المهذب في فقة الإمام الشافعي

كتاب الوكالة
تجوز الوكالة فيعقد البيع لما روي عن عروة بن الجعد قال: أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ديناراً أشتري شاة أو أضحية فاشتريت شاتين فبعت إحداهما بدينار فدعا لي بالبركة فكان لو اشترى تراباً لربح فيه ولأن الحاجة تدعو إلى الوكالة في البيع لأنه قد يكون له مال ولا يحسن التجارة فيه وقد يحسن ولا يتفرغ إليه لكثرة أشغاله فجاز أن يوكل فيه غيره وتجوز في سائر عقود المعاملات كالرهن والحوالة والضمان والكفالة والشركة والوكاة والوديعة والإعارة والمضاربة والجعالة والمساقاة والإجارة والقرض والهبة والوقف والصدقة لأن الحاجة إلى التوكيل فيها كالحاجة إلى التوكيل في البيع وفي تملك المباحات كإحياء الموات واستقاء الماء والاصطياد والاحتشاش قولان: أحدهما لا يصح التوكيل فيها لأنه تملك مباح فلم يصح التوكيل فيه كالاغتنام والثاني يصح لأنه تملك مال بسبب لا يتعين عليه فجاز أن يوكل فيه كالابتياع والاتهاب ويخالف الاغتنام لأنه يستحق بالجهاد وقد تعين عليه بالحضور فتعين له ما استحق به.
فصل: ويجوز التوكيل في عقد النكاح لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم وكل عمرو بن أمية الضمري في نكاح أم حبيبة ويجوز في الطلاق والخلع والعتاق لأن الحاجة تدعوا إلى التوكيل فيه كما تدعوا إلى التوكيل في البيع والنكاح ولا يجوز التوكيل في الإيلاء والظهار واللعان لأنها أيمان فلا تحتمل التوكيل وفي الرجعة وجهان: أحدهما لا يجوز التوكيل فيه كما لا يجوز في الإيلاء والظهار والثاني أنه يجوز وهو الصحيح فإنه إصلاح للنكاح فإذا جاز في النكاح جاز في الرجعة.
فصل: ويجوز التوكيل في إثبات الأموال والخصومة فيها لما روي أن علياً كرم الله وجهه وكل عقيلاً رضي الله عنه عند أبي بكر وعمرو رضي الله عنهما وقال ما قضى له فلي وما قضى عليه فعلي ووكل عبد الله بن جعفر عند عثمان رضي الله عنه وقال علي أن للخصومات قحماً قال أبو زباد الكلابي: القحم المهالك ولأن الحاجة تدعوا إلى التوكيل في الخصومات لأنه قد يكون له حق أو يدعي عليه حق ولا يحسن الخصومة فيه

(2/162)


أو يكره أن يتولاها بنفسه فجاز أن يوكل فيه ويجوز ذلك من غير رضى الخصم لأنه توكيل في حقه فلا يعتبر فيه رضى من عليه كالتوكيل في قبض الديون ويجوز التوكيل في إثبات القصاص وحد القذف لأنه حق آدمي فجاز التوكيل في إثباته كالمال ولا يجوز التوكيل في إثبات حدود الله تعالى لأن الحق له وقد أمرنا فيه بالدرء والتوصل إلى إسقاطه وبالتوكيل يتوصل إلى إيجابه فلم يجز ويجوز التوكيل في استيفاء الأموال لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث العمال لقبض الصدقات وأخذ الجزي ويجوز في استيفاء حدود الله تعالى لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أنيساً لإقامة الحد وقال: "يا أنيس اغد على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها" ووكل عثمان رضي الله عنه علياً كرم الله وجهه ليقيم حد الشرب على الوليد بن عقبة وأما القصاص وحد القذف فإنه يجوز التوكيل في استيفائهما بحضرة الموكل لأن الحاجة تدعو إلى التوكيل فيه لأنه قد يكون له حد أو قصاص ولا يحسن أن يستوفيه فجاز لأن يوكل فيه غيره وهل يجوز أن يستوفيه في غيبة الموكل؟ قال في الوكالة لا يستوفي وقال في الجنايات ولو وكل فتنحى به فعفا الموكل فقتله الوكيل بعد العفو وقبل العلم بالعفو ففي الضمان قولان: وهذا يدل على أنه يجوز أن يقتص مع غيبة الموكل فمن أصحابنا من قال يجوز قولاً واحداً وهو قول أبي إسحاق لأنه حق يجوز أن يستوفيه بحضرة الموكل فجاز في غيبته كأخذ المال وحمل قوله لا يستوفي على الاستحباب ومنهم من قال لا يجوز قولاً واحداً لأن القصاص والحد يحتاط في إسقاطهما والعفو مندوب إليه فيهما فإذا حضر رجونا أن يرحمه فيعفو عنه وحمل قوله في الجنايات على أنه أراد إذا انتفع به ولم يغب عن عينه فعفا ولم يسمع الوكيل فقتل ومنهم من قال فيه قولان: أحدهما يجوز والثاني لا يجوز ووجههما ما ذكرناه.
فصل: ويجوز التوكيل في فسخ العقود لأنه إذا جاز التوكيل في عقدها ففي فسخها أولى ويجوز أن يوكل في الإبراء من الديون لأنه إذا جاز التوكيل في إثباته واستيفائها جاز التوكيل في الإبراء عنها وفي التوكيل في الإقرار وجهان: أحدهما يجوز وهو ظاهر النص لأنه إثبات مال في الذمة بالقول فجاز التوكيل فيه كالبيع والثاني لا يجوز وهو قول أبي العباس لأنه توكيل في إخبار عن حق فلم يجز كالتوكيل في الشهادة بالحق فإذا قلنا لا يجوز فهل يكون توكيله إقراراً فيه وجهان: أحدهما أنه إقرار لأنه لم يوكل في الإقرار بالحق إلا والحق واجب عليه والثاني أنه لا يكون إقراراً كما لا يكون التوكيل في الإبراء إبراء.

(2/163)


