جواهر العقود ومعين القضاة والموقعين والشهود

كتاب التَّدْبِير

وَمَا يتَعَلَّق بِهِ من الْأَحْكَام
التَّدْبِير مأخود من الدبر وَهُوَ أَن يعلق عتق عَبده بِمَوْتِهِ وَهُوَ مَا يتَقرَّب بِهِ إِلَى الله تَعَالَى
لِأَن الْمَقْصُود بِهِ الْعتْق
فَهُوَ كَالْعِتْقِ الْمُنجز
وَقَول الْقَائِل لعَبْدِهِ أَنْت حر بعد موتِي أَو عَتيق بعد موتِي أَو إِذا مت فَأَنت حر
أَو أَعتَقتك بعد موتِي صَرِيح فِيهِ
وَكَذَا قَوْله دبرتك أَو أَنْت مُدبر
وَيصِح التَّدْبِير بكنايات الْعتْق مَعَ النِّيَّة مثل أَن يَقُول خليت سَبِيلك بعد موتِي
وَيجوز التَّدْبِير مُطلقًا على مَا صورنا
ومقيدا مثل أَن يَقُول إِن مت فِي هَذَا الشَّهْر أَو من مرضِي هَذَا
فَأَنت حر
فَإِن مَاتَ على تِلْكَ الصّفة عتق العَبْد وَإِلَّا فَلَا
وَيجوز تَعْلِيق التَّدْبِير
مثل أَن يَقُول إِذا دخلت الدَّار أَو مَتى دخلت الدَّار
فَأَنت حر بعد موتِي
فَإِذا دخل الدَّار صَار مُدبرا
فَيشْتَرط أَن يدْخل قبل موت السَّيِّد إِلَّا إِذا قَالَ إِذا مت ثمَّ دخلت الدَّار فَأَنت حر فَيشْتَرط الدُّخُول بعد الْمَوْت
وَيكون على التَّرَاخِي
وَلَيْسَ للْوَارِث بَيْعه قبل الدُّخُول
وَلَو قَالَ إِذا مت وَمضى شهر فَأَنت حر فللوارث استخدامه فِي الشَّهْر وَلَيْسَ لَهُ بَيْعه
وَلَو قَالَ إِن شِئْت فَأَنت مُدبر
أَو أَنْت حر بعد موتِي إِن شِئْت فتشترط الْمَشِيئَة على الِاتِّصَال على الْفَوْر
فَإِذا وصل بقول سَيّده شِئْت عتق
وَلَو قَالَ مَتى شِئْت فَهُوَ على التَّرَاخِي
وَلَو كَانَ بَين شَرِيكَيْنِ عبد
فَقَالَا مَتى متْنا فَأَنت حر لم يعْتق العَبْد مَا لم يموتا جَمِيعًا
وَإِذا مَاتَ أَحدهمَا فَلَيْسَ لوَارِثه بيع نصِيبه
وَيصِح الرُّجُوع عَن التَّدْبِير بِأَن يَقُول أبطلت التَّدْبِير أَو نقضته أَو فسخته أَو رجعت فِيهِ
وَيصِح بيع الْمُدبر
وَيعتق الْمُدبر من الثُّلُث

(2/435)


وَإِذا كَانَ على الْمُدبر دين يسْتَغْرق التَّرِكَة لم يعْتق مِنْهُ شَيْء
وَإِن كَانَ يسْتَغْرق نصف قيمَة الْمُدبر بيع نصفه وَعتق نصفه وتدبير أحد الشَّرِيكَيْنِ لَا يسري إِلَى نصيب الآخر

الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب
اتّفق الْأَئِمَّة على أَن السَّيِّد إِذا قَالَ لعَبْدِهِ أَنْت حر بعد موتِي صَار العَبْد مُدبرا يعْتق بعد موت سَيّده
وَاخْتلفُوا هَل يجوز بيع الْمُدبر أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجوز بَيْعه إِذا كَانَ التَّدْبِير مُطلقًا وَإِن كَانَ مُقَيّدا بِشَرْط الرُّجُوع من سفر بِعَيْنِه أَو مرض بِعَيْنِه
فبيعه جَائِز
وَقَالَ مَالك لَا يجوز بَيْعه فِي حَال الْحَيَاة
وَيجوز بَيْعه بعد الْمَوْت إِن كَانَ على السَّيِّد دين
وَإِن لم يكن عَلَيْهِ دين وَكَانَ يخرج من الثُّلُث عتق جَمِيعه
وَإِن لم يحْتَملهُ الثُّلُث عتق مَا يحْتَملهُ
وَلَا فرق عِنْده بَين الْمُطلق والمقيد
وَقَالَ الشَّافِعِي يجوز بَيْعه على الْإِطْلَاق
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا كمذهب الشَّافِعِي
وَالْأُخْرَى يجوز بَيْعه بِشَرْط أَن يكون على السَّيِّد دين
وَولد الْمُدبرَة عِنْد أبي حنيفَة حكمه حكم أمه إِلَّا أَنه يفرق بَين الْمُقَيد وَالْمُطلق كَمَا تقدم
وَقَالَ مَالك وَأحمد كَذَلِك إِلَّا أَنَّهُمَا لَا فرق عِنْدهمَا بَين مُطلق التَّدْبِير ومقيده
وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ
أَحدهمَا كمذهب مَالك وَأحمد
وَالثَّانِي لَا يَبِيع أمه وَلَا يكون مُدبرا
انْتهى
فرع مُدبر لَا يجوز بَيْعه
وَهُوَ إِذا كَاتبه سَيّده
وتدبير لَا يعْتَبر من الثُّلُث
وَهُوَ إِذا قَالَ إِن مَرضت مَرضا أَمُوت فِيهِ فَأَنت حر قبله بساعة فَإِذا مَاتَ عتق
وَيكون الْعتْق سَابِقًا على الْمَرَض وَالْمَوْت
المصطلح وَهُوَ يشْتَمل على صور
مِنْهَا صُورَة تَدْبِير بِلَفْظ مَتى دبر فلَان مَمْلُوكه فلَانا الْفُلَانِيّ الْجِنْس الْمُسلم الدّين الْبَالِغ الْمُعْتَرف لَهُ بِالرّقِّ والعبودية تدبيرا صَحِيحا شَرْعِيًّا
بِأَن قَالَ لَهُ مَتى مت لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الثُّبُوت الشَّرْعِيّ
وَحكم بِمُوجب ذَلِك سيدنَا فلَان الدّين فَأَنت حر بعد موتِي قَالَ ذَلِك بِصَرِيح لَفظه بِحَضْرَة شُهُوده وَأشْهد عَلَيْهِ بذلك فِي تَارِيخ كَذَا
وَإِن كَانَ التَّدْبِير بِلَفْظ إِن مت من مرضِي هَذَا فَأَنت حر فَيَقُول بِأَن قَالَ لعَبْدِهِ

(2/436)


الْمَذْكُور بِصَرِيح لَفظه إِن مت من مرضِي هَذَا فَأَنت حر بعد موتِي فَإِذا مَاتَ عتق بِمَوْتِهِ إِلَّا إِذا قَالَ السَّيِّد ذَلِك أَو قَالَ لَهُ إِن شِئْت فَأَنت حر بعد موتِي وَقَالَ العَبْد شِئْت وَشَرطه أَن يكون قَوْله شِئْت مُتَّصِلا بقول السَّيِّد
فَيَقُول ذَلِك فِي كتاب التَّدْبِير
وينبه على اتِّصَال قَوْله بقول السَّيِّد إِن شِئْت وَإِلَّا لم يعْتق
وَكَذَلِكَ يَقُول فِي جَمِيع صور التَّدْبِير فِيمَا يحصل بِهِ التَّدْبِير من الصرائح المبينة والكنايات
وَصُورَة مَا إِذا أقرّ الْوَرَثَة بِخُرُوج العَبْد الْمُدبر من ثلث مَال الْمُورث أقرّ فلَان وَفُلَان وَفُلَان أَوْلَاد فلَان الْمُدبر الْمَذْكُور بَاطِنه إِذا كَانَت الْكِتَابَة على ظهر كتاب التَّدْبِير أَن العَبْد الْمُسَمّى بَاطِنه الْمَدْعُو فلَان كَانَ والدهم الْمَذْكُور دبره تدبيرا صَحِيحا شَرْعِيًّا
وَأَنه توفّي إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى
وَأَحْكَام التَّدْبِير بَاقِيَة إِلَى حِين وَفَاته وَأَنَّهُمْ قومُوا العَبْد الْمَذْكُور بَاطِنه بِأَهْل الْخِبْرَة والمعرفة بقيم الرَّقِيق
فَكَانَت قِيمَته كَذَا وَكَذَا دِينَارا
وَأَنَّهَا قيمَة عادلة يحْتَمل خُرُوجهَا من ثلث مَال مُورثهم الْمَذْكُور وَأَن العَبْد الْمُدبر الْمَذْكُور بَاطِنه صَار حرا من أَحْرَار الْمُسلمين إِلَى آخِره
وَإِن ثَبت التَّدْبِير على حَاكم
فَيَقُول بعد ثُبُوت ذَلِك كُله وتشخيصهم وَمن مُوجبه صيرورة العَبْد الْمَذْكُور حرا من أَحْرَار الْمُسلمين بِمُقْتَضى ثُبُوت اتساع المَال لإِخْرَاج العَبْد الْمَذْكُور من ثلثه حكما شَرْعِيًّا إِلَى آخِره
وَإِن كَانَ التَّدْبِير فِي الصِّحَّة والسلامة فَلَا حَاجَة إِلَى ذكر ثلث المَال وَيعتق العَبْد من رَأس المَال
انْتهى
وَالله أعلم

(2/437)