الوسيط في المذهب

= كتاب الصَّلَاة = وَفِيه سَبْعَة أَبْوَاب

(2/3)


قَالَ الله تَعَالَى {وَأقِيمُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة} وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بني الْإِسْلَام على خمس وَقَالَ الصَّلَاة عماد الدّين فَمن تَركهَا فقد هدم الدّين

(2/5)


وافتراض الصَّلَوَات الْخمس مجمع عَلَيْهَا
وَقد كَانَ التَّهَجُّد بِاللَّيْلِ وَاجِبا فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام فنسخ إِلَّا فِي حق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَالنَّظَر فِي الصَّلَاة تحصره أَبْوَاب

(2/6)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي الْمَوَاقِيت وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
الْفَصْل الأول فِي وَقت الرَّفَاهِيَة للصلوات الْخمس

وَالْأَصْل فِيهِ مَا رَوَاهُ ابْن عَبَّاس عَنهُ عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ أمني جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام عِنْد بَاب الْبَيْت مرَّتَيْنِ فصلى بِي الظّهْر حِين زَالَت الشَّمْس وَصلى بِي الْعَصْر حِين كَانَ ظلّ كل شئ مثله وَصلى بِي الْمغرب حِين أفطر الصَّائِم

(2/7)


وَصلى بِي الْعشَاء حِين غَابَ الشَّفق وَصلى بِي الْفجْر حِين حرم الطَّعَام وَالشرَاب على الصَّائِم ثمَّ عَاد فصلى بِي الظّهْر حِين صَار ظلّ كل شئ مثله وَصلى بِي الْعَصْر حِين صَار ظلّ كل شئ مثلَيْهِ وَصلى بِي الْمغرب كصلاته بالْأَمْس وَصلى بِي الْعشَاء حِين ذهب ثلث اللَّيْل وَصلى بِي الصُّبْح حِين كَاد حَاجِب الشَّمْس يطلع ثمَّ قَالَ يَا مُحَمَّد الْوَقْت مَا بَين هذَيْن

(2/8)


فنبدأ بِصَلَاة الظّهْر تأسيا بِجِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَيدخل وَقتهَا بالزوال وَهُوَ عبارَة عَن ظُهُور زِيَادَة الظل فِي جَانب الْمشرق بعد تراجعه من جَانب الْمغرب فَإِذا صَار ظلّ الشَّخْص مثله من مَوضِع الزِّيَادَة خرج وَقت الظّهْر وَدخل وَقت الْعَصْر وَتَمَادَى إِلَى غرُوب قرص الشَّمْس
وللظهر وقتان وَقت الْفَضِيلَة وَهُوَ أَوله وَوقت الِاخْتِيَار بعد ذَلِك إِلَى آخِره
وللعصر أَرْبَعَة أَوْقَات وَقت الْفَضِيلَة فِي الأول وَوقت الِاخْتِيَار بعده إِلَى أَن يصير الظل مثلَيْهِ

(2/9)


وَهُوَ مُنْتَهى بَيَان جِبْرِيل وَوقت الْجَوَاز بعده إِلَى الاصفرار وَوقت الْكَرَاهِيَة عِنْد الاصفرار
وَدَلِيل الزِّيَادَة على بَيَان جِبْرِيل قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من أدْرك رَكْعَة من الصُّبْح قبل أَن تطلع الشَّمْس فقد أدْرك الصُّبْح وَمن أدْرك رَكْعَة من الْعَصْر قبل أَن تغرب الشَّمْس فقد أدْرك الْعَصْر

(2/10)


وَذهب الْإِصْطَخْرِي إِلَى أَن الْوَقْت لَا يزِيد على بَيَان جِبْرِيل
فَإِن قيل صلى جِبْرِيل الْعَصْر فِي الْيَوْم الأول حِين صلى فِيهَا الظّهْر فِي الْيَوْم

(2/11)


الثَّانِي فليثبت اشْتِرَاك بَين الْوَقْتَيْنِ
قُلْنَا ذهب مَالك إِلَى أَن مِقْدَار أَربع رَكْعَات مُشْتَرك
وَحمل الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى الْعَصْر على انطباق ابْتِدَائه فِي الْمثل الأول وَقَوله صلى الظّهْر على انطباق التَّحَلُّل عَلَيْهِ كَمَا يُقَال بلغ الْبَلَد إِذا دَخلهَا وَبلغ إِذا قاربها
فَأَما الْمغرب فَيدْخل وقته بغروب الشَّمْس وَيعلم فِي قلل الْجبَال بإقبال الظلام وانهزام الضَّوْء وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِذا أقبل اللَّيْل من هَاهُنَا وَأدبر النَّهَار من هَاهُنَا فقد أفطر الصَّائِم وَأَشَارَ إِلَى الْمشرق وَالْمغْرب

(2/12)


ثمَّ فِي وَقت الْمغرب قَولَانِ
أَحدهمَا أَنه يَمْتَد إِلَى غرُوب الشَّفق وَإِلَيْهِ ذهب أَحْمد بن حَنْبَل لما رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام صلى الْمغرب عِنْد اشتباك النُّجُوم

(2/13)


وَالثَّانِي أَنه إِذا مضى بعد الْغُرُوب وَقت وضوء وأذان وَإِقَامَة وَقدر خمس رَكْعَات فقد انْقَضى الْوَقْت لِأَن جِبْرِيل صلى فِي الْيَوْمَيْنِ فِي وَقت وَاحِد وعَلى هَذَا لَا بَأْس بتناول لقْمَة أَو لقمتين

(2/15)


يسكن بهَا سُورَة الْجُوع

فرع
لَو شرع فِي الْوَقْت ومده حَتَّى مضى هَذَا الْقدر فَإِن قُلْنَا إِن مثل هَذِه الصَّلَاة مقضية فِي غير الْمغرب فَفِي الْمغرب وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه مُؤَدَّاة لما رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَرَأَ سُورَة الْأَعْرَاف فِي الْمغرب فَدلَّ أَن آخِره غير مُقَدّر

(2/16)


فَأَما الْعشَاء فَيدْخل وقته بغيبوبة الشَّفق وَهِي الْحمرَة دون الصُّفْرَة وَالْبَيَاض الذى يَزُول بعد الْحمرَة ثمَّ يَمْتَد وَقت الِاخْتِيَار إِلَى ثلث اللَّيْل على قَول لبَيَان جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَإِلَى النّصْف على قَول لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة

(2/17)


وَالسَّلَام لَوْلَا أَن أشق على أمتِي لأمرتهم بِالسِّوَاكِ عِنْد كل صَلَاة ولأخرت الْعشَاء إِلَى نصف اللَّيْل فَيدل ذَلِك على الِاسْتِحْبَاب

(2/18)


فَأَما الصُّبْح فَيدْخل وقته بِطُلُوع الْفجْر الصَّادِق ويتمادى وَقت اخْتِيَاره إِلَى الْإِسْفَار وَوقت جَوَازه إِلَى الطُّلُوع وَلَا نظر إِلَى الْفجْر الْكَاذِب وَهُوَ يَبْدُو مستطيلا ثمَّ ينمحق ويبدو الصَّادِق مُسْتَطِيرا ثمَّ لَا يزَال الضَّوْء يزْدَاد قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا يَغُرنكُمْ الْفجْر المستطيل وكلوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يطلع الْفجْر المستطير

(2/19)


فرع لَا يقدم أَذَان صَلَاة على وَقتهَا إِلَّا أَذَان الصُّبْح
قَالَ سعد الْقرظ كَانَ الْأَذَان على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الشتَاء لسبع بَقِي من اللَّيْل وَفِي الصَّيف لنصف سبع

(2/20)


وَقيل إِذا خرج وَقت اخْتِيَار الْعشَاء دخل وَقت أَذَان الصُّبْح وَهُوَ بعيد
ثمَّ الأولى أَن يُؤذن مؤذنان أَحدهمَا قبل الصُّبْح وَالْآخر بعده
وَلَو اقْتصر على مَا قبل الصُّبْح أَجزَأَهُ
قَوَاعِد ثَلَاثَة

الأولى تجب الصَّلَاة عندنَا بِأول الْوَقْت وجوبا موسعا خلافًا لأبي حنيفَة

(2/21)


ثمَّ لَو مَاتَ فِي أثْنَاء الْوَقْت قبل الْأَدَاء هَل يلقى الله عَاصِيا فِيهِ وَجْهَان
وَلَو أدّى فِي آخر الْوَقْت وَوَقع بعضه خَارج الْوَقْت فَهِيَ مُؤَدَّاة نظرا إِلَى ابتدائها على وَجه ومقضية نظرا إِلَى تَمامهَا على وَجه وَالْوَاقِع فِي الْوَقْت مؤدى وَالْبَاقِي قَضَاء على وَجه ثَالِث
فَإِن جَعَلْنَاهُ قَضَاء لم يجز التَّأْخِير إِلَيْهِ قصدا وَلم يمْتَنع صِحَّته بنية الْأَدَاء كالمحبوس إِذا اجْتهد فِي الْوَقْت وَنوى الْأَدَاء فَكَانَ فِي غير الْوَقْت لم يلْزمه الْإِعَادَة
الثَّانِيَة تَعْجِيل الصَّلَوَات فِي أَوَائِل الْأَوْقَات أفضل عندنَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أول الْوَقْت رضوَان الله وَآخره عَفْو

(2/22)


الله قَالَ أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ رضوَان الله أحب إِلَيْنَا من عَفْو الله
قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ الْعَفو يُوشك أَن يكون للمقصرين وحيازة فَضِيلَة الأولية بِأَن يشْتَغل بِأَسْبَاب الصَّلَاة كلما دخل الْوَقْت
وَقيل لَا بُد من بعد تَقْدِيم الْأَسْبَاب حَتَّى ينطبق التَّكْبِير على أول الْوَقْت فَهِيَ الأولية
وَقيل تتمادى فَضِيلَة الأولية إِلَى النّصْف من بَيَان جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام
وَيسْتَثْنى عَن فَضِيلَة التَّعْجِيل الْعشَاء وَالظّهْر فَفِي الْعشَاء قَولَانِ فِي قَول

(2/23)


يسْتَحبّ التَّأْخِير لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَوْلَا أَن أشق على أمتِي الحَدِيث
وَأما الظّهْر فالإبراد بِهِ مُسْتَحبّ فِي شدَّة الْحر لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أشتكت النَّار إِلَى رَبهَا فَقَالَت قد أكل بَعْضِي بَعْضًا فَأذن لَهَا فِي نفسين نفس فِي الصَّيف وَنَفس فِي الشتَاء فأشد مَا تَجِدُونَ فِي الْبرد من زمهريرها وَأَشد مَا تَجِدُونَ من الْحر من حرهَا فَإِذا اشْتَدَّ الْحر فأبردوا بِالظّهْرِ فَإِن شدَّة الْحر من فيح جَهَنَّم
ثمَّ قيل إِن الْإِبْرَاد سنة لِلْأَمْرِ الْوَارِد وَقيل هُوَ

(2/24)


رخصَة وَحده أَن يتَمَكَّن الماشون إِلَى الْجَمَاعَات من الْمَشْي فِي الظل
وَاخْتلفُوا فِي أَنه هَل يخْتَص بالبلاد الحارة وَفِي أَن من يمشي فِي كن إِلَى الْجَمَاعَة هَل يسْتَحبّ لَهُ
وَاخْتلفُوا فِي الْجُمُعَة على وَجْهَيْن وَجه الْمَنْع أَن فَوَاتهَا خطر وَلَا بُد من تَقْدِيم الْخطْبَة فالبدار أولى

(2/25)


الثَّالِثَة من اشْتبهَ عَلَيْهِ الْوَقْت يجْتَهد ويتبين ذَلِك بالأوراد وَغَيرهَا ثمَّ يُصَلِّي فَإِن وَقع فِي الْوَقْت أَو بعْدهَا فَلَا قَضَاء وَإِن كَانَ قبل الْوَقْت وَأدْركَ الْوَقْت صلى وَإِن تبين بعد انْقِضَاء الْوَقْت فَقَوْلَانِ وَكَذَا فِي طلب شهر رَمَضَان
فرع إِذا أمكنه أَن يصبر إِلَى دَرك الْيَقِين فَفِي جَوَاز الِاجْتِهَاد فِي الْحَال وَجْهَان وَوجه الْجَوَاز أَن عمر رَضِي الله عَنهُ أفطر بِالِاجْتِهَادِ وَغلط وَكَانَ قَادِرًا على الصَّبْر

(2/26)


الْفَصْل الثَّانِي فِي وَقت أَرْبَاب الْأَعْذَار

ونعني بالعذر الْجُنُون والصبى وَالْحيض وَالْكفْر وَلها ثَلَاثَة أَحْوَال
إِحْدَاهَا أَن يَخْلُو عَنْهَا آخر الْوَقْت فَإِن بَقِي قبل غرُوب الشَّمْس مَا يسع رَكْعَة فَزَالَ الْعذر وَجب الْعَصْر وفَاقا وَلَو بَقِي مَا يسع تَكْبِيرَة فَقَوْلَانِ
أقيسهما وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة أَنه يلْزم لِأَن هَذَا الْقدر يَتَّسِع الْإِلْزَام

(2/27)


ولسنا نعتبر وَقت الْأَدَاء
وَالثَّانِي وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ أَنه لَا يُدْرِكهُ لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَمن أدْرك رَكْعَة قبل غرُوب الشَّمْس فقد أدْرك الْعَصْر وَمَا دونهَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهَا فَإِن مدرك رَكْعَة من الْجُمُعَة مدرك لَهَا بِخِلَاف مدرك التَّكْبِيرَة هَذَا حكم الْعَصْر
أما الظّهْر فَيلْزم أَيْضا بِإِدْرَاك وَقت الْعَصْر لِأَنَّهُ وقته فِي حق الْمَعْذُور بِالسَّفرِ وَهَذَا الْعذر أَشد وَلكنه بكم يصير مدْركا فِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا بِمَا يصير بِهِ مدْركا للعصر
وَالثَّانِي لَا بُد من زِيَادَة أَربع رَكْعَات على ذَلِك ليتصور الْفَرَاغ من الظّهْر فعلا ثمَّ لُزُوم الْعَصْر بعده
وَهل تعْتَبر مُدَّة الْوضُوء مَعَ ذَلِك فعلى قَوْلَيْنِ

(2/28)


وَهَذِه الرَّكْعَات الْأَرْبَع فِي مُقَابلَة الظّهْر أَو الْعَصْر فعلى قَوْلَيْنِ مخرجين
هَذَا إِذا زَالَ الْعذر قبل أَدَاء الصَّلَاة فَإِن زَالَ بعده وَذَلِكَ يتَصَوَّر فِي الصَّبِي يُصَلِّي ثمَّ يبلغ وَالْوَقْت بَاقٍ فَلَا يلْزمه الْقَضَاء خلافًا لأبي حنيفَة فَلَو صلى الظّهْر فَبلغ وَوقت الْجُمُعَة قَائِم قَالَ ابْن الْحداد تلْزمهُ الْجُمُعَة وَهُوَ غلط عِنْد الْأَكْثَرين وَمِنْهُم من وَجهه بِأَن الصَّبِي مَضْرُوب على ترك حُضُور الْجُمُعَة والمتعدي بِالظّهْرِ قبل الْجُمُعَة لَا يَصح ظَهره على وَجه وَلَو بلغ الصَّبِي بِالسِّنِّ فِي أثْنَاء الصَّلَاة أتمهَا وَلَو بلغ فِي أثْنَاء يَوْم من رَمَضَان وَهُوَ صَائِم فَلَا قَضَاء عَلَيْهِ
وَمِنْهُم من علل بِوُقُوعِهِ عَن الْفَرْض
وَمِنْهُم من علل بِأَنَّهُ لم يدْرك وقتا يتَصَوَّر فِيهِ الشُّرُوع فِي الْعِبَادَة
وَتظهر فَائِدَة الْخلاف فِي الصَّبِي الْمُفطر إِذا بلغ وللعراقيين وَجه أَن الصَّبِي تلْزمهُ إِعَادَة الصَّلَاة وَإِن بلغ بعد الْأَدَاء
الْحَالة الثَّانِيَة أَن يَخْلُو أول الْوَقْت فَإِذا طَرَأَ الْحيض فَإِن مضى من الْوَقْت قبله

(2/29)


مَا يسع الصَّلَاة لَزِمته وَإِن كَانَ أقل فَلَا بِخِلَاف آخر الْوَقْت فَإِن الشُّرُوع فِي آخر الْوَقْت يُمكن إِتْمَامه بِمَا بعد الْوَقْت وَهَاهُنَا لَا يُمكن فِي زمَان الْحيض
وَخرج ابْن سُرَيج قولا إِنَّه لَا تلْزمهُ مَا لم يدْرك جَمِيع الْوَقْت أَو آخِره
وَأما الْعَصْر فَلَا يلْزم بِإِدْرَاك جُزْء من أول الظّهْر لِأَن وَقت الظّهْر لَا يصلح للعصر مَا لم يَقع الْفَرَاغ من فعل الظّهْر بِخِلَاف وَقت الْعَصْر
وَذهب أَبُو يحيى الْبَلْخِي إِلَى أَن أول الظّهْر فِي إِدْرَاك الْعَصْر كآخر الْعَصْر فِي إِدْرَاك الظّهْر
الْحَالة الثَّالِثَة أَن يعم الْعذر جَمِيع الْوَقْت فَيسْقط الْقَضَاء بِالْحيضِ وَالْجُنُون وَالْكفْر والصبى وَلَا تلتحق الرِّدَّة بالْكفْر بل يجب الْقَضَاء على الْمُرْتَد نعم الصَّبِي

(2/30)


وَإِن لم يكن عَلَيْهِ قَضَاء وَلَكِن يُؤمر بِالصَّلَاةِ بعد سبع سِنِين وَيضْرب على تَركهَا بعد عشر سِنِين وَالْإِغْمَاء فِي معنى الْجُنُون قل أَو كثر
أما الشُّكْر وَزَوَال الْعقل بِسَبَب محرم كشرب بنج أَو تردية من مَكَان فَلَا يسْقط الْقَضَاء
فرع لَو سكر ثمَّ جن فَالْأَصَحّ أَنه لَا يلْزمه إِلَّا قَضَاء مَا فَاتَهُ فِي وَقت السكر
وَقيل يجب قَضَاء أَيَّام الْجُنُون لاتصاله بالسكر
وَلَو ارْتَدَّ ثمَّ جن يلْزمه قَضَاء مَا فَاتَ فِي وَقت الرِّدَّة وَقيل يجب قَضَاء مَا فَاتَ فِي الْجُنُون لِأَن حكم الرِّدَّة مُسْتَمر فِي الْجُنُون
وَلَو ارْتَدَّت أَو سكرت ثمَّ حَاضَت لَا يلْزمهَا قَضَاء أَيَّام الْحيض لِأَن سُقُوط الْقَضَاء عَن الْمَجْنُون رخصَة وَعَن الْحَائِض عَزِيمَة

(2/31)


الْفَصْل الثَّالِث فِي الْأَوْقَات الْمَكْرُوهَة

وهى خَمْسَة اثْنَان مِنْهَا يتَعَلَّق بِالْفِعْلِ فهما من قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا صَلَاة بعد الصُّبْح حَتَّى تطلع الشَّمْس وَلَا بعد الْعَصْر حَتَّى تغرب الشَّمْس
وَوجه تَعْلِيقهَا بِالْفِعْلِ أَنه يتمادى بالبدار إِلَى الْفَرْض فِي أول الْوَقْت

(2/33)


وَيقصر بِالتَّأْخِيرِ
وَثَلَاث مِنْهَا تتَعَلَّق بِالْوَقْتِ وَهُوَ وَقت طُلُوع الشَّمْس والاستواء والغروب قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِن الشَّمْس تطلع وَمَعَهَا قرن الشَّيْطَان فَإِذا ارْتَفَعت فَارقهَا فَإِذا اسْتَوَت قارنها فَإِذا زَالَت فَارقهَا فَإِذا دنت للغروب قارنها وَإِذا غربت فَارقهَا وَنهى عَن الصَّلَاة فِي هَذِه الْأَوْقَات

(2/34)


فَأَما المنوط بالطلوع فَمن وَقت بَدو إشراق الشَّمْس إِلَى طُلُوع قرصها وَقيل يَمْتَد إِلَى اسْتِيلَاء سُلْطَان الشَّمْس لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَإِذا ارْتَفَعت فَارقهَا

(2/35)


وَأما الاسْتوَاء فعبارة عَن وَقت وقُوف الظل قبل ظُهُور الزِّيَادَة
أما الْغُرُوب فَتدخل كراهيته باصفرار الشَّمْس إِلَى تَمام الْغُرُوب
وَيسْتَثْنى من هَذِه الْكَرَاهِيَة من الصَّلَوَات مَا لَهَا سَبَب وَمن الْأَيَّام الْجُمُعَة وَمن الْبِقَاع مَكَّة
أما الأول فَلَمَّا رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام رأى قيس بن قهد يُصَلِّي بعد

(2/36)


الصُّبْح فَقَالَ مَا هَذَا فَقَالَ رَكعَتَا الْفجْر فَلم يُنكر فَفِي مَعْنَاهُمَا كل مَا لَهُ سَبَب كالفائتة وَصَلَاة الْجِنَازَة وَسُجُود التِّلَاوَة وتحية الْمَسْجِد
وَأما رَكعَتَا الْإِحْرَام فَيكْرَه لِأَن سَببهَا الْإِحْرَام وَهُوَ عذر مُتَأَخّر وَفِي الاسْتِسْقَاء تردد لِأَن تَأْخِيره مُمكن

(2/37)


وَأما اسْتثِْنَاء الْجُمُعَة فَلَمَّا روى أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ أَنه نهى عَن الصَّلَاة نصف النَّهَار حَتَّى تَزُول الشَّمْس إِلَّا يَوْم الْجُمُعَة فَقيل يخْتَص ذَلِك بِمن يَغْشَاهُ النعاس فيقصد طرده بِرَكْعَتَيْنِ وَقيل إِنَّه لَا يخْتَص بِهِ بل هُوَ خاصية يَوْم الْجُمُعَة

