المجموع شرح المهذب ط دار الفكر

* (باب الفوات والاحصار)

* قال المصنف رحمه الله
* ومن أحرم بالحج ولم يَقِفْ بِعَرَفَةَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ وعليه أن يتحلل بعمل عمرة وهي الطواف والسعي والحلق ويسقط عنه المبيت والرمي وقال المزني لا يسقط المبيت والرمي كما لا يسقط الطواف والسعي وهذا خطأ لما روى الاسود عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لمن فاته الحج (تحلل بعمل عمرة وعليك الحج من قابل وهدى) ولان المبيت والرمي من توابع الوقوف ولهذا لا يجب على المعتمر حين لم يجب عليه الوقوف وقد سقط الوقوف ههنا فسقطت توابعه بخلاف الطواف والسعي فانهما غير تابعين للوقوف فبقي فرضهما ويجب عليه القضاء لحديث عمر رضي الله عنه ولان الوقوف معظم الحج وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الحج عرفة) وقد فاته ذلك فوجب قضاؤه وهل يجب القضاء على الفور أم لا فيه وجهان كما ذكرناه فيمن أفسد الحج ويجب عليه هدي لقول عمر رضي الله عنه ولانه تحلل من الاحرام قبل الاتمام فلزمه الهدي كالمحصر ومتى يجب الهدي فيه وجهان
__________
(1) كذا بالاصل وفيه سقط ولعله (لانه تأخير)

(8/285)


(أحدهما)
يجب مع القضاء لقول عمر رضي الله عنه ولانه كالمتمتع ودم المتمتع لا يجب الا إذا أحرم بالحج (والثاني) يجب في عامه كدم الاحصار) (الشَّرْحُ) أَمَّا الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ أَوَّلًا عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ
وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ (وَأَمَّا) حَدِيثُ (الْحَجُّ عَرَفَةَ) فسبق بيانه في فصل الوقوف بِعَرَفَاتٍ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَإِذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَلَمْ يَقِفْ بِعَرَفَةَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ بِالْإِجْمَاعِ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ بِأَعْمَالِ عُمْرَةٍ وَهِيَ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَالْحَلْقُ (فَأَمَّا) الطَّوَافُ فَلَا بُدَّ مِنْهُ بِلَا خِلَافٍ (وَأَمَّا) السَّعْيُ فَإِنْ كَانَ سَعَى عَقِبَ طَوَافِ الْقُدُومِ كَفَاهُ ذَلِكَ وَلَا يَسْعَى بَعْدَ الْفَوَاتِ وقد أهمل المصنف بيان هذا ولابد مِنْ التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ
* وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَعَى وَجَبَ السَّعْيُ بَعْدَ الطَّوَافِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْعِرَاقِيُّونَ وقال الخراسانيون لِلشَّافِعِيِّ نَصَّانِ
(أَحَدُهُمَا)
نَصُّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ يَطُوفُ وَيَسْعَى وَيَحْلِقُ (وَالثَّانِي) نَصُّهُ فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّهُ يَطُوفُ وَيَحْلِقُ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ وَحَرْمَلَةَ وَنَقَلَهُ الْقَفَّالُ وَصَاحِبُ البحر عن نصه في القديم قال الخراسانيون للاصحاب في هذين النصين طريقين (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِهِمْ أَنَّهُ يَجِبُ السَّعْيُ لِحَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلِأَنَّ السَّعْيَ مُلَازِمٌ لِلطَّوَافِ فِي النُّسُكِ (وَالثَّانِي) لَا يَجِبُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ (وَالطَّرِيقُ) الثَّانِي يَجِبُ قَوْلًا وَاحِدًا
* وَاخْتَلَفُوا عَلَى هَذَا فِي تَأْوِيلِ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْإِمْلَاءِ وَحَرْمَلَةَ وَالْقَدِيمِ فَذَكَرَ الْقَاضِي حسين والبغوي والروياني والاكثرون أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ كَانَ سَعَى بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ
* وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ تَأْوِيلًا آخَرَ أَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى الطَّوَافِ فِي اللَّفْظِ وَمُرَادُهُ الطَّوَافُ مَعَ السَّعْيِ وَإِنَّمَا حَذَفَهُ اخْتِصَارًا لِلْعِلْمِ بِهِ قَالَ وَهَذَا مُعْتَادٌ فِي الْكَلَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) الْحَلْقُ فَإِنْ قُلْنَا هُوَ نُسُكٌ وَجَبَ وَإِلَّا فَلَا وَالْحَاصِلُ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ يَجِبُ الطَّوَافُ قَطْعًا وَفِي السَّعْيِ طَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) وُجُوبُهُ (وَالثَّانِي) عَلَى قَوْلَيْنِ وَفِي الْحَلْقِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) وُجُوبُهُ (وَالثَّانِي) لَا وَإِنْ اقْتَصَرْت عَلَى الراجح قلت يجب الطواف والسعي والحلق و (أما) الْمَبِيتُ وَالرَّمْيُ فَإِنْ فَاتَ وَقْتُهُمَا لَمْ يَجِبَا وَإِنْ بَقِيَ فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا لَا يَجِبَانِ (وَالثَّانِي)

(8/286)


يَجِبَانِ قَالَهُ الْمُزَنِيّ وَالْإِصْطَخْرِيُّ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ فِي الكتاب والله أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا تَحَلَّلَ بِأَعْمَالِ الْعُمْرَةِ لَا يَنْقَلِبُ حَجُّهُ عُمْرَةً وَلَا تُجْزِئُهُ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ وَلَا تُحْسَبُ عُمْرَةً أُخْرَى هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ
* وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ السِّنْجِيِّ أَنَّهُ حَكَى فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ وَجْهًا
أَنَّهُ يَنْقَلِبُ عُمْرَةً مُجْزِئَةً وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ جِدًّا وعلى هذا الشاذ لابد مِنْ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَكَذَا الْحَلْقُ إذَا جَعَلْنَاهُ نُسُكًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَتَحَلَّلَ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ هَكَذَا أَطْلَقُوهُ وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
* وَعَبَّرَ بَعْضُ الْخُرَاسَانِيِّينَ عِبَارَةً أُخْرَى تُوَافِقُ هَذِهِ فِي الْحُكْمِ فَقَالُوا إنْ كَانَ تَحَلُّلُهُ مِنْ حَجَّةٍ وَاجِبَةٍ بَقِيَتْ فِي ذِمَّتِهِ كَمَا كَانَتْ وَإِنْ كَانَ مِنْ حَجَّةِ تَطَوُّعٍ لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا كَمَا لَوْ أَفْسَدَهَا
* وَفِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى الْفَوْرِ وَهُوَ فِي السَّنَةِ الْآتِيَةِ وَجْهَانِ كَمَا سَبَقَ فِي الْإِفْسَادِ (أَصَحُّهُمَا) يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ لِحَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ عُمْرَةٍ مَعَ قَضَاءِ الْحَجِّ عِنْدَنَا بِلَا خِلَافٍ وَيَجِبُ عَلَيْهِ دَمُ للفوات وَهُوَ شَاذٌّ
* وَهَلْ يَجِبُ فِي سَنَةِ الْفَوَاتِ أَمْ فِي سَنَةِ الْقَضَاءِ فِيهِ خِلَافٌ مِنْهُمْ مَنْ يَحْكِيهِ قَوْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْكِيهِ وَجْهَيْنِ كَمَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ (أَصَحُّهُمَا) يَجِبُ تَأْخِيرُهُ إلَى سَنَةِ الْقَضَاءِ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْإِمْلَاءِ وَالْقَدِيمِ (وَالثَّانِي) يَجِبُ فِي سَنَةِ الْفَوَاتِ وَلَهُ تَأْخِيرُهُ إلَى سَنَةِ الْقَضَاءِ فَعَلَى الْأَوَّلِ فِي وَقْتِ وُجُوبِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ
(أَحَدُهُمَا)
يَجِبُ فِي سَنَةِ الْفَوَاتِ وَإِنْ وَجَبَ تَأْخِيرُهُ كَمَا يجب فيها القضاء (وأصحهما) أن الوجو ب فِي سَنَةِ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ فِي سَنَةِ الْفَوَاتِ لَجَازَ إخْرَاجُهُ فِيهَا فَإِنَّهُ مُمْكِنٌ بِخِلَافِ الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِيهَا وَقَدْ سَبَقَ فِي آخِرِ بَابِ مَا يَجِبُ بِمَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ بَيَانُ هَذَا الْخِلَافِ وَمَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ وَبَيَانُ بَدَلِ هَذَا الدَّمِ إذَا عَجَزَ عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* ثُمَّ إنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ دَمٌ وَاحِدٌ كَمَا ذَكَرْنَا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي الطَّرِيقَيْنِ
* وَحَكَى صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَمُتَابِعُوهُ قَوْلًا آخَرَ غَرِيبًا ضَعِيفًا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ دَمَانِ
(أَحَدُهُمَا)
فِي مُقَابَلَةِ الْفَوَاتِ (وَالثَّانِي) لِأَنَّهُ فِي قَضَاءٍ يُشْبِهُ التَّمَتُّعَ؟ لِكَوْنِهِ تَحَلَّلَ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا لَا فَرْقَ فِي الْفَوَاتِ بَيْنَ الْمَعْذُورِ وَغَيْرِهِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ لَكِنْ يَفْتَرِقَانِ فِي الْإِثْمِ فَلَا يَأْثَمُ الْمَعْذُورُ وَيَأْثَمُ غَيْرُهُ كَذَا صَرَّحَ بِإِثْمِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَاَللَّهُ أعلم

(8/287)


(فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا الْمَكِّيُّ وَغَيْرُ الْمَكِّيِّ سَوَاءٌ فِي الْفَوَاتِ وَتَرَتُّبِ الْأَحْكَامِ وَوُجُوبِ الدَّمِ بِخِلَافِ التمتع فان المكي لادم عَلَيْهِ فِيهِ لِأَنَّ الْفَوَاتَ يَحْصُلُ مِنْ الْمَكِّيِّ كَحُصُولِهِ مِنْ غَيْرِهِ (وَأَمَّا) دَمُ التَّمَتُّعِ فَإِنَّمَا يَجِبُ لِتَرْكِ الْمِيقَاتِ وَالْمَكِّيُّ لَا يَتْرُكُ الْمِيقَاتَ لِأَنَّ مِيقَاتَهُ مَوْضِعُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
إذَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَفَرَغَ مِنْهَا ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَفَاتَهُ لَزِمَهُ قَضَاءُ الْحَجِّ دُونَ الْعُمْرَةِ لِأَنَّ الَّذِي فَاتَهُ الْحَجُّ دُونَ العمرة ويلزمه دَمَانِ دَمُ الْفَوَاتِ وَدَمُ التَّمَتُّعِ
* (فَرْعٌ)
هَذَا الذي سبق كله في من أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَحْدَهُ وَفَاتَهُ (فَأَمَّا) مَنْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فَلَا يُتَصَوَّرُ فَوَاتُهَا لِأَنَّ جَمِيعَ الزَّمَانِ وَقْتٌ لَهَا (وَأَمَّا) مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ قَارِنًا فَفَاتَهُ الْوُقُوفُ فَإِنَّ الْعُمْرَةَ تَفُوتُ بِفَوَاتِ الْحَجِّ لِأَنَّهَا مُنْدَرِجَةٌ فِيهِ وَتَابِعَةٌ لَهُ وَلِأَنَّهُ إحْرَامٌ وَاحِدٌ فَلَا يَتَبَعَّضُ حُكْمُهُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ
* وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي وَالدَّارِمِيُّ وَالْقَفَّالُ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِي الْعُمْرَةِ قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) وُجُوبُ قَضَائِهَا لِمَا ذَكَرْنَاهُ (وَالثَّانِي) لَا يُسْتَحَبُّ بَلْ إذَا تَحَلَّلَ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَالْحَلْقِ حَصَلَتْ الْعُمْرَةُ لِأَنَّهَا لَا تَفُوتُ بِخِلَافِ الْحَجِّ
* قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ هَذَانِ الْقَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ النُّسُكَ الْوَاحِدَ هَلْ يَتَبَعَّضُ حُكْمُهُ إذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَنْ اسْتَأْجَرَ مَنْ يَحُجُّ وَيَعْتَمِرُ وَكَانَ

(8/288)


الْمُسْتَأْجِرُ قَدْ أَدَّى عَنْ نَفْسِهِ أَحَدَ النُّسُكَيْنِ فَأَحْرَمَ الْأَجِيرُ بِهِمَا وَفَرَغَ مِنْهُمَا وَفِيهِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَتَبَعَّضُ فَيَكُونَانِ عَنْ الْمُسْتَأْجَرِ فَعَلَى هَذَا تَفُوتُهُ الْعُمْرَةُ بِفَوَاتِ الْحَجِّ (وَالثَّانِي) يَتَبَعَّضُ فَيَقَعُ أَحَدُهُمَا عَنْهُ فَعَلَى هَذَا لَا تَفُوتُ الْعُمْرَةُ
* وَقَالَ الْمُتَوَلِّي أَصْلُ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ الْعُمْرَةَ هَلْ يَسْقُطُ اعْتِبَارُهَا فِي الْقِرَانِ أَمْ يَقَعُ الْعَمَلُ عَنْهُمَا جَمِيعًا وَفِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ بَيَانُهُ (فَإِنْ قُلْنَا) يَسْقُطُ اعْتِبَارُهَا فَاتَتْ بِفَوَاتِ الْحَجِّ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يَسْقُطُ اعْتِبَارُهَا بَلْ تَقَعُ الْأَعْمَالُ عَنْهُمَا حُسِبَتْ عُمْرَتُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ قَارِنًا وَيَلْزَمُهُ ثَلَاثَةُ دِمَاءٍ دَمٌ لِلْفَوَاتِ وَدَمٌ لِلْقِرَانِ الْفَائِتِ وَدَمٌ ثَالِثٌ لِلْقِرَانِ الَّذِي أَتَى بِهِ فِي الْقَضَاءِ فَإِنْ قَضَاهُمَا مُفْرِدًا أَجْزَأَهُ عَنْ النُّسُكَيْنِ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ الثَّالِثُ الْوَاجِبُ بِسَبَبِ الْفَوَاتِ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْقِرَانُ وَدَمُهُ فَإِذَا تَبَرَّعَ بِالْإِفْرَادِ لَا يَسْقُطُ الدَّمُ الْوَاجِبُ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنْ قَضَاهُ مُفْرِدًا لَمْ يَكُنْ لَهُ
* قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ مُرَادُهُ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ الدَّمُ الثَّالِثُ لِأَنَّهُ بِالْفَوَاتِ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ قَارِنًا مَعَ دَمٍ فَإِذَا قَضَى الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ مُفْرِدًا أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ أَكْمَلُ مِنْ الْقِرَانِ وَلَا يَسْقُطُ الدَّمُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ
* قَالَ الرُّويَانِيُّ قَالَ ابْنُ الْمَرْزُبَانِ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى هَذَا فِي الْإِمْلَاءِ
*
وَشَذَّ الدَّارِمِيُّ فَحَكَى وَجْهًا غَرِيبًا أَنَّهُ إذَا قَضَاهُ مُفْرِدًا سَقَطَ الدَّمُ الثَّالِثُ وَهَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا وَالصَّوَابُ مَا سَبَقَ
* قَالَ الرُّويَانِيُّ وَلَوْ قَضَاهُ مُفْرِدًا فَأَتَى بِالْعُمْرَةِ بَعْدَ الْحَجِّ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ يَحْرُمُ بِالْعُمْرَةِ مِنْ الْمِيقَاتِ لِأَنَّهُ كَانَ أَحْرَمَ بِهَا مِنْ الْمِيقَاتِ فِي سَنَةِ الْفَوَاتِ قَالَ فَإِنْ أَحْرَمَ بِهَا مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ لَمْ يَلْزَمْهُ أَكْثَرُ مِنْ الدِّمَاءِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهُ وَإِنْ تَرَكَ الْإِحْرَامَ مِنْ الْمِيقَاتِ فَالدَّمُ الْوَاجِبُ بِسَبَبِ الْمِيقَاتِ وَدَمُ الْقِرَانِ بِسَبَبِ الْمِيقَاتِ فَتَدَاخَلَا
* قَالَ وَإِنْ قَضَاهُ مُتَمَتِّعًا أَجْزَأَهُ إلَّا أَنَّهُ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ مِنْ الْمِيقَاتِ فَإِنْ أَحْرَمَ بِهِ مِنْ جَوْفِ مَكَّةَ وَجَبَ دَمُ التَّمَتُّعِ وَدَخَلَ فِيهِ دَمُ الْقِرَانِ لِأَنَّهُ بِمَعْنَاهُ
* فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ثَلَاثَةُ دِمَاءٍ سَوَاءٌ قَضَى مُفْرِدًا أَوْ مُتَمَتِّعًا أَوْ قَارِنًا وَاَللَّهُ أَعْلَم
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْقَفَّالُ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا كَمَا أَنَّ الْعُمْرَةَ تَابِعَةٌ لِلْحَجِّ لِلْفَوَاتِ فِي حَقِّ الْقَارِنِ فَهِيَ أَيْضًا تَابِعَةٌ لَهُ فِي الْإِدْرَاكِ فِي حَقِّ الْقَارِنِ حَتَّى لَوْ رَمَى الْقَارِنُ وَحَلَقَ ثُمَّ جَامَعَ لَمْ تَفْسُدْ عُمْرَتُهُ كَمَا لَا يَفْسُدُ

