فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب ط دار الفكر

كتاب الشركة.
هي شركة أبدان بأن يشتركا ليكون بينهما كسبهما ومفاوضة ليكون بينهما كسبهما وعليهما ما يغرم ووجوه ليكون بينهما ربح ما يشتريانه لهما وعنان وهي الصحيحة وأركانها عَاقِدَانِ وَمَعْقُودٌ عَلَيْهِ وَعَمَلٌ وَصِيغَةٌ وَشَرْطٌ فِيهَا لفظ يشعر بإذن في تجارة وفي العاقدين أهلية توكيل وتوكل وفي المعقود عليه كونه مثليا خلط قبل عقد بحيث لا يتميز أو مشاعا لا تساو ولا علم بنسبة عند عقد وفي العمل مصلحة بحال ونقد بلد فلا يبيع بثمن مثل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كِتَابُ الشَّرِكَةِ.
بِكَسْرِ الشِّين وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَبِفَتْحِ الشِّينِ مَعَ كَسْرِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِهَا وَهِيَ لُغَةً الِاخْتِلَاطُ وَشَرْعًا ثُبُوتُ الْحَقِّ فِي شَيْءٍ لِاثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ عَلَى جِهَةِ الشُّيُوعِ هَذَا وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ هِيَ عَقْدٌ يَقْتَضِي ثُبُوتَ ذَلِكَ وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ خَبَرُ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ كَانَ شَرِيكَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ الْمَبْعَثِ وَافْتَخَرَ بِشَرِكَتِهِ بَعْدَ الْمَبْعَثِ وخبر يقول الله أَنَا ثَالِثُ الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَخُنْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَإِذَا خَانَهُ خَرَجْتُ مِنْ بَيْنِهِمَا رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُمَا.
" هِيَ " أَنْوَاعٌ أَرْبَعَةٌ " شَرِكَةُ أَبْدَانٍ بِأَنْ يَشْتَرِكَا " أَيْ اثْنَانِ "لِيَكُونَ بَيْنَهُمَا كَسْبُهُمَا " بِبَدَنِهِمَا مُتَسَاوِيًا كَانَ أَوْ متفاوتا مع اتفاق الحرفة كخياطين أو اختلافهما كَخَيَّاطٍ وَرَفَّاءٍ " وَ " شَرِكَةُ " مُفَاوَضَةٍ " بِفَتْحِ الْوَاوِ مِنْ تَفَاوَضَا فِي الْحَدِيثِ شَرَعَا فِيهِ جَمِيعًا وَذَلِكَ بِأَنْ يَشْتَرِكَا " لِيَكُونَ بَيْنَهُمَا كَسْبُهُمَا " بِبَدَنِهِمَا أو مالهما متساويا كان أَوْ مُتَفَاوِتًا "وَعَلَيْهِمَا مَا يَغْرَمُ" بِسَبَبِ غَصْبٍ أَوْ غَيْرِهِ " وَ " شَرِكَةُ " وُجُوهٍ " بِأَنْ يَشْتَرِكَا " لِيَكُونَ بَيْنَهُمَا " بِتَسَاوٍ أَوْ تَفَاوُتٍ " رِبْحُ مَا يَشْتَرِيَانِهِ " بِمُؤَجَّلٍ أَوْ حَالٍّ " لَهُمَا " ثُمَّ يَبِيعَانِهِ وَتَعْبِيرِي بِذَلِكَ أَعَمُّ مِمَّا عَبَّرَ بِهِ " وَ " شَرِكَةُ " عِنَانٍ " بِكَسْرِ الْعَيْنِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ عَنَّ الشَّيْءُ ظَهَرَ أَوْ مِنْ عِنَانِ الدَّابَّةِ " وهي الصحيحة " دُونَ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ فَبَاطِلَةٌ لِأَنَّهَا شَرِكَةٌ فِي غَيْرِ مَالٍ كَالشَّرِكَةِ فِي احْتِطَابٍ وَاصْطِيَادٍ وَلِكَثْرَةِ الغرر فيها لاسيما شركة المفاوضة نعم إن نويا يالمفاوضة وفيهما مَالُ شَرِكَةِ الْعِنَانِ صَحَّتْ " وَأَرْكَانُهَا " أَيْ شَرِكَةِ الْعِنَانِ خَمْسَةٌ " عَاقِدَانِ وَمَعْقُودٌ عَلَيْهِ وَعَمَلٌ وَصِيغَةٌ وَشَرْطٌ فِيهَا " أَيْ الصِّيغَةِ " لَفْظٌ " صَرِيحٌ أَوْ كِنَايَةٌ " يُشْعِرُ بِإِذْنٍ " وَفِي مَعْنَاهُ مَا مَرَّ في الضمان والمعنى بإذن لِمَنْ يَتَصَرَّفُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا " فِي تِجَارَةٍ " فَلَا يَكْفِي فِيهِ اشْتَرَكْنَا لِقُصُورِ اللَّفْظِ عَنْهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ إخْبَارًا عَنْ حُصُولِ الشَّرِكَةِ وَتَعْبِيرِي بِالتِّجَارَةِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالتَّصَرُّفِ.
" وَ " شَرَطَ " فِي الْعَاقِدَيْنِ أَهْلِيَّةَ تَوْكِيلٍ وَتَوَكُّلٍ " لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وَكِيلٌ عَنْ الْآخَرِ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا هُوَ الْمُتَصَرِّفُ اشْتَرَطَ فِيهِ أَهْلِيَّةَ التَّوَكُّلِ وَفِي الْآخَرِ أَهْلِيَّةَ التَّوْكِيلِ فَقَطْ حَتَّى يَجُوزَ كَوْنُهُ أَعْمَى كَمَا قَالَهُ فِي الْمَطْلَبِ " وَفِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَوْنُهُ مِثْلِيًّا " نَقْدًا أَوْ غَيْرَهُ وَلَوْ دَرَاهِمَ مَغْشُوشَةً اسْتَمَرَّ فِي الْبَلَدِ رَوَاجُهَا فَلَا تَصِحُّ فِي مُتَقَوِّمٍ غَيْرِ مَا يَأْتِي إذْ لَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ ما ذكر بقولي " خَلَطَ " بَعْضَهُ بِبَعْضٍ " قَبْلَ عَقْدٍ بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزُ " لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى الشَّرِكَةِ فَلَا يَكْفِي الْخَلْطُ بَعْدَ الْعَقْدِ وَلَوْ بِمَجْلِسِهِ فَيُعَادُ الْعَقْدُ وَلَا خلط لا يمنع التمييز كَخَلْطِ دَرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ أَوْ مُكَسَّرَةٍ بِصِحَاحٍ وَقَوْلِي قَبْلَ عَقْدٍ مِنْ زِيَادَتِي " أَوْ " كَوْنُهُ " مُشَاعًا " وَلَوْ مُتَقَوِّمًا كَأَنْ وَرِثَاهُ أَوْ اشْتَرَيَاهُ أَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا بَعْضَ عَرَضِهِ بِبَعْضِ عَرَضِ الْآخَرِ كَنِصْفٍ بِنِصْفٍ أَوْ ثُلُثٍ بِثُلُثَيْنِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْخَلْطِ حَاصِلٌ بَلْ ذَلِكَ أَبْلَغُ مِنْ الْخَلْطِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْإِذْنُ بَعْدَ الْقَبْضِ فِيمَا اشْتَرَيَاهُ وَالتَّقَابُضُ فِيمَا بَعْدَهُ " لَا تَسَاوٍ " لِلْمَالَيْنِ قَدْرًا فَلَا يُشْتَرَطُ إذْ لَا مَحْذُورَ فِي تَفَاوُتِهِمَا إذْ الرِّبْحُ وَالْخَسْرُ عَلَى قَدْرِهِمَا.