(2/38)


فَأَما اسْتثِْنَاء مَكَّة فَلَمَّا رُوِيَ عَن أبي ذَر أَنه أَخذ بِعضَادَتَيْ الْكَعْبَة وَقَالَ من عرفني فقد عرفني وَمن لم يعرفنِي فَأَنا جُنْدُب سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لَا صَلَاة بعد الصُّبْح حَتَّى تطلع الشَّمْس وَلَا بعد الْعَصْر حَتَّى تغرب الشَّمْس إِلَّا بِمَكَّة وَلذَلِك لَا يكره الطّواف فِي سَائِر الْأَوْقَات لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يَا بني عبد منَاف من ولي مِنْكُم من أُمُور النَّاس شَيْئا فَلَا يمنعن أحدا طَاف بِهَذَا الْبَيْت فِي أَي سَاعَة شَاءَ من ليل أَو نَهَار

(2/39)


قَاعِدَة

لَو تحرم بِالصَّلَاةِ فِي وَقت الْكَرَاهِيَة فَفِي الِانْعِقَاد وَجْهَان
أَحدهمَا نعم كَالصَّلَاةِ فِي الْحمام وَالدَّار الْمَغْصُوبَة وَالثَّانِي لَا كَصَوْم يَوْم الْعِيد
فَإِن قُلْنَا لَا تَنْعَقِد لم تلْزم بِالنذرِ فَأَما أَدَاء الْمَنْذُورَة فِيهَا فَجَائِز لِأَن النّذر سَبَب كالقضاء

(2/40)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي الْأَذَان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
الْأَذَان سنة مُؤَكدَة وَقيل إِنَّه فرض كِفَايَة وَلَو امْتنع عَنهُ أهل بَلْدَة يُقَاتلُون عَلَيْهِ فَإِنَّهُ من شَعَائِر الْإِسْلَام وَالصَّحِيح أَنهم لَا يُقَاتلُون لِأَنَّهُ سنة
وَالْأَصْل فِيهِ أَن النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام شاور أَصْحَابه فِي أَمارَة ينصبونها لحضور الْجَمَاعَات فَذكر النَّار والناقوس فَذكر النَّصَارَى وَالْمَجُوس فَتَفَرَّقُوا عَن غير اتِّفَاق رَأْي فَقَالَ عبد الله بن زيد الْأنْصَارِيّ كنت بَين النَّائِم وَالْيَقظَان

(2/41)


إِذْ نزل ملك من السَّمَاء عَلَيْهِ ثِيَاب خضر وَبِيَدِهِ ناقوس فَقلت أتبيع هَذَا الناقوس مني فَقَالَ وَمَا تصنع بِهِ مني فَقلت أضْرب بِهِ فِي مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَو لَا أدلك على خير من ذَلِك فَقلت بلَى
فَاسْتقْبل الْقبْلَة وَقَالَ الله أكبر وسرد الْأَذَان ثمَّ اسْتَأْخَرَ غير بعيد فَأَقَامَ فَأَصْبَحت وحكيت الرُّؤْيَا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ رُؤْيا صدق إِن شَاءَ الله ألقه على بِلَال فَإِنَّهُ أندى صَوتا مِنْك فَقلت ائْذَنْ لي مرّة وَاحِدَة فَأَذنت بِإِذْنِهِ فَلَمَّا سمع عمر صوتي خرج يجر رِدَاءَهُ وَهُوَ يَقُول وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ لقد رَأَيْت مثل مَا أرى فَقَالَ الْحَمد لله فَذَاك أثبت ثمَّ أَتَاهُ بضعَة عشر من الصَّحَابَة قد رَأْي كلهم مثل ذَلِك هَذَا تمهيد الْبَاب ومقصوده يحصره ثَلَاثَة فُصُول

(2/42)


الْفَصْل الأول فِي الْمحل الَّذِي يشرع فِيهِ الْأَذَان

وَهُوَ جمَاعَة الرِّجَال فِي كل مَفْرُوضَة مُؤَدَّاة
وَفِي الضَّابِط قيود أَرْبَعَة
الأول الْجَمَاعَة فالمنفرد فِي بَيته أَو فِي سفر إِذا لم يبلغهُ نِدَاء الْمُؤَذّن فِيهِ قَولَانِ
الْجَدِيد أَنه يُؤذن وَيُقِيم لما رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ لأبي سعيد الْخُدْرِيّ إِنَّك رجل تحب الْبَادِيَة وَالْغنم فَإِذا دخل وَقت الصَّلَاة فَأذن وارفع صَوْتك فَإِنَّهُ لَا يسمع صَوْتك شجر وَلَا مدر وَلَا حجر إِلَّا شهد لَك يَوْم الْقِيَامَة
وَفِي الْقَدِيم لَا يشرع لِأَن مَقْصُوده الإبلاغ فَيخْتَص بِالْجَمَاعَة

(2/44)


وَقيل إِن كَانَ يَرْجُو حُضُور جمع يُؤذن وَإِلَّا فَلَا وَكَانَ الْخُدْرِيّ يَرْجُو حُضُور غلمانه ثمَّ الصَّحِيح أَنه يسْتَحبّ رفع الصَّوْت وَإِن كَانَ مُنْفَردا أما إِذا بلغه نِدَاء الْبَلَد فَالْخِلَاف مُرَتّب وَأولى أَن لَا يُؤذن اكْتِفَاء بالنداء الْعَام وَإِن أذن فَأولى بألا يرفع الصَّوْت
الْقَيْد الثَّانِي الرِّجَال فَفِي أَذَان الْمَرْأَة فِي الِانْفِرَاد وَالْجَمَاعَة ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنَّهَا تؤذن وتقيم وَالثَّانِي لَا وَالثَّالِث تقيم وَلَا تؤذن ثمَّ هى مَمْنُوعَة عَن رفع الصَّوْت منع تَحْرِيم
الْقَيْد الثَّالِث الْمَفْرُوضَة فَلَا أَذَان فِي جمَاعَة النَّوَافِل كَصَلَاة الخسوف وَالِاسْتِسْقَاء والجنازة والعيد بل يُنَادى الصَّلَاة جَامِعَة

(2/45)


الْقَيْد الرَّابِع المؤداة أما الغائبة فَفِيهَا ثَلَاثَة أَقْوَال
الْجَدِيد أَنه يُقيم لَهَا وَلَا يُؤذن لِأَن الْإِقَامَة للشروع وَالْأَذَان للإبلاغ
وَالْقَدِيم أَنه يُؤذن وَيُقِيم نظرا إِلَى حُرْمَة الصَّلَاة
وَنَصّ فِي الْإِمْلَاء أَنه إِن كَانَ يَرْجُو جمَاعَة أذن وَإِلَّا اقْتصر على الْإِقَامَة
فَإِن قُلْنَا يُؤذن فَلَو كَانَ يُؤَدِّي فوائت فَلَا يُؤذن إِلَّا مرّة وَاحِدَة لَا سَبِيل إِلَى مُوالَاة أذانين فِي وَقت وَاحِد

(2/46)


وَلَو قدم الْعَصْر إِلَى وَقت الظّهْر يُؤذن لِلظهْرِ أَولا وَيُقِيم للعصر بعده وَلَا يُؤذن
فَإِن أخر الظّهْر إِلَى وَقت الْعَصْر فَإِن قُلْنَا يُؤذن كالفائتة فَيُؤذن لِلظهْرِ ثمَّ يُقيم للعصر بعده وَإِن قُلْنَا لَا يُؤذن للفائتة فَلَا يُؤذن لِلظهْرِ لِأَنَّهَا كالفائتة ثمَّ لَا يُؤذن للعصر أَيْضا كَيْلا تَنْقَطِع الْمُوَالَاة بَين الصَّلَاتَيْنِ وَيشْهد لَهُ أَن الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جمع بَين الظّهْر وَالْعصر فِي وَقت الظّهْر بِعَرَفَة بِأَذَان وَإِقَامَتَيْنِ وَأخر الْمغرب إِلَى الْعشَاء بِمُزْدَلِفَة بإقامتين

(2/47)


فرع الْجَمَاعَة الثَّانِيَة فِي الْمَسْجِد المطروق هَل يُؤذن لَهَا فِيهِ قَولَانِ نقلهما صَاحب التَّقْرِيب أَحدهمَا لَا فَإِن كل وَاحِد من الْجمع مدعُو بِالْأَذَانِ الأول مُجيب وَالثَّانِي نعم لِأَن الدعْوَة الأولى تمت بالإجابة الأولى
ثمَّ إِذا قُلْنَا هَاهُنَا وَفِي الْمُنْفَرد إِنَّه لَا يُؤذن فَفِي الْإِقَامَة خلاف

(2/48)


الْفَصْل الثَّانِي فِي صفة الْأَذَان

ويشرع فِيهِ أُمُور خَمْسَة

الأول الْأَذَان مثنى مَعَ الترتيل وَالْإِقَامَة فُرَادَى مَعَ الإدراج بأخبار صحت فِيهِ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة الْإِقَامَة كالأذان إِلَّا فِي الترتيل

(2/49)


وَبَالغ مَالك فِي الْإِفْرَاد وَاكْتفى بقوله الله أكبر مرّة وَاحِدَة
الثَّانِي الترجيع مَأْمُور بِهِ لقَوْل أبي مَحْذُورَة عَلمنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأَذَان تسع عشرَة كلمة
وكيفيته أَن يذكر كلمتي الشَّهَادَة مَعَ خفض الصَّوْت مرَّتَيْنِ ثمَّ يعود إِلَيْهِ وَيرْفَع الصَّوْت وَالأَصَح أَنه لَيْسَ ركنا إِذْ لَا إبلاغ فِيهِ
الثَّالِث التثويب فِي أَذَان الصُّبْح مَشْرُوع على الْقَدِيم وَقَالَ فِي الْجَدِيد أكره ذَلِك لِأَن أَبَا مَحْذُورَة لم يحكه

(2/50)


وَالْفَتْوَى على الْقَدِيم لِأَنَّهُ صَحَّ عَن أبي مَحْذُورَة وَإِن لم يبلغ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ
تمّ الْمَشْهُور أَنه لَيْسَ ركنا وَجها وَاحِدًا وَفِيه احْتِمَال
الرَّابِع الْقيام واستقبال الْقبْلَة فِي جَمِيع الْأَذَان مَشْرُوع وَهل يعْتد بِالْأَذَانِ دونهمَا فعلى وَجْهَيْن

(2/51)


ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى حُصُول مَقْصُود الإبلاغ دونهمَا وَفِي الثَّانِي إِلَى اسْتِمْرَار الْخلق عَلَيْهِ كَمَا فِي الْقيام فِي الْخطْبَتَيْنِ وَالْقعُود بَينهمَا
وعَلى الْوَجْهَيْنِ يسْتَحبّ أَن يَقُول حَيّ على الصَّلَاة مرَّتَيْنِ ملتفتا إِلَى الْيَمين بِحَيْثُ لَا يحول صَدره على الْقبْلَة وَفِي حَيّ على الْفَلاح إِلَى الْيَسَار
وَاخْتَارَ الْقفال أَنه يقسم الحيعلتين على الْجِهَتَيْنِ
أما رفع الصَّوْت فركن إِذْ لَا يحصل الإبلاغ دونه ثمَّ لَا تتأدى سنة هَذَا الشعار إِلَّا بِأَن يعم صَوت المؤذنين جَمِيع أَطْرَاف الْبَلَد
الْخَامِس يشْتَرط التَّرْتِيب والموالاة فِي كَلِمَات الْأَذَان فَإِن عكسها لم يعْتد بِهِ وَإِن طول السُّكُوت فِي أَثْنَائِهَا فَقَوْلَانِ
وَوجه الْبطلَان أَنه يكَاد يفوت مَقْصُود الإبلاغ بِهِ فَإِن قُلْنَا لَا يبطل فَلَو تكلم فِي مثل تِلْكَ الْمدَّة فَقَوْلَانِ وَلَو بنى عَلَيْهِ غَيره فَقَوْلَانِ مرتبان لزِيَادَة اللّبْس

(2/52)


وَلَو ارْتَدَّ وَطَالَ الزَّمَان فَقَوْلَانِ مرتبان على السُّكُوت وَلَو قصر الزَّمَان فَقَوْلَانِ
وَوجه الْبطلَان أَن الرِّدَّة تحبط مَا مضى من الْعِبَادَة
وَلَو تكلم فِي أثْنَاء الْأَذَان بِكَلَام يسير لم يضر إِلَّا إِذا رفع صَوته على حد الْأَذَان فَفِيهِ تردد لِأَنَّهُ يجر لبسا

(2/53)


الْفَصْل الثَّالِث فِي صِفَات الْمُؤَذّن

والمشروط ثَلَاث صِفَات

أَن يكون مُسلما عَاقِلا ذكرا
فَلَا يعْتد بِأَذَان الْكَافِر وَيتَصَوَّر ذَلِك مِنْهُ إِذا كَانَ عيسويا يعْتَقد أَن مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَسُول الله إِلَى الْعَرَب

(2/54)


وَلَا يعْتد بِأَذَان الْمَجْنُون والسكران المخبط وَيصِح أَذَان الصَّبِي الْمُمَيز
وَلَا يعْتد بِأَذَان الْمَرْأَة أَعنِي أَذَان الإبلاغ للرِّجَال إِذْ رفع الصَّوْت محرم عَلَيْهَا
وَالصِّفَات المسنونة ثَلَاث

الأولى الطَّهَارَة فيعتد بِأَذَان الْجنب والمحدث مَعَ كَرَاهِيَة وكراهية الْجنب أَشد والكراهية فِي الْإِقَامَة أَشد
الثَّانِيَة أَن يكون صيتًا حسن الصَّوْت ليَكُون أرق لسامعيه
الثَّالِثَة أَن يكون عدلا ثِقَة لإشرافه على بيُوت النَّاس ولتقلده عُهْدَة مَوَاقِيت الْعِبَادَات

(2/55)


مسَائِل ثَلَاثَة بهَا ختام الْبَاب

الأولى أَن الْإِمَامَة أفضل من التأذين على الْأَصَح لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واظب على الْإِمَامَة وَلم يُؤذن
وَقيل سَبَب ذَلِك أَنه لَو قَالَ حَيّ على الصَّلَاة للَزِمَ الْحُضُور وَقيل سَببه أَنه لَو قَالَ أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله لخرج عَن جزل الْكَلَام

(2/56)


وَلَو قَالَ أشهد أَنِّي رَسُول الله لتغير نظم الْأَذَان
الثَّانِيَة يسْتَحبّ أَن يكون فِي الْمَسْجِد المطروق مؤذنان أَحدهمَا للصبح قبل الْفجْر وَالْآخر بعده كعادة بِلَال وَابْن أم مَكْتُوم
وَإِذا كثر المؤذنون فَلَا يسْتَحبّ أَن يتراسلوا بل إِن وسع الْوَقْت ترتبوا وَإِن ضَاقَ أذنوا آحادا فِي أقطار الْمَسْجِد ثمَّ إِنَّمَا يُقيم من أذن أَولا فَإِن تساووا أَقرع بَينهم
وَوقت الْإِقَامَة مَنُوط بِنَظَر الإِمَام وَوقت الْأَذَان مَنُوط بِنَظَر الْمُؤَذّن
وَلَو سبق الْمُؤَذّن الرَّاتِب أَجْنَبِي بِالْأَذَانِ لم يسْتَحق ولَايَة الْإِقَامَة على الْأَصَح
الثَّالِثَة للْإِمَام أَن يسْتَأْجر على الْأَذَان من بَيت المَال إِذا لم يجد مُتَطَوعا وَهل لآحاد النَّاس ذَلِك فِيهِ خلاف
وَوجه الْمَنْع أَن الْفَائِدَة لَا تخْتَص بِهِ فَلَيْسَ لَهُ بذل المَال عوضا عَمَّا لَا يحصل لَهُ

(2/57)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي اسْتِقْبَال الْقبْلَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَقد كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْتَقْبل الصَّخْرَة من بَيت الْمُقَدّس مُدَّة مقَامه بِمَكَّة وَهِي قبْلَة الْأَنْبِيَاء وَكَانَ يقف بَين الرُّكْنَيْنِ اليمانيين إِذْ كَانَ لَا يُؤثر استدبار الْكَعْبَة فَلَمَّا هَاجر إِلَى الْمَدِينَة لم يُمكن استقبالها إِلَّا باستدبار الْكَعْبَة وعيرته الْيَهُود وَقَالُوا إِنَّه على ديننَا وَيُصلي إِلَى قبلتنا فَسَأَلَ الله تَعَالَى أَن يحوله إِلَى الْكَعْبَة فَنزل قَوْله تَعَالَى {قد نرى تقلب وَجهك فِي السَّمَاء} الْآيَة

(2/58)


ثمَّ للاستقبال ثَلَاثَة أَرْكَان الصَّلَاة الَّتِى فِيهَا الِاسْتِقْبَال والقبلة وَالْمُصَلي

(2/59)


الرُّكْن الأول الصَّلَاة

وَيتَعَيَّن الِاسْتِقْبَال فِي فرائضها من أَولهَا إِلَى آخرهَا إِلَّا فِي شدَّة الْخَوْف حَال الْقِتَال

(2/60)


وَلَا يجوز أَدَاء الْفَرَائِض على الرَّاحِلَة وَأما الْمَنْذُور فَجَائِز إِن قُلْنَا يسْلك بِهِ مَسْلَك جَائِز الشَّرْع لَا مَسْلَك واجبه وَالأَصَح أَن صَلَاة الْجِنَازَة لَا تُقَام على الرَّاحِلَة لِأَن الرُّكْن الْأَظْهر فِيهَا الْقيام
ثمَّ لَيْسَ منع الْفَرْض على الرَّاحِلَة للانحراف عَن الْقبْلَة فَقَط بل لَو صلى على بعير مَعْقُول أَو فِي أرجوحة معلقَة بالحبال لم تجز لِأَنَّهَا غير معدة للقرار بِخِلَاف

(2/61)


السَّفِينَة الْجَارِيَة والزورق المشدود على السَّاحِل لِأَنَّهَا كالسرير وَالْمَاء كالأرض
والسفينة الْجَارِيَة تمس حَاجَة الْمُسَافِر إِلَيْهَا إِذْ الْخُرُوج إِلَى السَّاحِل مُتَعَذر للصَّلَاة وَفِي صَلَاة الْمُقِيم بِبَغْدَاد فِي الزواريق الْجَارِيَة مَعَ تَمام الِاسْتِقْبَال وَالْأَفْعَال تردد وَاحْتِمَال
أما النَّوَافِل فَيجوز إِقَامَتهَا فِي السّفر الطَّوِيل رَاكِبًا وماشيا رخصَة وترغيبا فِي تَكْثِير النَّوَافِل روى ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ يُصَلِّي على رَاحِلَته أَنِّي تَوَجَّهت بِهِ دَابَّته

(2/62)


وَرُوِيَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أوتر على الْبَعِير فاستدل بِهِ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على أَنه غير وَاجِب فِي السّفر الْقصير قَولَانِ

(2/63)


أَحدهمَا جَوَاز التنقل على الرَّاحِلَة لمسيس الْحَاجة
وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ تغير ظَاهر لهيئة الصَّلَاة فتختص بالطويل لَا الْقصير وَذهب الْإِصْطَخْرِي إِلَى جَوَاز ذَلِك للمقيم وَهُوَ خلاف نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ
ثمَّ نظر فِي اسْتِقْبَال الْقبْلَة للمتنفل وَكَيْفِيَّة أَحْوَاله
أما الِاسْتِقْبَال فَفِي ابْتِدَاء الصَّلَاة أَرْبَعَة أوجه
أَحدهَا أَنه يجب الِاسْتِقْبَال عِنْد التَّحْرِيم لِأَنَّهُ لَا عسر فِيهِ بِخِلَاف الدَّوَام فَأشبه النِّيَّة
وَالثَّانِي أَنه لَا يجب لِأَن هَذِه الْحَاجة تعم جَمِيع الصَّلَاة
الثَّالِث أَن الْعَنَان والزمام إِذا كَانَ بِيَدِهِ وَجب لتيسره وَإِن كَانَت الدَّابَّة مقطرة فَلَا
الرَّابِع أَن وَجه الدَّابَّة إِن كَانَت إِلَى الْقبْلَة فَلَا يجوز تحريفها وَإِن كَانَ إِلَى الطَّرِيق فَلَا يلْزمه تحريفها إِلَى الْقبْلَة وَإِن كَانَ إِلَى غَيرهمَا فَلَا بُد من التحريف فليحرفها إِلَى الْقبْلَة ثمَّ ليستبد فِي الطَّرِيق

(2/64)


ثمَّ من أوجب فِي الِابْتِدَاء تردد فِي وَقت السَّلَام كَمَا فِي النِّيَّة
أما دوَام الصَّلَاة فَلَا يجب الِاسْتِقْبَال فِيهَا لَكِن صوب الطَّرِيق بدل عَن الْقبْلَة فَلَو كَانَ رَاكب تعاسيف فَلَا يتَنَفَّل أصلا لِأَن الثُّبُوت فِي جِهَة لَا بُد مِنْهُ

(2/65)


فَلَو كَانَ لمقصده صوب وَلَكِن لم يسْلك طَرِيقا مَعْلُوما فَقَوْلَانِ
فرع لَو انحرفت الدَّابَّة فِي أثْنَاء الصَّلَاة عَن صوب الطَّرِيق نظر فَإِن كَانَ بتحريفه عمدا وَلَو فِي لَحْظَة بطلت صلَاته وَإِن كَانَ نَاسِيا للصَّلَاة وتدارك مَعَ قصر الزَّمَان لم تبطل وَإِن طَال فَفِيهِ خلاف وَمثله جَار فِي الاستدبار نَاسِيا ثمَّ إِذا لم تبطل يسْجد للسَّهْو
وَإِن كَانَ بجماح الدَّابَّة بَطل إِن طَال الزَّمَان كَمَا إِذا أمال الْمُسْتَقْبل إِنْسَان

(2/66)