(8/289)


حَجُّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَتَى بِأَعْمَالِ الْعُمْرَةِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرُوهُ هُوَ الْمَذْهَبُ
* وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ جِدًّا غَرِيبٌ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ فِي مَسَائِلِ الْجِمَاعِ أَنَّهُ يُفْسِدُ عُمْرَتَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ تَحَلَّلَ بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ وَحَلْقٍ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ ذَبَحَهُ قَبْلَ الْحَلْقِ كَمَا يَفْعَلُ مَنْ لَمْ يَفُتْهُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالدَّارِمِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمْ لَوْ أَرَادَ صَاحِبُ الْفَوَاتِ اسْتِدَامَةَ إحْرَامِهِ إلَى السَّنَةِ الْآتِيَةِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ وَالْبَقَاءُ عَلَى الْإِحْرَامِ كَابْتِدَائِهِ وَنَقَلَ أَبُو حَامِدٍ هَذَا عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ قَالَ وَهُوَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ وَالرُّويَانِيُّ قَالَ ابْنُ الْمَرْزُبَانِ (1) صَاحِبُ الْفَوَاتِ لَهُ حُكْمُ مَنْ تَحَلَّلَ التَّحَلُّلَ الْأَوَّلَ لِأَنَّهُ لَمَّا فَاتَهُ الْوُقُوفُ سَقَطَ عَنْهُ الرَّمْيُ فصار كمن رمى فان وطئ لَمْ يَفْسُدْ إحْرَامُهُ وَإِنْ تَطَيَّبَ أَوْ لَبِسَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْفِدْيَةُ قَالَ الْقَاضِي وَالرُّويَانِيُّ وَهَذَا عَلَى قَوْلِنَا الْحَلْقُ لَيْسَ بِنُسُكٍ (فَإِنْ قُلْنَا) (2) احْتَاجَ إلَى الْحَلْقِ أَوْ الطَّوَافِ حَتَّى يَحْصُلَ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ وَقَدْ صَرَّحَ الدَّارِمِيُّ بِمَا قَالَهُ القاضي والروياني
*
(فرع)
لو أفسد حجه باجماع ثُمَّ فَاتَهُ قَالَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ دَمَانِ دَمٌ لِلْإِفْسَادِ وَهُوَ بَدَنَةٌ وَدَمٌ لِلْفَوَاتِ وَهُوَ شَاةٌ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ لَزِمَهُ التَّحَلُّلُ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَدَمٌ وَهُوَ شَاةٌ وَلَا يَنْقَلِبُ إحْرَامُهُ عُمْرَةً وَهُوَ مَذْهَبُ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدًا قَالَا لَا دَمَ عَلَيْهِ وَوَافَقَا فِي الْبَاقِي
* وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَأَحْمَدُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ يَنْقَلِبُ عُمْرَةً مُجْزِئَةً عَنْ عُمْرَةٍ سَبَقَ وُجُوبُهَا وَلَا دَمَ
* وَقَالَ الْمُزَنِيّ كَقَوْلِنَا وَزَادَ وُجُوبَ الْمَبِيتِ وَالرَّمْيِ كَمَا سَبَقَ عَنْهُ
* دَلِيلُنَا مَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ (مَنْ لَمْ يُدْرِكْ عَرَفَةَ حتى طلع الفجر فقد فاته الحج فليأ ت البيت فليطف به سبعا وليطوف بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعًا ثُمَّ لِيَحْلَقْ أَوْ يُقَصِّرْ إنْ شَاءَ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ
__________
(1) بياض بالاصل فحرر (2) بياض ولعله (ان الحلق نسك) كما يفهم من سياق الكلام

(8/290)


فَلْيَنْحَرْهُ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ وَسَعْيِهِ فَلْيَحْلِقْ أَوْ يُقَصِّرْ ثُمَّ لِيَرْجِعَ إلَى أَهْلِهِ فَإِنْ أَدْرَكَهُ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ فليحجج إنْ اسْتَطَاعَ وَلْيُهْدِ فِي حَجِّهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ) وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدِهِمْ الصَّحِيحَةِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ (أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ خَرَجَ حَاجًّا حَتَّى إذَا كَانَ بِالنَّازِيَةِ مِنْ طَرِيقِ مَكَّةَ ضَلَّتْ رَاحِلَتُهُ فَقَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ النَّحْرِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ اصْنَعْ كَمَا يَصْنَعُ الْمُعْتَمِرُ ثُمَّ قَدْ حَلَلْت فَإِذَا أَدْرَكْت الْحَجَّ قَابِلًا فَاحْجُجْ وَأَهْدِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ) وَرَوَى مَالِكٌ أَيْضًا فِي الْمُوَطَّأِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ هَبَّارَ بْنَ الْأَسْوَدِ جَاءَ يَوْمَ النَّحْرِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَنْحَرُ هَدْيَهُ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَخْطَأْنَا الْعِدَّةَ كُنَّا نَظُنُّ أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمُ عَرَفَةَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ اذْهَبْ إلَى مَكَّةَ فَطُفْ بِالْبَيْتِ أَنْتَ وَمَنْ مَعَك وَاسْعَوْا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَانْحَرُوا هَدْيًا إنْ كَانَ مَعَكُمْ ثُمَّ احْلِقُوا أَوْ قَصِّرُوا ثُمَّ ارْجِعُوا فَإِذَا كَانَ عَامُ قَابِلٍ فَحُجُّوا وَأَهْدُوا فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعَ) وَعَنْ الْأَسْوَدِ قَالَ (سَأَلْت عُمَرَ عَنْ رَجُلٍ فَاتَهُ الْحَجُّ قَالَ يُهِلُّ بِعُمْرَةٍ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ ثُمَّ سَأَلْت فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ عنه فقال يُهِلُّ بِعُمْرَةٍ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ) رَوَاهُ
الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَاهُ هَكَذَا مِنْ طُرُقٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرَوَى عَنْ إدْرِيسَ الْأَوْدِيِّ عَنْهُ قَالَ وَيُهْرِيقُ دَمًا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رِوَايَاتُ الْأَسْوَدِ عن عمر متصلات ورواية سليمان ابن يَسَارٍ عَنْهُ مُنْقَطِعَةٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ الرِّوَايَةُ الْمُتَّصِلَةُ عَنْ عُمَرَ فِيهَا زِيَادَةٌ وَاَلَّذِي يَزِيدُ فِي الْحَدِيثِ أَوْلَى بِالْحِفْظِ مِمَّنْ لَمْ يَزِدْ وَقَدْ رَوَيْنَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ كَمَا سَبَقَ مُتَّصِلًا وَرِوَايَةُ إدْرِيسَ الْأَوْدِيِّ إنْ صَحَّتْ تَشْهَدُ لِرِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ بِالصِّحَّةِ
* وَرَوَى إبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ هَبَّارِ بْنِ الْأَسْوَدِ أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ فَاتَهُ الْحَجُّ فَذَكَرَهُ مَوْصُولًا هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْبَيْهَقِيّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله
* (وان اخطأ الناس الوقوف فوقفوا في اليوم الثامن أو العاشر لم يجب عليهم القضاء لان الخطأ في ذلك انما يكون بان يشهد اثنان برؤية الهلال قبل الشهر بيوم فوقفوا في الثامن بشهادتهما ثم بان

(8/291)


كذبهما أو يغم الهلال فوقفوا في اليوم العاشر ومثل هذا لا يؤمن في القضاء فسقط)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا غَلِطُوا فِي الْوُقُوفِ نُظِرَ إنْ غَلِطُوا فِي الْمَكَانِ فَوَقَفُوا فِي غَيْرِ أَرْضِ عَرَفَاتٍ يَظُنُّونَهَا عَرَفَاتٍ لَمْ يُجْزِهِمْ بِلَا خِلَافٍ لِتَفْرِيطِهِمْ وَإِنْ غَلِطُوا فِي الزَّمَانِ بِيَوْمَيْنِ بِأَنْ وَقَفُوا فِي السَّابِعِ أَوْ الْحَادِيَ عَشَرَ لَمْ يُجْزِهِمْ بِلَا خِلَافٍ لِتَفْرِيطِهِمْ وَإِنْ غَلِطُوا بِيَوْمٍ وَاحِدٍ فَوَقَفُوا فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ أَجْزَأَهُمْ وَتَمَّ حَجُّهُمْ وَلَا قَضَاءَ
* هَذَا إذَا كَانَ الْحَجِيجُ عَلَى الْعَادَةِ فَإِنْ قَلُّوا أَوْ جَاءَتْ طَائِفَةٌ يَسِيرَةٌ فَظَنَّتْ أَنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ وَأَنَّ النَّاسَ قَدْ أَفَاضُوا فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُجْزِئُهُمْ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَآخَرُونَ لِأَنَّهُمْ مُفَرِّطُونَ وَلِأَنَّهُ نَادِرٌ يُؤْمَنُ مِثْلُهُ فِي الْقَضَاءِ (وَالثَّانِي) يُجْزِئُهُمْ كَالْجَمْعِ الْكَثِيرِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَحَيْثُ قُلْنَا يُجْزِئُهُمْ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَتَبَيَّنَ الْحَالُ بَعْدَ الْيَوْمِ الْعَاشِرِ أَوْ فِي أَثْنَاءِ الْوُقُوفِ
* وَلَوْ بَانَ الْحَالُ فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ قَبْلَ زَوَالِ الشَّمْسِ فَوَقَفُوا عَالِمِينَ بِالْحَالِ قَالَ الْبَغَوِيّ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُحْسَبُ وقوفهم لانهم وقفوا متيقنين الخطأ بخلاف مالو عَلِمُوا فِي حَالِ الْوُقُوفِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُمْ لِأَنَّ وُقُوفَهُمْ قَبْلَ الْعِلْمِ وَقَعَ مُجْزِئًا
* هَذَا كَلَامُ الْبَغَوِيِّ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ وَقَالَ هَذَا غَيْرُ مُسَلَّمٍ لَهُ لِأَنَّ عَامَّةَ الْأَصْحَابِ قَالُوا لَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ لَيْلَةَ الْعَاشِرِ وَهُمْ بِمَكَّةَ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُمْ الْوُقُوفُ فِي اللَّيْلِ وَقَفُوا مِنْ الْغَدِ وَحُسِبَ لَهُمْ الْوُقُوفُ كَمَا لَوْ
قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بَعْدَ الْغُرُوبِ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ مِنْ الْغَدِ الْعِيدَ فَإِذَا لَمْ يَحْكُمْ بِالْفَوَاتِ لِقِيَامِ الْبَيِّنَةِ لَيْلَةَ العاشر لزم مِثْلُهُ يَوْمَ الْعَاشِرِ هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هُوَ الصَّحِيحُ خِلَافُ مَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ شَهِدَ واحد أو جماعة برؤية هِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ لَزِمَ الشُّهُودَ الْوُقُوفُ فِي الْيَوْمِ التَّاسِعِ عِنْدَهُمْ وَالنَّاسُ يَقِفُونَ بَعْدَهُ فَلَوْ اقْتَصَرُوا عَلَى الْوُقُوفِ مَعَ النَّاسِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي بَعْدَهُ لَمْ يَصِحَّ وُقُوفُ الشُّهُودِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا
* وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ يَلْزَمُهُمْ الْوُقُوفُ مَعَ النَّاسِ أَيْ وَإِنْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَهُ الْعَاشِرَ قَالَ وَلَا يُجْزِئُهُمْ التَّاسِعُ عِنْدَهُمْ
* دَلِيلُنَا أَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ هَذَا الْيَوْمَ الَّذِي يَقِفُ

(8/292)


النَّاسُ فِيهِ الْعَاشِرَ فَلَمْ يُجْزِ وُقُوفُهُمْ فِيهِ كما لو قبل شَهَادَتُهُمْ
* هَذَا كُلُّهُ إذَا غَلِطُوا فَوَقَفُوا فِي الْعَاشِرِ (أَمَّا) إذَا غَلِطَ الْحَجِيجُ فَوَقَفُوا فِي الثَّامِنِ بِأَنْ شَهِدَ بِالرُّؤْيَةِ فُسَّاقٌ أَوْ كُفَّارٌ أَوْ عَبِيدٌ وَلَمْ يُعْلَمْ حَالُهُمْ ثُمَّ عُلِمَ فَإِنْ بَانَ الْحَالُ قَبْلَ فَوَاتِ وَقْتِ الْوُقُوفِ لَزِمَهُمْ الْوُقُوفُ فِيهِ لِتَمَكُّنِهِمْ مِنْهُ وَإِنْ بَانَ بَعْدَهُ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي طَرِيقَتَيْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ
(أَحَدُهُمَا)
يُجْزِئُهُمْ كَالْعَاشِرِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْعَبْدَرِيُّ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يُجْزِئُهُمْ لِأَنَّهُ نَادِرٌ وَبِهَذَا قَطَعَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرُّويَانِيُّ وَكَثِيرُونَ وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ فَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ وَالْخِلَافُ هُنَا كَالْخِلَافِ فِيمَنْ اجْتَهَدَ فَصَلَّى أَوْ صَامَ فَبَانَ قَبْلَ الْوَقْتِ وَالصَّحِيحُ هُنَاكَ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الرُّويَانِيُّ قَالَ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا أَحْرَمَ النَّاسُ بِالْحَجِّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ بِالِاجْتِهَادِ فَبَانَ الْخَطَأُ فِي الِاجْتِهَادِ خَطَأً عَامًّا فَفِي انْعِقَادِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَنْعَقِدُ كَمَا لَوْ وَقَفُوا فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ غَلَطًا وَوَجْهُ الشَّبَهِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رُكْنٌ يَفُوتُ الْحَجُّ بِفَوَاتِهِ (وَالثَّانِي) لَا يَنْعَقِدُ حَجًّا وَيَنْعَقِدُ عُمْرَةً وَالْفَرْقُ أَنَّا لَوْ أَبْطَلْنَا الْوُقُوفَ فِي الْعَاشِرِ أَبْطَلْنَاهُ مِنْ أَصْلِهِ وَفِيهِ إضْرَارٌ وَأَمَّا هُنَا فَيَنْعَقِدُ عُمْرَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْغَلَطِ فِي الْوُقُوفِ
* اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُمْ إذَا غَلِطُوا فَوَقَفُوا فِي الْعَاشِرِ وَهُمْ جَمْعٌ كَثِيرٌ عَلَى الْعَادَةِ أَجْزَأَهُمْ وَإِنْ وَقَفُوا فِي الثَّامِنِ فَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا لَا يُجْزِئُهُمْ وَبِهِ قَالَ أَبُو
حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالْأَصَحُّ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ أَنَّهُ لا يجزئهم * قال المصنف رحمه الله
* (ومن أحرم فاحصره العدو نظرت فان كان العدو من المسلمين فالاولى ان يتحلل ولا يقاتله لان التحلل أولى من قتال المسلمين وان كان من المشركين لم يجب عليه القتال لان قتال

(8/293)


الكفار لا يجب الا إذا بدؤا بالحرب فان كان في المسلمين ضعف وفي العدو قوة فالاولى أن لا يقاتلهم لانه ربما انهزم المسلمون فيلحقهم وهن وان كان في المسلمين قوة وفي المشركين ضعف فالافضل أن يقاتلهم ليجمع بين نصرة الاسلام واتمام الحج فان طلبوا مالا لم يجب اعطاء المال لان ذلك ظلم ولا يجب الحج مع احتمال الظلم فان كانوا مشركين كره أن يدفع إليهم لان في ذلك صغار على الاسلام فلا يجب احتماله من غير ضرورة وان كانوا مسلمين لم يكره)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ أَحْصَرَهُ الْمَرَضُ وَحَصَرَهُ الْعَدُوُّ وَقِيلَ حُصِرَ وَأُحْصِرَ فِيهِمَا وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ
* وَأَصْلُ الْحَصْرِ الْمَنْعُ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا أَحْصَرَ الْعَدُوُّ الْمُحْرِمِينَ عَنْ الْمُضِيِّ فِي الْحَجِّ مِنْ جَمِيعِ الطُّرُقِ فَلَهُمْ التَّحَلُّلُ سَوَاءٌ كَانَ الْوَقْتُ وَاسِعًا أَمْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ الْعَدُوُّ مُسْلِمِينَ أَوْ كُفَّارًا لَكِنْ إنْ كَانَ الْوَقْتُ وَاسِعًا فَالْأَفْضَلُ تَأْخِيرُ التَّحَلُّلِ فَلَعَلَّهُ يَزُولُ الْمَنْعُ وَيَتِمُّ الْحَجُّ وَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ ضَيِّقًا فَالْأَفْضَلُ تَعْجِيلُ التَّحَلُّلِ خَوْفًا مِنْ فَوَاتِ الْحَجِّ
* وَيَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ بِالْعُمْرَةِ التَّحَلُّلُ عِنْدَ الْإِحْصَارِ بِلَا خِلَافٍ وَدَلِيلُ التَّحَلُّلِ وَإِحْصَارِ الْعَدُوِّ نَصُّ الْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ فِي تَحَلُّلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ وَكَانُوا مُحْرِمِينَ بِعُمْرَةٍ وَإِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى ذَلِكَ (وَأَمَّا) إذَا مَنَعُوا وَطُلِبَ مِنْهُمْ مَالٌ وَلَمْ يُمْكِنْهُمْ الْمُضِيُّ إلَّا بِبَذْلِ مَالٍ فَلَهُمْ التَّحَلُّلُ وَلَا يَلْزَمُهُمْ بَذْلُهُ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ قَلَّ الْمَطْلُوبُ أَمْ كَثُرَ فَإِنْ كَانَ الطَّالِبُ كُفَّارًا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ كُرِهَ ذَلِكَ وَلَا يَحْرُمُ قَالَ

