روضة الطالبين وعمدة المفتين ط العلمية

روضة الطالبين - كتاب دعوى الدم والقسامة والشهادة على الدم
فيه ثلاثة أبواب :
الأول : في الدعوى ولها خمسة شروط، أحدها: تعيين المدعى عليه، بأن ادعى القتل على شخص أو جماعة معينين، فهي مسموعة، وإذا ذكرهم للقاضي، وطلب إحضارهم، أجابه، إلا إذا ذكر جماعة لا يتصور اجتماعهم على القتل، فلا يحضرهم، ولا يبالي بقوله، فإنه دعوى محال، ولو قال: قتل أبي أحد هذين، أو واحد من هؤلاء العشرة، وطلب من القاضي أن يسألهم، ويحلف كل واحد منهم، فهل يجيبه ؟ وجهان، أصحهما: لا، وبه قطع جماعة للابهام، كمن ادعى دينا على أحد رجلين، والثاني: نعم، للحاجة ولا ضرر عليهم في يمين صادقة، ويجري الخلاف في

(7/230)


دعوى الغصب والاتلاف والسرقة، وأخذ الضالة على أحد رجلين أو رجال، ولا يجري في دعوى قرض وبيع سائر المعاملات، لانها تنشأ باختيار المتعاقدين، وشأنها أن يضبط كل واحد منهما صاحبه، هذا هو المذهب في الصورتين، وقيل بطرد الخلاف في المعاملات، وقيل بقصره على دعوى الدم لعظم خطرها، فلو لم يكن الجماعة التي ادعى عليهم القتل حاضرين، وطلب إحضارهم، ففي إجابته الوجهان، ولو قال: قتله أحدهم، ولم يطلب إحضارهم، ليسألوا، ويعرض عليهم اليمين، لم يحضرهم القاضي، ولم يبال بكلامه، هكذا ذكره المتولي، وذكر أن الوجهين فيما إذا تعلقت الدعوى بواحد من جماعة محصورين، فأما إذا قال: قتله واحد من أهل القرية، أو المحلة وهم لا ينحصرون، وطلب إحضارهم، فلا يجاب، لانه يطول فيه العناء على القاضي، ويتعطل زمانه في خصومة واحدة، وتتأخر حقوق الناس. الشرط الثاني: أن تكون الدعوى مفصلة، أقتله عمدا أم خطأ، أم شبه عمد، منفردا أم مشارك غيره، لان الاحكام تختلف بهذه الاحوال، ويتوجه الواجب تارة على العاقلة، وتارة على القاتل، فلا يعرف من يطالب إلا بالتفصيل، وفيه وجه سنذكره إن شاء الله تعالى، أنه يجوز كون الدعوى مجهولة، فعلى الصحيح لو أجمل الولي فوجهان، أحدهما: يعرض القاضي عنه، ولا يستفصل، لانه ضرب من التلقين، والثاني وهو الصحيح المنصوص، وبه قطع الجمهور: يستفصل، وربما وجد في كلام الائمة ما يشعر بوجوب الاستفصال، وإليه أشار الروياني، وقال الماسرجسي: لا يلزم الحاكم أن يصحح دعواه، ولا يلزمه أن يستمع إلا إلى دعوى محررة، وهذا أصح، ثم إذا قال: قتله منفردا أو عمدا ووصف العمد أو خطأ، وطالب المدعى عليه بالجواب، وإن قال: قتله بشركة، سئل عمن شاركه، فإن ذكر جماعة لا يمكن اجتماعهم على القتل، لغا قوله ودعواه، وإن ذكر جماعة يتصور اجتماعهم، ولم يحضرهم، أو قال: لا أعرف عددهم، فإن ادعى قتلا يوجب الدية بأن قال: قتله خطأ، أو شبه عمد، أو تعمد وفي شركائه مخطئ، لم تسمع دعواه

(7/231)


لان حصة المدعى عليه من الدية لا تعلم إلا بحصر الشركاء، فلو قال: لا أعلم عددهم تحقيقا، ولكن أعلم أنهم لا يزيدون على عشرة، سمعت دعواه، وطالب بعشر الدية، وإن ادعى ما يوجب القود بأن قال: قتل عمدا مع شركاء عامدين، فوجهان، أصحهما: تسمع دعواه، ويطالب بالقصاص، لانه لا يختلف بعدد الشركاء، والثاني: لا، لانه قد يختار الدية فلا يعلم حقه منها، وأشير إلى وجه ثالث: أنا إن قلنا: موجب العمد القود، سمعت، وإن قلنا: أحدهما، فلا. الشرط الثالث: أن يكون المدعي مكلفا ملتزما، فلا تسمع دعوى صبي ومجنون وحربي، ولا يضر كون المدعي صبيا أو مجنونا، أو جنينا حالة القتل إذا كان بصفة الكمال عند الدعوى، لانه قد يعلم الحال بالتسامع، ويمكنه أن يحلف في مظنة الحلف إذا عرف ما يحلف عليه بإقرار الجاني، أو سماع ممن يثق به، كما لو اشترى عينا وقبضها، فادعى رجل ملكها، فله أن يحلف أنه لا يلزمه التسليم إليه اعتمادا على قول البائع، وأما المحجور عليه بسفه، فتسمع دعواه الدم، وله أن يحلف ويحلف، ويستوفي القصاص، وإذا آل الامر إلى المال أخذه الولي، كما في دعوى المال، يدعي السفيه ويحلف، والولي يأخذ المال. الرابع: أن يكون المدعى عليه مكلفا، فلا يدعي على صبي ومجنون، فلو ادعى على محجور عليه بسفه، نظر، إن كان هناك لوث، سمعت الدعوى، سواء ادعى عمدا، أو خطأ، أو شبه عمد، ويقسم المدعي، ويكون الحكم كما في غير السفيه، وإذا كان اللوث قول عدل واحد، حلف المدعي معه، ويثبت المال بالشاهد واليمين، وإن لم يكن لوث، فإن ادعى قتلا يوجب القصاص، سمعت الدعوى لان إقراره بما يوجب القصاص مقبول، فإن أقر، أمضى حكمه عليه، وإن نكل، حلف المدعي، وكان له أن يقتص، وإن ادعى خطأ، أو شبه عمد، فهذا مبني على أن إقرار المحجور عليه بالاتلاف هل يقبل ؟ وفيه وجهان سبقا في

(7/232)


الحجر، وسواء قبلناه، أم لا، فتسمع أصل الدعوى، أما إذا قبلنا إقراره، فليمض عليه الحكم إن أقر، وليقم البينة عليه إن أنكر، وأما إذا لم نقبل وهو الاصح، فليقم البينة عليه إن أنكر، ثم إذا أنكر هل يحلف ؟ يبنى على أن يكون المدعى عليه مع يمين المدعي كبينة يقيمها المدعي أم كإقرار المدعى عليه إن قلنا: كالبينة، حلف، فربما نكل، وإن قلنا: كالاقرار، لم يحلف على الاصح، وقيل: يحلف لتنقطع الخصومة في الحال. فرع تسمع دعوى القتل على المحجور عليه بفلس، فإن كان بينة، أو لوث، وأقسم المدعي، فهو كغيره، ويزاحم المستحق الغرماء بالمال، وإن لم تكن بينة ولا لوث، حلف المفلس، فإن نكل، حلف المدعي، واستحق القصاص إن ادعى قتلا يوجب القصاص، قال الروياني: فإن عفا عن القصاص على مال ثبت، وهل يشارك به الغرماء ؟ يبنى على أن اليمين المردودة كالبينة أم كالاقرار، إن قلنا: كالبينة، فنعم، وإلا فقولان، كما لو أقر بعين في يده، أو بمال نسبه إلى ما قبل الحجر، وإن كان المدعي قتل خطأ، أو شبه عمد، ثبت باليمين المردودة الدية، وتكون على العاقلة إن قلنا: كالبينة، وإن قلنا: كالاقرار كانت على الجاني، وفي مزاحمة المدعي الغرماء بها القولان. فرع ادعى مثلا على عبد إن كان لوث، سمعت، وأقسم المدعي واقتص إن ادعى عمدا وأوجبنا القصاص بالقسامة، وإلا فتتعلق الدية برقبة العبد، وإن لم يكن لوث، فدعوى القتل الموجب للقصاص تكون على العبد، ودعوى الموجب

(7/233)


للمال على السيد، وتمام المسألة يأتي في الدعوى والبينات إن شاء الله تعالى. الشرط الخامس: أن لا تتناقض دعواه، فلو ادعى على شخص تفرده بالقتل، ثم على آخر تفرده بالقتل أو مشاركته، لم تسمع الثانية، ولو لم يقسم على الاول، ولم يمض حكم، فلا يمكن من العود إليه، لان الثانية تكذبها، ولو صدقه الثاني في دعواه الثانية فوجهان، أحدهما، ليس له مؤاخذته، لان في الدعوى على الاول اعترافا ببراءة غيره، وأصحهما: له مؤاخذته، لان الحق لا يعدوهما، ويحتمل كذبه في الاولى وصدقه في الثانية، ولو ادعى قتلا عمدا فاستفصل، فوصفه بما ليس بعمد، نقل المزني أنه لا يقسم، والربيع أنه يقسم، قال الاكثرون: في المسألة قولان، أحدهما: تبطل الدعوى ولا يقسم لان في دعوى العمد اعترافا ببراءة العاقلة، فلا يمكن من مطالبتهم بعدة ولان فيه اعترافا بأنه ليس بمخطئ فلا يقبل رجوعه عنه، وأظهرهما: لا تبطل، لانه قد يظن الخطأ عمدا، فعلى هذا يعتمد تفسيره ويمضي حكمه، ومنهم من قطع بهذا وتأول نقل المزني على أنه لا يقسم على العمد. ويجري الطريقان فيمن ادعى خطأ، وفسر بعمد، وكذا فيمن ادعى شبه عمد، وفسر بخطإ، وقيل: يقبل تفسيره قطعا، لان فيه تخفيفا عن العاقلة ورجوعا عن زيادة ادعاها عليهم. فرع ادعى قتلا، فأخذ المال، ثم قال: ظلمته بالاخذ، وأخذته باطلا، أو ما أخذته حرام علي، سئل، فإن قال: كذبت في الدعوى وليس هو قاتلا، استرد المال منه، وإن قال: أردت أني حنفي لا أعتقد أخذ المال بيمين المدعي، لم يسترد، لان النظر إلى رأي الحاكم واجتهاده، لا إلى مذهب الخصمين، وذكروا للمسألة نظائر. منها: مات شخص، فقال ابنه: لست أرثه، لانه كان كافرا، فسئل عن كفره، فقال: كان معتزليا أو رافضيا، فيقال له: لك ميراثه وأنت مخطئ في اعتقادك، لان الاعتزال والرفض ليس بكفر، هكذا قاله القفال والبغوي والروياني وغيرهم. قال الفوراني: ومن شيوخنا من يكفر أهل الاهواء، فعلى هذا يحرم الميراث.