وَإِن قصر الزَّمَان فَوَجْهَانِ فِي الإمالة وَالظَّاهِر أَنه فِي الجماح أَنه لَا يبطل لِأَن جماح الدَّابَّة عَام ثمَّ هَاهُنَا لَا يسْجد للسَّهْو إِذْ لَا تَقْصِير مِنْهُ
أما كَيْفيَّة الْأَفْعَال فَإِن كَانَ فِي مرقد فليتم الرُّكُوع وَالسُّجُود وَإِن كَانَ

(2/67)


على سرج أَو رَحل فينحني لَهما وَيجْعَل السُّجُود أَخفض من الرُّكُوع وَلَا يلْزمه أَن ينحني بِحَيْثُ يُسَاوِي الساجد على الأَرْض وَلَا أَن تمس جَبهته شَيْئا لِأَن نزقات الدَّابَّة لَا تؤمن
أما الْمَاشِي فيتنفل عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة وَحكم استقباله حكم رَاكب بِيَدِهِ زِمَام دَابَّته وَنقل عَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن الْمَاشِي يرْكَع وَيسْجد وَيقْعد ويستقر لابثا فِي هَذِه الْأَركان وَلَا يمشي إِلَّا فِي حَالَة الْقيام قَارِئًا

(2/68)


وَخرج ابْن سُرَيج قولا أَنه لَا يلبث ويقتصر على الْإِيمَاء بِالسُّجُود وَالرُّكُوع كَيْلا يتعطل مَقْصُود السّفر
فرعان

الأول لَو مسي فِي نَجَاسَة قصدا فَسدتْ صلَاته بِخِلَاف مَا لَو وطئ فرسه نَجَاسَة وَلَا يُكَلف الْمَاشِي أَن يُبَالغ فِي التحفظ عَن النَّجَاسَات الْيَابِسَة فَإِن ذَلِك مِمَّا يكثر فِي الطّرق
الثَّانِي لَو عزم على الْإِقَامَة وَهُوَ فِي أثْنَاء الصَّلَاة فَلَيْسَ لَهُ أَن يتمم رَاكِبًا

(2/69)


بل عَلَيْهِ أَن ينزل ويتمم وَإِن لم يعزم على الْإِقَامَة وَهُوَ مُتَرَدّد لِحَاجَتِهِ فِي الْبَلَد أَو وَاقِف على رجله فَلهُ أَن يتمم

(2/70)


الرُّكْن الثَّانِي الْقبْلَة

وفيهَا مسَائِل تتشعب من موقف الْمُسْتَقْبل

الْموقف الأول جَوف الْكَعْبَة فالواقف فِيهَا لَهُ أَن يسْتَقْبل أَي جِدَار شَاءَ وَلَهُم عقد الْجَمَاعَة متدابرين مُسْتَقْبلين للجدران وَلَو اسْتقْبل الْبَاب وَهُوَ مَرْدُود صَحَّ لِأَنَّهُ من أَجزَاء الْبَيْت وَإِن كَانَ مَفْتُوحًا والعتبة مُرْتَفعَة قدر مؤخرة الرحل جَازَ وَإِن كَانَت أقل فَلَا وَلَو انْهَدَمت الْكَعْبَة وَالْعِيَاذ بِاللَّه فَوقف فِي وسط الْعَرَصَة لم تصح صلَاته إِلَّا أَن يكون بَين يَدَيْهِ شَجَرَة أَو بَقِيَّة من حيطان الْبَيْت

(2/71)


وَخرج ابْن سُرَيج قولا إِنَّه يَصح صلَاته لِأَن بَين يَدَيْهِ أَرض الْكَعْبَة وَهُوَ مستعل عَلَيْهَا
الْموقف الثَّانِي سطح الْكَعْبَة وَلَا تصح الصَّلَاة عَلَيْهَا إِن لم يكن بَين يَدَيْهِ شئ شاخص من نفس الْكَعْبَة كسترة أَو خَشَبَة لِأَنَّهُ لَا يُسمى مُسْتَقْبلا بِخِلَاف مَا لَو وقف على أبي قبيس والكعبة تَحْتَهُ فَإِنَّهُ يُسمى مُسْتَقْبلا لِخُرُوجِهِ مِنْهَا وَلَو وضع بَين يَدَيْهِ شَيْئا لَا يَكْفِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ جُزْءا وَلَو غرز بَين يَدَيْهِ خَشَبَة فَوَجْهَانِ لِأَن الْمُثبت بالغرز قد يعد من أَجزَاء الْبناء

(2/72)


الثَّالِث الْوَاقِف فِي الْمَسْجِد يلْزمه محاذاة الْكَعْبَة فَلَو وقف على طرف وَنصف بدنه فِي محاذاة ركن فَفِي صِحَة صلَاته وَجْهَان وَلَو امْتَدَّ صف مستطيل قريب من الْبَيْت فالخارجون عَن سمت الْبَيْت ومحاذاته لَا صَلَاة لَهُم وَهَؤُلَاء بعينهم قد يفْرض تراخيهم إِلَى آخر بَاب الْمَسْجِد فَتَصِح صلواتهم لحُصُول صُورَة الِاسْتِقْبَال من حَيْثُ الِاسْم
الرَّابِع الْوَاقِف بِمَكَّة خَارج الْمَسْجِد يَنْبَغِي أَن يُسَوِّي محرابه بِنَاء على عيان الْكَعْبَة فَإِن دخل بَيْتا وَلم يقدر على مُعَاينَة الْكَعْبَة لتسوية الْقبْلَة فَلهُ أَن يسْتَدلّ على الْكَعْبَة بِمَا يدل عَلَيْهِ
الْخَامِس الْوَاقِف بِالْمَدِينَةِ ينزل محراب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَقه منزلَة الْكَعْبَة إِذْ لَا يُمكن الْخَطَأ فِيهِ وَلَا يجوز الِاجْتِهَاد فِيهِ بالتيامن والتياسر

(2/73)


أما فِي سَائِر الْبِلَاد فَيجوز الِاعْتِمَاد على الْمِحْرَاب الْمُتَّفق عَلَيْهِ وَالظَّاهِر جَوَاز الِاجْتِهَاد فِي التَّيَامُن والتياسر وَقيل إِن ذَلِك مَمْنُوع

(2/74)


الرُّكْن الثَّالِث فِي الْمُسْتَقْبل

فَإِن كَانَ قَادِرًا على معرفَة جِهَة الْقبْلَة يَقِينا لم يجز لَهُ الِاجْتِهَاد فَإِن عجز عَن الْيَقِين اجْتهد فَإِن عجز عَن الِاجْتِهَاد بالعمى فليقلد شخصا مُكَلّفا مُسلما عَارِفًا بدلائل الْقبْلَة
أما الْمُجْتَهد فَلَيْسَ لَهُ أَن يُقَلّد غَيره فَإِن ضَاقَ عَلَيْهِ الْوَقْت وَهُوَ مار فِي نظره فَهُوَ كمن يتناوب مَعَ جمع على بِئْر وَعلم أَن النّوبَة لَا تَنْتَهِي إِلَيْهِ إِلَّا بعد الْوَقْت وَقد ذكرنَا حكمه
وَإِن ارتج عَلَيْهِ طَرِيق الصَّوَاب وتحير فَفِي تَقْلِيده

(2/75)


خلاف وَاخْتِيَار الْمُزنِيّ جَوَازه لِأَنَّهُ الْآن كالأعمى وَمِنْهُم من منع لِأَنَّهُ نَاظر والتقليد لَا يَلِيق بِهِ
فَإِن قُلْنَا لَا يُقَلّد فيصلى على حسب حَاله ثمَّ يقْضِي كالأعمى إِذْ لم يجد من يرشده وَالأَصَح أَنه يُقَلّد وَلَكِن يقْضى لِأَن هَذَا عذر نَادِر
أما الْبَصِير الْجَاهِل بالأدلة فيبتنى أمره على أَن تعلم أَدِلَّة الْقبْلَة هَل يتَعَيَّن وَفِيه خلاف فَإِن قُلْنَا يتَعَيَّن فالتقليد لَا يسْقط الْقَضَاء عَنهُ لِأَنَّهُ مقصر
وَإِن قُلْنَا إِنَّه لَا يتَعَيَّن فَهُوَ كالأعمى

(2/76)


هَذَا بَيَان مَحل التَّقْلِيد وَالِاجْتِهَاد فَأَما حكم الِاجْتِهَاد فَإِنَّهُ إِذا بنى عَلَيْهِ لم يلْزمه قَضَاء الصَّلَاة إِلَّا إِذا تعين لَهُ الْخَطَأ وَبَان جِهَة الصَّوَاب فَفِي الْقَضَاء قَولَانِ
أَحدهمَا لَا يجب لِأَنَّهُ أدّى مَا كلف وَهَذَا مَذْهَب أبي حنيفَة والمزني
وَالثَّانِي أَنه يجب لِأَنَّهُ فَاتَ الْمَقْصُود
وَالْقَوْلَان جاريان فِي الِاجْتِهَاد فِي الْأَوَانِي وَالثيَاب وَكَذَا فِي وَقت الصَّوْم وَالصَّلَاة إِن بَان لَهُ أَنه أداهما قبل الْوَقْت فَأَما إِذا وَقع بعد الْوَقْت فَلَا قَضَاء
هَذَا فِيمَن عجز عَن دَرك الْيَقِين فِي الْوَقْت فَأَما من اجْتهد فِي أول الْوَقْت وَهُوَ مُتَمَكن من الصَّبْر فَالْأَوْجه أَن يُقَال اجْتِهَاده صَحِيح بِشَرْط الْإِصَابَة وسلامة الْعَاقِبَة أما إِذا بَان الْخَطَأ يَقِينا وَلم تظهر لَهُ جِهَة الصَّوَاب إِلَّا بِالِاجْتِهَادِ فَفِي

(2/77)


الْقَضَاء قَولَانِ مرتبان وَأولى بِأَن لَا يجب لِأَن الْخَطَأ أَيْضا مُمكن فِي الْقَضَاء فَأشبه خطأ الحجيج يَوْم عَرَفَة
أما إِذا تغير حَاله فِي الصَّلَاة بِأَن تَيَقّن أَنه مستدبر للكعبة فَإِن أَوجَبْنَا الْقَضَاء بطلت صلَاته وَلَزِمَه الِاسْتِئْنَاف وَإِن قُلْنَا لَا قَضَاء فَقَوْلَانِ

(2/78)


أَحدهمَا أَنه يتَحَوَّل إِلَى الْجِهَة الْأُخْرَى وَالثَّانِي أَنه يسْتَأْنف لِأَن الْجمع فِي صَلَاة واحده بَين جِهَتَيْنِ مستنكر
وَلَو تبين بِالِاجْتِهَادِ أَنه مستدبر فَحكمه حكم التيقن أما إِذا ظهر الْخَطَأ يَقِينا أَو ظنا وَلَكِن لم تظهر جِهَة الصَّوَاب فَإِن طَال زمَان التحير بَطل وَإِن قصر فَقَوْلَانِ ثمَّ حد الطول أَن يمْضِي ركن أَو وَقت مُضِيّ ركن وَالْقصر دون ذَلِك فَإِن عجز عَن الدَّرك بِالِاجْتِهَادِ على الْقرب بطلت صلَاته وَإِن قدر على ذَلِك فَفِي الْبطلَان قَولَانِ مرتبان وَأولى بِالْبُطْلَانِ لأجل التحير ثمَّ مُدَّة الْقرب تعْتَبر بِمَا إِذا صرف وَجه

(2/79)


الْمُصَلِّي عَن الْقبْلَة قهرا
هَذَا كُله فِي الْخَطَأ فِي الْجِهَة فَإِن بَان لَهُ الْخَطَأ فِي التَّيَامُن والتياسر فَهَذَا هَل

(2/80)


يُؤثر فِيهِ خلاف مَبْنِيّ على أَن الْمَطْلُوب جِهَة الْكَعْبَة أَو عينهَا هَكَذَا قَالَه الْأَصْحَاب
وَفِيه نظر لِأَن الْجِهَة لَا تَكْفِي بِدَلِيل الْقَرِيب من الْكَعْبَة إِذْ خرج عَن محاذاة

(2/81)


الرُّكْن فَإِنَّهُ لَا تصح صلَاته مَعَ اسْتِقْبَال الْجِهَة ومحاذاة الْعين أَيْضا لَيْسَ بِشَرْط

(2/82)


فَإِن الصَّفّ الطَّوِيل فِي آخر الْمَسْجِد لَو تزاحفوا إِلَى الْكَعْبَة خرج بَعضهم عَن محاذاة الْعين وَتَصِح صلَاتهم فَكيف الصَّفّ الطَّوِيل فِي أقْصَى الْمشرق
فَلَعَلَّ مُرَاد الْأَصْحَاب أَن بَين موقف المحاذي الذى يَقُول الحاذق فِيهِ إِنَّه على غَايَة السداد وَبَين موقفه الذى يُقَال فِيهِ إِنَّه خرج عَن اسْم الِاسْتِقْبَال بِالْكُلِّيَّةِ مَوَاقِف يُقَال فِيهَا إِن بَعْضهَا أَسد من بعض وَإِن كَانَ الْكل سديدا فَطلب الْأسد هَل يجب فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لإمكانه وَالثَّانِي لَا لِأَن حَقِيقَة الْمُحَاذَاة فِي الْمَسْجِد مُمكن ثمَّ لم تجب اكْتِفَاء بِالِاسْمِ فَكَذَا هَاهُنَا
فروع أَرْبَعَة

الأول لَو صلى أَربع صلوَات إِلَى أَربع جِهَات بِأَرْبَع اجتهادات فالنص أَنه لَا قَضَاء قولا وَاحِدًا لِأَن الْخَطَأ لم يتَعَيَّن وَخرج صَاحب التَّقْرِيب أَنه يقْضِي الْكل كَمَا لَو نسي ثلث صلوَات من أَربع صلوَات
الثَّانِي إِذا صلى الظّهْر بِاجْتِهَاد فَهَل يلْزمه اسْتِئْنَاف الِاجْتِهَاد للعصر فعلى وَجْهَيْن ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى تعدد الصَّلَاة وَإِمْكَان تغير الِاجْتِهَاد وَفِي الثَّانِي إِلَى اتِّحَاد الْقبْلَة واتحاد الْمَكَان
الثَّالِث إِذا أدّى اجْتِهَاد رجلَيْنِ إِلَى جِهَتَيْنِ فَلَا يَقْتَدِي أَحدهمَا بِالْآخرِ

(2/83)


الرَّابِع إِذا تحرم الْمُقَلّد بِالصَّلَاةِ فَقَالَ لَهُ من هُوَ دون مقلده أَو مثله أَخطَأ بك فلَان لم يلْزمه قبُوله وَإِن كَانَ أعلم مِنْهُ فَهُوَ كتغير اجْتِهَاد الْبَصِير فِي أثْنَاء الصَّلَاة
وَلَو قطع بخطئه وَقَالَ الْقبْلَة وَرَاءَك وَهُوَ عدل فَيلْزمهُ الْقبُول لِأَن قطعه أرجح من ظن غَيره وَلَو قَالَ بَصِير للأعمى المتلبس بِالصَّلَاةِ أَنْت مُسْتَقْبل الشَّمْس وَعلم الْأَعْمَى أَن الْقبْلَة لَيست فِي جِهَة الشَّمْس فَعَلَيهِ قبُوله لِأَن هَذَا إِخْبَار عَن محسوس لَا اجْتِهَاد

(2/84)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الرَّابِع فِي كَيْفيَّة الصَّلَاة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وأفعال الصَّلَاة تَنْقَسِم إِلَى أَرْكَان وأبعاض وَسنَن وهيئات

(2/85)


أما الْأَركان فأحد عشر

التَّكْبِير وَالْقِرَاءَة وَالرُّكُوع والاعتدال مِنْهُ مَعَ الطُّمَأْنِينَة فيهمَا وَالسُّجُود والقعدة بَين السَّجْدَتَيْنِ مَعَ الطُّمَأْنِينَة وَالتَّشَهُّد الْأَخير وَالْقعُود فِيهِ والصلاه على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالسَّلَام
وَأما النِّيَّة فبالشروط أشبه كاستقبال الْقبْلَة وَالطَّهَارَة وَلَو كَانَت النِّيَّة ركنا لافتقرت إِلَى نِيَّة

(2/86)


وَأما الأبعاض
فِيمَا ينجبر تَركه بسجود السَّهْو وَهُوَ أَرْبَعَة الْقُنُوت وَالتَّشَهُّد الأول وَالْقعُود فِيهِ وَالصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أحد الْقَوْلَيْنِ وَأما الهيئات
فَمَا لَا يجْبر تَركهَا بِالسُّجُود كتكبير الِانْتِقَالَات والتسبيحات فلنورد هَذِه الْأَركان بسننها على ترتيبها
القَوْل فِي النِّيَّة وَالنَّظَر فِي ثَلَاثَة أُمُور
الأول فِي أصل النِّيَّة
وَالصَّلَاة بالِاتِّفَاقِ مفتقرة إِلَى النِّيَّة فِي ابتدائها وَلَا يضر غُرُوبهَا فِي أثْنَاء الصَّلَاة نعم لَو طَرَأَ مَا يُنَاقض جزم النِّيَّة بَطل وَذَلِكَ من ثَلَاثَة أوجه
الأول لَو أَن يجْزم نِيَّة الْخُرُوج فِي الْحَال أَو فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة أَو يتَرَدَّد فِي

(2/87)


الْخُرُوج بطلت صلَاته وَلَو تردد فِي الْخُرُوج عَن الصَّوْم لم يبطل وَلَو جزم نِيَّة الْخُرُوج فَوَجْهَانِ
وَالْفرق أَن الصَّوْم لَيْسَ لَهُ عقد وَتحرم وتحلل وَلذَلِك يَنْتَهِي بِمُجَرَّد غرُوب الشَّمْس فَلَا يُؤثر فِيهِ مُجَرّد الْقَصْد
الثَّانِي أَن يعلق نِيَّة الْخُرُوج بِدُخُول شخص فَفِي بُطْلَانه فِي الْحَال وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه يبطل لِأَنَّهُ نَاقض حزم النِّيَّة وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ رُبمَا لَا يدْخل ذَلِك الشَّخْص وَهُوَ فِي الْحَال مُسْتَمر
وَالثَّالِث أَن يشك فِي نِيَّة الصَّلَاة فَإِن مضى مَعَ الشَّك ركن لَا يُزَاد مثله فِي الصَّلَاة كركوع أَو سُجُود بطلت صلَاته لِأَنَّهُ ذَلِك لَا يعْتد بِهِ وَلَا سَبِيل إِلَى إِعَادَته وَفِيه احْتِرَاز قِرَاءَة الْفَاتِحَة وَمد الطُّمَأْنِينَة فِي الرُّكُوع وَإِن لم يمض ركن وَقصر الزَّمَان لم تبطل وَإِن طَال فَوَجْهَانِ كالوجهين فِي الْكَلَام الْكثير مَعَ النسْيَان
النّظر الثَّانِي فِي كَيْفيَّة النِّيَّة

أما الْفَرْض فِي الْعبارَة عَن نِيَّته أَن يَقُول أؤدي الظّهْر فرض الْوَقْت لله تَعَالَى

(2/88)


فيتعرض بقوله {أَوديَة} لأصل الْفِعْل وللأداء وَهَذَا بِشَرْط أَن يخْطر بِقَلْبِه كَونه فِي الْوَقْت إِذْ الْأَدَاء قد يعبر بِهِ عَن الْقَضَاء
ويتعرض بالفرضية لنفي النَّفْل وتمييز الظّهْر عَن الْعَصْر وَغَيره بِذكر الظّهْر
وكل ذَلِك وَاجِب إِلَّا الْفَرْضِيَّة وَالْإِضَافَة إِلَى الله تَعَالَى ففيهما وَجْهَان وَوجه كَونه سنة أَن صَلَاة الظّهْر لَا تقع إِلَّا فرضا لله تَعَالَى
ثمَّ هَذِه النِّيَّة محلهَا الْقلب وَلَيْسَ فِيهَا نطق ونظم حُرُوف لَا بِالْقَلْبِ وَلَا بِاللِّسَانِ نعم يسْتَحبّ مساعدة اللِّسَان الْقلب فِيهَا وَقد قَالَ الشَّافِعِي ينْعَقد إِحْرَام الْحَج بِمُجَرَّد النِّيَّة من غير لفظ بِخِلَاف الصَّلَاة فغلط من ظن أَنه شَرط اللَّفْظ فِي الصَّلَاة فَإِنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْفرق بَين التَّكْبِير والتلبية
أما النَّوَافِل فرواتبها يجب فِيهَا التَّعْيِين بِالْإِضَافَة وَغير الرَّوَاتِب تَكْفِي فِيهَا نِيَّة

(2/89)


الصَّلَاة مُطلقَة وَلَو نرى الْفَرْض قَاعِدا وَهُوَ قَادر على الْقيام لم ينْعَقد فَرْضه وَهل ينْعَقد نفلا فِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا لَا لِأَن مَا نَوَاه لم ينْعَقد فَكيف يحصل غَيره
وَالثَّانِي نعم لِأَن التَّعَذُّر فِي وصف الْفَرْضِيَّة فَيبقى أصل الصَّلَاة وَيشْهد لذَلِك نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على جَوَاز قلب الْفَرْض نفلا
وَهَذَا الْخلاف جَار فِيمَن تحرم بِالظّهْرِ قبل الزَّوَال والمسبوق إِذا وَقع تحرمه فِي الرُّكُوع أَو قلب الْمُصَلِّي ظَهره عصرا أَو وجد الْعَاجِز خفَّة فِي الصَّلَاة فَلم يقم فَإِن الْفَرْض يفوت فِي هَذِه الصُّورَة فِي بَقَاء النَّفْل قَولَانِ

(2/90)


النّظر الثَّالِث فِي وَقت النِّيَّة

وَهُوَ وَقت التَّكْبِير قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يَنْوِي مَعَ التَّكْبِير لَا قبله وَلَا بعده وَذكر فِيهِ ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا أَن يبسط النِّيَّة على التَّكْبِير بِحَيْثُ ينطبق أَوله على أَوله وَآخره على آخِره

