جواهر العقود ومعين القضاة والموقعين والشهود

كتاب الصُّلْح

وَمَا يتَعَلَّق بِهِ من الْأَحْكَام
الأَصْل فِي جَوَاز الصُّلْح: الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع
أما الْكتاب: فَقَوله تَعَالَى: {وَإِن طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا فأصلحوا بَينهمَا} فَأمر الله تَعَالَى بِالصُّلْحِ بَين الْمُؤمنِينَ
وَقَوله تَعَالَى: {وَإِن امْرَأَة خَافت من بَعْلهَا نُشُوزًا أَو إعْرَاضًا فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا أَن يصلحا بَينهمَا صلحا وَالصُّلْح خير} وَقَوله تَعَالَى: {وَإِن خِفْتُمْ شقَاق بَينهمَا فَابْعَثُوا حكما من أَهله وَحكما من أَهلهَا إِن يريدا إصلاحا يوفق الله بَينهمَا} فدلت هَذِه الْآيَات على جَوَاز الصُّلْح
وَأما السّنة: فَمَا روى أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (الصُّلْح جَائِز بَين الْمُسلمين إِلَّا صلحا أحل حَرَامًا أَو حرم حَلَالا)
وَأما الْإِجْمَاع: فَإِن الْأمة أَجمعت على جَوَازه
وَالصُّلْح على أَرْبَعَة أَقسَام: الأول: صلح بِمَعْنى الْهِبَة وَهُوَ أَن يَدعِي الرجل عينا فِي يَد رجل ثمَّ يُصَالح مِنْهَا على بَعْضهَا
فَيكون الْبَاقِي هبة
وَالثَّانِي: صلح بِمَعْنى البيع وَهُوَ أَن يَدعِي شَيْئا أَو عبدا فِي يَد رجل
فيصالح مِنْهَا على دَرَاهِم أَو دَنَانِير
وَالثَّالِث: بِمَعْنى الْإِبْرَاء والحطيطة
وَهُوَ أَن يَدعِي دَرَاهِم أَو دَنَانِير فِي ذمَّة رجل
فيصالح مِنْهَا على بَعْضهَا ويبرىء من الْبَعْض
وَالرَّابِع: الْمُصَالحَة مَعَ الْكفَّار
وَسَيَأْتِي بَيَانهَا فِي بَابهَا

(1/136)


الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب
: اعْلَم أَن من علم أَن عَلَيْهِ حَقًا فَصَالح على بعضه لم يحل
لِأَنَّهُ هضم للحق
أما إِذا لم يعلم وَادّعى عَلَيْهِ فَهَل تصح الْمُصَالحَة قَالَ الثَّلَاثَة: تصح
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا تصح
والمجهول على الْمَجْهُول جَائِز عِنْد الثَّلَاثَة
وَمنعه الشَّافِعِي
وَإِذا وجد حَائِط بَين دارين وَلِصَاحِب إِحْدَى الدَّاريْنِ جُذُوع وَادّعى كل وَاحِد مِنْهُمَا أَن جَمِيع الْحَائِط لَهُ
فَعِنْدَ أبي حنيفَة وَمَالك: أَنه لصَاحب الْجُذُوع الَّتِي عَلَيْهِ مَعَ يَمِينه
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: إِذا كَانَ لأَحَدهمَا جُذُوع عَلَيْهِ لم يتَرَجَّح جَانِبه بذلك بل الْجُذُوع لصَاحِبهَا مقرة على مَا هِيَ عَلَيْهِ
والحائط بَينهمَا مَعَ أيمانهما
وَإِذا تداعيا سقفا بَين بَيت وغرفة فَوْقه فالسقف عِنْد أبي حنيفَة وَمَالك لصَاحب السّفل
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: هُوَ بَينهمَا نِصْفَانِ
وَإِذا انْهَدم الْعُلُوّ أَو السّفل فَأَرَادَ صَاحب الْعُلُوّ أَن يبنيه لم يجْبر صَاحب السّفل على الْبناء والتسقيف حَتَّى يَبْنِي صَاحب الْعُلُوّ بل إِن اخْتَار صَاحب الْعُلُوّ أَن يَبْنِي السّفل من مَاله وَيمْنَع صَاحب السّفل من الِانْتِفَاع حَتَّى يُعْطِيهِ مَا أنْفق
فَهَذَا مَذْهَب أبي حنيفَة وَمَالك وَأحمد
وَنقل عَن الشَّافِعِي كَذَلِك
وَالصَّحِيح من مذْهبه: أَنه لَا يجْبر صَاحب السّفل وَلَا يمْنَع من الِانْتِفَاع إِذا بنى صَاحب الْعُلُوّ بِغَيْر إِذْنه بِنَاء على أَصله
وَفِي قَوْله الْجَدِيد: إِن الشَّرِيك لَا يجْبر على الْعِمَارَة
وَالْقَدِيم الْمُخْتَار عِنْد جمَاعَة من متأخري أَصْحَابه: إِنَّه يجْبر الشَّرِيك دفعا للضَّرَر وصيانة للأملاك الْمُشْتَركَة عَن التعطيل
وَقَالَ الْغَزالِيّ فِي فَتَاوِيهِ: الِاخْتِيَار أَن القَاضِي يُلَاحظ أَحْوَال المتخاصمين
فَإِن رأى أَن الِامْتِنَاع لغَرَض صَحِيح أَو شكّ فِي ذَلِك لم يجْبرهُ
وَإِن علم أَنه عناد أجْبرهُ
قَالَ: وَالْقَوْلَان يجريان فِي تبقية الْبِئْر والقناة وَالنّهر بَين الشُّرَكَاء