فصل: ولا يصح التوكيل إلا ممن يملك التصرف في الذي يوكل فيه بملك أو ولاية فأما من لا يملك التصرف في الذي يوكل فيه كالصبي والمجنون والمحجور عليه في المال والمرأة في النكاح والفاسق في تزويج ابنته فلا يملك التوكيل فيه لأنه لا يملكه فلا يملك أن يملك ذلك غيره وأما من لا يملك التصرف إلا بالإذن كالوكيل والعبد المأذون فإنه لا يملك التوكيل إلا بالإذن لأنه يملك التصرف بالإذن فكان توكيله بالإذن واختلف أصحابنا في غير الأب والجد من العصبات هل تملك التوكيل في التزويج من غير إذن المرأة فمنهم من قال يملك لأنه يملك التزويج بالولاية من جهة الشرع فملك التوكيل من غير إذن كالأب والجد ومنهم من قال لا يملك لأنه لا يملك التزويج إلا بإذن فلا يملك التوكيل إلا بإذن كالوكيل والعبد المأذون.
فصل: ومن لا يملك التصرف في حق نفسه لنقص فيه كالمرأة في النكاح والصبي والمجنون في جميع العقود لم يملك أن يتوكل لغيره لأنه إذا لم يملك ذلك في حق نفسه بحق الملك لم يملكه في حق غيره بالتوكيل ومن ملك التصرف فيما تدخله النيابة في حق نفسه جاز أن يتوكل فيه لغيره لأنه يملك في حق نفسه بحق الملك فملك في حق غيره بالإذن واختلف أصحابنا في العبد هل يجوز أن يتوكل في قبول النكاح فمنهم من قال يجوز لأنه يملك قبول العقد لنفسه بإذن المولى فملك أن يقبل لغيره بالتوكيل ومنهم من قال لا يجوز لأنه لا يملك النكاح وإنما أجيز له القبول لنفسه للحاجة إليه ولا حاجة إلى القبول لغيره فلم يجز واختلفوا في توكيل المرأة في طلاق غيرها فمنهم من قال يجوز كما يجوز توكيلها في طلاقها ومنهم من قال لا يجوز لأنها لا تملك الطلاق وإنما أجيز توكيلها في طلاق نفسها للحاجة ولا حاجة إلى توكيلها في طلاق غيرها فلم يجز ويجوز للفاسق أن يتوكل في قبول النكاح للزوج لأنه يجوز أن يقبل لنفسه مع الفسق فجاز أن يقبل لغيره وهل يجوز أن يتوكل في الإيجاب فيه وجهان: أحدهما لا يجوز لأنه موجب للنكاح فلم يجز أن يكون فاسقاً كالولي والثاني يجوز لأنه ليس بولي وإنما هو مأمور من جهة الولي والولي عدل.
فصل: ولا تصح الوكالة إلا بالإيجاب والقبول لأنه عقد تعلق به حق كل واحد منهما فافتقر إلى الإيجاب والقبول كالبيع والإجارة ويجوز القبول على الفور وعلى التراخي وقال القاضي أبو حامد المروروذي: لا يجوز إلا على الفور لأنه عقد في حال الحياة فكان القبول فيه على الفور كالبيع والمذهب الأول لأنه إذن في التصرف والإذن قائم ما لم يرجع فيه فجاز القبول ويجوز القبول بالفعل لأنه إذن في التصرف فجاز القبول فيه بالفعل كالإذن في أكل الطعام.

(2/164)


فصل: ولا يجوز التوكيل إلا في تصرف معلوم فإن قال وكلتك في كل قليل وكثير لم يصح لأنه يدخل فيه ما يطيق وما لا يطيق فيعظم الضرر ويكثر الغرر وإن قال وكلتك في بيع جميع مالي أو قبض جميع ديوني صح لأنه عرف ماله ودينه وإن قال بع ما شئت من مالي أو اقبض ما شئت من ديوني جاز لأنه إذا عرف ماله ودينه عرف أقصى ما يبيع ويقبض فيقل الغرر وإن قال اشتر لي عبداً لم يصح لأن فيه ما يكون بمائة وفيه ما يكون بألف فيكثر الغرر وإن قال اشتر لي عبداً بمائة لم يصح لأنه ذكر الثمن لا يدل على النوع فيكثر الغرر وإن قال اشتر لي عبداً تركياً بمائة جاز لأن مع ذكر النوع وقدر الثمن يقل الغرر فإن قال اشتر لي عبداً تركياً ولم يقدر الثمن ففيه وجهان: قال أبو العباس يصح لأنه يحمل الأمر على أعلى هذا النوع ثمناً فيقل الغرر ومن أصحابنا من قال لا يصح لأن أثمان الترك تختلف وتتفاوت فيكثر الغرر وإن وكله في الإبراء لم يجز حتى يبين الجنس الذي يبرئ منه والقدر الذي يبرئ منه وإن وكله في الإقرار وقلنا إنه يصح التوكيل فيه لم يجز حتى يبين جنس ما يقر به وقدر ما يقر به لأنه إذا أطلق عظم الضرر وكثر الغرر فلم يجز وإن وكله في خصومة كل من يخاصمه ففيه وجهان: أحدهما يصح لأن الخصومة معلومة والثاني لا يصح لأنها قد تقل الخصومات وقد تكثر فيكثر الغرر.
فصل: ولا يجوز تعليق الوكالة على شرط مستقبل ومن أصحابنا من قال يجوز لأنه أذن في التصرف فجاز تعليقه على مستقبل كالوصية والمذهب الأول لأنه عقد تؤثر الجهالة في إبطاله فلم يصح تعليقه على شرط كالبيع والإجارة ويخالف الوصية فإنها لا يؤثر فيها غرر الجهالة فلا يؤثر فيها غرر الشرط والوكالة تؤثر الجهالة في إبطالها فأثر غرر الشرط فإن علقها على شرط مستقبل ووجد الشرط وتصرف الوكيل صح التصرف لأن مع فساد العقد الإذن قائم فيكون تصرفه بإذن فصح فإن كان قد سمى له جعلاً سقط المسمى ووجب له أجرة المثل لأنه عمل في عقد فاسد لم يرض فيه بغير بدل فوجب أجرة المثل كالعمل في الإجارة الفاسدة وإن عقد الوكالة في الحال وعلق التصرف على شرط بأن قال: وكلتك بأن تطلق امرأتي أو تبيع مالي بعد شهر صح لأنه لم يعلق العقد على شرط وإنما علق التصرف على شرط فلم يمنع صحة العقد.
فصل: ولا يملك الوكيل من التصرف إلا ما يقتضيه إذن الموكل من جهة النطق أو

(2/165)


من جهة العرف لأن تصرفه بالإذن فلا يملك إلا ما يقتضيه الإذن والإذن يعرف بالنطق وبالعرف فإن تناول الإذن تصرفين وفي أحدهما إضرار بالموكل لم يجز ما فيه إضرار لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا إضرار" فإن تناول تصرفين وفي أحدهما نظر للموكل لزمه مافيه نظر للموكل لما روى ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رأس الدين النصيحة قلنا يارسول الله لمن؟ قال: لله ورسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وللمسلمين عامة1" وليس من النصح أن يترك ما فيه الحظ والنظر للموكل.
فصل: وإن وكل في تصرف وأذن له أن يوكل إذا شاء نظرت فإن عين له أن يوكله وكله أميناً كان أو غير أمين لأنه قطع اجتهاده بالتعيين وإن لم يعين من يوكل لم يوكل إلا أميناً لأنه لا نظر للموكل في توكيل غير الأمين فإن وكل أميناً فإن صار خائناً فهل يملك عزله؟ فيه وجهان: أحدهما يملك عزله لأن الوكالة تقتضي استعمال أمين فإذا خرج عن أن يكون أميناً لم يجز استعماله فوجب عزله والثاني لا يملك عزله لأنه أذن له في التوكيل دون العزل وإن وكله ولم يأذن له في التوكيل نظرت فإن كان موكله فيه مما يتولاه الوكيل ويقدر عليه لم يجز أن يوكل فيه غيره لأن الإذن لا يتناول تصرف غيره من جهة النطق ولا من جهة العرف لأنه ليس في العرف إذا رضيه أن يرضي غيره وإن وكله في تصرف وقال اصنع فيه ما شئت ففيه وجهان: أحدهما أنه يجوز أن يوكل فيه غيره لعموم قوله اصنع فيه ما شئت والثاني لا يجوز لأن التوكيل يقتضي تصرفاً يتولاه بنفسه وقوله اصنع فيه ما شئت يرجع إلى ما يقتضيه التوكيل في تصرفه بنفسه وإن كان ما وكله فيه مما لا يتولاه بنفسه كعمل لا يحسنه أو عمل يترفع عنه جاز أن يوكل فيه غيره لأن توكيله فيما لا يحسنه أو فيما يترفع عنه إذن في التوكيل فيه من جهة العرف وإن كان مما
__________
1 رواه البخاري في كتاب الإيمان باب 42.مسلم في كتاب الإيمان حديث 95.