(2/91)


وَالثَّانِي أَن تقرن بِهَمْزَة التَّكْبِير ثمَّ هَل يشْتَرط استدامتها إِلَى آخر التَّكْبِير فِيهِ فَوَجْهَانِ

(2/92)


وَالثَّالِث أَنه يتَخَيَّر بَين التَّقْدِيم والبسط لِأَن الْأَوَّلين تساهلوا فِيهِ
وَالتَّحْقِيق فِيهِ أَن النِّيَّة قصد وَلَكِن شَرطه الْإِحَاطَة بِصِفَات الْمَقْصُود وَهُوَ كَون الصَّلَاة ظهرا وَأَدَاء وَغير ذَلِك وَرُبمَا يعسر إِحْضَار عُلُوم مُتعَدِّدَة فِي وَقت وَاحِد فالمقصود أَن يتَمَثَّل لَهُ إِحْضَار هَذِه المعلومات عِنْد أول التَّكْبِير ويقرن الْقَصْد بِهِ ويستديم الْعلم إِلَى آخر التَّكْبِير وَكَذَا الْقَصْد أَي لَا يغْفل وَلَا يعرض عَن قَصده فَإِن لم يتم كُله إِلَّا عِنْد آخر التَّكْبِير فَفِي جَوَازه تردد وَوجه الِاكْتِفَاء أَن آخر التَّكْبِير وَقت الِانْعِقَاد وَمن شَرط الاقتران بِالْأولِ نظر إِلَى أول سَبَب الِانْعِقَاد وَمن خير رفع هَذِه المضايقة وَهُوَ الأولى بِدَلِيل تساهل الْأَوَّلين فِيهِ
القَوْل فِي التَّكْبِير وسننه وَالنَّظَر فِي الْقَادِر وَالْعَاجِز

أما الْقَادِر فَيتَعَيَّن عَلَيْهِ أَن يَقُول الله أكبر بِعَيْنِه من غير قطع وَلَا عكس وَمعنى التَّعْيِين أَنه لَو قَالَ الله أجل أَو الرَّحْمَن أعظم لَا يقوم مقَامه وَكَذَا

(2/93)


تَرْجَمته خلافًا لأبي حنيفَة وَلَو قَالَ الله أكبر صَحَّ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْوَاجِبِ وَزَاد مَا لم يُغير الْمَعْنى وَالنّظم وَلَو قَالَ الله الْجَلِيل أكبر فَوَجْهَانِ لِأَن الزِّيَادَة مفيدة مُغيرَة للنظم وَالْعَكْس أَن يَقُول الْأَكْبَر الله فالنص أَنه لَا يجوز وَنَصّ فِي قَوْله عَلَيْكُم السَّلَام أَنه يجوز فَقيل لِأَن ذَلِك يُسمى تَسْلِيمًا وَهَذَا لَا يُسمى تَكْبِيرا وَقيل قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج مأخذهما أَن التَّرْتِيب هَل هُوَ شَرط بَين الْكَلِمَتَيْنِ
أما الْعَاجِز فَيَأْتِي بترجمته وَلَا يُجزئهُ ذكر آخر لَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ بِخِلَاف الْعَاجِز عَن الْفَاتِحَة فَإِنَّهُ يعدل إِلَى ذكر آخر لَا إِلَى ترجمتها لِأَن مقصودها

(2/94)


النّظم المعجز وَقد فَاتَ وَهَذَا الْمَعْنى مَقْصُود ظَاهر
فرع البدوي يلْزمه أَن يقْصد بَلْدَة لتعلم كلمة التَّكْبِير وَلَا يلْزمه ذَلِك عِنْد فقد المَاء لأجل الْوضُوء لِأَن التَّعَلُّم يبْقى وَالْوُضُوء يعرض الانتقاض وفيل بالتسوية لِأَن التَّسْوِيَة فِي حَقه كالتيمم
أما سنة التَّكْبِير فَرفع الْيَدَيْنِ مَعَه وَهُوَ مُتَّفق عَلَيْهِ حَالَة التَّحَرُّم وهيئتها أَن يتْرك الْأَصَابِع منشورة وَلَا يتَكَلَّف ضمهَا وتفريجها
وفيهَا ثَلَاث مسَائِل

الأولى فِي قدر الرّفْع فَفِي قَول يرفع إِلَى حَذْو الْمَنْكِبَيْنِ رَوَاهُ أَبُو حميد

(2/95)


السَّاعِدِيّ فِي عشْرين من جملَة الصَّحَابَة

(2/96)


وَالثَّانِي أَنه يرفع بِحَيْثُ تحاذي أَطْرَاف أَصَابِعه أُذُنَيْهِ وَكَفاهُ مَنْكِبَيْه
وَقيل إِن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لما قدم الْعرَاق اجْتمع عِنْده الْعلمَاء فَسئلَ

(2/97)


عَن أَحَادِيث الرّفْع فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنه رفع حَذْو مَنْكِبَيْه وحذو أُذُنَيْهِ وحذو شحمة أُذُنَيْهِ
فَقَالَ أرى أَن يرفع بِحَيْثُ يُحَاذِي أَطْرَاف أَصَابِعه أُذُنَيْهِ وإبهامه شحمة أُذُنَيْهِ وكفيه مَنْكِبَيْه فَاسْتحْسن ذَلِك مِنْهُ فِي الْجَمِيع بَين الرِّوَايَات
الثَّانِيَة فِي وَقت الرّفْع أوجه فَقيل يرفع غير مكبر ثمَّ يَبْتَدِئ التَّكْبِير

(2/98)


عِنْد إرْسَال الْيَد وَهِي رِوَايَة السَّاعِدِيّ
وَقيل يَبْتَدِئ الرّفْع مَعَ التَّكْبِير فَيكون انْتِهَاء التَّكْبِير مَعَ انْتِهَاء الْيَد إِلَى مقرها وَهَذِه رِوَايَة وَائِل بن حجر
وَقيل إِنَّه يكبر ويداه قارتان حَذْو مَنْكِبَيْه وَلَا يكبر فِي الرّفْع والإرسال وَهِي رِوَايَة ابْن عمر

(2/99)


ثمَّ قَالَ الْمُحَقِّقُونَ لَيْسَ هَذَا اخْتِلَافا بل صحت الرِّوَايَات كلهَا فنقبل الْكل ونجوزها على نسق وَاحِد
الثَّالِثَة إِذا أرسل يَدَيْهِ وضع إِحْدَاهمَا على الْأُخْرَى تَحت صَدره وَيَأْخُذ الْكُوع من الْيُسْرَى بيمناه ويبسط أَصَابِع الْيُمْنَى فِي عرض الْمفصل أَو فِي صوب ساعده واليمنى عَلَيْهِ مكرمَة بِالْحملِ

(2/100)


القَوْل فِي الْقيام وَهُوَ ركن

وَحده الانتصاب مَعَ الإقلال فَلَو اتكأ على شئ أَو انحنى لم يعْتد بِهِ وَلَا بَأْس بالإطراق فَإِن عجز عَن الإقلال انتصب مُتكئا فَإِن عجز عَن الانتصاب قَامَ منحنيا فَإِن لم يقدر إِلَّا على حد الراكعين قعد فَإِن عجز عَن الرُّكُوع وَالسُّجُود دون الْقيام قَامَ وأومى بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُود

(2/101)


وَقَالَ أَبُو حنيفَة سقط عَنهُ الْقيام لِأَن الْمَقْصُود مِنْهُ النُّزُول إِلَى الرُّكُوع
وَلَو عجز عَن الْقيام قعد وَلَا يتَعَيَّن فِي الْقعُود هَيْئَة للصِّحَّة وَلَكِن الإقعاء مَنْهِيّ عَنهُ وَهُوَ أَن يجلس على وركيه فينصب فَخذيهِ وركبتيه قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا تقعوا إقعاء الْكَلْب

(2/102)


ثمَّ فِي الْهَيْئَة المختارة قَولَانِ
أَحدهمَا الافتراش كالتشهد الأول وَالثَّانِي التربيع
وَاخْتَارَ القَاضِي حُسَيْن أَن ينصب ركبته الْيُمْنَى كَالَّذي يجلس بَين يَدي الْمُقْرِئ ليحصل بِهِ مُفَارقَة جلسات التَّشَهُّد
ثمَّ هَذَا الْقَاعِد إِن قدر على الِارْتفَاع إِلَى حد الرُّكُوع يلْزمه ذَلِك فِي الرُّكُوع وَإِن لم يقدر فيركع قَاعِدا وينحني مِقْدَارًا تكون النِّسْبَة بَينه وَبَين السُّجُود كالنسبة بَينهمَا فِي حَال الْقيام
وَأَقل رُكُوعه أَن ينحني بِحَيْثُ تقَابل جَبهته مَا وَرَاء ركبته من الأَرْض فَيحصل الْأَقَل بِأول الْمُقَابلَة والكمال بِتَمَامِهَا بِحَيْثُ يُحَاذِي جَبهته مَحل السُّجُود

(2/103)


وَلَو عجز عَن السُّجُود قرب الْجَبْهَة من الأَرْض إِلَى قدر الْإِمْكَان
وَيجب أَن يَجْعَل السُّجُود أَخفض من الرُّكُوع فَإِن لم يقدر إِلَّا على أكمل الرُّكُوع فَيَأْتِي بِهِ مرَّتَيْنِ
وَلَا يلْزمه الِاقْتِصَار فِي الرُّكُوع على الْأَقَل لإِظْهَار التَّفَاوُت بل ذَلِك وَاجِب فِيمَا يُجَاوز أكمل الرُّكُوع أما إِذا عجز عَن الْقعُود صلى على جنبه الْأَيْمن مُسْتَقْبلا بِجَمِيعِ مقاديم بدنه الْقبْلَة كَالَّذي يوضع فِي اللَّحْد
وَقيل إِنَّه يُصَلِّي مُسْتَلْقِيا على قَفاهُ وأخمصاه إِلَى الْقبْلَة ثمَّ يُومِئ بِالرُّكُوعِ

(2/104)


وَالسُّجُود فَإِن عجز فيومئ بالطرف فَإِن لم يبْق فِي أجفانه حراك فيمثل الْأَفْعَال فِي قلبه حَتَّى إِن خرس لِسَانه يجْرِي الْقِرَاءَة على قلبه وَذَلِكَ كُله لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِذا أَمرتكُم بشئ فَأتوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُم

(2/105)


وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا عجز عَن الْقعُود سَقَطت الصَّلَاة

(2/106)


فروع ثَلَاثَة

الأول إِذا وجد الْقَاعِد خفَّة فِي أثْنَاء الْفَاتِحَة فليبادر إِلَى الْقيام وليترك الْقِرَاءَة فِي وَقت النهوض قبل الِاعْتِدَال وَإِذا اعتدل فَلَا يلْزمه اسْتِئْنَاف الْفَاتِحَة وَلَو عجز فِي أثْنَاء الْقيام قعد وَعَلِيهِ مداومة الْقِرَاءَة فِي حَالَة الانحناء إِلَى الْقعُود لِأَنَّهُ أقرب إِلَى الْقيام وَإِن وجد خفَّة بعد الْفَاتِحَة لزمَه الْقيام ليهوي إِلَى الرُّكُوع وَلَا تلْزمهُ الطُّمَأْنِينَة بِخِلَاف مَا لَو اعتدل عَن الرُّكُوع وخف قبل الطُّمَأْنِينَة فَإِنَّهُ يلْزمه الِاعْتِدَال والطمأنينة فِيهِ فَإِن خف فِي الرُّكُوع قبل الطُّمَأْنِينَة وَجب أَن يرْتَفع منحنيا كَذَلِك إِلَى حد الرُّكُوع إِذْ لَو انتصب قَائِما ثمَّ عَاد إِلَى الرُّكُوع كَانَ قد زَاد رُكُوعًا وَإِن خف بعد الطُّمَأْنِينَة فَالظَّاهِر أَنه لَا يجب الِارْتفَاع رَاكِعا لِأَنَّهُ تمّ الرُّكُوع قَاعِدا الثَّانِي الْقَادِر على الْقعُود ينتفل مُضْطَجعا مومئا

(2/107)


على أحد الْوَجْهَيْنِ وتشبيها للنفل فِي حق الْقَادِر بِالْفَرْضِ فِي حق الْعَاجِز وَلَا يسوغ ذَلِك فِي الْوَجْه الثَّانِي لِأَن ذَلِك يجر إِلَى تَجْوِيز الْإِيمَاء بِالْقَلْبِ وَإِنَّمَا احْتمل ذَلِك لضَرُورَة الْفَرِيضَة فَلَا يحْتَمل فِي النَّفْل بِالْقِيَاسِ
الثَّالِث من بِهِ رمد وَقَالَ الْأَطِبَّاء إِنَّه لَو اضْطجع أَيَّامًا أفادت المعالجة فَفِيهِ خلاف وَقد وَقع ذَلِك لِابْنِ عَبَّاس فاستفتى عَائِشَة وَأَبا هُرَيْرَة رَضِي الله عَنْهُمَا فَلم يرخصا لَهُ لقدرته على الْقيام فِي الْحَال والأقيس جَوَازه فَإِن

(2/108)


خطر الْعَمى شَدِيد وَقد جَوَّزنَا الْقعُود بأدني مرض يسلب الْخُشُوع فليجوز الِاضْطِجَاع بِمَا يقرب من حد الضَّرُورَة كَمَا جَوَّزنَا للْمَرِيض التَّيَمُّم عِنْد خَوفه على نَفسه من شدَّة الضنى
القَوْل فِي الْقِرَاءَة والأذكار وَالنَّظَر فِي الْفَاتِحَة وسوابقها ولواحقها

أما السوابق فدعاء الاستفتاح عقيب التَّكْبِير وَهُوَ مَشْهُور والتعوذ بعده من غير جهر إِلَّا فِي قَول قديم وَأما اسْتِحْبَاب التَّعَوُّذ فِي كل رَكْعَة فَوَجْهَانِ من حَيْثُ إِن الصَّلَاة فِي حكم شئ وَاحِد وَلَكِن كل رَكْعَة كالمنقطع عَمَّا قبلهَا
أما الْفَاتِحَة فالنظر فِي الْقَادِر وَالْعَاجِز أما الْقَادِر فَتلْزمهُ أَمر خَمْسَة
الأول أَن أصل الْفَاتِحَة مُتَعَيّن على الإِمَام وَالْمَأْمُوم فِي الصَّلَاة السّريَّة والجهرية

(2/109)


إِلَّا فِي رَكْعَة الْمَسْبُوق
وَقَالَ أَبُو حنيفَة تقوم ترجمتها وَغَيرهَا من السُّور مقَامهَا وَخَالف قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا صَلَاة إِلَّا بِفَاتِحَة الْكتاب
وَقَالَ لَا تجب الْقِرَاءَة على الْمَأْمُوم أصلا وَهُوَ الذى نَقله الْمُزنِيّ وَلَكِن فِي الصَّلَاة الجهرية
الثَّانِي تجب قِرَاءَة بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم إِذْ روى البُخَارِيّ أَنه

(2/110)


صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عد الْفَاتِحَة سبع آيَات وعد بِسم الله الرَّحْمَن آيَة مِنْهَا

(2/111)


ثمَّ التَّسْمِيَة عندنَا آيَة من أول كل سُورَة كتبت فِيهَا وَلكنهَا آيَة مُسْتَقلَّة أم هى مَعَ أول السُّورَة آيَة فَفِيهِ

(2/114)


قَولَانِ وَذكر الصيدلاني الْقَوْلَيْنِ فِي أَنَّهَا هَل هى من الْقُرْآن فِي أول كل سُورَة سوى الْفَاتِحَة وَالْمَشْهُور هُوَ الأول
الثَّالِث كل حرف من الْفَاتِحَة ركن فَلَو ترك تشديدا فَهُوَ ترك حرف وَلَو أبدل حرفا بِحرف لم يجز وَلَو أبدل الضَّاد بالظاء فَفِيهِ تردد لقرب الْمخْرج عسر التَّمْيِيز

(2/115)


الرَّابِع رِعَايَة التَّرْتِيب فِيهَا شَرط فَلَو قَرَأَ النّصْف الْأَخير أَولا لم يجز لِأَن التَّرْتِيب ركن فِي الإعجاز فَأَما التَّشَهُّد إِذا قدم الْمُؤخر مِنْهُ وَلم يُغير الْمَعْنى فَهُوَ قريب من قَوْله عَلَيْكُم السَّلَام
الْخَامِس الْمُوَالَاة شَرط بَين كلماتها فَلَو قطعهَا بسكوت طَوِيل وَجب الِاسْتِئْنَاف إِلَّا على وَجه بعيد ذكره الْعِرَاقِيُّونَ وَلَو تخللها تَسْبِيح يسير انْقَطع الْوَلَاء بِخِلَاف مَا لَو كرر كلمة من نفس الْفَاتِحَة فَإِن ذَلِك لَا يعد انتقالا إِلَى غَيرهَا وَلذَلِك لَو قَرَأَ الْفَاتِحَة مَرَّات لم يضر بِخِلَاف تَكْرِير الرُّكُوع وَفِيه وَجه ضَعِيف أَنه كالركوع
فرعان

الأول لَو قَالَ الإِمَام {وَلَا الضَّالّين} فَقَالَ الْمَأْمُوم {آمين} لَا تَنْقَطِع بِهِ الْفَاتِحَة إِذا كَانَ فِي أَثْنَائِهَا وَفِيه وَجه آخر أَنه تَنْقَطِع وَالْأول أظهر لِأَنَّهُ إِذا جرى لَهُ سَبَب لم يعْتد انتقالا
وَهَذَا الْخلاف يجْرِي فِيمَا إِذا سَأَلَ أَو استعاذ الله عِنْد قِرَاءَة الإِمَام آيَة رَحْمَة أَو عِقَاب أَو سجد مَعَ الإِمَام عِنْده قِرَاءَة الإِمَام آيَة سَجْدَة فَإِن هَذِه الْأَسْبَاب متقاضية
الثَّانِي لَو ترك الْمُوَالَاة نَاسِيا نقل الْعِرَاقِيُّونَ أَنه لَا يضر وَللشَّافِعِيّ

(2/116)


رَضِي الله عَنهُ قَول فِي الْقَدِيم أَنه لَو ترك الْفَاتِحَة نَاسِيا لم يضر لِأَن النسْيَان عذر كالسبق وَلَكِن لَيْسَ هَذَا تَفْرِيعا عَلَيْهِ إِذْ فرق بَينه وَبَين ترك ترتيبه نَاسِيا ويتأيد ذَلِك بِأَنَّهُ لَو طول ركنا قَصِيرا لم يضر وَإِن انْقَطَعت بِهِ مُوالَاة الْأَركان
وَأما الْعَاجِز وَهُوَ الْأُمِّي فَفِيهِ أَربع مسَائِل
الأولى أَنه لَا تجزيه تَرْجَمته بل إِن قدر فَيَأْتِي بِسبع آيَات من الْقُرْآن مُتَوَالِيَة لَا تنقص حروفها عَن حُرُوف الْفَاتِحَة فَإِن نقص الْحُرُوف دون عدد الْآيَات فَفِيهِ وَجْهَان

(2/117)


فَإِن عجز عَن آيَات مُتَوَالِيَة فتجزئه آيَات مُتَفَرِّقَة فَإِن لم تكن آحادها مفهمة كَقَوْلِه تَعَالَى {ثمَّ نظر} لم يبعد أَن يرد إِلَى الْأَذْكَار فَإِن لم يحسن إِلَّا آيَة وَاحِدَة فَيَأْتِي بهَا وَتَأْتِي الْأَذْكَار بَدَلا عَن الْبَقِيَّة وَقيل إِنَّه يُكَرر الْآيَة سبعا فتكفيه فَإِن لم يحسن من الْقُرْآن شَيْئا فَيَأْتِي بتسبيح وتهليل كَقَوْلِه سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَمَا فِيهِ ثَنَاء على الله ويراعي مُسَاوَاة الْحُرُوف وَفِي الدُّعَاء الْمَحْض اخْتِلَاف فِي أَنه هَل يقوم مقَام التَّسْبِيح
الثَّانِيَة إِذا لم يحسن النّصْف الأول من الْفَاتِحَة فَيَأْتِي أَولا بِالذكر بَدَلا مِنْهُ ثمَّ يَأْتِي بِمَا يحسن مِنْهَا
الثَّالِثَة إِذا تعلم الْفَاتِحَة فِي أثْنَاء الصَّلَاة قبل قِرَاءَة الْبَدَل لَزِمته وَإِن كَانَ بعد الرُّكُوع لم تلْزمهُ

(2/118)


وَإِن كَانَ قبل الرُّكُوع وَبعد الْفَرَاغ فَوَجْهَانِ وَوجه الْوُجُوب بَقَاء مَظَنَّة الْقِرَاءَة وَلَو كَانَ فِي أثْنَاء الْبَدَل لزمَه مَا بَقِي من الْبَدَل وَفِي لُزُوم الِاسْتِئْنَاف خلاف وَالأَصَح أَنه يجب
الرَّابِعَة إِذا قَرَأَ الْأُمِّي دُعَاء الاستفتاح وَقصد بِهِ بدل الْفَاتِحَة جَازَ وَإِن قصد بِهِ الاستفتاح لم تسْقط بِهِ الْقِرَاءَة فَعَلَيهِ الْإِعَادَة وَلَو أطلق فَفِي سَائِر الْأَذْكَار تردد ذكره صَاحب التَّقْرِيب فِي أَنه هَل يشْتَرط قصد الْبَدَلِيَّة واشتراطه فِي دُعَاء الاستفتاح أوجه لِأَن قرينَة الْحَال تصرفه إِلَى الاستفتاح
أما لواحق الْفَاتِحَة فشيئان

الأول التَّأْمِين فَهُوَ مُسْتَحبّ عقيب الْفَرَاغ للْمَأْمُوم وَالْمُنْفَرد وَفِيه لُغَتَانِ الْقصر وَالْمدّ وَالْمِيم مُخَفّفَة على اللغتين وَهُوَ صَوت وضع لتحقيق الدُّعَاء

