المنهاج القويم شرح المقدمة الحضرمية

ص -11-          "باب أحكام الطهارة":
لا يصح رفع الحديث ولا إزالة النجس إلا بما يسمى ماء، فإن تغير طعمه أو لونه أو ريحه تغيرًا فاحشًا بحيث لا يسمى ماء مطلقًا بمخالط طاهر يستغني الماء عنه لم تصح الطهارة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باب أحكام الطهارة:
وهي لغة الخلوص من الدنس الحسي والمعنوي كالعيب1 وشرعًا ما توقف على حصوله إباحة كالغسلة الأولى أو ثواب مجرد كالغسلة الثانية والثالثة والوضوء المجدد والغسل المسنونين.
"لا يصح" ولا يحل "رفع الحدث" الأصغر, وهو ما أوجب الوضوء والأكبر وهو ما أوجب الغسل "ولا إزالة النجس" المخفف وهو بول الصبي الآتي ذكره والمغلظ وهو نجاسة نحو الكلب والمتوسط وهو ما عداهما من سائر النجاسات الآتية ولا فعل طهارة سلس ولا طهارة مسنونة "إلا بما" علم أو ظن كونه ماء مطلقًا وهو ما "يسمى ماء" من غير قيد لازم بالنسبة للعالم بحاله كماء البحر وما ينعقد منه الملح وينحل إليه نحو البرد الذي استهلك فيه الخليط والمترشح من بخار الماء الطهور المغلي والمتغير بما لا غنى عنه أو بمجاوره لأنه يسمى ماء لغة وعرفًا وما بباطن دود الماء وهو المسمى بالزلال2 لأنه ليس بحيوان وما جمع من ندى وليس نفس دابة في البحر، ودليل الحصر المذكور في الحدث آية التيمم3 والإجماع، وفي الخبث ما صح من أمره صلى الله عليه وسلم بغسله وفي غيرهما القياس عليهما، وخرج بالمطلق المذكور المائع كالخل والجامد كالتراب في التيمم والنجاسة المغلظة والحجر في الاستنجاء وأدوية الدباغ ونحو ماء الزعفران مما قيد بلازم فلا يرفع حدثًا ولا يزيل نجسًا ولا يستعمل في طهر غيرهما "فإن تغير" حسًّا "طعمه" وحده "أو لونه" وحده "أو ريحه" وحده "تغيرًا فاحشًا" بأن سلب إطلاق اسم الماء عنه حتى صار "بحيث لا يسمى ماء مطلقًا" وإنما يسمى ماء مقيدًا كماء الورد أو استجد له اسم آخر كالمرقة مثلًا وكان ذلك التغير "بمخالط" مخالف للماء في صفاته أو واحدة منها وهو ما لا يمكن فصله "طاهر يستغني الماء عنه" بأن لا يشق صونه عنه ككافور رخو وقطران يختلطان بالماء وثمر وإن كان شجره نابتًا في الماء "لم تصح الطهارة به" لأنه ليس عاريًا عن القيود والإضافات فلا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر المعاني المتعددة للفظ "طهر" في لسان العرب "4/ 504-507" مادة "طهر".
2 في اللسان "مادة زلل": وزل الماء في حلقه يزل زلولا: ذهب، وماء زلال وزليل: سريع النزول والمر في الحلق، وماء زلال: بارد، وقيل: ماء زلال وزلازل: عذب، وقيل صاف خالص، وقيل: الزلال الصافي من كل شيء.
3 وهي الآية 6 من سورة المائدة:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ...} الآية.

 

ص -12-         به، والتغير التقديري كالتغير الحسي، فلو وقع فيه ماء ورد لا رائحة له قدر مخالفًا له بأوسط الصفات، ولا يضر تغير يسير لا يمنع اسم الماء، ولا يضر تغير بمكث وتراب وطحلب وما في مقره وممره ولا بمجاور كعود ودهن ولا بملح مائي ولا بورق تناثر من الشجر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يلحق بمورد النص العري1عنها. "والتغير التقديري كالتغير الحسي، فلو وقع فيه" أي الماء ما يوافقه في صفاته ومنه "ماء ورد لا رائحة له" سواء أوقع في ماء كثير أم قليل والماء المستعمل لكن إن وقع في ماء قليل لأن المستعمل إذا كثر طهر فأولى إذا وقع في الكثير "قدر مخالفًا له" للماء "بأوسط الصفات" كطعم الرمان ولون العصير وريح اللاذن2 فإن غير بفرضه في صفة سلب الطهورية, وإن كان عند فرض المخالفة في غير تلك الصفة لا يغير وذلك لأن لموافقته لا يغيره فاعتبر بغيره كالحكمية. "ولا يضر تغير يسير" وهو ما "لا يمنع اسم الماء" وإن كان بمخالط يستغنى لأنه صلى الله عليه وسلم توضأ من قصعة فيها أثر عجين3، "ولا يضر تغير بمكث" لتعذر الاحتراز عنه "وتراب" طهور وإن قلنا إنه مخالط لأنه يوافق الماء في الطهورية بخلاف النجس والمستعمل "وطحلب" لم يطرح ولو متفتتًا لعسر الاحتراز عنه وهو نبت أخضر يعلو الماء فإن طرح ضر إن كان متفتتًا وإلا فلا "وما في مقره وممره" من نحو نورة4 وزرنيخ5 ولو مطبوخين وطين لم يكثر تغير الماء به بحيث صار لا يجري بطبعه لذلك "ولا بمجاور" وهو ما يمكن فصله "كعود ودهن" ولو مطيبين ومنه البخور وإن كثر وظهر في الريح وغيره لأن الحاصل بذلك مجرد تروح فهو كما لو تغير بجيفة على الشط، ومنه أيضًا ما أغلى فيه نحو بر وتمر بحيث لم يعلم انفصال عين مخالطة فيه بأن لم يصل إلى حد بحيث يحدث له اسم كالمرقة. "ولا بملح مائي" لانعقاده من عين الماء كالثلج بخلاف الملح الجبلي فيضر التغير به ما لم يكن بمقر الماء أو ممره، وكالملح المائي متغير بخليط لا يؤثر فلا يضر صبه على غير متغير وإن غيره كثيرًا, لأنه طهور "ولا بورق تناثر" بنفسه "من الشجر" ولو ربيعًا بخلاف المطروح للاستغناء عنه ولا يضر تغييره بالثمر إن تناثر بنفسه، ولو شك على التغير يسير أو كثير فكاليسير، أو هل زاد التغير للكثير لم يطهر للأصل فيهما، أو هل هو من مخالط أو غيره، أو هل المغير مخالط أو مجاور، لم يؤثر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 العري: الخالي.
2 اللاذن: جنس جنبة من الفصيلة اللاذنية، يستخرج منه صمغ راتنجي يعلك، ويستعمل عطرًا ودواءً، انظر المعجم الوسيط "ص822".
3 روى ابن ماجه في الطهارة، باب 35 "حديث رقم 378" عن أم هاني: "أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل وميمونة من إناء واحد في قصعة فيها أثر العجين" ورواه أيضًا النسائي في الغسل باب 11، والطهارة باب 148. وأحمد في المسند "6/ 342".
4 النورة: حجر الكلس، وأخلاط من أملاح الكلسيوم والباريون تستعمل لإزالة الشعر "المعجم الوسيط: ص962".
5 الزرنيخ: عنصر شبيه بالفلزات له بريق الصلب ولونه، ومركباته سامة، يستخدم في الطب وفي قتل الحشرات "المعجم الوسيط: ص393".

 

ص -13-         فصل: "في الماء المستعمل"
لا تصح الطهارة بالماء المستعمل القليل في رفع الحدث وإزالة النجس، فلو أدخل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل: في الماء المستعمل
"لا تصح الطهارة بالماء المستعمل" هو ما أزيل به مانع من رفع حدث ولو حدث صبي لا يميز بناء على اشتراط طهره لصحة الطواف به, وهو المعتمد وإزالة خبث ولو معفوًّا عنه، وكذا ما لا رفع كطهر دائم الحدث وحنفي لم ينو وغسل ميت وكتابية من حيض أو نفاس المتوضيء يده في الماء القليل بعد غسل وجهه غير ناو للاغتراف صار الماء الباقي مستعملا، والمستعمل في طهر مسنون كالغسلة الثانية والثالثة تصح الطهارة به.

 

ص -14-         فصل: "في الماء النجس ونحوه"
ينجس الماء القليل وغيره من المائعات بملاقاة النجاسة، ويستثنى من ذلك مسائل:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لتحل لحليلها المسلم، ونحو مجنونة غسلها حليلها لذلك وذلك لأنه حصل باستعماله زوال المنع من نحو الصلاة فانتقل المنع إليه، كما أن الغسالة لما أثرت في المحل تأثرت، وإنما يؤثر الاستعمال في الماء "القليل" بخلاف الكثير وهو القلتان1 فإنه لا يؤثر الاستعمال فيه بل لو جمع المستعمل حتى بلغ قلتين صار طهورًا، وإنما يؤثر في القليل إن انفصل عن العضو المستعمل فيه ولو حكمًا؛ لأن جاوز ماء يده منكبه أو رجله ركبته، نعم لا يضر الانفصال من بدن الجنب إلا إذا كان إلى محل لا يغلب فيه التقاذف كأن انفصل من الرأس إلى نحو القدم بخلافه إلى نحو الصدر، وعلم مما تقرر أنه لا تصح الطهارة بالمستعمل "في رفع الحدث و" لا "إزالة النجس" ولا في غيرهما "فإذا أدخل المتوضئ يده" اليمنى أو اليسرى أو جزأ منهما وإن قل "في الماء القليل بعد غسل وجهه" ثلاثًا سواء قصد التثليث أو أطلق أو واحدة إن قصد ترك التثليث "غير ناو للاغتراف" سواء قصد غسلهما عن الحدث أم أطلق "صار الماء الباقي مستعملا" وإن لم تنفصل يده عنه لانتقال المنع إليه ومع ذلك له أن يحركها فيه ثلاثًا وتحصل له سنة التثليث، وله أن يغسل بقية يده بما فيها وإن صار ما اغترف منه مستعملا, لأن ماءها لم ينفصل عنها وإدخال الجنب شيئًا من بدنه بعد النية بلا نية اغتراف منه يصير الماء مستعملا أيضًا، ولو انغمس في ماء قليل ثم بعد انغماسه نوى رفع الجنابة ارتفعت، وله إذا أحدث أو أجنب ثانيًا وهو في الماء أن يرفع به الحدث المتجدد؛ لأنه لم ينفصل عن الماء فصورة الاستعمال باقية، وكذا لو انغمس محدث في ماء قليل ثم نوى فإن حدث جميع أعضائه يرتفع على المعتمد، ولو كان ببدنه خبث بمحلين فمر الماء بأعلاهما ثم بأسفلهما طهرا معًا كما لو نزل من عضو جنب إلى محل عليه خبث فأزاله بلا تغير "والمستعمل في طهر مسنون كالغسلة الثانية والثالثة" والوضوء المجدد والغسل المسنون "تصح الطهارة به" لأنه لم ينتقل إليه مانع2.
فصل: في الماء النجس ونحوه
"ينجس الماء القليل" وهو ما ينقص عن القلتين بأكثر من رطلين "وغيره من المائعات" وإن كثر وبلغ قلالا كثيرة "بملاقاة النجاسة" وإن لم يتغير لمفهوم ما صح من قوله صلى الله عليه وسلم:
"إذا بلغ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر تخريج الحديث في الحاشية "1" من الصفحة التالية.
2 أي مانع يمنع الصلاة.

 

ص -15-         ما لا يدركه الطرف، وميتة لا دم لها سائل إلا إن غيرت أو طرحت وفم هرة تنجس ثم غابت واحتمل ولوغها في ماء كثير، وكذلك الصبي إذا تنجس ثم غاب واحتملت طهارته،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الماء قلتين لم يحمل خبثًا"1 إذ مفهومه أن ما دونهما يحمل الخبث: أي يتأثر به ولا يدفعه وفارق كثير المائع كثير الماء بأن حفظ كثير المائع لا يشق "ويستثنى من ذلك مسائل" لا ينجس فيها قليل الماء ولا كثير غيره وقليله بملاقاة النجاسة: منها "ما لا يدركه الطرف" أي البصر المعتدل فإنه لا يؤثر إن كان من غير مغلظ وقل عرفًا, ولم يغير ولو تغيرًا قليلا ولم يحصل بفعله لمشقة الاحتراز عنه, ولو كان بمواضع متفرقة ولو اجتمع لرؤى لم يعف عنه.
"و" منها "ميتة لا دم لها سائل" عند شق عضو منها في حياتها ويلحق شاذ الجنس بغالبه، وما شك في سيل دمه له حكم ما يتحقق عدم سيلان دمه ولا يجرح خلافًا للغزالي وذلك كزنبور وعقرب ووزغ2 ونمل ونحل وبق وقراد3 وقمل وبرغوث وخنفساء4 وذباب لما صح من أمره صلى الله عليه وسلم بغمسه فيما وقع فيه؛ لأنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء5 وغمسه يفضي لموته كثيرًا، فلو نجس لما أمر به وقيس به سائر ما لا يسيل دمه فيعفى عنها "إلا إن غيرت" ما وقعت فيه ولو تغيرًا قليلا, فلا عفو إذ لا مشقة، ولو زال تغير نحو المائع بها طهر على احتمال فيه "أو طرحت", وهي ميتة وليس نشؤها منه، أما إذا طرحت وهي حية فإنها لا تنجس وإن ماتت، وكذا لو طرحت ميتة ونشؤها منه كما اقتضاه كلام الشيخين لكن خالفهما كثيرون ولعل المصنف تبعهم "و" منها "فم هرة تنجس ثم غاب واحتمل" ولو على بعد "ولوغها في ماء" جار أو راكد "كثير وكذلك الصبي إذا تنجس ثم غاب واحتملت طهارته" ومثلهما كل حيوان طاهر وإن لم يعم اختلاطه بالناس، فإذا عاد وولغ في ماء قليل أو مائع لم ينجسه وإن كان الأصل بقاء فمه على النجاسة لأن احتمال الطهر قوي أصل طهارة نحو الماء فلم يؤثر فيه أصل بقاء النجاسة إذ لا يلزم منها التنجيس مع اعتضاد أصل الطهر بظاهر فكان أقوى، ولا يضر في احتمال طهر فم الهرة كونها تلعقه بلسانها لأن الماء يرد على جوانب فمها فيطهره كوروده على

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه من حديث ابن عمر: أبو داود في الطهارة باب 33، والترمذي في الطهارة باب50، والنسائي في الطهارة باب43، والمياه باب3، وابن ماجه في الطهارة باب75، والدارمي في الوضوء باب 55، وأحمد في المسند"2/ 23، 27، 107".
2 الوزغ: سام أبرص، واحدة وزغة، وقد يقال: الوزغة الأنثى، والوزغ الذكر، انظر المعجم الوسيط "ص1029".
3 القراد: دويبة متطفلة ذات أرجل كثيرة تعيش على الدواب والطيور؛ الواحدة قرادة "المعجم الوسيط: ص724".
4 الخنفساء: حشرة سوداء أصغر من الجعل منتنة الريح "المعجم الوسيط: ص259".
5 روى البخاري في بدء الخلق، باب 17 "حديث رقم 3320", والطب، باب 58 "حديث رقم 5782" عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه، فإن في إحدى جناحيه داء والأخرى شفاء".

 

ص -16-         والقليل من دخان النجاسة واليسير من الشعر النجس واليسير من غبار السرجين ولا ينجس غبار السرجين أعضاءه الرطبة، وإذا كان الماء قلتين فلا ينجس بوقوع النجاسة فيه إلا إن تغير طعمه أو لونه أو ريحه ولو تغيرًا يسيرًا، فإن زال تغيره بنفسه أو بماء طهر أو بمسك أو كدورة تراب فلا، والجاري كالراكد والقلتان خمسمائة رطلبالبغدادي تقريبًا فلا يضر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جوانب الإناء المتنجس، أما إذا لم يكن ذلك فإنه ينجس ما ولغ فيه. "و" منها "القليل من دخان النجاسة" والمتنجس ومثله البخار إن تصاعد بواسطة نار بخلاف المتصاعد لا بواسطة نار كبخار الكنيف1 والريح الخارجة من الشخص وإن كانت ثيابه رطبة فإنه طاهر. "و" منها "اليسير من الشعر النجس" لغير الراكب والكثير منه للراكب. "و" منها اليسير من غبار السرجين"2 ونحوه "ولا ينجس غبار السرجين أعضاءه" ولا ثيابه "الرطبة" كما لا ينجس ما وقع فيه وذلك لمشقة الاحتراز عن جميع ذلك، ولذلك عفى أيضًا عن منفذ غير الآدمي إذا وقع في الماء مثلا سواء غلب وقوع فيه أم لا بشرط أن لا يطرأ عليه نجاسة أجنبية وعما يحمله نحو الذباب، وعما يبقى من قليل الدم على اللحم والعظم، وعن قليل بول وروث ما نشؤه من الماء والمرجع في القلة والكثرة العرف، وشرط العفو عن ذلك أن لا يغير وأن لا يكون من مغلظ وأن لا يحصل بقصد، قيل: ويعفى عن جرة3 البعير وفم ما يجتر إذا التقم أخلاف أمه وفم صبي تنجس وإن لم يغب وذرق4 الطيور في الماء وإن لم تكن من طيوره وبعر فأرة عم الابتلاء بها، وبعر شاة وقع في اللبن حال الحلب، وما يبقى في نحو الكرش إذا شقت تنقيته منه، وفي أكثر ذلك نظر ومخالفة لكلامهم.
"وإذا كان الماء قلتين فلا ينجس بوقوع النجاسة فيه إلا إن تغير طعمه" وحده "أو لونه" وحده "أو ريحه" وحده "ولو" كان "تغيرًا يسيرًا" لفحش النجاسة، ومن ثم فرض النجس المتصل به الموافق له في الصفات كبول منقطع الرائحة بأشدها كلون الحبر وريح المسك وطعم الخل، فإن كان بحيث يغيره أدنى تغير تنجس وخرج بوقوعها فيه تغيره برائحة جيفة على الشط فلا يضر "فإن زال تغيره" الحسي أو التقديري "بنفسه" لنحو طول مكث وهبوب ريح "أو بماء" ضم إليه ولو متنجسًا أو نبع فيه أو نقص منه وبقي قلتان "طهر" لانتفاء علة التنجيس وهي التغير، ولا يضر عوده بعد زواله حيث خلا عن نجس جامد، "أو" زال "بمسك أو كدورة تراب" أو نحوهما "فلا" يطهر لأن الظاهر استتار وصف النجاسة به لا زواله، وأفهم تعبيره بكدورة أن الماء لو صفا منها ولا تغير به طهر ولو وقع النجس في كثير متغير بما لا يضر قدر زواله، فإن فرض تغيره بهذه النجاسة تنجس وإلا فلا، "و" الماء "الجاري" وهو ما نقصان رطلين ويضر نقصان أكثر وقدرهما بالمساحة في المربع ذراع وربع طولًا وعرضًا وعمقًا وفي المدور كالبئر ذراعان عمقًا وذراع عرضًا، وتحرم الطهارة بالماء المسبل للشرب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الكنيف: المرحاض.
2 السرجين: الزبل.
3 الجرة لذوات الظلف والخف: كالمعدة للإنسان.
4 ذرق الطيور: سلحها.

