فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب ط دار الفكر

كتاب الحج والعمرة
مدخل
...
كتاب الحج والعمرة.
يجب كل مرة بتراخ بشرطه وشرط إسلام لصحة فلو لي مال إحرام عن صغير ومجنون ومع تمييز لمباشرة فلمميز إحرام بإذن وليه ومع بلوغ وحرية لوقوع عن فرض إسلام فيجزىء من فقير لا صغير ورقيق ومع استطاعة لوجوب وهي نوعان استطاعة بنفسه وشروطها وجود مؤنته سفرا إلا إن قصر سفره وكان يكتسب في يوم كفاية أيام.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كتاب الحج.
هُوَ لُغَةً الْقَصْدُ وَشَرْعًا قَصْدُ الْكَعْبَةِ لِلنُّسُكِ الآتي بيانه " والعمرة " هي لغة الزيادة وَشَرْعًا قَصْدُ الْكَعْبَةِ لِلنُّسُكِ الْآتِي بَيَانُهُ وَذِكْرُهَا فِي التَّرْجَمَةِ مِنْ زِيَادَتِي.
" يَجِبُ كُلٌّ " مِنْهُمَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} 1 وقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} 2 أي ائتوا بها تَامَّيْنِ فِي الْعُمُرِ " مَرَّةً " وَاحِدَةً بِأَصْلِ الشَّرْعِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ خَطَبَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ " يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ فَحُجُّوا" فَقَالَ رَجُلٌ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَكُلَّ عَامٍ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْ قُلْت نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ" وَلِخَبَرِ الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ سُرَاقَةَ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ عُمْرَتُنَا هَذِهِ لِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ فَقَالَ لَا بَلْ لِلْأَبَدِ " بِتَرَاخٍ بِشَرْطِهِ " وَهُوَ أَنْ يَعْزِمَ عَلَى الفعل بعد وأن لا يتضيق بنذر أَوْ خَوْفِ عَضَبٍ أَوْ قَضَاءِ نُسُكٍ وَقَوْلِي مرة آخِرِهِ مِنْ زِيَادَتِي " وَشُرِطَ إسْلَامٌ " فَقَطْ " لِصِحَّةٍ " مطلقا أَيْ صِحَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَلَا يَصِحُّ مِنْ كَافِرٍ أَصْلِيٍّ أَوْ مُرْتَدٍّ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلْعِبَادَةِ ولا يشترط فيه تكليف " فلولى مالي " ولو بمأذونه إن لَمْ يُؤَدِّ نُسُكَهُ أَوْ أُحْرِمَ بِهِ " إحْرَامٌ عن صغير " ولو مميز وَإِنْ قَيَّدَ الْأَصْلَ بِغَيْرِهِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَ رَكْبًا بِالرَّوْحَاءِ فَفَزِعَتْ امْرَأَةٌ فَأَخَذَتْ بِعَضُدِ صَبِيٍّ صَغِيرٍ فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ مِحَفَّتِهَا فَقَالَتْ يا رسول الله هل لهذا حج؟ فقال: "نَعَمْ وَلَك أَجْرٌ".
" وَ " عَنْ " مَجْنُونٍ " قِيَاسًا عَلَى الصَّغِيرِ وَخَرَجَ بِزِيَادَتِي مَالُ غَيْرِ وَلِيِّ الْمَالِ كَالْأَخِ وَالْعَمِّ فَلَا يُحْرِمُ عَمَّنْ ذُكِرَ وصفة إحرامه عَنْهُ أَنْ يَنْوِيَ جَعْلَهُ مُحْرِمًا فَيَصِيرُ مَنْ أُحْرِمَ عَنْهُ مُحْرِمًا بِذَلِكَ وَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُهُ وَمُوَاجَهَتُهُ وَيَطُوفُ الْوَلِيُّ بِغَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَيُصَلِّي عَنْهُ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَيَسْعَى بِهِ وَيُحْضِرُهُ الْمَوَاقِفَ وَلَا يَكْفِي حُضُورُهُ بِدُونِهِ وَيُنَاوِلُهُ الْأَحْجَارَ فَيَرْمِيهَا إنْ قَدَرَ وَإِلَّا رَمَى عَنْهُ مَنْ لَا رَمْيَ عَلَيْهِ وَالْمُمَيِّزُ يَطُوفُ وَيُصَلِّي وَيَسْعَى وَيَحْضُرُ الْمَوَاقِفَ وَيَرْمِي الْأَحْجَارَ بِنَفْسِهِ وَخَرَجَ بِمَنْ ذُكِرَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ فَلَا يُحْرِمُ عَنْهُ غَيْرُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزَائِلِ الْعَقْلِ وَبُرْؤُهُ مَرْجُوٌّ عَلَى الْقُرْبِ " وَ " شُرِطَ إسْلَامٌ " مَعَ تَمْيِيزٍ " وَلَوْ مِنْ صَغِيرٍ أَوْ رَقِيقٍ " لِمُبَاشَرَةٍ " كَمَا فِي سَائِرِ الْعِبَادَاتِ " فَلِمُمَيِّزٍ إحْرَامٌ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ " مِنْ أَبٍ ثُمَّ جَدٍّ ثُمَّ وَصِيٍّ ثُمَّ حَاكِمٍ أَوْ قَيِّمِهِ لَا كَافِرٍ وَلَا غَيْرِ مُمَيِّزٍ وَلَا مُمَيِّزٍ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ وَلِيُّهُ وَالتَّقْيِيدُ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ مِنْ زِيَادَتِي.
" وَ " شُرِطَ إسْلَامٌ وَتَمْيِيزٌ " مَعَ بُلُوغٍ وَحُرِّيَّةٍ لِوُقُوعٍ عَنْ فَرْضِ إسْلَامٍ " مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَلَوْ غَيْرَ مُسْتَطِيعٍ وَتَعْبِيرِي بِفَرْضِ إسْلَامٍ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ " فيجزىء " ذَلِكَ " مِنْ فَقِيرٍ " لِكَمَالِ حَالِهِ فَهُوَ كَمَا لو تكلف مريض المشقة وحشر الْجُمُعَةَ " لَا " مِنْ " صَغِيرٍ وَرَقِيقٍ " إنْ كَمُلَا بَعْدَهُ لِخَبَرِ: "أَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ ثُمَّ بَلَغَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى وَأَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ ثُمَّ عَتَقَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى" رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ ولنقصت حَالِهِمَا فَإِنْ كَمُلَا قَبْلَ الْوُقُوفِ أَوْ طَوَافِ العمرة أو في أثنائه أجزائهما وعاد السَّعْيَ " وَ " شُرِطَتْ الْمَذْكُورَاتُ " مَعَ اسْتِطَاعَةٍ لِوُجُوبٍ " فلا يجب ذلك على كافر أصلي.
__________
1 آل عمران: 97.
2 البقرة: 196.

(1/159)


ووجود من بينه وبين مكة مرحلتان أو ضعف عن مشي راحلة مع شق محمل لَا فِي رَجُلٍ لَمْ يَشْتَدَّ ضَرَرُهُ بِهَا وعديل يجلس وَشَرْطُ كَوْنِهِ فَاضِلًا عَنْ مُؤْنَةِ عِيَالِهِ وَغَيْرِهَا مما في الفطرة لا عن مال تجارة وأمن طريق نفسا وبضعا ومالا ويلزم ركوب بحر تعين وغلبت سلامة ووجود مَاءٍ وَزَادٍ بِمَحَالٍّ يُعْتَادُ حَمْلُهُمَا مِنْهَا بِثَمَنِ مثل زمانا ومكانا وعلف دابة كل مرحلة وخروج نحو زوج امرأة أو نسوة ثقات معها ولو بأجرة كقائد أعمى وثبوت على مركوب بلا ضرر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وُجُوبُ مُطَالَبَةٍ بِهِ فِي الدُّنْيَا فَإِنْ أَسْلَمَ وَهُوَ مُعْسِرٌ بَعْدَ اسْتِطَاعَتِهِ فِي الْكُفْرِ فَلَا أَثَرَ لَهَا بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ فَإِنَّ النُّسُكَ يَسْتَقِرُّ فِي ذِمَّتِهِ بِاسْتِطَاعَتِهِ فِي الرِّدَّةِ وَلَا عَلَى غَيْرِ مُمَيِّزٍ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ وَلَا عَلَى صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ لِعَدَمِ بُلُوغِهِ وَلَا عَلَى مَنْ فِيهِ رِقٌّ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ مُسْتَحَقَّةٌ لِسَيِّدِهِ فَلَيْسَ مُسْتَطِيعًا وَلَا فَرْضَ عَلَى غَيْرِ الْمُسْتَطِيعِ لِمَفْهُومِ الْآيَةِ فَالْمَرَاتِبُ الْمَذْكُورَةُ أَرْبَعٌ الصِّحَّةُ الْمُطْلَقَةُ وَصِحَّةُ الْمُبَاشَرَةِ وَالْوُقُوعُ عَنْ فَرْضِ الْإِسْلَامِ وَالْوُجُوبُ " وَهِيَ " أَيْ الِاسْتِطَاعَةُ " نَوْعَانِ " أَحَدُهُمَا " اسْتِطَاعَةٌ بِنَفْسِهِ وَشُرُوطُهَا " سَبْعَةٌ أحدها " وُجُودُ مُؤْنَتِهِ سَفَرًا " كَزَادٍ وَأَوْعِيَتِهِ وَأُجْرَةِ خِفَارَةٍ ذَهَابًا وَإِيَابًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بِبَلَدِهِ أَهْلٌ وَعَشِيرَةٌ " إلَّا إنْ قَصُرَ سَفَرُهُ وَكَانَ يكتسب فِي يَوْمٍ كِفَايَةَ أَيَّامٍ " فَلَا يُشْتَرَطُ وُجُودُ ذَلِكَ بَلْ يَلْزَمُهُ النُّسُكُ لِقِلَّةِ الْمَشَقَّةِ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ مَا إذَا طَالَ سَفَرُهُ أَوْ قَصُرَ وَكَانَ يَكْسِبُ فِي الْيَوْمِ مَا لَا يَفِي بأيام الحج لأنه قد ينقطع فيها عَنْ كَسْبِهِ لِعَارِضٍ وَبِتَقْدِيرِ أَنْ لَا يَنْقَطِعَ فِي الْأَوَّلِ فَالْجَمْعُ بَيْنَ تَعَبِ السَّفَرِ وَالْكَسْبِ تَعْظُمُ فِيهِ الْمَشَقَّةُ وَقَدَّرَ فِي الْمَجْمُوعِ أَيَّامَ الْحَجِّ بِمَا بَيْنَ زَوَالِ سَابِعِ ذِي الْحِجَّةِ وَزَوَالِ ثَالِثَ عَشَرَةَ وَهُوَ فِي حَقِّ مَنْ لم ينفر النفر الأول.
" وَ" ثَانِيهَا " وُجُودُ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مرحلتان أو " دونهما و " ضعف عَنْ مَشْيٍ " بِأَنْ يَعْجِزَ عَنْهُ أَوْ يَنَالَهُ بِهِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ " رَاحِلَةٌ مَعَ شَقِّ مَحْمَلٍ " بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ وَقِيلَ عَكْسُهُ فِي حَقِّ رَجُلٍ اشْتَدَّ ضَرَرُهُ بِالرَّاحِلَةِ وَفِي حق امرأة وخنثى وإن لم يتضرر بِهَا لِأَنَّهُ أَسْتَرُ وَأَحْوَطُ " لَا فِي " حَقِّ " رَجُلٍ لَمْ يَشْتَدَّ ضَرَرُهُ بِهَا " فَلَا يُشْتَرَطُ وُجُودُ الشِّقِّ وَإِطْلَاقِي اشْتِرَاطُهُ فِي الْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى أَوْلَى مِنْ تَقْيِيدِهِ لَهُ بِالْمَشَقَّةِ " وَ " مَعَ عَدِيلٍ " يَجْلِسُ " فِي الشِّقِّ الْآخَرِ لِتَعَذُّرِ رُكُوبِ شِقٍّ لَا يُعَادِلُهُ شَيْءٌ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ النُّسُكُ قَالَ جَمَاعَةٌ إلَّا أَنْ تكون العادة جارية في مثله بالمعادلة بالأثقال وَاسْتَطَاعَ ذَلِكَ فَلَا يَبْعُدُ لُزُومُهُ وَلَوْ لَحِقَهُ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ فِي رُكُوبِ الْمَحْمَلِ اُعْتُبِرَ فِي حَقِّهِ الْكَنِيسَةُ وَهُوَ أَعْوَادٌ مُرْتَفِعَةٌ مِنْ جَوَانِبِ المحمل عليها ستر يدفع الحر والبرد أَمَّا مَنْ قَصُرَ سَفَرُهُ وَقَوِيَ عَلَى الْمَشْيِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ الرَّاحِلَةُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَأَمَّا الْقَادِرُ عَلَيْهِ فِي سَفَرِ الْقَصْرِ فَيُسَنُّ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ " وَشُرِطَ كَوْنُهُ " أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ مُؤْنَةٍ وَغَيْرِهَا " فَاضِلًا عَنْ مُؤْنَةِ عِيَالِهِ " ذَهَابَهَ وَإِيَابَهُ " وَغَيْرِهَا مما " ذكر " في الفطرة " مِنْ دَيْنٍ وَمَا يَلِيقُ بِهِ مِنْ مَلْبَسٍ وَمَسْكَنٍ وَخَادِمٍ يَحْتَاجُهَا لِزَمَانَتِهِ وَمَنْصِبِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ نَاجِزٌ وَالنُّسُكُ عَلَى التَّرَاخِي وَعَنْ كُتُبِ الْفَقِيهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مِنْ تَصْنِيفٍ وَاحِدٍ نُسْخَتَانِ فَيَبِيعُ إحْدَاهُمَا وَعَنْ خَيْلِ الْجُنْدِيِّ وَسِلَاحِهِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِمَا وَهَذَانِ يَجْرِيَانِ فِي الْفِطْرَةِ وَمَا زِدْته ثَمَّ غَيْرُ الدَّيْنِ مِنْ زِيَادَتِي هُنَا " لا عن مال تجارة " بَلْ يَلْزَمُهُ صَرْفُهُ فِي مُؤْنَةِ نُسُكِهِ كَمَا يلزم صرفه في دينه وفارق السكن وَالْخَادِمَ لِأَنَّهُمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِمَا فِي الْحَالِ وَهُوَ إنَّمَا يُتَّخَذُ ذَخِيرَةً لِلْمُسْتَقْبَلِ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أن الحاجة للنكاح لا تمنع وجوب لَكِنَّ الْأَفْضَلَ لِخَائِفِ الْعَنَتِ تَقْدِيمُ النِّكَاحِ وَلِغَيْرِهِ تَقْدِيمُ النُّسُكِ.
" وَ " ثَالِثُهَا " أَمْنُ طَرِيقٍ " وَلَوْ ظَنًّا بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِهِ " نَفْسًا وَبَضْعًا " وَالتَّصْرِيحُ بِهِ مِنْ زِيَادَتِي " وَمَالًا " وَلَوْ يَسِيرًا فَلَوْ خَافَ سَبُعًا أَوْ عَدُوًّا أَوْ رصديا وَهُوَ مَنْ يَرْصُدُ أَيْ يَرْقُبُ مَنْ يَمُرُّ ليأخذ منه شيئا ولا طريق له غَيْرَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ نُسُكٌ وَيُكْرَهُ بَذْلُ الْمَالِ لهم لأنه يحرضهم على التعرض للنساء سواء كانوا مسلمين أو كُفَّارًا لَكِنْ إنْ كَانُوا كُفَّارًا وَأَطَاقَ الْخَائِفُونَ مُقَاوَمَتَهُمْ سُنَّ لَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا لِلنُّسُكِ وَيُقَاتِلُوهُمْ لينالوا ثواب النسك والجهاد " ويلزمه ركوب بحر تَعَيَّنَ " طَرِيقًا " وَغَلَبَتْ سَلَامَةٌ " فِي رُكُوبِهِ كَسُلُوكِ طَرِيقِ الْبَرِّ عِنْدَ غَلَبَةِ السَّلَامَةِ وَقَوْلِي تَعَيَّنَ مِنْ زِيَادَتِي.
" وَ " رَابِعُهَا " وُجُودُ مَاءٍ وَزَادٍ بِمَحَالٍّ يُعْتَادُ حَمْلُهُمَا مِنْهَا بِثَمَنِ مِثْلٍ " وَهُوَ الْقَدْرُ اللَّائِقُ بِهِ " زَمَانًا وَمَكَانًا " فَإِنْ كَانَا لَا يُوجَدَانِ بِهَا أَوْ يُوجَدَانِ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ لَمْ يَجِبْ النُّسُكُ لِعِظَمِ تَحَمُّلِ الْمُؤْنَةِ " وَ " وُجُودُ " عَلَفِ دَابَّةً كُلَّ مَرْحَلَةٍ " لِأَنَّ الْمُؤْنَةَ تَعْظُمُ بِحَمْلِهِ لِكَثْرَتِهِ وَفِي الْمَجْمُوعِ يَنْبَغِي اعْتِبَارُ الْعَادَةِ فِيهِ كَالْمِيَاهِ.
" وَ " خَامِسُهَا " خروج نَحْوِ زَوْجِ امْرَأَةٍ " كَمَحْرَمِهَا وَعَبْدِهَا وَمَمْسُوحٍ " أَوْ نِسْوَةٍ ثِقَاتٍ " ثِنْتَيْنِ فَأَكْثَرَ وَلَوْ بِلَا مَحْرَمٍ.

(1/160)


شديد وزمن يسع سيرا معهودا لنسك ولا يدفع مال المحجور بسفه بل يصحبه ولي واستطاعة بغيره فتجب إنابة عن ميت عليه نسك من تركته ومعضوب بينه وبين مكة مرحلتان بأجرة مثل فضلت عما مر غير مؤنة عياله سفرا أو بمطيع لنسك بشرطه لا مطيع بمال.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لإحداهن " معها " لتأمن عَلَى نَفْسِهَا وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ لَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ يومين إلا مع زَوْجُهَا أَوْ مَحْرَمٌ وَفِي رِوَايَةٍ فِيهِمَا لَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ وَيَكْفِي فِي الْجَوَازِ لِفَرْضِهَا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ وَسَفَرُهَا وَحْدَهَا إنْ أَمِنَتْ وَنَحْوِ مِنْ زِيَادَتِي " وَلَوْ " كَانَ خُرُوجُ مَنْ ذُكِرَ " بِأُجْرَةٍ " فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي لُزُومِ النُّسُكِ لَهَا قُدْرَتُهَا عَلَى أُجْرَتِهِ فَيَلْزَمُهَا أجرته إذا لَمْ يَخْرُجْ إلَّا بِهَا لِأَنَّهَا مِنْ أُهْبَةِ سَفَرِهَا وَتَعْبِيرِي بِمَا ذُكِرَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ ويلزمها أجرة المحرم " كَقَائِدِ أَعْمَى " فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ خُرُوجُهُ مَعَهُ وَلَوْ بِأُجْرَةٍ.
" وَ " سَادِسُهَا " ثُبُوتٌ عَلَى مَرْكُوبٍ " وَلَوْ فِي مَحْمَلٍ " بِلَا ضَرَرٍ شَدِيدٍ " فَمَنْ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ أَصْلًا أَوْ يَثْبُتُ بِضَرَرٍ شَدِيدٍ لِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ لَا يَلْزَمُهُ نُسُكٌ بِنَفْسِهِ وَتَعْبِيرِي بِمَرْكُوبٍ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالرَّاحِلَةِ.
" وَ " سَابِعُهَا وَهُوَ مِنْ زِيَادَتِي " زَمَنٌ يَسَعُ سَيْرًا معهود لنسك " كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَئِمَّةِ وَإِنْ اعْتَرَضَهُ ابن الصلاح بأنه يشترط لاستقراره لَا لِوُجُوبِهِ فَقَدْ صَوَّبَ النَّوَوِيُّ مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَقَالَ السُّبْكِيُّ إنَّ نَصَّ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا يشهد له " ولا يدفع مال المحجور " عَلَيْهِ " بِسَفَهٍ " لِتَبْذِيرِهِ " بَلْ يَصْحَبُهُ وَلِيٌّ " بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبُهُ لِيُنْفِقَ عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ أُجْرَتَهُ كَأُجْرَةِ مَنْ يَخْرُجُ مَعَ الْمَرْأَةِ " وَ " النَّوْعُ الثَّانِي " اسْتِطَاعَةٌ بِغَيْرِهِ فَتَجِبُ إنَابَةٌ عَنْ مَيِّتٍ " غَيْرِ مُرْتَدٍّ " عَلَيْهِ نُسُكٌ مِنْ تَرِكَتِهِ " كما يقضى منها دينه فلو لم يكن له تركة سُنَّ لِوَارِثِهِ أَنْ يَفْعَلَهُ عَنْهُ فَلَوْ فَعَلَهُ عَنْهُ أَجْنَبِيٌّ جَازَ وَلَوْ بِلَا إذْنٍ كَمَا يقضى دُيُونُهُ بِلَا إذْنٍ ذُكِرَ ذَلِكَ فِي الْمَجْمُوعِ.
" وَ " عَنْ " مَعْضُوبٍ " بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ أَيْ عَاجِزٍ عَنْ النُّسُكِ بِنَفْسِهِ لِكِبَرٍ أَوْ غَيْرِهِ كَمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ " بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَرْحَلَتَانِ " فَأَكْثَرُ أَمَّا " بأجرة مثل فَضَلَتْ عَمَّا مَرَّ " فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ " غَيْرَ مُؤْنَةِ عِيَالِهِ سَفَرًا " لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُفَارِقْهُمْ يُمْكِنُهُ تَحْصِيلُ مُؤْنَتِهِمْ فَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِنَابَةِ أو الاستئجار لَمْ يُجْبِرْهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ وَلَا يُنِيبُ وَلَا يَسْتَأْجِرُ عَنْهُ لِأَنَّ مَبْنَى النُّسُكِ عَلَى التَّرَاخِي وَلِأَنَّهُ لَا حَقَّ فِيهِ لِلْغَيْرِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ وخرج بسفرا مؤنة يوم الاستئجار فيعتبر كونها فضالة عَمَّا مَرَّ وَقَوْلِي بِأُجْرَةِ مِثْلٍ أَيْ وَلَوْ أُجْرَةَ مَاشٍ فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ بِقُدْرَتِهِ عَلَيْهَا إذْ لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِي مَشْيِ الْأَجِيرِ بِخِلَافِ مشي نفسه " أو " بوجود " مطيع لنسك " بَعْضًا كَانَ مِنْ أَصْلٍ أَوْ فَرْعٍ أَوْ أجنبيا بدأه بِذَلِكَ أَمْ لَا فَيَجِبُ سُؤَالُهُ إذَا تَوَسَّمَ فِيهِ الطَّاعَةَ " بِشَرْطِهِ " مِنْ كَوْنِهِ غَيْرَ مَعْضُوبٍ مَوْثُوقًا بِهِ أَدَّى فَرْضَهُ وَكَوْنِ بَعْضِهِ غَيْرَ مَاشٍ وَلَا مُعَوِّلًا عَلَى الْكَسْبِ أَوْ السُّؤَالِ إلا أن يكسب فِي يَوْمٍ كِفَايَةَ أَيَّامٍ وَسَفَرُهُ دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ " لَا " بِوُجُودِ " مُطِيعٍ بِمَالٍ " لِلْأُجْرَةِ فَلَا تَجِبُ الْإِنَابَةُ بِهِ لِعِظَمِ الْمِنَّةِ بِخِلَافِ الْمِنَّةِ فِي بَذْلِ الطَّاعَةِ بِنُسُكٍ بِدَلِيلِ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَسْتَنْكِفُ عَنْ الِاسْتِعَانَةِ بِمَالِ غَيْرِهِ وَلَا يَسْتَنْكِفُ عَنْ الِاسْتِعَانَةِ بِبَدَنِهِ فِي الْأَشْغَالِ وَقَوْلِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَرْحَلَتَانِ مَعَ قَوْلِي بِشَرْطِهِ مِنْ زِيَادَتِي وَتَعْبِيرِي بِمَا ذُكِرَ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِمَا ذكره.

(1/161)


باب المواقيت.
زمانيها لحج من شوال إلى فجر نحر فلو أحرم حلال في غيره انعقد عمرة ولها الأبد لا لحاج قبل نفر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
باب المواقيت.
للنسك زَمَانًا وَمَكَانًا " زَمَانَيْهَا لِحَجٍّ " أَيْ لِلْإِحْرَامِ بِهِ " مِنْ " أَوَّلِ " شَوَّالٍ إلَى فَجْرِ " عِيدِ " نَحْرٍ فَلَوْ أَحْرَمَ " بِهِ أَوْ مُطْلَقًا " حَلَالٌ فِي غيره انعقد " إحْرَامُهُ بِذَلِكَ " عُمْرَةً " لِأَنَّ الْإِحْرَامَ شَدِيدُ التَّعَلُّقِ وَاللُّزُومِ فَإِذَا لَمْ يَقْبَلْ الْوَقْتُ مَا أَحْرَمَ بِهِ انْصَرَفَ إلَى مَا يَقْبَلُهُ وَهُوَ الْعُمْرَةُ وَيَسْقُطُ بِعَمَلِهَا عُمْرَةُ الْإِسْلَامِ وَسَوَاءٌ الْعَالِمُ بِالْحَالِ وَالْجَاهِلُ بِهِ وَخَرَجَ بِزِيَادَتِي حَلَالٌ مَا لَوْ أَحْرَمَ بِذَلِكَ مُحْرِمٌ بِعُمْرَةٍ فِي غَيْرِهِ فَإِنَّ إحْرَامَهُ يَلْغُو إذْ لَا يَنْعَقِدُ حَجًّا فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ وَلَا عُمْرَةً لِأَنَّ الْعُمْرَةَ لَا تدخل على العمر " وَ " زَمَانَيْهَا " لَهَا " أَيْ لِلْعُمْرَةِ أَيْ لِلْإِحْرَامِ بِهَا " الْأَبَدُ " لِوُرُودِهِ فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ فِي الصحيحين: " لا لحاج قبل نفر ".

