالِ ظَاهِرَةٌ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ يُفْهَمُ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
* قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الْخِلَافُ إذَا كَانَ قَدْ قَضَى فِي كُلِّ جِمَاعٍ وَطَرَهُ قَالَ فَأَمَّا لَوْ كَانَ يَنْزِعُ وَيَعُودُ وَالْأَفْعَالُ مُتَوَاصِلَةٌ وَحَصَلَ قَضَاءُ الْوَطَرِ آخِرًا فَالْجَمِيعُ جِمَاعٌ وَاحِدٌ بِلَا خِلَافٍ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا وَطِئَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ وَقَبْلَ التحلل الثاني فهذا الوطئ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي صِفَةِ الْحَجِّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهَلْ يَفْسُدُ حَجُّهُ فِيهِ ثَلَاثُ طُرُقٍ (أَصَحُّهَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرُهُمْ لَا يَفْسُدُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَالثَّانِي) فِي فَسَادِهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَفْسُدُ
(وَالثَّانِي)
لَا يَفْسُدُ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ (وَالثَّالِثُ) حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا فِيهِ قَوْلَانِ (الْجَدِيدُ) لَا يَفْسُدُ (وَالْقَدِيمُ) أنه يفسد ما بقى من حجه دون ما يمضي فَلَا يَمْضِي فِي فَاسِدِهِ بَلْ يَخْرُجُ إلَى أَدْنَى الْحِلِّ وَيُجَدِّدُ مِنْهُ إحْرَامًا وَيَأْتِي بِعَمَلِ

(7/407)


عُمْرَةٍ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ لِأَنَّ الْبَاقِيَ مِنْ حَجِّهِ طَوَافٌ وَسَعْيٌ وَحَلْقٌ وَذَلِكَ هُوَ عَمَلُ الْعُمْرَةِ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ الْوَاحِدَةَ الْمُرْتَبِطَةَ لَا يُوصَفُ بَعْضُهَا بِالْبُطْلَانِ دُونَ بَعْضٍ
* فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ لَا يَفْسُدُ فَقَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ يَلْزَمُهُ شَاةٌ وَبِهِ قَطَعَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَأَشَارَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ إلَى تَرْجِيحِهِ وحكي الرافعي وجها أنه لا شئ عَلَيْهِ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ
* وَاعْلَمْ أَنَّ جُمْهُورَ الْأَصْحَابِ أَطْلَقُوا الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَحَكَاهُمَا الْجُرْجَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَجْهَيْنِ وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ الْمَنْصُوصُ يَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ وفيه قول مخرج أنه شاة والمشهورة قَوْلَانِ مُطْلَقًا كَمَا سَبَقَ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمُتَوَلِّي إذَا وَقَفَ الْحَاجُّ بِعَرَفَاتٍ وَلَمْ يَرْمِ وَلَا طَافَ وَلَا حَلَقَ وَفَاتَ وَقْتُ الرَّمْيِ ثُمَّ جَامَعَ فَإِنْ قُلْنَا الْحَلْقُ نُسُكٌ فَسَدَ حَجُّهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ فَعَلَيْهِ الْبَدَنَةُ وَالْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ وَالْقَضَاءُ وَإِنْ قُلْنَا الْحَلْقُ لَيْسَ نُسُكًا فَوَجْهَانِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ يَفْسُدُ حَجُّهُ وَقَالَ غَيْرُهُ لَا يَفْسُدُ وَأَصْلُ الْوَجْهَيْنِ أَنْ رَمْي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ إذَا فَاتَ وَجَبَ فِيهِ الدَّمُ وَهَلْ يَتَوَقَّفُ التَّحَلُّلُ عَلَى
ذَبْحِ الدَّمِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَتَوَقَّفُ فَإِنْ قُلْنَا يَتَوَقَّفُ فَسَدَ حَجُّهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ وَإِلَّا فَلَا
* هَذَا كَلَامُ الْمُتَوَلِّي وَذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ نَحْوَهُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا جَامَعَ فِي قَضَاءِ الْحَجِّ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ فَسَدَ القضاء ولزمه المضي في أفاسده وَالْبَدَنَةُ بِلَا خِلَافٍ وَيَلْزَمُهُ قَضَاءٌ وَاحِدٌ عَنْ الْإِحْرَامِ الْأَوَّلِ وَلَوْ تَكَرَّرَ الْقَضَاءُ وَالْإِفْسَادُ مِائَةَ مَرَّةٍ لَمْ يَجِبْ إلَّا قَضَاءُ وَاحِدٌ وَتَجِبُ الْبَدَنَةُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ أَفْسَدَهَا
*

(7/408)


(فَرْعٌ)
لَوْ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فِي اللَّيْلِ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ وَحَلَقَ ثُمَّ جَامَعَ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ رَمَى قَبْلَ نِصْفِ الليل فطريقان حكاهما الدارمي (أصحهما) كَمَا لَوْ وَطِئَ نَاسِيًا فَيَكُونُ فِيهِ الْقَوْلَانِ
(وَالثَّانِي)
يَفْسُدُ قَطْعًا لِتَقْصِيرِهِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ في الباب الماضي
*
* قال المصنف رحمه الله
* (والوطئ في الدبر واللواط وإتيان البهيمة كالوطئ في القبل في جميع ما ذكرناه لان الجميع وطئ والله أعلم
* (الشَّرْحُ) هَذَا الَّذِي قَالَهُ هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قطع الجمهور من العراقيين والخراسانيين وقيل لا يفسد الحج بشئ مِنْ ذَلِكَ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا قَوْلًا أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إلَّا شَاةٌ وَظَاهِرُ عِبَارَتِهِمْ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ بِهِ الْحَجُّ وَلَا الْعُمْرَةُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَآخَرُونَ يَفْسُدُ الْحَجُّ والعمرة بالوطئ فِي دُبْرِ الرَّجُلِ أَوْ الْمَرْأَةِ وَتَجِبُ الْبَدَنَةُ وهو كالوطئ فِي قُبُلِهَا قَالُوا (وَأَمَّا) الْبَهِيمَةُ فَإِنْ قُلْنَا وَطْؤُهَا يُوجِبُ الْحَدَّ فَكَذَلِكَ وَإِنْ قُلْنَا يُوجِبُ التَّعْزِيرَ فَوَجْهَانِ وَالصَّحِيحُ مَا قَدَّمْنَا عَنْ الْجُمْهُورِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ لَفَّ عَلَى ذَكَرِهِ خِرْقَةً وَأَوْلَجَهُ فِي امْرَأَةٍ فَهَلْ يَفْسُدُ حَجُّهُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا الصَّيْمَرِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ (أَصَحُّهَا) يَفْسُدُ كَمَا لَوْ لم يلف خرقة لانه يسمى جماعا
(والثانى)
لَا لِأَنَّهُ إنَّمَا أَوْلَجَ فِي خِرْقَةٍ (وَالثَّالِثُ) اخْتَارَهُ أَبُو الْفَيَّاضِ الْبَصْرِيُّ وَالصَّيْمَرِيُّ إنْ كَانَتْ الْخِرْقَةُ رَقِيقَةً لَا تَمْنَعُ الْحَرَارَةَ وَاللَّذَّةَ فَسَدَ حَجُّهُ وَإِلَّا فَلَا وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ
الْأَوْجُهُ فِي بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَسَبَقَ أَنَّهَا جَارِيَةٌ فِي كُلِّ الْأَحْكَامِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ جِمَاعٌ فِي كُلِّ الْأَحْكَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*

(7/409)


(فَرْعٌ)
قَدْ سَبَقَ فِي بَابِ مَا يُوجِبُ الغسل أن أحكام الوطئ تتعلق بتغييب جميع الحشفة ولا يتعلق شئ من أحكام الوطئ بِبَعْضِ الْحَشَفَةِ وَأَنَّهُ إذَا كَانَ مَقْطُوعَهَا فَإِنْ بَقِيَ مِنْ الذَّكَرِ دُونَ قَدْرِ الْحَشَفَةِ فَلَا حُكْمَ لِإِيلَاجِهِ وَإِنْ كَانَ قَدْرَهَا تَعَلَّقَتْ الْأَحْكَامُ بِتَغْيِيبِهِ كُلِّهِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَوَجْهَانِ (الْأَصَحُّ) يَتَعَلَّقُ بِقَدْرِهَا (وَالثَّانِي) لَا تَتَعَلَّقُ إلَّا بِكُلِّ الْبَاقِي وَسَبَقَ هُنَاكَ أَنَّ اسْتِدْخَالَ الْمَرْأَةِ ذَكَرَ بهيمة له حكم وطئ الرَّجُلِ لَهَا وَفِي اسْتِدْخَالِ الذَّكَرِ الْمَقْطُوعِ وَجْهَانِ (الاصح) انه كالوطئ
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وان قبلها بشهوة أو باشرها فيما دون الفرج بشهوة لم يفسد حجه لانها مباشرة لا يجب الحد بجنسها فلم تفسد الحج كالمباشرة بغير شهوة وتجب عليه فدية الاذى لانه استمتاع لا يفسد الحج

(7/410)


فكانت كفارته فدية الاذى كالطيب والاستمناء كالمباشرة فيما دون الفرج في الكفارة لانه بمنزلتها في التحريم والتعزير فكان بمنزلتها في الكفارة)
* (الشَّرْحُ) قَدْ سَبَقَ فِي الْإِحْرَامِ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ الْمُبَاشَرَةُ بِشَهْوَةٍ كَالْقُبْلَةِ وَالْمُفَاخَذَةِ وَاللَّمْسِ باليد بِشَهْوَةٍ وَنَحْو ذَلِكَ هَذَا إذَا كَانَ قَبْلَ التَّحَلُّلَيْنِ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا فَفِي تَحْرِيمِ الْمُبَاشَرَةِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ بِشَهْوَةٍ خِلَافٌ مَشْهُورٌ فِي بَابِ صِفَةِ الْحَجِّ وَمَتَى ثَبَتَ التَّحْرِيمُ فَبَاشَرَ عَمْدًا عَالَمًا بِالتَّحْرِيمِ مُخْتَارًا لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ سَوَاءٌ أَنْزَلَ أَمْ لَا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَلَا تَلْزَمُهُ الْبَدَنَةُ بِلَا خِلَافٍ وَتَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ الصُّغْرَى وَهِيَ فِدْيَةُ الْحَلْقِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ (وَأَمَّا) اللَّمْسُ وَالْقُبْلَةُ وَنَحْوُهُمَا بِغَيْرِ شَهْوَةٍ فَلَيْسَ بِحَرَامٍ وَلَا فِدْيَةَ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ (وَأَمَّا) قَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ كُلُّ مُبَاشَرَةٍ نَقَضَتْ الْوُضُوءَ فَهِيَ حرام على المحرم فغلط وسبق قلم يتأول على أن المراد كل ملامسة تنقص الْوُضُوءَ فَهِيَ مُحْرِمَةٌ بِشَرْطِ كَوْنِهَا بِشَهْوَةٍ وَمُرَادُهُمَا بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ اسْتِيعَابُ صُوَرِ اللَّمْسِ اتِّفَاقًا وَاخْتِلَافًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ لَوْ قَدِمَ الْمُحْرِمُ مِنْ سَفَرٍ أَوْ قَدِمَتْ امْرَأَتُهُ مِنْ سَفَرٍ فَقَبَّلَهَا أَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا سَفَرًا فَوَدَّعَهَا وَقَبَّلَهَا فَإِنْ قَصَدَ تَحِيَّةَ الْقَادِمِ وَالْمُسَافِرِ وَإِكْرَامِهِ وَلَمْ يَقْصِدْ شَهْوَةً فَلَا فِدْيَةَ وَإِنْ قَصَدَ الشَّهْوَةَ عَصَى وَلَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا فِدْيَةَ لان ظاهر الحال يقتضى التحية (والثاني) تَجِبُ لِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلشَّهْوَةِ فَلَا تَنْصَرِفُ عَنْهَا إلَّا بِنِيَّةٍ هَكَذَا قَالُوهُ وَهَذَا الْوَجْهُ ضَعِيفٌ وَالصَّوَابُ أَنْ لَا فِدْيَةَ لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا بِالشَّهْوَةِ وَلَمْ يَقْصِدْ هُنَا شَهْوَةً وَلَا يُشْتَرَطُ قَصْدُ غَيْرِ الشَّهْوَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا قَبَّلَ الْمُحْرِمُ امْرَأَتَهُ بِشَهْوَةٍ وَلَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ ثُمَّ جَامَعَهَا فَلَزِمَتْهُ الْبَدَنَةُ فَهَلْ تَسْقُطُ عَنْهُ الشَّاةُ وَتَنْدَرِجُ فِي الْبَدَنَةِ أَمْ تَجِبَانِ مَعًا فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هما

(7/411)


مَبْنِيَّانِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الْمُحْدِثِ إذَا أَجْنَبَ هَلْ يَنْدَرِجُ الْحَدَثُ فِي الْجَنَابَةِ وَيَكْفِيه الْغُسْلُ أم لا ان إنْ أَدْرَجْنَاهُ هُنَاكَ أَدْرَجْنَاهُ هُنَا وَإِلَّا فَلَا وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَرِيبًا فِي فَصْلِ مَنْ لَبِسَ ثُمَّ لَبِسَ أَوْ تَطَيَّبَ ثُمَّ تَطَيَّبَ وَذَكَرْنَا فِيهِ أَرْبَعَةَ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) تَكْفِيهِ بَدَنَةٌ
(وَالثَّانِي)
تَجِبُ بَدَنَةٌ وَشَاةٌ (وَالثَّالِثُ) إنْ قَصَدَ بِالْمُبَاشَرَةِ الشُّرُوعَ فِي الْجِمَاعِ فَبَدَنَةٌ وَإِلَّا فبدنة وشاة (والرابع) ان قصد الزَّمَانُ بَيْنَهُمَا فَبَدَنَةٌ وَإِلَّا فَبَدَنَةٌ وَشَاةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَلَوْ وَطِئَ وَطْئًا يُوجِبُ الْبَدَنَةَ ثُمَّ بَاشَرَ دُونَ الْفَرْجِ بِشَهْوَةٍ قَالَ الدَّارِمِيُّ إنْ كَانَ كَفَّرَ عَنْ الْجِمَاعِ قَبْلَ الْمُبَاشَرَةِ لَزِمَهُ لِلْمُبَاشَرَةِ شَاةٌ وَإِلَّا فَفِي انْدِرَاجِهَا فِي الْبَدَنَةِ وَجْهَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(7/412)


(فَرْعٌ)
إذَا اسْتَمْنَى بِيَدِهِ وَنَحْوُهَا فَأَنْزَلَ عَصَى بِلَا خِلَافٍ وَفِي لُزُومِ الْفِدْيَةِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَهُمْ وُجُوبُهَا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنَّفُ هُنَا وَفِي التَّنْبِيهِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَالثَّانِي) لَا فِدْيَةَ لِأَنَّهُ إنْزَالٌ مِنْ غَيْرِ مُبَاشَرَةِ غَيْرِهِ فَأَشْبَهَ مَنْ نَظَرَ فَأَنْزَلَ فَإِنَّهُ لَا فِدْيَةَ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْفِدْيَةِ فَهِيَ فِدْيَةُ الْحَلْقِ كَمَا قُلْنَا فِي مُبَاشَرَةِ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ وَلَا يَفْسُدُ حَجُّهُ بِالِاسْتِمْنَاءِ بِلَا خِلَافٍ (وَأَمَّا) إذَا نَظَرَ إلَى امْرَأَةٍ
بِشَهْوَةٍ وَكَرَّرَ النَّظَرَ حَتَّى أَنْزَلَ فَلَا يَفْسُدُ حَجُّهُ وَلَا فِدْيَةَ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا
* وَقَالَ عَطَاءٌ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمَالِكٌ يَفْسُدُ حَجُّهُ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ
* وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْفِدْيَةِ رِوَايَتَانِ (إحْدَاهُمَا) تَجِبُ بَدَنَةٌ (وَالثَّانِيَةُ) شَاةٌ وَبِهِ قال سعيد بن جبير واحمد واسحق
* وَدَلِيلُنَا أَنَّهُ إنْزَالٌ مِنْ غَيْرِ مُبَاشَرَةٍ فَأَشْبَهَ إذَا فَكَّرَ فَأَنْزَلَ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ
* (فَرْعٌ)
لو باشر غلاما حسنا بغير الوطئ بِشَهْوَةٍ فَهُوَ كَمُبَاشَرَةِ الْمَرْأَةِ لِأَنَّهَا مُبَاشَرَةٌ مُحَرَّمَةٌ فَأَشْبَهَتْهَا فَوَجَبَتْ الْفِدْيَةُ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ حَكَاهُ الْبَغَوِيّ أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ الْإِحْرَامِ وَأَوْضَحْنَا هُنَاكَ ضَعْفَ هَذَا الْوَجْهِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَوْ أَوْلَجَ الْمُحْرِمُ ذَكَرَهُ فِي قُبُلِ خُنْثَى مُشْكِلٍ لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ سَوَاءٌ أَنْزَلَ أَمْ لَا لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ رَجُلٌ فَيَكُونُ قَدْ أَوْلَجَ فِي عُضْوٍ زَائِدٍ مِنْ رَجُلٍ فَلَا يَفْسُدُ بِالشَّكِّ لَكِنْ إنْ أَنْزَلَ لَزِمَهُ الْغُسْلُ وَشَاةٌ كَمُبَاشَرَةِ الْمَرْأَةِ بِدُونِ الْجِمَاعِ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ فَلَا غَسْلَ ولا شاة ولا شئ سِوَى التَّعْزِيرِ وَالْإِثْمِ
*

(7/413)


(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي مَسَائِلَ مِنْ مباشرة المحرم المرأة ونحوها
(احداها) إذا وطثها فِي الْقُبُلِ عَامِدًا عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ فَسَدَ حَجُّهُ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ وَفِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ خِلَافٌ لَهُمْ فَمَذْهَبُنَا أَنَّ وَاجِبَهُ بَدَنَةٌ كما سبق
* وبه قال مالك واحمد وَهُوَ مَذْهَبُ جَمَاعَاتٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ذَكَرْنَا بَعْضَهُمْ فِي أَوَّلِ هَذَا الْفَصْلِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَيْهِ شَاةٌ لَا بَدَنَةٌ وَقَالَ دَاوُد هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ بَدَنَةٍ وَبَقَرَةٍ وشاة
(والثانية) إذَا وَطِئَهَا بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ قَبْلَ التَّحَلُّلَيْنِ فَسَدَ حَجُّهُ وَعَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ وَبَدَنَةٌ وَالْقَضَاءُ
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَفْسُدُ وَلَكِنْ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ
* دَلِيلُنَا أَنَّهُ وَطِئَ فِي إحْرَامٍ كَامِلٍ فَأَشْبَهَ الوطئ قَبْلَ الْوُقُوفِ
* احْتَجُّوا بِالْحَدِيثِ (الْحَجُّ عَرَفَةَ فَمَنْ أدرك عرفة فقد ثم حَجُّهُ) قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ بِالْإِجْمَاعِ فَيَجِبُ تَأْوِيلُهُ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ فَقْدُ أَمْنِ الْفَوَاتِ
(الثَّالِثَةُ) إذَا وَطِئَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ وَقَبْلَ الثَّانِي لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ عِنْدَنَا وَلَكِنْ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَوَافَقْنَا أَبُو حَنِيفَةَ فِي أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ
* وَقَالَ مَالِكٌ إذَا وَطِئَ بَعْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ
وَقَبْلَ الطَّوَافِ لَزِمَهُ أَعْمَالُ عُمْرَةٍ وَلَا يُجْزِئْهُ حَجُّهُ لِأَنَّ الْبَاقِيَ عَلَيْهِ أَعْمَالُ عُمْرَةٍ وَهِيَ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَالْحَلْقُ وَقَالَا فَيَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ إلَى الْحِلِّ وَيُحْرِمُ بِعُمْرَةٍ وَيَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ فِي الْفِدْيَةِ هَلْ هِيَ شَاةٌ أَمْ بَدَنَةٌ
(الرَّابِعَةُ) إذَا وَطِئَ فِي الْحَجِّ وَطْئًا مُفْسِدًا لَمْ يَزُلْ بِذَلِكَ عَقْدَ الْإِحْرَامِ بَلْ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ وَالْقَضَاءُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ وقال الماوردى والعبد رى هُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ
* وَقَالَ دَاوُد يَزُولُ الْإِحْرَامُ بِالْإِفْسَادِ وَيَخْرُجُ مِنْهُ بِمُجَرَّدِ الْإِفْسَادِ وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ رَبِيعَةَ أَيْضًا قَالَ وَعَنْ عَطَاءٍ نَحْوُهُ قَالَ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالُوا وَالْفَاسِدُ لَيْسَ مِمَّا عَلَيْهِ أَمْرُهُ وَقِيَاسًا عَلَى الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ
* وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَقَدْ قَدَّمْنَا ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ فِي أَوَّلِ هَذَا

(7/414)


الْفَصْلِ وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ يَجِبُ بِهِ قَضَاءُ الْحَجِّ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَخْرُجَ بِهِ مِنْ الْحَجِّ كَالْفَوَاتِ
* وَالْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ أَنَّ الَّذِي لَيْسَ عليه أمر صاحب الشرع انما هو الوطئ وَهُوَ مَرْدُودٌ وَأَمَّا الْحَجُّ فَعَلَيْهِ أَمْرُ صَاحِبِ الشَّرْعِ (وَأَمَّا) قِيَاسُهُمْ عَلَى الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ فَجَوَابُهُ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهُمَا بِالْقَوْلِ فَكَذَا بِالْإِفْسَادِ بِخِلَافِ الْحَجِّ وَلِأَنَّ مَحْظُورَاتِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ تُنَافِيهِمَا بِخِلَافِ الْحَجِّ (الرَّابِعَةُ) إذَا وَطِئَ امْرَأَتَهُ وَهُمَا مُحْرِمَانِ فسد حجهما وقضيا فرق بَيْنَهُمَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي جَامَعَهَا فِيهِ فَلَا يجتمعان بَعْدَ التَّحَلُّلِ وَهَلْ التَّفْرِيقُ وَاجِبٌ أَمْ يُسْتَحَبُّ فِيهِ قَوْلَانِ أَوْ وَجْهَانِ عِنْدَنَا (أَصَحُّهُمَا) مُسْتَحَبٌّ
* وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَاجِبٌ وَزَادَ مَالِكٌ فَقَالَ يَفْتَرِقَانِ مِنْ حَيْثُ يُحْرِمَانِ وَلَا يُنْتَظَرُ مَوْضِعُ الْجِمَاعِ
* وَقَالَ عَطَاءٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَلَا يَفْتَرِقَانِ وَمِمَّنْ قَالَ بِالتَّفْرِيقِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعِيدُ بْنُ المسيب والنووي وإسحق وَابْنُ الْمُنْذِرِ
* وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِالْقِيَاسِ عَلَى الوطئ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُمَا إذَا قَضَيَا لَا يَفْتَرِقَانِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ مَا قُلْنَاهُ قَوْلُ الصَّحَابَةِ وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ إذَا اجْتَمَعَا أَنْ يتذكرا ماجرا فَيَتُوقَا إلَيْهِ فَيَفْعَلَاهُ وَالْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِ عَلَى الصَّوْمِ أَنَّ زَمَنَهُ قَصِيرٌ فَإِذَا تَاقَ أَمْكَنَهُ الْجِمَاعَ بِاللَّيْلِ بِخِلَافِ الْحَجِّ (الْخَامِسَةُ) إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ مِنْ مَوْضِعٍ قَبْلَ الْمِيقَاتِ ثُمَّ أَفْسَدَهُ لَزِمَهُ فِي الْقَضَاءِ الْإِحْرَامُ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعِيدُ بن المسيب وأحمد وإسحق وَابْنُ الْمُنْذِرِ
* وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ
عَنْ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ يَحْرُمُ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي جَامَعَ فِيهِ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَ حَاجًّا كفاه الاحرام

(7/415)


مِنْ الْمِيقَاتِ وَإِنْ كَانَ مُعْتَمِرًا فَمِنْ أَدْنَى الْحِلِّ وَاحْتَجَّا بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَائِشَةَ (اُرْفُضِي عُمْرَتَكِ ثُمَّ أَمَرَهَا أَنْ تُحْرِمَ مِنْ التَّنْعِيمِ بِالْعُمْرَةِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهَا مَسَافَةٌ وَجَبَ قَطْعُهَا فِي أَدَاءِ الْحَجِّ فَوَجَبَ فِي الْقَضَاءِ كَالْمِيقَاتِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَإِنَّهَا صَارَتْ قَارِنَةً فَأَدْخَلَتْ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ وَمَعْنَى اُرْفُضِي عُمْرَتَكِ أَيْ دَعِي إتْمَامَ الْعَمَلِ فِيهَا وَاقْتَصِرِي عَلَى أَعْمَالِ الحج فانها تكفيك عن حجك وعمرتك وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ (طَوَافُكِ وَسَعْيُكِ يُجْزِئُكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ) فَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّهَا لَمْ تُبْطِلْهَا مِنْ أَصْلِهَا بَلْ أَعْرَضَتْ عَنْ أَعْمَالِهَا مُنْفَرِدَةً لِدُخُولِهَا فِي أَعْمَالِ الْحَجِّ وَقَدْ بَسَّطْتُ هَذَا التَّأْوِيلَ بِأَدِلَّتِهِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (السَّادِسَةُ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يَلْزَمُ مَنْ أَفْسَدَ حَجَّهُ بَدَنَةٌ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ وطاوس ومجاهد ومالك والثوري وأبو ثور وإسحق إلا أن الثوري وإسحق قَالَا إنْ لَمْ يَجِدْ بَدَنَةً كَفَاهُ شَاةٌ عندنا وَعِنْدَ آخَرِينَ إنْ لَمْ يَجِدْ بَدَنَةً فَبَقَرَةٌ فَإِنْ فَقَدَهَا فَسَبْعٌ مِنْ الْغَنَمِ فَإِنْ فَقَدَهَا أَخْرَجَ بِقِيمَةِ الْبَدَنَةِ طَعَامًا فَإِنْ فَقَدَ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا
* وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ هَذِهِ الْخَمْسَةِ وَسَبَقَ بَيَانُ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ
* دَلِيلُنَا آثَارُ الصَّحَابَةِ (السَّابِعَةُ) إذَا وَطِئَ الْقَارِنُ فَسَدَ حَجُّهُ وَعُمْرَتُهُ وَلَزِمَهُ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِمَا وتلزمه بدنة للوطئ وَشَاةٌ بِسَبَبِ الْقِرَانِ فَإِذَا قَضَى لَزِمَهُ أَيْضًا شاة أخرى سواء قضى قارنا أم مفرد لِأَنَّهُ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ قَارِنًا فَإِذَا قَضَى مُفْرِدًا لَا يَسْقُطُ عَنْهُ دَمُ الْقِرَانِ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَبِهَذَا كُلِّهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ وَطِئَ قَبْلَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ

(7/416)


فَسَدَ حَجُّهُ وَعُمْرَتُهُ وَلَزِمَهُ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِمَا وَالْقَضَاءُ وَعَلَيْهِ شَاتَانِ شَاةٌ لِإِفْسَادِ الْحَجِّ وَشَاةٌ لِإِفْسَادِ الْعُمْرَةِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ دَمُ الْقِرَانِ فَإِنْ وَطِئَ بَعْدَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ فَسَدَ حَجُّهُ وَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ وَذَبْحُ شَاةٍ

(7/417)


وَلَا تَفْسُدُ عُمْرَتُهُ فَيَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ بِسَبَبِهَا وَيَسْقُطُ عَنْهُ دَمُ الْقِرَانِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَمِمَّنْ قَالَ يَلْزَمُهُ هَدْيٌ
وَاحِدٌ عَطَاءُ وَابْنُ جُرَيْجٍ ومالك والشافعي وإسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ الْحَكَمُ يَلْزَمُهُ هَدَيَانِ (الثَّامِنَةُ) إذا أفسد المحرم والمحرمة حجهما بالوطئ فَقَدْ ذَكَرْنَا الْخِلَافَ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّهُ هَلْ يلزمها بَدَنَةٌ أَمْ بَدَنَتَانِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَوْجَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَالضَّحَّاكُ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هَدْيًا وَقَالَ النَّخَعِيُّ وَمَالِكٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَدَنَةٌ وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إنْ كَانَ

(7/418)


قَبْلَ عَرَفَةَ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاةٌ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ (إحْدَاهُمَا) يُجْزِئُهُمَا هَدْيٌ (وَالثَّانِيَةُ) عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هَدْيٌ وَقَالَ عَطَاءٌ واسحق لَزِمَهُمَا هَدْيٌ وَاحِدٌ (التَّاسِعَةُ) إذَا جَامَعَ مِرَارًا فقد ذكرنا

(7/419)


أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى بَدَنَةٌ وَفِي كُلِّ مَرَّةٍ بَعْدَهَا شَاةٌ قال ابن المنذر وقال عطاء ومالك واسحق عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ لِكُلِّ وطئ بَدَنَةٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَدَمٌ وَإِلَّا فَدَمَانِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ لَمْ يَكُنْ كَفَّرَ عَنْ الْأَوَّلِ كَفَاهُ لَهُمَا كَفَّارَةٌ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ لِلثَّانِي كَفَّارَةٌ أُخْرَى
* دَلِيلُنَا أَنَّ الثَّانِيَ مُبَاشَرَةٌ مُحَرَّمَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لَمْ تُفْسِدْ نُسُكًا فَوَجَبَتْ فِيهَا شَاةٌ كَالْمُبَاشَرَةِ بِغَيْرِ الوطئ

(7/420)


(الْعَاشِرَةُ) لَوْ وَطِئَ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ لَاطَ بِرَجُلٍ أَوْ أَتَى بَهِيمَةً فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَنَا أَنَّهُ يَفْسُدُ حَجُّهُ وَعُمْرَتُهُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْبَهِيمَةُ لَا تُفْسِدُ وَلَا فِدْيَةَ وَفِي الدُّبْرِ رِوَايَتَانِ وَقَالَ دَاوُد لَا تُفْسِدُ الْبَهِيمَةُ وَاللِّوَاطُ (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) لَوْ وَطِئَهَا فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ عِنْدَنَا وَعَلَيْهِ شَاةٌ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَبَدَنَةٌ فِي الْآخَرِ سَوَاءٌ أَنْزَلَ أَمْ لَا وَكَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ لَا يَفْسُدُ مِمَّنْ قَالَهُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثور قال سعد بْنُ جُبَيْرٍ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ دَمٌ وَقَالَ ابْنُ المنذر عندي عليه شاة وقال عطاء والقسم بن محمد والحسن ومالك واسحق إنْ أَنْزَلَ فَسَدَ حَجُّهُ وَلَزِمَهُ قَضَاؤُهُ وَعَنْ أَحْمَدَ فِي فَسَادِهِ رِوَايَتَانِ وَأَمَّا إذَا قَبَّلَهَا بشهوة فهو عندنا كالوطئ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ فَلَا يَفْسُدُ الْحَجُّ وَتَجِبُ شَاةٌ فِي الْأَصَحِّ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٌ وَابْنُ سِيرِينَ وَالزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وأحمد واسحق وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ رَوَيْنَا
ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَرَوَيْنَا عَنْهُ أَنَّهُ يَفْسُدُ حَجُّهُ وَعَنْ عَطَاءٍ رِوَايَةٌ أَنَّهُ يستغفر الله تعالى ولا شئ