(7/234)


قلت: هذا الوجه خطأ، والصواب المنصوص والذي قطع به الجمهور: أنا لا نكفرهم. [ والله أعلم ]. ومنها: قضى حنفي لشافعي بشفعة الجوار، فأخذ الشقص، ثم قال: أخذته باطلا، لانني لا أرى شفعة الجوار، لا يسترد منه. ومنها: مات عن جارية أولدها بنكاح، فقال وارثه: لا أتملكها، لانها صارت أم ولد له بذلك، وعتقت بموته، فيقال له: هي مملوكتك ولا تصير أم ولد بالنكاح. واعلم أن جميع هذا فيما يتعلق بظاهر الحكم، أما الحل باطنا إذا حكم القاضي في مواضع الخلاف لشخص على خلاف اعتقاده، كحكم حنفي لشافعي بشفعة جوار، ففي ثبوته خلاف، وميل الائمة هنا إلى ثبوته، وسنذكره إن شاء الله تعالى في كتاب الاقضية. ولو قال: أردت بقولي، حرام أنه مغصوب، فإن عين المغصوب منه، لزمه تسليمه إليه، ولا رجوع له على المأخوذ منه، لان قوله لا يقبل عليه، وإن لم يعين أحدا، فهو مال ضائع، وفي مثله خلاف مشهور، والجواب في الشامل أنه لا يلزمه رفع يده عنه، ولو قال بعد ما أقسم: ندمت على الايمان، لم يلزمه بهذا شئ. فرع ادعى القتل على رجل، وحلف وأخذ المال، فجاء رجل وقال: أنا قتلت مورثك، ولم يقتله الذي حلف عليه، فإن لم يصدقه الوارث، لم يؤثر قوله فيما جرى، وإن صدقه، لزمه رد ما أخذ، وهل له الدعوى على الثاني ومطالبته ؟ فيه قولان، وهما نظير الوجهين السابقين في أول هذا الشرط.
الباب الثاني : في القسامة هي الايمان في الدماء. وصورتها: أن يوجد قتيل بموضع لا يعرف من قتله، ولا بينة، ويدعي وليه قتله على شخص أو جماعة، وتوجد قرينة تشعر بصدقه، ويقال له: اللوث، فيحلف على ما يدعيه، ويحكم له بما سنذكره إن شاء الله تعالى.

(7/235)


وفي الباب أربعة أطراف :
الأول : في محل القسامة، وهو قتل الحر في محل اللوث، فهذه ثلاثة قيود، الاول: القتل، فلا قسامة في إتلاف المال، ولا فيما دون النفس من الجروح والاطراف، بل القول فيها قول المدعى عليه بيمينه، وإن كان هناك لوث، لان النص ورد في النفس، وهي أعظم من الاطراف، ولهذا اختصت بالكفارة، فلا تلحق بها الاطراف، وحكى الروياني وجها في الاطراف، وغلط قائله، فعلى الصحيح لو جرح مسلم، فارتد، ثم مات بالسراية، فلا قسامة، فلو عاد إلى الاسلام، جرت القسامة، سواء أوجبنا كمال الدية أم لا، لان الواجب هنا بدل النفس، وكذا الحكم فيما لو جرح ذمي، فنقض عهده، ثم مات، أو جدد العهد ثم مات. القيد الثاني: كون القتيل حرا، فلو قتل العبد، وهناك لوث، فادعى السيد على عبد، أو حر أنه قتله، فهل يقسم السيد ؟ فيه طريقان، أشهرهما: على القولين في أن بدل العبد هل تحمله العاقلة ؟ إن قلنا: لا، فقد ألحقناه بالبهيمة، فلا قسامة، وإن قلنا: نعم وهو الاظهر، أقسم السيد وهو المنصوص، والثاني: يقسم قطعا، لان القسامة تحفظ الدماء، وهذه الحاجة تشمل العبد، كالقصاص والكفارة، والمدبر والمكاتب وأم الولد في هذا كالقن، فإذا أقسم السيد، فإن كانت الدعوى على حر، أخذ الدية من ماله في الحال إن ادعى عمدا محضا، وإن ادعى خطأ، أو شبه عمد، أخذها من عاقلته في ثلاث سنين، وإن كانت الدعوى على عبد، فإن ادعى العمد، ففي القصاص القولان في ثبوته بالقسامة، فإن منعناه وهو الاظهر، أو ادعى خطأ، أو شبه عمد، تعلقت القيمة برقبته. الثالث: كونه في محل اللوث، فإن لم يكن لوث، لم يبدأ بيمين المدعي، واللوث قرينة تثير الظن وتوقع في القلب صدق المدعي وله طرق: منها: أن يوجد قتيل في قبيلة، أو حصن، أو قرية صغيرة، أو محلة منفصلة عن البلد الكبير، وبين القتيل وبين أهلها عداوة ظاهرة فهو لوث في حقهم، فإذا ادعى وليه القتل عليهم، أو على بعضهم، كان له أن يقسم، ويشترط أن لا يساكنهم غيرهم، وقيل: يشترط أن لا يخالطهم غيرهم، حتى لو كانت القرية بقارعة طريق يطرقها التجار والمجتازون وغيرهم، فلا لوث، والصحيح أن هذا ليس بشرط.

(7/236)


ومنها: لو تفرق جماعة عن قتيل في دار دخلها عليهم ضيفا، أو دخل معهم لحاجة، أو في مسجد أو بستان أو طريق أو صحراء، فهو لوث، وكذا لو ازدحم قوم على بئر، أو باب الكعبة، أو في الطواف، أو في مضيق، ثم تفرقوا عن قتيل، ولا يشترط في هذا أن تكون بينه وبينهم عداوة. ومنها: لو تقابل صفان، فتقاتلا، وانكشفا عن قتيل من أحدهما، فإن اختلطوا، أو وصل سلاح أحدهما إلى الآخرين رميا أو طعنا أو ضربا، فهو لوث في حق الصف الآخر، وإن لم يصل سلاح، فهو لوث في حق أهل صفه. ومنها: إذا وجد قتيل في صحراء، وعنده رجل معه سلاح متلطخ بدم، أو على ثوبه أثر دم، فهو لوث، وإن كان بقربه سبع، أو رجل آخر مول ظهره، أو وجد أثر قدم، أو ترشيش وأم في غير الجهة التي فيها صاحب السلاح، (فليس بلوث) في حقه، ولو رأينا من بعد رجلا يحرك يده كما يفعل من يضرب بسيف أو سكين ثم وجدنا في الموضع قتيلا، فهو لوث في حق ذلك الرجل. ومنها: لو شهد عدل بأن زيدا قتل فلانا، فلوث على المذهب، سواء تقدمت شهادته على الدعوى أو تأخرت، ولو شهد جماعة تقبل روايتهم، كعبيد ونسوة، فإن جاؤوا متفرقين، فلوث، وكذا لو جاؤوا دفعة على الاصح، وفي التهذيب

(7/237)


أن شهادة عبدين، أو امرأتين كشهادة الجمع، وفي الوجيز أن القياس أن قول واحد منهم لوث، وفيمن لا تقبل روايتهم، كصبيان أو فسقة أو ذميين، أوجه، أصحها: قولهم لوث، والثاني: لا، والثالث: لوث من غير الكفار، ولو قال المجروح: جرحني فلان، أو قتلني، أو دمي عنده، فليس بلوث، لانه مدع، ولو تفرق عنه جماعة لا يتصور اجتماعهم على القتل، لم تسمع الدعوى عليهم ولا قسامة كما سبق، ولو ازدحم قوم لا يتصور اجتماعهم على القتل في مضيق، وتفرقوا عن قتيل، فادعى الولي القتل على عدد منهم يتصور اجتماعهم، فينبغي أن تقبل ويمكن من القسامة، كما لو ثبت اللوث في جماعة محصورين فادعى الولي القتل على بعضهم. فرع قال البغوي: لو وقع في ألسنة العام والخاص أن زيدا قتل فلانا، فهو لوث في حقه، وسواء في القسامة ادعى كافر على مسلم، أو مسلم على كافر، قال الامام: لو عاين القاضي ما هو لوث، فله اعتماده ولا يخرج على الخلاف في قضائه بعلمه، لانه يقضي بالايمان، قال المتولي: إذا وجد قتيل قريب من قرية، وليس هناك عمارة أخرى، ولا من يقيم بالصحراء، ثبت اللوث في حقهم، يعني إذا وجدت العداوة، وكنا نحكم باللوث لو وجد فيها، قال: ولو وجد بين قريتين، أو قبيلتين، ولم يعرف بينه وبين إحداهما عداوة، لم يجعل قربه من إحداهما لوثا.
فصل قد يعارض القرينة ما يمنع كونها لوثا، ويعارض اللوث ما يسقط أثره، ويبطل الظن الحاصل به، وذلك خمسة أنواع: أحدها: أن يتعذر إثباته، وإذا ظهر لوث في حق جماعة، فللولي أن يعين واحدا أو أكثر ويدعي عليه ويقسم، فلو قال: القاتل أحدهم ولا أعرفه، فلا قسامة، وله تحليفهم، فإن حلفوا إلا واحدا، فنكوله يشعر بأنه القاتل، ويكون لوثا في حقه، فإذا طلب المدعي أن يقسم عليه، مكن منه، ولو نكل الجميع، ثم عين الولي أحدهم وقال: قد بان لي أنه القاتل، وأراد أن يقسم عليه، مكن منه على الاصح.