(2/166)


يتولاه إلا أنه لا يقدر على جميعه لكثرته جاز له أن يوكل فيما لا يقدر عليه منه لأن توكيله فيما لا يقدر عليه إذن في التوكيل فيه من جهة العرف وهل يجوز أن يوكل في جميعه؟ فيه وجهان: أحدهما له أن يوكل في جميعه لأنه ملك التوكيل فملك في جميعه كالموكل والثاني ليس له أن يوكل فيما يقدر عليه منه لأن التوكيل يقتضي أن يتولى الوكيل بنفسه وإنما أذن له فيما لا يقدر عليه للعجز وبقي فيما يقدر عليه على مقتضى التوكيل وإن وكل نفسين في بيع أو طلاق فإن جعله إلى كل واحد منهما جاز لكل واحد منهما أن ينفرد به لأنه أذن لكل واحد منهما في التصرف وإن لم يجعل لكل واحد منهما لم يجز لأحدهما أن ينفرد به لأنه لم يرض بتصرف أحدهما فلا يجوز أن ينفرد به وإن وكلهما في حفظ ماله حفظاه في حرز لهما وخرج أبو العباس وجهاً آخر أنه إن كان مما ينقسم جاز أن يقتسما ويكون عند كل واحد منهما نصفه وإن لم ينقسم جعلاه في حرز لهما كما يفعل المالكان والصحيح هو الأول لأنه تصرف أشرك فيه بينهما فلم يجز لأحدهما أن ينفرد ببعضه فيه كالبيع ويخالف المالكين لأن تصرف المالكين بحق الملك ففعلا ما يقتضي الملك وتصرف الوكيلين بالإذن والإذن يقتضي اشتراكهما ولهذا يجوز لأحد المالكين أن ينفرد ببيع بعضه ولا يجوز لأحد الوكيلين أن ينفرد ببيع بعضه.
فصل: وإن وكل رجلاً في الخصومة لم يملك الإقرار على الموكل ولا الإبراء من دينه ولا الصلح عنه لأن الإذن في الخصومة لا يقتضي شيئاً من ذلك وإن وكله في تثبيت حق فثبته لم يملك قبضه لأن الإذن في التثبيت ليس بإذن في القبض من جهة النطق ولا من جهة العرف لأنه ليس في العرف أن من يرضاه للتثبيت يرضاه للقبض وإن وكله في قبض حق من رجل فجحد الرجل الحق فهل يملك أن يثبته عليه؟ فيه وجهان: أحدهما لا يملك لأن الإذن في القبض ليس بإذن في التثبيت من جهة النطق ولا من جهة العرف لأنه ليس في العرف أن من يرضاه للقبض يرضاه للتثبيت والثاني أنه يملك لأنه يتوصل بالتثبيت إلى القبض فكان الإذن في القبض إذناً بالتثبيت وإن وكله في بيع سلعة فباعها لم يملك الإبراء من الثمن لأن الإذن في البيع ليس بإذن في الإبراء من الثمن وهل يملك قبضه أم لا؟ فيه وجهان: أحدهما أنه لا يملك لأن الإذن في البيع ليس بإذن في قبض الثمن من جهة النطق ولا من جهة العرف لأنه قد يرضى الإنسان للبيع من لا يرضاه للقبض والثاني أنه يملك لأن العرف في البيع تسليم للمبيع وقبض الثمن فحملت الوكالة عليه وإن وكله في شراء عبد فاشترى وسلم الثمن ثم استحق العبد فهل يملك

(2/167)


أن يخاصم البائع في درك الثمن؟ فيه وجهان: أحدهما يملك لأنه من أحكام العقد والثاني لا يملك لأن الذي وكل فيه هو العقد وقد فرغ منه فزالت الوكالة.
فصل: وإن وكل في البيع في زمان لم يملك البيع قبله ولا بعده لأن الإذن لا يتناول ما قبله ولا ما بعده من جهة النطق ولا من جهة العرف لأنه قد يؤثر البيع في زمان الحاجة ولا يؤثر في زمان قبله ولا زمان بعده وإن وكله في البيع في مكان فإن كان الثمن فيه أكثر أو النقد فيه أجود لم يجز البيع في غيره لأنه قد يؤثر البيع في ذلك المكان لزيادة الثمن أو جودة النقد فلا يجوز تفويت ذلك عليه وإن كان الثمن فيه وفي غيره واحداً ففيه وجهان: أحدهما أنه يملك البيع في غيره لأن المقصود فيهما واحد فكان الإذن في أحدهما إذناً في الآخر والثاني لا يجوز لأنه لما نص عليه دل على أنه قصد عينه لمعنى هو أعلم به من يمين وغيرها فلم تجز مخالفته.
فصل: وإن وكله في البيع من رجل لم يجزأن يبيع من غيره لأنه قد يؤثر تمليكه دون غيره فلا يكون الإذن في البيع منه إذناً في البيع من غيره وإن قال خذ مالي من فلان فمات لم يجز أن يأخذ من ورثته لأنه قد لايرضى أن يكون ماله عنده ويرضى أن يكون عند ورثته فلا يكون الإذن في الأخذ منه إذناً في الأخذ من ورثته وإن قال خذ مالي على فلان فمات جاز أن يأخذ من ورثته لأنه قصد أخذ ماله وذلك يتناول الأخذ منه ومن ورثته وإن وكل العدل في بيع الرهن فأتلفه رجل فأخذت منه القيمة لم يجز له بيع القيمة لأن الإذن لم يتناول بيع القيمة.
فصل: وإن وكل في بيع فاسد لم يملك الفاسد لأن الشرع لم يأذن فيه ولا يملك الصحيح لأن الموكل لم يأذن فيه.
فصل: وإن وكل في بيع سلعة لم يملك بيعها من نفسه من غير إذن لأن العرف في البيع أن يوجب لغيره فحمل الوكالة عليه ولأن إذن الموكل يقتضي البيع ممن يستقصي في الثمن عليه وفي البيع من نفسه لا يستقصي في الثمن فلم يدخل في الإذن وهل يملك البيع من ابنه أو مكاتبه؟ فيه وجهان: أحدهما يملك وهو قول أبو سعيد الاصطخري لأنه يجوز أن يبيع منه ماله فجاز له أن يبيع منه مال موكله كالأجنبي والثاني لا يجوز وهو قول أبي إسحاق لأنه متهم في الميل إليهما كما يتهم في الميل إلى نفسه ولهذا لا تقبل شهادته لهما كما لا تقبل شهادته لنفسه فإن أذن له في البيع من نفسه ففيه وجهان: أحدهما يجوز كما يجوز أن يوكل المرأة في طلاقها والثاني لا يجوز وهو

(2/168)