(7/421)


عَلَيْهِ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَرْبَعُ رِوَايَاتٍ (احداها) كقول بن المسيب (الثانية) عَلَيْهِ بَقَرَةٌ (وَالثَّالِثَةُ) يَفْسُدُ حَجُّهُ (وَالرَّابِعَةُ) لَا شئ عَلَيْهِ بَلْ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) لَوْ رَدَّدَ النَّظَرَ إلَى زَوْجَتِهِ حَتَّى أَمْنَى لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمَالِكٌ يَفْسُدُ حَجُّهُ وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ وَقَالَ عَطَاءٌ عَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلَ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رِوَايَتَانِ (إحْدَاهُمَا) عَلَيْهِ بَدَنَةٌ (وَالثَّانِيَةُ) دَمٌ وقال سعيد بن جبير وأحمد واسحق عليه دم (الثالثة عشر) إذَا وَطِئَ الْمُعْتَمِرُ بَعْدَ الطَّوَافِ وَقَبْلَ السَّعْيِ فَسَدَتْ عُمْرَتُهُ وَعَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهَا وَالْقَضَاءُ وَالْبَدَنَةُ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ لَكِنَّهُمَا قَالَا عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْهَدْيُ وَقَالَ عَطَاءٌ عَلَيْهِ شاة ولم يذكر القضاء وقال الثوري وإسحق يُرِيقُ دَمًا وَقَدْ تَمَّتْ عُمْرَتُهُ وَقَالَ ابْنُ عباس العمرة والطواف واحتج إسحق بِهَذَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ جَامَعَ بَعْدَ أَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ لَمْ تَفْسُدْ عُمْرَتُهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ وَإِنْ كَانَ طَافَ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ فَسَدَتْ وَعَلَيْهِ إتْمَامُهَا وَالْقَضَاءُ وَدَمٌ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ وَطِئَ قَبْلَ الطَّوَافِ فَسَدَتْ عُمْرَتُهُ أَمَّا إذَا جَامَعَ بَعْدَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَقَبْلَ الْحَلْقِ فَقَدْ ذَكَرْنَا ان مذهبنا فساد العمرة ان قلنا الحق نُسُكٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَلَا أَحْفَظُ هَذَا عَنْ غَيْرِ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ عَلَيْهِ دَمٌ وَقَالَ مَالِكٌ عَلَيْهِ الْهَدْيُ وَعَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ يَسْتَغْفِرُ الله تعالى ولا شئ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ أعلى * قال المصنف رحمه الله
*

(7/422)


(وإن قتل صيدا نظرت أن كان له مثل من النعم وجب عليه مثله من النعم والنعم هي الابل والبقر والغنم والدليل عليه قوله عز وجل (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قتل من النعم) فيجب في النعامة بدنة وفى الحمار الوحش وبقرة الوحش بقرة وفى الضبع كبش وفى الغزال عنز وفى الارنب عاق وفى اليربوع جفرة لما روى عن عثمان وعلى وابن عباس وزيد ابن ثابت وابن الزبير ومعاوية رضى الله عنهم انهم قضوا في النعامة ببدنة
* وعن عمر رضى الله عنهم انه جعل في حمار
الوحش بقرة وحكم في الضبع بكبش وَفِي الْأَرْنَبِ بِعَنَاقٍ وَفِي الْيَرْبُوعِ بِجَفْرَةٍ
* وَعَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ حَكَمَ فِي أم حبين بحلان وهو الحمل فما حكم فيه الصحابة لا يحتاج فيه إلى اجتهاد وما لم تحكم فيه الصحابة يرجع في معرفة المماثلة بينه وبين النعم إلى عدلين من أهل المعرفة لقوله تعالي (يحكم به ذوا عدل منكم هديا)
* وروى قبيصة بن جابر الاسدي قَالَ أَصَبْتُ ظَبْيًا وَأَنَا مُحْرِمٌ فَأَتَيْتُ عُمَرَ رضى الله عنه ومعى صاحب لى فذكرت ذلك له فاقبل على رجل إلى جانبه فشاوره فقال لى اذبح شاة فلما انصرفنا قلت لصاحبي ان أمير المؤمنين لم يدر ما يقول فسمعني عمر فاقبل على ضربا بالدرة وقال أتقتل الصيدا وأنت محرم وتغمص الفتيا أي تحتقرها وتطعن فيها قال الله عز وجل في كتابه (يحكم به ذوا عدل منكم) ها أنا ذا عمر وهذا ابن عوف
* والمستحب أن يكونا فقيهين وهل يجوز أن يكون القاتل أحدهما فيه وجهان
(أحدهما)
لا يجوز كما لا يجوز أن يكون المتلف للمال أحد المقومين
(والثانى)
انه يجوز وهو الصحيح لانه يجب عليه لحق الله تعالى فجاز أن يجعل من يجب عليه أمينا فيه كرب المال في الزكاة ويجوز أن يفدى الصغير بالصغير والكبير بالكبير فان فدى الذكر بالانثى جاز لانها أفضل وان فدي الاعور من اليمين بالاعور من اليسار جاز لان المقصود فيهما واحد
*

(7/423)


وإن جرح صيدا له مثل فنقص عشر قيمته فالمنصوص انه يجب على عشر ثمن المثل وقال بعض أصحابنا يجب عليه عشر المثل وتأول النص عليه إذا لم يجد عشر المثل لان ما ضمن كمله بالمثل ضمن بعضه بالمثل كالطعام والدليل على المنصوص أن إيجاب بعض المثل يشق فوجب العدول إلى القيمة كما عدل في خمس من الابل إلى الشاة حين شق إيجاب جزء من البعير وإن ضرب صيدا حاملا فاسقطت ولدا حيا ثم ماتا ضمن الام بمثلها وضمن الولد بمثله وان ضربها فاسقطت جنينا ميتا والام حية ضمن ما بين قيمتها حاملا وحائلا ولا يضمن الجنين
* وإن كان الصيد لا مثل له من النعم وجب عليه قيمته في الموضع الذى أتلفه فيه لما روى أن مروان سأل ابن عباس رضى الله عنه عن الصيد يصيده الحرم ولا مثل له من النعم
* قال ابن عباس ثمنه يهدى إلى مكة ولانه تعذر إيجاب المثل فيه فضمن بالقيمة كمال الآدمى فإذا أراد أن يؤدى فهو بالخيار بين أن يشترى بثمنه طعاما ويفرقه
وبين أن يقوم ثمنه طعاما ويصوم عن كل مد يوما وان كان الصيد طائرا نظرت فان كان حماما وهو الذى يعب ويهدر كالذى يقتنيه الناس في البيوت كالدبسي والقمرى والفاختة فانه يجب فيه شاة لانه روى ذلك عن عمر وعثمان ونافع بن عبد الحرث وابن عباس رضى الله عنهم ولان الحمام يشبه الغنم لانه يعب ويهدر كالغنم فضمن به وإن كان أصغر من الحمام كالعصفور والبلبل والجراد ضمنه بالقيمة لانه لا مثل له فضمن بالقيمة وان كان أكبر من الحمام كالقطا واليعقوب والبط والاوز ففيه قولان
(أحدهما)
يجب فيه شاة لانها إذا وجبت في الحمام فلان تجب في هذا وهو أكبر أولى (والثاني) انه يجب فيها قيمتها لانه لا مثل لها من النعم فضمن بالقيمة وان كسر بيض صيد ضمنه بالقيمة وإن نتف ريش طائر ثم نبت ففيه وجهان
(أحدهما)
لا يضمن
(والثانى)
يضمن بناء على القولين فيمن قلع شيئا ثم نبت
* وان قتل صيدا بعد صيد وجب لكل واحد منهما جزاء لانه ضمان متلف فيتكرر بتكرر الاتلاف وَإِنْ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُحْرِمِينَ فِي قَتْلِ صيد وجب عليهم جزاء واحد لانه بدل متلف يتجزأ فإذا اشترك الجماعة في اتلافه قسم البدل بينهم كقيم المتلفات وإذا اشترك حلال وحرام في قتل صيد وجب علي المحرم نصف الجزاء ولم يجب على الحلال شئ كما لو اشترك رجل وسبع في قتل آدمى وإن أَمْسَكَ مُحْرِمٌ صَيْدًا فَقَتَلَهُ حَلَالٌ ضَمِنَهُ الْمُحْرِمُ بالجزاء ثم يرجع

(7/424)


به على القاتل لان القاتل أدخله فِي الضَّمَانِ فَرَجَعَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ غَصَبَ مالا من رجل فاتلفه آخر في يده
* وان جنى علي صيد فازال امتناعه نظرت فان قتله غيره ففيه طريقان
* قال أبو العباس عليه ضمان ما نقص وعلى القاتل جزاؤه مجروحا ان كان محرما ولا شئ عليه ان كان حلالا وقال غيره فيه قولان
(أحدهما)
على ضمان ما نقص لانه جرح ولم يقتل فلا يلزمه جزاء كامل كما لو بقى ممتنعا ولانا لو أوجبنا عليه جزاء كاملا وعلى القاتل ان كان محرما جزاء كاملا سوينا بين القاتل والجارح ولانه يؤدى الي أن نوجب على الجارح أكثر مما يجب على القاتل لانه يجب على الجارح جزاؤه صحيحا وعلى القاتل جزاؤه مجروحا وهذا خلاف الاصول (والقول الثاني) انه يجب عليه جزاه كاملا لانه جعله غير ممتنع فاشبه الهالك فاما إذا كسره ثم أخذه وأطعمه وسقاه حتى برئ نظرت فان
عاد ممتنعا ففيه وجهان كما قلنا فيمن نتف ريش طائر فعاد ونبت فان لم يعد ممتنعا فهو على القولين (أحدهما يلزمه ضمان ما نقص
(والثانى)
يلزمه جزاء كامل
* والمفرد والقارن في كفارات الاحرام واحد لان القارن كالمفرد في الافعال فكان كالمفرد في الكفارات
* (الشَّرْحُ) هَذِهِ الْآثَارُ مَشْهُورَةٌ فَالْوَجْهُ أَنْ أَذْكُرَ الْآثَارَ الْوَارِدَةَ فِي الْمَسْأَلَةِ (مِنْهَا) الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ جَابِرٍ الْأَسْدِي
* رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ
* وَعَنْ أَبِي حَرِيزٍ بِالْحَاءِ وَآخِرُهُ زَايٌ قَالَ (أَصَبْتُ ظَبْيًا وَأَنَا مُحْرِمٌ فَأَتَيْتُ عمر فسألته فقال ايت رَجُلَيْنِ مِنْ إخْوَانِكَ فَلِيَحْكُمَا عَلَيْكَ فَأَتَيْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَسَعِيدًا فَحَكَمَا تَيْسًا أَعَفْرَ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ
* وَعَنْ طَارِقٍ قَالَ (خَرَجْنَا حُجَّاجًا فَأَوْطَأَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أَرْبَدُ ضَبًّا فَفَزَرَ ظَهْرَهُ فَقَدِمْنَا عَلَى عُمَرَ فَسَأَلَهُ أَرْبَدُ فَقَالَ عُمَرُ اُحْكُمْ يَا أَرْبَدُ فَقَالَ أَنْتَ خَيْرٌ مِنِّي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَعْلَمُ فَقَالَ عُمَرُ إنَّمَا أَمَرْتُكَ أَنْ تَحْكُمَ فِيهِ وَلَمْ آمُرْكَ أَنْ تُزَكِّيَنِي فَقَالَ أَرْبَدُ أَرَى فِيهِ جَدْيًا قَدْ جَمَعَ الْمَاءَ وَالشَّجَرَ فَقَالَ عُمَرُ بِذَلِكَ فيه) رواه الشافعي والبيهقي باسناد الصحيح
* وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ إنْ قَتَلَ نَعَامَةً فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ مِنْ الْإِبِلِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَلْحَةَ لَمْ يُدْرِكْ ابْنَ عَبَّاسٍ سَقَطَ بَيْنَهُمَا مُجَاهِدٌ أَوْ غَيْرُهُ
* وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (وَفِي بَقَرَةِ الْوَحْشِ بَقَرَةٌ وَفِي الْإِبِلِ بَقَرَةٌ) رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ
* وَعَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ (أَنَّ عُمَرَ

(7/425)


وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَابْنَ عَبَّاسٍ وَمُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالُوا فِي النَّعَامَةِ يَقْتُلُهَا الْمُحْرِمُ بَدَنَةٌ مِنْ الْإِبِلِ) رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ هَذَا غَيْرُ ثَابِتٍ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ مِمَّنْ لَقِيتُ فَبِقَوْلِهِمْ فِي النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ وَبِالْقِيَاسِ قُلْنَا بِالنَّعَامَةِ لَا بِهَذَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَجْهٌ ضَعَّفَهُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ فَإِنَّ عَطَاءَ الْخُرَاسَانِيَّ وُلِدَ سَنَةَ خَمْسِينَ وَلَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ وَلَا عُثْمَانَ وَلَا عَلِيًّا وَلَا زَيْدًا وَكَانَ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ صَبِيًّا وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ سَمَاعٌ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِنْ كَانَ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ ثم ان عطاء الخراساني منع انْقِطَاعِ حَدِيثِهِ مِمَّنْ تَكَلَّمَ فِيهِ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ
* وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ابن أَبِي عَمَّارٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الضَّبُعِ فَقَالَ (هِيَ صَيْدٌ وَجَعَلَ فِيهَا كَبْشًا إذَا صَادَهَا الْمُحْرِمُ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ وَهُوَ حَدِيثٌ جيد
يقوم به الحج ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ سَأَلْت الْبُخَارِيَّ عَنْهُ فَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ
* وَعَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ (أَنْزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الضَّبُعَ صَيْدًا وَقَضَى فِيهَا كَبْشًا) رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ هَذَا حَدِيثٌ لَا يَثْبُتُ مِثْلُهُ لَوْ انْفَرَدَ
* قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ.
قَالَ وَرُوِيَ مَوْصُولًا ثم رواه باسناده عن عمر بْنِ أَبِي عَمْرٍو عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ اخْتِلَافِ الْمُحَدِّثِينَ فِي الِاحْتِجَاجِ بعمر وبن أبى عمر هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ عُمَرَ ابن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَضَى فِي الضَّبُعِ بِكَبْشٍ وَفِي الْغَزَالِ بِعَنْزٍ وَفِي الْأَرْنَبِ بِعَنَاقٍ وَفِي الْيَرْبُوعِ بِجَفْرَةٍ هَذَا إسْنَادٌ مُبْلِجٌ صَحِيحٌ
* قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرُوِيَ مَرْفُوعًا عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى عُمَرَ (وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ فِي الضَّبُعِ كَبْشٌ) رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَوْ حَسَنٍ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَضَى فِي الضَّبُعِ بِكَبْشٍ وَفِي الظَّبْيِ بِشَاةٍ وَفِي الْأَرْنَبِ بِعَنَاقٍ وَفِي الْيَرْبُوعِ بِجَفْرَةٍ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ

(7/426)


والبيهقي باسنادهما الصحيح عن سريج قَالَ لَوْ كَانَ مَعِي حُكْمٌ حَكَمْتُ فِي التعلب بِجَدْيٍ
* قَالَ الْبَيْهَقِيُّ.
وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ في التعلب سطاة.
وَعَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَضَى فِي أُمِّ حُبَيْنٍ بِحُلَّانٍ مِنْ الْغَنَمِ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ فِيهِ مُطْرَفٌ بْنُ مَازِنٍ.
قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ هُوَ كَذَّابٌ والله أعلم
* (أما) الفاظ الغصل فَالْعَنَاقُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَهِيَ مِنْ أَوْلَادِ الْمَعْزِ خَاصَّةً وَهِيَ الَّتِي (1) (وَأَمَّا) الْجَفْرَةُ فَهِيَ الَّتِي بلغت أربع أَشْهُرٍ وَفُصِلَتْ عَنْ أُمِّهَا (وَأَمَّا) أُمُّ حُبَيْنٍ فَمَعْرُوفَةٌ وَهِيَ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْمُخَفَّفَةِ (وَأَمَّا) الْحُلَّانُ فَبِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ (وَأَمَّا) الْحَمَلُ فَبِفَتْحِ الْحَاءِ وَالْمِيمِ وهو الخروف
* وقال الْأَزْهَرِيُّ هُوَ الْجَدْيُ وَيُقَالُ لَهُ حُلَّامٌ بِالْمِيمِ أيضا (قوله) وتمغص الْفُتْيَا هُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَبِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ تَحْتَقِرُهَا وَتَسْتَصْغِرُهَا وَيُقَالُ فُتْيَا وَفَتْوَى (الْأُولَى) بِضَمِّ الْفَاءِ (وَالثَّانِيَةُ) بِفَتْحِهَا (قَوْلُهُ) يَجِبُ عَلَيْهِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى احْتِرَازٌ مِنْ التَّقْوِيمِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ الصَّيْدُ ضَرْبَانِ مثلى وهو ماله مِثْلٌ مِنْ النَّعَمِ وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ وَغَيْرُ مِثْلِيٍّ وَهُوَ مَا لَا يُشْبِهُ شَيْئًا مِنْ النَّعَمِ فَالْمِثْلِيُّ
جُزْءَانِ عَلَى التَّخْيِيرِ وَالتَّعْدِيلِ فَيُخَيِّرُ الْقَاتِلُ بَيْنَ أَنْ يَذْبَحَ مِثْلَهُ فِي الْحَرَمِ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ إمَّا بِأَنْ يُفَرِّقَ لَحْمَهُ عَلَيْهِمْ وَإِمَّا بِأَنْ يُسَلِّمَ بجملته إليهم مذبوحا وعليهم إيَّاهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِمْ حَيًّا وَبَيْنَ أَنْ يُقَوِّمَ الْمِثْلَ دَرَاهِمَ ثُمَّ لَا يَجُوزُ تَفْرِقَةُ الدَّرَاهِمِ بَلْ إنْ شَاءَ اشْتَرَى بِهَا طَعَامًا وَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَإِنْ شَاءَ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا وَيَجُوزُ الصِّيَامُ فِي الْحَرَمِ وَفِي جَمِيعِ الْبِلَادِ وَإِنْ انْكَسَرَ مُدٌّ وَجَبَ صِيَامُ يَوْمٍ وَأَمَّا غَيْرُ الْمِثْلِيِّ فَيَجِبُ فِيهِ قِيمَتُهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا دَرَاهِمَ بَلْ يُقَوِّمُ بِهَا طَعَامًا ثُمَّ يَتَخَيَّرُ إنْ شَاءَ أَخْرَجَ الطَّعَامَ وَإِنْ شَاءَ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا فَإِنْ انْكَسَرَ مُدٌّ صَامَ يَوْمًا فَحَصَلَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ فِي الْمِثْلِيِّ مُخَيَّرٌ بَيْنً ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ الْحَيَوَانُ وَالطَّعَامُ وَالصِّيَامُ وَفِي غَيْرِهِ بَيْنَ الطعام والصيام هذا هو المذهب وهو المتطوع بِهِ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ
* وَرَوَى أَبُو ثَوْرٍ عَنْ الشَّافِعِيِّ

(7/427)


قَوْلًا قَدِيمًا أَنَّهَا عَلَى التَّرْتِيبِ هَكَذَا حَكَاهُ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي الْإِفْصَاحِ وَمَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَصْحَابُنَا كُلُّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ هَذَا عَنْ الشَّافِعِيِّ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ الشَّافِعِيِّ شَاذَّةٌ وَكَذَا نَقَلَ الْبَنْدَنِيجِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ إنْكَارَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَأَنَّهُ نَصَّ فِي الْقَدِيمِ عَلَى التَّخْيِيرِ لَا غَيْرُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا فَالْمُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ فِي مَحَلِّ الْإِتْلَافِ وَوَقْتِهِ وَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا فقيمته في مكان يوم الانتقال إلى الاطعام لِأَنَّ مَحَلَّ ذَبْحِهِ مَكَّةُ فَإِذَا عَدَلَ عَنْ ذَبْحِهِ وَجَبَتْ قِيمَتُهُ بِمَحَلِّ الذَّبْحِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ فِي الصُّورَتَيْنِ وَقِيلَ فِيهِمَا قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الِاعْتِبَارُ بِقِيمَةِ يَوْمِ الْإِتْلَافِ
(وَالثَّانِي)
بِقِيمَةِ يَوْمِ الْعُدُولِ إلَى الْإِطْعَامِ وَقِيلَ الْقَوْلَانِ فِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ وَأَمَّا مَالَهُ مِثْلٌ فَالْمُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْمِثْلِ حَالَ الْعُدُولِ إلَى الْإِطْعَامِ قَوْلًا وَاحِدًا فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ طُرُقٍ (الْمَذْهَبُ) مِنْهَا الْأَوَّلُ صَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ وَمَأْخَذُ الْخِلَافِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي أَكْثَرِ كُتُبِهِ أَنَّهُ يَقُومُ يَوْمَ إخْرَاجِ الطَّعَامِ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ يَجِبُ تَقْوِيمُهُ يَوْمَ قَتْلِ الصَّيْدِ فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ لَيْسَتْ عَلَى قَوْلَيْنِ بَلْ عَلَى حَالَيْنِ فَقَوْلُهُ يُعْتَبَرُ يَوْمُ الِانْتِقَالِ إلَى الْإِطْعَامِ أَرَادَ إذَا كَانَ الصَّيْدُ مِثْلِيًّا وَقَوْلُهُ يُعْتَبَرُ حِينَ الْقَتْلِ أَرَادَ إذَا كَانَ غَيْرَ مِثْلِيٍّ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بل هما قولان فيهما ومنهم مَنْ قَالَ بِالطَّرِيقِ الثَّالِثِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ الطَّرِيقُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ وَحَيْثُ اعْتَبَرْنَاهُ بِمَحَلِّ الْإِتْلَافِ فَلِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ احْتِمَالَانِ فِي أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الْعُدُولِ إلَى الطَّعَامِ سِعْرُ
الطَّعَامِ في ذلك مكان أَمْ سِعْرُهُ بِمَكَّةَ
(وَالثَّانِي)
مِنْهُمَا أَصَحُّ
* (فَرْعٌ)
فِي بَيَانِ الْمِثْلِيِّ قَالَ أَصْحَابُنَا لَيْسَ الْمِثْلِيُّ مُعْتَبَرًا عَلَى التَّحْقِيقِ وَالتَّحْدِيدِ بَلْ الْمُعْتَبَرُ التَّقْرِيبُ وَلَيْسَ مُعْتَبَرًا فِي الْقِيمَةِ بَلْ فِي الصُّورَةِ وَالْخِلْقَةِ وَالْكَلَامِ فِي الدَّوَابِّ ثُمَّ الطُّيُورِ (أَمَّا) الدَّوَابُّ فَمَا وَرَدَ فِيهِ نَصٌّ أَوْ حَكَمَ فِيهِ صَحَابِيَّانِ أَوْ عَدْلَانِ مِنْ التَّابِعِينَ أَوْ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ مِنْ النَّعَمِ أَنَّهُ مِثْلُ الصَّيْدِ الْمَقْتُولِ اُتُّبِعَ ذَلِكَ وَلَا حَاجَةَ إلَى تَحْكِيمٍ جَدِيدٍ وَقَدْ حَكَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الضَّبُعِ بِكَبْشٍ وَحَكَمَتْ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي النَّعَامَةِ بِبَدَنَةٍ وَفِي حِمَارِ الْوَحْشِ وَبَقَرَتِهِ بِبَقَرَةٍ وَفِي الْغَزَالِ بِعَنْزٍ وَفِي الْأَرْنَبِ بِعَنَاقٍ وَفِي الْيَرْبُوعِ بِجَفْرَةٍ وَعَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ حَكَمَ فِي أُمِّ حُبَيْنٍ بِحُلَّانٍ وَعَنْ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ

(7/428)


أَنَّهُمَا حَكَمَا فِي الْوَبَرِ بِشَاةٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ كَانَتْ الْعَرَبُ تَأْكُلُهُ فَفِيهِ جَفْرَةٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَكْبَرَ بَدَنًا مِنْهَا وَعَنْ عُمَرَ وَغَيْرِهِ فِي الضَّبِّ جَدْيٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْإِبِلِ بَقَرَةٌ وَهَذَا صَحِيحٌ عَنْهُ سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا وَعَنْ عَطَاءٍ فِي الثَّعْلَبِ شَاةٌ وَكَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الثَّعْلَبِ شَاةٌ وَأَمَّا الْوَعْلُ فَقَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ حَكَى ابْنُ الصَّبَّاغِ أَنَّ فِيهِ بَقَرَةٌ وَبِهَذَا جَزَمَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ الصَّيْمَرِيُّ فِيهِ تَيْسٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي الْأَرْوَى عَضَبٌ وَالْعَضَبُ دُونَ الْجَذَعِ مِنْ الْبَقَرِ أَمَّا الْعَنَاقُ فَهِيَ الْأُنْثَى مِنْ الْمَعْزِ مِنْ حِينِ تُولَدُ إلَى حِينِ تَرْعَى مَا لَمْ تَسْتَكْمِلْ سَنَةً وَجَمْعُهَا أَعْنُقٍ وَعُنُوقٍ وَأَمَّا الْجَفْرَةُ فَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هِيَ مَا بَلَغَتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرَ مِنْ أَوْلَادِ الْمَعْزِ مِنْ حِينِ تُولَدُ وَفُصِلَتْ عَنْ أُمِّهَا وَالذَّكَرُ جَفْرٌ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ جَفَرَ جَنْبَاهُ أَيْ عَظُمَا هَذَا مَعْنَاهُمَا فِي اللُّغَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ لَكِنْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ هُنَا بِالْجَفْرَةِ مَا دُونَ الْعَنَاقِ لِأَنَّ الْأَرْنَبَ خَيْرٌ مِنْ الْيَرْبُوعِ (وَأَمَّا) أُمُّ حُبَيْنٍ فَدَابَّةٌ عَلَى صُورَةِ الْحِرْبَاءِ عَظِيمَةُ النَّظَرِ وَفِي حِلِّ

(7/429)


أَكْلِهَا خِلَافٌ سَنُوَضِّحُهُ فِي كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الْأَصَحُّ) أَنَّهَا حَلَالٌ وَفِيهَا الْجَزَاءُ (وَالثَّانِي) حَرَامٌ فَلَا جَزَاءَ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيَقَعُ فِي بَعْضِ كُتُبِ الْأَصْحَابِ فِي الظَّبْيِ كَبْشٌ وَفِي الْغَزَالِ عَنْزٌ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَكَذَا قَالَهُ أَبُو الْقَاسِمِ الْكَرْخِيُّ وَزَعَمَ أَنَّ الظَّبْيَ ذَكَرُ الْغِزْلَانِ وَالْأُنْثَى غَزَالٌ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا وَهْمٌ بَلْ الصَّحِيحُ أَنَّ في الظبي عنز وَهُوَ شَدِيدُ الشَّبَهِ بِهَا فَإِنَّهُ أَجْرَدُ
الشَّعْرِ مُتَقَلِّصُ الذَّنَبِ وَأَمَّا الْغَزَالُ فَوَلَدُ الظَّبْيِ فَيَجِبُ فِيهِ مَا يَجِبُ فِي الصِّغَارِ (قُلْتُ) هَذَا الَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ هُوَ الصَّوَابُ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْغَزَالُ وَلَدُ الظَّبْيَةِ إلَى حِينِ يَقْوَى وَيَطْلُعُ قَرْنَاهُ ثُمَّ هِيَ ظَبْيَةٌ وَالذَّكَرُ ظَبْيٌ هَذَا بَيَانُ مَا فِيهِ حُكْمٌ (أَمَّا) مَا لَيْسَ فِيهِ حُكْمٌ عَنْ السَّلَفِ فَيُرْجَعُ فِيهِ إلَى قَوْلِ عَدْلَيْنِ فَطِنَيْنِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيُسْتَحَبُّ كَوْنُهُمَا فَقِيهَيْنِ لِأَنَّهُمَا أَعْرِفُ بِالشَّبَهِ الْمُعْتَبَرِ شَرْعًا وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَاتِلُ الصَّيْدِ أَحَدَ الْحَكَمَيْنِ أَوْ يَكُونُ قَاتِلَاهُ
* هُمَا الْحُكْمَيْنِ قَالَ أَصْحَابُنَا يُنْظَرُ إنْ كَانَ الْقَتْلُ عُدْوَانًا فَلَا لِأَنَّهُ يَفْسُقُ وَإِنْ كَانَ خَطَأً أَوْ مُضْطَرًّا إلَيْهِ جَازَ عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَقَدْ ذَكَرَ

(7/430)


الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا
* وَلَوْ حَكَمَ عَدْلَانِ أَنَّ لَهُ مِثْلًا وَعَدْلَانِ أَنْ لَا مِثْلَ فَهُوَ مِثْلِيٌّ لِأَنَّ مَعَهُمَا زِيَادَةَ عِلْمٍ بِمَعْرِفَةِ دَقِيقِ الشَّبَهِ وَلَوْ حَكَمَ عَدْلَانِ بِمِثْلٍ وَعَدْلَانِ بِمِثْلٍ آخَرَ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ
(أَحَدُهُمَا)
يَتَخَيَّرُ فِي الْأَخْذِ بِأَيِّهِمَا شَاءَ
(وَالثَّانِي)
يَأْخُذُ بِأَغْلَظِهِمَا بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ فِي اخْتِلَافِ الْمُفْتِيَيْنِ وَالْأَصَحُّ التَّخْيِيرُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) الطُّيُورُ فَحَمَامٌ وَغَيْرُهُ فَالْحَمَامَةُ فِيهَا شَاةٌ وَغَيْرُهَا إنْ كَانَ أَصْغَرَ مِنْهَا جُثَّةً كَالزُّرْزُورِ وَالصَّعْوَةِ وَالْبُلْبُلِ وَالْقُبَّرَةِ وَالْوَطْوَاطِ فَفِيهِ الْقِيمَةُ وَإِنْ كَانَ أَكْبَرَ مِنْ الْحَمَامِ أَوْ مِثْلِهِ فَقَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الْجَدِيدُ وَأَحَدُ قَوْلَيْ الْقَدِيمِ الْوَاجِبُ الْقِيمَةُ إذْ لَا مِثْلَ لَهُ (وَالثَّانِي) شَاةٌ لِأَنَّهَا إذَا وَجَبَتْ فِي الْحَمَامَةِ فَاَلَّذِي أَكْبَرُ مِنْهَا أَوْلَى وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ الْكُرْكِيُّ وَالْبَطَّةُ وَالْإِوَزَّة وَالْحُبَارَى وَنَحْوُهَا وَالْمُرَادُ بِالْحَمَامِ كُلُّ مَا عَبَّ فِي الْمَاءِ وهو ان يشر به جَرْعًا وَغَيْرُ الْحَمَامِ يَشْرَبُ قَطْرَةً قَطْرَةً كَذَا نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَا حَاجَةَ فِي وَصْفِ الْحَمَامِ إلَى ذِكْرِ الْهَدِيرِ مَعَ الْعَبُّ فَإِنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ وَلِهَذَا اقْتَصَرَ الشَّافِعِيُّ عَلَى الْعَبِّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَدْخُلُ فِي اسْمِ الْحَمَامِ الْيَمَامُ اللَّوَاتِي يَأْلَفْنَ الْبُيُوتَ وَالْقَمَرِيُّ وَالْفَاخِتَةُ وَالْدُسِي وَالُقَطَاءُ وَالْعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ مُطَوَّقٍ حَمَامًا
* قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي التَّعْلِيقِ قَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّمَا أَوْجَبْنَا فِي الْحَمَامَةِ شاة اتباعا يعين إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ وَإِلَّا فَالْقِيَاسُ إيجَابُ الْقِيمَةِ فِيهَا وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ إنَّمَا أُوجِبَتْ الشَّاةُ فِيهَا لِأَنَّهَا تُشْبِهُهَا مِنْ وَجْهٍ فَإِنَّهَا تَعُبُّ كَالْغَنَمِ قَالَ أَبُو حَامِدٍ وَلَيْسَ بشئ بَلْ الْمَنْصُوصُ مَا ذَكَرْنَاهُ
* وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ وُجُوبِ شَاةٍ فِي الْحَمَامَةِ لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا قَالَ أَصْحَابُنَا سَوَاءٌ فِيهِ حَمَامُ الْحِلِّ وَحَمَامُ الْحُرُمِ وَقَالَ مَالِكٌ
إنْ قَتَلَهَا الْمُحْرِمُ وَهِيَ فِي الْحِلِّ فَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ وَإِنْ أُصِيبَتْ فِي الْحَرَمِ فَفِيهَا شَاةٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِيهَا شَاةٌ مُطْلَقًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ يُفْدَى الْكَبِيرُ مِنْ الصيد بكبير من مِثْلِهِ مِنْ النَّعَمِ وَالصَّغِيرُ بِصَغِيرٍ وَالسَّمِينُ بِسَمِينٍ وَالْمَهْزُولُ بِمَهْزُولٍ وَالصَّحِيحُ بِصَحِيحٍ وَالْمَرِيضُ بِمَرِيضٍ وَالْمَعِيبُ بِمَعِيبٍ إذَا اتَّحَدَ جِنْسُ الْعَيْبِ كَأَعْوَرَ بِأَعْوَرَ فَإِنْ اخْتَلَفَ كَالْعَوَرِ وَالْجَرَبِ فَلَا وَإِنْ كَانَ عَوَرُ أَحَدِهِمَا فِي الْيَمِينِ

(7/431)


وَالْآخَرِ فِي الْيَسَارِ فَفِي إجْزَائِهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ يَجُوزُ لِأَنَّ المقصود لا يختلف
(وَالثَّانِي)
حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا
(وَالثَّانِي)
لَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ اخْتَلَفَ نَوْعُ الْعَيْبِ كَالْجَرَبِ وَالْعَوَرِ وَسَوَاءٌ كَانَ عَوَرُ الْيُمْنَى فِي الصَّيْدِ أَوْ فِي الْمِثْلِ فَالْحُكْمُ وَاحِدٌ بِلَا خِلَافٍ وَرُبَّمَا أَوْهَمَ تَخْصِيصُ الْمُصَنِّفِ خِلَافَ هَذَا وَلَكِنْ لَا خِلَافَ فِيهِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ كَالْمِثَالِ وَلَوْ قَالَ فَدَى الْأَعْوَرَ مِنْ عَيْنٍ بِالْأَعْوَرِ مِنْ أُخْرَى لَكَانَ أَحْسَنَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ قَابَلَ الْمَرِيضَ بِالصَّحِيحِ أَوْ الْمَعِيبَ بِالسَّلِيمِ فَهُوَ أَفْضَلُ وَلَوْ فَدَى الذَّكَرَ بِالْأُنْثَى فَفِيهِ طُرُقٌ (أَصَحُّهَا) عَلَى قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) الْإِجْزَاءُ
(وَالثَّانِي)
الْمَنْعُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) الْقَطْعُ بِالْإِجْزَاءِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ (وَالثَّالِثُ) إنْ أَرَادَ الذَّبْحَ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ أَرَادَ التَّقْوِيمَ جَازَ لان قيمة الانثي أكثر ولهم الذَّكَرِ أَطْيَبُ (وَالرَّابِعُ) إنْ لَمْ تَلِدْ الْأُنْثَى جَازَ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهَا تَضْعُفُ بِالْوِلَادَةِ (وَالْخَامِسُ) حَكَاهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ إنْ قَتَلَ ذَكَرًا صَغِيرًا أَجْزَأَهُ أُنْثَى صَغِيرَةً وَإِنْ قَتَلَ كَبِيرًا لَمْ تُجْزِئهُ كَبِيرَةً فَإِنْ جَوَّزْنَا الْأُنْثَى فَهَلْ هِيَ أَفْضَلُ مِنْهُ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ
(وَالثَّانِي)
نَعَمْ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ
* وَإِنْ فَدَى الْأُنْثَى بِالذَّكَرِ فَوَجْهَانِ وَقِيلَ قَوْلَانِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ (الْمَذْهَبُ) أَنَّهُ يُجْزَى قَالَ الرَّافِعِيُّ وإذا تَأَمَّلْتَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَجَدْتهمْ طَارِدِينَ الْخِلَافَ مَعَ نَقْصِ اللَّحْمِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يَنْقُصْ اللَّحْمُ فِي الْقِيمَةِ وَفِي الطَّيِّبِ فَإِنْ كَانَ وَاحِدٌ مِنْ هَذَيْنِ النَّقْصَيْنِ لَمْ يَجُزْ بِلَا خِلَافٍ هَذَا كَلَامُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ قَتَلَ نَعَامَةً فَأَرَادَ أَنْ يَعْدِلَ عَنْ الْبَدَنَةِ إلَى بَقَرَةٍ أَوْ سَبْعٍ مِنْ الْغَنَمِ لَمْ يَجُزْ على الصيح
الْمَشْهُورِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ تَصْرِيحًا وَتَعْرِيضًا وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّهَا كَهِيَ فِي الْإِجْزَاءِ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَغَيْرِهَا
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَإِنْ جَرَحَ ظَبْيًا فَنَقَصَ عُشْرَ قِيمَتِهِ فَعَلَيْهِ عشر قيمة شاة وقال الْمُزَنِيّ تَخْرِيجًا يَلْزَمُهُ عُشْرُ شَاةٍ قَالَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ الْحُكْمُ مَا قَالَهُ الْمُزَنِيّ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ الْقِيمَةَ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَجِدُ شَرِيكًا فِي ذَبْحِ شَاةٍ فَأَرْشَدَهُ إلَى مَا هُوَ أَسْهَلُ لِأَنَّ جَزَاءَ الصَّيْدِ عَلَى التَّخْيِيرِ فَعَلَى هَذَا هُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَخْرَجَ عُشْرَ الْمِثْلِ وَإِنْ شَاءَ صَرَفَ قِيمَتَهُ فِي طَعَامٍ وَتَصَدَّقَ بِهِ وَإِنْ شَاءَ

(7/432)


صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ أَخَذَ بِظَاهِرِ النَّصِّ وَقَالَ الْوَاجِبُ عُشْرُ الْقِيمَةِ وَجَعَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ الْمَنْصُوصُ وَتَخْرِيجُ الْمُزَنِيِّ فَعَلَى هَذَا إذَا قُلْنَا بِالْمَنْصُوصِ فَفِيهِ أَوْجُهٌ (أَصَحُّهَا) تَتَعَيَّنُ الصَّدَقَةُ بِالدَّرَاهِمِ (وَالثَّانِي) لَا تُجْزِئهُ الدَّرَاهِمُ بَلْ يَتَصَدَّقُ بِالطَّعَامِ أَوْ يَصُومُ (وَالثَّالِثُ) يَتَخَيَّرُ بَيْنَ عُشْرِ الْمِثْلِ وَبَيْنَ إخْرَاجِ الدَّرَاهِمِ (وَالرَّابِعُ) إنْ وَجَدَ شَرِيكًا فِي الدَّمِ اخرجه ولم تجزئه الدراهم وإلا أجزأته (وَالْخَامِسُ) وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ مُخَيَّرٌ بين اربعة اشياء اخرج الدراهم وان شاء اشترى بها جُزْءًا مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ الصَّيْدِ مِنْ النَّعَمِ وَإِنْ شَاءَ أَخْرَجَ بِهَا طَعَامًا وَإِنْ شَاءَ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا هَذَا كُلُّهُ فِي الصَّيْدِ الْمِثْلِيِّ فَأَمَّا غَيْرُهُ فَالْوَاجِبُ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ قَطْعًا ثُمَّ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الصِّيَامِ وَالطَّعَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ قَتَلَ صَيْدًا حَامِلًا قَابَلْنَاهُ بِمِثْلِهِ حَامِلًا وَلَا نَذْبَحُ الْحَامِلَ بَلْ يُقَوَّمُ الْمِثْلُ حَامِلًا وَيَتَصَدَّقُ بِقِيمَتِهِ طَعَامًا أَوْ يَصُومُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ غَرِيبٌ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ يَجُوزُ ذَبْحُ حَائِلٍ نَفِيسَةٍ بِقِيمَةِ حَامِلٍ وَسَطٍ وَيُجْعَلُ التَّفَاوُتُ كَالتَّفَاوُتِ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَلَوْ ضَرَبَ بَطْنَ صَيْدٍ حَامِلٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا نُظِرَ إنْ مَاتَتْ الْأُمُّ أَيْضًا فَهُوَ كَقَتْلِ الْحَامِلِ وَإِنْ عَاشَتْ الْأُمُّ ضَمِنَ مَا نَقَصَتْ لا يَضْمَنُ الْجَنِينَ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ بخلاف الجنين الْأَمَةِ فَإِنَّهُ يُضْمَنُ بِعُشْرِ قِيمَةِ الْأُمِّ لِأَنَّ الْحَمْلَ يَزِيدُ فِي قِيمَةِ الْبَهَائِمِ وَيَنْقُصُ الْآدَمِيَّاتُ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ التَّفَاوُتِ فِي الْآدَمِيَّاتِ وَإِنْ أَلْقَتْ جَنِينًا حَيًّا ثُمَّ مَاتَا ضَمِنَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ فَيَضْمَنُ كُلَّ وَاحِدٍ بِمِثْلِهِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا
*
وَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ الْمُنْفَصِلُ حَيًّا مِنْ آثَارِ الْجِنَايَةِ وَعَاشَتْ الْأُمُّ ضَمِنَ الولد بانفراده بكمال جزائه وَضَمِنَ نَقْصَ الْأُمِّ وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا حاملا وحائلا
*

(7/433)


(فَرْعٌ)
لَوْ جَرَحَ صَيْدًا فَانْدَمَلَ جُرْحُهُ وَصَارَ الصَّيْدُ زَمَنًا فَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَحَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ قَوْلَيْنِ وَكَذَا حَكَاهُمَا أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي الجامع (أصحهما) يلزمه جزاء كامل كما لَوْ أَزْمَنَ عَبْدًا لَزِمَهُ كُلُّ قِيمَتِهِ
(وَالثَّانِي)
يَلْزَمُهُ أَرْشُ النَّقْصِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ كَمَا لَوْ جَنَى عَلَى شَاةٍ فَأَزْمَنَهَا وَصَحَّحَ صَاحِبُ الْبَيَانِ هَذَا الثَّانِي وَهُوَ تَصْحِيحٌ شَاذٌّ بَلْ غَلَطٌ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ جَزَاءٌ كَامِلٌ وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى تَصْحِيحِهِ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي كِتَابِ الْجَامِعِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَاتٌ مِنْ كِبَارِ الْأَصْحَابِ مِمَّنْ قَطَعَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ ونقله الشيخ أبو حامد عن الاصحاب مُطْلَقًا وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ مُعْظَمِ الْأَئِمَّةِ قَالَ وَالْوَجْهُ الثَّانِي الْقَائِلُ بِأَرْشِ مَا نَقَصَ مُزَيَّفٌ مَتْرُوكٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَإِنْ قُلْنَا) يَلْزَمُهُ أَرْشُ النَّقْصِ فَهَلْ يَجِبُ قِسْطٌ مِنْ الْمِثْلِيِّ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا أَوْ مِنْ قِيمَةِ الْمِثْلِ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ قَرِيبًا فِيمَا إذَا جَرَحَهُ فَنَقَصَ عُشْرُ قِيمَتِهِ وَلَوْ أَزْمَنَهُ فَجَاءَ مُحْرِمٌ آخر فَقَتَلَهُ بَعْدَ الِانْدِمَالِ أَوْ قَبْلَهُ فَعَلَى الْقَاتِلِ جَزَاؤُهُ زَمَنًا بِلَا خِلَافٍ وَيَبْقَى عَلَى الْأَوَّلِ الْجَزَاءُ الَّذِي كَانَ كَمَا كَانَ وَهُوَ كَمَالُ الْجَزَاءِ أَوْ أَرْشُ النَّقْصِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ إنْ أَوْجَبْنَا هُنَاكَ جَزَاءً كَامِلًا عَادَ بِجِنَايَةِ الثَّانِي إلَى أَرْشِ النَّقْصِ لِأَنَّهُ يَبْعُدُ إيجَابُ جَزَاءَيْنِ لِمُتْلِفٍ وَاحِدٍ وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ (أَمَّا) إذَا أَزْمَنَهُ مُحْرِمٌ ثُمَّ عَادَ هُوَ فَقَتَلَهُ فَإِنْ قَتَلَهُ قَبْلَ الِانْدِمَالِ لَزِمَهُ جَزَاءٌ وَاحِدٌ كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَيْ رَجُلٍ ثُمَّ قَتَلَهُ فَعَلَيْهِ دِيَةٌ فَقَطْ
* وَلَنَا هُنَاكَ وَجْهٌ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَرْشُ الطَّرَفِ مع دية النفس
* قال إمام الحرمين وغيره فيجئ ذَلِكَ الْوَجْهُ هُنَا وَإِنْ قَتَلَهُ بَعْدَ الِانْدِمَالِ أفردت كل جناية بحكمها ففى القتل جزاءه زَمَنًا وَفِي الْإِزْمَانِ الْوَجْهَانِ (الْأَصَحُّ) جَزَاءٌ كَامِلٌ إذَا أَوْجَبْنَا فِي الْإِزْمَانِ جَزَاءً كَامِلًا وَإِنْ كَانَ لِلصَّيْدِ امْتِنَاعَانِ كَالنَّعَامَةِ تَمْتَنِعُ بِالْعَدْوِ وَبِالْجَنَاحِ فَأَبْطَلَ أَحَدَ امْتِنَاعَيْهِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَحَكَاهُمَا غَيْرُهُ
(أَحَدُهُمَا)
يَتَعَدَّدُ الْجَزَاءُ لِتَعَدُّدِ الِامْتِنَاعِ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا لِاتِّحَادِ الْمُمْتَنِعِ وَعَلَى هَذَا فَمَا الْوَاجِبُ
قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْغَالِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ يَجِبُ مَا نَقَصَ لِأَنَّ امْتِنَاعَ النَّعَامَةِ فِي الْحَقِيقَةِ وَاحِدٌ إلَّا أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالرِّجْلِ وَالْجَنَاحِ فَالزَّائِلُ بَعْضُ الِامْتِنَاعِ
*

(7/434)


(فَرْعٌ)
لَوْ جَرَحَ صَيْدًا فَغَابَ ثُمَّ وَجَدَهُ مَيْتًا فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَاتَ بِجِرَاحَتِهِ أَوْ وَقَعَ بِسَبَبِهِ فِي مَاءٍ أَوْ مِنْ جَبَلٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَزِمَهُ جَزَاءٌ كَامِلٌ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَاتَ بِسَبَبٍ آخَرَ بِأَنْ قَتَلَهُ آخَرُ نُظِرَ إنْ لَمْ يَكُنْ الْأَوَّلُ صَيْدُهُ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ فَعَلَيْهِ أَرْشُ مَا نَقَصَ وَإِنْ كَانَ صَيْدُهُ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ فَفِيمَا عَلَى الْأَوَّلِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي أَوَاخِرِ الْفَرْعِ قَبْلَهُ
* وَإِنْ شَكَّ فلم يعلم بماذا مَاتَ فَقَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ
(أَحَدُهُمَا)
يَلْزَمُهُ جَزَاءٌ كَامِلٌ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ جُرْحِهِ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَجِبُ إلَّا ضَمَانُ الْجُرْحِ وَبِهِ قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ بِسَبَبٍ آخَرَ وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهُ
* قَالَ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي هَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْحَلَالِ إذَا جَرَحَ صَيْدًا وَغَابَ عَنْهُ فَوَجَدَهُ مَيْتًا هَلْ يَحِلُّ أَكْلُهُ أَمْ لَا (الْأَصَحُّ) لا يحل (فان قلنا) بحل كله فَقَدْ جَعَلْنَاهُ قَاتِلًا فَيَلْزَمُهُ جَزَاءٌ كَامِلٌ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ أَرْشُ الْجُرْحِ فَقَطْ (أَمَّا) إذَا جَرَحَهُ وغاب ولم يتبين حاله فَلَمْ يَعْلَمْ أَمَاتَ أَمْ لَا قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَلْزَمُهُ جَزَاءٌ كَامِلٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ حَيَاةُ الصَّيْدِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ أَرْشُ الْجِرَاحَةِ قَالُوا وَالِاحْتِيَاطُ إخْرَاجُ جَزَاءٌ كَامِلٌ لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ بِسَبَبِهِ
* هَكَذَا قَطَعَ الْأَصْحَابُ بِالْمَسْأَلَةِ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ كَمَا ذَكَرْتُهُ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ الْأَصْحَابِ
* وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ أَبِي اسحق الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ جَزَاءٌ كَامِلٌ إذَا كَانَ قَدْ صَيَّرَهُ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ كَذَلِكَ حَتَّى يَعْلَمَ سَلَامَتَهُ
* قَالَ أَبُو حَامِدٍ وهذه من غلطات أبى اسحق عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي الْإِمْلَاءِ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا نَقَصَ
* قَالَ فِي الْإِمْلَاءِ لِأَنَّهُ قَدْ يَعْرِضُ سَبَبُ الْهَلَاكِ وَلَا يَهْلِكُ وَهَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْحَيَاةُ مَا لَمْ يَعْلَمْ التَّلَفَ
* (فَرْعٌ)
إذَا جَرَحَهُ ثُمَّ أَخَذَهُ فَدَاوَاهُ وَأَطْعَمَهُ وَسَقَاهُ حَتَّى بَرَأَ وَعَادَ مُمْتَنِعًا كَمَا كَانَ فَفِي سُقُوطِ الضَّمَانِ عَنْهُ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (الْأَصَحُّ) لَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ
(وَالثَّانِي)
يَسْقُطُ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ قَلَعَ سِنَّ كَبِيرٍ فَنَبَتَتْ هَلْ يَسْقُطُ عَنْهُ دِيَتُهَا (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَسْقُطُ فَعَلَيْهِ مَا كَانَ وَاجِبًا وَهُوَ كَمَالُ
الْجَزَاءِ فِي الْأَصَحِّ وَأَرْشُ مَا نَقَصَ فِي الْوَجْهِ الْآخَرِ وَفِي وَجْهٍ ثَالِثٍ جَزَمَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ أَنَّهُ يَجِبُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ صَحِيحًا وَمُنْدَمِلًا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَإِذَا قُلْنَا أَرْشُ مَا نَقَصَ فَهَلْ يَجِبُ بِقِسْطِهِ مِنْ الْمِثْلِ

(7/435)


أَوْ مِنْ الْقِيمَةِ فِيهِ الطُّرُقُ السَّابِقَةُ فِيمَنْ جَرَحَ ظَبْيًا فَنَقَصَ عُشْرَ قِيمَتِهِ
* هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَبْقَ بَعْدَ بُرْئِهِ فِيهِ نَقْصٌ فَإِنْ صَارَ مُمْتَنِعًا وَلَكِنْ بَقِيَ فِيهِ شَيْنٌ وَنَقْصٌ وَجَبَ ضَمَانُهُ بِلَا خِلَافٍ (وَأَمَّا) إذَا دَاوَاهُ حَتَّى بَرَأَ وَبَقِيَ زَمَنًا فَفِيهِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ فِيمَنْ أَزْمَنَهُ (أَصَحُّهُمَا) يَلْزَمُهُ كَمَالُ الْجَزَاءِ (وَالثَّانِي) أَرْشُ نَقْصِهِ
* وَلَوْ نَتَفَ رِيشَ طَيْرٍ فَهُوَ كَجُرْحِ الصَّيْدِ فِي كُلِّ مَا سَبَقَ فَإِنْ نَبَتَ وَبَقِيَ نَقْصٌ ضَمِنَهُ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ كَمَا سَبَقَ فَإِنْ وَجَبَ اُعْتُبِرَ نَقْصُهُ حَالَ الْجُرْحِ كَذَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا مَعَ بَاقِي فُرُوعِ جُرْحِ الصَّيْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
يَجِبُ فِي بَيْضِ الصَّيْدِ قِيمَتُهُ
* وَقَالَ الْمُزَنِيّ لَا يَجِبُ وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي الْبَابِ الْمَاضِي وَسَبَقَ هُنَاكَ الْخِلَافُ فِي قِيمَةِ لَبَنِ الصَّيْدِ وَأَنَّ الْأَصَحَّ وُجُوبُهَا وَسَبَقَ أَنَّ الْجَرَادَ مَضْمُونٌ بِقِيمَتِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَسَبَقَ قَوْلٌ شَاذٌّ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ الجراد ولا ضمان فيه وليس بشئ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ وَيَجِبُ فِي الدَّبَا قِيمَتُهُ وَالدَّبَا صِغَارُ الْجَرَادِ وَقِيمَتُهُ أَقَلُّ مِنْ قِيمَةِ الْجَرَادِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَمَا نُقِلَ عَنْ الصَّحَابَةِ مِنْ تَقْدِيرِ الْجَزَاءِ فِي الْجَرَادِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ قِيمَتُهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا وَجَبَتْ الْقِيمَةُ فِي الْبَيْضِ وَالْجَرَادِ وَاللَّبَنِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ إخْرَاجِ الطَّعَامِ وَبَيْنَ ان يَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا فَإِنْ انْكَسَرَ مُدٌّ وَجَبَ صِيَامُ يَوْمٍ كَمَا سَبَقَ فِي الصَّيْدِ الَّذِي لَا مِثْلَ لَهُ
* (فَرْعٌ)
إذَا قَتَلَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا بَعْدَ صَيْدٍ وَجَبَ لِكُلِّ صيد جزاء وان بلغ ماءة صَيْدٍ وَأَكْثَرَ سَوَاءٌ أَخْرَجَ جَزَاءَ الْأَوَّلِ أَمْ لَا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَفِيهِ خِلَافٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَدَلِيلُهُ فِي الْبَابِ السَّابِقِ
* وَمِمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ بَدَلُ مُتْلَفٍ فَتَكَرَّرَ بِتَكَرُّرِ الْإِتْلَافِ كَمَالِ الْآدَمِيِّ بِخِلَافِ مَا إذَا كَرَّرَ الْمُحْرِمُ لُبْسًا أَوْ طِيبًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِتْلَافٍ
* وَإِنْ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُحْرِمِينَ فِي قَتْلِ صَيْدٍ لَزِمَهُمْ جَزَاءٌ وَاحِدٌ وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّهُ بَدَلُ مُتْلَفٍ يَتَجَزَّأُ فَإِذَا اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي إتْلَافِهِ قُسِمَ الْبَدَلُ بَيْنَهُمْ كَقَسْمِ الْمُتْلَفَاتِ وَكَالدِّيَةِ وَفِي قَوْلِهِ يَتَجَزَّأُ احْتِرَازٌ مِنْ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَالطَّرَفِ
* وَلَوْ اشْتَرَكَ
مُحْرِمٌ وَحَلَالٌ فِي قَتْلِ صَيْدٍ لَزِمَ الْمُحْرِمَ نِصْفُ الْجَزَاءِ وَلَا شئ عَلَى الْحَلَالِ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَكَ مُحْرِمٌ وَمُحِلُّونَ

(7/436)


أَوْ مَحِلٌّ وَمُحْرِمُونَ وَجَبَ عَلَى الْمُحْرِمِ مِنْ الجزاء بقسطه على عدد الرؤس كَبَدَلِ الْمُتْلَفَاتِ
* هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَنُصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَقَطَعَ الْمُتَوَلِّي بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُحْرِمِ جَزَاءٌ كَامِلٌ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ
* وَلَوْ أَمْسَكَ مُحْرِمٌ صَيْدًا فَقَتَلَهُ حَلَالٌ ضَمِنَهُ الْمُحْرِمُ بِالْجَزَاءِ لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ إلَى إتْلَافِهِ وَهَلْ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْحَلَالِ الْقَاتِلِ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَرْجِعُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَشَيْخُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَغَوِيُّ لِأَنَّ الْقَاتِلَ أَدْخَلَ الْمُحْرِمَ فِي الضَّمَانِ فَرَجَعَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ غَصَبَ مَالًا فَأَتْلَفَهُ إنْسَانٌ فِي يَدِهِ فَإِنَّ الْغَاصِبَ يَرْجِعُ عَلَى الْمُتْلِفِ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَرْجِعُ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَأَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي كِتَابِهِ الْجَامِعِ وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ صَيْدًا يَجُوزُ لَهُ إتْلَافُهُ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ مِنْهُ لَا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا لِحَقِّ الْآدَمِيِّ فَإِنَّ الْمُمْسِكَ لَا يَمْلِكُهُ وَإِذَا جَازَ لَهُ إتْلَافُهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْغَصْبِ فَإِنَّ الْمُتْلِفَ لِلْمَغْصُوبِ مُتَعَدٍّ فَضَمِنَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَلَوْ أَمْسَكَ مُحْرِمٌ صَيْدًا فَقَتَلَهُ مُحْرِمٌ آخَرُ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) يَجِبُ الْجَزَاءُ كُلُّهُ عَلَى الْقَاتِلِ لِأَنَّهُ وُجِدَ مِنْ الْمُمْسِكِ سَبَبٌ وَمَنْ الْقَاتِلِ مُبَاشَرَةٌ فَوَجَبَ تَقْدِيمُ الْمُبَاشَرَةِ كَمَا فِي قَتْلِ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِ
(وَالثَّانِي)
يَجِبُ الْجَزَاءُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ ضَمَانِهِ وَهَذَا يُنْتَقَضُ بِضَمَانِ الْآدَمِيِّ وَبِهَذَا الْوَجْهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ (وَالثَّالِثُ) قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَحَّحَهُ أَبُو الْمَكَارِمِ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِنْ أَخْرَجَهُ الْمُمْسِكُ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْقَاتِلِ وَإِنْ أَخْرَجَهُ الْقَاتِلُ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى الْمُمْسِكِ كَمَا لَوْ غَصَبَ شَيْئًا فَأَتْلَفَهُ آخَرُ فِي يَدِهِ وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ هَذَا الْوَجْهُ أَقْيَسُ عِنْدِي لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْأَوَّلُ يُنْتَقَضُ بِمِنْ غَصَبَ شَيْئًا وَأَتْلَفَهُ غَيْرُهُ فِي يَدِهِ وَمَا ذَكَرَهُ الثَّانِي فَاسِدٌ لِأَنَّ الضَّمَانَ لَا يَنْقَسِمُ عَلَى الْمُبَاشَرَةِ وَالسَّبَبِ الذى لا يلجئ في شئ مِنْ الْأُصُولِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ لَوْ جَرَحَ الْحَلَالُ صَيْدًا فِي الْحِلِّ ثُمَّ دَخَلَ الصَّيْدُ الْحَرَمَ فَجَرَحَهُ فِيهِ فَمَاتَ مِنْهُمَا لَزِمَهُ نِصْفُ الْجَزَاءِ لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ جُرْحَيْنِ وَجُرْحُ أَحَدِهِمَا مَضْمُونٌ دُونَ الْآخَرِ
* (فَرْعٌ)
الْقَارِنُ وَالْمُفْرِدُ وَالْمُتَمَتِّعُ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ وَفِي جَمِيعِ كَفَّارَاتِ الْإِحْرَامِ سَوَاءٌ فَإِذَا قَتَلَ
الْقَارِنُ صَيْدًا لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا آخَرَ لَزِمَهُ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ بِلَا خِلَافَ عِنْدَنَا
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَلْزَمُهُ جَزَاءَانِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ بِدَلَائِلِهَا فِي الْبَابِ السَّابِقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(7/437)


