المجموع شرح المهذب ط دار الفكر

* (كتاب البيوع)

* قال المصنف رحمه الله
* (البيع جائز والاصل فيه قَوْله تَعَالَى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) وقوله تعالى (يا أيها الذين آمنو لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ)
* (الشَّرْحُ) قَوْله تَعَالَى (إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً) هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ أَيْ لَكِنْ لَكُمْ أَكْلُهَا بِتِجَارَةٍ عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ قَالَ الْعُلَمَاءُ خَصَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْأَكْلَ بِالنَّهْيِ تَنْبِيهًا عَلَى غَيْرِهِ لِكَوْنِهِ مُعْظَمَ الْمَقْصُودِ
مِنْ الْمَالِ كَمَا قَالَ تَعَالَى (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا) وقوله تعالى (الذين يأكلون الربا) وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ التَّصَرُّفَ فِي الْمَالِ بِالْبَاطِلِ حَرَامٌ سَوَاءٌ كَانَ أَكْلًا أَوْ بَيْعًا أَوْ هِبَةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ وقَوْله تَعَالَى (بِالْبَاطِلِ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ (إلَّا بِحَقِّهَا) قَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي الْبَاطِلُ اسْمٌ جَامِعٌ لِكُلِّ مَا لَا يَحِلُّ فِي الشَّرْعِ كَالرِّبَا وَالْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ وَالْخِيَانَةِ وَكُلِّ مُحَرَّمٍ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ قَالَ الْوَاحِدِيُّ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعٌ وقَوْله تَعَالَى (إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً) فيها قراء تان الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ فَمَنْ رَفْعَ جَعَلَ كَانَ تَامَّةً إلَّا أَنْ تَقَعَ تِجَارَةٌ وَمَنْ نَصَبَ قَالَ تَقْدِيرُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَأْكُولُ تِجَارَةً أَوْ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْأَمْوَالُ أَمْوَالَ تِجَارَةٍ فَحُذِفَ الْمُضَافُ قَالَ الْوَاحِدِيُّ وَالْأَجْوَدُ الرَّفْعُ لِأَنَّهُ أَدَلُّ عَلَى انْقِطَاعِ الِاسْتِثْنَاءِ وَلِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى إضْمَارٍ وَأَمَّا صَاحِبُ الْحَاوِي فَبَسَطَ تَفْسِيرَ الْآيَةِ فِي الْحَاوِي فَقَالَ قَوْله تَعَالَى (أَمْوَالَكُمْ) فِيهِ تَأْوِيلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الْمُرَادُ مَالُ كُلِّ

(9/145)


إنْسَانٍ فِي نَفْسِهِ أَيْ لَا يَصْرِفُهُ فِي الْمُحَرَّمَاتِ (وَالثَّانِي) مَعْنَاهُ لَا يَأْخُذُ بَعْضُكُمْ مَالَ بعض كما قال تعالى (لا تقتلوا أنفسكم) (وَقَوْلُهُ) بِالْبَاطِلِ قِيلَ مَعْنَاهُ الصَّرْفُ فِي الْمُحَرَّمَاتِ وَقِيلَ النَّهْبُ وَالْغَارَاتُ (وَالثَّالِثُ) التِّجَارَاتُ الْفَاسِدَةُ وَنَحْوُهَا وَالْمُخْتَارُ مَا قَدَّمْنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَهْلِ الْمَعَانِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) فَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الْأُمِّ تَفْسِيرَهَا مُسْتَوْفًى مَعَ اخْتِصَارٍ وَشَرَحَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي فَقَالَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَعْنَى الْآيَةِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهَا عَامَّةٌ فَإِنَّ لَفْظَهَا لَفْظُ عُمُومٍ يَتَنَاوَلُ كُلَّ بَيْعٍ وَيَقْتَضِي إبَاحَةَ جَمِيعِهَا إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ وَهَذَا الْقَوْلُ أَصَحُّهَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِنَا قَالَ فِي الْأُمِّ هَذَا أَظْهَرُ مَعَانِي الْآيَةِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالدَّلِيلُ لِهَذَا الْقَوْلِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بُيُوعٍ كَانُوا يَعْتَادُونَهَا وَلَمْ يُبَيِّنْ الْجَائِزَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ تَنَاوَلَتْ إبَاحَةَ جَمِيعِ الْبُيُوعِ إلَّا مَا خُصَّ مِنْهَا وَبَيَّنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَخْصُوصَ قَالَ فَعَلَى هَذَا فِي الْعُمُومِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
إنَّهُ عُمُومٌ أُرِيدَ بِهِ الْعُمُومُ وَإِنْ دَخَلَهُ التَّخْصِيصُ
(وَالثَّانِي)
إنَّهُ عُمُومٌ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ قَالَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ الْعُمُومَ الْمُطْلَقَ الَّذِي يُرَادُ بِهِ الْعُمُومُ وَهُوَ مَا يَجْرِي عَلَى عُمُومِهِ وَإِنْ دَخَلَهُ تَخْصِيصٌ كَانَ الْخَارِجُ مِنْهُ بِالتَّخْصِيصِ أَقَلَّ مِمَّا بَقِيَ عَلَى الْعُمُومِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ الْبَيَانَ فِيمَا أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ مُقَدَّمٌ عَلَى اللَّفْظِ وَفِيمَا أُرِيدَ بِهِ الْعُمُومُ مُتَأَخِّرٌ عَنْ اللَّفْظِ أَوْ مُقْتَرِنٌ بِهِ قَالَ وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا
يَجُوزُ الِاسْتِدْلَال بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ فِي الْمَسَائِلِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلُ تَخْصِيصٍ وَإِخْرَاجُهَا مِنْ الْعُمُومِ (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) مِنْ الْأَقْوَالِ الْأَرْبَعَةِ إنَّهَا مُجْمَلَةٌ لَا يُعْقَلُ مِنْهَا صِحَّةُ بَيْعٍ مِنْ فَسَادِهِ إلَّا بِبَيَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَلِيلُهُ أَنَّ فِي الْبِيَاعَاتَ الْجَائِزَ وَغَيْرَهُ وَبَيَّنَ فِي الْآيَةِ مَا يُمَيِّزُ هَذَا مِنْ ذَاكَ فَاقْتَضَتْ كَوْنَهَا مُجْمَلَةً فَعَلَى هَذَا هَلْ هِيَ مُجْمَلَةٌ بِنَفْسِهَا أَمْ بِعَارِضٍ فِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهَا مُجْمَلَةٌ بِنَفْسِهَا لِأَنَّ قوله تعالى (وأحل الله البيع) يَقْتَضِي جَوَازَ الْبَيْعِ مُتَفَاضِلًا وقَوْله تَعَالَى (وَحَرَّمَ الربا) يَقْتَضِي تَحْرِيمَ بَيْعِ الرِّبَوِيِّ مُتَفَاضِلًا فَصَارَ آخِرُهَا مُعَارِضًا لِأَوَّلِهَا فَحَصَلَ الْإِجْمَالُ فِيهَا بِنَفْسِهَا
(وَالثَّانِي)
أَنَّهَا مُجْمَلَةٌ بِغَيْرِهَا لِأَنَّهَا جَوَازُ كُلِّ بَيْعٍ مِنْ غَرَرٍ وَمَعْدُومٍ وَغَيْرِهِمَا وَقَدْ وَرَدَتْ السُّنَّةُ بالنهي عن بيع الغرر وبيغ الْمُلَامَسَةِ وَغَيْرِهِمَا فَوَقَعَ الْإِجْمَالُ فِيهَا بِغَيْرِهَا قَالَ ثُمَّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْإِجْمَالِ عَلَى وَجْهَيْنِ
(أحدهما)

(9/146)


أَنَّ الْإِجْمَالَ وَقَعَ فِي الْمَعْنَى الْمُرَادِ بِهِ دُونَ صِيغَةِ لَفْظِهَا لِأَنَّ لَفْظَ الْبَيْعِ اسْمٌ لغوى لم يَرِدْ مِنْ طَرِيقِ الشَّرْعِ وَمَعْنَاهُ مَعْقُولٌ لَكِنْ لَمَّا قَامَ بِإِزَائِهِ مِنْ الشَّبَهِ مَا يُعَارِضُهُ بدافع الْعُمُومَانِ وَحْدَهُمَا وَلَمْ يَتَعَيَّنْ الْمُرَادُ مِنْهُمَا إلَّا بِبَيَانِ الشَّبَهِ فَصَارَا مُجْمَلَيْنِ لِهَذَا الْمَعْنَى لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ مُشْكِلُ الْمَعْنَى
*
(وَالثَّانِي)
أَنَّ اللَّفْظَ مُحْتَمَلٌ وَالْمَعْنَى الْمُرَادَ مِنْهُ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ الْمُرَادُ مِنْ اللَّفْظِ مَا وَقَعَ عليه الاسم وتبينا أَنَّ لَهُ شَرَائِطَ لَمْ تَكُنْ مَعْقُولَةً فِي اللغة خرج اللفظ بالشرائط عن موضوعه فاللغة إلَى مَا اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ شَرَائِطُ الشَّرْعِ وَإِنْ كَانَ لَهُ فِي اللُّغَةِ مَعَانٍ مَعْقُولَةٌ كَمَا قُلْنَا فِي الصَّلَاةِ إنَّهَا مُجْمَلَةٌ لِأَنَّهَا مُتَضَمِّنَةٌ شَرَائِطَ لَمْ تَكُنْ مَعْقُولَةً فِي اللُّغَةِ كَالْخُضُوعِ فكذلك البيع قال الماوردى وعلى الوجهين جميعا لَا يَجُوزُ الِاسْتِدْلَال بِهَا عَلَى صِحَّةِ بَيْعٍ وَلَا فَسَادِهِ وَإِنْ دَلَّتْ عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ مِنْ أَصْلِهِ قَالَ وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْعُمُومِ وَالْمُجْمَلِ حَيْثُ جَازَ الِاسْتِدْلَال بِظَاهِرِ الْعُمُومِ وَلَمْ يَجُزْ الِاسْتِدْلَال بِظَاهِرِ الْمُجْمَلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ) مِنْ الْأَرْبَعَةِ يَتَنَاوَلُهُمَا جَمِيعًا فَيَكُونُ عُمُومًا دَخَلَهُ التَّخْصِيصُ وَمُجْمَلًا لَحِقَهُ التَّفْسِيرُ لِقِيَامِ الدَّلَالَةِ عَلَيْهَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي وَجْهِ دُخُولِ ذَلِكَ فِيهِمَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ الْعُمُومَ فِي اللَّفْظِ وَالْإِجْمَالَ فِي الْمَعْنَى فَيَكُونُ اللَّفْظُ عَامًّا مَخْصُوصًا وَالْمَعْنَى مُجْمَلًا لَحِقَهُ التَّفْسِيرُ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ الْعُمُومَ فِي قَوْله تعالى (وأحل الله البيع) والاجمال في قوله (وحرم الربا) (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ كَانَ مُجْمَلًا فَلَمَّا بَيَّنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَارَ عَامًّا فَيَكُونُ دَاخِلًا فِي الْمُجْمَلِ قَبْلَ
الْبَيَانِ وَفِي الْعُمُومِ بَعْدَ الْبَيَانِ قَالَ فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَجُوزُ الِاسْتِدْلَال بِظَاهِرِهَا فِي الْبُيُوعِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا كَالْقَوْلِ الثَّانِي (وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ) إنَّهَا تَنَاوَلَتْ بَيْعًا مَعْهُودًا وَنَزَلَتْ بَعْدَ أَنْ أَحَلَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُيُوعًا وَحَرَّمَ بُيُوعًا فَقَوْلُهُ تَعَالَى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) أَيْ الْبَيْعَ الَّذِي بَيَّنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَبْلُ وَعَرَفَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُ فَتَنَاوَلَتْ الْآيَةُ بَيْعًا مَعْهُودًا وَلِهَذَا دَخَلَتْ الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِأَنَّهُمَا لِلْعَهْدِ أَوْ للجنس ولا يكون الجنس هنا مراد الخروج بَعْضِهِ عَنْ التَّحْلِيلِ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ الْعَهْدُ فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ الِاسْتِدْلَال بِظَاهِرِهَا عَلَى صِحَّةِ بَيْعٍ وَلَا فَسَادِهِ بَلْ يُرْجَعُ فِيمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ إلَى الِاسْتِدْلَالِ بِمَا تَقَدَّمَهَا مِنْ السُّنَّةِ الَّتِي عُرِفَ بِهَا الْبُيُوعُ الصَّحِيحَةُ فَيَحْصُلُ الْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُجْمَلِ مِنْ وَجْهٍ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعُمُومِ مِنْ

(9/147)


وَجْهَيْنِ (فَأَمَّا) الْوَجْهُ الْوَاحِدُ فَهُوَ أَنَّ بَيَانَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْبُيُوعِ كَانَ قَبْلَ نُزُولِهَا وَبَيَانُ الْمُجْمَلِ يَكُونُ مُقْتَرِنًا لِلَّفْظِ أَوْ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُجَوِّزُ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ
* وَأَمَّا الْوَجْهَانِ (فَأَحَدُهُمَا) مَا سَبَقَ مِنْ تَقْدِيمِ الْبَيَانِ فِي الْمَعْهُودِ وَإِقْرَارِ بَيَانِ التَّخْصِيصِ بِالْعُمُومِ
(وَالثَّانِي)
جَوَازُ الِاسْتِدْلَالِ بِظَاهِرِ الْعُمُومِ دون الظاهر الْمَعْهُودِ
* هَذَا آخَرُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا نَحْوَهُ وَاتَّفَقُوا عَلَى نَقْلِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ أَصَحَّهَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ تَتَنَاوَلُ كُلَّ بَيْعٍ إلَّا مَا نَهَى الشَّرْعُ عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
أَمَّا الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ جَوَازُ الْبَيْعِ فَهُوَ مِمَّا تَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ دَلَائِلُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الْمَبِيعَ بَيْعًا صَحِيحًا يَصِيرُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ مِلْكًا لِلْمُشْتَرِي قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي أَوَّلِ بُيُوعِ الْوَسِيطِ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ سَبَبٌ لِإِفَادَةِ الْمِلْكِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا انْعَقَدَ الْبَيْعُ لَمْ يَتَطَرَّقْ إلَيْهِ الْفَسْخُ إلَّا بِأَحَدِ سَبْعَةِ أَسْبَابٍ وَهِيَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَخِيَارُ الشَّرْطِ وَخِيَارُ الْعَيْبِ وخيار الحلف بِأَنْ كَانَ شَرَطَهُ كَاتِبًا فَخَرَجَ غَيْرَ كَاتِبٍ والاقالة والتحالف وَتَلَفُ الْمَبِيعِ وَأَمَّا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فَفِي بَيْعِ الْغَائِبِ إذَا جَوَّزْنَاهُ فَهُوَ مُلْتَحِقٌ فِي الْمَعْنَى بِخِيَارِ الشَّرْطِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
قَالَ ابن قتيبة وغيره يقال بعت الشئ بمعنى بعته وبمعنى شريته ويقال شريت الشئ بِمَعْنَى شَرَيْته وَبِعْتُهُ وَأَكْثَرُ الِاسْتِعْمَالِ بِعْتَهُ إذَا أَزَلْتَ الْمِلْكَ فِيهِ بِالْمُعَاوَضَةِ وَاشْتَرَيْتَهُ إذَا تَمَلَّكْته بِهَا قَالَ الْأَزْهَرِيُّ الْعَرَبُ تَقُولُ بِعْتُ بِمَعْنَى بِعْتُ مَا كُنْتُ مَلَكْتُهُ وَبِعْتُ بِمَعْنَى اشْتَرَيْتُ قَالَ وَكَذَلِكَ شَرَيْتُ بِالْمَعْنَيَيْنِ قَالَ وَكُلُّ وَاحِدٍ مَبِيعٌ وَبَائِعٌ لِأَنَّ الثَّمَنَ وَالْمُثَمَّنَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَبِيعٌ وَيُقَالُ بِعْتُهُ أَبِيعُهُ فَهُوَ مَبِيعٌ وَمَبْيُوعٌ مخيط ومخيوط قال الخليل المحذوف مِنْ مَبِيعٍ وَاوُ مَفْعُولٍ لِأَنَّهَا زَائِدَةٌ فَهِيَ أَوْلَى بِالْحَذْفِ وَقَالَ الْأَخْفَشُ الْمَحْذُوفُ عَيْنُ الْكَلِمَةِ قَالَ الْمَازِنِيُّ كِلَاهُمَا حَسَنٌ وَقَوْلُ الْأَخْفَشِ أَقْيَسُ وَالِابْتِيَاعُ الِاشْتِرَاءُ وَبَايَعْتُهُ وَتَبَايَعْنَا وَاسْتَبَعْتُهُ سَأَلْتُهُ أَنْ يبيعني وأبعت الشئ عرضته للبيع وبيع الشئ - بكسر

(9/148)


الْبَاءِ وَضَمِّهَا - وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ وَبُوعَ - بِضَمِّ الْبَاءِ وَبِالْوَاوِ - لُغَةٌ فِيهِ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي كِيلَ وَقِيلَ وَأَمَّا الشِّرَاءُ فَفِيهِ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ (أَفْصَحُهُمَا) الْمَدُّ (وَالثَّانِيَةُ) الْقَصْرُ فَمَنْ مَدَّ كَتَبَهُ بِالْأَلِفِ وَإِلَّا فَبِالْيَاءِ وَجَمْعُهُ أَشْرِيَةٌ وَهُوَ جَمْعٌ نَادِرٌ ويقال شريت الشئ أشريته شَرْيًا إذَا بِعْتُهُ وَإِذَا اشْتَرَيْتُهُ كَمَا سَبَقَ فَهُوَ مِنْ الْأَضْدَادِ عَلَى اصْطِلَاحِ اللُّغَوِيِّينَ وَمِنْ المشترك على اصطلاح الاصوليين قال اللَّهِ تَعَالَى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ) وقال تعالى (وشروه بثمن بخس) وَأَمَّا حَقِيقَةُ الْبَيْعِ فِي اللُّغَةِ فَهُوَ مُقَابَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ وَفِي الشَّرْعِ مُقَابَلَةُ الْمَالِ بِمَالٍ أَوْ نَحْوِهِ تَمْلِيكًا
* (فَرْعٌ)
أَرْكَانُ الْبَيْعِ ثَلَاثَةٌ العاقدان والصيغة والمعقود عليه وشروط الْعَاقِدِ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا مُخْتَارًا بَصِيرًا غَيْرَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ وَيُشْتَرَطُ إسْلَامُ الْمُشْتَرِي إنْ كان المبيع عبدا مسلما أو مصفحا وَعِصْمَتُهُ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ سِلَاحًا وَشُرُوطُ الْمَبِيعِ خَمْسَةٌ أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا مُنْتَفَعًا بِهِ مَعْلُومًا ومقدورا عَلَى تَسْلِيمِهِ مَمْلُوكًا لِمَنْ يَقَعُ الْعَقْدُ لَهُ وَيَدْخُلُ فِي الضَّابِطِ أُمُّ الْوَلَدِ وَالْمَرْهُونُ وَالْمَوْقُوفُ وَالْمُكَلَّفُ وَالْجَانِي إذَا مَنَعْنَا بَيْعَهُمَا وَالْمَنْذُورُ إعْتَاقُهُ وَهَذَا الْحَدُّ نَاقِصٌ لِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ الْمَجْهُولُ وَالْمَعْجُوزُ عَنْ تَسْلِيمِهِ وَغَيْرُ الْمَمْلُوكِ فَالصَّوَابُ الْحَدُّ الاول وهذه الشروط ستأنى مُفَصَّلَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَوَاضِعِهَا
* (فَرْعٌ)
سَبَقَ فِي آخِرِ بَابِ الْأَطْعِمَةِ الْخِلَافُ فِي أَنَّ أَطْيَبَ الْمَكَاسِبِ التِّجَارَةُ أَمْ الزِّرَاعَةُ أَمْ الصَّنْعَةُ
*

(فَصْلٌ)
فِي الْوَرَعِ فِي الْبَيْعِ وغيره واجتناب الشهبات
* قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ الله عظيم) وقال تعالى (ان ربك لبالمرصاد) وَعَنْ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (إنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا شُبُهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إذَا صَلُحَتْ صَلُحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ

(9/149)


طُرُقٍ كَثِيرَةٍ وَهُوَ أَحَدُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي عَلَيْهَا مَدَارُ الْإِسْلَامِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي عَدَدِهَا وَقَدْ جَمَعْتُهَا فِي كِتَابِ الْأَرْبَعِينَ وَعَنْ أَنَسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ تَمْرَةً فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ لَوْلَا أَنِّي أَخَافُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتُهَا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ حَاكَ - بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْكَافِ - أَيْ تَرَدَّدَ فِيهِ
* وَعَنْ وَابِصَةَ بن مصدر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (أَتَيْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ جِئْتَ تَسْأَلُ عَنْ الْبِرِّ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ اسْتَفْتِ قَلْبَكَ الْبِرُّ مَا أَطْمَأَنَّتْ إلَيْهِ النَّفْسُ وَاطْمَأَنَّ إلَيْهِ الْقَلْبُ وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ في الصدور وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتُوكَ) حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالدَّارِمِيُّ فِي مُسْنَدَيْهِمَا
* وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّهُ تزوج امرأة لابي اهاب بن عرير فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ إنِّي قَدْ أَرْضَعْتُ عُقْبَةَ وَاَلَّتِي تَزَوَّجَ بِهَا فَقَالَ لَهَا مَا أَعْلَمُ أنك أرضعتيني ولا أخبرتيني فَرَكِبَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ فَسَأَلَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ فَفَارَقَهَا عُقْبَةُ وَنَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ إهَابٌ - بكسر الهمزة وعرير بفتح العين وبراء مُكَرَّرَةٍ - وَعَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعْ مَا يَرِيبُكَ إلَى مَا لَا يَرِيبُكَ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ مَعْنَاهُ اُتْرُكْ مَا تَشُكُّ فِيهِ وَخُذْ مَا لَا تَشُكُّ فِيهِ
* وَعَنْ عَطِيَّةَ بْنِ عُرْوَةَ السَّعْدِيِّ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَبْلُغُ الْعَبْدُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمُتَّقِينَ حَتَّى يَدَعَ مَا لَا بَأْسَ بِهِ حَذَرًا لِمَا بِهِ الْبَأْسُ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ (مَا رَأَيْتُ
شَيْئًا أَهْوَنَ مِنْ الْوَرَعِ دَعْ مَا يَرِيبُكَ إلَى مَا لَا يَرِيبُكَ) وَحَسَّانُ هَذَا مِنْ تَابِعِي التَّابِعِينَ رَوَى عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ
*
(فَصْلٌ)
عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (أَجْمِلُوا فِي طَلَبِ الدُّنْيَا فَإِنَّ كُلًّا مُيَسَّرٌ لِمَا كُتِبَ لَهُ مِنْهَا) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ

(9/150)


وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تَسْتَبْطِئُوا الرِّزْقَ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَبْدٌ يَمُوتُ حَتَّى يَبْلُغَهُ بِآخِرِ رِزْقٍ هُوَ لَهُ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ مِنْ الْحَلَالِ وَتَرْكِ الْحَرَامِ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ
*
(فَصْلٌ)
فِي النَّهْيِ عَنْ الْيَمِينِ فِي الْبَيْعِ
* عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (الْحَلِفُ منفقة للسلعة ممحقة للربح: وفى رواية: للبروفى رِوَايَةٍ لِلْكَسْبِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله وَسَلَّمَ يَقُولُ (إيَّاكُمْ وَكَثْرَةَ الْحَلِفِ فَإِنَّهُ يُنَفِّقُ ثُمَّ يَمْحَقُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ قَالَ أَبُو ذَرٍّ خَابُوا وَخَسِرُوا من هم يارسول اللَّهِ قَالَ الْمُسْبِلُ وَالْمَنَّانُ وَالْمُنْفِقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ
*
(فَصْلٌ)
عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمُصَلَّى فَرَأَى النَّاسَ يَتَبَايَعُونَ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ فَاسْتَجَابُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَفَعُوا أَعْنَاقَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ إلَيْهِ فَقَالَ إنَّ التُّجَّارَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فُجَّارًا إلَّا مَنْ اتَّقَى اللَّهَ وَبَرَّ وَصَدَقَ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
* وَعَنْ قَيْسِ بْنِ أبى غررة بغين - معجمة ثم راء ثم راء مَفْتُوحَاتٍ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نُسَمَّى السَّمَاسِرَةَ فَقَالَ

(9/151)


يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ إنَّ الشَّيْطَانَ وَالْإِثْمَ يَحْضُرَانِ البيع فثوبوا بَيْعَكُمْ بِالصَّدَقَةِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ
حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
* وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الْأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ
*
(فَصْلٌ)
فِي التَّبْكِيرِ فِي طَلَبِ الْمَعِيشَةِ
* عَنْ صَخْرٍ الْغَامِدِيِّ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا) وَكَانَ إذَا بَعَثَ سَرِيَّةً أَوْ جَيْشًا بَعَثَهُمْ أَوَّلَ النَّهَارِ وَكَانَ صَخْرٌ رَجُلًا تَاجِرًا وَكَانَ إذَا بَعَثَ تِجَارَةً بَعَثَهُمْ أَوَّلَ النَّهَارِ فَأَثْرَى وَكَثُرَ مَالُهُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ
*
(فَصْلٌ)
فِي اسْتِحْبَابِ السَّمَاحَةِ فِي الْبَيْعِ وَالشَّرْيِ وَالتَّقَاضِي وَالِاقْتِضَاءِ وَإِرْجَاحِ الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ
* قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) وقال تعالى (يا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا الناس أشياءهم) وقال تعالى (ويل للمطففين) الْآيَةَ
* وَعَنْ جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ

(9/152)


اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إذَا بَاعَ وَإِذَا اشْتَرَى وَإِذَا اقْتَضَى) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ جَابِرٍ (قَالَ اشْتَرَى مِنِّي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعِيرًا فَوَزَنَ لِي وَأَرْجَحَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* وَعَنْ سُوَيْد بْنِ قَيْسٍ قَالَ (جَلَبْت أَنَا وَمَخْرَمَةُ العبدى برا مِنْ هَجَرَ فَجَاءَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَامَنَا بِسَرَاوِيلَ وَعِنْدِي وَزَّانٌ يَزِنُ بِالْأَجْرِ فقال النبي صلى الله عليه وسلم للوزان زِنْ وَأَرْجِحْ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
* وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اسْمَحْ يُسْمَحْ لَكَ) رَوَاهُ ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ
*
(فَصْلٌ)
عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا فَإِنْ صَدَقَا وبينا بورك لها في بيعها وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ (بَايَعْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إقام الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* وَعَنْ تَمِيمِ بْنِ أَوْسٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا لِمَنْ قَالَ لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ
* وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ)) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
*

(فَصْلٌ)
عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم من أصاب من شئ فَلْيَلْزَمْهُ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ
* وَعَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ قَالَ (كُنْتُ أُجَهِّزُ إلَى الشَّامِ وَإِلَى مِصْرَ فَجَهَّزْت إلَى الْعِرَاقِ فَأَتَيْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَقُلْتُ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كُنْتُ أُجَهِّزُ إلَى الشَّامِ فَجَهَّزْت إلى العراق فقالت لا تفعل مالك مَنْزِلٌ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إذَا سَبَّبَ اللَّهُ لِأَحَدٍ رِزْقًا مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَدَعْهُ حَتَّى يَتَغَيَّرَ لَهُ أَوْ يَتَنَكَّرَ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ
*
(فَصْلٌ)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (أَحَبُّ الْبِلَادِ إلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إلَى اللَّهِ أَسْوَاقُهَا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ
* وَعَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ (لَا تَكُونَنَّ إنْ اسْتَطَعْتَ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ السُّوقَ وَلَا آخِرَ مَنْ يَخْرُجُ مِنْهَا فَإِنَّهَا مَعْرَكَةُ الشَّيْطَانِ وَبِهَا يَنْصِبُ رَايَتَهُ)

(9/153)


رَوَاهُ مُسْلِمٌ هَكَذَا مَوْقُوفًا عَلَى سَلْمَانَ وَرَوَاهُ الزقانى فِي صَحِيحِهِ عَنْ سَلْمَانَ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَكُنْ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ السُّوقَ وَلَا آخِرَ مَنْ يَخْرُجُ مِنْهَا فِيهَا بَاضَ الشَّيْطَانُ وَفَرَّخَ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ الذَّمُّ لِمَنْ أَكْثَرَ مُلَازَمَةَ السُّوقِ وَصَرَفَ أَكْثَرَ الْأَوْقَاتِ إلَيْهَا وَالِاشْتِغَالِ بِهَا عَنْ الْعِبَادَةِ وَهَذَا كَمَا قَالُوهُ لِثُبُوتِ الْأَحَادِيثِ فِي دُخُولِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَسْوَاقَ مَعَ نَصِّ الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الاسواق) وَقَالَ تَعَالَى (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ) وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَائِفَةِ النَّهَارِ لَا يُكَلِّمُنِي وَلَا أُكَلِّمُهُ حَتَّى جَاءَ سُوقَ بَنِي قَيْنُقَاعَ ثُمَّ انْصَرَفَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَيْنُقَاعُ قَبِيلَةٌ مِنْ الْيَهُودِ - بِفَتْحِ الْقَافِ الْأُولَى وَضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِهَا وَكَسْرِهَا - وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي السُّوقِ فَقَالَ رَجُلٌ يَا أَبَا الْقَاسِمِ فَالْتَفَتَ إلَيْهِ وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا دَخَلَ السُّوقَ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذِهِ السُّوقِ وَخَيْرَ مَا فِيهَا وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُصِيبَ فِيهَا يَمِينًا فَاجِرَةً أَوْ صَفْقَةً خَاسِرَةً) رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ
*
(فَصْلٌ)
سَبَقَ فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ أَنَّ مَنْ أَرَادَ التِّجَارَةَ لَزِمَهُ أَنْ يَتَعَلَّمَ أَحْكَامَهَا فَيَتَعَلَّمَ
شُرُوطَهَا وَصَحِيحَ الْعُقُودِ مِنْ فَاسِدِهَا وَسَائِرَ أَحْكَامِهَا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ
*
(فَصْلٌ)
مَذْهَبُنَا أَنَّ الْإِشْهَادَ عَلَى عَقْدِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَسَائِرِ الْعُقُودِ غَيْرِ النِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ مُسْتَحَبٌّ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ وَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِهَذَا اللَّفْظِ بِحُرُوفِهِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ لِلِاسْتِحْبَابِ بقوله تعالى (وأشهد وإذا تبايعتم) هَذَا مَذْهَبُنَا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ قَالَ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَالشَّعْبِيُّ والحسن وأصحاب الرأى وأحمد واسحق وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْأُمَّةِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يَجِبُ الْإِشْهَادُ عَلَى الْبَيْعِ وَهُوَ فَرْضٌ لَازِمٌ يُعْصَى بِتَرْكِهِ قَالَ رَوَيْنَا هَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا بَاعَ بِنَقْدٍ أَشْهَدَ ولم يكتب

(9/154)


قَالَ وَرَوَيْنَا عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ ثَلَاثَةٌ لَا يستجاب لهم دعوة رجل باع بنقد (1) قَالَ وَرَوَيْنَا نَحْوَ هَذَا عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى وَأَبِي سُلَيْمَانَ الْمَرْعَشِيِّ وَاحْتَجُّوا بقوله تعالى (واشهد وإذا تبايعتم) وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاعَ وَاشْتَرَى وَلَمْ يُنْقَلْ الْإِشْهَادُ فِي ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الصَّحَابَةُ فِي زَمَنِهِ وَبَعْدَهُ وَحَمَلُوا الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِمَا ذكرناه والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (ويصح البيع من كل بالغ عاقل مختار فاما الصبى والمجنون فلا يصح بيعهما لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنْ الْمَجْنُونِ حتى يفيق) ولانه تصرف في المال فلم يفوض إلى الصبى والمجنون كحفظ المال)
* (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيٍّ وعائشة رضي الله عنهما سَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَأَوَّلِ كِتَابَيْ الزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَقَوْلُهُ تَصَرُّفٌ فِي الْمَالِ احْتِرَازٌ مِنْ اخْتِيَارِ الصَّبِيِّ أَحَدَ الْأَبَوَيْنِ وَهُوَ مميز ومن عباداته وحمله الهدية ومن وطئ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ امْرَأَتَيْهِمَا وَأَمَّا قِيَاسُهُ عَلَى حِفْظِ الْمَالِ فَلِأَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَمَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي قوله تعالى (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أموالهم) وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ يَصِحُّ الْبَيْعُ مِنْ كُلِّ عَاقِلٍ بَالِغٍ مُخْتَارٍ فَمِمَّا يُنْكَرُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ الْأَعْمَى وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا هُوَ وَالْأَصْحَابُ أَنَّ الْمَذْهَبَ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَلَا شِرَاؤُهُ
وَيَدْخُلُ أَيْضًا الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِالسَّفَهِ وَهُوَ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ بَصِيرًا غَيْرَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْفَرْعِ السَّابِقِ قَرِيبًا وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَيْضًا إسْلَامُ الْمُشْتَرِي إنْ اشْتَرَى عَبْدًا مُسْلِمًا أَوْ مُصْحَفًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَأَمَّا الْمَجْنُونُ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَلِكَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ (وَأَمَّا) السَّكْرَانُ فَالْمَذْهَبُ صِحَّةُ بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ وَسَائِرِ عُقُودِهِ الَّتِي تَضُرُّهُ وَاَلَّتِي تنفعه
(والثانى)
لا يصح شئ مِنْهَا (وَالثَّالِثُ) يَصِحُّ مَا عَلَيْهِ دُونَ مَالِهِ فَعَلَى هَذَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ دُونَ إيهَابِهِ وَتَصِحُّ رِدَّتُهُ دُونَ إسْلَامِهِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْأَوْجُهَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّلَاقِ وَهُنَاكَ نُوَضِّحُهَا بِفُرُوعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) الصَّبِيُّ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَلَا شِرَاؤُهُ وَلَا إجَارَتُهُ وَسَائِرُ عُقُودِهِ لَا لِنَفْسِهِ وَلَا لِغَيْرِهِ سواء
__________
(1) بياض بالاصل

(9/155)


بَاعَ بِغَبْنٍ أَوْ بِغِبْطَةٍ وَسَوَاءٌ كَانَ مُمَيِّزًا أو غيره وسواء بِإِذْنِ الْوَلِيِّ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَسَوَاءٌ بَيْعُ الاختبار وغيره وبيع الاختبار هو الذى يمتحن الْوَلِيُّ بِهِ لِيَسْتَبِينَ رُشْدَهُ عِنْدَ مُنَاهِزَةِ الِاحْتِلَامِ وَلَكِنَّ طَرِيقَ الْوَلِيِّ أَنْ يُفَوِّضَ إلَيْهِ الِاسْتِلَامَ وَتَدْبِيرَ الْعَقْدِ فَإِذَا انْتَهَى الْأَمْرُ إلَى الْعَقْدِ أتى به الولى ولا خلاف في شئ مِمَّا ذَكَرْتُهُ عِنْدَنَا إلَّا فِي بَيْعِ الِاخْتِبَارِ فَإِنَّ فِيهِ وَجْهًا شَاذًّا ضَعِيفًا حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّهُ يَصِحُّ وَالْمَذْهَبُ بُطْلَانُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ الْبَيْعُ لَزِمَ مِنْهُ وُجُوبُ التَّسْلِيمِ عَلَى الصَّبِيِّ وَقَدْ صَرَّحَ الْحَدِيثُ بِأَنَّ الصَّبِيَّ لَا يَجِبُ عليه شئ وَقِيلَ وَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّ مُقْتَضَى الْحَدِيثِ إسْقَاطُ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْفُقَهَاءُ إذَا اشْتَرَى الصَّبِيُّ شَيْئًا وَسُلِّمَ إلَيْهِ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ أَوْ أَتْلَفَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لَا فِي الْحَالِ وَلَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَكَذَا لَوْ اقْتَرَضَ مَالًا لِأَنَّ الْمَالِكَ هُوَ الْمُضَيِّعُ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ وَمَا دَامَتْ الْعَيْنُ بَاقِيَةً فَلِلْمَالِكِ الِاسْتِرْدَادُ وَإِنْ قَبَضَهَا الْوَلِيُّ مِنْ الصَّبِيِّ دَخَلَتْ فِي ضَمَانِ الْوَلِيِّ وَلَوْ سَلَّمَ الصَّبِيُّ إلَى الْبَائِعِ ثَمَنَ مَا اشْتَرَاهُ لَمْ يَصِحَّ تَسْلِيمُهُ وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ رَدُّهُ إلَى الْوَلِيِّ وَيَلْزَمُ الْوَلِيِّ طَلَبُهُ وَاسْتِرْدَادُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ رَدَّهُ إلَى الصَّبِيِّ لَمْ يَبْرَأْ مِنْ الضَّمَانِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا كَمَا لَوْ سَلَّمَ الصَّبِيُّ دِرْهَمًا إلَى صَرَّافٍ لِيَنْقُدَهُ أَوْ سَلَّمَ مَتَاعًا إلَى مُقَوِّمٍ لَيُقَوِّمَهُ فَإِذَا قَبَضَهُ مِنْ الصَّبِيِّ دخل في ضمان القابض ولم يجزله رَدُّهُ إلَى الصَّبِيِّ بَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يُرَدَّهُ إلَى وَلِيِّهِ إنْ كَانَ الْمَالُ لِلصَّبِيِّ وَإِنْ كَانَ لِكَامِلٍ لَزِمَهُ رَدُّهُ إلَى مَالِكِهِ أَوْ وَكِيلِهِ فِيهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ
أَمَرَهُ وَلِيُّ الصَّبِيِّ بِدَفْعِهِ إلَى الصَّبِيِّ فَدَفَعَهُ إلَيْهِ سَقَطَ عَنْهُ الضَّمَانُ إنْ كَانَ الْمَالُ لِلْوَلِيِّ فَإِنْ كَانَ لِلصَّبِيِّ لَمْ يَسْقُطْ كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِإِلْقَاءِ مَالِ الصَّبِيِّ فِي بَحْرٍ فَأَلْقَاهُ فَإِنَّهُ يلزمه ضمانه قطعا
* (فرع)

