الوسيط في المذهب

= كتاب اللّقطَة = وَفِيه بَابَانِ

(4/279)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي أَرْكَانهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهِي ثَلَاثَة الأول الِالْتِقَاط
وَهُوَ عبارَة عَن أَخذ مَال ضائع ليعرفها الْآخِذ سنة ثمَّ يتملكها بعد مُضِيّ السّنة ويضمنها لمَالِكهَا إِن ظهر وَفِيه أَخْبَار
وَفِيه مَسْأَلَتَانِ
إِحْدَاهمَا فِي وجوب الِالْتِقَاط
نقل الْمُزنِيّ أَنه قَالَ لَا أحب تَركه وَقَالَ فِي الْأُم لَا يجوز تَركه
فَمنهمْ من أطلق قَوْلَيْنِ وَمِنْهُم من نزل على حالتين فَأوجب إِن كَانَ يضيع لَو لم يَأْخُذهُ وَلم يُوجب إِذا كَانَ لَا يضيع
وَالأَصَح الْقطع بِأَنَّهُ لَا يجب لِأَنَّهُ بَين أَن يكون كسبا أَو أَمَانَة فَلَا معنى لوُجُوبه وَأَرَادَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ بقوله تَأْكِيد النّدب

(4/281)


نعم يسْتَحبّ إِن كَانَ يَثِق بأمانة نَفسه وَإِن خَافَ على نَفسه فَفِي جَوَاز الْأَخْذ وَجْهَان يجْرِي مثله فِيمَن يتَوَلَّى الْقَضَاء وَهُوَ يخَاف الْخِيَانَة
وَوجه الْجَوَاز أَنه لم يعرف الْخِيَانَة فنأمره بالاحتراز
الثَّانِيَة فِي وجوب الْإِشْهَاد على اللّقطَة وَجْهَان لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
من الْتقط لقطَة فليشهد عَلَيْهَا فَاحْتمل أَن يكون إِيجَابا أَو اسْتِحْبَابا وإرشادا لقَوْله تَعَالَى {واستشهدوا شهيدين من رجالكم}
فَإِذا أشهد فليعرف الشَّاهِد بعض الْأَوْصَاف ليَكُون فِيهِ فَائِدَة وَلَا يَنْبَغِي أَن يستوعب فَإِنَّهُ رُبمَا يشيع فيعتمده الْمُدَّعِي الْكَاذِب ويتوسل بِهِ

(4/282)


الرُّكْن الثَّانِي فِي الْمُلْتَقط

وأهلية الِالْتِقَاط لمن لَهُ أَهْلِيَّة الْأَمَانَة وَالْكَسْب وَالْولَايَة فَإِن هَذِه المشابه ظَاهِرَة فِي اللّقطَة فَإِنَّهَا أَمَانَة فِي الْحَال وَولَايَة بِإِثْبَات الْيَد وَكسب بِالْإِضَافَة إِلَى ثَانِي الْحَال فَيثبت جَوَاز الِالْتِقَاط لكل مُسلم حر مُكَلّف عدل
وَالنَّظَر فِي الْكَافِر وَالرَّقِيق وَالصَّبِيّ وَالْفَاسِق
أما الْكَافِر فَهُوَ من أهل الِالْتِقَاط قطع بِهِ المراوزة
وَذكر الْعِرَاقِيُّونَ وَجْهَيْن وَكَأَنَّهُم رَأَوْا بذلك تسلطا فِي دَار الْإِسْلَام كالإحياء إِذْ لم يروه من أهل الْأَمَانَة
أما الْفَاسِق فَلَا يجوز لَهُ أَخذه فَإِن أَخذه فَهَل يَصح الْتِقَاطه لإِفَادَة الإحكام فِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ أَمَانَة فِي الْحَال وَفِيه شُبْهَة الْولَايَة وَالْفَاسِق لَا يَلِيهِ الشَّرْع الْأَمَانَات
وَالثَّانِي نعم لِأَن مَاله التَّمَلُّك وَهُوَ مَقْصُوده وَالْفَاسِق من أهل الِاكْتِسَاب