(فَرْعٌ)
الصَّوْمُ الْوَاجِبُ هُنَا يَجُوزُ مُتَفَرِّقًا وَمُتَتَابِعًا نص عليه الشافعي ونقله عنه ابْنِ الْمُنْذِرِ وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا لِقَوْلِهِ تعالى (أو عدل ذلك صياما)
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي مَسَائِلَ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ
(إحْدَاهَا) إذَا قَتَلَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا أَوْ قَتَلَهُ الْحَلَالُ فِي الْحَرَمِ فَإِنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ مِنْ النَّعَمِ وَجَبَ فِيهِ الْجَزَاءُ بِالْإِجْمَاعِ وَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ ذَبْحِ الْمِثْلِ وَالْإِطْعَامِ بِقِيمَتِهِ وَالصِّيَامِ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا
* وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَدَاوُد إلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ يُقَوَّمُ الصَّيْدُ وَلَا يُقَوَّمُ الْمِثْلُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَلْزَمُهُ الْمِثْلُ مِنْ النَّعَمِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ قِيمَةُ الصَّيْدِ وَلَهُ صَرْفُ تِلْكَ الْقِيمَةِ فِي الْمِثْلِ مِنْ النَّعَمِ
* وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إنْ وَجَدَ الْمِثْلَ ذَبَحَهُ وَتَصَدَّقَ بِهِ فَإِنْ فَقَدَهُ قَوَّمَهُ دَرَاهِمَ وَالدَّرَاهِمَ طَعَامًا وَصَامَ وَلَا يُطْعِمُ
* قَالَ وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِالطَّعَامِ الصِّيَامُ وَوَافَقَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَأَبُو عِيَاضٍ وَزَفَرُ
* وَقَالَ الثَّوْرِيُّ يَلْزَمُهُ الْمِثْلُ فَإِنْ فَقَدَهُ فَالْإِطْعَامُ فَإِنْ فَقَدَهُ صَامَ
* دَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قتل) إلَى آخَرِ الْآيَةِ
* وَاحْتَجَّ الْمُخَالِفُونَ بِأَنَّ الْمُتْلَفَ يَجِبُ مِثْلُهُ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ قِيمَتِهِ وَلَيْسَتْ النعم واحدا منهما فَلَمْ يَضْمَنْ بِهِ كَالصَّيْدِ الَّذِي لَا مِثْلَ لَهُ مِنْ النَّعَمِ وَكَمَا لَوْ أَتْلَفَ الْحَلَالُ صَيْدًا مَمْلُوكًا وَكَضَمَانِ الْمُحْرِمِ لِلصَّيْدِ الْمَمْلُوكِ لِمَالِكِهِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا قِيَاسٌ مُنَابِذٌ لِنَصِّ الْقُرْآنِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ ثُمَّ مَا ذَكَرُوهُ مُنْتَقِضٌ لِلْآدَمِيِّ الْحُرِّ فَإِنَّهُ يُضْمَنُ بِالْإِبِلِ وَيُضْمَنُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا لَا يُضْمَنُ بِهِ فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ فَإِنَّهُ يُضْمَنُ لِلْآدَمِيِّ بِقِصَاصٍ أَوْ إبِلٍ وَيُضْمَنُ لِلَّهِ تَعَالَى بِالْكَفَّارَةِ وَهِيَ عِتْقٌ وَإِلَّا فَصِيَامٌ وَبِهَذَا يَحْصُلُ الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَيْدٍ لا مثل له أنه لا يكن فِيهِ الْمِثْلُ فَتَعَذَّرَ فَوَجَبَ اعْتِبَارُ الْقِيمَةِ بِخِلَافِ الْمِثْلِ (الثَّانِيَةُ) إذَا عَدَلَ عَنْ مِثْلِ الصَّيْدِ إلَى الصِّيَامِ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَمَالِكٌ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ والثوري وأبي حنيفة وأحمد وإسحق وَأَبِي ثَوْرٍ أَنَّهُ يَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدَّيْنِ يَوْمًا
* قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ أَقُولُ
*
(قَالَ) وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ الصَّوْمُ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ إلَى عَشْرَةِ وَعَنْ أَبِي عِيَاضٍ أَنَّ أَكْثَرَ الصَّوْمِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا
* قَالَ وَمَالَ أَبُو ثَوْرٍ إلَى أَنَّ الْجَزَاءَ فِي هَذَا كَكَفَّارَةِ الْحَلْقِ
* دَلِيلُنَا أَنَّ

(7/438)


اللَّهَ تَعَالَى قَالَ (أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا) وَقَدْ قَابَلَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى صِيَامَ كُلِّ يَوْمٍ بِإِطْعَامِ مِسْكِينٍ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَقَدْ ثَبَتَ بِالْأَدِلَّةِ الْمَعْرُوفَةِ أَنَّ إطْعَامَ كُلِّ مِسْكِينٍ هُنَاكَ مُدٌّ فَكَذَا هُنَا يَكُونُ كُلُّ يَوْمِ مُقَابِلُ مُدٍّ
* وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ كَعْبٍ بْنِ عُجْرَةَ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَهُ مُخَيَّرًا بَيْنَ صَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَإِطْعَامِ سِتَّةِ مَسَاكِينَ كُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْيَوْمَ مُقَابِلٌ بِأَكْثَرَ مِنْ مُدٍّ (وَالْجَوَابُ) أَنَّ حَدِيثَ كَعْبٍ إنَّمَا وَرَدَ فِي فِدْيَةِ الْحَلْقِ وَلَا يَلْزَمُ طَرْدُهُ فِي كُلِّ فِدْيَةٍ وَلَوْ طُرِدَ لَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَابِلَ كُلَّ صَاعٍ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَهَذَا لَا يَقُولُ بِهِ الْمُخَالِفُونَ وَلَا نَحْنُ وَلَا أَحَدٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الثَّالِثَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا مَذْهَبُنَا أَنَّ مَا حَكَمَتْ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِيهِ بِمِثْلٍ فَهُوَ مِثْلُهُ وَلَا يَدْخُلُهُ بَعْدَهُمْ اجْتِهَادٌ وَلَا حُكْمٌ وَبِهِ قال عطاء واحمد وإسحق وَدَاوُد (وَأَمَّا) أَبُو حَنِيفَةَ فَجَرَى عَلَى أَصْلِهِ السَّابِقِ أَنَّ الْوَاجِبَ الْقِيمَةُ وَقَالَ مَالِكٌ يَجِبُ الْحُكْمُ فِي كُلِّ صَيْدٍ وَإِنْ حَكَمَتْ فِيهِ الصَّحَابَةُ
* دَلِيلُنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ يَحْكُمُ (به ذوا عدل منكم) وَقَدْ حَكَمَا فَلَا يَجِبُ تَكْرَارُ الْحُكْمِ (الرَّابِعَةُ) الْوَاجِبُ فِي الصَّغِيرِ مِنْ الصَّيْدِ الْمِثْلِيِّ صَغِيرٌ مِثْلُهُ مِنْ النَّعَمِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَعَطَاءٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ مَالِكٌ يَجِبُ فِيهِ كَبِيرٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (هَدْيًا بَالِغَ الكعبة) وَالصَّغِيرُ لَا يَكُونُ هَدْيًا وَإِنَّمَا يُجْزِئُ مِنْ الْهَدْيِ مَا يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى قَتْلِ الْآدَمِيِّ فَإِنَّهُ يَقْتُلُ الْكَبِيرَ بِالصَّغِيرِ
* دَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى (فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النعم) ومثل الصَّغِيرِ صَغِيرٌ وَدَلِيلٌ آخَرُ وَهُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ حَكَمُوا فِي الْأَرْنَبِ بِعَنَاقِ وَفِي الْيَرْبُوعِ بِجَفْرَةٍ وَفِي أم حبين بحلال فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الصَّغِيرَ يُجْزِئُ وَأَنَّ الْوَاجِبَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَقِيَاسًا عَلَى سَائِرِ المضمونات فانها تختلف مقادير الواجب فيها (والجواب) عَنْ الْآيَةِ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا أَنَّهَا مُطْلَقَةٌ وَهُنَا مُقَيَّدَةٌ بِالْمِثْلِ وَعَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى قَتْلِ الْآدَمِيِّ أَنَّ تِلْكَ الْكَفَّارَةَ لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِ الْآدَمِيِّينَ مِنْ حُرٍّ وَعَبْدٍ وَمُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ لَمْ تَخْتَلِفْ فِي قَدْرِهَا بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) الصَّيْدُ الْمَعِيبُ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَفْدِيهِ بِمَعِيبٍ وَعَنْ
مَالِكٍ يَفْدِيهِ بِصَحِيحٍ ودليلنا ما سبق في الضمير (الْخَامِسَةُ) إذَا اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي قَتْلِ صَيْدٍ وَهُمْ مُحْرِمُونَ لَزِمَهُمْ جَزَاءٌ وَاحِدٌ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ عُمَرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَابْنُ عمر وعطاء والزهرى وحماد وأحمد اسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَقَالَ الْحَسَنُ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ جَزَاءٌ كَامِلٌ كَكَفَّارَةِ قَتْلِ الْآدَمِيِّ
* دَلِيلُنَا أَنَّ الْمَقْتُولَ وَاحِدٌ

(7/439)


فَوَجَبَ ضَمَانُهُ مُوَزَّعًا كَقَتْلِ الْعَبْدِ وَإِتْلَافِ سَائِرِ الْأَمْوَالِ (السَّادِسَةُ) إذَا قَتَلَ الْقَارِنُ صَيْدًا لَزِمَهُ جزاء واحد وإذا تطيب أو لبس لَزِمَهُ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَابْنُ المنذر وداود وقال أبو حنيفة يلزمه جزاآن وَكَفَّارَتَانِ وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مَعَ دَلِيلِنَا عَلَيْهِمْ (السَّابِعَةُ) فِي النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً مِنْهُمْ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَمُعَاوِيَةُ وَعَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ وَمَالِكٌ وَآخَرُونَ إلَّا النَّخَعِيّ فَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ أَنَّ فِي النَّعَامَةِ وَشَبَهِهَا ثَمَنُهَا دَلِيلُنَا الْآيَةُ (الثَّامِنَةُ) مَذْهَبُنَا أَنَّ الثَّعْلَبَ صَيْدٌ يُؤْكَلُ وَيَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ قَتْلُهُ فَإِنْ قَتَلَهُ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ وَبِهِ قَالَ طَاوُسٌ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَمَالِكٌ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ عَطَاءٍ وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَالزُّهْرِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَلَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ وَلَا فِدْيَةَ فِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُمْ مِنْ السِّبَاعِ وَقَالَ أَحْمَدُ أَمْرُهُ مُشْتَبَهٌ (التَّاسِعَةُ) مَذْهَبُنَا أَنَّ فِي الضَّبِّ جَدْيًا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَنْ جَابِرٍ وَعَطَاءٍ أَنَّ فِيهِ شَاةً وَعَنْ مُجَاهِدٍ حَفْنَةٌ مِنْ طَعَامٍ وَعَنْ مَالِكٍ قَبْضَةٌ مِنْ طَعَامٍ فَإِنْ شَاءَ أَطْعَمَ وَإِنْ شَاءَ صَامَ وَعَنْ قَتَادَة صَاعٌ مِنْ طَعَامٍ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قِيمَتُهُ (الْعَاشِرَةُ) مَذْهَبُنَا أَنَّ فِي الْحَمَامَةِ شَاةٌ سَوَاءٌ قَتَلَهَا مُحْرِمٌ أَوْ قَتَلَهَا حَلَالٌ فِي الْحَرَمِ وَبِهِ قَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَنَافِعُ بْنُ عَبْدِ الْحَارِثِ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَعُرْوَةُ بْنُ الزبير وقتادة وأحمد وإسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ مَالِكٌ فِي حَمَامَةِ الْحَرَمِ شاة وحمامة الْحِلِّ الْقِيمَةُ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي حَمَامَةِ الْحِلِّ ثَمَنُهَا وَعَنْ النَّخَعِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ ثَمَنُهَا وَعَنْ قَتَادَةَ دِرْهَمٌ
* دَلِيلُنَا مَا رَوَى الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ عَنْ عُثْمَانَ وَنَافِعِ بْنِ الْحَارِثِ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا فِي الْحَمَامَةِ شَاةً (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) الْعُصْفُورُ فِيهِ قِيمَتُهُ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ مُدُّ طَعَامٍ وَعَنْ عَطَاءٍ
نِصْفُ دِرْهَمٍ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ ثَمَنُهَا عَدْلَانِ (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) مَا دُونَ الْحَمَامِ مِنْ الْعَصَافِيرِ وَنَحْوِهَا مِنْ الطُّيُورِ تَجِبُ فِيهِ قِيمَتُهُ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ الجمهور وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي مَذْهَبِ دَاوُد وَقَالَ بَعْضُ أصحاب داود لا شئ فِيهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ من النعم) فدل على أنه لا شئ فِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ وَغَيْرَهُمَا أَوْجَبُوا الْجَزَاءَ فِي الْجَرَادَةِ فَالْعُصْفُورُ أَوْلَى
*

(7/440)


وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ فِي كُلِّ طَيْرٍ دُونَ الْحَمَامِ قِيمَتُهُ (الثَّالِثَةَ عشر) كُلُّ صَيْدٍ يَحْرُمُ قَتْلُهُ تَجِبُ الْقِيمَةُ فِي إتْلَافِ بَيْضِهِ سَوَاءٌ بَيْضُ الدَّوَابِّ وَالطُّيُورِ ثُمَّ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الطَّعَامِ وَالصِّيَامِ وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ وَقَالَ مَالِكٌ يَضْمَنُهُ بِعُشْرِ بَدَنَةٍ وَقَالَ الْمُزَنِيّ وَبَعْضُ أَصْحَابِ دَاوُد لَا جَزَاءَ فِي الْبَيْضِ وَسَبَقَتْ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) إذَا قَتَلَ الصَّيْدَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَفْسُقُ بِهِ فَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ أَحَدَ الْحُكْمَيْنِ كَمَا سَبَقَ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَمَا سَبَقَ عَنْهُ في قصة أربد وبه قال اسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ النَّخَعِيُّ وَمَالِكٌ لَا يَجُوزُ
* دَلِيلُنَا فِعْلُ عُمَرَ مَعَ عُمُومِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ) ولم يفرق بين القاتل وغيره * قال المصنف رحمه الله
* ويحرم صيد الحرم على الحلال والمحرم لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (ان الله تعالى حرم مكة لا يختلى خلاها ولا يعضد شجرها ولا ينفر صيدها فقال العباس إلا الاذخر لصاغتنا فقال الا الاذخر) وحكمه في الجزاء حكم صيد الاحرام لانه مثله في التحريم فكان مثله في الجزاء فان قَتَلَ مُحْرِمٌ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ لَزِمَهُ جَزَاءٌ واحد لان المقتول واحد فكان لجزاء واحدا كما لو قتله في الحل
* وان اصطاد الحلال صيدا من الحل وأدخله إلى الحرم جاز له التصرف فيه بالامساك والذبح وغير ذلك مما كان يملكه به قبل أن يدخل الي الحرم لانه من صيد الحل فلم يمنع من التصرف فية
* وان ذبح الحلال صيدا من صيود الحرم لم يحل له أكله وهل يحرم على غيره فيه طريقان (من) أصحابنا من قال هو على قولين كالمحرم إذا ذبح صيدا (ومنهم) من قال يحرم ههنا قولا واحدا لان الصيد في الحرم محرم على كل واحد فهو كالحيوان الذي لا يؤكل
* وان رمي من الحل إلى صيد في الحرم فأصابه لزمه الضمان لان الصيد في موضع أمنه وان رَمَى مِنْ الْحَرَمِ إلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ فأصابه ضمنه لان
كونه في الحرم يوجب تحريم الصيد عليه
* وان رمي من الحل إلى صيد في الحل ومر السهم في موضع من الحرم فأصابه ففيه وجهان
(أحدهما)
يضمنه لان السهم مر من الحرم الي الصيد
(والثانى)
لا يضمنه لان الصيد في الحل والرامي في الحل وان كان في الحرم شجرة وأغصانها في الحل فوقعت حمامة على غصن في الحل فرماه من الحل فأصابه لم يضمنه لان الحمام غير تابع للشجرة فهو كطير في هواء

(7/441)


الحل وان رمي إلى صيد في الحل فعدل السهم وأصاب صيدا في الحرم فقتله لزمه الجزاء لان العمد والخطأ في ضمان الصيد سواء وان أَرْسَلَ كَلْبًا فِي الْحِلِّ عَلَى صَيْدٍ فِي الحل فدخل الصيد الحرم فتبعه الكلب فقتله لم يلزمه الجزاء لان للكلب اختيارا ودخل الحرم باختياره بخلاف السهم
* قال في الاملاء إذا أمسك الحلال صيدا في الحل وله فرخ في الحرم فمات الصيد في يده ومات الفرخ ضمن الفرخ لانه مات في الحرم بسبب من جهته ولا يضمن الام لانه صيد في الحل مات في يد الحلال)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ من طرق والخلا بفتح الخاء المعجمة مقصور هو رطب الكلاء قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْحَشِيشُ هُوَ الْيَابِسُ مِنْ الكلاء والخلا هُوَ الرَّطْبُ مِنْهُ وَمَعْنَى يُعْضَدُ يَقْطَعُ وَالْإِذْخِرُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ نَبْتٌ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ مَعْرُوفٌ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَصَيْدُ حَرَمِ مَكَّةَ حَرَامٌ عَلَى الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ بِالْإِجْمَاعِ وَدَلِيلُهُ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ ونبه صلى الله عليه وسلم بالتقتير عَلَى الْإِتْلَافِ وَغَيْرِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَيَحْرُمُ فِي صَيْدِ الْحَرَمِ كُلُّ مَا يَحْرُمُ فِي صَيْدِ الْإِحْرَامِ مِنْ اصْطِيَادِهِ وَتَمَلُّكِهِ وَإِتْلَافِهِ وَإِتْلَافِ أَجْزَائِهِ وَجُرْحِهِ وَتَنْفِيرِهِ وَالتَّسَبُّبِ إلَى ذَلِكَ وَيَحْرُمُ بَيْضُهُ وَإِتْلَافُ رِيشِهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا سَبَقَ وَلَا يختلفان في شئ مِنْ ذَلِكَ
* وَحُكْمُ لَبَنِهِ حُكْمُ لَبَنِ صَيْدِ الْإِحْرَامِ كَمَا سَبَقَ فَإِنْ قَتَلَ حَلَالٌ أَوْ مُحْرِمٌ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ أَوْ أَتْلَفَ جُزْءًا مِنْهُ أَوْ تَلِفَ بِسَبَبٍ مِنْهُ ضَمِنَهُ وَضَابِطُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ أَنَّهُ كَصَيْدِ الْإِحْرَامِ فِي التَّحْرِيمِ وَالْجَزَاءِ وَقَدْرِ الْجَزَاءِ وَصِفَتِهِ
* وَلَوْ قَتَلَ مُحْرِمٌ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ لَزِمَهُ جَزَاءٌ وَاحِدٌ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
* وَلَوْ أَدْخَلَ حَلَالٌ إلَى الْحَرَمِ صَيْدًا مَمْلُوكًا لَهُ كَانَ لَهُ إمْسَاكُهُ وَذَبْحُهُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ كَيْفَ شَاءَ كَالنَّعَمِ وَغَيْرِهَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
* وَإِنْ ذَبَحَ حَلَالٌ صَيْدًا حَرَمِيًّا حُرِّمَ عَلَيْهِ أَكْلُهُ بِلَا خِلَافٍ وَفِي تَحْرِيمِهِ عَلَى غَيْرِهِ طَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُمَا بِفُرُوعِهِمَا فِي الْبَابِ
السَّابِقِ وَالْمَذْهَبُ تَحْرِيمُهُ فَيَكُونُ مَيْتُهُ نَجِسًا كَذَبِيحَةِ الْمَجُوسِيِّ وَكَالْحَيَوَانِ الَّذِي لا يؤكل
* ولو رمى من الحل صَيْدًا فِي الْحَرَمِ أَوْ مِنْ الْحَرَمِ صَيْدًا فِي الْحِلِّ وَأَرْسَلَ كَلْبًا فِي الصُّورَتَيْنِ عَلَى الصَّيْدِ فَقَتَلَهُ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
* وَلَوْ رَمَى حَلَالٌ فِي الْحَرَمِ صَيْدًا فَأَحْرَمَ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهُ ثُمَّ أَصَابَهُ أَوْ رَمَى مُحْرِمٌ إلَيْهِ فَتَحَلَّلَ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهُ ثُمَّ أَصَابَهُ لَزِمَهُ الضَّمَانُ عَلَى الْأَصَحِّ وَسَبَقَ مِثْلُهُ فِي صَيْدِ الْحَرَمِ فِي الْبَابِ

(7/442)


السَّابِقِ
* وَلَوْ رَمَى مِنْ الْحِلِّ إلَى صَيْدٍ بَعْضُهُ فِي الْحِلِّ وَبَعْضُهُ فِي الْحَرَمِ فَفِيهِ خمسة اوجه الثلاثة الاولى منها حكاهما صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْجُرْجَانِيُّ فِي الْمُعَايَاةِ وَغَيْرُهُمَا (أَحَدُهَا) لا جزاء فيه لانه لم بتمحض حَرَمِيًّا
(وَالثَّانِي)
إنْ كَانَ أَكْثَرَهُ فِي الْحَرَمِ وَجَبَ الْجَزَاءُ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَهُ فِي الْحِلِّ فلا اعتبارا بِالْغَالِبِ (وَالثَّالِثُ) إنْ كَانَ خَارِجًا مِنْ الْحَرَمِ إلَى الْحِلِّ ضَمِنَهُ وَإِنْ كَانَ عَكْسَهُ فَلَا اعتبار بِمَا كَانَ عَلَيْهِ (وَالرَّابِعُ) وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ إنْ كَانَ رَأْسُهُ فِي الْحَرَمِ وَقَوَائِمُهُ كُلُّهَا فِي الْحِلِّ فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ بَعْضُ قَوَائِمِهِ فِي الْحَرَمِ وَجَبَ الْجَزَاءُ وَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً وَاحِدَةً تَغْلِيبًا لِلْحُرْمَةِ (وَالْخَامِسُ) يَجِبُ فِيهِ الْجَزَاءُ بِكُلِّ حَالٍ حَتَّى لَوْ كَانَ رَأْسُهُ فِي الْحَرَمِ وَقَوَائِمُهُ كُلُّهَا فِي الْحِلِّ وَهُوَ نَائِمٌ أَوْ مُسْتَيْقِظٌ وَجَبَ الْجَزَاءُ وَبِهَذَا قَطَعَ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ تَغْلِيبًا لِحُرْمَةِ الْحَرَمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) إذَا رَمَى مِنْ الْحِلِّ صَيْدًا فِي الْحِلِّ فَمَرَّ السَّهْمُ فِي ذَهَابِهِ فِي طَرَفٍ مِنْ الْحَرَمِ ثُمَّ أَصَابَ الصَّيْدَ فِي الْحِلِّ فَفِي وُجُوبِ ضَمَانِهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَضْمَنُ كَمَا لَوْ أَرْسَلَ كَلْبًا فِي الْحِلِّ عَلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ فَتَخَيَّرَ فِي مُرُورِهِ فِي طَرَفِ الْحَرَمِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَوْ قَوْلٌ حَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي أَنَّهُ يَضْمَنُ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ (وَأَصَحُّهُمَا) يَضْمَنُ لِأَنَّهُ تَلِفَ بِفِعْلِ الْكَلْبِ فَإِنَّ لِلْكَلْبِ اخْتِيَارًا بِخِلَافِ السَّهْمِ وَلِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ كُلُّهُمْ لَوْ رَمَى صَيْدًا فِي الْحِلِّ فَعَدَلَ الصَّيْدُ فَدَخَلَ الْحَرَمَ فَأَصَابَهُ السَّهْمُ وَجَبَ الضَّمَانُ وَبِمِثْلِهِ لَوْ أَرْسَلَ كَلْبًا فَأَصَابَهُ لَمْ يَجِبْ ثُمَّ فِي مَسْأَلَةِ إرْسَالِ الْكَلْبِ وَتَخَطِّيهِ طَرَفَ الْحَرَمِ إنَّمَا لَا يَجِبُ الضَّمَانُ إذَا كَانَ لِلصَّيْدِ مُقَرٌّ آخَرُ فَأَمَّا إذَا تَعَيَّنَ دُخُولُهُ الْحَرَمَ عِنْدَ الْهَرَبِ فَيَجِبُ الضَّمَانُ قَطْعًا سَوَاءٌ كَانَ الْمُرْسِلُ عَالِمًا بِالْحَالِ أَوْ جَاهِلًا وَلَكِنْ يَأْثَمُ الْعَالِمُ دُونَ الْجَاهِلِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي فِيمَا إذَا أَرْسَلَ الْكَلْبَ مِنْ الْحِلِّ عَلَى صَيْدٍ فِي
الْحِلِّ فَعَدَلَ الصَّيْدُ إلَى الْحَرَمِ فَتَبِعَهُ الْكَلْبُ فَقَتَلَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَا جَزَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَرْسَلَهُ عَلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي قَالَ أَصْحَابُنَا أَرَادَ الشَّافِعِيُّ إذَا كَانَ مُرْسِلُهُ قَدْ زَجَرَهُ عَنْ اتِّبَاعِ الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ فَلَمْ يَنْزَجِرْ فَإِنْ لَمْ ينزجر فعليه الاجزاء لِأَنَّ الْكَلْبَ الْمُعَلَّمَ إذَا أُرْسِلَ إلَى صَيْدٍ تَبِعَهُ أَيْنَ تَوَجَّهَ
* هَذَا كَلَامُهُ وَهَذَا الَّذِي شَرَطَهُ مِنْ الزَّجْرِ غَرِيبٌ لَمْ يَذْكُرْهُ الْأَصْحَابُ
*

(7/443)


(فَرْعٌ)
لَوْ كَانَتْ شَجَرَةٌ ثَابِتَةٌ فِي الْحَرَمِ وَأَغْصَانُهَا فِي الْحِلِّ فَوَقَعَ عَلَى الْغُصْنِ طَائِرٌ فَقَتَلَهُ إنْسَانٌ فِي الْحِلِّ فَلَا ضَمَانَ وَلَوْ قَطَعَ الْغُصْنَ ضَمِنَ الْغُصْنَ لِأَنَّ الْغُصْنَ جُزْءٌ مِنْ الشَّجَرَةِ تَابِعٌ لَهَا وَالشَّجَرَةُ مَضْمُونَةٌ فَكَذَا غُصْنُهَا وَأَمَّا الطَّائِرُ فَلَيْسَ جُزْءًا مِنْ الشَّجَرَةِ وَلَا هُوَ فِي الْحَرَمِ وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْحِلِّ فَلَا يَجِبُ ضَمَانُهُ وَعَكْسُهُ لَوْ كَانَتْ الشجرة ثابتة؟ فِي الْحِلِّ وَغُصْنُهَا فِي الْحَرَمِ فَوَقَعَ عَلَيْهِ طَائِرٌ فَقَتَلَهُ لَزِمَهُ ضَمَانُهُ لِأَنَّهُ فِي هَوَاءِ الْحَرَمِ وَلَوْ قَطَعَ الْغُصْنَ لَمْ يَضْمَنْهُ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِشَجَرَةٍ فِي الْحِلِّ وَهَذَا الْفَرْعُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ تُشِيرُ إلَى التَّنْبِيهِ عَلَى الصُّورَتَيْنِ
* قَالَ الدَّارِمِيُّ وَلَوْ وَقَفَ الْحَلَالُ عَلَى الْغُصْنِ وَرَمَى إلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ فَقَتَلَهُ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَتَلَ الصَّيْدَ الَّذِي عَلَى الْغُصْنِ فَإِنْ كَانَ الْغُصْنُ فِي هَوَاءِ الْحَرَمِ ضَمِنَ وَإِلَّا فَلَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لو قتل انسان صيدا مملوكا في الحرم فان كان القاتل محرما فقد سبق في الباب الماضي ان عليه الاجزاء للمساكين وعليه القيمة لمالكه وإن كان حلالا فعليه القيمة لمالكه ولا جزاء عليه لانه ليس له حكم صيد الحرم ولهذا لو قتله صاحبه لم يلزمه الجزاء بخلاف صيد الاحرام وممن صرح بالمسألة الماوردى
* (فَرْعٌ)
لَوْ أَخَذَ حَمَامَةً فِي الْحِلِّ أَوْ أَتْلَفَهَا فَهَلَكَ فَرْخُهَا فِي الْحَرَمِ ضَمِنَهُ وَلَا يضمنها لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
* نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
* وَلَوْ أَخَذَ الْحَمَامَةَ مِنْ الْحَرَمِ وَقَتَلَهَا فَهَلَكَ فَرْخُهَا فِي الْحِلِّ ضَمِنَ الْحَمَامَةَ وَالْفَرْخَ جَمِيعًا لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ بِسَبَبٍ جَرَى مِنْهُ فِي الْحَرَمِ كما رَمَى مِنْ الْحَرَمِ إلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ لَوْ أَخَذَ الصَّيْدَ فَفَسَدَ بَيْضُهُ فِي الْحَرَمِ ضَمِنَهُ كَمَا يَضْمَنُ الْفَرْخَ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ نَفَّرَ صَيْدًا حَرَمِيًّا عَامِدًا أَوْ غَيْرَ عَامِدٍ تَعَرَّضَ لِضَمَانِهِ فَإِنْ مَاتَ بِسَبَبِ التَّنْفِيرِ بِصَدْمَةٍ أَوْ أَخْذِ
سَبُعٍ وَنَحْوِهِ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ وَكَذَا لَوْ دَخَلَ الْحِلَّ فقتله حلال لزم المنفر الجزاء ولا شئ على الحلال القاتل فان أخذه محرم في احل وَجَبَ الْجَزَاءُ عَلَى الْآخِذِ تَقْدِيمًا لِلْمُبَاشَرَةِ عَلَى السَّبَبِ
* هَكَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إذَا قتله الحلال فلا جزاء عليه كما ذكرنا
* قَالَ وَأَمَّا الْمُنَفِّرُ لَهُ مِنْ الْحَرَمِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَ حِينَ نَفَّرَهُ أَلْجَأَهُ إلَى الْحِلِّ وَمَنَعَهُ مِنْ الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ لِأَنَّ الصَّيْدَ مُلْجَأٌ وَالتَّنْفِيرَ سَبَبٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الجاءه إلَى الْخُرُوجِ إلَى الْحِلِّ وَلَا مَنَعَهُ الْعَوْدَ إلَى الْحَرَمِ فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُلْجَأٍ وَالْمُبَاشَرَةُ أَقْوَى مِنْ السَّبَبِ
* هَذَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَذْهَبُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَهُوَ أَنَّهُ يَجِبُ

(7/444)