(1/161)


ومكانيها لها لمن يحرم حل وأفضله الجعرانة فالتنعيم فالحديبية فإن لم يخرج وأتى بها أجزأته وعليه دم فإن خرج بعد إحرامه فقط فلا دم ولحج لمن بمكة هي ولنسك لمتوجه من المدينة ذو الحليفة ومن الشام ومصر والمغرب الجحفة ومن تهامة اليمن يلملم ومن نجد اليمن والحجاز قرن ومن المشرق ذات عرق والأفضل لمن فوق ميقات إحرام منه ومن أوله ولمن لا ميقات بطريقه إن حاذاه محاذاة أو ميقاتين محاذته أقربهما إليه وإلا فمرحلتان من مكة ولمن.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لِأَنَّ بَقَاءَ حُكْمِ الْإِحْرَامِ كَبَقَائِهِ وَلِامْتِنَاعِ إدْخَالِ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ إنْ كَانَ قَبْلَ تَحَلُّلِهِ وَلِعَجْزِهِ عَنْ التَّشَاغُلِ بِعَمَلِهَا إنْ كَانَ بَعْدَهُ وهذا من زيادتي " ومكانيها " أَيْ الْمَوَاقِيتِ " لَهَا " أَيْ لِلْعُمْرَةِ " لِمَنْ يُحْرِمُ حِلٌّ " أَيْ طَرَفُهُ فَيَخْرُجُ إلَيْهِ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ شَاءَ وَيُحْرِمُ بِهَا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَ عَائِشَةَ بَعْدَ قَضَاءِ الْحَجِّ إلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرَتْ مِنْهُ وَالتَّنْعِيمُ أَقْرَبُ أَطْرَافِ الْحِلِّ إلَى مَكَّةَ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْخُرُوجُ وَاجِبًا لَمَا أَمَرَهَا بِهِ لِضِيقِ الوقت برحيل الحاج " وأفضله " أي الحل بِقَاعِهِ لِلْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ " الْجِعْرَانَةُ " بِإِسْكَانِ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفِ الراء عَلَى الْأَفْصَحِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَهِيَ فِي طَرِيقِ الطَّائِفِ عَلَى سِتَّةِ فَرَاسِخَ مِنْ مَكَّةَ " فَالتَّنْعِيمُ " لِأَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِشَةَ بِالِاعْتِمَارِ مِنْهُ وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي عِنْدَ الْمَسَاجِدِ الْمَعْرُوفَةِ بِمَسَاجِدِ عَائِشَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ فَرْسَخٌ " فَالْحُدَيْبِيَةُ " بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ عَلَى الْأَفْصَحِ بِئْرٌ بَيْنَ طَرِيقَيْ جُدَّةَ وَالْمَدِينَةِ فِي مُنْعَطَفٍ بَيْنَ جَبَلَيْنِ عَلَى سِتَّةِ فَرَاسِخَ مِنْ مَكَّةَ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ إحْرَامِهِ بِالْعُمْرَةِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ هَمَّ بِالدُّخُولِ إلَى مَكَّةَ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ فَصَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ عَنْهَا فَقَدَّمَ الشَّافِعِيُّ مَا فَعَلَهُ ثُمَّ مَا أَمَرَ بِهِ ثُمَّ مَا هَمَّ بِهِ فَقَوْلُ الْغَزَالِيِّ إنَّهُ هم منهم بِالْإِحْرَامِ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ مَرْدُودٌ.
" فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ " إلى الحل " وأتى بها " أي بالعمرة " أَجْزَأَتْهُ " عَنْ عُمْرَتِهِ إذْ لَا مَانِعَ " وَعَلَيْهِ دم " لإساءته بِتَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ " فَإِنْ خَرَجَ " إلَيْهِ " بَعْدَ إحْرَامِهِ فَقَطْ " أَيْ مِنْ غَيْرِ شُرُوعِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِهَا " فَلَا دَمَ " عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَطَعَ الْمَسَافَةَ مِنْ الْمِيقَاتِ مُحْرِمًا وَأَدَّى الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا بَعْدَهُ فَكَانَ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ بِهَا مِنْهُ وَتَعْبِيرِي بِذَلِكَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ سَقَطَ الدَّمُ لِإِيهَامِهِ أَنَّهُ وَجَبَ ثُمَّ سَقَطَ وَهُوَ وَجْهٌ مَرْجُوحٌ وَقَوْلِي فَقَطْ مِنْ زِيَادَتِي " و " مكانيها " لحج " ولو بقران " لِمَنْ بِمَكَّةَ " مِنْ أَهْلِهَا وَغَيْرِهِمْ " هِيَ " أَيْ مَكَّةُ " وَلِنُسُكٍ " مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ " لِمُتَوَجِّهٍ مِنْ الْمَدِينَةِ ذُو الْحُلَيْفَةِ " مَكَانٌ عَلَى نَحْوِ عَشْرِ مَرَاحِلَ مِنْ مَكَّةَ وَسِتَّةِ أَمْيَالٍ مِنْ الْمَدِينَةِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ الْآنَ بِأَبْيَارِ عَلِيٍّ " وَمِنْ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ الْجُحْفَةُ " قَرْيَةٌ كَبِيرَةٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ قِيلَ عَلَى نَحْوِ ثَلَاثِ مَرَاحِلَ مِنْ مَكَّةَ وَالْمَعْرُوفُ الْمُشَاهَدُ مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ أنها على خمسين فرسخا منها وهي الآن خراب " وَمِنْ تِهَامَةِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ " وَيُقَالُ لَهُ أَلَمْلَمُ جَبَلٌ مِنْ جِبَالِ تِهَامَةَ عَلَى لَيْلَتَيْنِ مِنْ مكة " ومن نجد الْيَمَنِ وَالْحِجَازِ قَرْنٌ " بِإِسْكَانِ الرَّاءِ مَكَانٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَرْحَلَتَانِ.
" وَمِنْ الْمَشْرِقِ " الْعِرَاقُ وَغَيْرُهُ " ذَاتُ عِرْقٍ " عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ أَيْضًا وذلك لخبر الشيخين عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنًا وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ وَقَالَ: "هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة" وروى الشافعي في الأم عن عائشة أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ الْجُحْفَةَ وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ هَذَا إنْ لَمْ يُنَبْ مَنْ ذُكِرَ عَنْ غَيْرِهِ وَإِلَّا فَمِيقَاتُهُ ميقات منيبه أو ما قيد به من أبعد كما يُعْلَمُ مِنْ كِتَابِ الْوَصِيَّةِ " وَالْأَفْضَلُ لِمَنْ فَوْقَ مِيقَاتٍ إحْرَامٌ مِنْهُ " لَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ " وَمِنْ أَوَّلِهِ " وَهُوَ الطَّرَفُ الْأَبْعَدُ لَا مِنْ وَسَطِهِ أَوْ آخِرِهِ لِيَقْطَعَ الْبَاقِيَ مُحْرِمًا نَعَمْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ ذُو الْحُلَيْفَةِ فَالْأَفْضَلُ كَمَا قَالَ السبكي أن يحرم من المسجد الَّذِي أَحْرَمَ مِنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّقْيِيدِ بِمَنْ فَوْقَ مِنْ زِيَادَتِي.
" و " مكانيها لِنُسُكٍ " لِمَنْ لَا مِيقَاتَ بِطَرِيقِهِ إنْ حَاذَاهُ " بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ أَيْ سَامَتَهُ بِيَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ " محاذته " في بركان أَوْ بَحْرٍ فَإِنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ ذَلِكَ تَحَرَّى " أَوْ " حَاذَى " مِيقَاتَيْنِ " كَأَنْ كَانَ طَرِيقُهُ بَيْنَهُمَا " مُحَاذَاةَ أَقْرَبِهِمَا إلَيْهِ " وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ أَبْعَدَ إلَى مَكَّةَ إذْ لَوْ كَانَ أَمَامَهُ مِيقَاتٌ فَإِنَّهُ مِيقَاتُهُ وَإِنْ حَاذَى مِيقَاتًا أَبْعَدَ فَكَذَا مَا هُوَ بِقُرْبِهِ فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْقُرْبِ إلَيْهِ أَحْرَمَ مِنْ مُحَاذَاةِ أَبْعَدِهِمَا مِنْ مَكَّةَ وإن حاذى الأقرب إليها أولا وتعبيري بأقربهما إليه أولى من تعبيره بأحدهما أَيْ إلَى مَكَّةَ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى التَّقْيِيدِ بِمَا إذا استوت مسافتهما إليه لأنهما إذا تفاوتت أحرم من محاذاة إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ إلَى مَكَّةَ فِي الْأَصَحِّ " وَإِلَّا " أَيْ وَإِنْ لَمْ يُحَاذِ مِيقَاتًا " فَ " مَكَانَيْهَا لِنُسُكٍ " مَرْحَلَتَانِ مِنْ مَكَّةَ " إذْ لَا مِيقَاتَ أَقَلَّ مَسَافَةً مِنْ هَذَا الْقَدْرِ.

(1/162)


دون ميقات لم يجاوزه مريد نسك ثم أراده محله ومن جاوز ميقاته مريد نسك بلا إحرام لزمه عود إلا لعذر فإن لم يعد أو عاد بعد تلبسه بعمل نسك لزمه مع الإثم دم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
" وَ " مَكَانَيْهَا لِنُسُكٍ " لِمَنْ دُونَ مِيقَاتٍ لَمْ يُجَاوِزْهُ " حَالَةَ كَوْنِهِ " مُرِيدَ نُسُكٍ " بِأَنْ لَمْ يُجَاوِزْهُ وَهُوَ مِنْ مَسْكَنِهِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمِيقَاتِ أَوْ جَاوَزَهُ غَيْرُ مُرِيدِ نُسُكٍ " ثُمَّ أَرَادَ محله " لِقَوْلِهِ فِي الْخَبَرِ السَّابِقِ وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ وَظَاهِرٌ مِمَّا مَرَّ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ فِي مُرِيدِ الْعُمْرَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ بِالْحَرَمِ.
" وَمَنْ جَاوَزَ مِيقَاتَهُ " سَوَاءٌ أكان ممن دون ميقات أو مِنْ غَيْرِهِ فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ بَلَغَهُ " مُرِيدُ نُسُكٍ بِلَا إحْرَامٍ لَزِمَهُ عَوْدٌ " إليه أَوْ إلَى مِيقَاتِ مِثْلِهِ مَسَافَةً مُحْرِمًا أَوْ ليحرم منه " إلا لعذر " كضيق وقته عن الْعَوْدِ إلَيْهِ أَوْ خَوْفِ طَرِيقٍ أَوْ انْقِطَاعِ عن رُفْقَةٍ أَوْ مَرَضٍ شَاقٍّ فَلَا يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ وَتَعْبِيرِي بِذَلِكَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ لَزِمَهُ الْعَوْدُ لِيُحْرِمَ مِنْهُ إلَّا إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ أَوْ كَانَ الطَّرِيقُ مَخُوفًا " فَإِنْ لَمْ يَعُدْ " إلَى ذَلِكَ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ وَقَدْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ مُطْلَقًا أَوْ بِحَجٍّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ " أَوْ عَادَ " إلَيْهِ بَعْدَ " تَلَبُّسِهِ بِعَمَلِ نُسُكٍ " رُكْنًا كَانَ كَالْوُقُوفِ أَوْ سُنَّةً كَطَوَافِ الْقُدُومِ " لَزِمَهُ مَعَ الْإِثْمِ " لِلْمُجَاوَزَةِ " دَمٌ " لِإِسَاءَتِهِ فِي الْأُولَى بِتَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَلِتَأَدِّي النُّسُكِ فِي الثَّانِيَةِ بِإِحْرَامٍ نَاقِصٍ وَلَا فَرْقَ فِي لُزُومِ الدم للمجاوز بَيْنَ كَوْنِهِ عَالِمًا بِالْحُكْمِ ذَاكِرًا لَهُ وَكَوْنِهِ ناسيا أو جاهلا به فلا إثْمَ عَلَى النَّاسِي وَالْجَاهِلِ أَمَّا إذَا عَادَ إلَيْهِ قَبْلَ تَلَبُّسِهِ بِمَا ذُكِرَ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا وَلَا إثْمَ بِالْمُجَاوَزَةِ إنْ نَوَى العود.

(1/163)


باب الإحرام.
الأفضل تعيين بِأَنْ يَنْوِيَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً أَوْ كِلَيْهِمَا فإن أطلق فِي أَشْهُرِ حَجٍّ صَرَفَهُ بِنِيَّةٍ لِمَا شَاءَ ثم أتى بعمله وله أن يحرم كإحرام زيد فينعقد مطلقا إن لم يصح إحرام زيد وإلا فكإحرامه فإن تعذر معرفة إحرامه نوى قرانا ثم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بَابُ الْإِحْرَامِ.
أَيْ الدُّخُولِ فِي النُّسُكِ بِنِيَّتِهِ ولو بلا تلبية " الأفضل تعيين " لنسك ليعرف ما دخل فيه " بِأَنْ يَنْوِيَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً أَوْ كِلَيْهِمَا " فَلَوْ أَحْرَمَ بِحَجَّتَيْنِ أَوْ عُمْرَتَيْنِ انْعَقَدَتْ وَاحِدَةٌ فعلم أنه ينعقد مطلقا بألا يَزِيدَ فِي النِّيَّةِ عَلَى الْإِحْرَامِ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أَرَادَ بِعُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ" وَرَوَى الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ مُهِلِّينَ يَنْتَظِرُونَ القضاء أي نزول الوحي فَأَمَرَ مَنْ لَا هَدْيَ مَعَهُ أَنْ يَجْعَلَ إحْرَامَهُ عُمْرَةً وَمَنْ مَعَهُ هَدْيٌ أَنْ يَجْعَلَهُ حَجًّا " فَإِنْ أَطْلَقَ " إحْرَامَهُ " فِي أَشْهُرِ حَجٍّ صَرَفَهُ بِنِيَّةٍ لِمَا شَاءَ " مِنْ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَكِلَيْهِمَا إنْ صَلَحَ الْوَقْتُ لَهُمَا " ثُمَّ " بَعْدَ النية " أتى بعمله " أي ما شاء فلا يجزى الْعَمَلُ قَبْلَ النِّيَّةِ فَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ الْوَقْتُ لَهُمَا بِأَنْ فَاتَ وَقْتُ الْحَجِّ صَرَفَهُ لِلْعُمْرَةِ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ قَالَ فِي الْمُهِّمَّاتِ وَلَوْ ضَاقَ فَالْمُتَّجَهُ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ أَنَّ لَهُ صَرْفَهُ لِمَا شَاءَ وَيَكُونُ كَمَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ حِينَئِذٍ أَمَّا إذَا أَطْلَقَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَيَنْعَقِدُ عُمْرَةً كَمَا مَرَّ فَلَا يَصْرِفُهُ إلى حج في أشهر.
" وله أن يحرم كإحرام زيد " روى البخاري عن أبي موسى أنه صلى الله عليه وسلم قال له: "بم أهللت؟ " فقلت: لبيت بِإِهْلَالٍ كَإِهْلَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "قد أحسنت طف بالبيت سبعا وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَأَحِلَّ" " فَيَنْعَقِدُ " إحْرَامُهُ " مُطْلَقًا إنْ لَمْ يَصِحَّ إحْرَامُ زَيْدٍ " بِأَنْ لَمْ يَكُنْ زيد محرما أو كان محرما فَاسِدًا وَلَغَتْ الْإِضَافَةُ إلَيْهِ وَإِنْ عَلِمَ عَدَمَ إحْرَامِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ إنْ كَانَ زَيْدٌ مُحْرِمًا فَقَدْ أَحْرَمْت لَا يَنْعَقِدُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْلِيقِ أَصْلِ الْإِحْرَامِ " وَإِلَّا " بِأَنْ صح إحرام زيد " فنعقد " إحرامه " كإحرامه " مُعَيَّنًا وَمُطْلَقًا وَيَتَخَيَّرُ فِي الْمُطْلَقِ كَمَا يَتَخَيَّرُ وَلَا يَلْزَمُهُ الصَّرْفُ إلَى مَا يَصْرِفُهُ إلَيْهِ زَيْدٌ وَإِنْ عَيَّنَ زَيْدٌ قَبْلَ إحْرَامِهِ انْعَقَدَ إحْرَامُهُ مُطْلَقًا وَتَعْبِيرِي بِالصِّحَّةِ وَعَدَمِهَا أَوْلَى مِمَّا عَبَّرَ بِهِ " فَإِنْ تَعَذَّرَ مَعْرِفَةُ إحْرَامِهِ " بِمَوْتٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ غَيْرِهِ فَتَعْبِيرِي بِذَلِكَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ فَإِنْ تَعَذَّرَ مَعْرِفَةُ إحْرَامِهِ بِمَوْتِهِ " نَوَى قِرَانًا " كَمَا لَوْ شَكَّ فِي إحْرَامِ نفسه هل قرن.

(1/163)


أتى بعمله وسن نطق بنية فتلبية لا في طواف وسعي وطهر لإحرام ولدخول مكة وبذي طوى لمار بها أفضل ولوقوف بعرفة وبمزدلفة غداة نحر ولرمي تشريق وتطييب بدن ولو بماله جرم لإحرام وحل في ثوب واستدامته وسن خضب يدي امرأة له ويجب تجرد رجل له عن محيط وسن لبسه إزارا ورداء أبيضين ونعلين وصلاة ركعتين لإحرام والأفضل أن يحرم إذا توجه لطريقه وسن إكثار تلبية ورفع رجل بها في دوام إحرامه وعند تغاير أحوال.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَوْ أَحْرَمَ بِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ " ثُمَّ أَتَى بِعَمَلِهِ " أَيْ الْقِرَانِ لِيَتَحَقَّقَ الْخُرُوجُ عَمَّا شَرَعَ فِيهِ وَلَا يَبْرَأُ مِنْ الْعُمْرَةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَيَمْتَنِعُ إدْخَالُهَا عَلَيْهِ وَيُغْنِي عَنْ نِيَّةِ الْقِرَانِ نِيَّةُ الْحَجِّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا.
" و " سن " نطق بنية فَتَلْبِيَةٌ " فَيَقُولُ بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ نَوَيْت الْحَجَّ وَأَحْرَمْت بِهِ لِلَّهِ تَعَالَى لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ إلَى آخِرِهِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ: "إذَا تَوَجَّهْتُمْ إلَى مِنًى فَأَهِّلُوا بِالْحَجِّ" وَالْإِهْلَالُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ وَلَا يُسَنُّ ذِكْرُ مَا أَحْرَمَ بِهِ فِي غَيْرِ التَّلْبِيَةِ الْأُولَى لِأَنَّ إخْفَاءَ الْعِبَادَةِ أَفْضَلُ وَتَعْبِيرِي بِمَا ذُكِرَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ الْمُحْرِمُ يَنْوِي وَيُلَبِّي " لَا فِي طَوَافٍ " وَلَوْ طَوَافَ قُدُومٍ " وَسَعْيٍ " بَعْدَهُ أَيْ لَا يُسَنُّ فِيهِمَا تَلْبِيَةٌ لِأَنَّ فِيهِمَا أَذْكَارًا خَاصَّةً وَإِنَّمَا قَيَّدَ الْأَصْلُ بِطَوَافِ الْقُدُومِ لِذِكْرِهِ الْخِلَافَ فِيهِ وَذِكْرُ السَّعْيِ مِنْ زِيَادَتِي " وَ " سُنَّ " طُهْرٌ " أَيْ غُسْلٌ أَوْ تَيَمُّمٌ بِشَرْطِهِ وَلَوْ فِي حَيْضٍ أَوْ نَحْوِهِ " لِإِحْرَامٍ " لِلِاتِّبَاعِ فِي الْغُسْلِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَقِيسَ بِالْغُسْلِ التَّيَمُّمُ هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي " وَلِدُخُولِ مَكَّةَ " وَلَوْ حَلَالًا " وَبِذِي طَوًى " بِفَتْحِ الطاء أفصح من ضمها وكسرها " لماربها أَفْضَلُ " مِنْ طُهْرِهِ بِغَيْرِهَا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فَإِنْ لَمْ يَمُرَّ بِهَا سُنَّ طُهْرُهُ مِنْ مِثْلِ مَسَافَتِهَا وَاسْتَثْنَى الْمَاوَرْدِيُّ مَنْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ فَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ مِنْ مَكَان قَرِيبٍ كَالتَّنْعِيمِ وَاغْتَسَلَ لِلْإِحْرَامِ فَلَا يُسَنُّ لَهُ الْغُسْلُ لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِهِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَيَظْهَرُ مِثْلُهُ فِي الْحَجِّ وَسُنَّ الطُّهْرُ أَيْضًا لِدُخُولِ الْمَدِينَةِ وَالْحَرَمِ.
" وَلِوُقُوفٍ بِعَرَفَةَ " عَشِيَّةً " وَبِمُزْدَلِفَةَ غَدَاةَ نَحْرٍ وَلِرَمْيِ " أَيَّامِ " تَشْرِيقٍ " لِأَنَّ هَذِهِ مَوَاطِنُ يَجْتَمِعُ لها الناس فسن الطُّهْرُ لَهَا قَطْعًا لِلرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ بِالْغُسْلِ الْمُلْحَقِ به التيمم وللقربة وخرج برمي التشريق يوم النحر فلا يسن لَهُ اكْتِفَاءً بِطُهْرِ الْعِيدِ وَسُنَّ أَنْ يَتَأَهَّبَ للإحرام بحلق عانة وتنظيف إبْطٍ وَقَصِّ شَارِبٍ وَتَقْلِيمِ ظُفْرٍ وَيَنْبَغِي تَقْدِيمُهَا عَلَى الطُّهْرِ كَمَا فِي الْمَيِّتِ وَذِكْرُ التَّيَمُّمِ فِي غَيْرِ الْإِحْرَامِ مِنْ زِيَادَتِي " وَ " سُنَّ " تَطْيِيبُ بَدَنٍ وَلَوْ بِمَا لَهُ جُرْمٌ " وَلَوْ امْرَأَةً بَعْدَ الطُّهْرِ " لِإِحْرَامٍ " لِلِاتِّبَاعِ رَوَى الشَّيْخَانِ عن عائشة قَالَتْ كُنْت أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ " وَحَلَّ " تَطَيُّبٌ لِإِحْرَامٍ " فِي ثَوْبٍ وَاسْتِدَامَتُهُ " أَيْ الطِّيبِ فِي بَدَنٍ أَوْ ثَوْبٍ بَعْدَ الْإِحْرَامِ لِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ عن عائشة قالت كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى وَبِيصِ الطِّيبِ أَيْ بَرِيقِهِ فِي مَفْرِقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَخَرَجَ بِاسْتِدَامَتِهِ مَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي فِي بَابِ مَا حَرُمَ بِالْإِحْرَامِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَخَذَ الطِّيبَ مِنْ بَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ أَوْ نَزَعَ ثَوْبَهُ الْمُطَيَّبَ ثُمَّ لَبِسَهُ لَزِمَتْهُ فِدْيَةٌ فَلَوْ لَمْ تَكُنْ رَائِحَتُهُ مَوْجُودَةً فِي ثَوْبِهِ فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ أُلْقِيَ عَلَيْهِ مَاءٌ ظَهَرَتْ رَائِحَتُهُ امْتَنَعَ لُبْسُهُ وَإِلَّا فَلَا وَذِكْرُ حِلِّ تطييب الثوب هو ما صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا وَنَقَلَ فِي الْمَجْمُوعِ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَوَقَعَ فِي الْأَصْلِ تَصْحِيحُ أَنَّهُ يُسَنُّ كَالْبَدَنِ.
" وَسُنَّ خَضْبُ يَدَيْ امْرَأَةٍ لَهُ " أَيْ لِلْإِحْرَامِ إلَى الْكُوعَيْنِ بِالْحِنَّاءِ لِأَنَّهُمَا قَدْ يَنْكَشِفَانِ وَمَسْحُ وَجْهِهَا بِشَيْءٍ مِنْهُ لِأَنَّهَا تُؤْمَرُ بِكَشْفِهِ فَلْتَسْتُرْ لَوْنَ الْبَشَرَةِ بِلَوْنِ الْحِنَّاءِ أَمَّا بعد الإحرام فيكره ذلك لها لِأَنَّهُ زِينَةٌ لِلْمُحْرِمِ وَالْقَصْدُ أَنْ يَكُونَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ فَإِنْ فَعَلَتْهُ فَلَا فِدْيَةَ وَخَرَجَ بِالْمَرْأَةِ الرَّجُلُ وَالْخُنْثَى فَلَا يُسَنُّ لَهُمَا الْخَضْبُ بَلْ يَحْرُمُ " وَيَجِبُ تَجَرُّدُ رَجُلٍ لَهُ " أَيْ لِلْإِحْرَامِ " عَنْ مُحِيطٍ " بِضَمِّ الْمِيمِ وَبِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ لِيَنْتَفِيَ عَنْهُ لُبْسُهُ فِي الْإِحْرَامِ الَّذِي هُوَ مُحْرِمٌ عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي وَالتَّصْرِيحُ بِالْوُجُوبِ مِنْ زِيَادَتِي وَبِهِ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ لَكِنْ صَرَّحَ فِي مَنَاسِكِهِ بِسَنِّهِ وَاسْتَحْسَنَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ تَبَعًا لِلْمُحِبِّ الطَّبَرِيِّ وَاعْتَرَضُوا الْأَوَّلَ بِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ وَهُوَ الْإِحْرَامُ لَمْ يَحْصُلْ وَلَا يَعْصِي بِالنَّزْعِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَأُيِّدَ الثَّانِي بِشَيْئَيْنِ ذَكَرْتهمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ مَعَ الْجَوَابِ عَنْهُمَا وَأَمَّا الِاعْتِرَاضُ فَجَوَابُهُ أَنَّ التَّجَرُّدَ فِي الْإِحْرَامِ وَاجِبٌ وَلَا يَتِمُّ إلَّا بِالتَّجَرُّدِ قَبْلَهُ فَوَجَبَ كَالسَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ قَبْلَ وَقْتِهَا عَلَى بَعِيدِ الدَّارِ وقولي محيط أعم من قوله مخيط الثياب لشموله الخف واللبد والمنسوخ.
" وسن لبسه إزارا أو رداء أَبْيَضَيْنِ " جَدِيدَيْنِ وَإِلَّا فَمَغْسُولَيْنِ " وَنَعْلَيْنِ " لِخَبَرِ: "لِيُحْرِمَ أحدكما فِي إزَارٍ وَرِدَاءٍ وَنَعْلَيْنِ" رَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ وَخَرَجَ بِالرَّجُلِ الْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى إذْ لَا نَزْعَ عَلَيْهِمَا فِي غَيْرِ الْوَجْهِ " وَ " سُنَّ " صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ " فِي غَيْرِ وَقْتِ الْكَرَاهَةِ كَمَا عُلِمَ مِنْ مَحَلِّهِ " لِإِحْرَامٍ " لِكُلٍّ مِنْ الرَّجُلِ وَغَيْرِهِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ مَعَ خَبَرِ البسوا من ثيابكم.