فصل
: وللمالك التَّصَرُّف فِي ملكه تَصرفا لَا يضر بجاره
وَاخْتلفُوا فِي تصرف يضر بالجار
فَأَجَازَهُ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ
وَمنعه مَالك وَأحمد
وَذَلِكَ مثل: أَن يَبْنِي حَماما أَو معصرة أَو مرحاضا أَو يحْفر بِئْرا مجاورة لبئر شَرِيكه فينقص مَاؤُهَا بذلك أَو يفتح لحائطه شباكا أَو كوَّة تشرف على دَاره فَلَا يمْنَع من ذَلِك لتصرفه فِي ملكه
وَاتَّفَقُوا على أَن للْمُسلمِ أَن يعلي بناءه فِي ملكه لَكِن لَا يحل لَهُ أَن يطلع على عورات جِيرَانه
فَإِن كَانَ سطحه أَعلَى من سطح غَيره
قَالَ مَالك وَأحمد: لَهُ بِنَاء ستْرَة تَمنعهُ من الإشراف على جَاره
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا يلْزمه ذَلِك
وَهَكَذَا اخْتلَافهمْ فِيمَا إِذا كَانَ بَين رجلَيْنِ جِدَار فَسقط
فطالب أَحدهمَا الآخر ببنائه فَامْتنعَ

(1/137)


وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ بَينهمَا دولاب أَو قناة أَو نهر فتعطل أَو بِئْر
قَالَ أَبُو حنيفَة بالإجبار فِي النَّهر والدولاب والقناة والبئر لَا فِي الْجِدَار بل عدم الْإِجْبَار فِي الْجِدَار مُتَّفق عَلَيْهِ
فَيُقَال للْآخر: إِن شِئْت فَابْن وامنعه من الِانْتِفَاع حَتَّى يعطيك قيمَة الْبناء
وَوَافَقَهُ مَالك على الْإِجْبَار فِي الدولاب والقناة وَالنّهر والبئر وَاخْتلف فِي الْجِدَار الْمُشْتَرك
فَعَنْهُ رِوَايَة بالإجبار
وَالْأُخْرَى بِعَدَمِهِ
انْتهى