عَلَى الْمُنَفِّرِ مِنْ الْحَرَمِ ضَمَانُهُ إذَا قَتَلَهُ حَلَالٌ فِي الْحِلِّ مَا لَمْ يَسْكُنُ نِفَارُهُ وَلَا يُزَالُ فِي ضَمَانِهِ حَتَّى يَسْكُنَ نِفَارُهُ وَيَسْكُنَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْحِلِّ أَوْ الْحَرَمِ فَإِذَا سَكَنَ فِي مَكَان مِنْهُمَا زَالَ عَنْهُ الضَّمَانُ وَقَبْلَ السُّكُونِ هُوَ فِي ضَمَانِهِ
* هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْأَصْحَابِ فَقَالَ لَوْ نَفَّرَ صَيْدًا حَرَمِيًّا فَقَدْ تَعَرَّضَ لِلضَّمَانِ فَإِنْ اسْتَمَرَّ النِّفَارُ حَتَّى خَرَجَ من الحرم فسكن في احل وَجَبَ الضَّمَانُ بِلَا خِلَافٍ قَالَ ثُمَّ قَالَ الْأَئِمَّةُ يَدُومُ التَّعَرُّضُ لِلضَّمَانِ حَتَّى يَزُولَ نِفَارُهُ قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ حَتَّى يَعُودَ إلَى الْحَرَمِ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا أَرَاهُ ذِلَّةً فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى فِي رَدِّهِ إلَى الْحَرَمِ وَلَا يَتَعَرَّضُ لِخُرُوجِهِ لِلضَّمَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا خَرَجَ الصَّيْدُ الْحَرَمِيُّ إلَى الْحِلِّ حَلَّ لِلْحَلَالِ اصْطِيَادُهُ في الحل ولا شئ عليه في إتلافه لانه صار صيد حل كَمَا أَنَّ صَيْدَ الْحِلِّ إذَا دَخَلَ الْحَرَمَ حَرُمَ اصْطِيَادُهُ لِأَنَّهُ صَارَ صَيْدَ حَرَمٍ وَحَكَى الْبَغَوِيّ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَخْذُ صَيْدِ الْحَرَمِ فِي الْحِلِّ كَمَا لَوْ قَلَعَ شجرة من الحرم وَغَرَسَهَا فِي الْحِلِّ لَا يَحِلُّ قَطْعُهَا قَالَ وَالْفَرْقُ عَلَى مَذْهَبِنَا أَنَّ الصَّيْدَ يَتَحَوَّلُ بِنَفْسِهِ فَيَكُونُ لَهُ حُكْمُ الْمَكَانِ الْمُتَحَوَّلِ إلَيْهِ بِخِلَافِ الشَّجَرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْبَغَوِيّ إذَا دخل شئ مِنْ الْجَوَارِحِ إلَى الْحَرَمِ فَفَلَتَ فَأَتْلَفَ صَيْدًا فَلَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِهِ لِأَنَّهُ لَا فِعْلَ لَهُ وَقَدْ سَبَقَ نَظِيرُ هَذَا فِي الْحَرَمِ
* (فَرْعٌ)
إذَا حَفَرَ بِئْرًا فِي الْحَرَمِ فَهَلَكَ فِيهَا صَيْدٌ فَقَدْ سَبَقَ فِي الْبَابِ الْمَاضِي أَنَّهُ إنْ حَفَرَهَا فِي
مَحَلِّ عُدْوَانٍ لَزِمَهُ ضَمَانُهُ وَإِنْ حَفَرَهَا فِي مِلْكِهِ أَوْ مَوَاتٍ فَالْأَصَحُّ الضَّمَانُ أَيْضًا وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً هُنَاكَ
* وَلَوْ نَصَبَ شَبَكَةً فِي الْحَرَمِ فَهَلَكَ بِهَا صَيْدٌ ضَمِنَ قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَوْ أَخْرَجَ يَدَهُ مِنْ الْحَرَمِ فَنَصَبَهَا فِي الْحِلِّ فَتَلِفَ بِهَا صَيْدٌ لَمْ يَضْمَنْ وَلَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ مِنْ الْحِلِّ فَنَصَبَهَا فِي الْحَرَمِ ضَمِنَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ كَانَ الْحَلَالُ جَالِسًا فِي الْحَرَمِ فَرَأَى صَيْدًا فِي الْحِلِّ فَعَدَا إلَيْهِ فَقَتَلَهُ فِي الْحِلِّ فَلَا ضَمَانَ بِلَا خِلَافٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ رَمَى سَهْمًا مِنْ الْحَرَمِ إلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ إنْ ابْتَدَأَ الِاصْطِيَادَ مِنْ حِينِ الرَّمْيِ لِأَنَّ السَّهْمَ لَيْسَ لَهُ اخْتِيَارٌ وَلَيْسَ ابْتِدَاءُ الِاصْطِيَادِ مِنْ حِينِ الْعَدْوِ بَلْ مِنْ حِينِ ضَرْبِهِ وَلِهَذَا شُرِعَ لَهُ التَّسْمِيَةُ عِنْدَ ابْتِدَاءِ إرْسَالِ السَّهْمِ

(7/445)


وَلَا يُشْرَعُ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْعَدْوِ إلَى ضَرْبِهِ بَلْ عِنْدَ ابْتِدَاءِ ضَرْبِهِ وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا عُلِمَ أَنَّ مُرْسِلَ السَّهْمِ اصْطَادَ فِي الْحَرَمِ بِخِلَافِ الْعَادِي قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي كِتَابِهِ الْجَامِعِ وَهَكَذَا لَوْ عَدَا مِنْ الْحِلِّ إلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ فَسَلَكَ الْحَرَمَ ثُمَّ خرج إليه فقتله فلا شئ عليه بلا خلاف
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وان دخل كافرا الي الحرم فقتل فيه صيدا فقد قال بعض أصحابنا يجب عليه الضمان لانه ضمان يتعلق بالاتلاف فاستوى فيه المسلم والكافر كضمان الاموال ويحتمل عندي انه لا ضمان عليه لانه غير ملتزم بحرمة الحرم فلا يضمن صيده)
* (الشَّرْحُ) الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ وُجُوبُ الْجَزَاءِ عَلَيْهِ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فَأَوْهَمَ انْفِرَادَ بَعْضِ الْأَصْحَابِ بِهِ مَعَ أَنَّهُ مَشْهُورٌ قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَهَذَا الِاحْتِمَالُ الَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ غَرِيبٌ انْفَرَدَ بِهِ وَجَعَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَجْهًا فَحَكَاهُ عَنْ الْمُصَنِّفِ وَرَجَّحَهُ الْفَارِقِيّ تِلْمِيذُ الْمُصَنِّفِ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ الْمَذْهَبُ وُجُوبُ الضَّمَانِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ مِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ

(7/446)


الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابَيْهِ التَّعْلِيقِ وَالْمُجَرَّدِ وَأَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي
كِتَابِهِ الْجَامِعِ وَالدَّارِمِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ وَلَا يُفَارِقُ الكفر الْمُسْلِمَ فِي ضَمَانِ صَيْدِ الْحَرَمِ وَشَجَرِهِ وَسَائِرِ نباته الا في شئ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْجَزَاءُ بالصيام بل يتخير بين المثل والطعام * قال المصنف رحمه الله
* (ويحرم قلع شجر الحرم ومن أصحابنا من قال ما أنبته الآدميون يجوز قلعه والمذهب الاول لحديث ابن عباس رضي الله عنهما ولان ما حرم لحرمة الحرم استوى فيه المباح والمملوك كالصيد ويجب فيه الجزاء فَإِنْ كَانَتْ شَجَرَةً كَبِيرَةً ضَمِنَهَا بِبَقَرَةٍ وَإِنْ كانت صغيرة ضمنها بشاة لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أنه قال (في الدوحة بقرة وفى الشجرة الجزلة شاة) فان قطع غصنا منها ضمن ما نقص فان نبت مكانه فهل يسقط عنه الضمان علي القولين بناء على القولين في السن إذا قلع ثم نبت
* ويجوز أخذ الورق ولا يضمنه لانه لا يضر بها وان قلع شجرة من الحرم لزمه ردها الي موضعها كما إذا أخذ صيدا منه لزمه تخليته فان أعادها إلى موضعها فنبت لم يلزمه شئ وان لم تنبت وجب عليه ضمانها
* ويحرم قطع حشيش الحرم لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا) ويضمنه لانه ممنوع من قطعه لحرمة الحرم فضمنه كالشجر وان قطع الحشيش فنبت مكانه لم يلزمه الضمان قولا واحدا لان ذلك يستخلف في العادة فهو كسن الصبى إذا قلعه فنبت مكانه مثله بخلاف الاغصان ويجوز قطع الاذخر لحديث ابن عباس رضي الله عنهما ولان الحاجة تدعو إليه ويجوز رعى الحشيش لان الحاجة تدعو الي ذلك فجاز كقطع الاذخر ويجوز قطع العوسج والشوك لانه مؤذ فلم يمنع من إتلافه كالسبع والذئب)
* (الشرح) قوله ولا مَا حُرِّمَ لِحُرْمَةِ الْحَرَمِ احْتِرَازٌ مِنْ الصَّيْدِ فِي الْحِلِّ فِي حَقِّ الْحَلَالِ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَوِي فِيهِ الْمُبَاحُ وَالْمَمْلُوكُ بَلْ يَحِلُّ لَهُ اصْطِيَادُ الْمُبَاحِ دُونَ الْمَمْلُوكِ قَالَ الْقَلَعِيُّ وَقِيَاسُهُ عَلَى الصَّيْدِ فِي هَذِهِ الْعِلَّةِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ لان الصيد المملوك يجوز ذبحه وتثبت الْيَدُ عَلَيْهِ فِي الْحَرَمِ دُونَ الْمُبَاحِ وَإِنَّمَا يستوى المباح والمملوك في التحريم على لمحرم خَاصَّةً وَالدَّوْحَةُ بِدَالٍ مَفْتُوحَةٍ وَحَاءٍ مُهْمَلَتَيْنِ بَيْنَهُمَا واو ساكنة وهى العظيمة (وقوله) ممنوع قَطْعِهِ لِحُرْمَةِ الْحَرَمِ احْتِرَازٌ مِنْ قَطْعِ شَجَرٍ وج والنقيع وَغَيْرِهِمَا وَقَالَ الْقَلَعِيُّ احْتِرَازٌ مِنْ قَطْعِ يَدِ نفسه وهذا صحيح لكن الْأَوَّلَ أَحْسَنُ (قَوْلُهُ) يَسْتَخْلِفُ لَوْ قَالَ يَخْلُفُ كَانَ أَجْوَدَ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يَحْرُمُ قَطْعُ نَبَاتِ الْحَرَمِ كَمَا يَحْرُمُ اصْطِيَادُ صَيْدِهِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ
لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ كَمَا سَبَقَ وَهَلْ يَتَعَلَّقُ بِنَبَاتِهِ الضَّمَانُ فِيهِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَبِهِ قَطَعَ المصنف والعراقيون وجماعة وغيرهم يَتَعَلَّقُ كَالصَّيْدِ
(وَالثَّانِي)
حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ قَوْلَانِ

(7/447)


(أصحهما) هذا (والثاني) لا ضمان فيه لان الصَّيْدَ نَصَّ فِيهِ عَلَى الْجَزَاءِ بِخِلَافِ النَّبَاتِ وَهَذَا الْقَوْلُ حَكَوْهُ عَنْ الْقَدِيمِ وَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ الضمان
* ثم النبات ضربان شجر وغيره (أما) الشَّجَرُ فَيَحْرُمُ التَّعَرُّضُ بِالْقَلْعِ وَالْقَطْعِ لِكُلِّ شَجَرٍ رَطْبٍ حَرَمِيٍّ غَيْرِ مُؤْذٍ فَاحْتَرَزْنَا بِالرَّطْبِ عَنْ الْيَابِسِ فَلَا يَحْرُمُ قَطْعُهُ وَلَا ضَمَانَ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَوْ قَدَّ صَيْدًا مَيِّتًا نِصْفَيْنِ
* هَكَذَا قَاسَهُ الْبَغَوِيّ وَالْأَصْحَابُ وَاحْتَرَزْنَا بِغَيْرِ مُؤْذٍ عَنْ الْعَوْسَجِ وَكُلِّ شَجَرَةٍ ذَاتِ شَوْكٍ فَلَا يَحْرُمُ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِقَطْعِهِ ضَمَانٌ كَالْحَيَوَانِ الْمُؤْذِي
* هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَفِي وَجْهٍ حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَاخْتَارَهُ الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ مَضْمُونٌ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ وَيُخَالِفُ الْحَيَوَانُ فَإِنَّهُ يُقْصَدُ لِلْأَذَى وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ (وَلَا يُعْضَدُ شَوْكُهَا) وَهَذَا مِمَّا يُقَوِّي هَذَا الْوَجْهَ وَلِلْقَائِلَيْنِ بِالْمَذْهَبِ أَنْ يُجِيبُوا عَنْهُ بِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْفَوَاسِقِ الْخَمْسِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْمُؤْذِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَاحْتَرَزْنَا بِالْحَرَمِيِّ عَنْ أَشْجَارِ الْحِلِّ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْلَعَ شَجَرَةً مِنْ الْحَرَمِ وَيَنْقُلَهَا إلَى الْحِلِّ مُحَافَظَةً عَلَى حُرْمَتِهَا وَلَوْ نَقَلَ فَعَلَيْهِ رَدُّهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ نَقَلَ مِنْ بُقْعَةٍ مِنْ الْحَرَمِ إلَى بُقْعَةٍ أُخْرَى مِنْهُ لَا يُؤْمَرُ بِالرَّدِّ وَسَوَاءٌ نَقَلَ أَشْجَارَ الْحَرَمِ أَوْ أَغْصَانَهَا إلَى الْحِلِّ أَوْ الْحَرَمِ يُنْظَرُ إنْ يَبِسَتْ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ وَإِنْ نَبَتَتْ فِي الْمَوْضِعِ الْمَنْقُولِ إلَيْهِ فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ فَلَوْ قَلَعَهَا قَالِعٌ لَزِمَ الْقَالِعَ الْجَزَاءُ إبْقَاءً لِحُرْمَةِ الْحَرَمِ وَلَوْ قَلَعَ شَجَرَةً أَوْ غُصْنًا مِنْ الْحِلِّ وَغَرَسَهَا فِي الْحَرَمِ فَنَبَتَتْ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا حُكْمُ الْحَرَمِ فلو قلعها هو أو غيره فلا شي هـ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ
* اتَّفَقَ

(7/448)


أَصْحَابُنَا عَلَى هَذَا فِي الطَّرِيقِينَ
* وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُمْ نَقَلُوا الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الصَّيْدِ إذَا دَخَلَ الْحَرَمَ وَهُوَ عَلَى الْإِبَاحَةِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لَهُ وَيَجِبُ الْجَزَاءُ لِأَنَّ الصَّيْدَ لَيْسَ بِأَصْلٍ ثَابِتٍ فَاعْتُبِرَ مَكَانُهُ وَالشَّجَرُ أَصْلٌ ثَابِتٌ فَلَهُ حُكْمُ مَنْبَتِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ أَصْلُ الشَّجَرَةِ فِي الْحَرَمِ وَأَغْصَانُهَا فِي الْحِلِّ حَرُمَ قَطْعُ أَغْصَانِهَا وَوَجَبَ فِيهِ الضَّمَانُ وَلَوْ كَانَ أَصْلُهَا فِي الْحِلِّ وَأَغْصَانُهَا في الحرم فلا شئ فِي قَطْعِ
أَغْصَانِهَا قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَلَوْ كَانَ بَعْضُ أَصْلِ الشَّجَرَةِ فِي الْحِلِّ وَبَعْضُهُ فِي الْحَرَمِ فَلِجَمِيعِهَا حُكْمُ الْحَرَمِ
* (فَرْعٌ)
إذَا أَخَذَ غُصْنًا مِنْ شَجَرَةٍ حُرْمِيَّةٍ وَلَمْ يَخْلُفْ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ النُّقْصَانِ وَسَبِيلُهُ ضَمَانِ جُرْحِ الصَّيْدِ وَإِنْ أَخْلَفَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ لِكَوْنِ الْغُصْنِ لَطِيفًا كَسِوَاكٍ وَغَيْرِهِ فَلَا ضَمَانَ
* وَإِذَا أَوْجَبْنَا الضَّمَانَ لِعَدَمِ إخْلَافِهِ فَنَبَتَ الغصن وكان المقطوع مثل النابت فَفِي سُقُوطِ الضَّمَانِ الْقَوْلَانِ اللَّذَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَسْقُطُ
* (فَرْعٌ)
اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى جَوَازِ أَخْذِ أَوْرَاقِ الْأَشْجَارِ لَكِنْ يُؤْخَذُ بِسُهُولَةٍ وَلَا يَجُوزُ خَبْطُهَا بِحَيْثُ يُؤْذِي قُشُورَهَا
* قَالَ أَصْحَابُنَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ يَجُوزُ أَخْذُ الْوَرِقِ مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ وَقَطْعُ الْأَغْصَانِ الصِّغَارِ لِلسِّوَاكِ
* وَقَالَ فِي الْإِمْلَاءِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا لَيْسَتْ عَلَى قَوْلَيْنِ بَلْ عَلَى حَالَيْنِ فَالْمَوْضِعُ الَّذِي قَالَ يَجُوزُ أَرَادَ إذَا لَقَطَ الْوَرِقَ بِيَدِهِ وَكَسَرَ الْأَغْصَانَ الصِّغَارَ بِيَدِهِ بِحَيْثُ لَا تَتَأَذَّى نَفْسُ الشَّجَرَةِ وَالْمَوْضِعُ الَّذِي قَالَ لَا يَجُوزُ أَرَادَ إذَا خَبَطَ الشَّجَرَةَ حَتَّى تَسَاقَطَ الْوَرِقُ وَتَكَسَّرَتْ الْأَغْصَانُ لِأَنَّ ذَلِكَ يضر الشجرة هَكَذَا ذَكَرَ هَذَا التَّأْوِيلَ لِلْحَصْرِ وَالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَأَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى جَوَازِ أَخْذِ ثِمَارِ شَجَرِ الْحَرَمِ وَإِنْ كَانَتْ أَشْجَارًا مُبَاحَةً كَالْأَرَاكِ وَيُقَالُ لِثَمَرَةِ الْأَرَاكِ الْكَبَاثُ بِكَافٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مُخَفَّفَةٍ ثُمَّ أَلْفٍ ثُمَّ ثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَخْذِ عُودِ السِّوَاكِ وَنَحْوِهِ وَسَبَقَ فِي الْبَابِ الْمَاضِي الْفَرْقُ بَيْنَ أَخْذِ الْأَوْرَاقِ وَأَخْذِ شَعْرِ الصَّيْدِ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ لِأَنَّ أَخْذَهُ يَضُرُّ الْحَيَوَانَ فِي الْحَرِّ وَالْبَرْدِ
*

(7/449)


(فَرْعٌ)
هَلْ يَعُمُّ التَّحْرِيمُ وَالضَّمَانُ مَا يَنْبُتُ مِنْ الْأَشْجَارِ بِنَفْسِهِ وَمَا يُسْتَنْبَتُ أَمْ يَخْتَصُّ بِمَا نَبَتَ بِنَفْسِهِ فِيهِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) وَأَشْهَرُهُمَا عَلَى قَوْلَيْنِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ (وَأَصَحُّ) الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَسَائِرِ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْجُمْهُورِ مِنْ غَيْرِهِمْ التَّعْمِيمُ
(وَالثَّانِي)
التَّخْصِيصُ وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) الْقَطْعُ بِالتَّعْمِيمِ
وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِمَا وَآخَرُونَ قَالَ أَبُو حَامِدٍ وَشَجَرُ الْحَرَمِ حَرَامٌ سَوَاءٌ نَبَتَ بِنَفْسِهِ أو أنبته آدمى
* قال وحكي بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ إنَّمَا يَحْرُمُ مَا نَبَتَ بِنَفْسِهِ دُونَ مَا أَنْبَتَهُ آدَمِيٌّ
* قَالَ أَبُو حَامِدٍ وَإِنَّمَا أُخِذَ هَذَا مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْإِمْلَاءِ وَلَوْ قَطَعَ شَجَرَةً مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ إذَا كَانَ لَا مَالِكَ لَهُ فَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ مَالِكٌ فَلَا جَزَاءَ
* قَالَ أَبُو حامد وهذا ليس بشئ لِأَنَّهُ إنَّمَا خَصَّ الشَّجَرَ الَّذِي لَا مَالِكَ لَهُ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الْجَزَاءُ فَقَطْ وَلَمْ يَذْكُرْ مَالَهُ مَالِكٌ لِأَنَّ فِيهِ الْجَزَاءَ أَوْ الْقِيمَةَ هَذَا كَلَامُ أَبِي حَامِدٍ وَقَطَعَ الْمَاسَرْجِسِيُّ وَالدَّارِمِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّ مَا زَرَعَهُ الْآدَمِيُّ مِنْ التَّمْرِ كَالْعِنَبِ وَالنَّخْلِ وَالتُّفَّاحِ وَالتِّينِ وَنَحْوِهَا فَلَا ضَمَانَ فِيهِ وَلَا يَحْرُمُ قَطْعُهُ وَأَنْكَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ هَذَا عَلَيْهِمْ وَقَالَ هَذَا خِلَافُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَخِلَافُ قَوْلِ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا فَإِنَّ التَّحْرِيمَ وَالضَّمَانَ عَامٌّ فِي الْجَمِيعِ وَهَكَذَا نَقَلَ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي عَامَّةِ كُتُبِهِ أَنَّهُ يَجِبُ الضَّمَانُ فِي شَجَرِ السَّفَرْجَلِ وَالتُّفَّاحِ وَسَائِرِ مَا أَنْبَتَهُ الْأَرْضُ مِنْ الثِّمَارِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ التَّعْمِيمُ فَإِذَا قُلْنَا بِالضَّعِيفِ وَهُوَ التَّخْصِيصُ زِيدَ فِي الضَّابِطِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ قَيْدٌ آخَرُ وَهُوَ كَوْنُ الشَّجَرِ مِمَّا يَنْبُتُ بِنَفْسِهِ وَعَلَى هَذَا القول يحرم الادراك وَالطَّرَفَا وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَشْجَارِ الْبَوَادِي دُونَ التِّينِ وَالْعِنَبِ وَالتُّفَّاحِ وَالصَّنَوْبَرِ وَسَائِرِ مَا يُنْبِتُهُ الْآدَمِيُّ سَوَاءٌ كَانَ مُثْمِرًا كَمَا ذَكَرْنَا أَوْ غَيْرُهُ كالحلان وَأَدْرَجَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي هَذَا الْقَسَمِ الْعَوْسَجَ
* وَأَنْكَرَ الْأَصْحَابُ ذَلِكَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ ذُو شَوْكٍ وقد سبق اتفاق على ان ماله شَوْكٌ لَا يَحْرُمُ وَلَا ضَمَانَ فِيهِ
* وَعَلَى هذا الْقَوْلِ الضَّعِيفِ وَهُوَ التَّخْصِيصُ لَوْ نَبَتَ مَا يُسْتَنْبَتُ أَوْ عَكْسُهُ فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْجِنْسِ فَيَجِبُ الضَّمَانُ فِي الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ قَوْلُ أبى العباس بن العاص فِي التَّلْخِيصِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْقَصْدِ فَيَنْعَكِسُ الْحُكْمُ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالْمَذْهَبِ وَهُوَ التَّعْمِيمُ فَجَمِيعُ الشَّجَرِ حَرَامٌ سَوَاءٌ مَا نَبَتَ بِنَفْسِهِ وَمَا أَنْبَتَهُ آدَمِيٌّ وَالْمُثْمِرُ وَغَيْرُهُ إلَّا الْعَوْسَجَ وَسَائِرَ شَجَرِ الشَّوْكِ وَكَذَا مَا قَطَعَ

(7/450)


مِنْ الْحِلِّ وَغَرَسَ فِي الْحَرَمِ فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ صُورَةُ مَسْأَلَةِ الْخِلَافِ فِيمَا أَنْبَتَهُ الْآدَمِيُّ أَنْ يَأْخُذَ غُصْنًا مِنْ شَجَرَةٍ حُرْمِيَّةٍ فَيَغْرِسُهُ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْحَرَمِ أَمَّا إذَا أَخَذَ شَجَرَةً
أَوْ غُصْنًا مِنْ الْحِلِّ فَغَرَسَهُ فِي الْحَرَمِ ثُمَّ قَلَعَهَا هُوَ أَوْ غَيْرُهُ فَلَا شي عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا سَبَقَ
* (فَرْعٌ)
لَوْ انْتَشَرَتْ أَغْصَانُ شَجَرَةٍ حُرْمِيَّةٍ وَمَنَعَتْ النَّاسَ الطَّرِيقَ أَوْ آذَتْهُمْ جَازَ قَطْعُ الْمُؤْذِي مِنْهَا
* هَذَا هو المذهب وبه قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَمِمَّنْ قَطَعَ بِهِ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْمَرْزُبَانِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ وَحَكَاهُ الدَّارِمِيُّ عَنْ ابْنِ مرزبان ثُمَّ قَالَ وَيُحْتَمَلُ عِنْدِي الضَّمَانُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ حَيْثُ وَجَبَ ضَمَانُ الشَّجَرِ فَإِنْ كَانَتْ شَجَرَةً كَبِيرَةً ضَمِنَهَا بِبَقَرَةٍ وَإِنْ شَاءَ بِبَدَنَةٍ وَمَا دُونَهَا بِشَاةٍ
* قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَالْمَضْمُونَةُ بِشَاةٍ مَا كَانَتْ قَرِيبَةً مِنْ سُبْعِ الْكَبِيرَةِ فَإِنْ صَغُرَتْ جِدًّا فَالْوَاجِبُ الْقِيمَةُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا ثُمَّ الْبَقَرَةُ وَالشَّاةُ وَالْقِيمَةُ عَلَى التَّعْدِيلِ وَالتَّخْيِيرِ كَالصَّيْدِ فَإِنْ شَاءَ أَخْرَجَ الْبَقَرَةَ أو الشاة فَذَبَحَهَا وَفَرَّقَ لَحْمَهَا وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَهَا دَرَاهِمَ وَأَخْرَجَ بِقِيمَتِهَا طَعَامًا وَإِنْ شَاءَ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُتْلِفُ كَافِرًا فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ ذَلِكَ صِيَامَهُ كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الدَّوْحَةُ هِيَ الشَّجَرَةُ الْكَبِيرَةُ ذَاتُ الْأَغْصَانِ وَالْجَزْلَةُ الَّتِي لَا أَغْصَانَ لَهَا وَأَطْلَقَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْجَزْلَةَ هِيَ الصَّغِيرَةُ (الضَّرْبُ الثَّانِي) مِنْ نَبَاتِ الْحَرَمِ غَيْرِ الشَّجَرِ وَهُوَ نَوْعَانِ
(أَحَدُهُمَا)
مَا زَرَعَهُ الْآدَمِيُّ كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ والقطفرة والبقول وَالْخَضْرَاوَاتِ فَيَجُوزُ لِمَالِكِهِ قَطْعُهُ وَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَطَعَهُ غَيْرُهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِمَالِكِهِ وَلَا شئ عَلَيْهِ لِلْمَسَاكِينِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ (النَّوْعُ الثَّانِي) مَا لَمْ يُنْبِتْهُ الْآدَمِيُّ وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَصْنَافٍ (الْأَوَّلُ) الْإِذْخِرُ وَهُوَ مُبَاحٌ فَيَجُوزُ قَلْعُهُ وَقَطْعُهُ بِلَا خِلَافٍ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلِعُمُومِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ (وَالثَّانِي) الشَّوْكُ فَيَجُوزُ قَطْعُهُ وَقَلْعُهُ كَمَا سَبَقَ فِي الْعَوْسَجِ وَشَجَرِ الشَّوْكِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ هُنَا الْمَاوَرْدِيُّ (الثَّالِثُ) مَا كَانَ دَوَاءً كَالسَّنَا وَنَحْوِهِ وَفِيهِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الْقَطْعُ بِجَوَازِهِ لِأَنَّهُ مِمَّا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فَأُلْحِقَ بِالْإِذْخِرِ وَقَدْ أَبَاحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم الاذخر للحاجة هذا فِي مَعْنَاهُ
* وَمِمَّنْ جَزَمَ بِهَذَا الطَّرِيقِ الْمَاوَرْدِيُّ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ (وَالثَّانِي) الْمَنْعُ
* وَمِمَّنْ حَكَى هَذَا الطَّرِيقَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ لَكِنْ

(7/451)


خَصَّ هَؤُلَاءِ الْخِلَافَ بِمَا إذَا احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ لِلدَّوَاءِ وَلَمْ يَخُصَّهُ الْمَاوَرْدِيُّ بَلْ عَمَّمَهُ وَجَعَلَهُ مُبَاحًا مُطْلَقًا
كَالْإِذْخِرِ (الرَّابِعُ) الْكَلَأُ فَيَحْرُمُ قَطْعُهُ وَقَلْعُهُ إنْ كَانَ رَطْبًا فَإِنْ قَلَعَهُ لَزِمَتْهُ الْقِيمَةُ وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ إخْرَاجِهَا طَعَامًا وَالصِّيَامِ كَمَا سَبَقَ فِي الشَّجَرِ وَالصَّيْدِ
* هَذَا إذَا لَمْ يَخْلُفْ الْمَقْلُوعَ فَإِنْ أَخْلَفَ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الصَّحِيحِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ لان الغالب هنا الا خلاف فَهُوَ كَسِنِّ الصَّبِيِّ فَإِنَّهَا إذَا قُلِعَتْ فَنَبَتَتْ فَلَا ضَمَانَ قَوْلًا وَاحِدًا
* هَكَذَا ذَكَرَ الْأَصْحَابُ في الطرقتتين الْحُكْمَ وَالدَّلِيلَ
* وَشَذَّ عَنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فقال في تعليه إذَا قَطَعَ الْحَشِيشَ ثُمَّ نَبَتَ ضَمِنَهُ قَوْلًا وَاحِدًا وَلَا يَكُونُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْغُصْنِ إذا عاد قال والفرق ان الحشيش بخلف فِي الْعَادَةِ فَلَوْ أَسْقَطْنَا الضَّمَانَ عَنْ قَاطِعِهِ بِعَوْدِهِ أَدَّى ذَلِكَ إلَى الْإِغْرَاءِ بِقَطْعِهِ بِخِلَافِ الْغُصْنِ فَإِنَّهُ قَدْ يَعُودُ وَقَدْ لَا يَعُودُ
* هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ وَجَزَمَ هُوَ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ بِسُقُوطِ الضَّمَانِ إذَا نَبَتَ الْحَشِيشُ كَمَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ
* هَذَا إذَا عَادَ كَمَا كَانَ فَإِنْ عَادَ نَاقِصًا ضَمِنَ مَا نَقَصَ بِلَا خِلَافٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْيَابِسِ (أَمَّا) الْيَابِسُ فقال البغوي ان كان قطعه فلا شئ عَلَيْهِ كَمَا سَبَقَ فِي الشَّجَرِ الْيَابِسِ وَإِنْ قَلَعَهُ لَزِمَهُ الضَّمَانَ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْلَعْهُ لَنَبَتَ ثَانِيًا هَذَا لَفْظُ الْبَغَوِيِّ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ
* وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إذَا جَفَّ الْحَشِيشُ وَمَاتَ جَازَ قَلْعُهُ وَأَخْذُهُ وَهَذَا لَا يُخَالِفُ قَوْلَ الْبَغَوِيِّ فَيَكُونُ قَوْلُ الْبَغَوِيِّ إنَّ الْقَلْعَ يُوجِبُ الضَّمَانَ فِيمَا إذَا كَانَ الْيَابِسُ لَمْ يَمُتْ بَلْ هُوَ مِمَّا يَنْبُتُ لَوْلَا الْقَلْعُ وَلَمْ يفسد أصله وقول الْمَاوَرْدِيُّ إنَّمَا هُوَ فِيمَا مَاتَ وَلَا يُرْجَى نَبَاتُهُ لَوْ بَقِيَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَاتَّفَقَ

(7/452)


أَصْحَابُنَا عَلَى جَوَازِ تَسْرِيحِ الْبَهَائِمِ فِي كَلَأِ الْحَرَمِ لِتَرْعَى وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (أَقْبَلْتُ رَاكِبًا عَلَى أَتَانٍ فَوَجَدْتُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ بِمِنًى إلَى غَيْرِ جِدَارٍ فَدَخَلْتُ فِي الصَّفِّ وَأَرْسَلْتَ الْأَتَانَ يَرْتَعُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَمِنًى مِنْ الْحَرَمِ
* ولو أَخَذَ الْكَلَأَ لِعَلَفِ الْبَهَائِمِ فَفِي جَوَازِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ
(أَحَدُهُمَا)
التَّحْرِيمُ وَوُجُوبُ الضَّمَانِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم (لا يُخْتَلَى خَلَاهَا) (وَالثَّانِي) الْجَوَازُ وَلَا ضَمَانَ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا لَوْ أَرْسَلَ دَابَّتَهُ تَرْعَى وَلِأَنَّ تَحْرِيمَ الِاحْتِشَاشِ إنَّمَا كَانَ لِتَوْفِيرِ الْكَلَأِ لِلْبَهَائِمِ وَالصَّيُودِ
* وَقَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا الْقَائِلُ بقول إنَّمَا يَحْرُمُ الِاخْتِلَاءُ وَالِاحْتِشَاشُ لِلْبَيْعِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَغْرَاضِ سِوَى الْعَلَفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
قَالَ أهل اللغة العشب والخلا مقصور اسْمٌ لِلرَّطْبِ وَالْحَشِيشُ اسْمٌ لِلْيَابِسِ
* وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ مَكِّيٍّ وَغَيْرُهُ فِي لَحْنِ الْعَوَامّ إطْلَاقَهُمْ الْحَشِيشَ عَلَى الرَّطْبِ قَالُوا وَالصَّوَابُ اخْتِصَاصُ الْحَشِيشِ بِالْيَابِسِ قَالُوا وَالْكَلَأُ مَهْمُوزٌ يَقَعُ عَلَى الرَّطْبِ واليابس
* هذا كلام أهل اللغة وأما المصنف والاصحاب

(7/453)


فأطلقوا الحشيش علي الرطب وَهَذَا يَصِحُّ عَلَى الْمَجَازِ فَسُمِّيَ الرَّطْبُ حَشِيشًا باسم ما يؤل إلَيْهِ لِكَوْنِهِ أَقْرَبَ إلَى أَفْهَامِ أَهْلِ الْعُرْفِ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (ولا يجوز إخراج تراب الحرم وأحجاره لما روى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنهما انهما كانا يكرهان أن يخرج من تراب الحرم إلى الحل أو يدخل من تراب الحل إلى الحرم
* وروى عبد الاعلى ابن عبد الله بن عامر قال (قدمت مع أمي أو مع جدتى مكة فأتينا صفية بنت شيبة فأرسلت إلى الصفا فقطعت حجرا من جنابه فخرجنا به فنزلنا أول منزل فذكر من علتهم جميعا فَقَالَتْ أُمِّي أَوْ جَدَّتِي مَا أَرَانَا أُتِينَا إلَّا أَنَّا أَخْرَجْنَا هَذِهِ الْقِطْعَةَ مِنْ الْحَرَمِ قال وكنت أنا أمثلهم فقالت لى انْطَلِقْ بِهَذِهِ الْقِطْعَةِ إلَى صَفِيَّةَ فَرُدَّهَا وَقُلْ لها ان الله عز وجل وضع في حرمه شيئا لا يَنْبَغِي أَنْ يُخْرَجَ مِنْهُ قَالَ

(7/454)


عبد الاعلى فما هو إلا أن نحينا ذلك فكأنما أنشطنا من عقال) ويجوز إخراج ماء زمزم لما رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (استهدى رواية من ماء زمزم فبعث إليه براوية من ماء ولان الماء يستخلف بخلاف التراب والاحجار)
* (الشرح) أمما حَدِيثُ مَاءِ زَمْزَمَ فَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (اسْتَهْدَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ) وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ جَابِرٍ رضى الله عنه قال (أرسلني النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ أن يفتح مكة إلى سهل بْنِ عَمْرٍو أَنْ أَهْدِ لَنَا مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَلَا تَتْرُكْ فَبَعَثَ إلَيْهِ بِمَزَادَتَيْنِ) وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (كَانَتْ تَحْمِلُ مَاءَ زَمْزَمَ وَتُخْبِرُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يفعله) رواه الترمذي قال حَدِيثٌ حَسَنُ الْإِسْنَادِ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ هَكَذَا ثُمَّ قَالَ وَفِي رِوَايَةٍ (حَمَلَهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الادوى والقرب وكان يصب على
المرضى ويسقهم) (وَأَمَّا) تُرَابُ الْحَرَمِ وَأَحْجَارُهُ فَرَوَى الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا كَرِهَا أَنْ يُخْرَجَ مِنْ تُرَابِ الْحَرَمِ وَحِجَارَتِهِ إلَى الحل شئ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَبْدِ الْأَعْلَى الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِلَفْظٍ يُخَالِفُ رِوَايَةَ الْمُصَنِّفِ فَلَفْظُهُمَا عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ (قَدِمْتُ مَعَ أُمِّي أَوْ قَالَ جَدَّتِي فَأَتَتْهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ شَيْبَةَ فَأَكْرَمَتْهَا وَفَعَلَتْ بِهَا قَالَتْ صَفِيَّةُ مَا أَدْرِي مَا أُكَافِئُهَا بِهِ فَأَرْسَلَتْ إلَيْهَا بِقِطْعَةٍ مِنْ الرُّكْنِ فَخَرَجْنَا بِهَا فَنَزَلْنَا أَوَّلَ مَنْزِلٍ فَذَكَرنَا مِنْ مَرَضِهِمْ وَعِلَّتِهِمْ

(7/455)


جَمِيعًا قَالَ فَقَالَتْ أُمِّي أَوْ جَدَّتِي مَا أَرَانَا أُتِينَا إلَّا أَنَّا أَخْرَجْنَا هَذِهِ الْقِطْعَةَ مِنْ الْحَرَمِ فَقَالَتْ لِي وَكُنْتُ أُمَثِّلُهُمْ انْطَلِقْ بِهَذِهِ الْقِطْعَةِ إلَى صَفِيَّةَ فَرُدَّهَا وَقُلْ لَهَا إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ وَضَعَ فِي حَرَمِهِ شَيْئًا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْرَجَ مِنْهُ قَالَ عَبْدُ الْأَعْلَى فَقَالُوا لِي فَمَا هُوَ إلَّا أن تجبنا بِدُخُولِك الْحَرَمَ فَكَأَنَّمَا أُنْشِطْنَا مِنْ عَقْلٍ) هَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَذَكَرَ أَبُو الْوَلِيدِ الْأَزْرَقِيُّ فِي كِتَابِ مَكَّةَ فِي فَضْلِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ أَنَّهَا أَعْطَتْهُمْ قِطْعَةً مِنْ الْحَجَرِ الاسود كانت عندها اصبتها حِينَ اُقْتُلِعَ الْحَجَرُ فِي زَمَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ حِينَ حَاصَرَهُ الْحَجَّاجُ وَهَذَا مَعْنَى رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ قطعد مِنْ الرُّكْنِ أَيْ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ وَالْمُرَادُ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَعَبْدُ الْأَعْلَى هَذَا تَابِعِيٌّ قُرَيْشِيٌّ (وَأَمَّا) صَفِيَّةُ هَذِهِ فَهِيَ صَحَابِيَّةٌ قُرَيْشِيَّةٌ عبدرية

(7/456)


وَهِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ شَيْبَةَ الصَّحَابِيِّ حَاجِبِ الْكَعْبَةِ وَهُوَ شَيْبَةُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ وَاسْمُ طَلْحَةَ هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ قَالَتْ صَفِيَّةُ (رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ خَمْسَةُ أَحَادِيثَ عَنْ عَائِشَةَ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) اتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى جَوَازِ نَقْلِ مَاءِ زَمْزَمَ إلَى جَمِيعِ الْبِلَادِ وَاسْتِحْبَابِ أَخْذِهِ لِلتَّبَرُّكِ وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ مَا ذَكَرْتُهُ (الثَّانِيَةُ) اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يُدْخَلَ تراب

(7/457)


الْحِلِّ وَأَحْجَارُهُ الْحَرَمَ لِئَلَّا يَحْدُثَ لَهَا حُرْمَةٌ لَمْ تَكُنْ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ مَكْرُوهٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَهْيٌ صَحِيحٌ صَرِيحٌ وَأَمَّا قول صاحب البيان قال الشيخ أبو إسحق لا يجوز إدخال شئ مِنْ تُرَابِ الْحِلِّ وَأَحْجَارِهِ
إلَى الْحَرَمِ فَغَلَطٌ منه ولم يذكر الشيخ ابو إسحق هَذَا الَّذِي ادَّعَاهُ (الثَّالِثَةُ) قَالَ الْمُصَنِّفُ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُ تُرَابِ الْحَرَمِ وَأَحْجَارِهِ إلَى الْحِلِّ هَذِهِ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ وَكَذَا قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُهُمَا وَتَابَعَهُمَا صَاحِبُ الْبَيَانِ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي يُمْنَعُ مِنْ إخْرَاجِهِمَا وَقَالَ الدَّارِمِيُّ لَا يُخْرِجُهُمَا وَقَالَ كَثِيرُونَ أَوْ الْأَكْثَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا يُكْرَهُ إخْرَاجُهُمَا فَأَطْلَقُوا لَفْظَ الْكَرَاهِيَةِ
* مِمَّنْ قَالَ يُكْرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَأَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ قَالَ

(7/458)


الشَّافِعِيُّ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَلَا أُجِيزُ فِي أَنْ يُخْرَجَ مِنْ حِجَارَةِ الْحَرَمِ وَتُرَابِهِ شَيْئًا إلَى الْحِلِّ لِأَنَّ لَهُ حُرْمَةً قَالَ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ ثُمَّ أَكْرَهُ إخْرَاجَهُمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَرَخَّصَ بَعْضُ النَّاسِ فِي ذَلِكَ وَاحْتَجَّ بِشِرَاءِ الْبِرَامِ مِنْ مَكَّةَ قَالَ الشَّافِعِيُّ هَذَا غَلَطٌ فَإِنَّ الْبِرَامَ لَيْسَتْ مِنْ حِجَارَةِ الْحَرَمِ بَلْ تُحْمَلُ مِنْ مَسِيرَةِ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ مِنْ الْحَرَمِ
* هَذَا نَقْلُ الْقَاضِي وَهَكَذَا نَقَلَ الْأَصْحَابُ عَنْ الشَّافِعِيِّ نَحْوَ هَذَا فَحَصَلَ خِلَافٌ لِلْأَصْحَابِ فِي أَنَّ إخْرَاجَهُمَا مَكْرُوهٌ أَوْ حَرَامٌ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ فَإِنْ أَخْرَجَهُ فَلَا ضَمَانَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَإِذَا أَخْرَجَهُ فَعَلَيْهِ رَدُّهُ إلَى الْحَرَمِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَهُوَ آخِرُ الْحَجِّ مِنْ تَعْلِيقِهِ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْأَمَالِيِّ الْقَدِيمَةِ وَعَلَّلَهَا بِأَنَّ الْحَرَمَ بُقْعَةٌ تُخَالِفُ سَائِرَ الْبِقَاعِ وَلَهَا شَرَفٌ عَلَى غَيْرِهَا بِدَلِيلِ اخْتِصَاصِ النُّسُكَيْنِ بِهَا وَوُجُوبِ الْجَزَاءِ فِي صَيْدِهَا فَلَا تَفُوتُ هَذِهِ الْحُرْمَةُ لِتُرَابِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي حُكْمِ سُتْرَةِ الْكَعْبَةِ قَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ وَكَذَا قَالَ أَبُو الْفَضْلِ بْنُ عَبْدَانَ مِنْ أَصْحَابِنَا لَا يَجُوزُ قَطْعُ أستار الكعبة ولا قطع شئ مِنْ ذَلِكَ قَالَ وَلَا يَجُوزُ

(7/459)


نَقْلُهُ وَلَا بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ خِلَافُ مَا يَفْعَلُهُ العامة يشترونه مِنْ بَنِي شَيْبَةَ وَرُبَّمَا وَضَعُوهُ فِي أَوْرَاقِ الْمَصَاحِفِ قَالَ وَمَنْ حَمَلَ مِنْهُ شَيْئًا لَزِمَهُ رَدُّهُ
* وَحَكَى الرَّافِعِيُّ قَوْلَ ابْنِ عَبْدَانَ وَسَكَتَ عليه ولم يذكر غيره فكأنه ارتضاه وواقفه عَلَيْهِ وَكَذَا قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَلِيمِيُّ مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذَ
منها شئ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ قَوْلَ الْحَلِيمِيِّ وَابْنِ عَبْدَانَ ثُمَّ قَالَ الْأَمْرُ فِيهَا إلَى الْإِمَامِ يَصْرِفُهَا فِي بَعْضِ مَصَارِفِ بَيْتِ الْمَالِ بَيْعًا وَعَطَاءً وَاحْتَجَّ بِمَا رَوَاهُ الْأَزْرَقِيُّ صَاحِبُ كِتَابِ مَكَّةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَنْزِعُ كِسْوَةَ الْبَيْتِ كُلَّ سَنَةٍ فَيُقَسِّمُهَا عَلَى الْحَاجِّ وَهَذَا الَّذِي اختاره

(7/460)


الشيخ أبو عمرو حسن متعين ليلا يُؤَدِّيَ إلَى تَلَفِهَا بِطُولِ الزَّمَانِ
* وَقَدْ رَوَى الْأَزْرَقِيُّ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا سَبَقَ وَرَوَى الْأَزْرَقِيُّ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا قَالَا تُبَاعُ كِسْوَتُهَا وَيُجْعَلُ ثَمَنُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ وَأُمُّ سلمة ولا بَأْسَ أَنْ يَلْبَسَ كِسْوَتَهَا مَنْ صَارَتْ إلَيْهِ مِنْ حَائِضٍ وَجُنُبٍ وَغَيْرِهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*

(7/461)


(فرع)
لا يجوز أخذ شئ مِنْ طِيبِ الْكَعْبَةِ لَا لِلتَّبَرُّكِ وَلَا لِغَيْرِهِ وَمَنْ أَخَذَ شَيْئًا مِنْهُ لَزِمَهُ رَدُّهُ إلَيْهَا فَإِنْ أَرَادَ التَّبَرُّكَ أَتَى بِطِيبٍ مِنْ عِنْدِهِ فَمَسَحَهَا بِهِ ثُمَّ أَخَذَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
مُهِمٌّ فِي بَيَانِ حُدُودِ حَرَمِ مَكَّةَ الَّذِي يَحْرُمُ فِيهِ الصَّيْدُ وَالنَّبَاتُ وَيُمْنَعُ أَخْذُ تُرَابِهِ وَأَحْجَارِهِ وَبَيَانُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ وَمَا يُخَالِفُ فِيهِ غَيْرَهُ مِنْ الْأَرْضِ وَفِيهِ مَسَائِلُ
(إحْدَاهَا) فِي حُدُودِ الْحَرَمِ وَقَدْ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْجِزْيَةِ مُخْتَصَرَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْحَرَمَ هُوَ مَكَّةُ وَمَا أَحَاطَ بِهَا مِنْ جَوَانِبِهَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لَهَا حُكْمَهَا فِي الْحُرْمَةِ تَشْرِيفًا لَهَا وَمَعْرِفَةُ حُدُودِ الْحَرَمِ مِنْ أَهَمِّ مَا يُعْتَنَى

(7/462)


بِهِ لِكَثْرَةِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ وَقَدْ اجْتَهَدْتُ فِي إيضَاحِهِ وَتَتَبُّعِ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ فِي إتْقَانِهِ عَلَى أَكْمَلِ وُجُوهِهِ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى فَحَدُّ الْحَرَمِ مِنْ جِهَةِ الْمَدِينَةِ دُونَ النتعيم عند بيوت نِفَارٍ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنْ مَكَّةَ وَمِنْ طريق اليمن طرف اضاة لبن في ثنية لِبْنٍ عَلَى سَبْعَةِ أَمْيَالٍ مِنْ مَكَّةَ وَمِنْ طَرِيقِ الطَّائِفِ عَلَى عَرَفَاتٍ مِنْ بَطْنِ نَمِرَةَ عَلَى سَبْعَةِ أَمْيَالٍ وَمِنْ طَرِيقِ الْعِرَاقِ عَلَى ثَنِيَّةِ جَبَلٍ بِالْمَقْطَعِ عَلَى سَبْعَةِ أَمْيَالٍ وَمِنْ طَرِيقِ الْجِعْرَانَةِ فِي شِعْبِ آلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ عَلَى تِسْعَةِ أَمْيَالٍ وَمِنْ طَرِيقِ جَدَّةَ مُنْقَطِعُ الْأَعْشَاشِ عَلَى عَشَرَةِ

(7/463)


أَمْيَالٍ مِنْ مَكَّةَ
* هَكَذَا ذَكَرَ هَذِهِ الْحُدُودَ أَبُو الْوَلِيدِ الْأَزْرَقِيُّ فِي كِتَابِ مَكَّةَ وَأَبُو الْوَلِيدِ هَذَا أَحَدُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ الْآخِذِينَ عَنْهُ الَّذِينَ رَوَوْا عَنْهُ الْحَدِيثَ وَالْفِقْهَ
* وَكَذَا ذَكَرَ هَذِهِ الْحُدُودَ الْمَاوَرْدِيُّ صَاحِبُ الْحَاوِي فِي كِتَابِهِ الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ
* وَكَذَا ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَأَصْحَابُنَا فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ إلَّا أَنَّ عِبَارَةَ بَعْضِهِمْ أَوْضَحُ مِنْ بَعْضٍ لَكِنَّ الْأَزْرَقِيَّ قَالَ فِي حَدِّهِ مِنْ طَرِيقِ الطَّائِفِ أَحَدَ عَشَرَةَ مِيلًا وَاَلَّذِي قَالَهُ الْجُمْهُورُ سَبْعَةٌ فَقَطْ بِتَقْدِيمِ السِّينِ عَلَى الْبَاءِ وَفِي هَذِهِ الْحُدُودِ أَلْفَاظٌ غَرِيبَةٌ يَنْبَغِي ضبطها فقولهم ببوت نِفَارٍ هُوَ بِكَسْرِ النُّونِ وَبِالْفَاءِ وَقَوْلُهُمْ أَضَاةُ لِبْنٍ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَبِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ عَلَى وَزْنِ الْقَنَاةِ وَهِيَ مُسْتَنْقَعُ الْمَاءِ (وَأَمَّا) لِبْنٍ فَبِلَامٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ سَاكِنَةٍ كَذَا ضَبَطَهَا الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْحَازِمِيُّ الْمُتَأَخِّرُ فِي كِتَابِهِ الْمُؤْتَلِفِ وَالْمُخْتَلِفِ فِي أَسْمَاءِ الْأَمَاكِنِ (وَقَوْلُهُمْ) الْأَعْشَاشُ هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَبِشِينَيْنِ مُعْجَمَتَيْنِ جَمْعُ عُشٍّ (وَقَوْلُهُمْ) فِي جَدَّةَ مِنْ جِهَةِ الْجِعْرَانَةِ تِسْعَةُ أَمْيَالٍ هُوَ بِتَقْدِيمِ التَّاءِ عَلَى السِّينِ (وأما) الحدود الثلاثة الباقية فانها سبعة سبعة بِتَقْدِيمِ السِّينِ (وَاعْلَمْ) أَنَّ الْحَرَمَ عَلَيْهِ عَلَامَاتٌ مَنْصُوبَةٌ فِي جَمِيعِ جَوَانِبِهِ
* ذَكَرَ الْأَزْرَقِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدِهِمْ أَنَّ إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَّمَهَا وَنَصَبَ الْعَلَامَاتِ فِيهَا وَكَانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُرِيهِ مَوَاضِعَهَا ثُمَّ أُمِرَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَحْدِيدِهَا ثُمَّ عُمَرُ ثُمَّ عُثْمَانُ ثُمَّ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَهِيَ إلَى الْآنَ بَيِّنَةٌ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ
* قَالَ الْأَزْرَقِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِ مَكَّةَ أَنْصَابُ الْحَرَمِ الَّتِي عَلَى رَأْسِ الثَّنِيَّةِ مَا كَانَ مِنْ وُجُوهِهَا فِي هذ الشِّقِّ فَهُوَ حَرَمٌ وَمَا كَانَ فِي ظَهْرِهَا فَهُوَ حِلٌّ قَالَ وَبَعْضُ الْأَعْشَاشِ فِي الْحِلِّ وَبَعْضُهُ فِي الْحَرَمِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) حَكَى الْمَاوَرْدِيُّ

(7/464)


خلافا للعملاء فِي أَنَّ مَكَّةَ مَعَ حُرْمَتِهَا هَلْ صَارَتْ حَرَمًا آمِنًا بِقَوْلِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمْ كَانَتْ قَبْلَهُ كَذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَمْ تَزَلْ حَرَمًا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ كَانَتْ مَكَّةُ حَلَالًا قَبْلَ دَعْوَةِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَسَائِرِ الْبِلَادِ وَإِنَّمَا صَارَتْ حَرَمًا بِدَعْوَتِهِ كَمَا صَارَتْ الْمَدِينَةُ حَرَمًا بِتَحْرِيمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ حَلَالًا
* وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي جُمْلَةِ حَدِيثٍ طَوِيلٍ (اللَّهُمَّ إنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ فَجَعَلَهَا حَرَامًا وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ حَرَامًا مَأْزِمَيْهَا أَنْ لَا يُرَاقَ فِيهَا دم ولا يحمل فيها سلاح لقتال ولا يُخْبَطُ فِيهَا شَجَرَةٌ إلَّا لِعَلَفٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي آخِرِ كِتَابِ
الْحَجِّ مِنْ صَحِيحِهِ
* وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَيْضًا أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (إنِّي حَرَّمْتُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْ الْمَدِينَةِ كَمَا حَرَّمَ إبْرَاهِيمُ مَكَّةَ)
* وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَإِنِّي حرمت المدينة ما بين لا بيتها لَا يُعْضَدُ عِضَاهُهَا وَلَا يُصَادُ صَيْدُهَا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ
* وَعَنْ أَنَسٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (اللَّهُمَّ إنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مكة وإنى احرم المدينة وما بين لا بيتها) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَشْرَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ قَالَ (اللَّهُمَّ إنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ جَبَلَيْهَا مِثْلَ مَا حَرَّمَ بِهِ إبْرَاهِيمُ مَكَّةَ)
* وَعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مكة وإنى احرم ما بين لا بتيها يريد المدينة)

(7/465)


رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَدَعَا لِأَهْلِهَا وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ كَمَا حَرَّمَ إبْرَاهِيمُ مَكَّةَ وَإِنِّي دَعَوْتُ فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا بمثل ما دعي بِهِ إبْرَاهِيمُ لِأَهْلِ مَكَّةَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ تَحْرِيمَهَا لَمْ يَزَلْ مِنْ حِينِ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ (هَذَا بَلَدٌ حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) رَوَاهُ البخاري ومسلم
* وعن أبي سريج الْخُزَاعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَمَنْ قَالَ بِهَذَا أَجَابَ عَنْ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ بِأَنَّ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَظْهَرَ تَحْرِيمَهَا بَعْدَ أَنْ كَانَ خَفِيًّا مَهْجُورًا لَا يُعْلَمُ لَا أَنَّهُ ابْتَدَأَهُ وَمَنْ قَالَ بِالْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ أَجَابَ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَتَبَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَوْ غَيْرِهِ أَنَّ مَكَّةَ سَيُحَرِّمُهَا إبْرَاهِيمُ أَوْ أَظْهَرَ ذَلِكَ لِلْمَلَائِكَةِ (وَالْأَصَحُّ) مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهَا مَا زَالَتْ مُحَرَّمَةً مِنْ حِينِ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ دُورِ مَكَّةَ وَإِجَارَاتِهَا وَسَائِرِ الْمُعَامَلَاتِ عَلَيْهَا وَكَذَا سَائِرُ الْحَرَمِ كَمَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهَا وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً بِدَلَائِلِهَا وَفُرُوعِهَا حَيْثُ ذَكَرَهَا الْأَصْحَابُ فِي آخِرِ بَابِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الرَّابِعَةُ) مَذْهَبُنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَحَ مَكَّةَ صُلْحًا لَا عَنْوَةً لَكِنْ دَخَلَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَأَهِّبًا لِلْقِتَالِ خَوْفًا مِنْ غَدْرِ أَهْلِهَا وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ بِدَلَائِلِهَا وَفُرُوعِهَا
حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ السِّيَرِ وَالْغَنَائِمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الْخَامِسَةُ) مَذْهَبُنَا جَوَازُ إقَامَةِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فِي الْحَرَمِ سَوَاءٌ كَانَ قَتْلًا أَوْ قَطْعًا سَوَاءٌ كَانَتْ الْجِنَايَةُ فِي الْحَرَمِ أَوْ خَارِجِهِ ثُمَّ لَجَأَ إلَيْهِ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ بِأَدِلَّتِهَا وَفُرُوعِهَا حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ بَابِ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ إنْ شَاءَ

(7/466)


اللَّهُ تَعَالَى (السَّادِسَةُ) فِي الْأَحْكَامِ الَّتِي يُخَالِفُ الْحَرَمُ فِيهَا غَيْرَهُ مِنْ الْبِلَادِ وَهِيَ كَثِيرَةٌ نذكر منها اطراف (أَحَدُهَا) أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَدْخُلَهُ أَحَدٌ إلَّا بِإِحْرَامٍ وَهَلْ ذَلِكَ وَاجِبٌ أَمْ مُسْتَحَبٌّ فِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ (الْأَصَحُّ) مُسْتَحَبٌّ (الثَّانِي) يَحْرُمُ صَيْدُهُ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ حَتَّى أَهْلِ الْحَرَمِ وَالْمُحِلِّينَ (الثَّالِثُ) يَحْرُمُ شَجَرُهُ وَخَلَاهُ (الرَّابِعُ) مَنْعُ إخْرَاجِ تُرَابِهِ وَأَحْجَارِهِ وَهَلْ هُوَ مَنْعُ كَرَاهَةٍ أَوْ تَحْرِيمٍ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ (الْخَامِسُ) أَنَّهُ يُمْنَعُ كُلُّ كَافِرٍ مِنْ دُخُولِهِ مُقِيمًا كَانَ أَوْ مَارًّا هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَجَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ مَا لَمْ يَسْتَوْطِنْهُ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ بِأَدِلَّتِهَا وَفُرُوعِهَا حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ

(7/467)


الْجِزْيَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (السَّادِسُ) لَا تَحِلُّ لُقَطَتُهُ لِمُتَمَلِّكٍ وَلَا تَحِلُّ إلَّا لِمُنْشِدٍ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ (السَّابِعُ) تَغْلِيظُ الدِّيَةِ بِالْقَتْلِ فِيهِ (الثَّامِنُ) تَحْرِيمُ دَفْنِ المشرك فيه ونبشه مِنْهُ (التَّاسِعُ) تَخْصِيصُ ذَبْحِ دِمَاءِ الْجَزَاءَاتِ فِي الْحَجِّ وَالْهَدَايَا (الْعَاشِرُ) لَا دَمَ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ وَالْقَارِنِ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِهِ (الْحَادِيَ عَشَرَ) لَا يُكْرَهُ صَلَاةُ النَّفْلِ الَّتِي لَا سَبَبَ لَهَا فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ فِي الْحَرَمِ سَوَاءٌ فِي مَكَّةَ وَسَائِرِ الْحَرَمِ وَفِيمَا عَدَا مَكَّةَ وَجْهٌ شَاذٌّ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِهِ (الثَّانِيَ عَشَرَ) إذَا نَذَرَ قَصْدَهُ لَزِمَهُ الذَّهَابُ إليه بحج وعمرة بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْمَسَاجِدِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الذَّهَابُ إلَيْهِ إذَا نَذَرَهُ إلَّا مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ

(7/468)


صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِيهِمَا (الثَّالِثَ عَشَرَ) إذَا نَذَرَ النَّحْرَ وَحْدَهُ بِمَكَّةَ لَزِمَهُ النَّحْرُ بِهَا وَتَفْرِقَةُ اللَّحْمِ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَلَوْ نَذَرَ ذَلِكَ فِي بَلَدٍ آخَرَ لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ (الرَّابِعَ عَشَرَ) يَحْرُمُ اسْتِقْبَالُ الْكَعْبَةِ وَاسْتِدْبَارُهَا بِالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ فِي الصَّحْرَاءِ (الْخَامِسَ عَشَرَ) تَضْعِيفُ الْأَجْرِ فِي الصَّلَوَاتِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَكَذَا سَائِرُ الطَّاعَاتِ (السَّادِسَ
عَشَرَ) يُسْتَحَبُّ لِأَهْلِ مَكَّةَ أَنْ يُصَلُّوا الْعِيدَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ (وأما) غَيْرُهُمْ فَهَلْ الْأَفْضَلُ صَلَاتُهُمْ فِي مَسْجِدِهِمْ أَمْ فِي الصَّحْرَاءِ فِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي بَابِ صَلَاةِ الْعِيدِ (السَّابِعَ عَشَرَ) لَا يَجُوزُ إحْرَامُ الْمُقِيمِ فِي الْحَرَمِ بِالْحَجِّ خَارِجَهُ (الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ) مَكَّةُ عِنْدَنَا أَفْضَلُ الْأَرْضِ وَبِهِ قَالَ عُلَمَاءُ

(7/469)


مَكَّةَ وَالْكُوفَةَ وَابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ حَبِيبٍ الْمَالِكِيَّانِ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ
* قَالَ الْعَبْدَرِيُّ هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ
* وَقَالَ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ الْمَدِينَةُ أَفْضَلُ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ أَفْضَلُ الْأَرْضِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي أَيِّهِمَا أَفْضَلُ
* دَلِيلُنَا حَدِيثُ عَبْدِ الله بن عدى بن االحمراء رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِمَكَّةَ يَقُولُ (لِمَكَّةَ وَاَللَّهِ إنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ وَأَحَبُّ أَرْضٍ إلَى اللَّهِ وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ فِي كِتَابِ الْمَنَاقِبِ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَسَنَزِيدُ الْمَسْأَلَةَ بَسْطًا وَإِيضَاحًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حيث ذكرهما الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ النَّذْرِ فِيمَنْ

(7/470)