(8/294)


الشَّافِعِيُّ كَمَا لَا تَحْرُمُ الْهِبَةُ لِلْكُفَّارِ وَإِنْ كَانُوا مُسْلِمِينَ لَمْ يُكْرَهْ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَأَمَّا) إذَا احْتَاجَ الْحَجِيجُ إلَى قِتَالِ الْعَدُوِّ لِيَسِيرُوا فَيُنْظَرُ إنْ كَانَ الْمَانِعُونَ مُسْلِمِينَ جَازَ لَهُمْ التَّحَلُّلُ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ قِتَالِهِمْ لِتَعْظِيمِ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ قَاتَلُوهُ جَازَ لِأَنَّهُمْ صَائِلُونَ وَقَدْ تَظَاهَرَتْ الْأَحَادِيثُ
الصَّحِيحَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ) وَفِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ (وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ) وَإِنْ كَانَ الْعَدُوُّ كُفَّارًا فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَهُوَ مَشْهُورٌ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْعَدُوُّ أَكْثَرَ مِنْ مِثْلَيْ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَجِبْ قِتَالُهُمْ وَإِلَّا وَجَبَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الْإِطْلَاقُ لَيْسَ بِمُرْضٍ بَلْ شَرْطُهُ وُجْدَانُهُمْ السِّلَاحَ وَأُهْبَةُ الْقِتَالِ قَالَ فَإِنْ وَجَدُوا ذَلِكَ فَلَا سَبِيلَ إلَى التَّحَلُّلِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَآخَرُونَ مِنْ غَيْرِهِمْ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقِتَالُ سَوَاءٌ كَانَ عَدَدُ الْكُفَّارِ مِثْلَيْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ أَقَلَّ لَكِنْ إنْ كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ قُوَّةٌ فَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَتَحَلَّلُوا بَلْ يُقَاتِلُوهُمْ لِيَجْمَعُوا بَيْنَ الْجِهَادِ وَنُصْرَةِ الْإِسْلَامِ وَالْحَجِّ وَإِلَّا فَالْأَفْضَلُ التَّحَلُّلُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَحَيْثُ قَاتَلُوا الْمُسْلِمِينَ أَوْ الْكُفَّارَ فَلَهُمْ لِبْسُ الدُّرُوعِ وَالْمَغَافِرِ وَعَلَيْهِمْ الْفِدْيَةُ كَمَنْ لَبِسَ لِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ جَوَازِ التَّحَلُّلِ بِلَا خِلَافٍ هُوَ فِيمَا إذَا مُنِعُوا الْمُضِيَّ دُونَ الرُّجُوعِ (فَأَمَّا) إذَا

(8/295)


أَحَاطَ بِهِمْ الْعَدُوُّ مِنْ الْجَوَانِبِ كُلِّهَا فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ وَقِيلَ هُمَا قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) جَوَازُ التحلل لعموم قوله تعالى (فان أحصرتم) (وَالثَّانِي) لَا إذْ لَا يَحْصُلُ بِهِ أَمْنٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ فِيمَا إذَا صَدُّوهُمْ وَلَمْ يَجِدُوا طَرِيقًا آخَرَ (فاما) ان وجدوا طريقا غيره لاضرر فِي سُلُوكِهَا فَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ طَرِيقِهِمْ الَّتِي صُدُّوا عَنْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ التَّحَلُّلُ لِأَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَى الْوُصُولِ فَإِنْ كَانَ أَطْوَلَ مِنْ طَرِيقِهِمْ قَالَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ وَالرُّويَانِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ نَفَقَةٌ تَكْفِيهِمْ لِذَلِكَ الطَّرِيقِ فَلَهُمْ التَّحَلُّلُ
* وَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ نَفَقَةٌ تَكْفِيهِمْ لِطَرِيقِهِمْ الْآخَرِ لَمْ يَجُزْ لَهُمْ التَّحَلُّلُ وَلَزِمَهُمْ سُلُوكُ الطَّرِيقِ الْآخَرِ سَوَاءٌ عَلِمُوا أَنَّهُمْ بِسُلُوكِ هَذَا الطَّرِيقِ يَفُوتُهُمْ الْحَجُّ أَمْ لَا لِأَنَّ سَبَبَ التَّحَلُّلِ هُوَ الْحَصْرُ لَا خَوْفُ الْفَوَاتِ وَلِهَذَا لَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ يَوْمَ عَرَفَةَ وَهُوَ بِالشَّامِ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّحَلُّلُ بِسَبَبِ الْفَوَاتِ قَالَ أَصْحَابُنَا حَتَّى لَوْ أُحْصِرَ بِالشَّامِ فِي ذِي الْحِجَّةِ وَوَجَدَ طَرِيقًا آخَرَ كَمَا ذَكَرْنَا لَزِمَهُ السَّيْرُ فِيهِ وَوُصُولُ الْكَعْبَةِ وَالتَّحَلُّلُ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا
سَلَكَ هَذَا الطَّرِيقَ كَمَا أَمَرْنَاهُ فَفَاتَهُ الْحَجُّ بِطُولِ الطَّرِيقِ الثَّانِي أَوْ خُشُونَتِهِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّا يَحْصُلُ الْفَوَاتُ بِسَبَبِهِ فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي الْفَصْلِ الْآتِي وَالْأَصْحَابُ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ بَلْ يَتَحَلَّلُ تَحَلُّلَ الْمُحْصَرِ لِأَنَّهُ مُحْصَرٌ وَلِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ كَمَا لَوْ سَلَكَهُ ابْتِدَاءً فَفَاتَهُ بِضَلَالٍ فِي الطَّرِيقِ وَنَحْوِهِ
* وَلَوْ اسْتَوَى الطَّرِيقَانِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَجَبَ الْقَضَاءُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ فَوَاتٌ مَحْضٌ
* وَلَوْ أُحْصِرَ وَلَمْ يَجِدْ طَرِيقًا آخَرَ إلَّا فِي الْبَحْرِ قَالَ أَصْحَابُنَا يَنْبَنِي عَلَى وُجُوبِ رُكُوبِ الْبَحْرِ لِلْحَجِّ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْخِلَافِ فِيهِ وَتَفْصِيلُهُ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْحَجِّ فَحَيْثُ قُلْنَا يَجِبُ رُكُوبُهُ يَكُونُ

(8/296)


كَقُدْرَتِهِ عَلَى طَرِيقِ أَمْنٍ فِي الْبَرِّ وَإِلَّا فَلَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَلَوْ أُحْصِرَ فَصَابَرَ الْإِحْرَامَ مُتَوَقِّعًا زَوَالَهُ فَفَاتَهُ الْحَجُّ وَالْإِحْصَارُ دَائِمٌ تَحَلَّلَ بِأَعْمَالِ الْعُمْرَةِ وَفِي الْقَضَاءِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ فَاتَهُ بِطُولِ الطَّرِيقِ الثَّانِي (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) الْقَطْعُ بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ بِالْمُصَابَرَةِ فِي الْفَوَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا لَمْ يَتَحَلَّلْ بِالْإِحْصَارِ حَتَّى فَاتَهُ الْحَجُّ فَحَيْثُ قُلْنَا لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ يَتَحَلَّلُ وَعَلَيْهِ دَمُ الْإِحْصَارِ دُونَ دَمِ الْفَوَاتِ وَحَيْثُ أَوْجَبْنَا الْقَضَاءَ فَإِنْ كَانَ قَدْ زَالَ الْعَدُوُّ وَأَمْكَنَهُ وُصُولُ الْكَعْبَةِ لَزِمَهُ قَصْدُهَا وَالتَّحَلُّلُ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ وَعَلَيْهِ دَمُ الْفَوَاتِ دُونَ دَمِ الْإِحْصَارِ وَإِنْ كَانَ الْعَدُوُّ بَاقِيًا فَلَهُ التَّحَلُّلُ وَعَلَيْهِ دَمَانِ دَمُ الْفَوَاتِ وَدَمُ الْإِحْصَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا تَحَلَّلَ الْحَاجُّ فَإِنْ لَمْ يَزُلْ الْإِحْصَارُ فَلَهُ الرُّجُوعُ إلَى وَطَنِهِ وَإِنْ انْصَرَفَ الْعَدُوُّ فَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ وَاسِعًا بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ تَجْدِيدُ الْإِحْرَامِ وَإِدْرَاكُ الْحَجِّ فَإِنْ كَانَ حجه تطوعا فلا شئ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ حَجُّهُ تَقَدَّمَ وُجُوبَهَا بَقِيَ وُجُوبُهَا كَمَا كَانَ وَالْأَوْلَى أَنْ يُجَدِّدَ الْإِحْرَامَ بِهَا فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَلَهُ التَّأْخِيرُ وَإِنْ كان حَجَّةً وَجَبَتْ فِي هَذِهِ السَّنَةِ بِأَنْ اسْتَطَاعَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ دُونَ مَا قَبْلَهَا فَقَدْ اسْتَقَرَّ الْوُجُوبُ فِي ذِمَّتِهِ لِتَمَكُّنِهِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُحْرِمَ بِهَا فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَلَهُ التَّأْخِيرُ لِأَنَّ الْحَجَّ عِنْدَنَا عَلَى التَّرَاخِي وَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ ضَيِّقًا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ إدْرَاكُ الْحَجِّ سَقَطَ عَنْهُ الْوُجُوبُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَإِنْ اسْتَطَاعَ بَعْدَهُ لَزِمَهُ وَإِلَّا فَلَا إلَّا أَنْ يَكُونَ سَبَقَ وُجُوبُهَا قَبْلَ هَذِهِ السَّنَةِ وَاسْتَقَرَّتْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا قَالَ الْعَدُوُّ الصَّادُّونَ بَعْدَ صَدِّهِمْ قَدْ آمَنَّاكُمْ وَخَلَّيْنَا لَكُمْ الطَّرِيقَ
فَإِنْ وَثِقُوا بِقَوْلِهِمْ فَأَمِنُوا غَدْرَهُمْ لَمْ يَجُزْ التَّحَلُّلُ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ تَحَلَّلَ لِأَنَّهُ لَا صَدَّ وَإِنْ خَافُوا غَدْرَهُمْ فَلَهُمْ التَّحَلُّلُ
* (فَرْعٌ)
اعْتَرَضَ أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَصْرُونَ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِهِ لِأَنَّ قِتَالَ الكفار لا يجب

(8/297)


الا إذا بدؤا بِالْحَرْبِ وَقَالَ هَذَا سَهْوٌ مِنْهُ بَلْ قِتَالُ الْكُفَّارِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ غَلَطٌ مِنْ قَائِلِهِ بَلْ الَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ عِبَارَةُ الْأَصْحَابِ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ لَكِنْ زَادَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْجُمْهُورُ فِيهَا لَفْظَةً فَقَالُوا لِأَنَّ قِتَالَ الْكُفَّارِ لَا يَجِبُ إلَّا إذَا بدؤا به أو استنفر الامام أو الثغور النَّاسَ لِقِتَالِهِمْ فَهَذِهِ عِبَارَةُ الْأَصْحَابِ وَمُرَادُهُمْ لَا يَجِبُ عَلَى آحَادِ الرَّعِيَّةِ وَالطَّائِفَةِ مِنْهُمْ (وَأَمَّا) الْإِمَامُ فَيَلْزَمُهُ الْغَزْوُ بِالنَّاسِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِسَرَايَاهُ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً إلَّا أَنْ تَدْعُوَ حَاجَةٌ إلَى تَأْخِيرِهِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي كِتَابِ السير والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (وان أحصره العدو عن الوقوف أو الطواف أو السعي فان كان له طريق آخر يمكنه الوصول منه إلى مكة لم يجز له التحلل قرب أو بعد لانه قادر على أداء النسك فلا يجوز له التحلل بل يمضي ويتمم النسك وان سلك الطريق الاخر ففاته الحج تحلل بعمل عمرة وفي القضاء قولان
(أحدهما)
يجب عليه لانه فاته الحج فَأَشْبَهَ إذَا أَخْطَأَ الطَّرِيقَ أَوْ أَخْطَأَ الْعَدَدَ (والثاني) لا يجب عليه لانه تحلل من غير تفريط فلم يلزمه القضاء كما لو تحلل بالاحصار
* فان احصر ولم يكن له طريق آخر جاز له ان يتحلل لقوله عز وجل (فان احصرتم فما استيسر من الهدى) ولان النبي صلى الله عليه وسلم احصره المشركون في الحديبية فتحلل ولانا لو الزمناه البقاء على الاحرام ربما طال الحصر سنين فتلحقه المشقة العظيمة في البقاء على الاحرام وقد قال الله عز وجل (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) فان كان الوقت واسعا فالافضل أن لا يتحلل لانه ربما زال الحصر وأتم النسك وان كان الوقت ضيقا فالافضل أن يتحلل حتى لا يفوته الحج فان اختار التحلل نظرت فان كان واجدا للهدي لم يجز له أن يتحلل حتى يهدي لقوله تَعَالَى (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) فان كان في الحرم ذبح الهدي فيه وان

(8/298)


كان في غير الحرم ولم يقدر على الوصول إلى الحرم ذبح الهدي حيث أحصر لان النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحَرَ هَدْيَهُ
بالحديبية وهي خارج الحرم وأن قدر على الوصول إلى الحرم ففيه وجهان
(أحدهما)
يجوز له أن يذبح في موضعه لانه موضع تحلله فجاز فيه الذبح كما لو أحصر في الحرم (والثاني) لا يجوز أن يذبح إلا في الحرم لانه قادر على الذبح في الحرم فلا يجوز أن يذبح في غيره كما لو أحصر فيه ويجب أن ينوي بالهدي التحلل لان الهدي قد يكون للتحلل وقد يكون لغيره فوجب أن ينوي ليميز بينهما ثم يحلق لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج معتمرا فحالت كفار قريش بينه وبين البيت فنحر هديه وحلق رأسه بالحديبية (فان قلنا) ان الحلق نسك حصل له التحلل بالهدي والنية والحلق (وإن قلنا) انه ليس بنسك حصل له التحلل بالنية والهدي
* وان كان عادما للهدي ففيه قولان
(أحدهما)
لا بدل للهدي لقوله عز وجل (فان أحصرتم فما استيسر من الهدي) فذكر الهدى ولم يذكر له بدلا ولو كان له بدل لذكره كما ذكره في جزاء الصيد (والقول الثاني) له بدل لانه دم يتعلق وجوبه بالاحرام فكان له بدل كدم التمتع (فان قلنا) لا بدل للهدي فهل يتحلل فيه قولان
(أحدهما)
لا يتحلل حتى يجد الهدي لان الهدي شرط في التحلل فلا يجوز التحلل قبله (والثاني) أنه يتحلل لانا لو ألزمناه البقاء على الاحرام إلى أن يجد الهدي أدى ذلك إلى المشقة (فان قلنا) له بدل ففي بدله ثلاثة أقوال (أحدها) الاطعام (والثاني) الصيام (والثالث) أنه مخير بين الصيام والاطعام (وإن قلنا) إن بدله الاطعام ففي الاطعام وجهان
(أحدهما)
اطعام التعديل كالاطعام في جزاء الصيد لانه أقرب إلى الهدي ولانه يستوفي فيه قيمة الهدي (والثاني) اطعام فدية الاذى لانه وجب للترفه فهو كفدية الاذى (وإن قلنا) إن بدله الصوم ففي الصوم ثلاثة أوجه (أحدها) صوم التمتع

(8/299)


لانه وجب للتحلل كما وجب صوم التمتع للتحلل بين الحج والعمرة في أشهر الحج (والثاني) صوم التعديل لان ذلك أقرب إلى الهدي لانه يستوفي قيمة الهدي ثم يصوم عن كل مد يوما (والثالث) صوم فدية الاذى لانه وجب للترفه فهو كصوم فدية الاذى (فان قلنا) انه مخير فهو بالخيار بين صوم فدية الاذى وبين اطعامها لانا بينا أنه في معنى فدية الاذى فان أوجبنا عليه الاطعام وهو واجد أطعم وتحلل وإن كان عادما له فهل يتحلل أم لا يتحلل حتى يجد الطعام على القولين كما قلنا في الهدي
وان أوجبنا الصيام فهل يتحلل قبل أن يصوم فيه وجهان
(أحدهما)
لا يتحلل كما لا يتحلل بالهدي حتى يهدي (والثاني) يتحلل لانا لو ألزمناه البقاء على الاحرام إلى أن يفرغ من الصيام أدى إلى المشقة لان الصوم يطول فإذا تحلل نظرت فان كان في حج تقدم وجوبه بقي الوجوب في ذمته وان كان في تطوع لم يجب القضاء لانه تطوع أبيح له الخروج منه فإذا خرج لم يلزمه القضاء كصوم التطوع
* وان كان الحصر خاصا بان منعه غريمه ففيه قولان
(أحدهما)
لا يلزمه القضاء كما لا يلزمه في الحصر العام (والثاني) يلزمه لانه تحلل قبل الاتمام بسبب يختص به فلزمه القضاء كما لو ضل الطريق ففاته الحج
* وإن أحصر فلم يتحلل حتى فاته الوقوف نظرت فان زال العذر وقدر على الوصول تحلل بعمل عمرة ولزمه القضاء وهدي للفوات وان فاته والعذر لم يزل تحلل ولزمه القضاء وهدي للفوات وهدي للاحصار فان أفسد الحج ثم أحصر تحلل لانه إذا تحلل من الحج الصحيح فلان يتحلل من الفاسد أولى فان لم يتحلل حتى فاته الوقوف لزمه ثلاثة دماء دم الفساد ودم الفوات ودم الاحصار ويلزمه قضاء واحد لان الحج واحد
*)
*