(4/283)


التَّفْرِيع
إِن قُلْنَا إِنَّه لَيْسَ أَهلا فَلَو التقطه فَهُوَ غَاصِب وَلَو عرف لم يمتلك وَلَو تلف فِي يَده ضمن
وَفِي انتزاع القَاضِي من يَده وَجْهَان كَمَا فِي انْتِزَاعه من يَد الْغَاصِب
وَوجه الْمَنْع أَنه مَضْمُون فِي يَده وَيكون فِي يَد القَاضِي أَمَانَة
ثمَّ فِي بَرَاءَته عَن الضَّمَان عِنْد الانتزاع وَجْهَان
وَفِي جَوَاز الانتزاع لآحاد النَّاس احتسابا وَفِي بَرَاءَة الْغَاصِب بِهِ وَجْهَان مرتبان وَأولى بِالْمَنْعِ لِأَن النّظر للْغَائِب يَلِيق للقضاة
وَإِن فرعنا على أَنه أَهله فَهُوَ كالعدل حَتَّى يملك بعد الْمدَّة ويتلف أَمَانَة فِي يَده
وَلَكِن القَاضِي ينْزع من يَده أَو ينصب عَلَيْهِ رقيبا فِيهِ وَجْهَان لِأَن النّظر للْمَالِك فِي أَن لَا يهمل إِلَّا بانتزاع أَو مراقبة
أما الرَّقِيق فَفِيهِ أَيْضا قَولَانِ لِأَنَّهُ أهل الْكسْب لَا من أهل الْأَمَانَة وَالْولَايَة فَإِن قُلْنَا لَيْسَ من أَهله فَهِيَ فِي يَده مَضْمُونَة إِن تلف تعلّقت الْقيمَة بِرَقَبَتِهِ

(4/284)


وَإِن فضلت قِيمَته فَلَا يُطَالب السَّيِّد بِهِ إِن لم يعلم وَإِن علم وَلم ينْزع من يَده
نقل الْمُزنِيّ أَنه يُطَالب وَكَأن يَده يَد السَّيِّد بعد علمه وَنقل الرّبيع أَنه لَا يُطَالب وَهُوَ الْأَصَح كَمَا أَو أذن لَهُ فِي الْإِتْلَاف وكما لَو لم يعلم
وَأما الانتزاع من يَده فللسيد أَن يُطَالب القَاضِي بِإِزَالَة يَده ليخرج عَن ضَمَان عَبده فجواز الانتزاع والبراءة من الضَّمَان هَاهُنَا مُرَتّب على الْفَاسِق وَأولى بِالْجَوَازِ لغَرَض السَّيِّد
أما السَّيِّد لَو أَرَادَ أَن يَأْخُذهُ على قصد الِالْتِقَاط أَو الْأَجْنَبِيّ أَرَادَ ذَلِك قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ هُوَ جَائِز وَكَأَنَّهُ يعد فِي مضيعة إِذْ هُوَ لَيْسَ أَهلا فَكَأَنَّهُ لم يلتقط بعد
وَفِيه نظر لِأَنَّهُ وَقع فِي مَحل مَضْمُون والالتقاط هُوَ الْأَخْذ من مَحل مضيع وَلكنه ينقدح خلاف فِي أَنه هَل تحصل الْبَرَاءَة بانتزاعه كَمَا فِي الْأَجْنَبِيّ وَهَاهُنَا أولى بِالْمَنْعِ لِأَنَّهُ لَيْسَ يتمحض حَسبه إِذْ لَهُ فِيهِ غَرَض

(4/285)