* لو تبايعا صَبِيَّانِ وَتَقَابَضَا وَأَتْلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا قَبَضَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ جَرَى ذَلِكَ بِإِذْنِ الْوَلِيَّيْنِ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَلِيَّيْنِ وَيَجِبُ فِي مَالِ الصَّبِيَّيْنِ الضَّمَانُ لِأَنَّ تَسْلِيمَهُمَا لَا يُعَدُّ تَسْلِيطًا وَتَضْيِيعًا بِخِلَافِ تَسْلِيمِ الْبَالِغِ الرَّشِيدِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَصِحُّ نِكَاحُ الصَّبِيِّ بِنَفْسِهِ وَلَا سَائِرُ تَصَرُّفَاتِهِ لَكِنْ فِي تَدْبِيرِهِ

(9/156)


وَوَصِيَّتِهِ خِلَافٌ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ وَالْأَصَحُّ بُطْلَانُهُمَا أَيْضًا وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كُلِّهِ أَذِنَ الْوَلِيُّ أَمْ لَا لِأَنَّ عِبَارَتَهُ مُلْغَاةٌ فَلَا أَثَرَ لاذن الولى كما لو اذن لمجنون أما إذَا فَتَحَ الصَّبِيُّ بَابًا وَأَخْبَرَ بِإِذْنِ أَهْلِ الدَّارِ فِي الدُّخُولِ أَوْ أَوْصَلَ هَدِيَّةً وَأَخْبَرَ عَنْ إهْدَاءِ مُهْدِيهَا فَقَالَ أَصْحَابُنَا إنْ انْضَمَّتْ إلَى ذَلِكَ قَرَائِنُ تُحَصِّلُ الْعِلْمَ بِذَلِكَ جَازَ الدُّخُولُ وَقَبُولُ الْهَدِيَّةِ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ عَمَلٌ بِالْعِلْمِ لَا بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَنْضَمَّ نُظِرَ إنْ كَانَ غَيْرَ مَأْمُونِ الْقَوْلِ لَمْ يجر اعْتِمَادُ قَوْلِهِ بِلَا خِلَافٍ وَإِلَّا فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْقَطْعُ بِجَوَازِ الِاعْتِمَادِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ وَآخَرُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ لِإِطْبَاقِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى فِعْلِ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ وَلِحُصُولِ الظَّنِّ بِصِدْقِهِ فِي الْعَادَةِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) حَكَاهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَآخَرُونَ فِيهِ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِي قَبُولِ رِوَايَتِهِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
إذَا سَمِعَ الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ حَدِيثًا فَهَلْ يَصِحُّ تَحَمُّلُهُ وَتُقْبَلُ رِوَايَتُهُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أحدها) لَا تُقْبَلُ مُطْلَقًا لَا قَبْلَ بُلُوغِهِ وَلَا بَعْدَهُ لِضَعْفِ ضَبْطِهِ كَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَغَيْرُهُ
(وَالثَّانِي)
تَصِحُّ رِوَايَتُهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَبَعْدَهُ كَمَا حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَسَائِرِ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ غَيْرِهِمْ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَاحْتُمِلَ فِيهَا أَشْيَاءُ لَا تُحْتَمَلُ فِي غَيْرِهَا كَاعْتِمَادِهِ عَلَى خَطِّهِ وَكَوْنِهَا لَا تُرَدُّ بِالتُّهْمَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمُسَامَحَةِ (وَالثَّالِثُ) أَنَّهَا تُقْبَلُ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَلَا تُقْبَلُ قَبْلَهُ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ بَلْ هُوَ الصَّوَابُ وَمَا سِوَاهُ بَاطِلٌ وَمِمَّا يَرُدُّ الْأَوَّلَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى قَبُولِ رِوَايَاتِ صِغَارِ الصَّحَابَةِ مَا تَحَمَّلُوهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَرَوَوْهُ بَعْدَهُ كَابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَابْنِ جَعْفَرٍ وَالنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ وَخَلَائِقَ لَا يُحْصَوْنَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ
*
(فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا كَمَا لَا تَصِحُّ مِنْ الصَّبِيِّ تَصَرُّفَاتُهُ الْقَوْلِيَّةُ لَا يَصِحُّ قَبْضُهُ فِي تِلْكَ التَّصَرُّفَاتِ فَلَوْ اتَّهَبَ لَهُ الْوَلِيُّ شَيْئًا وَقَبِلَهُ ثُمَّ قَبَضَهُ الصَّبِيُّ بِإِذْنِ الْوَاهِبِ لَمْ يَصِحَّ قَبْضُهُ وَلَا يَحْصُلُ لَهُ الْمِلْكُ فِيهِ بِهَذَا الْقَبْضِ وَلَوْ وُهِبَ لَأَجْنَبِيٍّ وَأَذِنَ الْمَوْهُوبُ لَهُ لِلصَّبِيِّ أَنْ يَقْبِضَهُ لَهُ وَأَذِنَ لَهُ الْوَاهِبُ فِي الْقَبْضِ فَقَبَضَهُ لَمْ يَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ قَالَ مُسْتَحِقُّ الدَّيْنِ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ سَلِّمْ حَقِّي إلَى هَذَا الصَّبِيِّ فَسَلَّمَ قَدْرَ حَقِّهِ إلَى

(9/157)


الصَّبِيِّ لَمْ يَبْرَأْ مِنْ الدَّيْنِ بِلَا خِلَافٍ بَلْ يَكُونُ مَا سَلَّمَهُ بَاقِيًا عَلَى مِلْكِهِ حَتَّى لَوْ ضَاعَ ضَاعَ عَلَى الدَّافِعِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الصَّبِيِّ لِأَنَّ الدَّافِعَ ضَيَّعَهُ بِتَسْلِيمِهِ وَيَبْقَى الدَّيْنُ عَلَى حَالِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا لِأَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِقَبْضٍ صَحِيحٍ وَلَا يَزُولُ الدَّيْنُ عَنْ الذِّمَّةِ كَمَا لَوْ قَالَ صَاحِبُ الدَّيْنِ لِلْمَدِينِ أَلْقِ حَقِّي فِي الْبَحْرِ فَأَلْقَى قَدْرَ حَقِّهِ لَا يَبْرَأُ بِلَا خِلَافٍ وَمَا يَتْلَفُ مِنْ ضَمَانِ الْمُلْقِي قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ قَالَ مَالِكُ الْوَدِيعَةِ لِلْمُودِعِ سَلِّمْ وَدِيعَتِي إلَى هَذَا الصَّبِيِّ فَسَلَّمَ إلَيْهِ خَرَجَ مِنْ الْعُهْدَةِ لِأَنَّهُ امْتَثَلَ أَمَرَهُ فِي حَقِّهِ الْمُعَيَّنِ كَمَا لَوْ قَالَ أَلْقِهَا فِي الْبَحْرِ فَأَلْقَاهَا فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ أَذِنَ فِي إتْلَافِهَا قَالَ أَصْحَابُنَا فَلَوْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ لِصَبِيٍّ فَسَلَّمَهَا إلَى الصَّبِيِّ ضَمِنَ سَوَاءٌ كَانَ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ لانه ليس للمودع تضعييها وَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ فِيهِ هَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ هَذَا الْفَرْعَ عَنْ الْأَصْحَابِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي بَيْعِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ سَوَاءٌ أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ أَمْ لَا وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ
* وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وأحمد واسحق يَصِحُّ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ
* وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَةٌ أَنَّهُ يَجُوزُ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَيَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَجَازَ أحمد واسحق بيعه وشراءه في الشئ الْيَسِيرِ يَعْنِي بِلَا إذْنٍ
* دَلِيلُنَا مَا ذَكَرَهُ المصنف
*
* قال المصنف رحمه الله
* (فأما المكره فان كان بغير حق لم يصح بيعه لقوله تَعَالَى (لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) فدل على أنه إذا لم يكن عن تراض لم يحل الاكل وروي أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (انما البيع عن تراض) فدل على أنه لا بيع عن غير تراض ولانه قول أكره عليه بغير حق فلم يصح ككلمة الكفر إذا أكره عليها
المسلم وان كان بحق صح لانه قول حمل عليه بحق فصح ككلمة الاسلام إذا أكره عليها الحربى)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ هَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَهُوَ حَدِيثٌ طَوِيلٌ وَرَوَى أَبُو سَعِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (لَأَلْقَيَنَّ اللَّهَ مِنْ قَبْلِ أَنْ أُعْطِيَ أَحَدًا مِنْ مَالِ أَحَدٍ شَيْئًا بِغَيْرِ

(9/158)


طِيبِ نَفْسِهِ إنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ) وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ قَوْلٌ أُكْرِهَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ احْتَرَزَ بِالْقَوْلِ عَنْ الْفِعْلِ بِأَنْ أُكْرِهَتْ عَلَى الْإِرْضَاعِ أَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْحَدَثِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ حُكْمُهُمَا وَكَذَا الْإِكْرَاهُ عَلَى الْقَتْلِ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ عَنْ الْإِكْرَاهِ بِحَقٍّ كَإِكْرَاهِ الْحَرْبِيِّ عَلَى الْإِسْلَامِ وَإِكْرَاهِ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُتَمَكِّنٌ فِي الْبَيْعِ فِي أَدَائِهِ
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا الْمُكْرَهُ عَلَى الْبَيْعِ إنْ كَانَ إكْرَاهُهُ بِغَيْرِ حَقٍّ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ كَانَ بِحَقٍّ صَحَّ وَصُورَةُ الْإِكْرَاهِ بِحَقٍّ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَمَعَهُ مَتَاعٌ يُمْكِنُهُ بَيْعُهُ فِيهِ فَيَمْتَنِعُ مِنْ بَيْعِهِ بَعْدَ امْتِنَاعِ الْمَالِكِ مِنْ الْوَفَاءِ وَالْبَيْعِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِ التَّفْلِيسِ وَالْأَصْحَابُ الْقَاضِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ بَاعَ مَالَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِوَفَاءِ الدَّيْنِ وَإِنْ شَاءَ أَكْرَهَهُ عَلَى بَيْعِهِ وَعَزَّرَهُ بِالْحَبْسِ وَغَيْرِهِ حَتَّى يَبِيعَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا التَّصَرُّفَاتُ الْقَوْلِيَّةُ الَّتِي يُكْرَهُ عَلَيْهَا بِغَيْرِ حَقٍّ بَاطِلَةٌ سَوَاءٌ الرِّدَّةُ وَالْبَيْعُ وَالْإِجَارَةُ وَسَائِرُ الْمُعَامَلَاتِ وَالنِّكَاحُ وَالْخُلْعُ وَالطَّلَاقُ وَالْإِعْتَاقُ وَغَيْرُهَا (وَأَمَّا) مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ بِحَقٍّ فَهُوَ صَحِيحٌ قَالُوا فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُرْتَدَّ وَالْحَرْبِيَّ إذَا أُكْرِهَا عَلَى الْإِسْلَامِ صَحَّ إسْلَامُهُمَا لِأَنَّهُ إكْرَاهٌ بِحَقٍّ وَكَذَا الْمُكْرَهُ عَلَى الْبَيْعِ بِحَقٍّ يَصِحُّ بَيْعُهُ كَمَا سَبَقَ (وَأَمَّا) الذِّمِّيُّ إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْإِسْلَامِ فَهُوَ إكْرَاهٌ بِغَيْرِ حَقٍّ لِأَنَّا شَرَطْنَا فِي الذِّمَّةِ أَنْ نُقِرَّهُ عَلَى دِينِهِ فَإِذَا أُكْرِهَ فَهَلْ يَصِحُّ إسْلَامُهُ فِيهِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَصِحُّ وَجْهًا وَاحِدًا وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ المصنف هنا وآخرون (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ في كتاب الطلاق وفى كتاب الكفارات وحكاهما الْغَزَالِيُّ فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ لَكِنَّهُ حَكَاهُمَا فِي الْكَفَّارَاتِ قَوْلَيْنِ وَهُوَ شَاذٌّ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُمَا وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لَا يَصِحُّ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْمَصِيرُ إلَى صِحَّتِهِ مَعَ أَنَّ إكْرَاهَهُ غَيْرُ سَائِغٍ وَإِنْ صَحَّ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي إكْرَاهِ الْحَرْبِيِّ لِكَوْنِهِ إكْرَاهًا بِحَقٍّ لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ فِي الذِّمِّيِّ لِأَنَّ إكْرَاهَهُ مَمْنُوعٌ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إذَا أُكْرِهَ
الْحَرْبِيُّ عَلَى الْإِسْلَامِ فَنَطَقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ تَحْتَ السَّيْفِ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ اتَّفَقَتْ الطُّرُقُ عَلَى هَذَا مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْغُمُوضِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى لِأَنَّ كَلِمَتَيْ الشَّهَادَتَيْنِ نَازِلَتَانِ فِي الْإِعْرَابِ عَنْ الضَّمِيرِ مَنْزِلَةَ الْإِقْرَارِ

(9/159)


والظاهر ممن يقولها تَحْتَ السَّيْفِ أَنَّهُ كَاذِبٌ فِي إخْبَارِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* وَأَمَّا الْمَوْلَى بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَإِذَا طَلَّقَ بِإِكْرَاهِ الْقَاضِي لَهُ نَفَذَ طَلَاقُهُ لانه إكراه بحق أو لانه لَيْسَ بِحَقِيقَةِ إكْرَاهٍ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ الطَّلَاقُ بَلْ يَلْزَمُهُ بِالْفَيْئَةِ أَوْ الطَّلَاقِ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ هَذَا إذَا أَكْرَهَهُ عَلَى طَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ أَكْرَهَهُ عَلَى ثَلَاثِ طَلْقَاتٍ فَهُوَ ظَالِمٌ لَهُ فَإِذَا تَلَفَّظَ بِهَا (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَنْعَزِلُ الْقَاضِي بِالْفِسْقِ وَقَعَتْ طَلْقَةٌ وَلَغَتْ الزيادة (وإن قلنا) ينعزل لم يقع شئ كَمَا لَوْ أَكْرَهَهُ غَيْرُهُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ الْإِكْرَاهُ يُسْقِطُ أَثَرَ التَّصَرُّفَاتِ عندنا الا في خمسة مواضع (احداها) الْإِسْلَامُ فَيَصِحُّ إسْلَامُ الْحَرْبِيِّ الْمُكْرَهِ وَلَا يَصِحُّ إكْرَاهُ الذِّمِّيِّ عَلَى الْأَصَحِّ (الثَّانِي) الْإِرْضَاعُ فَإِذَا أُكْرِهَتْ عَلَيْهِ ثَبَتَ حُكْمُهُ لِأَنَّهُ مَنُوطٌ بِوُصُولِ اللَّبَنِ إلَى الْجَوْفِ لَا بِالْقَصْدِ (الثَّالِثُ) الْقَتْلُ فإذا أكره عَلَيْهِ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ (الرَّابِعُ) الزِّنَا فَإِذَا أُكْرِهَ الرَّجُلُ عَلَيْهِ لَزِمَهُ الْحَدُّ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَمَأْخَذُ الْوَجْهَيْنِ التَّرَدُّدُ فِي تَصَوُّرِ الْإِكْرَاهِ (الْخَامِسُ) إذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى دُخُولِ الدَّارِ فَأُكْرِهَ عَلَيْهِ وَقَعَ طَلَاقُهُ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَالْأَصَحُّ لَا يَقَعُ وَأَنَّهُ لَا يُحَدُّ الْمُكْرَهُ عَلَى الزِّنَا قَالَ وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي التَّحْقِيقِ يَرْجِعُ إلَى الْإِسْلَامِ فَحَسْبُ وَإِلَى الْقَتْلِ عَلَى قَوْلٍ (وَأَمَّا) مَا عَدَاهُ فَسَبَبُهُ عَدَمُ تَصَوُّرِ الْإِكْرَاهِ وَعَدَمُ اشْتِرَاطِ الْقَصْدِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ (وَقَوْلُهُ) إنَّهُ إنَّمَا يَسْتَثْنِي هَذِهِ الْخَمْسَةَ يَرِدُ عَلَيْهِ مَسَائِلُ (مِنْهَا) إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْأَكْلِ فِي الصَّوْمِ فَفِي فِطْرِهِ قَوْلَانِ سبقا في موضعهما الْأَصَحُّ لَا يُفْطِرُ (وَمِنْهَا) إذَا أُكْرِهَ الْمُصَلِّي عَلَى الْكَلَامِ فَتَكَلَّمَ فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ (وَأَصَحُّهُمَا) تَبْطُلُ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي مَوْضِعِهِ (وَمِنْهَا) إذَا أُكْرِهَ الْمُصَلِّي حَتَّى فَعَلَ أَفْعَالًا كَثِيرَةً بَطَلَتْ صَلَاتُهُ قَطْعًا (وَمِنْهَا) لَوْ أُكْرِهَ عَلَى التَّحَوُّلِ عَنْ الْقِبْلَةِ أَوْ عَلَى تَرْكِ الْقِيَامِ فِي الفريضة مع القدرة فصلى قاعد الزمه الْإِعَادَةُ لِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ
* (فَرْعٌ)
الْمُصَادَرُ مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ يَظْلِمُهُ بِطَلَبِ مَالٍ وَقَهْرِهِ عَلَى إحْضَارِهِ إذَا بَاعَ
مَالَهُ لِيَدْفَعَهُ إلَيْهِ لِلضَّرُورَةِ وَالْأَذَى الَّذِي يَنَالُهُ هَلْ يَصِحُّ بَيْعُهُ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَآخَرُونَ وَقَدْ سَبَقَا فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ فِي مَسَائِلِ أَكْلِ الْمُضْطَرِّ مَالَ الْأَجْنَبِيِّ
(أَحَدُهُمَا)

(9/160)


لَا يَصِحُّ كَالْمُكْرَهِ (وَأَصَحُّهُمَا) يَصِحُّ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْمَرُّوذِيُّ لِأَنَّهُ لَا إكْرَاهَ عَلَى نَفْسِ الْبَيْعِ وَمَقْصُودُ الظَّالِمِ تَحْصِيلُ الْمَالِ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُكْرَهَ بِغَيْرِ حَقٍّ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَصِحُّ وَيَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ فِي حَالِ اخْتِيَارِهِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بما ذكره المصنف وَبِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ فَهَذَا مَعَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي دَلِيلِ الْمَسْأَلَةِ
* وَقَدْ احْتَجَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِأَشْيَاءَ لَا يُحْتَجُّ بِهَا (مِنْهَا) مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ قَالَ خَطَبَنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْمُضْطَرِّ وَبَيْعِ الْغَرَرِ وَبَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ أَنْ تُدْرَكَ) وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ (سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ عَضُوضٌ يَعَضُّ الْمُوسِرُ عَلَى مَا فِي يَدَيْهِ وَلَمْ يُؤْمَرْ بِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ (وَلا تنسوا الفضل بينكم) وشهد الاسرار وَيُسْتَذَلُّ الْأَخْيَارُ وَمَا يُمْنَعُ الْمُضْطَرُّونَ وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بَيْعِ الْمُضْطَرِّ وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ وَعَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ أَنْ تُطْعِمَ) وَهَذَا الْإِسْنَادُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ هَذَا الشَّيْخَ مَجْهُولٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ أَوْجُهٍ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَكُلُّهَا غَيْرُ قَوِيَّةٍ (وَمِنْهَا) مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يركبن رجلا بَحْرًا إلَّا غَازِيًا أَوْ مُعْتَمِرًا أَوْ حَاجًّا فَإِنَّ تَحْتَ الْبَحْرِ نَارًا وَتَحْتَ النَّارِ بَحْرًا وَتَحْتَ الْبَحْرِ نَارًا وَلَا يُشْتَرَى مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ فِي ضَغْطَةٍ) .
قَالَ الْبُخَارِيُّ لَا يَصِحُّ هَذَا الْحَدِيثُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ فِي تَفْسِيرِ حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ بَيْعَ الْمُضْطَرِّ يَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنْ يُضْطَرَّ إلَى الْعَقْدِ مِنْ طَرِيقِ الْإِكْرَاهِ عَلَيْهِ فَلَا يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ
(وَالثَّانِي)
أَنْ يُضْطَرَّ إلَى الْبَيْعِ لِدَيْنٍ أَوْ مُؤْنَةٍ تُرْهِقُهُ فَيَبِيعُ مَا فِي يَدِهِ فَالْوَكْسُ مِنْ أَجْلِ الضَّرُورَةِ فَسَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ الْمُرُوءَةُ
أَنْ لَا يُتْرَكَ حَتَّى يَبِيعَ مَالَهُ وَلَكِنْ يُعَانُ وَيُقْرَضُ وَيُسْتَمْهَلُ لَهُ إلَى الْمَيْسَرَةِ حَتَّى يَكُونَ لَهُ فِيهِ بَلَاغٌ فَإِنْ عَقَدَ

(9/161)


الْبَيْعَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ صَحَّ وَلَمْ يُفْسَخْ ولكن كرهه عامة أهل العلم.
هذا الفظ الخطابى رضى الله عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ
* (ولا ينعقد البيع إلا بالايجاب والقبول فاما المعاطاة فلا ينعقد بها البيع لان اسم البيع لا يقع عليه والايجاب أن يقول بعتك أو ملكتك أو ما أشبههما والقبول أن يقول قبلت أو ابتعت أو ما أشبههما فان قال المشترى بعني فقال البائع بعتك انعقد البيع لان ذلك يتضمن الايجاب والقبول وان كتب رجل الي رجل ببيع سلعة ففيه وجهان
(أحدهما)
ينعقد البيع لانه موضع ضرورة
(والثانى)
لا ينعقد وهو الصحيح فانه قادر على النطق فلا ينعقد البيع بغيره وقول القائل الاول أنه موضع ضرورة لا يصح لانه يمكنه أن يوكل من يبيعه بالقول)
* (الشَّرْحُ) فِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ إلَّا بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَلَا تَصِحُّ الْمُعَاطَاةُ فِي قَلِيلٍ وَلَا كَثِيرٍ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ مَشْهُورٌ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ بِالْمُعَاطَاةِ خَرَّجَهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْهَدْيِ إذَا قَلَّدَهُ صَاحِبُهُ فَهَلْ يَصِيرُ بِالتَّقْلِيدِ هَدْيًا مَنْذُورًا فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (الصَّحِيحُ) الْجَدِيدُ لَا يَصِيرُ (وَالْقَدِيمُ) أَنَّهُ يَصِيرُ وَيُقَامُ الْفِعْلُ مَقَامَ الْقَوْلِ فَخَرَّجَ ابْنُ سُرَيْجٍ مِنْ ذَلِكَ الْقَوْلِ وَجْهًا فِي صِحَّةِ البيع بالمعاطاة
* ثُمَّ إنَّ الْغَزَالِيَّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبَ الْعُدَّةِ وَالرَّافِعِيَّ وَالْجُمْهُورَ نَقَلُوا عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ تَجُوزُ الْمُعَاطَاةُ فِي الْمُحَقَّرَاتِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ جَوَّزَهَا فِي الْمُحَقَّرَاتِ دُونَ الْأَشْيَاءِ النَّفِيسَةِ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَنَقَلَ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ جَوَّزَهَا وَلَمْ يُقَيِّدْ الْإِمَامُ فِي نَقْلِهِ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ بِالْمُحَقَّرَاتِ كَمَا قَيَّدَ فِي نَقْلِهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ ذَلِكَ وَاكْتَفَى بِالتَّقْيِيدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَدْ أَنْكَرَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ عَلَى الْغَزَالِيِّ كَوْنَهُ حَكَى عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ تَجْوِيزَهَا فِي الْمُحَقَّرَاتِ وَقَالَ لَيْسَتْ مُخْتَصَّةً عِنْدَ ابْنِ سُرَيْجٍ بِالْمُحَقَّرَاتِ وَهَذَا الْإِنْكَارُ عَلَى الْغَزَالِيِّ غَيْرُ مَقْبُولٍ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ التَّخْصِيصُ بِالْمُحَقَّرَاتِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَاخْتَارَ جَمَاعَاتٌ مِنْ أَصْحَابِنَا جَوَازَ الْبَيْعِ بالمعاطاة فيما يعد بيعا وقال مالك كلما عَدَّهُ النَّاسُ بَيْعًا فَهُوَ بَيْعٌ وَمِمَّنْ اخْتَارَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْمُعَاطَاةَ فِيمَا يُعَدُّ بَيْعًا
صَحِيحَةٌ وَأَنَّ مَا عَدَّهُ النَّاسُ بَيْعًا فَهُوَ بَيْعٌ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَكَانَ الرويانى

(9/162)


يُفْتِي بِهِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى وَكَذَا قَالَهُ آخَرُونَ وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَلَّ الْبَيْعَ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الشَّرْعِ لَفْظٌ لَهُ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى العرف فكلما عَدَّهُ النَّاسُ بَيْعًا كَانَ بَيْعًا كَمَا فِي الْقَبْضِ وَالْحِرْزِ وَإِحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُطْلَقَةِ فَإِنَّهَا كُلَّهَا تُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِ وَلَفْظَةُ الْبَيْعِ مَشْهُورَةٌ وَقَدْ اشْتَهَرَتْ الْأَحَادِيثُ بِالْبَيْعِ من النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي زَمَنِهِ وَبَعْدَهُ وَلَمْ يَثْبُتْ في شئ مِنْهَا مَعَ كَثْرَتِهَا اشْتِرَاطُ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَاَللَّهُ أعلم
* وأحسن من هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَأَوْضَحَهَا الْمُتَوَلِّي فَقَالَ الْمُعَاطَاةُ الَّتِي جَرَتْ بِهَا الْعَادَةُ بِأَنْ يَزِنَ النَّقْدَ وَيَأْخُذَ الْمَتَاعَ مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ وَلَا قَبُولٍ لَيْسَتْ بَيْعًا عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ كُلُّ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ فِيهِ بِالْمُعَاطَاةِ وَعَدَّهُ بَيْعًا فَهُوَ بَيْعٌ وَمَا لَمْ تَجْرِ فِيهِ الْعَادَةُ بِالْمُعَاطَاةِ كَالْجَوَارِي وَالدَّوَابِّ وَالْعَقَارِ لَا يَكُونُ بَيْعًا قَالَ وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى
* وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ المعاطاة بيع في المحقرات فاما النفيس فلابد فِيهِ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ الْقِيَاسُ عَلَى النِّكَاحِ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِاللَّفْظِ وَقِيَاسًا عَلَى الْعَقَارِ وَالنَّفَائِسِ وَوَجْهُ طَرِيقَةِ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّ الْبَيْعَ كَانَ مَعْهُودًا قَبْلَ وُرُودِ الشرع فورد ولم يغير حقيقته بَلْ عَلَّقَ بِهِ أَحْكَامًا فَوَجَبَ الرُّجُوعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ وَكُلُّ مَا كَانَ عَدُّوهُ بَيْعًا جَعَلْنَاهُ بَيْعًا كَمَا يُرْجَعُ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَالْحِرْزِ وَالْقَبْضِ إلَى الْعُرْفِ قَالَ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ لَفْظُ التَّبَايُعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
صُورَةُ الْمُعَاطَاةِ الَّتِي فِيهَا الْخِلَافُ السَّابِقُ أَنْ يُعْطِيَهُ دِرْهَمًا أَوْ غَيْرَهُ وَيَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا فِي مقابلته وَلَا يُوجَدُ لَفْظٌ أَوْ يُوجَدُ لَفْظٌ مِنْ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَإِذَا ظَهَرَ وَالْقَرِينَةُ وُجُودُ الرِّضَى مِنْ الْجَانِبَيْنِ حَصَلَتْ الْمُعَاطَاةُ وَجَرَى فِيهَا الْخِلَافُ وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا التَّصْوِيرِ الْمُتَوَلِّي كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ وَكَذَا صَرَّحَ بِهِ آخَرُونَ قَالَ الشيخ أبو عمر وبن الصَّلَاحِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَا وُجِدَ مِنْ بَعْضِ أَئِمَّتِنَا فِي تَصْوِيرِهَا مِنْ ذِكْرِ لَفْظٍ كقوله خذ واعطى فَهُوَ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْقَرِينَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا لَمْ يَنْوِ الْبَيْعَ بِهَذَا اللَّفْظِ الَّذِي قُرِنَ بِالْعَطِيَّةِ فَإِنْ نَوَاهُ بِهِ فَهِيَ مَسْأَلَةُ الْبَيْعِ بِالْكِنَايَةِ وَفِي صِحَّتِهِ بِالْكِنَايَةِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ مَعَ قَوْلِنَا لَا يَنْعَقِدُ بِالْمُعَاطَاةِ هَذَا كَلَامُ أَبِي عَمْرٍو
* فَأَمَّا إذَا أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا وَلَمْ يُعْطِهِ شَيْئًا وَلَمْ يَتَلَفَّظَا بِبَيْعٍ بَلْ نَوَيَا أَخْذَهُ بِثَمَنِهِ الْمُعْتَادِ كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ الناس

(9/163)


فَهَذَا بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ لَفْظِيٍّ وَلَا مُعَاطَاةٍ وَلَا يُعَدُّ بَيْعًا فَهُوَ بَاطِلٌ وَلْنَعْلَمْ هَذَا وَلْنَحْتَرِزْ مِنْهُ وَلَا نَغْتَرُّ بِكَثْرَةِ مَنْ يَفْعَلُهُ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يَأْخُذُ الْحَوَائِجَ مِنْ الْبَيَّاعِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ مِنْ غَيْرِ مُبَايَعَةٍ وَلَا مُعَاطَاةٍ ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ يُحَاسِبُهُ وَيُعْطِيهِ الْعِوَضَ وَهَذَا بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
الرُّجُوعُ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَالْمُحَقَّرِ وَالنَّفِيسِ إلَى الْعُرْفِ فَمَا عَدُّوهُ مِنْ الْمُحَقَّرَاتِ وَعَدُّوهُ بَيْعًا فَهُوَ بَيْعٌ وَإِلَّا فَلَا
* هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ تَفْرِيعًا عَلَى صِحَّةِ الْمُعَاطَاةِ
* وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّ الْمُحَقَّرَ دُونَ نِصَابِ السَّرِقَةِ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ بَلْ الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِذَلِكَ بَلْ يَتَجَاوَزُهُ إلَى مَا يَعُدُّهُ أَهْلُ الْعُرْفِ بَيْعًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا قُلْنَا بِالْمَشْهُورِ إنَّ الْمُعَاطَاةَ لَا يَصِحُّ بِهَا الْبَيْعُ فَفِي حُكْمِ الْمَأْخُوذِ بِهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ مَجْمُوعَةً وَحَكَاهَا مُتَفَرِّقَةً آخَرُونَ (أَصَحُّهَا) عِنْدَهُمْ لَهُ حُكْمُ الْمَقْبُوضِ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ فَيُطَالِبُ كُلَّ وَاحِدٍ منهما صاحبه بما دفعه إليه ان كان باقيا أو بدله إن كان تالفا ويجب على كُلَّ وَاحِدٍ رَدَّ مَا قَبَضَهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا وَإِلَّا فَرَدُّ بَدَلِهِ فَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ الَّذِي قَبَضَهُ الْبَائِعُ مِثْلَ الْقِيمَةِ فَقَدْ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ هَذَا مُسْتَحِقٌّ ظَفَرَ بِمِثْلِ حَقِّهِ وَالْمَالِكُ رَاضٍ فَلَهُ تَمَلُّكُهُ لَا مَحَالَةَ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يَجِبُ رَدُّهَا مُطْلَقًا (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ هَذَا إبَاحَةٌ لَازِمَةٌ لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَحَكَاهُ عَنْهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ قَالَ وَأَوْرَدْتُ عَلَيْهِ وَأَجَابَ فَأَوْرَدْتُ عَلَى جَوَابِهِ وَذَكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ وَحَاصِلُهُ تَضْعِيفُ هَذَا الْوَجْهِ بِمَا ضَعَّفَهُ بِهِ هُوَ وَالْمُتَوَلِّي وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ أَتْلَفَ أَحَدُهُمَا مَا أَخَذَهُ وَبَقِيَ مَعَ الْآخَرِ مَا أَخَذَهُ لَمْ يَكُنْ لِمَنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْبَاقِيَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَغْرَمَ لَهُ بَدَلَ مَا تَلِفَ عِنْدَهُ وَلَوْ كَانَ هَذَا إبَاحَةً لَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ كَمَا لَوْ أَبَاحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ طَعَامَهُ وَأَكَلَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَإِنَّ لِلْآكِلِ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ الْإِبَاحَةِ وَيَسْتَرِدَّ طَعَامَهُ بِلَا خِلَافٍ (وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنَّ الْعِوَضَيْنِ يُسْتَرَدَّانِ فَإِنْ تَلِفَا فَلَا مُطَالَبَةَ لِأَحَدِهِمَا وَيَسْقُطُ عَنْهُمَا الضَّمَانُ وَيُتَرَادُّ مِنْهُمَا بِالتَّرَاضِي السَّابِقِ وَهَذَا قَوْلُ الشيخ أبى حامد الاسفراينى وَأَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ وَأَوْرَدُوا عَلَيْهِ سَائِرَ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ فَإِنَّهُ لَا يَرَاهُ فِيهَا وَإِنْ وُجِدَ الرِّضَى قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلِأَنَّ إسْقَاطَ الْحُقُوقِ طَرِيقُهُ اللَّفْظُ كالعفو عن

(9/164)


الْقِصَاصِ وَالْإِبْرَاءِ عَنْ الدُّيُونِ فَإِنْ أَقَمْنَا التَّرَاضِيَ مَقَامَ اللَّفْظِ فِي الْإِسْقَاطِ وَجَبَ أَنْ نُقِيمَهُ مَقَامَهُ فِي انْعِقَادِ الْعَقْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرَ أَبُو سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَصْرُونٍ تَفْرِيعًا عَلَى الْمَشْهُورِ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَصِحُّ بِالْمُعَاطَاةِ أَنَّهُ لَا مُطَالَبَةَ بَيْنَ النَّاسِ فِيهَا فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ لِوُجُودِ طِيبِ النَّفْسِ بِهَا وَوُقُوعِ الِاخْتِلَافِ فِيهَا هَذَا لَفْظُهُ فِي كِتَابِهِ الِانْتِصَارِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ وَالثَّانِي وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ لَا مُطَالَبَةَ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ بِهَا فِي الدَّارِ الآخرة وان كانت المطالبة ثابة فِي الدُّنْيَا عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الْمُعَاطَاةِ فِي الْبَيْعِ يَجْرِي فِي الْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهَا هَكَذَا ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ (وَأَمَّا) الْهَدِيَّةُ وَصَدَقَةُ التَّطَوُّعِ فَفِيهَا خِلَافٌ مُرَتَّبٌ عَلَى الْبَيْعِ إنْ صَحَّحْنَاهُ بالمعاطاة ولم نشترط فيهما لفظا فهما أَوْلَى بِذَلِكَ وَإِنْ شَرَطْنَا اللَّفْظَ فِي الْبَيْعِ فَفِيهِمَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَذَكَرَهُمَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ
(أَحَدُهُمَا)
وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ اخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ فِي الصَّدَاقِ وَآخَرُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ أَوْ أَكْثَرُهُمْ يَشْتَرِطُ فِيهِمَا الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ كالبيع و (أصحهما) عِنْدَ الْجُمْهُورِ لَا يُشْتَرَطُ وَهُوَ الصَّوَابُ قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْهِبَةِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ قَرَارُ الْمَذْهَبِ وَنَقَلَهُ الْأَثْبَاتُ مِنْ مُتَأَخِّرِي الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَاعْتَمَدَهُ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ
* وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الْهَدَايَا كَانَتْ تُحْمَلُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيأخدها وَلَا لَفْظَ هُنَاكَ وَعَلَى ذَلِكَ جَرَى النَّاسُ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ وَلِهَذَا كَانُوا يَبْعَثُونَ بِهَا عَلَى أَيْدِي الصِّبْيَانِ الَّذِينَ لَا عِبَارَةَ لَهُمْ قَالَ أَصْحَابُنَا (فَإِنْ قِيلَ) كَانَ هَذَا إبَاحَةً لَا هَدِيَّةً وَتَمْلِيكًا (فَالْجَوَابُ) أَنَّهُ لَوْ كَانَ إبَاحَةً مَا تَصَرَّفُوا فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَا قَبِلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْهَدَايَا كَانَ يَتَصَرَّفُ فِيهِ وَيُمَلِّكُهُ غَيْرَهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ مَنْ اعْتَبَرَ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ عَلَى الْأَمْرِ الْمُشْعِرِ بِالرِّضَا دُونَ اللَّفْظِ وَيُقَالُ الْإِشْعَارُ بِالرِّضَا يَكُونُ لَفْظًا وَيَكُونُ فِعْلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا اشْتَرَطْنَا الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ بِاللَّفْظِ فَالْإِيجَابُ كَقَوْلِ الْبَائِعِ بِعْتُكَ هَذَا أَوْ مَلَّكْتُكَ

(9/165)