(1/164)


آكد ولفظها لبيك اللهم لبيك الخ ولمن رأى ما يعجبه أو يكرهه لبيك إن العيش عيش الآخرة ثم يُصَلِّي وَيُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ويسأل الله الجنة ورضوانه ويستعيذ به من النار.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
البياض وتغني عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ فَرِيضَةٌ وَنَافِلَةٌ أُخْرَى وَيُسَنُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى سُورَةَ الْكَافِرُونَ وَفِي الثَّانِيَةِ سُورَةَ الْإِخْلَاصِ وَقَوْلِي لِإِحْرَامٍ مِنْ زِيَادَتِي " وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ " الشَّخْصُ " إذَا تَوَجَّهَ لِطَرِيقِهِ " راكبا أو ماشيا لِلِاتِّبَاعِ فِي الْأَوَّلِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَهْلَلْنَا أَنْ نُحْرِمَ إذَا تَوَجَّهْنَا فِيهِ وَفِي الثَّانِي نَعَمْ لَوْ خَطَبَ إمَامُ مَكَّةَ بِهَا يَوْمَ السَّابِعِ فَالْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يَخْطُبَ مُحْرِمًا فَيَتَقَدَّمُ إحْرَامُهُ سَيْرَهُ بِيَوْمٍ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ.
" وَسُنَّ إكْثَارُ تَلْبِيَةٍ وَرَفْعُ رَجُلٍ " صَوْتَهُ " بِهَا " بِحَيْثُ لَا يَضُرُّ بِنَفْسِهِ " فِي دَوَامِ إحْرَامِهِ " فِيهِمَا لِلِاتِّبَاعِ فِي الْأَوَّلِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِلْأَمْرِ بِهِ فِي الثَّانِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ " وَ " ذَلِكَ " عِنْدَ تَغَايُرِ أحوال " كركوب ونزول وصعود وَهُبُوطٍ وَاخْتِلَاطِ رُفْقَةٍ وَفَرَاغِ صَلَاةٍ وَإِقْبَالِ لَيْلٍ أو نهار أو وقت سَحَرٍ " آكَدُ " وَخَرَجَ بِدَوَامِ إحْرَامِهِ ابْتِدَاؤُهُ فَلَا يُسَنُّ الرَّفْعُ بَلْ يُسْمِعُ نَفْسَهُ فَقَطْ وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْجُوَيْنِيِّ وَأَقَرَّهُ وَالتَّقْيِيدُ بِالرَّجُلِ مِنْ زِيَادَتِي فَلَا يُسَنُّ لِلْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى رَفْعُ صَوْتِهِمَا بِأَنْ يُسْمِعَا غَيْرَهُمَا بَلْ يُكْرَهُ لَهُمَا رَفْعُهُ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَذَانِهِمَا حَيْثُ حَرُمَ فِيهِ ذَلِكَ بِالْإِصْغَاءِ إلَى الْأَذَانِ وَاشْتِغَالِ كُلِّ أَحَدٍ بِتَلْبِيَتِهِ عَنْ سَمَاعِ تَلْبِيَةِ غَيْرِهِ وَظَاهِرٌ أَنَّ التَّلْبِيَةَ كَغَيْرِهَا مِنْ الْأَذْكَارِ تُكْرَهُ فِي مَوَاضِعِ النَّجَاسَةِ تَنْزِيهًا لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى " وَلَفْظُهَا لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ إلَى آخِرِهِ " أَيْ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لك وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَك لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَسُنَّ تَكْرِيرُهَا ثَلَاثًا وَمَعْنَى لَبَّيْكَ أَنَا مُقِيمٌ عَلَى طَاعَتِك وَزَادَ الْأَزْهَرِيُّ إقَامَةً بَعْد إقَامَةٍ وَإِجَابَةً بَعْدَ إجَابَةٍ وَهُوَ مُثَنَّى أُرِيدَ بِهِ التَّكْثِيرُ وَسَقَطَتْ نُونُهُ لِلْإِضَافَةِ.
" وَ " سُنَّ " لِمَنْ رَأَى مَا يُعْجِبُهُ أَوْ يَكْرَهُهُ " أَنْ يَقُولَ "لبيك إن العيش عيش الآخرة" قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ ورأى جمع المسلمين رواه الشافعي وغيره عَنْ مُجَاهِدٍ مُرْسَلًا وَقَالَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَشَدِّ أَحْوَالِهِ فِي حَفْرِ الْخَنْدَقِ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْحَيَاةَ الْمَطْلُوبَةَ الْهَنِيئَةَ الدَّائِمَةَ هِيَ حَيَاةُ الدَّارِ الْآخِرَةِ وَقَوْلِي أَوْ يَكْرَهُهُ مِنْ زِيَادَتِي " ثُمَّ " بَعْدَ فَرَاغِهِ من تلبيته " ويصلي " وَيُسَلِّمَ " عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَسْأَلُ اللَّهَ " تَعَالَى " الْجَنَّةَ وَرِضْوَانَهُ وَيَسْتَعِيذُ " بِهِ " مِنْ النَّارِ " لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَضَعَّفَهُ الْجُمْهُورُ وَيَكُونُ صَوْتُهُ بِذَلِكَ أَخْفَضَ مِنْ صَوْتِ التَّلْبِيَةِ بِحَيْثُ يَتَمَيَّزَانِ.

(1/165)


باب صفة النسك
الأفضل دخول مكة قبل وقوف ومن ثنية كداء وَأَنْ يَقُولَ عِنْدَ لِقَاءِ الْكَعْبَةِ رَافِعًا يَدَيْهِ واقفا اللهم زد هذا البيت تشريفا إلى آخره اللهم أنت السلام إلى آخره فيدخل المسجد من باب بني شيبة ويبدأ بطواف قدوم إلا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بَابُ صِفَةِ النُّسُكِ
" الْأَفْضَلُ " لِمُحْرِمٍ بِحَجٍّ وَلَوْ قارنا " دخول مَكَّةَ قَبْلَ وُقُوفٍ " بِعَرَفَةَ اقْتِدَاءً بِهِ صَلَّى الله عليه وسلم وبأصحابه وَلِكَثْرَةِ مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ السُّنَنِ الْآتِيَةِ " وَ " الْأَفْضَلُ دُخُولُهَا " مِنْ ثَنْيَةِ كَدَاءٍ " وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِطَرِيقِهِ خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْلِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ كَانَ يَدْخُلُ مَكَّةَ مِنْ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا وَيَخْرُجُ مِنْ السُّفْلَى وَالْعُلْيَا تُسَمَّى ثَنْيَةَ كداء بالفتح والمد والتنوين والسفلى ثنية كدا بِالضَّمِّ وَالْقَصْرِ وَالتَّنْوِينِ وَهِيَ عِنْدَ جَبَلِ قُعَيْقِعَانَ وَالثَّنْيَةُ الطَّرِيقُ الضَّيِّقُ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ وَاخْتَصَّتْ الْعُلْيَا بِالدُّخُولِ وَالسُّفْلَى بِالْخُرُوجِ لِأَنَّ الدَّاخِلَ يَقْصِدُ مَكَانًا عالي المقدار والخارج عكسه وَقَضِيَّتُهُ التَّسْوِيَةُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمُحْرِمِ وَغَيْرِهِ.
" وَأَنْ يَقُولَ عِنْدَ لِقَاءِ الْكَعْبَةِ رَافِعًا يَدَيْهِ وَاقِفًا اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا الْبَيْتَ " أَيْ الْكَعْبَةَ " تَشْرِيفًا إلَى آخِرِهِ " أَيْ وَتَعْظِيمًا وَتَكْرِيمًا وَمَهَابَةً وزد من شرفه وعظمة ممن حجه أو اعتمره وتشريفا وَتَكْرِيمًا وَتَعْظِيمًا وَبِرًّا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ إنَّهُ مُنْقَطِعٌ " اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ إلَى آخِرِهِ " أَيْ وَمِنْك السَّلَامُ فَحَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ قَالَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ عَنْهُ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَإِسْنَادُهُ لَيْسَ بِقَوِيٍّ وَمَعْنَى السَّلَامِ الْأَوَّلِ ذُو السَّلَامَةِ مِنْ النَّقَائِصِ والثاني.

(1/165)


لعذر ويختص به حلال وحاج دخل مكة قبل وقوف وَمَنْ قَصَدَ الْحَرَمَ لَا لِنُسُكٍ سُنَّ إحْرَامٌ به.
فصل:
واجبات الطواف.
ستر وطهر فلو زالا فيه جدد وبنى وجعله البيت عن يساره مارا تلقاء وجهه وبدؤه بالحجر الأسود محاذيا له أو لجزئه ببدنه فلو بدأ بغيره لم يحسب وكونه سبعا وفي المسجد ونيته إن استقل وعدم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَالثَّالِثِ السَّلَامَةُ مِنْ الْآفَاتِ وَقَوْلِي عِنْدَ لِقَاءِ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ إذَا أَبْصَرَ وَقَوْلِي رَافِعًا يَدَيْهِ وَاقِفًا مِنْ زِيَادَتِي "فَيَدْخُلُ" هُوَ أَوْلَى من قوله ثم يدخل " المسجد " الحرام " مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ " وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِطَرِيقِهِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلِأَنَّ باب بني شيبة من جهة الْكَعْبَةِ وَالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَأَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَابِ بَنِي سَهْمٍ إذَا خَرَجَ إلَى بَلَدِهِ وَيُسَمَّى الْيَوْمَ بِبَابِ الْعُمْرَةِ.
" وَ " أَنْ " يَبْدَأَ بِطَوَافِ قدوم " للاتباع رواها الشيخان والمعنى فيه أن الطواف تحية فَيُسَنُّ أَنْ يَبْدَأَ بِهِ بِقَيْدٍ زِدْته بِقَوْلِي " إلَّا لِعُذْرٍ " كَإِقَامَةِ جَمَاعَةٍ وَضِيقِ وَقْتِ صَلَاةٍ وَتَذَكُّرِ فَائِتَةٍ فَيُقَدَّمُ عَلَى الطَّوَافِ وَلَوْ كَانَ فِي أَثْنَائِهِ لِأَنَّهُ يَفُوتُ وَالطَّوَافُ لَا يَفُوتُ وَلَا يَفُوتُ بِالْجُلُوسِ وَلَا بِالتَّأْخِيرِ نَعَمْ يَفُوتُ بِالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي وَكَمَا يُسَمَّى طَوَافَ الْقُدُومِ يُسَمَّى طَوَافَ الْقَادِمِ وَطَوَافَ الورود وطواف الوارد وَطَوَافَ التَّحِيَّةِ " وَيَخْتَصُّ بِهِ " أَيْ بِطَوَافِ الْقُدُومِ " حَلَالٌ " هُوَ مِنْ زِيَادَتِي " وَحَاجٌّ دَخَلَ مَكَّةَ قَبْلَ وُقُوفٍ " فَلَا يَطْلُبُ مِنْ الدَّاخِلِ بَعْدَهُ وَلَا مِنْ الْمُعْتَمِرِ لِدُخُولِ وَقْتِ الطَّوَافِ الْمَفْرُوضِ عَلَيْهِمَا فَلَا يَصِحُّ قَبْلَ أَدَائِهِ أَنْ يَتَطَوَّعَا بِطَوَافِهِ قِيَاسًا عَلَى أَصْلِ النُّسُكِ " وَمَنْ قَصَدَ الْحَرَمَ " هُوَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ مَكَّةَ " لَا لِنُسُكٍ " بَلْ لِنَحْوِ زِيَارَةٍ أَوْ تِجَارَةٍ " سُنَّ " لَهُ " إحْرَامٌ بِهِ " أَيْ بِنُسُكٍ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ لداخله سواء تكرر دُخُولُهُ كَحَطَّابٍ أَمْ لَا كَرَسُولٍ قَالَ فِي المجموع ويكره تركه.
فَصْلٌ: فِيمَا يُطْلَبُ فِي الطَّوَافِ مِنْ وَاجِبَاتٍ وَسُنَنٍ.
"وَاجِبَاتُ الطَّوَافِ" بِأَنْوَاعِهِ ثَمَانِيَةٌ أَحَدُهَا وَثَانِيهَا " ستر " لعورة " وطهر " عن حدث أصغر وأكبر وَعَنْ نَجَسٍ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَلِخَبَرِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ " فَلَوْ زَالَا " بِأَنْ عَرِيَ أَوْ أحدث أو تنجس ثوبه أو بدنه أَوْ مَطَافُهُ بِنَجِسٍ غَيْرِ مَعْفُوٍّ عَنْهُ " فِيهِ " أَيْ فِي طَوَافِهِ " جَدَّدَ " السِّتْرَ وَالطُّهْرَ " وَبَنَى " عَلَى طَوَافِهِ وَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ إذْ يُحْتَمَلُ فِيهِ مَا لَا يُحْتَمَلُ فِيهَا كَكَثِيرِ الْفِعْلِ وَالْكَلَامِ سَوَاءٌ أَطَالَ الْفَصْلَ أَمْ قَصُرَ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْوَلَاءِ فِيهِ كَالْوُضُوءِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عِبَادَةٌ يَجُوزُ أَنْ يَتَخَلَّلَهَا مَا ليس بِخِلَافِ الصَّلَاةِ لَكِنْ يُسَنُّ الِاسْتِئْنَافُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ وَمَحَلُّ اشْتِرَاطِ السِّتْرِ وَالطُّهْرِ مع القدرة أَمَّا مَعَ الْعَجْزِ فَفِي الْمُهِّمَّاتِ جَوَازُ الطَّوَافِ بدونهما إلا طواف الركن فَالْقِيَاسُ مَنْعُهُ لِلْمُتَيَمِّمِ وَالْمُتَنَجِّسِ وَإِنَّمَا فُعِلَتْ الصَّلَاةُ كذلك لحرمة الوقت وهو مفقود هنا لِأَنَّ الطَّوَافَ لَا آخِرَ لِوَقْتِهِ انْتَهَى وَفِي جَوَازِ فِعْلِهِ فِيمَا ذُكِرَ بِدُونِهِمَا مُطْلَقًا نَظَرٌ وقولي فلو زال إلَى آخِرِهِ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْأَصْلِ فَلَوْ أَحْدَثَ فِيهِ تَوَضَّأَ وَبَنَى.
" وَ " ثَالِثُهَا " جَعْلُهُ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ " بِقَيْدٍ زِدْته بِقَوْلِي " مَارًّا تِلْقَاءَ وَجْهِهِ " فَيَجِبُ كَوْنُهُ خَارِجًا بِكُلِّ بَدَنِهِ عنه حتى عن شاذر وأنه وَحِجْرِهِ لِلِاتِّبَاعِ مَعَ خَبَرِ مُسْلِمٍ خُذُوا عَنِّي مناسككم فلو خَالَفَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ كَأَنْ اسْتَقْبَلَ الْبَيْتَ أَوْ اسْتَدْبَرَهُ أَوْ جَعَلَهُ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ يَسَارِهِ وَرَجَعَ الْقَهْقَرَى نَحْوَ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ لم يصح طوافه لمنابذته ما ورد الشرع به وَالْحِجْرُ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَيُسَمَّى حَطِيمًا الْمُحَوَّطُ بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ الشَّامِيَّيْنِ بِجِدَارٍ قَصِيرٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كُلٍّ مِنْ الرُّكْنَيْنِ فَتْحَةٌ.
" وَ " رَابِعُهَا " بَدْؤُهُ بِالْحَجَرِ الأسود محاذيا له أو لجزئه " في مروره " بِبَدَنِهِ " لِلِاتِّبَاعِ وَيُسَنُّ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ أَنْ يَتَوَجَّهَ الْبَيْتَ أَوَّلَ طَوَافِهِ وَيَقِفَ عَلَى جَانِبِ الْحَجَرِ الَّذِي لِجِهَةِ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ بِحَيْثُ يَصِيرُ كُلُّ الْحَجَرِ عَنْ يَمِينِهِ وَمَنْكِبُهُ الْأَيْمَنُ عِنْدَ طَرَفِ الْحَجَرِ ثُمَّ يَمُرُّ مُتَوَجِّهًا لَهُ فَإِذَا جَاوَزَهُ انْفَتَلَ وَجَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ وَهَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ وُجُوبِ جَعْلِ الْبَيْتِ عَنْ يَسَارِهِ " فَلَوْ بَدَأَ بِغَيْرِهِ " كَأَنْ بَدَأَ بِالْبَابِ " لَمْ يُحْسَبْ " مَا طَافَهُ فَإِذَا انْتَهَى إلَيْهِ ابْتَدَأَ مِنْهُ وَلَوْ أُزِيلَ الْحَجَرُ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَجَبَ مُحَاذَاةُ مَحَلِّهِ وَيُسَنُّ حِينَئِذٍ اسْتِلَامُ مَحَلِّهِ وَتَقْبِيلُهُ وَالسُّجُودُ عَلَيْهِ وَقَوْلِي أَوْ لِجُزْئِهِ مِنْ زيادتي.

(1/166)


صرفه وسن أن يمشي في كله ويستلم الحجر أول طوافه ويقبله ويسجد عليه فإن عجز استلم بيده فبنحو عود ثم قبل فأشار بيده فبما فيها ويستلم اليماني ويقول أول طوافه بسم الله والله أكبر اللهم إيمانا بك الخ وقبالة الباب اللهم إن البيت بيتك الخ وَبَيْنَ الْيَمَانِيَيْنِ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً الآية ويدعو بما شاء ومأثوره أفضل فقراءة فغير مأثورة ويراعى ذلك كل طوفة ويرمل ذكر في الثلاث الأول من طواف بعده سعى مطلوب بأن يسرع مشيه مقاربا خطاه ويقول فيه اللهم اجعله حجا مبرورا الخ ويضطبع في طواف فيه رمل وفي سعي بأن يجعل وسط ردائه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
" وَ " خَامِسُهَا " كَوْنُهُ سَبْعًا " وَلَوْ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا مَاشِيًا أَوْ رَاكِبًا أَوْ زَاحِفًا بِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَوْ تَرَكَ مِنْ السَّبْعِ شَيْئًا وَإِنْ قَلَّ لَمْ يُجْزِهِ.
" وَ " سَادِسُهَا كَوْنُهُ " فِي الْمَسْجِدِ " وَإِنْ وَسِعَ أَوْ كَانَ الطَّوَافُ عَلَى السَّطْحِ وَلَوْ مُرْتَفِعًا عَنْ الْبَيْتِ أَوْ حَالَ حَائِلٌ بَيْنَ الطَّائِفِ وَالْبَيْتِ كَالسِّقَايَةِ وَالسَّوَارِي.
" وَ " سَابِعُهَا " نِيَّتُهُ " أَيْ الطَّوَافِ " إنْ اسْتَقَلَّ " بِأَنْ لَمْ يَشْمَلْهُ نُسُكٌ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ.
" وَ " ثَامِنُهَا " عَدَمُ صَرْفِهِ " لِغَيْرِهِ كَطَلَبِ غَرِيمٍ كَمَا فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ صَرَفَهُ انْقَطَعَ لَا إنْ نَامَ فِيهِ عَلَى هَيْئَةٍ لَا تُنْقِضُ الْوُضُوءَ وَهَذَا وَاَلَّذِي قَبْلَهُ مِنْ زِيَادَتِي " وَسُنَنُهُ أَنْ يَمْشِيَ فِي كُلِّهِ " وَلَوْ امرأة إلا لِعُذْرٍ كَمَرَضٍ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِأَنَّ الْمَشْيَ أَشْبُهُ بِالتَّوَاضُعِ وَالْأَدَبِ وَيُكْرَهُ بِلَا عُذْرٍ الزَّحْفُ لا الركوب لَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْجُمْهُورِ وَفِي غَيْرِهِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَصَحَّحَهُ وَنَصُّهُ فِي الْأُمِّ عَلَى الْكَرَاهَةِ يُحْمَلُ عَلَى الْكَرَاهَةِ غَيْرِ الشَّدِيدَةِ الَّتِي عَبَّرَ عَنْهَا الْمُتَأَخِّرُونَ بِخِلَافِ الْأَوْلَى " وَ " أَنْ " يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ " الْأَسْوَدَ بِيَدِهِ " أَوَّلَ طَوَافِهِ وَ " أَنْ " يُقَبِّلَهُ وَيَسْجُدَ عَلَيْهِ " لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ فِي الْأَوَّلَيْنِ الشَّيْخَانِ وَفِي الثالث البيهقي وإنما تسن الثلاثة للمرأة إذَا خَلَا الْمَطَافُ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا وَإِنْ خَصَّهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِاللَّيْلِ وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ " فَإِنْ عَجَزَ " عَنْ الْأَخِيرَيْنِ أَوْ الْأَخِيرِ " اسْتَلَمَ " بِلَا تَقْبِيلٍ فِي الْأُولَى وَبِهِ فِي الثَّانِيَةِ " بِيَدِهِ " الْيُمْنَى فَإِنْ عَجَزَ فَبِالْيُسْرَى عَلَى الْأَقْرَبِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ " فَ " إنْ عَجَزَ عَنْ اسْتِلَامِهِ بِيَدِهِ اسْتَلَمَهُ " بِنَحْوِ عُودٍ " كَخَشَبَةٍ وَتَعْبِيرِي بِذَلِكَ أَوْلَى مِنْ اقْتِصَارِهِ عَلَى اسْتَلَمَ "ثُمَّ قَبَّلَ" مَا اسْتَلَمَهُ بِهِ وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِي " فَ " إنْ عَجَزَ عَنْ اسْتِلَامِهِ بِيَدِهِ وَبِغَيْرِهَا " أَشَارَ " إلَيْهِ " بِيَدِهِ " الْيُمْنَى " فَبِمَا فِيهَا " مِنْ زِيَادَتِي ثُمَّ قَبَّلَ مَا أَشَارَ بِهِ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ عَلَى بَعِيرٍ فَكُلَّمَا أَتَى الرُّكْنَ أَشَارَ إلَيْهِ بِشَيْءٍ عِنْدَهُ وَكَبَّرَ وَلَا يُشِيرُ بِالْفَمِ إلَى التَّقْبِيلِ وَيُسَنُّ تَثْلِيثُ مَا ذُكِرَ مِنْ الِاسْتِلَامِ وَمَا بعده في كل طوفة وَتَخْفِيفُ الْقُبْلَةِ بِحَيْثُ لَا يَظْهَرُ لَهَا صَوْتٌ " وَ" أَنْ " يَسْتَلِمَ " الرُّكْنَ " الْيَمَانِيَّ " وَيُقَبِّلَ يَدَهُ بَعْدَ اسْتِلَامِهِ بِهَا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ اسْتِلَامِهِ أَشَارَ إلَيْهِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ اسْتِلَامُ غَيْرِ مَا ذُكِرَ وَلَا تَقْبِيلُ غَيْرِ الْحَجَرِ مِنْ الْأَرْكَانِ فَإِنْ خَالَفَ لَمْ يُكْرَهْ بَلْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّ التَّقْبِيلَ حَسَنٌ.
" وَ " أَنْ " يَقُولَ " عِنْدَ اسْتِلَامِهِ " أول طوافه باسم الله وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ " أَطُوفُ " إيمَانًا بِك إلَى آخِرِهِ " أَيْ وَتَصْدِيقًا بِكِتَابِك وَوَفَاءً بِعَهْدِك وَاتِّبَاعًا لِسُنَّةِ نَبِيِّك مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتِّبَاعًا لِلسَّلَفِ وَالْخَلَفِ " وَ " أَنْ يَقُولَ " قُبَالَةَ الباب اللهم إن الْبَيْتُ بَيْتُك إلَى آخِرِهِ " أَيْ وَالْحَرَمُ حَرَمُك وَالْأَمْنُ أَمْنُك وَهَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِك مِنْ النَّارِ وَيُشِيرُ إلَى مَقَامِ إبْرَاهِيمَ " وَبَيْنَ الْيَمَانِيَيْنِ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً الْآيَةَ " لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَوَقَعَ فِي الْمِنْهَاجِ كَالرَّوْضَةِ اللَّهُمَّ بَدَلَ رَبَّنَا " وَ " أَنْ " يَدْعُوَ بِمَا شَاءَ وَمَأْثُورُهُ " أَيْ الدُّعَاءِ فِيهِ أَيْ مَنْقُولِهِ " أفضل فقراءة " فيه " فغير مأثورة " وَيُسَنُّ لَهُ الْإِسْرَارُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ أَجْمَعُ لِلْخُشُوعِ " وَ " أَنْ " يُرَاعِيَ ذَلِكَ " أَيْ الِاسْتِلَامَ وَمَا بَعْدَهُ " كُلَّ طَوْفَةٍ " اغْتِنَامًا لِلثَّوَابِ لَكِنَّهُ فِي الْأُولَى آكَدُ وَشُمُولُ ذَلِكَ لِاسْتِلَامِ الْيَمَانِيِّ وَمَا بَعْدَهُ مِنْ زِيَادَتِي.
" وَ " أَنْ " يَرْمُلَ ذَكَرٌ في " الطوفات " الثلاثة الْأُوَلِ مِنْ طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ " بِقَيْدٍ زِدْته بِقَوْلِي " مَطْلُوبٌ " بِأَنْ يَكُونَ بَعْدَ طَوَافِ قُدُومٍ أَوْ رُكْنٍ وَلَمْ يَسْعَ بَعْدَ الْأَوَّلِ فَلَوْ سَعَى بَعْدَهُ لَمْ يَرْمُلْ فِي طَوَافِ إفَاضَةٍ وَالرَّمَلُ يُسَمَّى خَبَبًا " بِأَنْ يُسْرِعَ مَشْيَهُ مُقَارِبًا خُطَاهُ " وَيَمْشِي فِي الْبَقِيَّةِ عَلَى هِينَتِهِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَإِنْ طَافَ رَاكِبًا أَوْ مَحْمُولًا حَرَّكَ الدَّابَّةَ وَرَمَلَ بِهِ الْحَامِلُ وَلَوْ تَرَكَ الرمل في الثلاثة الأول لَا يَقْضِيهِ فِي الْأَرْبَعِ الْبَاقِيَةِ لِأَنَّ هَيْئَتَهَا السيكنة فَلَا تُغَيَّرُ " وَ " أَنْ " يَقُولَ فِيهِ " أَيْ في الرمل.