(7/238)


الثاني: إذا ظهر لوث في أصل القتل دون كونه خطأ أو عمدا، فهل يتمكن الولي من القسامة على أصل القتل ؟ وجهان، أصحهما: لا، قال البغوي: لو ادعى على رجل أنه قتل أباه، ولم يقل عمدا ولا خطأ، وشهد له شاهد، لم يكن ذلك لوثا، لانه لا يمكنه أن يحلف مع شاهده، ولو حلف، لا يمكن الحكم به، لانه لا يعلم صفة القتل حتى يستوفي موجبه. واعلم أن هذا المذكور يدل على أن القسامة على قتل موصوف يستدعي ظهور اللوث في قتل موصوف، وقد يفهم من إطلاق الاصحاب أنه إذا ظهر اللوث في أصل القتل، كفى ذلك في تمكن الولي من القسامة على القتل الموصوف، وليس هذا ببعيد، ألا ترى أنه لو ثبت اللوث في حق جماعة وادعى الولي على بعضهم، جاز، ويمكن من القسامة، فكما لا يعتبر ظهور اللوث فيما يرجع إلى الانفراد والاشتراك لا يعتبر في صفة العمد والخطأ. الثالث: أن ينكر المدعى عليه اللوث في حقه، بأن قال: لم أكن مع القوم المتفرقين عن القتيل، أو قال: لست أنا الذي رئي معه السكين المتلطخ على رأسه، أو لست أنا المرئي من بعيد، فعلى المدعي البينة على الامارة التي ادعاها، فإن لم يكن بينة، حلف المدعى عليه على نفيها، وسقط اللوث، وبقي مجرد الدعوى، ولو قال: كنت غائبا يوم القتل، أو ادعى على جمع، فقال أحدهم: كنت غائبا، صدق بيمينه، لان الاصل براءته، وعلى المدعي البينة على حضوره يومئذ، أو إقراره بالحضور، فإن أقام بينة بحضوره، وأقام المدعى عليه بينة بغيبته، ففي الوسيط: أنهما تتساقطان، وفي التهذيب: تقدم بينة الغيبة، لان معها زيادة علم، هذا إذا اتفقا أنه كان حاضرا من قبل، ويعتبر في بينة الغيبة أن يقولوا: كان غائبا في موضع كذا، فلو اقتصروا على أنه لم يكن هنا، فهذا نفي محض لا تسمع الشهادة عليه، ولو أقسم المدعي، وحكم القاضي بموجب القسامة، ثم أقام المدعى عليه بينة على غيبته يوم القتل، أو أقر بها المدعي، نقض الحكم واسترد المال، وكذا لو قامت بينة على أن القاتل غيره، ولو قال الشهود: لم يقتله هذا، واقتصروا عليه، لم تقبل شهادتهم، ولو كان محبوسا أو مريضا يوم القتل، فهل هما كالغيبة حتى يسقط اللوث إذا ثبت الحال بإقرار المدعي، أو بينة ؟ وجهان،

(7/239)


وموضعها إذا أمكن كونه قاتلا بحيلة ولو في صورة بعيدة، أصحهما: هما كالغيبة. الرابع: شهد عدل أو عدلان أن زيدا قتل أحد هذين القبيلين، فليس بلوث، ولو شهد أو شهدا أن زيدا قتله أحد هذين، ثبت اللوث في حقهما على الصحيح، فإذا عين الولي أحدهما وادعى عليه، فله أن يقسم، كما لو تفرق جماعة عن قتيل، وقيل: لا لوث، كالصورة الاولى. الخامس: تكذيب بعض الورثة، فإذا كان للميت ابنان، فقال أحدهما: قتل زيد أبانا، وقد ظهر عليه اللوث، وقال الآخر: لم يقتله، بل كان غائبا يوم القتل، وإنما قتله فلان، أو اقتصر على نفي القتل عنه، أو قال: برأ من الجراحة، أو مات حتف أنفه، فهل يبطل تكذيبه اللوث، ويمنع الاول القسامة ؟ فيه قولان، أظهرهما: نعم، وسواء كان المكذب عدلا أو فاسقا، وقيل: لا تبطل بالفاسق قطعا، والمنصوص الاصح: أنه لا فرق، فإن قلنا: لا تبطل، حلف المدعي خمسين يمينا، وأخذ حقه من الدية، ولو قال أحدهما: قتل أبانا زيد، وقال الآخر: بل قتله عمرو، وقلنا: لا يبطل اللوث بالتكاذب، أقسم كل واحد على من عينه، وأخذ نصف الدية، وإن قلنا: يبطل، فلا قسامة، ويحلف كل واحد من عينه، ولو قال أحدهما: قتل أبانا زيد ورجل لا أعرفه، وقال الآخر: قتله عمرو، ورجل لا أعرفه، فلا تكاذب، فيقسم كل واحد على من عينه، ويأخذ منه ربع الدية، فإن عادا، وقال كل واحد منهما: قد بان لي أن المبهم هو الذي عينه أخي، فلكل واحد أن يقسم على الآخر، ويأخذ منه ربع الدية، وهل يحلف كل واحد خمسين يمينا، أم خمسا وعشرين ؟ فيه خلاف يأتي في نظائره إن شاء الله تعالى، وإن قال كل واحد: المبهم غير الذي عينه أخي، حصل التكاذب، فإن قلنا: تبطل القسامة، رد كل واحد ما أخذ بها، وإلا فيقسم كل واحد على من عينه ثانيا، ويأخذ منه ربع الدية، ولو قال الذي عين زيدا: تبينت أن الذي أبهمت ذكره عمر الذي عينه أخي، وقال الذي عين عمرا: تبينت أن الذي ابهمت ذكره غير زيد، فالذي عين عمرا لا يكذبه أخوه، فله أن يقسم على عمرو، ويأخذ منه ربع الدية، والذي عين زيدا، كذبه أخوه، فإن قلنا: تبطل القسامة، رد ما أخذ، وحلف المدعى عليه، وإلا أقسم على من عينه، وأخذ منه ربع الدية، ولو قال أحدهما: قتل أبانا

(7/240)


زيد وحده، وقال الآخر: قتله زيد وعمرو، فإن قلنا: التكاذب لا يبطل القسامة، أقسم الاول على زيد، وأخذ منه نصف الدية، ويقسم الثاني عليهما، ويأخذ من كل واحد ربع الدية، وإن قلنا: يبطل، فالتكاذب هنا في النصف، وفي بطلان القسامة في كل وجهان، أصحهما: لا تبطل، فيقسم الاول على زيد، ويأخذ منه ربع الدية، وكذا يقسم الثاني عليه ويأخذ ربعها، ولا يقسم الثاني على عمرو، لان أخاه كذبه في الشركة، وللاول تحليف زيد، لما بطلت فيه القسامة، وللثاني تحليف عمرو، ولو قال أحدهما: قتل أبانا زيد وعمرو، وقال الآخر: قتله بكر وخالد، فإن أبطلنا القسامة بالتكذيب، لم يقسم واحد منهما، ولكل واحد تحليف اللذين عينهما، وإن لم يبطلها، أقسم كل واحد على اللذين عينهما، وأخذا من كل منهما ربع الدية. فرع لا يشترط في اللوث والقسام ظهور دم ولا جرح، لان القتل يحصل بالخنق، وعصر الخصية، وغيرهما، فإذا ظهر أثره، قام مقام الدم، فلو لم يوجد أثر أصلا، فلا قسامة على الصحيح، وبه قطع الصيدلاني والمتولي، فلا بد أن يعلم أنه قتيل، ليبحث عن القاتل، ولو وجد بعضه في محلة وتحقق موته، ثبتت القسامة، سواء وجد رأسه أو بدنه، أقله أو أكثره، وإذا وجد بعضه في محلة وبعضه في أخرى، فللولي أن يعين ويقسم.
الطرف الثاني : في كيفية القسامة وفيه مسائل: إحداها: أيمانها خمسون يمينا، وكيفية اليمين كسائر الدعاوى، ويقول في يمينه: لقد قتل هذا، ويشير إليه، أو لقد قتل فلان ابن فلان، ويرفع في نسبه، أو يعرفه بما يمتاز به من قبيلة أو صنعة، أو لقب فلان ابن فلان، ويعرفه كذلك منفردا بقتله، وإن ادعى على اثنين، قال: قتلاه منفردين بقتله، نص الشافعي رحمه الله على ذكر الانفراد، فقيل: هو تأكيد، لان قوله: قتله، يقتضي الانفراد، وقيل: شرط، لاحتمال الانفراد صورة والاشتراك حكما، كالمكره مع المكره، ويتعرض لكونه عمدا أو خطأ، وذكر الشافعي رحمه الله أن الجاني لو ادعى أنه برئ من الجرح، زاد في اليمين: وما برئ من جرحه حتى مات منه.

(7/241)


الثانية: يستحب للقاضي أن يحذر المدعي إذا أراد أن يحلف، ويعظه ويقول: اتق الله، ولا تحلف إلا عن تحقق، ويقرأ عليه * (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا) *، والقول في التغليظ في اليمين زمانا ومكانا ولفظا منه ما سبق في اللعان، ومنه ما هو مؤخر إلى الدعوى والبينات. الثالثة: لا تشترط موالاة الايمان على المذهب، وقيل: وجهان، فعلى المذهب: لو حلف الخمسين في خمسين يوما، جاز. الرابعة: جن المدعي في خلال الايمان، أو أغمي عليه، ثم أفاق، يبنى عليها، ولو عزل القاضي، أو مات في خلالها، فالاصح أن القاضي الثاني يستأنف منه الايمان، وحكي عن نصه في الام أنه يكفيه البناء، قال الروياني: وهو الاصح، لكن المتولي حمل النص على ما إذا حلف المدعى عليه بعض الايمان تفريعا على تعدد يمينه، فمات القاضي، أو عزل وولي غيره، يعتد بالايمان السابقة، وفرق بأن يمين المدعى عليه على النفي فتنفذ بنفسها، ويمين المدعي للاثبات فتوقف على حكم القاضي، والقاضي لا يحكم بحجة أقيمت عند الاول، قال: وعزل القاضي وموته بعد تمام الايمان، كالعزل في أثنائها في الطرفين، قال: ولو عزل القاضي في أثناء الايمان من جانب المدعي أو المدعى عليه، ثم تولى ثانيا، فيبنى على أن الحاكم هل يحكم بعلمه ؟ إن قلنا: لا، استأنف، وإلا بنى، ولو مات الولي المقسم في أثنائها، نص في المختصر أن وارثه يستأنف الايمان، وقال الخضري: يبنى عليها، والصحيح الاول، ولو مات بعد تمامها، حكم لوارثه، كما لو أقام بينة ثم مات ولو مات المدعى عليه في أثناء الايمان، إذا حلفناه في غير صورة اللوث، أو فيها، لنكول المدعي، بنى وارثه على أيمانه. الخامسة: في جواز القسامة في غيبة المدعى عليه وجهان، أصحهما: نعم، كالبينة، والثاني: لا، لضعف القسامة، ولا يمنع من القسامة كون المدعي كان