المصطلح الْمُتَرَتب على وضع الْكِتَابَة: وَصورته على أَنْوَاع
مِنْهَا: صُورَة الصُّلْح الْحكمِي: هَذَا مَا صَالح عَلَيْهِ فلَان وَهُوَ الْمصَالح بِإِذن سيدنَا فلَان
وَأمره الْكَرِيم على فلَان الْيَتِيم الصَّغِير الَّذِي هُوَ فِي حجر الحكم الْعَزِيز لوُجُود الْحَظ والمصلحة لَهُ فِي هَذَا الصُّلْح الْآتِي ذكره على الْوَجْه الشَّرْعِيّ الَّذِي سيشرح فِيهِ المسوغتين للصلح عَلَيْهِ شرعا فلَانا على مَا ادَّعَاهُ فِي ذمَّة وَالِد الْيَتِيم الْمَذْكُور وَفِي تركته
وَهُوَ كَذَا وَكَذَا
وَأقَام الْبَيِّنَة لَدَى الْحَاكِم الْآذِن الْمشَار إِلَيْهِ وَثَبت إِقْرَار وَالِده الْمَذْكُور بذلك وجريان حلف الْمُدَّعِي الْمَذْكُور على الِاسْتِحْقَاق وعَلى عدم الْمسْقط والمبطل الثُّبُوت الشَّرْعِيّ بِجَمِيعِ كَذَا مصالحة شَرْعِيَّة دَعَا الْمصَالح الْمَذْكُور إِلَيْهَا الْمصَالح
وَرَضي بهَا الرضى التَّام
وَدفع الْمصَالح الْمَذْكُور إِلَى الْمصَالح الْمَذْكُور بِالْإِذْنِ الْحكمِي الْمشَار إِلَيْهِ: جَمِيع القماش الْمصَالح بِهِ الْمعِين أَعْلَاهُ من مَال الْيَتِيم الْمَذْكُور إِلَى الْمصَالح الْمَذْكُور
فَقَبضهُ مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا
بَرِئت بِهِ ذمَّة وَالِد الْيَتِيم الْمَذْكُور من جَمِيع الدّين الثَّابِت فِي ذمَّته الْمعِين أَعْلَاهُ
وَمن كل جُزْء مِنْهُ الْبَرَاءَة الشَّرْعِيَّة
ويكمل
وَصُورَة الصُّلْح من وَكيل بَيت المَال على ملك فِي يَد رجل ادّعى وَكيل بَيت المَال بِحِصَّة فِيهِ فصدقة صَاحب الْملك وَصَالَحَهُ: هَذَا مَا صَالح عَلَيْهِ سيدنَا فلَان وَكيل بَيت المَال الْمَعْمُور بِمَدِينَة كَذَا بِمُقْتَضى الْوكَالَة الشَّرْعِيَّة المفوضة إِلَيْهِ وَيذكر جَمِيع مَا تقدم ذكره مِمَّا هُوَ مُتَعَلق بوكيل بَيت المَال على نَحوه المشروح فِي كتاب الْبيُوع أَو صَالح عَنهُ نَائِبه بِإِذْنِهِ لَهُ لوُجُود الْحَظ والمصلحة وَالْغِبْطَة لجِهَة بَيت المَال الْمَعْمُور فلَان على جَمِيع الْحصَّة الشائعة
وقدرها كَذَا من جَمِيع الدَّار ويصفها ويحددها بِمَا مبلغه كَذَا مصالحة شَرْعِيَّة
صَارَت بهَا الْحصَّة الْمصَالح عَلَيْهَا ملكا من أَمْلَاك الْمصَالح الْمَذْكُور وَحقا من حُقُوقه
وَلَا حق لبيت المَال الْمَعْمُور مَعَ الْمصَالح الْمَذْكُور فِي جَمِيع الدَّار الموصوفة المحدودة بأعاليه
وَلَا فِي شَيْء مِنْهَا وَلَا فِي حق من حُقُوقهَا
واستقرت يَد الْمصَالح الْمَذْكُور على الدَّار الْمَذْكُورَة جَمِيعهَا استقرارا شَرْعِيًّا
أذن وَكيل بَيت المَال

(1/138)