المنصوص لأنه يجتمع في عقده غرضان متضادان الاستقصاء للموكل والاسترخاص لنفسه فتمانعا ويخالف الطلاق فإنه يصح بالزوج وحده فصح بمن يوكل والبيع لا يصح بالبائع وحده فلم يصح بمن يوكله وإن كان رجلاً في بيع عبده ووكله آخر في شرائه لم يصح لأنه عقد واحد يجتمعان فيه غرضان متضادان فلم يصح التوكيل فيه كالبيع من نفسه وإن وكله في خصومة رجل ووكله الرجل في خصومته ففيه وجهان: أحدهما لا يصح لأنه توكيل في أمر يجتمع فيه عرضان متضادان فلم يصح كما لو وكله أحدهما في بيع عبده ووكله آخر في شرائه والثاني يصح لأنه لا يتهم في إقامة الحجة لكل واحد منهما مع حضور الحاكم فإن وكل عبد الرجل ليشتري له نفساً أو عبداً غيره من مولاه ففيه وجهان: أحدهما يجوز لأنه لما جاز توكيله في الشراء من غير مولاه جاز توكيله في الشراء من مولاه والثاني لا يجوز لأن يد العبد كيد المولى ولهذا يحكم له بما في يد العبد كما يحكم له بما في يده ثم لو وكل المولى في الشراء من نفسه لم يجز فكذلك إذا وكل العبد.
فصل: وإن وكل في شراء سلعة موصوفة لم يجز أن يشتري معيباً لأن إطلاق البيع يقتضي السلامة من العيب ولهذا لو اشترى عيناً فوجد فيها عيباً ثبت له الرد فإن اشترى معيباً نظرت فإن اشتراه وهو يعلم أنه معيب لم يصح الشراء للموكل لأنه اشترى له ما لم يأذن فيه فلم يصح له وإن اشتراه وهو لا يعلم أنه معيب ثم علم لم يخل إما أن يرضى به أو لا يرضى فإن لم يرض به نظرت فإن علم الموكل ورضي به لم يجز للوكيل رده لأن الرد لحقه وقد رضي به فسقط وإن لم يعلم الموكل ثبت للوكيل الرد لأنه ظلامة حصلت بعقده فجاز له رفعها كما لو اشترى نفسه فإن قال البائع أخر الرد حتى تشاور الموكل فإن لم يرض قبلته لم يلزمه التأخير لأنه حق تعجل له فلم يلزمه تأخيره وإن قبل منه وأخره بهذا الشرط فهل يسقط حقه من الرد فيه وجهان: أحدهما يسقط لأنه ترك الرد مع القدرة والثاني لا يسقط لأنه لم يرض بالعيب فإن ادعى البائع أن الموكل علم بالعيب ورضي به فالقول قول الوكيل مع يمينه لأن الأصل عدم الرضا فإن رضي الوكيل بالعيب سقط خياره فإن حضر الموكل ورضي بالعيب استقر العقد وإن اختار الرد نظرت فإن كان قد سماه الوكيل في الابتياع أو نواه وصدقه البائع جاز أن يرده لأن الشراء له وهو لم يرض بالعيب وإنما رضي وكيله فلا يسقط حقه من الرد وإن لم يسمه الوكيل في الابتياع ولا صدقة البائع أنه نواه فالمنصوص أن السلعة تلزم الوكيل لأنه ابتاع في الذمة للموكل ما

(2/169)


لم يأذن فيه ومن أصحابنا من قال: يلزم الموكل لأن العقد وقع له وقد تعذر الرد بتفريط الوكيل في ترك الرد ويرجع الموكل على الوكيل بنقصان العيب لأن الوكيل صار كالمستهلك له بتفريطه وفي الذي يرجع به وجهان: أحدهما وهو قول أبي يحيى البلخي أنه يرجع بما نقص من قيمته معيباً على الثمن فإن كان الثمن مائة وقيمة السلعة مائة لم يرجع بشيء وإن كان الثمن مائة وقيمة السلعة تسعين رجع بعشرة كما نقول في شاهدين شهدا على رجل أنه باع سلعة بمائة فأخذت منه ووزن له المشتري الثمن ثم رجع الشهود عن الشهادة فإن الحكم لا ينقض ويرجع البائع على الشهود بما نقص من القيمة عن الثمن فإن كان الثمن والقيمة سواء لم يرجع عليهم بشيء وإن كانت القيمة مائة والثمن تسعون رجع بعشرة والثاني أنه يرجع بأرش العيب وهو الصحيح لأنه عيب فات الرد به من غير رضاه فوجب الرجوع بالأرض وإن وكل في شراء سلعة بعينها فاشتراها ووجد بها عيباً فهل له أن يرد من غير إذن الموكل؟ فيه وجهان: أحدهما له أن يرد لأن البيع يقتضي السلامة من العيب ولم يسلم من العيب فثبت له الرد كما لو وكل في شراء سلعة موصوفة فوجد بها عيباً فعلى هذا يكون حكمه في الرد على ما ذكرناه في السلعة الموصوفة والثاني لا يرد من غير إذن الموكل لأنه قطع نظره واجتهاده بالتعيين.
فصل: وإن وكل في بيع عبد أو شراء عبد لم يجز أن يعقد على بعضه لأن العرف في بيع العبد وشرائه أن يعقد على جميعه فحمل الوكالة عليه ولأن في تبعيضه إضراراً بالموكل فلم يملك من غير إذن وإن وكل في شراء أعبد أو بيع أعبد جاز أن يعقد على واحد لأن العرف في العبيد أن تباع وتشترى واحداً واحداً ولأنه لا ضرر في إفراد بعضهم عن بعض فإن وكله أن يشتري له عشرة أعبد صفقة واحدة فابتاع عشرة أعبد من اثنين صفقة واحدة ففيه وجهان: قال أبو العباس يلزم الموكل لأنه اشتراهم صفقة واحدة ومن أصحابنا من قال لا يلزم الموكل لأن عقد الواحد مع الاثنين عقدان.
فصل: ولا يجوز للوكيل في البيع أن يبيع بغير نقد البلد من غير إذن ولا للوكيل في الشراء أن يشتري بغير نقد البلد من غير إذن لأن إطلاق البيع يقتضي نقد البلد ولهذا لو قال بعتك بعشرة دراهم حمل على نقد البلد وإن كان في البلد نقدان باع بالغالب منهما لأن نقد البلد هو الغالب فإن استويا في المعاملة باع بما هو أنفع للموكل لأنه مأمور بالنصح له ومن النصح أن يبيع بالأنفع فإن استويا باع بما شاء منهما لأنه لا

(2/170)