فرع لَو عق العَبْد بعد الِالْتِقَاط فقد تردد الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد فِي أَن طرآن الْحُرِّيَّة على دوَام اللّقطَة هَل يَصح اللّقطَة حَتَّى يُفِيد حكمهَا وَهُوَ مُحْتَمل
أما إِذا قُلْنَا هُوَ أهل الِالْتِقَاط فَإِن عرف وتملك بِإِذن السَّيِّد صَحَّ وَحصل الْملك للسَّيِّد وَإِن اسْتَقل بِهِ فَفِيهِ وَجْهَان كَمَا فِي شِرَائِهِ لِأَنَّهُ تملك بعوض وَأولى بِالْفَسَادِ لِأَن البَائِع رَاض بِذِمَّتِهِ فَلَا يُطَالب السَّيِّد وَهَاهُنَا الْمُلْتَقط يتبع من لَهُ الْملك فيعرضه للمطالبة
فَأَما الضَّمَان فَإِن تلف قبل مُضِيّ الْمدَّة فأمانة وَإِن تلف بعد مُضِيّ الْمدَّة والتملك فمضمون على السَّيِّد إِن أذن فِي التَّمَلُّك وَكَذَلِكَ إِذا أذن فِي قصد التَّمَلُّك وَبعد لم يجز التَّمَلُّك لِأَنَّهُ مَأْخُوذ على جِهَة التَّمَلُّك ويتلعق بِذِمَّة العَبْد أَيْضا لكَونه فِي يَده
وَفِيه وَجه أَنه لَا يتَعَلَّق بالسيد كَمَا لَو أذن فِي الْغَصْب وَهُوَ ضَعِيف بل تشبيهه بِالْإِذْنِ فِي الشِّرَاء أولى
وَإِن لم يكن أذن السَّيِّد فِيهِ فَيتَعَلَّق بِذِمَّة العَبْد وَلَا يتَعَلَّق بِرَقَبَتِهِ لِأَنَّهُ لَا جِنَايَة مِنْهُ وَهُوَ أَمَانَة وَقد تلف بِآفَة سَمَاوِيَّة

(4/286)


وَفِيه وَجه أَنه يتَعَلَّق بِرَقَبَتِهِ لِأَنَّهُ وَجب بِغَيْر رضَا مُسْتَحقّه
أما إِذا أتْلفه العَبْد بعد الْمدَّة فَالظَّاهِر أَنه يتَعَلَّق بِرَقَبَتِهِ وَذكر صَاحب التَّقْرِيب وَجها أَنه يتَعَلَّق بِذِمَّتِهِ كَمَا لَو أتلف الْمَبِيع كَأَن ذَلِك تسليط من الْمَالِك وَهَذَا تسليط على الْمَالِك من الشَّرْع
فرعان

أَحدهمَا الْمكَاتب نَص أَنه كَالْحرِّ فَمنهمْ من قطع بِهِ لِأَنَّهُ أهل الِاسْتِقْلَال وَمِنْهُم من طرد الْقَوْلَيْنِ فَإِن قُلْنَا إِنَّه أَهله فَإِن عرف ملك بِنَفسِهِ وَإِن قُلْنَا لَيْسَ أَهلا فالسلطان ينتزعه من يَده وَلَيْسَ للسَّيِّد ولَايَة الانتزاع إِلَّا كَمَا للآحاد لِأَنَّهُ لَا يَد لَهُ على كَسبه
الثَّانِي من نصفه حر وَنصفه رَقِيق نَص أَنه كَالْحرِّ وَمِنْهُم من طرد الْقَوْلَيْنِ فَإِن قُلْنَا إِنَّه أهل كَالْحرِّ وَلم يكن مُهَايَأَة فَهُوَ مُشْتَرك بَينهمَا كَسَائِر

(4/287)