(2/119)


وَمَعْنَاهُ ليكن كَذَلِك كَقَوْلِهِم صه لِلْأَمْرِ بِالسُّكُوتِ
ثمَّ اخْتلف نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي جهر الإِمَام بِهِ وَقيل إِن كَانَ فِي الْقَوْم كَثْرَة جهروا ليبلغ الصَّوْت وَإِلَّا فَلَا
وَقيل فِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا نعم لما روى أَبُو هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا أَمن أَمن من خَلفه حَتَّى كَانَ لِلْمَسْجِدِ ضجة

(2/120)


وَالثَّانِي لَا كَسَائِر الْأَذْكَار
وَأما الضجة فَهِيَ هينمة حصلت من هَمس الْقَوْم عِنْد كثرتهم
وَقيل إِنَّه إِن لم يجْهر الإِمَام جهر الْمَأْمُوم وَإِن جهر الإِمَام فَفِي الْمَأْمُوم قَولَانِ ثمَّ الْمُسْتَحبّ أَن يُؤمن مَعَ تَأْمِين الإِمَام لَا قبله وَلَا بعده لِأَنَّهُ يُؤمن لقرَاءَته لَا لتأمينه وَقد رُوِيَ عَنهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَنه قَالَ إِذا قَالَ الإِمَام {وَلَا الضَّالّين} فَقولُوا آمين فَإِن الْمَلَائِكَة تَقول آمين فَمن وَافق تأمينه

(2/121)


تَأْمِين الْمَلَائِكَة غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر
الثَّانِي السُّورَة وَيسْتَحب قرَاءَتهَا للْإِمَام وَالْمُنْفَرد فِي رَكْعَتي الْفجْر والأوليين من غَيرهمَا
وَهل تسْتَحب فِي الثَّالِثَة وَالرَّابِعَة قَولَانِ منصوصان
الْجَدِيد أَنَّهَا تسْتَحب لقَوْل أبي سعيد الْخُدْرِيّ حزرنا قِرَاءَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأَوليين من الظّهْر فَكَانَت قدر سبعين آيَة وحزرناها فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ فَكَانَ على

(2/122)


النّصْف من ذَلِك

(2/123)


وَالْقَوْل الثَّانِي وَعَلِيهِ الْعَمَل أَنه لَا تسْتَحب لِأَن مبناهما على التَّخْفِيف
أما الْمَأْمُوم فَلَا يقْرَأ السُّورَة فِي الجهرية بل يقْرَأ الْفَاتِحَة فِي سكتة الإِمَام بعد الْفَاتِحَة ثمَّ يستمع السُّورَة وَإِن لم يبلغهُ صَوت الإِمَام فَوَجْهَانِ
الْقيَاس أَنه يقْرَأ لِأَنَّهُ كالمنفرد عِنْد فَوَات السماع
وَالثَّانِي لَا لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا كُنْتُم خَلْفي فَلَا تقرءوا إِلَّا بِفَاتِحَة الْكتاب فَإِنَّهُ لَا صَلَاة إِلَّا بهَا

(2/124)


القَوْل فِي الرُّكُوع

وَأقله أَن ينحني إِلَى أَن تنَال راحتاه رُكْبَتَيْهِ لَو مدهما بالانحناء لَا بالانخناس ويطمئن بِحَيْثُ ينْفَصل هويه عَن ارتفاعه فَلَو زَاد بالانحناء لم يحْسب ذَلِك بَدَلا عَن الطُّمَأْنِينَة وَلَا يجب عندنَا ذكر فِي الرُّكُوع خلافًا لِأَحْمَد لِأَن الرُّكُوع يُخَالف الْمُعْتَاد بصورته لَا كالقيام وَالْقعُود

(2/125)


وَأما فِي الْأَكْمَل فهيئته أَن ينحني بِحَيْثُ يَسْتَوِي ظَهره وعنقه كالصفيحة الْوَاحِدَة وَينصب رُكْبَتَيْهِ وَيَضَع كفيه عَلَيْهِمَا وَيتْرك الْأَصَابِع على جبلتها منشورة نَحْو الْقبْلَة ويتجافى عِنْد ذَلِك مرفقاه عَن جَنْبَيْهِ وَلَا يتَجَاوَز فِي

(2/126)


الانحناء الاسْتوَاء وَإِذا ابْتَدَأَ الْهَوِي وَقَالَ الله أكبر رَافعا يَدَيْهِ عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة
ثمَّ للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ قَولَانِ
أَحدهمَا أَن يمد التَّكْبِير إِلَى أَن يَسْتَوِي رَاكِعا كَيْلا يَخْلُو هويه عَن الذّكر
وَالثَّانِي الْحَذف حذارا عَن التَّغْيِير بِالْمدِّ وَهُوَ جَار فِي تَكْبِيرَات الِانْتِقَالَات كلهَا
وَالذكر الْمَشْهُور سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم وَبِحَمْدِهِ ثمَّ إِن كَانَ إِمَامًا لم يزدْ

(2/127)


على ثَلَاث وروى أَبُو هُرَيْرَة أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ يَقُول اللَّهُمَّ لَك ركعت وَبِك آمَنت وَلَك أسلمت أَنْت رَبِّي خشع سَمْعِي وبصري ومخي وعظمي

(2/128)


وعصبي وَمَا اسْتَقَلت بِهِ قدمي لله رب الْعَالمين
القَوْل فِي الِاعْتِدَال

إِذا رفع الرَّأْس من الرُّكُوع رفع الْيَدَيْنِ فيعدل قَائِما وَقد انْتَهَت يَدَاهُ إِلَى مَنْكِبَيْه ثمَّ يخْفض يَدَيْهِ بعد الِاعْتِدَال وَأقله الِاعْتِدَال والطمأنينة
وَيسْتَحب أَن يَقُول سمع الله لمن حَمده عِنْد الرّفْع ثمَّ يَقُول رَبنَا لَك الْحَمد يَسْتَوِي فِي الإِمَام وَالْمَأْمُوم وَالْمُنْفَرد وَرُوِيَ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام

(2/129)


قَالَ رَبنَا لَك الْحَمد ملْء السَّمَوَات وملء الأَرْض وملء مَا شِئْت من شئ بعده أهل الثَّنَاء وَالْمجد أَحَق مَا قَالَ العَبْد كلنا لَك عبد لَا مَانع لما أَعْطَيْت وَلَا معطي لما منعت وَلَا ينفع ذَا الْجد مِنْك الْجد فَإِن كَانَ فِي صَلَاة الصُّبْح

(2/130)


اسْتحبَّ الْقُنُوت فِي الرَّكْعَة الْأَخِيرَة خلافًا لأبي حنيفَة لما روى أنس بن مَالك أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يزل يقنت فِي الصُّبْح حَتَّى فَارق الدُّنْيَا

(2/131)


ثمَّ كَلِمَاته مَشْهُورَة وَهِي متعينة ككلمات التَّشَهُّد ثمَّ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ إِذا نزل بِالْمُسْلِمين نازلة وَأَرَادُوا الْقُنُوت فِي الصَّلَوَات الْخمس جَازَ وَإِن لم تنزل فَقَوْلَانِ
وَقيل إِن لم تنزل لم يجز وَإِن نزل فَقَوْلَانِ وَهُوَ أقرب

(2/133)


وَاخْتلفُوا فِي الْجَهْر بِهِ فِي الصَّلَاة الجهرية وَالظَّاهِر أَن الْجَهْر مَشْرُوع ثمَّ إِذا جهر الإِمَام أَمن الْمَأْمُوم وَإِن لم يسمع صَوته فَيُؤمن أَو يقْرَأ فِيهِ وَجْهَان

(2/134)


ثمَّ يسْتَحبّ أَن يرفع يَدَيْهِ وَيمْسَح بهما وَجهه فِي آخِره

(2/135)


القَوْل فِي السُّجُود والاعتدال عَنهُ

أما أَقَله فَالْكَلَام فِي الْمَوْضُوع على الأَرْض وَكَيْفِيَّة الْوَضع وهيئة الساجد
أما الْمَوْضُوع فالجبهة وَلَا يقوم غَيرهَا مقَامهَا ثمَّ يَكْفِي أقل مَا ينْطَلق عَلَيْهِ الِاسْم وَفِي وضع الْيَدَيْنِ والركبتين والقدمين قَولَانِ
أَحدهمَا يجب لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أمرت أَن أَسجد على سَبْعَة آرَاب

(2/136)


وَالثَّانِي لَا لِأَن السُّجُود عبارَة عَن وضع الْجَبْهَة فَفِيهِ تَمْكِين أعز الْأَعْضَاء من التُّرَاب
فَإِن أَوجَبْنَا فَلَا يجب كشف الْقَدَمَيْنِ والركبتين وَيجب كشف الْجَبْهَة وَفِي الْيَدَيْنِ قَولَانِ
أَحدهمَا يجب لقَوْل خباب بن الْأَرَت شَكَوْنَا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حر الرمضاء فِي وُجُوهنَا وأكفنا فَلم يشكنا أَي لم يزل شكوانا

(2/137)


وَالثَّانِي لَا يجب لِأَن التَّوَاضُع حصل بِالْوَضْعِ ثمَّ لَا يَكْفِي فِي الْوَضع الإمساس مَعَ إقلال الرَّأْس بل لَا بُد وَأَن يُرْخِي رَأسه قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سُجُوده كالخرقة البالية ثمَّ فِي كشف

(2/138)


الْجَبْهَة يَكْفِي أقل مَا ينْطَلق عَلَيْهِ الِاسْم وَلَو سجد على طرفه أَو على كور عمَامَته أَو طرف كمه الذى يَتَحَرَّك لم يجز
أما هَيْئَة الساجد وَهُوَ التنكس بِحَيْثُ يكون أسافله أَعلَى من أعاليه فَلَو سجد على وسَادَة وَكَانَ رَأسه مُسَاوِيا لظهره فِيهِ وَجْهَان لفَوَات التنكس
وَلَو كَانَ بِهِ مرض يمنعهُ من التنكس فَهَل يجب عَلَيْهِ وضع وسَادَة ليضع الْجَبْهَة عَلَيْهَا فِيهَا وَجْهَان أظهرهمَا الْوُجُوب لِأَن صُورَة السُّجُود بِالْوَضْعِ لَا

(2/139)


بالتنكس
والطمأنينة أَيْضا وَاجِبَة فِي السُّجُود
أما الْأَكْمَل فَلْيَكُن أول مَا يَقع على الأَرْض مِنْهُ ركبتاه وَقَالَ أَبُو حنيفَة بل يَدَاهُ
ثمَّ يسْتَحبّ أَن يكبر عِنْد الْهوى وَلَا يرفع الْيَد وَيَقُول فِي سُجُوده سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاث مَرَّات
وَيَضَع الْأنف على الأَرْض مَعَ الْجَبْهَة مكشوفا وَيفرق رُكْبَتَيْهِ ويجافي مرفقيه عَن جَنْبَيْهِ بِحَيْثُ يرى عفرَة إبطَيْهِ ويقل بَطْنه عَن فَخذيهِ وَيَضَع يَدَيْهِ منشورة الْأَصَابِع على موضعهما فِي رفع الْيَدَيْنِ وأصابعهما مستطيلة فِي جِهَة الْقبْلَة مَضْمُومَة وَلَا يُؤمر بِضَم الْأَصَابِع إِلَّا هَاهُنَا

(2/140)


وَنقل الْمُزنِيّ أَنه يضع أَصَابِع رجلَيْهِ بِحَيْثُ تكون رءوسها فِي قبالة الْقبْلَة
أما الْمَرْأَة فَتتْرك التخويه والتجافي فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود
ثمَّ يكبر عِنْد الِاعْتِدَال وَيجْلس مفترشا بَين السَّجْدَتَيْنِ وَيَضَع يَدَيْهِ قَرِيبا من رُكْبَتَيْهِ منشورة الْأَصَابِع وَيَقُول اللَّهُمَّ اغْفِر لي واجبرني وَعَافنِي وارزقني واهدني ويطمئن فِي جُلُوسه

(2/141)


ثمَّ يسْجد سَجْدَة أُخْرَى مثلهَا فَإِن كَانَ يستعقب ذَلِك قيَاما فيجلس جلْسَة خَفِيفَة للاستراحة كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا ينْهض حَتَّى يَسْتَوِي قَاعِدا
ثمَّ يَبْتَدِئ التَّكْبِير بِحَيْثُ يَنْتَهِي عِنْد استوائه جَالِسا أَو يَسْتَوِي جَالِسا ثمَّ ينْهض مبكرا إِلَى الْقيام فِيهِ خلاف
ثمَّ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قَامَ فِي صلَاته وضع يَدَيْهِ على الأَرْض كَمَا يضع

(2/142)


العاجن
فرع إِذا خر الهاوي إِلَى السُّجُود على وَجهه اعْتد بِهِ لِأَن الْهَوِي غير

(2/143)


مَقْصُود وَإِن خر على جنبه واستد على قصد السُّجُود اعْتد بِهِ وَإِن قصد

(2/144)


الاسْتقَامَة وَصرف فعله عَن السُّجُود فَلَا يعْتد بسجوده لِأَنَّهُ غير نِيَّة الأَصْل وَإِن لم يخْطر لَهُ أَمر الصَّلَاة وَقصد الاسْتقَامَة غافلا فالنص أَنه لَا يعْتد بِهِ كَمَا لَو صرفه عَن السُّجُود ذَاكِرًا
وَفِيه وَجه مخرج يجْرِي نَظِيره فِي اتِّبَاع الْغَرِيم فِي الطّواف ثمَّ إِذا لم يعْتد بسجوده فيكفيه أَن يعتدل جَالِسا ثمَّ يسْجد وَلَا يلْزمه الْقيام على الظَّاهِر
القَوْل فِي التَّشَهُّد وَالْقعُود

أما الْقعُود فِي التَّشَهُّد الأول فمسنون على هَيْئَة الافتراش وَفِي الْأَخير على هَيْئَة التورك لِأَن الافتراش هَيْئَة مستوفز للحركة حَتَّى نقُول الْمَسْبُوق يفترش فِي التَّشَهُّد الْأَخير للْإِمَام وَلَو كَانَ على الإِمَام سُجُود سَهْو هَل يفترش فِيهِ خلاف

(2/145)


والافتراش أَن يضجع الرجل الْيُسْرَى وَيجْلس عَلَيْهَا وَينصب الْقدَم اليمني وَيَضَع أَطْرَاف الْأَصَابِع على الأَرْض
والتورك أَن يضجع رجله كَذَلِك ثمَّ يُخرجهَا من جِهَة يَمِينه وَيُمكن وركه من الأَرْض ثمَّ يضع الْيَد الْيُسْرَى على طرف الرّكْبَة منشورة مَعَ التَّفْرِيج المقتصد وأطراف الْأَصَابِع مسامية للركبة وَأما الْيَد الْيُمْنَى فَيَضَعهَا كَذَلِك لَكِن يقبض الْخِنْصر والبنصر وَالْوُسْطَى وَيُرْسل المسبحة وَفِي الْإِبْهَام أوجه قيل يرسلها أَيْضا وَقيل يحلق الْإِبْهَام وَالْوُسْطَى وَقيل يضمها إِلَى الْوُسْطَى المقبوضة كالقابض ثَلَاثَة وَعشْرين ثمَّ يرفع مسبحته عِنْد قَوْله لَا إِلَه إِلَّا الله مَعَ الْهمزَة من قَوْله

(2/146)


إِلَّا الله وَهل يحركها عِنْد الرّفْع فِيهِ وَجْهَان
فَأَما التَّشَهُّد فَوَاجِب فِي الْأَخير خلافًا لأبي حنيفَة
وَالصَّلَاة على الرَّسُول وَاجِب مَعَه

(2/147)


وعَلى الْآل قَولَانِ
وَالتَّشَهُّد الأول مسنون وَفِي الصَّلَاة على الرَّسُول فِيهِ قَولَانِ لِأَنَّهُ مَبْنِيّ على التَّخْفِيف
فَإِن أَوجَبْنَا الصَّلَاة على الْآل فِي الْأَخير فَفِي كَونهَا سنة فِي الأول قَولَانِ
ثمَّ أكمل التَّشَهُّد مَشْهُور وكلماته متعينة
وَأما الْأَقَل فَهُوَ التَّحِيَّات لله سَلام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَسَلام

(2/149)


علينا وعَلى عباد الله الصَّالِحين أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وَأسْقط الْعِرَاقِيُّونَ كلمة أشهد فِي الكرة الثَّانِيَة
وَكَانَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ جعل الْأَقَل مَا رَآهُ متكررا فِي جَمِيع الرِّوَايَات وَأما ابْن سُرَيج فَإِنَّهُ أوجز بِالْمَعْنَى وَقَالَ التَّحِيَّات لله سَلام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي سَلام على عباد الله الصَّالِحين أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُوله ثمَّ يَقُول بعد التَّشَهُّد اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد ثمَّ يسْتَحبّ بعده أَن يَقُول كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم وَآل إِبْرَاهِيم وَبَارك على مُحَمَّد وَآل مُحَمَّد كَمَا باركت على إِبْرَاهِيم وَآل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد ثمَّ يسْتَحبّ بعده الدُّعَاء ويختصر إِذا كَانَ إِمَامًا

(2/150)


قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد تَمام للتَّشَهُّد ثمَّ ليتخير أحدكُم من الدُّعَاء أعجبه إِلَيْهِ وَالْأولَى أَن يكون سُؤَاله لأمور الْآخِرَة
فرع الْعَاجِز عَن التَّشَهُّد يَأْتِي بترجمته كتكبيرة التَّحَرُّم وَالْعَاجِز عَن الدُّعَاء لَا يَدْعُو بالعجمية بِحَال
وتكبيرات الِانْتِقَالَات وَغَيرهَا من الْأَذْكَار فَفِي الْإِتْيَان بترجمتها خلاف قيل

(2/151)


بِالْمَنْعِ لِأَن العجمية مبطلة وَترك الذّكر لَيْسَ بمبطل
وَالثَّانِي يَأْتِي بهَا كالتكبير
وَالثَّالِث مَا يجْبر تَركه بسجود السَّهْو يَأْتِي بترجمته ومالا فَلَا
القَوْل فِي السَّلَام

لَا يقوم مقَام التَّسْلِيم غَيره من أضداد الصَّلَاة عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة وَأقله أَن يَقُول السَّلَام عَلَيْكُم مرّة وَاحِدَة وَهل تشْتَرط نِيَّة الْخُرُوج وَجْهَان
وَلَو قَالَ سَلام عَلَيْكُم وَجْهَان فِي إِقَامَة التَّنْوِين مقَام الْألف وَاللَّام
وَلَو قَالَ عَلَيْكُم السَّلَام فطريقان كَمَا سبق

(2/152)


أما الْأَكْمَل فَأن يَقُول السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله
والتسليمة الثَّانِيَة تسن وَنَصّ فِي الْقَدِيم على أَنه لَا تسن
وَنقل الرّبيع أَنه إِن كَانَ إِمَامًا فِي جمع مُتَعَيّن يقْتَصر على تَسْلِيمَة وَاحِدَة وَإِن كثر الْجمع فتسليمتان ثمَّ إِن سلم وَاحِدَة فتلقاء وَجهه وَإِن سلم تسليمتين فيلتفت حَتَّى يرى خداه أَي يرى من كل جَانب خد وَاحِد
ثمَّ يَنْوِي بِالسَّلَامِ السَّلَام على من على يَمِينه من الْجِنّ وَالْإِنْس وَالْمَلَائِكَة وَكَذَا من الْجَانِب الآخر والمقتدون ينوون الرَّد عَلَيْهِ وَلَو أحدث فِي التسليمة الثَّانِيَة لم تبطل الصَّلَاة لِأَنَّهَا وَاقعَة بعد الصَّلَاة تَابِعَة هَذَا تَمام كَيْفيَّة الصَّلَاة

(2/153)


خَاتِمَة

من فَاتَهُ صلوَات فَلَا تَرْتِيب عَلَيْهِ فِي قَضَائهَا
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يلْزمه تَقْدِيم الأول فَالْأول إِلَّا إِذا زَاد على صَلَاة يَوْم وَلَيْلَة
نعم رِعَايَة التَّرْتِيب بَين الْفَائِتَة والمؤداة عندنَا مُسْتَحبَّة فَيقدم الْفَائِتَة إِن اتَّسع الْوَقْت لَهما وَإِلَّا قدم المؤداة وَسبب التَّقْدِيم أَن لَا يتساهل فِي الْقَضَاء بِالتَّأْخِيرِ وَلَو تذكر فَائِتَة وَهُوَ فِي مُؤَدَّاة أتم الَّتِي هُوَ فِيهَا ثمَّ اشْتغل بِالْقضَاءِ

(2/154)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الْخَامِس فِي شَرَائِط الصَّلَاة ونواقضها - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
والشرائط سِتّ
الأول الطَّهَارَة عَن الْحَدث فَهُوَ شَرط فِي الِابْتِدَاء والدوام حَتَّى لَو

(2/155)


أحدث فِي الصَّلَاة عمدا أَو سَهوا بطلت صلَاته وَلَو سبقه الْحَدث بسبق بَوْل أَو مني أَو مذي أَو خُرُوج ريح بطلت صلَاته على الْجَدِيد
وعَلى الْقَدِيم لَا تبطل صلَاته لما رُوِيَ مُرْسلا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من قاء أَو رعف أَو أمذى فِي صلَاته فلينصرف وليتوضأ وليبن على صلَاته مَا لم يتَكَلَّم

(2/156)


وَلِأَنَّهُ لَو انحل إزَاره عَن عَوْرَته فَرده على الْقرب أَو وَقعت عَلَيْهِ نَجَاسَة يابسة فنفضها لم تبطل صلَاته قولا وَاحِدًا وَلَو كَانَ ذَلِك قصدا لبطل مَعَ قصر الزَّمَان
وعَلى هَذَا القَوْل إِذا طَرَأَ نَاقض بِغَيْر قَصده وَلَا تَقْصِيره فَلهُ التَّدَارُك بِخِلَاف مَا لَو انْقَضتْ مُدَّة الْمسْح فِي أثْنَاء الصَّلَاة لِأَنَّهُ مقصر بابتداء الصَّلَاة فِي آخر مُدَّة الْمسْح