وَنَحْوُهُمَا مِنْ الْأَلْفَاظِ وَفِي مَلَّكْتُكَ وَجْهٌ شَاذٌّ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ أَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْهِبَةِ وَادَّعَى الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ الْأَصَحُّ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ الْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ
* وَالْقَبُولُ كَقَوْلِ الْمُشْتَرِي قَبِلْتُ أَوْ ابْتَعْتُ أَوْ اشْتَرَيْتُ أَوْ تَمَلَّكْتُ قَالَ الرافعى ويجئ فِي تَمَلَّكْتُ ذَلِكَ الْوَجْهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ تَقَدَّمَ قَوْلُ الْبَائِعِ أَوْ قَوْلُ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتُ فَقَالَ الْبَائِعُ بَعْدَهُ بِعْتُ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ فِي الْحَالَيْنِ بِلَا خِلَافٍ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ.
قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُشْتَرَطُ اتِّفَاقُ اللَّفْظَيْنِ بَلْ لَوْ قَالَ الْبَائِعُ بِعْتُكَ أَوْ اشْتَرَيْتُ فَقَالَ الْمُشْتَرِي تَمَلَّكْتُ أَوْ قَالَ الْبَائِعُ مَلَّكْتُكَ فَقَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتُ صَحَّ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الْمَعْنَى وَاحِدٌ وَكَذَا فِي النِّكَاحِ لَوْ قَالَ زَوَّجْتُكَ بِنْتِي فَقَالَ قبلت نكاحها أو قال أنكحتكها فَقَالَ قَبِلْتُ تَزْوِيجَهَا صَحَّ النِّكَاحُ بِلَا خِلَافٍ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا كُلُّ تَصَرُّفٍ يَسْتَقِلُّ بِهِ الشَّخْصُ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْإِبْرَاءِ يَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّةِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا يَنْعَقِدُ بِالصَّرِيحِ وَأَمَّا مَا لَا يَسْتَقِلُّ بِهِ بَلْ يَفْتَقِرُ إلَى إيجَابٍ وَقَبُولٍ فَضَرْبَانِ
(أَحَدُهُمَا)
مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِشْهَادُ كَالنِّكَاحِ وَبَيْعِ الْوَكِيلِ إذَا شَرَطَ الْمُوَكِّلُ الْإِشْهَادَ فَهَذَا لَا يَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّةِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الشَّاهِدَ لَا يَعْلَمُ النِّيَّةَ
(وَالثَّانِي)
مَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِشْهَادُ وَهُوَ نَوْعَانِ
(أَحَدُهُمَا)
مَا يَقْبَلُ مَقْصُودُهُ التَّعْلِيقَ بِالْغَرَرِ كَالْكِتَابَةِ وَالْخُلْعِ فَيَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّةِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْكِتَابَةِ الْعِتْقُ وَمَقْصُودَ الْخُلْعِ الطَّلَاقُ وَهُمَا يَصِحَّانِ بِالْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّةِ
(وَالثَّانِي)
مَا لَا يَقْبَلُهُ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْمُسَاقَاةِ وغيرها وفي انقعاد هَذِهِ الْعُقُودِ بِالْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّةِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) الِانْعِقَادُ كَالْخُلْعِ وَلِحُصُولِ التَّرَاضِي مَعَ جَرَيَانِ اللَّفْظِ وَإِرَادَةِ الْمَعْنَى يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ السُّنَّةُ حَدِيثُ جَابِرٍ فِي قِصَّةِ بَيْعِهِ جَمَلَهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ حَدِيثٌ طَوِيلٌ مَشْهُورٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا قَالَ فِيهِ (قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعْنِي جَمَلَكَ فَقُلْتُ إنَّ لِرَجُلٍ عَلَيَّ أُوقِيَّةَ ذَهَبٍ فَهُوَ لَكَ بِهَا قَالَ قَدْ أَخَذْتُهُ بِهِ) هَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَمِثَالُ الْكِنَايَةِ فِي الْبَيْعِ أَنْ يَقُولَ خُذْهُ مِنِّي بِأَلْفٍ أَوْ تَسَلَّمْهُ بِأَلْفٍ أَوْ أَدْخَلْتُهُ فِي مِلْكِي بِأَلْفٍ أَوْ جَعَلْتُهُ لَكَ أَوْ هُوَ لَكَ بِأَلْفٍ وَمَا أَشْبَهَهَا وَلَوْ قَالَ أَبَحْتُهُ لَكَ بِأَلْفٍ فَلَيْسَ بكناية بلا خلاف لانه صريح في الاباحة فَلَا يَكُونُ كِنَايَةً فِي غَيْرِهِ وَلَوْ قَالَ سَلَّطْتُكَ عَلَيْهِ
بِأَلْفٍ فَفِي كَوْنِهِ كِنَايَةً وَجْهَانِ كَقَوْلِهِ أَبَحْتُهُ لَكَ بِأَلْفٍ (وَأَصَحُّهُمَا) يَكُونُ لِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ وَلَيْسَ صَرِيحًا فِي

(9/166)


الْإِبَاحَةِ بِخِلَافِ أَبَحْتُهُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَفِي هَذَا الْخِلَافِ فِي انْعِقَادِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ بِالْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّةِ هُوَ فِيمَا إذَا عُدِمَتْ قَرَائِنُ الْأَحْوَالِ فَإِنْ تَوَفَّرَتْ وَأَفَادَتْ التَّفَاهُمَ وَجَبَ الْقَطْعُ بِالصِّحَّةِ لَكِنَّ النِّكَاحَ لَا يَصِحُّ بِالْكِنَايَةِ وَإِنْ تَوَفَّرَتْ الْقَرَائِنُ (وَأَمَّا) الْبَيْعُ الْمُقَيَّدُ بِالْإِشْهَادِ فَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ الظَّاهِرُ انْعِقَادُهُ عِنْدَ تَوَفُّرِ الْقَرَائِنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْفَتَاوَى لَوْ قَالَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ بِعْنِي فَقَالَ قَدْ بَاعَكَ اللَّهُ أَوْ بَارَكَ اللَّهُ فِيهِ أَوْ قَالَ فِي النِّكَاحِ زَوَّجَكَ اللَّهُ ابْنَتِي أَوْ قَالَ فِي الْإِقَالَةِ قَدْ أَقَالَكَ اللَّهُ أو قد رده الله عليك فَهَذَا كُلُّهُ كِنَايَةٌ فَلَا يَصِحُّ النِّكَاحُ بِكُلِّ حَالٍ وَأَمَّا الْبَيْعُ وَالْإِقَالَةُ فَإِنْ نَوَاهُمَا صَحَّا وَإِلَّا فَلَا وَإِذَا نَوَاهُمَا كَانَ التَّقْدِيرُ قَدْ أَقَالَكَ اللَّهُ لِأَنِّي أَقَلْتُكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا كَتَبَ إلَى غَائِبٍ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا هُوَ مُرَتَّبٌ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ هَلْ يَقَعُ بِالْكَتْبِ مَعَ النِّيَّةِ وَفِيهِ خِلَافٌ الاصح صِحَّتُهُ وَوُقُوعُهُ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَصِحُّ الطَّلَاقُ فَهَذِهِ الْعُقُودُ أَوْلَى أَنْ لَا تَنْعَقِدَ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالصِّحَّةِ فَفِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ الْوَجْهَانِ فِي انْعِقَادِهِ بِالْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّةِ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ لَا يَصِحُّ
(وَالثَّانِي) وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ ونحوه بالمكاتبة لحصول التراضي لاسيما وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الرَّاجِحَ انْعِقَادُهُ بِالْمُعَاطَاةِ وَقَدْ صَرَّحَ الْغَزَالِيُّ فِي الْفَتَاوَى وَالرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ بِتَرْجِيحِ صِحَّةِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ بِالْمُكَاتَبَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا (وَإِنْ قُلْنَا) يَصِحُّ فَشَرْطُهُ أَنْ يَقْبَلَ المكتوب إليه بمجرد اطلاعه على الكتاب هذا هُوَ الْأَصَحُّ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ بَلْ يَكْفِي التَّوَاصُلُ اللَّائِقُ بَيْنَ الكتابين أما إذا تبايعا حَاضِرَانِ بِالْكِتَابَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إنْ مَنَعْنَاهُ فِي الغيبة فههنا أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ وَإِذَا صَحَّحْنَا الْبَيْعَ بِالْمُكَاتَبَةِ جَازَ الْقَبُولُ بِالْكَتْبِ وَبِاللَّفْظِ ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَحُكْمُ الْكَتْبِ عَلَى الْقِرْطَاسِ والرق اللوح وَالْأَرْضِ وَالنَّقْشِ عَلَى الْحَجَرِ وَالْخَشَبِ وَاحِدٌ وَلَا أَثَرَ لِرَسْمِ الْأَحْرُفِ عَلَى الْمَاءِ وَالْهَوَاءِ قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ تَفْرِيعًا عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ بِالْمُكَاتَبَةِ لَوْ قَالَ بِعْتُ دَارِي لِفُلَانٍ وَهُوَ غَائِبٌ فَلَمَّا بَلَغَهُ الْخَبَرُ قَالَ قَبِلْتُ انْعَقَدَ الْبَيْعُ لِأَنَّ النُّطْقَ أَقْوَى مِنْ الْكَتْبِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
أَمَّا النِّكَاحُ فَفِي انْعِقَادِهِ بِالْمُكَاتَبَةِ خِلَافٌ مُرَتَّبٌ عَلَى الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ ذَكَرَهُ إمَامُ

(9/167)


الحرمين والبغوى وآخرون قَالُوا إنْ قُلْنَا لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ فَالنِّكَاحُ أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (وَالْمَذْهَبُ) أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ شَرْطٌ فِيهِ وَلَا اطِّلَاعَ لِلشُّهُودِ عَلَى النِّيَّةِ وَلَوْ قَالَا بَعْدَ الْمُكَاتَبَةِ نَوَيْنَا كَانَتْ شَهَادَةٌ عَلَى إقْرَارِهِمَا لَا عَلَى نَفْسِ الْعَقْدِ فَلَا يَصِحُّ وَمَنْ جَوَّزَهُ اعْتَمَدَ الْحَاجَةَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَحَيْثُ حَكَمْنَا بِانْعِقَادِ النِّكَاحِ بِالْمُكَاتَبَةِ فَلْيَكْتُبْ زَوَّجْتُكَ بِنْتِي وَيَحْضُرُ الْكِتَابَ عَدْلَانِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُحْضِرَهُمَا وَلَا أَنْ يَقُولَ لَهُمَا اشْهَدَا بَلْ لَوْ حَضَرَا بِأَنْفُسِهِمَا كَفَى فَإِذَا بَلَغَ الْكِتَابُ الزَّوْجَ فَلْيَقْبَلْ لَفْظًا وَيَكْتُبُ الْقَبُولَ وَيَحْضُرُ الْقَبُولَ شَاهِدَا الْإِيجَابِ فَإِنْ شَهِدَهُ آخَرَانِ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْهُ شَاهِدٌ لَهُ
(وَالثَّانِي)
الصِّحَّةُ لِأَنَّهُ حَضَرَ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ شَاهِدَانِ وَيُحْتَمَلُ تَغَايُرُهُمَا كَمَا اُحْتُمِلَ الْفَصْلُ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ ثُمَّ إذَا قَبِلَ لَفْظًا أَوْ كِتَابَةً يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ عَلَى الْفَوْرِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ كَمَا سَبَقَ فِي الْبَيْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ لَوْ كَتَبَ إلَيْهِ وَكَّلْتُكَ فِي بَيْعِ كَذَا مِنْ مَالِي أَوْ إعْتَاقِ عَبْدِي فَإِنْ قُلْنَا الْوَكَالَةُ لَا تَفْتَقِرُ إلَى الْقَبُولِ فَهُوَ كَكَتْبِ الطَّلَاقِ وَإِلَّا فَكَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ وَالْمَذْهَبُ الصِّحَّةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْفَتَاوَى إذَا صَحَّحْنَا الْبَيْعَ بِالْمُكَاتَبَةِ فَكَتَبَ إلَيْهِ فَقَبِلَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ ثَبَتَ له خيار المجلس مادام فِي مَجْلِسِ الْقَبُولِ قَالَ وَيَتَمَادَى خِيَارُ الْكَاتِبِ إلَى أَنْ يَنْقَطِعَ خِيَارُ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ حَتَّى لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ الْإِيجَابِ قَبْلَ مُفَارَقَةِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ مَجْلِسَهُ صَحَّ رُجُوعُهُ وَلَمْ يَنْعَقِدْ الْبَيْعُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) لَوْ قَالَ الطَّالِبُ بِعْنِي فَقَالَ بِعْتُكَ إنْ قَالَ بَعْدَهُ اشْتَرَيْتُ أَوْ قَبِلْتُ انْعَقَدَ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ بَعْدَهُ بَلْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ أَوَّلًا بِعْنِي فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ
(أَحَدُهُمَا)
الْقَطْعُ بِالصِّحَّةِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَجُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
(وَالثَّانِي)
فِيهِ وَجْهَانِ وَقِيلَ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الصِّحَّةُ
(وَالثَّانِي)
الْبُطْلَانُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ نَصَّ الشَّافِعِيُّ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَنْعَقِدُ وَنَصَّ مِثْلَهُ فِي النِّكَاحِ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ فَقِيلَ قَوْلَانِ فِيهِمَا بِالنَّقْلِ وَالتَّخْرِيجِ (أَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ فِيهِمَا (وَالثَّانِي) الْبُطْلَانُ فِيهِمَا وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقِيلَ
بِالْفَرْقِ عَلَى ظَاهِرِ النَّصَّيْنِ لِأَنَّ الْبَيْعَ قَدْ يَقَعُ بَغْتَةً فَيَكُونُ قَوْلُهُ بِعْنِي عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِفْهَامِ بِحَذْفِ الهمزة

(9/168)


بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ فِي الْغَالِبِ إلَّا بَعْدَ طَلَبٍ وَمُرَاوَدَةٍ فَلَا يُرَادُ بِهِ الِاسْتِفْهَامُ وَالْمَذْهَبُ الصِّحَّةُ فِيهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَلَوْ قَالَ اشْتَرِ مِنِّي فَقَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتُ فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ أَنَّهُ كَالصُّورَةِ السَّابِقَةِ
(وَالثَّانِي)
لَا يَنْعَقِدُ قَطْعًا أَمَّا إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي أَتَبِيعُنِي عَبْدَكَ بِكَذَا أَوْ قَالَ بِعْتَنِي بِكَذَا فَقَالَ بِعْتُ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ إلَّا أَنْ يَقُولَ بَعْدَهُ اشْتَرَيْتُ وَكَذَا لَوْ قَالَ الْبَائِعُ أَتَشْتَرِي دَارِي أَوْ أَشْتَرَيْتَ مِنِّي فَقَالَ اشْتَرَيْتُ لَا يَنْعَقِدُ بِلَا خِلَافٍ حَتَّى يَقُولَ بَعْدَهُ بِعْتُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ أَنْ لَا يَطُولَ الْفَصْلُ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَأَنْ لَا يَتَخَلَّلَهُمَا أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْعَقْدِ فَإِنْ طَالَ أَوْ تَخَلَّلَ لَمْ يَنْعَقِدْ سَوَاءٌ تَفَرَّقَا مِنْ المجلس أم لَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَضُرُّ الْفَصْلُ الْيَسِيرُ ويضر الطويل وهو ما أشعر بِإِعْرَاضِهِ عَنْ الْقَبُولِ وَلَوْ تَخَلَّلَتْ كَلِمَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ بَطَلَ الْعَقْدُ
* وَلَوْ مَاتَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْإِيجَابِ وَقَبْلَ الْقَبُولِ وَوَارِثُهُ حَاضِرٌ فَقَبِلَ (فَوَجْهَانِ) الصَّحِيحُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ لِعَدَمِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ
(وَالثَّانِي)
الصِّحَّةُ وَبِهِ قَالَ الدَّارِمِيُّ لِأَنَّ الْوَارِثَ كَالْمَيِّتِ وَلِهَذَا يَقُومُ مَقَامَهُ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا وُجِدَ أَحَدُ شِقَّيْ الْعَقْدِ مِنْ أَحَدِهِمَا اُشْتُرِطَ إصْرَارُهُ عَلَيْهِ حَتَّى يُوجَدَ الشِّقُّ الْآخَرُ وَاشْتُرِطَ أَيْضًا بَقَاؤُهُمَا عَلَى أَهْلِيَّةِ الْعَقْدِ فَلَوْ رَجَعَ عَنْهُ قَبْلَ وُجُودِ الشِّقِّ الْآخَرِ أَوْ مَاتَ أَوْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ بَطَلَ الايجاب فلو قَبِلَ الْآخَرُ بَعْدَهُ لَمْ يَصِحَّ وَكَذَا لَوْ أَذِنَتْ الْمَرْأَةُ فِي عَقْدِ نِكَاحِهَا حَيْثُ يُشْتَرَطُ إذْنُهَا ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهَا قَبْلَ الْعَقْدِ بَطَلَ إذْنُهَا وَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي بِعْتُكَ فَمَاتَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبُولِ بَطَلَ الْعَقْدُ فَلَوْ كَانَ وَارِثُهُ حَاضِرًا فَقَبِلَ أَوْ جُنَّ فَقَبِلَ وَلِيُّهُ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي كُلِّ الطُّرُقِ وَحَكَى الرُّويَانِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يَصِحُّ قَبُولُ الْوَارِثِ وَهَذَا شَاذٌّ بَاطِلٌ وَسَنُوَضِّحُ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ انْتِقَالِ خِيَارِ الشَّرْطِ وخيار المجلس إلى الوراث فِي مَسَائِلِ الْخِيَارِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
*
(فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا يُشْتَرَطُ مُوَافَقَةُ الْقَبُولِ الْإِيجَابَ فَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ بِأَلْفٍ صِحَاحٍ فَقَالَ قَبِلْتُ

(9/169)


بِأَلْفٍ قِرَاضَةٍ أَوْ عَكْسِهِ أَوْ قَالَ بِأَلْفٍ حَالٍّ فَقَبِلَ بِمُؤَجَّلٍ أَوْ عَكْسِهِ أَوْ قَالَ بِأَلْفٍ مُؤَجَّلٍ إلَى شَهْرٍ فَقَبِلَ بِمُؤَجَّلٍ إلَى شَهْرَيْنِ أَوْ نِصْفِ شَهْرٍ أَوْ قَالَ بِعْتُكَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَبِلَ بِأَلْفِ دِينَارٍ أَوْ عَكْسِهِ أَوْ قَالَ بِعْتُكَهُ بِأَلْفٍ فَقَالَ قَبِلْتُ نِصْفَهُ بخمسائة لَمْ يَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ قَبُولًا وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذَا بِأَلْفٍ فَقَالَ قبلت نصفه بخمسائة ونصفه بخمسائة قَالَ الْمُتَوَلِّي يَصِحُّ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ فِيهِ نَظَرٌ وَهُوَ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ لَكِنَّ الظَّاهِرَ الصِّحَّةُ وَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ بِعْتُكَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَالَ اشْتَرَيْتُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ صَحَّ الْبَيْعُ قَالَ الرَّافِعِيُّ هَذَا غَرِيبٌ وَهُوَ كَمَا قَالَ وَالظَّاهِرُ هُنَا فَسَادُ الْعَقْدِ لِعَدَمِ الْمُوَافَقَةِ
* (فَرْعٌ)
إذَا قَالَ السِّمْسَارُ الْمُتَوَسِّطُ بَيْنَهُمَا لِلْبَائِعِ بِعْتَ بِكَذَا فَقَالَ نَعَمْ أَوْ بِعْتُ وَقَالَ لِلْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتَ بِكَذَا فَقَالَ نَعَمْ أَوْ اشْتَرَيْتُ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرافعي (أصحهما) عند الرافعى وغيره الانقعاد لِوُجُودِ الصِّيغَةِ وَالتَّرَاضِي
(وَالثَّانِي)
لَا يَنْعَقِدُ لِعَدَمِ تَخَاطُبِهِمَا وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُتَوَلِّي
* (فَرْعٌ)
إذَا قَالَ بِعْتُكَ بِأَلْفٍ فَقَالَ قَبِلْتُ فَقَطْ صَحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ قَبِلْتُ نِكَاحَهَا أَوْ تَزْوِيجَهَا وَالْفَرْقُ الِاحْتِيَاطُ لِلْإِبْضَاعِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذَا بِأَلْفٍ إنْ شِئْتَ فَقَالَ شِئْتُ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ وَصَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ قَالُوا لِأَنَّ لَفْظَ الْمَشِيئَةِ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ التَّمْلِيكِ وَإِنْ قَالَ قَبِلْتُ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الصِّيغَةَ صِيغَةُ تَعْلِيقٍ وَلَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ فَصَارَ كَقَوْلِهِ بِعْتُكَ إنْ دَخَلْتَ الدَّارَ (وَأَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ لِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمُقْتَضَى الْحَالِ فَإِنَّ الْقَبُولَ إلَى مَشِيئَةِ الْقَابِلِ وَبِهَذَا فَارَقَ سَائِرَ أَلْفَاظِ التَّعْلِيقِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا بَاعَ مَالَ نَفْسِهِ لِوَلَدِهِ أَوْ مَالَ وَلَدِهِ لِنَفْسِهِ فَهَلْ يَفْتَقِرُ إلَى صِيغَتَيْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ أَمْ يَكْفِي أَحَدُهُمَا فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (الْأَصَحُّ) يَفْتَقِرُ فَيَقُولُ بِعْتُ مَالَ وَلَدِي بِكَذَا وَاشْتَرَيْتُهُ لَهُ أَوْ قَبِلْتُهُ لَهُ لِتَنْتَظِمَ صُورَةِ الْبَيْعِ
(وَالثَّانِي)
يكفى أحدهما لانه لَمَّا قَامَ الْوَالِدُ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ مَقَامَ
اثْنَيْنِ قَامَ لَفْظُهُ مَقَامَ لَفْظَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*

(9/170)


(فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا يَصِحُّ بَيْعُ الْأَخْرَسِ وَشِرَاؤُهُ بِالْإِشَارَةِ الْمَفْهُومَةِ وَبِالْكِتَابَةِ بِلَا خِلَافٍ لِلضَّرُورَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَصِحُّ بِهِمَا جَمِيعُ عُقُودِهِ وَفُسُوخِهِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالنِّكَاحِ وَالظِّهَارِ وَالرَّجْعَةِ وَالْإِبْرَاءِ وَالْهِبَةِ وَسَائِرِ الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ وَنَحْوِهَا بَلْ قَالُوا إشَارَتُهُ الْمَفْهُومَةُ كَعِبَارَةِ النَّاطِقِ إلَّا فِي صُورَتَيْنِ فِيهِمَا خِلَافٌ وَهُمَا شَهَادَتُهُ وَإِشَارَتُهُ بِالْكَلَامِ فِي صَلَاتِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ شَهَادَتُهُ وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ يُحْتَاطُ لَهَا وَالصَّلَاةُ لَا تَبْطُلُ إلَّا بِكَلَامٍ حَقِيقِيٍّ وَهَذَا مِمَّا يُسْأَلُ عَنْهُ فَيُقَالُ إنْسَانٌ بَاعَ وَهُوَ يُصَلِّي فَيَصِحُّ بَيْعُهُ وَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَهَذِهِ صُورَتُهُ وَيُتَصَوَّرُ أَيْضًا فِيمَنْ بَاعَ فِيهَا بِالْكَلَامِ نَاسِيًا لِلصَّلَاةِ وَلَمْ يُطِلْ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْأَصْحَابُ تَقْدِيمُ الْمُسَاوَمَةِ عَلَى الْبَيْعِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّتِهِ بَلْ لَوْ لَقِيَ رَجُلًا فِي طَرِيقِهِ فَقَالَ بِعْتُكَ هَذَا بِأَلْفٍ فَقَالَ قَبِلْتُ أَوْ اشْتَرَيْتُ صَحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ اللَّفْظَ صَرِيحٌ فِي حُكْمِهِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَرِينَةٍ وَلَا سَابِقَةٍ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا جَمِيعُ مَا سَبَقَ مِنْ صِيغَتَيْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ هُوَ فِيمَا لَيْسَ بِضِمْنِيٍّ مِنْ الْبُيُوعِ فَأَمَّا الْبَيْعُ الضِّمْنِيُّ فِيمَا إذَا قَالَ أَعْتِقْ عَبْدَكَ عَنِّي عَلَى أَلْفٍ فَلَا تُشْتَرَطُ فِيهِ الصِّيَغُ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا بَلْ يَكْفِي فِيهِ الِالْتِمَاسُ وَالْإِعْتَاقُ عَنْهُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي كِتَابِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ وَالْإِجَارَةُ وَنَحْوُهُمَا مِنْ عُقُودِ الْمُعَامَلَاتِ بِالْعَجَمِيَّةِ وسائر اللغات سواء احسن العربية أم لَا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَفَرَّقَ الْمُتَوَلِّي وَالْأَصْحَابُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النِّكَاحِ عَلَى قَوْلِنَا لَا يَنْعَقِدُ بِالْعَجَمِيَّةِ بِأَنَّ فِي النِّكَاحِ مَعْنَى التَّعَبُّدِ وَلِهَذَا اُخْتُصَّ بِلَفْظِ التَّزْوِيجِ وَالْإِنْكَاحِ فَأَشْبَهَ أَلْفَاظَ الْأَذْكَارِ فِي الصَّلَاةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ أَنْ يَذْكُرَ الثَّمَنَ فِي حَالِ الْعَقْدِ فَيَقُولُ بِعْتُكَهُ بِكَذَا فَإِنْ قَالَ بِعْتُكَ هَذَا وَاقْتَصَرَ عَلَى هَذَا فَقَالَ الْمُخَاطَبُ اشْتَرَيْتُ أَوْ قَبِلْتُ لَمْ يَكُنْ هَذَا بَيْعًا بِلَا خِلَافٍ وَلَا
يَحْصُلُ بِهِ الْمِلْكُ لِلْقَابِلِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَقِيلَ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا وَالثَّانِي يَكُونُ هِبَةً

(9/171)


وَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ لَا يَكُونُ تَمْلِيكًا فَقَبَضَهُ الْقَابِلُ كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقِيلَ فِيهِ وَجْهَانِ كَالْهِبَةِ الْفَاسِدَةِ فَإِنَّ فِي المقبوض بها وجهين (احدهما) انه مضمون (واصحهما) لَا وَالصَّحِيحُ هُنَا الضَّمَانُ قَطْعًا
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمُتَوَلِّي لَوْ قَالَ وَهَبْتُ لَكَ هَذَا بِأَلْفٍ أَوْ هَذَا لَكَ هِبَةٌ بِأَلْفٍ فَقَبِلَ هَلْ يَنْعَقِدُ هَذَا الْعَقْدُ هَذَا فِيهِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْعُقُودِ بِظَوَاهِرِهَا أَمْ بِمَعَانِيهَا وَفِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الِاعْتِبَارُ بِظَوَاهِرِهَا لِأَنَّ هَذِهِ الصِّيَغَ مَوْضُوعَةٌ لِإِفَادَةِ الْمَعَانِي وَتَفْهِيمِ الْمُرَادِ مِنْهَا عِنْدَ إطْلَاقِهَا فَلَا تُتْرَكُ ظَوَاهِرُهَا وَلِهَذَا لَوْ اسْتَعْمَلَ لَفْظَ الطَّلَاقِ وَأَرَادَ بِهِ الظِّهَارَ أَوْ عَكْسَهُ تَعَلَّقَ بِاللَّفْظِ دُونَ الْمَنْوِيِّ وَلِأَنَّ اعْتِبَارَ الْمَعْنَى يُؤَدِّي إلَى تَرْكِ اللَّفْظِ وَلِأَنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ أَلْفَاظَ اللُّغَةِ لَا يُعْدَلَ بِهَا عَمَّا وُضِعَتْ لَهُ فِي اللُّغَةِ فَيُطْلَقُ اللَّفْظُ لُغَةً عَلَى مَا وُضِعَ لَهُ فَكَذَا أَلْفَاظُ الْعُقُودِ وَلِأَنَّ الْعُقُودَ تَفْسُدُ بِاقْتِرَانِ شَرْطٍ مُفْسِدٍ فَفَسَادُهَا بِتَغَيُّرِ مُقْتَضَاهَا أَوْلَى (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِمَعَانِيهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَمْرِ الْوُجُوبُ فَإِذَا تَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَيْهِ حَمَلْنَاهُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَأَصْلُ النَّهْيِ التَّحْرِيمُ فَإِذَا تَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَيْهِ حَمَلْنَاهُ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ وَكَذَا هُنَا إذَا تَعَذَّرَ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى مُقْتَضَاهُ يُحْمَلُ عَلَى مَعْنَاهُ وَلِأَنَّ لَفْظَ الْعَقْدِ إذ أَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى وَجْهٍ صَحِيحٍ لَا يَجُوزُ تَعْطِيلُهُ وَلِهَذَا لَوْ بَاعَهُ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَفِي الْبَلَدِ نُقُودٌ أَحَدُهَا غَالِبٌ حَمَلْنَاهُ عَلَى الْغَالِبِ طَلَبًا لِلصِّحَّةِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَسَائِلُ (مِنْهَا) الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى وَهِيَ إذَا قَالَ وَهَبْتُهُ لَكَ بِأَلْفٍ فَإِنْ اعْتَبَرْنَا الْمَعْنَى انْعَقَدَ بَيْعًا وَإِنْ اعْتَبَرْنَا اللَّفْظَ فَسَدَ الْعَقْدُ فَإِذَا حَصَّلَ الْمَالَ فِي يَدِهِ كَانَ مَقْبُوضًا بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ (وَمِنْهَا) لَوْ قَالَ بِعْتُكَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ ثَمَنًا فَإِنْ اعْتَبَرْنَا الْمَعْنَى انْعَقَدَ هِبَةً وَإِلَّا فَبَيْعٌ فَاسِدٌ (وَمِنْهَا) لَوْ قَالَ أَسْلَمْتُ هَذَا الدِّينَارَ أَوْ دِينَارًا فِي هَذَا الثَّوْبِ فَإِنْ اعْتَبَرْنَا الْمَعْنَى انْعَقَدَ بَيْعُ عَيْنٍ وَإِلَّا فَهُوَ سَلَمٌ فَاسِدٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا كَانَ الْعَقْدُ بَيْنَ بَائِعٍ وَوَكِيلِ الْمُشْتَرِي فَلْيَقُلْ الْبَائِعُ لَهُ بِعْتُكَ وَيَقُولُ الْوَكِيلُ اشْتَرَيْتُ وَيَنْوِي مُوَكِّلَهُ فَيَقَعُ الْعَقْدُ لِلْمُوَكِّلِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ فَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ بِعْتُ مُوَكِّلَك فُلَانًا فَقَالَ
الْوَكِيلُ اشْتَرَيْتُ لَهُ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ يَقَعُ الْعَقْدُ لِلْوَكِيلِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْرِ بَيْنَهُمَا تَعَاقُدٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّ

(9/172)


الْوَلِيَّ يَقُولُ لِوَكِيلِ الزَّوْجِ زَوَّجْتُ بِنْتِي فُلَانًا يَعْنِي الزَّوْجَ وَيَقُولُ الْوَكِيلُ قَبِلْتُ نِكَاحَهَا لَهُ فَلَوْ لَمْ يَقُلْ لَهُ فَفِيهِ الْخِلَافُ الْمَشْهُورُ فِيمَا إذَا قَالَ الزَّوْجُ قَبِلْتُ وَلَمْ يَقُلْ نِكَاحَهَا (الْأَصَحُّ) لَا يَصِحُّ فَلَوْ قَالَ الْوَلِيُّ لِلْوَكِيلِ زَوَّجْتُكَ بِنْتِي لَكَ فَقَالَ قَبِلْتُ نِكَاحَهَا لِفُلَانٍ لَمْ يَنْعَقِدْ وَإِنْ قَالَ قَبِلْتُ نِكَاحَهَا وَقَعَ الْعَقْدُ لِلْوَكِيلِ وَلَمْ يَنْصَرِفْ إلَى الْمُوَكِّلِ وَلَوْ جَرَى النِّكَاحُ بَيْنَ وَكِيلَيْنِ فَقَالَ وَكِيلُ الْوَلِيِّ زَوَّجْتُ فُلَانَةَ فُلَانًا فَقَالَ وَكِيلُ الزَّوْجِ قَبِلْتُ نِكَاحَهَا لِفُلَانٍ صَحَّ وَفَرَّقَ الْأَصْحَابُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ بِوَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ الزَّوْجَيْنِ كَالثَّمَنِ كالثمن والمثمن ولابد مِنْ تَسْمِيَتِهِمَا
(وَالثَّانِي)
أَنَّ الْبَيْعَ يَرِدُ عَلَى الْمَالِ وَهُوَ قَابِلٌ لِلنَّقْلِ مِنْ شَخْصٍ إلَى شَخْصٍ وَالنِّكَاحُ يَرِدُ عَلَى الْبُضْعِ وَهُوَ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ وَلِهَذَا لَوْ قَبِلَ النِّكَاحَ لِزَيْدٍ بِوَكَالَتِهِ فَأَنْكَرَهَا زَيْدٌ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ لَهُ وَلَوْ اشْتَرَى لِزَيْدٍ بِوَكَالَةٍ فَأَنْكَرَهَا صَحَّ الشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَ بِنْتَه زَيْدًا فَزَوَّجَهَا وَكِيلُ زَيْدٍ لِزَيْدٍ صَحَّ وَلَوْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ عَبْدِهِ لِزَيْدٍ فَبَاعَهُ وَكِيلُ زَيْدٍ لِزَيْدٍ لَمْ يَصِحَّ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ النِّكَاحَ لَا يقبل نقل الْمِلْكَ وَالْبَيْعَ يَقْبَلُهُ وَلِهَذَا يَقُولُ وَكِيلُ النِّكَاحِ لِلْوَلِيِّ زَوِّجْ مُوَكِّلِي وَلَا يَقُولُ زَوِّجْنِي لِمُوَكِّلِي وَيَقُولُ فِي الْبَيْعِ بِعْنِي لِمُوَكِّلِي وَلَا يَقُولُ بع موكله والله أعلم
* قال أصحابنا وفى الْهِبَةِ يُشْتَرَطُ فِي قَبُولِ وَكِيلِ الْمُتَّهَبِ أَنْ يسمى موكلي فِي الْقَبُولِ فَيَقُولَ قَبِلْتُ لِفُلَانٍ أَوْ لِمُوَكِّلِي فُلَانٍ فَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ وَقَعَ لِلْمُخَاطِبِ لِجَرَيَانِ الْعَقْدِ مَعَهُ وَلَا يَنْصَرِفُ إلَى الْمُوَكِّل بِالنِّيَّةِ لِأَنَّ الْوَاهِبَ قَدْ يَقْصِدُ بِتَبَرُّعِهِ الْمُخَاطَبَ وَلَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يُسْمَحُ عَلَيْهِ بِالتَّبَرُّعِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ مَقْصُودَهُ حُصُولُ الْعِوَضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا فِي بَيْعِ الْهَازِلِ وَشِرَائِهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَنْعَقِدُ كَالطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ (وَالثَّانِي) لَا لِأَنَّ الطلاق يقبل الاعزار قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى مَسْأَلَةِ السر والعلانية في الصداق وهى إذا تواطئا فِي السِّرِّ عَلَى أَنَّ الْمَهْرَ أَلْفٌ ثُمَّ عَقَدَاهُ فِي الْعَلَانِيَةِ بِأَلْفَيْنِ فَقَوْلَانِ هَلْ الْمَهْرُ مَهْرُ السِّرِّ أَوْ الْعَلَانِيَةِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالسِّرِّ لَمْ يَنْعَقِدْ بَيْعُ الْهَازِلِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بيعا والا فينقعد عملا باللفط وَلَا مُبَالَاةَ بِالْقَصْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* هَكَذَا ذَكَرَ الْجُمْهُورُ الْخِلَافَ فِي بَيْعِ الْهَازِلِ وَجْهَيْنِ وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ هُمَا قَوْلَانِ
قَالَ وَقِيلَ وَجْهَانِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أعلم
*

(9/173)


قال المصنف رحمه الله
* (وإذا انعقد البيع ثبت لكل واحد من المتبايعين الخيار بين الفسخ والامضاء إلى أن يتفرقا أو يتخايرا لما روى ابن عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لم يتفرقا أو يقول أحدهما للآخر اختر) والتفرق أن يتفرقا بأبدانهما بحيث إذا كلمه على العادة لم يسمع كلامه لما روى نافع (ان ابن عمر رضى الله عنه كان إذا اشترى شيئا مشى أذرعا ليجب البيع ثم يرجع) ولان التفرق في الشرع مطلق فوجب أن يحمل على التفرق المعهود وذلك يحصل بما ذكرناه وان لم يتفرقا ولكن جعل بينهما حاجز من ستر أو غيره لم يسقط الخيار لان ذلك لا يسمى تفرقا
* وأما التخاير فهو أن يقول أحدهما للآخر اختر امضاء البيع أو فسخه فيقول الآخر اخترت امضاءه أو فسخه فينقطع الخيار لقوله عليه السلام (أو يقول أحدهما للآخر اختر) فان خير أحدهما صاحبه فسكت لم ينقطع خيار المسؤول وهل ينقطع خيار السائل فية وجهان
(أحدهما)
لا ينقطع خياره كما لو قال لزوجته اختاري فسكتت فان خيار الزوج في طلاقها لا يسقط
(والثانى)
أنه ينقطع لقوله عليه السلام أو يقول أحدهما للآخر اختر) فدل على أنه إذا قال يسقط خياره ويخالف تخيير المرأة فان المرأة لم تكن مالكة للخيار وإذا خيرها فقد ملكها ما لم تكن تملكه فإذا سكتت بقى على حقه وههنا المشترى يملك الفسخ فلا يفيد تخييره اسقاط حقه من الخيار فان أكرها على التفرق ففيه وجهان
(أحدهما)
يبطل الخيار لانه كان يمكنه أن يفسخ بالتخاير فإذا لم يفعل فقد رضى باسقاط الخيار
(والثانى)
أنه لا يبطل لانه لم يوجد منه أكثر من السكوت والسكوت لا يسقط الخيار
* فان باعه على أن لا خيار له ففيه وجهان (من) أصحابنا من قال لا يصح لان الخيار جعل رفقا بهما فجاز لهما تركه ولان الخيار غرر فجاز اسقاطه وقال أبو إسحق لا يصح وهو الصحيح لانه خيار يثبت بعد تمام البيع فلم يجز اسقاطه قبل تمامه كخيار الشفيع (فان قلنا) بهذا فهل بطل العقد بهذا الشرط فيه وجهان
(أحدهما)
لا يبطل لان هذا الشرط لا يؤدى إلى الجهل بالعوض والمعوض
(والثانى)
يبطل لانه يسقط موجب العقد فأبطله
كما لو شرط أن لا يسلم المبيع)
*