مزية لأحدهما على الآخر فخير بينهما وإن أذن له في العقد بنقد لم يجز أن يعقد بنقد آخر لأن الإذن في جنس ليس بإذن في جنس آخر ولهذا لو أذن له في شراء عبد لم يجز أن يشتري جارية ولو أذن له في شراء حمار لم يجز أن يشتري فرسا.
فصل: وإن دفع إليه ألفا وقال اشتريها بعينها في ذمته لم يصح الشراء للموكل، لأنه لم يرض بالتزام غير الألف، فإذا ابتاع بألف في الذمة فقد ألزمه في ذمته ألفا لم يرض بالتزامها فلم يلتزم وإن قال اشتر لي في الذمة وانقد الألف فيه فابتاع فابتاع بعينها ففيه وجهان: أحدهما أن البيع باطل لأنه أمره بعقد لا ينفسخ بتلف الألف فعقد عقدا ينفسخ بتلف الألف وذالك لم يأذن فيه ولم يرض به. والثاني أن يصح لأنه أمره بعقد يلزمه الثمن مع بقا الألف، ومع تلفها قد عقد عقدا يلزمه الثمن مع بقائها ولايلزمه مع تلفها فزاد بذالك خيرا، وإن دفع إليه ألفا وقال اشتر عبدا ولم يقل بعينها ففيه وجهان: أحدهما مقتضاه الشراء بعينها لأنه لما دفع إليه الألف دل علي أنه قصد الشراء بعينها لأن الأمر مطلق فهلي هذا يجوز أن يشتري بعينها ويجوز أن يشتري في الذمة وينقد الألف فيه.
فصل: فإن وكله في الشراء ولم يدفع إليه الثمن فاشتراه ففي الثمن ثلاثة أوجه: أحدهما أنه علي الموكل والوكيل ضامن لأنه المبيع للموكل فكان الثمن عليه والوكيل تولي العقد والتزم الثمن فضمنه، فعلي هذا يجوز للبائع أن يطالب الوكيل والموكل لأن أحدهما ضامن والآخر مضمون عنه فإن وزن الوكيل الثمن رجع علي الموكل وإن وزن الموكل لم يرجع علي الوكيل. والثاني أن الثمن علي الوكيل دون الموكل لأن الذي التزم هو الوكيل فكان الثمن عليه فعلي هذا يجوز للبائع مطالبة الوكيل لأن الثمن عليه ولا يجوز له مطالبة الموكل لأنه لا شيء عليه، فإن وزن الوكيل رجع علي الموكل لأنه التزم بإذنه وإن لم يزن لم يرجع كما نقول فيمن أحال بدين عليه علي رجل لا دين له عليه، أنه إذا وزن رجع وإذا لم يزن لم يرجع وإن أبر البائع الوكيل سقط الثمن وحصلت السلعة للموكل من غير ثمن. والثالث أن الثمن علي الوكيل وللوكيل في ذمة الموكل مثل الثمن فيجوز للبائع مطالبة الوكيل دون الموكل، وللوكيل مطالبة الموكل بالثمن وإن لم يطالبه البائع.
فصل: ولا يجوز للوكيل في البيع أن يبيع بثمن مؤجل من غير إذن لأن الأفضل في البيع النقد، وإنما يدخل التأجيل لكساد أو فساد فإن أطلق حمل علي الأصل، فإن أذن له في بيع مؤجل وقدر الأجل أكثر منه لأنه لم يرض بما زاد علي المقدر

(2/171)


ففي علي الصل في المنع، وإن أطلق الأجل ففيه وجهان: أحدهما لايصح التوكيل لأن الأجال تختلف فيكثر الغرر فيه فلم يصح. والثاني يصح ويحمل علي العرف في مثله لأن مطلق الوكالة يحمل علي المتعارف، وإن لم يكن فيه عرف باع بأنفع ما يقدر عليه لأنه مأمور بالنصح لموكله. ومن أصحابنا من قال يجوز القليل والكثير لأن اللفظ مطلق ومنهم من قال: يجوز إلي سنة لأن الديون المؤجلة في الشرع مقدرة بالسنة وهي الدية والجزية والصحيح هو الأول، وقول القائل الثاني إن اللفظ مطلق لا يصح لأن العرف يخصه، ونصح الموكل يخصه، وقول القائل الثالث لا يصح لأن الدية والجزية وجبت بالشرع فحمل علي تأجيل الشرع، وهذا وجب بإذن الموكل فحمل علي المتعارف، وإن أذن له في البيع إلي أجل فباع بالنقد نظرت فإن باع بدون ما يساوي نسيئة لم يصح لأن الإذن في البيع نسيئة يقتضي افلبيع بما يساوي نسيئة، فإذا باع بما دونه لم يصح. وإن باع نقدا بما يساوي نسيئة؛ فإن كان في وقت لا يأمن أن ينهب أو يسرق لم يصح لأن ضرر لم يرض به فلم يلزمه، وإن كان في وقت مأمون ففيه وجهان: أحدهما لا يصح لأنه قد يكون له غرض في كون الثمن في ذمة ملئ، ففوت عليه ذالك فلم يصح، والثاني يصح لأنه زاده بالتعجيل خيرا. وإن وكله أن يشتري عبدا بألف فاشتراه بألف مؤجل ففيه وجهان: أحدهما لا يصح الشراء للموكل لأنه قصد أن لا يكون عليه دين وأن لا يشتري إلا بما معه، والثاني أنه يصح لأنه حصل له العبد وزاده التأجيل خيرا.
فصل: ولا يجوز للوكيل في البيع أن يشترط الخيار للمشتري ولا للوكيل في الشراء أن يشترط الخيار للبائع من غير إذن لأنه شرط لاحظ فيه للموكل فلا يجوز من غير إذن كالأجل، وهل يجوز أن يشترط لنفسه أو للموكل؟ فيه وجهان أحدهما لا يجوز لأن إطلاق البيع يقتضي البيع من غير شرط، والثاني يجوز لأنه احتاط للموكل بشرط الخيار.
فصل: ولا يجوز للوكيل في البيع أن يبيع بدون ثمن المثل بما لا يتغابن الناس به من غير إذن، ولا للوكيل في الشراء أن يشتري بأكثر من ثمن المثل بما لا يتغابن الناس به من غير إذن لأنه منهي عن الإضرار بالموكل مأمور بالنصح له، وفي النقصان عن ثمن المثل في البيع والزيادة علي ثمن المثل في الشراء ضرار وترك النصح، ولأن العرف في البيع ثمن المثل فحمل إطلاق الإذن عليه فإن حضر من يطلب الزيادة علي ثمن المثل لم يجز أن يبيع بثمن المثل لأنه مأمور بالنصح والنظر للموكل، ولا نصح ولا نظر للموكل في ترك الزيادة، وإن باع بثمن المثل ثم حضر من يزيد في حال الخيار ففيه وجهان: أحدهما لا يلزمه فسخ البيع لأن المزايد قد لا يثبت علي الزيادة فلا يلزمه الفسخ

(2/172)