 

ص -17-         فصل: "في الاجتهاد"
إذا اشتبه عليه طاهر بمتنجس اجتهد وتطهر بما ظن طهارته بعلامة ولو أعمى وإذا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اندفع في صبب1 أو مستو من الأرض وإلا فهو راكد "كالراكد" فإن كان قلتين لم ينجس إلا بالتغير أو أقل تنجس بمجرد ملاقاة النجس غير المعفو عنه، نعم الجاري وإن تواصل حسًا فهو منفصل حكمًا إذ كل جرية طالبة لما أمامها هاربة مما وراءها فاعتبر تقوي أجزاء الجرية الواحدة بعضها ببعض وهي لما يرتفع وينخفض بين حافتي النهر من الماء عند تموجه تحقيقًا أو تقديرًا، أما الجريات فلا يتقوى بعضها ببعض، فلو وقعت فيه نجاسة وجرت بجرية فموضع الجرية المتنجس بها نجس، وللمارة بعدها حكم غسالة النجاسة وإن لم تجر بجريه فكل جرية تمر عليها دون قلتين تكون نجسة وإن امتد النهر فراسخ إلى أن يجتمع فيه قلتان في محل، وبه يلغز فيقال لنا ماء بلغ آلافًا من القلال وهو نجس مع أنه ليس بمتغير "والقلتان خمسمائة رطل بالبغدادي" وبالمصري أربعمائة وستة وأربعون رطلًا2 "تقريبًا" لا تحديدًا "فلا يضر نقصان رطلين" فأقل "ويضر نقصان أكثر" من رطلين على ما في الروضة "وقدرهما بالمساحة في المربع3 ذراع وربع" بذراع اليد المعتدلة "طولًا وعرضًا وعمقًا" إذ كل ربع ذراع يسع أربعة أرطال بغدادية ومجموع ذلك مائة وخمسة وعشرين ربعًا في خمسة أرباع بسط العمق "وفي المدور كالبئر ذراعان عمقًا" بذراع النجار وهو بذراع اليد المعتدلة قيل ذراع وربع تقريبًا وقيل ذراع ونصف "وذراع عرضًا" وهو ما بين حائطي البئر من سائر الجوانب، وسبب اختلاف المربع والمدور مذكور في المطولات، "وتحرم الطهارة" وغيرها من سائر وجوه الاستعمالات ما عدا الماء "بالماء المسبل للشرب" لكن تصح الطهارة به، ويجب التيمم بحضرته، ومثله ما جهل حاله سواء دلت القرينة على أنه مسبل للشرب كالخوابي الموضوعة في الطرق أو لا كالصهاريج، ويحرم حمل شيء من المسبل إلى غير محله ما لم يضطر إليه.
فصل في الاجتهاد:
وهو كالتحري: بذل المجهود في تحصيل المقصود.
"إذا اشتبه عليه طاهر" من ماء أو تراب أو غيرهما "بمتنجس" أو طهور بمستعمل "اجتهد" أخبره بتنجيسه ثقة وبين السبب أو أطلق وكان فقيهًا موافقًا اعتمده.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الصبب: ما انحدر من الأرض، جمعها أصباب.
2 الرطل: معيار يوزن به أو يكال يختلف باختلاف البلاد، وهو في مصر اثنتا عشرة أوقية، والأوقية اثنا عشر درهمًا، انظر المعجم الوسيط "ص352".
3 قوله "المربع" المراد به المكعب؛ لأنه قال بعد: "طولًا وعرضًا وعمقًا".

 

ص -18-         فصل: "في الأواني"
ويحرم استعمال أواني الذهب والفضة إلا لضرورة واتخاذها ولو إناء صغيرًا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وجوبًا إن ضاق الوقت ولم يجد غير ذلك الماء أو التراب أو اضطر إلى تناول المتنجس وجوازًا فيما عدا ذلك، "وتطهر بما ظن طهارته" واستعمله لأن التطهر شرط من شروط الصلاة، وحل التناول والاستعمال والتوصل إلى ذلك ممكن بالاجتهاد فوجب عند الاشتباه إن تعين طريقًا كما مر، وللاجتهاد شروط أربعة: أحدها: أن يكون لكل من المشتبهين أصل في التطهير والحل، فلو اشتبه ماء بماء ورد أو طاهر بنجس العين فلا اجتهاد بل يتوضأ بالماء وماء الورد بكل مرة. ثانيها: أن يكون للعلامة فيه مجال فلا يجوز الاجتهاد إلا بعلامة كتغير أحد الإناءين ونقصه واضطرابه وقرب نحو كلب أو رشاش منه لإفادة غلبة الظن حينئذ بخلاف ما إذا لم يكن فيه محال كما لو اختلطت محرمة بنسوة: ثالثها: ظهور العلامة فإن لم يظهر لم يعمل به سواء الأعمى والبصير، ولا يشترط في إدراكها البصر بل يتحرى من وقع له الاشتباه، "ولو" كان "أعمى" فإن له طريقًا في التوصل إلى المقصود كسماع صوت ونقص ماء واعوجاج الإناء واضطراب عطائه فإن لم يظهر له شيء قلد، فإن لم يجد من يقلده أو اختلف عليه مقلدوه تيمم والبصير لا يقلد بل يتيمم، وشرط صحة التيمم إتلاف الماءين لأن أحدهما طهور بيقين والتيمم لا يصح مع وجوده، رابعها: تعدد المشتبه وبقاء المشتبهين فلا اجتهاد في واحد ابتداء ولا انتهاء، ويجب عليه إعادة الاجتهاد لكل طهور ولو مجددًا وإن لم يكفه لوجوب استعمال الناقص، ثم إن وافق اجتهاده الأول فذلك وإلا أتلفهما ثم تيمم "وإذا أخبره بتنجيسه" أي أحد الإناءين "ثقة" ولو عدل رواية كامرأة وعبد "وبين السبب أو أطلق أو كان فقيها موافقًا" للمخبر في باب تنجس المياه "اعتمده" وجوبًا بخلاف ما إذا أطلق وهو عامي أو مخالف فلا يعتمده، وخرج بالثقة الصبي والمجنون والفاسق والكافر فلا يقبل خبرهم إلا إن كان من غير المجانين ولو بلغ عدد التواتر، ومن يخبر عن فعل نفسه فهو مقبول مطلقًا.
فصل في الأواني:
"ويحرم" على المكلف ولو أنثى "استعمال أواني الذهب والفضة" في الطهارة وغيرها لنفسه أو لغيره ولو صغيرًا كسقيه في مسعط فضة لما صح من النهي عن الأكل والشرب فيهما مع اقترانه بالوعيد الشديد1، وقيس بهما سائر وجوه الاستعمال كالاحتواء على

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 روى البخاري في الأشربة، باب 28 "حديث 5633" عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تلبسوا الحرير والديباج فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة"، وروى أيضًا من حديث أم سلمة "رقم5634": "الذي يشرب في إناء الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم" وروى مسلم  حديث أم سلمة في اللباس والزينة "حديث1" بنفس لفظ البخاري، ورواه "حديث رقم 2" بلفظ: "من شرب في إناء من ذهب أو فضة فإنما يجرجر في بطنه نارًا من جهنم".

 

ص -19-         كمكحلة وما ضبب بالذهب، ولا يحرم ما ضبب بالفضة إلا ضبة كبيرة للزينة، ويحل المموه بهما إذا لم يحصل منه شيء بالعرض على النار.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجمرة1 وشم رائحتها من قرب بحيث يصير عرفًا متطيبًا بها "إلا لضرورة" بأن لم يجد غيرها "و" يحرم "اتخاذها" لأنه يجر إلى استعمالها المحرم كآلة اللهو المحرمة "ولو" كان مستعملًا "إناء صغيرًا" جدا حتى ساوى الضبة2 المباحة "كـ"ـمرود3 و"مكحلة"4, وخلال5 لعموم النهي عن الإناء "و" يحرم استعمال "ما ضبب بالذهب" مطلقًا أو طليت ضبة به بحيث يتحصل منه شيء بالعرض على النار وإن صغرت الضبة وكان لحاجة لأن الخيلاء فيه أشد. "ولا يحرم ما ضبب بالفضة إلا ضبة كبيرة للزينة" وحدها أو مع الحاجة فتحرم لما فيها من السرف والخيلاء بخلاف الصغيرة لزينة أو الكبيرة لحاجة والصغيرة لحاجة فإنها تحل وإن لمعت من بعد أو كانت بمحل الشرب أو استوعبت جزأ من الإناء لانتفاء الخيلاء مع الكراهة في الأولين وضابط الصغر والكبر العرف ولو شك في الكبر فالأصل الإباحة، والمراد بالحاجة الغرض المتعلق بالتضبيب سوى التزيين كإصلاح كسر وشد وتوثق، "ويحل" الإناء "المموه بهما" أي بالذهب والفضة "إذا لم يحصل شيء منه بالعرض على النار" وإلا حرم أما إناء الذهب والفضة إذا غشي بنحاس أو نحوه بحيث ستره فإنه يحل لأن علة التحريم العين مع الخيلاء وهما موجودان في الأول دون الثاني6 هذا في الاستدامة. أما فعل التمويه والاستئجار له فحرام مطلقًا حتى في الكعبة، ولو فتح فاه للمطر النازل من ميزابها لم يحرم وإن مسه الفم على الأوجه لأنه لا يعد مستعملًا له، وتحل حلقة الإناء ورأسه وسلسلته ولو من فضة لانفصالها عنه مع أنه لا تسمى إناء، ولا ينافي هذا قولهم يحل الاستنجاء بالنقد لأن محله في قطعة لم تطبع ولم تهيأ له وإلا حرم الاستنجاء بها أيضًا، وخرج بأواني الذهب والفضة سائر الأواني ولو من جواهر نفيسة فيحل استعمالها لأن الفقراء يجهلونها فلا تنكسر قلوبهم برؤيتها، نعم يحرم استعمال الإناء النجس في غير جاف وماء كثير لأنه ينجسه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المجمرة: ما يوضع فيه الجمر مع البخور.
2 الضبة: حديدة عريضة يضبب بها الباب، وغلق من خشب ذو مفتاح يغلب به الباب "المعجم الوسيط: ص532".
3 المرود: الميل من الزجاج أو المعدن يكتحل به.
4 المكحلة: الوعاء الذي فيه الكحل، جمعه مكاحل.
5 الخلال: العود الذي يتخلل به.
6 أي أن العين "أي الذهب والفضة" والخيلاء موجودان معًا في الحالة الأولى، وغير موجودين معًا في الحالة الثانية وهي حالة تغشيتهما بنحاس أو نحوه؛ ففي هذه الحالة الثانية وجد العين وانتفت الخيلاء.

 

ص -20-         فصل: "في خصال الفطرة"
يسن السواك في كل حال ويتأكد للوضوء والصلاة لكل إحرام وإرادة قراءة القرآن والحديث والذكر واصفرار الأسنان ودخول البيت والقيام من النوم وإرادة النوم ولكل حال يتغير فيه الفم، ويكره للصائم بعد الزوال ويحصل بكل خشن لا أصبعه والأراك أولى ثم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل: في خصال الفطرة
"يسن السواك في كل حال" للأحاديث الكثيرة الشهيرة1، ولو أكل نجسًا وجب إزالة دسومته بسواك أو غيره "ويتأكد للوضوء و" التيمم لخبر فيه2 ويتأكد عند إرادة "الصلاة لكل إحرام" ولو لنفل وسجدة تلاوة أو شكر وإن كان فاقد الطهورين ولم يتغير فمه واستاك للوضوء وقرب الفصل للخبر الصحيح:
"ركعتان بسواك خير من سبعين ركعة بغير سواك"3، ويظهر أنه لو خشي تنجس فمه لم يندب لها وأنه لو تذكر فيها أنه تركه تداركه بفعل قليل، "و" عند "إرادة قراءة القرآن والحديث والذكر" وكذا كل عمل شرعي ويكون قبل الاستعاذة. و"اصفرار الأسنان "يعني تغيرها وإن لم يتغير فمه "و" عند "دخول البيت" أي المنزل ويصح أن يراد به الكعبة إذ يتأكد لدخول كل مسجد "و" عند "القيام من النوم" لأنه يورث التغير، "و" عند "إرادة النوم" لأنه يخفف التغير الناشئ منه، "و" يتأكد أيضًا "لكل حال يتغير فيه الفم" وعند كل طواف وخطبة وأكل وبعد الوتر وفي السحر وللصائم قبل أوان الخلوف وعند الاحتضار؛ لأنه يسهل طلوع الروح، ويسن التخلل قبل السواك وبعده ومن أثار الطعام، "ويكره للصائم بعد الزوال" وإن احتاج إليه لتغير حدث في فمه من غير الصوم كأن نام أو أكل ذا ريح كريه ناسيًا لأنه يزيل الخلوف المطلوب إبقاؤه فإنه عند الله أطيب من ريح المسك4 ولو لم يتعاط مفطرًا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من هذه الأحاديث:
"السواك مطهرة للفم مرضاة للرب". رواه النسائي في الطهارة باب 4، وابن ماجه في الطهارة باب 7، وأحمد في المسند "6/ 47، 62، 124"، ومنها: "عشر من الفطرة"... وذكر منها السواك؛ رواه مسلم في الطهارة حديث 56، وأبو داود في الطهارة باب29، ورواه غيرهما ومنها: "أربع من سنن المرسلين: الحياء، والتعطر، والسواك، والنكاح", رواه الترمذي في النكاح باب1، وأحمد في المسند "1/ 421"، ويوجد أحاديث أخرى كثيرة في هذا الباب.
2 رواه البخاري في الجمعة باب8، ومسلم في الطهارة حديث 42، ومالك في الطهارة حديث 114؛ عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك"، والمقصود: عند كل وضوء؛ فقد رواه مالك "حديث 115" عن أبي هريرة أنه قال: "لولا أن يشق على أمته لأمرهم بالسواك مع كل وضوء".
3 رواه البيهقي في السنن الكبرى "1/ 38" في كتاب الطهارة "حديث رقم 160" من حديث عائشة بلفظ:
"الركعتان بعد السواك أحب إليّ من سبعين ركعة قبل السواك"؛ ورواه أيضًا "حديث رقم 161" بلفظ: "صلاة بسواك خير من سبعين صلاة بغير سواك".
4 للحديث الصحيح:
"لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك". رواه البخاري في الصوم باب 2 و9, واللباس باب 78، ومسلم حديث 162-164، والترمذي في الصوم باب54، والنسائي في الصيام باب 41-43 وابن ماجه في الصيام باب1، ومالك في الصيام حديث 58، وأحمد في عدة مواضع من مسنده.

 

ص -21-         النخل، ويستحب أن يستاك بيابس ندي بالماء وأن يستاك عرضًا إلا في اللسان وأن يدهن غبًا ويكتحل وترًا ويقص الشارب ويقلم الظفر وينتف الإبط ويزيل شعر العانة ويسرح

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يتولد منه تغير الفم ليلًا كره له السواك من بعد الفجر لأنه يزيل الخلوف الناشئ من الصوم دون غيره، "ويحصل" فضله "بكل خشن" ولو نحو أشنان1 بخلافه بنحو ماء الغاسول2، وإن نقى الأسنان وأزال القلح3 لأنه لا يسمى سواكًا "لا أصبعه" المتصلة به وإن كان خشنة لأنها لا تسمى سواكًا لأنها جزء منه، أما أصبع غيره أو أصبعه المنفصلة عنه فتجزئ إن كان خشنة وإن وجب دفنها فورًا، "والأراك أولى ثم النخل" ثم ذو الريح ثم الطيب ثم اليابس المندى بالماء ثم العود ولا يكره بسواك الغير إذا أذن وإلا حرم.
و"يستحب" إذا لم يجد سواكًا رطبًا أو لم يرد الاستياك به "أن يستاك بيابس ندي بالماء" لا بغيره لأن في الماء من التنظيف المقصود ما ليس في غيره. "وأن يستاك عرضًا" أي في عرض الأسنان ظاهرها وباطنها لحديث مرسل فيه، ويكره طولًا لأنه قد يدمي اللثة ويفسدها "إلا في اللسان" فيسن فيه طولًا لحديث فيه4 ويكره بمبرد ومع الكراهة يحصل له أصل السنة، ويسن كونه باليد اليمنى وإن كان لإزالة تغير لأن اليد لا تباشره، وأن يبدأ بجانب فمه الأيمن ويذهب إلى الوسط ثم الأيسر ويذهب إليه "و" يستحب "أن يدهن غبًا" أي وقتًا بعد وقت "و" أن "يكتحل وترًا" ثلاثة في العين اليمنى ثم ثلاثة في اليسرى "و" أن "يقص الشارب" حتى تبين حمرة الشفة بيانًا ظاهرًا ولا يزيد على ذلك، وهذا هو المراد بإحفاء الشوارب الوارد في الحديث5 كما قال النووي، واختار بعض المتأخرين أن حلقه سنة أيضًا لحديث فيه6 "و" أن "يقلم الظفر" والأفضل أن يبدأ بسبابة يده اليمنى ثم الوسطى فالبنصر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الأشنان: شجر من الفصيلة الرمرامية ينبت في الأرض الرملية، يستعمل هو أو رماده في غسل الثياب والأيدي "المعجم الوسيط: ص19".
2 الغاسول: عشب حولي ينبت في صحاري مصر "المعجم الوسيط: ص652".
3 القلح والقلاح: صفرة أو خضرة تعلو الأسنان.
4 وهو ما رواه البخاري في الوضوء باب 73 "حديث 244" عن أبي بردة عن أبيه قال: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فوجدته يستن بسواك بيده يقول: أع أع، والسواك في فيه كأنه يتهوع" ورواه أيضًا أبو داود في الطهارة باب26.
5 ولفظه:
"أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى"، رواه البخاري في اللباس باب64، ومسلم في الطهارة حديث 52- 55، والترمذي في الأدب باب 18، والنسائي في الطهارة باب14، وأحمد في المسند "2/ 16، 52، 239، 283، 256، 365، 366، 387، 410، 489".
6 روى البخاري في اللباس باب 63 "حديث 5888" عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"من الفطرة قص الشارب"، ورواه أيضًا "حديث 5889" عن أبي هريرة: "الفطرة خمس أو خمس من الفطرة الختان والاستحداد ونتف الإبط وتقليم الأظفار وقص الشارب". وروى أيضًا "حديث رقم 5893" عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انهكوا الشوارب وأعفوا اللحى"، والنهك: المبالغة في كل شيء كما في لسان العرب.