" وَلَا عِلْمَ بِنِسْبَةٍ " أَيْ بِقَدْرِهَا بَيْنَهُمَا أَهُوَ النِّصْفُ أَمْ غَيْرُهُ " عِنْدَ عَقْدٍ " إذ أمكن معرفتها بعد بمراحعة حِسَابٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَهُمَا التَّصَرُّفُ قَبْلَ الْعِلْمِ لأن الحق لا يعدوهما فإن لم يمكن معرفتهما بَعْدُ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ فَالشَّرْطُ الْعِلْمُ بِالنِّسْبَةِ ولو بعد.

(1/255)


وثم راغب بأزيد ولا يسافر به ولا يبضعه بلا إذن ولكل فسخها وينعزلان بما ينعزل به الوكيل لا عازل بعزله للآخر والربح والخسر بقدر المالين وإن شرطا خلافه وتفسد به فلكل على الآخر أجرة عمله له ونفذ التصرف والشريك كمودع وحلف في اشتريته أَوْ أَنَّ مَا بِيَدِي لِي أَوْ لِلشَّرِكَةِ لا في اقتسمنا وصار لي.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْعَقْدِ فَلَوْ جَهِلَا الْقَدْرَ وَعَلِمَا النِّسْبَةَ كَأَنْ وَضَعَ أَحَدُهُمَا دَرَاهِمَ فِي كِفَّةِ مِيزَانٍ وَوَضَعَ الآخر مقابلهما مثلهاوخلطا صَحَّتْ " وَ " شَرَطَ " فِي الْعَمَلِ مَصْلَحَةً بِحَالٍّ ونقد بلد " نظرا للعرف " فَلَا يَبِيعُ بِثَمَنِ مِثْلٍ وَثَمَّ رَاغِبٌ بِأَزْيَدَ " وَلَا يَبِيعُ نَسِيئَةً وَلَا بِغَيْرِ نَقْدِ بَلَدِ الْبَيْعِ وَلَا يَتَصَرَّفُ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ " وَلَا يُسَافِرُ بِهِ وَلَا يُبْضِعُهُ " بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ ثَانِيَةِ أَيْ يَدْفَعُهُ لِمَنْ يَعْمَلُ فِيهِ مُتَبَرِّعًا " بِلَا إذْنٍ " فِي الْجَمِيعِ فَإِنْ سَافَرَ بِهِ أَوْ أَبْضَعَهُ بِلَا إذْنٍ ضَمِنَ أَوْ بَاعَ بِشَيْءٍ مِنْ الْبَقِيَّةِ بِلَا إذْنٍ صَحَّ فِي نَصِيبِهِ فَقَطْ وَانْفَسَخَتْ الشَّرِكَةُ فِي الْمَبِيعِ وَصَارَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَالشَّرِيكِ وَتَعْبِيرِي بِمَصْلَحَةٍ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ بِلَا ضَرَرٍ لِاقْتِضَائِهِ جَوَازَ الْبَيْعِ بِثَمَنِ المثل مع رَاغِبٍ بِزِيَادَةٍ وَمِنْ قَوْلِ الْمُحَرَّرِ بِغِبْطَةٍ لِاقْتِضَائِهِ الْمَنْعَ مِنْ شِرَاءِ مَا يُتَوَقَّعُ رِبْحُهُ إذْ الْغِبْطَةُ إنَّمَا هِيَ تَصَرُّفٌ فِيمَا فِيهِ رِبْحٌ عَاجِلٌ لَهُ بَالٌ.