(9/174)


(الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ وَأَمَّا الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَمْشِي أَذْرُعًا فَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ لَفْظُ الْبُخَارِيِّ فَارَقَ صَاحِبَهُ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ قَامَ فَمَشَى هُنَيْهَةً ثُمَّ رَجَعَ وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ قَالَ نَافِعٌ فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا ابْتَاعَ بَيْعًا وَهُوَ قَاعِدٌ قَامَ لِيَجِبَ له
* وقوله صلى الله عليه وسلم (أَوْ يَقُولَ) هَكَذَا هُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَفِي المهذب أو يقول وهو منصوب اللام وأوهنا ناصبة بتقدير الا ان يقول أو إلى أن يقول ولو كان معطوفا على مالكان مَجْزُومًا وَلَقَالَ أَوْ لِيَقُلْ (وَقَوْلُهُ) لِيَجِبَ الْبَيْعُ معناه ليلزم (قوله) وههنا الْمُشْتَرِي يَمْلِكُ الْفَسْخَ كَانَ الْأَجْوَدَ لِلْقَابِلِ بَدَلَ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْقَابِلَ قَدْ يَكُونُ الْبَائِعِ وَقَدْ يَكُونُ الْمُشْتَرِي (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ خِيَارٌ ثَبَتَ بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ قَالَ الْقَلَعِيُّ قِيلَ هُوَ احْتِرَازٌ عَنْ خِيَارِ الْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ قَالَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا احْتِرَازَ فِيهِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِبَيَانِ مَعْنَى الْعِلَّةِ
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا الْخِيَارُ ضَرْبَانِ خِيَارُ نَقْصٍ وَهُوَ مَا يَتَعَلَّقُ بِفَوَاتِ شئ مَظْنُونِ الْحُصُولِ وَخِيَارُ شَهْوَةٍ وَهُوَ مَا لَا يتعلق بفوات شئ فَالْأَوَّلُ لَهُ بَابٌ مُسْتَقِلٌّ وَهُوَ الَّذِي سَمَّاهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا بَابَ بَيْعِ الْمُصَرَّاةِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَأَمَّا الثَّانِي فَلَهُ سَبَبَانِ الْمَجْلِسُ وَالشَّرْطُ فَيُقَالُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَخِيَارُ الشَّرْطِ وَإِذَا صَحَّحْنَا بَيْعَ الْغَائِبِ أَثْبَتْنَا فِيهِ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ فَتَصِيرُ الْأَسْبَابُ ثَلَاثَةً
* ثُمَّ فِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) فِيمَا ثَبَتَ فِيهِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ مِنْ الْعُقُودِ وَقَدْ جَمَعَهَا أَصْحَابُنَا هُنَا وَأَعَادُوهَا فِي أَبْوَابِهَا مُفَرَّقَةً وَاقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى ذِكْرِهَا فِي أَبْوَابِهَا مُفَرَّقَةً وَالْمُخْتَارُ طَرِيقَةُ الْجُمْهُورِ فَنَسْلُكُهَا قَالَ أَصْحَابُنَا الْعُقُودُ ضَرْبَانِ (أَحَدُهُمَا) الْعُقُودُ الْجَائِزَةُ إمَّا مِنْ الطرفين كالشركة والوكالة والوديعة والعارية والدين والقراض وَالْجَعَالَةِ وَإِمَّا مِنْ أَحَدِهِمَا كَالضَّمَانِ وَالرَّهْنِ وَالْكِتَابَةِ فَلَا خِيَارَ فِيهَا كُلِّهَا لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْفَسْخِ مَتَى شَاءَ وَفِي وَجْهٍ ضَعِيفٍ يَثْبُتُ الْخِيَارُ فِي الْكِتَابَةِ وَالضَّمَانِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَمِمَّنْ حَكَاهُ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ الدَّارِمِيُّ وَهُوَ شَاذٌّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَقَدْ يَتَطَرَّقُ الْفَسْخُ بِسَبَبٍ آخَرَ إلَى الرَّهْنِ إنْ كَانَ مَشْرُوطًا فِي بَيْعِ وَأَقْبَضَهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ فَيُمْكِنُ فَسْخُ الرَّهْنِ بِأَنْ يُفْسَخَ الْبَيْعُ فَيُفْسَخَ الرَّهْنُ تَبَعًا (الضرب الثَّانِي) الْعُقُودُ اللَّازِمَةُ وَهِيَ نَوْعَانِ وَارِدَةٌ عَلَى الْعَيْنِ وَوَارِدَةٌ عَلَى الْمَنْفَعَةِ وَالْأَوَّلُ كَالْبَيْعِ وَالصَّرْفِ وَبَيْعِ
الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ وَالسَّلَمِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالتَّشْرِيكِ وَصُلْحِ الْمُعَاوَضَةِ فَيَثْبُتُ فِيهَا كُلِّهَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَيُسْتَثْنَى منها

(9/175)


صُوَرٌ (إحْدَاهَا) إذَا بَاعَ مَالَهُ لِوَلَدِهِ أَوْ مَالَ وَلَدِهِ لِنَفْسِهِ فَفِي ثُبُوتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وجهان (أصحهما) ثُبُوتُهُ فَعَلَى هَذَا يَثْبُتُ خِيَارٌ لِلْوَلَدِ وَخِيَارٌ لِلْأَبِ وَيَكُونُ الْأَبُ نَائِبَ الْوَلَدِ فَإِنْ أَلْزَمَ الْبَيْعَ لِنَفْسِهِ وَلِلْوَلَدِ لَزِمَ وَإِنْ أَلْزَمَ لِنَفْسِهِ بَقِيَ الْخِيَارُ لِلْوَلَدِ فَإِذَا فَارَقَ الْمَجْلِسَ لَزِمَ الْعَقْدُ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ
(وَالثَّانِي)
لَا يَلْزَمُ إلَّا بِالْإِلْزَامِ لِأَنَّهُ لَا يُفَارِقُ نَفْسَهُ وَإِنْ فَارَقَ الْمَجْلِسَ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ الْوَجْهَ الاول قول أبى اسحق الْمَرْوَزِيِّ قَالَ وَالثَّانِي قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا قَالَ فَعَلَى الثَّانِي لَا يَنْقَطِعُ الْخِيَارُ إلَّا بِأَنْ يَخْتَارَ الْأَبُ لِنَفْسِهِ وَلِلْوَلَدِ فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ ثبت الخيار للولد إذا ابلع وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ
* قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَوْ كَانَ الْعَقْدُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَلَدِهِ صِرْفًا فَفَارَقَ الْمَجْلِسَ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْعَقْدُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَلَا يَبْطُلُ عَلَى الثَّانِي إلَّا بِالتَّخَايُرِ (الثَّانِيَةُ) لَوْ اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ كَوَلَدِهِ وَوَالِدِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ يُبْنَى خِيَارُ الْمَجْلِسِ عَلَى أَقْوَالِ الْمِلْكِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ (فَإِنْ قُلْنَا) هُوَ لِلْبَائِعِ فَلَهُمَا الْخِيَارُ وَلَا يُحْكَمُ بِالْعِتْقِ حَتَّى يَمْضِيَ زَمَنُ الْخِيَارِ (وَإِنْ قُلْنَا) مَوْقُوفٌ فَلَهُمَا الْخِيَارُ فَإِذَا أَمْضَيَا الْعَقْدَ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ عَتَقَ بِالشِّرَاءِ فَإِنْ قُلْنَا الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي فَلَا خِيَارَ لَهُ وَيَثْبُتُ لِلْبَائِعِ وَفِي عِتْقِهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَعْتِقُ حَتَّى يَمْضِيَ زَمَنُ الْخِيَارِ ثُمَّ حُكِمَ بِعِتْقِهِ مِنْ يَوْمِ الشِّرَاءِ
(وَالثَّانِي)
يُحْكَمُ بِعِتْقِهِ حِينَ الشَّرْيِ وَعَلَى هَذَا هَلْ يَنْقَطِعُ خِيَارُ الْبَائِعِ فِيهِ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ الْأَجْنَبِيَّ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ وَقُلْنَا الْمِلْكُ لَهُ قَالَ الْبَغَوِيّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُحْكَمَ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي أَيْضًا تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ لَهُ وَأَنْ لَا يُعْتِقَ الْعَبْدَ فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الرِّضَا إلَّا بِأَصْلِ الْعَقْدِ هَذِهِ طَرِيقَةُ الْجُمْهُورِ وَهِيَ الْمَذْهَبُ
* وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا خِيَارَ وَقَالَ الْأَوْدَنِيُّ يَثْبُتُ وَتَابَعَ الْغَزَالِيُّ إمَامَهُ عَلَى مَا اخْتَارَهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَاخْتِيَارُهُمَا شَاذٌّ وَالصَّحِيحُ مَا سَبَقَ عَنْ الْأَصْحَابِ وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي بَيْعِ الْأَعْطِيَةِ عَنْ الْأَوْدَنِيِّ أَنَّهُ يَثْبُتُ الْخِيَارُ قَالَ وَعَلَيْهِ حُمِلَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ (لَنْ يَجْزِيَ وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ) قَالَ وَصُورَتُهُ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَقُلْنَا الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ وَأَعْتَقَهُ صَحَّ قَالَ وَلَوْ قُلْنَا الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي صَحَّ الْعَقْدُ وَلَمْ يُتَصَوَّرْ إعْتَاقُهُ لِأَنَّهُ صَارَ بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ حُرًّا (الثَّالِثَةُ) الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ

(9/176)


أَنَّ شِرَاءَ الْعَبْدِ نَفْسَهُ مِنْ سَيِّدِهِ جَائِزٌ وَفِيهِ قَوْلٌ ضَعِيفٌ أَوْ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِقْرَارِ وَذَكَرَ فِيهَا طَرِيقَيْنِ الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ صِحَّتُهُ
(وَالثَّانِي)
عَلَى قَوْلَيْنِ فَإِذَا قُلْنَا بِالصِّحَّةِ فَفِي ثُبُوتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا أَبُو الحسن العبادي والقاضى حسين ومالا إلَى تَرْجِيحِ ثُبُوتِهِ وَقَطَعَ الْغَزَالِيُّ وَالْمُتَوَلِّي بِتَرْجِيحِ ثُبُوتِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ الْعِتْقُ فَأَشْبَهَ الْكِتَابَةَ (الرَّابِعَةُ) فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ فِي شَرْيِ الْجَمْدِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ لِأَنَّهُ يَتْلَفُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ (وَالْأَصَحُّ) ثُبُوتُهُ (الْخَامِسَةُ) إنْ صَحَّحْنَا بَيْعَ الْغَائِبِ وَلَمْ يَثْبُتْ خِيَارُ الْمَجْلِسِ مَعَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَهَذَا الْمَبِيعُ مِنْ صُوَرِ الِاسْتِثْنَاءِ (السَّادِسَةُ) إنْ بَاعَ بِشَرْطِ نَفْيِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ سَنَذْكُرُهَا مَبْسُوطَةً قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (أَحَدُهَا) يَصِحُّ الْبَيْعُ وَالشَّرْطُ فَعَلَى هَذَا تَكُونُ هَذِهِ الصُّورَةُ مُسْتَثْنَاةً
* هَذَا حُكْمُ الْبَيْعِ بِأَنْوَاعِهِ وَاَللَّهُ أعلم
* ولا يَثْبُتُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ فِي صُلْحِ الْحَطِيطَةِ وَلَا فِي الْإِبْرَاءِ وَلَا فِي الْإِقَالَةِ (إنْ قُلْنَا) إنَّهَا فَسْخٌ (وَإِنْ قُلْنَا) هِيَ بَيْعٌ فَفِيهَا الْخِيَارُ وَلَا يَثْبُتُ فِي الْحَوَالَةِ (إنْ قُلْنَا) إنَّهَا لَيْسَتْ مُعَاوَضَةً (وَإِنْ قُلْنَا) مُعَاوَضَةٌ لَمْ يَثْبُتْ أَيْضًا عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَى قَاعِدَةِ الْمُعَاوَضَاتِ وَلَا يَثْبُتُ فِي الشُّفْعَةِ لِلْمُشْتَرِي وَفِي ثُبُوتِهِ لِلشَّفِيعِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَثْبُتُ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْفَارِقِيُّ وَالرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ وَقَطَعَ بِهِ الْبَغَوِيّ فِي كِتَابَيْهِ التَّهْذِيبِ وَشَرْحِ مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَهُوَ الراجح في الدليل أيضا فان أثبتناه فَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْأَخْذِ وَالتَّرْكِ مادام فِي الْمَجْلِسِ مَعَ تَفْرِيعِنَا عَلَى قَوْلِنَا الشُّفْعَةُ عَلَى الْفَوْرِ (قَالَ) إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ بَلْ الصَّحِيحُ أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ ثُمَّ له الخيار في نقض الملك ورده مادام فِي الْمَجْلِسِ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَهِيَ حَقِيقَةُ خِيَارِ الْمَجْلِسِ (وَأَمَّا) مَنْ اخْتَارَ عَيْنَ مَالِهِ لِإِفْلَاسِ الْمُشْتَرِي فَلَا خِيَارَ لَهُ وَفِيهِ وَجْهٌ أنه يثبت له الخيار مادام فِي الْمَجْلِسِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَلَا خِيَارَ فِي الْوَقْفِ وَالْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ وَالطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ وَفَسْخِ النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ وَالْوَصِيَّةِ وَلَا فِي الْهِبَةِ إنْ لَمْ يكن ثَوَابٌ فَإِنْ كَانَ ثَوَابٌ مَشْرُوطٌ أَوْ قُلْنَا نَقِيصَتُهُ الْإِطْلَاقُ فَلَا خِيَارَ أَيْضًا عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى بَيْعًا وَالْحَدِيثُ وَرَدَّ فِي الْمُتَبَايِعَيْنِ (قَالَ) الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ مَوْضِعُ الْوَجْهَيْنِ مِنْ الْهِبَةِ بَعْدَ الْقَبْضِ

(9/177)


أَمَّا قَبْلَهُ فَلَا خِيَارَ قَطْعًا (وَأَمَّا) إذَا رَجَعَ الْبَائِعُ فِي الْمَبِيعِ لِفَلَسِ الْمُشْتَرِي فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ وَحَكَى الدَّارِمِيُّ فِيهِ قَوْلَيْنِ عَنْ حِكَايَةِ ابْنِ الْقَطَّانِ وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ فِي الْقِسْمَةِ إنْ كَانَ فِيهَا رَدٌّ وَإِلَّا فَإِنْ جَرَتْ بِالْإِجْبَارِ فَلَا رَدَّ وَإِنْ جَرَتْ بِالتَّرَاضِي (فَإِنْ قُلْنَا) إنَّهَا إقْرَارٌ فَلَا خِيَارَ (وَإِنْ قُلْنَا) بَيْعٌ فَلَا خِيَارَ أَيْضًا عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ هَكَذَا ذَكَرَهُمَا الْأَصْحَابُ (وَقَالَ) الْمُتَوَلِّي إنْ كَانَتْ قِسْمَةَ إجْبَارٍ وَقُلْنَا هِيَ بَيْعٌ فَلَا خِيَارَ لِلْمُجْبَرِ وَفِي الطَّالِبِ وَجْهَانِ كَالشَّفِيعِ (النَّوْعُ الثَّانِي) الْعَقْدُ الْوَارِدُ عَلَى الْمَنْفَعَةِ فَمِنْهُ النِّكَاحُ وَلَا خِيَارَ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ وَلَا خِيَارَ فِي الصَّدَاقِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ فَإِنْ أَثْبَتْنَاهُ فَفُسِخَتْ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَعَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ يَكُونُ ثُبُوتُ خِيَارِ الْمَجْلِسِ فِي عِوَضِ الْخُلْعِ وَالْأَصَحُّ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِيهِ وَلَا تَنْدَفِعُ الْفُرْقَةُ بِحَالٍ
* وَمِنْهُ الْإِجَارَةُ وَفِي ثُبُوتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ فِيهَا وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَشَيْخِهِ أَبِي الْقَاسِمِ الْكَرْخِيِّ - بِالْخَاءِ - يَثْبُتُ وَبِهِ قَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ وَابْنُ الْقَاصِّ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيِّ وَالْجُمْهُورِ لَا يَثْبُتُ وَبِهِ قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنِ خَيْرَانَ وَأَبُو إسحق الْمَرْوَزِيُّ قَالَ الْقَفَّالُ وَطَائِفَةٌ الْخِلَافُ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ (أَمَّا) الْإِجَارَةُ عَلَى الذِّمَّةِ فَيَثْبُتُ فِيهَا قَطْعًا كَالسَّلَمِ فَإِنْ أَثْبَتْنَا الْخِيَارَ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ فَفِي ابْتِدَاءِ مُدَّتِهَا وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
مِنْ وَقْتِ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ بِالتَّفَرُّقِ فَعَلَى هَذَا لَوْ أَرَادَ الْمُؤَجِّرُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ لِغَيْرِهِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ (قَالَ) الْإِمَامُ لَمْ يُجَوِّزْهُ أَحَدٌ فِيمَا أَظُنُّ وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا فِي الْقِيَاسِ (وَأَصَحُّهُمَا) أنه يحسب من وقت العقد فعلى هذا فعلى من تحسب مدة الخياران كَانَ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْعَيْنِ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ فَهِيَ محسوبة على المؤجر وان كَانَ بَعْدَهُ (فَوَجْهَانِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَبِيعَ إذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فِي زَمَنِ الخيار على ضمان من يكون وفيه وَجْهَانِ (الْأَصَحُّ) مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي فَعَلَى هَذَا تُحْسَبُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَعَلَيْهِ تَمَامُ الْأُجْرَةِ
(وَالثَّانِي)
مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ فَعَلَى هَذَا تُحْسَبُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ وَيَحُطُّ مِنْ الْأُجْرَةِ قَدْرَ مَا يُقَابِلُ تِلْكَ الْمُدَّةَ
* (وَأَمَّا) الْمُسَاقَاةُ فَفِي ثُبُوتِ خِيَارِ المجلس فيها طريقان أصحهما في الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الْإِجَارَةِ
(وَالثَّانِي)
الْقَطْعُ بِالْمَنْعِ لِعِظَمِ الْغَرَرِ فِيهَا فَلَا يُضَمُّ إلَيْهِ غَرَرُ الخيار
* (وأما المسابقة) فَكَالْإِجَارَةِ إنْ قُلْنَا إنَّهَا لَازِمَةٌ وَكَالْعُقُودِ الْجَائِزَةِ إنْ قُلْنَا إنَّهَا جَائِزَةٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) لَوْ تَبَايَعَا بِشَرْطِ نَفْيِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ بِأَدِلَّتِهَا

(9/178)


وَهِيَ مَشْهُورَةٌ وَذَكَرَهَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَقْوَالًا (أَصَحُّهَا) أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَالْقَدِيمِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ صَحِيحٌ وَلَا خِيَارَ (وَالثَّالِثُ) صَحِيحٌ وَالْخِيَارُ ثَابِتٌ وَلَوْ شَرَطَا نَفْيَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ عَلَى قَوْلِنَا يَصِحُّ بَيْعُ الْغَائِبِ فَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَطَرَدَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ فِيهِ الْخِلَافَ وَهَذَا الْخِلَافُ يُشْبِهُ الْخِلَافَ فِي شَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعُيُوبِ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى نَفْيِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ مَا إذَا قَالَ لعبده ان بعتك فانت حرثم بَاعَهُ بِشَرْطِ نَفْيِ الْخِيَارِ (فَإِنْ قُلْنَا) الْبَيْعُ بَاطِلٌ أَوْ صَحِيحٌ وَلَا خِيَارَ لَمْ يَعْتِقْ (وَإِنْ قُلْنَا) صَحِيحٌ وَالْخِيَارُ ثَابِتٌ عَتَقَ لِأَنَّ عِتْقَ الْبَائِعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ نَافِذٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) فِيمَا يَنْقَطِعُ بِهِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا كُلُّ عَقْدٍ ثَبَتَ فِيهِ هَذَا الْخِيَارُ حَصَلَ انْقِطَاعُ الْخِيَارِ فِيهِ بِالتَّخَايُرِ وَيَحْصُلُ أَيْضًا بِالتَّفَرُّقِ بِأَبْدَانِهِمَا عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ (أَمَّا) التَّخَايُرُ فَهُوَ أَنْ يَقُولَا تَخَايَرْنَا أَوْ اخترنا امضاء العقد أو أمضيناه أَوْ أَجَزْنَاهُ أَوْ أَلْزَمْنَاهُ وَمَا أَشْبَهَهَا وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا اخْتَرْتُ إمْضَاءَهُ انْقَطَعَ خِيَارُهُ وَبَقِيَ خِيَارُ الْآخَرِ كَمَا إذَا أَسْقَطَ أَحَدُهُمَا خِيَارَ الشَّرْطِ وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ أَنَّهُ لَا يَبْقَى لِلْآخَرِ خِيَارٌ أَيْضًا لِأَنَّ هَذَا الْخِيَارَ لَا يَتَبَعَّضُ ثُبُوتُهُ وَلَا يَتَبَعَّضُ سُقُوطُهُ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَهُوَ فَاسِدٌ وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ حَكَاهُ القاضى حسين وإمام الحرمين أنه لا يبط خِيَارُ الْقَائِلِ وَلَا صَاحِبِهِ لِأَنَّ شَأْنَ الْخِيَارِ أَنْ يَثْبُتَ بِهِمَا أَوْ يَسْقُطَ فِي حَقِّهِمَا ولا يمكن حَقُّ السَّاكِتِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْقُطَ حَقُّ القائل أيضا وَهَذَا الْوَجْهُ شَاذٌّ فَاسِدٌ فَحَصَلَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) سُقُوطُ خِيَارِ الْقَائِلِ فَقَطْ
(وَالثَّانِي)
يَسْقُطُ خِيَارُهُمَا (وَالثَّالِثُ) يَبْقَى خِيَارُهُمَا (أَمَّا) إذَا قَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ اخْتَرْ أَوْ خَيَّرْتُك فَقَالَ الْآخَرُ اخْتَرْتُ فَإِنَّهُ يَنْقَطِعُ خِيَارُهُمَا بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ سَكَتَ الْآخَرُ لَمْ يَنْقَطِعْ خِيَارُ السَّاكِتِ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَفِي خِيَارِ الْقَائِلِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ قَالَ الرُّويَانِيُّ هُوَ قَوْلُ الْقَفَّالِ (وَأَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ يَسْقُطُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ اخْتَارَ وَاحِدٌ وَفَسَخَ الْآخَرُ حُكِمَ بِالْفَسْخِ لِأَنَّهُ مَقْصُودُ الخيار ولو قالا أبطلنا أَوْ قَالَا أَفْسَدْنَا (فَوَجْهَانِ) حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ حِكَايَةِ وَالِدِهِ أَبِي مُحَمَّدٍ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَبْطُلُ الْخِيَارُ لِأَنَّ الْإِبْطَالَ يُشْعِرُ بِمُنَاقَضَةِ الصِّحَّةِ وَمُنَافَاةِ الشَّرْعِ وَلَيْسَ كَالْإِجَارَةِ فَإِنَّهَا تَصَرُّفٌ

(9/179)


فِي الْخِيَارِ
(وَالثَّانِي)
يَبْطُلُ الْخِيَارُ وَهُوَ الْأَصَحُّ (قَالَ) الْإِمَامُ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ ضَعِيفٌ جِدًّا وَلَكِنْ رَمَزَ إلَيْهِ شَيْخِي وَذَكَرَهُ الصَّيْدَلَانِيُّ (أَمَّا) إذَا تَقَابَضَا فِي الْمَجْلِسِ وَتَبَايَعَا الْعِوَضَيْنِ بَيْعًا ثَانِيًا فَيَصِحُّ الْبَيْعُ الثَّانِي أَيْضًا عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ لِأَنَّهُ رِضَاءٌ بِلُزُومِ الْأَوَّلِ وَقِيلَ فِيهِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْخِيَارَ هَلْ يُمْنَعُ انْتِقَالُ الْمِلْكِ إلَى الْمُشْتَرِي أَمْ لَا (فَإِنْ قُلْنَا) يُمْنَعُ لَمْ يَصِحَّ وَإِلَّا فُسِخَ وَالصَّوَابُ
* الْأَوَّلُ وَلَوْ تَقَابَضَا فِي الصَّرْفِ ثُمَّ أَجَازَا فِي الْمَجْلِسِ لَزِمَ الْعَقْدُ فَإِنْ اخْتَارَاهُ قبل التقابض فوجهان
(أحدهما)
تلغو الاجارة فَيَبْقَى الْخِيَارُ (وَأَصَحُّهُمَا) يَلْزَمُ الْعَقْدُ وَعَلَيْهِمَا التَّقَابُضُ فَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ التَّقَابُضِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ وَلَا يَأْثَمَانِ إنْ تَفَرَّقَا عَنْ تَرَاضٍ وَإِنْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِالْمُفَارَقَةِ أَثِمَ هُوَ وَحْدَهُ وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ يَبْطُلُ الْعَقْدُ بِالتَّخَايُرِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِأَنَّ التَّخَايُرَ كَالتَّفَرُّقِ وَلَوْ تَفَرَّقَا قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الصَّرْفِ بَطَلَ الْعَقْدُ وَسَنُوَضِّحُ الْمَسْأَلَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَبْسُوطَةً فِي بَابِ الرِّبَا حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَأَمَّا التَّفَرُّقُ فَهُوَ أَنْ يَتَفَرَّقَا بِأَبْدَانِهِمَا فَلَوْ أَقَامَا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ مُدَّةً مُتَطَاوِلَةً كَسَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ أو قاما وتماشيا مَرَاحِلَ فَهُمَا عَلَى خِيَارِهِمَا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِئَلَّا يَزِيدَ عَلَى خِيَارِ الشَّرْطِ وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّهُمَا لَوْ شَرَعَا فِي أَمْرٍ آخَرَ وَأَعْرَضَا عَمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْعَقْدِ فَطَالَ الْفَصْلُ انْقَطَعَ الْخِيَارُ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالرُّجُوعُ فِي التَّفَرُّقِ إلَى الْعَادَةِ فَمَا عَدَّهُ الناس تفرقا فهو تفرق ملتزم للعقد ومالا فَلَا قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا كَانَا فِي دَارٍ صَغِيرَةٍ فَالتَّفَرُّقُ أَنْ يَخْرُجَ أَحَدُهُمَا مِنْهَا أَوْ يَصْعَدَ السَّطْحَ وَكَذَا لَوْ كَانَا فِي مَسْجِدٍ صَغِيرٍ أَوْ سَفِينَةٍ صَغِيرَةٍ فَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ كَبِيرَةً حَصَلَ التَّفَرُّقُ بِأَنْ يَخْرُجَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْبَيْتِ إلَى الصَّحْنِ أَوْ مِنْ الصَّحْنِ إلَى بَيْتٍ أَوْ صُفَّةٍ وَإِنْ كَانَا فِي سُوقٍ أَوْ صَحْرَاءَ أَوْ سَاحَةٍ أَوْ بِيعَةٍ فَإِذَا وَلَّى أَحَدُهُمَا ظَهْرَهُ وَمَشَى قَلِيلًا حَصَلَ التَّفَرُّقُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَالثَّانِي قَالَهُ الْإِصْطَخْرِيُّ بِشَرْطِ أَنْ يَبْعُدَ عَنْ صَاحِبِهِ بِحَيْثُ لَوْ كَلَّمَهُ عَلَى الْعَادَةِ مِنْ غَيْرِ رَفْعِ الصَّوْتِ لَمْ يَسْمَعْ كَلَامَهُ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَشَيْخُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَحَّحَهُ أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَنَقَلَهُ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ عَنْ جَمِيعِ الْأَصْحَابِ سِوَى الْإِصْطَخْرِيِّ
* وَاحْتَجُّوا لَهُ بِمَا رَوَاهُ الْمُصَنِّفُ عن

(9/180)


ابن عمر وهو صحيح عن ابن عمر كَمَا سَبَقَ وَدَلَالَتُهُ لِلْجُمْهُورِ ظَاهِرَةٌ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يَكْفِي أَنْ يُوَلِّيَهُ ظَهْرَهُ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ ظَاهِرِ النَّصِّ لَكِنَّهُ مُؤَوَّلٌ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا فَلَوْ لَمْ يَتَفَرَّقَا وَلَكِنْ جُعِلَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ مِنْ سِتْرٍ أَوْ نَحْوِهِ أَوْ شُقَّ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ لَمْ يَحْصُلْ التَّفَرُّقُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ بُنِيَ بَيْنَهُمَا جِدَارٌ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَحْصُلُ التَّفَرُّقُ كَمَا لَوْ جُعِلَ بَيْنَهُمَا سِتْرٌ وَلِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَفَرَّقَا وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْقَطْعُ بِهِ لِأَنَّهُ قَالَ لَوْ جُعِلَ بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ مِنْ سِتْرٍ وَغَيْرِهِ لَمْ يَسْقُطْ الْخِيَارُ
(وَالثَّانِي)
يَسْقُطُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَادَّعَى أَنَّهُ يُسَمَّى تَفَرُّقًا وَلَيْسَ كَمَا قَالَ (وَقَالَ) الرُّويَانِيُّ إنْ جُعِلَ بَيْنَهُمَا حَائِطٌ أَوْ غيره لم يحصل التفرق لانهما لم يفترقا وَلِأَنَّهُمَا لَوْ غَمَّضَا أَعْيُنَهُمَا لَمْ يَحْصُلْ التَّفَرُّقُ وَقَالَ وَالِدِي إنْ جُعِلَ الْحَائِطُ بَيْنَهُمَا بِأَمْرِهِمَا فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) لَا يَحْصُلُ التَّفَرُّقُ قَالَ وَقِيلَ إنْ أُرْخِيَ سِتْرٌ لَمْ يَحْصُلْ وَإِنْ بُنِيَ حائط حصل وليس بشئ قَالَ أَصْحَابُنَا وَصَحْنُ الدَّارِ وَالْبَيْتُ الْوَاحِدُ إذَا تَفَاحَشَ اتِّسَاعُهُمَا كَالصَّحْرَاءِ فَيَحْصُلُ التَّفَرُّقُ فِيهِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ تَنَادَيَا وَهُمَا مُتَبَاعِدَانِ وَتَبَايَعَا صَحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ (وَأَمَّا) الْخِيَارُ فَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ لَا خِيَارَ لَهُمَا لِأَنَّ التَّفَرُّقَ الطَّارِئَ يَقْطَعُ الْخِيَارَ فَالْمُقَارِنُ يَمْنَعُ ثُبُوتَهُ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يقال يثبت ماداما فِي مَوْضِعِهِمَا فَإِذَا فَارَقَ أَحَدُهُمَا مَوْضِعَهُ بَطَلَ خِيَارُهُ وَهَلْ يَبْطُلُ خِيَارُ الْآخَرِ أَمْ يَدُومُ إلَى أَنْ يُفَارِقَ مَكَانَهُ فِيهِ احْتِمَالَانِ لِلْإِمَامِ وقطع المتولي بأن الخيار يثبت لهما ماداما فِي مَوْضِعِهِمَا فَإِذَا فَارَقَ أَحَدُهُمَا مَوْضِعَهُ وَوَصَلَ إلَى مَوْضِعٍ لَوْ كَانَ صَاحِبُهُ مَعَهُ فِي الْمَوْضِعِ عُدَّ تَفَرُّقًا حَصَلَ التَّفَرُّقُ وَسَقَطَ الْخِيَارُ هَذَا كَلَامُهُ وَالْأَصَحُّ فِي الْجُمْلَةِ ثُبُوتُ الْخِيَارِ وَأَنَّهُ يَحْصُلُ التَّفَرُّقُ بِمُفَارَقَةِ أَحَدِهِمَا مَوْضِعَهُ وَيَنْقَطِعُ بِذَلِكَ خِيَارُهُمَا جَمِيعًا وَسَوَاءٌ فِي صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ كَانَا مُتَبَاعِدَيْنِ فِي صَحْرَاءَ أَوْ سَاحَةٍ أَوْ كَانَا فِي بَيْتَيْنِ مِنْ دَارٍ أَوْ فِي صَحْنٍ وَصُفَّةٍ صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا أُكْرِهَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ عَلَى مُفَارَقَةِ الْمَجْلِسِ فَحُمِلَ مُكْرَهًا حَتَّى أُخْرِجَ مِنْهُ أَوْ أُكْرِهَ حَتَّى خَرَجَ بِنَفْسِهِ فَإِنْ مُنِعَ مِنْ الْفَسْخِ بِأَنْ سُدَّ فَمُهُ لَمْ يَنْقَطِعْ خِيَارُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ

(9/181)


أَبُو حَامِدٍ وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الاصحاب وقيل في انقطاعه وجهان قاله الفقال وَحَكَاهُ جَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ قَالُوا وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الْخِلَافُ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي انْقِطَاعِ الْخِيَارِ بِالْمَوْتِ قَالُوا وَهُنَا أَوْلَى بِبَقَائِهِ لِأَنَّ إبْطَالَ حَقِّهِ قهرا بعيد ما إذَا لَمْ يُمْنَعْ مِنْ الْفَسْخِ فَطَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَنْقَطِعُ وَجْهًا وَاحِدًا قَالَهُ الْقَفَّالُ وَحَكَاهُ جَمَاعَاتٌ
(وَالثَّانِي)
هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ فيه وجهان ذكر المصنف دليلهما
(أحدهما)
ينقطع قاله أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ
(وَالثَّانِي)
لَا يَنْقَطِعُ وَهُوَ الصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِهِمْ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَغَيْرِهِمْ وَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِقَةِ قَرِيبًا أَنَّ الْإِكْرَاهَ يُسْقِطُ أَثَرَ ذَلِكَ الْمَشْيِ وَيَكُونُ كَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ
* فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ الْخِيَارُ سَوَاءٌ مُنِعَ مِنْ الْفَسْخِ أَمْ لَا قَالَ أَصْحَابُنَا (فَإِنْ قُلْنَا) يَنْقَطِعُ خِيَارُهُ انْقَطَعَ أَيْضًا خِيَارُ الْمَاكِثِ فِي الْمَجْلِسِ لِحُصُولِ التَّفَرُّقِ وإلا فله التصرف بِالْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ إذَا تَمَكَّنَ وَهَلْ خِيَارُهُ بَعْدَ التَّمَكُّنِ عَلَى الْفَوْرِ أَمْ يَمْتَدُّ امْتِدَادَ مَجْلِسِ التَّمَكُّنِ فِيهِ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ سَنَذْكُرُهُمَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا إذَا مَاتَ وَقُلْنَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِوَارِثِهِ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يُقَيَّدُ بالفور وكان مستقراحين زَايَلَهُ الْإِكْرَاهُ فِي مَجْلِسٍ امْتَدَّ الْخِيَارُ امْتِدَادَ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ وَإِنْ كَانَ مَارًّا فَإِذَا فَارَقَ فِي مُرُورِهِ مَكَانَ التَّمَكُّنِ انْقَطَعَ خِيَارُهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ إلَى مَجْلِسِ الْعَقْدِ لِيَجْتَمِعَ هُوَ وَالْعَاقِدُ الْآخَرُ إنْ طَالَ الزَّمَانُ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ قَدْ انْقَطَعَ حِسًّا فَلَا مَعْنَى لِلْعَوْدِ إلَيْهِ هَكَذَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ وَجَزَمَ بِهِ قَالَ فَإِنْ قَصُرَ الزَّمَانُ فَفِي تَكْلِيفِهِ الرُّجُوعَ احْتِمَالٌ وَاَللَّهُ أعلم
* و (إذا قُلْنَا) لَا يُبْطِلُ خِيَارُ الْمُكْرَهِ عَلَى الْمُفَارَقَةِ لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُ الْمَاكِثِ أَيْضًا إنْ مُنِعَ الْخُرُوجَ مَعَهُ فَإِنْ لَمْ يُمْنَعْ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يبطل هَكَذَا ذَكَرَ الْأَصْحَابُ الْمَسْأَلَةَ وَلَمْ يُفَرَّقُوا بَيْنَ مَنْ حُمِلَ مُكْرَهًا أَوْ أُكْرِهَ عَلَى التَّفَرُّقِ و (قال) الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَطَائِفَةٌ هَذَا التَّفْصِيلُ فِيمَا إذَا حمل مكرها فان أكرها حَتَّى تَفَرَّقَا بِأَنْفُسِهِمَا فَفِي انْقِطَاعِ الْخِيَارِ قَوْلَانِ كحنث الناسي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ هَرَبَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ وَلَمْ يَتْبَعْهُ الْآخَرُ فَقَدْ أَطْلَقَ الْأَكْثَرُونَ أَنَّهُ يَنْقَطِعُ خِيَارُهُمَا مِمَّنْ أَطْلَقَ ذَلِكَ وَجَزَمَ بِهِ الْفُورَانِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ (وَقَالَ) البغوي

(9/182)