(8/300)


(الشَّرْحُ) حَدِيثُ تَحَلُّلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحُدَيْبِيَةِ حِينَ صَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ ثَابِتٌ فِي الصحيحين وكذا حديث هدية نحره بِالْحُدَيْبِيَةِ وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ كُلُّهَا ثَابِتَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَاتِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ الله عنهم وكانت قضية الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ سِتٍّ مِنْ الْهِجْرَةِ وَسَبَقَ بَيَانُ الْحُدَيْبِيَةِ فِي بَابِ الْمَوَاقِيتِ وأنها تقال بتخفيف الباء وَتَشْدِيدِهَا وَالتَّخْفِيفُ أَفْصَحُ
* وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ دَمٌ تَعَلَّقَ وُجُوبُهُ بِالْإِحْرَامِ فِيهِ احْتِرَازٌ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ وَالْعَقِيقَةِ (وَقَوْلُهُ) تَطَوُّعٌ أُبِيحَ الْخُرُوجُ مِنْهُ احْتِرَازٌ مِنْ حَجِّ التَّطَوُّعِ إذَا تَحَلَّلَ مِنْهُ بِالْفَوَاتِ فَإِنَّهُ يَجِبُ قَضَاؤُهُ (وَقَوْلُهُ) بِسَبَبٍ يَخْتَصُّ بِهِ احْتِرَازٌ مِنْ الْحَصْرِ الْعَامِّ (وَقَوْلُهُ) فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ فَأَشْبَهَ إذَا أَخْطَأَ الطَّرِيقَ أَوْ أَخْطَأَ الْعَدَدَ وَهُوَ وَحْدَهُ أَوْ فِي طَائِفَةٍ يَسِيرَةٍ فَأَمَّا الْجَمْعُ الْكَثِيرُ فَلَا يَلْزَمُهُمْ الْقَضَاءُ بِالْخَطَأِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ لافرق فِي جَوَازِ التَّحَلُّلِ بِالْإِحْصَارِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْوُقُوفِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَا بَيْنَ الْإِحْصَارِ عَنْ الْبَيْتِ فَقَطْ أَوْ الْمَوْقِفِ فَقَطْ أَوْ عنهما أو عن المسعئ فَيَجُوزُ التَّحَلُّلُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ
بِلَا خِلَافٍ
* فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ طَرِيقٌ آخَرُ يُمْكِنُهُ سُلُوكُهُ فَإِنْ كَانَ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ سَبَقَ بَيَانُهُ قَبْلَ هَذَا الْفَصْلِ وَاضِحًا وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَيْضًا أَنَّ تَعْجِيلَ التَّحَلُّلِ أَفْضَلُ أَمْ تَأْخِيرُهُ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا كَانَ حَصْرُهُ قَبْلَ الْوُقُوفِ وَأَقَامَ عَلَى إحْرَامِهِ حَتَّى فَاتَهُ الْحَجُّ فَإِنْ أَمْكَنَهُ التَّحَلُّلُ بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ مَعَ الْحَلْقِ إذَا جَعَلْنَاهُ نُسُكًا لَزِمَهُ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَدَمُ الْفَوَاتِ وَإِنْ لَمْ يَزُلْ الْحَصْرُ تَحَلَّلَ بِالْهَدْيِ وَعَلَيْهِ مَعَ الْقَضَاءِ هَدْيَانِ هَدْيٌ لِلْفَوَاتِ وَهَدْيٌ لِلتَّحَلُّلِ بِالْإِحْصَارِ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَرِيبًا
* وَإِنْ كَانَ الْإِحْصَارُ بَعْدَ الْوُقُوفِ فَإِنْ تَحَلَّلَ فَذَاكَ وَهَلْ لَهُ الْبِنَاءُ عَلَى مَا مَضَى إذَا زَالَ الْإِحْصَارُ بَعْدَ ذَلِكَ فِيهِ الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ (الْجَدِيدُ) الْأَصَحُّ لَا يَجُوزُ (وَالْقَدِيمُ) الْجَوَازُ وَعَلَى هَذَا يُحْرِمُ إحْرَامًا ناقصا

(8/301)


وَيَأْتِي بِبَقِيَّةِ الْأَعْمَالِ وَعَلَى هَذَا لَوْ بَنَى مَعَ الْإِمْكَانِ وَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَى الْمَذْهَبِ (وَقِيلَ) فِيهِ وَجْهَانِ وَإِنْ لَمْ يَتَحَلَّلْ حَتَّى فَاتَهُ الرَّمْيُ وَالْمَبِيتُ فَهُوَ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى وُجُوبِ الدَّمِ لِفَوَاتِهِمَا كَغَيْرِ الْمُحْصَرِ وَبِمَاذَا يَتَحَلَّلُ يُبْنَى عَلَى أَنَّ الْحَلْقَ نُسُكٌ أَمْ لَا وَعَلَى أن فَوَاتِ زَمَانِ الرَّمْيِ كَالرَّمْيِ أَمْ لَا فِيهِمَا خِلَافٌ سَبَقَ (فَإِنْ قُلْنَا) فَوَاتُ زَمَانِ الرَّمْيِ كَالرَّمْيِ وَقُلْنَا الْحَلْقُ نُسُكٌ حَلَقَ وَحَصَلَ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ (وَإِنْ قُلْنَا) لَيْسَ بِنُسُكٍ حَصَلَ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ بِمُضِيِّ زَمَانِ الرَّمْيِ
* وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَالطَّوَافُ بَاقٍ عَلَيْهِ فَمَتَى أَمْكَنَهُ طَافَ فَيُتِمُّ حَجَّهُ وَلَا بُدَّ مِنْ السَّعْيِ إنْ لَمْ يَكُنْ سَعَى
* ثُمَّ إذَا تَحَلَّلَ بِالْإِحْصَارِ الْوَاقِعِ بَعْدَ الْوُقُوفِ (فَالْمَذْهَبُ) أَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَآخَرُونَ مِنْ غَيْرِهِمْ لَكِنْ لَا تُجْزِئُهُ حَجَّتُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُكْمِلْهَا
* وَحَكَى صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَمُتَابِعُوهُمَا مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ قَوْلَيْنِ وَطَرَدُوهُمَا فِي كُلِّ صُورَةٍ أَتَى فِيهَا بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِنُسُكٍ لِتَأَكُّدِهَا الْإِحْرَامَ بِذَلِكَ النُّسُكِ
* وَلَوْ صُدَّ عَنْ عَرَفَاتٍ وَلَمْ يُصَدَّ عَنْ مَكَّةَ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالرُّويَانِيُّ نَصَّ عَلَيْهَا فِي الْأُمِّ لَزِمَهُ دُخُولُ مَكَّةَ وَيَتَحَلَّلُ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ وَفِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ (أَصَحُّهُمَا) لَا قَضَاءَ لِأَنَّهُ مُحْصَرٌ (وَالثَّانِي) يَجِبُ الْقَضَاءُ لِأَنَّهُ أَخَلَّ بِالْوُقُوفِ وَحْدَهُ فَأَشْبَهَ الْفَوَاتَ وَهَذَا الْقَائِلُ بِفَوَاتِ الْمُحْصَرِ هُوَ الْمَصْدُودُ عَنْ الْكَعْبَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
مَنْ تَحَلَّلَ بِالْإِحْصَارِ لَزِمَهُ دَمٌ وَهُوَ شَاةٌ وَسَبَقَ بَيَانُهَا فِي آخِرِ بَابِ مَا يَجِبُ بِمَحْظُورَاتِ

(8/302)


الْإِحْرَامِ وَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْ الشَّاةِ إلَى صَوْمٍ وَلَا إطْعَامٍ مَعَ وُجُودِهَا وَلَا يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ قَبْلَ ذَبْحِهَا إذَا وَجَدَهَا فَإِنْ كَانَ الْمُحْصَرُ فِي الْحَرَمِ وَجَبَ ذَبْحُهَا فِيهِ وَتَفْرِقَتُهَا هُنَاكَ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ إيصَالُ الْهَدْيِ وَهُوَ الشَّاةُ إلَى الْحَرَمِ جَازَ ذَبْحُهُ وَتَفْرِقَتُهُ حَيْثُ أُحْصِرَ وَيَتَحَلَّلُ وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَا لَزِمَهُ مِنْ دِمَاءِ الْمَحْظُورَاتِ قَبْلَ الْإِحْصَارِ وَكَذَا مَا مَعَهُ مِنْ هَدْيٍ فَكُلُّهُ يَذْبَحُهُ فِي مَوْضِعِ إحْصَارِهِ وَيُفَرِّقُهُ عَلَى الْمَسَاكِينِ هُنَاكَ وَإِنْ أَمْكَنَهُ إيصَالُهُ إلَى الْحَرَمِ وَذَبْحُهُ فِيهِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُوصِلَهُ أَوْ يَبْعَثَهُ إلَيْهِ فَإِنْ ذَبَحَهُ فِي مَوْضِعِ إحْصَارِهِ فَفِي إجْزَائِهِ وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا وَهُمَا مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) جَوَازُهُ
* قَالَ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَوْ أُحْصِرَ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ الْحَرَمِ فَذَبَحَ الْهَدْيَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ غَيْرِ الْحَرَمِ لَمْ يُجْزِهِ لِأَنَّ مَوْضِعَ الْإِحْصَارِ صَارَ فِي حَقِّهِ كَنَفْسِ الْحَرَمِ
* هَذَا كُلُّهُ إذَا وَجَدَ الْهَدْيَ بِثَمَنِ مِثْلِهِ وَمَعَهُ ثَمَنُهُ فَاضِلًا عَمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ أَوْ وَجَدَهُ مَعَ مَنْ لَا يَبِيعُهُ أَوْ يَبِيعُهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَذَلِكَ الْحَالِ أَوْ بِثَمَنِ مِثْلِهِ وَهُوَ غَيْرُ وَاجِدٍ لِلثَّمَنِ أَوْ وَاجِدٌ وَهُوَ محتاج إليه لمونة سَفَرِهِ فَهَلْ لَهُ بَدَلٌ أَمْ لَا فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) لَهُ بَدَلٌ وَفِي بَدَلِهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَصَحُّهَا) الْإِطْعَامُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْأَوْسَطِ (وَالثَّانِي) الصِّيَامُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي مُخْتَصَرِ الْحَجِّ (وَالثَّالِثُ) مخير بينهما قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا هَذَا الثَّالِثُ مُخْرِجٌ مِنْ فِدْيَةِ الْأَذَى (فَإِنْ قُلْنَا) الْإِطْعَامُ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) إطْعَامٌ بِالتَّعْدِيلِ وَتُقَوَّمُ الشَّاةُ دَرَاهِمَ وَيُخْرِجُ بِقِيمَتِهَا طَعَامًا فَإِنْ عَجَزَ صام عن كل مد يوما (والثاني) إطْعَامُ فِدْيَةِ الْأَذَى وَهُوَ ثَلَاثَةُ آصُعٍ لِسِتَّةِ مساكين كما سبق ويجئ فِي كَيْفِيَّةِ تَفْرِقَتِهَا الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي مَوْضِعِهِ (الْأَصَحُّ) لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ وَقِيلَ

(8/303)


يجوز المفاضلة (وان قلنا) هو مخير فهو مُخَيَّرٌ بَيْنَ صَوْمِ فِدْيَةِ الْأَذَى وَإِطْعَامِهَا وَصَوْمِهَا ثلاثة أيام واطعام ثلاثة آصع ودليل الجميع فِي الْكِتَابِ (وَإِنْ قُلْنَا) بَدَلُهُ الصَّوْمُ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ مَشْهُورَةٌ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ بِدَلَائِلِهَا (أَحَدُهَا) عَشْرَةُ أَيَّامٍ كَالْمُتَمَتِّعِ (وَالثَّانِي) ثَلَاثَةٌ (وَالثَّالِثُ) بِالتَّعْدِيلِ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا وَلَا مَدْخَلَ لِلطَّعَامِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَكِنْ يُعْتَبَرُ بِهِ قَدْرُ الصِّيَامِ وَحَيْثُ انْكَسَرَ بَعْضُ مُدٍّ وَجَبَ بِسَبَبِهِ
صَوْمُ يَوْمٍ كَامِلٍ وَقَدْ سَبَقَ نَظِيرُهُ فِي بَابِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ
* قَالَ الرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ الْأَصَحُّ عَلَى الْجُمْلَةِ أَنَّ بَدَلَهُ الْإِطْعَامُ بِالتَّعْدِيلِ فَإِنْ عَجَزَ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ أَمَّا وَقْتُ التَّحَلُّلِ فَيَنْظُرُ إنْ كَانَ وَاجِدًا لِلْهَدْيِ ذَبَحَهُ وَنَوَى التَّحَلُّلَ عِنْدَ ذَبْحِهِ وَهَذِهِ النِّيَّةُ شَرْطٌ بِاتِّفَاقِ الاصحاب لما ذكره الْمُصَنِّفُ ثُمَّ يَحْلِقُ وَهُوَ شَرْطٌ لِلتَّحَلُّلِ إنْ قُلْنَا إنَّ الْحَلْقَ نُسُكٌ وَإِلَّا فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْأَصَحِّ إنَّ الْحَلْقَ نُسُكٌ حَصَلَ لَهُ التَّحَلُّلُ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ الذَّبْحُ وَالنِّيَّةُ والحلق والا فبالذبح وَالنِّيَّةُ وَهَذَا كُلُّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ إلَّا مَا انْفَرَدَ بِهِ الرُّويَانِيُّ فَقَالَ مَا ذَكَرْنَاهُ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِخُرَاسَانَ فِي وَقْتِ تَحَلُّلِ وَاجِدِ الْهَدْيِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
هَذَا (وَالثَّانِي) يَجُوزُ أَنْ يَتَحَلَّلَ ثُمَّ يَذْبَحَ وَهَذَا غَلَطٌ (وَأَمَّا) إذَا فَقَدَ الْهَدْيَ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا بَدَلَ لَهُ فَهَلْ يَتَحَلَّلُ فِي الْحَالِ بِالنِّيَّةِ وَالْحَلْقِ إذَا جَعَلْنَاهُ نُسُكًا فِيهِ قَوْلَانِ مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما (أصحهما) يتحلل فِي الْحَالِ فَعَلَى هَذَا يُشْتَرَطُ النِّيَّةُ قَطْعًا وَكَذَا الْحَلْقُ إنْ جَعَلْنَاهُ نُسُكًا (وَالثَّانِي) لَا يَتَحَلَّلُ إلَّا بِذَبْحِهِ مَعَ النِّيَّةِ وَالْحَلْقِ (وَإِنْ قُلْنَا) لِلْهَدْيِ بَدَلٌ فَإِنْ

(8/304)