" وَلِكُلٍّ " مِنْ الشَّرِيكَيْنِ " فَسْخُهَا " أَيْ الشَّرِكَةِ مَتَى شَاءَ كَالْوَكَالَةِ " وَيَنْعَزِلَانِ " عَنْ التَّصَرُّفِ " بِمَا يَنْعَزِلُ بِهِ الْوَكِيلُ " كَمَوْتِ أَحَدِهِمَا وجنونه وإغمائه وَغَيْرِهَا مِمَّا يَأْتِي فِي الْوَكَالَةِ وَاسْتَثْنَى فِي الْبَحْرِ إغْمَاءً لَا يَسْقُطُ بِهِ فَرْضُ صَلَاةٍ فَلَا فَسْخَ بِهِ لِأَنَّهُ خَفِيفٌ قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَتَعْبِيرِي بِمَا ذُكِرَ أَعَمُّ وَأَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ وَيَنْعَزِلَانِ بِفَسْخِهِمَا وَتَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَبِجُنُونِهِ وَإِغْمَائِهِ لَا عَازِلٍ فَلَا يَنْعَزِلُ " بِعَزْلِهِ لِلْآخَرِ " فَيَتَصَرَّفُ فِي نَصِيبِ الْمَعْزُولِ فَإِنْ أَرَادَ الْآخَرُ عَزْلَهُ فَلْيَعْزِلْهُ " وَالرِّبْحُ وَالْخَسْرُ بِقَدْرِ الْمَالَيْنِ " بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ لَا الْأَجْزَاءِ " وَإِنْ " تَفَاوَتَ الشَّرِيكَانِ فِي الْعَمَلِ أَوْ " شَرَطَا خِلَافَهُ " بِأَنْ شَرَطَا التَّسَاوِيَ فِيهِمَا مَعَ التَّفَاوُتِ فِي الْمَالِ أَوْ عَكْسَهُ أَوْ شَرَطَاهُمَا بِقَدْرِ الْعَمَلَيْنِ عَمَلًا بِقَضِيَّةِ الشَّرِكَةِ " وَتَفْسُدُ " أَيْ الشَّرِكَةُ " بِهِ " أَيْ بِشَرْطِ خِلَافِهِ لِمُخَالَفَةِ ذَلِكَ مَوْضُوعَهَا " فَلِكُلٍّ " مِنْهُمَا " عَلَى الْآخَرِ أُجْرَةُ عَمَلِهِ لَهُ " كَمَا فِي الْقِرَاضِ الْفَاسِدِ نعم لو تساويا في المال وشرطا الْأَقَلَّ لِلْأَكْثَرِ عَمَلًا لَمْ يَرْجِعْ بِالزَّائِدِ لِأَنَّهُ عَمِلَ مُتَبَرِّعًا " وَنَفَذَ التَّصَرُّفُ " مِنْهُمَا لِلْإِذْنِ " وَالشَّرِيكُ كَمُودَعِ " فِي أَنَّهُ أَمِينٌ فَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فِي الرَّدِّ إلَى شَرِيكِهِ وَفِي الْخَسْرِ وَالتَّلَفِ وَيَأْتِي هُنَا فِي دَعْوَى التَّلَفِ مَا يَأْتِي ثَمَّ وسيأتي بَيَانُهُ وَتَعْبِيرِي بِمَا ذُكِرَ أَوْلَى مِمَّا عَبَّرَ بِهِ " وَحَلَفَ " الشَّرِيكُ فَيُصَدَّقُ " فِي " قَوْلِهِ " اشْتَرَيْتُهُ " لِي أَوْ لِلشَّرِكَةِ " أَوْ أَنَّ مَا بِيَدِي لِي أَوْ لِلشَّرِكَةِ " لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِقَصْدِهِ فِي الأولى وَعَمَلًا بِالْيَدِ فِي الثَّانِيَةِ بِقِسْمَيْهَا " لَا فِي" قَوْلِهِ " اقْتَسَمْنَا وَصَارَ " مَا بِيَدِي " لِي " مَعَ قَوْلِ الْآخَرِ لَا بَلْ هُوَ مُشْتَرَكٌ فَالْمُصَدَّقُ الْمُنْكِرُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْقِسْمَةِ وَذِكْرُ التَّحْلِيفِ من زيادتي.

(1/256)