(7/242)


غائبا عن موضع القتل، كما لا يمنع كونه صبيا أو جنينا، لانه قد يعرف الحال بإقرار المدعى عليه، أو بسماع ممن يثق به. السادسة: ما يستحق بالقسامة يستحق بخمسين يمينا، فإن كان الوارث واحدا وهو جائز، حلف خمسين وأخذ الدية، وإن لم يكن جائزا، حلف أيضا خمسين، لانه لا يمكنه أخذ شئ إلا بعد تمام الحجة، فإذا حلف أخذ قدر حقه ولا يثبت الباقي بيمينه، بل حكمه حكم من مات ولا وارث له وسيأتي إن شاء الله تعالى، وإن كان للقتيل وارثان فأكثر، فقولان، أحدهما: يحلف كل واحد خمسين يمينا، وأظهرهما: يوزع الخمسون عليهم على قدر مواريثهم، ومنهم من قطع بهذا، فعلى هذا إن وقع كسر، تممنا المنكسر، فإذا كان ثلاثة بنين، حلف كل ابن سبع عشرة، وإن خلف أما وابنا، حلفت تسعا وحلف اثنتين وأربعين، وإن خلف زوجة وبنتا جعلت الايمان بينهما أخماسا، فتحلف الزوجة عشرا، والبنت أربعين، وفي زوج وبنت، تجعل أثلاثا، وإذا خلف أكثر من خمسين ابنا أو أخا، حلف كل واحد يمينا، وإن كانوا تسعة وأربعين، حلف كل واحد يمينين، وفي صورة الجد والاخوة تقسم الايمان، كقسم المال، وفي المعادة لا يحلف ولد الاب إن لم يأخذ شيئا، فإن أخذ، حلف بقدر حقه، فإذا خلف جدا وأخا لابوين وأخا لاب، حلف الجد سبع عشرة والاخ للابوين أربعا وثلاثين، ولا يحلف الاخ للاب وعلى التوزيع لو نكل بعضهم عن جميع حصته، أو بعضها، فلا يستحق الآخر شيئا حتى يحلف خمسين ولو غاب بعضهم، فالحاضر بالخيار بين أن يصبر حتى يحضر الغائب، فيحلف كل واحد قدر حصته، وبين أن يحلف في الحال خمسين، ويأخذ قدر حقه، فلو كان الورثة ثلاثة بنين أحدهم حاضر، فأراد أن يحلف، حلف خمسين يمينا، وأخذ ثلث الدية، فإذا قدم ثان، حلف نصف الخمسين، وأخذ

(7/243)


الثلث فإذا قدم الثالث، حلف سبع عشرة، وأخذ ثلث الدية، ولو كانوا أربعة، حلف الحاضر خمسين، وأخذ ربع الدية، فإذا قدم ثان، حلف خمسا وعشرين، وأخذ ربعها، وثالث يحلف سبع عشرة والرابع ثلاث عشرة، ولو قال الحاضر: لا أحلف إلا بقدر حصتي لا يبطل حقه من القسامة حتى إذا قدم الغائب حلف معه بخلاف ما إذا قال الشفيع الحاضر: لا آخذ إلا قدر حصتي، فإنه يبطل حقه، لان الشفعة إذا أمكن أخذها، فالتأخير تقصير مفوت، والمين في القسامة لا تبطل بالتأخير، ولو كان في الورثة صغير، أو مجنون، فالبالغ العاقن كالحاضر، والصبي والمجنون كالغائب في جميع ما ذكرناه، ولو حلف الحاضر، أو البالغ خمسين، ثم مات الغائب أو الصبي، وورث الحالف، لم يأخذ نصيبه إلا بعد أن يحلف حصته ولا يحسب ما مضى، لانه لم يكن مستحقا له يومئذ. فرع كان في الورثة خنثى مشكل، أخذ بالاحتياط واليقين في الايمان والميراث، فإن خلف ولدا خنثى، حلف خمسين لاحتمال أنه ذكر، ولا يأخذ إلا نصف المال، ثم إن لم يكن معه عصبة، لم يأخذ القاضي الباقي من المدعى عليه بل يوقف حتى يبين الخنثى، فإن بان ذكرا أخذه، وإن بان أنثى حلف القاضي المدعى عليه للباقي، وإن كان معه عصبة كأخ، فإن شاء صبر إلى وضوح الخنثى، وإن شاء حلف، فإن صبر توقفنا، وإن حلف حلف خمسا وعشرين، وأخذ القاضي النصف الآخر، ووقفه بين الاخ والخنثى، فإذا بان المستحق منهما، دفعه إليه باليمين السابقة، ولو خلف ولدين خنثيين، حلف كل واحد منهما ثلثي الايمان مع الجبر وهي أربع وثلاثون يمينا، لاحتمال أنه ذكر، والآخر أنثى، ولا يأخذان إلا الثلثين لاحتمال أنهما أنثيان، ولو خلف ابنا وخنثى، حلف الابن ثلثي الايمان، وأخذ نصف الدية، وحلف الخنثى نصفها، وأخذ ثلث الدية، ووقف السدس بينهما، ولو خلف بنتا وخنثى، حلفت نصف الايمان، والخنثى ثلثيها، وأخذ ثلثي الدية، ولا يؤخذ الباقي من المدعى عليه حتى يظهر الخنثى. وهنا صور أخر في الخناثى تعلم من الضابط والمثال المذكور حذفتها اختصارا ولعدم الفائدة فيها وتعذر وقوعها. فرع مات بعض الورثة المدعين الدم، قام وارثه مقامه في الايمان، فإن

(7/244)


تعددوا، عاد القولان، فإن قلنا: يحلف كل وارث خمسين، فكذا ورثة الورثة، وإن قلنا: بالتوزيع، وزعت حصة ذلك الوارث على ورثته، فلو كان للقتيل ابنان، مات أحدهما عن ابنين، حلف كل منهما ثلاث عشرة، فلو حلف أحدهما ثلاث عشرة، فمات أخوه قبل أن يحلف، ولم يترك سوى هذا الحالف، حلف أيضا ثلاث عشرة بقدر ما كان يحلف الميت، ولا يكفيه إتمام خمس وعشرين، ولو مات وارث القتيل بعد حلفه، أخذ وارثه ما كان له من الدية، وإن مات بعد نكوله، لم يكن لوارثه أن يحلف، لانه بطل حقه من القسامة بنكوله، لكن لوارثه تحليف المدعى عليه. فرع للقتيل ابنان، حلف أحدهما، ومات الآخر قبل أن يحلف عن ابنين، فحلف أحدهما حصته، وهي ثلاث عشرة ونكل الآخر، وزع الربع الذي نكل عنه على أخيه وعمه على نسبة ما يأخذان من الدية، فيخص الاخ أربع وسدس يضم ذلك إلى حصته في الاصل، وهي اثنتا عشرة ونصف، فتبلغ ست عشرة وثلثين فتكمل، وقد حلف ثلاث عشرة، فيحلف الآن أربعا، ويخص العم ثمان وثلث، فيحلف تسعا فيكمل له أربع وثلاثون. فرع جميع ما سبق في أيمان القسامة من جهة المدعي، أما إذا ادعى القتل بغير لوث وتوجهت اليمين على المدعى عليه، فهل يغلظ عليه بالعدد ؟ قولان، أظهرهما: نعم، لانها يمين دم، فإن نكل المدعى عليه رد على المدعي ما توجه على المدعى عليه على اختلاف القولين. ويجري القولان في يمين المدعي مع الشاهد الواحد، ولو كانت الدعوى في محل اللوث، ونكل المدعي عن القسامة، غلظت اليمين على المدعى عليه بالعدد قطعا، وقيل: بطرد القولين، فإن قلنا: بالتعدد، وكانت الدعوى على جماعة مع لوث أو مع عدمه، فهل يقسط الخمسون عليهم بعدد الرؤوس، أم يحلف كل واحد خمسين ؟ قولان، أظهرهما: الثاني، فإن قسطنا فكانت الدعوى على اثنين، حاضر وغائب، حلف الحاضر خمسين، فإذا حضر الغائب وأنكر، حلف خمسا وعشرين، وإن كانا حاضرين، فنكل أحدهما، حلف الآخر خمسين، لان البراءة عن الدم لا تحصل بدونها على قول التعدد، ويحلف المدعي على الناكل خمسين، ولو نكل المدعى عليه عن اليمين والمدعون جماعة وقلنا: بالتعدد، فهل توزع

(7/245)


الايمان على قدر مواريثهم أم يحلف كل واحد خمسين ؟ فيه القولان السابقان. فرع هذا الذي سبق حكم الايمان في دعوى النفس، فأما دعوى الطرف والجرح، فقد سبق أنه لا قسامة فيها، ولا اعتبار باللوث، ولكن يحلف المدعى عليه، وهل تتعدد اليمين ؟ يبنى على أن يمين المدعى عليه في دعوى النفس هل تتعدد ؟ إن قلنا: لا، فهنا أولى، وإلا فقولان أو وجهان، أشبههما بالترجيح التعدد، قال ابن الصباغ: هذا الخلاف في دعوى العمد المحض، أما في الخطإ وشبه العمد فتتحد فيه اليمين بلا خلاف، ولم يفرق الاكثرون كما في النفس، وإذا قلنا: بالتعدد، فذلك إذا كان الواجب فيما يدعيه قدر الدية، فإن نقص كبدل اليد والحكومة، فقولان، أظهرهما: يحلف المدعى عليه خمسين يمينا أيضا، والثاني: توزع الخمسون على الابدال، ففي اليد خمس وعشرون، وفي الموضحة ثلاث، ولو زاد الواجب على دية نفس، فهل يزاد في قدر الايمان بزيادة قدر الاروش ؟ طرد الامام حكاية الخلاف فيه، ولو كانت الدعوى في الطرف على جماعة، فهل يحلف كل واحد منهم بقدر ما يحلف المنفرد، أم يوزع على رؤوسهم ؟ فيه قولان كما سبق، ومتى نكل المدعى عليه عن اليمين المعروضة عليه، ردت على المدعي، وحلف بقدر ما كان يحلف المدعى عليه، فإن تعدد المدعون، فهل توزع عليهم بقدر الارث، أم يحلف كل واحدكما يحلف المنفرد ؟ فيه القولان السابقان. فرع كان مع المدعي شاهد، فأراد أن يحلف معه، فإن قلنا: تتحد اليمين مع الشاهد في دعوى الدم، نظر، إن جاء بصيغة الاخبار أو شهد على اللوث، حلف معه خمسين يمينا، وإن جاء بلفظ الشهادة وحافظ على شرطها، حلف معه يمينا واحدة، قال الامام: ويثبت المال إن كان القتل خطأ، وإن كان المدعى قتل عمد، فلا قصاص قطعا، وفي المال خلاف يأتي نظيره إن شاء الله تعالى، وإذا قلنا: تعدد اليمين مع الشاهد، فلا بد من خمسين يمينا بكل حال.
الطرف الثالث : في حكم القسامة فإذا أقسم الولي في محل اللوث، فإن كان ادعى قتل خطإ أو شبه عمد،