قُلْنَا هُوَ الْإِطْعَامُ تَوَقَّفَ التَّحَلُّلُ عَلَيْهِ وَعَلَى النِّيَّةِ وَالْحَلْقِ إنْ وُجِدَ الْإِطْعَامُ فَإِنْ فَقَدَهُ فَهَلْ يَتَحَلَّلُ فِي الْحَالِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِيهِ قَوْلَانِ كَمَا إذَا قُلْنَا لَا بَدَلَ (الْأَصَحُّ) يَتَحَلَّلُ فِي الْحَالِ (وَالثَّانِي) لَا حَتَّى يُطْعِمَ (وَإِنْ قُلْنَا) بَدَلُهُ الصَّوْمُ أَوْ مُخَيَّرٌ وَاخْتَارَ الصَّوْمَ فَهَلْ يَتَحَلَّلُ فِي الْحَالِ أَمْ لَا يَتَحَلَّلُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ الصَّوْمِ فِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَالْأَكْثَرُونَ وَجْهَيْنِ وَحَكَاهُ فِي التَّنْبِيهِ قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) يَتَحَلَّلُ فِي الْحَالِ فَعَلَى هَذَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا الْحَلْقُ إنْ قُلْنَا هُوَ نُسُكٌ والا فالنية وحدها والله أعلم
* (فرع)
قال المصنف والاحصاب الْحَصْرُ ضَرْبَانِ عَامٌّ وَخَاصٌّ فَالْعَامُّ سَبَقَ حُكْمُهُ وَالْخَاصُّ هُوَ الَّذِي يَقَعُ لِوَاحِدٍ أَوْ شِرْذِمَةٍ مِنْ الرُّفْقَةِ فَيُنْظَرُ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمَحْصُورُ مَعْذُورًا فِيهِ كَمَنْ حُبِسَ فِي دَيْنٍ يُمْكِنُهُ أَدَاؤُهُ فَلَيْسَ لَهُ التَّحَلُّلُ بَلْ عَلَيْهِ أَدَاءُ الدَّيْنِ وَالْمُضِيُّ فِي الْحَجِّ فَإِنْ تَحَلَّلَ لَمْ يَصِحَّ تَحَلُّلُهُ وَلَا يَخْرُجُ مِنْ الْحَجِّ بِذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَهُوَ فِي الْحَبْسِ كَانَ كَغَيْرِهِ مِمَّنْ فَاتَهُ الْحَجُّ بِلَا إحْصَارٍ فَيَلْزَمُهُ قَصْدُ مَكَّةَ وَالتَّحَلُّلُ بِأَفْعَالِ عُمْرَةٍ وَهُوَ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَالْحَلْقُ كَمَا سَبَقَ
* وَإِنْ كَانَ مَعْذُورًا
كَمَنْ حَبَسَهُ السُّلْطَانُ ظُلْمًا أَوْ بِدَيْنٍ لَا يُمْكِنُهُ أَدَاؤُهُ فَطَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ يَجُوزُ لَهُ التَّحَلُّلُ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ (وَالثَّانِي) حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) جَوَازُ التَّحَلُّلِ (وَالثَّانِي) لَا لِأَنَّهُ قَادِرٌ وَالصَّوَابُ الْجَوَازُ والله أعلم
*

(8/305)


(فَرْعٌ)
إذَا تَحَلَّلَ الْمُحْصَرُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ إنْ كَانَ نُسُكُهُ تَطَوُّعًا فَلَا قَضَاءَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَطَوُّعًا نُظِرَ إنْ كَانَ وَاجِبًا مُسْتَقِرًّا كَالْقَضَاءِ وَالنَّذْرِ وَحَجَّةِ الْإِسْلَامِ الَّتِي اسْتَقَرَّ وُجُوبُهَا قَبْلَ هَذِهِ السَّنَةِ بَقِيَ الْوُجُوبُ فِي ذِمَّتِهِ كَمَا كَانَ وَإِنَّمَا أَفَادَهُ الْإِحْصَارُ جَوَازَ الْخُرُوجِ مِنْهَا
* وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ وَهِيَ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مِنْ سِنِي الْإِمْكَانِ سَقَطَتْ الِاسْتِطَاعَةُ فَلَا حَجَّ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ تَجْتَمِعَ فِيهِ شُرُوطُ الِاسْتِطَاعَةِ بَعْدَ ذَلِكَ
* فَلَوْ تَحَلَّلَ بِالْإِحْصَارِ ثُمَّ زَالَ الْإِحْصَارُ وَالْوَقْتُ وَاسِعٌ وَأَمْكَنَهُ الْحَجُّ مِنْ سَنَتِهِ اسْتَقَرَّ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ لِوُجُودِ الِاسْتِطَاعَةِ لَكِنْ لَهُ أن يؤخر الحج عن هذه السنة لا ن الْحَجَّ عَلَى التَّرَاخِي وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ قَرِيبًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي حَجِّ التَّطَوُّعِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ وَهُوَ فِي الْحَصْرِ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ جَمِيعًا وَفِي الْخَاصِّ قَوْلٌ مَشْهُورٌ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَبَعْضُهُمْ يَحْكِيهِ وَجْهًا أَنَّهُ يَجِبُ فِيهِ الْقَضَاءُ لِنُدُورِهِ وَهَذَا ضَعِيفٌ ودليله ممنوع والله أَعْلَمُ
* قَالَ الرُّويَانِيُّ هَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ حُبِسَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَهَلْ يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَسْتَقِرُّ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ مَنْ تَحَلَّلَ بِالْإِحْصَارِ لَزِمَهُ الدَّمُ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا إنْ لَمْ يَكُنْ سَبَقَ مِنْهُ شَرْطٌ فَإِنْ كَانَ شَرَطَ عِنْدَ إحْرَامِهِ أَنَّهُ يَتَحَلَّلُ إذَا أُحْصِرَ فَفِي تَأْثِيرِ هَذَا الشَّرْطِ فِي إسْقَاطِ الدَّمِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ لَا أَثَرَ لَهُ فَيَجِبُ الدَّمُ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ بِالْإِحْصَارِ جَائِزٌ بِلَا شَرْطٍ فشرطه

(8/306)


لَغْوٌ (وَالطَّرِيقُ الْآخَرُ) فِيهِ وَجْهَانِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَنْ شَرَطَ التَّحَلُّلَ بِالْمَرَضِ (أَصَحُّهُمَا) يَلْزَمُهُ الدَّمُ (وَالثَّانِي) لَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ يَجُوزُ التَّحَلُّلُ مِنْ الْإِحْرَامِ الْفَاسِدِ كَمَا يَجُوزُ مِنْ الصَّحِيحِ
وَأَوْلَى فَإِذَا جَامَعَ الْمُحْرِمُ بِالْحَجِّ جِمَاعًا مُفْسِدًا ثُمَّ أُحْصِرَ تَحَلَّلَ وَيَلْزَمُهُ دَمٌ لِلْإِفْسَادِ وَدَمٌ لِلْإِحْصَارِ وَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ بِسَبَبِ الْإِفْسَادِ فَلَوْ لَمْ يَتَحَلَّلْ حَتَّى فَاتَهُ الْوُقُوفُ وَلَمْ يُمْكِنْهُ لِقَاءُ الْكَعْبَةِ تَحَلَّلَ فِي مَوْضِعِهِ تَحَلُّلَ الْمُحْصَرِ وَيَلْزَمُهُ ثَلَاثَةُ دِمَاءٍ دَمٌ لِلْإِفْسَادِ وَدَمٌ لِلْفَوَاتِ وَدَمٌ لِلْإِحْصَارِ فَدَمُ الْإِفْسَادِ بَدَنَةٌ وَالْآخَرَانِ شَاتَانِ وَيَلْزَمُهُ قَضَاءُ وَاحِدٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ لَوْ أُحْصِرَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ وَمُنِعَ مَا سِوَى الطَّوَافِ وَالَسْعَى وَمُكِّنَ مِنْهُمَا لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّحَلُّلُ بِالْإِحْصَارِ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ التَّحَلُّلِ بِالطَّوَافِ وَالْحَلْقِ وَفَوَاتُ الرَّمْيِ بِمَنْزِلَةِ الرَّمْيِ وَيَجْبُرُ الرَّمْيَ بِدَمٍ وَتَقَعُ حَجَّتُهُ مُجْزِئَةً عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ أَفْسَدَ حَجَّهُ بِالْجِمَاعِ ثُمَّ أُحْصِرَ فَتَحَلَّلَ ثُمَّ زَالَ الْحَصْرُ وَالْوَقْتُ وَاسِعٌ فَأَمْكَنَهُ الْحَجُّ مِنْ سَنَتِهِ لَزِمَهُ أَنْ يَقْضِيَ الْفَاسِدَ مِنْ سَنَتِهِ بِنَاءً عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْفَوْرِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ وَلَا يُمْكِنُ قَضَاءُ الْحَجِّ فِي سَنَةِ الْإِفْسَادِ إلَّا فِي هذه المسألة
*

(8/307)


(فَرْعٌ)
لَوْ أُحْصِرَ فِي الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ فَلَمْ يَتَحَلَّلْ وَجَامَعَ لَزِمَتْهُ الْبَدَنَةُ وَالْقَضَاءُ بِخِلَافِ مَا لَوْ جَامَعَ الصَّائِمُ الْمُسَافِرُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ إنْ قَصَدَ التَّرَخُّصَ بِالْجِمَاعِ وَكَذَا إنْ لَمْ يَقْصِدْهُ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِهِ
* قَالَ الرُّويَانِيُّ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْجِمَاعَ فِي الصَّوْمِ يَحْصُلُ به الخروج من الصوم بخلاف الحج * قال المصنف رحمه الله
* (ومن أحرم فاحصره غريمه وحبسه ولم يجد ما يقضي دينه فله أن يتحلل لانه يشق البقاء على الاحرام كما يشق بحبس العدو
* وان أحرم وأحصره المرض لم يجز له أن يتحلل لانه لا يتخلص بالتحلل من الاذى الذي هو فيه فهو كمن ضل الطريق)
* (الشَّرْحُ) فِي الْفَصْلِ مَسْأَلَتَانِ (إحْدَاهُمَا) قَدْ سَبَقَ قَرِيبًا أَنَّ الْحَصْرَ نَوْعَانِ عَامٌّ وَخَاصٌّ وَسَبَقَ بَيَانُ النَّوْعَيْنِ (الثَّانِيَةُ) فِي الْإِحْصَارِ بِالْمَرَضِ وَقَدْ ثَبَتَ فِيهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فَيَنْبَغِي تَقْدِيمُهَا وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ بَعْدَ هَذَا مَبْسُوطَةً فِي فَصْلٍ مُسْتَقِلٍّ (فَأَمَّا) الْأَحَادِيثُ فَمِنْهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ
إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ وَإِنِّي شَاكِيَةٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُجِّي وَاشْتَرِطِي أَنَّ تحلى حيث حبستي وَكَانَتْ تَحْتَ الْمِقْدَادِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ ضُبَاعَةَ بِنْتَ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ إنِّي امْرَأَةٌ ثَقِيلَةٌ وَإِنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ فَمَا تَأْمُرُنِي قَالَ أهلى بالحج واشترطي أن تحلي حيث حبستي قال فادركت (1)) رواه (2)
* وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا أَنَّ ضُبَاعَةَ بِنْتَ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَتَتْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَحُجَّ فَأَشْتَرِطَ قَالَ نَعَمْ قَالَتْ فَكَيْفَ أَقُولُ قَالَ قُولِي لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ مَحِلِّي مِنْ الْأَرْضِ حَيْثُ تَحْبِسُنِي) رَوَاهُ الامام
__________
(1) كذا بالاصل فحرر (2) كذا بالاصل فحرر

(8/308)


أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ
* وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ وَأَنَسٍ وَعَنْ سُوَيْد بْن غَفَلَةَ - بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْفَاءِ - قَالَ (قَالَ لي عمر ابن الْخَطَّابِ يَا أَبَا أُمَيَّةَ حُجَّ وَاشْتَرِطْ فَإِنَّ لَك مَا اشْتَرَطْت وَلِلَّهِ عَلَيْك مَا اشْتَرَطْت) رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ
* وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ (حُجَّ وَاشْتَرِطْ وَقُلْ اللَّهُمَّ الْحَجَّ أَرَدْت وَلَك عَمَدْت فَإِنْ تَيَسَّرَ وَإِلَّا فَعُمْرَةٌ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ
* وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ لِعُرْوَةِ (هَلْ تَسْتَثْنِي إذَا حَجَجْت فَقَالَ مَاذَا أَقُولُ قَالَتْ قُلْ اللَّهُمَّ الْحَجَّ أَرَدْت وَلَهُ عَمَدْت فَإِنْ يَسَّرْته فَهُوَ الْحَجُّ وَإِنْ حَبَسَنِي حَابِسٌ فَهُوَ عُمْرَةٌ) رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ (وَأَمَّا) حَدِيثُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ (أَنَّهُ كَانَ يُنْكِرُ الِاشْتِرَاطَ فِي الْحَجِّ وَيَقُولُ أَلَيْسَ حَسْبُكُمْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* فَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ عِنْدِي أَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَوْ بَلَغَهُ حَدِيثُ ضُبَاعَةَ فِي الِاشْتِرَاطِ لَمْ يُنْكِرْهُ كَمَا لَمْ يُنْكِرْهُ أَبُوهُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ السُّنَّةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَيْهِ (وَأَمَّا) قَوْلُ ابن عباس (لاحصر إلَّا حَصْرُ الْعَدُوِّ) فَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ (وَأَمَّا) مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ (مَنْ حُبِسَ دُونَ الْبَيْتِ بِمَرَضٍ فَإِنَّهُ لَا يُحِلُّ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ (وَالْأَظْهَرُ) أَنَّهُ أَرَادَ مُطْلَقًا وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَرِيبًا وَالسُّنَّةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى قَوْلِهِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عِكْرِمَةَ قَالَ (سَمِعْت الحجاج ابن عَمْرٍو الْأَنْصَارِيَّ الصَّحَابِيَّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (مَنْ كُسِرَ أَوْ عَرِجَ فَقَدْ حَلَّ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ قَالَ عِكْرِمَةُ فَسَأَلْت ابْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ صَدَقَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ فَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ حَمَلَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ يَحِلُّ بَعْدَ فَوَاتِهِ بِمَا يَحِلُّ بِهِ مَنْ يَفُوتُهُ الْحَجُّ بِغَيْرِ مَرَضٍ وَهَذَا التَّأْوِيلُ الَّذِي حَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مُحْتَمَلٌ وَلَكِنَّ الْمَشْهُورَ

(8/309)


فِي كُتُبِ أَصْحَابِنَا حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا شرط التحلل به والله اعلم
* (اما) احكام الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إذَا مَرِضَ الْمُحْرِمُ وَلَمْ يَكُنْ شَرَطَ التَّحَلُّلَ فَلَيْسَ لَهُ التَّحَلُّلُ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْآثَارِ قَالُوا بَلْ يَصْبِرُ حَتَّى يَبْرَأَ فَإِنْ كَانَ مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ أَتَمَّهَا وَإِنْ كَانَ بِحَجٍّ وَفَاتَهُ تَحَلَّلَ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ (أما) إذا شرط في احرامه أنه إذا مَرِضَ تَحَلَّلَ فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ عَلَى صِحَّةِ الشَّرْطِ لِحَدِيثِ ضُبَاعَةَ وَنَصَّ فِي كِتَابِ الْمَنَاسِكِ مِنْ الْجَدِيدِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَحَلَّلُ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ حَدِيثَ ضُبَاعَةَ مُرْسَلًا فَقَالَ (عن عروة بن عروة بن الزبير أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِضُبَاعَةَ) الْحَدِيثَ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَوْ ثَبَتَ حَدِيثُ عُرْوَةَ لَمْ أَعْدُهُ إلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ عِنْدِي خِلَافُ مَا ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
* قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَثَبَتَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَوْجُهٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ رَوَى الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ السَّابِقَةَ فِيهِ هَذِهِ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ
* (وَأَمَّا) الْأَصْحَابُ فَلَهُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَشْهَرُهُمَا) وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ يَصِحُّ الِاشْتِرَاطُ فِي قَوْلِهِ الْقَدِيمِ وَفِي الْجَدِيدِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ (وَالثَّانِي) الْمَنْعُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَآخَرُونَ يَصِحُّ الِاشْتِرَاطُ قَوْلًا وَاحِدًا لِصِحَّةِ الْحَدِيثِ فِيهِ قَالُوا وَإِنَّمَا تَوَقَّفَ الشَّافِعِيُّ لِعَدَمِ وُقُوفِهِ عَلَى صِحَّةِ الْحَدِيثِ وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيُّ بِهَذَا الطَّرِيقِ فِي نَصِّهِ الَّذِي حَكَيْته الْآنَ عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُهُ لَوْ صَحَّ حَدِيثُ عُرْوَةَ لَمْ أَعْدُهُ فَالصَّوَابُ الْجَزْمُ بِصِحَّةِ الِاشْتِرَاطِ لِلْأَحَادِيثِ
* وَأَجَابَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ محلي حَيْثُ حَبَسْتنِي بِالْمَوْتِ مَعْنَاهُ حَيْثُ أَدْرَكَتْنِي الْوَفَاةُ أَقْطَعُ إحْرَامِي وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَاطِلٌ ظَاهِرُ الْفَسَادِ وَعَجَبٌ مِنْ جَلَالَةِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ كَيْفَ قَالَ هذا وكيف يصح حُكْمُهُ عَلَى أَمْرِهَا بِاشْتِرَاطِ كَوْنِ الْمَوْتِ قَاطِعَ الْإِحْرَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*

(8/310)


قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ شَرَطَ التَّحَلُّلَ لِغَرَضٍ آخَرَ كَضَلَالِ الطَّرِيقِ وَفَرَاغِ النَّفَقَةِ وَالْخَطَأِ فِي الْعَدَدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَهُ حُكْمُ اشْتِرَاطِ التَّحَلُّلِ بِالْمَرَضِ فَيَصِحُّ عَلَى الْمَذْهَبِ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ أَصْحَابُنَا العراقيون والبغوي وجمهور الخراسانين
* وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ قَالَ قَالُوا بِأَنَّ كُلَّ مُهِمٍّ يَحِلُّ مَحَلَّ الْمَرَضِ الثَّقِيلِ يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الْمَرَضِ قَالَ وَكَانَ شَيْخِي يَقْطَعُ بِأَنَّ الشَّرْطَ لَاغٍ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّحَلُّلُ عَلَى الْقَوْلِ إلَّا بالمرض للحديث والله أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَحَيْثُ صَحَّحْنَا الشَّرْطَ فَتَحَلَّلَ فان كان شرط التحلل بالهدي لزمه الْهَدْيُ وَإِنْ كَانَ شَرَطَ التَّحَلُّلَ بِلَا هَدْيٍ لَمْ يَلْزَمْهُ الْهَدْيُ وَإِنْ أَطْلَقَ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الْهَدْيُ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْأَصْحَابُ
(أَحَدُهُمَا)
يَلْزَمُهُ كَالْمُحْصَرِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْبَغَوِيُّ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَلْزَمُهُ لِظَاهِرِ حَدِيثِ ضُبَاعَةَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ وَصَحَّحُوهُ وَقَطَعَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وغيره وينكر على المصنف والبغوي جزمهما بالوجوب
* وفرق الاصحاب بينه وبين المحصر بان مقتضي الشرط انتهاء الاحرام بِوُجُودِ الشَّرْطِ وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بَعْدَ ذَلِكَ شئ مِنْ أَفْعَالِ النُّسُكِ (وَأَمَّا) الْمُحْصَرُ فَقَدْ