أكسابه وكما لَو اشْترك رجلَانِ فِي اللّقطَة
وَإِن كَانَ بَينهمَا مُهَايَأَة وَقُلْنَا إِن الْكسْب النَّادِر لَا يدْخل فِي الْمُهَايَأَة فمشترك
وَإِن قُلْنَا يدْخل فَهُوَ لمن وَقع فِي نوبَته ويرعى قيمَة فِيهِ يَوْم الِالْتِقَاط أَو مُضِيّ مُدَّة التَّعْرِيف فِيهِ احْتِمَال
أما الصَّبِي فَفِي الْتِقَاطه قَولَانِ كَمَا فِي العَبْد
وَقطع الْعِرَاقِيُّونَ بِأَنَّهُ أهل الِالْتِقَاط وطردوا ذَلِك فِي الْمَجْنُون وكل مَحْجُور عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أهل الِاكْتِسَاب
فَإِن قُلْنَا إِنَّه أَهله انتزعه الْوَلِيّ من يَده ثمَّ يتَمَلَّك لَهُ بعد مُضِيّ الْمدَّة
وَإِن قُلْنَا لَيْسَ أَهلا فَهُوَ فِي يَده فِي غير حق فلينتزع من يَده
فَإِن أتْلفه الصَّبِي ضمنه وَإِن تلف بِآفَة سَمَاوِيَّة فَيلْزمهُ الضَّمَان أَيْضا
وَإِن قُلْنَا إِنَّه أَهله وَتلف بِآفَة سَمَاوِيَّة فِي يَده فَوَجْهَانِ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهلا للأمانة

(4/288)


وَلَو أودع عِنْد الصَّبِي شَيْئا فَتلف لم يضمن
وَإِن أتلف فَوَجْهَانِ بِالْعَكْسِ من اللّقطَة لِأَنَّهُ تسليط من الْمَالِك ثمَّ لَو علم الْوَلِيّ بذلك وَلم ينتزع من يَده حَتَّى تلف ضمن الْوَلِيّ بتقصيره فَإِنَّهُ مُلْتَزم حفظه عَن مثل ذَلِك
الرُّكْن الثَّالِث فِيمَا يلتقط

وَهُوَ كل مَال معرض للضياع وجد فِي عَامر من الأَرْض أَو غامرها فَإِن كَانَ حَيَوَانا نظر فَمَا يمْتَنع عَن صغَار السبَاع كَالْإِبِلِ وَفِي مَعْنَاهُ الْبَقر وَالْحمار لَا يجوز الْتِقَاطه وَمَا لَا يمْتَنع كالشاة والفصيل والجحش جَازَ الْتِقَاطه لما رُوِيَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن اللّقطَة فَقَالَ
أعرف غفاصها ووكائها وَعرفهَا سنة فَإِن جَاءَ صَاحبهَا وَإِلَّا فَهِيَ لَك فَسئلَ عَن ضَالَّة الشَّاة فَقَالَ
هى لَك أَو لأخيك أَو للذئب فَسئلَ عَن الْإِبِل فَغَضب حَتَّى احْمَرَّتْ وجنتاه وَقَالَ
مَالك وَلها مَعهَا سقاؤها وحذاؤها ترد المَاء وتأكل الشّجر ذرها حَتَّى يلقاها رَبهَا هَذَا إِن وجد فِي الصَّحرَاء
فَإِن وجد الْحَيَوَان فِي الْعمرَان فَثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا أَنه كالصحاري لعُمُوم الْخَبَر فَيُفَرق بَين الصَّغِير وَالْكَبِير

(4/289)


وَالثَّانِي أَنه يلتقط الْكل إِذا تتناولها أَيدي النَّاس بِخِلَاف مَا فِي الصَّحرَاء
وَالثَّالِث أَنه لَا يلتقط لَا الصَّغِير وَلَا الْكَبِير فَإِنَّهُ لَا يخَاف الصَّغِير هَاهُنَا من السبَاع بِخِلَاف الصَّحرَاء
فَإِذا قُلْنَا لَا يلتقط الْبَعِير فَإِذا أَخذه ثمَّ تَركه على مَكَانَهُ لم يخرج من ضَمَانه
فرعان