 

ص -22-         اللحية ويخضب الشيب بحمرة أو صفرة والمزوجة يديها ورجليها بالحناء، ويكره القزع ونتف الشيب ونتف اللحية والمشي في نعل واحد والانتعال قائمًا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فالخنصر فالإبهام فخنصر اليسرى فالبنصر فالوسطى فالسبابة فالإبهام، أما رجلاه فيقلمهما كما يخللهما في الوضوء. "و"أن "ينتف الإبط" ويحصل أصل السنة بحلقه هذا إن قدر على النتف وإلا فالحلق أفضل. "و" أن "يزيل شعر العانة" والأولى للذكر حلقه وللمرأة نتفه ولا يؤخر ما ذكر عن وقت الحاجة ويكره كراهة شديدة تأخيرها عن أربعين يومًا، ويسن أيضًا غسل البراجم وهي عقد طهور الأصابع وإزالة وسخ معاطف الأذن والأنف وسائر البدن "و" أن "يسرح اللحية و" أن "يخضب الشيب بحمرة أو صفرة" للاتباع ويحرم السواد إلا لإرهاب الكفار كغاز "و" أن تخضب المرأة "المزوجة يديها ورجليها بالحناء" إن كان زوجها يحب ذلك، ويسن البداءة في كل ذلك باليمنى، أما غيرها فلا يندب لها ذلك بل يحرم عليها الخضب بالسواد وتطريف الأصابع وتحمير الوجنة إن كانت خلية أو لم يأذن حليلها، وكذا يحرم عليها وصل شعرها بشعر نجس أو بشعر آدمي مطلقًا، وكذا بالطاهر على الخلية والمزوجة والمملوكة بغير إذن حليلها والوشر وهو تحديد أطراف الأسنان وتفريقها كالوصل بشعر طاهر ولا بأس بتصفيف الطرر1 وتسوية الأصداغ، "ويكره القزع" وهو حلق بعض الرأس للنهي عنه2 ولا بأس بحلق جميعه لمن لا يخف عليه تعهده وتركه لمن يخف عليه ولو خشي من تركه مشقة سن له حلقه وفرقه سنة "ونتف الشيب" لأنه نور بل قال في المجموع3 ولو قيل بتحريمه لم يبعد ونص عليه في الأم4 "ونتف اللحية" إيثارًا للمرودة وطليها بالكبريت استعجالا للشيخوخة وتصفيفها طاقة فوق طاقة تحسينًا والزيادة فيها والنقص منها بالزيادة في شعر العذارين من الصدغين أو أخذ بعض العذار في حلق الرأس، ونتف جانبي العنفقة وتركها شعثة إظهارًا لقلة المبالاة بنفسه والنظر في بياضها وسوادها إعجابًا وافتخارًا، ولا بأس بترك سباليه وهما طرفا الشارب، "و" ويكره بلا عذر "المشي في نعل واحد" للنهي الصحيح عنه5، والمعنى فيه أن مشيه يختل بذلك، وقيل لما فيه من ترك العدل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الطرر" جمع طرة، وهي ما تطره المرأة من الشعر الموفي على جبهتها وتصففه، وهي القصة "المعجم الوسيط: ص554".
2 وهو حديث ابن عمر: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القزع" رواه البخاري في اللباس باب 72، ومسلم في اللباس والزينة حديث 72 و113، وأبو داود في الترجل باب14.
3 "المجموع في شرح المهذب لأبي إسحاق الشيرازي" للإمام النووي المتوفى سنة 676هـ، بلغ فيه إلى باب الربا، ثم أخذه الشيخ تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي المتوفى سنة 756 فأكمله، انظر كشف الظنون "ص1912" وهدية العارفين "2/ 525".
4 كتاب "الأم" للإمام الشافعي.
5 روى البخاري في اللباس باب 40، ومسلم في اللباس والزينة "حديث 68" من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"لا يمش أحدكم في نعل واحدة، لينعلهما جميعًا أو ليخلعهما جميعًا" وروى مسلم أيضًا في اللباس "حديث 70" عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يأكل الرجل بشماله أو يمشي في نعل واحدة...".

 

ص -23-         فصل: "في الوضوء"
فروض الوضوء ستة:
الأول: نية رفع الحدث أو الطهارة للصلاة أو نحو ذلك عند غسل الوجه وينوي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بين الرجلين وكالنعل الخف ونحوه. "والانتعال قائمًا" للنهي الصحيح عنه1 أيضًا ولأنه يخشى منه سقوطه، وإطالة العذبة2 والثوب والإزار عن الكعبين لا للخيلاء وإلا حرم، ولبس الخشن لغير غرض شرعي خلاف الأولى، ويسن أن يبدأ بيمينه لبسًا وبيساره خلعًا وأن يخلع نعليه إذا جلس وأن يجعلهما وراءه أو بجنبه إلا لعذر كخوف عليهما، وأن يطوي ثيابه ذاكرًا اسم الله، وأن يجعل عذبته بين كتفيه وكمه إلى رسغه، وللمرأة إرسال ثوبها على الأرض ذراعًا، ولا يكره إرسال العذبة ولا عدمه.
فصل: في الوضوء
وهو معقول المعنى وفرض مع الصلاة على الأوجه قبل الهجرة بسنة وهو من خصائص هذه الأمة بالنسبة لبقية الأمم لا لأنبيائهم، وموجبه الحدث وإرادة فعل ما يتوقف عليه، وكذا يقال في الغسل.
"وفروض الوضوء ستة" الأول: النية لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم:
"إنما الأعمال بالنيات"3 أي إنما صحتها بالنية فتجب إما "نية رفع حدث" أي رفع حكمه وإن نوى بعض أحداثه كأن نام وبال فنوى رفع حدث النوم لا البول لأن الحدث لا يتجزأ فإذا ارتفع بعضه ارتفع كله، وكذا لو نوى غير رفع حدثه كأن نام فنوى رفع حدث البول لكن بشرط أن يكون غالطًا وإلا كان متلاعبًا "أو" نية "الطهارة للصلاة" أو نحوهما أو الطهارة عن الحدث، ولا يكفي فيه نية الطهارة فقط ولا الطهارة الواجبة على الأوجه "أو" نية "نحو ذلك" كنية أداء الوضوء أو فرضه أو الوضوء وإنما لم تصح نية الغسل؛ لأنه قد يكون عادة بخلاف الوضوء، وكنية استباحة مفتقر إلى الوضوء كالصلاة وإن لم يدخل وقتها كالعيد في رجب وطواف وإن كان في الهند مثلا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 حديث: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينتعل الرجل قائمًا" رواه عن جابر: أبو داود في اللباس باب 41، والترمذي في اللباس باب35، وابن ماجه في اللباس باب 30.
2 العذبة: طرف الشيء؛ يقال: عذبة السوط، وعذبة اللسان، وعذبة العمامة، والمراد هنا عذبة العمامة.
3 رواه البخاري في بدء الوحي باب1، والإيمان باب 41، والنكاح باب 5، والطلاق باب11، ومناقب الأنصار باب 45، والعتق باب 6، ومسلم في الإمارة حديث رقم 155، ورواه أيضًا أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد.

 

ص -24-         سلس البول ونحوه استباحة فرض الصلاة وإن توضأ للسنة نوى استباحة الصلاة.
الثاني: غسل الوجه وحده ما بين منابت شعر رأسه ومقبل ذقنه وما بين أذنيه فمنه الغمم والهدب والحاجب والعذار والعنفقة بشرًا وشعرًا وإن كثف وشعر اللحية وشعر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولا يعتد بالنية إلا إن كانت "عند غسل الوجه" فإن غسل جزأ منه قبلها لغا فإذا قرنها بجزء بعده كان الذي قارنها وهو أوله ووجب إعادة غسل ما تقدم عليها ثم المتوضئ إما سليم وإما سلس فالسليم يصح وضوؤه بجميع النيات السابقة بخلاف السلس. "و" من ثم "ينوي سلس البول ونحوه" كالمذي1 والودي2 "استباحة فرض الصلاة" أو غيرها من النيات السابقة لا رفع الحديث والطهخارة عنه لأن حدثه لا يرتفع ويستبيح السلس بذلك ما يستبيحه المتيمم مما يأتي وإنما تلزمه نية استباحة الفرض إن توضأ لفرض. "وإن توضأ لسنة نوى استباحة الصلاة" ولو نوى المتوضئ مع نية الوضوء تبردًا أو تنظفًا كفى، لكن إن نوى ذلك في الأثناء اشترط أن يكون ذاكرًا لنية الوضوء وإلا لم يصح ما بعدها لوجود الصارف، وكذا لو بقي رجلاه مثلا فسقط في نهر لم يرتفع حدثهما إلا إن كان ذاكرًا لها، بخلاف ما لو غسلهما فإنه يرتفع مطلقًا ولا يقطع نية الاغتراف حكم النية السابقة وإن عزبت3 لأنها لمصلحة الطهارة لصونها ماؤها عن الاستعمال، ومتى شرك بين عبادة وغيرها لم يثب مطلقًا عن ابن عبد السلام4، وعند الغزالي5 إن غلب باعث الآخرة أثيب وإلا فلا، وكلام المجموع وغيره في الحج يؤيده.
الفرض "الثاني: غسل" ظاهر "الوجه" أي انغساله وكذا يقال في سائر الأعضاء للآية6 "وحده" طولا "ما بين منابت شعر رأسه" أي ما من شأنه ذلك "و" "مقبل ذقنه و" عرضًا "ما بين أذنيه فمنه الغمم" وهو ما ينبت عليه الشعر من جبهة الأغم إذ لا عبرة بنباته في غير

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المذي: ماء رقيق يخرج من مجرى البول من إفراز الغدد المبالية عند الملاعبة والتقبيل من غير إرادة، "المعجم الوسيط، ص860".
2 الودي: الماء الرقيق الأبيض الذي يخرج في إثر البول في إفراز البروستاتة "المعجم الوسيط: ص1022".
3 عزب الشيء عزوبًا: بعد وخفي.
4 هو عز الدين أبو محمد عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم السلمي الدمشقي الشافعي، فقيه، مشارك في الأصول والعربية والتفسير، ولد بدمشق سنة 577 أو 578هـ، وتوفي بالقاهرة في جمادى الأولى سنة 660هـ، انظر معجم المؤلفين "2/ 162".
5 هو الإمام حجة الإسلام أبو حامد محمد بن محمد الغزالي، حكيم، متكلم، فقيه، أصولي، صوفي، مشارك في أنواع من العلوم، ولد بالطابران إحدى قصبتي طوس بخراسان سنة 450 أو 451هـ، وتوفي بها سنة 505هـ "معجم المؤلفين: 3/ 671".
6 الآية 6 من سورة المائدة:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ...}.

 

ص -25-         العارض إن خف غسل ظاهره وباطنه وإن كثف غسل ظاهره، ويستحب تخليل اللحية الكثة بأصابعه من أسفل.
الثالث: غسل اليدين مع المرفقين وما عليهما.
الرابع: مسح شيء من بشرة الرأس أو شعره في حده.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محله كما لا عبرة بانحسار شعر الناصية. "و" منه "الهدب والحاجب والعذار" وهو الشعر النابت على العظم الناتئ بقرب الأذن ومنه البياض الذي بينه وبين الأذن "والعنفقة" فيجب غسل جميع الوجه الشامل لما ذكره وغيره "بشرًا" حتى ما يظهر من حمرة الشفتين مع إطباق الفم وما يظهر من أنف المجدوع لا غير "وشعرًا" ظاهرًا وباطنًا "وإن كثف" لأن كثافته نادرة، نعم ما خرج عن حد الوجه لا يجب غسل باطنه إن كثف، ويجب غسل جزء من ملاقي الوجه من سائر الجوانب إذ ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وكذا يزيد أدنى زيادة في اليدين والرجلين، وأفاد كلامه أن ما أقبل من اللحيين من الوجه دون النزعتين وهما بياضان يكتنفان الناصية ودون موضع الصلع وهو ما بينهما إذا انحسر عنه الشعر ودون موضع التحذيف وهو ما ينبت عليه الشعر من ابتداء العذار والنزعة ودون وتد الأذن لكن يسن غسل جميع ذلك وأن يأخذ الماء بيديه جميعًا للاتباع وما مر في الشعر محله في غير اللحية والعارض. "وشعر اللحية" الإضافة فيه بيانية إذ اللحية الشعر النابت بمجتمع اللحيين. "وشعر العارض" الإفاضة فيه كذلك إذ هو الشعر الذي بين اللحية والعذار "إن خف" بأن كانت البشرة ترى من خلاله في مجلس التخاطب "غسل ظاهره وباطنه" سواء أخرج عن حد الوجه أم لا، "وإن كثف" بأن لم تر منه البشرة كذلك "غسل ظاهره" ولا يجب غسل باطنه للمشقة إن كان من رجل، فإن كان من امرأة أو خنثى غسل باطنه مطلقًا، ولو خف البعض وكثف البعض فلكل حكمه إن تميز وإلا وجب غسل الكل، ولو خلق له وجهان غسلهما أو رأسان مسح بعض أحدهما؛ لأن كلا منهما يسمى وجهًا ورأسًا. "ويستحب تخليل اللحية الكثة" وغيرها مما لا يجب غسل باطنه "بأصابعه" اليمنى "من أسفل" للاتباع.
"الثالث: غسل اليدين مع المرفقين" للآية والمرفق مجتمع عظم الساعد والعضد فإن أبين الساعد وجب غسل رأس عظم العضد. "و" يجب غسلهما مع غسل "ما عليهما" من شعر وإن كثف وأظفار وإن طالت كيد نبتت بمحل الفرض وسلعة1 وباطن ثقب أو شق فيه، نعم إن كان لهما غور في اللحم لم يجب إلا غسل ما ظهر منهما، وكذا يقال في سائر الأعضاء، ولو خلق له يدان واشتبهت الزائدة بالأصلية وجب غسلهما.
"الرابع: مسح شيء" وإن قل "من بشرة الرأس" كالبياض الذي وراء الأذن. "أو" من

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 السلعة: زيادة تحدث في الجسم في العنق وغيره، تكون قدر الحمصة أو أكبر "المعجم الوسيط: ص443".

 

ص -26-         الخامس: غسل الرجلين مع الكعبين وشقوقهما.
السادس: الترتيب، فلو غطس صح وضوءه وإن لم يمكث وتجب الموالاة في وضوء دائم الحدث واستصحاب النية حكمًا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"شعره" أو من شعرة منه للآية مع ما صح من مسحه صلى الله عليه وسلم بناصيته وعلى عمامته1, وإنما يجزئ مسح شعر الرأس إن كان داخلًا "في حده" بحيث لا يخرج الممسوح عن الرأس بالمد من جهة نزوله من أي جانب كان ويجزئ غسله وبله بلا كراهة وليس الأذنان منه وخبر: "الأذنان من الرأس"2 ضعيف.
"الخامس: غسل الرجلين مع الكعبين" للآية وهما العظمان الناتئان عند مفصل الساق والقدم "و" مع "شقوقهما" وغيرهما مما هو في اليدين ويجب إزالة ما يذاب في الشق من نحو شمع.
"السادس: الترتيب" كما ذكر لأنه صلى الله عليه وسلم لم يتوضأ إلا مرتبًا، فلو قدم عضوًا على محله لم يعتد به، ولو غسل أربعة أعضائه معًا ارتفع حدث وجهه فقط ويكفي وجود الترتيب تقديرًا "فلو غطس" ناويًا ولو في ماء قليل كما مر "صح وضوؤه وإن لم يمكث" زمنًا يمكن فيه الترتيب أو أغفل لمعة3 من غير أعضاء الوضوء لحصوله تقديرًا في أوقات لطيفة لا تظهر في الحس وخرج بغطس ما لو غسل أسافله قبل أعاليه فإنه لا يجزئ لعدم الترتيب حسًا حينئذ ويسقط وجوبه عن محدث أجنب، ومن ثم لو غسل جنب ما سوى أعضاء الوضوء ثم أحدث لم يجب ترتيبها، "وتجب الموالاة في وضوء دائم الحدث" فيجب عليه أن يوالي بين الاستنجاء والتحفظ وبينهما وبين الوضوء وبين أفعاله وبينه وبين الصلاة تخفيفًا للحدث ما أمكن، "و" يجب في كل وضوء "استصحاب النية حكمًا" ولا يتركها قبل تمام الوضوء بأن لا يأتي بما ينافيها كردة أو قطع وإلا احتاج إلى استئنافها، وإذا أحدث في أثناء الوضوء أو قطعه أثيب على الماضي إن كان لعذر وإلا فلا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه مسلم في الطهارة "حديث 81 و83" عن المغيرة بن شعبة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح بناصيته وعلى العمامة وعلى الخفين" نص الحديث رقم 83.
2 رواه أبو داود في الطهارة باب 51، والترمذي في الطهارة باب 29، وابن ماجه في الطهارة باب 53 من حديث عبد الله بن زيد وأبي أمامة وأبي هريرة، وفي زوائد ابن ماجه: إسناد حديث أبي هريرة ضعيف لضعف عمرو بن الحصين ومحمد بن عبد الله.
3 اللمعة: الموضع لا يصيبه الماء في الوضوء أو الغسل.

