روضة
الطالبين وعمدة المفتين ط المكتب الإسلامي كِتَابُ الزَّكَاةِ
هِيَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ، فَمَنْ جَحَدَهَا كَفَرَ، إِلَّا أَنْ
يَكُونَ حَدِيثَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ لَا يَعْرِفُ وُجُوبَهَا
فَيُعَرَّفُ. وَمَنْ مَنَعَهَا وَهُوَ يَعْتَقِدُ وُجُوبَهَا، أُخِذَتْ
مِنْهُ قَهْرًا. فَإِنِ امْتَنَعَ قَوْمٌ بِقَوْمٍ قَاتَلَهُمُ الْإِمَامُ
عَلَيْهَا.
فَصْلٌ
فِيمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ
وَهُوَ كُلُّ مُسْلِمٍ حُرٍّ، أَوْ بَعْضُهُ حُرٌّ، فَتَجِبُ فِي مَالِ
الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، وَيَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ إِخْرَاجُهَا مِنْ
مَالِهِمَا، فَإِنْ لَمْ يُخْرِجْ أَخْرَجَ الصَّبِيُّ بَعْدَ بُلُوغِهِ،
وَالْمَجْنُونُ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ زَكَاةَ مَا مَضَى، وَلَا تَجِبُ فِي
الْمَالِ الْمَنْسُوبِ إِلَى الْجَنِينِ، وَإِنِ انْفَصَلَ حَيًّا، عَلَى
الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: هَذَا، وَالثَّانِي: تَجِبُ.
وَأَمَّا الْكَافِرُ الْأَصْلِيُّ فَلَيْسَ بِمُطَالَبٍ بِإِخْرَاجِ
الزَّكَاةِ فِي الْحَالِ، وَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ عَنِ
الْمَاضِي. وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ مَا وَجَبَ فِي
الْإِسْلَامِ. وَإِذَا حَالَ الْحَوْلُ عَلَى مَالِهِ فِي الرِّدَّةِ،
فَطَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ: تَجِبُ الزَّكَاةُ
قَطْعًا، كَالنَّفَقَاتِ وَالْغَرَامَاتِ. وَالثَّانِي - وَهُوَ الَّذِي
قَالَهُ الْجُمْهُورُ -: يُبْنَى عَلَى الْأَقْوَالِ فِي مِلْكِهِ، إِنْ
قُلْنَا: يَزُولُ بِالرِّدَّةِ فَلَا زَكَاةَ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا
يَزُولُ، وَجَبَتْ، وَإِنْ قُلْنَا: مَوْقُوفٌ، فَالزَّكَاةُ مَوْقُوفَةٌ
أَيْضًا. فَإِذَا قُلْنَا: تَجِبُ، فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ إِذَا أَخْرَجَ
فِي حَالِ الرِّدَّةِ أَجْزَأَهُ، كَمَا لَوْ أَطْعَمَ عَنِ الْكَفَّارَةِ.
وَقَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ:
(2/149)
لَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ: لَا
يُخْرِجُهَا مَا دَامَ مُرْتَدًّا. وَكَذَا الزَّكَاةُ الْوَاجِبَةُ قَبْلَ
الرِّدَّةِ، فَإِنْ عَادَ إِلَى الْإِسْلَامِ أَخْرَجَ الْوَاجِبَةَ فِي
الرِّدَّةِ وَقَبْلَهَا. وَإِنْ مَاتَ مُرْتَدًّا بَقِيَتِ الْعُقُوبَةُ
فِي الْآخِرَةِ. قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: هَذَا خِلَافُ مَا قَطَعَ
بِهِ الْأَصْحَابُ، لَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إِذَا أَخْرَجَ فِي
الرِّدَّةِ ثُمَّ أَسْلَمَ، هَلْ يُعِيدُ الْإِخْرَاجَ؟ وَجْهَانِ،
كَالْوَجْهَيْنِ فِي أَخْذِ الزَّكَاةِ مِنَ الْمُمْتَنِعِ. وَلَا تَجِبُ
الزَّكَاةُ عَلَى الْمُكَاتَبِ، فَإِنْ عَتَقَ وَفِي يَدِهِ مَالٌ،
ابْتَدَأَ لَهُ حَوْلًا. وَإِنْ عَجَزَ نَفْسُهُ وَصَارَ مَالُهُ
لِسَيِّدِهِ، ابْتَدَأَ الْحَوْلُ عَلَيْهِ. وَأَمَّا الْعَبْدُ الْقِنُّ
فَلَا يُمَلَّكُ بِغَيْرِ تَمْلِيكِ السَّيِّدِ قَطْعًا، وَلَا
بِتَمْلِيكِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ. فَإِنْ مَلَّكَهُ السَّيِّدُ مَالًا
زَكَوِيًّا وَقُلْنَا: لَا يُمَلَّكُ - فَالزَّكَاةُ عَلَى سَيِّدِهِ.
وَإِنْ قُلْنَا: يُمَلَّكُ، فَلَا زَكَاةَ عَلَى الْعَبْدِ قَطْعًا؛
لِضَعْفِ مِلْكِهِ، وَلَا عَلَى السَّيِّدِ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِعَدَمِ
مِلْكِهِ. وَالثَّانِي: تَجِبُ؛ لِأَنَّهُ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ.
وَالْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ كَالْقِنِّ. وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ
تَلْزَمُهُ زَكَاةُ مَا يَمْلِكُهُ بِحُرِّيَّتِهِ عَلَى الصَّحِيحِ؛
لِتَمَامِ مِلْكِهِ. وَالثَّانِي: لَا يَلْزَمُهُ كَالْمُكَاتَبِ.
فَصْلٌ
قَالَ الْأَصْحَابُ: الزَّكَاةُ نَوْعَانِ: زَكَاةُ الْأَبْدَانِ، وَهِيَ
زَكَاةُ الْفِطْرِ، وَلَا تَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ، إِنَّمَا يُرَاعَى
فِيهَا إِمْكَانُ الْأَدَاءِ. وَالثَّانِي: زَكَاةُ الْأَمْوَالِ، وَهِيَ
ضَرْبَانِ. أَحَدُهُمَا: يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِيَّةِ وَالْقِيمَةِ، وَهِيَ
زَكَاةُ التِّجَارَةِ. وَالثَّانِي: يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ.
وَالْأَعْيَانُ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِهَا الزَّكَاةُ ثَلَاثَةٌ:
حَيَوَانٌ، وَجَوْهَرٌ، وَنَبَاتٌ، فَيُخْتَصُّ مِنَ الْحَيَوَانِ
بِالنَّعَمِ، وَمِنَ الْجَوَاهِرِ بِالنَّقْدَيْنِ، وَمِنَ النَّبَاتِ
بِمَا يُقْتَاتُ. وَاقْتَصَرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ عَنِ الْمَقَاصِدِ،
فَقَالَ: الزَّكَاةُ سِتَّةُ أَنْوَاعٍ: النَّعَمُ، وَالْمُعَشَّرَاتُ،
وَالنَّقْدَانِ، وَالتِّجَارَةُ، وَالْمَعْدِنُ، وَ (زَكَاةُ) الْفِطْرِ.
(2/150)
|