الْمَعْمُور الْمشَار إِلَيْهِ للْمصَالح الْمَذْكُور فِي دفع الْمبلغ الْمصَالح بِهِ إِلَى عُمَّال بَيت المَال الْمَعْمُور الواضعين خطوطهم بِهَامِش كتاب هَذَا الصُّلْح
وهم: فلَان وَفُلَان وَفُلَان
فَدفعهُ إِلَيْهِم فقبضوه مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا
ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَصُورَة الصُّلْح بَين اثْنَيْنِ على دَار بِعَبْد أَو غَيره وَهُوَ عبارَة عَن بيع: صَالح فلَان فلَانا عَمَّا ادَّعَاهُ من أَنه يملك وَيسْتَحق جَمِيع الدَّار الْفُلَانِيَّة ويصفها ويحددها أَو حِصَّة مِنْهَا الَّتِي هِيَ بيد الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور بعد تنازعهما فِي عين الدَّعْوَى
واعترف الْمصَالح الأول بعد ذَلِك بِمَا ادَّعَاهُ الثَّانِي وَصدقه عَلَيْهِ التَّصْدِيق الشَّرْعِيّ بِجَمِيعِ العَبْد الْفُلَانِيّ ويصفه وَيذكر جنسه واعترافه بِالرّقِّ والعبودية ثمَّ يَقُول: الْجَارِي فِي يَده وَملكه وبجميع القماش ويصفه وَصفا تَاما يُخرجهُ عَن الْجَهَالَة أَو بِمَا مبلغه كَذَا من عين أَو مَال مصالحة شَرْعِيَّة رَضِيا بهَا واتفقا عَلَيْهَا وتداعيا إِلَيْهَا
دفع الْمصَالح الأول إِلَى الثَّانِي جَمِيع مَا صَالحه بِهِ
وَقَبضه قبضا شَرْعِيًّا
وَأقر الْمصَالح الثَّانِي الْمَذْكُور: أَنه لَا يسْتَحق مَعَ الْمصَالح الأول فِي هَذِه الدَّار الْمصَالح عَلَيْهَا حَقًا وَلَا استحقاقا وَلَا دَعْوَى وَلَا طلبا وَلَا ملكا وَلَا شُبْهَة ملك وَلَا مَنْفَعَة وَلَا اسْتِحْقَاق مَنْفَعَة وَلَا شَيْئا قل وَلَا جلّ
وتصادقا على ذَلِك كُله تَصَادقا شَرْعِيًّا
ويكمل
وَصُورَة الصُّلْح عَن قماش أَو غَيره بِخِدْمَة عبد أَو سُكْنى دَار وَهَذَا الصُّلْح بِمَعْنى الْإِجَارَة: صَالح فلَان فلَانا عَمَّا ادَّعَاهُ الْمصَالح الثَّانِي فِي ذمَّة الْمصَالح الأول
وَهُوَ اسْتِحْقَاق جَمِيع القماش الَّذِي صفته كَذَا وعدته كَذَا وَقِيمَته كَذَا بِمَا مبلغه كَذَا أَو بِخِدْمَة عَبده الحبشي الْجِنْس الْمُسلم الْبَالِغ الْمَدْعُو فلَان الْمُعْتَرف للْمصَالح الأول بِالرّقِّ والعبودية ليخدم الْمصَالح الثَّانِي مُدَّة سنة كَامِلَة من تَارِيخه خدمَة مثله لمثله أَو ليسكن جَمِيع الدَّار الْجَارِيَة فِي ملك الْمصَالح الأول الكائنة بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ ويصفها ويحددها مُدَّة سنة كَامِلَة من تَارِيخه وَينْتَفع بهَا انْتِفَاع مثله بِمِثْلِهَا من غير أُجْرَة مصالحة عَن هَذِه الدَّعْوَى الَّتِي جرت بَينهمَا بِالطَّرِيقِ الْمُعْتَبر الشَّرْعِيّ
وَذَلِكَ بعد أَن تنَازعا فِي هَذِه الدَّعْوَى
ثمَّ إِن الْمُدعى عَلَيْهِ اعْترف بِصِحَّتِهَا وَأقر بهَا إِقْرَارا شَرْعِيًّا
وتصادقا على ذَلِك التصادق الشَّرْعِيّ
ورضيا بِهِ واتفقا عَلَيْهِ
وتفرقا من مجْلِس الصُّلْح عَن ترَاض
وَأقر الْمُدَّعِي الْمَذْكُور أَنه لَا يسْتَحق على الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور
وَلَا فِي ذمَّته مِنْهُ حَقًا وَلَا دَعْوَى وَلَا طلبا ويسوق أَلْفَاظ الْإِقْرَار بِعَدَمِ الِاسْتِحْقَاق الْمُتَقَدّمَة
وَيسْتَعْمل مِنْهَا مَا يَلِيق بالواقعة ثمَّ يَقُول: وَأقر الْمصَالح الأول أَن الْمصَالح الثَّانِي الْمَذْكُور يسْتَحق الْمَبِيع الَّذِي قَبضه واستخدام العَبْد وسكنى الدَّار وَالِانْتِفَاع بذلك طول الْمدَّة الْمَذْكُورَة أَعْلَاهُ استحقاقا شَرْعِيًّا
ويكمل

(1/139)