والرافعي إن لم يتبعه الآخر مع التمكن بَطَلَ خِيَارُهُمَا وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ بَطَلَ خِيَارُ الْهَارِبِ دُونَ الْآخَرِ وَالصَّحِيحُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْفَسْخِ بِالْقَوْلِ وَلِأَنَّهُ فَارَقَهُ بِاخْتِيَارِهِ فَأَشْبَهَ إذَا مَشَى عَلَى الْعَادَةِ بِخِلَافِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْمُكْرَهِ فَإِنَّهُ لَا فِعْلَ لَهُ بِسَبَبِ الْإِكْرَاهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يُفَارِقْ والله أَعْلَمُ
* فَلَوْ هَرَبَ وَتَبِعَهُ الْآخَرُ قَالَ الْمُتَوَلِّي يدوم الخيار ماداما مُتَقَارِبَيْنِ فَإِنْ تَبَاعَدَا بِحَيْثُ يُعَدُّ فُرْقَةً بَطَلَ اختيارهما وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ جَاءَ الْمُتَعَاقِدَانِ مَعًا فَقَالَ أَحَدُهُمَا تَفَرَّقْنَا بَعْدَ الْعَقْدِ فَنَلْزَمُهُ وَقَالَ الثَّانِي لَمْ نَتَفَرَّقْ وَأَرَادَ الْفَسْخَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الثَّانِي مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّفَرُّقِ وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى التَّفَرُّقِ وَقَالَ الآخر فَسَخْتُ قَبْلَهُ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ (فَوَجْهَانِ) الصَّحِيحُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُنْكِرِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَالْبَاقُونَ
(وَالثَّانِي)
قَوْلُ مُدَّعِي الْفَسْخِ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِتَصَرُّفِهِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَهَذَا مَحْكِيٌّ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ
* وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى عَدَمِ التَّفَرُّقِ وَادَّعَى أَحَدُهُمَا الْفَسْخَ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ فَدَعْوَاهُ الْفَسْخَ فَسْخٌ وَلَوْ أَرَادَ الفسخ فقال الآخر أنت اخترت قَبْلَ هَذَا فَأَنْكَرَ الْإِجَازَةَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكَرِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا فَسَخْتُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَقَالَ الْآخَرُ بَعْدَهُ قَالَ الدَّارِمِيُّ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِيهِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَا إذَا قَالَ رَاجَعْتُكِ فَقَالَتْ بَعْدَ الْعِدَّةِ قَالَ وَحَاصِلُهُ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) يُصَدَّقُ الْبَائِعُ
(وَالثَّانِي)
الْمُشْتَرِي (وَالثَّالِثُ) السَّابِقُ بالدعوي (والرابع) يقبل قول من يدع الْفَسْخَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي فَسَخَ فِيهِ وَقَوْلُ الْآخَرِ فِي وَقْتِ التَّفَرُّقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ مَاتَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ أَوْ مَنْ لَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِي الْمَجْلِسِ لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهُ بَلْ يَنْتَقِلُ إلَى وَارِثِهِ وَالنَّاظِرِ فِي أَمْرِهِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَفِيهِ خِلَافٌ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ خِيَارِ الشَّرْطِ وَسَنُوَضِّحُهُ بِفُرُوعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* وَإِنْ خَرِسَ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَتْ لَهُ إشَارَةٌ مَفْهُومَةٌ أَوْ كِتَابَةٌ فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ وَإِلَّا نَصَّبَ الْحَاكِمُ نَائِبًا عَنْهُ يَعْمَلُ مَا فِيهِ حَظُّهُ مِنْ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*

(9/183)


(أَمَّا) إذَا نَامَا فِي الْمَجْلِسِ فَلَا يَنْقَطِعُ خِيَارُهُمَا بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ لِأَنَّ النَّوْمَ لَا يُسَمَّى تَفَرُّقًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
يَثْبُتُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ لِلْوَكِيلِ دُونَ الْمُوَكِّلِ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْعَاقِدِ فَلَوْ مَاتَ الْوَكِيلُ هَلْ يَنْتَقِلُ الْخِيَارُ إلَى الْمُوَكِّلِ قَالَ الْمُتَوَلِّي فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي سَنُوَضِّحُهُ فِي الْمُكَاتَبِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إذَا مَاتَ هَلْ يَنْتَقِلُ خِيَارُهُ إلَى سَيِّدِهِ (الْأَصَحُّ) الِانْتِقَالُ قَالَ وَوَجْهُ الشَّبَهِ أَنَّ الْمِلْكَ حَصَلَ بِعَقْدِ الْوَكِيلِ لِلْمُوَكِّلِ لَا بِطَرِيقِ الْإِرْثِ كَمَا أَنَّهُ حَصَلَ لِلسَّيِّدِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ لَا بِطَرِيقِ الْإِرْثِ هَذَا كَلَامُ الْمُتَوَلِّي وَهُوَ الْأَصَحُّ وَفِيهِ خِلَافٌ آخَرُ سَنَذْكُرُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ لَوْ بَاعَ الْكَافِرُ عَبْدَهُ الْمُسْلِمَ يَثْبُتُ لَهُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَالشَّرْطِ فَلَوْ فَسَخَ الْبَيْعَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ صَحَّ فَسْخُهُ وَأَجْبَرْنَاهُ عَلَى بَيْعِهِ ثَانِيًا وَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ وَالْفَسْخُ وَهَكَذَا أَبَدًا
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ
* مَذْهَبُنَا ثُبُوتُهُ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ الصَّحَابِيِّ وَسَعِيدِ ابن المسيب وطاووس وعطاء وسريج والحسن البصري والشعبى والزهرى والاوزاعي واحمد واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَبِهِ قَالَ سُفْيَانُ بن عيينة وابن المبارك وعلي ان المدايني وَسَائِرُ الْمُحَدِّثِينَ وَحَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ أَبِي ذُؤَيْبٍ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يَثْبُتُ بَلْ يَلْزَمُ الْبَيْعُ بِنَفْسِ الايجاب والقبول وحكي هذا عن سريج وَالنَّخَعِيِّ وَرَبِيعَةَ وَاحْتُجَّ لَهُمْ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) فَظَاهِرُ الْآيَةِ جَوَازُهُ فِي الْمَجْلِسِ وَبِحَدِيثِ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِيعُهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ) فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ إذَا جَازَ لَهُ بيعه في المجلس قبل التفرق وعن عمرو ابن شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلَّا أَنْ تَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وغيره

(9/184)


بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَحَسَنَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالُوا وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ صَاحِبَهُ لا يملك الفسخ الا من مِنْ جِهَةِ الِاسْتِقَالَةِ
* وَقِيَاسًا عَلَى النِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَغَيْرِهِمَا وَلِأَنَّهُ خِيَارٌ بِمَجْهُولٍ فَإِنَّ مُدَّةَ الْمَجْلِسِ مَجْهُولَةٌ فَأَشْبَهَ لَوْ شَرَطَا خِيَارًا مَجْهُولًا
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا وَالْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ عَلَى صَاحِبِهِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ نَافِعٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا تبايعا الْمُتَبَايِعَانِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مِنْ بَيْعِهِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يَكُونُ بَيْعُهُمَا عَنْ خِيَارٍ قَالَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا تَبَايَعَ الْبَيْعَ وَأَرَادَ أَنْ يَجِبَ مَشَى قَلِيلًا ثُمَّ رَجَعَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ بِالْخِيَارِ فِي بَيْعِهِمَا مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ خِيَارًا قَالَ نَافِعٌ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا اشترى الشئ يُعْجِبُهُ فَارَقَ صَاحِبَهُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا وَكَانَا جَمِيعًا أَوْ يُخَيِّرُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ وَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أَنْ تَبَايَعَا وَلَمْ يَتْرُكْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا الْبَيْعَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ (الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (كُلُّ بيعين لابيع بَيْنَهُمَا حَتَّى يَتَفَرَّقَا إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ) وَعَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْبَائِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا محقت بركت بيعهما) رواه البخاري ومسلم وعن أبى الوضئ - بكسر الضاد المعجمة وبالهمز - واسمه عباد ابن نُسَيْبٍ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ قَالَ (غَزَوْنَا غَزْوَةً فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فَبَاعَ صَاحِبٌ لَنَا فَرَسًا لِغُلَامٍ ثُمَّ أَقَامَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا وَلَيْلَتِهِمَا فَلَمَّا أَصْبَحَا مِنْ الْغَدِ حَضَرَ الرَّحِيلُ فَقَامَ إلَى فَرَسِهِ يُسْرِجُهُ وَنَدِمَ وَأَتَى الرَّجُلَ وَأَخَذَهُ بِالْبَيْعِ فَأَبَى الرَّجُلُ أَنْ يَدْفَعَهُ إليه فقال بينى وبينك أبوبرزة صَاحِبُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيَا أَبَا بَرْزَةَ فِي نَاحِيَةِ الْعَسْكَرِ فَقَالُوا لَهُ الْقِصَّةَ فَقَالَ أَتَرْضَيَانِ أَنْ أَقْضِيَ بَيْنَكُمَا بِقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا) وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ (مَا أَرَاكُمَا افْتَرَقْتُمَا) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ جَابِرٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (خير

(9/185)


أَعْرَابِيًّا بَعْدَ الْبَيْعِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ
* وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَايَعَ رَجُلًا فَلَمَّا بَايَعَهُ قَالَ اخْتَرْ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَكَذَا الْبَيْعُ) رَوَاهُ أَبُو داود الطيالسي والبيهقي وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مِنْ رواية أبى هريرة وجابر وسمرة وعمرو ابن شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَغَيْرِهِمْ وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا بِصِيغَةِ الْجَزْمِ عَنْ ابن عمر قال (بعث أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ مَالًا بِالْوَادِي بِمَالٍ لَهُ تخيير فَلَمَّا تَبَايَعَا رَجَعْتُ عَلَى عَقِبِي حَتَّى خَرَجْتُ من بينه خشية أن يرد فِي الْبَيْعِ وَكَانَتْ السُّنَّةُ أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ بِالْخِيَارِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَلَمَّا وَجَبَ بيعي وبيعه رأيت انى قد غبنته فأتى سعيه إلَى أَرْضِ ثَمُودَ بِثَلَاثِ لَيَالٍ وَسَاقَنِي إلَى الْمَدِينَةِ بِثَلَاثِ لَيَالٍ) رَوَى الْبَيْهَقِيُّ هَذَا مُتَّصِلًا بِإِسْنَادِهِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ قَالَ الْحَدِيثُ (فِي الْبَيِّعَيْنِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا) أَثْبَتُ مِنْ هَذِهِ الْأَسَاطِيرِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عن على بن المدائني عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ أَنَّهُ حَدَّثَ الْكُوفِيِّينَ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَيِّعَيْنِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا قَالَ فَحَدَّثُوا بِهِ أَبَا حَنِيفَةَ فَقَالَ أَبُو حنيفة ليس هذا بشئ أَرَأَيْتَ إنْ كَانَا فِي سَفِينَةٍ قَالَ ابْنُ المدائني إنَّ اللَّهَ سَائِلُهُ عَمَّا قَالَ
* قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْأَصْحَابُ اعْتَرَضَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ عَلَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فَإِنَّهَا بَلَغَتْهُمَا (فَأَمَّا) مَالِكٌ فَهُوَ رَاوِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ (وَأَمَّا) أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ الْآنَ مِنْ قَوْلِهِ أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَا فِي سَفِينَةٍ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَفَرُّقُهُمَا (وَأَمَّا) مَالِكٌ فَقَالَ الْعَمَلُ عِنْدَنَا بِالْمَدِينَةِ خِلَافُ ذَلِكَ فَإِنَّ فُقَهَاءَ الْمَدِينَة لَا يُثْبِتُونَ خِيَارَ الْمَجْلِسِ وَمَذْهَبُهُ أَنَّ الْحَدِيثَ إذَا خَالَفَ عَمَلَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ تَرَكَهُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا هَذِهِ الْأَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ وَالِاعْتِرَاضَانِ بَاطِلَانِ مَرْدُودَانِ لِمُنَابَذَتِهِمَا السُّنَّةَ الصَّحِيحَةَ الصَّرِيحَةَ الْمُسْتَفِيضَةَ (وَأَمَّا) قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ لَوْ كَانَا فِي سَفِينَةٍ فَنَحْنُ نقول به فان خيارهما يدوم ماداما مجتمعين في السفينة ولو بقياسنة وَأَكْثَرَ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مُبَيَّنَةً وَدَلِيلُهَا إطْلَاقُ الْحَدِيثِ (وَأَمَّا) قَوْلُ مَالِكٍ فَهُوَ اصْطِلَاحٌ لَهُ وَحْدَهُ مُنْفَرِدٌ بِهِ عَنْ الْعُلَمَاءِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي رَدِّ السُّنَنِ لِتَرْكِ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ الْعَمَلَ بِهَا وَكَيْفَ يَصِحُّ هَذَا الْمَذْهَبُ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْفُقَهَاءَ وَرُوَاةَ الْأَخْبَارِ لَمْ يَكُونُوا فِي عَصْرِهِ وَلَا فِي الْعَصْرِ الَّذِي قَبْلَهُ مُنْحَصِرِينَ فِي الْمَدِينَةِ وَلَا فِي الْحِجَازِ بَلْ كَانُوا مُتَفَرِّقِينَ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ قِطْعَةٌ مِنْ

(9/186)


الْأَخْبَارِ لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا أَحَدٌ فَنَقَلَهَا وَوَجَبَ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ قَبُولُهَا وَمَعَ هَذَا فَالْمَسْأَلَةُ مُتَصَوَّرَةٌ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ غَنِيَّةٌ عَنْ الْإِطَالَةِ فِيهَا هُنَا هَذَا كُلُّهُ لَوْ سُلِّمَ أَنَّ فُقَهَاءَ الْمَدِينَةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى عَدَمِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَلَكِنْ لَيْسَ هُمْ مُتَّفِقِينَ فَهَذَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ أَحَدُ أَئِمَّةِ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ فِي زَمَنِ مالك قد أَنْكَرَ عَلَى مَالِكٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَغْلَظَ فِي الْقَوْلِ بِعِبَارَاتٍ مَشْهُورَةٍ حَتَّى قَالَ يُسْتَتَابُ مَالِكٌ مِنْ ذَلِكَ وَكَيْفَ يَصِحُّ دَعْوَى اتِّفَاقِهِمْ (فَإِنْ قِيلَ) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالخيار أراد ماداما فِي الْمُسَاوَمَةِ وَتَقْرِيرِ الثَّمَنِ قَبْلَ تَمَامِ الْعَقْدِ لِأَنَّهُمَا بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ لَا يُسَمَّيَانِ مُتَبَايِعَيْنِ حقيقة وإنما يقال كانا مبتايعين (قَالَ أَصْحَابُنَا) فَالْجَوَابُ مِنْ أَوْجُهٍ
* (أَحَدُهَا) جَوَابُ الشافعي رحمه الله وهو أنهما ماداما فِي الْمُقَاوَلَةِ يُسَمَّيَانِ مُتَسَاوِمَيْنِ وَلَا يُسَمَّيَانِ مُتَبَايِعَيْنِ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ أَنَّهُ مَا بَايَعَ وَكَانَ مُسَاوِمًا وَتَقَاوَلَا فِي الْمُسَاوَمَةِ وَتَقْرِيرِ الثَّمَنِ وَلَمْ يَعْقِدَا لَمْ يَحْنَثْ بِالِاتِّفَاقِ
(والثانى)
أن المتبايعان اسْمٌ مُشْتَقٌّ مِنْ الْبَيْعِ فَمَا لَمْ يُوجَدْ الْبَيْعُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُشْتَقَّ مِنْهُ لِأَنَّ كُلَّ اسْمٍ مِنْ مَعْنَى لَا يَصِحُّ اشْتِقَاقُهُ حَتَّى يُوجَدَ
* (الْمَعْنَى الثَّالِثُ) إنْ حُمِلَ الْخِيَارُ عَلَى مَا قُلْنَا يَحْصُلُ بِهِ فَائِدَةٌ لَمْ تَكُنْ مَعْرُوفَةً قَبْلَ الْحَدِيثِ وَحَمْلُهُ عَلَى الْمُسَاوَمَةِ يَخْرُجُهُ عَنْ الْفَائِدَةِ فَإِنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْلَمُ أَنَّ الْمُتَسَاوِمَيْنِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَا عَقَدَا وَإِنْ شَاءَا تَرَكَا (الرَّابِعُ) أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَدَّ الْخِيَارَ إلَى التَّفَرُّقِ وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِثُبُوتِهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعَقْدِ (الْخَامِسُ) أَنَّ رَاوِي الْحَدِيثِ ابْنُ عُمَرَ كَانَ إذَا أَرَادَ إلْزَامَ الْبَيْعِ مَشَى قَلِيلًا لِيَنْقَطِعَ الْخِيَارُ كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمُرَادِ الْحَدِيثِ
* (فَإِنْ قِيلَ) الْمُرَادُ بِالتَّفَرُّقِ التَّفَرُّقُ بِالْقَوْلِ كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ ما جاءتهم البينة) فَالْمُرَادُ التَّفَرُّقُ بِالْقَوْلِ (قُلْنَا) الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ لَيْسَ تَفَرُّقًا مِنْهُمَا فِي الْقَوْلِ لِأَنَّ مَنْ أَوْجَبَ الْقَوْلَ فَغَرَضُهُ أَنْ يَقْبَلَهُ صَاحِبُهُ فَإِذَا قَبِلَهُ فَقَدْ وَافَقَهُ وَلَا يُسَمَّى مُفَارَقَةً وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا أَقْيِسَةً كَثِيرَةً وَقِيَاسَاتٍ لَا حَاجَةَ إلَيْهَا مَعَ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ منكم) فهو انه عام مخصوص بما ذكرنا وَهَكَذَا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ (فَلَا يَبِيعُهُ حَتَّى يستوفيه) فانه عام مخصوص بما ذكرنا (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ (لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ) فَهُوَ أَنَّهُ دليل لنا كما جعله

(9/187)


التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ دَلِيلًا لِإِثْبَاتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَاحْتَجَّ بِهِ عَلَى الْمُخَالِفِينَ لِأَنَّ مَعْنَاهُ مَخَافَةَ أن يختار الفسخ فعبر بالاقالة عَنْ الْفَسْخِ وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا أَشْيَاءُ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَثْبَتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
الْخِيَارَ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا ثُمَّ ذَكَرَ الْإِقَالَةَ فِي الْمَجْلِسِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِقَالَةِ فَدَلَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِقَالَةِ الْفَسْخُ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ الْإِقَالَةِ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْمُفَارَقَةِ مَخَافَةَ أَنْ يُقِيلَهُ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ لَا تَخْتَصُّ بِالْمَجْلِسِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى النِّكَاحِ وَالْخُلْعِ أَنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْهُمَا الْمَالَ وَلِهَذَا لَا يَفْسُدَانِ بِفَسَادِ الْعِوَضِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ خِيَارٌ مَجْهُولٌ أَنَّ الْخِيَارَ الثَّابِتَ شَرْعًا لَا يَضُرُّ جَهَالَةُ زَمَنِهِ كَخِيَارِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِشَرْطِهِمَا فَاشْتُرِطَ بَيَانُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّهُمَا إذَا قَامَا مِنْ مَجْلِسٍ وَتَمَاشَيَا جَمِيعًا دَامَ خِيَارُهُمَا ماداما مَعًا وَإِنْ بَقِيَا شَهْرًا أَوْ سَنَةً هَذَا مذهبنا وحكى الرويانى عن عبيد الله بْنِ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ يَنْقَطِعُ بِهِ مفارقة مجلسهما وإن كانا (1) وَدَلِيلُنَا عُمُومُ الْحَدِيثِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا
* (فَرْعٌ)
لَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِإِبْطَالِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ هَلْ يُنْقَضُ حُكْمُهُ حَكَى الدَّارِمِيُّ فِيهِ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يُنْقَضُ لِلِاخْتِلَافِ
(وَالثَّانِي)
يُنْقَضُ قَالَهُ الْإِصْطَخْرِيُّ
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ويجوز شرط خيار ثلاثة أيام في البيوع التى لا ربا فيها لما روى مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى بْنَ حِبَّانَ قَالَ كَانَ جدى قد بلغ ثلاثين ومائة سنة لا يترك البيع والشراء ولا يزال يخدع فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ بايعته فقل لا خلابة وأنت بالخيار ثلاثا.
(فأما) في البيوع التى فيها الربا وهى الصرف وبيع الطعام بالطعام فلا يجوز فيها شرط الخيار لانه لا يجوز أن يتفرقا قبل تمام البيع ولهذا لا يجوز أن يتفرقا إلا عن قبض العوضين فلو جوزنا شرط الخيار لتفرقا ولم يتم البيع بينهما وجاز شرط الخيار في ثلاثة أيام وفيما دونها لانه إذا جاز شرط الثلاث فما دونها أولى
__________
(1) بياض بالاصل

(9/188)


بذلك ولا يجوز اكثر من ثلاثة ايام لانه غرر وإنما جوز في الثلاث لانه رخصة فلا يجوز فيما زاد ويجوز أن يشترط لهما ولاحدهما دون الآخر ويجوز أن يشترط لاحدهما ثلاثة أيام وللآخر
يوم أو يومان لان ذلك جعل إلى شرطهما فكان على حسب الشرط فان شرط ثلاثة أيام ثم تخايرا سقط قياسا على خيار المجلس
* (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ أَتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ مُرْسَلًا لِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ لَمْ يُدْرِكْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذِهِ الْقِصَّةُ لَمْ يَذْكُرْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ سَمِعَهَا مِنْ غَيْرِهِ وَهُوَ تَابِعِيٌّ فَثَبَتَ أَنَّهُ وَقَعَ هُنَا مُرْسَلًا وَحَبَّانُ بِفَتْحِ الْحَاءِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ وَغَيْرِهِمْ وَقَدْ تَصَحَّفَهُ الْمُتَفَقِّهُونَ وَنَحْوُهُمْ وَهُوَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَهِيَ الْغَبْنُ وَالْخَدِيعَةُ وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ رُوِيَ بِأَلْفَاظٍ مِنْهَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (ذَكَرَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ بَايَعْتَ فَقُلْ لَا خِلَابَةَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسحق قَالَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ يَشْكُو إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَا يَزَالُ يُغْبَنُ فِي الْبَيْعِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إذَا بَايَعْتَ فَقُلْ لَا خِلَابَةَ ثُمَّ أَنْتَ بِالْخِيَارِ فِي كُلِّ سِلْعَةٍ ابْتَعْتَهَا ثَلَاثَ لَيَالٍ فَإِنْ رَضِيتَ فَأَمْسِكْ وَإِنْ سَخِطْتَ فَارْدُدْ) قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَكَأَنِّي الْآنَ أَسْمَعُهُ إذَا ابْتَاعَ يَقُولُ لَا خِلَابَةَ قال ابن اسحق فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى بْنَ حبان قال كان جدى منقد بْنَ عَمْرٍو وَكَانَ رَجُلًا قَدْ أُصِيبَ فِي رأس أمه وَكُسِرَتْ لِسَانُهُ وَنَقَصَتْ عَقْلُهُ وَكَانَ يُغْبَنُ فِي الْبَيْعِ وَكَانَ لَا يَدْعُ التِّجَارَةَ فَشَكَا ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إذَا ابْتَعْتَ فَقُلْ لَا خِلَابَةَ ثُمَّ أَنْتَ فِي كُلِّ بَيْعٍ تَبْتَاعُهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَ لَيَالٍ إنْ رَضِيتَ فَأَمْسِكْ وَإِنْ سَخِطْتَ فَارْدُدْ) فَبَقِيَ حَتَّى أَدْرَكَ زَمَنَ عُثْمَانَ وَهُوَ ابْنُ مِائَةٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً فَكَبِرَ فِي زَمَانِ عُثْمَانَ فَكَانَ إذَا اشْتَرَى شَيْئًا فَرَجَعَ بِهِ فَقَالُوا لَهُ لِمَ تَشْتَرِي أَنْتَ فَيَقُولُ قَدْ جَعَلَنِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا ابْتَعْتُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا فَيَقُولُونَ أَرْدُدْهُ فَإِنَّكَ قَدْ غُبِنْتَ أَوْ قَالَ غُشِشْتَ فَيَرْجِعُ إلَى بَيْعِهِ فَيَقُولُ خُذْ سِلْعَتَكَ وَأَرْدُدْ دَرَاهِمِي فَيَقُولُ لَا أَفْعَلُ قد رضيت فدهبت حَتَّى يَمُرَّ بِهِ الرَّجُلُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَعَلَنِي بِالْخِيَارِ فِيمَا

(9/189)


تَبْتَاعُ ثَلَاثًا فَيَرُدُّ عَلَيْهِ دَرَاهِمَهُ وَيَأْخُذُ سِلْعَتَهُ) هَذَا الْحَدِيثُ حَسَنٌ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِهَذَا اللَّفْظِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ فِي ترجمة منقد بْنِ عَمْرٍو بِإِسْنَادٍ
صَحِيحٍ إلَى مُحَمَّدِ بْنِ اسحق ومحمد بن اسحق الْمَذْكُورُ فِي إسْنَادِهِ هُوَ صَاحِبُ الْمَغَازِي وَالْأَكْثَرُونَ وَثَّقُوهُ وَإِنَّمَا عَابُوا عَلَيْهِ التَّدْلِيسَ وَقَدْ قَالَ فِي رِوَايَتِهِ حَدَّثَنِي نَافِعٌ وَالْمُدَلِّسُ إذَا قَالَ حَدَّثَنِي أَوْ أَخْبَرَنِي أَوْ سَمِعْتُ وَنَحْوَهَا مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُصَرِّحَةِ بِالسَّمَاعِ اُحْتُجَّ بِهِ عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَسَائِرِ الْمُحَدِّثِينَ وَجُمْهُورِ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ وَإِنَّمَا يَتْرُكُونَ مِنْ حَدِيثِ المدلس ما قال فيه عنه وقد سبقت هذه المسألة مقررة مرات لكن القطعة التى ذكرها محمد بن اسحق عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ مُرْسَلَةٌ لِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى لَمْ يُدْرِكْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَذْكُرْ مَنْ سَمِعَهَا مِنْهُ وَلَكِنْ مِثْلُ هَذَا الْمُرْسَلِ يَحْتَجُّ بِهِ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّهُ يَقُولُ إنَّ الْمُرْسَلَ إذَا اعْتَضَدَ بِمُرْسَلٍ آخَرَ أَوْ بِمُسْنَدٍ أَوْ بِقَوْلِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَوْ بِفُتْيَا عَوَامِّ أَهْلِ الْعِلْمِ احْتَجَّ بِهِ وَهَذَا الْمُرْسَلُ قَدْ وُجِدَ فِيهِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى جَوَازِ شَرْطِ الْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) مَا وَقَعَ فِي الْوَسِيطِ وَبَعْضِ كُتُبِ الْفِقْهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَهُ وَاشْتُرِطَ الْخِيَارُ ثَلَاثَةَ) أَيَّامٍ فَمُنْكَرٌ لَا يُعْرَفُ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ
* وَاعْلَمْ أَنَّ أَقْوَى مَا يُحْتَجُّ بِهِ فِي ثُبُوتِ خِيَارِ الشَّرْطِ الْإِجْمَاعُ وَقَدْ نَقَلُوا فِيهِ الْإِجْمَاعَ وَهُوَ كَافٍ وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ يُحْتَجُّ بِهِ لَكِنْ فِي دَلَالَتِهِ بِاللَّفْظِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ نَظَرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) يَصِحُّ شَرْطُ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ بِالْإِجْمَاعِ إذَا كَانَتْ مُدَّتُهُ مَعْلُومَةً (الثَّانِيَةُ) لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ لَا تَدْعُو إلَى أَكْثَرِ مِنْ ذَلِكَ غَالِبًا وَكَانَ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ مَنْعَ شَرْطِ الْخِيَارِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْعُذْرِ وَإِنَّمَا جُوِّزَ للحاجة فيقتصر فيه على ما تدعوا إلَيْهِ الْحَاجَةُ غَالِبًا وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ وَتَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَجُوزُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إذَا كَانَتْ مُدَّةً مَعْلُومَةً وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ قَالَهُ فِي الْإِشْرَافِ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْمُؤْمِنُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ زَادَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَوْ لَحْظَةً بَطَلَ الْبَيْعُ (الثَّالِثَةُ) يَجُوزُ شَرْطُ الْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَيَجُوزُ دُونَهَا إذَا كَانَ مَعْلُومًا كَمَا ذكره المصنف ويجوز أن

(9/190)


يشرط الخيار لاحدهما ويجوز لهما وَيَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا ثَلَاثَةٌ وَلِلْآخَرِ يَوْمَانِ أَوْ يَوْمٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ بِحَيْثُ يَكُونُ مَعْلُومًا وَهَذَا كُلُّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ لَكِنْ لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ فَبَاعَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ
ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْبَيَانِ (أَصَحُّهُمَا) يبطل البيع
(والثانى)
يصح ويباع عند الاشرف عَلَى الْفَسَادِ وَيُقَامُ ثَمَنُهُ مَقَامَهُ وَهَذَا غَلَطٌ ظَاهِرٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْمُدَّةُ مُتَّصِلَةً بِالْعَقْدِ فَلَوْ شَرَطَا خِيَارَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ دُونَهَا مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ أَوْ مِنْ الغد أو متى شاءا أَوْ شَرَطَا خِيَارَ الْغَدِ دُونَ الْيَوْمِ بَطَلَ الْعَقْدُ لِمُنَافَاتِهِ لِمُقْتَضَاهُ (قَالَ أَصْحَابُنَا) وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُدَّةِ مَعْلُومَةً فَإِنْ شَرَطَا الْخِيَارَ مُطْلَقًا وَلَمْ يقدراه بشئ أَوْ قَدَّرَاهُ بِمُدَّةٍ مَجْهُولَةٍ كَقَوْلِهِ بَعْضُ يَوْمٍ أو إلى أن يجئ.
زَيْدٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ بَطَلَ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَلَوْ شَرَطَاهُ إلَى وَقْتِ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ الْغَدِ جَازَ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ شَرَطَاهُ إلَى طُلُوعِهَا فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابَيْهِ التَّعْلِيقِ وَالْمُجَرَّدِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ فِي كِتَابِ الْفُصُولِ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ لِأَنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ قَدْ لَا يَحْصُلُ لِحُصُولِ غَيْمٍ فِي السَّمَاءِ قَالَ فَلَوْ قَالَ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ أَوْ إلَى وَقْتِ الْغُرُوبِ صَحَّ لِأَنَّ الْغُرُوبَ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي سُقُوطِ قُرْصِ الشَّمْسِ هَذَا كَلَامُ الزُّبَيْرِيِّ وَسَكَتَ عَلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَحَكَاهُ أَيْضًا عَنْهُ الْمُتَوَلِّي وَسَكَتَ عَلَيْهِ (فَأَمَّا) شَرْطُهُمَا إلَى وَقْتِ الطُّلُوعِ وَإِلَى الْغُرُوبِ أَوْ وَقْتِ الْغُرُوبِ فَيَصِحُّ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ كَمَا قَالَهُ الزُّبَيْرِيُّ وَأَمَّا إذَا شَرَطَاهُ إلَى الطُّلُوعِ فَقَدْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ وَقَالَ بِالصِّحَّةِ لِأَنَّ الْغَيْمَ إنَّمَا يَمْنَعُ مِنْ إشْرَاقِ الشَّمْسِ وَاتِّصَالِ الشُّعَاعِ لَا مِنْ نَفْسِ الطُّلُوعِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) إذَا تَبَايَعَا نَهَارًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ إلَى اللَّيْلِ أَوْ لَيْلًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ إلَى النَّهَارِ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَدْخُلُ الزَّمَنُ الْآخَرِ فِي الشَّرْطِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ يَدْخُلُ لِأَنَّ لَفْظَةَ إلَى قَدْ تستعمل بمعنى مع كقوله تعالى (لا تأكلوا أموالهم الي أموالكم) دَلِيلُنَا أَنَّ أَصْلَ إلَى الْغَايَةُ فَهَذَا حَقِيقَتُهَا فَلَا تُحْمَلُ عَلَى غَيْرِهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَأَمَّا اسْتِعْمَالُهَا بِمَعْنَى مَعَ فِي بَعْضِ الْمَوَاطِنِ فَفِيهِ جَوَابَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهَا مُؤَوَّلَةٌ فَفِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ تَقْدِيرُهُ.
مُضَافَةً إلَى أَمْوَالِكُمْ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهَا اُسْتُعْمِلَتْ بِمَعْنَى مَعَ مَجَازًا فَلَا يَصِيرُ إلَى الْمَجَازِ فِي غَيْرِهَا بِغَيْرِ قَرِينَةٍ وَلِأَنَّهُمْ وَافَقُونَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ إلَى رَمَضَانَ لَا يَدْخُلُ رَمَضَانُ فِي الْأَجَلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الرابعة)

(9/191)


ذا شَرَطَا الْخِيَارَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ غَيْرَهَا ثُمَّ أَسْقَطَاهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ سَقَطَ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَكَذَا لَوْ أَسْقَطَ أَحَدُهُمَا خِيَارَهُ سَقَطَ وَبَقِيَ خِيَارُ الْآخَرِ وَلَوْ أَسْقَطَا الْيَوْمَ الْأَوَّلَ سَقَطَ الْجَمِيعُ وَلَوْ أَسْقَطَا الثَّالِثَ لَمْ يَسْقُطْ
مَا قَبْلَهُ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي فَلَوْ قَالَ أَسْقَطْتُ الْخِيَارَ فِي الْيَوْم الثَّانِي بِشَرْطِ أَنَّهُ يَبْقَى فِي الثَّالِثِ سَقَطَ خِيَارُهُ فِي الْيَوْمَيْنِ جَمِيعًا لِأَنَّهُ كَمَا لَا يَجُوزُ ان يشرط خِيَارًا مُتَرَاخِيًا عَنْ الْعَقْدِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَبْقِيَ خِيَارًا مُتَرَاخِيًا وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَبْقِيَ الْيَوْمَيْنِ تَغْلِيبًا لِلْإِسْقَاطِ لِأَنَّ الْأَصْلَ لُزُومُ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا جَوَّزْنَا الشَّرْطَ لِأَنَّهُ رُخْصَةٌ فَإِذَا عَرَضَ لَهُ ذَلِكَ حُكِمَ بِلُزُومِ الْعَقْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْخَامِسَةُ) فِيمَا يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ مِنْ الْعُقُودِ قَالَ أَصْحَابُنَا جُمْلَةُ الْقَوْلِ فِيهِ أَنَّهُ مَعَ خِيَارِ الْمَجْلِسِ مُتَلَازِمَانِ غَالِبًا لَكِنَّ خِيَارَ الْمَجْلِسِ أَسْرَعُ وَأَوْلَى ثُبُوتًا مِنْ خِيَارِ الشَّرْطِ فَقَدْ يَنْفَكَّانِ لِهَذَا فَإِذَا أَرَدْتَ التَّفْصِيلَ فَرَاجِعْ مَا سَبَقَ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَهُمَا مُتَّفِقَانِ فِي صُوَرِ الْوِفَاقِ وَالْخِلَافِ إلَّا فِي أَشْيَاءَ (أَحَدُهَا) أَنَّ الْبُيُوعَ الَّتِي يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ كَالصَّرْفِ وَبَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ أَوْ الْقَبْضِ فِي أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ كَالسَّلَمِ لَا يَجُوزُ شَرْطُ الْخِيَارِ فِيهَا بِلَا خِلَافٍ مَعَ أَنَّ خِيَارَ الْمَجْلِسِ يَثْبُتُ فِيهَا وَدَلِيلُ الْمَسْأَلَةِ مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ وَقَدْ أَهْمَلَ الْمُصَنِّفُ ذِكْرَ السَّلَمِ هُنَا وَلَكِنَّهُ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ السَّلَمِ (الثَّانِي) أَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ لَا يَثْبُتُ فِي الشُّفْعَةِ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا لَا يَثْبُتُ فِي الْحَوَالَةِ وَفِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ فِيهِمَا خِلَافٌ سَبَقَ (الثَّالِثُ) أَنَّهُ إذَا كَانَ رَجَعَ فِي سِلْعَةٍ بَاعَهَا ثُمَّ حُجِرَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْفَلَسِ لَا يَثْبُتُ فِيهَا خِيَارُ الشَّرْطِ بِلَا خِلَافٍ وَفِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ خِلَافٌ ضَعِيفٌ سَبَقَ (الرَّابِعُ) فِي الْهِبَةِ بشرط الثواب وَفِي الْإِجَارَةِ طَرِيقٌ قَاطِعٌ بِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ خِيَارُ الشَّرْطِ مَعَ جَرَيَانِ الْخِلَافِ فِي ثُبُوتِهِ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ (وَأَمَّا) شَرْطُ الْخِيَارِ فِي الصَّدَاقِ فَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إيضَاحُهُ وَتَفْصِيلُهُ وَمُخْتَصَرُهُ أَنَّ الْأَصَحَّ صِحَّةُ النِّكَاحِ وَفَسَادُ الْمُسَمَّى وَوُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ وَأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا قَدْ اشْتَهَرَ فِي الشَّرْعِ أَنَّ قَوْلَهُ لَا خِلَابَةَ عِبَارَةٌ عَنْ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِذَا أَطْلَقَ الْمُتَعَاقِدَانِ هَذِهِ اللَّفْظَةَ وَهُمَا عَالِمَانِ بِمَعْنَاهَا كَانَ كَالتَّصْرِيحِ بِالِاشْتِرَاطِ وَإِنْ كَانَا جَاهِلَيْنِ لَمْ يَثْبُتْ الْخِيَارُ قَطْعًا فَإِنْ عَلِمَهُ الْبَائِعُ دُونَ الْمُشْتَرِي فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي

(9/192)