 

ص -27-         فصل: "في سنن الوضوء"
وسننه السواك، ثم التسمية مقرونة بالنية مع أول غسل الكفين والتلفظ بالنية واستصحابها، فإن ترك التسمية في أوله ولو عمدًا أتى بها قبل فراغه فيقول: بسم الله أوله وآخره كما في الأكل والشرب ثم غسل الكفين، فإن لم يتيقن طهرهما كره غمسهما في الماء القليل ومائع قبل غسلهما ثلاث مرات ثم المضمضة ثم الاستنشاق، والأفضل الجمع

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل: في سنن الوضوء
والسنة والتطوع والمندوب والنفل والحسن والمرغب فيه ما يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه.
"وسننه" كثيرة ذكر المصنف بعضها فمنها: "السواك" لما مر وينوي به سنة الوضوء بناء على ما مشى عليه المصنف تبعًا لجماعة من أنه قبل التسمية، والمعتمد أن محله بعد غسل الكفين وقبل المضمضة فحينئذ لا يحتاج لنية إن نوى عند التسمية لشمول النية له كغيره. "ثم التسمية" لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم:
"توضؤوا باسم الله"1 أي قائلين ذلك وخبر: "لا وضوء لمن لم يسم الله"2 محمول على الكمال وأقلها باسم الله وأكملها بسم الله الرحمن الرحيم، والسنة أن يأتي بالبسملة "مقرونة بالنية مع أول غسل الكفين" فينوي معها غسل الكفين بأن يقرنها بها عند أول غسلهما ثم يتلفظ بها سرًا عقيب التسمية، فالمراد بتقديم النية على غسل الكفين تقديمها على الفراغ منه. "و" منها "التلفظ بالنية" عقيب التسمية كما تقرر وعند غسل الوجه إن أخرها إليه ليساعد اللسان القلب. "واستصحابها" بقلبه من أول وضوئه إلى آخره لما فيه من مزيد الحضور المطلوب في العبادة ومر أن استصحابها حكمًا شرط. "فإن ترك التسمية في أوله" أي الوضوء "ولو عمدًا أتى بها قبل فراغه فيقول بسم الله في أوله وآخره كما" يسن الإتيان بها "في" أثناء "الأكل والشرب" إذا تركها أولهما ولو عمدًا لأمره صلى الله عليه وسلم بذلك، لكن الوارد في حديث الترمذي وغيره "أوله وآخره" بإسقاط "في" أما في فراغ الوضوء فلا يأتي بها وكذا بعد فراغ الأكل والشرب على الأوجه، "ثم" بعد التسمية المقرونة بالنية "غسل الكفين" إلى الكوعين وإن لم يقم من النوم ولا أراد إدخالهما الإناء ولا شك في طهرهما والأفضل غسلهما معًا، ومر أن المراد بتقديم النية المقرونة بالتسمية على غسلهما الذي أشار إليه المصنف ثم تقديمها على الفراغ منه، "فإن لم يتيقن طهرهما" بأن تردد فيه على السواء أو لا "كره" له "غمسهما في الماء القليل" دون الكثير "و" في "مائع" وإن كثر "قبل غسلهما ثلاث مرات"

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه النسائي في الطهارة باب 61، وأحمد في المسند "3/ 165" والبيهقي في السنن الكبرى "1/ 43".
2 رواه بهذا اللفظ الدولابي في الكنى والأسماء "1/ 36، 120" والزيلعي في نصب الراية "1/ 3" والزبيدي في إتحاف السادة المتقين "2/ 352" والمنذري في الترغيب والترهيب "1/163" ورواه بلفظ:
"لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه" أبو داود والترمذي وأحمد والبيهقي والدارقطني وغيرهم كثير.

 

ص -28-         بثلاث غرفات يتمضمض من كل غرفة ثم يستنشق بباقيها والمبالغة فيهما لغير الصائم وتثليث كل من الغسل والمسح والتخليل ويأخذ الشاك باليقين، ومسح جميع الرأس، فإن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سواء أقام من نوم أم لا لما صح من نهيه صلى الله عليه وسلم المستيقظ عن غمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا1، وعلله بأنه لا يدري أين باتت يده الدال على أن المقتضي للغسل التردد في نجاسة اليد بسبب النوم لاستجمارهم بالحجر وألحق به التردد بغيره، ولا تزول الكراهة إلا بالغسل ثلاثا كما أفهمه كلام المصنف كالحديث وإن تيقنت الطهارة بالأولى لذكر الثلاث في الحديث، أما إذا تيقن ظهرهما أو كان الماء قلتين أو أكثر فهو مخير إن شاء قدم الغسل على الغمس أو أخره عنه، وهذه الثلاثة هي المندوبة أول الوضوء لكن يسن تقديمها عند التردد على الغمس. "ثم المضمضة ثم الاستنشاق" للاتباع ويحصل أقلهما بإصال الماء إلى الفم والأنف والجمع بينهما أفضل من الفصل لأن روايته صحيحة2 ويحصل بغرفة واحدة يتمضمض منها ثلاثا ثم يستنشق منها ثلاثا "والأفضل الجمع" بينهما "بثلاث غرفات يتمضمض من كل غرفة ثم يستنشق بباقيها" لما صح من أمره صلى الله عليه وسلم بذلك، ويحصل أصل السنة بالفصل بأن يتمضمض بثلاث غرفات ثم يستنشق بثلاث غرفات أو يتمضمض ثلاثا من غرفة ثم يستنشق ثلاثا من غرفة وهذه أفضل وإن كانت الأولى أنظف، وأفهم عطفه بـ"ثم" أن الترتيب بين غسل الكفين والمضمضة والاستنشاق مستحق لا مستحب فما تقدم عن محله لغو، فلو أتى بالاستنشاق مع المضمضة أوقدمه عليها أو اقتصر عليه لم يحسب، ولو قدمها على غسل الكفين حسب دونهما على المعتمد. "و" الأفضل "المبالغة فيهما" بأن يبالغ بالماء في المضمضة إلى أقصى الحنك ووجهي الأسنان واللثات مع إمرار الأصبح اليسرى على ذلك وفي الاستنشاق بتصعيد النفس إلى الخيشوم من غير استقصاء لئلا يصير سعوطا مع إدخال الأصبع اليسرى ليزيل ما فيه من أذى هذا "لغير الصائم" أما الصائم فتكره له المبالغة فيهما خشية الإفطار "وتثليث كل من الغسل والمسح والتخليل" والدلك والسواك والذكر كالتسمية والدعاء للاتباع في أكثر ذلك. "ويأخذ الشاك باليقين" وجوبا في الواجب وندبا في المندوب، فلو شك في استيعاب عضو وجب عليه استيعابه، أو هل غسل يده ثلاثا أو اثنتين جعله اثنتين

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لحديث أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا، فإنه لا يدري أين باتت يده". رواه مسلم في الطهارة حديث 87، وأبو داود في الطهارة باب 49، والترمذي في لطهارة باب 19، والنسائي في الطهارة باب 1، وأحمد في المسند "2/ 241، 289، 455، 471، 507".
2 عن عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري قال: قيل له: توضأ لنا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم. فدعا إناء فأكفأ منها على يديه، فغسلهما ثلاثا، ثم أدخل يده فاستخرجها، فمضمض واستنشق من كف واحدة... إلخ. رواه مسلم في الطهارة حديث 18، وهذا لفظه؛ والبخاري في الوضوء باب 41، وأحمد في المسند "4/ 42".

 

ص -29-         لم يرد نزع ما على رأسه مسح جزأ من الرأس ثم تممه على الساتر ثلاثا ثم مسح الأذنين ظاهرهما وباطنهما بماء جديد وصماخيه بماء جديد، وتخليل أصابع اليدين بالتشبيك، وأصابع الرجلين بخنصر اليد اليسرى من أسفل خنصر اليمنى إلى خنصر اليسرى والتتابع

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وغسل ثالثة ولا نظر إلى احتمال زيادة رابعة وهي مكروهة لأنها لا تكره إلا إن تحقق أنها رابعة، ويجب ترك التثليث كسائر السنن لضيق الوقت وقلة الماء واحتياج إلى الفاضل لعطش محترم، ويسن ترك ذلك لإدراك جماعة ما لم يرج جماعة أخرى، والتثليث في مسح الخف والعمامة والجبيرة خلاف الأولى "ومسح جميع الرأس" للاتباع والذي يقع فرضا هو القدر المجزئ فقط، والأكل وضع مسبحتيه على مقدم رأسه وإبهاميه على صدغيه ثم يذهب بهما معا ما عدا الإبهامين لقفاه ثم يرد إن كان له شعر ينقلب ولا يحسب الرد مرة ثانية هذا إن لم يكن على رأسه عمامة أو نحوها. "فإن" كان و"لم يرد نزع ما على رأسه" وإن سهل "مسح جزأ من الرأس" والأولى أن يكون الناصية "ثم تممه" أي المسح "على الساتر" وقوله "ثلاثا" إن أراد به أن يمسح الجزء الذي من الرأس ثلاثا فصحيح أو أنه يمسح الساتر ثلاثا فضعيف لما مر من أن التثليث فيه خلاف الأولى لأنه خلاف الاتباع. "ثم" السنة بعد مسح الرأس "مسح" جميع "الأذنين ظاهرهما وباطنهما" والأفضل مسحهما "بماء جديد" فلا يكفي ببلل المرة الأولى من الرأس. "و" مسح "صماخيه" وهما خرقا الأذنين والأفضل أن يكون "بماء جديد" غير ماء الرأس والأذنين، فلو مسحهما بمائهما حصل أصل السنة كما لو مسحهما أو الأذنين بماء ثانية الرأس أو ثالثته، والأحب في كيفية مسحهما مع الصماخين أن يمسح برأس مسبحتيه صماخيه وبباطن أنملتيهما باطن الأذنين ومعطفهما ويمر إبهاميه على ظاهرهما ثم يلصق كفيه مبلولتين بهما استظهارا. "ويسن" غسلهما مع الوجه ومسحهما مع الرأس و"تخليل أصابع اليدين" والرجلين لما صح من الأمر به1 والأولى كونه في أصابع اليدين "بالتشبيك" لحصول المقصود بسرعة وسهولة وإنما يكره لمن بالمسجد ينتظر الصلاة "و" في "أصابع الرجلين بخنصر اليد اليسرى" أو اليمنى كما في المجموع والأولى أن يبدأ "من أسفل خنصر" الرجل "اليمنى" ويستمر على التوالي "إلى خنصر" الرجل "اليسرى" لما في ذلك من السهولة مع المحافظة على التيامن ومحل ندبه حيث وصل الماء بدونه وإلا وجب، نعم إن التحمت أصابعه حرم فتقها. "والتتابع" بين أفعال وضوئه بأن يشرع في تطهير كل عضو قبل جفاف ما قبله مع اعتدال الهواء والمزاج والزمان والمكان ويقدر الممسوح مغسولا وذلك للاتباع.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 روى الترمذي في الطهارة باب 30، وابن ماجه في الطهارة باب 54، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء واجعل الماء بين أصابع يديك ورجليك".

 

ص -30-         والتيامن وإطالة غرته وتحجيله وترك الاستعانة بالصب إلا لعذر، والنفض والتنشيف بثوب إلا لحر أو برد أو خوف نجاسة وتحريك الخاتم والبداءة بأعلى الوجه والبداءة في اليد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"والتيامن" أي تقديم اليمنى على اليسرى للأقطع ونحوه في كل الأعضاء ولغيره في يديه ورجليه فقط ولو لابس خف لأنه صلى الله عليه وسلم "كان يحب التيامن في شأنه كله"1 مما هو من باب التكريم كتسريح شعر وطهور واكتحال وحلق ونتف إبط وقص شارب ولبس نحو نعل وثوب وتقليم ظفر ومصافحة وأخذ وإعطاء، ويكره ترك التيامن، "وإطالة غرته وتحجيله" لأمره صلى الله عليه وسلم بذلك2 ويحصلان بغسل أدنى زيادة على الواجب, وغاية تطويل الغرة أن يستوعب صفحتي عنقه ومقدم رأسه وتطويل التحجيل أن يستوعب عضديه وساقيه ويسن وإن ذهب محل الفرض من اليدين والرجلين، "وترك الاستعانة بالصب" عليه "إلا لعذر" لأنها ترفه لا يليق بحال المتعبد فهي خلاف الأولى وإن لم يطلبها أو كان المعين كافرًا لا مكروهة، نعم إن قصد بها تعليم المعين لم يكره فيما يظهر وهي في إحضار الماء مباحة وفي غسل الأعضاء بلا عذر مكروهة وتجب على العاجز ولو بأجرة مثل إن فضلت عما يعتبر في زكاة الفطر وإلا صلى بالتيمم وأعاد "و" ترك "النفض" لأنه كالتبري من العبادة فهو خلاف الأولى لا مباح على المعتمد. "و" ترك "التنشيف بثوب إلا لحر أو برد أو خوف نجاسة" بلا عذر وإن لم يبالغ فيه لأنه صلى الله عليه وسلم أتى بمنديل بعد غسله من الجنابة فرده3 ويتأكد سنة في الميت وإذا خرج عقب الوضوء في هبوب ريح بنجس أو آلمه شدة نحو برد أو كان يتيمم، وكأن المصنف تبع في قوله بثوب قول مجلى الأولى تركه بنحو ذيله أو طرف ثوبه لكنه مردود لأنه صلى الله عليه وسلم فعله بهما4، والأولى وقوف

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري في الصلاة باب 47، والأطعمة باب 5، ومسلم في الطهارة حديث 66 و67، وأبو داود في اللباس باب 41، والترمذي في الجمعة باب 75، والنسائي في الطهارة باب 89، والغسل باب 17، والزينة باب 8 و62، وابن ماجه في الطهارة باب 42، وأحمد في المسند "6/ 94، 130، 147، 188، 302، 310".
2 لما ورد في حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"أنتم الغر المحجلون يوم القيامة من إسباغ الوضوء، فمن استطاع منكم فليطل غرته وتحجيله"، وفي لفظ آخر: "إن أمتي يأتون يوم القيامة غرًّا محجلين من أثر الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل". رواه البخاري في الوضوء باب 3، ومسلم في الطهارة حديث 34 و35، وأحمد في المسند "2/ 334، 362، 400، 523".
3 عن ابن عباس عن خالته ميمونة قالت: "أدنيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم غسله من الجنابة، فغسل كفيه مرتين أو ثلاثًا ثم أدخل يده في الإناء ثم أفرغ به على فرجه وغسله بشماله ثم ضرب بشماله الأرض فدلكها دلكًا شديدًا ثم توضأ وضوءه للصلاة ثم أفرغ على رأسه ثلاث حفنات ملء كفه ثم غسل سائر جسده ثم تنحى عن مقامه ذلك فغسل رجليه، ثم أتيته بالمنديل فرده". رواه مسلم في الحيض "حديث 37" وفي حديث آخر عن ميمونة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بمنديل فلم يمسه وجعل يقول بالماء هكذا؛ يعني ينفضه". رواه البخاري في الغسل باب 7، ومسلم في الحيض "حديث 38".
4 فقد روى الترمذي في الطهارة "باب 40" من حديث معاذ قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ مسح وجهه بطرف ثوبه".

 

ص -31-         والرجل بالأصابع، فإن صب عليه غيره بدأ بالمرافق والكعب ودلك العضو ومسح الساقين والاستقبال ووضع الإناء عن يمينه إن كان واسعًا، وأن لا ينقص ماؤه عن مد، وأن لا يتكلم في جميع وضوءه إلا لمصلحة، ولا يلطم وجهه بالماء ولا يمسح الرقبة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حامل المنشفة على اليمين والمعين على اليسار لأنه الأمكن "و" يسن "تحريك الخاتم" لأنه أبلغ في إيصال الماء إلى ما تحته فإن لم يصل إلا بالتحريك وجب "والبداءة بأعلى الوجه" للاتباع ولكونه أشرف.
"والبداءة في" غسل "اليد والرجل" أي كل يد ورجل "بالأصابع" إن صب على نفسه "فإن صب عليه غيره بدأ بالمرفق والكعب" هذا ما في الروضة، لكن المعتمد ما في المجموع وغيره من أن الأولى البداءة بالأصابع مطلقًا فيجري الماء على يده ويدير كفه الآخر عليها مجريًا للماء بها إلى مرفقه وكذا في الرجل ولا يكتفي بجريان الماء بطبعه، "ودلك العضو" مع غسله أو عقبه بأن يمر يده عليه خروجًا من خلاف من أوجبه، ويسن أن يصب على رجليه بيمينه ويدلك بيساره وأن يتعهد نحو العقب لا سيما في الشتاء، "ومسح الساقين" بسبابتيه شقيهما إن لم يكن بهما نحو رمص1 وإلا وجب وهما طرفا العين الذي يلي الأنف والمراد بهما هنا ما يشمل اللحاظ وهو الطرف الآخر، "والاستقبال" للقبلة في جميع وضوئه لأنها أشرف الجهات. "ووضع الإناء عن يمينه إن كان واسعًا" بحيث يغترف منه فإن كان يصب به وضعه عن يساره لأن ذلك أمكن فيهما، "وأن لا ينقص ماؤه" أي الوضوء "عن مد" للاتباع فيجزئ بدونه حيث أسبغ وصح "أنه صلى الله عليه وسلم توضأ بثلثي مد"2, هذا فيمن بدنه كبدنه صلى الله عليه وسلم اعتدالا وليونة وإلا زاد أو نقص بالنسبة. "وأن لا يتكلم في جميع وضوئه إلا لمصلحة" كأمر بمعروف ونهي عن منكر وتعليم جاهل وقد يجب كأن رأى نحو أعمى يقع في بئر "و" أن "لا يلطم" بكسر الطاء "وجهه بالماء" ولعل الخبر فيه لبيان الجواز وإن أخذ منه ابن حبان3 ندب ذلك "و" أن "لا يمسح الرقبة" لأنه لم يثبت فيه شيء بل قال النووي4 إنه بدعة، وخبر: "مسح

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الرمص: وسخ أبيض جامد يجتمع في موق العين، انظر المعجم الوسيط "ص372".
2 روى أبو داود في الطهارة باب 44 "حديث 94" عن عباد بن تميم عن جدته أم عمارة "أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فأتى بإناء فيه ماء قدر ثلثي مد". ورواه أيضًا النسائي في الطهارة باب 58.
3 هو أبو حاتم محمد بن حبان التميمي البستي الشافعي، محدث، حافظ، مؤرخ، فقيه، لغوي، واعظ، مشارك في الطب والنجوم وغيرهما، ولد في بست من بلاد سجستان سنة بضع وسبعين ومائتين، وتوفي فيها سنة 354هـ، انظر ترجمته في معجم المؤلفين "3/ 207".
4 هو محيي الدين أبو زكريا يحيي بن شرف بن مري النووي الدمشقي الشافعي، فقيه، محدث، حافظ، لغوي، ولد بنوى من أعمال حوران في العشر الأول من المحرم سنة 631هـ، وتوفي فيها في 14 رجب سنة 677هـ، له مصنفات كثيرة في الحديث والفقه وغيرهما "معجم المؤلفين: 4/ 98".