(1/167)


تحت منكبه الأيمن وطرفيه على الأيسر ويقرب من البيت فلو فات رمل بقرب وأمن لمس نساء ولم يرج فرجة بعد ويوالي كل طوافه ويصلي بعده ركعتين وخلف المقام أولى ففي الْحِجْرِ فَفِي الْمَسْجِدِ فَفِي الْحَرَمِ فَحَيْثُ شَاءَ بسورتي الكافرون والإخلاص ويجهر ليلا ولو حمل شخص محرما لَمْ يَطُفْ عَنْ نَفْسِهِ وَدَخَلَ وَقْتُ طَوَافِهِ وطاف به ولم ينوه لنفسه أولهما وقع للمحمول إلا إن أطلق وكان كالمحمول فله وسن أَنْ يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ بَعْدَ طَوَافِهِ وَصَلَاتِهِ ثُمَّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
" اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ " أَيْ مَا أَنَا فِيهِ مِنْ العمل " حَجًّا مَبْرُورًا " أَيْ لَمْ يُخَالِطْهُ ذَنْبٌ " إلَى آخِرِهِ " أَيْ وَذَنْبًا مَغْفُورًا وَسَعْيًا مَشْكُورًا لِلِاتِّبَاعِ وَيَقُولُ فِي الْأَرْبَعَةِ الْبَاقِيَةِ كَمَا فِي التَّنْبِيهِ وَغَيْرِهِ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَتَجَاوَزْ عَمَّا تَعْلَمْ إنَّك أَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَالْمُنَاسِبُ لِلْمُعْتَمِرِ أَنْ يَقُولَ عمرة مبرورة ويحتمل الإطلاق مراعاة للحديث يقصد الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ وَهُوَ الْقَصْدُ " وَ " أَنْ " يَضْطَبِعَ " أَيْ الذَّكَرُ " فِي طَوَافٍ فِيهِ رَمَلٌ " لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ.
" وَفِي سَعْيٍ " قِيَاسًا عَلَى الطَّوَافِ بِجَامِعِ قَطْعِ مَسَافَةٍ مَأْمُورٍ بِتَكْرِيرِهَا سَبْعًا وَذَلِكَ " بِأَنْ يَجْعَلَ وَسَطَ رِدَائِهِ تَحْتَ مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ وَطَرَفَيْهِ عَلَى " مَنْكِبِهِ " الْأَيْسَرِ " كَدَأْبِ أَهْلِ الشَّطَارَةِ وَالِاضْطِبَاعُ مَأْخُوذٌ مِنْ الضَّبُعِ بِسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ الْعَضُدُ وَخَرَجَ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ رَكْعَتَا الطَّوَافِ فَلَا يُسَنُّ فِيهِمَا الِاضْطِبَاعُ بَلْ يُكْرَهُ " وَ " أَنْ " يَقْرُبَ " الذَّكَرُ فِي طَوَافِهِ " مِنْ الْبَيْتِ " تَبَرُّكًا وَلِأَنَّهُ أَيْسَرُ فِي الِاسْتِلَامِ وَالتَّقْبِيلِ نَعَمْ إنْ تَأَذَّى أَوْ آذَى غَيْرَهُ بِنَحْوِ زَحْمَةٍ فَالْبُعْدُ أَوْلَى " فَلَوْ فَاتَ رَمَلٌ بِقُرْبٍ " لِنَحْوِ زَحْمَةٍ " وَأَمْنِ لَمْسِ نِسَاءٍ وَلَمْ يَرْجُ فُرْجَةً " يَرْمُلُ فِيهَا لَوْ انْتَظَرَ " بَعْدُ " لِلرَّمَلِ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْعِبَادَةِ وَالْقُرْبُ يَتَعَلَّقُ بِمَكَانِهَا فَإِنْ خَافَ لَمْسَ نِسَاءٍ فَالْقُرْبُ بِلَا رَمَلٍ أَوْلَى مِنْ الْبُعْدِ مَعَ الرَّمَلِ تَحَرُّزًا عَنْ مُلَامَسَتِهِنَّ الْمُؤَدِّيَةِ إلَى انْتِقَاضِ الطُّهْرِ وَلَوْ خَافَ مَعَ الْقُرْبِ أَيْضًا لَمْسَهُنَّ فَتَرْكُ الرَّمَلِ أَوْلَى وَإِذَا تَرَكَهُ سُنَّ أَنْ يَتَحَرَّكَ فِي مَشْيِهِ وَيَرَى أَنَّهُ لَوْ أمكنه لرمل وكذا في العدو في السعي الآتي بيانه وإن رجا الْفُرْجَةَ الْمَذْكُورَةَ سُنَّ لَهُ انْتِظَارُهَا وَخَرَجَ بِالذَّكَرِ الْأُنْثَى وَالْخُنْثَى فَلَا يُسَنُّ لَهُمَا شَيْءٌ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ بَلْ يُسَنُّ لَهُمَا فِي الْأَخِيرَةِ حَاشِيَةُ الْمَطَافِ بِحَيْثُ لَا يَخْتَلِطَانِ بِالرِّجَالِ إلَّا عِنْدَ خُلُوِّ الْمَطَافِ فَيُسِنُّ لَهُمَا الْقُرْبُ وَذِكْرُ حُكْمِ الْخُنْثَى مَعَ قَوْلِي وَلَمْ يَرْجُ فُرْجَةً مِنْ زِيَادَتِي.
" وَ " أَنْ " يُوَالِيَ كُلٌّ " مِنْ الذَّكَرِ وَغَيْرِهِ " طَوَافَهُ " خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ فِي وجوبه " و " أن " يصلي بعده ركعتين وَ " فِعْلُهُمَا " خَلْفَ الْمَقَامِ أَوْلَى " لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَذِكْرُ الْأَوْلَوِيَّةِ مِنْ زِيَادَتِي وَكَذَا قَوْلِي " فَ " إنْ لَمْ يَفْعَلْهُمَا خَلْفَ الْمَقَامِ فَعَلَهُمَا " فِي الْحِجْرِ فَفِي الْمَسْجِدِ فَفِي الْحَرَمِ فَحَيْثُ شَاءَ " مَتَى شَاءَ وَلَا يَفُوتَانِ إلَّا بِمَوْتِهِ ويأتي فِيهِمَا " بِسُورَتَيْ الْكَافِرُونَ وَالْإِخْلَاصِ " لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِمَا فِي قِرَاءَتِهِمَا مِنْ الْإِخْلَاصِ الْمُنَاسِبِ لِمَا هُنَا لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ ثَمَّ " وَ " أَنْ " يَجْهَرَ " بِهِمَا " لَيْلًا " مَعَ مَا أُلْحِقَ بِهِ مِنْ الْفَجْرِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ ويسر فيما عدا ذلك كالكسوف ويجزىء عن الركعتين فريضة ونافلة أخرى " وَلَوْ حَمَلَ شَخْصٌ " حَلَالٌ أَوْ مُحْرِمٌ طَافَ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ لَمْ يَطُفْ " مُحْرِمًا " بِقَيْدٍ زِدْته بِقَوْلِي " لَمْ يَطُفْ عَنْ نَفْسِهِ وَدَخَلَ وَقْتُ طَوَافِهِ وَطَافَ بِهِ " بِقَيْدٍ زِدْته فِي الأوليين بقولي " ولم ينوه لنفسه أولهما " بِأَنْ نَوَاهُ لِلْمَحْمُولِ أَوْ أَطْلَقَ " وَقَعَ " الطَّوَافُ " للمحمول " لأنه كراكب دابة وعملا بِنِيَّةِ الْحَامِلِ وَإِنَّمَا لَمْ يَقَعْ لِلْحَامِلِ الْمُحْرِمِ إذَا دَخَلَ وَقْتُ طَوَافِهِ وَنَوَى الْمَحْمُولُ لِأَنَّهُ صَرَفَهُ عَنْ نَفْسِهِ " إلَّا إنْ أَطْلَقَ وَكَانَ كالمحمول " في كونه محرما لَمْ يَطُفْ عَنْ نَفْسِهِ وَدَخَلَ وَقْتُ طَوَافِهِ " فَ " يَقَعُ " لَهُ " لِأَنَّهُ الطَّائِفُ وَلَمْ يَصْرِفْهُ عَنْ نَفْسِهِ فَإِنْ طَافَ الْمَحْمُولُ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ طَوَافِهِ لَمْ يَقَعْ لَهُ إنْ لَمْ يَنْوِهِ لِنَفْسِهِ وَإِلَّا فَكَمَا لو لمن يَطُفْ وَدَخَلَ وَقْتُ طَوَافِهِ وَإِنْ نَوَاهُ الْحَامِلُ لِنَفْسِهِ أَوْ لَهُمَا وَقَعَ لَهُ وَإِنْ نَوَاهُ مَحْمُولُهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لَمْ يَطُفْ عَنْهَا عَمَلًا بِنِيَّتِهِ فِي الْجَمِيعِ وَلِأَنَّهُ الطَّائِفُ وَلَمْ يَصْرِفْهُ عَنْ نَفْسِهِ فِيمَا إذَا لَمْ يَطُفْ وَدَخَلَ وقت طوافه وإفادة حكم الإطلاق فيمن لم يطف من زيادتي.

(1/168)


يخرج من باب الصفا للسعي وشرطه أن يبدأ بالصفا ويختم بالمروة ويسعى سبعا ذهابه من كل للآخر في المسعى مرة وبعد طواف ركن أو قدوم ولا يتخللهما الوقوف ولا تسن إعادة سعي وسن للذكر أن يرقى على الصفا والمروة قامة ويقول كل اللَّهُ أَكْبَرُ ثَلَاثًا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ إلَى آخِرِهِ ثم يدعو بما شاء ويثلث الذكر والدعاء ويمشي أول السعي وآخره ويعدو الذكر في الوسط ومحلهما معروف.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
" وَسُنَّ " لِكُلٍّ بِشَرْطِهِ فِي الْأُنْثَى وَالْخُنْثَى " أَنْ يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ بَعْدَ طَوَافِهِ وَصَلَاتِهِ ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ بَابِ الصَّفَا " وَهُوَ الْبَابُ الَّذِي بَيْنَ الركنين اليمانيين " للسعي " بين الصفا والمروة وللاتباع رواه مسلم. " وَشَرْطُهُ أَنْ يَبْدَأَ بِالصَّفَا " بِالْقَصْرِ طَرَفُ جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ " وَيَخْتِمَ بِالْمَرْوَةِ " وَالتَّصْرِيحُ بِهِ مِنْ زِيَادَتِي فَلَوْ عَكَسَ لَمْ تُحْسَبْ الْمَرَّةُ الْأُولَى " وَ " أَنْ " يَسْعَى سَبْعًا ذَهَابُهُ مِنْ كُلِّ " مِنْهُمَا " لِلْآخَرِ فِي الْمَسْعَى مَرَّةٌ " لِلِاتِّبَاعِ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ بِلَفْظِ: "فَابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ" " وَ " أَنْ يَسْعَى " بَعْدَ طَوَافِ رُكْنٍ أَوْ قُدُومٍ وَ " أَنْ " لَا يَتَخَلَّلَهُمَا " أَيْ السَّعْيَ وَطَوَافَ الْقُدُومِ " الْوُقُوفُ " بِعَرَفَةَ بِأَنْ يَسْعَى قَبْلَهُ لِلِاتِّبَاعِ مَعَ خَبَرِ خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ فَإِنْ تَخَلَّلَهُمَا الْوُقُوفُ امْتَنَعَ السَّعْيُ إلَّا بَعْدَ طَوَافِ الْفَرْضِ فَيَمْتَنِعُ أن يسعى بَعْدَ طَوَافِ نَفْلٍ مَعَ إمْكَانِهِ بَعْدَ طَوَافِ فَرْضٍ " وَلَا تُسَنُّ إعَادَةُ سَعْيٍ " لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ وَتَعْبِيرِي بِذَلِكَ أَوْلَى مِمَّا ذَكَرَهُ.
" وَسُنَّ للذكر أَنْ يَرْقَى عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ قَامَةً " أَيْ قَدْرَهَا لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَقَى عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَخَرَجَ بِزِيَادَتِي الذَّكَرَ الْأُنْثَى وَالْخُنْثَى فَلَا يُسَنُّ لَهُمَا الرُّقِيُّ إلَّا إنْ خَلَا الْمَحَلُّ عَنْ الرِّجَالِ غَيْرِ الْمَحَارِمِ فِيمَا يَظْهَرُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ وَعَلَى الْخُنْثَى الْإِسْنَوِيُّ وَالْوَاجِبُ عَلَى من لم يرق أَنْ يُلْصِقَ عَقِبَهُ بِأَصْلِ مَا يَذْهَبُ مِنْهُ ورؤوس أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ بِمَا يَذْهَبُ إلَيْهِ مِنْ الصَّفَا والمروة " و " أن " يقول كل " من الذكر وَالرَّاقِي وَغَيْرِهِمَا " اللَّهُ أَكْبَرُ ثَلَاثًا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ إلَى آخِرِهِ " أَيْ اللَّهُ أَكْبَرُ عَلَى مَا هَدَانَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا أَوْلَانَا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " ثُمَّ يَدْعُو بِمَا شَاءَ " دِينًا وَدُنْيَا " وَ " أَنْ " يُثَلِّثَ الذِّكْرَ وَالدُّعَاءَ " لِلِاتِّبَاعِ فِي ذَلِكَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِزِيَادَةِ بَعْضِ أَلْفَاظٍ وَنَقْصِ بَعْضِهَا وَتَعْبِيرِي بِكُلٍّ إلَى آخِرِهِ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ فَإِذَا رَقَى إلَى آخِرِهِ.
" وَ " أَنْ " يَمْشِيَ " عَلَى هِينَتِهِ " أَوَّلَ السَّعْيِ وَآخِرَهُ وَ " أَنْ " يَعْدُوَ الذَّكَرُ " أَيْ يَسْعَى سَعْيًا شَدِيدًا " فِي الْوَسَطِ " للاتباع في ذلك رَوَاهُ مُسْلِمٌ: " وَمَحَلُّهُمَا " أَيْ الْمَشْيِ وَالْعَدْوِ " مَعْرُوفٌ " ثم يمشي حَتَّى يَبْقَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِيلِ الْأَخْضَرِ الْمُعَلَّقِ بِرُكْنِ الْمَسْجِدِ عَلَى يَسَارِهِ قَدْرُ سِتَّةِ أَذْرُعٍ فَيَعْدُو حَتَّى يَتَوَسَّطَ بَيْنَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ اللَّذَيْنِ أَحَدُهُمَا فِي رُكْنِ الْمَسْجِدِ وَالْآخَرُ مُتَّصِلٌ بِجِدَارِ الْعَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَيَمْشِي حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى الْمَرْوَةِ فَإِذَا عَادَ مِنْهَا إلَى الصَّفَا مَشَى فِي مَحَلِّ مَشْيِهِ وَسَعَى فِي مَحَلِّ سعيه أولا وخرج بزيادتي الذَّكَرَ الْأُنْثَى وَالْخُنْثَى فَلَا يَعْدُوَانِ وَيُسَنُّ أَنْ يَقُولَ كُلٌّ مِنْهُمْ فِي سَعْيِهِ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَتَجَاوَزْ عَمَّا تَعْلَمْ إنَّك أنت الأعز الْأَكْرَمُ وَأَنْ يُوَالِيَ بَيْنَ مَرَّاتِ السَّعْيِ وَبَيْنَهُ وبين الطواف ولا يشترط فيه الطهر وَلَا سِتْرٌ وَيَجُوزُ فِعْلُهُ رَاكِبًا وَيُكْرَهُ لِلسَّاعِي أَنْ يَقِفَ فِي سَعْيِهِ لِحَدِيثٍ أَوْ غَيْرِهِ.

(1/169)


فصل:
سن للإمام أن يخطب بمكة سابع الحجة بعد ظهر أو جمعة يأمر فيها بالغدو إلى منى ويعلمهم المناسك ويخرج.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَصْلٌ: فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ مَعَ مَا يُذْكَرُ مَعَهُ.
" سُنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَخْطُبَ " وَلَوْ بِنَائِبِهِ " بِمَكَّةَ سَابِعَ " ذِي " الْحِجَّةِ " بِكَسْرِ الْحَاءِ أَفْصَحُ من فتحها المسمى يوم الزِّينَةِ لِتَزْيِينِهِمْ فِيهِ هَوَادِجَهُمْ " بَعْدَ " صَلَاةِ " ظُهْرٍ أَوْ جُمُعَةٍ " إنْ كَانَ يَوْمُهَا " خُطْبَةً " فَرْدَةً " يَأْمُرُ " هُمْ " فِيهَا بِالْغُدُوِّ " يَوْمَ الثَّامِنِ الْمُسَمَّى يوم التروية لِأَنَّهُمْ يَتَرَوَّوْنَ فِيهِ الْمَاءَ " إلَى مِنًى " وَيُسَمَّى التَّاسِعُ يَوْمَ عَرَفَةَ وَالْعَاشِرُ يَوْمَ النَّحْرِ وَالْحَادِيَ عشر يوم القر لِاسْتِقْرَارِهِمْ فِيهِ بِمِنًى وَالثَّانِي عَشَرَ يَوْمَ النَّفْرِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثَ عَشَرَ يَوْمَ النَّفْرِ الثَّانِي " وَيُعَلِّمُهُمْ " فيها " المناسك " إلى.

(1/170)


بهم من غد بعد صبح إلى منى ويبيتوا بها ويقصدوا عرفة إذا أشرقت الشمس على ثبير ويقيموا بقربها بنمرة إلى الزوال ثُمَّ يَذْهَبُ بِهِمْ إلَى مَسْجِدِ إبْرَاهِيمَ فَيَخْطُبُ خطبتين ثم يجمع بهم العصرين تقديما ويقفوا بعرفة ويكثروا الذكر والدعاء إلى الغروب ثم يَقْصِدُوا مُزْدَلِفَةَ وَيَجْمَعُوا بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ تَأْخِيرًا وواجب الوقوف حضوره وهو أهل للعبادة بعرفة بين زوال وفجر نحر ولو فارقها قبل غروب ولم يعد سن دم ولو وقفوا العاشر غلطا ولم يقلوا أجزأهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْخُطْبَةِ الْآتِيَة فِي مَسْجِدِ إبْرَاهِيمَ وَيَأْمُرُ فِيهَا أَيْضًا الْمُتَمَتِّعِينَ وَالْمَكِّيِّينَ بِطَوَافِ الْوَدَاعِ قَبْلَ خُرُوجِهِمْ وَبَعْدَ إحْرَامِهِمْ وَهَذَا الطَّوَافُ مَسْنُونٌ وَقَوْلِي أَوْ جُمُعَةً مِنْ زِيَادَتِي " وَ " أَنْ " يَخْرُجَ بِهِمْ مِنْ غَدٍ " بِقَيْدٍ زِدْته بِقَوْلِي " بَعْدَ صُبْحٍ " أَيْ صَلَاتِهِ نَعَمْ إنْ كَانَ يَوْمَ جُمُعَةٍ خرج بهم قبل الفجر إنْ لَزِمَتْهُمْ الْجُمُعَةُ وَلَمْ يُمْكِنْهُمْ إقَامَتُهَا بِمِنًى كَمَا عُرِفَ فِي بَابِهَا " إلَى مِنًى " فَيُصَلُّونَ بِهَا الظُّهْرَ وَمَا بَعْدَهَا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ: " وَ " أَنْ " يَبِيتُوا بِهَا وَ " أَنْ " يَقْصِدُوا عرفة إذا أشرقت " هُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ طَلَعَتْ " الشَّمْسُ " بِقَيْدٍ زِدْته بِقَوْلِي " عَلَى ثَبِيرَ " وَهُوَ جَبَلٌ كَبِيرٌ بِمُزْدَلِفَةَ عَلَى يَمِينِ الذَّاهِبِ إلَى عَرَفَةَ مَارِّينَ بِطَرِيقِ ضَبٍّ وَهُوَ مِنْ مُزْدَلِفَةَ " وَ " أَنْ " يُقِيمُوا بِقُرْبِهَا بِنَمِرَةَ إلَى الزَّوَالِ " وَقَوْلِي " ثُمَّ يَذْهَبُ بِهِمْ إلَى مَسْجِدِ إبْرَاهِيمَ " صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم من زيادتي وصدره من عرفة وَآخِرُهُ مِنْ عَرَفَةَ وَيُمَيِّزُ بَيْنَهُمَا صَخَرَاتٌ كِبَارٌ فُرِشَتْ هُنَاكَ " فَيَخْطُبُ " بِهِمْ فِيهِ " خُطْبَتَيْنِ " يُبَيِّنُ لَهُمْ فِي أُولَاهُمَا مَا أَمَامَهُمْ مِنْ الْمَنَاسِكِ إلَى خُطْبَةِ يَوْمِ النَّحْرِ وَيُحَرِّضُهُمْ عَلَى إكْثَارِ الدُّعَاءِ وَالتَّهْلِيلِ فِي الْمَوَاقِفِ وَيُخَفِّفُهَا وَيَجْلِسُ بَعْدَ فَرَاغِهَا بِقَدْرِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ ثُمَّ يَقُومُ إلَى الثَّانِيَةِ وَيَأْخُذُ الْمُؤَذِّنُ فِي الْأَذَانِ وَيُخَفِّفُهَا بِحَيْثُ يفرغ منها مع فراغ المؤذن مِنْ الْأَذَانِ " ثُمَّ يَجْمَعُ بِهِمْ " بَعْدَ الْخُطْبَتَيْنِ " الْعَصْرَيْنِ تَقْدِيمًا " لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ جَمْعُ تَقْدِيمٍ مِنْ زِيَادَتِي وَالْجَمْعُ لِلسَّفَرِ لَا لِلنُّسُكِ وَيَقْصُرُهُمَا أَيْضًا الْمُسَافِرُ بِخِلَافِ الْمَكِّيِّ.
" وَ " أَنْ " يَقِفُوا بِعَرَفَةَ " إلَى الْغُرُوبِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مسلم قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَبَيْنَ هَذَا الْمَسْجِدِ وَمَوْقِفِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّخَرَاتِ نَحْوُ مِيلٍ " وَ " أَنْ " يُكْثِرُوا الذِّكْرَ " مِنْ تَهْلِيلٍ أو غيره " وَالدُّعَاءَ إلَى الْغُرُوبِ " رَوَى التِّرْمِذِيُّ خَبَرَ أَفْضَلُ الدعاء دعاء يَوْمَ عَرَفَةَ وَأَفْضَلُ مَا قُلْت أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَزَادَ الْبَيْهَقِيُّ اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا وَفِي سَمْعِي نُورًا وَفِي بَصَرِي نُورًا اللَّهُمَّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَذَكَرَ الْإِكْثَارَ فِي الدُّعَاءِ وَالذِّكْرُ غَيْرُ التَّهْلِيلِ مِنْ زِيَادَتِي " ثُمَّ " بعد الغروب " يقصدوا مزدلفة ويجمع بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ تَأْخِيرًا " لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ نَعَمْ إنْ خَشِيَ فَوْتَ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ لِلْعِشَاءِ جَمَعَ بِهِمْ فِي الطَّرِيقِ وَالْجَمْعُ لِلسَّفَرِ لَا لِلنُّسُكِ كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ وَيَذْهَبُونَ بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ فَمَنْ وَجَدَ فُرْجَةً أَسْرَعَ " وَوَاجِبُ الْوُقُوفِ " بِعَرَفَةَ " حُضُورُهُ " أَيْ الْمُحْرِمِ " وَهُوَ أَهْلٌ لِلْعِبَادَةِ " وَلَوْ نَائِمًا أَوْ مَارًّا فِي طَلَبِ آبِقٍ أَوْ نحوه " بعرفة " أي بجزء منها " بَيْنَ زَوَالٍ وَفَجْرٍ " يَوْمَ " نَحْرٍ " لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي خَبَرِهِ وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ وَلِخَبَرِ الْحَجُّ عَرَفَةَ مَنْ جَاءَ لَيْلَةَ جَمْعٍ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَلَيْلَةُ جَمْعٍ هِيَ لَيْلَةُ الْمُزْدَلِفَةِ وَخَرَجَ بِالْأَهْلِ غَيْرُهُ كَمُغْمًى عَلَيْهِ وَسَكْرَانَ وَمَجْنُونٍ فَلَا يُجْزِئُهُمْ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا أَهْلًا لِلْعِبَادَةِ لَكِنْ يَقَعُ حَجُّهُمْ نَفْلًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخَانِ فِي الْمَجْنُونِ كَحَجِّ الصَّبِيِّ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُغْمَى عَلَيْهِ فَاتَهُ الْحَجُّ لِصِحَّةِ حَمْلِهِ عَلَى فَوَاتِ الْحَجِّ الْوَاجِبِ.
" وَلَوْ فَارَقَهَا " أَيْ عَرَفَةَ " قَبْلَ غُرُوبٍ وَلَمْ يَعُدْ " إلَيْهَا " سُنَّ " لَهُ " دَمٌ " خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ لَا إنْ عَادَ إلَيْهَا وَلَوْ لَيْلًا لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا يُسَنُّ لَهُ وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فِي الْمَوْقِفِ " وَلَوْ وَقَفُوا " الْيَوْمَ " الْعَاشِرَ غَلَطًا وَلَمْ يَقِلُّوا " عَلَى خِلَافِ العادة في الحج لِظَنِّهِمْ أَنَّهُ التَّاسِعُ بِأَنْ غُمَّ عَلَيْهِمْ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ فَأَكْمَلُوا ذَا الْقِعْدَةِ ثَلَاثِينَ ثُمَّ بان أن الهلال أهل ليلة الثلاثين " أَجْزَأَهُمْ " وُقُوفُهُمْ سَوَاءٌ أَبَانَ لَهُمْ ذَلِكَ فِي الْعَاشِرِ أَمْ بَعْدَهُ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِمْ إذْ لَوْ كُلِّفُوا بِهِ لَمْ يَأْمَنُوا وُقُوعَ مِثْلِ ذَلِكَ فِيهِ وَلِأَنَّ فِيهِ مَشَقَّةً عَامَّةً بِخِلَافِ مَا إذَا قَلُّوا وَلَيْسَ مِنْ الْغَلَطِ الْمُرَادِ لَهُمْ مَا إذَا وَقَعَ ذَلِكَ بِسَبَبِ حِسَابٍ كما ذكره.

(1/171)


فصل:
يجب مبيت لحظة بمزدلفة من نصف ثان فمن لم يكن بها فيه ولم يعد فيه لزمه دم وسن أن يأخذوا منها حصى رمي نحر ويقدم نساء وضعفه بعد نصف إلى منى ويبقى غيرها حتى يصلوا الصبح بغلس ثم يقصدوا منى فإذا بلغوا المشعر الحرام استقبلوه ووقفوا وهو أفضل وذكروا ودعوا إلى إسفار ثم يسيروا ويدخلوا منى بعد طلوع شمس.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الرَّافِعِيُّ وَخَرَجَ بِالْعَاشِرِ مَا لَوْ وَقَفُوا الْحَادِيَ عَشَرَ أَوْ الثَّامِنَ غَلَطًا فَلَا يُجْزِيهِمْ لِنُدْرَةِ الْغَلَطِ فِيهِمَا وَلِأَنَّ تَأْخِيرَ الْعِبَادَةِ عَنْ وَقْتِهَا أَقْرَبُ إلَى الِاحْتِسَابِ مِنْ تَقْدِيمِهَا عَلَيْهِ فِي الثَّانِي.
فَصْلٌ: فِي الْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ وَالدَّفْعِ مِنْهَا وَفِيمَا يُذْكَرُ مَعَهُمَا.
" يَجِبُ " بَعْدَ الدَّفْعِ مِنْ عَرَفَةَ " مَبِيتٌ " أَيْ مُكْثٌ " لَحْظَةٍ " وَلَوْ بِلَا نَوْمٍ " بِمُزْدَلِفَةَ " لِلِاتِّبَاعِ الْمَعْلُومِ مِنْ الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ وَالتَّصْرِيحُ بِالْوُجُوبِ وَبِالِاكْتِفَاءِ بِلَحْظَةٍ مِنْ زِيَادَتِي فَالْمُعْتَبَرُ الْحُصُولُ فِيهَا لَحْظَةً " مِنْ نِصْفٍ ثَانٍ " مِنْ الليل لَا لِكَوْنِهِ يُسَمَّى مَبِيتًا إذْ الْأَمْرُ بِالْمَبِيتِ لَمْ يَرِدْ هُنَا بَلْ لِأَنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَهَا حَتَّى يَمْضِيَ نَحْوُ رُبُعِ اللَّيْلِ وَيَجُوزُ الدَّفْعُ مِنْهَا بَعْدَ نِصْفِهِ وَبَقِيَّةُ الْمَنَاسِكِ كَثِيرَةٌ شَاقَّةٌ فَسُومِحَ فِي التَّخْفِيفِ لِأَجْلِهَا.
" فَمَنْ لَمْ يَكُنْ بِهَا فِيهِ " أَيْ فِي النِّصْفِ الثَّانِي بِأَنْ لَمْ يَبِتْ بِهَا أَوْ بَاتَ لَكِنْ نَفَرَ قَبْلَهُ أَيْ النِّصْفِ " وَلَمْ يَعُدْ " إلَيْهَا " فِيهِ لَزِمَهُ دَمٌ " كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَصَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ الْأَصْلِ عَدَمَ لُزُومِهِ نَعَمْ إنْ تركه كَأَنْ خَافَ أَوْ انْتَهَى إلَى عَرَفَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ وَاشْتَغَلَ بِالْوُقُوفِ عَنْ الْمَبِيتِ أَوْ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ إلَى مَكَّةَ وَطَافَ لِلرُّكْنِ فَفَاتَهُ المبيت لم يلزمه شيء " وَسُنَّ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْهَا حَصَى رَمْيٍ " يَوْمَ " نَحْرٍ " قَالَ الْجُمْهُورُ لَيْلًا وَقَالَ الْبَغَوِيّ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ غَدَاةَ يَوْمِ النحر التقط لي حصى قال فلقطت له حصيات مثل حصى الخذف والتصريح بسن أَخْذُهَا مَعَ التَّقْيِيدِ بِرَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ مِنْ زِيَادَتِي فَالْمَأْخُوذُ سَبْعُ حَصَيَاتٍ لَا سَبْعُونَ.
" وَ " أَنْ " يُقَدَّمَ نِسَاءٌ وَضَعَفَةٌ بَعْدَ نِصْفٍ " مِنْ اللَّيْلِ " إلَى مِنًى " لِيَرْمُوا قَبْلَ الزَّحْمَةِ وَلِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ سَوْدَةَ أَفَاضَتْ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ بِإِذْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَأْمُرْهَا بِالدَّمِ وَلَا النَّفَرَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهَا وَفِيهِمَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أَنَا مِمَّنْ قَدَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ فِي ضَعَفَةِ أَهْلِهِ " وَ " أَنْ " يَبْقَى غَيْرُهُمْ حَتَّى يُصَلُّوا الصُّبْحَ بِغَلَسٍ " بِهَا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَيَتَأَكَّدُ طَلَبُ التَّغْلِيسِ هُنَا عَلَى بَقِيَّةِ الْأَيَّامِ لخبر لشيخين: "وَلِيَتَّسِعَ الْوَقْتُ لِمَا بَيْنَ أَيْدِيهمْ مِنْ أَعْمَالِ يَوْمِ النَّحْرِ" " ثُمَّ يَقْصِدُوا مِنًى " وَشِعَارُهُمْ مَعَ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ النِّسَاءِ وَالضَّعَفَةِ التَّلْبِيَةُ قَالَ القفال مع التكبير.
" فَإِذَا بَلَغُوا الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ " وَهُوَ جَبَلٌ فِي آخِرِ مُزْدَلِفَةَ يُقَالُ لَهُ قُزَحٌ " اسْتَقْبَلُوا الْقِبْلَةَ لِأَنَّهَا أَشْرَفُ الْجِهَاتِ" وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِي " وَوَقَفُوا " عِنْدَهُ " وَهُوَ " أَيْ وُقُوفُهُمْ بِهِ " أَفْضَلُ " مِنْ وُقُوفِهِمْ بِغَيْرِهِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ وَمِنْ مُرُورِهِمْ بِهِ بِلَا وُقُوفٍ وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِي " وَذَكَرُوا " اللَّهَ تَعَالَى " وَدَعَوْا إلَى أَسْفَارٍ " لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَوْلِي وَذَكَرُوا مِنْ زِيَادَتِي كَأَنْ يَقُولُوا اللَّهُ أَكْبَرُ ثَلَاثًا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ " ثُمَّ يَسِيرُوا " بِسَكِينَةٍ فَإِذَا وَجَدُوا فُرْجَةً أَسْرَعُوا وَإِذَا بَلَغُوا وادي محسر أسرع.