(2/157)


وَلَا تخرق خفه فَوَجْهَانِ لِأَنَّهُ قد ينْسب إِلَى تَقْصِير لذهوله عَن ضعف الْخُف
والمتيمم إِذا رأى المَاء فِي أثْنَاء صلَاته لم تبطل صلَاته لِأَن الصَّلَاة مَانِعَة من الِاسْتِعْمَال فانتفت الْقُدْرَة
ثمَّ من سبقه الْحَدث يطْلب المَاء وَيتَوَضَّأ وَلَا يتَكَلَّم وَلَا يحدث عمدا وَبعد وضوئِهِ لَا يعود إِلَى مَكَانَهُ الأول فَإِنَّهُ فعل مستغن عَنهُ بل يَبْنِي على مَكَانَهُ خلافًا لأبي حنيفَة

(2/158)


وَلَو سبقه الْحَدث فِي الرُّكُوع قبل الطُّمَأْنِينَة فليعد إِلَيْهِ وَإِن كَانَ بعْدهَا فَلَا لِأَن سبق الْحَدث لَا يبطل مَا مضى وَلَو طير الرّيح الثَّوْب وافتقر فِي الْإِعَادَة إِلَى فعل كثير خرج ذَلِك على قولي سبق الْحَدث
الشَّرْط الثَّانِي طَهَارَة الْخبث

وَالنَّظَر فِي أَطْرَاف
الأول فِيمَا عُفيَ عَنهُ من النَّجَاسَات وَهِي أَرْبَعَة

الأولى الْأَثر على مَحل النجو بعد الِاسْتِجْمَار على الشَّرْط الْمَعْلُوم
فَلَو حمل الْمصلى إنْسَانا قد استجمر فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا الْجَوَاز لِأَنَّهُ مَعْفُو عَنهُ وَالأَصَح الْمَنْع لِأَنَّهُ مَعْفُو على مَحل نجو الْمُصَلِّي للْحَاجة وَلَا حَاجَة إِلَى الْحمل وَلَو حمل طيرا لم تبطل صلَاته لِأَن مَا فِي الْبَطن

(2/159)


لَيْسَ لَهُ حكم النَّجَاسَة قبل الْخُرُوج وَمَا على منفذه لَا مبالاة بِهِ وَمِنْهُم من قطع بِالْبُطْلَانِ لِأَن منفذ نَجَاسَته لَا يَخْلُو عَن النَّجَاسَة وَفِي إِلْحَاق الْبَيْضَة المذرة بِالْحَيَوَانِ تردد فَإِن النَّجَاسَة فِيهَا أَيْضا مستترة خلقَة فَلَا تُفَارِقهُ إِلَّا فِي الْحَيَاة ويطرد ذَلِك فِيمَن حمل عنقودا اسْتَحَالَ بَاطِن حباته خمرًا وَكَذَا فِي كل استتار خلقي وَلَا يجْرِي فِي القارورة المصممة الرَّأْس خلافًا لِابْنِ أبي هُرَيْرَة
الثَّانِيَة طين الشوارع المستيقن نَجَاسَته يعفي عَنهُ بِقدر مَا يتَعَذَّر الِاحْتِرَاز عَنهُ فَإِن انْتهى إِلَى حد ينْسب صَاحبه إِلَى سقطة أَو نكبة من دَابَّة لم يعف عَنهُ وَكَذَا مَا

(2/160)


على أَسْفَل الْخُف من نَجَاسَة لَا يَخْلُو الطَّرِيق عَن مثلهَا فِي حق من يُصَلِّي مَعَ الْخُف

(2/161)


الثَّالِثَة دم البراغيث مَعْفُو عَنهُ إِلَّا إِذا كثر كَثْرَة ينْدر وُقُوعه وَرُبمَا يخْتَلف ذَلِك باخْتلَاف الْأَوْقَات والأماكن فَإِن الْحَاجة تخْتَلف بِهِ وَالِاجْتِهَاد فِيهِ إِلَى رَأْي الْمُكَلف فَإِن رَآهُ مجاوزا لحد الْحَاجة فليغسل وَإِن رَآهُ على حد الْحَاجة فَليصل مَعَه وَإِن تردد احْتمل أَن يُقَال الأَصْل الْعَفو إِلَّا فِيمَا علم كثرته أَو يُقَال الأَصْل الْمَنْع إِلَّا فِيمَا تحققت الْحَاجة إِلَيْهِ وَطَرِيق الِاحْتِيَاط لَا يخفى والميل إِلَى الرُّخْصَة أليق هَاهُنَا بالفقه
الرَّابِعَة دم البثرات وَمَا ينْفَصل مِنْهَا من قيح وصديد يُعْفَى عَنْهَا للْحَاجة نقل عَن ابْن عمر أَنه دلك بثرة على وَجهه فَخرج مِنْهَا الدَّم وَصلى وَلم يغسل

(2/162)


وَإِن أَصَابَهُ من بدن غَيره فَوَجْهَانِ أصَحهمَا الْمَنْع لِإِمْكَان الِاحْتِرَاز
وَأما لطخات الدماميل والقروح والفصد فَمَا يَدُوم مِنْهَا غَالِبا يلْحق بِدَم

(2/163)


الِاسْتِحَاضَة وَمَا لَا يَدُوم يلْحق بِدَم الْأَجْنَبِيّ لِأَن وُقُوعهَا نَادِر
وَمَال صَاحب التَّقْرِيب إِلَى إلحقاها بِدَم البثرات وَهُوَ مُتَّجه
النّظر الثَّانِي فِيمَا يطهر عَن النَّجَاسَة

وَهُوَ ثَلَاثَة الثَّوْب وَالْبدن وَالْمَكَان
أما الثَّوْب فقد ذكرنَا كَيْفيَّة غسله فَإِن تَيَقّن نَجَاسَة أحد الثَّوْبَيْنِ اجْتهد وَقَالَ الْمُزنِيّ يُصَلِّي فِي الثَّوْبَيْنِ صَلَاتَيْنِ وَقَالَ فِي الإنائين إِنَّه يتَيَمَّم وَلَا يجْتَهد
فروع ثَلَاثَة

الأول لَو أصَاب أحد كميه نَجَاسَة وأشكل فَأدى اجْتِهَاده إِلَى أَحدهمَا فَغسله فَفِي صِحَة صلَاته فِيهِ وَجْهَان
وَوجه الْمَنْع أَنه استيقن نَجَاسَة الثَّوْب وَلم يستيقن طَهَارَته
وَكَذَا الْخلاف لَو وَقع ذَلِك فِي ثَوْبَيْنِ وَلَكِن صلى فيهمَا جَمِيعًا
الثَّانِي لَو غسل أحد الثَّوْبَيْنِ وَصلى فِي الآخر من غير اجْتِهَاد فَفِي صِحَة صلَاته

(2/164)


وَجْهَان وَلَو أشكل مَحل النَّجَاسَة فَغسل نصفه ثمَّ غسل النّصْف الثَّانِي قَالَ صَاحب التَّلْخِيص لم يطهر لاحْتِمَال أَن تكون النَّجَاسَة على وسط الثَّوْب فَإِذا غسل النّصْف الثَّانِي فينعكس أثر النَّجَاسَة على النّصْف الأول لاتصاله بِهِ
الثَّالِث إِذا ألْقى طرف عمَامَته على نَجَاسَة بطلت صلَاته سَوَاء كَانَ ذَلِك

(2/165)


الطّرف يَتَحَرَّك بحركته أَو لَا يَتَحَرَّك
وَلَو قبض على حَبل أَو طرف عِمَامَة فَإِن كَانَ يَتَحَرَّك الملاقي للنَّجَاسَة بحركته بطلت صلَاته وَإِلَّا فَوَجْهَانِ لِأَنَّهُ لَا ينْسب إِلَيْهِ لبسا بِخِلَاف الْعِمَامَة وَلَو شدّ

(2/166)


على وَسطه كَانَ كَمَا لَو قبض على طرفه وَلَو كَانَ تَحت رجله فَلَا بَأْس لِأَنَّهُ لَيْسَ حَامِلا وَلَا مُتَّصِلا وَلَو كَانَ طرف الْحَبل على عنق كلب فَهُوَ كَمَا إِذا كَانَ على نَجَاسَة إِن بعد مِنْهُ وَإِن كَانَ قَرِيبا بِحَيْثُ لَو لم يتَعَلَّق بالكلب لَكَانَ هُوَ حامله فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِالْمَنْعِ وَلَو كَانَ مُتَعَلقا بساجور فِي عنق الْكَلْب فَأولى بِالْجَوَازِ وَلَو كَانَ فِي عنق حمَار وعَلى الْحمار نَجَاسَة فَوَجْهَانِ وَيظْهر هَاهُنَا وَجه الْجَوَاز
الْمحل الثَّانِي الذى يجب تَطْهِيره عَن النَّجَاسَة الْبدن

وَقد ذكرنَا كَيْفيَّة غسله وتتعلق بِهِ مَسْأَلَتَانِ
الأولى إِذا وصل عظما نجسا فِي مَحل كسر وَجب نَزعه فَإِن كَانَ يخَاف الْهَلَاك فالمنصوص أَنه يجب نَزعه لأَنا نسفك الدَّم فِي مُقَابلَة ترك صَلَاة وَاحِدَة وَهَذَا يبطل الصَّلَاة عمره وَفِي قَول مخرج أَنه لَا يحب لِأَن النَّجَاسَة تحْتَمل بالأعذار وَخَوف الْهَلَاك عَظِيم ثمَّ إِنَّمَا ينقدح النَّص إِذا كَانَ مُتَعَدِّيا فِي الِابْتِدَاء بِأَن وجد عظما ظَاهرا وَإِذا لم يسْتَتر الْعظم بِاللَّحْمِ

(2/167)


فَإِن استتر بعد إِيجَاب النزع ثمَّ قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِذا مَاتَ قبل النزع فقد صَار مَيتا كُله أَي لَا ينْزع وَهُوَ إِشَارَة إِلَى نَجَاسَة الْآدَمِيّ بِالْمَوْتِ وَقيل بِوُجُوب النزع لأَنا تعبدنا بِغسْلِهِ فَهُوَ كالحي
أما من شرب الْخمر وَغسل فَاه صحت صلَاته لِأَن مَا فِي الْجوف لَا حكم لَهُ
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة فِي وصل الشّعْر

وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعن الله الْوَاصِلَة وَالْمسْتَوْصِلَة والواشمة والمستوشمة والواشرة والمستوشرة

(2/168)


الوشر تَحْدِيد أَطْرَاف السن
والوشم نفر الْأَطْرَاف بالحديدة وتسويدها
وَأما الْوَصْل فَإِن كَانَ الشّعْر نجسا فَهُوَ حرَام وَإِن كَانَ شعر آدَمِيّ
فَإِن كَانَ شعر امْرَأَة أَجْنَبِيَّة فَيحرم لِأَن زَوجهَا ينظر إِلَيْهَا وَإِن كَانَ شعر رجل حرم عَلَيْهَا النّظر فِيهِ على قَوْلنَا بِتَحْرِيم النّظر إِلَى الْعُضْو المبان وَإِن كَانَ شعر

(2/169)


بَهِيمَة فَإِن لم تكن ذَات زوج فَهِيَ متعرضة للتُّهمَةِ فَيحرم عَلَيْهَا وَإِن كَانَت ذَات زوج يحرم للخداع وَلقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام المتشبع بِمَا لم يُعْط كلابس ثوبي زور وَإِن كَانَ بِإِذن الزَّوْج فَوَجْهَانِ
أَحدهمَا الْمَنْع لعُمُوم الحَدِيث وَلِأَن ذَلِك تصرف فِي الْخلقَة بالتغيير
وَالثَّانِي الْجَوَاز وَهُوَ الْقيَاس إِذْ لَا معنى للتَّحْرِيم إِلَّا سَبَب التزوير
وَلَا خلاف فِي جَوَاز تجعيد الشّعْر وتصفيف الطرة وَفِي إِلْحَاق تحمير الوجنة بوصل الشّعْر تردد للصيدلاني

(2/170)


الْمحل الثَّالِث الْمَكَان

فَيَنْبَغِي أَن يكون مَا يماس بدنه طَاهِرا وَهُوَ موقع الْأَعْضَاء السَّبْعَة فِي السُّجُود وَكَذَا مَا يماس ثَوْبه
وَلَو كَانَ على طرف الْبسَاط نَجَاسَة فَلَا بَأْس وَلَو كَانَ مَا يُحَاذِي صَدره فِي السُّجُود نجسا وَكَانَ لَا يماسه فَوَجْهَانِ وَوجه الْمَنْع أَنه كالمنسوب إِلَيْهِ
وَلَو بسط إزارا سخيفا على مَوضِع نجس إِن كَانَت المنافذ بِحَيْثُ لَا تمنع الملاقاة لم تصح الصَّلَاة وَفِي مثله فِي الْفرش على الْحَرِير تردد فَإِن النّظر فِيهِ إِلَى غَالب مَا يلاقي وَذَلِكَ يحل العتابي الذى قطنه غَالب
وَمِمَّا يصل بمَكَان الصَّلَاة نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الصَّلَاة فِي سَبْعَة أَمَاكِن المزبلة والمجزرة وقارعة الطَّرِيق وبطن الْوَادي وَالْحمام وَظهر الْكَعْبَة وأعطان الْإِبِل

(2/171)


وَفِي مسلح الْحمام تردد بِنَاء على أَن الْعلَّة خوف رشاش النَّجَاسَة أَو أَنه بَيت الشَّيْطَان فعلى الْعلَّة الْأَخِيرَة تكره
وَأما أعطان الْإِبِل فَلَيْسَ المُرَاد بهَا المرابض الَّتِى يكثر فِيهَا البعر فَإِن ذَلِك مَوْجُود فِي مرابض الْغنم من النَّجَاسَة وَلَا كَرَاهَة وَلَكِن الْإِبِل تزدحم على المنهل ذودا حَتَّى إِذا شربت استيقت فَلَا يُؤمن نفارها وتفرقها فِي ذَلِك الْموضع قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْإِبِل إِنَّهَا جن خلقت من جن أما ترى إِذا نفرت كَيفَ تشمخ بأنافها

(2/172)


خَاتِمَة

من استصحب النَّجَاسَة عمدا بطلت صلَاته فَإِن كَانَ جَاهِلا فَفِي وجوب الْقَضَاء قَولَانِ
وَلَو علم النَّجَاسَة ثمَّ نَسِيَهَا فَقَوْلَانِ مرتبان وَأولى بِالْإِعَادَةِ
منشأ الْقَوْلَيْنِ أَن الطَّهَارَة عَنْهَا من قبيل الشَّرَائِط فَلَا يكون الْجَهْل فِي تَركهَا عذرا أَو استصحابها من قبيل المناهي فَلَا يعد النَّاسِي مُخَالفا

(2/173)


وَالْقَوْل الْجَدِيد أَنه من الشُّرُوط ومعتمد الْقَدِيم مَا رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام خلع نَعله فِي أثْنَاء الصَّلَاة فَخلع النَّاس نعَالهمْ فَقَالَ بعد الْفَرَاغ أَخْبرنِي جِبْرِيل أَن على نعلك نَجَاسَة
الشَّرْط الثَّالِث ستر الْعَوْرَة

وَهُوَ وَاجِب فِي غير الصَّلَاة وَفِي وُجُوبه فِي الْخلْوَة تستر عَن أعين الْمَلَائِكَة وَالْجِنّ تردد وَلَكِن فِي غير وَقت الْحَاجة
وَأما الْمُصَلِّي فِي خلْوَة فَيلْزمهُ التستر
وَالنَّظَر فِي الْعَوْرَة والساتر

وَأما الْعَوْرَة من الرجل فَمَا بَين السُّرَّة وَالركبَة وَلَا تدخل السُّرَّة وَالركبَة فِيهِ على الصَّحِيح

(2/174)


وَأما الْحرَّة فَجَمِيع بدنهَا عَورَة فِي حق الصَّلَاة إِلَّا الْوَجْه وَالْيَدَيْنِ إِلَى الكوعين الظّهْر والكف وَظهر الْقدَم عَورَة وَفِي إخمصيها وَجْهَان
أما الْأمة فَمَا يَبْدُو مِنْهَا فِي حَالَة المهنة كالرأس والرقبة وأطراف السَّاق والساعد فَلَيْسَ بِعَوْرَة وَمَا هُوَ عَورَة من الرجل عَورَة مِنْهَا وَفِيمَا بَين ذَلِك وَجْهَان
أما السَّاتِر فَهُوَ كل مَا يحول بَين النَّاظر ولون الْبشرَة فَلَا يَكْفِي الثَّوْب السخيف الحاكي للون الْبشرَة وَلَا المَاء الصافي والزجاج
وَيَكْفِي المَاء الكدر والطين وَلَو لم يجد ثوبا فَهَل يُكَلف التطيين فعلى وَجْهَيْن
فروع أَرْبَعَة

الأول إِذا كَانَ الْقَمِيص متسع الذيل وَلَا سَرَاوِيل صحت الصَّلَاة فَإِنَّمَا يجب التستر من الفوق وَمن الجوانب وَلَو لم يكن مزرورا بِحَيْثُ لَو ركع انكشفت عَوْرَته لم تصح صلَاته فَإِن كَانَ كَثَافَة لحيته تمنع من الرُّؤْيَة فَوَجْهَانِ
وَوجه الْمَنْع أَن السَّاتِر يَنْبَغِي أَن يكون غير الْمُسْتَتر
وَيجْرِي الْخلاف فِيمَا لَو وضع الْيَد على ثقبة فِي إزَاره
الثَّانِي إِذا بدا من عَوْرَته قدر يسير بطلت صلَاته
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا تبطل مَا لم يظْهر من الْعَوْرَة الْكُبْرَى مثل دِرْهَم وَمن الصُّغْرَى الرّبع

(2/175)


فَلَو وجد خرقَة لَا تفي إِلَّا بِإِحْدَى السوأتين قيل يستر الْقبل فَإِن السوأة الْأُخْرَى مستترة بانضمام الأليتين
وَقيل يستر الدبر لِأَنَّهُ أفحش فِي السُّجُود وَالْأولَى التَّخْيِير
وَلَا يَنْبَغِي أَن يتْرك السوأة وَيسْتر الفخد فَإِن الفخد تَابع فِي حكم الْعَوْرَة كالحريم لَهُ
الثَّالِث فِي عقد جمَاعَة العراة قَولَانِ
أَحدهمَا أَنَّهَا سنة ثمَّ يَغُضُّونَ الْبَصَر وَيقف الإِمَام وسط الصَّفّ كإمام النِّسَاء
وَالثَّانِي أَن تَركهَا أولى احْتِيَاطًا للعورة
الرَّابِع لَو عتقت الْأمة فِي أثْنَاء الصَّلَاة وَكَانَ الْخمار بِالْقربِ تسترت واستمرت وَإِن كَانَ بَعيدا فعلى قولي سبق الْحَدث فَإِن فرعنا على الْقدَم فَمَكثت حَتَّى أُتِي بالخمار فِي مثل تِلْكَ الْمدَّة الَّتِى كَانَت تمشي إِلَيْهِ فَيحْتَمل أَن يُقَال هَذَا أولي لترك الْأَفْعَال وَيحْتَمل أَن يُقَال التشاغل بالتدارك أولى من التعطل
الشَّرْط الرَّابِع ترك الْكَلَام

فَكَلَام الْعَامِد مُبْطل للصَّلَاة وَإِن قل فَإِن كَانَ مفهما فالحرف الْوَاحِد مُبْطل

(2/176)


كَقَوْلِه ق وع من وقى وعى وَإِن كَانَ غير مفهم فَلَا يبطل إِلَّا بتوالي حرفين وَلَا تبطل بِصَوْت غفل من غير حرف وَهل تبطل بِحرف وَاحِد بعْدهَا مُدَّة فِيهِ تردد وَفِي التنحنح ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا أَنه يبطل صلَاته إِلَّا إِذا كَانَ مَغْلُوبًا أَو امْتنعت الْقِرَاءَة عَلَيْهِ فتنحنح وعَلى هَذَا إِن تنحنح لأجل امْتنَاع الْجَهْر فَوَجْهَانِ

(2/177)


الثَّانِي نَقله ابْن أبي هُرَيْرَة عَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن التنحنح لَا يبطل أصلا لِأَنَّهُ لَيْسَ من جنس الْكَلَام
الثَّالِث قَالَ الْقفال لَو كَانَ مطبقا شَفَتَيْه لَا يبطل لِأَنَّهُ لَا يكون على هَيْئَة الْحُرُوف وَإِن كَانَ فاتحا فَاه بَطل وَالْأول هُوَ الْأَصَح هَذَا فِي غير الْمَعْذُور
أما أعذار الْكَلَام فخمسة

الأول أَن يتَكَلَّم لمصْلحَة الصَّلَاة فَتبْطل صلَاته خلافًا لمَالِك وَيدل عَلَيْهِ أَمر التَّنْبِيه على سَهْو الإِمَام بالتسبيح والتصفيق مَعَ أَن تنبيهه من مصلحَة الصَّلَاة
الثَّانِي النسْيَان وَهُوَ عذر فِي قَلِيل الْكَلَام لحَدِيث ذِي الْيَدَيْنِ خلافًا لأبي حنيفَة

(2/178)