 

ص -32-         وأن يقول بعده: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين واجعلني من عبادك الصالحين سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، ولا بأس بالدعاء عند الأعضاء.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرقبة أمان من الغل"1 موضوع لكنه متعقب بأن الخبر ليس بموضوع. "وأن يقول بعده" أي الوضوء وهو مستقبل القبلة رافعًا بصره إلى السماء: "أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله, اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين واجعلني من عبادك الصالحين سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت, أستغفرك وأتوب إليك", وصلى الله عليه سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وهذا الذكر أحاديثه صحيحة2 فتتأكد المحافظة عليه، ومنها أن من قال: "أشهد" إلى "رسوله" فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء3، وأن من قال: سبحانك إلخ كتب له في رق أي بفتح الراء ثم طبع بطابع بفتح الباء وكسرها فلم يكسر أي لم يتطرق إليه إبطال إلى يوم القيامة. "ولا بأس بالدعاء عند الأعضاء" أي أنه مباح لا سنة وإن ورد في طرق ضعيفة لأنها كلها ساقطة إذ لا تخلو عن كذاب أو متهم بالكذب أو بالوضع، وشرط العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال أن يشتد ضعفه كما صرح به السبكي، ومن ثم قال النووي: لا أصل لدعاء الأعضاء ومنه عند غسل الكفين: اللهم احفظ يدي من معاصيك كلها، وعند المضمضة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وعند الاستنشاق: اللهم أرحني رائحة الجنة، وعند غسل الوجه: اللهم بيض وجهي يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، وعند غسل اليد اليمنى: اللهم أعطني كتابي بيميني وحاسبني حسابًا يسيرًا، وعند اليسرى: اللهم لا تعطني كتابي بشمالي ولا من وراء ظهري، وعند مسح الرأس: اللهم حرم شعري وبشري على النار، وعند مسح الأذنين: اللهم اجعلني من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وعند غسل الرجلين: اللهم ثبت قدمي على الصراط يوم تزول فيه الأقدام.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره بهذا اللفظ الزبيدي في إتحاف السادة المتقين "2/ 365" وابن حجر في تلخيص الحبير "1/ 92" والعراقي في المغني عن حمل الأسفار "1/ 133" وعلي القاري في الأسرار المرفوعة "315" والفتني في تذكرة الموضوعات "31" وابن عراق في تنزيه الشريعة "2/ 75" والشوكاني في الفوائد المجموعة "12" والعجلوني في كشف الخفاء "2/ 290" والألباني في السلسلة الضعيفة "69".
2 ذكر بعضها النووي في الأذكار "ص29، 30" ونسبها إلى مسلم والترمذي والنسائي في اليوم والليلة.
3 ذكره النووي في الأذكار "ص30", ونسبه إلى الإمام أحمد بن ماجه وكتاب ابن السني من رواية أنس، ثم قال: إسناده ضعيف.

 

ص -33-         فصل: "في مكروهات الوضوء"
يكره الإسراف في الصب فيه وتخليل اللحية الكثة للمحرم والزيادة على الثلاث والاستعانة بمن يغسل أعضاءه إلا لعذر.
فصل: في مكروهات الوضوء
"يكره الإسراف في الصب فيه" ولو على الشط ومحله في غير الموقوف وإلا فهو حرام، ويكره ترك تخليل اللحية الكثة لغير المحرم "وتخليل اللحية الكثة للمحرم" لئلا يتساقط منها شعر وهذا ضعيف والمعتمد أنه يسن تخليلها حتى للمحرم لكن برفق "و" يكره "الزيادة على الثلاث" المحققة بنية الوضوء والنقص عنها؛ لأنه صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثًا ثلاثًا ثم قال:
"هكذا الوضوء فمن زاد على هذا الوضوء أو نقص فقد أساء وظلم"1 أي أخطأ طريق السنة في الأمرين، وقد يطلق الظلم على غير المحرم إذ هو وضع الشيء في غير محله. "و" تكره "الاستعانة بمن يغسل أعضاءه إلا لعذر" كما مر وبالصب لغير عذر كما مر وترك التيامن، ويظهر أن كل سنة اختلف في وجوبها يكره تركها، وبه صرح الإمام في غسل الجمعة، بل وقياس قولهم يكره ترك التيامن وتخليل اللحية الكثة أن كل سنة تأكد طلبها يكره تركها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو داود في الطهارة باب 52 "حديث 135" عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: إن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كيف الطهور؟ فدعا بماء في إناء فغسل كفيه ثلاثًا, ثم غسل وجهه ثلاثًا, ثم غسل ذراعيه ثلاثًا, ثم مسح برأسه وأدخل إصبعيه السباحتين في أذنيه ومسح بإبهاميه على ظاهر أذنيه وبالسباحتين باطن أذنيه, ثم غسل رجليه ثلاثًا ثلاثًا, ثم قال:
"هكذا الوضوء، فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم".

فصل: "في شروط الوضوء وبعضها شروط النية"
شروط الوضوء والغسل: الإسلام والتمييز والنقاء من الحيض والنفاس وعما يمنع وصول الماء إلى البشرة والعلم بفرضيته وأن لا يعتقد فرضًا معينًا من فروضه سنة والماء

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل: في شروط الوضوء وبعضها شروط النية
والشرط ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته، والمراد به هنا ما هو خارج الماهية وبالركن ما هو بداخلها.
"شروط الوضوء والغسل الإسلام" لأنه عبادة يحتاج لنية والكافر ليس من أهلها ومر صحة غسل الكافر من حيض أو نفاس لكن لا مطلقًا بل لحل وطئها, ومن ثم لو أسلمت لزمها إعادته. "والتمييز" في غير الطفل للطواف لما مر أول الطهارة لأن غير المميز لا تصح عبادته فعلم أن هذين شرطان لكل عبادة. "والنقاء من الحيض والنفاس" لمنافاتهما له نعم أغسال الحج ونحوها تسن للحائض والنفساء وهذا شرط عبادة تحتاج للطهارة. "و" النقاء "عما بمنع وصول الماء إلى البشرة" كدهن جامد بخلاف الجاري، وكوسخ تحت الأظفار خلافًا الطهور وإزالة النجاسة العينية وأن لا يكون على العضو ما يغير الماء وأن لا يعلق نيته وأن يجري الماء على العضو ودخول الوقت لدائم الحدث والموالاة.

 

ص -34-         فصل: "في المسح على الخفين"
ويجوز المسح على الخفين بدلا من غسل الرجلين في الوضوء، وشرط جواز المسح أن يلبسه بعد طهارة كاملة، وأن يكون الخف طاهرًا قويًّا يمكن تتابع المشي عليه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للغزالي، وكغبار على البدن وبخلاف العرق المتجمد عليه لأنه كالجزء منه, ومن ثم نقض مسه "والعلم بفرضيته" في الجملة؛ لأن الجاهل بها غير متمكن من الجزم بالنية "وأن لا يعتقد فرضًا معينًا من فروضه سنة", فيصح وضوء وغسل من اعتقد أن جميع مطلوباته فروض أو بعضها فرض وبعضها سنة ولم يقصد بفرض معين النفلية، وكذا يقال في الصلاة ونحوها. "والماء الطهور" أو ظن أنه طهور، فلو تطهر بماء لم يظن طهوريته لم يصح طهره به وإن بان أنه طهور "وإزالة النجاسة العينية وأن لا يكون على العضو ما يغير الماء وأن لا يعلق نيته" فإن قال: نويت الوضوء إن شاء الله لم يصح إن قصد التعليق أو أطلق بخلاف ما إذا قصد التبرك، "وأن يجري الماء على العضو ودخول الوقت لدائم الحدث" أو ظن دخوله وتقديم استنجائه وتحفظ1 احتيج إليه "والموالاة" ومرت كاستصحاب النية حكمًا المعبر عنه بفقد الصارف.
فصل: في المسح على الخفين
وأحاديثه شهيرة2 قيل: بل متواترة حتى يكفر بها جاحده.
"ويجوز المسح على الخفين بدلا عن غسل الرجلين في الوضوء" وقد يسن كما إذا تركه رغبة في السنة لإيثاره الغسل الأفضل أو شك في جوازه وكان ممن يقتدي به أو وجد في نفسه كراهيته، وكذا في سائر الرخص أو خاف فوت الجماعة وقد يجب إذا أحدث وهو لابسه ومعه ماء يكفي المسح فقط أو توقف عليه إدراك نحو عرفة أو الرمي أو طواف الوداع أو الجمعة إن لزمته أو الوقت أو إنقاذ أسير، وخرج بالرجلين مسح خف واحدة وغسل أخرى فلا يجوز بخلاف مسح واحدة لنحو أقطع وبالوضوء الغسل وإزالة النجاسة فلا يجوز فيهما "وشرط جواز المسح" على كل من الخفين "أن يلبسه بعد طهارة" من وضوء أو غسل أو تيمم لا لفقد الماء "كاملة" بأن لا يبقى من بدنه لمعة بلا طهارة فلا يجزئ لبسه قبل كماله؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 التحفظ: هو أن يكون على مخرج النجاسة شيء من العذرة فيزيله.
2 رواها البخاري في الوضوء باب 35 و48، والصلاة باب 7 و25، والجهاد باب90، والمغازي باب 81, واللباس باب 10 و11, ومسلم في الطهارة حديث 72 و73 و75 و77 و78 و80-86، والصلاة حديث 105، ورواها أيضًا أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ومالك وأحمد وغيرهم.

 

ص -35-         لذ1لمسافر في الحاجة ساترًا لمحل الغسل لا من الأعلى مانعًا لنفوذ الماء من غير الخرز والشق وينزعه المقيم بعد يوم وليلة، والمسافر سفر قصر بعد ثلاثة أيام بلياليها، وابتداء المدة فيهما من الحدث بعد اللبس، فإن مسح خفيه حضرًا ثم سافر أو عكس أتم مسح

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يرخص فيه إلا بعده، والعبرة باستقرار القدمين، فلو غسل رجلا ولبس خفها ثم الأخرى ولبس خفها أمر بنزع الأولى من موضع القدم وردها ويجزئ غسلهما في الخف قبل قرارهما ويضر الحدث قبله. "و" شرطه "أن يكون الخف طاهرًا" ولو مغصوبًا وذهبًا فإن كان نجس العين أو متنجسًا بما لا يعفى عنه لم يجز مسحه مطلقًا لا للصلاة ولا لغيرها لعدم إمكانها مع كونها الأصل وغيرها تبع لها أو بمعفو عنه، فإذا مسح محل النجاسة فكذلك وإلا استباح به الصلاة وغيرها، وأن يكون "قويًّا يمكن" ولو بمشقة "تتابع المشي عليه" وإن كان لابسه مقعدًا ثم الواجب بالنسبة "للمسافر" والمقيم أن يكون بحيث يمكن التردد فيه بلا نعل "في الحاجة" التي تقع مدة لبسه وهي ثلاثة أيام ولياليها للمسافر ويوم وليلة للمقيم فلا يجزئ نحو رقيق يتخرق بالمشي عن قرب. وأن يكون "ساترًا لمحل الغسل" وهو القدم بكعبيه ولو زجاجًا شفافًا مشقوقًا شد بالعري1 ويشترط الستر من كل الجوانب "لا من الأعلى" عكس ستر العورة لأن الخف يلبس من أسفل ويتخذ لستره بخلاف القميص فيهما وأن يكون "مانعا لنفوذ الماء" لو صب عليه فالعبرة بماء الغسل فلا يجزئ نحو منسوج لا صفاقة2 له والمعتبر منعه لذلك "من غير" مواضع "الخرز" لا "الشق" ويمسح لابسه في غير سفر قصر مقيمًا كان أو مسافرًا سفرًا قصيرًا أو طويلا لا يبيح القصر يومًا وليلة، وفي سفر القصر له أن يمسح خفيه فيه ثلاثة أيام بلياليها كاملة سواء تقدم بعض الليالي على الأيام أم تأخر "و" حينئذ فيشترط في جواز المسح لمدة ثانية أن "ينزعه المقيم" ونحوه "بعد يوم وليلة والمسافر سفر قصر بعد ثلاثة أيام بلياليها أو ابتداء المدة فيهما من" نهاية "الحديث بعد اللبس" لأن وقت المسح يدخل به فاعتبرت مدته منه "فإن مسح خفيه" أو أحدهما "حضرا ثم سافر أو عكس" أي مسح سفرا ثم أقام "أتم مسح مقيم" تغليبًا للحضر لأنه الأصل فيقتصر في الأول على يوم وليلة، وكذا في الثاني إن أقام قبل مضيهما وإلا انتهت المدة بمجرد إقامته وأجزأه ما مضى وإن زاد على مدة المقيم لأن الإقامة إنما يؤثر في المستقبل، ويشترط أيضًا أن لا يحصل له حديث أكبر وإلا لزمه النزع وإن أمكنه غسل رجليه في ساق الخف، وأن لا يشك في المدة، وأن لا تنحل العرى3، وإن لم يظهر شيء من محل الفرض، ثم إن كان بطهارة المسح لزمه غسل قدميه مقيم، ويسن مسح أعلاه وأسفله عقبه خطوطًا مرة والواجب مسح أدنى شيء من ظاهر أعلاه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 العروة من الثوب: مدخل زره، ومن القميص أو الكوز ونحوهما: مقبضة "المعجم الوسيط: ص597".
2 صفق الثوب صفاقة: كثف نسجه.
3 راجع الحاشية 1 في هذه الصفحة.

 

ص -36-         فصل: "في نواقض الوضوء"
نواقض الوضوء أربعة:
الأول: الخارج من أحد السبيلين إلا المني.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فقط. "ويسن مسح أعلاه وأسفله وعقبه" وحرفه وكونه "خطوطًا" مفرجًا أصابعه بأن يضع يسراه تحت عقبه ويمناه على ظهر الأصابع ثم يمر مفرجًا أصابعه هذه إلى آخر ساقه وتلك أطراف أصابعه، ويسن أن يكون مسحه "مرة" لما مر أن تثليثه خلاف الأولى. "والواجب" من ذلك "مسح أدنى شيء من ظاهر أعلاه" نظير ما مر في مسح الرأس، فلو مسح باطنه أو اقتصر على أسفله أو عقبه أو حرفه لم يجزه إذا لم يرد الاقتصار إلا على الأعلى.
فصل: في نواقض الوضوء
"نواقض الوضوء" أي ما ينتهي به "أربعة" لا غير "الأول: الخارج من أحد السبيلين" يعني خروج شيء من قبله أو دبره على أي صفة كان ولو نحو عود ودودة أخرجت رأسها وإن رجعت وريح ولو من قبل ودم باسور1 داخل الدبر لا خارج عنه لقوله تعالى:
{أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِط}، وهو محل قضاء الحاجة سمى باسمه الخارج للمجاورة، وصح الأمر بالوضوء من المذي2، وأن المصلي إذا سمع صوتًا أو وجد ريحًا أي علم بوجوده ينصرف من صلاته3 وقيس بذلك كل خارج "إلا المني" أي مني الشخص بنفسه فلا ينقض إن خرج منه أولًا لأنه أوجب أعظم الأمرين وهو الغسل، بخلاف ما إذا خرج منه مني غيره أو نفسه بعد استدخاله فإنه ينقض، والأوجه أنه لو رأى على ذكره بللا لم ينتقض وضوؤه إلا إذا لم يحتمل طروه من خارج، وأن الولد الجاف ينقض لأن فيه شيئًا من مني الرجل، وخروج مني الغير ينقض كما تقرر.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الباسور: طية سميكة من الغشاء المخاطي في أسفل شق شرجي جمعها: بواسير "المعجم الوسيط: ص56".
2 روى البخاري في الغسل، باب غسل المذي والوضوء منه "حديث رقم 269" عن علي قال: كنت رجلا مذاء فأمرت رجلا أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم -لمكان ابنته- فسأل فقال:
"توضأ واغسل ذكرك".
3 روى مسلم في الحيض "حديث 98" عن سعيد وعباس بن تميم عن عمه: شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، قال:
"لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا"، وروى أيضًا "حديث 99" عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا وجد أحدكم في بطنه شيئًا فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا، فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا".