(7/246)


وجبت الدية على عاقلة المحلوف عليه، مخففة في الخطإ، ومغلظة في شبه العمد، وإن ادعى قتلا عمدا والمدعى عليه ممن يقتل بذلك القتيل، فهل يجب القصاص بالقسامة ؟ قولان، القديم: نعم، والجديد الاظهر: لا، فعلى الجديد تجب الدية فق مال القاتل حالة، وعلى القديم لا فرق بين أن تكون الدعوى على واحد، أو جماعة كالبينة، وخرب ابن سريج على القديم أن الولي يختار واحدا منهم، فيقتله قصاصا، ولا يقتل الجميع، وقيل: على هذا يأخذ من الباقين حصتهم من الدية، وهو ضعيف، وإذا ادعى القتل على ثلاثة في محل اللوث. والحاضر منهم واحد، فإن قال: تعمدوا جميعا، أقسم علق الحاضر خمسين يمينا، وأخذ ثلث الدية من ماله على الجديد، وعلى القديم له القصاص، فإذا قدم أحد الغائبين، فإن أقر، اقتص منه، وإن أنكر، أقسم عليه المدعي، وهل يقسم خمسين أم خمسا وعشرين ؟ وجهان، ويقال: قولان، أصحهما: الاول، هكذا أطلقوه، وينبغي أن يكون هذا على الخلاف السابق في جواز القسامة في غيبة المدعى عليه، فإن جوزناها وذكره في الايمان السابقة اكتفى بها، ثم إذا حلف عليه، عاد القولان، الجديد والقديم، فإذا قدم الثالث وأنكر فكم يحلف عليه ؟ فيه الخلاف السابق، وإن قال: تعمد هذا الحاضر، وكان الغائبان مخطئين، أقسم على الحاضر ولا يقتص منه قطعا، فإذا حضر الغائبان وأنكرا، فكم يحلف عليهما ؟ فيه الخلاف، وإن أقرا وصدقتهما العاقلة، فالدية على العاقلة، وإلا ففي مالهما مخففة، وإن قال: تعمد الحاضر ولا أدري أتعمد الغائبان أم أخطأ، أقسم على الحاضر خمسين وأخذ منه ثلث الدية على الجديد، وعلى القديم يوقف الامر حتى يحضرا، فإن حضرا واعترافا بالتعمد، اقتص منهما ويقتص من الاول أيضا في القديم، وإن اعترفا بالخطإ، وجبت الدية المخففة عليهما إن كذبتهما العاقلة، وإلا فعلى العاقلة، وإن أنكرا أصل القتل، فهل يقسم المدعي ؟ فيه الوجهان السابقان فيما إذا ادعى القتل وظهر اللوث فيه ولم يذكر أنه عمد أم خطأ، الاصح: لا يقسم، فإن قلنا: يقسم،

(7/247)


فأقسم، حبسا حتى يصفا القتل، وكم يقسم ؟ فيه الخلاف، ولو ادعى القتل على شخصين، وعلى أحدهما لوث دون الآخر، أقسم المدعي على الذي عليه لوث خمسين، وفي الاقتصاص منه القولان، وحلفالذي لا لوث عليه. فرع إذا نكل المدعي عن القسامة في محل اللوث، حلف المدعى عليه كما سبق، فإن نكل، فهل ترد اليمين على المدعي ؟ ينظر إن ادعى قتلا يوجب القصاص، وقلنا: القسامة لا توجب القصاص، ردت اليمين قطعا، لانه يستفيد بها ما لا يستفيد بالقسامة، وهو القصاص، وإن كان قتلا لا يوجب القصاص، أو يوجبه وقلنا: القسامة توجبه، فقولان، أحدهما: لا ترد، لانه نكل عن اليمين في هذه الخصومة، وأظهرهما: الرد، لانه إنما نكل عن يمين القسامة، وهذه غيرها، والسبب الممكن من تلك هو اللوث، ومن هذه نكول المدعى عليه، ولو كانت الدعوى في غير صورة اللوث، ونكل المدعى عليه عن اليمين، والمدعي عن اليمين المردودة، ثم ظهر لوث وأراد المدعي أن يقسم فقد أجروا القولين في تمكينه منه، ولو أقام المدعي شاهدا في دعوى بمال، ونكل عن الحلف معه، ونكل المدعى عليه عن اليمين المعروضة عليه، فأراد المدعي أن يحلف اليمين المردودة، عاد القولان هكذا أطلقوه، ومقتضى ما ذكرنا في أول المسألة أن يقال: إن جرى ذلك في دعوى قتل يوجب قصاصا، حلف اليمين المردودة قطعا، لانه لا يستفيد باليمين مع الشاهد القصاص، ويستفيد باليمين المردودة. فرع إذا حلف المدعى عليه تخلص عن المطالبة، ولا يطالب أهل الموضع الذي وجد فيه القتيل، ولا يأتي ذلك الموضع ولا عاقلته ولا عاقلة الحالف ولا غيرهم سواء كان المدعى قتلا عمدا أم خطأ، وإذا حلف المدعي عند نكول المدعى عليه، فإن كان المدعى قتلا عمدا، ثبت القصاص، لان اليمين المردودة كالاقرار، أو كالبينة، والقصاص يثبت بكل منهما، وإن كان المدعى خطأ، أو شبه عمد، وجبت الدية، ثم قيل: إن قلنا: اليمين المردودة كالبينة، فهي على عاقلته، وإن قلنا: كالاقرار، ففي ماله، وقيل: في ماله مطلقا، لانها إنما تكون كالبينة في حق المتداعيين.

(7/248)


الطرف الرابع : فيمن يحلف في القسامة وهو كل من يستحق بدل الدم، فيدخل فيه السيد، فإنه إذا قتل عبده، أقسم على المذهب كما سبق، وعلى هذا يقسم المكاتب إذا قتل عبده، ولا يقسم سيده، بخلاف ما إذا قتل عبد المأذون له فإن السيد يقسم دون المأذون له، لانه لا حق له، بخلاف المكاتب، فإن عجز قبل أن يقسم، وتعرض عليه اليمين، أقسم السيد، وإن عجز بعد عرض اليمين ونكوله، لم يقسم السيد، لبطلان الحق بنكوله، كما لا يقسم الوارث إذا نكل المورث، ولكن يحلف المدعى عليه، وإن عجز بعد ما أقسم، أخذ السيد القيمة، كما لو مات الولي بعد ما أقسم. فرع ملك عبده عبدا، فقتل وهناك لوث، فإن قلنا: العبد لا يملك بتمليك السيد، أقسم السيد، لان المقتول عبده، فإن أقسم، كانت القيمة له ولورثته بعده، وإن قلنا: يملك بالتمليك، بني ذلك على أن من ملك عبده شيئا فأتلف، هل ينقطع حق العبد منه وتكون القيمة للسيد، أم ينتقل حقه إلى القيمة ؟ وفيه وجهان، أصحهما: الانقطاع، لضعف ملكه ولانه لو أعتق أو انتقل من ملك السيد، انقلب ما ملكه إلى ملك سيده، فإن قلنا: ينقطع، أقسم السيد، وإلا فوجهان، أحدهما: يقسم العبد كالمكاتب، والثاني: لا، لضعف ملكه، فعلى هذا لا يقسم السيد أيضا، لانه لا ملك له، ولو استرجع السيد الملك، وأعاد القيمة إلى ملكه، لم يقسم السيد أيضا، لانها لم تثبت للعبد، فكيف يخلفه السيد فيها، وإن قلنا: يقسم العبد، فقد قيل: لا يقسم السيد أيضا، لان العبد لم يكن له حين قتل، ولا صارت القيمة له حينئذ، وإنما يملك بالاسترجاع، قال الامام: ويجوز أن يجعل السيد خلفا عن العبد كالوارث مع مورثه، ولو ملك مستولدته عبدا كان كما لو ملك عبده القن في جميع ما ذكرنا، وإن عتقت بموت السيد، ولو أوصى لمستولدته بعبد، فقتل وهناك لوث، أقسم السيد وأخذ القيمة وبطلت الوصية، ولو أوصى لها بقيمة عبده بعدما قتل، أو أوصى لها بقيمة عبده فلان إن قتل، صحت الوصية، لان القيمة له ولا يقدح فيها الخطر، لان الوصية تحتمل الاخطار، وليست الوصية للمستولدة كالوصية للقن، لانها تعتق بالموت وهو وقت استحقاق الوصية، والقن ينتقل إلى الوارث، فلا يمكن تصحيح الوصية له، قال الروياني: وعلى هذا لو أوصى لعبد نفسه، ثم أعتقه قبل موته، صحت الوصية، وعن القاضي أبي الطيب،

(7/249)