وَصُورَة الصُّلْح على دَار يسكنهَا مُدَّة مُعينَة عَمَّا ادَّعَاهُ الْخصم الْمصَالح من دَار وَغَيرهَا وَهِي بِمَعْنى الْعَارِية: صَالح فلَان فلَانا عَمَّا ادَّعَاهُ الْمصَالح الثَّانِي على الْمصَالح الأول من أَنه مَالك مُسْتَحقّ لجَمِيع الْحصَّة الَّتِي قدرهَا كَذَا من جَمِيع الدَّار الْفُلَانِيَّة ويحددها وَأَنَّهَا انْتَقَلت إِلَيْهِ بِالْإِرْثِ الشَّرْعِيّ من والدته فُلَانَة
وَهِي الَّتِي كَانَت زوجا لوالد الْمصَالح الأول المنتقلة إِلَيْهَا بِالْإِرْثِ الشَّرْعِيّ من زَوجهَا الْمَذْكُور وَصدقه الْمصَالح الأول على ذَلِك بسكنى جَمِيع الدَّار الْجَارِيَة فِي ملك الْمصَالح الأول الكائنة بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ ويحددها مُدَّة كَذَا وَكَذَا سنة من تَارِيخه وَسلم إِلَيْهِ السكن الْمَذْكُور فتسلمه مِنْهُ كتسلم مثله
وَوَجَب لَهُ السكن بِالدَّار الْمَذْكُورَة وَالِانْتِفَاع بهَا بِنَفسِهِ وَأَهله الْمدَّة الْمَذْكُورَة وجوبا شَرْعِيًّا من غير أُجْرَة وَلَا عوض وَلَا مُقَابل وَلَا رُجُوع بِشَيْء من ذَلِك
وَأقر الْمصَالح الثَّانِي: أَنه لَا يسْتَحق على الْمصَالح الأول بِسَبَب الدَّار الموصوفة المحدودة بأعاليه حَقًا وَدَعوى وَلَا طلبا
ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَصُورَة الصُّلْح على الْإِنْكَار: صَالح فلَان فلَانا على جَمِيع الدَّار الْفُلَانِيَّة ويحددها الَّتِي ادّعى الْمصَالح الأول على الثَّانِي باستحقاقها من وَجه شَرْعِي
وَأنكر الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور ذَلِك وَطلب من الْمُدعى عَلَيْهِ يَمِينه على ذَلِك
فَرَأى أَن يصالحه عَن هَذِه الدَّعْوَى بِمَال افتداء ليمينه ودفعا للخصومة وقطعا للمنازعة فاصطلحا عَن الْمُدعى بِهِ مَعَ الْإِنْكَار لصِحَّة الدَّعْوَى واعتقاده بُطْلَانهَا وإصراره على الْإِنْكَار إِلَى حِين هَذَا الصُّلْح وَبعده وَدفع إِلَيْهِ مبلغ كَذَا وَكَذَا
فَقَبضهُ مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا مصالحة جرت بَينهمَا عَن هَذِه الدَّعْوَى بِإِيجَاب وَقبُول شرعيين على الْوَجْه الشَّرْعِيّ
وَأقر الْمُدَّعِي الْمَذْكُور أَن الدَّار الموصوفة المحدودة بأعاليه ملك الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور وَحقّ من حُقُوقه وَأَنه لَا حق لَهُ مَعَه فِيهَا وَلَا فِي شَيْء مِنْهَا بِوَجْه من الْوُجُوه وَلَا بِسَبَب من الْأَسْبَاب
وتصادقا على ذَلِك كُله تَصَادقا شَرْعِيًّا
ورضيا بِهِ واتفقا عَلَيْهِ
ويكمل
وَيرْفَع إِلَى حَاكم حَنَفِيّ أَو مالكي
وَصُورَة صلح الْأَجْنَبِيّ عَن الْمُدعى عَلَيْهِ إِذا جَاءَ وَصدق الْأَجْنَبِيّ
وَقَامَ مقَام الْمُدعى عَلَيْهِ صَحَّ الصُّلْح إِذا كَانَ الْمُدعى بِهِ دينا
وَإِن كَانَ عينا فَصَالح الْأَجْنَبِيّ الْمُدَّعِي وَقَالَ لَهُ: إِن الْمُدعى عَلَيْهِ معترف بذلك فِي الْبَاطِن وَقد وكلني فِي الصُّلْح: صَحَّ الصُّلْح أَو قَالَ الْأَجْنَبِيّ: إِن الْمُدعى عَلَيْهِ اعْترف عِنْدِي بحقك ووكلني فِي الصُّلْح عَلَيْهِ
صَحَّ الصُّلْح
وَهُوَ صَحِيح عِنْد الشَّافِعِي صَالح فلَان فلَانا على جَمِيع الدَّار الَّتِي هِيَ بيد فلَان يَوْمئِذٍ
وَادّعى الْمصَالح الثَّانِي أَن الدَّار الْمَذْكُورَة لَهُ وَملكه وَأَنَّهَا بيد الَّذِي صَالح عَنهُ الأول بِغَيْر حق وَلَا طَرِيق شَرْعِي
فَقَالَ الْأَجْنَبِيّ الْمصَالح الأول: نعم وَهُوَ