أَحدهمَا اسْتثْنى صَاحب التَّلْخِيص الْبَعِير الذى وجد فِي أَيَّام منى وَقد قلد الْهدى وَقَالَ جَازَ أَخذه وذبحه اعْتِمَادًا على الْعَلامَة
وَمن أَصْحَابنَا من خرج ذَلِك على أَن الْبَعِير إِذا وجد مذبوحا وَقد غمس منسمه فِي دَمه هَل يجوز أَن يُؤْكَل اعْتِمَادًا على هَذِه الْعَلامَة وَهَاهُنَا أولى بِالْمَنْعِ إِذْ لَا يبعد شرود الْبَعِير من صَاحبه فَلَا يرضى صَاحبه بنحر غَيره
الثَّانِي إِذا وجد كَلْبا التقطه واختص بِالِانْتِفَاعِ بِهِ بعد التَّعْرِيف فَإِن الِانْتِفَاع بِهِ كالملك فِي غَيره
وَفِيه احْتِمَال من حَيْثُ إِنَّه اخْتِصَاص بِغَيْر ضَمَان فيكاد يُخَالف مَوْضُوع اللّقطَة

(4/290)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي أَحْكَام اللّقطَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهِي أَرْبَعَة الأول الضَّمَان
وَذَلِكَ يخْتَلف بِقَصْدِهِ فَإِن الْتقط على قصد أَن يحفظه لمَالِكه أبدا فَهُوَ أَمَانَة فِي يَده أبدا وَإِن قصد أَن يختزل فِي الْحَال فَهُوَ مَضْمُون عَلَيْهِ أبدا
وَإِن قصد أَن يتملكها بعد السّنة فَهُوَ فِي السّنة أَمَانَة لَو تلف لَا ضَمَان فَإِذا مَضَت السّنة فَهُوَ مَضْمُون عَلَيْهِ وَإِن لم يتَمَلَّك لِأَنَّهُ صَار ممسكا لنَفسِهِ بِالْقَصْدِ السَّابِق فَهُوَ كالمأخوذ على جِهَة السّوم
وَإِن لم يقْصد شَيْئا من ذَلِك وَأطلق الْأَخْذ فَإِن غلب مشابع الْأَمَانَة فَلَا ضَمَان وَإِن غلبنا مشابه الْكسْب ضمناه
فرع

إِذا قصد الْأَمَانَة أَولا ثمَّ تعدى بِالْفِعْلِ فِيهِ ضمن وَهل يضمن بِمُجَرَّد قصد الْخِيَانَة فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا لَا كَالْمُودعِ لَا يضمن بِمُجَرَّد الْقَصْد
وَالثَّانِي يضمن لِأَن الْمُودع مسلط عَلَيْهِ من جِهَة الْمَالِك
وَالْأَصْل أَن إِثْبَات الْيَد على مَال الْغَيْر بِغَيْر إِذْنه مضمن إِلَّا عِنْد قصد الْأَمَانَة

(4/291)


وَلِهَذَا قَطعنَا بِأَن الْمُلْتَقط على قصد الْخِيَانَة فِي الِابْتِدَاء يضمن وَفِي الْمُودع إِذا قصد الْخِيَانَة عِنْد الْأَخْذ وَجْهَان
ثمَّ مهما صَار ضَامِنا فَلَو أنْفق التَّعْرِيف لم يكن لَهُ التَّمَلُّك فَإِنَّهُ جوز ذَلِك عِنْد وجود الْأَمَانَة وَفِيه وَجه آخر أَن يتَمَلَّك إِذْ الْعدوان لم يكن فِي عين السَّبَب وَإِنَّمَا كَانَ فِي قَصده وَلم يتَّصل بِهِ تَحْقِيق
الحكم الثَّانِي التَّعْرِيف
وَفِيه طرفان
الأول فِيمَا يعرف وَيجب ذَلِك سنة فِي كل ملتقط إِلَّا مَا قل أَو تسارع الْفساد إِلَيْهِ
أما الْقَلِيل فَمَا لَا يتمول كالزبيبة الْوَاحِدَة لَا تعرف أصلا وَمَا يتمول يعرف وَلَكِن لَا يجب تَعْرِيفه سنة
وَالأَصَح أَنه لَا حد لَهُ بِتَقْدِير بل مَا يعرف أَنه يفتر صَاحبه عَن طلبه على الْقرب
وَمِنْهُم من قدر بنصاب السّرقَة لِأَن مَا دونه تافه شرعا
وَمِنْهُم من قَالَ الدِّينَار فَمَا دونه قَلِيل لما رُوِيَ أَن عليا رَضِي الله عَنهُ وجد