أنه لو باعه بعد الوصية، صحت الوصية، ويثبت الاستحقاق للمشتري، وإذا صحت الوصية لها، فإن أقسم السيد، ثم مات، فالقيمة لها، وإن لم يقسم حتى مات ولم يوجد منه نكول، أقسم الورثة، وتكون القيمة لها بالوصية، وإنما أقسم الورثة، وإن كانت القيمة للمستولدة، لان العبد يوم القتل كان للسيد، والقسامة من الحقوق المعلقة بالقتل، فيرثونها كسائر الحقوق، وتثبت القيمة له، ثم يصرفونها إلى المستولدة بموجب وصيته، ولهم غرض ظاهر في تنفيذ وصيته، وتحقيق مراده، وهذا كما أنهم يقضون دينه، وليس سبيلهم فيه سبيل سائر الناس، حتى لو مات من عليه دين ولا تركة له، فقضاه الورثة من مالهم، لزم المستحق قبوله بخلاف ما لو تبرع به أجنبي، قال الامام: وغالب ظني أني رأيت فيه خلافا، قال: ولو أوصى لانسان بمال ومات، فجاء من ادعى استحقاقه هل يحلف الوارث لتنفيذ الوصية ؟ فيه احتمالان، والفرق أن القسامة تثبت على خلاف القياس احتياطا للدماء. ولو نكل الورثة عن القسامة، فهل للمستولدة أن تقسم وتأخذ القيمة ؟ قولان، أحدهما: نعم، لان الحق لها، وأظهرهما: لا، لان القسامة لاثبات القيمة، وهي تثبت للسيد ثم تنتقل بالوصية إليها، ولا يقوم مقام السيد إلا وارثه، ويجري القولان في المديون إذا لم يقسم ورثته، هل يقسم غرماؤه ؟ ولا خلاف أن للورثة الدعوى، وطلب اليمين من المدعى عليه إذا لم يقسموا، وأما المستولدة، فهل لها الدعوى وطلب اليمين ؟ قيل: إن قلنا: لها أن تقسم، فلها ذلك، وإلا فلا، والمذهب والمنصوص أن لها ذلك، وإن قلنا: لا تقسم، لانها صاحبة القيمة، وأما القسامة

(7/250)


فللورثة، فلو نكل الخصم ردت اليمين عليها، قال الامام: وعلى هذا لا يفتقر طلبها ودعواها إلى إعراض الورثة عن الطلب. واعلم أن الورثة وإن كان لهم القسامة، لا تجب عليهم وإن كانوا متيقنين، فالايمان لا تجب قط. فرع لو قطعت يد عبد، فعتق ومات بالسراية، فقد سبق أن الواجب فيه الدية، وذكرا قولين، أظهرهما: للسيد أقل الامرين من نصف قيمة العبد وكمال الدية، والثاني: أنه أقل الامرين من كمال القيمة وكمال الدية، فلو وقعت هذه الجناية في محل لوث وكان الواجب قدر ما يأخذه السيد ولا يفضل شئ للورثة، فهل يقسم ؟ يبنى على ما لو مات رقيقا، إن قلنا: يقسم، فهنا أولى، وإلا فوجهان، أصحهما: يقسم أيضا، لان القتيل حر، والواجب دية، وإن كان يفضل عن الواجب شئ للورثة، أقسم الورثة قطعا، وفي قسامة السيد الخلاف، إن قلنا: لا يقسم، أقسم الورثة خمسين يمينا، وإلا فالسيد مع الوارث كالوارثين، فيعود القولان في أن كل واحد يحلف خمسين يمينا، أم توزع الايمان عليهما بحسب ما يأخذان. فرع إذا ارتد ولي القتيل بعد ما أقسم، فالدية ثابتة، ولها حكم سائر أمواله التي ارتد عليها، وإن ارتد قبل أن يقسم، قال الاصحاب: الاولى أن لا يعرض الحاكم القسامة عليه، لانه لا يتورع عن اليمين الكاذبة، فإذا عاد إلى الاسلام، أقسم، ولو أقسم في الردة، فالمذهب صحة القسامة، واستحقاق الدية بها، وهي كمال كسبه بعد الردة باحتطاب واصطياد ونحوهما، ولو ارتد الولي قبل موت المحروح، ومات المجروح والولي مرتد، لم يقسم، لانه لا يرث بخلاف ما إذا قتل العبد، وارتد السيد، لا يفرق بين أن يرتد قبل موت العبد أم بعده، بل يقسم إذا قلنا بالقسامة في بدل العبد، لان استحقاقه بالملك لا بالارث. فرع قتل من لا وارث له بجهة خاصة وهناك لوث، فلا قسامة لعدم المستحق المعين، لكن ينصب القاضي من يدعي عليه ويحلفه، فإن نكل، فهل يقضي عليه بنكوله ؟ فيه خلاف يأتي في موضعه إن شاء الله تعالى.

(7/251)


فصل في مسائل منثورة :
ينبغي للقاضي أن لا يحلف السكران مدعيا كان ولا مدعى عليه، حتى يعلم ما يقول، وما يقال له، وينزجر عن اليمين الكاذبة، فإن حلفه في السكر، فعلى الخلاف في أن السكران كالصاحي أم كالمجنون. والاصح: الاول، ولو قتل رجل وكان اللوث على عبده، فأراد وارثه أن يقسم عليه، فله ذلك إن أوجبنا القصاص بالقسامة ليقتص منه، وإلا فلا يقسم، لانه لا يثبت له في رقبة عبده مال إلا أن يكون مرهونا، فيستفيد بالقسامة فك الرهن وبيعه، وقسمة ثمنه على الغرماء، ولو ادعى على رجل أنه قتل أباه عمدا، فقال المدعى عليه: قتلته ولكن خطأ، أو شبه عمد، فإن لم يكن لوث، صدق المدعى عليه بيمينه، وإن كان بأن شهد عبيد أو نسوة على إقراره بالعمدية، فأيهما يصدق ؟ وجهان، أصحهما: المدعي، وبه قطع الامام والمتولي، فإن حلف المدعى عليه، فلم يحلف ؟ يبنى على ما لو أنكر أصل القتل إن قلنا: يمينا واحدة، فكذا هنا وإن قلنا: خمسين، فكذا هنا على الاصح، وقيل: يمينا، لان إنكار الصفة أخف من إنكار الاصل، وإذا حلف المدعى عليه، فهل للمدعي طلب الدية ؟ فيه وجهان بناء على أن الدية في الخطإ تجب على العاقلة ابتداء أم تجب على الجاني وهم يحملون، إن قلنا بالاول، ليس له الطلب، لانه ادعى حقا على المدعى عليه، وهو اعترف بوجوبه على غيره، وإن قلنا بالثاني، بني على أن الخلف في الصفة هل هو كالخلف في الموصوف ؟ وفيه قولان سبقا في مسائل خيار النكاح، إن قلنا: نعم، فكأنه ادعى مالا فاعترف بمال آخر لا يدعيه، وإن قلنا: لا، طالب بالدية وهو المذهب وعليه اقتصر الاكثرون، وتكون الدية على المدعى عليه مخففة مؤجلة إلا أن تصدقه العاقلة، فتكون عليهم، ولو ادعى أنه قتل أباه خطأ، فقال: قتلته عمدا، فلا قصاص، وهل له المطالبة بدية مخففة ؟ قال المتولي: فيه الوجهان، ولو نكل المدعى عليه في الصورة الاولى، حلف المدعي أنه كان عمدا ويكون عدد يمينه بعدد يمين المدعى عليه، ويثبت له بيمينه القصاص أو الدية المغلظة في ماله. فرع ادعى جرحا لا يوجب قصاصا كجائفة، وأقام بها شاهدا، وحلف معه يمينا واحدة ليستحق المال، ثم مات المجروح بالسراية، قال ابن الحداد: لا يعطى

(7/252)


الورثة شيئا إلا بخمسين يمينا، لانها صارت نفسا، قال القاضي أبو الطيب: تصوير ابن الحداد مبني على أن دعوى الجرح والبينة به تسمعان قبل اندماله، وفيه خلاف، ومفرع على أن الايمان لا تتعدد في الجراحات، فإن قلنا: تتعدد، وحلف مع شاهده خمسين، وإن قلنا: بالتوزيع على قدر الدية، حلف للجائفة مع الشاهد ثلث الخمسين، ثم إذا مات المجروح، وصارت الجراحة نفسا، أقسم الورثة واللوث حاصل بشهادة الشاهد الذي أقامه مورثهم، ولا تحسب يمينه لهم، وقال الخضري: تحسب حتى لو حلف خمسين على قولنا بالتكميل، فلا يمين على الورثة، والصحيح: الاول.
الباب الثالث : في الشهادة على الدم صفات الشهود، ونصب الشهادات، وشروطها تستوفى في كتاب الشهادات، لكن ذكر الشافعي رضي الله عنه مسائل تتعلق بالشهادة على الجناية، فراعى معظم الاصحاب ترتيبه، فكل قتل أو جرح يوجب القصاص، لا يثبت إلا بشهادة رجلين يشهدان على نفس القتل أو الجرح، أو إقرار الجاني به، وما لا يوجب إلا الدية، كالخطإ وشبه العمد، وجناية الصبي والمجنون، ومسلم على ذمي، وحر على عبد، وأب على ابن، يثبت بشهادة رجل وامرأتين، وبرجل ويمين، ولو كانت الجناية المدعاة بحيث توجب القصاص، وقال المدعي: عفوت عن القصاص فاقبلوا مني رجلا وامرأتين، أو شاهدا ويمينا لاخذ المال، فهل يقبل ويثبت المال ؟ وجهان، الاصح المنصوص: المنع، لانها في نفسها موجبة للقصاص، ومنهم من قطع بهذا، ومن القسم الاول، موضحة توجب القصاص، ومن الثاني، هاشمة ومأمومة وجائفة تجردت عن الايضاح، فلو كانت هاشمة مسبوقة بإيضاح، فهل يثبت أرش الهاشمة برجل وامرأتين، وبشاهد ويمين ؟ النص أنه لا يثبت، ونص فيما لو رمى سهما إلى زيد، فمرق منه إلى غيره، أنه يثبت الخطأ الوارد على الثاني برجل وامرأتين، وبشاهد ويمين، وفيهما طريقان، أحدهما: على قولين، ثبوت الهشم والجناية على الثاني برجل وامرأتين، وبشاهد ويمين، والثاني: المنع، والمذهب تقرير النصين، والفرق أن الهشم المشتمل على الايضاح جناية واحدة، وإذا اشتملت الجناية على ما يوجب القصاص، احتيط لها، ولم يثبت إلا بحجة كاملة،

(7/253)