(1/172)


فيرمي كل سبع حصيات إلى جمرة العقبة ويقطع التلبية عند ابتداء نحو رمي ويكبر مع كل رمية وحلق وعقبه ويذبح من معه هدي ويحلق أو يقصر والحلق أفضل للذكر والتقصير لغيره وأقله ثلاث شعرات من رأس وسن لمن لا شعر برأسه إمرار موس عليه ويدخل مكة ويطوف للركن فيسعى إن لم يكن سعى فيعود إلى منى وسن ترتيب أعمال نحر كما ذكر ويدخل وقتها لا الذبح بنصف ليلة نحر لمن وقف قبله وَيَبْقَى وَقْتُ الرَّمْيِ الِاخْتِيَارِيِّ إلَى آخِرِ يَوْمِهِ ولا آخر لوقت الحلق والطواف وسيأتي وقت الذبح وحل باثنين من رمي نحر وحلق وطواف غير نكاح ووطء ومقدماته وبالثالث الباقي.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْمَاشِي وَحَرَّكَ الرَّاكِبُ دَابَّتَهُ وَذَلِكَ قَدْرَ رَمْيَةِ حجر حتى يقطعوا عرض الوادي " ويدخلوا منى بعد طلوع شمس فَيَرْمِي كُلٌّ " مِنْهُمْ حِينَئِذٍ " سَبْعَ حَصَيَاتٍ إلَى جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ " لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ. " وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ ابْتِدَاءِ نَحْوِ رَمْيٍ " مِمَّا لَهُ دَخْلٌ فِي التَّحَلُّلِ لِأَخْذِهِ فِي أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ كَمَا أَنَّ الْمُعْتَمِرَ يَفْعَلُ ذَلِكَ عِنْدَ ابْتِدَاءِ طَوَافِهِ وَنَحْوُ مِنْ زِيَادَتِي " وَيُكَبِّرُ " بَدَلَ التَّلْبِيَةِ " مَعَ كُلِّ رَمْيَةٍ " لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَهَذَا الرَّمْيُ تحية مِنًى فَلَا يَبْدَأُ فِيهَا بِغَيْرِهِ وَيُبَادِرُ بِالرَّمْيِ كماأفادته إلغاء حَتَّى إنَّ السُّنَّةَ لِلرَّاكِبِ أَنْ لَا يَنْزِلَ للرمي والسنة للرامي إلى الجمرة أو يَسْتَقْبِلَهَا " وَ " مَعَ " حَلْقٍ وَعَقِبَهُ " لِفِعْلِ السَّلَفِ وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِي " وَيَذْبَحُ مَنْ مَعَهُ هَدْيٌ " تقربا " وَيَحْلِقُ " لِلْآيَةِ الْآتِيَةِ وَلِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ. " أَوْ يُقَصِّرُ " لِلْآيَةِ وَلِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْحَلْقِ " وَالْحَلْقُ أفضل للذكر وَالتَّقْصِيرُ " أَفْضَلُ " لِغَيْرِهِ " مِنْ أُنْثَى وَخُنْثَى قَالَ تعالى: {مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} 1 إذْ الْعَرَبُ تَبْدَأُ بِالْأَهَمِّ وَالْأَفْضَلِ وَرَوَى الشَّيْخَانِ خَبَرَ: " اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْمُحَلِّقِينَ" فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالْمُقَصِّرِينَ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْمُحَلِّقِينَ" قَالَ فِي الرَّابِعَةِ: "وَالْمُقَصِّرِينَ" وَرَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ حلق وإنما عَلَى النِّسَاءِ التَّقْصِيرُ وَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ جَمَاعَةٍ يُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ الْحَلْقُ وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى وَذِكْرُ حُكْمِهِ مِنْ زِيَادَتِي وَالْمُرَادُ مِنْ الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ إزَالَةُ الشَّعْرِ فِي وَقْتِهِ وَهِيَ نُسُكٌ لَا اسْتِبَاحَةُ مَحْظُورٍ كَمَا عُلِمَ مِنْ الْأَفْضَلِيَّةِ هُنَا وَمِنْ عَدِّهِ رُكْنًا فِيمَا يَأْتِي وَيَدُلُّ لَهُ الدُّعَاءُ لِفَاعِلِهِ بِالرَّحْمَةِ فِي الْخَبَرِ السَّابِقِ فَيُثَابُ عَلَيْهِ.
" تَنْبِيهٌ " يُسْتَثْنَى مِنْ أَفْضَلِيَّةِ الْحَلْقِ مَا لَوْ اعْتَمَرَ قَبْلَ الْحَجِّ فِي وَقْتٍ لَوْ حَلَقَ فيه جاء يوم النحر ولو لم يَسْوَدَّ رَأْسُهُ مِنْ الشَّعْرِ فَالتَّقْصِيرُ لَهُ أَفْضَلُ " وَأَقَلُّهُ " أَيْ كُلٍّ مِنْ الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ " ثَلَاثُ شعرات " أَيْ إزَالَتُهَا " مِنْ " شَعْرِ " رَأْسٍ " وَلَوْ مُسْتَرْسِلَةً عنه أو متفرقة لوجوب الفدية على المحرم بِإِزَالَتِهَا الْمُحَرَّمَةِ وَاكْتِفَاءً بِمُسَمَّى الْجَمْعِ الْمَأْخُوذِ مِنْ قوله تعالى: {مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ} 2 أَيْ شَعْرَهَا وَقَوْلِي مِنْ رَأْسٍ مِنْ زِيَادَتِي " وَسُنَّ لِمَنْ لَا شَعْرَ بِرَأْسِهِ إمْرَارُ مُوسًى عَلَيْهِ " تَشْبِيهًا بِالْحَالِقِينَ " وَيَدْخُلُ مَكَّةَ وَيَطُوفُ لِلرُّكْنِ " لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَكَمَا يُسَمَّى طَوَافَ الرُّكْنِ يسمى طواف الإفاضة وَطَوَافَ الزِّيَارَةِ وَطَوَافَ الْفَرْضِ وَطَوَافَ الصَّدَرِ بِفَتْحِ الدَّالِ " فَيَسْعَى إنْ لَمْ يَكُنْ سَعَى " بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ كَمَا مَرَّ وَسَيَأْتِي أَنَّ السَّعْيَ رُكْنٌ وَتَعْبِيرِي بِالْفَاءِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالْوَاوِ " فَيَعُودُ إلَى مِنًى " لِيَبِيتَ بِهَا.
" وَسُنَّ تَرْتِيبُ أَعْمَالِ " يَوْمِ " نَحْرٍ " بِلَيْلَتِهِ مِنْ رَمْيٍ وَذَبْحٍ وَحَلْقٍ أَوْ تَقْصِيرٍ وَطَوَافٍ " كَمَا ذَكَرَ " وَلَا يَجِبُ رَوَى مُسْلِمٌ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي حَلَقْت قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ, فَقَالَ: "ارْمِ وَلَا حَرَجَ" وَأَتَاهُ آخَرُ فَقَالَ: إنِّي أَفَضْت إلَى الْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ فَقَالَ: "ارْمِ وَلَا حَرَجَ" وَرَوَى الشَّيْخَانِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا سُئِلَ عَنْ شيء في ذلك اليوم قُدِّمَ وَلَا أُخِّرَ إلَّا قَالَ: "افْعَلْ وَلَا حَرَجَ" " وَيَدْخُلُ وَقْتُهَا لَا الذَّبْحُ " لِلْهَدْيِ تَقَرُّبًا " بِنِصْفِ لَيْلَةِ نَحْرٍ " بِقَيْدٍ زِدْته بِقَوْلِي " لِمَنْ وَقَفَ قَبْلَهُ " رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَ أُمَّ سَلَمَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ فَرَمَتْ قَبْلَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَفَاضَتْ وَقِيسَ بِذَلِكَ الْبَاقِي مِنْهَا " وَيَبْقَى وَقْتُ الرَّمْيِ الِاخْتِيَارِيِّ إلَى آخِرِ يَوْمِهِ " أَيْ النَّحْرِ رَوَى الْبُخَارِيُّ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم: إني رميت بعد ما أَمْسَيْت, قَالَ: "لَا حَرَجَ" وَالْمَسَاءُ مِنْ بَعْدِ الزَّوَالِ وَخَرَجَ بِزِيَادَتِي الِاخْتِيَارِيَّ وَقْتُ الْجَوَازِ فَيَمْتَدُّ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي وَقَدْ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ وَقْتَ الْفَضِيلَةِ لرمي يَوْمَ النَّحْرِ يَنْتَهِي بِالزَّوَالِ فَيَكُونُ لِرَمْيِهِ ثَلَاثَةُ أَوْقَاتٍ وَقْتُ فَضِيلَةٍ وَوَقْتُ اخْتِيَارٍ وَوَقْتُ جَوَازٍ " ولا آخر لوقت الحلق " أو التقصير.
__________
1 الفتح: 27.
2 الفتح: 27.

(1/173)


فصل:
يجب مبيت بمنى ليالي تشريق معظم ليل ورمي كل يوم بعد زوال إلى الجمرات فإن نفر في الثاني بعد رميه جاز وسقط مبيت الثالثة ورمى يومها وشرط للرمي ترتيب وكونه سبعا وبيد وبحجر وقصد المرمى وتحقق إصابته.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
" والطواف " المتبوع بالسعي إن لم يفعل لأن الأصل عدم التأقيت " وَسَيَأْتِي وَقْتُ الذَّبْحِ " لِلْهَدْيِ تَقَرُّبًا وَغَيْرُهُ فِي بَابِ مَا حَرُمَ بِالْإِحْرَامِ.
" وَحَلَّ بِاثْنَيْنِ مِنْ رَمْيٍ " يَوْمَ " نَحْرٍ وَحَلْقٍ " أَوْ تَقْصِيرٍ " وَطَوَافٍ " مَتْبُوعٍ بِسَعْيٍ إنْ لَمْ يَفْعَلْ مِنْ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ " غَيْرَ نِكَاحٍ وَوَطْءٍ وَمُقَدِّمَاتِهِ " مِنْ لُبْسٍ وَحَلْقٍ أَوْ تَقْصِيرٍ وَقَلْمٍ وَصَيْدٍ وَطِيبٍ وَدُهْنٍ وَسَتْرِ رَأْسِ الذَّكَرِ وَوَجْهِ غَيْرِهِ كَمَا سَيَأْتِي بِخِلَافِ الثَّلَاثَةِ لِخَبَرِ: "إذَا رَمَيْتُمْ الْجَمْرَةَ فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ" وَرُوِيَ إذَا رَمَيْتُمْ وَحَلَقْتُمْ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكِحُ فَتَعْبِيرِي بِذَلِكَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ وَحَلَّ بِهِ اللُّبْسُ وَالْحَلْقُ وَالْقَلْمُ وَكَذَا الصَّيْدُ " وَ " حَلَّ " بِالثَّالِثِ الْبَاقِي " مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ وَهُوَ الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ وَمَنْ فَاتَهُ الرَّمْيُ وَلَزِمَهُ بَدَلُهُ مِنْ دَمٍ أَوْ صَوْمٍ تَوَقَّفَ التَّحَلُّلُ عَلَى الْإِتْيَانِ بِبَدَلِهِ هَذَا فِي تَحَلُّلِ الْحَجِّ أما الْعُمْرَةُ فَلَهَا تَحَلُّلٌ وَاحِدٌ وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْحَجَّ يَطُولُ زَمَنُهُ وَتَكْثُرُ أَفْعَالُهُ بِخِلَافِ الْعُمْرَةِ فَأُبِيحَ بَعْضُ مُحَرَّمَاتِهِ فِي وَقْتٍ وَبَعْضُهَا فِي آخَرَ.
فَصْلٌ: فِي الْمَبِيتِ بِمِنًى لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ الثَّلَاثَةِ وَهِيَ الَّتِي عَقِبَ يَوْمِ العيد وَفِيمَا يُذْكَرُ مَعَهُ.
" يَجِبُ مَبِيتٌ بِمِنًى لَيَالِيَ " أَيَّامِ " تَشْرِيقٍ " لِلِاتِّبَاعِ الْمَعْلُومِ مِنْ الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ مَعَ خَبَرِ خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ " مُعْظَمَ لَيْلٍ " كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَبِيتُ بِمَكَانٍ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِمَبِيتِ مُعْظَمِ اللَّيْلِ وَإِنَّمَا اُكْتُفِيَ بِلَحْظَةٍ مِنْ نِصْفِهِ الثَّانِي بِمُزْدَلِفَةَ كَمَا مَرَّ لِمَا تَقَدَّمَ ثَمَّ وَالتَّصْرِيحُ بِمَبِيتِ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ وَبِالْوُجُوبِ مَعَ قَوْلِي مُعْظَمَ لَيْلٍ مِنْ زِيَادَتِي " وَ " يَجِبُ " رَمْيٌ كُلَّ يَوْمٍ " مِنْ أَيَّامِ التشريق " بعد الزوال إلَى الْجَمَرَاتِ " الثَّلَاثِ وَإِنْ كَانَ الرَّامِي فِيهَا وَالْأُولَى مِنْهَا تَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ وَهِيَ الْكُبْرَى وَالثَّانِيَةُ الْوُسْطَى وَالثَّالِثَةُ جَمْرَةُ الْعَقَبَةِ وَلَيْسَتْ مِنْ مِنًى بَلْ مِنًى تَنْتَهِي إلَيْهَا " فَإِنْ نَفَرَ " وَلَوْ انْفَصَلَ مِنْ مِنًى بَعْدَ الْغُرُوبِ أَوْ عاد لشغل " فِي " الْيَوْمِ " الثَّانِي بَعْدَ رَمْيِهِ " وَبَاتَ اللَّيْلَتَيْنِ قبله أو ترك مبيتها لِعُذْرٍ " جَازَ وَسَقَطَ مَبِيتُ " اللَّيْلَةِ " الثَّالِثَةِ وَرَمْيُ يَوْمِهَا " قَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} 1 وَيَخْطُبُ الْإِمَامُ بِمِنًى بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ خُطْبَةً يُعَلِّمُهُمْ فِيهَا رَمْيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وحكما لمبيت وَغَيْرَهُمَا وَثَانِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ خُطْبَةً يُعَلِّمُهُمْ فِيهَا جَوَازَ النَّفْرِ فِيهِ وَغَيْرَ ذَلِكَ وَيُوَدِّعُهُمْ.
" وَشَرْطٌ لِلرَّمْيِ " أَيْ لِصِحَّتِهِ " تَرْتِيبٌ " لِلْجَمَرَاتِ بِأَنْ يَرْمِيَ أَوَّلًا إلَى الْجَمْرَةِ الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ ثُمَّ إلَى الْوُسْطَى ثُمَّ إلَى جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ: " وَكَوْنُهُ سَبْعًا " مِنْ الْمَرَّاتِ لِذَلِكَ فَلَوْ رَمَى سَبْعَ حَصَيَاتٍ مَرَّةً وَاحِدَةً أَوْ حَصَاتَيْنِ كَذَلِكَ إحْدَاهُمَا بِيَمِينِهِ وَالْأُخْرَى بِيَسَارِهِ لَمْ يُحْسَبْ إلَّا وَاحِدَةٌ ولو رمى حصاة واحدة سبع مرات كفى وَلَا يَكْفِي وَضْعُ الْحَصَاةِ فِي الْمَرْمِيِّ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى رَمْيًا وَلِأَنَّهُ خِلَافُ الْوَارِدِ " وَ " كَوْنُهُ " بِيَدٍ " لِأَنَّهُ الْوَارِدُ وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِي فَلَا يَكْفِي الرَّمْيُ بِغَيْرِهَا كَقَوْسٍ وَرِجْلٍ " وَ " كَوْنُهُ " بِحَجَرٍ " لِذِكْرِ الْحَصَى فِي الْأَخْبَارِ وَهُوَ من الحجر فيجزي بِأَنْوَاعِهِ وَلَوْ مِمَّا يُتَّخَذُ مِنْهُ الْفُصُوصُ كَيَاقُوتٍ وَعَقِيقٍ وَبَلُّورٍ لَا غَيْرُهُ كَلُؤْلُؤٍ وَإِثْمِدٍ وَجِصٍّ وَجَوْهَرٍ مُنْطَبِعٍ كَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَحَدِيدٍ " وَقَصْدُ الْمَرْمِيِّ " مِنْ زِيَادَتِي فَلَوْ رَمَى إلَى غَيْرِهِ كَأَنْ رَمَى فِي الْهَوَاءِ فَسَقَطَ فِي الْمَرْمِيِّ لَمْ يُحْسَبْ " وَتَحَقُّقُ إصَابَتِهِ " بِالْحَجَرِ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ فيه كأن تدحرج وخرج منه فلو شك في إصابته لم يحسب.
__________
1 البقرة: 203.

(1/174)


وسن أن يرمي بقدر حصى الخذف ومن عجز أناب ولو ترك رميا تداركه في باقي تشريق أداء وإلا لزمه دم بثلاث رميات ويجب على غير نحو حائض طواف وداع بفراق مكة ويجبر تركه بدم فإن عاد قبل مسافة قصر وطاف فلا دم وإن مكث بعده لا لصلاة أقيمت أو شغل سفر أعاد وسن شرب ماء زمزم وَزِيَارَةُ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
" وَسُنَّ أَنْ يَرْمِيَ بِقَدْرِ حَصَى الْخَذْفِ " بِمُعْجَمَتَيْنِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ: "عَلَيْكُمْ بِحَصَى الْخَذْفِ" وَهُوَ دُونَ الْأُنْمُلَةِ طُولًا وَعَرْضًا بِقَدْرِ الْبَاقِلَّا " وَمَنْ عَجَزَ " عَنْ الرمي لعلة لا يرجى زوالها قَبْلَ فَوَاتِ وَقْتِ الرَّمْيِ " أَنَابَ " مَنْ يَرْمِي عَنْهُ وَلَا يَمْنَعُ زَوَالُهَا بَعْدَهُ مِنْ الِاعْتِدَادِ بِهِ وَلَا يَصِحُّ رَمْيُهُ عَنْهُ إلَّا بَعْدَ رَمْيِهِ عَنْ نَفْسِهِ وَإِلَّا وَقَعَ عَنْهَا وَظَاهِرٌ أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ اشْتِرَاطِ كَوْنِهِ سَبْعًا إلَى هُنَا يَأْتِي فِي رَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ " وَلَوْ تَرَكَ رَمْيًا " مِنْ رَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ أَوْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ وَإِذَا تَرَكَ رَمْيَ يَوْمٍ " تَدَارَكَهُ فِي بَاقِي تَشْرِيقٍ " أَيْ أَيَّامِهِ وَلَيَالِيِهِ فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِبَاقِي الْأَيَّامِ " أَدَاءً " بالنص فِي الرِّعَاءِ وَأَهْلِ السِّقَايَةِ وَبِالْقِيَاسِ فِي غَيْرِهِمْ وَقَوْلِي أَدَاءً مِنْ زِيَادَتِي وَإِنَّمَا وَقَعَ أَدَاءً لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ قَضَاءً لَمَا دَخَلَهُ التَّدَارُكُ كَالْوُقُوفِ بَعْدَ فَوْتِهِ وَيَجِبُ التَّرْتِيبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَمْيِ مَا بَعْدَهُ فَإِنْ خَالَفَ فِي رَمْيِ الْأَيَّامِ وَقَعَ عَنْ الْمَتْرُوكِ وَيَجُوزُ رَمْيُ الْمَتْرُوكِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَلَيْلًا كَمَا عُلِمَ فَقَوْلُ الْأَصْلِ أَوَّلَ الْفَصْلِ وَيَدْخُلُ رَمْيُ التَّشْرِيقِ بِزَوَالِ الشَّمْسِ وَيَخْرُجُ بِغُرُوبِهَا اقْتِصَارٌ عَلَى وَقْتِ الِاخْتِيَارِ " وَإِلَّا " أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَدَارَكْهُ " لَزِمَهُ دَمٌ بِ "تَرْكِ رَمْيِ " ثَلَاثِ رَمَيَاتٍ " فَأَكْثَرَ وَلَوْ فِي الأيام الأربعة لِأَنَّ الرَّمْيَ فِيهَا كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ وَإِنْ كَانَ رَمْيُ كُلِّ يَوْمٍ عِبَادَةً بِرَأْسِهَا وَفِي الرَّمْيَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ الْيَوْمِ الْأَخِيرِ مُدُّ طَعَامٍ وَفِي الْأَخِيرَتَيْنِ مِنْهُ مُدَّانِ وَفِي تَرْكِ مَبِيتِ لَيَالِي التَّشْرِيقِ كُلِّهَا دَمٌ وَاحِدٌ وَفِي لَيْلَةٍ مُدٌّ وَفِي لَيْلَتَيْنِ مُدَّانِ إنْ لَمْ يَنْفِرْ قَبْلَ الثالثة إلا وجب دم لِتَرْكِهِ جِنْسَ الْمَبِيتِ هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْمَعْذُورِينَ أَمَّا هُمْ كَأَهْلِ السِّقَايَةِ وَرِعَاءِ الْإِبِلِ أو غيرها فَلَهُمْ تَرْكُ الْمَبِيتِ لَيَالِيَ مِنًى بِلَا دَمٍ.
" ويجب على غير نحو حائض " كنفساء " طواف وداع " ويسمى بالصدر أيضا " بِفِرَاقِ مَكَّةَ " وَلَوْ مَكِّيًّا أَوْ غَيْرَ حَاجٍّ ومعتمر أو فارقها بسفر قَصِيرٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ لَا يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ أَيْ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَمَا ذَكَرْته مِنْ وُجُوبِ طَوَافِ الْوَدَاعِ عَلَى غَيْرِ الْحَاجِّ وَالْمُعْتَمِرِ هُوَ مَا رَجَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَنَاسِكِ وَالْمُعْتَمَدُ مَا بَيَّنْته فِي شَرْحِ الرَّوْضِ أَنَّهُ مِنْهَا فَلَا يَجِبُ على من ذكر وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا وَدَاعَ عَلَى مَنْ خَرَجَ لِغَيْرِ مَنْزِلِهِ بِقَصْدِ الرُّجُوعِ وَكَانَ سَفَرُهُ قَصِيرًا لكن خَرَجَ لِلْعُمْرَةِ وَلَا عَلَى مُحْرِمٍ خَرَجَ إلَى مِنًى وَأَنَّ الْحَاجَّ إذَا أَرَادَ الِانْصِرَافَ مِنْ منى فعليه الوداع كما في المجموع أَمَّا نَحْوُ الْحَائِضِ فَلَا طَوَافَ عَلَيْهَا لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ عَنْ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ إلَّا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنْ الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ وَقِيسَ بِهَا النُّفَسَاءُ فَلَوْ طَهُرَتْ قَبْلَ مُفَارَقَةِ مَكَّةَ لَزِمَهَا الْعَوْدُ وَالطَّوَافُ أَوْ بَعْدَهَا فَلَا وَنَحْوُ مِنْ زِيَادَتِي " وَيُجْبَرُ تَرْكُهُ " مِمَّنْ وَجَبَ عَلَيْهِ " بِدَمٍ " لِتَرْكِهِ نُسُكًا وَاجِبًا وَاسْتَثْنَى مِنْهُ الْبُلْقِينِيُّ تَبَعًا لِلرُّويَانِيِّ الْمُتَحَيِّرَةَ.
" فَإِنْ عَادَ " بَعْدَ فِرَاقِهِ بِلَا طواف " قبل مسافة قصر وَطَافَ فَلَا دَمَ " عَلَيْهِ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ المقيم وكما لو جاوز الميقات غَيْرُ مُحْرِمٍ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ وَقَوْلِي وَطَافَ مِنْ زِيَادَتِي وَقَوْلِي فَلَا دَمَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ سَقَطَ الدَّمُ " وَإِنْ مَكَثَ بَعْدَهُ " أَيْ بَعْدَ الطَّوَافِ وَلَوْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا بِقَيْدٍ زِدْته بِقَوْلِي " لَا لِصَلَاةٍ أُقِيمَتْ أَوْ شُغْلِ سَفَرٍ " كَشِرَاءِ زَادٍ وَشَدِّ رَحْلٍ " أَعَادَ " الطَّوَافَ بِخِلَافِ مَا إذَا مَكَثَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ " وَسُنَّ شُرْبُ مَاءِ زَمْزَمَ " وَلَوْ لِغَيْرِ حَاجٍّ وَمُعْتَمِرٍ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَأَنْ يَتَضَلَّعَ مِنْهُ وأن يستقبل القبلة عند شربه " وَزِيَارَةُ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَلَوْ لِغَيْرِ حَاجٍّ وَمُعْتَمِرٍ وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُ الْأَصْلِ فِيهِ وَفِيمَا قَبْلَهُ خِلَافَهُ وَذَلِكَ لِخَبَرِ: "مَا بَيْنَ قَبْرِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجنة ومنبري عَلَى حَوْضِي" وَخَبَرِ "لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَمَسْجِدِي هَذَا" رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ وَسُنَّ لِمَنْ قَصَدَ الْمَدِينَةَ الشَّرِيفَةَ لِزِيَارَتِهِ أَنْ يُكْثِرَ فِي طَرِيقِهِ مِنْ الصَّلَاةَ وَالسَّلَامَ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا رَأَى حَرَمَ الْمَدِينَةِ وَأَشْجَارَهَا زَادَ في ذلك وسأل الله أَنْ يَنْفَعَهُ بِهَذِهِ الزِّيَارَةِ وَيَتَقَبَّلَهَا مِنْهُ وَيَغْتَسِلُ قَبْلَ دُخُولِهِ وَيَلْبَسُ أَنْظَفَ ثِيَابِهِ فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَصَدَ الرَّوْضَةِ وَهِيَ بَيْنَ قَبْرِهِ وَمِنْبَرِهِ كَمَا مَرَّ وَصَلَّى تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ بِجَانِبِ الْمِنْبَرِ وَشَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى بَعْدَ فَرَاغِهَا عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ ثُمَّ وَقَفَ مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ مُسْتَقْبِلَ رَأْسِ الْقَبْرِ الشَّرِيفِ وَيَبْعُدُ مِنْهُ نَحْوَ أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ نَاظِرًا لِأَسْفَلَ مَا يَسْتَقْبِلُهُ فَارِغَ الْقَلْبِ مِنْ علق الدنيا ويسلم بلا رفع صوت وَأَقَلُّهُ السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَتَأَخَّرُ صَوْبَ يَمِينِهِ قَدْرَ ذِرَاعٍ فَيُسَلِّمُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ ثُمَّ يَتَأَخَّرُ قَدْرَ ذراع فيسلم