وَابْنُ الْقَطَّانِ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَثْبُتُ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) يَثْبُتُ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ بَلْ غَلَطٌ لِأَنَّ مُعْظَمَ النَّاسِ لَا يَعْرِفُونَ ذَلِكَ وَالْمُشْتَرِي غَيْرُ عَارِفٍ بِهِ
(فَرْعٌ)
لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِشَرْطِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْقُدْهُ الثَّمَنَ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا أَوْ بَاعَ بِشَرْطِ أَنَّهُ إنْ رَدَّ الثَّمَنَ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وغيره
(أحدهما)
يصح العقد ويكون تقدير الصُّورَةِ الْأُولَى أَنَّ الْمُشْتَرِي شَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ فَقَطْ وَفِي الثَّانِيَةِ أَنَّ الْبَائِعَ شَرَطَهُ لِنَفْسِهِ فقط وهذا قول أبى اسحق قَالَ لِأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَجَازَ ذَلِكَ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ الصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِهِمْ وَبِهِ قَطَعَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ فِي الصُّورَتَيْنِ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِشَرْطِ خِيَارٍ بَلْ هُوَ شَرْطٌ فَاسِدٌ مُفْسِدٌ لِلْبَيْعِ لِأَنَّهُ شَرَطَ فِي الْعَقْدِ شَرْطًا مُطْلَقًا فَأَشْبَهَ مَا لَوْ بَاعَ بِشَرْطِ أَنَّهُ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ الْقَوْمَ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ بَاعَ عَبْدَيْنِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ بَطَلَ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَوْ بَاعَ أَحَدَهُمَا لَا بِعَيْنِهِ وَلَوْ بَاعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ الْمَشْهُورَانِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ وَكَذَا لَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ فِي أَحَدِهِمَا يَوْمًا وَفِي الْآخَرِ يَوْمَيْنِ (وَالْأَصَحُّ) صِحَّةُ الْبَيْعِ فَإِنْ صَحَّحْنَا الْبَيْعَ ثَبَتَ الْخِيَارُ فِيمَا شُرِطَ عَلَى مَا شَرَطَ
* وَلَوْ شَرَطَا الْخِيَارَ فِيهِمَا ثُمَّ أَرَادَا الْفَسْخَ فِي أَحَدِهِمَا فَعَلَى قَوْلَيْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ (الْأَصَحُّ) لَا يَجُوزُ وَلَوْ اشْتَرَى اثْنَانِ شَيْئًا مِنْ وَاحِدٍ صَفْقَةً وَاحِدَةً بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَلِأَحَدِهِمَا الْفَسْخُ فِي نَصِيبِهِ كَمَا فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَلَوْ شَرَطَا الْخِيَارَ لِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ قَوْلَانِ (الْأَصَحُّ) الصِّحَّةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ إذَا قَالَ بِعْتُكَ بِشَرْطِ خِيَارِ يَوْمٍ اقْتَضَى إطْلَاقَهُ الْيَوْمَ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْعَقْدُ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ شَهْرًا فَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ نِصْفَ النَّهَارِ مَثَلًا ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ إلَى أَنْ يَنْتَصِفَ النَّهَارُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَيَدْخُلَ اللَّيْلُ فِي حُكْمِ الْخِيَارِ لِلضَّرُورَةِ وَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ فِي أَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ ثَبَتَ إلَى مِثْلِهِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي وَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ فِي اللَّيْلِ ثَبَتَ الْخِيَارُ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ الْيَوْمِ الْمُتَّصِلِ بِذَلِكَ اللَّيْلِ
*

(9/193)


(فَرْعٌ)
إذَا شَرَطَا فِي الْبَيْعِ خِيَارًا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ فَلَوْ أَسْقَطَا الزِّيَادَةَ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْمَجْلِسِ وَقَبْلَ انْقِضَاءِ الثَّلَاثَةِ لَا يَنْقَلِبُ الْعَقْدُ صَحِيحًا عِنْدَنَا بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا
لَوْ بَاعَ بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ ثُمَّ قُدِّرَ الْأَجَلُ قَبْلَ أَنْ يُتَوَهَّمَ دُخُولُ وَقْتِ الْمُطَالَبَةِ لَا يَنْقَلِبُ الْعَقْدُ صَحِيحًا وَلَا خِلَافَ فِي الصُّورَتَيْنِ
* عِنْدَنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَصِحُّ الْعَقْدُ فِي الصُّورَتَيْنِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ وَقَعَ الْعَقْدُ فَاسِدًا وَبِإِسْقَاطِ الزِّيَادَةِ وَالْجَهَالَةِ يَعُودُ صَحِيحًا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ وَقَعَ صَحِيحًا وَإِذَا لَمْ تَسْقُطْ الزِّيَادَةُ فَسَدَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ مَوْقُوفٌ
* دَلِيلُنَا أَنَّ مَا وَقَعَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَثْبُتُ دَائِمًا لَمْ يُعَدَّ صَحِيحًا كَمَا لَوْ نَكَحَ امْرَأَةً وَعِنْدَهُ أَرْبَعٌ ثُمَّ طَلَّقَ إحْدَاهُنَّ لَا يُحْكَمُ بِصِحَّةِ نِكَاحِ الْخَامِسَةِ (أَمَّا) إذَا أَسْقَطَا الزِّيَادَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ هُنَا وَهُمَا مَشْهُورَانِ جَارِيَانِ فِي كُلِّ شَرْطٍ فَاسِدٍ قَارَنَ الْعَقْدَ ثُمَّ حُذِفَ فِي الْمَجْلِسِ
(أَحَدُهُمَا)
وَبِهِ قَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ يَصِحُّ الْعَقْدُ لِأَنَّ حُكْمَ الْمَجْلِسِ حُكْمٌ حَالَةَ الْعَقْدِ وَلِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ الله قال لو لم يذكروا فِي السَّلَمِ أَجَلًا ثُمَّ ذَكَرَاهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ جَازَ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ الصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْعَقْدَ بَاطِلٌ وَلَا يَعُودُ صَحِيحًا بِذَلِكَ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ إنَّمَا ثَبَتَ لِعَقْدٍ صَحِيحٍ لَا لِفَاسِدٍ (وَأَمَّا) السَّلَمُ فَفَرَّعَهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ صِحَّةُ السَّلَمِ مُطْلَقًا وَيَكُونُ حَالًّا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ تَبَايَعَا بِغَيْرِ إثْبَاتِ خِيَارِ الشَّرْطِ ثُمَّ شَرَطَا فِي الْمَجْلِسِ خِيَارًا أَوْ أَجَلًا فَفِيهِ الْخِلَافُ الْمَشْهُورُ (الْأَصَحُّ) ثُبُوتُهُ وَيَكُونُ كَالشَّرْطِ فِي الْعَقْدِ وَسَنُوَضِّحُ الْمَسْأَلَةَ مَبْسُوطَةً فِي بَابِ مَا يُفْسِدُ الْبَيْعَ مِنْ الشُّرُوطِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ لَا يَجُوزُ أَنْ يشرط الْخِيَارَ لِلْمُشْتَرِي وَأَنَّ الْوَكِيلَ فِي الشِّرَاءِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ الْخِيَارَ لِلْبَائِعِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الْمُوَكِّلِ كَمَا لَوْ بَاعَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ أَوْ لِمُوَكِّلِهِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَجُوزُ لِأَنَّ إطْلَاقَ الْبَيْعِ يَقْتَضِي الْبَيْعَ بِلَا شَرْطٍ فَلَا يَجُوزُ الشَّرْطُ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ فَعَلَى هَذَا لَوْ شَرَطَهُ كَانَ الْعَقْدُ بَاطِلًا (وَأَصَحُّهُمَا) يَصِحُّ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَةٌ

(9/194)


مِنْهُمْ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ هُنَا وَالْمُتَوَلِّي فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الْمُوَكِّل فِي هَذَا وَلِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْمَصْلَحَةِ وَهَذَا مِنْهَا
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا شَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ وَجَوَّزْنَاهُ عَلَى الْأَصَحِّ أَوْ أَذِنَ
فِيهِ الْمُوَكِّلُ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ وَلَا يَفْعَلُ إلَّا مَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ مِنْ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ بِخِلَافِ مَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَرِيبًا إذَا شَرَطَ الْخِيَارَ لِأَجْنَبِيٍّ وَصَحَّحْنَاهُ فَإِنَّهُ لَا يلزمه رعاية الحط لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُؤْتَمَنٍ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ جَعَلَ الْخِيَارَ لَهُ استئمان قَالَ وَهَذَا الْمَعْنَى أَظْهَرُ إذَا جَعَلْنَاهُ نَائِبًا عَنْ الْعَاقِدِ ثُمَّ هَلْ يَثْبُتُ لِلْمُوَكِّلِ الْخِيَارُ مَعَ الْوَكِيلِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا إذَا شَرَطَ الْخِيَارَ لِأَجْنَبِيٍّ وَقُلْنَا يَثْبُتُ لَهُ هَلْ يَثْبُتُ لِلشَّارِطِ فِيهِ وَجْهَانِ أَوْ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَثْبُتُ وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ بِالشَّرْطِ فَكَانَ لِمَنْ شَرَطَهُ خَاصَّةً أَمَّا إذَا أَذِنَ لَهُ الْمُوَكِّلُ فِي شَرْطِ الْخِيَارِ وَأَطْلَقَ فَشَرَطَ الْوَكِيلُ الْخِيَارَ مُطْلَقًا وَلَمْ يَقُلْ لِي وَلَا لِمُوَكِّلِي فَقَدْ ذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْوَكِيلِ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ
(وَالثَّانِي)
لِلْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ (وَالثَّالِثُ) لَهُمَا وَالْأَصَحُّ لِلْوَكِيلِ لِأَنَّ مُعْظَمَ أَحْكَامِ الْعَقْدِ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ وَحْدَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا مَضَتْ مُدَّةُ الْخِيَارِ مِنْ غَيْرِ فَسْخٍ وَلَا إجَازَةٍ تَمَّ الْبَيْعُ وَلَزِمَ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا
* وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَلْزَمُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ كَمَا لَا يَلْزَمُ الْمَوْلَى حُكْمُ الْإِيلَاءِ بِمُجَرَّدِ مُضِيِّ الْمُدَّةِ دَلِيلُنَا أَنَّ الْخِيَارَ يَمْنَعُ لُزُومَ الْعَقْدِ فَإِذَا انْقَضَتْ مُدَّتُهُ لَزِمَ بِخِلَافِ الْإِيلَاءِ * قال المصنف رحمه الله (وان شرط الخيار لاجنبي ففيه قولان
(أحدهما)
لا يصح لانه حكم من أحكام العقد فلا يثبت لغير المتعاقدين كسائر الاحكام
(والثانى)
يصح لانه جعل إلى شرطهما للحاجة وربما دعت الحاجة إلى شرطه للاجنبي بأن يكون أعرف بالمبتاع منهما
* فان شرطه للاجنبي (وقلنا) إنه يصح فهل يثبت له فيه وجهان
(أحدهما)
يثبت له لانه إذا ثبت للاجنبي من جهة فلان يثبت له أولى
(والثانى)
لا يثبت لان ثبوته بالشرط فلا يثبت الا لمن شرطه له
* قال الشافعي رحمه الله في الصرف

(9/195)


إذا اشتري بشرط الخيار على أن لا يفسخ حتى يستأمر فلانا لم يكن لَهُ أَنْ يَفْسَخَ حَتَّى يَقُولَ اسْتَأْمَرْتُهُ فَأَمَرَنِي بالفسخ فمن أصحابنا من قال له أن يفسخ من غير اذنه لان له أن يفسخ من غير شرط الاستئمار فلا يسقط حقه بذكر الاستئمار وتأول ما قاله على انه أراد أنه لا يقول استأمرته الا
بعد أن يستأمره لئلا يكون كاذبا (ومنهم) من حمله على ظاهره أنه لا يجوز أن يفسخ لانه ثبت بالشرط فكان على ما شرط)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ شَرْطُ الْخِيَارِ لِلْعَاقِدَيْنِ وَلِأَحَدِهِمَا بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ شَرَطَهُ لِأَجْنَبِيٍّ فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ يَصِحُّ الْبَيْعُ وَالشَّرْطُ وَهُوَ الْأَشْهَرُ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَبِهِ قَطَعَ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا وَلَيْسَ كَمَا ادَّعَى (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَجْهًا أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ وَالشَّرْطَ بَاطِلٌ قَالَ وَعَلَى هَذَا وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَكُونُ الْبَيْعُ لَازِمًا لَا خِيَارَ فِيهِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ بُطْلَانَ الْخِيَارِ يَخْتَصُّ بِالْأَجْنَبِيِّ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْعَاقِدِ وَكُلُّ هَذَا ضَعِيفٌ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ بَاعَ عَبْدًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْعَبْدِ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَصِحُّ الْبَيْعُ وَالشَّرْطُ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ مِنْ الْعَقْدِ فَأَشْبَهَ غَيْرَهُ وَأَطْلَقَ ابْنُ الْقَاصِّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي صُورَةِ الْعَبْدِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَهُوَ تَفْرِيعٌ مِنْهُ عَلَى قَوْلِنَا لَا يَصِحُّ شَرْطُهُ لِأَجْنَبِيٍّ فَأَمَّا إذَا صَحَّحْنَاهُ لِلْأَجْنَبِيِّ فَيَصِحُّ لِلْعَبْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا فَرْقَ على القولين بين أن يشرطا جَمِيعًا أَوْ أَحَدُهُمَا الْخِيَارَ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ أَوْ يَشْرِطُ أَحَدُهُمَا لِوَاحِدٍ وَالْآخَرُ لَآخِرَ فَلَوْ شَرَطَهُ أَحَدُهُمَا لِزَيْدٍ مِنْ جِهَتِهِ وَشَرَطَهُ الْآخَرُ لِزَيْدٍ أَيْضًا مِنْ جِهَتِهِ صَحَّ عَلَى قَوْلِنَا بِصِحَّتِهِ لِلْأَجْنَبِيِّ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَكِيلِ الْوَاحِدِ فِي طَرَفَيْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ أَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ أَحَدُهُمَا فَلَا يَنْفَرِدُ وَكِيلُهُمَا (وَأَمَّا) الْفَسْخُ وَالْإِجَازَةُ فَيَنْفَرِدُ بِهِ أَحَدُهُمَا فَانْفَرَدَ بِهِ وَكِيلُهُمَا
* قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَإِذَا شَرَطَهُ لِأَجْنَبِيِّ وَصَحَّحْنَاهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ قَبُولُ الْأَجْنَبِيِّ بِاللَّفْظِ بَلْ يَكُونُ امْتِثَالُهُ كَمَا لَوْ قَالَ بِعْ مَالِي فَإِنَّهُ يَكْفِي فِي قَبُولِ الْوَكَالَةِ إقْدَامُهُ

(9/196)


عَلَى الْبَيْعِ قَالُوا وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يُصَرِّحَ بِالرَّدِّ
* قَالَ أَصْحَابُنَا (فَإِذَا قُلْنَا) بِالْأَصَحِّ إنَّهُ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْأَجْنَبِيِّ الْمَشْرُوطِ لَهُ فَهَلْ يَثْبُتُ لِلشَّارِطِ أَيْضًا فِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِ ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ وَجَمَاعَةً حَكَوْهُ وَجْهَيْنِ وَحَكَاهُ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ قَوْلَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
يَثْبُتُ لَهُ أَيْضًا وَصَحَّحَهُ
الرُّويَانِيُّ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ لَا يَثْبُتُ وَهَذَا ظَاهِرُ نَصِّهِ فِي الصَّرْفِ وَفِي الْإِمْلَاءِ لِأَنَّهُ قَالَ فِي الْإِمْلَاءِ مَنْ بَاعَ سِلْعَةً عَلَى رِضَاءِ غَيْرِهِ كَانَ لِلَّذِي شُرِطَ لَهُ الرِّضَا الرَّدُّ وَلَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ لَمْ نُثْبِتْهُ لِلشَّارِطِ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ بَلْ خَصَصْنَا بِهِ الْأَجْنَبِيَّ فَمَاتَ الْأَجْنَبِيُّ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ فَهَلْ يَثْبُتُ الْآنَ لِلشَّارِطِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْبَغَوِيِّ وَالرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا يَثْبُتُ كَمَا يَثْبُتُ لِلْوَارِثِ
(وَالثَّانِي)
لَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَارِثٍ وَبِهَذَا جَزَمَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا أَثْبَتْنَا الْخِيَارَ لِلْأَجْنَبِيِّ وَالشَّارِطِ جَمِيعًا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الِاسْتِقْلَالُ بِالْفَسْخِ فَلَوْ فَسَخَ أَحَدُهُمَا وَاخْتَارَ الْآخَرُ قُدِّمَ الْفَسْخُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) إذَا اشْتَرَى شَيْئًا عَلَى أَنْ يُؤَامِرَ فُلَانًا فَيَأْتِيَ بِهِ مِنْ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ حَتَّى يَقُولَ اسْتَأْمَرْتُهُ فَأَمَرَنِي بِالْفَسْخِ
* وَتَكَلَّمَ الْأَصْحَابُ فِي النَّصِّ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ لَهُ إذَا شَرَطَ أَنْ يَقُولَ اسْتَأْمَرْتُهُ وَأَيُّ مَدْخَلٍ لَوْ أُمِرَ بِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَابِ هَذَا وَقَالَ الْقَائِلُونَ بِالْأَصَحِّ فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ إنَّ الْخِيَارَ الْمَشْرُوطَ لِلْأَجْنَبِيِّ يَخْتَصُّ بِالْأَجْنَبِيِّ هَذَا جَوَابٌ عَلَى الْمَذْهَبِ الَّذِي بيناه ومؤيد به وَقَالَ الْآخَرُونَ هُوَ مَذْكُورٌ احْتِيَاطًا وَلَا يُشْتَرَطُ اسْتِئْمَارُهُ وَإِنَّمَا أَرَادَ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا يَقُولُ استأمرته إلا بعد الاستئمار لئلا يكون كاذبا ونقل المارودى هذا عن أبى اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَالْبَصْرِيِّينَ كَافَّةً وَالْجَوَابُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ وَأَقْرَبُ إلَى ظَاهِرِ النَّصِّ لِأَنَّهُ قَالَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ وَلَمْ يَقُلْ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَكْذِبَ (الِاعْتِرَاضُ الثَّانِي) أَنَّهُ أَطْلَقَ فِي التَّصْوِيرِ شَرْطَ الْمُؤَامَرَةِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَمَا دُونَهَا وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَابِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ (الصَّحِيحُ) مِنْهُمَا باتفاقهم وبه قطع الجمهور أنه محمول عَلَى مَا إذَا قَيَّدَ ذَلِكَ بِالثَّلَاثَةِ فَإِنْ أَطْلَقَ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ
(وَالثَّانِي)
يُحْتَمَلُ الْإِطْلَاقُ وَالزِّيَادَةُ عَلَى الثَّلَاثَةِ كَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ فِي بَيْعِ الغائب

(9/197)


إذَا جَوَّزْنَاهُ فَإِنَّهُ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِيهِ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ (قَالَ) الْبَغَوِيّ وَإِذَا شَرَطَ الْمُؤَامَرَةَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَمَضَتْ الثَّلَاثَةُ وَلَمْ يُؤَامِرْهُ وأمره ولم يشر بشئ لَزِمَ الْعَقْدُ وَلَا يَنْفَرِدُ هُوَ بِالْفَسْخِ وَالْإِمْضَاءِ في مدة الثلاثة حتى يؤامر وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
إذَا شَرَطَ الْخِيَارَ لِأَجْنَبِيٍّ وَقُلْنَا يَصِحُّ شَرْطُهُ لَهُ وَثَبَتَ لَهُ وَلَهُمَا فَتَبَايَعَا بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِأَجْنَبِيٍّ وَصَرَّحَا بِنَفْيِهِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا فَفِي صِحَّةِ هَذَا الشَّرْطِ وَالنَّفْيِ وَجْهَانِ حكاهما امام الحرمين (أحدها) يَصِحُّ اتِّبَاعًا لِلشَّرْطِ
(وَالثَّانِي)
لَا يَصِحُّ وَالْأَوَّلُ أصح * قال المصنف رحمه الله
* (وإذا شرط الخيار في البيع ففى ابتداء مدته وجهان
(أحدهما)
من حين العقد لانه مدة ملحقة بالعقد فاعتبر ابتداؤها من حين العقد كالاجل ولانه لو اعتبر من حين التفرق صار أول مدة الخيار مجهولا لانه لا يعلم متى يفترقان
(والثانى)
انه يعتبر من حين التفرق لان ما قبل التفرق الخيار ثابت فيه بالشرع فلا يثبت فيه بشرط الخيار (فان قلنا) ان ابتداءه من حين العقد فشرط ان يكون من حين التفرق بطل لان وقت الخيار مجهول ولانه يزيد الخيار على ثلاثة أيام (وإن قلنا) ان إبتداءه من حين التفرق فشرط أن يكون من حين العقد ففيه وجهان
(أحدهما)
يصح لان ابتداء الوقت معلوم
(والثانى)
لا يصح لانه شرط ينافى موجب العقد فأبطله)
* (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ مُدَّةٌ مُلْحَقَةٌ بِالْعَقْدِ قَالَ الْقَلَعِيُّ هُوَ احْتِرَازٌ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ إذَا قُلْنَا لَا يُحْسَبُ إلَّا بَعْدَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا تَبَايَعَا بِشَرْطِ الْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَمَا دُونَهَا فَفِي ابْتِدَاءِ مُدَّتِهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ
(وَالثَّانِي)
مِنْ حِينِ انْقِطَاعِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ إمَّا بِالتَّخَايُرِ وَإِمَّا بِالتَّفَرُّقِ قَالَ الرُّويَانِيُّ هَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ الْقَطَّانِ وَابْنِ الْمَرْزُبَانِ وَالْأَوَّلُ قَوْلُ ابْنِ الْحَدَّادِ وَقَوْلُ ابْنِ الْحَدَّادِ هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ جَمِيعِ الْمُصَنِّفِينَ حَتَّى قال الرويانى قول ابن القطان ليس بشئ
* قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (فَإِنْ قُلْنَا) إنَّهُ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ فَشَرَطَاهُ مِنْ حِينِ التَّفَرُّقِ بَطَلَ الْبَيْعُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ
* وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ حِكَايَةِ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ وَجْهًا أَنَّهُ يَصِحُّ البيع

(9/198)


وَالشَّرْطُ وَهَذَا شَاذٌّ مَرْدُودٌ (فَإِنْ قُلْنَا) مِنْ حِينِ التَّفَرُّقِ فَشَرَطَاهُ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ فَوَجْهَانِ مشهوران ذكرهما الصمنف بِدَلِيلِهِمَا
(أَحَدُهُمَا)
يَبْطُلُ الْبَيْعُ (وَأَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لَا يَبْطُلُ مِمَّنْ صَحَّحَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالرُّويَانِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ
* قَالَ أَصْحَابُنَا (فَإِنْ قُلْنَا) ابْتِدَاءُ
الْمُدَّةِ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ فَانْقَضَتْ وَهُمَا مُصْطَحِبَانِ فَقَدْ انْقَطَعَ خِيَارُ الشَّرْطِ وَبَقِيَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَإِنْ تَفَرَّقَا وَالْمُدَّةُ بَاقِيَةٌ فَالْحُكْمُ بِالْعَكْسِ وَلَوْ أَسْقَطَا أَحَدَ الْخِيَارَيْنِ سَقَطَ وَلَمْ يَسْقُطْ الْآخَرُ وَلَوْ قَالَا أَلْزَمْنَا الْعَقْدَ أَوْ أَسْقَطْنَا الْخِيَارَ سَقَطَا جَمِيعًا وَلَزِمَ الْبَيْعُ هَذَا تَفْرِيعُ كَوْنِهِ مِنْ الْعَقْدِ (فَأَمَّا) إذَا قُلْنَا مِنْ التَّفَرُّقِ فَإِذَا تَفَرَّقَا انْقَطَعَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَابْتُدِئَ خِيَارُ الشَّرْطِ وَإِنْ أَسْقَطَا الْخِيَارَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ انْقَطَعَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَفِي خِيَارِ الشَّرْطِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا
(أَحَدُهُمَا)
يَنْقَطِعُ لِأَنَّ مُقْتَضَاهُمَا وَاحِدٌ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَنْقَطِعُ لِأَنَّهُ غَيْرُ ثَابِتٍ فِي الْحَالِ فَكَيْفَ يَسْقُطُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ شَرَطَا الْخِيَار بَعْد الْعَقْدِ وَقَبْلَ التَّفَرُّقِ وَقُلْنَا بِصِحَّتِهِ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ (فَإِنْ قُلْنَا) ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ التَّفَرُّقِ لَمْ يَخْتَلِفْ الْحُكْمُ (وَإِنْ قُلْنَا) مِنْ الْعَقْدِ حُسِبَتْ الْمُدَّةُ هُنَا مِنْ حِينِ الشَّرْطِ لَا مِنْ الْعَقْدِ وَلَا مِنْ التَّفَرُّقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا بَاعَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ فَفِي ابْتِدَاءِ وَقْتِ الْأَجَلِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْعِرَاقِيُّونَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ غَيْرِهِمْ أَنَّهُ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ وَجْهًا وَاحِدًا
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ مُرَتَّبٌ على ابتداء مدة الخيار ان جَعَلْنَاهَا مِنْ الْعَقْدِ فَالْأَجَلُ أَوْلَى بِذَلِكَ (وَإِنْ قُلْنَا) مِنْ التَّفَرُّقِ فَفِي الْأَجَلِ وَجْهَانِ وَهَذَا الطريق مشهور في كتب الخراسانين وَمِمَّنْ ذَكَرَهُ مِنْهُمْ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَأَبُو عَلِيِّ السِّنْجِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَجَمَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَقَالُوا فِي ابْتِدَاءِ مُدَّةِ الخيار والاجل ثلاثة أوجه (أصحها) مِنْ حِينِ الْعَقْدِ فِيهِمَا
(وَالثَّانِي)
مِنْ حِينِ التَّفَرُّقِ (وَالثَّالِثُ) الْأَجَلُ مِنْ الْعَقْدِ وَالْخِيَارُ مِنْ التَّفَرُّقِ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْأَجَلَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ فَكَانَ اجْتِمَاعُهُمَا أَقْرَبَ بِخِلَافِ خيار الشَّرْطِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ (فَإِنْ قِيلَ) لَا وَجْهَ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ يُحْسَبُ الْأَجَلُ مِنْ التَّفَرُّقِ وَقُلْنَا الْخِيَارُ يَمْنَعُ الْمُطَالَبَةَ بِالثَّمَنِ كَالْأَجَلِ فَكَانَ قَرِيبًا وَالْخِيَارُ فِي التَّحْقِيقِ تَأْجِيلٌ لِإِلْزَامِ

(9/199)


الْمِلْكِ أَوْ نَقْلِهِ وَالْأَجَلُ تَأْخِيرُ الْمُطَالَبَةِ قَالَ الْإِمَامُ وَمَنْ قَالَ بِتَأْخِيرِ الْأَجَلِ عَنْ الْعَقْدِ عن خِيَارِ الْمَجْلِسِ فَقِيَاسُهُ أَنَّهُ إذَا بَاعَ بِشَرْطِ خِيَارِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَبِشَرْطِ الْأَجَلِ أَنْ يَفْسَخَ أَوَّلَ الْأَجَلِ بَعْدَ انْقِضَاءِ خِيَارِ الثَّلَاثِ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ فِي مَعْنَاهُ وَلَا سَبِيلَ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الْمِثْلَيْنِ هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ
* وَالْمَذْهَبُ أَنَّ
الْأَجَلَ مِنْ الْعَقْدِ سَوَاءٌ شُرِطَ خِيَارُ الثَّلَاثِ أَمْ لَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الوسيط (وأما) مُدَّةُ الْإِجَازَةِ إذَا قُلْنَا يَثْبُتُ فِيهَا خِيَارُ الشَّرْطِ فَفِي ابْتِدَائِهَا هَذَا الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الْأَجَلِ قَالَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا مِنْ الْعَقْدِ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (ومن ثبت له الخيار فله أن يفسخ في محضر من صاحبه وفى غيبته لانه رفع عقد جعل إلى اختياره فجاز في حضوره وغيبته كالطلاق)
* (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ جُعِلَ إلَى اخْتِيَارِهِ قَالَ الْقَلَعِيُّ هُوَ احْتِرَازٌ مِنْ الْإِقَالَةِ وَالْخُلْعِ فَإِنَّهُمَا لَمْ يُجْعَلَا إلَى اخْتِيَارِهِ وَحْدَهُ بَلْ إلَى اخْتِيَارِهِمَا قَالَ أَصْحَابُنَا مَنْ ثَبَتَ لَهُ خِيَارُ الشَّرْطِ كَانَ لَهُ الْفَسْخُ فِي حَضْرَةِ صَاحِبِهِ وَفِي غيبته لما ذكره المصنف وهذا مَذْهَبُنَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَزُفَرُ وَأَبُو يُوسُفَ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي حَضْرَةِ صَاحِبِهِ وَلِهَذَا قَاسَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ مَجْمَعٌ عَلَى نُفُوذِهِ بِغَيْرِ حُضُورِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
الْإِقَالَةُ فَسْخٌ لِلْعَقْدِ عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ الْجَدِيدِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا تَصِحُّ إلَّا بِحُضُورِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجَمَاهِيرُ وَذَكَرَ الرُّويَانِيُّ فِيهَا وَجْهَيْنِ (الصَّحِيحُ) مِنْهُمَا هَذَا
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ إذَا قَالَ أَقِلْنِي ثُمَّ غَابَ فِي الْحَالِ ثُمَّ قَالَ الْآخَرُ أَقَلْتُكَ بِحَيْثُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا لِكَلَامِهِ صَحَّتْ الاقالة وان لم يسمعه لبعد مِنْهُ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ
* (فَرْعٌ)
إذَا فَسَخَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ مَالِكِهَا فَفِي صِحَّةِ الْفَسْخِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرُّويَانِيُّ هُنَا (أَحَدُهُمَا) لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْأَمَانَةَ لَا تَنْفَسِخُ بِالْقَوْلِ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ فَسَخْتُ الْأَمَانَةَ كَانَ عَلَى الْأَمَانَةِ مَا لَمْ يَرُدَّهَا حَتَّى لَوْ هَلَكَتْ قَبْلَ إمْكَانِ الرَّدِّ لَا ضَمَانَ
(وَالثَّانِي)
يَصِحُّ وَيَرْتَفِعُ حُكْمُ عَقْدِ الْوَدِيعَةِ وَيَبْقَى حُكْمُ الْأَمَانَةِ كَالثَّوْبِ إذَا أَلْقَتْهُ الرِّيحُ فِي دَارِ إنْسَانٍ يَكُونُ أَمَانَةً وَإِلَّا يَكُونُ وَدِيعَةً فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُعْلِمَ صَاحِبَهُ بِذَلِكَ فَإِنْ

(9/200)


أَخَّرَ الْإِعْلَامَ مَعَ الْقُدْرَةِ ضَمِنَ هَذَا كَلَامُ الرُّويَانِيِّ
* وَجَزَمَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُمَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِصِحَّةِ فَسْخِ الْوَدِيعَةِ فِي غَيْبَةِ الْمَالِكِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ تَنْفَسِخُ وَيَلْزَمُهُ رَدُّهَا إلَى مَالِكِهَا فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ دَفَعَهَا إلَى الْحَاكِمِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَهَلَكَتْ ضَمِنَ (فَإِنْ قِيلَ)
لَوْ انْفَسَخَتْ الْوَدِيعَةُ لَوَجَبَ أَنْ يَضْمَنَهَا إذَا تَلِفَتْ فِي يَدِهِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْفَسْخِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تَنْفَسِخَ وَلَا تَكُونُ مَضْمُونَةً (قُلْنَا) لَا يَمْتَنِعُ أَنْ تَنْفَسِخَ وَتَبْقَى فِي يَدِهِ أَمَانَةً وَلِهَذَا لَوْ حَضَرَ الْمَالِكُ وَقَالَ فَسَخْتُ وديعتي انفسخت وتكون امانة في يد إلَى أَنْ يُسَلِّمَهَا فَإِنْ ذَهَبَ لِيُحْضِرَهَا فَتَلِفَتْ قبل التمكن لم يضمنها والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* فان تصرف في المبيع تصرفا يفتقر إلى الملك كالعتق والوطئ والهبة والبيع وما أشبهها نظرت فان كان ذلك من البائع كان ذلك اختيارا للفسخ لانه تصرف يفتقر إلى الملك فجعل اختيارا للفسخ والرد إلى الملك وان كان ذلك من المشترى ففيه وجهان (قال) أبو إسحق ان كان ذلك عتقا كان اختيارا للامضاء وان كان غيره لم يكن ذلك اختيارا لان العتق لو وجد قبل العلم بالعيب منع الرد فاسقط خيار المجلس وخيار الشرط وما سواه لو وجد قبل العلم بالعيب لم يمنع الرد بالعيب فلم يسقط خيار المجلس وخيار الشرط (وقال) أبو سعيد الاصطخرى الجميع اختيار للامضاء وهو الصحيح لان الجميع يفتقر إلى الملك فكان الجميع اختيارا للملك ولان في حق البائع الجميع واحد فكذلك في حق المشترى فان وطئها المشترى بحضرة البائع وهو ساكت فهل ينقطع خيار البائع بذلك فيه وجهان
(أحدهما)
ينقطع لانه أمكنه أن يمنعه فإذا سكت كان ذلك رضاء بالبيع
(والثانى)
لا ينقطع لانه سكوت عن التصرف في ملكه فلا يسقط عليه حكم التصرف كما لو رأى رجلا يخرق ثوبه فسكت عنه وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ لِأَنَّ الْجَمِيعَ يَفْتَقِرُ إلَى الْمِلْكِ احْتِرَازً مِنْ الِاسْتِخْدَامِ (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ سُكُوتٌ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ قَالَ الْقَلَعِيُّ فِيهِ احْتِرَازٌ مِنْ الْمُودِعِ إذَا رَأَى مَنْ يَسْرِقُ الْوَدِيعَةَ فَسَكَتَ عَنْهُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَالَ أَصْحَابُنَا يَحْصُلُ الْفَسْخُ وَالْإِجَازَةُ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ

(9/201)


بِكُلِّ لَفْظٍ يُفْهَمُ مِنْهُ ذَلِكَ كَقَوْلِ الْبَائِعِ فَسَخْتُ الْبَيْعَ أَوْ اسْتَرْجَعْتُ الْمَبِيعَ أَوْ رَدَدْتُهُ أَوْ رَدَدْتُ الثَّمَنَ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَكُلُّ هَذَا فَسْخٌ وَالْإِجَازَةُ أَجَزْتُ الْبَيْعَ وَأَمْضَيْتُهُ وَأَسْقَطْتُ الْخِيَارَ وَأَبْطَلْتُ الْخِيَارَ وَنَحْوَ ذَلِكَ قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَقَوْلُ البائع في زمن الخيار لا أبتع حَتَّى يَزِيدَ فِي الثَّمَنِ مَعَ قَوْلِ الْمُشْتَرِي لَا أَفْعَلُ يَكُونُ فَسْخًا وَكَذَا قَوْلُ الْمُشْتَرِي لَا أَشْتَرِي حَتَّى يُنْقِصَ عَنِّي مِنْ الثَّمَنِ مَعَ قَوْلِ الْبَائِعِ لَا أَفْعَلُ وَكَذَا طَلَبُ
الْبَائِعِ حُلُولَ الثَّمَنِ الْمُؤَجَّلِ وَطَلَبُ الْمُشْتَرِي تَأْجِيلَ الثَّمَنِ الْحَالِّ كُلُّ هَذَا فَسْخٌ
* هَذَا كَلَامُ الصَّيْمَرِيِّ وَحَكَاهُ عَنْهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَسَكَتُوا عَلَيْهِ مُوَافِقِينَ لَهُ (الثَّانِيَةُ) إعْتَاقُ الْبَائِعِ إذا كان الخيار لهما أوله وَحْدَهُ يَنْفُذُ وَيَكُونُ فَسْخًا بِلَا خِلَافٍ وَفِي بَيْعِهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَيْسَ بِفَسْخٍ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ فَسْخٌ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ فَعَلَى هَذَا فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ كَالْعِتْقِ
(وَالثَّانِي)
لَا يَصِحُّ بَلْ يَحْصُلُ الْفَسْخُ دُونَ الْبَيْعِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجْرِي الوجهان في التزويج والاجازة وَكَذَا الرَّهْنُ وَالْهِبَةُ إنْ اتَّصَلَ بِهِمَا الْقَبْضُ سَوَاءٌ وَهَبَ لِوَلَدِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ فَإِنْ تَجَرَّدَ الرَّهْنُ وَالْهِبَةُ عَنْ الْقَبْضِ فَهُوَ كَالْعَرْضِ عَلَى الْبَيْعِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ مُتَّصِلًا بِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
الْعَرْضُ عَلَى الْبَيْعِ وَالْإِذْنُ فِي الْبَيْعِ وَالتَّوْكِيلُ فِيهِ وَالرَّهْنُ وَالْهِبَةُ إذَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِمَا قَبْضٌ فِي جَمِيعِ هَذَا وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهَا كُلَّهَا فَسْخٌ إنْ صَدَرَتْ مِنْ الْبَائِعِ وَإِجَازَةٌ إنْ صَدَرَتْ مِنْ الْمُشْتَرِي (وَأَصَحُّهُمَا) أَنَّهَا لَيْسَتْ فَسْخًا وَلَا إجَازَةً
* وَلَوْ بَاعَ الْمَبِيعَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنْ قُلْنَا لَا يَزُولُ مِلْكُ الْبَائِعِ فَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْهِبَةِ الْخَالِيَةِ عَنْ الْقَبْضِ وَإِنْ قُلْنَا يَزُولُ فَفِيهِ احْتِمَالٌ لِأَنَّهُ أَبْقَى لِنَفْسِهِ مُسْتَدْرَكًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الثَّالِثَةُ) لَوْ وَطِئَ الْبَائِعُ الْجَارِيَةَ الْمَبِيعَةَ فِي زَمَانِ الْخِيَارِ وَالْخِيَارُ لَهُ أَوْ لَهُمَا فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ) الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ فَسْخٌ لِإِشْعَارِهِ بِاخْتِيَارِ الْإِمْسَاكِ
(وَالثَّانِي)
لَا يَكُونُ فَسْخًا وَلَوْ وَطِئَ الرَّجْعِيَّةَ لَا تَكُونُ رَجْعَةً (وَالثَّالِثُ) إنْ نَوَى بِهِ الْفَسْخَ كَانَ فَسْخًا وَإِلَّا فَلَا وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ شَاذَّانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ وَحَكَى الثَّالِثَ مِنْهُمَا الدَّارِمِيُّ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ قَالُوا وَالْفَرْقُ