وفي صورة مروق السهم حصل جنايتان لا تتعلق إحداهما بالاخرى، قال الامام: ولو قال المدعي: أصاب سهمه الرجل الذي قصده، ونفذ منه إلى أبي فقتله، ولم تكن الجناية الاولى متعلق حق المدعي، وجب القطع بثبوت الخطإ بالبينة الناقصة، ومحل الخلاف ما إذا كانت الجناية الاولى متعلق حق المدعي، قال: وفيه احتمال، قال: ولو ادعى أنه أوضح رأسه، ثم عاد وهشمه، ينبغي أن يثبت أرش الهاشمة برجل وامرأتين، لانها لم تتصل بالموضحة، ولم تتحد الجناية، قال: ولو ادعى القصاص مالا من جهة لا تتعلق بالقصاص، وأقام على الدعويين رجلا وامرأتين، فالمذهب ثبوت المال، وبه قطع الجمهور، وأبعد بعضهم فخالف فيه، وفي الوسيط أنه لا خلاف أنه لو ادعى قتل عمرو خطأ، فشهدوا، وذكروا مروق السهم إليه من زيد لا يقدح في الشهادة، لان زيدا ليس مقصودا بها، فإذا أثبتنا الهاشمة المسبوقة بإيضاح، وأوجبنا أرشها، قال صاحب التقريب: في وجوب القصاص في الموضحة وجهان، وجه الوجوب التبعية للهاشمة، وقال الشيخ أبو علي والائمة: لا قصاص في الموضحة، وفي أرشها وجهان، لانا وجدنا متعلقا لثبوت المال، فلا يبعد أن يستتبع مال مالا. فصل لتكن الشهادة على الجناية مفسرة مصرحة بالغرض، فيشترط أن يضيف الهلاك إلى فعل المشهود عليه، فلو قال: ضربه بالسيف، لم يثبت به شئ، ولو قال: ضربه فأنهر الدم، أو قال: جرحه أو ضربه بالسيف فأنهر الدم، أو فمات، لم يثبت به شئ أيضا لاحتمال الموت بسبب آخر، ولو قال: جرحه، فقتله، أو فمات من جراحته، أو أنهر دمه فمات بسبب ذلك، ثبت القتل، وفي معناه قوله: جرحه أو ضربه بالسيف فأنهر دمه ومات مكانه، نص عليه في المحتصر وجعل قوله: ومات مكانه، كقوله: ومات من جراحته، وفي لفظ الامام ما يشعر بنزاع فيه، ثم الشاهد يعرف حصول القتل بقرائن يشاهدها، فإن لم ير إلا الجرح وإنهار الدم، وحصول الموت، فللامام تردد في جواز تحمل الشهادة به، قال: والوجه: المنع، ولو قال: ضرب رأسه فأدماه، أو أسال دمه، ثبتت الدامية فمال دمه، لم يثبت، لاحتمال حصول السيلان بغيره،

(7/254)


ولو قال: ضربه بسيف، فأوضح رأسه، أو فاتضح من ضربه أو بجرحه، ثبتت الموضحة، ولو قال: ضربه، فوجدنا رأسه موضحا، أو فاتضح، لم تثبت، وحكى الامام والغزالي أنه يشترط التعرض لوضوح العظم، ولا يكفي إطلاق الموضحة، فإنها من الايضاح، وليست مخصوصة بإيضاح العظم، وتنزيل لفظ الشاهد على ألقاب اصطلح الفقهاء عليها لا وجه له، فلو كان الشاهد فقيها، وعلم القاضي أنه لا يطلق الموضحة إلا على ما يوضح العظم، ففيه تردد للامام، قال: يجوز أن يكتفى به، لفهم المقصود، ويجوز أن يعتبر الكشف لفظا، لان للشرع تعبدا في لفظ الشهادات وإن أفهم غيرها المقصود، ولا بد من تعيين محل الموضحة وبيان مساحتها ليجب القصاص، فلو كان على رأسه مواضح، وعجزوا عن تعيين موضحة المشهود عليه، فلا قصاص، ولو لم يكن على رأسه إلا موضحة، وشهدوا أنه أوضح رأسه، فلا قصاص أيضا، لجواز أنها كانت موضحة صغيرة فوسعها، وإنما يجب القصاص إذا قالوا: أوضح هذه الموضحة، وهل يجب الارش إذا أطلقوا أنه أوضح موضحة، وعجزوا عن تعيينها ؟ وجهان، أصحهما: نعم، لان الارش لا يختلف باختلاف محلها وقدرها، وإنما تعذر القصاص لتعذر المماثلة، ويدل عليه نصه في الام أنهما لو شهدا أنه قطع يد فلان، ولم يعينها، والمشهود له مقطوع اليدين، لا يجب القصاص، وتجب الدية، ولو كان مقطوع يد واحدة والصورة هذه، فهل تنزل شهادتهم هذه على ما نشاهدها مقطوعة أم يشترط تنصيصهم ؟ يجوز أن يقدر فيه خلاف. قلت: الصواب الجزم هنا بالتنزيل على المقطوعة. والله أعلم. ولو شهدا بموضحة شهادة صحيحة، ورأينا رأس المشجوج سليما لا أثر عليه، والعهد قريب بالشهادة، فالشهادة مردودة. فصل سيأتي في الشهاددت إن شاء الله تعالى أنه من شرط الشاهد أن ينفك عن التهمة، ومن التهمة أن يجر إلى نفسه نفعا، أو يدفع ضرا، ومن صور الجر أن يشهد على جرح مورثه، فإذا ادعى على شخص أنه جرحه، وشهد للمدعي وارثه، نظر، إن كان من الاصول أو الفروع، لم تقبل شهادته للبعضية، وإن كان من غيرهم

(7/255)


وشهد بعد الاندمال، قبلت شهادته، وإن شهد قبله، فلا، وإن شهد بمال آخر لمورثه المريض مرض الموت، قبلت شهادته على الاصح عند الجمهور، ولو شهد بالجرح محجوبان، ثم صاروا وارثين، فالشهادة في الاصل مقبولة، فإن صارا وارثين قبل قضاء القاضي بشهادتهما، لم يقض، وإن كان بعد قضائه، لم ينقض القضاء، كما لو شهد الشاهد ثم فسق، وقيل: في المسألة قولان، حدهما: هذا، والثاني: الاعتبار بحال الشهادة، ولو شهد وارثان ظاهرا، ثم ولد ابن يحجبهما، فالشهادة مردودة للتهمة عند أدائها، وقيل بطرد القولين، ولو شهد بجرحه وارثاه فبرأ، فالصحيح أنه لا تثبت الجراحة للتهمة عند الاداء. ومن صور دفع الضرر: أن تقوم بينة بقتل خطإ، فيشهد اثنان من العاقلة الذين يتحملون الدية على فسق بينة القتل، فلا تقبل شهادتهما، لانهما يدفعان عنهما، فلو كان الشاهدان من فقراء العاقلة، فالنص أنه لا تقبل شهادتهما، وإن كانا من الاباعد، وفي عدد الاقربين وفاء بالواجب، فالنص قبول شهادتهما، فقيل: قولان، والمذهب عند الجمهور تقرير النصين، والفرق أن المال غاد ورائح، فالغنى غير مستبعد، فتحصل التهمة، وموت القريب كالمستبعد في الاعتقاد، فلا تتحقق فيه تهمة، وتقبل شهادة العاقلة على فسق بينة قتل العمد وبينة الاقرار بالخطإ، لان الدية لا تلزمهم، فلا تهمة. فرع شهد رجلان على رجلين أنهما قتلا زيدا، فشهد المشهود عليهما على الاولين أنهما قتلاه، قال الشافعي والاصحاب رحمهم الله: يسأل الولي، فإن صدق الاولين دون الآخرين، ثبت القتل على الآخرين، وإن صدق الآخرين دون الاولين، أو صدق الجميع، أو كذب الجميع، بطلت شهادة الجميع، لان الآخرين يدفعان عن أنفسهما ضررا، ولانهما عدوان للاولين، واعترض على تصوير المسألة بأن الشهادة لا تسمع إلا بعد تقدم دعوى على معين، وأجيب بأوجه، أحدها عن أبي إسحق: إن تقدم الدعوى إنما يشترط إذا كان المدعي يعبر عن نفسه، وتجوز الشهادة قبل الدعوى لمن لا يعبر، كصبي ومجنون، والشهادة هنا للقتيل، ولهذا تقضى منها ديونه ووصاياه، وهذا ذهاب إلى قبول شهادة الحسبة في الدماء، وهو وجه ضعيف. الثاني عن الماسرجسي والاستاذ أبي طاهر: أن صورتها إذا لم يعلم الولي

(7/256)


القاتل، وتسمع الشهادة قبل الدعوى والحالة هذه، وهذا وجه ضعيف أن شهادة الحسبة تقبل إن لم يعلم بها المستحق. الثالث قاله الجمهور تفريعا على أن الشهادة لا تقبل إلا بعد تقديم الدعوى، وهو المذهب، وصورتها أن يدعي الولي القتل على رجلين، ويشهد له شاهدان، فيبادر المشهود عليهما، ويشهدان على الشاهدين بأنهما القاتلان، وذلك يورث ريبة للحاكم، فيراجع الولي، ويسأله احتياطا، ولو كان المدعي وكيل الولي، نظر، إن كان عين الآخرين وأمره بالدعوى عليهما، ففعل، وأقام بها شاهدين، فشهد المشهود عليهما على الشاهدين، فإن استمر الوكيل على تصديق الاولين، ثبت القتل على الآخرين، وإن صدقهم جميعا، أو صدق الآخرين، انعزل عن الوكالة، ولا تبطل دعوى الموكل على الآخرين، وإن لم يعين الوكيل أحدا، بل قال: ثأري عند اثنين من هؤلاء الجماعة، فادع عليهما واطلب ثأري منهما، ففي صحة التوكيل هكذا وجهان، قال البغوي: وعلى تصحيحه عمل الحكام، وعلى الصحيح ينطبق ما ذكره صاحب التقريب وأبو يعقوب الابيوردي أن المسألة من أصلها فيمن وكل اثنين في الدم فادعى أحدهما على رجلين، والآخر على آخرين، وشهد كل اثنين على الآخرين، ولو عين الوكيل شخصين، والتوكيل منهم كما صورنا، وأقام عليهما شاهدين، فشهد المشهود عليهما على الشاهدين، واستمر الوكيل على تصديق الاولين، ثبت القتل على الآخرين، وإن صدق الآخرين، جاز، أو صدق الجميع، انعزل عن الوكالة، ثم إن صدق الموكل الاولين، ثبت القتل على الآخرين، وإن صدق الآخرين، جاز، وله الدعوى على الاولين إذا لم يتقدم منه ما يناقض ذلك، لكن لا تقبل شهادة الآخرين، وإذا قلنا: تقبل الشهادة قبل الدعوى، فابتدر أربعة إلى مجلس القاضي، فشهد اثنان منهم على الآخرين أنهما قتلا فلانا، وشهد الآخران على الاولين أنهما القاتلان، فوجهان، أحدهما: تبطل الشهادتان لتضادهما، والثاني: يسأل الولي، فإن لم يصدقهم، بطلت شهادتمم، وإن صدق اثنين، تأيدت شهادتهما بالتصديق، فيقضي بها، وقيل: يعمل بشهادة الاولين، وترد شهادة الآخرين، لانهما عدوان ودافعان. فرع شهد رجلان على رجلين بالقتل، فشهد المشهود عليهما بذلك القتل