(8/311)


تَرَكَ الْأَفْعَالَ الَّتِي كَانَ يَقْتَضِيهَا إحْرَامُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يَقْلِبَ حَجَّهُ عُمْرَةً عِنْدَ الْمَرَضِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى صِحَّتِهِ وَقَطَعَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ
* وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ مِنْ شَرْطِ الْمَرَضِ فَيَقْتَضِي إثْبَاتَ خِلَافٍ ضَعِيفٍ فِيهِ وَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِالصِّحَّةِ كَمَا

(8/312)


نَصَّ عَلَيْهِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَدَّمْته عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
* قَالَ الرُّويَانِيُّ وَلَوْ قَالَ إنْ مَرِضْت وَفَاتَنِي الْحَجُّ كَانَ عُمْرَةً كَانَ عَلَى مَا شَرَطَ
* قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا وَجَدَ الْمَرَضَ هَلْ يَصِيرُ حَلَالًا بِمُجَرَّدِ وُجُودِهِ أَمْ يُشْتَرَطُ إنْشَاؤُهُ كَالْمُحْصَرِ يَنْظُرُ إنْ قَالَ إنْ مَرِضْت تَحَلَّلْت مِنْ إحْرَامِي فَلَا يخرج من

(8/313)


الْإِحْرَامِ إذَا وَجَدَ الْمَرَضَ إلَّا بِالتَّحَلُّلِ وَهُوَ أَنْ يَنْوِيَ الْخُرُوجَ وَيَحْلِقَ إنْ جَعَلْنَاهُ نُسُكًا وَيَذْبَحَ إنْ أَوْجَبْنَاهُ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ التَّفْصِيلِ وَالْخِلَافِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِالْمَسْأَلَةِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ
وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ قَالُوا وَكَذَا لَوْ قَالَ مَحِلِّي مِنْ الْأَرْضِ حَيْثُ حَبَسْتنِي لَا يَتَحَلَّلُ عِنْدَ

(8/314)


الْحَبْسِ إلَّا بِالنِّيَّةِ مَعَ مَا ذَكَرْنَاهُ فَلَوْ قَالَ إنْ مَرِضْت فَأَنَا حَلَالٌ أَوْ قَالَ إنْ حَبَسَنِي مَرَضٌ فَأَنَا حَلَالٌ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمُصَنِّفُ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) يَصِيرُ حَلَالًا بِنَفْسِ الْمَرَضِ وَهُوَ المنصوص ونقلوه

(8/315)


عَنْ الْمُصَنِّفِ وَصَحَّحُوهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ كُسِرَ أَوْ عَرِجَ فَقَدْ حَلَّ) وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ لَا يُمْكِنُ حَمْلُ الْحَدِيثِ إلَّا عَلَى هَذَا وَفِيهِ تَأْوِيلُ الْبَيْهَقِيُّ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) لَا بُدَّ مِنْ التَّحَلُّلِ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَالْأَصْحَابُ فَإِنْ قُلْنَا بِالْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَمْ يَلْزَمْهُ الدَّمُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي فَهَلْ يَلْزَمُهُ الدَّمُ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ (الْأَصَحُّ)

(8/316)


لَا يَلْزَمُهُ فَيَلْزَمُهُ النِّيَّةُ فَقَطْ وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ هَذَا عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَغَلِطَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ الْقَائِلُ بِوُجُوبِ الدَّمِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَكَذَا الْحَلْقُ إنْ جَعَلْنَاهُ نُسُكًا
* وَقَطَعَ الْبَغَوِيّ بِوُجُوبِ الدَّمِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) إذَا شَرَطَ التَّحَلُّلَ بِلَا عُذْرٍ بِأَنْ قَالَ فِي إحْرَامِهِ مَتَى شِئْت خَرَجْت مِنْهُ أَوْ إنْ نَدِمْت أَوْ كَسِلْت وَنَحْوَ ذلك فلا يَجُوزُ لَهُ التَّحَلُّلُ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالدَّارِمِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَخَلَائِقُ وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*

(8/317)


(فَرْعٌ)
إذَا صَحَّحْنَا اشْتِرَاطَ التَّحَلُّلِ بِالْمَرَضِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّمَا يَنْفَعُ الشَّرْطُ وَيَجُوزُ التَّحَلُّلُ بِهِ إذَا كَانَ مُقْتَرِنًا بِإِحْرَامِهِ فَإِنْ تَقَدَّمَهُ أَوْ تَأَخَّرَ عَنْهُ لَمْ يَنْعَقِدْ الشَّرْطُ بِلَا خِلَافٍ وَصَرَّحَ به الماوردي وغيره
* (فرع)
إذا شرط التَّحَلُّلَ بِالْمَرَضِ وَنَحْوِهِ فَقَدْ ذَكَرْنَا خِلَافًا فِي صحة الشرط قال اصحابنا وينعقد الْحَجُّ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ صَحَّحْنَا الشَّرْطَ أَمْ لَا
*
(فَرْعٌ)
مِمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ أَصْحَابُنَا لِجَوَازِ اشْتِرَاطِ التَّحَلُّلِ بِالْمَرَضِ وَصِحَّةِ الشَّرْطِ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ أَوْ أَيَّامٍ بِشَرْطِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ بِعُذْرٍ صَحَّ الشَّرْطُ وَجَازَ الْخُرُوجُ مِنْهُ بِذَلِكَ الْعُذْرِ بِلَا خِلَافٍ قَالَ الرُّويَانِيُّ يَجُوزُ الْخُرُوجُ مِنْهُ بِالْإِجْمَاعِ
*

(8/318)


(فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ تَأَوَّلَ حَدِيثَ ضُبَاعَةَ أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتنِي بِالْمَوْتِ وَذَكَرْنَا أَنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ خَطَأٌ فَاحِشٌ وَتَأَوَّلَهُ الرُّويَانِيُّ عَلَى أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِضُبَاعَةَ وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَاطِلٌ أَيْضًا وَمُخَالِفٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ الشَّافِعِيُّ إنَّمَا قَالَ لَوْ صَحَّ الْحَدِيثُ لَمْ أَعْدُهُ وَلَمْ يَتَأَوَّلْهُ وَلَمْ يَخُصَّهُ
* (فَرْعٌ)
قال أصحابنا التحلل بالمرض ونحوه إذا صَحَّحْنَاهُ لَهُ حُكْمَ التَّحَلُّلِ بِالْإِحْصَارِ فَإِنْ كَانَ الْحَجُّ تَطَوُّعًا لَمْ يَجِبْ قَضَاؤُهُ وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا فَحُكْمُهُ مَا سَبَقَ
* (فَرْعٌ)
قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِضُبَاعَةَ الْأَسْلَمِيَّةِ (اشْتَرِطِي أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتنِي) وَهَذَا غَلَطٌ فَاحِشٌ فَلَيْسَ ضُبَاعَةُ أَسْلَمِيَّةً بَلْ هِيَ هَاشِمِيَّةٌ وَهِيَ بِنْتُ عم رسول

(8/319)


اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ ضُبَاعَةُ بِنْتُ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهَا عَنْ رِوَايَاتِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِمَا وَإِنَّمَا نَبَّهْت عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وإن أحرم العبد بغير إذن المولى جاز للمولى أن يحلله لان منفعته مستحقة له فلا يملك أبطالها عليه بغير رضاه فان ملكه السيد مالا وقلنا أنه يملك تحلل بالهدي وإن لم يملكه أو ملكه وقلنا انه لا يملك فهو كالحر المعسر وهل يتحلل قبل الهدي أو الصوم على ما ذكرناه من القولين في الحر ومن أصحابنا من قال يجوز للعبد أن يتحلل قبل الهدي والصوم قولا واحدا لان على المولى ضررا في بقائه على الاحرام لانه ربما يحتاج أن يستخدمه في قتل صيد أو إصلاح طيب وإن أحرم باذن المولى لم يجز له أن يحلله لانه عقد لازم عقده باذن المولى فلم يملك اخراجه منه كالنكاح وإن أحرم

(8/320)


المكاتب بغير اذن المولى ففيه طريقان أحدهما أنه على قولين بناء على القولين في سفره للتجارة
ومن أصحابنا من قال له أن يمنعه قولا واحدا لان في سفر الحج ضررا على المولى عن غير منفعة وسفر التجارة فيه منفعة للمولى)
*

(8/321)


(الشَّرْحُ) قَوْلُهُ لِأَنَّهُ عَقْدٌ احْتِرَازٌ مِمَّا لَوْ رَآهُ يَحْتَطِبُ أَوْ يَحْتَشُّ فَمَنَعَهُ إتْمَامَهُ (وَقَوْلُهُ) لَازِم احْتِرَازٌ مِنْ الْجَعَالَةِ إذَا شَرَعَ الْعَبْدُ فِيهَا (وَقَوْلُهُ) عَقْدٌ بِإِذْنٍ احْتِرَازٌ مِنْ غَيْرِ الْمَأْذُونِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ شَرْحِ جَمِيعِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ جُمَلٍ مِنْ الفوائد والفروع المستكثرات في أول كتاب الج عِنْدَ ذِكْرِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَلْزَمُهُ الحج ويصح منه والله أعلم
*

(8/322)


*
قال المصنف رحمه الله تعالى
* (وان أحرمت المراة بغير إذن الزوج فان كان في تطوع جاز له أن يحللها لان حق الزوج واجب فلا يجوز ابطاله عليه بتطوع وان كان في حجة الاسلام ففيه قولان
(أحدهما)
أن له أن يحللها

(8/323)


لان حقه على الفور والحج على التراخي فقدم حقه (والثاني) أنه لا يملك لانه فرض فلا يملك تحليلها منه كالصوم والصلاة)
* (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ لِأَنَّهُ فَرْضٌ فَلَا يَمْلِكُ تَحْلِيلَهَا مِنْهُ يَنْتَقِضُ بِصَوْمِ الْكَفَّارَةِ وَالنَّذْرِ فِي الذِّمَّةِ وَالْقَضَاءِ الَّذِي لَمْ يُنْتَقَضْ فَإِنَّ لَهُ مَنْعَهَا مِنْ كُلِّ ذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ فَرْضٌ بِأَصْلِ

(8/324)


الشَّرْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا يَنْبَغِي لِلْمَرْأَةِ أَنْ لَا تُحْرِمَ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَحُجَّ بِهَا وَاحْتَجُّوا فِيهِ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ فَقَالَ (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ وَلَا تُسَافِرْ امْرَأَةٌ إلَّا مَعَ مَحْرَمٍ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً وَإِنِّي كُتِبْت فِي غَزْوَةِ كَذَا قَالَ فَانْطَلِقْ فَاحْجُجْ مَعَ امْرَأَتِك) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* فان

(8/325)


أَرَادَتْ حَجَّ إسْلَامٍ أَوْ تَطَوُّعٍ فَأَذِنَ الزَّوْجُ وَأَحْرَمَتْ بِهِ لَزِمَهُ تَمْكِينُهَا مِنْ إتْمَامِهِ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ كَانَ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا كَمَا سَبَقَ فِيمَا لَوْ أَذِنَ لِعَبْدِهِ فِي الْإِحْرَامِ فَأَحْرَمَ وَكَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ تَحْلِيلُهَا لَا يَجُوزُ لَهَا التَّحَلُّلُ فَإِنْ تَحَلَّلَتْ لَمْ يَصِحَّ تَحَلُّلُهَا وَلَمْ تَخْرُجْ مِنْ الْحَجِّ كَمَا لَوْ نَوَى غَيْرُهَا الْخُرُوجَ مِنْ الْحَجِّ بِلَا إحْصَارٍ فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ بِلَا خِلَافٍ
* وَإِنْ أَرَادَتْ حَجَّ الْإِسْلَامِ فَمَنَعَهَا الزَّوْجُ فَهَلْ لَهُ الْمَنْعُ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ

(8/326)


وَعَجَبٌ كَيْفَ أَهْمَلَهُمَا الْمُصَنِّفُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ الْمَنْصُوصُ فِي بَابِ حَجِّ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ مِنْ الْمَنَاسِكِ الْكَبِيرِ أَنَّ لِلزَّوْجِ مَنْعَهَا وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي بَابِ خُرُوجِ النِّسَاءِ إلَى الْمَسَاجِدِ مِنْ اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا
* وَقَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي عَامَّةِ كُتُبِهِ أَنَّ لَهُ مَنْعَهَا وَاتَّفَقُوا

(8/327)


عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ لَهُ مَنْعَهَا وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَآخَرُونَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا هَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَاحْتَجُّوا لَهُ بِحَدِيثِ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَيْسَ لَهَا أَنْ تَنْطَلِقَ إلَى الْحَجِّ إلَّا باذن زوجها)

(8/328)


رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ
* وَلِأَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ عَلَى الْفَوْرِ وَالْحَجُّ عَلَى التَّرَاخِي فَقُدِّمَ مَا كَانَ عَلَى الْفَوْرِ كَمَا تُقَدَّمُ الْعِدَّةُ عَلَى الْحَجِّ بِلَا خِلَافٍ (وَالْقَوْلُ) الثَّانِي لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم من رواية ابن عمرو قياسا عَلَى الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ

(8/329)


(وَأَجَابَ) الْأَوَّلُونَ عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى انه نهي تَنْزِيهٌ أَوْ عَلَى غَيْرِ الْمُتَزَوِّجَاتِ لِأَنَّ غَيْرَ المزوجات لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِنَّ حَقٌّ عَلَى الْفَوْرِ وَذَلِكَ كَالْبِنْتِ وَالْأُخْتِ وَنَحْوِهِمَا وَأَنَّ الْمُرَادَ لَا تَمْنَعُوهُنَّ مَسَاجِدَ اللَّهِ لِلصَّلَوَاتِ وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ سِيَاقِ الْحَدِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ أَنَّ مُدَّتَهُ طَوِيلَةٌ بِخِلَافِهِمَا والله أَعْلَمُ
* فَإِنْ أَحْرَمَتْ بِحَجِّ الْإِسْلَامِ بِغَيْرِ إذْنِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ قُلْنَا لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ الِابْتِدَاءِ فَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهَا (وَإِنْ قُلْنَا) لَهُ مَنْعُهَا فَهَلْ لَهُ تَحْلِيلُهَا فِيهِ قَوْلَانِ مشهوران

(8/330)


وَهُمَا اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ هُنَا وَفِي التَّنْبِيهِ
* قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا نَصَّ عَلَيْهِمَا الشَّافِعِيُّ فِي بَابِ حَجِّ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ قَالَ أَصْحَابُنَا (أَصَحُّهُمَا) أَنَّ لَهُ تَحْلِيلَهَا وَهُوَ نصه في مختصر المزني وممن صَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَأَبُو عَلِيٍّ الْفَارِقِيُّ فِي فَوَائِدِ الْمُهَذَّبِ وَالرَّافِعِيُّ فِي كِتَابَيْهِ وَغَيْرُهُمْ
* وَشَذَّ عَنْهُمْ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ فَجَزَمَ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهَا لِأَنَّهُ يَضِيقُ بِالشُّرُوعِ (وَالْمَذْهَبُ) أَنَّ لَهُ تَحْلِيلَهَا كَمَا صَحَّحَهُ الْجُمْهُورُ لِأَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ سَابِقٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*

(8/331)


قَالَ الدَّارِمِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَحَجَّةُ النَّذْرِ كَالْإِسْلَامِ فَإِذَا أَحْرَمَتْ بِهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَهُ تَحْلِيلُهَا فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَضَاءُ كَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) إذَا أَحْرَمَتْ بِحَجَّةِ تَطَوُّعٍ فَلَهُ مَنْعُهَا مِنْهُ بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ أَحْرَمَتْ بِهِ فَهَلْ لَهُ تَحْلِيلُهَا مِنْهُ فِيهِ طَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ الْمَرْوَزِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الاسفرايني وَالدَّارِمِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابَيْهِ الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ والمتولي

(8/332)


والبغوي وصاحب العدة والروياني والشاشي وخلائق آخرون (اصحهما) باتفاقهم له تحليلها قولا واحدا وبه قطع المصنف وطائفة (والثاني) فيه قولان كحجة الاسلام (أصحهما) لَهُ تَحْلِيلُهَا (وَالثَّانِي) لَا لِأَنَّهَا لَمَّا أَحْرَمَتْ بِهَا صَارَتْ كَحَجَّةِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ حَجَّةَ التَّطَوُّعِ تَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*