بالشك، والثاني يلزمه الفسخ وهو الصحيح لأن حال الخيار كحال العقد. ولو حضر في حال العقد من يزيد وجب البيع منه فكذلك إذا حضر في حال الخيار، وقول القائل الأول إنه قد لا يثبت علي الزيادة فيكون الفسخ بالشك، وإن باع بنقصان يتغابن الناس بمثله بأن باع ما يساوي عشرة بتسعة صح البيع، وإن اشتري بزيادة يتغابن الناس بمثلها بأن ابتاع ما يساوي عشرة بأحد عشرة صح الشراء ولزم الموكل لأن ما يتغابن الناس بمثله يعد من المثل، ولأنه يمكن الإحتراز منه فعفي عنه، وإن اشتري بزيادة لا تتغابن الناس بمثلها بأن ابتاع مايساوي عشرة بإثني عشر فإن كان بعين مال الموكل بطل الشراء لأنه عقد على ماله عقدا لم يأذن فيه وإن كان في الذمة لزم الوكيل لأنه اشترى في الذمة بغير إذن فوقع الملك وإن باع بنقصان لا يتغابن الناس بمثله بأن باع مايساوي عشرة بثمانية لم يصح البيع لأنه بيع غير مأذون فيه فإن كان المبيع باقيا رد وإن كان تالفا وجب ضمانه وللموكل أن يضمن الوكيل لأنه سلم مالم يكن له تسليمه وله أن يضمن المشتري لأنه ضمن قبض مالم يكن له قبضه فإن اختار تضمن المشتري ضمن جميع القيمة وهو عشرة لأنه ضمن المبيع بالقبض فضمنه بكمال البلد وإن اختار تضمين الوكيل ففيه ثلاثة أقوال: أحدها أنه يضمنه جميع القيمة لأنه لزمه رد المبيع فضمن جميع بدله والثاني يضمنه تسعة لأنه لو باعه بتسعة جاز فلا يضمن مازاد ويضمن المشتري تمام القيمة وهو درهم والثالث يضمنه درهما لأنه لم يفرط إلا بدرهم فلا يضمن غيره ويضمن المشتري تمام القيمة وهو تسعة ومايضمنه الوكيل يرجع به على المشتري ومايضمنه المشتري لا يرجع به على الوكيل لأن المبيع تلف في يده فاستقر الضمان عليه وإن قدر الثمن فقال بع بألف درهم لم يجر أن يبيع بدونها لأن الأذن في الألف ليس بإذن فيما دونها وإن باع بألفين نظرت فإن كان قد عين من يبيع منه لم يجز لأنه قصد تمليكه بألف فلا يجوز أن يفوت عليه غرضه وإن لم يعين من يبيع منه جاز لأن الإذن في الألف إذن فيما زاد من جهة العرف لأن من رضي بألف رضي بألفين. وإن قال بع بألف ولاتبع بما زاد لم يجز أن يبيع بما زاد لأنه صرح بالنهي فدل على غرض قصده فلم يجز مخالفته وإن قال بع بألف فباع بألف وثوب ففيه وجهان: أحدهما أنه يصح لأنه حصل له الألف وزيادة فصار كما لو باع بألفي درهم والثاني أنه لا يصح لأن الدراهم والثوب تتقسط على السلعة فيكون ما يقابل الثوب من السلعة مبيعا بالثوب وذلك خلاف ما يقتضيه الإذن فإن الإذن يقتضي البيع بالنقد فعلى هذا هل يبطل العقد في الدراهم؟ فيه قولان بناء على تفريق الصفقة وإن وكله في

(2/173)


بيع عبد بألف فباع نصفه بألف جاز لأنه مأذون له فيه من جهة العرف لأن من يرضى ببيع العبد بألف يرضى ببيع نصفه بالألف فإن باع نصفه بما دون الألف لم يصح لأنه ربما لم يمكنه بيع الباقي بتمام الألف وإن وكله ببيع ثلاثة أعبد بألف فباع عبدا بدون الألف لم يصح لأنه قد لا يشتري الباقي بما بقي من الألف وإن باع أحد الثلاثة بألف جاز لأن من رضي ببيع ثلاثة بألف رضي ببيع أحدهم بألف وهل له أن يبيع الآخرين؟ فيه وجهان: أحدهما لا يملك لأنه قد حصل المقصود وهو الألف والثاني أنه يجوز أذن له في بيع الجميع فلا يسقط الأمر ببيع واحد منهم كما لو لم يقدر الثمن وإن وكله في شراء عبد بعينه بمائة رضي أن يشتريه بخمسين وإن قال اشتر بمائة ولا تشتر بخمسين جاز أن يشتري بمائة لأنه مأذون فيه ولا يشتري بخمسين لأنه منهي عنه ويجوز أن يشتري بما بين الخمسين والمائة لأنه لما أذن في الشراء بالمائة دل علي أنه رضي بالشراء بما دونها ثم خرج الخمسون بالنهي وبقي فيما زاد على مادل عليه المأمور به وهل يجوز أن يشتري بأقل من الخمسين فيه وجهان: أحدهما يجوز لأنه لما نص على المائة دل على ما دونها أولى إلا فيما أخرجه النهي والثاني لا يجوز لانه لما نهى عن الخمسين دل على أن ما دونها أولى بالمنع. وإن قال اشتر هذا العبد بمائة فاشتراه بمائة وعشرة لم يلزم الموكل وقال أبو العباس يلزمه الموكل بنائه ويضمن الوكيل ما زاد على المائة لأنه تبرع بالترام الزيادة والمذهب الأول لأنه زاد على الثمن المأذون فلم يلزم الموكل كما لو قال اشتر لي عبدا فاشتراه بأكثر من ثمن المثل ولأنه لو قال بع هذا العبد بمائة فباعه بمائة إلا عشرة لم يصح ثم يضمن الوكيل ما نقص من المائة فكذلك إذا قال اشتر هذا العبد بمائة فاشتراه بمائة وعشرة لم يلزم الموكل ثم يضمن الوكيل ما زاد على المائة. وإن وكله في شراء عبد بنائة فاشترى عبدا بمائتين وهو يساوي المائتين لم يلزم الموكل لأنه غير مأذون فيه من جهة النطق ولا من جهة العرف لأنه رضاه بعبد بمائة لا يدل على الرضا بعبد بمائتين وإن جفع له دينارا لم يلزم الموكل لأنه لا يطلب بدينار ما لا يساوي دينارا وإن كل واحدة منهما تساوي دينارا فإن اشترى في الذمة ففيه قولان: أحدهما أن الجميع للموكل لأن النبي صلى الله عليه وسلم دفع إلى عروة البارقي دينارا ليشتري له شاة فاشترى شاتين فباع إحداهما بدينار وأتى النبي صلى الله عليه وسلم بشاة ودينار فدعا له بالبركة ولأن الإذن في شاة بدينار إذن في شاتين بدينار لأن من رضي شاة بدينار رضي شاتين بدينار، والثاني أن

(2/174)


للموكل شاة لأنه فيه والأخري للوكيل لأنه لم يأذن فيه الموكل فوقع الشراء للوكيل. فإن قلنا إن الجميع للموكل فباع إحداهما فقد خرج أبو العباس فيه وجهين: أحدهما أنه لا يصح لأنه باع مال الموكل بغير إذنه فلم يصح، والثاني أنه يصح لحديث عروة البارقي والمذهب الأول والحديث يتأول، فإن قلنا إن للوكيل شاة استرجع الموكل منه نصف دينار، وغن اشتري الشاتين بعين الدينار فإن قلنا فيما اشتري في الذمة إن الجميع للموكل كان الجميع ههنا للموكل، وإن قلنا عن أحداهما للوكيل والأخري للموكل صح الابتياع للموكل في إحداهما ويبطل في الأخري، لأنه لا يجوز أن يصح الابتياع له بمال الموكل فبطل.
فصل: إذا اشتري الوكيل ما أذن فيه الموكل إنتقل الملك إلي الموكل لأن العقد له فوقع الملك له كما لو عقده بنفسه، وإن اشتري مالم يأذن فيه، فإن كان قد اشتراه بعين مال الموكل فالعقد باطل لأنه عقد علي مال لم يؤذن في العقد عليه فبطل كما لو باع مال غيره بغير إذنه، وإن اشتراه بثمن في الذمة نظرت، فإن لم يذكر الموكل في العقد لزمه ما اشتري لأنه اشتري لغيره في الذمة ما لم يأذن فيه فانعقد الشراء له كما لو اشتراه من غير وكالة، وغن ذكر الموكل في العقد ففيه وجهان: أحدهما أن العقد باطل لأنه عقد علي أنه للموكل والموكل لم يأذن فيه فبطل، والثاني أنه يصح العقد ويلزم الوكيل ما اشتراه وهو قول أبي إسحاق وهو الصحيح لأنه اشتري في الذمة ولم يصح في حق الموكل فانعقد في حقه كما لو لم يذكر الموكل.
فصل: وإن وكله فلي قضاء دين لزمه أن يشهد علي القضاء لأنه مأمور بالنظر والاحتياط للموكل، ومن النظر أن يشهد عليه لئلا يرجع عليه فإن ادعي الوكيل أنه قضاه وأنكر الغريم لم يقبل قول الكيل علي الغريم، لأن الغريم لم يأتمنه علي المال فلا يقبل قوله عليه في الدفع كالوصي وإذا ادعي دفع المال إلي الصبي. وهل يضمن المال للموكل ينظر فيه، فإن كان فيه غيبة الموكل وأشهد شاهدين ثم مات الشهود أو فسقوا لم يضمن لأنه لم يفرط، وإن لم يشهد ضمن لأنه فرط، وإن أشهد شاهدا واحدا ففيه وجهان: أحدهما لا يضمن لأن الشاهد مع اليمين بينه، والثاني يضمن لأنه فرط حيث أنه اقتصر علي بينه مختلف فيها وإن كان بمحضر الموكل وأشهد لم يضمن، وإن لم يشهد ففيه وجهان: أحدهما لا يضمن لأن المفرط هو الموكل فإنه حضر وترك الإشهاد، والثاني انه