(7/257)


على أجنبي أو أجانب فالنظر في كون الشهادة واقعة بعد الدعوى أو قبلها، وفي تصديق الولي الصنفين أو أحدهما على ما سبق، ولو كان المدعي وكيل الولي، ولم يكن الولي عين أحدا، ثم إنه صدق الآخرين، كان له أن يدعي على الاولين، لانه لم يسبق منه ما يناقضه، ولا تقبل شهادة الآخرين، لانهما متهمان بالدفع، وعن الصيدلاني أنه يحتمل أن لا يجعلا متهمين. فرع شهد رجلان على رجلين على التصوير المتقدم، فشهد أجنبيان على الشاهدين أنهما القاتلان، عاد التفصيل، فإن كان الولي ادعى بنفسه وكذب الاجنبيين، بطلت شهادتهما، ولو صدقهما، أو صدق الجميع، بطلت الشهادات للتناقض، وإن كان المدعي الوكيل، ولم يعين الموكل أحدا، فللموكل الدعوى على الاولين، والاجنبيان ليسا دافعين، ولكنهما مبادران إلى الشهادة قبل الاستشهاد، فإن ادعى عليهما، وشهد الاجنبيان، فعلى الخلاف في قبول الشهادة المعادة من المبادر، وقال البغوي: إن ادعى، وأعاد الشهادة في مجلس آخر، قبلت قطعا، وإن ادعى، وشهدا في ذلك المجلس، فوجهان. فرع ادعى على اثنين ألفا، وشهد به شاهدان، ثم شهد المشهود عليهما، أو أجنبيان بأن للمدعي على الشاهدين ألفا، وصدق المدعي الآخرين أيضا، لم تبطل دعواه الاولى ولا شهادة الاولين على الآخرين، وله أن يدعي على الآخرين أيضا، لامكان اجتماع الالفين، وشهادة الآخرين على الاولين شهادة قبل الدعوى والاستشهاد، قال البغوي: فلو ادعى، وشهدا في مجلس آخر، قبلت، وإن جرى في ذلك المجلس، فوجهان. فصل أقر بعض الورثة بعفو أحدهم عن القصاص، وعينه أو لم يعينه، سقط القصاص، وأما الدية، فإن لم يعين العافي، فللورثة كلهم الدية، وإن عينه، وأنكر، فكذلك، ويصدق بيمينه في كونه لم يعف، وإن أقر بالعفو، فلغير العافي حقهم من الدية، والعافي وإن عفا على الدية، فكذلك، وإن أطلق العفو، فعلى القولين في وجوب الدية بالعفو المطلق، ولو شهد بعض الورثة بعفو أحدهم، فإن كان فاسقا أو لم يعين العافي، فحكمه حكم الاقرار، وإن كان عدلا وعين العافي، وشهد بأنه عفا عن القصاص والدية جميعا، فللجاني أن يحلف معه، ويسقط

(7/258)


القصاص والدية، أما القصاص، فبالاقرار الذي تضمنته الشهادة، وأما الدية، فلان العفو عن المال يثبت بشاهد ويمين، وكذا الحكم لو شهد رجل وامرأتان من الورثة. وإذا حلف الجاني، فيحلف: لقد عفا عن الدية، وقيل: يحلف: لقد عفا عن القصاص والدية، وهو ظاهر النص، وهو ضعيف، والنص مؤول، لان القصاص سقط بالاقرار، وإذا ادعى الجاني على الورثة أو بعضهم العفو عن القصاص على الدية، فأنكروه، فهم المصدقون باليمين، فإن نكلوا، حلف، وثبت العفو بيمين الرد، وإن أقام بينة على العفو، لم يقبل إلا رجلان، ولو آل الامر إلى المال، فادعى على بعضهم عفوه عن حصته من الدية فله اثباته برجل وامرأتين، وشاهد ويمين. فصل إذا اختلف شاهدا القتل في زمان، بأن قال أحدهما: قتله بكرة، وقال الآخر: عشية، أو مكان، فقال أحدهما: في البيت، والآخر: في السوق، أو آلة، فقال أحدهما: قتله بسيف، والآخر: برمح أو عصا، أو هيئة، فقال أحدهما: حزه، والآخر: قده، لم يثبت القتل، وهكذا حكم ما يشهدان به، ويختلفان فيه من الافعال والالفاظ المنشأة، ولا يكون ذلك لوثا على المذهب، ولو شهد أحدهما أنه أقر بالقتل عمدا، أو خطأ يوم السبت، والآخر أنه أقر به يوم الاحد، ثبت القتل، لانه لا اختلاف في القتل وصفته، ولو قال أحدهما: أقر أنه قتله بمكة يوم كذا، وقال الآخر: أقر أنه قتله بمصر ذلك اليوم، سقط قولهما، ولو شهد أحدهما أنه قتله، والآخر أنه أقر بقتله، لم يثبت القتل، ولكنه لوث، فإن كان المدعى قتل عمد، وأقسم الولي، ترتب على القسامة حكمها، وإن كان قتل خطأ، حلف مع أي الشاهدين شاء، وتعدد اليمين واتحادها على ما سبق، فإن حلف مع شاهد القتل، فالدية على العاقلة، وإن حلف مع شاهد الاقرار، ففي مال الجاني، وإن ادعى قتل عمد، فشهد أحدهما على إقراره بقتل عمد، والآخر على إقراره بقتل مطلق أو أحدهما بقتل عمد، والآخر بقتل مطلق، ثبت أصل القتل، لاتفاقهما عليه، حتى لا يقبل من المدعى عليه إنكاره، ويسأل عن صفة القتل، فإن أصر على إنكار أصله، قال له الحاكم: إن لم تبين صفته، جعلتك ناكلا، ورددت اليمين على المدعي أنك قتلت عمدا، وحكمت عليك بالقصاص، فإن بين صفته، فقال: قتلته عمدا، أجري عليه حكمه، وإن قال: قتلته خطأ، وكذبه الولي، فأطلق مطلقون أنه يصدق في نفي العمدية، فيحلف وتجب دية خطإ في ماله، لانها

(7/259)


تثبت بإقراره، وإن نكل، حلف، ووجب القصاص، واستدرك الامام والغزالي، فقالا: يصدق في نفي العمدية إن لم يكن هناك لوث، فإن كان، أقسم المدعي ويشبه أن يكون جلمراد لوث العمدية، وإلا فأصل اللوث حاصل بأصل القتل لاتفاق الشاهدين، وقد سبق خلاف في أنه لو ظهر لوث بأصل القتل دون كونه خطأ أو عمدا، هل تثبت القسامة ؟ وهذا نازع إليه. فرع شهد أحدهما أنه قتله عمدا، والآخر أنه قتله خطأ، والدعوى بقتل عمد، ففي ثبوت أصل القتل وجهان، أصحهما: يثبت، فإن قلنا: لا يثبت، فحكمه كما سبق في صور التكاذب، وإن قلنا: يثبت، سئل الجاني، فإن أقر بالعمد، ثبت، أو بخطإ وصدقه الولي، ثبت، وإن كذبه، فللولي أن يقسم، لان معه شاهدا، وذلك لوث هنا قطعا، فإن أقسم الولي، حكم بمقتضى القسامة، وإلا فيحلف الجاني، فإن حلف، فالدية مخففة في ماله، وإن نكل، ففي رد اليمين على المدعي قولان سبقا، فإن ردت، وحلف، ثبت موجب العمد، فإن لم ترد، أوردت، وامتنع من الحلف، تثبت دية الخطإ في ماله، وقال البغوي: إن كان المدعى قتل عمد، فشهادة الخطإ لغو، ويحلف الولي مع شاهد العمد خمسين يمينا، ويثبت مقتضى القسامة، وإن كان قتل خطإ، فشهادة العمد لغو، ويحلف مع شاهد الخطإ، وتجب دية على العاقلة، قال: ولو شهد أحدهما أنه أقر بقتله عمدا، والآخر أنه أقر بقتله خطأ، فالحكم كذلك إلا أنه إذا حلف مع شاهد الخطإ، فالدية على الجاني إلا أن تصدقه العاقلة. فرع شهدا أنه ضرب ملفوفا في ثوب، فقده نصفين، ولم يتعرضا لحياته وقت الضرب، لم يثبت القتل بشهادتهما، فلو اختلف الولي والجاني في حياته حينئذ، فأيهما يصدق ؟ فيه قولان سبقا، أظهرهما: الولي، وفي موضع القولين ثلاث طرق، أصحهما: إطلاقهما، والثاني قاله أبو إسحق: ينظر إلى الدم السائل، فإن قال أهل الخبرة: هو دم حي، صدق الولي، وإن قالوا: دم ميت، صدق الجاني، وإن اشتبه، ففيه القولان، والثالث قاله أبو الحسن الطيبي، بكسر الطاء وبالباء الموحدة: أنه إن كان ملفوفا في ثياب الاحياء، صدق الولي، وإن كان في الكفن، صدق الجاني، وإن اشتبه، ففيه القولان، فإن صدقنا الجاني،

(7/260)


فحلف، برئ، وإن صدقنا الولي، فله الدية، وفي القصاص وجهان، قال الشيخ أبو حامد: لا، للشبهة وقال الماسرجسي والقاضي أبو الطيب وغيرهما: يجب القصاص، لانه مقتضى تصديقه. فرع شهد رجل على رجل أنه قتل زيدا، وشهد آخر أنه قتل عمرا، حصل اللوث في حقهما جميعا، فيقسم الوليان، نص عليه في الام رضي الله عنه وبالله التوفيق.

(7/261)