(8/333)


(فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا حَيْثُ أَبَحْنَا لَهُ تَحْلِيلَهَا لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَتَحَلَّلَ حَتَّى يَأْمُرَهَا فَإِذَا أَمَرَهَا تَحَلَّلَتْ كَمَا يَتَحَلَّلُ الْمُحْصَرُ سَوَاءً فَتَذْبَحُ الْهَدْيَ وَتَنْوِي عِنْدَهُ الْخُرُوجَ مِنْ الْحَجِّ وَتُقَصِّرُ رَأْسَهَا أَوْ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ إذَا قُلْنَا الحلق نسك فان كانت واجدة للهدى فلابد مِمَّا ذَكَرْنَاهُ وَإِنْ كَانَتْ عَادِمَةً لَهُ فَهِيَ كَالْحُرِّ الْمُحْصَرِ إذَا عَدِمَ الْهَدْيَ وَقَدْ سَبَقَ إيضَاحُهُ
* وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ تَحَلُّلَهَا لَا يحصل الا بما يَحْصُلُ بِهِ تَحَلُّلُ الْمُحْصَرِ وَأَنَّهَا لَوْ تَطَيَّبَتْ أَوْ جُومِعَتْ أَوْ قَتَلَتْ صَيْدًا أَوْ فَعَلَتْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ

(8/334)


مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ أَوْ فَعَلَ الزَّوْجُ ذَلِكَ بِهَا لا تصير متحللة بل يلزمه والفدية فِيمَا ارْتَكَبَتْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَمَتَى أَمَرَهَا بِالتَّحَلُّلِ حَيْثُ جَوَّزْنَاهُ لَهُ لَزِمَهَا الْمُبَادَرَةُ بِهِ وَإِنْ امْتَنَعَتْ مِنْهُ مَعَ تَمَكُّنِهَا جَازَ لِلزَّوْجِ وَطْؤُهَا وَسَائِرُ الِاسْتِمْتَاعَاتِ بِهَا وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا هِيَ الْإِثْمُ لِتَقْصِيرِهَا وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ إذَا امْتَنَعَتْ مِنْ التَّحَلُّلِ فَلِلسَّيِّدِ وَطْؤُهَا وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا هِيَ الْإِثْمُ
* وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا عَنْ الصَّيْدَلَانِيِّ ثُمَّ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمُحْرِمَةَ حَرَامٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا أَنَّ الْمُرْتَدَّةَ حَرَامٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَيُحْتَمَلُ تَحْرِيمُهَا عَلَى الزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ
* هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ وَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ كَمَا

(8/335)


قَالَهُ الصَّيْدَلَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَبِهِ جَزَمَ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ والله اعلم
* (فرع)
الامة المزوجة (1) لَيْسَ لِلْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ الْإِحْرَامُ إلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ وَالزَّوْجِ جَمِيعًا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقًّا فَإِنْ أَذِنَ أَحَدُهُمَا فَلِلْآخَرِ الْمَنْعُ بلا خلا ف فَإِنْ أَحْرَمَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا قَالَ الدَّارِمِيُّ إنْ اتَّفَقَا عَلَى تَحْلِيلِهَا فَلَهُمَا ذَلِكَ وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى بَقَائِهَا وَذَهَابِهَا فِي الْحَجِّ جَازَ وَإِنْ أَرَادَ السَّيِّدُ تَحْلِيلَهَا فَلَهُ ذَلِكَ وَإِنْ أَرَادَهُ الزَّوْجُ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ قَالَ

(8/336)


ابْنُ الْقَطَّانِ فَيُحْتَمَلُ هَذَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ لَا يُحَلِّلُهَا لِأَنَّ لِلسَّيِّدِ الْمُسَافَرَةَ بِهَا نَقَلَهُ الدَّارِمِيُّ
* وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ عَنْ الْقَفَّالِ أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّ لِلزَّوْجِ تَحْلِيلَهَا كَمَا هُوَ لِلسَّيِّدِ وَأَنَّ مِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الزَّوْجِ كَالزَّوْجَةِ الْحُرَّةِ إذَا أَحْرَمَتْ بِتَطَوُّعٍ هَلْ لَهُ تَحْلِيلُهَا فِيهِ طَرِيقَانِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الدَّارِمِيُّ إذَا أَحْرَمَتْ فِي الْعِدَّةِ فَإِنْ كَانَتْ رَجْعِيَّةً فَلَمْ يُرَاجِعْهَا فَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهَا وَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ فَإِنْ قَضَتْ الْعِدَّةَ وَلَمْ يُرَاجِعْهَا مَضَتْ فِي الْحَجِّ فَإِنْ أَدْرَكَتْهُ فَذَلِكَ وَإِنْ فَاتَهَا فَلَهَا حُكْمُ الْفَوَاتِ
* وَإِنْ رَاجَعَهَا فَهَلْ لَهُ تَحْلِيلُهَا فِيهِ الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ
* وَإِنْ كَانَتْ مُطَلَّقَةً بَائِنًا فَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهَا بِلَا خِلَافٍ وَلَهُ مَنْعُهَا فَإِنْ أَدْرَكَتْ الْحَجَّ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَإِلَّا فَهِيَ كَذَاتِ الْفَوَاتِ
* وَلَوْ

(8/337)


أَحْرَمَتْ ثُمَّ طَلَّقَهَا فَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ أَقَامَتْ عَلَى إحْرَامِهَا وَلَمْ يَجُزْ لَهَا التَّحَلُّلُ فَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَأَدْرَكَتْ
الْحَجَّ فَذَاكَ وَإِنْ فَاتَهَا قَالَ ابْنُ الْمَرْزُبَانِ إنْ كَانَتْ هِيَ سَبَبَ وُجُوبِ الْعِدَّةِ بِخِيَارٍ وَنَحْوِهِ فَهِيَ الْمُفَوِّتَةُ وَإِنْ طَرَأَتْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهَا فَفِي الْقَضَاءِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُحْصَرِ إذَا سَلَكَ طَرِيقًا فَفَاتَهُ هَذَا كَلَامُ الدَّارِمِيِّ
* وَكَذَا قَالَ الرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا إنَّ الْمُعْتَدَّةَ الرَّجْعِيَّةَ إذَا أَحْرَمَتْ فَلِلزَّوْجِ مَنْعُهَا مِنْ الذَّهَابِ فِي الْحَجِّ وَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهَا وَلَكِنْ لَهُ رَجْعَتُهَا فَإِذَا رَجَعَ هَلْ لَهُ تَحْلِيلُهَا فِيهِ الْقَوْلَانِ وَجَزَمَ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّهُ يُحَلِّلُهَا بَعْدَ الْمُرَاجَعَةِ وَهُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى الْأَصَحِّ وَإِلَّا فَالْقَوْلَانِ لَا بُدَّ مِنْهُمَا كَمَا ذَكَرَهُ

(8/338)


الدَّارِمِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا
* وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ فِيمَا إذَا أَحْرَمَتْ بِحَجِّ تَطَوُّعٍ ثُمَّ طَلُقَتْ ثُمَّ اعْتَدَّتْ فَفَاتَهَا قَوْلَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
يَجِبُ الْقَضَاءُ كَالْخَطَأِ فِي الْعَدَدِ (وَالثَّانِي) لَا لِعَدَمِ تَقْصِيرِهَا وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَرْزُبَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إذَا أَحْرَمَتْ ثُمَّ وَجَبَتْ الْعِدَّةُ بِوَفَاةِ زَوْجٍ أَوْ طَلَاقِهِ لَزِمَهَا الْمُضِيُّ فِي الْإِحْرَامِ وَأَعْمَالِ النُّسُكِ وَلَا تَكُونُ الْعِدَّةُ مَانِعَةً لِأَنَّ الْإِحْرَامَ سَابِقٌ قَالَ فَإِنْ مَنَعَهَا حَاكِمٌ مِنْ إتْمَامِ الْحَجِّ بِسَبَبِ الْعِدَّةِ صَارَتْ كَالْمُحْصَرِ فَتَتَحَلَّلُ وَعَلَيْهَا دَمُ الْإِحْصَارِ
*

(8/339)


(فَرْعٌ)
لَوْ أَذِنَ لِزَوْجَتِهِ فِي الْإِحْرَامِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ الْإِذْنِ أَوْ اخْتَلَفَا فَادَّعَتْ الْإِذْنَ وَأَنْكَرَهُ فَفِيهِ التَّفْصِيلُ الَّذِي قَدَّمْته فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحَجِّ فِي مِثْلِ ذَلِكَ بَيْن الْعَبْدِ وَالسَّيِّدِ كَذَا قَالَهُ الدَّارِمِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا أَرَادَتْ الْحَجَّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْأَصْحَابِ إنْ كَانَ الْحَجُّ فَرْضًا جَازَ لَهَا الْخُرُوجُ مَعَ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ أَوْ نسوة ثقات ويجوز مع امراة واحدة ان كان الطريق أمنا قالوا ولا يجوز أن تخرج بغير محرم وبغير امْرَأَةٍ ثِقَةٍ
* قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قال إذا

(8/340)


كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا لَا يُخَافُ خَلْوَةُ الرِّجَالِ بِهَا جَازَ خُرُوجُهَا بِغَيْرِ مَحْرَمٍ وَبِغَيْرِ امْرَأَةٍ ثقة قال وهذا خِلَافُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ
* قَالُوا فَإِنْ كَانَ الْحَجُّ تطوعا لم يجز أن تخرج فيه إلَّا مَعَ مَحْرَمٍ وَكَذَا السَّفَرُ الْمُبَاحُ كَسَفَرِ الزيارة والتجارة لا يجوز خروجها في شئ مِنْ ذَلِكَ إلَّا مَعَ مَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ
* قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ جَوَّزَ خُرُوجَهَا مَعَ نِسَاءٍ ثِقَاتٍ كَسَفَرِهَا لِلْحَجِّ الْوَاجِبِ قَالَ وَهَذَا خِلَافُ نَصِّ
الشَّافِعِيِّ وَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ لَا يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ فِي حَجِّ التَّطَوُّعِ إلَّا مَعَ مَحْرَمٍ نص

(8/341)


عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْعِدَدِ مِنْ الْأُمِّ فَقَالَ لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ فِي حَجِّ التَّطَوُّعِ إلَّا مَعَ مَحْرَمٍ
* قَالَ أَبُو حَامِدٍ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ لَهَا الْخُرُوجُ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ فِي أَيِّ سَفَرٍ كَانَ وَاجِبًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَهَكَذَا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَآخَرُونَ
* وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ الْخُرُوجِ لِلْحَجِّ الْوَاجِبِ مَعَ زَوْجٍ أو محرم أو امراة ثقة ولايجوز مِنْ غَيْرِ هَؤُلَاءِ وَإِنْ كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ يَجُوزُ إنْ كَانَ آمِنًا (وَأَمَّا) حَجُّ التَّطَوُّعِ وَسَفَرُ الزِّيَارَةِ وَالتِّجَارَةِ وَكُلُّ سَفَرٍ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فَلَا يَجُوزُ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ إلَّا مَعَ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ وَقِيلَ يَجُوزُ مَعَ نِسْوَةٍ أَوْ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ كَالْحَجِّ الْوَاجِبِ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُخْتَصَرَةً فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحَجِّ فِي ذِكْرِ اسْتِطَاعَةِ الْمَرْأَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*

(8/342)


(فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا تَفْصِيلَ مَذْهَبِنَا فِي حَجِّ الْمَرْأَةِ وَذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا فِي سَفَرِ حَجِّ الْفَرْضِ أَنْ تَخْرُجَ مَعَ نِسْوَةٍ ثِقَاتٍ أَوْ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ وَلَا يُشْتَرَطُ الْمَحْرَمُ وَلَا يَجُوزُ فِي التَّطَوُّعِ وَسَفَرِ التِّجَارَةِ وَالزِّيَارَةِ وَنَحْوِهِمَا إلَّا بِمَحْرَمٍ
* وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَجُوزُ بِغَيْرِ نِسَاءٍ وَلَا امْرَأَةٍ إذَا كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا وَبِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَدَاوُد
* وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ بِامْرَأَةٍ ثِقَةٍ وَإِنَّمَا يَجُوزُ بِمَحْرَمٍ أَوْ نِسْوَةٍ ثِقَاتٍ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ لَا يَجُوزُ إلَّا مَعَ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَسَافَةُ الَّتِي يَشْتَرِطُ أَبُو حَنِيفَةَ فِيهَا الْمَحْرَمَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَمْ يَشْتَرِطْ وَاحْتُجَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تُسَافِرْ امْرَأَةٌ ثَلَاثًا إلَّا مَعَهَا ذُو مَحْرَمٌ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ

(8/343)


(لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ ثَلَاثِ لَيَالٍ إلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ) وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تُسَافِرْ امْرَأَةٌ إلَّا مَعَ مَحْرَمٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ قَالَ اُخْرُجْ مَعَهَا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* وَعَنْ ابن سَعِيدٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ يَوْمَيْنِ إلَّا وَمَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ

(8/344)


لَيْسَ مَعَهَا حُرْمَةٍ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ لَيْلَةً وَفِي رِوَايَةِ صَحِيحَةٍ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد (مَسِيرَةَ بَرِيدٍ) وَقِيَاسًا عَلَى حَجِّ التَّطَوُّعِ وَسَفَرِ التِّجَارَةِ وَالزِّيَارَةِ وَنَحْوِهِمَا
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ عدي بن حاتم قال (بينا أَنَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ أَتَى رَجُلٌ فَشَكَا إلَيْهِ الْفَاقَةَ ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ فَشَكَا قَطْعَ السَّبِيلِ فَقَالَ يَا عَدِيُّ هَلْ رَأَيْتَ الْحِيرَةَ قُلْتُ لَمْ أَرَهَا وَقَدْ أُنْبِئْتُ عَنْهَا قَالَ فَإِنْ طَالَ بِك حياة لترين الظعينة ترتل مِنْ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ إلَّا اللَّهَ قَالَ عَدِيٌّ فَرَأَيْتُ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنْ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ إلَّا اللَّهَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَسَبَقَ ذِكْرُهُ فِي اسْتِطَاعَةِ الْمَرْأَةِ (فَإِنْ قِيلَ) لَا يَلْزَمُ مِنْ حَدِيث عَدِيٍّ جَوَازُ سَفَرِهَا بِغَيْرِ مَحْرَمٍ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ بِأَنَّ هَذَا سَيَقَعُ وَوَقَعَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ جَوَازُهُ كَمَا أَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ سَيَكُونُ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ جَوَازُهُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا فَجَوَابُهُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ خَرَجَ فِي سِيَاقِ ذَمِّ الْحَوَادِثِ (وَأَمَّا)

(8/345)


حَدِيثُ عَدِيٍّ فَخَرَجَ فِي سِيَاقِ الْمَدْحِ وَالْفَضِيلَةِ وَاسْتِعْلَاءِ الْإِسْلَامِ وَرَفْعِ مَنَارِهِ فَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ
* قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حامد (فان قيل) هذا الخبر متروك الظهر بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ فِيهِ أَنَّهَا تَخْرُجُ بِغَيْرِ جِوَارٍ وَلَا خِلَافَ أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ بِغَيْرِ جِوَارٍ وَلَوْ امْرَأَةً وَاحِدَةً (فَالْجَوَابُ) أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا جَوَّزَ خُرُوجَهَا وَحْدَهَا بِغَيْرِ امْرَأَةٍ كَمَا سَبَقَ وَعَلَى مَذْهَبٍ الشَّافِعِيِّ وَمَنْصُوصِهِ يُشْتَرَطُ الْمَرْأَةُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ تَرْكُ الظَّاهِرِ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ أَنْ لَا يَكُونَ مَعَهَا جِوَارٌ أَصْلًا - وَالْجِوَارُ الْمُلَاصِقُ وَالْقَرِيبُ - وَنَحْنُ لَا نَشْتَرِطُ فِي الْمَرْأَةِ الَّتِي تَخْرُجُ مَعَهَا كَوْنَهَا مُلَازِمَةً لَهَا فَإِنْ مَشَتْ قُدَّامَ الْقَافِلَةِ أَوْ بَعْدَهَا بَعِيدَةً عَنْ الْمَرْأَةِ جَازَ فَحَصَلَ مِنْ هَذَا أَنَّا نَقُولُ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ هَذَا كَلَامُ أَبِي حَامِدٍ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلِأَنَّهُ سَفَرٌ وَاجِبٌ فَلَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ الْمَحْرَمُ كَالْهِجْرَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَقِيَاسًا عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْمَسَافَةُ مَرْحَلَتَيْنِ

(8/346)