(1/175)


فصل:
أركان الحج إحرام ووقوف وطواف وسعي وحلق أو تقصير وترتيب المعظم ولا تجبر وغير الوقوف أركان للعمرة ويؤديان بإفراد بأن يحج ثم يعتمر وبتمتع بأن يعكس وبقران بأن يحرم بهما أو بعمرة ثم يحج قَبْلَ شُرُوعٍ فِي طَوَافٍ ثُمَّ يَعْمَلَ عَمَلَهُ ويمتنع عكسه وأفضلها إفراد إن اعتمر عامه ثم تمتع وعلى المتمتع والقارن دم إن لم يكونا من.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى مَوْقِفِهِ الْأَوَّلِ قُبَالَةَ وَجْهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَتَوَسَّلُ بِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَيَسْتَشْفِعُ بِهِ إلَى رَبِّهِ ثُمَّ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَيَدْعُو بِمَا شَاءَ لِنَفْسِهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ وَإِذَا أَرَادَ السَّفَرَ وَدَّعَ الْمَسْجِدَ بِرَكْعَتَيْنِ وَأَتَى الْقَبْرَ الشريف وأعاد نحو السلام الأول.
فَصْلٌ: فِي أَرْكَانِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَبَيَانِ أَوْجُهِ أدائهما مع ما يتعلق بذلك.
" أَرْكَانُ الْحَجِّ " سِتَّةٌ " إحْرَامٌ " بِهِ أَيْ نِيَّةُ الدُّخُولِ فِيهِ لِخَبَرِ: "إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ" " وَوُقُوفٌ " بِعَرَفَةَ لِخَبَرِ: " الْحَجُّ عَرَفَةَ" " وَطَوَافٌ " لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} 1 " وَسَعْيٌ " لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فِي الْمَسْعَى وَقَالَ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اسْعَوْا فَإِنَّ السَّعْيَ قَدْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ" " وَحَلْقٌ أَوْ تَقْصِيرٌ " لِتَوَقُّفِ التَّحَلُّلِ عَلَيْهِ مَعَ عَدَمِ جَبْرِهِ بِدَمٍ كَالطَّوَافِ وَالْمُرَادُ إزَالَةُ الشَّعْرِ كَمَا مَرَّ "وَتَرْتِيبُ الْمُعَظَّمِ" بِأَنْ يُقَدِّمَ الْإِحْرَامَ عَلَى الْجَمِيعِ وَالْوُقُوفَ عَلَى طَوَافِ الرُّكْنِ والحلق أو التقصير عَلَى السَّعْيِ إنْ لَمْ يَفْعَلْ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ وَدَلِيلُهُ الِاتِّبَاعُ مَعَ خَبَرِ خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ وَقَدْ عَدَّهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا رُكْنًا وَفِي الْمَجْمُوعِ شَرْطًا وَالْأَوَّلُ أَنْسَبُ بِمَا فِي الصلاة وقولي أَوْ تَقْصِيرٌ إلَى آخِرِهِ مِنْ زِيَادَتِي " وَلَا تُجْبَرُ " أَيْ الْأَرْكَانُ أَيْ لَا دَخْلَ لِلْجَبْرِ فِيهَا وَتَقَدَّمَ مَا يُجْبَرُ بِدَمٍ وَيُسَمَّى بَعْضًا وغيرها يُسَمَّى هَيْئَةً " وَغَيْرُ الْوُقُوفِ " مِنْ السِّتَّةِ " أَرْكَانُ للعمرة " لِشُمُولِ الْأَدِلَّةِ لَهَا وَظَاهِرٌ أَنَّ الْحَلْقَ أَوْ التقصير يجب تأخيره فالترتيب فيها مطلق.
" ويؤديان " أَيْ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا مَعًا أَوْ يَبْدَأَ بِحَجٍّ أَوْ بِعُمْرَةٍ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ أَحَدُهَا أَنْ يُؤَدَّيَا " بِإِفْرَادٍ بِأَنْ يَحُجَّ ثُمَّ يَعْتَمِرَ " بِأَنْ يُحْرِمَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْحَجِّ بِالْعُمْرَةِ وَيَأْتِيَ بِعَمَلِهَا " وَ " ثَانِيهَا " بِتَمَتُّعٍ بِأَنْ يَعْكِسَ " بِأَنْ يَعْتَمِرَ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ مِيقَاتِ بَلَدِهِ ثُمَّ يَحُجَّ سَوَاءٌ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ أَمْ مِنْ مِيقَاتٍ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْهُ أَمْ من مثل مسافته أو مِنْ مِيقَاتٍ أَقْرَبَ مِنْهُ وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُ الْأَصْلِ اشْتِرَاطَ كَوْنِهِ مِنْ مَكَّةَ أَوْ مِنْ مِيقَاتِ عُمْرَتِهِ وَكَوْنُ الْعُمْرَةِ مِنْ مِيقَاتِ بَلَدِهِ وسمي الْآتِي بِذَلِكَ مُتَمَتِّعًا لِتَمَتُّعِهِ بِمَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ أَوْ لِتَمَتُّعِهِ بِسُقُوطِ الْعَوْدِ لِلْمِيقَاتِ عَنْهُ " و " ثالثها " بقران بأن بحرم بِهِمَا " مَعًا فِي أَشْهُرِ حَجٍّ " أَوْ بِعُمْرَةٍ " وَلَوْ قَبْلَ أَشْهُرِهِ " ثُمَّ يَحُجَّ " فِي أَشْهُرِهِ " قَبْلَ شُرُوعٍ فِي طَوَافٍ ثُمَّ يَعْمَلَ عَمَلَهُ " أَيْ الْحَجِّ فِيهِمَا فَيَحْصُلَانِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِخَبَرِ عَائِشَةَ السَّابِقِ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِمَا رَوَى مُسْلِمٌ أَنَّ عَائِشَةَ أَحْرَمَتْ بِعُمْرَةٍ فَدَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَهَا تَبْكِي فَقَالَ: " مَا شَأْنُك" قَالَتْ حِضْت وَقَدْ حَلَّ النَّاسُ وَلَمْ أَحْلُلْ وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَهِلِّي بِالْحَجِّ" فَفَعَلَتْ وَوَقَفَتْ الْمَوَاقِفَ حَتَّى إذَا طَهُرَتْ طَافَتْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قَدْ حللت من حجك وَعُمْرَتِك جَمِيعًا" وَخَرَجَ بِزِيَادَتِي قَبْلَ الشُّرُوعِ مَا إذَا شَرَعَ فِي الطَّوَافِ فَلَا يَصِحُّ إحْرَامُهُ بِالْحَجِّ لِاتِّصَالِ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ بِمَقْصُودِهِ وَهُوَ أَعْظَمُ أَفْعَالِهَا فَيَقَعُ عَنْهَا وَلَا يَنْصَرِفُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى غَيْرِهَا وَتَقْيِيدُ الْأَصْلِ الْإِحْرَامَ بِهِمَا بِكَوْنِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَالْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ بِكَوْنِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ اقْتِصَارٌ عَلَى الْأَفْضَلِ.
" وَيَمْتَنِعُ عَكْسُهُ " بِأَنْ يحرم بحج وَلَوْ فِي أَشْهُرِهِ ثُمَّ بِعُمْرَةٍ قَبْلَ طَوَافٍ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَفِيدُ بِهِ شَيْئًا بِخِلَافِ إدْخَالِ الحج على.
__________
1 الحج: 29.

(1/176)


حاضري الحرم وهم من دون مرحلتين منه واعتمر المتمتع في أشهر حج عامه ولم يعد لإحرام الحج إلى ميقات ووقت وجوب الدم عليه إحرامه بالحج والأفضل ذبحه يوم نحر فإن عجز بحرم صام قبل نحر ثلاثة أيام تسن قبل عرفة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
العمرة فإنه يستفيد به الوقوف والرمي والمبيت "وَأَفْضَلُهَا" أَيْ هَذِهِ الْأَوْجُهِ " إفْرَادٌ " بِقَيْدٍ زِدْته بِقَوْلِي " إنْ اعْتَمَرَ عَامَهُ " فَلَوْ أُخِّرَتْ عَنْهُ الْعُمْرَةُ كَانَ الْإِفْرَادُ مَفْضُولًا لِأَنَّ تَأْخِيرَهَا عَنْهُ مكروه " ثم تمتع " أفضل من القرآن في أفضلية ما ذكر منشأ الْخِلَافِ اخْتِلَافُ الرُّوَاةِ فِي إحْرَامِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَى الشَّيْخَانِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفرد الحج ورويا أَنَّهُ أَحْرَمَ مُتَمَتِّعًا وَرَجَحَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ رُوَاتَهُ أَكْثَرُ وَبِأَنَّ جَابِرًا مِنْهُمْ أَقْدَمُ صُحْبَةً وَأَشَدُّ عِنَايَةً بِضَبْطِ الْمَنَاسِكِ وَبِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَارَهُ أَوَّلًا كَمَا بَيَّنْته مَعَ فَوَائِدَ في شرح الروض وَأَمَّا تَرْجِيحُ التَّمَتُّعِ عَلَى الْقِرَانِ فَلِأَنَّ أَفْعَالَ النُّسُكَيْنِ فِيهِ أَكْمَلُ مِنْهَا فِي الْقِرَانِ.
" وَعَلَى " كل من " المتمتع والقارن دم " قال تَعَالَى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} 1 وَرَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَبَحَ عَنْ نِسَائِهِ الْبَقَرَ يَوْمَ النَّحْرِ قَالَتْ وَكُنَّ قَارِنَاتٍ " إنْ لَمْ يَكُونَا مِنْ حَاضِرِي الْحَرَمِ " لِقَوْلِهِ تعالى في المتمتع: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} 2 وَقِيسَ بِهِ الْقَارِنُ فَلَا دَمَ عَلَى حَاضِرِيهِ "وَهُمْ مِنْ" مَسَاكِنِهِمْ " دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ مِنْهُ " أَيْ مِنْ الْحَرَمِ لِقُرْبِهِمْ مِنْهُ وَالْقَرِيبُ مِنْ الشَّيْءِ يُقَالُ إنَّهُ حَاضِرُهُ قَالَ تَعَالَى: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ} 3 أَيْ قَرِيبَةً مِنْهُ وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يَرْبَحُوا مِيقَاتًا كَمَا أَوْضَحْته فِي شَرْحِ الروض فَمَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ مِنْ الْآفَاقِيِّينَ وَلَوْ غَيْرَ مُرِيدٍ نُسُكًا ثُمَّ بَدَا لَهُ فَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ لِعَدَمِ الِاسْتِيطَانِ وَقَوْلُ الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي دُونِ المرحلتين من جاوز الميقات مريد النسك ثُمَّ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ لَا يَلْزَمُهُ دَمُ التَّمَتُّعِ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ اسْتَوْطَنَ وَلَا يَضُرُّ التَّقْيِيدُ بِالْمُرِيدِ لِأَنَّ غَيْرَهُ مَفْهُومٌ بِالْمُوَافَقَةِ وَمِنْ إطْلَاقِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عَلَى جَمِيعِ الْحَرَمِ كَمَا هُنَا قَوْله تَعَالَى: {فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} 4 وعبر في المحرر بدل الحرم بمكة قال الأسنوي والفتوى قرب دُخُولِ مَكَّةَ أَوْ عَقِبَ دُخُولِهَا لَزِمَهُ دَمُ التمتع لأنه ليس من الحاضرين عَلَى مَا فِيهِ فَقَدْ نَقَلَهُ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ عَنْ نَصِّ الْإِمْلَاءِ ثُمَّ قَالَ وَأَيَّدَهُ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّ اعْتِبَارَ ذَلِكَ مِنْ الْحَرَمِ يُؤَدِّي إلَى إدْخَالِ الْبَعِيدِ عَنْ مَكَّةَ وَإِخْرَاجُ الْقَرِيبِ لِاخْتِلَافِ الْمَوَاقِيتِ وَعَطَفْت عَلَى مَدْخُولِ إنْ قَوْلِي " وَاعْتَمَرَ الْمُتَمَتِّعُ فِي أَشْهُرِ حَجِّ عَامِهِ " فَلَوْ وَقَعَتْ الْعُمْرَةُ قَبْلَ أَشْهُرِهِ أَوْ فِيهَا وَالْحَجُّ فِي عَامَ قَابِلٍ فَلَا دَمَ وَكَذَا لَوْ أَحْرَمَ بِهَا فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ وَأَتَى بِجَمِيعِ أَفْعَالِهَا فِي أَشْهُرِهِ ثُمَّ حَجَّ " وَلَمْ يَعُدْ لِإِحْرَامِ الْحَجِّ إلَى مِيقَاتٍ " وَلَوْ أَقْرَبَ لِمَكَّةَ مِنْ مِيقَاتِ عُمْرَتِهِ أَوْ إلَى مِثْلِ مَسَافَةِ مِيقَاتِهَا فَلَوْ عَادَ إلَيْهِ وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَلَا دم لِانْتِفَاءِ تَمَتُّعِهِ وَتَرَفُّهِهِ وَكَذَا لَوْ أَحْرَمَ بِهِ مِنْ مَكَّةَ أَوْ دَخَلَهَا الْقَارِنُ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ ثُمَّ عَادَ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَى مِيقَاتِ.
" وَوَقْتِ وُجُوبِ الدَّمِ عَلَيْهِ " أَيْ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ " إحْرَامُهُ بِالْحَجِّ " لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ مُتَمَتِّعًا بِالْعُمْرَةِ إلى الحج ووقت جواز بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعُمْرَةِ وَقَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَلَا يَتَأَقَّتُ ذَبْحُهُ كَسَائِرِ دِمَاءِ الْجُبْرَانَاتِ بِوَقْتٍ " و " لكن " الأفضل ذبحه يوم
__________
1 البقرة: 196.
2 البقرة: 196.
3 لأعراف: 163.
4 التوبة: 28.

(1/177)


وسبعة في وطنه ولو فاته الثلاثة لَزِمَهُ أَنْ يُفَرِّقَ فِي قَضَائِهَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ السبعة بقدر تفريق الأداء وسن تتابع كل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
نَحْرٍ " لِلِاتِّبَاعِ وَخُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ فِيهِ " فَإِنْ عَجَزَ " عَنْهُ حِسًّا أَوْ شَرْعًا " بحرم صَامَ " بَدَلَهُ وُجُوبًا " قَبْلَ " يَوْمِ " نَحْرٍ " مِنْ زيادتي " ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ تُسَنُّ قَبْلَ " يَوْمِ " عَرَفَةَ " لِأَنَّهُ يُسَنُّ لِلْحَاجِّ فِطْرُهُ وَلَا يَجُوزُ صَوْمُ شَيْءٍ منها يَوْمِ النَّحْرِ وَلَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ كَمَا مَرَّ ذَلِكَ فِي بَابِهِ وَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا على الإحرام بالحج لأنها عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ فَلَا تُقَدَّمُ عَلَى وَقْتِهَا " وَسَبْعَةً في وطنه " قال تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} 1 وَأَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ كَمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فَلَا يَجُوزُ صَوْمُهَا فِي الطَّرِيقِ فَإِنْ تَوَطَّنَ مَكَّةَ مَثَلًا وَلَوْ بَعْدَ فَرَاغِهِ من الْحَجَّ صَامَ بِهَا كَمَا شَمِلَهُ كَلَامِي دُونَ كلامه " ولو فاته الثلاثة " في الحج " لَزِمَهُ أَنْ يُفَرِّقَ فِي قَضَائِهَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ السَّبْعَةِ " بِقَيْدٍ زِدْته بِقَوْلِي " بِقَدْرِ تَفْرِيقِ الْأَدَاءِ " وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ مَعَ مُدَّةِ إمْكَانِ سَيْرِهِ إلى وطنه على العادة البالغة إنْ رَجَعَ إلَيْهِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَفْرِيقٌ وَاجِبٌ فِي الْأَدَاءِ يَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ وَهُوَ النُّسُكُ وَالرُّجُوعُ فلا يسقط بالفوت كرتيب أفعال الصلاة " وسن تَتَابُعِ كُلٍّ " مِنْ الثَّلَاثَةِ وَالسَّبْعَةِ أَدَاءً وَقَضَاءً مبادرة للعبادة.
__________
1 البقرة: 196.

(1/178)


باب ما حرم بالإحرام.
حرم به على رجل ستر بعض رأسه بما يعد ساترا ولبس محيط بخياطة أو نسج أو عقد في باقي بدنه ونحوه وعلى امرأة ستر بعض وجهها ولبس قفاز إلا لحاجة وعلى كل تطييب لبدنه أو ملبوسة بما تقصد رائحته ولا يكره.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بَابُ مَا حَرُمَ بِالْإِحْرَامِ.
الْأَصْلُ فِيهِ مَعَ مَا يَأْتِي أَخْبَارٌ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنْ الثِّيَابِ فَقَالَ لَا يَلْبَسُ الْقُمُصَ وَلَا الْعَمَائِمَ وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ وَلَا الْبَرَانِسَ وَلَا الْخِفَافَ إلَّا أَحَدٌ لَا يَجِدُ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ وَلَا يَلْبَسُ مِنْ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ أَوْ وَرْسٌ زَادَ الْبُخَارِيُّ وَلَا تَنْتَقِبُ الْمَرْأَةُ وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ وَكَخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لُبْسِ الْقَمِيصِ وَالْأَقْبِيَةِ وَالسَّرَاوِيلَاتِ وَالْخُفَّيْنِ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ النَّعْلَيْنِ.
" حَرُمَ بِهِ " أي بالإحرام " على رجل ستر بعض رأسه بما يعد ساترا " من مخيط أو غيره كَقَلَنْسُوَةٍ وَخِرْقَةٍ وَعِصَابَةٍ وَطِينٍ ثَخِينٍ بِخِلَافِ مَا لَا يُعَدُّ سَاتِرًا كَاسْتِظْلَالِهِ بِمَحْمِلٍ وَإِنْ مَسَّهُ وحمله قُفَّةٍ أَوْ عَدْلًا وَانْغِمَاسِهِ فِي مَاءٍ وَتَغْطِيَةِ رأسه بكفه أو كف غيره نعم إن قصد بمحل القفة ونحوها الستر حرم كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْفُورَانِيِّ وَغَيْرِهِ " وَلُبْسُ مُحِيطٍ " بِضَمِّ الْمِيمِ وَبِمُهْمَلَةٍ أَيْ لُبْسُهُ عَلَى مَا يُعْتَادُ فِيهِ وَلَوْ بِعُضْوٍ " بِخِيَاطَةٍ " كَقَمِيصٍ " أَوْ نَسْجٍ " كَزَرَدٍ " أَوْ عَقْدٍ " كَجُبَّةِ لَبَدٍ " فِي بَاقِي بَدَنِهِ وَنَحْوِهِ " كَلِحْيَتِهِ بِأَنْ جَعَلَهَا فِي خَرِيطَةٍ لِمَا مَرَّ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَخِيطِ الْمَذْكُورِ كَإِزَارٍ وَرِدَاءٍ وَيَجُوزُ أَنْ يَعْقِدَ إزَارَهُ وَيَشُدَّ خَيْطَهُ عَلَيْهِ لِيَثْبُتَ وَأَنْ يَجْعَلَهُ مِثْلَ الْحُجْزَةِ وَيُدْخِلَ فِيهَا التِّكَّةَ إحْكَامًا وَأَنْ يَغْرِزَ طَرَفَ رِدَائِهِ فِي طَرَفِ إزَارِهِ لَا خَلُّ رِدَائِهِ بنحو مسلة ولا ربط طرف بآخر بنحو وخيط وَلَا رَبْطُ شَرْجٍ بِعُرًى وَقَوْلِي وَنَحْوُهُ مِنْ زِيَادَتِي.
" وَ " حَرُمَ بِهِ " عَلَى امْرَأَةٍ " حُرَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا " سَتْرُ بَعْضِ وَجْهِهَا " بِمَا يُعَدُّ سَاتِرًا وَعَلَى الْحُرَّةِ أَنْ تَسْتُرَ مِنْهُ مَا لَا يَتَأَتَّى سَتْرُ جَمِيعِ رَأْسِهَا إلَّا بِهِ لَا يُقَالُ لِمَ لَا عَكْسُ ذَلِكَ بِأَنْ تَكْشِفَ مِنْ رَأْسِهَا مَا لَا يَتَأَتَّى كَشْفُ وَجْهِهَا إلَّا بِهِ لِأَنَّا نَقُولُ السَّتْرُ أَحْوَطُ مِنْ الْكَشْفِ " وَلُبْسُ قُفَّازٍ " وَهُوَ مَا يُعْمَلُ لليد ويخشى بقطن ويزر على الساعد لقيها الْبَرْدَ فَلَهَا لُبْسُ الْمَخِيطِ فِي الرَّأْسِ وَغَيْرِهِ وَأَنْ تَسْدُلَ عَلَى وَجْهِهَا ثَوْبًا مُتَجَافِيًا عَنْهُ بِخَشَبَةٍ أَوْ نَحْوِهَا فَإِنْ وَقَعَتْ فَأَصَابَ الثَّوْبُ وَجْهَهَا بِغَيْرِ اخْتِيَارِهَا وَرَفَعَتْهُ حَالًا فَلَا فِدْيَةَ أو عمدا أو استدامه وجبت وَلَيْسَ لِلْخُنْثَى سَتْرُ الْوَجْهِ مَعَ الرَّأْسِ أَوْ بِدُونِهِ وَلَا كَشْفُهُمَا فَلَوْ سَتَرَهُمَا لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ لِسَتْرِهِ مَا لَيْسَ لَهُ سَتْرُهُ لَا إنْ سَتَرَ الْوَجْهَ أَوْ كَشَفَهُمَا وَإِنْ أَثِمَ فِيهِمَا وَقَدْ بَسَطْت الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي شَرْحِ الروض وعلى الولي منع الصبي مِنْ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ وَإِذَا وَجَبَتْ فِدْيَةٌ فَهِيَ عَلَى الْوَلِيِّ نَعَمْ إنْ طَيَّبَهُ أَجْنَبِيٌّ فَعَلَيْهِ " إلَّا لِحَاجَةٍ " فَلَا يَحْرُمُ عَلَى مَنْ ذُكِرَ سَتْرٌ أَوْ لُبْسُ مَا مُنِعَ مِنْهُ لِعَدَمِ وِجْدَانِ غَيْرِهِ أَوْ لِمُدَاوَاةٍ أَوْ حَرٍّ أَوْ برد ونحوها.

(1/178)