نَذَرَ الْهَدْيَ إلَى أَفْضَلِ الْبِلَادِ
* وَعَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْمَسَاجِدِ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ فِي مَسْجِدِي) حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ
* وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي آخِرِ كِتَابِ الْحَجِّ مِنْ شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ مَوْضِعَ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ الْأَرْضِ وَأَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا سِوَاهُ (الثَّامِنَةُ) يُكْرَهُ حَمْلُ السِّلَاحِ بِمَكَّةَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ لِحَدِيثِ جَابِرٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا يَحِلُّ أَنْ يُحْمَلَ السِّلَاحُ بِمَكَّةَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(7/471)


(التَّاسِعَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ أَنْ تحج الكعبة في كل سنة فلا يعطل وَلَيْسَ لِعَدَدِ الْمُحَصِّلِينَ لِهَذَا الْغَرَضِ قَدْرٌ مُتَعَيَّنٌ بَلْ الْغَرَضُ وُجُودُ حَجِّهَا كُلَّ سَنَةٍ مِنْ بَعْضِ الْمُكَلَّفِينَ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً فِي أَوَّلِ كِتَابِ السِّيَرِ حَيْثُ ذَكَرَ الشَّافِعِيَّ وَالْمُزَنِيُّ وَالْأَصْحَابُ فُرُوضَ الْكِفَايَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
(الْعَاشِرَةُ) عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَوَّلِ مَسْجِدٍ وُضِعَ

(7/472)


فِي الْأَرْضِ قَالَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ قُلْتُ ثُمَّ أَيُّ قَالَ الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى قُلْتُ كَمْ بَيْنَهُمَا قَالَ أَرْبَعُونَ عَامًا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (الْحَادِيَةَ عَشَرَ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ فِي خَصَائِصِ الْحَرَمِ لَا يُحَارَبُ أَهْلُهُ فَإِنْ بَغَوْا عَلَى أَهْلِ الْعَدْلِ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ يَحْرُمُ قِتَالُهُمْ بَلْ يُضَيَّقُ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَرْجِعُوا عَنْ الْبَغْيِ وَيَدْخُلُوا فِي أَحْكَامِ أَهْلِ الْعَدْلِ قَالَ وَقَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ يُقَاتَلُونَ عَلَى بَغْيِهِمْ إذَا لَمْ يُمْكِنْ رَدُّهُمْ عَنْ الْبَغْيِ إلَّا بِالْقِتَالِ لِأَنَّ قِتَالَ الْبُغَاةِ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي لَا تَجُوزُ إضَاعَتُهَا فَحِفْظُهَا فِي الْحَرَمِ أَوْلَى مِنْ إضَاعَتِهَا
* هَذَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ هُوَ الصَّوَابُ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ مِنْ كُتُبِ الْأُمِّ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِسِيَرِ الْوَاقِدِيِّ مِنْ كُتُبِ الْأُمِّ
* وَقَالَ الْقَفَّالُ الْمَرْوَزِيُّ فِي كتابه شرح التخليص

(7/473)


فِي أَوَّلِ كِتَابِ النِّكَاحِ فِي ذِكْرِ الْخَصَائِصِ لَا يَجُوزُ الْقِتَالُ بِمَكَّةَ قَالَ حَتَّى لَوْ تَحَصَّنَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْكُفَّارِ فِيهَا لَمْ يَجُزْ لَنَا قِتَالُهُمْ فِيهَا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَفَّالُ غَلَطٌ نَبَّهْتُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ (فَإِنْ قيل) فقد ثبت عن أبي سريج الْخُزَاعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(7/474)


فِي الْيَوْمِ الَّذِي بَعْدَ يَوْمِ فَتْحِ مَكَّةَ يَقُولُ (إنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ وَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا وَلَا يَعْضُدَ بِهَا شَجَرَةً فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ لِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا فَقُولُوا لَهُ إنَّ اللَّهَ قَدْ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ وَإِنَّمَا أُذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ثُمَّ عَادَتْ الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ وَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ بِمَعْنَاهُ فِي تَحْرِيمِ الْقِتَالِ بِمَكَّةَ وَأَنَّهَا لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ بِهَا إلَّا سَاعَةً لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَالْجَوَابُ) أَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ تَحْرِيمُ نَصْبِ الْقِتَالِ عَلَيْهِمْ وَقِتَالِهِمْ بِمَا يَعُمُّ كَالْمَنْجَنِيقِ وَغَيْرِهِ إذَا أَمْكَنَ إصْلَاحُ الْحَالِ بِدُونِ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا تَحَصَّنَّ كُفَّارٌ فِي بَلَدٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ قتالهم على كل وجه وبكل شئ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ فِي آخِرِ كِتَابِهِ الْمَعْرُوفِ بِسِيَرِ الْوَاقِدِيِّ مِنْ كُتُبِ الْأُمِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّانِيَةَ عَشَرَةَ) سَدَانَةُ الْكَعْبَةِ وَحِجَابَتُهَا هِيَ وِلَايَتُهَا وَخِدْمَتُهَا وَفَتْحُهَا وَإِغْلَاقُهَا وَنَحْوُ ذَلِكَ وَهَذَا حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ لبتى طلحة الحجيين مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى هَذَا وَمِمَّنْ نَقَلَهُ عَنْ الْعُلَمَاءِ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْحَجِّ مِنْ شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَذَكَرْتُهُ أَنَا هُنَاكَ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَأَوْضَحْتُهُ بِدَلِيلِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ فَهِيَ وِلَايَةٌ لَهُمْ عَلَيْهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَبْقَى دَائِمَةً أَبَدًا لهم ولذرياتهم لا نحل لاحد منارعتهم فِيهَا مَا دَامُوا مَوْجُودِينَ صَالِحِينَ لِذَلِكَ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (كل مأئرة كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَهِيَ تَحْتَ قَدَمِي إلَّا سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَسَدَانَةَ الْبَيْتِ)
*

(7/475)


(فَرْعٌ)
ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ الْكَعْبَةَ الْكَرِيمَةَ بُنِيَتْ خَمْسَ مَرَّاتٍ (إحْدَاهَا) بَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ قَبْلَ آدَمَ وَحَجَّهَا آدَم فَمَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ الله وسلامه عليهم (الثانية) بناها إبراهيم عليه السلام قال الله تعالى (وإذ بو أنا لابراهيم مكان البيت) وَقَالَ تَعَالَى (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ البيت) الْآيَةَ (الثَّالِثَةُ) بَنَتْهَا قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَحَضَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْبِنَاءَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَكَانَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَئِذٍ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً وَقِيلَ خَمْسٌ وَثَلَاثُونَ (الرَّابِعَةُ) بَنَاهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ (الْخَامِسَةُ) بَنَاهَا الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ فِي خِلَافَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ واستقر بناها الَّذِي بَنَاهُ الْحَجَّاجُ إلَى الْآنَ وَقِيلَ إنَّهَا بُنِيَتْ مَرَّتَيْنِ أُخْرَتَيْنِ قَبْلَ بِنَاءِ قُرَيْشٍ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي كِتَابِ الْمَنَاسِكِ الْكَبِيرِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ فِي بَابِ دُخُولِ مَكَّةَ فِي آخِرِ مَسْأَلَةِ افْتِتَاحِ الطَّوَافِ بِالِاسْتِلَامِ قَالَ الشَّافِعِيُّ أُحِبُّ أَنْ تُتْرَكَ الْكَعْبَةُ عَلَى حَالِهَا فَلَا تُهْدَمُ لِأَنَّ هَدْمَهَا يُذْهِبُ حُرْمَتَهَا وَيَصِيرُ كَالتَّلَاعُبِ بِهَا فَلَا يُرِيدُونَ بِتَغْيِيرِهَا إلَّا هَدْمَهَا فَلِذَلِكَ اسْتَحْبَبْنَا تَرْكَهَا عَلَى مَا هِيَ عليه * قال المصنف رحمه الله
* (ويحرم صيد المدينة وقطع شجرها لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مكة وانى حرمت المدينة مثل ما حرم ابراهيم مكة لا ينفر صيدها ولا يعضد شجرها ولا

(7/476)


يختلى خلاها ولا تحل لقطتها الا لمنشد) فان قتل فيها صيدا ففيه قولان قال في القديم يسلب القاتل لما روى أن سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أخذ سلب رجل قتل صيدا في المدينة وَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول (من وجدتموه يقتل صيدا في حرم المدينة فاسلبوه) وقال في الجديد لا يسلب لانه موضع يجوز دخوله من غير احرام فلا يضمن صيده كوج فان قلنا يسلب دفع سلبه الي مساكين المدينة كما يدفع جزاء صيد مكة الي مساكين مكة وقال شيخنا أبو الطيب رحمه الله يكون سلبه لمن أخذه لان سعد بن أبى وقاص أخذ سلب القاتل وقال طُعْمَةً أَطْعَمَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم
* ويحرم صيد وج وهو واد بالطائف لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن قتل صيد وج فان قتل فيه صيدا قتل لم يضمنه بالجزاء لان الجزاء وجب بالشرع والشرع لم يرد الا في الاحرام والحرم ووج لا يبلغ الحرم من الحرمة فلم يلحق به في الجزاء)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَكِنْ فِي الصَّحِيحِ أَحَادِيثُ عَنْ غير أبي هريرة يحصل بِهَا مَقْصُودُ الْمُصَنِّفِ فِي الدَّلَالَةِ هُنَا (مِنْهَا) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ أن

(7/477)


رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَدَعَا لِأَهْلِهَا وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ كَمَا حَرَّمَ إبْرَاهِيمُ مَكَّةَ) الْحَدِيثَ رواه البحارى وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ (حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مابين لابتيى الْمَدِينَةِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (اللَّهُمَّ إنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ فَجَعَلَهَا حَرَامًا وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ حَرَامًا مَا بَيْنَ مَأْزِمَيْهَا أَنْ لَا يُهْرَاقَ فِيهَا دَمٌ وَلَا يُحْمَلَ فِيهَا سِلَاحٌ لِقِتَالٍ وَلَا تُخْبَطَ فِيهَا شَجَرَةٌ إلَّا لِعَلَفٍ) رواه مسلم وعن سعد ابن أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْ الْمَدِينَةِ أَنْ تُقْطَعَ عِضَاهُهَا أَوْ يُقْتَلَ صَيْدُهَا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنَّ إبْرَاهِيمَ حرم مكة وإني حرمت المدينة ما بين لابيتها لَا يُقْطَعُ عِضَاهُهَا وَلَا يُصَادُ صَيْدُهَا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْمَدِينَةُ حَرَامٌ مِنْ كَذَا إلَى كَذَا لَا يُقْطَعُ شَجَرُهَا وَلَا يُحْدَثُ فِيهَا مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمَدِينَةِ (لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلَا يُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إلَّا لِمَنْ أَشَادَ بِهَا وَلَا يَصْلُحُ لِرَجُلٍ أَنْ يَحْمِلَ فِيهَا السِّلَاحَ لِقِتَالٍ وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يُقْطَعَ مِنْهَا شَجَرٌ إلَّا أَنْ يَعْلِفَ رَجُلٌ بَعِيرَهُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَفِي الْمَسْأَلَةِ

(7/478)


أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ بِمَعْنَى مَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عامر بن سعد بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ سَعْدًا وَجَدَ عَبْدًا يَقْطَعُ شَجَرًا وَيَخْبِطُهُ فَسَلَبَهُ فَلَمَّا رَجَعَ سَعْدٌ جَاءَ أَهْلُ الْعَبْدِ فَكَلَّمُوهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ غُلَامَهُمْ أَوْ مَا أَخَذَ مِنْ غُلَامِهِمْ فَقَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ أَرُدَّ شَيْئًا فَعَلَهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أبن عبد الله قال رأيت سعد ابن أَبِي وَقَّاصٍ أَخَذَ رَجُلًا يَصِيدُ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ الَّذِي حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَبَهُ ثِيَابَهُ فَجَاءَ مَوَالِيهِ فَكَلَّمُوهُ فِيهِ فَقَالَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ هَذَا الْحَرَمَ وَقَالَ مَنْ أخذ أخذ فِيهِ فَلْيَسْلُبْهُ فَلَا أَرُدُّ عَلَيْكُمْ طُعْمَةً أَطْعَمَنِيهَا رسول الله صلى لله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنْ إنْ شِئْتُمْ دَفَعْتُ إلَيْكُمْ عنه (رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ حُفَّاظٌ إلا سليمان بن أبى داود عَبْدِ اللَّهِ هَذَا فَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ لَيْسَ هُوَ بِالْمَشْهُورِ وَلَكِنْ يُعْتَبَرُ بِحَدِيثِهِ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد وَهَذَا الَّذِي رَوَاهُ بِمَعْنَى مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَيَقْتَضِي مَجْمُوعُ هَذَا أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ صَحِيحَةٌ أَوْ حَسَنَةٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ أَنَّ سَعْدًا كَانَ يَخْرُجُ مِنْ الْمَدِينَةِ فَيَجِدُ الْحَاطِبَ مَعَهُ شَجَرٌ رَطْبٌ قَدْ عَضَدَهُ مِنْ بَعْضِ شَجَرِ الْمَدِينَةِ فَيَأْخُذُ سَلَبَهُ فَيُكَلَّمُ فِيهِ فَيَقُولُ لَا أَدَعُ غَنِيمَةً غَنَّمَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنِّي لَمِنْ أَكْنَزِ الناس مالا والله أعلم (وأما) حديث صيدوج فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَامّ

(7/479)


رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قال (إلا أن صيدوج وَعِضَاهَهُ يَعْنِي شَجَرَهُ حَرَامٌ مُحَرَّمٌ) وَذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِهِ الطَّائِفَ وَحِصَارِهِ ثَقِيفًا لَكِنَّ إسْنَادَهُ ضَعِيفٌ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ لَا يَصِحُّ وَوَجٌّ بِوَاوٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ جِيمٍ مُشَدَّدَةٍ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ إنَّهُ وَادٍ بِالطَّائِفِ فَكَذَا قَالَهُ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا الْفُقَهَاءِ (وَأَمَّا) أَهْلُ اللُّغَةِ فَيَقُولُونَ هو بلد الطَّائِفِ وَقَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُؤْتَلِفِ وَالْمُخْتَلِفِ فِي الْأَمَاكِنِ وَجٌّ اسْمٌ لِحُصُونِ الطَّائِفِ وَقِيلَ لِوَاحِدٍ مِنْهَا وَرُبَّمَا اشْتَبَهَ وَجٌّ هَذَا بِوَحٍّ بالحاء مهملة قَالَ الْحَازِمِيُّ هِيَ نَاحِيَةٌ
بِنُعْمَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) يَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لِصَيْدِ حَرَمِ الْمَدِينَةِ وَشَجَرِهِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ وَأَطْبَقَ عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ أَصْحَابِنَا وَحَكَى الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ قَوْلًا شَاذًّا أَنَّهُ مَكْرُوهٌ لَيْسَ بِحَرَامٍ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَأُخِذَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَلَا يَحْرُمُ قَتْلُ صَيْدٍ إلَّا صَيْدَ الْحَرَمِ وَأَكْرَهُ قَتْلَ صَيْدِ الْمَدِينَةِ وَهَذَا النَّقْلُ شَاذٌّ ضَعِيفٌ بَلْ بَاطِلٌ مُنَابِذٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ (وَأَمَّا) نَصُّ الشَّافِعِيِّ فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هَذِهِ الْكَرَاهَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّافِعِيُّ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا ثُمَّ اسْتَدَلَّ بِبَعْضِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ فَالصَّوَابُ الْجَزْمُ بِالتَّحْرِيمِ وَعَلَى هَذَا فَإِذَا ارْتَكَبَ هَذَا الْحَرَامَ هَلْ يَضْمَنُ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (الْجَدِيدُ) لَا يَضْمَنُ (وَالْقَدِيمُ) يَضْمَنُ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ وَأَجَابُوا لِلْجَدِيدِ عَنْ حَدِيثِ سَعْدٍ فِي سَلَبِ الصَّائِدِ بِجَوَابَيْنِ ضَعِيفَيْنِ (أَحَدُهُمَا) جَوَابُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى التَّغْلِيظِ
(وَالثَّانِي)
جَوَابُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فِي تعليقه

(7/480)


وَجَمَاعَةٍ بِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ هَذَا حِينَ كَانَتْ الْعُقُوبَةُ بِالْأَمْوَالِ ثُمَّ نُسِخَ وَهَذَانِ الْجَوَابَانِ ضَعِيفَانِ بَلْ بَاطِلَانِ وَالْمُخْتَارُ تَرْجِيحُ الْقَدِيمِ وَوُجُوبُ الْجَزَاءِ فِيهِ وَهُوَ سَلَبُ الْقَاتِلِ لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ فِيهِ صَحِيحَةٌ بِلَا مُعَارِضٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا قُلْنَا يَضْمَنُ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْفُورَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَالرَّافِعِيُّ
(أَحَدُهُمَا)
يَضْمَنُ كَضَمَانِ حَرَمِ مَكَّةَ عَلَى مَا سَبَقَ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ انه سلب الصائد وقاطع الشجر أو الكلاء وَعَلَى هَذَا فِي الْمُرَادِ بِالسَّلَبِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ كَسَلَبِ الْقَتِيلِ مِنْ الْكُفَّارِ مِمَّنْ قَطَعَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَأَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي جَامِعِهِ وَالدَّارِمِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابَيْهِ التَّعْلِيقِ وَالْمُجَرَّدِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْجُرْجَانِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُصَنَّفُ وَالشَّاشِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَخَلَائِقُ لَا يَنْحَصِرُونَ وَدَلِيلُهُ الْحَدِيثُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) إنْ سَلَبَهُ ثِيَابَهُ فَقَطْ وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَقَدْ أَشَارَ الْمُتَوَلِّي إلَى هَذَا وَفِي مَصْرِفِ سَلَبِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) انه للسالب كالقتيل ودليله فَإِنَّ سَعْدًا أَخَذَ السَّلَبَ لِنَفْسِهِ وَمِمَّنْ صَحَّحَ هَذَا الْوَجْهَ الدَّارِمِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ
وَغَيْرُهُمْ وَقَطَعَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ كَمَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ لِفُقَرَاءِ الْمَدِينَةِ وَهَذَا الْوَجْهُ حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَأَشَارَ هُوَ وَالْمُصَنَّفُ إلَى تَرْجِيحِهِ وَلَمْ يُوَافِقَا عَلَى

(7/481)


هَذَا التَّرْجِيحِ وَلَيْسَ هُوَ تَرْجِيحًا رَاجِحًا (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ لِبَيْتِ الْمَالِ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ عِبَارَتُهُ الْمَذْكُورَةُ فَإِنَّهُ أَوْهَمَ أَنَّ الْمَشْهُورَ فِي الْمَذْهَبِ تَفْرِيعًا على القديم ان السلب المساكين وَأَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ انْفَرَدَ بِاخْتِيَارِ كَوْنِهِ لِلسَّالِبِ وَلَيْسَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ بَلْ الْخِلَافُ مَشْهُورٌ جِدًّا لِلْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ فَمِمَّنْ حَكَى الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ وَمِمَّنْ حَكَى الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَهُمَا كَوْنُهُ لِلسَّالِبِ أَوْ لِلْفُقَرَاءِ الشَّيْخُ أَبُو حامد في تعليقه والدارمي وأبو علي البدنيجى وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَخَلَائِقُ نَحْوُهُمْ وَكُلُّ هَؤُلَاءِ أَقْدَمُ مِنْ الْمُصَنِّفِ وَحَكَاهُمَا مِنْ مُعَاصِرِي الْمُصَنِّفِ وَنَحْوِهِمْ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْجُرْجَانِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ لَكِنَّ الْجُرْجَانِيَّ حَكَاهُمَا فِي كِتَابِهِ التَّحْرِيرِ قَوْلَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّ السَّلَبَ كَسَلَبِ الْقَتِيلِ قَالَ أَصْحَابُنَا فهو مثله في كل شئ فكل شئ اختلفوا فيه هناك كالنفقة وَالْمِنْطَقَةِ فَفِيهِ هُنَا ذَاكَ الْخِلَافُ
* هَكَذَا صَرَّحَ به الشيخ أبو حامد وأبو علي البندينجى وَالْمَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّ السَّلَبَ كَسَلَبِ الْقَتِيلِ وَأَنَّهُ لِلسَّالِبِ فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حامد

(7/482)


يَأْخُذُ جَمِيعَ مَا مَعَهُ مِنْ ثِيَابٍ وَفُرُشٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَيُعْطِيهِ إزَارًا يَسْتُرُ بِهِ عَوْرَتَهُ فَإِذَا قَدَرَ عَلَى مَا يَسْتُرُ بِهِ عَوْرَتَهُ أَخَذَ مِنْهُ الْإِزَارَ وَقَالَ الدَّارِمِيُّ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ سَرَاوِيلُ يَأْخُذُهُ السَّالِبُ وَيَسْتُرُ الْمَسْلُوبُ نَفْسَهُ فَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يُخَلِّي لَهُ سَاتِرًا وَقَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّهُ يَتْرُكُ لَهُ مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ وَحَكَى الرُّويَانِيُّ وَجْهَيْنِ فِي أَنَّهُ هَلْ يَتْرُكُ لَهُ سَاتِرَ الْعَوْرَةِ وَاخْتَارَ أَنَّهُ يَتْرُكُ قَالَ وَهُوَ قَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَلَوْ كَانَ عَلَى الصَّائِدِ وَالْمُحْتَطِبِ ثِيَابٌ مَغْصُوبَةٌ لَمْ يُسْلَبْ بِلَا خِلَافٍ
* صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَهُوَ ظَاهِرٌ كَمَا لَوْ كَانَ مَعَ الْحَرْبِيِّ الْمَقْتُولِ مَالٌ أَخَذَهُ مِنْ مُسْلِمٍ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ السَّالِبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ الرَّافِعِيُّ وَاعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ وَكَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُسْلَبُ إذَا اصْطَادَ
وَلَا يُشْتَرَطُ الْإِتْلَافُ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَا أَدْرِي أَيُسْلَبُ إذَا أَرْسَلَ الصَّيْدَ أَمْ لَا يُسْلَبُ حَتَّى يُتْلِفَهُ قَالَ وَكِلَاهُمَا مُحْتَمَلٌ قَالَ وَلَيْسَ عِنْدَنَا فِيهِ ثَبْتٌ مِنْ تَوْقِيفٍ وَلَا قِيَاسٍ قَالَهُ الْإِمَامُ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا الْمَذْكُورِ بَيْنَ صَيْدٍ وَصَيْدٍ وَلَا شجرة وشجرة وكان السلب في معنى العاقبة لِلْمُتَعَاطِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ أَكْرَهُ صَيْدَ وَجٍّ وَلِلْأَصْحَابِ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَهُمْ الْقَطْعُ بِتَحْرِيمِهِ وَبِهَذَا قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالْجُمْهُورُ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي الطَّرِيقَتَيْنِ
* قَالُوا وَمُرَادُ الشَّافِعِيِّ بِالْكَرَاهَةِ كَرَاهَةُ تحريم (الطريق

(7/483)


(الثَّانِي) حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَمَنْ تَابَعَهُمْ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَحْرُمُ
(وَالثَّانِي)
يُكْرَهُ وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي شَجَرِهِ وَخَلَاهُ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ عَنْ نَصِّهِ فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّ الشَّجَرَ كَالصَّيْدِ (فَإِذَا قُلْنَا) بِالْمَذْهَبِ وَهُوَ تَحْرِيمُهُ فَاصْطَادَ فِيهِ أَوْ احْتَطَبَ أَوْ احْتَشَّ فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَجَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ أَنَّهُ يَأْثَمُ وَلَا ضَمَانَ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى هَذَا لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ لَا ضَمَانَ إلَّا فِيمَا وَرَدَ فِيهِ الشَّرْعُ وَلَمْ يَرِدْ فِي هذا شئ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا فِيهِ خِلَافٌ (الصَّحِيحُ) لَا ضَمَانَ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ كَصَيْدِ الْمَدِينَةِ وَشَجَرِهَا وَخَلَاهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الثَّالِثَةُ) النَّقِيعُ بِالنُّونِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ بِالْبَاءِ وَهُوَ الْحِمَى الَّذِي حَمَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ الصَّدَقَةِ وَنَحْوِهَا لَيْسَ هُوَ بِحَرَمٍ وَلَا يَحْرُمُ صَيْدُهُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ (وَأَمَّا) خَلَاهُ فَحَرَامٌ بِاتِّفَاقِهِمْ صَرَّحَ بِهِ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ (وَأَمَّا) شَجَرُهُ فَفِيهِ طَرِيقَانِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ بتحريمه وقال أبو على والامام والغزالي في تحريمه وجهان لتردد الصيد والخلافان أَخَذَ مِنْهُ شَجَرًا أَوْ كَلَأً فَفِي وُجُوبِ ضَمَانِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا أَبُو عَلِيٍّ وَالْإِمَامُ وَالْبَغَوِيُّ وغيرهم (احدهما)

(7/484)


لَا كَصَيْدِهِ (وَأَصَحُّهُمَا) وُجُوبُ الضَّمَانِ كَحَرَمِ مَكَّةَ
* صَحَّحَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالرَّافِعِيُّ فَعَلَى هَذَا تَجِبُ الْقِيمَةُ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يُسْلَبُ الْقَاتِلُ
* قَالَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ تُصْرَفُ الْقِيمَةُ فِي مَصْرَفِ نَعَمِ
الزَّكَاةِ وَالْجِزْيَةِ
* هَذَا كَلَامُهُمَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مصرفه بيت المال والله اعلم
* واستدلو لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِحَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُخْبَطُ وَلَا يُعْضَدُ حِمَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنْ يُهَشُّ هَشًّا رَفِيقًا) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ غَيْرِ قوى لكنه لَمْ يُضَعِّفْهُ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ (قَالَ لِرَجُلٍ إنِّي أَسْتَعْمِلُك عَلَى الْحِمَى فَمَنْ رَأَيْتَ يَعْضِدُ شَجَرًا أَوْ يَخْبِطُ فخذ فأسه وحبله قال الرجل آخُذُ رِدَاءَهُ قَالَ لَا) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*

(7/485)


(فَرْعٌ)
فِي بَيَانِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي بَيَانِ حَرَمِ الْمَدِينَةِ (مِنْهَا) عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةُ حَرَامٌ مَا بَيْنَ عِيرٍ إلى تور) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ هَكَذَا وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ مَا بَيْنَ عَائِرٍ إلَى كَذَا
* قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ عِيرٌ وَيُقَالُ لَهُ عائر جبل معروف بالمدينة قالوا وأما تور فَلَا يَعْرِفُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ بِهَا جَبَلًا يُقَالُ له تور وإنما تور جَبَلٌ بِمَكَّةَ قَالُوا فَنَرَى أَنَّ أَصْلَ الْحَدِيثِ مَا بَيْنَ عِيرٍ إلَى أُحُدٍ وَلَكِنَّهُ غَيَّرَهُ غَلَطُ الرُّوَاةِ فِيهِ وَاسْتَمَرَّتْ الرِّوَايَةُ
* وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُؤْتَلِفِ فِي الْأَمَاكِنِ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ مَا بَيْنُ عِيرٍ إلَى أُحُدٍ قال وقيل إلى تور قَالَ وَلَيْسَ لَهُ مَعْنَى
* هَذَا كَلَامُهُمْ فِي هذا الْحَدِيثِ وَلَا يَبْعُدُ أَنَّ الْجَبَلَ كَانَ يُسْمَى تورا ثُمَّ هُجِرَ ذَلِكَ الِاسْمُ
* وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (ما بين لابيتها حرام)

(7/486)


رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ (حَرَّمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بين لابيتى الْمَدِينَةِ) وَاللَّابَتَانِ الْحَرَّتَانِ تَثْنِيَةُ لَابَةٍ وَهِيَ الْأَرْضُ الْمُلْبَسَةُ حِجَارَةً سَوْدَاءَ وَالْمَدِينَةُ بَيْنَ لَابَتَيْنِ فِي شَرْقِهَا وَغَرْبِهَا
* وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إنِّي حَرَّمْتُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْ الْمَدِينَةِ كَمَا حَرَّمَ إبْرَاهِيمُ مَكَّةَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ
* وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَيْضًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (اللَّهُمَّ إنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ فَجَعَلَهَا حَرَمًا وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ حَرَامًا مَا بَيْنَ مَأْزِمَيْهَا أَنْ لَا يُهْرَاقَ فيها دم ولا يحمل سِلَاحٌ لِقِتَالٍ وَلَا يُخْبَطَ فِيهَا شَجَرٌ إلَّا لِعَلَفٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ
* وَعَنْ جَابِرٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ إبْرَاهِيمَ حرم مكة وإني حرمت المدينة ما بين لا بتيها لَا يُقْطَعُ
عِضَاهُهَا وَلَا يُصَادُ صَيْدُهَا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ
* وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ أَشْرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ (اللَّهُمَّ إنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ جَبَلَيْهَا مِثْلَ مَا حَرَّمَ إبْرَاهِيمُ مَكَّةَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ

(7/487)


ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الدَّعَوَاتِ فِي بَابِ التَّعَوُّذِ مِنْ غَلَبَاتِ الرِّجَالِ وَفِيهَا أَحَادِيثُ أُخَرُ سَبَقَتْ
* وَعَنْ عَدِّي بْنِ زَيْدٍ الْخُزَاعِيِّ الصَّحَابِيِّ قَالَ حَمَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(7/488)


(كُلَّ نَاحِيَةٍ مِنْ الْمَدِينَةِ بَرِيدًا بَرِيدًا لَا تُخْبَطُ شَجَرَةٌ وَلَا تُعْضَدُ إلَّا مَا يُسَاقُ بِهِ الْجَمَلُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ غَيْرِ قَوِيٍّ فَالْحَاصِلُ أَنَّ حَرَمَ الْمَدِينَةِ مَا بَيْنَ جَبَلَيْهَا طُولًا وَمَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا عَرْضًا وَاَللَّهُ أعلم
*

(7/489)


(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِصَيْدِ الْحَرَمِ وَنَبَاتِهِ
(إحْدَاهَا) أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ صَيْدِ الْحَرَمِ عَلَى الْحَلَالِ فَإِنْ قَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً وَقَالَ دَاوُد لَا جَزَاءَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تعالى (لا تقتلوا الصيد وانتم حرم) فقيده بالمجرمين
* دَلِيلُنَا مَا سَبَقَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ تَلِفَ بِسَبَبِهِ الطَّائِرُ فِي دَارِ النَّدْوَةِ وَمَا سَبَقَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْجَرَادِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآثَارِ وَقِيَاسًا عَلَى صَيْدِ الْإِحْرَامِ وَدَاوُد وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِالْقِيَاسِ فَيُسْتَدَلُّ عَلَى إثْبَاتِ