فَإِنَّ الْحَنَفِيَّةَ وَافَقُونَا عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْمَحْرَمُ
* (فَإِنْ قَالُوا) إنَّمَا جَازَ فِي الْمَرْحَلَتَيْنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَفَرٍ (قُلْنَا) هَذَا مُخَالِفٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ الْأَحَادِيثِ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا فَمِنْ أَوْجُهٍ
(أَحَدُهَا) جَوَابُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَآخَرِينَ أَنَّهَا عَامَّةٌ فَنَخُصُّهَا بِمَا ذَكَرْنَاهُ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى سَفَرِ التِّجَارَةِ وَالزِّيَارَةِ وَحَجِّ التَّطَوُّعِ وَسَائِرِ الْأَسْفَارِ غَيْرَ سَفَرِ الْحَجِّ الْوَاجِبِ (الثَّالِثُ) ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ الطَّرِيقُ آمِنًا (وَالْجَوَابُ) عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى حَجِّ التطوع وسفر التجارة انه لَيْسَ بِوَاجِبٍ بِخِلَافِ حَجِّ الْفَرْضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله
* (وان أحرم الولد بغير اذن الابوين فان كان في حج فرض لم يكن لهما تحليله لانه فرض فلم يجز اخراجه منه كالصوم والصلاة وان كان في حج تطوع ففيه قولان
(أحدهما)
يجوز لهما تحليله لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لمن أراد ان يجاهد وله ابوان (ففيهما فجاهد) فمنع الجهاد لحقهما وهو

(8/347)


فرض فدل على ان المنع من التطوع لحقهما اولى (والثاني) لا يجوز لانه قربة لا مخالفة عليه فيها فلا يجوز لهما تحليله منها كالصوم
* (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بِلَفْظِهِ (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ لَا مُخَالَفَةَ عَلَيْهِ فِيهَا احْتِرَازٌ مِنْ الْجِهَادِ (أَمَّا الْأَحْكَامُ) فَقَالَ أَصْحَابُنَا مَنْ كَانَ لَهُ أَبَوَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا اُسْتُحِبَّ أَنْ لَا يُحْرِمَ إلَّا بِإِذْنِهِمَا أَوْ إذْنِ الْحَيِّ مِنْهُمَا فَإِنْ أَذِنَا لَهُ فِي حَجِّ فَرْضٍ أَوْ تَطَوُّعٍ فَأَحْرَمَ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا تَحْلِيلُهُ وَلَا مَنْعُهُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا سَبَقَ فِي الْعَبْدِ وَالزَّوْجَةِ وَإِنْ مَنَعَاهُ الْإِحْرَامَ أَوْ مَنَعَهُ أَحَدُهُمَا فَإِنْ كَانَ فِي حَجِّ تَطَوُّعٍ فَلَهُمَا الْمَنْعُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجَمَاهِيرُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ

(8/348)


وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمَا مَنْعُهُ مِنْهُ وهذا ليس بشئ فَإِنْ أَحْرَمَ بِالتَّطَوُّعِ فَهَلْ لَهُمَا تَحْلِيلُهُ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) لَهُمَا وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَحْلِيلُهُ وَأَشَارَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى تَصْحِيحِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَغَيْرُهُمَا (وَالثَّانِي) لَيْسَ لَهُمَا تَحْلِيلُهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَصَحَّحَهُ الْفَارِقِيُّ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ
* (أَمَّا) إذَا أراد حج فرض الاسلام أو قضاء أو نَذْرٍ فَلَيْسَ لَهُمَا مَنْعُهُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجَمَاهِيرُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ
* وَحَكَى صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ فِيهِ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّ لهما منعه من الفرض كالتطوع وليس بشئ فَإِنْ أَحْرَمَ
بِهِ فَلَيْسَ لَهُمَا تَحْلِيلُهُ مِنْهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ
* وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ

(8/349)


وَغَيْرُهُمْ فِيهِ طَرِيقًا آخَرَ أَنَّهُ عَلَى قَوْلَيْنِ كالزوجة وليس بشئ والله أعلم
* (فرع)
وَإِذَا أَحْرَمَ بِالتَّطَوُّعِ وَأَرَادَ الْأَبَوَانِ تَحْلِيلَهُ كَانَ لَهُمَا ذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا ذَكَرْنَا فَلَوْ أَرَادَهُ أَحَدُهُمَا فَهُوَ كَمَا لَوْ أَرَادَاهُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنْ أَرَادَ الْأَبُ تَحْلِيلَهُ فَلَهُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِنَا لَهُمَا تَحْلِيلُهُ وَإِنْ أَرَادَتْهُ الْأُمُّ فَلَا وَحَكَاهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا مُشْكِلٌ وَهُوَ كَمَا قَالَ الرُّويَانِيُّ فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْأُمَّ كَالْأَبِ فِي هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*

(8/350)


(فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا حَيْثُ جَوَّزْنَا لَهُمَا تَحْلِيلَهُ فَهُوَ كَتَحْلِيلِ الزَّوْجَةِ فَيُؤْمَرُ الْوَلَدُ بِأَنْ يَتَحَلَّلَ بِمَا يَتَحَلَّلُ بِهِ الْمُحْصَرُ مِنْ النِّيَّةِ وَالذَّبْحِ وَالْحَلْقِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَاضِحًا
* (فَرْعٌ)
تَحْلِيلُ الْوَلَدِ مِنْ الْعُمْرَةِ وَمَنْعُهُ مِنْهَا كَالْحَجِّ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَاهُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ
* (فَرْعٌ)
إذَا أَرَادَ الْوَلَدُ السَّفَرَ لِطَلَبِ الْعِلْمِ فَقَدْ جَزَمَ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ السِّيَرِ بِأَنَّهُ يَجُوزُ بِغَيْرِ إذْنِ الْأَبَوَيْنِ قَالَ وَكَذَلِكَ سَفَرُ التِّجَارَةِ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهَا السَّلَامَةُ
* وَبَسَطَ الْبَغَوِيّ الْمَسْأَلَةَ هنا فقال

(8/351)


إنْ أَرَادَ الْوَلَدُ الْخُرُوجَ لِطَلَبِ الْعِلْمِ بِغَيْرِ إذْنِ الْأَبَوَيْنِ نُظِرَ إنْ كَانَ هُنَاكَ مَنْ يَتَعَلَّمُ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ وَلَهُمَا مَنْعُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نُظِرَ فَإِنْ أَرَادَ تَعَلُّمَ مَا هُوَ فَرْضُ عَيْنٍ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَنْعُهُ وَفِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجُوزُ لَهُمَا مَنْعُهُ لِأَنَّهُ فَرْضٌ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَبْلُغْ وَاحِدٌ هُنَاكَ دَرَجَةَ الْفَتْوَى حَتَّى لَوْ كَبِرَ الْمُفْتِي وَشَاخَ جَازَ لِشَابٍّ أَنْ يَخْرُجَ لِطَلَبِ الْعِلْمِ إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ التَّعَلُّمُ مِنْ الشَّيْخِ
* قَالَ وَلَوْ خَرَجَ وَاحِدٌ لِلتَّعَلُّمِ هَلْ لِآخَرَ أَنْ يَخْرُجَ بِغَيْرِ إذْنِ الْأَبَوَيْنِ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا لِأَنَّهُ قَامَ بِهِ غَيْرُهُ كَالْجِهَادِ (وَالثَّانِي) نَعَمْ لِأَنَّ قَصَدَ إقَامَةِ الدِّينِ لَا خَوْفَ فِيهِ هَذَا كَلَامُ الْبَغَوِيِّ
*

(8/352)


(فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَالٌّ وَهُوَ مُوسِرٌ يَجُوزُ لِمُسْتَحِقِّ الدَّيْنِ مَنْعُهُ مِنْ الْخُرُوجِ
إلَى الْحَجِّ وَحَبْسُهُ مَا لَمْ يُؤَدِّ الدَّيْنَ فَإِنْ كَانَ أَحْرَمَ فَلَيْسَ لَهُ التَّحَلُّلُ كَمَا سَبَقَ بَلْ عَلَيْهِ قَضَاءُ الدَّيْنِ وَالْمُضِيُّ فِي الْحَجِّ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَلَا مُطَالَبَةَ وَلَا مَنْعَ وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا فَلَا مَنْعَ وَلَا مُطَالَبَةَ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَخْرُجَ حَتَّى يُوَكِّلَ مَنْ يَقْضِي الدَّيْنَ عِنْدَ حُلُولِهِ
* (فَرْعٌ)
حَيْثُ جَوَّزْنَا تَحْلِيلَ الزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ فَتَحَلَّلَا فَلَهُمَا حُكْمُ الْمُتَحَلِّلِ بِحُصْرٍ خَاصٍّ فَإِنْ كَانَ حَجَّ تَطَوُّعٍ لَمْ يَجِبْ قَضَاؤُهُ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَإِنْ كَانَ فَرْضًا فَفِيهِ التَّفْصِيلُ السَّابِقُ فِي حُكْمِ الْحَاجِّ الْمُحْصَرِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ قَوْلُ الْأَصْحَابِ لِلسَّيِّدِ تَحْلِيلُ الْعَبْدِ وَلِلزَّوْجِ تَحْلِيلُ الزَّوْجَةِ وَلِلْوَالِدِ تَحْلِيلُ الْوَلَدِ
* هَذَا كُلُّهُ مَجَازٌ وَلَا يَصِحُّ التَّحْلِيلُ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ يَأْمُرُونَ الْعَبْدَ وَالزَّوْجَةَ وَالْوَلَدَ بِالتَّحَلُّلِ فَيَتَحَلَّلُ الْمَأْمُورُ بِالنِّيَّةِ مَعَ الذَّبْحِ وَالْحَلْقِ عَلَى تَفْصِيلِهِ السَّابِقِ وَهَذَا وَاضِحٌ لَا شك فيه والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (إذا أحرم وشرط التحلل لغرض صحيح مثل أن يشترط أنه إذا مرض تحلل أو إذا ضاعت نفقته تحلل ففيه طريقان
(أحدهما)
أنه على قولين
(أحدهما)
لا يثبت الشرط لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ مِنْهَا بِغَيْرِ عذر فلم يجز الخروج منها بالشرط كالصلاة المفروضة (والثاني) أنه يثبت الشرط لما روى ابن عباس (أَنَّ ضُبَاعَةَ بِنْتَ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قالت يا رسول الله اني امرأة ثقيلة واني أريد الحج فكيف تأمرني أن أهل قال أهلي واشترطي أن محلي حيث حبستني) فدل على جواز الشرط (ومنهم) من قال يصح الشرط قولا واحدا لانه علق أحد القولين على صحة حديث ضباعة فعلى هذا إذا شرط أنه إذا مرض تحلل لم يتحلل الا بالهدي وان شرط أنه إذا مرض صار حلالا فمرض صار حلالا
* ومن أصحابنا من قال لا يتحلل الا بالهدي لان مطلق كلام الادمي يحمل على ما تقرر في الشرع والذي تقرر في الشرع أنه لا يتحلل الا بالهدى فاما إذا شرط أنه يخرج منه إذا شاء أو يجامع فيه إذا شاء فلا يجوز له لانه خروج من غير عذر فلم يصح شرطه)
*

(8/353)


(الشَّرْحُ) حَدِيثُ ضُبَاعَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَتَقَدَّمَتْ طُرُقُهُ وَبَيَانُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَعَ بَيَانِ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ الْوَارِدَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ مَعَ بَيَانِ الْفَصْلِ جَمِيعًا وَبَسَطْنَاهَا وَاضِحَةً فِي فَصْلِ إحْصَارِ
الْغَرِيمِ وَالْمَرِيضِ وَيَحْصُلُ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ هُنَاكَ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ لَمْ يَتَحَلَّلْ إلَّا بِالْهَدْيِ اخْتِيَارٌ منه للضعيف من القولين (والاصح) أَنَّهُ لَا دَمَ
* هَذَا إذَا أَطْلَقَ أَنَّهُ يَتَحَلَّلُ (أَمَّا) إذَا قَالَ أَتَحَلَّلُ بِالْهَدْيِ لَزِمَهُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ قَالَ أَتَحَلَّلُ بِلَا هَدْيٍ فَلَا يَلْزَمُهُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا سَبَقَ إيضَاحُهُ هُنَاكَ (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ مِنْهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ احْتِرَازٌ مِنْ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ وَصَوْمِهِ (وَقَوْلُهُ) كَالصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ تَصْرِيحٌ مِنْهُ بِمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَنْ دَخَلَ فِي صَلَاةٍ مَفْرُوضَةٍ مُؤَدَّاةٍ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا أَوْ مَقْضِيَّةٍ أَوْ صَوْمٌ وَاجِبٌ بِقَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ الْخُرُوجُ بِلَا عُذْرٍ وَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ وَاسِعًا وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ وَاضِحَةً فِي بَابِ التَّيَمُّمِ وَفِي آخِرِ بَابِ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ وَآخِرِ كِتَابِ الصِّيَامِ
* والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (إذا أحرم ثم ارتد ففيه وجهان
(أحدهما)
يبطل احرامه لانه إذا بطل الاسلام الذي هو أصل فلان يبطل الاحرام الذي هو فرع أولى (والثاني) لا يبطل كما لا يبطل بالجنون والموت فعلى هذا إذا رجع إلى الاسلام بني عليه)
* (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ فَلَأَنْ يَبْطُلَ الْإِحْرَامُ وَهُوَ فَرْعٌ يُنْتَقَضُ بِالْوُضُوءِ فَإِنَّهُ فَرْعٌ وَلَا يَبْطُلُ بِالرِّدَّةِ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ يَبْطُلُ
* وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ آخَرَانِ وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُ الْأَوْجُهِ الْأَرْبَعَةِ مَعَ فُرُوعِهَا فِي بَابِ مَا يَجِبُ بِمَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ فِي مَسَائِلِ إفْسَادِ الْحَجِّ بِالْجِمَاعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَصْلٌ)
فِي مَسَائِلَ مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْإِحْصَارِ (مِنْهَا) الْمُحْرِمُ بِالْحَجِّ لَهُ التَّحَلُّلُ إذَا أَحْصَرَهُ عَدُوٌّ بِالْإِجْمَاعِ وَيَلْزَمُهُ دَمٌ وَهُوَ شاذ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَالْجُمْهُورِ
* وعن مالك لادم عَلَيْهِ
* دَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا استيسر من الهدي) وَتَقْرِيرُ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ فَإِنْ

(8/354)


أُحْصِرْتُمْ فَلَكُمْ التَّحَلُّلُ وَعَلَيْكُمْ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ
* (فَرْعٌ)
إذَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فَأُحْصِرَ فَلَهُ التَّحَلُّلُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ وَمَنَعَهُ مَالِكٌ لِأَنَّهَا تفوت دليلنا قوله تعالى (فان أحصرتم) وَنَزَلَتْ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ حِينَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم أَحْرَمُوا بِالْعُمْرَةِ فَتَحَلَّلُوا
وَذَبَحُوا الْهَدَايَا وَحَدِيثُ هَذِهِ الْقِصَّةِ فِي الصَّحِيحِ مَشْهُورَةٌ
* (فَرْعٌ)
يَجُوزُ عِنْدَنَا التحلل بالاحصار قبل الوقوف أو بعده سَوَاءٌ أُحْصِرَ عَنْ الْكَعْبَةِ فَقَطْ أَوْ عَنْ عَرَفَاتٍ فَقَطْ أَوْ عَنْهُمَا
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَتَحَلَّلُ بِالْإِحْصَارِ بَعْدَ الْوُقُوفِ فَإِنْ أُحْصِرَ بَعْدَ الْوُقُوفِ عَنْ الْكَعْبَةِ وَعَرَفَاتٍ تَحَلَّلَ وَإِنْ أُحْصِرَ عَنْ أَحَدِهِمَا لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّحَلُّلُ
* دليلنا قوله تعالى (فان احصرتم) الْآيَةُ وَلَمْ يُفَرِّقْ
* (فَرْعٌ)
ذَبْحُ هَدْيِ الْإِحْصَارِ حَيْثُ أُحْصِرَ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْحَرَمِ أَوْ غَيْرِهِ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ الافى الْحَرَمِ قَالَ وَيَجُوزُ قَبْلَ النَّحْرِ
* وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ
* دَلِيلُنَا الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَحَرَ هَدْيَهُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَهِيَ خَارِجُ الْحَرَمِ)
* (فَرْعٌ)
إذَا تَحَلَّلَ بِالْإِحْصَارِ فَإِنْ كَانَ حَجُّهُ فَرْضًا بَقِيَ كَمَا كَانَ قَبْلَ هَذِهِ السَّنَةِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا لَمْ يَجِبْ قَضَاؤُهُ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُجَاهِدٌ وَالشَّعْبِيُّ وَعِكْرِمَةُ وَالنَّخَعِيُّ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ التَّطَوُّعِ أَيْضًا
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّحَلُّلُ بِالْمَرَضِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ الْعُذْرُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ
* وَقَالَ عَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد يَجُوزُ التَّحَلُّلُ بِالْمَرَضِ وَكُلِّ عُذْرٍ حَدَثَ وَسَبَقَ دَلِيلُ الْمَسْأَلَةِ
* (فَرْعٌ)
يَجُوزُ لِلْمَكِّيِّ التَّحَلُّلُ إذَا أُحْصِرَ عَنْ عَرَفَاتٍ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الحسن وغيره (1)
*
__________
(1) بياض بالاصل

(8/355)


(فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَهُ منع زوجته من حجة الاسلام وقال مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُد لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ (وَأَمَّا) اشْتِرَاطُ الْمَحْرَمِ مَعَ الْمَرْأَةِ فِي السَّفَرِ فَقَدْ سَبَقَ قَرِيبًا بَيَانُهُ وَمَذَاهِبُ الْعُلَمَاءِ فِيهِ والله أعلم