غسله بنحو خطمي ودهن شعر رأسه أو لحيته وإزالة شعره أو ظفره إلا لعذر وفي شعرة أو ظفر مد واثنين مدان إن اختار دما وفي ثلاثة ولاء فدية ووطء ومقدماته بشهوة ويفسد به حج قبل التحللين وعمرة مفردة وتجب به بدنة على.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
نَعَمْ لَا يَلْبَسُ الْقَمِيصَ لِفَقْدِ الرِّدَاءِ بَلْ يَرْتَدِي بِهِ وَتَجِبُ بِمَا ذُكِرَ الْفِدْيَةُ كَمَا تَجِبُ بِهِ بِلَا حَاجَةٍ نَعَمْ لَا تَجِبُ فيما إذا لبس الرجل من المحيط لعدم وجدان غير سراويل لا يتأتى إلا تزار به أَوْ خُفَّيْنِ قَطْعًا مِنْ أَسْفَلِ الْكَعْبَيْنِ وَقَوْلِي إلَّا لِحَاجَةٍ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ إلَّا إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ فِي لُبْسِ غَيْرِ الْقُفَّازِ وَمِنْ زِيَادَتِي فِي لُبْسِهِ.
" وَ " حَرُمَ بِهِ " عَلَى كُلٍّ " مِنْ الرَّجُلِ وَغَيْرِهِ " تَطْيِيبٌ " مِنْهُ " لِبَدَنِهِ " وَلَوْ بَاطِنًا بِنَحْوِ أَكْلٍ " أَوْ مَلْبُوسِهِ " ولو نعلا وهو أعم من قوله أو ثوبه " بِمَا تُقْصَدُ رَائِحَتُهُ " الطَّيِّبَةُ وَلَوْ مَعَ غَيْرِهَا كمسك وعود وكافور لما مر أول الباب ففيه فدية وقولي بما إلى آخره مِنْ زِيَادَتِي وَخَرَجَ بِتَطْيِيبِهِ تَطْيِيبُ غَيْرِهِ لَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى دَفْعِهِ وَمَا لَوْ أَلْقَتْ عَلَيْهِ الرِّيحُ طِيبًا وَشَمُّ مَاءَ الْوَرْدِ وحمل الطيب في كيس مربوط وبما يعده مَا لَا تُقْصَدُ رَائِحَتُهُ وَإِنْ كَانَتْ طَيِّبَةً كقر نفل وَأُتْرُجٍّ وَشِيحٍ وَعُصْفُرٍ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَلَا فِدْيَةَ فِيهِ لَكِنْ تَلْزَمُهُ الْمُبَادَرَةُ إلَى إزَالَتِهِ فِي صُورَتَيْ تَطْيِيبِ غَيْرِهِ وَإِلْقَاءِ الرِّيحِ عِنْدَ زَوَالِ عُذْرِهِ فَإِنْ أَخَّرَ وجبت الفدية ويعتر مَعَ مَا ذُكِرَ عَقْلٌ إلَّا السَّكْرَانَ وَاخْتِيَارٌ وَعِلْمٌ بِالتَّحْرِيمِ وَالْإِحْرَامِ كَمَا تُعْتَبَرُ الثَّلَاثَةُ فِي سَائِرِ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ وَيُعْتَبَرُ مَعَ الْعِلْمِ بِالتَّحْرِيمِ وَالْإِحْرَامِ هُنَا الْعِلْمُ بِأَنَّ الْمَمْسُوسَ طِيبٌ يَعْلَقُ.
" وَلَا يُكْرَهُ غَسْلُهُ " أَيْ كُلٌّ مِنْ بَدَنِهِ أَوْ مَلْبُوسِهِ " بِنَحْوِ خِطْمِيٍّ " كَسِدْرٍ فَلَا يَحْرُمُ وإنما يسن تركه لأنه لإزالة الأوساخ لا للتزيين وَالتَّنْمِيَةِ وَنَحْوُ مِنْ زِيَادَتِي " وَ " حَرُمَ بِهِ عَلَى كُلٍّ " دَهْنُ شَعْرِ رَأْسِهِ أَوْ لِحْيَتِهِ " بدهن ولو غير مطيب كزيت وسمن ودهن لوز لما فيه من التزين لما في الخبر الْمُحْرِمُ أَشْعَثُ أَغْبَرُ أَيْ شَأْنُهُ الْمَأْمُورُ بِهِ ذَلِكَ فَفِي ذَلِكَ الْفِدْيَةُ وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ التَّحْرِيمُ فِي بَقِيَّةِ شُعُورِ الْوَجْهِ كَحَاجِبٍ وَشَارِبٍ وَعَنْفَقَةٍ وَخَرَجَ بِمَا ذُكِرَ سَائِرُ الْبَدَنِ وَرَأْسُ أَقْرَعَ وَأَصْلَعَ وَذَقَنُ أَمْرَدَ فَلَا يَحْرُمُ دَهْنُهَا بِمَا لَا طِيبَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِهِ تَزْيِينُهَا بِخِلَافِ الرَّأْسِ الْمَحْلُوقِ يَحْرُمُ دَهْنُهُ بِذَلِكَ لِتَأْثِيرِهِ فِي تَحْسِينِ شَعْرِهِ الَّذِي يَنْبُتُ بَعْدَهُ " وَ " حَرُمَ بِهِ عَلَى كُلٍّ " إزَالَةُ شَعْرِهِ " مِنْ رَأْسِهِ وَغَيْرِهِ " أَوْ ظُفُرِهِ " مِنْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} 1 وقيس بما في الآية الباقي بِجَامِعِ التَّرَفُّهِ وَالْمُرَادُ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسُ الصَّادِقُ بالواحدة فأكثر وببعضها إلا لعذر بكثيرة قَمْلٍ أَوْ بِتَدَاوٍ لِجِرَاحَةٍ أَوْ بِتَأَذٍّ كَأَنْ تَأَذَّى بِشَعْرٍ نَبَتَ بِعَيْنِهِ أَوْ غَطَّاهَا أَوْ بِكَسْرِ ظُفُرِهِ فَلَا تَحْرُمُ الْإِزَالَةُ بَلْ وَلَا تلزمه الفدية في التأذي بما ذكر كَمَا لَا تَلْزَمُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْمَجْنُونَ وَالصَّبِيَّ غَيْرَ الْمُمَيِّزِ.
وَفِي إزَالَةِ شَعْرَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ ظُفْرٍ وَاحِدٍ أَوْ بَعْضِ شَيْءٍ مِنْهُمَا مُدٌّ من طعام وفي اثْنَيْنِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا مُدَّانِ لِعُسْرِ تَبْعِيضِ الدم فعدل إلَى الطَّعَامِ لِأَنَّ الشَّرْعَ عَدَلَ الْحَيَوَانَ بِهِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ وَغَيْرِهِ وَالشَّعْرَةُ الْوَاحِدَةُ بَلْ بَعْضُهَا هِيَ النِّهَايَةُ فِي الْقِلَّةِ وَالْمُدُّ أَقَلُّ مَا وَجَبَ فِي الْكَفَّارَاتِ فَقُوبِلَتْ بِهِ وَذِكْرُ حُكْمِ الظُّفْرِ فِي هَذِهِ وَفِي الْعُذْرِ مِنْ زِيَادَتِي هَذَا " إنْ اخْتَارَ دَمًا " فَإِنْ اخْتَارَ الطَّعَامَ فَفِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاعٌ وَفِي اثْنَيْنِ صَاعَانِ أَوْ الصَّوْمُ فَفِي وَاحِدٍ صَوْمُ يَوْمٍ وَفِي اثْنَيْنِ صَوْمُ يَوْمَيْنِ وَالتَّقْيِيدُ بِهَذَا مِنْ زيادتي.
" وفي " إزَالَةِ " ثَلَاثَةٍ " فَأَكْثَرَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا وَلَوْ بعذر " ولاء " من زيادتي بأن يتحد المكان والزمان عُرْفًا " فِدْيَةٌ " أَمَّا فِي الْحَلْقِ بِعُذْرٍ فَلِآيَةِ: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ} 2 أي فحلق شعر رأسه: {فَفِدْيَةٌ} وأما بغيره فَبِالْأَوْلَى وَقِيسَ بِالْحَلْقِ غَيْرُهُ وَسَيَأْتِي أَنَّ هَذِهِ الْفِدْيَةَ مُخَيَّرَةٌ وَالشَّعْرَ يَصْدُقُ بِالثَّلَاثِ وَقِيسَ بِهَا الْأَظْفَارُ وَلَا يُعْتَبَرُ جَمِيعُهُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ حَلَقَ شَعْرَ رَأْسِهِ وَلَوْ مَعَ شَعْرِ بَاقِي بَدَنِهِ وَلَاءٌ لَزِمَهُ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُ يُعَدُّ فِعْلًا وَاحِدًا وَالْفِدْيَةُ عَلَى الْمَحْلُوقِ وَلَوْ بِلَا إذْنٍ منه إن أطاق الامتناع منه لِتَفْرِيطِهِ فِيمَا عَلَيْهِ حِفْظُهُ وَلِإِضَافَةِ الْفِعْلِ إلَيْهِ فِيمَا إذَا أَذِنَ لِلْحَالِقِ أَوْ سَكَتَ بِدَلِيلِ الْحِنْثِ بِهِ وَلِأَنَّهُمَا وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي الْحُرْمَةِ فِي هَذِهِ فَقَدْ انْفَرَدَ الْمَحْلُوقُ بِالتَّرَفُّهِ وَلَا يُشْكِلُ هَذَا بِقَوْلِهِمْ الْمُبَاشِرُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْآمِرِ لِأَنَّ ذَاكَ مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَعُدْ نَفْعُهُ عَلَى الْآمِرِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَادَ كَمَا لَوْ غَصَبَ شَاةً وَأَمَرَ قَصَّابًا بِذَبْحِهَا لَمْ يَضْمَنْهَا إلَّا الْغَاصِبُ.
" وَ " حَرُمَ بِهِ عَلَى كُلٍّ " وَطْءٌ " بِشُرُوطِهِ الَّتِي أَشَرْت إلَيْهَا فِيمَا مَرَّ قَالَ تَعَالَى: {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ
__________
1 البقرة: 196.
2 البقرة: 196.

(1/179)


الرجل ومضى في فاسدهما وإعادة فورا وتعرض لمأكول بري وحشي ومتولد منه ومن غيره كحلال يحرم فإن تلف ضمنه ففي نعامة بدنة وواحد من بقر وحش وحماره بقرة وظبي تيس وظبية عنز وغزال معز صغير وأرنب عناق.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فِي الْحَجِّ} 1 أي فَلَا تَرْفُثُوا وَلَا تَفْسُقُوا وَالرَّفَثُ مُفَسَّرٌ بِالْجِمَاعِ " وَمُقَدِّمَاتُهُ بِشَهْوَةٍ " كَمَا فِي الِاعْتِكَافِ وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِي وَعَلَيْهِ دَمٌ لَكِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ إنْ جامع عقبه لدخوله في بدنة الْجِمَاعِ وَكَالْمُقَدَّمَاتِ اسْتِمْنَاؤُهُ بِعُضْوِهِ كَيَدِهِ لَكِنْ إنَّمَا يلزمه الدم إن أنزل " وَيَفْسُدُ بِهِ " أَيْ بِالْوَطْءِ الْمَذْكُورِ مِنْ غَيْرِ الْخُنْثَى " حَجّ " لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي الْآيَةِ وَالْأَصْلُ فِي النَّهْيِ اقْتِضَاءُ الْفَسَادِ " قَبْلَ التَّحَلُّلَيْنِ " لَا بَيْنَهُمَا كَسَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ " وَ " تَفْسُدُ بِهِ " عُمْرَةُ " بِقَيْدٍ زِدْته بِقَوْلِي " مُفْرَدَةٌ " كَالْحَجِّ وَغَيْرُ الْمُفْرَدَةِ تابعة للحج صحة وفسادا " وتجب بِهِ " أَيْ بِالْوَطْءِ الْمُفْسِدِ " بَدَنَةٌ " بِصِفَةِ الْأُضْحِيَّةِ وَإِنْ كَانَ النُّسُكُ نَفْلًا " عَلَى الرَّجُلِ " رَوَى ذَلِكَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ جَمْعٍ مِنْ الصحابة ولا مخالف لهم والبدنة المرادة الواحدة مِنْ الْإِبِلِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى فَإِنْ عجز فبقرة فإن عجز فسبع شياه ثُمَّ يُقَوِّمُ الْبَدَنَةَ وَيَتَصَدَّقُ بِقِيمَتِهَا طَعَامًا ثُمَّ يَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا وَخَرَجَ بِزِيَادَتِي على الرجل والمرأة فلا شيء عليهما غير الإثم " و " يجب به " مضى فِي فَاسِدِهِمَا " أَيْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} 2 وَغَيْرُ النُّسُكِ مِنْ الْعِبَادَاتِ لَا يَتِمُّ فَاسِدُهُ للخروج منه بالفساد.
ويجب عَلَيْهِ " إعَادَةٌ فَوْرًا " وَإِنْ كَانَ نُسُكُهُ نَفْلًا لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ وَقْتُهُ مُوَسَّعًا تَضِيقُ عَلَيْهِ بِالشُّرُوعِ فِيهِ وَالنَّفَلُ مِنْ ذَلِكَ يَصِيرُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ فَرْضًا أَيْ وَاجِبُ الْإِتْمَامِ كَالْفَرْضِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ النَّفْلِ فَإِنْ كَانَ الْفَاسِدُ عُمْرَةً فَإِعَادَتُهَا فَوْرًا ظَاهِرٌ أَوْ حَجًّا فَيُتَصَوَّرُ فِي سَنَةِ الْفَسَادِ بِأَنْ يُحْصَرَ بَعْدَ الْجِمَاعِ أَوْ قَبْلَهُ وَيَتَعَذَّرُ الْمُضِيُّ فَيَتَحَلَّلُ ثُمَّ يَزُولُ الْحَصْرُ وَالْوَقْتُ بَاقٍ فَإِنْ لَمْ يُحْصَرْ أَعَادَ مِنْ قَابِلٍ وَعَبَّرَ الْأَصْلُ وَغَيْرُهُ هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي بِالْقَضَاءِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي وَقْتِهِ كَالصَّلَاةِ إذَا فَسَدَتْ وَأُعِيدَتْ فِي وَقْتِهَا وَتَقَعُ الْإِعَادَةُ عَنْ الْفَاسِدِ وَيَتَأَدَّى بِهَا مَا كَانَ يَتَأَدَّى بِالْأَدَاءِ لَوْلَا الْفَسَادُ مِنْ فَرْضِ الْإِسْلَامِ أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ أَفْسَدَهَا بِوَطْءٍ لَزِمَهُ بَدَنَةٌ أَيْضًا لَا إعَادَةٌ عَنْهَا بَلْ عَنْ الْأَصْلِ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يُحْرِمَ فِي الْإِعَادَةِ مِمَّا أَحْرَمَ مِنْهُ فِي الْأَدَاءِ مِنْ مِيقَاتٍ أَوْ قَبْلَهُ فَإِنْ كَانَ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ وَلَوْ غَيْرَ مُرِيدٍ لِلنُّسُكِ لَزِمَهُ فِي الْإِعَادَةِ الإحرام منه نعم إن كان سَلَكَ فِيهَا غَيْرَ طَرِيقِ الْأَدَاءِ أَحْرَمَ مِنْ قَدْرِ مَسَافَةِ الْإِحْرَامِ فِي الْأَدَاءِ إنْ لَمْ يَكُنْ جَاوَزَ فِيهِ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ وَإِلَّا أَحْرَمَ مِنْ قَدْرِ مَسَافَةِ الْمِيقَاتِ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُحْرِمَ فِي مِثْلِ الزَّمَنِ الَّذِي أَحْرَمَ فِيهِ بِالْأَدَاءِ.
" وَ " حَرُمَ بِهِ " تَعَرُّضٌ " وَلَوْ بِوَضْعِ يَدٍ بِشِرَاءٍ أَوْ وَدِيعَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا " لِ " كُلِّ صَيْدٍ " مَأْكُولٍ بَرِّيٍّ وَحْشِيٍّ " قَالَ تَعَالَى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً} 3 أَيْ أَخْذُهُ مُسْتَأْنَسًا كَانَ أَوْ لَا مَمْلُوكًا أَوْ لَا بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَأْكُولِ وَإِنْ كَانَ بَرِّيًّا وَحْشِيًّا فَلَا يَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لَهُ بَلْ مِنْهُ مَا فِيهِ أَذًى كَنِمْرٍ وَنَسْرٍ فَيُسَنُّ قتله ومنه ما فيه نفع وضرر كَفَهْدٍ وَصَقْرٍ فَلَا يُسَنُّ قَتْلُهُ لِنَفْعِهِ وَلَا يُكْرَهُ قَتْلُهُ لِضُرِّهِ وَمِنْهُ مَا لَا يَظْهَرُ فيه نفع ولا ضرر كَسَرَطَانٍ وَرَخَمَةٍ فَيُكْرَهُ قَتْلُهُ وَبِخِلَافِ الْبَحْرِيِّ وَإِنْ كان البحر فِي الْحَرَمِ وَهُوَ مَا لَا يَعِيشُ إلَّا فِي الْبَحْرِ وَمَا يَعِيشُ فِيهِ وَفِي الْبَرِّ كالبري وَبِخِلَافِ الْإِنْسِيِّ وَإِنْ تَوَحَّشَ لِأَنَّ الْأَصْلَ حِلُّهُ وَلَا مُعَارِضَ.
" وَ " لِكُلِّ " مُتَوَلِّدٍ مِنْهُ " أَيْ مِنْ الْمَأْكُولِ الْمَذْكُورِ " وَمِنْ غَيْرِهِ " احْتِيَاطًا وَيَصْدُقُ غَيْرُهُ عَقْلًا بِغَيْرِ الْمَأْكُولِ مِنْ بَحْرِيٍّ أَوْ بَرِّيٍّ وَحْشِيٍّ أَوْ إنْسِيٍّ وَبِالْمَأْكُولِ مِنْ بَحْرِيٍّ أَوْ إنْسِيٍّ كَمُتَوَلِّدٍ مِنْ ضَبُعٍ وَضِفْدَعٍ أَوْ ذِئْبٍ أَوْ حِمَارٍ إنْسِيٍّ وَكَمُتَوَلِّدٍ مِنْ ضَبُعٍ وَحُوتٍ أَوْ شَاةٍ بِخِلَافِ الْمُتَوَلِّدِ مِنْ حِمَارٍ وفرس أهليين ومن ذئب وشاة ونحو ذَلِكَ لَا يَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لَهُ " كَحَلَالٍ " وَلَوْ كَافِرًا تَعَرَّضَ لِذَلِكَ وَهُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا أَوْ الآلة كلا أَوْ بَعْضًا " بِحَرَمٍ " فَإِنَّهُ يَحْرُمُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ " إنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُعْضَدُ شَجَرُهُ وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ " وَقِيسَ بِمَكَّة بَاقِي الْحَرَمِ نَعَمْ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ فِيهِ التَّعَرُّضُ لِصَيْدٍ مَمْلُوكٍ لأنه صيد حل وتعبير بِالتَّعَرُّضِ لَهُ الشَّامِلِ لِلتَّعَرُّضِ لِجُزْئِهِ كَشَعْرِهِ وَبَيْضِهِ أي غير مذر ولو بإعانته غيره أعم من تعبيري باصطياده وأما الْمَذَرُ فَلَا يَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لَهُ وَلَا يُضْمَنُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْضَ نَعَامٍ.
" فَإِنْ تَلِفَ " مَا تَعَرَّضَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ " ضَمِنَهُ " بِمَا يَأْتِي قَالَ تَعَالَى: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً
__________
1 البقرة: 197.
2 البقرة: 196.
3 المائدة: 96.

(1/180)


ويربوع ووبر جفرة وحمام شاة وما لا نقل فيه يحكم بمثله عدلان كقيمة ما لا مثل له منه وحرم تعرض لنابت حرمي مما لنابت حرمي مما لا يستنبت ومن شجر ولا أخذه لبهائم ولدواء ولا أخذ إذخر ومؤذ ويضمن به ففي شجرة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} 1 وَقِيسَ بِالْمُحْرِمِ الْحَلَالُ الْمَذْكُورُ بِجَامِعِ حُرْمَةِ التَّعَرُّضِ وَتَعْبِيرِي بِالتَّلَفِ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالْإِتْلَافِ فَيَضْمَنُ كل من المحرم والحلال فِي غَيْرِ مَا اسْتَثْنَى فِيهِ مَا تَلِفَ فِي يَدِهِ وَلَوْ وَدِيعَةً كَالْغَاصِبِ لِحُرْمَةِ إمْسَاكِهِ وَلَوْ أَحْرَمَ مَنْ فِي مِلْكِهِ صَيْدٌ زَالَ ملكه عنه ولزمه إرساله وإن تحلل ولا يمكن المحرم من صَيْدَهُ وَيَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ وَمَا أَخَذَهُ مِنْ الصَّيْدِ بِشِرَاءٍ لَا يَمْلِكُهُ لِعَدَمِ صِحَّةِ شِرَائِهِ وَيَلْزَمُهُ رَدُّهُ إلَى مَالِكِهِ وَيُقَاسُ بِالْمُحْرِمِ الْحَلَالُ الْمَذْكُورُ فِي عَدَمِ مِلْكِهِ مَا يَصِيدُهُ ثُمَّ لَا فرق في الضمان بين العامل والخاطىء وَالْجَاهِلِ وَالنَّاسِي لِلْإِحْرَامِ وَالْمُتَعَمِّدُ فِي الْآيَةِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ نَعَمْ لَوْ صال عليه صيد فقتله أو جن فقتل صيدا أَوْ عَمَّ الْجَرَادُ الطَّرِيقَ وَلَمْ يَجِدْ بُدًّا مِنْ وَطْئِهِ فَوَطِئَهُ فَمَاتَ أَوْ كَسَرَ بَيْضَةً فِيهَا فَرْخٌ لَهُ رُوحٌ فَطَارَ وَسَلِمَ أَوْ خلص صيدا من سَبُعٍ مَثَلًا وَأَخَذَهُ لِيُدَاوِيَهُ أَوْ يَتَعَهَّدَهُ فَمَاتَ فِي يَدِهِ فَلَا ضَمَانَ ثُمَّ الصَّيْدُ ضَرْبَانِ ماله مثل في الصورة تقريبا فَيُضْمَنُ بِهِ وَمَا لَا مِثْلَ لَهُ فَيُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَقْلٌ وَمِنْ الْأَوَّلِ مَا فِيهِ نَقْلٌ بَعْضُهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعْضُهُ عَنْ السَّلَفِ كَمَا بَيَّنْته فِي شَرْحِ الرَّوْضِ فَيُتَّبَعُ.
" فَفِي نعامة " ذكر وأنثى " بَدَنَةٌ " كَذَلِكَ لَا بَقَرَةٌ وَلَا شِيَاهٌ " وَ" فِي " وَاحِدٍ مِنْ بَقَرِ وَحْشٍ وَحِمَارِهِ بَقَرَةٌ وَ " فِي " ظَبْيٍ تَيْسٌ " هَذَا مِنْ زِيَادَتِي " وَ " فِي " ظَبْيَةٍ عَنْزٌ " وَهِيَ أُنْثَى الْمَعْزِ الَّتِي تَمَّ لَهَا سَنَةٌ " وَ " فِي " غَزَالٍ مَعْزٌ صَغِيرٌ" فَفِي الذَّكَرِ جَدْيٌ وَفِي الْأُنْثَى عَنَاقٌ وَقَوْلِي وَظَبْيَةٌ إلَى آخِرِهِ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ وَفِي الْغَزَالِ عَنْزٌ لِأَنَّ الْغَزَالَ وَلَدُ الظَّبْيَةِ إلَى طُلُوعِ قَرْنَيْهِ ثُمَّ هُوَ بَعْدَ ذَلِكَ ظَبْيٌ أَوْ ظَبْيَةٌ " وَ " فِي " أَرْنَبٍ " ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى " عَنَاقٌ " وَهِيَ أُنْثَى الْمَعْزِ إذَا قَوِيَتْ مَا لَمْ تَبْلُغْ سَنَةً ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي تَحْرِيرِهِ وَغَيْرِهِ " وَ " فِي " يَرْبُوعٍ " وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُهُ وَتَفْسِيرُ الْأَرْنَبِ فِي الْأَطْعِمَةِ " وَوَبْرٍ " بِإِسْكَانِ الْبَاءِ أَيْ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا " جَفَرَةٌ " وَهِيَ أُنْثَى الْمَعْزِ إذَا بَلَغَتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَفَصَلَتْ عَنْ أُمِّهَا وَالذَّكَرُ جَفْرٌ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ جَفَرَ جَنْبَاهُ أَيْ عَظْمًا لَكِنْ يَجِبُ كما قاله الشيخان أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْجَفَرَةِ هُنَا مَا دُونَ الْعَنَاقِ إذْ الْأَرْنَبُ خَيْرٌ مِنْ الْيَرْبُوعِ وَذِكْرُ الْوَبْرِ مِنْ زِيَادَتِي وَهُوَ جَمْعُ وَبْرَةٍ وَهِيَ دُوَيْبَّةٌ أَصْغَرُ مِنْ السِّنَّوْرِ كَحْلَاءُ اللَّوْنِ لَا ذَنَبَ لَهَا ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ.
" وَ " فِي " حَمَامٍ " وهو ماعب وَهَدَرَ كَيَمَامٍ " شَاةٌ " بِحُكْمِ الصَّحَابَةِ وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِي " وَمَا لَا نَقْلَ فِيهِ " مِنْ الصَّيْدِ " يُحْكَمُ بِمِثْلِهِ " مِنْ النَّعَمِ " عَدْلَانِ " قَالَ تَعَالَى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} 2 وَيُعْتَبَرُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا كَوْنُهُمَا فَقِيهَيْنِ فَطِنَيْنِ وَاعْتِبَارُ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ لَكِنَّ الْفِقْهَ مَحْمُولٌ عَلَى الْفِقْهِ الْخَاصِّ بِمَا يُحْكَمُ بِهِ هُنَا وَمَا فِي الْمَجْمُوعِ مِنْ أَنَّ الفقه مستحب محمول على زيادته ويجزي فداء الذكر بالأنثى وعكسه والمعيب بالمعيب إنْ اتَّحَدَ جِنْسُ الْعَيْبِ " كَقِيمَةِ مَا لَا مِثْلَ لَهُ مِنْهُ " أَيْ مِمَّا لَا نَقْلَ فِيهِ كَجَرَادٍ وَعَصَافِيرَ فَإِنَّهُ يَحْكُمُ بِهِ عَدْلَانِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ فِي الْمُتَقَوِّمَاتِ وَقَدْ حَكَمَتْ الصَّحَابَةُ بِهَا فِي الْجَرَادِ وَكَلَامُ الْأَصْلِ لَا يُفِيدُ هَذَا إلَّا بِعِنَايَةٍ وَخَرَجَ بِزِيَادَتِي مِنْهُ مَا لَا مِثْلَ لَهُ مِمَّا فِيهِ نَقْلٌ كَالْحَمَامِ فَيُتَّبَعُ فِيهِ النَّقْلُ كَمَا مَرَّ.
" وَحَرُمَ " وَلَوْ على حلال " تعرض " بقطع أو قلع " لنا بت حَرَمِيٍّ مِمَّا لَا يُسْتَنْبَتُ " بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ لَا يَسْتَنْبِتُهُ النَّاسُ بِأَنْ يَنْبُتَ بِنَفْسِهِ " وَمِنْ شَجَرٍ " وَإِنْ اسْتُنِبْتَ لِقَوْلِهِ فِي الْخَبَرِ السَّابِقِ ولا يُعْضَدُ شَجَرُهُ أَيْ لَا يُقْطَعُ وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهُ وَهُوَ بِالْقَصْرِ الْحَشِيشُ الرَّطْبُ أَيْ لَا يُنْزَعُ بِقَلْعٍ وَلَا قَطْعٍ وَقِيسَ بِمَا ذُكِرَ فِي الْخَبَرِ غَيْرُهُ مِمَّا ذُكِرَ وَخَرَجَ بِالنَّابِتِ الْيَابِسُ فَيَجُوزُ التَّعَرُّضُ لَهُ نَعَمْ الْحَشِيشُ مِنْهُ يَحْرُمُ قَلْعُهُ إنْ لَمْ يَمُتْ لَا قَطْعُهُ وبالحرمى ثابت الْحِلِّ فَيَجُوزُ التَّعَرُّضُ لَهُ وَلَوْ بَعْدَ غَرْسِهِ في الحرم بخلاف عكسه عَمَلًا بِالْأَصْلِ فِيهِمَا وَبِمَا لَا يُسْتَنْبَتُ مِنْ غَيْرِ الشَّجَرِ مَا يُسْتَنْبَتُ مِنْهُ كَبُرٍّ وَشَعِيرٍ فَلِمَالِكِهِ التَّعَرُّضُ لَهُ وَقَوْلِي وَمِنْ شَجَرٍ أَوْلَى من قوله والمستنبت كيغره " لَا أَخْذُهُ " أَيْ النَّابِتِ الْمَذْكُورِ قَطْعًا أَوْ قلعا " ل " لعلف " بهائم وَ " لَا " لِدَوَاءٍ " فَلَا يَحْرُمُ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ كَالْإِذْخِرِ الْآتِي بَيَانُهُ وَفِي مَعْنَى الدَّوَاءِ مَا يتغذى بِهِ كَرِجْلَةٍ وَبَقْلَةٍ وَيَمْتَنِعُ أَخْذُهُ لِبَيْعِهِ وَلَوْ لِمَنْ يَعْلِفُ بِهِ دَوَابَّهُ.
" وَلَا أَخْذُ إذْخِرٍ " بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ لِمَا فِي الْخَبَرِ السَّابِقِ قَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إلَّا الْإِذْخِرَ فَإِنَّهُ لقينهم وبيوتهم.
__________
1 المائدة: 95.
2 المائدة: 95.