(9/202)


بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّجْعَةِ أَنَّ الرَّجْعَةَ جُعِلَتْ لَتَدَارُكِ مِلْكِ النِّكَاحِ وَابْتِدَاءُ مِلْكِ النِّكَاحِ لَا يَحْصُلُ بِالْفِعْلِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ بِالْقَوْلِ فَكَذَا تَدَارُكُهُ وَأَمَّا فَسْخُ الْبَيْعِ فَلِتَدَارُكِ مِلْكِ الْيَمِينِ وَابْتِدَاءُ مِلْكِ الْيَمِينِ يَحْصُلُ بِالْفِعْلِ كَالِاحْتِطَابِ وَالِاحْتِشَاشِ وَالِاصْطِيَادِ وَسَبْيِ الْجَارِيَةِ وَإِحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَعَلَى الصَّحِيحِ لَوْ بَاشَرَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ بِشَهْوَةٍ أَوْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ بِشَهْوَةٍ أَوْ اسْتَخْدَمَ الْجَارِيَةَ أَوْ الْعَبْدَ أَوْ الدَّابَّةَ أَوْ رَكِبَهَا هَلْ يَكُونُ فَسْخًا فِيهِ وَجْهَانِ
حَكَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وغيره (احدهما) يكون وبه القطع البغوي كالوطئ وَالْعِتْقِ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَكُونُ فَسْخًا وَزَيَّفَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَوْلَ مَنْ قَالَ الرُّكُوبُ وَالِاسْتِخْدَامُ فَسْخٌ وَقَالَ هُوَ هَفْوَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَلَوْ طَلَّقَ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ لَا بِعَيْنِهَا ثُمَّ وَطِئَ إحْدَاهُمَا لَمْ يَكُنْ تَعْيِينًا لِلطَّلَاقِ فِي الْأُخْرَى عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْقَوْلَيْنِ وَهَذَا مِمَّا أَوْرَدَهُ الْغَزَالِيُّ على الشافعي في مسألة وطئ الْبَائِعِ وَفَرَّقَ الْأَصْحَابُ نَحْوَ مَا سَبَقَ فِي فَرْقِ الرَّجْعَةِ وَحَاصِلُهُ الِاحْتِيَاطُ لِلنِّكَاحِ بِخِلَافِ الْمِلْكِ (الرابعة) وطئ الْمُشْتَرِي هَلْ هُوَ إجَازَةٌ مِنْهُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ يكون اجازة لانه متضمن للرضا وكما جعلنا وطئ البائع فسخا لتضمنه الرضا كذا وطئ المشتري اجازة لتضمنه الرضا
(والثانى)
لا لان وطئ الْمُشْتَرِي لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ فَلَا يَمْنَعُ الْفَسْخَ كَخِيَارِ الشَّرْطِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَهَذَا عَلَى قَوْلِنَا إنَّ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي فِي زَمَنِ الْخِيَارِ وَإِنَّ الْفَسْخَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ حِينِهِ لَا مِنْ أَصْلِهِ (وَالثَّالِثُ) إنْ كَانَ عَالِمًا بِثُبُوتِ الخيار له حالة الوطئ بطل خياره وان كان جاهلا فلا وصور جَهْلُهُ بِأَنْ يَرِثَ الْجَارِيَةَ مِنْ مُوَرِّثِهِ وَلَا يَعْلَمُ أَنَّ مُوَرِّثَهُ اشْتَرَاهَا بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَقَاسَهُ هَذَا الْقَائِلُ عَلَى الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فَإِنَّهُ إذَا وَطِئَ وَهُوَ عَالِمٌ بِالْعَيْبِ بَطَلَ حَقُّهُ مِنْ الرَّدِّ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا فَلَا وَلَمْ يُفَرِّقْ الْأَصْحَابُ بَيْنَ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنْ وَطِئَ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ بَطَلَ خِيَارُهُ وَإِنْ وَطِئَ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ فَوَجْهَانِ فَحَصَلَ وَجْهٌ رَابِعٌ فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ يَبْطُلُ خِيَارُ الشَّرْطِ دُونَ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) إعْتَاقُهُ فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ نَفَذَ وَحَصَلَتْ الْإِجَازَةُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ وَلَزِمَ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَفِي نُفُوذِهِ خِلَافٌ سَنَذْكُرُهُ وَاضِحًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي تَفْرِيعِ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ فِي الْمِلْكِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ لِمَنْ هُوَ وَمُخْتَصَرُهُ أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ إعْتَاقُهُ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ فَإِنْ

(9/203)


كَانَ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ نَفَذَ (فَإِنْ قُلْنَا) يَنْفُذُ حَصَلَتْ الْإِجَازَةُ قَطْعًا وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْحُصُولُ أَيْضًا لِدَلَالَتِهِ عَلَى الرِّضَا وَاخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَآخَرُونَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَيَتَّجِهُ ان يقال ان أعتق وهو يعلم عدم نُفُوذَهُ لَمْ يَكُنْ إجَازَةً قَطْعًا وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ (أَمَّا) إذَا بَاعَ الْمُشْتَرِي أَوْ وَقَفَ أَوْ وَهَبَ وَأَقْبَضَ بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ فلا ينفذ شئ مِنْ ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ يَكُونُ إجَازَةً فِيهِ وَجْهَانِ
مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) يَكُونُ إجَازَةً وَبِهِ قَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ والاصحاب
(والثانى)
لا يكون قاله ابو اسحق الْمَرْوَزِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ بَاشَرَ الْمُشْتَرِي هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ بِإِذْنِ الْبَائِعِ أَوْ بَاعَ الْمَبِيعَ لِلْبَائِعِ نَفْسِهِ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) صِحَّةُ التَّصَرُّفِ لِتَضَمُّنِهِ الْإِجَازَةُ
(وَالثَّانِي)
لَا لِضَعْفِ الْمِلْكِ وَعَدَمِ تَقَدُّمِ الْإِجَازَةِ (قَالَ) ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا يَصِيرُ الْبَيْعُ لَازِمًا وَيَسْقُطُ الْخِيَارُ (قَالَ) الرَّافِعِيُّ وَقِيَاسُ مَا سَبَقَ أَنَّا إذَا لَمْ نُنَفِّذْهَا كَانَ سُقُوطُ الْخِيَارِ عَلَى وَجْهَيْنِ وَالْمَذْهَبُ مَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَمُوَافِقُوهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* أَمَّا إذَا أَذِنَ لَهُ الْبَائِعُ فِي طَحْنِ الْحِنْطَةِ الْمَبِيعَةِ فَطَحَنَهَا فَإِنَّهُ إجَازَةٌ مِنْهُمَا (قَالَ) الصَّيْدَلَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَمُجَرَّدُ الْإِذْنِ فِي هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ لَا يَكُونُ إجَازَةً مِنْ الْبَائِعِ مَا لَمْ يَتَصَرَّفَ حَتَّى لَوْ رَجَعَ الْبَائِعُ قَبْلَ التَّصَرُّفِ كَانَ عَلَى خِيَارِهِ وَفِي هَذَا الَّذِي قَالُوهُ نظر لان الاعتبار بالدلالة على الرضا وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِمُجَرَّدِ الْإِذْنِ وَسَيَأْتِي فِي الْمَسْأَلَةِ الْخَامِسَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ خِلَافٌ فِي هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْخَامِسَةُ) إذَا وَطِئَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَةَ فَقَدْ سَبَقَ الْخِلَافُ فِي كَوْنِهِ إجَازَةً مِنْهُ وَأَمَّا خِيَارُ الْبَائِعِ فان كان جاهلا بوطئ الْمُشْتَرِي لَمْ يَسْقُطْ قَطْعًا وَإِنْ أَدْرَكَهُ حَصَلَتْ الْإِجَازَةُ مِنْهُ قَطْعًا وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي مهر ولا قيمة الوطئ قَطْعًا وَتَصِيرُ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ وَلَكِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَطَأُ أَوْ رَآهُ يَطَأُ وَسَكَتَ عَلَيْهِ فَهَلْ يَسْقُطُ خِيَارُ البائع ويكون مخيرا فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) لَا يَكُونُ مُجِيزًا قَطْعًا وَكَمَا لَوْ سَكَتَ على وطئ أَمَتِهِ لَا يَسْقُطُ بِهِ الْمَهْرُ قَطْعًا أَوْ عَلَى تَخْرِيقِ ثَوْبِهِ لَا يُسْقِطُ الْقِيمَةَ قَطْعًا هَكَذَا ذَكَرَ الْأَصْحَابُ الْمَسْأَلَةَ وَلَمْ يُفَرَّقُوا بَيْنَ خِيَارِ الشَّرْطِ وَخِيَارِ الْمَجْلِسِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي إذَا أبطلنا

(9/204)


خيار المشترى بالوطئ وكان البائع جاهلا بوطئ الْمُشْتَرِي فَإِنْ كَانَ خِيَارُ الشَّرْطِ لَمْ يَبْطُلْ حَقُّ الْبَائِعِ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ فَوَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْوَجْهَيْنِ السَّابِقِينَ فِيمَا إذَا أَسْقَطَ الْمُشْتَرِي خِيَارَهُ هَلْ يَسْقُطُ خِيَارُ الْبَائِعِ أَمْ لَا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ شَاذٌّ مَرْدُودٌ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ كَالشَّرْطِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَلَوْ أَذِنَ له البائع في الوطئ وَلَمْ يَطَأْهَا هَلْ يَبْطُلُ خِيَارُ الْبَائِعِ بِمُجَرَّدِ الْإِذْنِ فِيهِ خِلَافٌ مُرَتَّبٌ (إنْ قُلْنَا) إذَا رآه يطاء فَسَكَتَ يَبْطُلُ فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ وُجِدَ هُنَا صَرِيحُ الْإِذْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
إذَا تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ بِبَيْعٍ أَوْ رَهْنٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ تَزْوِيجٍ وَنَحْوِهَا وَصَحَّحْنَاهُ يَبْطُلُ خِيَارُ الْبَائِعِ إذَا لَمْ يَكُنْ أُذِنَ فِي ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ
* وَاحْتَجَّ لَهُ الْمُتَوَلِّي بِأَنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ لَا تُبْطِلُ مَالِيَّةَ الممتنع وهى قابلة للرفع والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (وان جن من له الخيار أو أغمى عليه انتقل الخيار إلى الناظر في ماله وإن مات فان كان في خيار الشرط انتقل الخيار الى من ينتقل إليه المال لانه حق ثابت لاصلاح المال فلم يسقط بالموت كالرهن وحبس المبيع على الثمن فان لم يعلم الوارث حتى مضت المدة ففيه وجهان
(أحدهما)
يثبت له الخيار في القدر الذى بقى من المدة لانه لما انتقل الخيار إلى غير من شرط له بالموت وجب أن ينتقل إلى غير الزمان الذى شرط فيه
(والثانى)
انه تسقط المدة ويثبت الخيار للوارث على الفور لان المدة فاتت وبقى الخيار فكان على الفور كخيار الرد بالعيب وان كان في خيار المجلس فقد روى المزني أن الخيار للوارث وقال في المكاتب إذا مات وجب البيع فمن أصحابنا من قال لا يسقط الخيار بالموت في المكاتب وغيره (وقوله) في المكاتب وجب البيع أراد به انه لا ينفسخ بالموت كما تنفسخ الكتابة ومنهم من قال يسقط الخيار في بيع المكاتب ولا يسقط في بيع غيره لان السيد يملك بحق الملك فإذا لم يملك في حياة المكاتب لم يملك بعد موته والوارث يملك بحق الارث فانتقل إليه بموته ومنهم من نقل جَوَابَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ إلَى الْأُخْرَى وخرجهما على قولين

(9/205)


(أحدهما)
انه يسقط الخيار لانه إذا سقط الخيار بالتفرق فلان يسقط بالموت - والتفرق فيه أعظم - أولى
(والثانى)
لا يسقط وهو الصحيح لانه خيار ثابت لفسخ البيع فلم يبطل بالموت كخيار الشرط فعلى هذا ان كان الذى انتقل إليه الخيار حاضرا ثبت له الخيار الا أن يتفارقا أو يتخايرا وان كان غائبا ثبت له الخيار إلى أن يفارق الموضع الذى بلغه فيه)
* (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ حَقٌّ ثَابِتٌ لِإِصْلَاحِ الْمَالِ احْتِرَازٌ مِمَّنْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ زَوْجَاتٍ وَأَسْلَمْنَ وَمَاتَ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ فَإِنَّ الْخِيَارَ لَا يَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ (وَقَوْلُهُ) خِيَارٌ ثَابِتٌ لِفَسْخِ البيع احترز بِالْفَسْخِ عَنْ خِيَارِ الْقَبُولِ فِي إيجَابِ الْبَيْعِ وَهُوَ إذَا قَالَ الْبَائِعُ بِعْتُكَ فَمَاتَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبُولِ لَمْ
يَقْبَل الْوَارِثُ عَنْهُ وَاحْتَرَزَ بِالْبَيْعِ عَنْ فَسْخِ النِّكَاحِ بِالْعَيْبِ وَبِعِتْقِ الْأَمَةِ تَحْتَ عَبْدِهِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَطُرُقُ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ وَخِيَارَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ يَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ بِمَوْتِ الْمُوَرِّثِ وَإِلَى السَّيِّدِ بِمَوْتِ الْمُكَاتَبِ فِي مُدَّتِهِ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا إلَّا أَنَّ الرَّافِعِيَّ حَكَى أَنَّ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ قَوْلًا شَاذًّا أَنَّهُ يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ مُخَرَّجًا مِنْ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَهَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا وَمَرْدُودٌ فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ فَإِنْ كانت المدة باقية عند بلوع الْخَبَرِ ثَبَتَ لِلْوَارِثِ الْخِيَارُ إلَى انْقِضَائِهَا وَإِنْ كانت قد انقضت فأربعة أوجه الوجهان الْأَوَّلَانِ مِنْهَا مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) يَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ هَذَا ظَاهِرُ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) يَثْبُتُ فِي الْقَدْرِ الَّذِي كَانَ بَقِيَ عِنْدَ الْمَوْتِ (والثالث) يبقى الخيار مادام الْمَجْلِسُ الَّذِي بَلَغَهُ فِيهِ الْخَبَرُ حَكَاهُ الْقَفَّالُ والرويانى

(9/206)


وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ (وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ) يَسْقُطُ الْخِيَارُ وَيَلْزَمُ الْبَيْعُ بِمُجَرَّدِ مُضِيِّ الْمُدَّةِ حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ وَبِهِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ لِفَوَاتِ الْمُدَّةِ وَهَذَا شَاذٌّ مَرْدُودٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَأَمَّا خِيَارُ الْمَجْلِسِ فَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ أَنَّ الْخِيَارَ لِوَارِثِهِ وَقَالَ فِي الْمُكَاتَبِ إذَا بَاعَ وَمَاتَ فِي الْمَجْلِسِ وَجَبَ الْبَيْعُ وَلِلْأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ثَلَاثُ طُرُقٍ مَشْهُورَةٍ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ بدلائلها واضحة (احدها) وهو قول ابى اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَهُوَ أَصَحُّهَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْوَارِثِ وَلِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ كَخِيَارِ الشَّرْطِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ
(وَالثَّانِي)
لَا يَثْبُتُ بَلْ يَلْزَمُ الْبَيْعُ بِمُجَرَّدِ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْمُفَارَقَةِ مِنْ مُفَارَقَتِهِ بِالْبَدَنِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) يَثْبُتُ لَهُمَا قَطْعًا وَتَأْوِيلُ نَصِّ الْمُكَاتَبِ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ (وَالثَّالِثُ) تَقْرِيرُ النَّصَّيْنِ وَهُوَ ثُبُوتُ الْخِيَارِ لِلْوَارِثِ دُونَ السَّيِّدِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَارِثَ خَلِيفَةُ الْمَيِّتِ بِخِلَافِ السَّيِّدِ
* وَلَوْ مَاتَ الْعَاقِدَانِ فِي الْمَجْلِسِ فَفِي انْتِقَالِ الْخِيَارِ إلَى وَارِثِهِمَا وَسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي مَوْتِ أَحَدِهِمَا صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* أَمَّا إذَا بَاعَ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ لَهُ أَوْ اشْتَرَى وَمَاتَ فِي الْمَجْلِسِ فَكَالْمُكَاتَبِ وَكَذَا الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ إذَا مَاتَ فِي الْمَجْلِسِ هَلْ لَلْمُوَكِّلِ الْخِيَارُ فِيهِ الْخِلَافُ كَالْمُكَاتَبِ هَذَا إذَا فَرَّعْنَا عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِمَجْلِسِ الْوَكِيلِ وَفِي وَجْهٍ شَاذٍّ ضَعِيفٍ يُعْتَبَرُ مجلس الموكل
وهو شاذ ليس بشئ
* قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْخِيَارُ لِلْوَارِثِ فَقَدْ انْقَطَعَ خِيَارُ الْمَيِّتِ (وَأَمَّا) الْعَاقِدُ الْآخَرُ الْحَيُّ فَذَكَرَ الْبَغَوِيّ أَنَّ خِيَارَهُ لَا يَنْقَطِعُ حَتَّى يُفَارِقَ ذَلِكَ الْمَجْلِسَ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ يَلْزَمُ الْعَقْدُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيَجُوزُ تَقْرِيرُ خِلَافٍ لِمَا سَبَقَ أَنَّ هَذَا الْخِيَارَ لَا يَتَبَعَّضُ سُقُوطُهُ كَمَوْتِهِ وَذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِيهِ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
يَمْتَدُّ إلَى أَنْ يُفَارِقَ مَجْلِسَهُ ثُمَّ يَنْقَطِعَ
(وَالثَّانِي)
يَبْقَى إلَى أَنْ يَجْتَمِعَ هُوَ وَالْوَارِثُ الْآخَرُ (وَالثَّالِثُ) يَمْتَدُّ إلَى مُفَارَقَتِهِ مَجْلِسَ الْعَقْدِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ

(9/207)


وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَحَكَى الرُّويَانِيُّ وَجْهًا رَابِعًا أَنَّهُ يَنْقَطِعُ خِيَارُهُ بِمَوْتِ صَاحِبِهِ فَإِذَا بَلَغَ الْخَبَرُ إلَى وَارِثِهِ حَدَثَ لِهَذَا الْحَيِّ الْخِيَارُ مَعَهُ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ (فَإِنْ قُلْنَا) يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْوَارِثِ فَإِنْ كَانَ حَاضِرًا فِي الْمَجْلِسِ امْتَدَّ الْخِيَارُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَاقِدِ الْآخَرِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا أَوْ يَتَخَايَرَا وَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَلَهُ الْخِيَارُ إذَا وَصَلَهُ الْخَبَرُ وَهَلْ هُوَ عَلَى الْفَوْرِ أَمْ يَمْتَدُّ امْتِدَادَ مَجْلِسِ بُلُوغِ الْخَبَرِ إلَيْهِ فِيهِ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ إذَا وَرِثَهُ الْوَارِثُ وَبَلَغَهُ الْخَبَرُ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْخِيَارِ فَفِي وَجْهٍ هُوَ عَلَى الْفَوْرِ وَفِي وَجْهٍ يَمْتَدُّ كَمَا كَانَ يَمْتَدُّ لِلْمَيِّتِ لَوْ بَقِيَ.
وَمِنْهُمْ مَنْ بَنَاهُمَا عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي كَيْفِيَّةِ ثُبُوتِهِ لِلْعَاقِدِ الْبَاقِي
(أحدهما)
له الخيار مادام فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ خِيَارُ الْوَارِثِ ثَابِتًا فِي الْمَجْلِسِ الَّذِي يُشَاهِدُ فِيهِ الْمَبِيعَ
(وَالثَّانِي)
يَتَأَخَّرُ خِيَارُهُ إلَى أَنْ يَجْتَمِعَ هُوَ وَالْوَارِثُ فِي مَجْلِسٍ فَحِينَئِذٍ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْوَارِثِ وَجَمَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ هَذَا الخلاف فحكى في المسألة ثلاثة أوجه (أحدها) يَثْبُتُ لَهُ عَلَى الْفَوْرِ
(وَالثَّانِي)
مَا لَمْ يُفَارِقْ مَجْلِسَ بُلُوغِ الْخَبَرِ (وَالثَّالِثُ) مَا لَمْ يَجْتَمِعْ هُوَ وَالْعَاقِدُ الْآخَرُ وَحَكَى الرُّويَانِيُّ وَجْهًا رَابِعًا أَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ إذَا أَبْصَرَ السِّلْعَةَ وَلَا يَتَأَخَّرُ عَنْ ذَلِكَ (وَالْأَصَحُّ) أَنَّ خيار الوارث يثبت مادام فِي مَجْلِسِ بُلُوغِ الْخَبَرِ إلَيْهِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَشَيْخُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ وهو قول أبى اسحق الْمَرْوَزِيِّ
* (فَرْعٌ)
إذَا وَرِثَ خِيَارَ الْمَجْلِسِ اثْنَانِ فَصَاعِدًا وَكَانُوا حُضُورًا فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ فَلَهُمْ الْخِيَارُ إلَى أَنْ يُفَارِقُوا الْعَاقِدَ الْآخَرَ وَلَا يَنْقَطِعُ بِمُفَارَقَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى الْأَصَحِّ الْمَشْهُورِ وَبِهِ جَزَمَ الْأَكْثَرُونَ فَإِنْ كَانُوا غَائِبِينَ عَنْ الْمَجْلِسِ قَالَ الْمُتَوَلِّي إنْ قُلْنَا فِي الْوَارِثِ الْوَاحِدِ يَثْبُتُ الْخِيَارُ فِي مَجْلِسِ مُشَاهَدَةِ الْمَبِيعِ
فَلَهُمْ الْخِيَارُ إذَا اجْتَمَعُوا فِي مَجْلِسٍ (وَإِنْ قُلْنَا) لَهُ الْخِيَارُ إذَا اجْتَمَعَ هُوَ وَالْعَاقِدُ وَكَذَا لَهُمْ الْخِيَارُ إذَا اجْتَمَعُوا هُمْ وَهُوَ وَمَتَى فَسَخَ بَعْضُهُمْ وَأَجَازَ بَعْضُهُمْ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ الْقَطَّانِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ (احدهما) لا ينفسخ في شئ (وَأَصَحُّهُمَا) يَنْفَسِخُ فِي الْجَمِيعِ كَالْمُوَرِّثِ لَوْ فَسَخَ فِي حَيَاتِهِ فِي بَعْضِهِ وَأَجَازَ فِي بَعْضٍ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُبَعَّضُ الفسخ لان فيه اضرار بِالْعَاقِدِ الْآخَرِ قَالَ وَلَوْ حَضَرَ بَعْضُهُمْ وَغَابَ الْبَعْضُ فَلِلْحَاضِرِ الْخِيَارُ فَإِنْ فَسَخَ وَقُلْنَا يَغْلِبُ الْفَسْخُ نَفَذَ الْفَسْخُ

(9/208)


فِي الْجَمِيعِ وَإِنْ أَجَازَ تَوَقَّفْنَا حَتَّى يَبْلُغَ الْخَبَرُ إلَى الْغَائِبِ هَذَا مَا نَقَلَهُ الْمُتَوَلِّي
* وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ إنْ مَاتَ الْبَائِعُ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ وَرَثَتِهِ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالْفَسْخِ فِي حِصَّتِهِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ مَاتَ الْمُشْتَرِي فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَثْبُتُ الْفَسْخُ لِكُلٍّ مِنْ وَرَثَتِهِ كَعَكْسِهِ (وَأَصَحُّهُمَا) لَيْسَ لِأَحَدِهِمْ الْفَسْخُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ بِتَبْعِيضِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ فَيَزُولُ عَنْهُ الضَّرَرُ بِخِلَافِ الْبَائِعِ وَالْمَذْهَبُ مَا ذَكَرَهُ المتولي
* (فرع)
لوجن الْعَاقِدَيْنِ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ لَمْ يَنْقَطِعْ الْخِيَارُ بَلْ يَقُومُ وَلِيُّهُ أَوْ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ فَيَفْعَلُ مَا فِيهِ الْحَظُّ مِنْ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ
* هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَفِيهِ وَجْهٌ مُخَرَّجٌ مِنْ الْمَوْتِ أَنَّهُ يَنْقَطِعُ حَكَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ مِنْهُمْ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ قَالَ وليس هو بشئ وَلَوْ خَرِسَ أَحَدُهُمَا فِي الْمَجْلِسِ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَتْ لَهُ إشَارَةٌ مَفْهُومَةٌ أَوْ كِتَابَةٌ فهو على خياره والانصب الْحَاكِمُ نَائِبًا عَنْهُ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا
* (فَرْعٌ)
إذَا جُنَّ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَأَقَامَ الْقَاضِي فِيمَا يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الْخِيَارِ فَفَسَخَ الْقَيِّمُ أَوْ أَجَازَ فَأَفَاقَ الْعَاقِدُ وَادَّعَى أَنَّ الْغِبْطَةَ خِلَافُ مَا فَعَلَهُ الْقَيِّمُ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ يَنْظُرُ الْحَاكِمُ فِي ذَلِكَ فَإِنْ وَجَدَ الْأَمْرَ كَمَا يَقُولُ الْمُفِيقُ مَكَّنَهُ مِنْ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ وَنَقَضَ فِعْلَ الْقَيِّمِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَا ادَّعَاهُ الْمُفِيقُ ظَاهِرًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَيِّمِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيمَا فَعَلَهُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمُفِيقُ بَيِّنَةً بِمَا ادَّعَاهُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ حَيْثُ أَثْبَتْنَا خِيَارَ الْمَجْلِسِ أَوْ الشَّرْطِ لِلْوَارِثِ وَكَانَ وَاحِدًا فَإِنْ
قَالَ أَجَزْتُ انْبَرَمَ الْعَقْدُ وَإِنْ قَالَ فَسَخْتُ انْفَسَخَ وَإِنْ قَالَ أَجَزْتُ وَفَسَخْتُ أَوْ فَسَخْتُ وَأَجَزْتُ فَالْحُكْمُ بِاللَّفْظِ الْمُتَقَدِّمِ مِنْهُمَا وَإِنْ قَالَ أَجَزْتُ في النصف وفسخت فِي النِّصْفِ غَلَبَ الْفَسْخُ كَمَا لَوْ فَسَخَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ وَأَجَازَ الْآخَرُ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ الْفَسْخُ كَمَا سَبَقَ
* (فَرْعٌ)
لَوْ حَضَرَ الْمُوَكِّلُ مَجْلِسَ الْعَقْدِ فَحَجَرَ عَلَى الْوَكِيلِ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ فَمَنَعَهُ الْفَسْخَ وَالْإِجَازَةَ فَقَدْ ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالْوَسِيطِ كَلَامًا مَعْنَاهُ أَنَّ فِيهِ احْتِمَالَيْنِ (أَحَدُهُمَا) يَجِبُ الِامْتِثَالُ

(9/209)


فَيَنْقَطِعُ خِيَارُ الْوَكِيلِ قَالَ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ رُجُوعُ الْخِيَارِ إلَى الْمُوَكِّلِ وَهُوَ مُشْكِلٌ
(وَالثَّانِي)
لَا يَمْتَثِلُ لِأَنَّهُ مِنْ لَوَازِمِ السَّبَبِ السَّابِقِ وَهُوَ الْمَنْعُ لَكِنَّهُ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ بَيَانَ (1) الْوَكَالَةِ الَّتِي مُقْتَضَاهَا امْتِثَالُ قَوْلِ الْمُوَكِّلِ وَهَذَا الثَّانِي أَرْجَحُ هَذَا مَعْنَى كَلَامِ الْغَزَالِيِّ وَلَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ وَإِنْ كَانَتْ عِبَارَتُهُ مُوهِمَةً إثْبَاتَ خِلَافٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَمَاتَ من لا خيار له بقى الخيار للآخر بِلَا خِلَافٍ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَهَذَا كَمَا أَنَّ الدَّيْنَ الْمُؤَجَّلَ لَا يَحِلُّ بِمَوْتِ مَنْ لَهُ الدَّيْنُ وَإِنَّمَا يَحِلُّ بِمَوْتِ مَنْ عَلَيْهِ وَتُتَصَوَّرُ الْمَسْأَلَةُ فِي الشَّرْطِ وَتُتَصَوَّرُ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ إذَا أَجَازَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ ثُمَّ مَاتَ الْمُخَيَّرُ فِي الْمَجْلِسِ
* (فَرْعٌ)
إذَا شَرَطَ الْخِيَارَ لِأَجْنَبِيٍّ وَصَحَّحْنَاهُ وَخَصَّصْنَاهُ بِهِ دُونَ الشَّارِطِ فَمَاتَ فَفِي انْتِقَالِهِ إلَى الشَّارِطِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الْمُكَاتَبِ ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي مَسْأَلَةِ شَرْطِ الْخِيَارِ لِلْأَجْنَبِيِّ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَى وَارِثِ الْأَجْنَبِيِّ قَالَ وَكَذَا لَوْ شَرَطَ الْوَكِيلُ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ حَيْثُ يَصِحُّ وَخَصَّصْنَاهُ بِهِ فَمَاتَ لَا يَنْتَقِلُ إلَى وَارِثِهِ بِلَا خِلَافٍ وَفِي انْتِقَالِهِ إلَى الْمُوَكِّلِ الْخِلَافُ كَالْمُكَاتَبِ وَحَكَى الْفُورَانِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَى وَارِثِ الْوَكِيلِ وَهَذَا ضَعِيفٌ أَوْ غَلَطٌ وَحَكَى أَيْضًا طَرِيقًا آخَرَ أَنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُوَكِّلِ قَطْعًا وَادَّعَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ لِأَنَّهُ نَائِبُهُ وَطَرِيقًا ثَالِثًا أَنَّهُ يَبْطُلُ الْخِيَارُ قَطْعًا وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ هَذَا الطَّرِيقَ وَالْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ كَالْمُكَاتَبِ وَالصَّحِيحُ عَلَى الْجُمْلَةِ أَنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُوَكِّلِ قَالَ وَكَذَا الْمُكَاتَبُ إذَا شَرَطَ الْخِيَارَ ثُمَّ عَجَّزَ نَفْسَهُ هَلْ يَنْتَقِلُ الْخِيَارُ إلَى سَيِّدِهِ فِيهِ
الْخِلَافُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ خِيَارَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ يَثْبُتُ لِلْوَارِثِ بِلَا خِلَافٍ إذَا مَاتَ الْوَارِثُ قَبْلَ التَّقْصِيرِ الْمُسْقِطِ
* وَهَذَا حُكْمُ خِيَارِ الْخُلْفِ فِيمَا إذَا شَرَطَ أَنَّ الْعَبْدَ كَاتِبٌ فَأَخْلَفَ وَنَحْوَهُ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَهَكَذَا الْخِيَارُ الثَّابِتُ لِلْبَائِعِ عِنْدَ عَجْزِ الْمُشْتَرِي عَنْ تَسْلِيمِ الرَّهْنِ الْمَشْرُوطِ فِي الْبَيْعِ ينتقل إلى الوارث
__________
(1) كذا بالاصل فحرر

(9/210)


فَأَمَّا خِيَارُ الْقَبُولِ فَلَا يُورَثُ بِلَا خِلَافٍ وَصُورَتُهُ إذَا قَالَ الْبَائِعُ بِعْتُكَهُ فَمَاتَ الْمُشْتَرِي وَوَارِثُهُ حَاضِرٌ فَقَبِلَ فِي الْحَالِ لَا يَصِحُّ
* هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ
* وَحَكَى الرُّويَانِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ إذَا قَبِلَ وَارِثُهُ فِي الْحَالِ صَحَّ الْبَيْعُ وَهُوَ شَاذٌّ بَاطِلٌ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ بِفُرُوعِهَا فِي مَسَائِلِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ خِيَارَ الْقَبُولِ لَيْسَ بِلَازِمٍ لِأَنَّ مَنْ عَلَيْهِ وَهُوَ الْبَائِعُ لَوْ قَالَ رَجَعْتُ أَوْ أَبْطَلْتُ الْإِيجَابَ بَطَلَ خِيَارُ الْمُشْتَرِي بِخِلَافِ الْخِيَارِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّهُ لَازِمٌ حَتَّى لَوْ قَالَ مَنْ عَلَيْهِ الْخِيَارُ لِصَاحِبِهِ أَبْطَلْتُ عَلَيْكَ خِيَارَكَ لَمْ يَبْطُلْ حقه يبطل فَمَا كَانَ جَائِزًا سَقَطَ بِالْمَوْتِ وَمَا كَانَ لَازِمًا لَمْ يَسْقُطْ بِالْمَوْتِ كَالْعُقُودِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ الْجَائِزُ مِنْهَا دُونَ اللَّازِمِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمُتَوَلِّي لَوْ وَهَبَ لِوَلَدِهِ شَيْئًا فَمَاتَ الْوَاهِبُ لَا يَنْتَقِلُ حَقُّ الرُّجُوعِ فِيهِ إلَى الْوَرَثَةِ لِأَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ الْعَيْنَ فَلَا يَرِثُونَ الْخِيَارَ مِنْهَا وَكَمَا لَا يُورَثُ حَقُّ النِّكَاحِ
* قَالَ الْمُتَوَلِّي وَحَدُّ مَا يُورَثُ وَمَا لَا يُورَثُ مِنْ الْحُقُوقِ أَنَّ كُلَّ حَقٍّ لَازِمٍ مُتَعَلِّقٍ بِالْمَالِ يُورَثُ بِوِرَاثَةِ الْمَالِ هَذَا كَلَامُهُ وَلَيْسَ هَذَا الَّذِي قَالَهُ حَدًّا صَحِيحًا فَإِنَّهُ تَرَكَ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً لَمْ تَدْخُلْ فِي حَدِّهِ: (مِنْهَا) حَدُّ الْقَذْفِ (وَمِنْهَا) الْقِصَاصُ (وَمِنْهَا) النَّجَاسَاتُ الْمُنْتَفَعُ بِهَا كَالْكَلْبِ وَالسِّرْجِينِ وَجِلْدِ الْمَيْتَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا مَاتَ صَاحِبُ الْخِيَارِ وَقُلْنَا يُنْتَقَلُ إلَى الْوَرَثَةِ فَكَانُوا أَطْفَالًا أَوْ مجانين قال الرويانى وغيره ينصب القاضى (1) فيما يَفْعَلُ مَا هُوَ الْمَصْلَحَةُ مِنْ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ كَمَا لَوْ جُنَّ صَاحِبُ الْخِيَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قال المصنف رحمه الله:
(وفى الوقت الذى ينتقل الملك في البيع الذي فيه خيار المجلس أو خيار الشرط ثلاثة أقوال (أحدها) ينتقل بنفس العقد لانه عقد معاوضة يوجب الملك فانتقل الملك فيه بنفس العقد كالنكاح
(والثانى)
أنه يملك بالعقد وانقضاء الخيار لانه لا يملك التصرف إلا بالعقد وانقضاء الخيار فدل على أنه لا يملك إلا بهما (والثالث) أنه موقوف مراعى فان لم يفسخ العقد تبينا أنه ملك بالعقد وان فسخ تبينا
__________
(1) كذا بالاصل ولعله من

(9/211)


أنه لم يملك لانه لا يجوز أن يملك بالعقد لانه لو ملك بالعقد لملك التصرف ولا يجوز أن يملك بانقضاء الخيار لان انقضاء الخيار لا يوجب الملك فثبت أنه موقوف مراعى فان كان المبيع عبدا فأعتقه البائع نفذ عتقه لانه ان كان باقيا على ملكه فقد صادف العتق ملكه وإن كان قد زال ملكه عنه الا انه يملك الفسخ فجعل العتق فسخا وان أعتقه المشترى لم يخل إما أن يفسخ البائع البيع أو لا يفسخ فان لم يفسخ وقلنا إنه يملكه بنفس العقد أو قلنا انه موقوف نفذ عتقه لانه صادف ملكه (وإن قلنا) إنه لا يملك بالعقد يعتق لانه لم يصادف ملكه وان فسخ البائع وقلنا إنه لا يملك بالعقد أو موقوف لم يعتق لانه لم يصادف ملكه (وان قلنا) إنه يملك بالعقد ففيه وجهان (قال) أبو العباس ان كان موسرا عتق وان كان معسرا لم يعتق لان العتق صادف ملكه وقد تعلق به حق الغير فاشبه عتق المرهون (ومن) أصحابنا من قال لا يعتق وهو المنصوص لان البائع اختار الفسخ والمشترى اختار الاجازة بالعتق والفسخ والاجازة إذا اجتمعا قدم الفسخ ولهذا لو قال المشترى اجزت وقال البائع بعده فسخت قدم الفسخ وبطلت الاجازة وان كانت سابقة للفسخ (فان قلنا) لا يعتق عاد العبد إلى ملك البائع (وان قلنا) يعتق فهل يرجع البائع بالثمن أو القيمة قال أبو العباس يحتمل وجهين
(أحدهما)
يرجع بالثمن ويكون العتق مقررا للعقد ومبطلا للفسخ
(والثانى)
أنه يرجع بالقيمة لان البيع انفسخ وتعذر الرجوع إلى العين فرجع إلى قيمته كما لو اشترى عبدا بثوب وأعتق العبد ووجد البائع بالثوب عيبا فرده فانه يرجع بقيمة العبد فان باع البائع المبيع أو رهنه صح لانه اما أن يكون على ملكه فيملك العقد عليه وإما أن يكون للمشترى الا أنه يملك الفسخ فجعل البيع والهبة فسخا وان باع المشترى المبيع أو وهبه نظرت فان كان
بغير رضا البائع (فان قلنا) انه في ملك البائع لم يصح تصرفه (وان قلنا) انه في ملكه ففيه وجهان (قال) أبو سعيد الاصطخرى يصح وللبائع ان يختار الفسخ فإذا فسخ بطل تصرف المشترى ووجهه ان التصرف صادف ملكه الذى ثبت للغير فيه حق الانتزاع فاشبه إذا اشترى شقصا فيه شفعة فباعه (ومن) اصحابنا من قال لا يصح لانه باع عينا تعلق بها حق الغير من غير رضاه فلم يصح كما لو باع