(4/292)


دِينَارا فَذكره لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأمره باستنفاقه
ثمَّ مَا رَأَيْنَاهُ قَلِيلا فَفِي قدر التَّعْرِيف ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا مرّة وَاحِدَة إِذْ لَا ضبط للزِّيَادَة وَيدل عَلَيْهِ أثر عَليّ رَضِي الله عَنهُ فَإِن إِظْهَاره لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ كَافِيا
وَالثَّانِي أَنه الْقدر الذى يوازي طلب الْمَالِك ومداومته عَلَيْهِ
الثَّالِث أَنه يقدر بِثَلَاثَة أَيَّام حذارا من الْجَهَالَة
أما مَا يتسارع إِلَيْهِ الْفساد كالطعام وَأَمْثَاله فَإِن وجده فِي الصَّحرَاء جَازَ لَهُ أَن يَتَمَلَّكهُ أَو يَأْكُلهُ قبل التَّعْرِيف لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام
من الْتقط طَعَاما فليأكله

(4/293)


وتلحق الشَّاة بِالطَّعَامِ فَإِنَّهَا مطعومة وَلَا تبقى بِغَيْر نَفَقَته لَهُ وَلَا نَفَقَة لَهَا
وَلقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
هى لَك أَو لأخيك أَو للذئب وَلم يَأْمر بالتعريف
وَفِي إِلْحَاق الجحش وصغار الْحَيَوَانَات الَّتِى لَا تُؤْكَل بِالشَّاة وَجْهَان
أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ لَا تبقى دون الْعلف
وَالثَّانِي لَا لِأَن حكم المطعوم أسهل وَقد ورد الْخَبَر فِي الطَّعَام وَالشَّاة
ثمَّ إِذا أكل أَو تملك فَفِي وجوب التَّعْرِيف بعده وَجْهَان
أَحدهمَا يجب حذارا من الكتمان
وَالثَّانِي لَا لعُمُوم الْخَبَر ولبعد وجود الْمَالِك فِيمَا الْتقط من الصَّحرَاء
أما إِذا وجد الطَّعَام فِي عمرَان فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه كالصحراء لعُمُوم الْخَبَر

(4/294)


وَالثَّانِي أَنه يلْزمه أَن يَبِيعهُ فَإِن ثمنه قَابل للبقاء فَيكون بَدَلا عَنهُ وَفِي الصَّحرَاء يعجز عَنهُ
فَإِن قُلْنَا يَبِيع فيتولاه بِنَفسِهِ إِن لم يجد قَاضِيا
وَإِن وجد فَفِي جَوَاز استقلاله بِالْبيعِ وَجْهَان
وَجه الْجَوَاز أَنه لَو نوع ولَايَة بِسَبَب الِالْتِقَاط ثمَّ مهما حصل الثّمن سلك بِهِ مَسْلَك عين اللّقطَة فِي الضَّمَان والتملك وَغَيره
وَإِن قُلْنَا يَأْكُل ثمَّ يعرف بعده فَهَل يلْزمه تَمْيِيز قِيمَته ليعتمد التَّعْرِيف مَوْجُودا
فِيهِ وَجْهَان
فَإِن قُلْنَا يُمَيّز فَلَا يتَعَيَّن لَهُ إِلَّا بِقَبض القَاضِي ثمَّ لَا يصير ملكا لرب اللّقطَة وَلَكِن فَائِدَته إِن يقدم الْمَالِك بِهِ على الْغُرَمَاء عِنْد إفلاسه وَيمْتَنع فِيهِ تصرف الْمُلْتَقط ويتلف فِي يَده أَمَانَة
وَإِذا لم يظْهر حَتَّى مَضَت الْمدَّة فالأشهر أَنه لَا يرْتَفع الْحجر بل يحفظه أبدا لمَالِكه لِأَنَّهُ لَا عينهَا وَيحْتَمل أَن يرْتَفع الْحجر كَمَا لم يُمَيّز