(1/140)


معترف بذلك فِي الْبَاطِن
واعترف عِنْدِي ووكلني فِي مصالحتك على هَذِه الدَّار الْمُدعى بهَا وَهِي الَّتِي بِيَدِهِ بمبلغ جملَته كَذَا وَكَذَا
فَقَالَ الْمُدَّعِي الْمَذْكُور للْأَجْنَبِيّ الْمَذْكُور: صالحتك عَنْهَا بِهَذَا الْمبلغ مصالحة شَرْعِيَّة جرت بَينهمَا بِاللَّفْظِ الْمُعْتَبر الشَّرْعِيّ
وَدفع الْمصَالح الْأَجْنَبِيّ الْمبلغ الْمعِين أَعْلَاهُ إِلَى الْمصَالح الْمُدَّعِي الْمَذْكُور من مَال الْمصَالح عَنهُ دون مَال الْأَجْنَبِيّ
فَقَبضهُ مِنْهُ بِحكم هَذَا الصُّلْح وَمُقْتَضَاهُ شرعا
وَأقر أَنه لم يبْق لَهُ قبل الْمصَالح عَنهُ فِي جَمِيع الدَّار الْمَذْكُورَة وَلَا فِي شَيْء مِنْهَا وَلَا فِي حق من حُقُوقهَا حق وَلَا اسْتِحْقَاق وَلَا مُطَالبَة وَلَا علقَة وَلَا تبعة وَلَا شَيْء قل وَلَا جلّ
ويكمل على نَحْو مَا سبق
تَنْبِيه: جرت عَادَة كتاب الوثائق أَن لَا يسموا الرجل الْأَجْنَبِيّ وَإِنَّمَا يَقُول الْكَاتِب: وَإِن رجلا بَالغا عَاقِلا جَائِز التَّصَرُّف عرف ذَلِك معرفَة تَامَّة وَأقر بِوُجُوبِهِ لفُلَان على فلَان
وَصَالَحَهُ عَنهُ من مَاله بِغَيْر أَمر فلَان لَهُ وَلَا إِذْنه فِي ذَلِك
وَمَا يكْتب ذَلِك كَذَلِك إِلَّا إِذا خَافَ الَّذِي فِي يَده الدَّار أَن يقر بهَا للْمُدَّعِي
فَلَا يجِيبه إِلَى الصُّلْح
وَالْكل جَائِز
انْتهى
وَصُورَة الصُّلْح على وضع الْخشب على حَائِط الدَّار: صَالح فلَان فلَانا على أَن يضع الأول مِنْهُمَا على حَائِط الثَّانِي وَهُوَ الْحَائِط الَّذِي بَين داريهما من الْجِهَة الْفُلَانِيَّة الْجَارِي فِي ملك الْمصَالح الثَّانِي واختصاصه
وَهَاتَانِ الداران بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ ويصف كل وَاحِدَة مِنْهُمَا ويحددها ثمَّ يَقُول: من الأخشاب الْجَوْز أَو غَيره الحزم أَو الأرباع
أَو الأنصاف أَو من اثْنَيْنِ حمل أَو من سِتَّة حمل أَو من ثَمَانِيَة حمل
كل عود مِنْهَا طوله كَذَا وَكَذَا ذِرَاعا بالذراع النجاري عشْرين جذعا مَادَّة قبْلَة وَشمَالًا أَو شرقا وغربا بعوض مبلغه كَذَا
دفع الْمصَالح الثَّانِي إِلَى الْمصَالح الأول جَمِيع الْعِوَض الْمَذْكُور
فَقَبضهُ مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا
وَوَجَب للْأولِ مِنْهُمَا فلَان وضع هَذِه الْجُذُوع على الْحَائِط الْمَذْكُور واستمرارها عَلَيْهِ
وانتفاع الْمصَالح الْمَذْكُور بِهِ وورثته
وَمن انْتقل إِلَيْهِ ذَلِك بطرِيق شَرْعِي وجوبا شَرْعِيًّا
وَجرى ذَلِك بَينهمَا على الْوَضع الْمُعْتَبر الشَّرْعِيّ وتصادقا على ذَلِك ورضياه
واتفقا عَلَيْهِ
ويكمل
وَصُورَة الصُّلْح على إِخْرَاج جنَاح
أَو روشن إِلَى أَرض الْجَار: صَالح فلَان فلَانا على أَن الأول مِنْهُمَا يخرج روشنا أَو جنَاحا من دَاره الْفُلَانِيَّة ويحددها على ملك الْمصَالح الثَّانِي الْمُجَاورَة لدار الأول من الْجِهَة الْفُلَانِيَّة أَو الْمُقَابلَة لَهَا ويبرز بِهِ على أَرض جَاره بأخشاب من جوز أَو توت أَو غَيرهَا عدتهَا كَذَا وَكَذَا عودا
وَطول بروز الْجنَاح الْمَذْكُور كَذَا وَكَذَا ذِرَاعا بالذراع الْمَذْكُور وَطول الْجنَاح على الْحَائِط كَذَا وَكَذَا