(2/175)


يضمن لأنه ترك الإشهاد يثبت الضمان فلا يسقط حكمه بحضور الموكل كما لو أتلف مله وهو حاضر. وإن وكله في إيداع ماله عند رجل فهل يلزمه الإشهاد فيه وجهان: أحدهما يلزمه لأنه لا يأمن أن يجحد فيشهد عليه الشهود، والثاني لا يلزمه لأن القول قول المودع في الرد والهلاك فلا فائدة في الإشهاد، وإن وكله في الإيداع فادعي أنه أودع وأنكر المودع لم يقبل قول الوكيل عليه، لأنه لم يأتمنه المودع فلا يقبل قوله عليه كالوصي إذا ادعي دفع المال إلي اليتيم، وهل يضمن الوكيل؟ ينظر فيه، فإن أشهد ثم مات الشهود أو فسقوا لم يضمن لأنه لم يفرط، وإن لم يشهد، فإن قلنا إنه يجب الإشهاد ضمن لأنه فرط، وإن قلنا لا يجب لم يضمن لأنه لم يفرط.
فصل: وإن كان عليه حق لرجل ادعي أنه وكيل صاحب الحق في قبضه وصدقه جاز أن يدفع إليه ولا يجب الدفع إليه، وقال المزني يجب الدفع إليه لأنه أقر له بحق القبض، وهذا لا يصح لأنه دفع غير مبريء فلم يجبر عليه كما لو كان عليه دين بشهادة فطولب به من غير إشهاد، فإن دفع إليه ثم حضر الموكل وأنكر التوكيل فالقول قوله مع يمينه أنه ما وكل لأن الأصل عد التوكيل، فإذا حلف نظرت؛ فإن كان الحق عينا أخذها إن كانت باقية ورجع ببدلها إن كانت تالفة، وله أن يطالب الدافع والقابض لأن الدافع سلم إلي من لم يأذن له الموكل والقابض أخذ مالم يكن له أخذه فإن ضمن الدافع لم يرجع علي القابض وإن ضمن القابض لم يرجع إلي الدافع لأن كل واحد منهما يقول إن ما يأخذه المالك ظلم فلا يرجع به علي غير، وإن كان الحق دينا أن يطالب به الدافع لأن حقه في ذمته لم ينتقل. وهل له أن يطالب القابض؟ فيه وجهان: أحدهما له أن يطالب وهو قول أبي إسحاق لأنه يقر بأنه قبض حقه فرجع عليه كما لو كان الحق عينا، والثاني ليس له وهو قول أكثر أصحابنا لأن دينه في ذمة الدافع لم يتعين فيما صار في يد القابض فلم يجز أن يطالب به، وإن جاء رجل إلي من عليه الحق وادعي أنه وارث صاحب الحق فصدقه وجب الدفع إليه لأنه اعترف بأنه لا مالك له غيره، وإن دفعه إليه دفع مبرئ فلزمه. وإن جاء رجل فقال: أحالني عليك صاحب الحق فصدقه ففيه وجهان: أحدهما يلزمه الدفع إليه لأنه أقر أنه انتقل الحق إليه فصار كالوارث، والثاني أنه لا يلزمه لأن الدفع غير مبرئ لأنه ربما يجئ صاحب الحق فلينكر الحوالة فيضمنه، وإن كذبه لم يلزمه الدفع إليه في المسائل كلها، وهل يحلف إن قلنا إنه إن صدقه لزمه الدفع إليه حلف لأنه قد يخاف اليمين فيصدقه فيلزمه الدفع إليه، وإن قلنا لا يلزمه الدفع إليه إذا صدقه لم يحلف لأن اليمين يعرض ليخاف فيصدق ولو صدق لم يلزمه الدفع فلا معني لعرض اليمين.

(2/176)


فصل: ويجوز للموكل أن يعزل الوكيل إذا شاء ويجوز للوكيل أن يعزل نفسه متي شاء، لأنه أذن في التصرف في ماله فجاز لكل واحد منهما إبطاله كالإذن في أكل طعامه، وإن رهن عند رجل شيئا وجعلاه علي يد عدل واتفقا علي أنه يبيعه إذا حل الدين ثم عزله الراهن عن البيع انعزل لأنه وكيله في البيع فأنعزل بعزله كالوكيل في بيع غير الرهن وإن عزله المرتهن ففيه وجهان: أحدهما أنه ينعزل وهو ظاهر النص لأنه يبيع الرهن لحقه فانعزل بعزله كالراهن، والثاني لا ينعزل وهو قول أبي إسحاق لأنه ليس بوكيل له في البيع فلم ينعزل بعزله، وإن وكل رجلا في تصرف وأذن له في توكيل غيره نظرت، فإن أذن له في التوكيل عن الموكل فهما وكيلان للموكل، فإن بطلت وكالة أحدهما لم تبطل وكالة الآخر، وإن أذن له في توكيله عن نفسه فإن الثاني وكيل الوكيل فإن عزله الموكل انعزل لأنه يتصرف فملك عزله كالوكيل وإن عزله الوكيل انعزل لأنه وكيله فانعزل بعزله وإن بطلت وكالة الوكيل بطلت وكالته، لأنه فرع له فإذا بطلت وكالة الأصل بطلت وكالة الفرع وإن وكل رجلا في أمر ثم خرج عن أن يكون من أهل التصرف في ذالك الأمر بالموت أو الجنون أو الإغماء أو الحجر أو الفسق بطلت الوكالة، لأنه لا يملك التصرف فلا يملك غيره من جهته. وإن أمر عبده بعقد ثم عتقه أو باعه ففيه وجهان: أحدهما لا ينعزل كما لو أمر زوجته بعقد ثم طلقها، والثاني أنه ينعزل لأن ذالك ليس بتوكيل في الحقيقة، وإنما هو أمر ولهذا يلزم إمتثاله وبالعتق والبيع سقط أمره عنه وإن وكل في بيع عين فتعدي فيها بأن كان ثوبا فلبسه أو دابة فركبها فهل تبطل الوكالة أم لا؟ في وجهان: أحدهما تبطل فلا يجوز له البيع لأنه عقد أمانه فتبطل بالخيانه كالوديعة، والثاني أنها لا تبطل لأن العقد يتضمن أمانة وتصرفا، فإذا تعدي فيه بطلت الأمانة وبقي التصرف كالرهن يتضمن أمانة ووثيقة فإذا تعدي فيه بطلت الأمانة وبقيت الوثيقة. وإن وكل رجلا في تصرف ثم عزله ولم يعلم الوكيل بالعزل ففيه قولان: أحدهما لا ينعزل فإن تصرف صح تصرفه لأنه أمر فلا يسقط حكمه قبل العلم بالنهي كأمر صاحب الشرع، والثاني أنه ينعزل فإن تصرف لم ينفذ تصرفه لأنه قطع عقد لا يفتقر إلي رضاه فلم يفتقر إلي علمه كالطلاق.
فصل: والوكيل أمين فيما في يده من مال الموكل، فإن تلف في يده من غير تفريط لم يضمن لأنه نائب عن الموكل في اليد والتصرف، فكان الهلاك في يده كالهلاك في يد الموكل فلم يضمن، وإن وكله في بيع سلعة وقبض ثمنها فباعها وقبض ثمنها وتلف الثمن