وَفِي كَثْرَة وَجْهَان وتعليل وَجه الْبطلَان لمعنيين
أَحدهمَا انخرام نظم الصَّلَاة وَالثَّانِي وُقُوع ذَلِك نَادرا وعَلى الْأَخير يبطل الصَّوْم بِالْأَكْلِ الْكثير
الثَّالِث الْجَهْل بِتَحْرِيم الْكَلَام عذر فِي حق قريب الْعَهْد بِالْإِسْلَامِ لأحاديث وَردت فِيهِ وَلَيْسَ عذرا فِي حق غَيره
وَالْجهل بِكَوْن الْكَلَام مُبْطلًا مَعَ الْعلم بِالتَّحْرِيمِ لَا يكون عذرا
وَالْجهل بِكَوْن التنحنح مُبْطلًا أَو مَا يجْرِي مجْرَاه فِيهِ تردد وَالأَصَح أَنه عذر
الرَّابِع لَو الْتفت لِسَانه بِكَلِمَة بدرت مِنْهُ فَهَذَا عذر وَأَبُو حنيفَة يُوَافق ذَلِك لِأَنَّهُ لَا يزِيد على سبق الْحَدث
الْخَامِس لَو أكره على الْكَلَام فِي الصَّلَاة فَفِي بُطْلَانهَا قَولَانِ كَمَا لَو أكره على

(2/179)


الْأكل فِي الصَّوْم
فرعان

الأول إِذا قَالَ وَقد اسْتَأْذن جمع على بَابه {ادخلوها بِسَلام آمِنين} إِن قصد الْقِرَاءَة لم تبطل صلَاته وَإِن قصد الْخطاب الْمُجَرّد بَطل وَإِن قصدهما جَمِيعًا لم تبطل عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة
الثَّانِي السُّكُوت الطَّوِيل ذكر الْقفال فِيهِ وَجْهَيْن
أصَحهمَا أَنه لَا يبطل لِأَنَّهُ لَيْسَ يخرم نظم الصَّلَاة وَالثَّانِي أَنه يبطل لِأَنَّهُ يقطع الْوَلَاء بَين أَفعَال الصَّلَاة
وعَلى هَذَا لَو كَانَ نَاسِيا فطريقان
أَحدهمَا أَنه على الْوَجْهَيْنِ فِي الْكَلَام الْكثير
وَالثَّانِي أَنه كَالْكَلَامِ الْقَلِيل وَهُوَ الْأَصَح
النّظر الْخَامِس ترك الْأَفْعَال الْكَثِيرَة

فَلَو مَشى ثَلَاث خطوَات بطلت صلَاته وَكَذَا إِذا ضرب ثَلَاث ضربات وَأما الْفِعْل الْقَلِيل فَإِن كَانَ من جنس الصَّلَاة كركوع أَو قيام فَهُوَ مُبْطل وَإِن لم يكن من جِنْسهَا فَلَا لما رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَخذ أذن ابْن عَبَّاس وأداره من يسَاره إِلَى يَمِينه وَأدْركَ أَبُو بكر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الرُّكُوع فَرَكَعَ ثمَّ خطا خطْوَة واتصل

(2/180)


بالصف فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام زادك الله حرصا وَلَا تعد وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِذا مر الْمَار بَين يَدي أحدكُم فليدفعه فَإِن أَبى فليدفعه فَإِن أبي فليقاتله فَإِنَّهُ شَيْطَان فَدلَّ على جَوَاز الْفِعْل الْقَلِيل وَهَذَا الدّفع لَيْسَ

(2/181)


بِوَاجِب والمرور لَيْسَ بمحظور وَلكنه مَكْرُوه وَإِنَّمَا الْمُبَالغَة لتأكيد الْكَرَاهَة
وَليكن للْمُصَلِّي حَرِيم يمْنَع الْمَار بِأَن يسْتَقْبل جدارا أَو سَارِيَة أَو يبسط مصلى أَو ينصب خَشَبَة بعيدَة مِنْهُ بِقدر مَا بَين الصفين فَتكون الْعَلامَة مَانِعَة من الْمُرُور وَلَو خطّ فِي الأَرْض خطا مَال فِي الْقَدِيم إِلَى الِاكْتِفَاء بِهِ وَكتب ذَلِك فِي

(2/182)


الْجَدِيد ثمَّ خطّ عَلَيْهِ فَلَو قصر الْمُصَلِّي وَترك الْعَلامَة فَهَل لَهُ منع الْمَار فعلى وَجْهَيْن يلْتَفت فِي أَحدهمَا إِلَى التَّقْصِير وَفِي الثَّانِي إِلَى عُمُوم الْخَبَر
وَمهما لم يجد الْمَار سَبِيلا سواهُ فَلَا يدْفع الْحَال
فَإِن قيل مَا حد الْفِعْل الْقَلِيل قُلْنَا غَايَة مَا قيل فِيهِ إِنَّه الذى لَا يعْتَقد النَّاظر إِلَى فَاعله أَنه معرض عَن الصَّلَاة وَهَذَا لَا يُفِيد تحديدا فقد تردد الْقفال فِي

(2/183)


تَحْرِيك الإصبع على التوالي فِي حِسَاب أَو إدارة مسبحة أَو فِي حكة
وأصناف الْأَفْعَال كَثِيرَة فليعول الْمُكَلف فِيهِ على اجْتِهَاده
وَلَو قَرَأَ الْقُرْآن من الْمُصحف وَهُوَ يقلب الأوراق أَحْيَانًا لم يضرّهُ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن لم يحفظ الْقُرْآن على ظهر قلبه لم يجز
الشَّرْط السَّادِس ترك الْأكل

وَهُوَ مُبْطل قل أَو كثر لِأَنَّهُ يعد إعْرَاضًا عَن الصَّلَاة وَلَو كَانَ يمتص سكرة من غير مضغ فَوَجْهَانِ منشأ الْخلاف أَن الْوَاجِب هُوَ الْإِمْسَاك أَو ترك فعل الْأكل

(2/184)


خَاتِمَة

شَرط الْمكْث فِي الْمَسْجِد عدم الْجَنَابَة فَيجوز للمحدث الْمكْث وللجنب العبور وَلَا يلْزمه فِي العبور انتحاء أقرب الطّرق وَلَيْسَ لَهُ التَّرَدُّد فِي حافات الْمَسْجِد من غير غَرَض
وَلَيْسَ للحائض العبور عِنْد خوف التلويث وَكَذَا من بِهِ جِرَاحَة نضاخة بِالدَّمِ
فَإِن أمنت التلويث فَوَجْهَانِ لغلط حكم الْحيض
وَالْكَافِر يدْخل الْمَسْجِد بِإِذن آحَاد الْمُسلمين وَلَا يدْخل بِغَيْر إِذن على أظهر الْوَجْهَيْنِ فَإِن كَانَ جنبا فَهَل يمْنَع من الْمكْث فعلى وَجْهَيْن
أَحدهمَا نعم كَالْمُسلمِ
وَالثَّانِي لَا لأَنهم لَا يؤاخذون بتفصيل شرعنا

(2/185)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب السَّادِس فِي أَحْكَام السجدات وَهِي ثَلَاثَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
الأولى سَجْدَة السَّهْو

وَهِي سنة عندنَا وَعند أبي حنيفَة وَاجِبَة وَالنَّظَر فِي مقتضيه وَمحله
الأول الْمُقْتَضِي وَهُوَ قِسْمَانِ ترك مَأْمُور وارتكاب مَنْهِيّ
أما المأمورات فالأركان لَا تجبر بِالسُّجُود بل لَا بُد من التَّدَارُك
وَإِنَّمَا يتَعَلَّق السُّجُود من جملَة السّنَن بِمَا يُؤَدِّي تَركه إِلَى تَغْيِير شعار ظَاهر خَاص بِالصَّلَاةِ وَهِي أَرْبَعَة التَّشَهُّد الأول وَالْجُلُوس فِيهِ والقنوت فِي صَلَاة الصُّبْح وَالصَّلَاة على الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي التَّشَهُّد الأول وعَلى الْآل فِي التَّشَهُّد الثَّانِي إِن رأيناهما سنتَيْن

(2/186)


وَلَا يتَعَلَّق السُّجُود بترك السُّورَة وَلَا بترك الْجَهْر وَسَائِر السّنَن وَلَا بترك تَكْبِيرَات صَلَاة الْعِيد وَإِن كَانَ شعارا ظَاهرا وَلكنه لَيْسَ خَاصّا فِي الصَّلَاة بل يشرع فِي الْخطْبَة وَغَيرهَا فِي أَيَّام الْعِيد وعلق أَبُو حنيفَة بالسورة وتكبيرات الْعِيد وَترك الْجَهْر
فرع

لَو تعمد ترك هَذِه الأبعاض فَفِي السُّجُود وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه يسْجد لِأَنَّهُ أحْوج إِلَى الْجَبْر من الساهي
وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ يجْبر مَعَ الْعذر والعامد غير مَعْذُور
أما المنهيات فَمَا يبطل الصَّلَاة عمده يتَعَلَّق السُّجُود بسهوه وَمَا لَا فَلَا
ومواضع السَّهْو سِتَّة نوردها على تَرْتِيب الصَّلَاة

الأول إِذا نقل ركنا إِلَى غير مَحَله كَمَا لَو قَرَأَ الْفَاتِحَة أَو التَّشَهُّد فِي الِاعْتِدَال من الرُّكُوع فقد جمع بَين النَّقْل وَتَطْوِيل ركن قصير فَالظَّاهِر أَنه يبطل عمده وَيَقْتَضِي السُّجُود سَهْوه وَفِيه وَجه بعيد أَنه لَا يبطل
فَأَما إِذا وجد النَّقْل إِلَى ركن طَوِيل أَو تَطْوِيل الْقصير بِغَيْر نقل فَفِي الْبطلَان وَجْهَان
أَحدهمَا نعم كنقل الرُّكُوع وَالسُّجُود
وَالثَّانِي لَا لِأَن الْقِرَاءَة كالجنس الْوَاحِد
وعَلى هَذَا هَل يسْجد بسهوه فَوَجْهَانِ

(2/187)


وَجه قَوْلنَا يسْجد أَنه تَغْيِير ظَاهر وكما لَا يبعد أَن يناط السُّجُود بترك مَا لَيْسَ بِوَاجِب من السّنَن لَا يبعد أَن يناط بترك مَا لَيْسَ بمبطل من المنهيات وَهَذَا اسْتثِْنَاء عَن الضَّبْط الذى ذَكرْنَاهُ فِي المنهيات
وَلَو نقل الْقِرَاءَة إِلَى الْقعُود بَين السَّجْدَتَيْنِ فَالْمَشْهُور وَهُوَ اخْتِيَار ابْن سُرَيج أَنه ركن طَوِيل كالقعود للتَّشَهُّد
وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو عَليّ لَا يبعد تَشْبِيه بالاعتدال عَن الرُّكُوع لِأَن الْمَقْصُود الظَّاهِر مِنْهُ الْفَصْل بَين السَّجْدَتَيْنِ

(2/188)


الْموضع الثَّانِي إِذا نسي التَّرْتِيب فَمَا جَاءَ بِهِ قبل أَوَانه غير مُعْتَد بِهِ وَكَأَنَّهُ ارْتكب مَنْهِيّا سَهوا وَلَو ترك سَجْدَة من الأولى وَقَامَ إِلَى الثَّانِيَة فَلَا يعْتد من سجدتيه فِي الثَّانِيَة إِلَّا بِوَاحِدَة يتم بهَا الرَّكْعَة الأولى وَلَو ترك أَربع سَجدَات من أَربع رَكْعَات كَذَلِك فَلم يحصل لَهُ إِلَّا رَكْعَتَانِ إِذْ حصل من كل رَكْعَتَيْنِ رَكْعَة فَيصَلي رَكْعَتَيْنِ وَيسْجد للسَّهْو
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يَكْفِيهِ أَن يقْضِي أَربع سَجدَات فِي آخر صلَاته وَلَو ترك ثَمَانِي سَجدَات لم يجوز الْقَضَاء جَمِيعًا بل قَالَ مَا لم تتقيد الرَّكْعَة بِسَجْدَة وَاحِدَة لم يعْتد بهَا
فرعان

الأول لَو ترك سَجْدَة من الأولى وثنتين من الثَّانِيَة وَوَاحِدَة من الرَّابِعَة فقد حصل لَهُ من الثَّلَاثَة الأولى رَكْعَة تَامَّة حصلت الرَّكْعَة الْأَخِيرَة بِلَا سَجْدَة فليسجد ثَانِيَة وَليصل رَكْعَتَيْنِ وَإِن نسي أَربع سَجدَات وَلم يدر من أَيْن تَركهَا فليسجد سَجْدَة وَليصل رَكْعَتَيْنِ أَخذ بِهَذَا التَّقْدِير الذى هُوَ أَسْوَأ التقديرات
الثَّانِي إِذا تذكر فِي قيام الثَّانِيَة أَنه ترك سَجْدَة فليجلس للسُّجُود فَإِن كَانَ قد جلس بَين السَّجْدَتَيْنِ على قصد الْفَرْض لم يلْزمه إِلَّا السُّجُود وَإِن كَانَ جلس على

(2/189)


قصد الاسْتِرَاحَة فيبنى على الْخلاف فِي أَن الْفَرْض هَل يتَأَدَّى بنية النَّفْل وَإِن لم يكن جلس بعد السَّجْدَة الأولى فَالْأَظْهر أَنه يجلس مطمئنا ثمَّ يسْجد
وَفِيه وَجه أَن الْفَصْل بَين السَّجْدَتَيْنِ قد حصل بِالْقيامِ فيغنيه ذَلِك عَن الْجُلُوس
الْموضع الثَّالِث إِذا قَامَ قبل التَّشَهُّد الأول نَاسِيا فَإِن انتصب لم يعد لِأَنَّهُ لابس فرضا فَإِن عَاد مَعَ الْعلم بطلت صلَاته وَإِن ظن الْجَوَاز لم تبطل لَكِن يسْجد للسَّهْو وَلَو كَانَ مَأْمُوما وَقد قعد الإِمَام وَقَامَ الْمَأْمُوم إِلَى الرَّكْعَة الثَّالِثَة فَهَل يرجع فعلى وَجْهَيْن
أَحدهمَا نعم لِأَن الْقدْوَة أَيْضا وَاجِبَة
وَالثَّانِي لَا لِأَن سبق الإِمَام بِرُكْن وَاحِد لَا يبطل الصَّلَاة وَلَا خلاف أَنه لَو قَامَ عمدا لم تبطل صلَاته وَلم يجز لَهُ الرُّجُوع إِلَى مُوَافقَة الإِمَام كَمَا لَو رفع

(2/190)


رَأسه قبل الإِمَام قصدا وَرجع إِلَى السُّجُود مَعَ الْعلم بطلت صلَاته وَإِن ظن أَن الإِمَام رَافع رَأسه فَرفع فَفِي جَوَاز الْعود وَجْهَان
أما إِذا تذكر ترك السُّجُود قبل الانتصاب فَيرجع ثمَّ يسْجد للسَّهْو إِن كَانَ قد انْتهى إِلَى حد الراكعين لِأَنَّهُ زَاد رُكُوعًا وَإِن كَانَ دون حد الرُّكُوع فَلَا يسْجد

(2/191)


وَإِن ارْتَفع غير منحن وَصَارَ أقرب إِلَى الْقيام مِنْهُ إِلَى الْقعُود رَجَعَ وَفِي السُّجُود نظر قَالَ الصيدلاني يسْجد لِأَنَّهُ فعل كثير من جنس الصَّلَاة وَيحْتَمل أَن يُقَال إِن الخطوتين تزيد عَلَيْهِ فَلَا تبطل الصَّلَاة بعمده بِخِلَاف الانتصاب وَالرُّكُوع فَإِنَّهُمَا من جنس وَاجِبَات الصَّلَاة
الْموضع الرَّابِع إِذا جلس عَن قيام الرَّكْعَة الْأَخِيرَة للتَّشَهُّد قبل السُّجُود فَإِذا تذكر بعد التَّشَهُّد تدارك السُّجُود وَأعَاد التَّشَهُّد وَسجد للسَّهْو لِأَنَّهُ زَاد قعُودا طَويلا فِي غير وقته وَلَو ترك السَّجْدَة الثَّانِيَة فَتشهد ثمَّ تذكر تداركها وَأعَاد التَّشَهُّد وَلَا يسْجد لِأَن الْجُلُوس بَين السَّجْدَتَيْنِ ركن طَوِيل إِلَّا إِذا قُلْنَا إِنَّه قصير أَو قُلْنَا مُجَرّد نقل الرُّكْن يبطل
فَأَما إِذا جلس عَن قيام وَلم يتَشَهَّد فَإِن طول سجد للسَّهْو وَإِن كَانَ خَفِيفا فَلَا لِأَن جلْسَة الاسْتِرَاحَة معهودة فِي الصَّلَاة وَهَذَا يساويها وَإِن لم يكن فِي مَحَله بِخِلَاف الرُّكُوع وَالسُّجُود
الْموضع الْخَامِس إِذا تشهد فِي الْأَخِيرَة وَقَامَ إِلَى الْخَامِسَة نَاسِيا لم تبطل

(2/192)


صلَاته وَإِن كثرت أَفعاله الزَّائِدَة لِأَنَّهُ من جنس الصَّلَاة فَلَا تضر مَعَ النسْيَان وَلَكِن إِذا عَاد فَالْقِيَاس أَنه لَا يُعِيد التَّشَهُّد بل يسْجد للسَّهْو وَيسلم وَلَكِن ظَاهر النَّص أَنه يتَشَهَّد وَعلل ابْن سُرَيج بعلتين
إِحْدَاهمَا رِعَايَة الْوَلَاء بَين التَّشَهُّد وَالسَّلَام
وَالثَّانيَِة أَن لَا يبْقى السَّلَام مُنْفَردا غير مُتَّصِل بِرُكْن من أحد الْجَانِبَيْنِ والمعنيان ضعيفان
وَفرع على الْمَعْنيين مَا إِذا هوى إِلَى السُّجُود قبل الرُّكُوع فَإِن حاذرنا بَقَاء السَّلَام فَردا فيكفيه أَن يرْتَفع إِلَى حد الراكعين وَإِن راعينا الْوَلَاء فَيَنْبَغِي أَن يقوم ويركع عَن الْقيام ليتصل الرُّكُوع بِقِيَام يعْتد بِهِ
الْموضع السَّادِس إِذا شكّ فِي أثْنَاء الصَّلَاة فِي عدد الرَّكْعَات أَخذنَا بِالْأَقَلِّ وَسجد للسَّهْو لاحْتِمَال الزِّيَادَة وَلَو سلم ثمَّ شكّ فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال

(2/193)


أَحدهَا أَن ذَلِك محطوط عَنهُ لِأَن الشَّك يكثر بعد الْفَرَاغ فَلَا سَبِيل إِلَى تتبعه
وَالثَّانِي أَنه كالشك فِي الصَّلَاة فَإِن الأَصْل أَنه لم يفعل فَإِن قرب الزَّمَان قَامَ إِلَى التَّدَارُك وَسجد للسَّهْو لِأَنَّهُ سلم فِي غير مَحَله وَإِن طَال الزَّمَان فَلَا وَجه إِلَّا الْقَضَاء والاستئناف
وَالْقَوْل الثَّالِث وَهُوَ من تصرف الْأَصْحَاب أَنه إِذا شكّ بعد تطاول الزَّمَان فَلَا يعْتَبر لِأَن من تفكر فِي صَلَاة أمسه فيتشكك فِيهَا وغن قرب الزَّمَان يعْتَبر
وَلَيْسَ من الشَّك أَن لَا يتَذَكَّر كَيْفيَّة صلَاته السَّابِقَة بل الشَّك أَن يتعارض اعتقادان على التَّنَاقُض بِأَسْبَاب حَاضِرَة فِي الذّكر توجب تنَاقض الِاعْتِقَاد
قَوَاعِد أَرْبَعَة

الأولى من شكّ فِي السَّهْو فَإِن كَانَ شكه فِي ترك مَأْمُور سجد للسَّهْو إِذْ الأَصْل أَنه لم يَفْعَله وَإِن شكّ فِي ارْتِكَاب مَنْهِيّ لم يسْجد لِأَن الأَصْل أَنه لم

(2/194)


يرتكب وَلَو علم السَّهْو وَشك فِي أَنه هَل سجد لَهُ أم لَا فَالْأَصْل أَنه لم يسْجد وَلَو سجد للسَّهْو فَلم يدر أَسجد سَجْدَتَيْنِ أم وَاحِدَة أَخذ بِالْأَقَلِّ لِأَن الأَصْل عدمهَا فَيسْجد سَجْدَة أُخْرَى ثمَّ لَا يسْجد لهَذَا السَّهْو لِأَنَّهُ يجْبر نَفسه وَغَيره
وَالْأَخْذ بِالْيَقِينِ مطرد إِلَّا فِي مَسْأَلَة وَهِي من شكّ أصلى ثَلَاثًا أَو أَرْبعا أَخذ بِالْأَقَلِّ وَسجد لوُرُود الحَدِيث وَإِن كَانَ الأَصْل أَنه لم يزدْ قَالَ الشَّيْخ

(2/195)


أَبُو عَليّ سَبَب السُّجُود أَنه إِن لم يزدْ فقد أدّى الرَّابِعَة مَعَ تَجْوِيز أَنَّهَا خَامِسَة فتطرق إِلَيْهِ نقص حَتَّى لَو تَيَقّن قبل السَّلَام أَنَّهَا رَابِعَة سجدا أَيْضا لوُجُود التَّرَدُّد فِي نفس الرَّكْعَة
وَأنكر الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد تَعْلِيله وتفريعه وَقَالَ لَا يسْجد إِذا زَالَ التَّرَدُّد قبل السَّلَام
الثَّانِيَة إِذا تكَرر السَّهْو لم يتَكَرَّر السُّجُود بل يَكْفِي لجَمِيع أَنْوَاع السَّهْو سَجْدَتَانِ وَقَالَ ابْن أبي ليلى لكل سَهْو سَجْدَتَانِ وَهُوَ لفظ الْخَبَر لَكِن مَعْنَاهُ تَعْمِيم السُّجُود على أَنْوَاع السَّهْو كَمَا يُقَال لكل ذَنْب تَوْبَة فَلَا يتَكَرَّر سُجُود السَّهْو إِلَّا إِذا أَدَّاهُ فِي غير مَحَله كَمَا إِذا سجد فِي صَلَاة الْجُمُعَة ثمَّ بَان لَهُم أَن الْوَقْت خَارج تمموها ظهرا وأعادوا السُّجُود وَكَذَا الْمُسَافِر إِذا قصر وَسجد فَتبين لَهُ انْتِهَاء السَّفِينَة إِلَى دَار الْإِقَامَة أتم وَأعَاد السُّجُود وَكَذَا الْمَسْبُوق إِذا سجد لسهو الإِمَام