(9/212)


الراهن المرهون فأما إذا تصرف فيه برضا البائع نظرت فان كان عتقا نفذ لانهما رضيا بامضاء البيع وان كان بيعا أو هبة ففيه وجهان
(أحدهما)
لا يصح لانه ابتدأ بالتصرف قبل أن يتم ملكه
(والثانى)
يصح لان المنع من التصرف لحق البائع وقد رضى البائع)
* (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يُوجِبُ الْمِلْكَ احْتَرَزَ بِالْمُعَاوَضَةِ عَنْ الْهِبَةِ فَإِنَّهَا لَا تُمْلَكُ بِالْعَقْدِ بَلْ بِالْقَبْضِ وَعَنْ الْوَصِيَّةِ (وَبِقَوْلِهِ) يُوجِبُ الْمِلْكَ عَنْ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ لَكِنْ لَا تُوجِبُ الْمِلْكَ فَإِنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ أَبَدًا وَإِنَّمَا فَائِدَةُ عِتْقِهِ تَقَدُّمُ مِلْكٍ فِيهِ (وَقَوْلُهُ) فَأَشْبَهَ عِتْقَ الْمَرْهُونِ يَعْنِي عَلَى أَصَحِّ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ الْمَشْهُورَةِ فِيهِ (وَقَوْلُهُ) ثَبَتَ لِلْغَيْرِ فِيهِ حَقٌّ هَذَا مِمَّا أَنْكَرَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ عَلَى الْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ فَقَالَ لَفْظَةُ غَيْرُ لَا تَدْخُلُ عَلَيْهَا الْأَلِفُ وَكَذَا كُلٌّ وَبَعْضٌ وَجَوَّزَهُ آخَرُونَ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا فِي مِلْكِ الْمَبِيعِ فِي زَمَنِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ مَشْهُورَةٍ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهَا (احدها) أنه ملك المشترى يَنْتَقِلُ إلَيْهِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَيَكُونُ الثَّمَنُ مِلْكًا لِلْبَائِعِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهَذَا نَصُّهُ فِي بَابِ زَكَاةِ الْفِطْرِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ وَلَا يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ مِنْ غَيْرِ فَسْخٍ وَيَكُونُ الثَّمَنُ بَاقِيًا عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهَذَا نَصُّهُ فِي الْأُمِّ (وَالثَّالِثُ) مَوْقُوفٌ فَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ حَكَمْنَا بِأَنَّهُ كَانَ مِلْكًا لِلْمُشْتَرِي بِنَفْسِ الْعَقْدِ وإلا بَانَ أَنَّ مِلْكَ الْبَائِعِ لَمْ يَزُلْ وَهَكَذَا يَكُونُ الثَّمَنُ مَوْقُوفًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَفِي موضع الاقوال ثلاث طُرُقٍ حَكَاهَا الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا إمَّا بِالشَّرْطِ وَإِمَّا بِالْمَجْلِسِ (أَمَّا) إذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا فَالْمَبِيعُ عَلَى مِلْكِهِ لِأَنَّهُ مَلَكَ التَّصَرُّفَ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ بَلْ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَالْمِلْكُ لَهُ وَإِنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي فَلَهُ وَإِنْ كَانَ لَهُمَا فَمَوْقُوفٌ وَتَنْزِلُ الْأَقْوَالُ عَلَى هَذِهِ الْأَحْوَالِ (وَالثَّالِثُ) طَرْدُ الْأَقْوَالِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ
وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْحَلِيمِي هَذَا نَقْلُ الرَّافِعِيِّ
* وَقَالَ إمَامُ الحرمنين طَرَدَ الْأَئِمَّةِ الْأَحْوَالَ الثَّلَاثَةَ فِيهِ إذَا كَانَ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا قَالَ وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا فَفِيهِ الْأَقْوَالُ وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمِلْكَ لَهُ وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ (فَالْأَصَحُّ)

(9/213)


أَنَّ الْمَبِيعَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ قَالَ الْإِمَامُ وَكَانَ شَيْخِي يَقُولُ يُتَّجَهُ أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ قَوْلًا رَابِعًا
* وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْأَصَحِّ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ فَصَحَّحَتْ طَائِفَةٌ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يملك بنفس العقد منهم الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُمْ وَبِهِ قَطَعَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ فِي الْكِفَايَةِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَصَحَّحَتْ طَائِفَةٌ قَوْلَ الْوَقْفِ مِمَّنْ صَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَصَحَّحَتْ طَائِفَةٌ التَّفْصِيلَ فَقَالُوا إنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمِلْكَ لَهُ وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمِلْكَ لَهُ وَإِنْ كَانَ لَهُمَا فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ وَمِمَّنْ صَحَّحَ هَذَا التَّفْصِيلَ القفال حكاه عَنْهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَأَشَارَ إلَى مُوَافَقَتِهِ وصححه أيضا صاحب (1) والرافعي في كتابيه الشرح وَالْمُحَرَّرِ وَقَطَعَ بِهِ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (التَّفْرِيعُ) قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ لِهَذِهِ الْأَقْوَالِ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا مَا يُذْكَرُ فِي أَبْوَابِهِ وَمِنْهَا مَا يُذْكَرُ هُنَا (فَمِنْهَا) كَسْبُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ الْمَبِيعَيْنِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ فَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي (إنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لَهُ أَوْ مَوْقُوفٌ (وَإِنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ الْكَسْبُ لِلْبَائِعِ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ عِنْدَ حُصُولِهِ وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ هُوَ لِلْمُشْتَرِي وَاسْتَدَلَّ لَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ بِأَنَّ سَبَبَ زَوَالِ مِلْكِ الْبَائِعِ مَوْجُودٌ حال وجود الزِّيَادَةِ فَلَمْ يُجْعَلْ لَهَا حُكْمٌ وَجُعِلَتْ تَابِعَةً للعين وكانت لِمَنْ اسْتَقَرَّ مِلْكُ الْعَيْنِ لَهُ وَإِنْ فَسَخَ الْبَائِعُ فَهُوَ لِلْبَائِعِ (إنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لَهُ أَوْ مَوْقُوفٌ (وَإِنْ قُلْنَا) لِلْمُشْتَرِي فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) لِلْمُشْتَرِي
(وَالثَّانِي)
لِلْبَائِعِ وَبِهِ قَالَ أَبُو إسحق الْمَرْوَزِيُّ قَالَ الْمُتَوَلِّي هُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْفَسْخَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ حِينِهِ أَوْ مِنْ أَصْلِهِ وَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) مِنْ حِينِهِ
(وَالثَّانِي)
مِنْ أَصْلِهِ (فَإِنْ قُلْنَا) مِنْ حِينِهِ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي وَإِلَّا فَلِلْبَائِعِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَفِي مَعْنَى الْكَسْبِ اللَّبَنُ وَالشَّعْرُ وَالثَّمَرَةُ وَمَهْرُ الْجَارِيَةِ إذَا
وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ أَوْ أُكْرِهَتْ عَلَى الزِّنَا وَكَوْنُ الْجَمِيعِ حُكْمُ كَسْبِ الْعَبْدِ عَلَى التَّفْصِيلِ وَالْخِلَافِ (وَمِنْهَا) النِّتَاجُ فَإِنْ وُجِدَ حُدُوثُ الْوَلَدِ وَانْفِصَالِهِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لِامْتِدَادِ الْمَجْلِسِ فَهُوَ كَالْكَسْبِ وَإِنْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ أو البيهمة حَامِلًا عِنْدَ الْبَيْعِ وَوَلَدَتْ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ بُنِيَ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ هَلْ لَهُ حُكْمٌ وَهَلْ يَأْخُذُ قِسْطًا

(9/214)


مِنْ الثَّمَنِ وَفِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا بِدَلِيلِهِمَا
(أَحَدُهُمَا)
لَا كَالْأَعْضَاءِ فَعَلَى هَذَا هُوَ كَالْكَسْبِ كَمَا سَبَقَ بِلَا فَرْقٍ (وَأَصَحُّهُمَا) لَهُ قِسْطٌ كَمَا لَوْ بِيعَ بَعْدَ الِانْفِصَالِ مَعَ الْأُمِّ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْحَمْلُ مَعَ الْأُمِّ كَعَيْنَيْنِ بِيعَتَا مَعًا فَإِنْ فَسَخَ الْبَيْعَ فَهُمَا لِلْبَائِعِ وَإِلَّا فَلِلْمُشْتَرِي (وَمِنْهَا) الْعِتْقُ فَإِذَا أَعْتَقَ الْبَائِعُ الْعَبْدَ الْمَبِيعَ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ الْمَشْرُوطِ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ وَحْدَهُ نَفَذَ إعْتَاقُهُ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي (فَإِنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ لَمْ يَنْفُذْ إنْ فُسِخَ الْبَيْعُ قَطْعًا وَكَذَا إنْ تَمَّ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَإِنْ قُلْنَا) مَوْقُوفٌ فَالْعِتْقُ أَيْضًا مَوْقُوفٌ فان تم البيع بان نفوذ وَإِلَّا فَلَا (وَإِنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي فَفِي نفوذه الْعِتْقِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ لَا يَنْفُذُ صِيَانَةً لِحَقِّ الْبَائِعِ عَلَى الِاتِّصَالِ
(وَالثَّانِي)
يَنْفُذُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَعَلَى هَذَا وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ إنَّمَا يَنْفُذُ إذَا كَانَ مُوسِرًا بِقِيمَتِهِ فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَلَا كَالْمَوْهُوبِ عَلَى أَصَحِّ الْأَقْوَالِ
(وَالثَّانِي)
يَنْفُذُ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَنْفُذُ فَاخْتَارَ الْبَائِعُ الْإِجَازَةَ فَفِي الْحُكْمِ بِنُفُوذِهِ الْآنَ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَنْفُذُ (فَإِنْ قلنا) ينفذ فهل ينفذ مِنْ وَقْتِ الْإِجَازَةِ أَمْ مِنْ وَقْتِ الْإِعْتَاقِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا مِنْ وَقْتِ الْإِجَازَةِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِقَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ فَفِي بُطْلَانِ خِيَارِ الْبَائِعِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا
(أَحَدُهُمَا)
يَبْطُلُ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا الثَّمَنُ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَبْطُلُ لَكِنْ لَا يُرَدُّ الْعِتْقُ بَلْ إذَا فَسَخَ أَخَذَ قِيمَةَ الْعَبْدِ كَنَظِيرِهِ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فَعَلَى هَذَا إنْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْعَبْدِ وَتَعَذَّرَتْ مَعْرِفَتُهَا لِمَوْتِهِ أَوْ غَيْبَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ غَارِمٌ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ (أَمَّا) إذَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ فَيَنْفُذُ إعْتَاقُهُ عَلَى جَمِيعِ الْأَقْوَالِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ إمَّا مُصَادِفُ مِلْكِهِ وَإِمَّا إجَازَةٌ وَلَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقٍّ لِغَيْرِهِ وَإِنْ أَعْتَقَهُ الْبَائِعُ وَكَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ (فَإِنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي لَمْ يَنْفُذْ
سَوَاءٌ تَمَّ الْبَيْعُ أَوْ فُسِخَ وَفِيمَا إذَا فُسِخَ الْوَجْهُ الشَّاذُّ السَّابِقُ النَّاظِرُ إلَى الْمَالِ (وَإِنْ قُلْنَا) مَوْقُوفٌ لَمْ يَنْفُذْ إنْ تَمَّ الْبَيْعُ وَإِلَّا فَيَنْفُذُ (وَإِنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ فَإِنْ انْفَسَخَ الْعَقْدُ بَطَلَ الْعِتْقُ وَإِلَّا فقد اعتق

(9/215)


تَبَيَّنَّا ثُبُوتَ الِاسْتِيلَادِ وَإِلَّا فَلَا فَلَوْ مَلَكَهَا بَعْدَ ذَلِكَ عَادَ الْقَوْلَانِ وَعَلَى قَوْلِنَا الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي فِي ثُبُوتِ الِاسْتِيلَادِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الْعِتْقِ فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْهُ فِي الْحَالِ وَتَمَّ الْبَيْعُ تَبَيَّنَّا ثُبُوتَهُ وَرَتَّبَ الْخُرَاسَانِيُّونَ الْخِلَافَ فِي الِاسْتِيلَادِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْعِتْقِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فقيل الاستيلاد أولى بالثوت وَقِيلَ عَكْسُهُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَا تَبْعُدُ التَّسْوِيَةُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْقَوْلُ فِي وُجُوبِ قِيمَةِ الولد على المشترى كالقول مِلْكِهِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ فَهُوَ كاعتاق المرهون والله أعلم
* (ومنها) الوطئ فَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ فَفِي حِلِّهِ لِلْبَائِعِ طُرُقٌ (أَحَدُهَا) إنْ قُلْنَا الْمِلْكُ لَهُ فَحَلَالٌ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ وَجْهُ الْحِلِّ أَنَّهُ يَتَضَمَّنُ الْفَسْخَ وَفِي ذَلِكَ عَوْدُ الْمِلْكِ إلَيْهِ مَعَهُ أَوْ قُبَيْلَهُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) إنْ قُلْنَا لَا مِلْكَ لَهُ فَحَرَامٌ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ وَجْهُ التَّحْرِيمِ ضَعْفُ الْمِلْكِ (وَالثَّالِثُ) الْقَطْعُ بِالْحِلِّ مُطْلَقًا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْمَذْهَبُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ الْحِلُّ إنْ جَعَلْنَا الْمِلْكَ لَهُ وَالتَّحْرِيمُ إنْ لَمْ نَجْعَلْهُ لَهُ وَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ بِحَالٍ بِلَا خلاف (وأما) وطئ الْمُشْتَرِي فَحَرَامٌ قَطْعًا وَالصُّورَةُ فِيمَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ وَحْدَهُ لِأَنَّهُ وَإِنْ مَلَكَ عَلَى قَوْلٍ فَمِلْكٌ ضَعِيفٌ وَلَكِنْ لَوْ وَطِئَ فَلَا حَدَّ عَلَى الْأَقْوَالِ كُلِّهَا بِلَا خِلَافٍ لِوُجُودِ الْمِلْكِ أَوْ شُبْهَتِهِ (وَأَمَّا) الْمَهْرُ فَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ لَمْ يَلْزَمْهُ (إنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لَهُ أَوْ مَوْقُوفٌ (وَإِنْ قُلْنَا) لِلْبَائِعِ فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ وُجُوبُ الْمَهْرِ لَهُ (وقال) أبو إسحق لا يجب نطرا إلَى الْمَالِ فَإِنْ فَسَخَ الْبَيْعَ وَجَبَ الْمَهْرُ لِلْبَائِعِ (إنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لَهُ أَوْ مَوْقُوفٌ (وَإِنْ قُلْنَا) لِلْمُشْتَرِي فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا مَهْرَ
(وَالثَّانِي)
يَجِبُ لِضَعْفِ مِلْكِهِ وَزَوَالِهِ
* فَإِنْ أَوْلَدَهَا الْمُشْتَرِي فَالْوَلَدُ نَسِيبٌ بِلَا خِلَافٍ عَلَى الْأَقْوَالِ كلها لانه وطئ فِي مِلْكٍ أَوْ شُبْهَةٍ وَأَمَّا الِاسْتِيلَادُ (فَإِنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ لَمْ يَثْبُتْ ثُمَّ إنْ تَمَّ الْبَيْعُ أَوْ مَلَكَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَفِي ثُبُوتِهِ حِينَئِذٍ الْقَوْلَانِ الْمَشْهُورَانِ فِيمَنْ وَطِئَ جَارِيَةَ غيره بشهبة ثُمَّ مَلَكَهَا (أَصَحُّهُمَا) لَا يَثْبُتُ وَعَلَى الْوَجْهِ الضَّعِيفِ النَّاظِرِ إلَى الْمَالِ يَثْبُتُ إذَا تَمَّ الْبَيْعُ بَعْدَ الِاسْتِيلَادِ بِلَا خِلَافٍ وَعَلَى قَوْلِ الْوَقْفِ إنْ تَمَّ الْبَيْعُ تَبَيَّنَّا ثُبُوتَ الِاسْتِيلَادِ وَإِلَّا فَلَا فَلَوْ مَلَكَهَا بَعْدَ ذَلِكَ عَادَ الْقَوْلَانِ وَعَلَى قَوْلِنَا
الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي فِي ثُبُوتِ الِاسْتِيلَادِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الْعِتْقِ فَإِنْ لَمْ نُثْبِتْهُ فِي الْحَالِ وَتَمَّ الْبَيْعُ

(9/216)


فِي الْمَهْرِ وَإِذَا وَجَبَتْ قِيمَةُ الْوَلَدِ اُعْتُبِرَتْ يوم الولادة فان وضعته ميتا لم تجب قِيمَتُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَلَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ هَذَا كله إذ اكَانَ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ (فَأَمَّا) إذَا كَانَ للمشترى وحده فحكمه حل الوطئ لَهُ كَمَا سَبَقَ فِي حِلِّهِ فِي طَرَفِ الْبَائِعِ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ وأما البائع فيحرم عليه الوطئ هُنَا فَلَوْ وَطِئَ فَالْقَوْلُ فِي وُجُوبِ الْمَهْرِ وَفِي ثُبُوتِ الِاسْتِيلَادِ وَوُجُوبِ الْقِيمَةِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي طَرَفِ الْمُشْتَرِي إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ (إذَا قُلْنَا) الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي وَأَحْبَلَهَا ثَبَتَ الِاسْتِيلَادُ وَبَطَلَ خِيَارُهُ وَفِي بُطْلَانِ خِيَارِ الْبَائِعِ وَجْهَانِ فَإِنْ أَبْطَلْنَاهُ انْبَرَمَ الْعَقْدُ وَاسْتَقَرَّ الثَّمَنُ وَإِنْ لَمْ نُبْطِلْهُ فَاخْتَارَ الْبَائِعُ الْإِجَازَةَ فَكَذَلِكَ فَإِنْ فَسَخَ الْبَيْعَ فَهَلْ يَبْطُلُ الِاسْتِيلَادُ (إنْ قُلْنَا) لَا يَبْطُلُ الْعِتْقُ فَالِاسْتِيلَادُ أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الِاسْتِيلَادَ فِعْلٌ وَهُوَ أَقْوَى مِنْ الْعِتْقِ وَلِهَذَا يَنْفُذُ اسْتِيلَادُ الْمَجْنُونِ وَالسَّفِيهِ وَالْمَرِيضِ وَالْأَبِ فِي جَارِيَةِ ابْنِهِ دُونَ إعْتَاقِهِمْ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يُفْسَخُ الِاسْتِيلَادُ رَجَعَ بِقِيمَتِهَا (وَإِنْ قُلْنَا) لَهُ فَسْخُهُ اسْتَرَدَّ الْجَارِيَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَمِنْهَا) بَيْعُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَهِبَتُهُمَا وَسَائِرُ عُقُودِهِمَا وَسَبَقَ بَيَانُهَا قَبْلَ هَذَا الْفَصْلِ وَاَللَّهُ أعلم
* (فرع)
إذا اشتري عبد الجارية ثُمَّ أَعْتَقَهُمَا مَعًا فَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا عَتَقَتْ الْجَارِيَةُ بِنَاءً عَلَى مَا سَبَقَ أَنَّ إعْتَاقَ الْبَائِعِ نَافِذٌ مُتَضَمِّنٌ لِلْفَسْخِ وَلَا يَعْتِقُ الْعَبْدِ الْمُشْتَرِي وَإِنْ قُلْنَا الْمِلْكُ فِيهِ لِمُشْتَرِيهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ صَاحِبِهِ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَعَلَى الْوَجْهِ الْقَائِلِ بِنَفَاذِ إعْتَاقِ الْمُشْتَرِي تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي يَعْتِقُ الْعَبْدُ وَلَا تَعْتِقُ الْجَارِيَةُ أَمَّا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِمُشْتَرِي الْعَبْدِ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) يَعْتِقُ الْعَبْدُ لِأَنَّهُ أَجَازَهُ وَالْأَصْلُ اسْتِمْرَارُ الْعَقْدِ
(وَالثَّانِي)
تَعْتِقُ الْجَارِيَةُ لِأَنَّ عِتْقَهَا فَسْخٌ فَقُدِّمَ عَلَى الْإِجَازَةِ وَلِهَذَا لَوْ فَسَخَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَأَجَازَ الْآخَرُ قُدِّمَ الْفَسْخُ (وَالثَّالِثُ) لَا يَعْتِقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَمَّا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِبَائِعِ الْعَبْدِ وحده فالمتعق بِالْإِضَافَةِ إلَى الْعَبْدِ مُشْتَرٍ وَالْخِيَارُ لِصَاحِبِهِ وَبِالْإِضَافَةِ إلَى الْجَارِيَةِ بَائِعٌ وَالْخِيَارُ لِصَاحِبِهِ وَقَدْ سَبَقَ الْخِلَافُ فِي إعْتَاقِهِمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَاَلَّذِي يُفْتَى بِهِ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ الْعِتْقُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْحَالِ فَإِنْ فَسَخَ صَاحِبُهُ نَفَذَ فِي الْجَارِيَةِ وَإِلَّا فَفِي الْعَبْدِ
* وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَأَعْتَقَهُمَا مُشْتَرِي الْجَارِيَةِ فَلْيُقَسْ الْحُكْمُ بِمَا سَبَقَ وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا عَتَقَ الْعَبْدُ دُونَ الْجَارِيَةِ عَلَى الْأَصَحِّ

(9/217)


وَإِنْ كَانَ لِلْمُعْتِقِ وَحْدَهُ فَعَلَى الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ فَفِي الْأَوَّلِ يَعْتِقُ الْعَبْدُ وَفِي الثَّانِي الْجَارِيَةُ وَلَا يَخْفَى حُكْمُ الثَّالِثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* أَمَّا إذا اعتق الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَحَدَ الْمَبِيعَيْنِ فَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ (إنْ قلنا) الخيار يمنع نَفَذَ عِتْقُهُ فِيمَا بَاعَ وَإِنْ قُلْنَا لَا يَمْنَعُ قُلْنَا لَهُ عَيِّنْ أَحَدَهُمَا لِلْعِتْقِ فَإِنْ عَيَّنَ مَا اشْتَرَاهُ كَانَ كَإِعْتَاقِ الْمُشْتَرِي فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَإِنْ عَيَّنَ فِيمَا بَاعَ نَفَذَ قطعا * قال المصنف رحمه الله
* (وان كان المبيع جارية لم يمنع البائع من وطئها لانها باقية على ملكه في بعض الاقوال ويملك ردها إلى ملكه في بعض الاقوال فإذا وطئها انفسخ البيع ولا يجوز للمشترى وطؤها لان في أحد الاقوال لا يملكها وفى الثاني مراعى فلا يعلم هل يملكها أم لا وفي الثالث يملكها ملكا غير مستقر فان وطئها لم يجب الحد وان أحبلها ثبت نسب الولد وانعقد الولد حرا لانه إما أن يكون في ملك أو شبهة ملك
* وأما المهر وقيمة الولد وكون الجارية أم ولد فانه يبنى على الاقوال فان اجاز البائع البيع بعد وطئ المشترى وقلنا ان الملك للمشترى أو موقوف لم يلزمه المهر ولا قيمة الولد وتصير الجارية أم لولد لانها مملوكة (وان قلنا) ان الملك للبائع فعليه المهر وقال أبو إسحق لا يلزمه كما لا تلزمه أجرة الخدمة والمذهب الاول لانه وطئ في ملك البائع ويخالف الخدمة فان الخدمة تستباح بالاباحة والوطئ لا يستباح وفى قيمة الولد وجهان
(أحدهما)
لا تلزمه لانها وضعته في ملكه والاعتبار بحال الوضع الا ترى أن قيمة الولد تعتبر حال الوضع
(والثانى)
تلزمه لان العلوق حصل في غير ملكه والاعتبار بحال العلوق لانها حالة الاتلاف وانما تأخر التقويم إلى حالة الوضع لانه لا يمكن تقويمه في حل العلوق وهل تصير الجارية أم ولد فيه قولان كما قلنا فيمن احبل جارية غيره بشبهة فأما إذا فسخ البيع وعادت إلى ملكه (فان قلنا) ان الملك للبائع أو موقوف وجب عليه المهر وقيمة الولد ولا تصير الجارية في الحال ام ولد وهل تصير أم ولد إذا ملكها فيه قولان (وان قلنا) ان الملك للمشترى لم يجب عليه المهر لان الوطئ صادف ملك ومن أصحابنا من قال يجب لانه لم يتم ملكه عليها وهذا يبطل به إذا أجاز البائع البيع وعلى قول أبي العباس تصير

(9/218)


أم ولد كما تعتق إذا أعتقها عنده وهى ترجع البائع بقيمتها أو بالثمن فيه وجهان وقد بينا ذلك في العتق وعلى المنصوص أنها لا تصير أم ولد له لان حق البائع سابق فلا يسقط بأحبال المشترى فان ملكها المشترى بعد ذلك صارت أم ولد لانها إنما لم تصر أم ولد له في الحال لحق البائع فإذا ملكها صارت أم ولد
* وان اشترى جارية فولدت في مدة الخيار بنينا على أن الحمل هل له حكم في البيع وفيه قولان
(أحدهما)
له حكم ويقابله قسط من الثمن وهو الصحيح لان ما أخذ قسطا من الثمن بعد الانفصال أخذ قسطا من الثمن قبل الانفصال كاللبن (الثاني) لا حكم ولا قسط له من الثمن لانه يتبعها في العتق فلم يأخذ قسطا من الثمن كالاعضاء (فان قلنا) إن له حكما فهو مع الام بمنزلة العينين المتبعتين فان أمضى العقد كانا للمشتري وان فسخ العقد كانا للبائع كالعينين المبيعتين (وان قلنا) لا حكم له نظرت فان أمضي العقد (وقلنا) ان الملك ينتقل بالعقد أو موقوف فهما للمشترى (وان قلنا) إنه يملك بالعقد وانقضاء الخيار فالولد للبائع فان فسخ العقد (وقلنا) إنه يملك بالعقد وانقضاء الخيار أو قلنا إنه موقوف فالولد للبائع (وإن قلنا) يملك بالعقد فهو للمشترى وقال أبو إسحق الولد للبائع لان على هذا القول لا ينفذ عتق المشترى وهذا خطأ لان العتق يفتقر إلى ملك تام والنماء لا يفتقر إلى ملك تام
* (الشَّرْحُ) هَذِهِ الْمَسَائِلُ كُلُّهَا وَاضِحَةٌ وَسَبَقَ شَرْحُهَا في الفصل السابق والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وإن تلف البيع في يد المشترى في مدة الخيار فلمن له الخيار الفسخ والامضاء لان الحاجة التى دعت إلى الخيار باقية بعد تلف المبيع فان فسخ وجبت القيمة على المشترى لانه تعذر رد العين فوجب رد القيمة وإن أمضينا العقد (فان قلنا) إنه يملك بنفس العقد أو موقوف فقد هلك من ملكه (وان قلنا) يملك بالعقد وانقضاء الخيار وجب على يشترى قيمته والله أعلم)
* (الشرح) قوله وجبت قيمته لو قَالَ وَجَبَ بَدَلُهُ كَانَ أَحْسَنَ وَأَعَمَّ لِيَدْخُلَ فِيهِ الْمِثْلُ فِيمَا لَهُ

(9/219)


مِثْلٌ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لَمْ يَنْقَطِعْ الْخِيَارُ بَلْ يَبْقَى الْخِيَارُ فِي الْفَسْخِ وَالْإِمْضَاءِ لِمَنْ كَانَ لَهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَالَ الْخُرَاسَانِيُّونَ إذَا تَلِفَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي (فَإِنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ كَالتَّلَفِ (وَإِنْ قُلْنَا) لِلْمُشْتَرِي أَوْ مَوْقُوفٌ نُظِرَ إنْ أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ بُنِيَ عَلَى مَا لَوْ تَلِفَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ وَفِيهِ خِلَافٌ سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (فَإِنْ قُلْنَا) يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ هُنَاكَ فَهُوَ كَإِتْلَافِ الْأَجْنَبِيِّ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَسَيَأْتِي حُكْمُهُ ان شاء الله تَعَالَى (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يَنْفَسِخُ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَكَذَا هُنَا وَعَلَى الْأَجْنَبِيِّ الْبَدَلُ وَهُوَ الْمِثْلُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَإِلَّا فَالْقِيمَةُ وَيَبْقَى الْخِيَارُ بِحَالِهِ فَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ فَالْبَدَلُ لِلْمُشْتَرِي وَإِلَّا فَلِلْبَائِعِ وَإِنْ أَتْلَفَهُ الْمُشْتَرِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الثَّمَنُ فَإِنْ أَتْلَفَهُ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَجَعَلْنَا إتْلَافَهُ قَبْضًا فَهُوَ كَمَا لَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ وَإِنْ أَتْلَفَهُ الْبَائِعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي قَالَ المتولي يبني على أن إتْلَافِهِ كَإِتْلَافِ الْأَجْنَبِيِّ أَمْ كَالتَّلَفِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ وَفِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ (فَقَالَ) الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنْ أَتْلَفَهُ الْبَائِعُ فِي يَدِ نَفْسِهِ وَقُلْنَا الْمِلْكُ لَهُ انْفَسَخَ الْعَقْدُ لَهُ (وَإِنْ قُلْنَا) لِلْمُشْتَرِي فَفِي انْفِسَاخِهِ قَوْلَانِ (إنْ قُلْنَا) لَا يَنْفَسِخُ بَطَلَ خِيَارُ الْبَائِعِ وَفِي خِيَارِ الْمُشْتَرِي وَجْهَانِ (إن قلنا) لا يبطل فَذَاكَ فَإِنْ أَجَازَ أَخَذَ مِنْ الْبَائِعِ الْقِيمَةَ ورجع إليه الثمن
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ (وَقُلْنَا) الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ انْفَسَخَ أَيْضًا فَيَسْتَرِدُّ الثَّمَنَ وَيَغْرَمُ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ الْبَدَلَ وَهُوَ الْمِثْلُ أَوْ الْقِيمَةُ وَفِي كَيْفِيَّةِ الْقِيمَةِ الْخِلَافُ الْمَشْهُورُ فِي كَيْفِيَّةِ غَرَامَةِ الْمَقْبُوضِ بِالسَّوْمِ (وَإِنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي أَوْ مَوْقُوفٌ فَوَجْهَانِ أَوْ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَنْفَسِخُ أَيْضًا لِحُصُولِ الْهَلَاكِ قَبْلَ اسْتِقْرَارِ الْعَقْدِ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَنْفَسِخُ لِدُخُولِهِ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ وَلَا أَثَرَ لِوِلَايَةِ الْفَسْخِ كَمَا فِي خِيَارِ الْعَيْبِ فَإِنْ قُلْنَا بِالِانْفِسَاخِ فَعَلَى الْمُشْتَرِي الْقِيمَةُ.
قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَهُنَا نَقْطَعُ بِاعْتِبَارِ قِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ لِأَنَّ الْمِلْكَ قَبْلَ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي (فَإِنْ قُلْنَا) بِعَدَمِ الِانْفِسَاخِ فَفِي انْقِطَاعِ الْخِيَارِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَنْقَطِعُ كَمَا يَنْقَطِعُ خِيَارُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ بِتَلَفِ الْمَبِيعِ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا كَمَا لَا يمتنع التحالف بِثَمَنِ الْمَبِيعِ وَيُخَالِفُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ لِأَنَّ الضَّرَرَ هُنَاكَ يَنْدَفِعُ بِالْأَرْشِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْأَوَّلِ

(9/220)


اسْتَقَرَّ الْعَقْدُ وَلَزِمَ الثَّمَنُ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالثَّانِي فَإِنْ تَمَّ الْعَقْدُ وَجَبَ الثَّمَنُ وَإِلَّا وَجَبَتْ الْقِيمَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَيَرُدُّ الثَّمَنَ وَإِنْ تَنَازَعَا في قد رالقيمة فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ وَقَطَعَتْ طَائِفَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ بِعَدَمِ الِانْفِسَاخِ (وَإِنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَالَ الْإِمَامُ وَذَكَرُوا تَفْرِيعًا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْفَسِخْ حَتَّى انْقَضَى زَمَنُ الْخِيَارِ فَعَلَى الْبَائِعِ رَدُّ الثَّمَنِ وَعَلَى الْمُشْتَرِي الْقِيمَةُ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا تَخْلِيطٌ ظَاهِرٌ واللع أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ تَلِفَ بَعْضُ الْمَبِيعِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ بَعْدَ أَنْ قَبَضَ الْمُشْتَرِي بِأَنْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ فَقَبَضَهُمَا فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا فَفِي الِانْفِسَاخِ في التالف الخلاف السابق فَإِنْ انْفَسَخَ جَاءَ فِي الْآخَرِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَإِنْ لَمْ يَنْفَسِخْ بَقِيَ خِيَارُهُ فِي الْبَاقِي إنْ قُلْنَا يَجُوزُ رَدُّ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ إذَا اشْتَرَاهُمَا بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَإِلَّا فَفِي بَقَاءِ الْخِيَارِ فِي الْبَاقِي الْوَجْهَانِ وَإِذَا بَقِيَ الْخِيَارُ فِيهِ فَفُسِخَ رَدَّهُ مَعَ قِيمَةِ التَّالِفِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ قَبَضَ الْمَبِيعَ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ ثُمَّ أَوْدَعَهُ عِنْدَ الْبَائِعِ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ تَلِفَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي حَتَّى إذا فرعنا عى أَنَّ الْمِلْكَ لِلْبَائِعِ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ وَيُسْتَرَدُّ الثَّمَنُ وَيَغْرَمُ الْقِيمَةَ هَكَذَا جَزَمَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَآخَرُونَ وَحَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الصَّيْدَلَانِيِّ ثُمَّ أَبْدَى احْتِمَالًا لِنَفْسِهِ فِي سُقُوطِ الْقِيمَةِ لِحُصُولِ التَّلَفِ بَعْدَ الْعَوْدِ إلَى يَدِ الْمَالِكِ
* وَنَقَلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ.
قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي وَقَدْ تَلِفَ فِي يَدِهِ لِأَنَّ يَدَ الْمُسْتَوْدَعِ يَدُ الْمُودِعِ حُكْمًا (قَالَ) وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ إنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَجِبُ عَلَى البائع تسليم المبيع ولا على الْمُشْتَرِي تَسْلِيمُهُ الثَّمَنَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَلَوْ تَبَرَّعَ أَحَدُهُمَا بِالتَّسْلِيمِ لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهُ وَلَا يُجْبَرُ الْآخَرُ عَلَى تَسْلِيمِ مَا عِنْدَهُ وَلَهُ اسْتِرْدَادُ الْمَدْفُوعِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ اسْتِرْدَادُهُ وَلَهُ أَخْذُ مَا عِنْدَ صَاحِبِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَمِمَّنْ حَكَى هَذَا الْوَجْهَ الرَّافِعِيُّ
* (فَرْعٌ)
قَالَ (1) لَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ ثُمَّ خَاطَبَهَا بِالطَّلَاقِ فِي زمن الخيار فان تم القد
__________
(1) كذا بالاصل

(9/221)


وَقُلْنَا الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي أَوْ مَوْقُوفٌ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ (وَإِنْ قُلْنَا) لِلْبَائِعِ وَقَعَ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَإِنْ فَسَخَ
(وَقُلْنَا) هُوَ لِلْبَائِعِ أَوْ مَوْقُوفٌ وَقَعَ (وَإِنْ قُلْنَا) لِلْمُشْتَرِي فَوَجْهَانِ وَلَيْسَ له الوطئ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيَطَأُ بِالْمِلْكِ أَوْ بِالزَّوْجِيَّةِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ وفيه وجه ضعيف ان له الوطئ
* قَالَ الرُّويَانِيُّ فَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ فَهَلْ يَلْزَمُهُ استبراؤها فيه وجهان بناء علي جواز الوطئ (إنْ حَرَّمْنَاهُ) وَجَبَ الِاسْتِبْرَاءُ وَإِلَّا فَلَا
* قَالَ وَإِنْ انْفَسَخَ الْبَيْعُ (فَإِنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ أَوْ مَوْقُوفٌ فَالنِّكَاحُ بِحَالِهِ (وَإِنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَنْفَسِخُ لِحُصُولِهِ فِي مِلْكِهِ
(وَالثَّانِي)
قَالَ وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ النِّكَاحَ بِحَالِهِ لِأَنَّ مِلْكَهُ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ
* قَالَ الرُّويَانِيُّ وَلَوْ طَلَّقَهَا ثُمَّ اسْتَبْرَأَهَا ثُمَّ رَاجَعَهَا فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ فَالرَّجْعَةُ بَاطِلَةٌ وَإِنْ فُسِخَ فَإِنْ قُلْنَا لَا يَمْلِكُ بِالْعَقْدِ أَوْ قُلْنَا مَوْقُوفٌ صَحَّتْ الرَّجْعَةُ (وَإِنْ قُلْنَا) يَمْلِكُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ فَفِي صِحَّةِ الرَّجْعَةِ وَجْهَانِ