(2/177)


واستحق المبيع رجع المشتري بالثمن علي المكل لأن البيع له فكان الرجوع بالعهدة عليه كما لو باع نفسه.
فصل: إذا ادعي رجل انه وكل في تصرف فأنكر المدعي عليه، فالقول قوله لأنه ينكر العقد والأصل عدمه فكان القول قوله، وغن اتفقا علي الوكالة واختلفا في صفتها بأن قال الوكيل وكلتني في بيع ثوب، وقال الموكل بل وكلتك في عبد، أو قال الوكيل وكلتني في البيع بألف، وقال بل وكلتك في البيع بألفين، أو قال الوكيل وكلتني في البيع بثمن مؤجل، وقال الموكل بل وكلتك في البيع بثمن حال، فالقول قول الموكل لأنه ينكر إذنا والأصل عدمه، ولأن من جعل القول قوله في أصل التصرف كان القول قوله في كيفية كالزوج في الطلاق.
فصل: وإن اختلفا في التصرف فادعي الوكيل أنه باع المال وأنكر الموكل أو اتفقا علي البيع واختلفا في قبض الثمن فادعي الوكيل أنه قبض الثمن وتلف وأنكر الموكل ففيه قولان: أحدهما أن القول قول الوكيل لأنه يملك العقد والقبض. ومن ملك تصرفا ملك الإقرار به كالأب في تزويج البكر، والثاني أنه لا يقبل قوله لأنه إقرار علي الموكل بالبيع وقبض الثمن فلم يقبل كما لو أقر عليه أنه باع ماله من رجل وقبض ثمنه، وغن وكله في ابتياع جارية فابتاعها ثم اختلفا فقال الوكيل: ابتعتها بإذنك بعشرين، وقال الموكل يل أذنت لك في ابتياعها بعشرة، فالقول قول الموكل لما بيناه، فإن حلف الموكل صارت الجارية للوكيل في الظاهر لأنه قد ثبت انه ابتاعها بغير الإذن، فإن كان الوكيل كاذبا كانت الجارية في الظاهر والباطن، وإن كان صادقا كانت الجارية للموكل في لباطن وللوكيل في الظاهر قال المزني: ويستحب الشافعي رحمه الله في مثل هذا أن يرفق الحاكم بالموكل فيقول إن كنت أمرته أن يشتريها بعشرين فبعه إياها بعشرين، فإن قال له بعتك هذه الجارية بعشرين صارت الجارية للوكيل في الظاهر والباطن، وإن قال كما قال المزني إن كنت اذنت لك في ابتياعها بعشرين فقد بعتكها بعشرين فقد اختلف أصحابنا فيه فمنهم من قال لا يصح لأنه بيع معلق علي شرط فلم يصح وجعل ما قاله المزني من كلام الحاكم لا من كلام الموكل، ومنهم من قال يصح لأن هذا الشرط يقتضيه العقد لأنه لا يصح أن يبيعها إلا أن يكون قد أذن له في الإبتياع بعشرين وما يقتضيه العقد لا يبطل العقد بشرطه، فإن امتنع الموكل من البيع قال المزني يبيعها الوكيل وبأخذ حقه من ثمنها، وقال

(2/178)


أبو سعيد الأصطخري فيه وجهان: أحدهما ما قال المزني، والثاني يملكها ظاهرا وباطنا بناء علي القولين فيمن ادعي علي رجل أنه اشتري منه دارا وأنكر المشتري وحلف أن المستحب للمشتري أن يقول للبائع إن كنت اشتريتها منك فقد فسخت البيع، وإن لم يفعل االمشتري ذلك ففيه قولان: أحدهما أن البائع يبيع الدار وبأخذ ثمنها، والثاني أن البائع يملك الدار لأن المشتري صار كالمفلس بالثمن لتعذر من جهته فيكون البائع أحق بعين ماله وقال أبو إسحاق لا يملك الوكيل الجارية قولا واحدا وتخالف المتبايعان والجارية لم تكن للوكيل فتعود إليه عند التعذر، فإن قلنا يملكها ظاهرا وباطنا تصرف فيها بالوطيء وغيره، وإن قلنا إنها للمكل في الباطن كان كمن له علي رجل دين لا يصل إليه ووجد له مالا من غير جنس حقه.
فصل: وإن اختلفا في تلف المال فادعي الوكيل أنه تلف وأنكر الموكل، فالقول قول الوكيل لأن التلف يتعذر إقامة البينة عليه فجعل القول قوله.
فصل: وإن اختلف في رد المال فقال رددت عليك المال وأنكر الموكل نظرت، فإن كانت الوكالة بغير جعل فالقول قول الوكيل مع يمينه لأنه فيض العين لمنفعة الملك فكان القول في الرد قول كالمودع، وإن كانت الوكالة بجعل ففيه وجهان: أحمدهما لا يقبل قوله لأنه قبض العين لمنفعة نفسه فلم يقبل قوله في الرد كالمستأجر والمرتهن، والثاني أنه يقبل قوله لأن انتفاعه بالعمل في العين فأما العين فلا منفعة له فيها فقبل قوله في ردها كالمودع في الوديعة.
فصل: إذا كان لرجل علي رجل آخر حق فطالبه به فقال لا أعطيك حتي تشهد علي نفسك بالقبض نظرت، فإن كان مضمونا عليه كالغصب والعارية فإن كان عليه فليه بينة فله أن يمتنع حتي يشهد عليه بالقبض لأنه لا يأمن أن القبض ثم يجحد ويقيم عيه البينة فيغرمه، وإن كان أمانة كالوديعة أو ما في يد الوكيل والشريك أو مضمونا لا بينة عليه فيه ففيه وجهان: أحدهما أن له أن يمتنع حتي يشهد بالقبض وهو قول أبي علي بن أبي هريرة لأنه لا يأمن أن يقبض ثم يجحد فيحتاج أن يحلف أنه لا يستحق عليه وفي الناس من يكره أن يحلف، والثاني أنه ليس له أن يمتنع لأنه إذا جحد كان القول قوله أنه لا يستحق عليه شيئا، وليس علي في اليمين علي الحق ضرر فلم يجز له أن يمتنع والله أعلم.

(2/179)