(1/181)


كبيرة بقر وما قاربت سبعها شاة وحرم المدينة ووج كحرم مكة في حرمة فقط وفي مِثْلِيٍّ ذُبِحَ مِثْلُهُ وَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى مَسَاكِينِ الحرم أو إعطاؤهم بقيمته طعاما أو صوم لكل مد يوما وغير مثلى تصدق بقيمته طعاما أو صوم فإن انكسر مد صام يوما وَفِي فِدْيَةِ مَا يَحْرُمُ غَيْرُ مُفْسِدٍ وَصَيْدٌ ونابت ذبح أو تصدق بثلاثة آصع لستة مساكين أو صوم ثلاثة أيام وَدَمُ تَرْكِ مَأْمُورٍ كَدَمِ تَمَتُّعٍ وَكَذَا دَمُ فوات ويذبحه في حجة الإعادة ودم الجبران لا يختص بزمن ويختص.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إلَّا الْإِذْخِرَ" وَمَعْنَى كَوْنِهِ لِبُيُوتِهِمْ أَنَّهُمْ يَسْقُفُونَهَا بِهِ فَوْقَ الخشب والقين الحداد " وَ " لَا أَخْذُ " مُؤْذٍ " كَشَجَرِ ذِي شَوْكٍ وَيَجُوزُ أَخْذُ وَرَقِ الشَّجَرِ بِلَا خَبْطٍ وَأَخْذِ ثمره وعود سمواك وَنَحْوِهِ وَتَعْبِيرِي بِالْمُؤْذِي أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالشَّوْكِ " ويضملان " أَيْ النَّابِتُ الْمَذْكُورُ " بِهِ " أَيْ بِالتَّعَرُّضِ لَهُ قياسا على الصَّيْدِ بِجَامِعِ الْمَنْعِ مِنْ الْإِتْلَافِ لِحُرْمَةِ الْحَرَمِ " فَفِي شَجَرَةٍ كَبِيرَةٍ " عُرْفًا " بَقَرَةٌ وَ " فِي " مَا قَارَبَتْ سُبْعَهَا شَاةٌ " رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَمِثْلُهُ لَا يُقَالُ إلَّا بِتَوْقِيفٍ وَلِأَنَّ الشَّاةَ مِنْ الْبَقَرَةِ سُبْعُهَا سَوَاءٌ أَخْلَفَتْ الشَّجَرَةُ أَمْ لَا بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الْحَشِيشِ كَمَا يَأْتِي قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا وَالْبَدَنَةُ فِي مَعْنَى الْبَقَرَةِ ثُمَّ إنْ شَاءَ ذَبَحَ ذَلِكَ وَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ أَوْ أَعْطَاهُمْ بِقِيمَتِهِ طَعَامًا أَوْ صَامَ لِكُلِّ مُدٍّ يَوْمًا وَقَوْلِي وَمَا قَارَبَتْ سُبْعَهَا أَوْلَى مِنْ قوله: والصغيرة فَإِنَّهَا لَوْ صَغُرَتْ جِدًّا فَالْوَاجِبُ الْقِيمَةُ كَمَا فِي الْحَشِيشِ الرَّطْبِ إنْ لَمْ يُخَلَّفْ وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ كَمَا فِي سِنِّ غَيْرِ الْمَثْغُورِ.
" وَحَرَمُ الْمَدِينَةِ وَوَجٌّ " بِالرَّفْعِ وَهُوَ مِنْ زِيَادَتِي وَادٍ بِالطَّائِفِ " كَحَرَمِ مَكَّةَ فِي حُرْمَةِ " التَّعَرُّضِ لِصَيْدِهِمَا وَنَابِتِهِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ خَبَرَ " إنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَإِنِّي حَرَّمْت الْمَدِينَةَ مَا بَيْنَ لا بتيها لَا يُقْطَعُ شَجَرُهَا" زَادَ مُسْلِمٌ وَلَا يُصَادُ صَيْدُهَا وَفِي خَبَرِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ خَبَرَ إلَّا أَنَّ صَيْدَ وَجٍّ وَعِضَاهَهُ حَرَامٌ مُحَرَّمٌ وَاللَّابَتَانِ الْحَرَّتَانِ تَثْنِيَةُ لَابَةٍ وَهِيَ أَرْضٌ ذَاتُ حِجَارَةٍ سُودٍ وَهُمَا شَرْقَيْ الْمَدِينَةِ وَغَرْبَيْهَا فَحَرَّمَهَا مَا بَيْنَهُمَا عَرْضًا وَمَا بَيْنَ جَبَلَيْهَا عَيْرٍ وَثَوْرٍ طُولًا " فَقَطْ " أَيْ دُونَ ضَمَانِهِمَا لِأَنَّ مَحَلَّهُمَا لَيْسَ مَحَلًّا لِلنُّسُكِ وَتَعْبِيرِي بِمَا ذُكِرَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ وَصَيْدُ الْمَدِينَةُ حَرَامٌ وَلَا يُضْمَنُ " وَفِي " جَزَاءِ صَيْدٍ " مِثْلِيٍّ ذُبِحَ مِثْلُهُ وَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ " الشَّامِلِينَ لِفُقَرَائِهِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَشْمَلُ الْآخَرَ عِنْدَ الِانْفِرَادِ وَذَلِكَ بِأَنْ يُفَرِّقَ لَحْمَهُ وَمَا يَتْبَعُهُ عَلَيْهِمْ أَوْ يُمَلِّكَهُمْ جُمْلَتَهُ مَذْبُوحًا " أَوْ إعْطَاؤُهُمْ بِقِيمَتِهِ " أَيْ بِقَدْرِ قِيمَةِ مثله " طعاما " يجزىء فِي الْفِطْرَةِ وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ يُقَوِّمُ الْمِثْلَ دَرَاهِمَ وَيَشْتَرِي بِهَا طَعَامًا لَهُمْ.
" أَوْ صَوْمٌ " حَيْثُ كَانَ " لِكُلِّ مُدٍّ يَوْمًا " قَالَ تَعَالَى: {هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً} 1 وَلَمْ يَعْتَبِرُوا فِي الصَّوْمِ كَوْنَهُ فِي الْحَرَمِ لِأَنَّهُ لَا غَرَضَ لِلْمَسَاكِينِ فِيهِ لَكِنَّهُ فِي الْحَرَمِ أَوْلَى لِشَرَفِهِ " وَ " فِي جَزَاءِ صَيْدٍ " غَيْرِ مِثْلِيٍّ " مِمَّا لَا نَقْلَ فِيهِ " تَصَدَّقَ " عَلَيْهِمْ " بِقِيمَتِهِ " أَيْ بِقَدْرِهَا " طَعَامًا أَوْ صَوْمٌ " لِكُلِّ مُدٍّ يَوْمًا كَالْمِثْلِيِّ أَمَّا مَا فِيهِ نَقْلٌ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ كَالْمِثْلِيِّ كَمَا أَنَّ الْمِثْلِيَّ قَدْ يَكُونُ كَغَيْرِ الْمِثْلِيِّ كَالْحَامِلِ فَإِنَّهَا تُضْمَنُ بِحَامِلٍ وَلَا تُذْبَحُ بَلْ تُقَوَّمُ " فَإِنْ انْكَسَرَ مُدٌّ " فِي الْقِسْمَيْنِ " صَامَ يَوْمًا " لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَتَبَعَّضُ وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِي وَالْعِبْرَةُ فِي قِيمَةِ غَيْرِ الْمِثْلِيِّ بِمَحَلِّ الْإِتْلَافِ وَزَمَانِهِ قِيَاسًا عَلَى كُلِّ مُتْلِفٍ مُتَقَوِّمٍ وَفِي قِيمَةِ مِثْلِ الْمِثْلِيِّ بِمَكَّةَ زَمَنَ إرَادَةِ تَقْوِيمِهِ لِأَنَّهَا مَحَلُّ ذَبْحِهِ لَوْ أُرِيدَ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا وَهَلْ يُعْتَبَرُ فِي الْعُدُولِ إلَى الطَّعَامِ سِعْرُهُ بمحل الإتلاف أَوْ بِمَكَّةَ احْتِمَالَانِ لِلْإِمَامِ وَالظَّاهِرُ مِنْهُمَا الثَّانِي.
" وفي فِدْيَةِ " ارْتِكَابِ " مَا يَحْرُمُ " وَيُضْمَنُ أَيْ مَا مِنْ شَأْنِهِ ذَلِكَ " غَيْرِ مُفْسِدٍ وَصَيْدٍ وَنَابِتٍ " كحلق وقلم وتطيب وَجِمَاعٍ ثَانٍ أَوْ بَيْنَ التَّحَلُّلَيْنِ " ذَبْحٌ " لِمَا يجزىء أُضْحِيَّةٌ وَيَفْعَلُ فِيهِ مَا مَرَّ وَإِطْلَاقِي لِلذَّبْحِ أَوْلَى مِنْ تَقْيِيدِهِ لَهُ بِشَاةٍ " أَوْ تَصَدَّقَ بِثَلَاثَةِ آصُعٍ " بِالْمَدِّ جَمْعُ صَاعٍ " لِسِتَّةِ مَسَاكِينَ " لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ وَأَصْلُ آصُعٍ أَصْوُعٌ أُبْدِلَ مِنْ وَاوِهِ هَمْزَةٌ مَضْمُومَةٌ وَقُدِّمَتْ عَلَى الصاد وَنُقِلَتْ ضَمَّتُهَا إلَيْهَا وَقُلِبَتْ هِيَ أَلِفًا " أَوْ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ " قَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ} "فَحَلَقَ: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} 2 "وَرَوَى الشَّيْخَانِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ "أَيُؤْذِيك هَوَامُّ رَأْسِك قَالَ نَعَمْ قَالَ اُنْسُكْ شَاةً أَوْ صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَطْعِمْ فَرَقًا مِنْ الطَّعَامِ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ" وَالْفَرَقُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالرَّاءِ ثَلَاثَةُ آصُعٍ وَقِيسَ بِالْحَلْقِ وَبِالْمَعْذُورِ غَيْرُهُمَا وَتَعْبِيرِي بِمَا يَحْرُمُ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالْحَلْقِ وَخَرَجَ بزيادتي غير.
__________
1 المائدة: 95.
2 البقرة: 196.

(1/182)


بالحرم وصرفه كبدله لمساكينه وأفضل بقعة لذبح معتمر غير قارن المروة ولحاج منى وكذا الهدي مكانا ووقته وقت أضحية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مُفْسِدٍ وَصَيْدٌ وَنَابِتٌ الثَّلَاثَةُ وَتَقَدَّمَ حُكْمُهَا وَالْحَاصِلُ أن دم المفسد كدم الإحصار دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَعْدِيلٍ بِمَعْنَى أَنَّ الشَّارِعَ أَمَرَ فيه بالتقويم والعدول إلَى غَيْرِهِ بِحَسَبِ الْقِيمَةِ وَأَنَّ دَمَ الصَّيْدِ وَالنَّابِتِ دَمُ تَخْيِيرٍ وَتَعْدِيلٍ وَأَنَّ دَمَ مَا نَحْنُ فِيهِ دَمُ تَخْيِيرٍ وَتَقْدِيرٍ بِمَعْنَى أَنَّ الشارع قدر ما يعدل إليه بما لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ.
" وَدَمُ تَرْكِ مَأْمُورٍ " كَإِحْرَامٍ مِنْ الْمِيقَاتِ وَمَبِيتٍ بِمُزْدَلِفَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ " كَدَمِ تَمَتُّعٍ " فِي أَنَّهُ إنْ عَجَزَ عَنْهُ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ لِاشْتِرَاكِ مُوجِبَيْهِمَا فِي تَرْكِ مَأْمُورٍ إذْ الْمُوجِبُ لِدَمِ التَّمَتُّعِ تَرْكُ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ كَمَا مَرَّ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا وَغَيْرِهِ تَبَعًا لِلْأَكْثَرِينَ فَهُوَ دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَقْدِيرٍ وَمَا فِي الْأَصْلِ مِنْ أَنَّهُ إذَا عَجَزَ تَصَدَّقَ بِقِيمَةِ الشَّاةِ طَعَامًا فَإِنْ عَجَزَ صَامَ لِكُلِّ مُدٍّ يَوْمًا ضَعِيفٌ وَالدَّمُ عَلَيْهِ دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَعْدِيلٍ " وَكَذَا " أَيْ وَكَدَمِ التَّمَتُّعِ " دَمُ فَوَاتٍ " لِلْحَجِّ وَسَيَأْتِي فِي الْبَابِ الْآتِي وُجُوبُهُ مَعَ الْإِعَادَةِ "وَيَذْبَحُهُ فِي حَجَّةِ الْإِعَادَةِ" لَا فِي عَامِ الْفَوَاتِ كَمَا أَمَرَ بِذَلِكَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ مَالِكٌ وَسَيَأْتِي بِطُولِهِ فِي الْبَابِ الْآتِي.
" وَدَمُ الْجُبْرَانِ لَا يَخْتَصُّ " ذَبْحُهُ " بِزَمَنٍ " لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّخْصِيصِ وَلَمْ يُرِدْ مَا يُخَالِفُهُ لَكِنَّهُ يُسَنُّ أَيَّامَ التضحية وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ وُجُوبُ الْمُبَادَرَةِ إلَيْهِ إذَا حَرُمَ السَّبَبُ كَمَا فِي الْكَفَّارَةِ فَيُحْمَلُ مَا أَطْلَقُوهُ هُنَا عَلَى الْإِجْزَاءِ أَمَّا الجواز فأحالوه على ما قرروه في الكفارة وَتَعْبِيرِي بِمَا ذُكِرَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ وَالدَّمُ الْوَاجِبُ بِفِعْلِ حَرَامٍ أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ لِشُمُولِهِ دَمَ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَغَيْرِهِمَا كَالْحَلْقِ بِعُذْرٍ وَتَرْكِ الْجَمْعِ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فِي الْمَوْقِفِ " وَيَخْتَصُّ " ذَبْحُهُ " بِالْحَرَمِ " حَيْثُ لَا حَصْرَ قَالَ تَعَالَى: {هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ} 1 فَلَوْ ذُبِحَ خَارِجَهُ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ " وَ " يَخْتَصُّ " صَرْفُهُ كَبَدَلِهِ " مِنْ طَعَامٍ " بِمَسَاكِينِهِ " أَيْ الْحَرَمِ الْقَاطِنِينَ وَالطَّارِئِينَ وَالصَّرْفُ إلَى الْقَاطِنِينَ أَفْضَلُ وَقَوْلِي وَصَرْفُهُ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ وَصَرْفُ لَحْمِهِ وقولي كبد له من زيادتي وَتَجِبُ النِّيَّةُ عِنْدَ الصَّرْفِ ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ عن الروياني.
" وأفضل بقعة " من الحرم " لذبح مُعْتَمِرٌ " بِقَيْدٍ زِدْته بِقَوْلِي " غَيْرَ قَارِنٍ " بِأَنْ كَانَ مُفْرِدًا أَوْ مُرِيدَ تَمَتُّعٍ " الْمَرْوَةِ وَ " لِذَبْحِ " حَاجٍّ " بِأَنْ كَانَ مُرِيدَ إفْرَادٍ أَوْ قَارِنًا أَوْ مُتَمَتِّعًا وَلَوْ عَنْ دَمِ تَمَتُّعِهِ " مِنًى " لِأَنَّهُمَا مَحَلُّ تَحَلُّلِهِمَا " وَكَذَا الْهَدْيُ " أَيْ حُكْمُ الْهَدْيِ الَّذِي سَاقَهُ الْمُعْتَمِرُ الْمَذْكُورُ وَالْحَاجُّ تقربا " مكانا " فِي الِاخْتِصَاصِ وَالْأَفْضَلِيَّةِ " وَوَقْتُهُ " أَيْ ذَبْحُ هَذَا الْهَدْيِ " وَقْتُ أُضْحِيَّةٍ " مَا لَمْ يُعَيِّنْ غَيْرَهُ قِيَاسًا عَلَيْهَا فَلَوْ أَخَّرَ ذَبْحَهُ عَنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَإِنْ كَانَ وَاجِبًا ذَبَحَهُ قَضَاءً وَإِلَّا فَقَدْ فَاتَ فَإِنْ ذَبَحَهُ كَانَتْ شَاةَ لَحْمٍ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْوَاجِبَ يَجِبُ صَرْفُهُ إلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ فِي وُقُوعِ النَّفْلِ مَوْقِعَهُ مِنْ صَرْفِهِ إلَيْهِمْ أَمَّا هَدْيُ الْجُبْرَانِ فَلَا يَخْتَصُّ بِزَمَنٍ كَمَا مَرَّ وَكَذَا إذَا عين لهدي التقرب غير وقت الأضحية.
__________
1 المائدة: 95.

(1/183)


باب الإحصار
والفوات لمحصر تحلل كنحو مريض شرطه بذبح حيث عذر فحلق بنيته فيهما وبشرط ذبح من نحو مريض فإن عجز.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
باب الإحصار"
يُقَالُ حَصَرَهُ وَأَحْصَرَهُ لَكِنَّ الْأَشْهَرَ الْأَوَّلُ فِي حَصْرِ الْعَدُوِّ وَالثَّانِي فِي حَصْرِ الْمَرَضِ وَنَحْوِهِ " وَالْفَوَاتُ " لِلْحَجِّ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُمَا وَفَوَاتُ الْحَجِّ بِفَوَاتِ وُقُوفِ عَرَفَةَ.
" لِمُحْصَرٍ " عَنْ إتْمَامِ أَرْكَانِ حج أو عمرة بِأَنْ مَنَعَهُ عَنْهُ عَدُوٌّ مُسْلِمٌ أَوْ كَافِرٌ مِنْ جَمِيعِ الطُّرُقِ " تَحَلُّلٌ " بِمَا يَأْتِي قَالَ تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} أَيْ وَأَرَدْتُمْ التَّحَلُّلَ: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} 2 وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تحلل بِالْحُدَيْبِيَةِ لَمَّا صَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ وَكَانَ مُحْرِمًا بِالْعُمْرَةِ فَنَحَرَ ثُمَّ حَلَقَ وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ قُومُوا فَانْحَرُوا ثم احلقوا وسواء أحصر الكل أم.
__________
2 البقرة: 196.

(1/183)


فطعام بقيمته فصوم لكل مد يوما وله تحلل حالا وَلَوْ أَحْرَمَ رَقِيقٌ أَوْ زَوْجَةٌ بِلَا إذْنٍ فلمالك أمره تحليله ولا إعادة على محصر فإن كان فرضا ففي ذمته إن استقر عليه وإلا اعتبرت استطاعته بعد وعلى من فاته وقوف تحلل بعمل عمرة ودم وإعادة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْبَعْضُ مُنِعَ مِنْ الرُّجُوعِ أَيْضًا أَمْ لَا ثُمَّ إنْ كَانَ الْوَقْتُ وَاسِعًا فَالْأَفْضَلُ تَأْخِيرُ التَّحَلُّلِ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ فِي حَجٍّ فَالْأَفْضَلُ تعجيله نَعَمْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنْ تَيَقَّنَ زَوَالَ الْحَصْرِ فِي الْحَجِّ فِي مُدَّةٍ يُمْكِنُ إدْرَاكُهُ بَعْدَهَا أَوْ فِي الْعُمْرَةِ فِي مُدَّةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ امْتَنَعَ التَّحَلُّلُ وَلَوْ تَمَكَّنَ مِنْ الْمُضِيِّ بِقِتَالٍ أَوْ بَذْلِ مَالٍ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ وَإِنْ قَلَّ إذْ لَا يَجِبُ احْتِمَالُ الظُّلْمِ فِي أَدَاءِ النُّسُكِ " كَنَحْوِ مَرِيضٍ " مِنْ فَاقِدِ نَفَقَةٍ وَضَالِّ طَرِيقٍ وَنَحْوِهِمَا إنْ " شَرَطَهُ " أَيْ التَّحَلُّلَ بِالْعُذْرِ فِي إحْرَامِهِ أَيْ أَنَّهُ يَتَحَلَّلُ إذَا مَرِضَ مَثَلًا فَلَهُ التَّحَلُّلُ بِسَبَبِهِ لِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ فَقَالَ لَهَا: "أَرَدْت الْحَجَّ" فَقَالَتْ وَاَللَّهِ مَا أَجِدُنِي إلَّا وَجِعَةً فَقَالَ: حُجِّي وَاشْتَرِطِي وَقَوْلِي اللَّهُمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتنِيْ" وَقِيسَ بِالْحَجِّ الْعُمْرَةُ وَلَوْ قَالَ إذَا مَرِضْت فَأَنَا حَلَالٌ صَارَ حَلَالًا بِنَفْسِ الْمَرَضِ مِنْ غَيْرِ تَحَلُّلٍ فَإِنْ لَمْ يَشْرِطْهُ فَلَيْسَ لَهُ تَحَلُّلٌ بِسَبَبِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ زَوَالَ الْعُذْرِ بِخِلَافِ التَّحَلُّلِ بِالْإِحْصَارِ بَلْ يَصْبِرُ حَتَّى يَزُولَ عُذْرُهُ فَإِنْ كَانَ مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ أَتَمَّهَا أَوْ بِحَجٍّ وَفَاتَهُ تَحَلُّلٌ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ وَنَحْوُ مِنْ زِيَادَتِي وَيَحْصُلُ التَّحَلُّلُ لِمَنْ ذُكِرَ ولم يمكنه عمل عمرة " بذبح " لما يجزىء أُضْحِيَّةٌ " حَيْثُ عُذِرَ " بِإِحْصَارٍ أَوْ نَحْوِ مَرَضٍ " فحلق " لما مرمع آية: {وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ} 1 " بِنِيَّتِهِ " أَيْ التَّحَلُّلِ " فِيهِمَا " لِاحْتِمَالِهِمَا لِغَيْرِ التَّحَلُّلِ.
" وَبِشَرْطِ ذَبْحٍ مِنْ نَحْوِ مَرِيضٍ " فَإِنْ لَمْ يَشْرِطْهُ تَحَلَّلَ بِالنِّيَّةِ وَالْحَلْقِ فَقَطْ فَإِنْ أَمْكَنَهُ الْوُقُوفُ أَتَى بِهِ قَبْلَ التَّحَلُّلِ بِذَلِكَ وَذِكْرُ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الذَّبْحِ وَالْحَلْقِ مَعَ قَرْنِ النِّيَّةِ بهما ومع ذكر مَا يَتَحَلَّلُ بِهِ نَحْوُ الْمَرِيضِ وَمَحَلُّ تَحَلُّلِهِ من زيادتي وَإِطْلَاقِي لِلذَّبْحِ أَوْلَى مِنْ تَقْيِيدِهِ لَهُ بِشَاةٍ وَمَا لَزِمَ الْمَعْذُورَ مِنْ الدِّمَاءِ أَوْ سَاقَهُ مِنْ الْهَدَايَا يَذْبَحُهُ حَيْثُ عُذِرَ أَيْضًا " فَإِنْ عَجَزَ " عَنْ الدَّمِ " فَطَعَامٌ " يَجِبُ حَيْثُ عُذِرَ " بقيمته " للدم مع الحلق والنية " فإن " عَجَزَ وَجَبَ " صَوْمٌ " حَيْثُ شَاءَ " لِكُلِّ مُدٍّ يَوْمًا " مَعَ ذَيْنك كَمَا فِي الدَّمِ الْوَاجِبِ بِالْإِفْسَادِ " وَلَهُ " إذَا انْتَقَلَ إلَى الصَّوْمِ " تَحَلُّلٌ حالا " بحلق بنية التحلل فيه فَلَا يَتَوَقَّفُ التَّحَلُّلُ عَلَى الصَّوْمِ كَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِطْعَامِ لِطُولِ زَمَنِهِ فَتَعْظُمُ الْمَشَقَّةُ فِي الصَّبْرِ عَلَى الْإِحْرَامِ إلَى فَرَاغِهِ.
" وَلَوْ أَحْرَمَ رَقِيقٌ " وَلَوْ مُكَاتَبًا " أَوْ زَوْجَةٌ بِلَا إذْنٍ " فِيمَا أَحْرَمَ بِهِ " فَلِمَالِكِ أَمْرِهِ " مِنْ سَيِّدٍ أو زوج " تحليله " بأن يأمره بالتحلل لِأَنَّ تَقْرِيرَهُمَا عَلَى إحْرَامِهِمَا يُعَطِّلُ عَلَيْهِ مَنَافِعَهُمَا الَّتِي يَسْتَحِقُّهَا فَلَهُمَا التَّحَلُّلُ حِينَئِذٍ فَيَحْلِقُ الرَّقِيقُ وَيَنْوِي التَّحَلُّلَ وَتَتَحَلَّلُ الزَّوْجَةُ الْحُرَّةُ بِمَا يَتَحَلَّلُ بِهِ الْمُحْصَرُ فَعُلِمَ أَنَّ إحْرَامَهُمَا بِغَيْرِ إذْنِهِ صحيح فإن لم يتحلالا فله استيفاء منفعته منهما والإثم عليهما وَإِنْ أَحْرَمَا بِإِذْنِهِ فَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهُمَا وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ وَإِنْ فَرَضَهُ الْأَصْلُ فِي الْحَجِّ فِي إحْرَامِ الزَّوْجَةِ وَلَوْ أَذِنَ لَهُمَا فِي الْعُمْرَةِ فَحَجَّا فَلَهُ تَحْلِيلُهُمَا بِخِلَافِ عَكْسِهِ وَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُ رَجْعِيَّةٍ وَلَا بَائِنٍ بَلْ لَهُ حَبْسُهُمَا لِلْعِدَّةِ وَالْمُبَعَّضُ كَالرَّقِيقِ إلَّا أن تكون مهايأة ويقع نسكه نَوْبَتِهِ فَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ تَحْلِيلُهُ فَإِطْلَاقُهُمْ أَنَّهُ كَالرَّقِيقِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ " وَلَا إعَادَةَ عَلَى مُحْصَرٍ " تَحَلَّلَ لِعَدَمِ وُرُودِهِ وَلِأَنَّ الْفَوَاتَ نَشَأَ عَنْ الْإِحْصَارِ الَّذِي لَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ نَعَمْ إن سلك طريقا آخر مُسَاوِيًا لِلْأَوَّلِ أَوْ صَابَرَ إحْرَامَهُ غَيْرَ مُتَوَقِّعٍ زَوَالَ الْإِحْصَارِ فَفَاتَهُ الْوُقُوفُ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ.
" فَإِنْ كَانَ " نُسُكُهُ " فَرْضًا فَفِي ذِمَّتِهِ إنْ اسْتَقَرَّ " عَلَيْهِ كَحَجَّةِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ السَّنَةِ الْأُولَى مِنْ سِنِي الْإِمْكَانِ وَكَالْإِعَادَةِ وَالنَّذْرِ كَمَا لَوْ شَرَعَ فِي صَلَاةِ فَرْضٍ وَلَمْ يُتِمَّهَا تَبْقَى فِي ذِمَّتِهِ " وَإِلَّا " أَيْ وَإِنْ لَمْ يَسْتَقِرَّ كَحَجَّةِ الْإِسْلَامِ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مِنْ سِنِي الْإِمْكَانِ " اعتبرت استطاعة بَعْدُ " أَيْ بَعْدَ زَوَالِ الْحَصْرِ إنْ وُجِدَتْ وَجَبَ وَإِلَّا فَلَا " وَعَلَى مَنْ فَاتَهُ وُقُوفٌ " بعرفة " تحلل " لأن استدامته الْإِحْرَامِ كَابْتِدَائِهِ وَابْتِدَاؤُهُ حِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ وَذِكْرُ وُجُوبِ التَّحَلُّلِ مِنْ زِيَادَتِي وَيَحْصُلُ " بِعَمَلِ عُمْرَةٍ " بِأَنْ يَطُوفَ وَيَسْعَى إنْ لَمْ يَكُنْ سَعَى بَعْدَ طَوَافِ قُدُومٍ وَيَحْلِقُ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ عمل عمرة تحلل بما مر في الحصر " وَ " عَلَيْهِ " دَمٌ " وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ كَدَمِ التَّمَتُّعِ " وَإِعَادَةٌ " فَوْرًا لِلْحَجِّ الَّذِي فَاتَهُ بِفَوَاتِ الْوُقُوفِ تَطَوُّعًا كَانَ أَوْ فَرْضًا كَمَا فِي الْإِفْسَادِ والأصل.
__________
1 البقرة: 196.

(1/184)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّ هَبَّارَ بْنَ الْأَسْوَدِ جَاءَ يَوْمَ النَّحْرِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَنْحَرُ هَدْيَهُ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَخْطَأْنَا الْعَدَّ وَكُنَّا نَظُنُّ أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمُ عَرَفَةَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ اذْهَبْ إلَى مَكَّةَ فَطُفْ بِالْبَيْتِ أَنْتَ وَمَنْ مَعَك وَاسْعَوْا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَانْحَرُوا هَدْيًا إنْ كَانَ مَعَكُمْ ثُمَّ احْلِقُوا أَوْ قَصِّرُوا ثُمَّ ارْجِعُوا فَإِذَا كَانَ عَامٌ قَابِلٌ فَحُجُّوا وَأَهْدُوا فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ وَاشْتُهِرَ ذَلِكَ فِي الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكِرُوهُ وَإِنَّمَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ فِي فَوَاتٍ لَمْ يَنْشَأْ عَنْ حصر فإن نشأ عنه بأن أحصر فسلك طريقا آخر أَطْوَلَ أَوْ أَصْعَبَ مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ صَابَرَ الْإِحْرَامَ مُتَوَقِّعًا زَوَالَ الْحَصْرِ فَفَاتَهُ وَتَحَلَّلَ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا لِأَنَّهُ بَذَلَ مَا فِي وُسْعِهِ كَمَنْ أحصر مطلقا.

(1/185)