(1/141)


ذِرَاعا بعوض مبلغه كَذَا
ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَصُورَة الصُّلْح على فتح الْبَاب فِي الدَّرْب: صَالح فلَان فلَانا وَفُلَانًا وهم أهل الدَّرْب الْفُلَانِيّ الْكَائِن بالموضع الْفُلَانِيّ على أَن الْمصَالح الأول يفتح بَابا للدرب الْمَذْكُور إِلَى دَاره الْمُتَّصِلَة بالدرب الْمَذْكُور من الْجِهَة الْفُلَانِيَّة ويحددها حسب سُؤَاله لَهُم على ذَلِك وعَلى أَن يقوم لَهُم بِمَا مبلغه كَذَا
فَأَجَابُوهُ إِلَى ذَلِك وصالحوه عَلَيْهِ بالمبلغ الْمَذْكُور بِالسَّوِيَّةِ بَينهم وَدفع إِلَيْهِم الْمبلغ الْمصَالح عَلَيْهِ بِسَبَب ذَلِك الْمعِين أَعْلَاهُ
فقبضوه مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا
وأذنوا لَهُ فِي فتح الْبَاب الْمَذْكُور إِذْنا شَرْعِيًّا
قبل ذَلِك مِنْهُم قبولا شَرْعِيًّا
وَرَضوا بذلك وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ
وَبَقِي لفُلَان الْمصَالح الْمَذْكُور حق الاستطراق بالدرب الْمَذْكُور إِلَى دَاره الْمَذْكُورَة بِالسَّبَبِ الْمَذْكُور
وَلم يبْق لكل من أهل الدَّرْب مَنعه من ذَلِك وَلَا من شَيْء مِنْهُ
وَمَتى ادّعى أحد مِنْهُم بِدَعْوَى تخَالف ذَلِك بِنَفسِهِ أَو بوكيله
كَانَت دَعْوَاهُ وَدَعوى من يَدعِي عَنهُ بَاطِلَة لَا صِحَة لَهَا وَلَا حَقِيقَة لأصلها وتصادقوا على ذَلِك كُله التصادق الشَّرْعِيّ
وَأشْهدُوا عَلَيْهِم بذلك فِي حَالَة الصِّحَّة والسلامة والطواعية وَالِاخْتِيَار من غير إِكْرَاه وَلَا إِجْبَار
وينشأ على أصُول مسَائِل الْبَاب فروع: الأول: إِذا قَالَ أحد الْوَرَثَة لصَاحبه: تركت حَقي من التَّرِكَة لَك
فَقَالَ: قلت: لم يَصح
وَيبقى حَقه كَمَا كَانَ
الثَّانِي: إِذا بَاعَ ناصب الْمِيزَاب أَو باني الْجِدَار المائل: الدَّار
لم يبرأ من الضَّمَان حَتَّى لَو سقط على إِنْسَان فَهَلَك بِهِ
يجب الضَّمَان على عَاقِلَة البَائِع
الثَّالِث: لَو أَرَادَ الْجَار أَن يَبْنِي جِدَاره الْخَالِص أَو الْمُشْتَرك مائلا إِلَى ملك الْجَار
فَلهُ الْمَنْع
وَإِن مَال فَلهُ الْمُطَالبَة بِالنَّقْضِ فَلَو تولد مِنْهُ هَلَاك وَجب الضَّمَان كَمَا لَو بناه مائلا إِلَى الشَّارِع
وَلَو استهدم الْجِدَار وَلم يمل
قَالَ الأصطخري: لَا يُطَالب بنقضه
فعلى الأول: لَا ضَمَان عَلَيْهِ فِيمَا يتَوَلَّد مِنْهُ
وعَلى الثَّانِي: هُوَ كَمَا لَو مَال فَلم ينْقضه
وَمُقْتَضَاهُ لَا ضَمَان فِي الْأَصَح
الرَّابِع: لَو رش المَاء فِي الطَّرِيق فزلق بِهِ إِنْسَان أَو بَهِيمَة
فَإِن رش لمصْلحَة عَامَّة كدفع الْغُبَار عَن الْمَارَّة فكحفر الْبِئْر للْمصْلحَة الْعَامَّة
وَإِن كَانَ لمصْلحَة نَفسه وَجب الضَّمَان
الْخَامِس: لَو بنى على بَاب دَاره دكة
فَتلف بهَا إِنْسَان أَو دَابَّة
وَجب الضَّمَان
وَكَذَا الطّواف إِذا وضع مَتَاعه فِي الطَّرِيق: فَتلف بِهِ شَيْء ضمنه بِخِلَاف مَا لَو وضع على طرف حانوته