 

ص -37-         الثاني: زوال العقل بجنون أو إغماء أو نوم إلا النوم قاعدًا ممكنًا مقعده.
الثالث: التقاء بشرتي الرجل والمرأة وينتقض اللامس والملموس ولا ينقض صغير أو صغيرة لا يشتهي ولا ينقض شعر وسن وظفر ومحرم وبنسب أو رضاع أو مصاهرة.
الرابع: مس قبل الآدمي أو حلقة دبره بباطن الكف ولا ينتقض الممسوس وينقض

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"الثاني: زوال العقل" أي التمييز إما بارتفاعه "بجنون أو" انغماره بنحو صرع أو سكر أو "إغماء" ولو ممكنًا "أو" استتاره بسبب "نوم" لخبر:
"فمن نام فليتوضأ"1 وخرج بذلك النعاس، ومن علاماته سماع كلام لا يفهمه وأوائل نشوة السكر لبقاء الشعور معهما "إلا النوم" الصادر من المتوضئ حال كونه "قاعدًا ممكنًا مقعده" من مقره كأرض وظهر دابة سائرة وإن كان مستندًا إلى شيء بحيث لو زال لسقط للأمن حينئذ من خروج شيء، أما غير الممكن فينتقض وضوؤه وإن كان مستقرًا ومثله ممكن نحيف لا يحس بخروج الخارج، وممكن انتبه بعد أن زالت أليتاه عن مقره يقينًا بخلاف ما لو شك في ذلك أو في أنه كان ممكنًا أم لا أو أنه نعس وإن رأى رؤيا.
"الثالث: التقاء بشرتي الرجل" ولو ممسوحًا2 "والمرأة" ولو ميتة عمدًا أو سهوًا ولو بعضو أشل أو زائد لقوله تعالى:
{أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ} [المائدة: 6] أي لمستم كما في قراءة، واللمس الجس باليد وغيرها، والمعنى في النقض به أنه مظنة التلذذ المثير للشهوة التي لا تليق بحال المتطهر والبشرة ظاهر الجلد وأراد بها ما يشمل اللحم كلحم الأسنان وخرج بما ذكره التقاء بشرتي ذكرين وإن كان أحدهما أمرد حسنًا أو أنثيين أو خنثيين أو خنثى مع غيره أو ذكر وأنثى بحائل3 وإن رق ولو بشهوة. "وينتقض اللامس والملموس" أي وضوؤهما لاشتراكهما في لذة اللمس "ولا ينقض صغير أو صغيرة" إن كان كل منهما بحيث "لا يشتهي" عرفًا غالبًا لذوي الطباع السليمة، فلا يتقيد بابن سبع سنين أو أكثر لاختلافه باختلاف الصغار والصغيرات وذلك لانتفاء مظنة الشهوة حينئذ بخلاف عجوز شوهاء أو شيخ هرم استصحابًا لما كان ولأنهما مظنتها4 في الجملة إذ لكل ساقطة لاقطة. "ولا ينقض شعر وسن وظفر" إذ لا يلتذ بلمسها "و" لا ينقض "محرم بنسب أو رضاع أو مصاهرة" كأم الزوجة لانتفاء مظنة الشهوة وخرج بالمحرم المحرمة باختلاف دين أو لعان أو وطء شبهة ما لم يطرأ عليه تحريم مصاهرة أو رضاع، ولو اشتبهت محرمة بأجنبيات ولو غير محصورات فلا نقض.
"الرابع: مس قبل الآدمي أو حلقة دبره" من نفسه أو غيره ولو سهوًا وإن كان أشل أو

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو داود في الطهارة باب 79، وابن ماجه في الطهارة باب 62، وأحمد في المسند "1/ 111".
2 الممسوح: في اللسان "2/ 594": "وخصى ممسوح: إذا سلتت مذاكيره".
3 الحائل: الساتر.
4 أي الشهوة.

 

ص -38-         فصل: "فيما يحرم بالحدث"
يحرم بالحدث الصلاة ونحوها، والطواف، وحمل المصحف ومس ورقه وحواشيه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
زائدًا على سنن الأصلي أو مشتبهًا به لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم:
"من مس ذكره" وفي رواية: "ذكرًا فليتوضأ"1 والناقض من الدبر ملتقى المنفذ، ومن قبل المرأة ملتقى شفريها على المنفذ لا ما وراءهما كمحل ختانها وإنما ينقض المس "بباطن الكف" الأصلية ولو شلاء والمشتبهة بها والزائدة العاملة أي التي على سنن الأصلية لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه وليس بينهما ستر ولا حجاب فليتوضأ"2 والإفضاء باليد المس بباطن الكف ولأنه هو مظنة التلذذ وهو الراحة وبطون الأصابع. "ولا ينتقض الممسوس" لأنه لا هتك منه "وينقض فرج الميت والصغير" لشمول الاسم له "ومحل الجب"3 كله لا الثقبة فقط, لأنه أصل الذكر "والذكر المقطوع" وبعضه إن سمى بعض ذكر بخلاف الجلدة المقطوعة في الختان، وكالذكر القبل والدبر إن بقي اسمهما بعد قطعهما. "ولا ينقض فرج البهيمة" لأنه لا يشتهي ولذا جاز كشفه والنظر إليه، "ولا المس برأس الأصابع وما بينها" وحرفها وحرف الكف نعم المنحرف الذي يلي الكف من حرفه ورؤوسها وهو ما بعده موضع الاستواء منها ينقض.
فصل: فيما يحرم بالحدث
والمراد به الأصغر عند الإطلاق.
"ويحرم بالحدث الصلاة" إجماعًا "ونحوها" كسجدة تلاوة وشكر وخطبة جمعة وصلاة جنازة. "والطواف", ولو نفلا لأنه صلاة كما في الحديث4 "وحمل المصحف ومس ورقه وحواشيه وجلده" المتصل به لا المنفصل عنه، وإنما حرم الاستنجاء به وإن انفصل لأنه أفحش وجلده وخريطته وعلاقته وصندوقه وما كتب لدرس قرآن ولو بخرقة، ويحل حمله في أمتعة لا بقصده وفي تفسير أكثر منه وقلب ورقه بعود، ولا يمنع الصبي المميز من حمله ومسه للدراسة، ومن تيقن الطهارة وشك في الحدث أو تيقن الحدث وشك في الطهارة بني على يقينه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه بلفظ:
"إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ" ابن ماجه في الطهارة باب 63 و64، وأبو داود في الطهارة باب 69، والترمذي في الطهارة باب 61 و62، والنسائي في الطهارة باب 117 والغسل باب 30، ومالك في الطهارة حديث 58 و60-62 وأحمد في مواضع من مسنده.
2 رواه النسائي في الغسل باب 30 "حديث رقم 445" من حديث بسرة بنت صفوان بلفظ:
"إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه فليتوضأ".
3 الجب: القطع.
4 وهو ما رواه الترمذي في الحج باب 112 "حديث رقم960" عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"الطواف حول البيت مثل الصلاة، إلا أنكم تتكلمون فيه، فمن تكلم فيه فلا يتكلمن إلا بخير" ورواه أيضًا النسائي في المناسك باب 136.

 

ص -39-         فصل: "فيما يندب له الوضوء"
يستحب الوضوء من الفصد والحجامة والرعاف والنعاس والنوم قاعدًا ممكنًا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وذلك لقول تعالى:
{لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79]، أي المتطهرون وهو خبر بمعنى النهي، وصح أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا يمس المصحف إلا طاهر"1, "و" يحرم أيضًا حمل ومس "خريطته"2 وهو فيها "وعلاقته وصندوقه" وهو فيه لأنها منسوبة إليه كالجلد "و" حمل ومس "ما كتب لدرس قرآن ولو بخرقة" لشبهه بالمصحف بخلاف ما كتب لا للدراسة كالتمائم وما على النقد لأنه لم يقصد به المقصود من القرآن فلم تجر عليه أحكامه. "ويحل حمله في أمتعة لا بقصده" أي معها بل ومع متاع واحد بقصد المتاع وحده أو لا بقصد شيء إذ لا يحل حمله بالتعظيم حينئذ، بخلاف ما إذا قصد المصحف وحده أو مع غيره، ويجري هذا التفصيل في حمل حامل المصحف على الأوجه ولو فقد الماء والتراب ومسلمًا ثقة جاز بل وجب حمله مع الحدث إن خاف عليه كافرًا أو تنجسًا أو ضياعًا وما يجب التيمم إن قدر عليه. "و" يحل حمله "في تفسير أكثر منه" بخلاف ما إذا استويا أو كان القرآن أكثر. "و" يحل "قلب ورقه بعود" ما لم تنفصل الورقة عن محلها وتصير محمولة على العود وكتابة ما لم يمس المكتوب. "ولا يمنع الصبي المميز" ولو جنبًا "من حمله ومسه للدراسة" لحاجة تعلمه ومشقة استمراره متطهرًا، أما غير المميز فيحرم تمكينه منه، وكذا لو لم يكن له غرض متعلق بالدراسة وإن قصد التبرك، "ومن تيقن الطهارة وشك في الحدث أو تيقن الحدث وشك في الطهارة بنى على يقينه" وهو الطهارة في الأولى والحدث في الثانية لأنه الأصل، والمراد بالشك هنا وفي معظم أبواب الفقه التردد مع استواء ورجحان.
فصل: فيما يندب له الوضوء
"يستحب الوضوء من الفصد والحجامة والرعاف و" من "النعاس و" من "النوم قاعدًا مقعدته، والقيء والقهقهة في الصلاة وأكل ما مسته النار وأكل لحم الجزور والشك في الحدث، ومن الغيبة والنميمة والكذب والشتم والكلام القبيح والغضب، ولإرادة النوم، ولقراءة القرآن والحديث والذكر والجلوس في المسجد والمرور فيه ودراسة العلم وزيارة القبور، ومن حمل الميت ومسه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره بهذا اللفظ ابن حجر في تلخيص الحبير "1/ 131" ورواه بلفظ:
"لا يمس القرآن إلا طاهر"، الدارمي في مسنده "2/ 161", والبيهقي في السنن الكبرى "1/ 88، 309، 4/ 89", والطبراني في الكبير "12/ 312", والهيثمي في مجمع الزوائد "1/ 276", والسيوطي في الدر المنثور "1/ 343، 6/ 162", والدارقطني في سننه "1/ 121، 2/ 285".
2 الخريطة: وعاء من جلد أو نحوه يشد على ما فيه.

 

ص -40-         فصل: "في آداب قاضي الحاجة"
يستحب لقاضي الحاجة بولا أو غائطًا أن يلبس نعليه ويستر رأسه ويأخذ أحجار الاستنجاء، ويقدم يساره عند الدخول ويمناه عند الخروج، وكذا يفعل في الصحراء ولا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ممكنًا مقعدته" من "القيء و" من "القهقهة في الصلاة و" من "أكل ما مسته النار و" من أكل "لحم الجزور و" من "الشك في الحدث" للخروج من خلاف من قال: إن هذه تنقض أخذًا من الأحاديث الواردة في ذلك، لكن أعلها أصحابنا بأن بعضها ضعيف وبعضها منسوخ لكن قوي في المجموع من حيث الدليل النقض بأكل لحم الجزور، ويسن الوضوء أيضًا من كل ما اختلف في النقض به كمس الأمرد ونحو الشعر. "و" يسن أيضًا "من الغيبة والنميمة والكذب والشتم" سائر "الكلام القبيح" لخبر فيه ولأن الوضوء يكفر الخطايا كما ثبت في الأحاديث، "و" من "الغضب" لأنه يطفئه "ولإرادة النوم" للاتباع وعند اليقظة. "ولقراءة القرآن والحديث" وسماعهما "والذكر" ليكون على أكمل حال "والجلوس في المسجد والمرور فيه" تعظيمًا له "ودراسة العلم" الشرعي وسماعه وكتابته وحمله تعظيمًا له "وزيارة القبور ومن حمل الميت ومسه" لاستقذاره وجماع وإنشاد شعر واستغراق ضحك وخوف وقص نحو شارب وحلق عانة ورأس ولجنب أراد نحو أكل أو جماع وللمعيان إذا أصاب بالعين، قال بعضهم ولما ورد فيه حديث وإن لم يذكروه كشرب ألبان الإبل ومس الكافر والصنم والأبرص.
فصل: في آداب قاضي الحاجة
"يستحب لقاضي الحاجة" أي لمريدها "بولا" كانت "أو غائطًا أن يلبس نعليه و" أن "يستر رأسه" للاتباع، روي مرسلا وهو كالضعيف والموقوف يعمل به في فضائل الأعمال اتفاقًا "و" أن "يأخذ" مريد الاستنجاء بالحجر "أحجار الاستنجاء" لما صح من الأمر به1

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 روى البخاري في الوضوء، باب الاستنجاء بالحجارة "حديث رقم155" عن أبي هريرة قال: اتبعت النبي صلى الله عليه وسلم وخرج لحاجته فكان لا يلتفت، فدنوت منه فقال:
"ابغني أحجارًا أستنفض بها -أو نحوه- ولا تأتني بعظم ولا روث", فأتيته بأحجار بطرف ثيابي فوضعتها إلى جنبه وأعرضت عنه، فلما قضى اتبعته بهن، وروى أيضًا "حديث 156" عن عبد الله قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم الغائط فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار، فوجدت حجرين والتمست الثالث فلم أجده، فأخذت روثة فأتيته بها، فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال: "هذا ركس".

 

ص -41-         يحمل ذكر الله تعالى، ويعتمد على يساره ويبعد ويستتر، ولا يبول في ماء راكد وقليل جار ولا في جحر، ولا في مهب ريح، ولا في طريق، وتحت شجرة مثمرة يؤكل ثمرها،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وحذرًا من الانتشار1 إذا طلب بعد فراغه ويندب أيضًا إعداد الماء "و" أن "يقدم يساره" أو بدلها "عند الدخول" ولو لخلاء جديد وإن لم يرد قضاء حاجة "ويمناه" أو بدلها "عند الخروج" عكس المسجد إذ اليسرى للأذى واليمنى لغيره وكالخلاء في ذلك السوق ومحل المعصية ومنه محل الصاغة والحمام والمستحم. "وكذا يفعل في الصحراء" فيقدم يساره عند وصوله لمحل قضائها لأنه يصير مستقذرًا بإرادة قضائها به ويمناه عند مفارقته. "و" أن "لا يحمل ذكر الله تعالى" أي مكتوب ذكره ومثله كل اسم معظم ولو مشتركًا كالعزيز والكريم ومحمد وأحمد إن قصد به المعظم أو دلت على ذلك قرينة، ومن المعظم جميع الملائكة وحمل ذلك مكروه، واختار الأذرعي2 تحريم إدخال المصحف الخلاء بلا ضرورة إجلالا له وتكريمًا، ولو تختم في يساره بما عليه معظم3 وجب نزعه عند الاستنجاء لحرمة تنجيسه ولو غفل عن تنحية ما ذكر حتى دخل الخلاء غيبه ندبًا، "و" أن "يعتمد" ولو قائمًا "على يساره" وينصب يمناه بأن يضع أصابعها على الأرض ويرفع باقيها لأن ذلك أسهل لخروج الخارج مع أنه المناسب ."و" أن "يبعد" ولو في البول بالصحراء وغيرها إن كان ثم غيره إلى حيث لا يسمع لخارجه صوت ولا يشم له ريح فإن لم يفعل سن لهم الإبعاد عنه إلى ذلك وسن له أيضًا أن يغيب شخصه ما أمكن. "و" أن "يستتر" عن العيون بشيء طوله ثلثا ذراع فأكثر وقد قرب منه ثلاثة أذرع فأقل ولو بنحو ذيله، ولا بد أن يكون للساتر هنا عرض يمنع رؤية عورته أو بأن يكون بيتًا لا يعسر تسقيفه ومحل ذلك حيث لم يكن ثم من لا يغض بصره عن عورته ممن يحرم عليه نظرها وإلا وجب الستر مطلقًا. "و" أن "لا يبول" ولا يتغوط "في ماء راكد" وإن كثر ما لم يستبحر4 بحيث لا تعافه نفس ألبتة لما صح من نهيه صلى الله عليه وسلم عنه فيه5 "و" لا في ماء "قليل جار" قياسًا على الراكد وإنما كره ذلك ولم يحرم وإن كان فيه إتلاف عليه وعلى غيره لإمكان طهره بالمكاثرة، أما الكثير الجاري فلا يكره فيه اتفاقًا لكن لاأولى اجتنابه، ثم قضاء

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي انتشار النجاسة.
2 هو أحمد بن أحمد بن عبد الواحد بن عبد الغني الأذرعي، فقيه، مفسر، ولد بأذرعات الشام سنة 627هـ، وتوفي سنة 708هـ، من مؤلفاته: جمع التوسط والفتح بين الروضة والشرح، وشرح المنهاج وسماه غاية المحتاج، وملاك التأويل في التفسير "معجم المؤلفين: 1/ 96".
3 أيْ أيّ اسم معظم ولو مشتركًا كما مر قبل أسطر.
4 استبحر الماء: اتسع وانبسط.
5 روى ابن أبي شيبة في مصنفه "1/ 141":
"لا يبول أحدكم في الماء الراكد". ورواه البخاري في كتاب الوضوء، باب الماء الدائم، حديث رقم 239، عن أبي هريرة بلفظ: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه"، ورواه أيضًا مسلم في الطهارة حديث 95 و96.