(2/196)


مُتَابعَة أعَاد فِي آخر صَلَاة نَفسه على رَأْي
فرع

لَو ظن سَهوا فَسجدَ ثمَّ تبين أَنه لم يكن سَهْو فقد زَاد إِذا سَجْدَتَيْنِ
قَالَ بعض الْمُحَقِّقين يسْجد الْآن لزِيَادَة السَّجْدَتَيْنِ
قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد ذَلِك السُّجُود سُجُود سَهْو من وَجه وجبر لنَفسِهِ من وَجه كالشاة من الْأَرْبَعين فَإِنَّهَا تزكي نَفسهَا وَبَقِيَّة النّصاب
الثَّالِثَة إِذا سَهَا الْمَأْمُوم لم يسْجد بل الإِمَام يتَحَمَّل عَنهُ كَمَا يتَحَمَّل عَنهُ سُجُود التِّلَاوَة وَدُعَاء الْقُنُوت والجهر فِي الجهرية وَالْقِرَاءَة واللبث فِي الْقيام من الْمَسْبُوق وَكَذَا التَّشَهُّد الأول عَن الْمَسْبُوق بِرَكْعَة وَاحِدَة فَإِن ثانيته ثَالِثَة الإِمَام وَلَا يقْعد فِيهَا
نعم لَو سلم الإِمَام وَسلم الْمَسْبُوق نَاسِيا قَامَ إِلَى التَّدَارُك وَسجد لسَهْوه بِالسَّلَامِ بعد مُفَارقَة الإِمَام
فرع

لَو سمع صَوتا فَظن أَن الإِمَام سلم فَقَامَ ليتدارك ثمَّ عَاد إِلَى الْجُلُوس وَالْإِمَام بعد فِي الصَّلَاة فَكل مَا جَاءَ بِهِ سَهْو لَا يعْتد بِهِ وَلَا يسْجد لِأَن الْقدْوَة مطردَة فَإِذا سلم الإِمَام فليتدارك الْآن وَإِن تذكر فِي الْقيام أَن الإِمَام لم يَتَخَلَّل فَليرْجع

(2/197)


إِلَى الْقعُود أَو لينتظر قَائِما سَلَامه ثمَّ ليشتغل بِقِرَاءَة الْفَاتِحَة
الرَّابِعَة إِذا سَهَا الإِمَام سجد وَسجد الْمَأْمُوم لمتابعته فَلَو ترك قصدا بطلت صلَاته لمُخَالفَته وَلَو ترك الإِمَام السُّجُود فَظَاهر النَّص أَن الْمَأْمُوم يسْجد ثمَّ يسلم لِأَن سُجُوده لسهو الإِمَام ولمتابعته جَمِيعًا وَمذهب الْبُوَيْطِيّ والمزني وَطَائِفَة من الْأَصْحَاب أَنه لَا يسْجد لِأَنَّهُ يسْجد لمتابعة الإِمَام
فرع

إِذا سهى الإِمَام بعد اقْتِدَاء الْمَسْبُوق سجد وَيسْجد الْمَأْمُوم مَعَه للمتابعة وَإِن لم يكن آخر صلَاته هَذَا هُوَ الظَّاهِر
وَهل يُعِيد فِي آخر صلَاته

(2/198)


فِيهِ قَولَانِ يلتفتان على أَنه يسْجد للسَّهْو أَو لمتابعته
وَإِن لم يسْجد الإِمَام فَظَاهر النَّص أَنه يسْجد فِي آخر صَلَاة نَفسه وَإِن كَانَ الإِمَام سهى قبل اقتدائه فَهَل يلْحقهُ حكمه كَمَا بعد الِاقْتِدَاء
ظَاهر الْمَذْهَب أَنه يلْحقهُ
النّظر الثَّانِي فِي مَحل السُّجُود وكيفيته

وَظَاهر النَّص الْجَدِيد أَنه يسْجد سَجْدَتَيْنِ بعد التَّشَهُّد قبل السَّلَام
وَقَالَ مَالك إِن كَانَ السَّهْو نُقْصَانا فَهُوَ قبل السَّلَام وَإِن كَانَ زِيَادَة فبعده وَقَالَ أَبُو حنيفَة يسْجد بعد السَّلَام وَمذهب مَالك قَول قديم
والتخيير بَين التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير قَول ثَالِث
ومستند الْأَقْوَال تعَارض الْأَخْبَار وَلَكِن كَانَ آخر سُجُود الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل السَّلَام فَكَأَنَّهُ نَاسخ لغيره

(2/199)


ثمَّ هَذَا الِاخْتِلَاف فِي الولى أَو الْوُجُوب فِيهِ وَجْهَان
فَإِن فرعنا على أَنه قبل السَّلَام فَلَو سلم عَامِدًا قبل السُّجُود فقد فَوت على نَفسه
وَإِن سلم نَاسِيا وتذكر على الْقرب فَهَل يسْجد فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ مسنون وَالسَّلَام ركن جرى محللا
وَالثَّانِي نعم وَكَأن السَّلَام مَوْقُوف فَإِن عَن لَهُ السُّجُود بَان أَنه لم يتَحَلَّل حَتَّى لَو أحدث فِي السُّجُود بطلت صلَاته وَإِن عَن لَهُ أَن لَا يسْجد بَان أَنه كَانَ محللا

(2/200)


لَو طَال الزَّمَان ثمَّ تذكر تبين أَنه كَانَ محللا إِذْ تعذر التَّدَارُك
وَإِن فرعنا على أَنه بعد السَّلَام فَهَل يفوت بطول الْفَصْل وَجْهَان
أصَحهمَا أَنه يفوت لِأَنَّهُ من التوابع كالتسليمة الثَّانِيَة
وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ جبران فيضاهي جبرانات الْحَج

(2/201)


السجد الثَّانِيَة سَجْدَة التِّلَاوَة

وَهِي سنة مُؤَكدَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِنَّهَا وَاجِبَة
ومواضعها فِي الْقُرْآن أَربع عشرَة آيَة وَلَيْسَ فِي صُورَة ص سَجْدَة خلافًا لأبي حنيفَة وَفِي الْحَج سَجْدَتَانِ وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من لم يسجدهما لم يقرأهما وَقَالَ أَبُو حنيفَة فِيهَا سَجْدَة وَاحِدَة
وَأثبت ابْن سُرَيج سَجْدَة ص

(2/202)


وَالْقَوْل الْقَدِيم أَن السجدات إِحْدَى عشرَة إِذْ روى ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ أَنه مَا سجد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمفصل بعد مَا هَاجر
وَلَكِن روى الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ بِإِسْنَادِهِ فِي الْجَدِيد أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام سجد فِي سُورَة {إِذا السَّمَاء انشقت} قد رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة وَقد أسلم بعد الْهِجْرَة بِسنتَيْنِ

(2/203)


ثمَّ هَذِه السجدات مَشْرُوعَة فِي حق الْقَارئ والمستمع أَيْضا إِذا كَانَ متطهرا فَإِن لم يسْجد الْقَارئ لم يتَأَكَّد الِاسْتِحْبَاب فِي حق المستمع وَهَذَا فِي غير الصَّلَاة أما فِي الصَّلَاة فَلَا يسْجد الْمَأْمُوم إِلَّا لقِرَاءَة إِمَامه إِذا سجد مُتَابعَة لَهُ وَلَا يسْجد لقِرَاءَة نَفسه وَلَا لقِرَاءَة غير الإِمَام
وَمن قَرَأَ آيَة من مجْلِس وَاحِد مرَّتَيْنِ فَهَل تشرع السَّجْدَة الثَّانِيَة لَهُ فِيهِ وَجْهَان
فَإِن قيل وَمَا كَيْفيَّة هَذِه السَّجْدَة قُلْنَا هى سَجْدَة وَاحِدَة تفْتَقر إِلَى شَرَائِط الصَّلَاة كالاستقبال وَالطَّهَارَة والستر وَفِي أقلهَا ثَلَاثَة أوجه الْأَصَح أَنَّهَا سَجْدَة فردة
يسْتَحبّ أَن يكبر عِنْد الْهوى إِلَى الأَرْض وَقيل لَا يسْتَحبّ وَهُوَ بعيد
وَالثَّانِي أَنه لَا بُد من التَّحَرُّم بِالتَّكْبِيرِ وَالنِّيَّة وَسجْدَة وَسَلام

(2/204)


وَفِي التَّشَهُّد وَجْهَان فَإِن قُلْنَا لَا يجب فَفِي اسْتِحْبَاب التَّشَهُّد وَجْهَان وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سُجُود التِّلَاوَة يَقُول سجد وَجْهي للذى خلقه وشق سَمعه وبصره بحوله وقوته
وَرُوِيَ أَنه قَالَ اللَّهُمَّ اكْتُبْ لي عنْدك بهَا أجرا وَاجْعَلْهَا لي عنْدك ذخْرا واقبلها مني كَمَا قبلت من عَبدك دَاوُد

(2/205)


الثَّالِث أَن التَّحَرُّم لَا بُد مِنْهُ أما السَّلَام فَلَا هَذَا فِي غير الصَّلَاة أما الْمُصَلِّي فيكفيه سَجْدَة وَاحِدَة وَيسْتَحب فِي حَقه تَكْبِير الْهَوِي وَلَا يسْتَحبّ رفع الْيَد وَفِي غير الصَّلَاة قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ يسْتَحبّ رفع الْيَد لِأَنَّهُ تَكْبِيرَة التَّحَرُّم
فرع

إِذا كَانَ مُحدثا فِي حَال التِّلَاوَة أَو كَانَ متطهرا وَترك السُّجُود حَتَّى طَال الْفَصْل فَفِي قَضَائهَا قَولَانِ كَمَا فِي النَّوَافِل ذكرهمَا صَاحب التَّقْرِيب وَقَالَ مَا لَا يتَقرَّب بِهِ ابْتِدَاء لَا يقْضى كَصَلَاة الخسوف وَالِاسْتِسْقَاء وَهَذَا إِشَارَة إِلَى أَن المتقرب بِسَجْدَة من غير سَبَب جَائِز
وَكَانَ الشَّيْخ أَو مُحَمَّد شدد النكير على فَاعل ذَلِك وَهُوَ الصَّحِيح
فعلى هَذَا يبعد الْقَضَاء

(2/206)


السَّجْدَة الثَّالِثَة سَجْدَة الشُّكْر

وَهِي مسنونة عِنْد مفاجأة الْإِنْسَان نعْمَة أَو دفع بلية وَلَا يسْتَحبّ لاستمرار نعْمَة
وَلَو بشر بِولد فِي صلَاته فَسجدَ بطلت صلَاته بِخِلَاف التِّلَاوَة فَإِن لَهَا تعلقا بِالصَّلَاةِ
ثمَّ إِن رأى فَاسِقًا وَسجد شكرا على دفع الْمعْصِيَة فليظهره فَلَعَلَّهُ يرعوي
وَإِن رأى مبتلى فَلَا يظهره كي لَا يتَأَذَّى بِهِ
فرع

سُجُود التِّلَاوَة فِي أثْنَاء الصَّلَاة يُؤدى على الرَّاحِلَة فَأَما فِي غير الصَّلَاة فَهَل يُؤدى على الرَّاحِلَة فِيهِ خلاف كَمَا فِي صَلَاة الْجِنَازَة لِأَن أظهر أَرْكَانه تَمْكِين الْجَبْهَة من الأَرْض وينمحي بِالْإِيمَاءِ وَكَذَا الْخلاف فِي سُجُود الشُّكْر

(2/207)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب السَّابِع فِي صَلَاة التَّطَوُّع - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه فصلان
الأول فِي السّنَن الرَّوَاتِب تبعا للفرائض وَهُوَ إِحْدَى عشرَة رَكْعَة

رَكْعَتَانِ قبل الصُّبْح وركعتان قبل الظّهْر وركعتان بعده وركعتان بعد الْمغرب وركعتان بعد الْعشَاء وَالْوتر رَكْعَة
وَزَاد آخَرُونَ رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ قبل الظّهْر
وَزَاد بَعضهم أَربع رَكْعَات قبل الْعَصْر فَيصير الْعدَد سبع عشرَة على وفْق عدد الْفَرَائِض
وَلم يواظب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على سنة قبل الْعَصْر حسب مواظبته على رَكْعَتَيْنِ قبل الظّهْر وَاسْتحبَّ بعض الْأَصْحَاب رَكْعَتَيْنِ قبل الْمغرب

(2/208)


أما الْوتر فَسنة وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَاجِب
وَأَحْكَامه خَمْسَة

الأول أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أوتر بِوَاحِدَة وَثَلَاث وَخمْس وَكَذَا بالأوتار إِلَى إِحْدَى عشرَة
وَالنَّقْل مُتَرَدّد فِي ثَلَاث عشرَة فَلَو زَاد على هَذَا الْعدَد فَفِي صِحَة إيتاره

(2/209)


وَجْهَان وَجه الْمَنْع أَن هَذِه سنة مُؤَكدَة فَيتبع فِي حَدهَا التَّوْقِيف كركعتي الصُّبْح
وَوجه الْجَوَاز أَن اخْتِلَاف فعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يدل على فتح الْبَاب
الثَّانِي إِذا زَاد على الْوَاحِدَة فَفِي التَّشَهُّد وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه يتَشَهَّد تشهدين فِي الْأَخِيرَتَيْنِ وَالثَّانِي أَنه يتَشَهَّد فِي الْأَخِيرَة تشهدا وَاحِدًا كَيْلا يشْتَبه بالمغرب إِن كَانَ ثَلَاثًا وكل ذَلِك مَنْقُول وَالْكَلَام فِي الأولى نعم لَو تشهد فِي كل رَكْعَة فَهَذَا لم ينْقل
الثَّالِث الْأَفْضَل فِي عدد الرَّكْعَات مَاذَا فِيهِ أَرْبَعَة أوجه

(2/210)


أَحدهمَا أَنه ثَلَاثَة مَوْصُولَة أفضل فَإِن الرَّكْعَة المفردة لَيست صَلَاة عِنْد قوم فليحترز عَن شُبْهَة الْخلاف
الثَّانِي أَن رَكْعَة فردة أولى من ثَلَاثَة مَوْصُولَة بل من إِحْدَى عشرَة مَوْصُولَة لِأَنَّهُ صَحَّ مواظبته على الفردة فِي آخر التَّهَجُّد
الثَّالِث أَن ثَلَاثَة مفصولة بسلامين أفضل من ثَلَاثَة مَوْصُولَة وَلَكِن الْوَاحِدَة لَيست أفضل من ثَلَاثَة مَوْصُولَة
الرَّابِع أَن الإِمَام تسْتَحب فِي حَقه الموصولة لاخْتِلَاف اعْتِقَاد المقتدين بِهِ حَتَّى تصح صلَاته فِي كل مَذْهَب
الحكم الرَّابِع حق الْوتر أَن يكون موترا لما قبله
فَلَو أوتر بِوَاحِدَة قبل الْفَرْض لم يَصح وتره على الْمَذْهَب وَلَو أوتر بِوَاحِدَة بعد الْفَرْض فَوَجْهَانِ
وَوجه الْمَنْع أَن الموتر هُوَ النَّفْل وَكَأَنَّهُ مُقَدّمَة مَشْرُوطَة لصِحَّة الْوتر فَإِن وصل بهما تَسْلِيمَة وَاحِدَة نوى بِالْكُلِّ الْوتر وَإِن لم يصل نوى سنة ثمَّ يصير وترا بِمَا بعْدهَا
وَليكن الْوتر آخر صلوَات المتهجد كَانَ عمر رَضِي الله عَنهُ لَا يُوتر وينام ثمَّ يقوم وَيُصلي ويوتر وَكَانَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ يُوتر ثمَّ ينَام وَيقوم ويتهجد

(2/211)


ووتره سَابق فَتَرَافَعَا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ هَذَا أَخذ بالحزم عَنى بِهِ أَبَا بكر وَهَذَا أَخذ بِالْقُوَّةِ عَنى بِهِ عمر
وَكَانَ ابْن عمر يُوتر ثمَّ إِذا انتبه صلى رَكْعَة وَجعل وتره شفعا ويتهجد ثمَّ أعَاد الْوتر وسمى ذَلِك نقض الْوتر

(2/212)


وَاخْتَارَ الشَّافِعِي فعل أبي بكر رَضِي الله عَنهُ وأرضاه
الْخَامِس الْقُنُوت مُسْتَحبّ فِي الْوتر فِي النّصْف الْأَخير من رَمَضَان بعد رفع الرَّأْس من الرُّكُوع
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يقنت قبل الرُّكُوع فِي الْوتر جَمِيع السّنة
وَقَالَ مَالك بعد الرُّكُوع فِي جَمِيع شهر رَمَضَان
وَفِي الْجَهْر بِالْقُنُوتِ خلاف
وَالْعَادَة قِرَاءَة {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} و {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} فِي الْأَوليين وَقِرَاءَة سُورَة الْإِخْلَاص والمعوذتين فِي الْأَخِيرَة وَقيل إِن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا رَوَت ذَلِك

(2/213)


الْفَصْل الثَّانِي فِي غير الرَّوَاتِب

وهى تَنْقَسِم إِلَى مَا يشرع فِيهِ الْجَمَاعَة كالعيدين والخسوفين وَالِاسْتِسْقَاء وَهِي أفضل مِمَّا لَا جمَاعَة فِيهِ وأفضلها العيدان لتأقيتهما ثمَّ الخسوفان
أما الرَّوَاتِب فأفضلها الْوتر وركعتا الْفجْر وَفِيهِمَا قَولَانِ
أَحدهمَا أَن الْوتر أفضل لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ وَإِن زادكم صَلَاة هى خير لكم من حمر النعم
وَالثَّانِي رَكعَتَا الْفجْر أفضل لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام رَكعَتَا الْفجْر خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا

(2/214)


فَأَما مَا عدا الرَّوَاتِب مِمَّا لَا تشرع الْجَمَاعَة فِيهَا كَصَلَاة الضُّحَى وتحية الْمَسْجِد وركعتي الطّواف وَسَائِر التطوعات الَّتِى لَا سَبَب لَهَا
وَفِي التَّرَاوِيح ثَلَاثَة أوجه
أَحدهمَا أَن الْجَمَاعَة أولى تأسيا بعمر رَضِي الله عَنهُ
وَالثَّانِي الِانْفِرَاد أولى لِأَن الأستخلاء بِصَلَاة اللَّيْل أبعد من الرِّيَاء
وَالثَّالِث أَنه إِن كَانَ لَا يخَاف الكسل ويحفظ الْقُرْآن فالانفراد أولى وَإِلَّا فالجماعة وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فضل تطوع الرجل فِي بَيته على تطوعه فِي الْمَسْجِد كفضل صَلَاة الْمَكْتُوبَة فِي الْمَسْجِد على صلَاته فِي بَيته وَرُوِيَ أَنه قَالَ صَلَاة فِي

(2/215)


مَسْجِدي هَذَا أفضل من مائَة صَلَاة فِي غَيره من الْمَسَاجِد وَصَلَاة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام أفضل من ألف صَلَاة فِي مَسْجِدي وَأفضل من ذَلِك كل رجل يُصَلِّي فِي زَاوِيَة بَيته رَكْعَتَيْنِ لَا يعلمهما إِلَّا الله

(2/216)


قَوَاعِد ثَلَاثَة

الأولى التطوعات الَّتِى لَا سَبَب لَهَا لَا حصر لركعاتها فَإِن تحرم بِرَكْعَة جَازَ لَهُ أَن يُتمهَا مائَة بِتَسْلِيمَة وَاحِدَة إِن تحرم بِمِائَة جَازَ لَهُ أَن يقْتَصر على وَاحِدَة فَمَا فَوْقهَا وَله أَن يتَشَهَّد بَين كل رَكْعَتَيْنِ أَو فِي كل رَكْعَة أَو فِي آخر الصَّلَاة فَقَط وَالْأولَى من التطوعات مثنى مثنى على نهج الرَّوَاتِب
الثَّانِيَة فِي قَضَاء النَّوَافِل ثَلَاثَة أَقْوَال
أَحدهمَا أَنَّهَا تقضى قِيَاسا على الْفَرَائِض
وَالثَّانِي لَا وَالْأَصْل أَن الْقَضَاء يجب بِأَمْر مُجَدد فَأَما الْفَرَائِض فَإِنَّهَا دُيُون لَازِمَة
وَالثَّالِث مَا تأقت بِوَقْت وَلم يتبع فَرِيضَة كَصَلَاة الْعِيد وَالضُّحَى يقْضى والتوابع لَا تقضى
فَإِن فرعنا على الْقَضَاء فَالصَّحِيح أَنه يقْضى أبدا

(2/217)


وَقيل إِن فَائت النَّهَار يقْضى بِالنَّهَارِ وفائت اللَّيْل بِاللَّيْلِ وَلَا يتَجَاوَز ذَلِك
وَقيل تقضى نَافِلَة كل صَلَاة مَا لم يدْخل وَقت فَرِيضَة أُخْرَى أما رَكعَتَا الصُّبْح فتؤدى بعد فعل الصُّبْح وَلَا يكون قَضَاء فَإِن تَقْدِيمه أدب
الثَّالِثَة يُؤَدِّي النَّافِلَة قَاعِدا مَعَ الْقُدْرَة على الْقيام وَفِي الِاضْطِجَاع خلاف
وَلَو قَالَ لله عَليّ أَن أقوم فِي كل نَافِلَة لم يلْزمه كَمَا لَو الْتزم الْإِتْمَام وَالصَّوْم فِي السّفر فَإِن هَذَا تَغْيِير الشَّرْع فخلاف مَا لَو قَالَ لله عَليّ أَن أُصَلِّي أَربع رَكْعَات قَائِما فَإِن ذَلِك يلْزمه وَلَو لم يقل قَائِما وَقُلْنَا النّذر ينزل على وَاجِب الشَّرْع لَا على جائزه يلْزمه

(2/218)