(1/142)


السَّادِس: لَو بَالَتْ دَابَّة أَو راثت فزلق بِهِ إِنْسَان أَو دَابَّة أَو تطاير مِنْهُ شَيْء إِلَى طَعَام إِنْسَان فنجسه
فَإِن كَانَت الدَّابَّة فِي ملكه فَلَا ضَمَان
وَإِن كَانَت فِي الطَّرِيق أَو ربطها فِي الطَّرِيق ضمن على الْأَصَح
وَلَو أسْند خَشَبَة إِلَى جِدَار فَسقط الْجِدَار على شَيْء فأتلفه
فَإِن كَانَ الْجِدَار لغير الْمسند وَلم يَأْذَن لَهُ فَعَلَيهِ ضَمَان الْجِدَار
وَمَا سقط عَلَيْهِ
وَإِن كَانَ الْجِدَار للمسند وَلغيره
وَقد أذن لَهُ فِي الْإِسْنَاد لم يجب ضَمَان الْجِدَار
وَفِي ضَمَان مَا يسْقط عَلَيْهِ وَجْهَان
تَنْبِيه: اعْلَم أَن الضَّمَان حَيْثُ أطلق فِي هَذِه الصُّورَة وَمَا أشبههَا أَو قيل: إِنَّه على الْحَافِر أَو على وَاضع الْحجر أَو الْقَاعِد أَو ناصب الْمِيزَاب أَو الْجنَاح وملقى القمامة وقشر الْبِطِّيخ: فَالْمُرَاد تعلق الضَّمَان بهم
وَمَعْنَاهُ: يجب على عاقلتهم
انْتهى
تذييل: وَيجوز للْإنْسَان أَن يشرع روشنا فِي الطَّرِيق النَّافِذ إِذا لم تتضرر الْمَارَّة بِهِ
وَلَا يجوز فِي الدَّرْب الْمُشْتَرك إِلَّا بِإِذن الشُّرَكَاء
وَيجوز تَقْدِيم الْبَاب فِي الدَّرْب الْمُشْتَرك وَلَا يجوز تَأْخِيره إِلَّا عَن إِذن
وَإِن أَرَادَ أَن يضع الْجذع على حَائِط جَاره أَو حَائِط مُشْتَرك بِغَيْر إِذن
لم يجز فِي الْأَصَح
وَإِن صَالحه على ذَلِك بِشَيْء جَازَ
وَإِن كَانَ مَعْلُوما
وَإِن كَانَ بَينهمَا حَائِط وَاقع أَو لأَحَدهمَا الْعُلُوّ وَالْآخر السّفل فَوَقع السّقف فَدَعَا أَحدهمَا صَاحبه إِلَى الْبناء وَامْتنع الآخر
فَفِيهِ قَولَانِ
أصَحهمَا: أَنه لَا يجْبر عَلَيْهِ وَالله أعلم

(1/143)