 

ص -42-         ولا يتكلم إلا لضرورة، ولا يستنجي بالماء في موضعه وأن يستبرئ من البول ويقول عند دخوله، بسم الله اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث، وعند خروجه: غفرانك الحمد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحاجة في الماء ليلا مكروه مطلقًا لما قيل إنه بالليل مأوى الجن، والكلام في المباح فالمسبل1 والمملوك يحرم ذلك فيه مطلقًا ويكره بقرب الماء. "و" أن "لا" يبول ولا يتغوط "في حجر" وهو الثقب المستدير المراد به ما يشمل السرب وهو المستطيل لما صح من نهيه صلى الله عليه وسلم عن البول في الحجر2 ولأنه مأوى الجن ولأنه ربما أذاه حيوان به أو تأذى به. "و" أن "لا" يبول ولا يتغوط مائعًا "في مهب ريح" أي محل هبوبها وقت هبوبها ومنه المراحيض المشتركة بل يستدبرها في البول ويستقبلها في الغائط لئلا يترشش. "و" أن "لا" يبول ولا يتغوط "في طريق" ومحل جلوس الناس كالظل في الصيف والشمس في الشتاء لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم:
"اتقوا اللعانين"3 وفسرهما بالتخلي في طريق الناس ومجالسهم سيما بذلك لأنهما يجلبان اللعن كثيرًا عادة، وفي رواية "الملاعن الثلاث"4 وفسر الثالث بالبراز في الموارد وكراهة ذلك هو المعتمد وقيل يحرم. "و" لا يقضي حاجته "تحت شجرة مثمرة" أي من شأنها ذلك ولو مباحة وفي غير وقت الثمرة صيانة لها عن التلويث عند الوقوع فتعافها الأنفس، ومنه يؤخذ ما بحثه المصنف من أن شرطها أن تكون مما "يؤكل ثمرها" إلا أن يقال: الأنفس تعاف الانتفاع بالمتنجس أيضًا فحينئذ لا فرق، ولو كان يأتي تحتها ماء يزيل ذلك قبل الثمرة فلا كراهة. "و" أن "لا يتكلم" حال خروج الخارج بذكر ولا غيره لما صح من النهي عنه فيكره "إلا لضرورة" فيجوز بل يجب إن خشي من السكوت لحوق ضرر له أو لغيره، واختار الأذرعي تحريم قراءة القرآن. "و" أن "لا يستنجي بالماء في موضعه" بل ينتقل عنه لئلا يصيبه الرشاش فينجسه، ومن ثم لو كان في متخذ له5 لم ينتقل لفقد العلة. "وأن يستبرئ من البول" بعد انقطاعه بنحو مشي ونتر ذكر بلطف ولا يجذبه وتنحنح وغيره مما يظن به من عادته أنه لم يبق بمجرى البول ما يخاف خروجه لئلا يتنجس به وإنما لم يجب لأن الظاهر عدم عوده لكن اختار جمع وجوبه. "و" أن "يقول عند دخوله" بمعنى وصوله محل قضاء حاجته "بسم الله" اي أتحصن من الشياطين "اللهم إني أعوذ" أي أعتصم "بك من الخبث" بضم الخاء مع ضم الباء أو سكونها جمع خبيث وهم ذكران الشياطين "والخبائث" جمع خبيثة وهن إناثهم للاتباع في ذلك، وإنما قدم القارئ التعوذ لأن البسملة من القرآن المأمور بالاستعاذة له. "و"

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي الماء المجعول لعابري السبيل.
2 رواه أبو داود في الطهارة باب 16 و29، وأحمد في المسند "5/ 82".
3 رواه الإمام أحمد في المسند "2/ 372".
4 رواه أبو داود في الطهارة باب14، وابن ماجه في الطهارة باب21، وأحمد في المسند "1/ 299".
5 كالمراحيض العامة، أو المراحيض المتخذة في البيوت.

 

ص -43-         لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني، ولا يستقبل القبلة ولا يستدبرها، ويحرم ذلك إن لم يكن بينه وبينها ساتر، أو بعد عنه أكثر من ثلاثة أذرع أو كان الستر أقل من ثلثي ذراع إلا في المواضع المعدة لذلك، ومن آدابه أن لا يستقبل الشمس والقمر ولا يرفع ثوبه حتى

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يقول "عند خروجه" بمعنى انصرافه منه: "غفرانك" منصوب على أنه مصدر بدل من اللفظ بفعله أو مفعول به "الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني" للاتباع، وحكمة سؤال المغفرة إما تركه الذكر بلسانه أو خوف التقصير في شكر هذه النعمة العظيمة أعني نعمة الإطعام فالهضم فتسهيل الخروج، ومن ثم قال الشيخ نصر1: يكرر غفرانك مرتين والمحب الطبري2 يكرر ثلاثًا. "و" أن "لا يستقبل" بقبله أو دبره "القبلة" أي الكعبة أو بيت المقدس "ولا يستدبرها" حال قضاء حاجته حيث استتر بمرتفع ثلثي ذراع فأكثر وقد قرب منه ثلاثة أذرع فأقل فإن فعل كره له ذلك لما صح من النهي عنه فيهما3. "ويحرم ذلك" أي استقبال الكعبة واستدبارها بفرجه حال قضاء حاجته. "إن لم يكن بينه وبينها ساتر أو" كان ولكن "بعد عنه أكثر من ثلاثة أذرع" بذراع الآدمي المعتدل. "أو كان الساتر أقل من ثلثي ذراع" تعظيمًا للقبلة، بخلاف ما إذا كان بينه وبينها ساتر مرتفع ثلثي ذراع فأكثر وقد قرب منه ثلاثة أذرع فأقل: وإن لم يكن له عرض فإنه لا يحرم لأنه لم يخل بتعظيمها حينئذ ويحصل الستر بإرخاء ذيله، وهذا التفصيل جمع به الشافعي رضي الله تعالى عنه بين الأحاديث الصحيحة الدالة على التحريم تراة وعلى الإباحة أخرى، ولا فرق في ذلك بين من في الصحراء وغيره ومن في مكان يعسر تسقيفه أو لا. "إلا في المواضع المعدة لذلك" فإن الاستقبال والاستدبار فيها مباح مطلقًا لكنه خلاف الأفضل حيث أمكن الميل عن القبلة بلا مشقة، ولا استقبلها بالساتر المذكور جاز وإن كان دبره مكشوفًا على المعتمد، ولو اشتبهت القبلة وجب الاجتهاد حيث لا سترة، ويأتي هنا جميع ما ذكروه فيمن يجتهد في القبلة للصلاة، ولو هبت ريح عن يمين القبلة ويسارها جاز

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لعله الحافظ أبو الفتح نصر بن إبراهيم بن نصر بن إبراهيم بن داود بن أحمد المقدسي النابلسي شيخ الشافعية بدمشق الشام المتوفي سنة 490هـ، من تصانيفه: أربعين في الحديث، الانتخاب الدمشقي في المذهب، التهذيب في الفروع، شرح الإرشاد لسليم الرازي في الفروع، الكافي في الفروع، مناقب الشافعي، وغيرها، انظر هدية العارفين "2/ 490، 491".
2 هو محب الدين أبو العباس أحمد بن عبد الله بن محمد الطبري. ولد بمكة سنة 615هـ، وتوفي بها سنة 694هـ، من تصانيفه: الرياض النضرة في فضائل العشرة، غاية الإحكام لأحاديث الأحكام، شرح التنبيه للشيرازي في فروع الفقه الشافعي، وغيرها "معجم المؤلفين: 1/ 185، 186".
3 رواه البخاري في الصلاة باب 29 "حديث 394" ومسلم في الطهارة "حديث 59" عن أبي أيوب الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها؛ ولكن شرقوا أو غربوا". ورواه أيضًا مسلم "حديث 60" عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا جلس أحدكم على حاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها".

 

ص -44-         يدنو من الأرض، ولا يبول في مكان صلب، ولا ينظر إلى السماء ولا إلى فرجه ولا إلى ما يخرج منه، ولا يعبث بيده، وأن يسبل ثوبه قبل انتصابه، ويحرم البول في المسجد ولو في إناء وعلى القبر ويكره عند القبر وقائمًا إلا لعذر وفي متحدث الناس فإذا عطس حمد الله بقلبه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الاستقبال والاستدبار، فإن تعارضا وجب الاستدبار لأن الاستقبال أفحش، ولا يكره استقبالها باستنجاء أو جماع أو إخراج ريح أو فصد1 أو حجامة2. "ومن آدابه" أي قاضي الحاجة "أن لا يستقبل الشمس و" لا "القمر" تعظيمًا لهما لأنهما من آيات الله الباهرة فيكره ذلك بخلاف استدبارهما لأن الاستقبال أفحش، "و" أن "لا يرفع ثوبه" دفعة واحدة بل شيئًا فشيئًا "حتى يدنو" أي يقرب "من الأرض" فينتهي الرفع حينئذ محافظة على الستر ما أمكن، نعم إن خشي تنجسه كشفه بقدر حاجته وله كشفه دفعة واحدة إذا كان خاليًا. "و" أن "لا يبول" ولا يتغوط مائعًا "في مكان صلب" لئلا يترشش فإن لم يجد غيره دقه بحجر ونحوه. "و" أن "لا ينظر إلى السماء ولا إلى فرجه ولا إلى ما يخرج منه ولا يعبث بيده" ولا يلتفت يمينًا ولا شمالا ولا يستاك لأن ذلك كله لا يليق بحاله، ولا يطيل قعوده لأنه يورث الباسور، "وأن يسبل ثوبه" شيئًا فشيئًا "قبل انتصابه" كما مر، "ويحرم البول" ونحوه "في المسجد ولو في إناء" لأن ذلك لا يصلح له كما في خبر مسلم3 أي لمزيد استقذاره بخلاف الفصد فيه في الإناء لأن الدم أخف ولذا عفى عن قليله وكثيره بشرطه، "و" يحرم ذلك "على القبر" المحترم "ويكره عند القبر" المحترم احترامًا له. "و" يكره البول والغائط "قائمًا إلا لعذر" لأنه خلاف الأكثر من أحواله صلى الله عليه وسلم، أما مع العذر كاستشفاء أو فقد محل يصلح للجلوس أو خشية خروج شيء من السبيل الآخر لو جلس أو كون البول أحرقه فلم يتمكن من الجلوس فمباح وعليه أو على بيان الجواز يحمل بوله صلى الله عليه وسلم قائمًا لما أتى سباطة4 قوم5. "و" يكره ذلك "في متحدث الناس" كما

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الفصد: يقال: فصد العرق فصدًا وفصادًا: شقه. وفصد المريض: أخرج مقدارًا من دم وريده بقصد العلاج، "المعجم الوسيط: ص690".
2 الحجامة: امتصاص الدم بالمحجم، والمحجم: القارورة التي يجمع فيها دم الحجامة "المعجم الوسيط: ص158".
3 الذي رواه في كتاب الطهارة "حديث 100" عن أنس بن مالك قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي، فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه مه. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لا تزرموه، دعوه" فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له: "إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن" أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فأمر رجلًا من القوم فجاء بدلو من ماء فشنه عليه".
4 السباطة: هي ملقى القمامة والتراب ونحوها تكون بفناء الدور مرفقًا لأهلها.
5 روى البخاري في الوضوء، باب البول قائمًا وقاعدًا "حديث 224" وباب البول عند صاحبه والتستر بالحائط "حديث 225" ومسلم في الطهارة "حديث73" والجماعة، من حديث حذيفة قال: "رأيتني أنا والنبي صلى الله عليه وسلم نتماشى، فأتى سباطة قوم خلف حائط، فقام كما يقوم أحدكم فبال، فانتبذت منه، فأشار إلى فجئته، فقمت عند عقبه حتى فرغ". اللفظ للبخاري "حديث رقم 225". 

 

ص -45-         فصل: "في الاستنجاء"
يجب الاستنجاء من كل رطب خارج من أحد السبيلين بالماء أو بالحجر، أو جامد طاهر قالع غير محترم، ويسن الجمع بينهما ولو بجامد متنجس دون ثلاث مسحات، فإن اقتصر على أحدهما فالأفضل الماء وشرط الحجر أن لا يجف النجس ولا ينتقل، ولا يطرأ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مر بدليله نعم إن كانوا يجتمعون على معصية فلا بأس بقضاء الحاجة في متحدثهم تنفيرًا لهم، ومر أنه يكره له أن يتكلم حال قضاء حاجته. "فإن عطس" حينئذ "حمد الله" تعالى "بقلبه" ولا يحرك لسانه.
فصل: في الاستنجاء
"يجب" لا على الفور بل عند خشية تنجس غير محله وعند إرادة نحو الصلاة "الاستنجاء من كل رطب خارج من أحد السبيلين" ولو نادرًا كدم "بالماء" على الأصل "أو بالحجر" لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم:
"وليستنج بثلاثة أحجار" وخرج بالرطب الريح وإن كان المحل رطبًا ونحو البعرة الجافة فلا يجب الاستنجاء من ذلك لكنه يسن من نحو البعرة وبأحد السبيلين الثقبة المنفتحة وقبلا المشكل أو أحدهما أو ذكران اشتبها فيتعين الماء كأقلف1 وصل بوله إلى جلدته، وليس المراد بالحجر خصوصه بل هو "أو" ما في معناه من كل "جامد طاهر" لا نجس ولا متنجس لأنه لا يصلح لإزالة النجاسة "قالع" لا ما لا يقلع لملاسته أو لزوجته أو تناثر أجزائه كالتراب "غير محترم" ومنه كتب التوراة والإنجيل إن علم تبديلهما وخليا عن اسم معظم، وجلد دبغ وجلد حوت كبير جف بحيث لو بل لم يلن على الأوجه بخلاف المحترم ككتب العلم الشرعي وآلته كالمنطق الموجود اليوم وجلدها المتصل بها بخلاف جلد المصحف فإنه محترم مطلقًا والمطعوم ولو عظمًا وإن حرق، وجزء آدمي محترم ولو منفصلا وجزء حيوان متصل به ولو فأرة على الأوجه، ويجزئ الحجر بعد المحترم وغير القالع ما لم ينقلا النجاسة. "ويسن" في القبل والدبر "الجمع بينهما" بأن يقدم الجامد ثم الماء ليزول العين ثم الأثر فتقل ملابسة النجاسة، وبه يعلم ما نقل عن الغزالي من أنه تحصل سنة الجمع "ولو بجامد متنجس" وما بحثه الإسنوي2 من حصولها أيضًا بعدد "دون ثلاث مسحات فإن اقتصر على أحدهما فالأفضل الماء" لأنه يزيل العين والأثر. "وشرط" إجزاء

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الأقلف: الذي لم يختن، انظر لسان العرب "9/ 290".
2 هو جمال الدين عبد الرحيم بن الحسن الإسنوي الشافعي نزيل القاهرة. مؤرخ، مفسر، فقيه، أصولي، عالم بالعربية والعروض، ولد بإسنا من صعيد مصر سنة 704هـ، وتوفي سنة 772هـ، له تصانيف كثيرة في الفقه والنحو والأصول وغيرها "معجم المؤلفين 2/ 129".

 

ص -46-         نجس آخر ولا يجاوز صفحته وحشفته ولا يصيبه ماء، وأن يكون بثلاث مسحات، فإن لم ينق المحل وجب الإنقاء، ويسن الإيتار، ويسن استيعاب المحل بالحجر، والاستنجاء باليسار، والاعتماد على الوسطى في الدبر إن استنجى بالماء، وتقديم الماء للقبل وتقديمه على الوضوء، ودلك يده بالأرض ثم يغسلها بعده ونضح فرجه وإزاره وأن يقول بعده: اللهم طهر قلبي من النفاق وحصن فرجي من الفواحش.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"الحجر" لمن اقتصر عليه "أن لا يجف النجس" الخارج لأن الحجر لا يزيله حينئذ "و" أن "لا ينتقل" عن الموضع الذي استقر فيه عند الخروج لأنه حينئذ يطرأ على المحل نجاسة لا بسبب الخروج. "و" أن "لا يطرأ عليه نجس" أجنبي "آخر" ولو من الخارج كرشاشه لأن مورد النص الخارج والأجنبي ليس في معناه. "و" أن "لا يجاوز" الخارج "صفحته" في الغائط وهو ما ينضم من الأليتين عند القيام. "وحشفته" أو قدرها من مقطوعها في البول، وأن لا يدخل بول المرأة مدخل الذكر لأن مجاوزة ما ذكرنا نادرة جدًا فلا يلحق بما تعم به البلوى ولو تقطع الخارج تعين في المنفصل الماء وإن لم يجاوز ما ذكره. "و" أن "لا تصيبه ماء" غير مطهر له وإن كان طهورًا أو مائع آخر بعد الاستجمار أو قبله لتنجسهما، وكالمائع ما لو استنجى بحجر رطب أو كان المحل مترطبًا بماء ولا عرق على الأوجه. "وأن يكون بثلاث مسحات" وإن أنقى بدونها للنهي الصحيح عن الاستنجاء بأقل من ثلاثة أحجار1 ويحصل ذلك ولو بأطراف حجر. "فإن لم ينق المحل" بالثلاث "وجب الإنقاء" بالزيادة عليها إلى أن يبقى أثر لا يزيله إلا الماء أو صغار الخزف. و"يسن الإيتار" إن حصل الإنقاء بشفع لما صح من أمره صلى الله عليه وسلم به2. "ويسن استيعاب المحل بالحجر" أي بكل حجر من الثلاث بأن يبدأ بالأول من مقدم الصفحة اليمنى ويديره برفق إلى محل ابتدائه وبالثاني من مقدم اليسرى ويديره كذلك ويمر الثالث على صحفتيه ومسربته3 جميعًا، ويسن وضع الحجر على موضع ويديره برفق ولا يضر النقل الحاصل من عدم الإدارة، وظاهر كلامه ككلام الشيخين أنه لا يجب المحل بكل مسحة من الثلاث، وفيه كلام بينته في شرح الإرشاد4 بما حاصله أن في كلامهم شبه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 روى النهي عن الاستنجاء بأقل من ثلاثة أحجار: مسلم في الطهارة حديث 58، والترمذي في الطهارة باب12، وأبو داود في الطهارة باب4، والنسائي في الطهارة باب41، وأحمد في المسند "5/ 437، 438، 439".
2 حديث:
"من استجمر فليوتر" روي عن أبي هريرة وغيره؛ فرواه البخاري في الوضوء باب 25 و26، ومسلم في الطهارة حديث 20 و22 و24، وأبو داود في الطهارة باب19، والترمذي في الطهارة باب 21، والنسائي في الطهارة باب 38 و71، وابن ماجه في الطهارة باب 23 و44 والدارمي في الوضوء باب 5 و32، ومالك في الطهارة حديث 4، وأحمد في عدة مواضع من مسنده.
3 المسربة: الشعر المستدق الذي أخذ من الصدر إلى السرة.
4 واسم الكتاب "الإمداد في شرح الإرشاد" كما في هدية العارفين "1/ 146", ومعجم المؤلفين "1/ 293" في ترجمة ابن حجر الهيتمي، ولعل الإرشاد المذكور هو "الإرشاد في فروع الشافعية" لشرف الدين إسماعيل بن أبي بكر بن المقري اليمني الشافعي المتوفى سنة 836هـ "كشف الظنون: ص69", ولكن لم يذكر في كشف الظنون ضمن شروحاته شرحًا للهيتمي.