(7/490)


الْقِيَاسِ (الثَّانِيَةُ) حُكْمُ جَزَاءِ الْحَرَمِ كَجَزَاءِ الْإِحْرَامِ فَيُتَخَيَّرُ بَيْنَ الْمِثْلِ وَالْإِطْعَامِ وَالصِّيَامِ
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا مَدْخَلَ لِلصِّيَامِ فِيهِ قَالَ لِأَنَّهُ يَضْمَنُهُ ضَمَانَ الْأَمْوَالِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَضْمَنُهُ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ وَهُوَ الْحَرَمُ فَأَشْبَهَ مَالَ الْآدَمِيِّ
* دَلِيلُنَا الْقِيَاسُ عَلَى صَيْدِ الْإِحْرَامِ
* وَلَوْ سَلَكَ بِهِ مَسْلَكَ مَالِ الْآدَمِيِّ لَمْ يَدْخُلْهُ الْمِثْلُ وَالْإِطْعَامُ وَلْيَعْتَبِرْ نَقْدَ الْبَلَدِ وَلِأَنَّ هَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي صَيْدِ الْإِحْرَامِ وَيُنْتَقَضُ مَا قَالُوهُ أَيْضًا بِكَفَّارَةِ الْقَتْلِ (الثَّالِثَةُ) إذَا صَادَ الْحَلَالُ فِي الْحِلِّ وَأَدْخَلَهُ الْحَرَمَ فَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَالذَّبْحِ وَالْأَكْلِ وَغَيْرِهَا وَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ

(7/491)


وَدَاوُد
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ لَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ بَلْ يَجِبُ إرْسَالُهُ قَالَا فَإِنْ أَدْخَلَهُ مذبوحا جاز أكله وقاسوا عَلَى الْمُحَرَّمِ
* وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ لَهُ أَخٌ صَغِيرٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو عُمَيْرٍ وَكَانَ لَهُ نُغَرٌ يُلَقَّبُ بِهِ فَمَاتَ النُّغَرُ فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ

(7/492)


وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ أَنَّ النُّغَرَ مِنْ جُمْلَةِ الصَّيْدِ وَكَانَ مَعَ أَبِي عُمَيْرٍ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَيْضًا فَإِنَّ الَّذِي عَنَى الشَّرْعُ مِنْهُ صَيْدَ الْحَرَمِ وَهَذَا لَيْسَ بِصَيْدِ حَرَمٍ وَقِيَاسًا عَلَى مَنْ أَدْخَلَ شَجَرَةً مِنْ

(7/493)


الْحِلِّ أَوْ حَشِيشًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الرَّابِعَةُ) شَجَرُ الْحَرَمِ عِنْدَنَا حَرَامٌ مَضْمُونٌ سِوَى مَا أَنْبَتَهُ الْآدَمِيُّ وَمَا نَبَتَ بِنَفْسِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَا يَحْرُمُ مَا أَنْبَتَهُ الْآدَمِيُّ كَمَا سَبَقَ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ أَنْبَتَهُ آدَمِيٌّ أَوْ كَانَ مِنْ جِنْسِ مَا يُنْبِتُهُ لَمْ يَحْرُمْ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُنْبِتُهُ آدَمِيٌّ وَنَبَتَ بِنَفْسِهِ حَرُمَ

(7/494)


وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد هُوَ حَرَامٌ لَكِنْ لَا ضَمَانَ فِيهِ
* اُحْتُجَّ لَهُمْ بِالْقِيَاسِ على الزرع
* احتج أصحابنا بعموم النهى وفرقوا بان الزرع تدعوا إليه الحاجة (لخامسة) يَجُوزُ رَعْيُ حَشِيشِ الْحَرَمِ وَخَلَاهُ عِنْدَنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ لَا يَجُوزُ وَدَلِيلُنَا حَدِيثُ ابْن عَبَّاسٍ السَّابِقُ حَيْثُ أَرْسَلَ الْأَتَانَ يَرْتَعُ

(7/495)


فِي مِنًى وَمِنًى مِنْ الْحَرَمِ (السَّادِسَةُ) إذَا أَتْلَفَ شَجَرَةً فِي الْحَرَمِ ضَمِنَ الْكَبِيرَةَ بِبَقَرَةٍ وَالصَّغِيرَةَ بِشَاةٍ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَقَالَ أَبُو حنيفة يضمنها بالقيمة
* دليلنا أَثَرُ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَابْنِ عَبَّاسٍ (السَّابِعَةُ)

(7/496)


إذَا أَرْسَلَ كَلْبًا مِنْ الْحِلِّ عَلَى صَيْدٍ فِي الْحَرَمِ أَوْ مِنْ الْحَرَمِ عَلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ
* وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ لَا يَلْزَمُهُ (الثَّامِنَةُ) صَيْدُ حَرَمِ الْمَدِينَةِ حَرَامٌ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا أَبَا حَنِيفَةَ فَقَالَ لَيْسَ بِحَرَامٍ
* دَلِيلُنَا الْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ وَإِذَا أَتْلَفَ صَيْدَ الْمَدِينَةِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأَشْهَرِ فِي مَذْهَبِنَا
وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ يُسْلَبُ الْقَاتِلُ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا سَبَقَ وَبِهِ قَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ لَا ضَمَانَ فِيهِ لَا سَلَبَ وَلَا غَيْرَهُ (التَّاسِعَةُ) صَيْدُ وَجٍّ حَرَامٌ عِنْدَنَا
* قَالَ العبدرى وقال العلماء كافة لا يحرم * قال المصنف رحمه الله
*

(7/497)


(إذا وجب علي المحرم دم لاجل الاحرام كدم التمتع والقران ودم الطيب وجزاء الصيد عليه صرفه لمساكين الحرم لقوله تعالى (هديا بالغ الكعبة) فان ذبحه في الحل وأدخله الحرم نظرت فان تغير وانتن لم يجزئه لان المستحق لحم كامل غير متغير فلا يجزئه المنتن المتغير وإن لم يتغير ففيه وجهان
(أحدهما)
لا يجزئه لان الذبح أحد مقصودي الهدى فاختص بالحرم كالتفرقة
(والثانى)
يجزئه لان المقصود هو اللحم وقد أوصل ذلك إليهم وان وجب عليه طعام لزمه صرفه إلى مساكين الحرم قياسا على الهدى وان وجب عليه صوم جاز أن يصوم في كل مكان لانه لا منفعة لاهل الحرم في الصيام وان وجب عليه هدى واحصر عن الحرم جاز له أن يذبح ويفرق حيث احصر لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (خرج معتمرا فحالت كفار قريش بينه وبين البيت فنحر هديه وحلق رأسه بالحديبية وبين الحديبية وبين الحرم ثلاثة أميال) ولانه إذا جاز أن يتحلل في غير موضع التحلل لاجل الاحصار جاز أن ينحر الهدى في غير موضع النحر)
*

(7/498)


(الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَبَقَ أَنَّ الْحُدَيْبِيَةَ تُقَالُ - بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفُ أَجْوَدُ وَالْمُنْتِنُ - بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا - وَالْهَدْيُ بِإِسْكَانِ الدَّالِ مَعَ تَخْفِيفِ الْيَاءِ وَبِكَسْرِهَا مَعَ تَشْدِيدِ اليا لغتان أَفْصَحُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ الْأَصْحَابُ الدِّمَاءُ الْوَاجِبَةُ فِي الْحَجِّ لَهَا زَمَانٌ وَمَكَانٌ (أَمَّا) الزَّمَانُ فَالدِّمَاءُ الْوَاجِبَةُ فِي الْإِحْرَامِ لِفِعْلٍ مَحْظُورٍ أَوْ تَرْكِ مَأْمُورٍ لَا تَخْتَصُّ بِزَمَانٍ بَلْ تَجُوزُ فِي يَوْمِ النَّحْرِ وَغَيْرِهِ وَإِنَّمَا تَخْتَصُّ بِيَوْمِ النحر والتشريق الضحايا
* ثُمَّ مَا سِوَى دَمِ الْفَوَاتِ يُرَاقُ فِي النُّسُكِ الَّذِي هُوَ فِيهِ (وَأَمَّا) دَمُ الْفَوَاتِ فَيَجُوزُ تَأْخِيرُهُ إلَى سَنَةِ الْقَضَاءِ وَهَلْ يَجُوزُ إرَاقَتُهُ فِي سَنَةِ الْفَوَاتِ فِيهِ وَجْهَانِ وَقِيلَ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا بَلْ يَجِبُ تَأْخِيرُهُ إلَى سَنَةِ الْقَضَاءِ وَقَدْ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ
بِدَلِيلِهِمَا فِي بَابِ الْفَوَاتِ (فَإِنْ قُلْنَا) يَجُوزُ فَوَقْتُ الْوُجُوبِ سَنَةُ الْفَوَاتِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالْأَصَحِّ فَفِي وَقْتِ الْوُجُوبِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَقْتُهُ إذَا أَحْرَمَ بِالْقَضَاءِ كَمَا يَجِبُ دَمُ التَّمَتُّعِ بِالْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَلِهَذَا لَوْ ذَبَحَ قَبْلَ تَحَلُّلِهِ مِنْ الْفَائِتِ لَمْ يَجُزْ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ كَمَا لَوْ ذَبَحَ الْمُتَمَتِّعُ قَبْلَ فَرَاغِ الْعُمْرَةِ
* هَذَا إذَا كَفَّرَ بِالذَّبْحِ فَإِذَا كَفَّرَ بِالصَّوْمِ (فَإِنْ قُلْنَا) وَقْتُ الْوُجُوبِ أَنْ يُحْرِمَ بِالْقَضَاءِ لَمْ يُقَدِّمْ صَوْمَ الثَّلَاثَةِ عَلَى الْقَضَاءِ وَيَصُومُ السَّبْعَةَ إذَا رَجَعَ (وَإِنْ قُلْنَا) يَجِبُ بِالْفَوَاتِ فَفِي جَوَازِ صَوْمِ ثَلَاثَةٍ فِي حَجَّةِ الْفَوَاتِ وَجْهَانِ وَوَجْهُ الْمَنْعِ أَنَّهُ إحْرَامٌ نَاقِصٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) الْمَكَانُ فَالدِّمَاءُ الْوَاجِبَةُ عَلَى الْمُحْرِمِ ضَرْبَانِ وَاجِبٌ عَلَى الْمُحْصَرِ بِالْإِحْصَارِ أَوْ بِفِعْلِ مَحْظُورٍ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ قَرِيبًا فِي فَصْلِ الدِّمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَالضَّرْبُ الثَّانِي) وَاجِبٌ عَلَى غَيْرِ الْمُحْصَرِ فَيَخْتَصُّ بِالْحَرَمِ وَيَجِبُ تَفْرِيقُهُ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ سَوَاءٌ الْغُرَبَاءُ الطَّارِئُونَ وَالْمُسْتَوْطِنُونَ لَكِنَّ الصَّرْفَ إلَى الْمُسْتَوْطِنِينَ أَفْضَلُ وَلَهُ أَنْ يَخُصَّ بِهِ أَحَدَ الصِّنْفَيْنِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقُوا

(7/499)


عَلَيْهِ وَفِي اخْتِصَاصِ ذَبْحِهِ بِالْحَرَمِ خِلَافٌ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَآخَرُونَ وَجْهَيْنِ وَحَكَاهُ آخَرُونَ قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) يَخْتَصُّ فَلَوْ ذَبَحَهُ فِي طَرَفِ الْحِلِّ وَنَقَلَهُ فِي الْحَالِ طَرِيًّا إلَى الْحَرَمِ لَمْ يُجْزِئْهُ (والثاني) لَا يَخْتَصُّ فَيَجُوزُ ذَبْحُهُ خَارِجَ الْحَرَمِ بِشَرْطِ أَنْ يَنْقُلَهُ وَيُفَرِّقَهُ فِي الْحَرَمِ قَبْلَ تَغْيِيرِ اللَّحْمِ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كُلِّهِ دَمُ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَسَائِرِ مَا يَجِبُ بِسَبَبٍ فِي الْحِلِّ أَوْ الْحَرَمِ أَوْ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ كَالْحَلْقِ لِلْأَذَى أَوْ بِسَبَبٍ مُحَرَّمٍ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَفِي القديم قول ان ما أنشي سَبَبُهُ فِي الْحِلِّ يَجُوزُ ذَبْحُهُ وَتَفْرِقَتُهُ فِي الْحِلِّ قِيَاسًا عَلَى دَمِ الْإِحْصَارِ
* وَمِمَّنْ حَكَى هَذَا الْقَوْلَ (1) وَفِي وَجْهٍ ضَعِيفٌ أَنَّ مَا وَجَبَ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ لَا يَخْتَصُّ ذَبْحُهُ وَتَفْرِقَتُهُ بِالْحَرَمِ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَوْ حَلَقَ قَبْلَ وصوله الحرم وذبح وفرق حيث جَازَ وَكُلُّ هَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيَجُوزُ الذَّبْحُ فِي جَمِيعِ بِقَاعِ الْحَرَمِ قَرِيبِهَا وَبِعِيدِهَا لَكِنَّ الْأَفْضَلَ فِي حَقِّ الْحَاجِّ الذَّبْحُ بِمِنًى وَفِي حَقِّ الْمُعْتَمِرِ الْمَرْوَةُ لِأَنَّهُمَا مَحِلُّ تَحَلُّلِهِمَا
* وَكَذَا حُكْمُ ما يسوقانه من الهدى
* (فرع)
قال القاصي حُسَيْنٌ فِي الْفَتَاوَى لَوْ لَمْ يَجِدْ فِي الْحَرَمِ مِسْكِينًا لَمْ يَجُزْ نَقْلُ الدَّمِ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ سَوَاءٌ جَوَّزْنَا نَقْلَ الزَّكَاةِ أَمْ لَا لِأَنَّهُ وَجَبَ لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ كَمَنْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ عَلَى مَسَاكِينِ بَلَدٍ فَلَمْ يَجِدْ
فِيهِ مَسَاكِينَ يَصْبِرُ حَتَّى يَجِدَهُمْ وَلَا يَجُوزُ نَقْلُهُ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا نَصٌّ صَرِيحٌ بِتَخْصِيصِ الْبَلَدِ بِهَا بِخِلَافِ الْهَدْيِ
* (فَرْعٌ)
إذَا كَانَ الْوَاجِبُ الْإِطْعَامَ بَدَلًا عَنْ الذَّبْحِ وَجَبَ صَرْفُهُ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ سَوَاءٌ الْمُسْتَوْطِنُونَ وَالطَّارِئُونَ كَمَا قُلْنَا فِي لَحْمِ الْمَذْبُوحِ (أَمَّا) إذَا كَانَ الْوَاجِبُ الصَّوْمَ فَيَجُوزُ أَنْ يَصُومَ حَيْثُ شَاءَ مِنْ أَقْطَارِ الْأَرْضِ لما ذكره المصنف
*
__________
(1) بياض بالاصل فحرر

(7/500)


(فرع)
قال الماوردي والروياني أقل ما يجزى أَنْ يَدْفَعَ الْوَاجِبَ مِنْ اللَّحْمِ إلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ مَسَاكِينِ الْحَرَمِ إنْ قَدَرَ فَإِنْ دَفَعَ إلَى اثْنَيْنِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى ثَالِثٍ ضَمِنَ وَفِي قَدْرِ الضَّمَانِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الثُّلُثُ (وَأَصَحُّهُمَا) أَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ كَالْقَوْلَيْنِ فِي الزَّكَاةِ (وَأَمَّا) إذَا فَرَّقَ الطَّعَامَ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَتَقَدَّرُ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ كَالْكَفَّارَةِ فَلَا يُزَادُ وَلَا يُنْقَصُ فَإِنْ زَادَ لَمْ يُحْسَبْ وَإِنْ نَقَصَ لَمْ يُجْزِئْهُ حَتَّى يُتِمَّهُ مُدًّا (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَتَقَدَّرُ بَلْ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى مُدٍّ وَالنَّقْصُ عَنْهُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ ذَبَحَ الْهَدْيَ فِي الْحَرَمِ فَسُرِقَ مِنْهُ قَبْلَ التَّفْرِقَةِ لَمْ يُجْزِئْهُ عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ وَيَلْزَمُهُ إعَادَةُ الذَّبْحِ وَلَهُ شِرَاءُ اللَّحْمِ وَالتَّصَدُّقُ بِهِ بَدَلَ الذَّبْحِ لِأَنَّ الذَّبْحَ قَدْ وُجِدَ وَفِي وَجْهٍ ضَعِيفٍ يَكْفِيهِ التَّصَدُّقُ بِالْقِيمَةِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ تَلْزَمُهُ النِّيَّةُ عِنْدَ التَّفْرِقَةِ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا الدِّمَاءُ الْوَاجِبَةُ فِي الْمَنَاسِكِ سَوَاءٌ تَعَلَّقَتْ بِتَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ ارْتِكَابِ مَنْهِيٍّ حَيْثُ أَطْلَقْنَاهَا أَرَدْنَا بِهَا شَاةً فَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ غَيْرَهَا كَالْبَدَنَةِ فِي الْجِمَاعِ نَصَصْنَا عَلَيْهَا وَلَا يُجْزِئُ فِيهَا جَمِيعًا إلَّا مَا يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ إلَّا فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ فَيَجِبُ الْمِثْلُ فِي الصَّغِيرِ صَغِيرٌ وَفِي الْكَبِيرِ كَبِيرٌ وَفِي الْمَعِيبِ وَالْمَكْسُورِ مِثْلُهُ كَمَا سَبَقَ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَكُلُّ مَنْ لَزِمَهُ شَاةٌ جَازَ لَهُ ذَبْحُ بَقَرَةٍ أَوْ بَدَنَةٍ مَكَانَهَا لِأَنَّهَا أَكْمَلُ كَمَا يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ إلَّا فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ فَلَا يُجْزِئُ حَيَوَانٌ عَنْ الْمِثْلِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا ذَبَحَ بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً مَكَانَ الشَّاةِ فَهَلْ الْجَمِيعُ فَرْضٌ حَتَّى لَا يَجُوزَ أكل شئ مِنْهَا أَمْ
الْفَرْضُ سُبْعُهَا فَقَطْ حَتَّى يَجُوزَ أَكْلُ الْبَاقِي فِيهِ وَجْهَانِ (الْأَصَحُّ) سُبْعُهَا صَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَسَبَقَتْ

(7/501)


نَظَائِرُ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ صِفَةِ الْوُضُوءِ وَمَوَاضِعَ أُخْرَى
* وَلَوْ ذَبَحَ بَدَنَةً وَنَوَى التَّصَدُّقَ بِسُبْعِهَا عَنْ الشَّاةِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ وَأَكَلَ الْبَاقِي جَازَ وَلَهُ نَحْرُ الْبَدَنَةِ عَنْ سَبْعِ شِيَاهٍ لَزِمَتْهُ
* وَلَوْ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي ذَبْحِ بَدَنَةٍ أَوْ بقرة وأراد بَعْضُهُمْ الْهَدْيَ وَبَعْضُهُمْ الْأُضْحِيَّةَ وَبَعْضُهُمْ اللَّحْمَ جَازَ وَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاكُ اثْنَيْنِ فِي شَاتَيْنِ لِأَنَّ الانفراد ممكن
*

(7/502)


(فَرْعٌ)
فِي كَيْفِيَّةِ وُجُوبِ الدِّمَاءِ وَإِبْدَالِهَا وَقَدْ سَبَقَتْ مَقَاصِدُهُ مُفَرَّقَةً فَأَحْبَبْتُ جَمْعَهَا مُلَخَّصًا كَمَا فَعَلَهُ الْأَصْحَابُ وَقَدْ لَخَّصَهَا الرَّافِعِيُّ مُتْقَنَةً فَأَقْتَصِرُ عَلَى نَقْلِهِ قَالَ فِي ذَلِكَ نَظَرَانِ
(أَحَدُهُمَا)
النَّظَرُ فِي أَنَّ أَيَّ دَمٍ يَجِبُ مُرَتَّبًا وَأَيَّ دَمٍ يَجِبُ عَلَى التَّخْيِيرِ وَهَاتَانِ الصِّفَتَانِ مُتَقَابِلَتَانِ فَمَعْنَى التَّرْتِيبِ أَنَّهُ يَجِبُ الدَّمُ وَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ إلَى غَيْرِهِ إلَّا إذَا عَجَزَ عَنْهُ وَمَعْنَى التَّخْيِيرِ أَنَّهُ يَجُوزُ الْعُدُولُ إلَى غيره

(7/503)


مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ (النَّظَرُ الثَّانِي) فِي أَنَّهُ أَيُّ دَمٍ يَجِبُ عَلَى سَبِيلِ التَّقْدِيرِ وَأَيُّ دَمٍ يَجِبُ عَلَى سَبِيلِ التَّعْدِيلِ وَهَاتَانِ الصِّفَتَانِ مُتَقَابِلَتَانِ فَمَعْنَى التَّقْدِيرِ أَنَّ الشَّرْعَ قَدَّرَ الْبَدَلَ الْمَعْدُولَ إلَيْهِ تَرْتِيبًا أَوْ تَخْيِيرًا أَيْ مُقَدَّرًا لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ وَمَعْنَى التَّعْدِيلِ أَنَّهُ أَمَرَ فِيهِ بِالتَّقْوِيمِ وَالْعُدُولِ إلَى غَيْرِهِ بِحَسَبِ الْقِيمَةِ وَكُلُّ دَمٍ بِحَسَبِ الصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) التَّقْدِيرُ وَالتَّرْتِيبُ (وَالثَّانِي) التَّرْتِيبُ

(7/504)


وَالتَّعْدِيلُ (وَالثَّالِثُ) التَّخْيِيرُ وَالتَّقْدِيرُ (وَالرَّابِعُ) التَّخْيِيرُ وَالتَّعْدِيلُ وتفصيلها بِثَمَانِيَةِ أَنْوَاعٍ (أَحَدُهَا) دَمُ التَّمَتُّعِ وَهُوَ دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَقْدِيرٍ كَمَا وَرَدَ بِهِ نَصُّ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَدَمُ الْقِرَانِ فِي مَعْنَاهُ وَفِي دَمِ الْفَوَاتِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ كَدَمِ التَّمَتُّعِ فِي التَّرْتِيبِ وَالتَّقْدِيرِ وَسَائِرِ الْأَحْكَامِ وَالثَّانِي عَلَى قَوْلَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
هَذَا (وَالثَّانِي أَنَّهُ كَدَمِ الْجِمَاعِ فِي الْأَحْكَامِ إلَّا أَنَّ هَذَا شَاةٌ

(7/505)


وَالْجِمَاعَ بَدَنَةٌ لِاشْتِرَاكِ الصُّورَتَيْنِ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ (وَالثَّانِي) جَزَاءُ الصَّيْدِ وَهُوَ دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَعْدِيلٍ وَيَخْتَلِفُ بِكَوْنِ الصَّيْدِ مِثْلِيًّا أَوْ غَيْرَهُ وَسَبَقَ إيضَاحُهُ وَجَزَاءُ شَجَرِ الْحَرَمِ وَحَشِيشِهِ كَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَقَدْ سَبَقَ حِكَايَةُ قَوْلٍ عَنْ رِوَايَةِ أَبِي ثَوْرٍ أَنَّ دَمَ الصَّيْدِ عَلَى التَّرْتِيبِ وَهُوَ شَاذٌّ (الثَّالِثُ) دَمُ الْحَلْقِ وَالْقَلْمِ وَهُوَ دَمُ تَخْيِيرٍ وَتَقْدِيرٍ فَإِذَا حَلَقَ جَمِيعَ شَعْرِهِ أَوْ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ تَخَيَّرَ بَيْنَ دَمٍ وَثَلَاثَةِ آصُعٍ لستة

(7/506)


مَسَاكِينَ وَصَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَسَبَقَ بَيَانُهُ (الرَّابِعُ) الدَّمُ الْوَاجِبُ فِي تَرْكِ الْمَأْمُورَاتِ كَالْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَالرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ بِعَرَفَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ وَبِمِنًى لَيَالِيَ التَّشْرِيقِ وَالدَّفْعِ مِنْ عَرَفَةَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَطَوَافِ الْوَدَاعِ وَفِي هَذَا الدَّمِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (أصحها) وبه قطع العراقون وَكَثِيرُونَ مِنْ غَيْرِهِمْ أَنَّهُ كَدَمِ التَّمَتُّعِ فِي التَّرْتِيبِ وَالتَّقْدِيرِ فَإِنْ

(7/507)


عَجَزَ عَنْ الدَّمِ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَعْدِيلٍ لِأَنَّ التَّعْدِيلَ هُوَ الْقِيَاسُ وَإِنَّمَا يُصَارُ إلَى التَّرْتِيبِ بِتَوْقِيفٍ فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُهُ شَاةٌ فَإِنْ عَجَزَ قَوَّمَهَا دَرَاهِمَ وَاشْتَرَى بِهَا

(7/508)


طَعَامًا وَتَصَدَّقَ بِهِ فَإِنْ عَجَزَ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا
* وَإِذَا تَرَكَ حَصَاةً فَفِيهِ أَقْوَالٌ مَشْهُورَةٌ (أَصَحُّهَا) يَجِبُ مُدٌّ
(وَالثَّانِي)
دِرْهَمٌ (وَالثَّالِثُ) ثُلُثُ شَاةٍ فَإِنْ عَجَزَ فَالطَّعَامُ ثُمَّ الصوم على ما يقتضيه التعديل بالقيمة

(7/509)


(والثالث) أَنَّهُ دَمُ تَرْتِيبٍ فَإِنْ عَجَزَ لَزِمَهُ صَوْمُ الحلق (والرابع) أَنَّهُ دَمُ تَخْيِيرٍ وَتَعْدِيلٍ كَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ شَاذَّانِ ضَعِيفَانِ (الْخَامِسُ) دَمُ الِاسْتِمْتَاعِ كَالتَّطَيُّبِ وَالِادِّهَانِ وَاللُّبْسِ وَمُقَدِّمَاتِ الْجِمَاعِ وَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (أصحها) أنه دم تخيير وتقدير كالحلق لا شتراكهما في الترفه

(7/510)


(وَالثَّانِي)
دَمُ تَخْيِيرٍ وَتَعْدِيلٍ كَالصَّيْدِ (وَالثَّالِثُ) دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَعْدِيلٍ (وَالرَّابِعُ) دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَقْدِيرٍ كَالتَّمَتُّعِ (السَّادِسُ) دَمُ الْجِمَاعِ وَفِيهِ طُرُقٌ لِلْأَصْحَابِ وَاخْتِلَافٌ مُنْتَشِرٌ الْمَذْهَبُ مِنْهُ أَنَّهُ تَرْتِيبٌ وَتَعْدِيلٌ

(7/511)


فيجب بدنة فإن عجز عنها فبقرة فَإِنْ عَجَزَ فَسَبْعُ شِيَاهٍ فَإِنْ عَجَزَ قَوَّمَ البدنة بِدَرَاهِمَ وَالدَّرَاهِمَ بِطَعَامٍ ثُمَّ تَصَدَّقَ بِهِ فَإِنْ عَجَزَ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا (وَقِيلَ) إذَا عَجَزَ عَنْ الْغَنَمِ قَوَّمَ الْبَدَنَةَ وَصَامَ فان عجز

(7/512)


أَطْعَمَ فَيُقَدِّمُ الصِّيَامَ عَلَى الْإِطْعَامِ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَنَحْوِهَا وَقِيلَ لَا مَدْخَلَ لِلْإِطْعَامِ وَالصِّيَامِ هُنَا بَلْ إذَا عَجَزَ عَنْ الْغَنَمِ ثَبَتَ الْفِدَاءُ فِي ذِمَّتِهِ إلَى أَنْ يَجِدَ تَخْرِيجًا مِنْ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي دَمِ الْإِحْصَارِ ولنا

(7/513)


قَوْلٌ وَقِيلَ وَجْهٌ أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْبَدَنَةِ وَالْبَقَرَةِ وَالْغَنَمِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا فَالْإِطْعَامُ ثُمَّ الصَّوْمُ وَقِيلَ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْبَدَنَةِ وَالْبَقَرَةِ وَالشِّيَاهِ وَالْإِطْعَامِ وَالصِّيَامِ (السَّابِعُ) دَمُ الْجِمَاعِ الثَّانِي أَوْ الْجِمَاعِ بَيْنَ التَّحَلُّلَيْنِ وَقَدْ سَبَقَ خِلَافٌ فِي أن واجبها بَدَنَةٌ أَمْ شَاةٌ (فَإِنْ قُلْنَا) بَدَنَةٌ فَهِيَ فِي الْكَيْفِيَّةِ كَالْجِمَاعِ الْأَوَّلِ قَبْلَ

(7/514)


التَّحَلُّلَيْنِ كَمَا سَبَقَ
* (وَإِنْ قُلْنَا) شَاةٌ فَكَمُقَدِّمَاتِ الْجِمَاعِ (الثَّامِنُ) دَمُ الْإِحْصَارِ فَمَنْ تَحَلَّلَ بِالْإِحْصَارِ فَعَلَيْهِ شَاةٌ وَلَا عُدُولَ عَنْهَا إنْ وَجَدَهَا فَإِنْ عَدِمَهَا فَهَلْ لَهُ بَدَلٌ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ
(أَحَدُهُمَا)
نَعَمْ

(7/515)


كَسَائِرِ الدِّمَاءِ
(وَالثَّانِي)
لَا إذْ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْقُرْآنِ بَدَلُهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْبَدَلِ فَفِيهِ أَقْوَالٌ

(7/516)


(أَحَدُهَا) بَدَلُهُ الْإِطْعَامُ بِالتَّعْدِيلِ فَإِنْ عَجَزَ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا (وَقِيلَ) يَتَخَيَّرُ عَلَى هَذَا بَيْنَ صَوْمِ

(7/517)


الْحَلْقِ وَإِطْعَامِهِ (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) بَدَلُهُ الْإِطْعَامُ فَقَطْ وَفِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
ثَلَاثَةُ آصُعٍ كَالْحَلْقِ (وَالثَّانِي)

(7/518)


يُطْعِمُ مَا يَقْتَضِيهِ التَّعْدِيلُ (وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ) بَدَلُهُ الصَّوْمُ فَقَطْ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) عَشَرَةُ

(7/519)


أيام
(وَالثَّانِي)
ثَلَاثَةٌ (وَالثَّالِثُ) بِالتَّعْدِيلِ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا وَلَا مَدْخَلَ لِلطَّعَامِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ غير أنه

(7/520)


يعتبر به قدر الصيام (والمذهب) عَلَى الْجُمْلَةِ التَّرْتِيبُ وَالتَّعْدِيلُ
* هَذَا آخِرُ كَلَامِ الرافعي

(7/521)


والله أعلم
*

(7/522)