(4/295)


الطّرف الثَّانِي فِي كَيْفيَّة التَّعْرِيف
وَفِيه مسَائِل
الأولى وَقت التَّعْرِيف عقب الِالْتِقَاط وَإِن عزم على التَّمَلُّك بعد سنة وَإِن لم يعزم على التَّمَلُّك أصلا أَو عزم بعد سنتَيْن فَهَل يلْزمه التَّعْرِيف فِي الْحَال فَوَجْهَانِ
أَحدهمَا لَا لِأَن التَّعْرِيف تَعب فِي مُقَابلَة ثَمَرَة الْملك
وَالثَّانِي يجب لِأَن الْمَقْصُود وُصُول الْحق إِلَى مُسْتَحقّه وَفِي تَأْخِيره إِضْرَارًا بِالْكِتْمَانِ
فَإِن قُلْنَا يجب البدار فالبالتأجير يصير ضَامِنا
ثمَّ يَنْبَغِي أَن يعرف فِي الِابْتِدَاء فِي كل يَوْم ثمَّ فِي كل جُمُعَة ثمَّ فِي كل شهر وَالْمَقْصُود أَن يعرف أَن الْأَخير تكْرَار الأول
الثَّانِيَة مَكَان التَّعْرِيف مَكَان الِالْتِقَاط إِن كَانَ فِي عمَارَة فَإِن سَافر فليوكل غَيره بالتعريف
وَإِن الْتقط فِي صحراء فَلَا يتَعَيَّن عَلَيْهِ بلد وَلَكِن ليعرفه فِي الْبَلَد الذى يَنْتَهِي إِلَيْهِ ويقصده فَإِن الْإِمْكَان فِي سَائِر الْبِلَاد على وتيرة وَاحِدَة
الثَّالِثَة يَنْبَغِي أَن يذكر بعض أَوْصَاف اللّقطَة فِي التَّعْرِيف كالغطاص والوكاء ليَكُون تَنْبِيها للْمَالِك وَهُوَ اسْتِحْبَاب أَو وجوب فِيهِ خلاف
الرَّابِعَة مُؤنَة التَّعْرِيف لَا تلْزمهُ أَعنِي أُجْرَة الْمُعَرّف إِن قصد حفظه أَمَانَة

(4/296)


أبدا وَإِن قصد التَّمَلُّك وَلم يظْهر الْمَالِك فالمؤنة عَلَيْهِ وَإِن ظهر الْمَالِك فقد أطلق الْعِرَاقِيُّونَ أَنه على الْمُلْتَقط لِأَنَّهُ يسْعَى لنَفسِهِ وَفِيه احْتِمَال لِأَن التَّعْرِيف طلب الْمَالِك فَهُوَ سعي فِي الْحَال لَهُ لَا سِيمَا إِذا ظهر
وَإِذا قُلْنَا لَيْسَ عَلَيْهِ فَالْقَاضِي يسلم من بَيت المَال أَو من عين اللّقطَة
فرع

إِذا كَانَت اللّقطَة جحشا وَقُلْنَا يجب تَعْرِيفه بِخِلَاف الشَّاة فَلَيْسَ ذَلِك على الْمُلْتَقط قطعا وَإِنَّمَا هُوَ كَنَفَقَة الْجمال عِنْد هرب الْجمال فَإِن مست الْحَاجة إِلَى بيع جُزْء مِنْهُ فعلى ذَلِك
قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد إِن كَانَ كَذَلِك فسيأكل نَفسه فَيلْحق بقبيل مَا يتسارع الْفساد إِلَيْهِ
الحكم الثَّالِث التَّمَلُّك بعد مُضِيّ الْمدَّة