 

ص -47-         فصل: "في موجب الغسل"
موجبات الغسل: الموت والحيض، والنفاس والولادة ولو علقة ومضغة وبلا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تعارض، فرجح جمع متأخرون الوجوب رعاية للمدرك وآخرون عدمه أخذًا بظواهر كلامهم، "و" يسن "الاستنجاء باليسار" للاتباع ويكره باليمنى، وقيل يحرم لصحة النهي عن الاستنجاء بها1. "و" يسن "الاعتماد على" الأصبع "الوسطى في الدبر إن استنجى بالماء" لأنه أمكن ولا يتعرض للباطن وهو ما لا يصل الماء إليه لأنه منبع الوسواس، نعم يسن للبكر أن تدخل أصبعها في الثقب الذي للفرج لتغسله. "و" يسن لمن يستنجي بالماء "تقديم الماء للقبل" لأنه لو قدم الدبر ربما عاد إليه النجس عند غسل القبل وبالحجر تقديم الدبر. "و" يسن "تقديمه" أي الاستنجاء "على الوضوء" إن كان غير سلس وإلا وجب عليه ذلك. "و" يسن للمستنجي "دلك يده بالأرض" أو نحوهما "ثم يغسلها" ويكون ذلك أعنى الدلك ثم الغسل "بعده" أي الاستنجاء للاتباع. "و" يسن له بعده "نضح فرجه وإزاره" من داخله دفعًا للوسواس. "و" يسن "أن يقول بعده: اللهم طهر قلبي من النفاق وحسن فرجي من الفواحش" لمناسبته الحال، ويكفي غلبة ظن زوال النجاسة وشم ريحها من اليد ينجسها دون المحل ما لم يشمها من محل ملاق له فيما يظهر، ولا يسن له شم يده وليحذر من ضم شرج مقعدته بل يسترخي قليلا لبقاء النجاسة في تضاعيفه، ولو سال عرق المستنجي بالحجر فإن جاوز صفحته وحشفته لزمه غسل المجاوز وإلا فلا.
فصل: في موجب الغسل
وهو بالفتح والضم والأول أفصح وأشهر، وقد يقال بالضم لماء الغسل، وبالكسر اسم لنحو سدر اغتسل به.
"موجبات الغسل" خمسة: أحدها: "الموت" لمسلم غير شهيد كما يعلم مما سنذكره في الجنائز. "و" ثانيها: "الحيض. و" ثالثها: "النفاس" مع الانقطاع ونحو القيام إلى الصلاة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 روى مسلم في الطهارة "حديث 57" عن سلمان قال: قيل له: قد علمكم نبيكم صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى الخراءة، قال: فقال: أجل، لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول، أو أن نستنجي باليمين...". وروى أيضًا النهي عن الاستنجاء باليمين النسائي في الطهارة باب 41، والدارمي في الوضوء باب 13 والأشربة باب21، وأحمد في المسند "2/ 250، 5/ 300، 310، 437".

 

ص -48-         رطوبة والجنابة وتحصل بخروج المني، ويعرف بتدفقه أو لذة بخروجه، أو ريح عجين رطبًا أو ريح بياض بيض جافًا، وبإيلاج الحشفة أو قدرها في فرج ولو دبرًا، أو فرج ميت أو بهيمة ولو مع حائل كثيف، وبرؤية المني في ثوبه أو فراش لا ينام فيه غيره، ويحرم بالجنابة ما يحرم بالحدث، ومكث في المسجد وتردد فيه لغير عذر، وقراءة القرآن بقصد القراءة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إجماعًا. "و" رابعها: "الولادة ولو علقة ومضغة وبلا رطوبة" لأن كلا منهما مني منعقد. "و" خامسها: "الجنابة وتحصل" إما "بخروج المني" إجماعًا أي مني الشخص نفسه أول مرة من مخرج معتاد ومن فرجي المشكل1 مطلقًا ومن تحت صلب2 الرجل وترائب3 المرأة إن كان مستحكمًا بأن لا يخرج لنحو مرض وانسد الأصلي وإن لم يجاوز فرج المرأة بأن وصل لما يجب غسله ولو خرج من غير قصد أو كان الخارج منيه منها بعد غسلها إن قضت شهوتها بذلك الجماع بأن تكون بالغة مختارة مستيقظة اعتبارًا للمظنة كالنوم إذ يغلب على الظن اختلاط منيها به حينئذ ولا أثر لنزوله لقصبة الذكر. "ويعرف" المني سواء كان من رجل أو امرأة "بتدفقه" أي خروجه على دفعات قال تعالى:
{مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} [الطارقك 6]، "أو لذة بخروجه" وإن لم يتدفق ويلزمهما فتور الذكر وانكسار الشهوة غالبًا "أو ريح4 عجين" أو طلع حال كون المني "رطبًا أو ريح بياض بيض" حال كون المني "جافًا" وإن لم يتدفق ولا التلذ به كأن خرج ما بقي منه بعد الغسل فإن فقدت هذه الخواص الثلاث فلا غسل ولا أثر لنحو الثخانة والبياض في مني الرجل والرقة والاصفرار في مني المرأة وجودًا ولا فقدًا. "و" إما "بإيلاج الحشفة أو قدرها" من فاقد ولو كانت من مبان "في فرج ولو دبرًا أو فرج ميت أو بهيمة" ولو سمكة وإن لم يشته ولا حصل إنزال ولا انتشار لا قصد ولا اختيار. "ولو مع حائل كثيف" لخبر مسلم: "إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل وإن لم ينزل"5 وخبر: "إنما الماء من الماء"6، منسوخ وذكر الختانين جرى على الغالب هذا كله في ذكر الواضح وفرجه، أما الخنثى فلا غسل بإيلاج ذكره عليه ولا على المولج فيه مطلقًا ولا بإيلاج واضح في قبله لاحتمال الزيادة. "و" تحصل الجنابة أيضًا "بـ"ـسبب "رؤية المني في ثوبه" الذي لا يلبسه غيره. "أو فراش لا ينام فيه غيره" ممن يحتمل أن له منيًّا لعدم احتمال كونه من غيره حينئذ وإن كان بظاهر الثوب ويلزمه إعادة كل صلاة لا يحتمل حدوثه بعدها. "ويحرم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي الخنثى المشكل.
2 صلب الرجل: فقار ظهره.
3 الترائب: عظام الصدر مما يلي الترقوتين. وفي التنزيل العزيز:
{يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ}.
4 أي رائحة.
5 لفظ الحديث في مسلم "كتاب الحيض، حديث رقم 88" من حديث عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختانُ الختانَ فقد وجب الغسل".
6 رواه مسلم في الحيض "حديث 80 و81" من حديث أبي سعيد الخدري.

 

ص -49-         فصل: "في صفات الغسل"
وأقل الغسل نية رفع الجنابة أو فرض الغسل أو رفع الحدث، واستيعاب جميع

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالجنابة ما يحرم بالحدث" وقد مر "ومكث" المسلم "في المسجد" ورحبته وهوائه وجناح بجداره وإن كان كله في هواء الشارع وبقعة وقف بعضها مسجدًا شائعًا لقوله صلى الله عليه وسلم:
"لا أحل المسجد لحائض ولا جنب"1 حسنه ابن القطان2. "وتردد فيه" أو في نحوه مما ذكر لأنه يشبه المكث بخلاف العبور، نعم هو خلاف الأولى إلا لعذر كقرب ومحل حرمة المكث والتردد إذا كانا "لغير العذر" فإن كانا لعذر كأن احتلم فأغلق عليه باب المسجد أو خاف من الخروج على تلف نحو مال جاز له المكث للضرورة ويجب عليه التيمم ويحرم بتراب المسجد وهو الداخل في وقفه، أما الكافر فلا يمنع من المكث فيه لأنه لا يعتقد حرمته. "و" يحرم على المسلم أيضًا "قراءة القرآن" بلسانه ولو لحرف منه "بقصد القراءة" وحدها أو مع غيرها لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئًا من القرآن"3، حسنه المنذري4 أما إذا لم يقصدها بأن قصد ذكره أو موعظته أو حكمه كالبسملة أو أطلق فلا يحرم لأنه لا يكون قرآنًا إلا بالقصد، نعم يجب قراءة الفاتحة في صلاة جنب فقد الطهورين لضرورة توقف صحة الصلاة عليها.
فصل: في صفات الغسل
"وأقل الغسل" الواجب "نية رفع الجنابة" في الجنب والحيض والنفاس في الحائض والنفساء أي رفع حكم ذلك أو استباحة ما يتوقف على الغسل. "أو فرض الغسل" أو الغسل المفروض أو الواجب أو أداء الغسل. "أو رفع الحدث" أو الحدث الأكبر أو عن جميع البدن وهو أفضل من الإطلاق أو الطهارة للصلاة في حق الجنب وما بعده5 لتعرضه للمقصود في غير رفع الحدث، وإلا استلزم رفع المطلق رفع المقيد فيها، ولا يكفي نية مطلق الغسل كما مر في

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو داود في الطهارة باب92، وابن ماجه في الطهارة باب 126.
2 هو عبد الله بن عدي بن عبد الله بن محمد المبارك الجرجاني ويعرف بابن القطان، محدث، حافظ، فقيه، ولد سنة 277هـ، وتوفى سنة 365هـ، من تصانيفه: الكامل في معرفة ضعفاء المحدثين وعلل الأحاديث وغيره "معجم المؤلفين: 2/ 257".
3 رواه الترمذي في الطهارة باب 98، وابن ماجه في الطهارة باب 105، من حديث عبد الله بن عمر.
4 هو عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله بن سلامة بن سعد المنذري الشامي الأصل المصري الشافعي، محدث، حافظ، فقيه، ولد سنة 581هـ، وتوفي سنة 656هـ، من مؤلفاته: شرح التنبيه للشيرازي، والترغيب والترهيب، ومختصر سنن أبي داود، وغيرها "معجم المؤلفين: 2/ 171".
5 أي المذكور آنفًا من الحيض والنفاس.

 

ص -50-         شعره وبشره، ويجب قرن النية بأول مغسول.
وسننه: الاستقبال: والتسمية مقرونة بالنية، وغسل الكفين، ورفع الأذى، ثم الوضوء، ثم تعهد مواضع الانعطاف، وتخليل أصول الشعر ثلاثًا بيده المبلولة ثم الإفاضة على رأسه، ثم على شقه الأيمن ثم الأيسر والتكرار ثلاثًا، والدلك في كل مرة واستصحاب النية، وأن لا ينقص ماؤه عن صاع، وأن تتبع المرأة غير معتدة الوفاة أثر الدم بمسك ثم بطيب ثم بطين، فإن لم تجد ذلك فالماء كافٍ، وأن لا يغتسل من خروج المني قبل البول، ويسن الذكر المأثور بعد الفراغ، وترك الاستعانة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوضوء. "واستيعاب جميع شعره" وظفره ظاهرًا وباطنًا وإن كثف. "و" جميع ظاهر "بشره" حتى ما ظهر من نحو صماخ الأذن وأنف جدع وشقوق لا غور1 لها وإلا فكما في الوضوء ومن فرج بكر أو ثيب إذا قعدت لقضاء حاجتها وما تحت قلفة الأقلف، فلا يجب غسل باطن عقد الشعر وباطن فم وأنف وفرج وعين وشعر نبت بها أو بالأنف، نعم يجب نقض الضفائر إذا لم يصل الماء إلى باطن الشعر إلا به. "ويجب قرن النية بأول مغسول" فلو نوى بعد غسل جزء وجب إعادة غسله. "وسننه" كثيرة منها "الاستقبال والتسمية مقرونة بالنية وغسل الكفين" كالوضوء فيهما، نعم يسن لمن يغتسل من نحو إبريق أن يقرن النية بغسل محل الاستنجاء بعد فراغه منه لأنه قد يغفل عنه أو يحتاج إلى المس فينتقض وضوؤه. "و" منها "رفع الأذى" الطاهر كمني ومخاط والنجس الحكمي وإن كفى لهما غسلة. "ثم" بعد إزالته "الوضوء" الكامل للاتباع فتأخيره أو بعضه عن الغسل خلاف الأفضل، وينوي به سنة الغسل إن تجردت جنابته عن الحدث الأصغر وإلا نوى به رفع الحدث الأصغر. "ثم" بعد الوضوء "تعهد مواضع الانعطاف" كالأذن وطبقات البطن والموق2 واللحاظ وتحت المقبل من الأنف والأذن "وتخليل أصول الشعر ثلاثًا بيده المبلولة" بأن يدخل أصابعه العشرة في الماء ثم في الشعر ليشرب بها أصوله لأن هذا وما قبله أقرب إلى الثقة بوصول الماء، وأبعد عن الإسراف فيه. "ثم الإفاضة على رأسه" للاتباع، ولا يسن فيها البداءة بالأيمن، ويظهر أن محله إن كفى ما يفيضه على كل رأسه وإلا فالبداءة بالأيمن أولى كالأقطع الذي لا يتأتى منه إفاضة، "ثم على شقه الأيمن" المقدم منه ثم المؤخر "ثم" على "الأيسر" كذلك "والتكرار" لجميع ذلك "ثلاثًا والدلك في كل مرة" من الثلاث لما تصله يده. "واستصحاب النية" ذكرًا كالوضوء في جميع ذلك. "و" أن "لا ينقص ماؤه عن صاع" في معتدل لأنه صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بالصاع3، فإن نقص وأسبغ كفى، أما غير المعتدل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي عمق.
2 موق العين وماقها: لغة في المؤق والمأق، وجمعهما أمواق، ومؤق العين: مؤخرها، وقيل مقدمها، لسان العرب "10 /335 و350".
3 روى البخاري في الوضوء باب 47 "حديث 201" ومسلم في الحيض "حديث 51" عن أنس: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يغسل -أو كان يغتسل- بالصاع إلى خمسة أمداد ويتوضأ بالمد" وروى مسلم في الحيض "حديث 52" عن سفينة قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسله الصاع من الماء من الجنابة ويوضؤه المد".

 

ص -51-         فصل: "في مكروهاته"
ويكره الإسراف في الصب، والغسل والوضوء في الماء الراكد، والزيادة على الثلاث، وترك المضمضة والاستنشاق، ويكره للجنب الأكل والشرب والنوم والجماع قبل غسل الفرج والوضوء، وكذا منقطعة الحيض والنفاس.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فينقص ويزيد ما يليق بحاله. "وأن تتبع المرأة" ولو بكرًا أو خلية "غير معتدة الوفاة" والمحرمة "أثر الدم" الذي هو حيض أو نفاس "بمسك" بأن تجعله بعد غسلها بنحو قطنة وتدخلها إلى ما يجب غسله من فرجها لما صح من أمره صلى الله عليه وسلم به1 مع تفسير عائشة له بذلك، وحكمته تطييب المحل لا سرعة العلوق ويكره تركه، أما معتدة الوفاة والمحرمة فيمتنع عليها استعمال الطيب، نعم يسن للمحدة تطييب المحل بقليل قسط أو ظفار2. "ثم" إن لم تجد مسكًا يسن "بطيب" غيره "ثم" إن لم تجد طيبًا سن "بطين فإن لم تجد ذلك فالماء كاف" في دفع الكراهة. "و" لمن خرج منه مني الغسل قبل البول لكن السنة "أن لا يغتسل من خروج المني قبل البول" لئلا يخرج بعده شيء "ويسن الذكر المأثور" وهو ما مر عقب الوضوء "بعد الفراغ" من الغسل "وترك الاستعانة" والتنشيف كالوضوء.
فصل: في مكروهاته
"ويكره الإسراف في الصب" للغسل نظير ما مر في الوضوء بقيده "و" يكره "الغسل والوضوء في الماء الراكد" ولو كان كثيرًا أو بئرًا معينة لما صح من نهيه صلى الله عليه وسلم عن الغسل فيه، وقيس به الوضوء بجامع خشية الاستقذار والاختلاف في طهوريته، وبه يعلم أن الكلام في غير المستبحر الذي لا يتقذر بذلك بوجه ولا خلاف في طهوريته وإن فعل فيه ذلك، وأنه لا فرق بين الوضوء عن حدث أصغر أو أكبر. "و"  يكره "الزيادة على الثلاث" كالوضوء بقيده السابق فيه "وترك المضمضة والاستنشاق" للخلاف في وجوبهما فيه كالوضوء. "ويكره للجنب الأكل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 روى البخاري في الحيض باب 13 "حديث 314" عن عائشة: أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسلها من المحيض فأمرها كيف تغتسل قال:
"خذي فرصة من مسك فتطهري بها" قالت: كيف أتطهر بها؟ قال: "سبحان الله تطهري", فاجتذبتها إليَّ فقلت: تتبعي بها أثر الدم. وروى أيضًا "حديث 315" عن عائشة أن امرأة من الأنصار قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: كيف أغتسل من المحيض؟ قال: "خذي فرصة ممسّكة فتوضئي ثلاثًا" ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم استحيا فأعرض بوجهه، أو قال: "توضئي بها" فأخذتها فجذبتها فاخبرتها بما يريد النبي صلى الله عليه وسلم.
2 القسط: عود يجاء به من الهند يجعل في البخور والدواء, وفي حديث أم عطية:
"لا تمس طيبًا إلا نبذة من قسط وأظفار", وفي رواية: "قسط أظفار" انظر لسان العرب "7/ 379" والأظفار: جنس من الطيب لا واحد له من لفظه، وقيل: واحده ظفر، وهو شيء من العطر أسود والقطعة منه شبيهة بالظفر "لسان العرب: 4/ 518".