وَهُوَ جَائِز إِذْ لم يقْصد الْخِيَانَة وَفِيه أَرْبَعَة أوجه
أَحدهَا أَنه يحصل بِمُجَرَّد مُضِيّ السّنة فَإِنَّهُ قصد بالالتقاط الْملك عِنْده
الثَّانِي أَنه لَا بُد من لفظ فمجرد الْقَصْد فَقَط لَا يُؤثر وَمَا مُضِيّ عزم لَا قصد
وَالثَّالِث أَنه يَكْفِي تَجْدِيد قصد عِنْد مُضِيّ السّنة
وَالرَّابِع أَنه لَا بُد من تصرف يزِيل الْملك فَإِن فعله وَقَوله لَا يزِيد على الاستقراض وَثمّ لَا يملك إِلَّا بِالتَّصَرُّفِ على قَول

(4/297)


فرع

إِذا وجد لقطَة فِي مَكَّة فَفِيهَا وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه لَا يتَمَلَّك كَسَائِر الْبِلَاد
وَالثَّانِي لَا لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
إِن الله حرم مَكَّة لَا ينفر صيدها وَلَا يعضد شَجَرهَا وَلَا تحل لقطها إِلَّا لِمُنْشِد وَالْمرَاد بِهِ منشد على الدَّوَام وَإِلَّا فَأَي فَائِدَة لتخصيص مَكَّة
الحكم الرَّابِع وجوب الرَّد إِذا ظهر مَالِكه

وَيعرف ذَلِك بِالْبَيِّنَةِ فَإِن أطنب فِي الْوَصْف وَغلب على الظَّن صدقه جَازَ التَّسْلِيم إِلَيْهِ
وَفِي وجوب ردهَا دون إِقَامَة الْبَيِّنَة خلاف
مِنْهُم من أوجب إِذْ تَكْلِيف الْبَيِّنَة عسر
وَمِنْهُم من قَالَ رُبمَا يكون قد عرف الْوَصْف بِوَصْف الْمَالِك الفاقد

(4/298)


وَلَعَلَّ الأولى الِاكْتِفَاء بقول عدل وَاحِد لحُصُول الثِّقَة
فرعان

أَحدهمَا إِذا سلمه إِلَى الواصف فَظهر الْمَالِك فَيُطَالب الواصف أَو الْمُلْتَقط من شَاءَ مِنْهُم وَيرجع الْمُلْتَقط على الواصف إِلَّا إِذا كَانَ اعْترف لَهُ بِالْملكِ فَلَا يقدر على الرُّجُوع
الثَّانِي إِذا ظهر الْمَالِك بعد أَن تملكه فَإِن تلف رد قِيمَته يَوْم التَّمَلُّك
وَإِن كَانَت قَائِمَة فَفِي لُزُوم رد الْعين وَجْهَان كمثله فِي رُجُوع الْمُسْتَقْرض
وَإِن كَانَت مَعِيبَة فَأَرَادَ أَن يردهَا وَيضم الْأَرْش إِلَيْهَا وَامْتنع الْمَالِك وَقَالَ أُرِيد الْقيمَة فَأَيّهمَا يُجَاب فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا الْمَالِك لِأَن الْعين بعد التَّمَلُّك تزاد للتقريب فِي حُصُول الْجَبْر وَقد فَاتَ بِالْعَيْبِ وَجه الْجَبْر
وَالثَّانِي الْمُلْتَقط لِأَنَّهُ لَا يزِيد على الْغَاصِب وللغاصب رد الْعين من الْأَرْش
ثمَّ إِذا رد فَلَو طَالب من الْمَالِك أجرت الرَّد لم يكن لَهُ ذَلِك إِلَّا إِذا كَانَ قد نَادَى الْمَالِك بِأَن من رد لقطتي فَلهُ كَذَا فَيسْتَحق مَا سمي على مَا فصلناه فِي كتاب الْجعَالَة عقيب الْإِجَارَة وَالله أعلم

(4/299)