فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب ط دار الفكر

كتاب الغصب
هو استيلاء على حق غير بلا حق كركوبه دابة غيره وجلوسه على فراشه وإزعاجه عن داره ودخوله لها بقصد استيلاء فَإِنْ كَانَ الْمَالِكُ فِيهَا وَلَمْ يُزْعِجْهُ فَغَاصِبٌ لنصفها إن عد مستوليا ولو منع المالك بيتا منها فغاصب له فقط وعلى الغاصب رد ضمان متمول تلف كما لو أتلفه بيد مالكه أو فتح زقا مطروحا فخرج ما فيه بالفتح أَوْ مَنْصُوبًا فَسَقَطَ بِهِ وَخَرَجَ مَا فِيهِ أو بابا عن غير مميز كطير فذهب حالا وَضَمِنَ آخِذُ مَغْصُوبٍ وَالْقَرَارُ عَلَيْهِ إنْ تَلِفَ عنده إلا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كِتَابُ الْغَصْبِ.
الْأَصْلُ فِي تَحْرِيمِهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} 1 لَا يَأْكُلْ بَعْضُكُمْ مَالَ بَعْضٍ بِالْبَاطِلِ وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ رواه الشيخان.
" وهو " لُغَةً أَخْذُ الشَّيْءِ ظُلْمًا وَقِيلَ أَخْذُهُ ظُلْمًا جِهَارًا وَشَرْعًا " اسْتِيلَاءٌ عَلَى حَقِّ غَيْرٍ " وَلَوْ مَنْفَعَةً كَإِقَامَةِ مَنْ قَعَدَ بِمَسْجِدٍ أَوْ سُوقٍ أَوْ غَيْرِ مَالٍ كَكَلْبٍ نَافِعٍ وَزِبْلٍ " بِلَا حَقٍّ " كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ بَدَلَ قَوْلِهِ كَالرَّافِعِيِّ عُدْوَانًا فَدَخَلَ فِيهِ مَا لَوْ أَخَذَ مَالَ غَيْرِهِ يَظُنُّهُ مَالَهُ فَإِنَّهُ غَصْبٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إثْمٌ وَقَوْلُ الرَّافِعِيِّ إنَّ الثَّابِتَ فِي هَذِهِ حُكْمُ الْغَصْبِ لَا حَقِيقَتُهُ مَمْنُوعٌ وَهُوَ نَاظِرٌ إلَى أَنَّ الْغَصْبَ يَقْتَضِي الْإِثْمَ مُطْلَقًا وَلَيْسَ مُرَادًا وَإِنْ كَانَ غالبا والغصب " كركوبه دابة غيره وجلوسه عل فِرَاشِهِ " وَإِنْ لَمْ يَنْقُلْهُمَا وَلَمْ يَقْصِدْ الِاسْتِيلَاءَ " وإزعاجه " له " عن داره " بأن أخرجه منها وإن لم يدخلها ولم يَقْصِدْ الِاسْتِيلَاءَ "وَدُخُولَهُ لَهَا" وَلَيْسَ الْمَالِكُ فِيهَا " بقصد الاستيلاء " عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا " فَإِنْ كَانَ الْمَالِكُ فِيهَا وَلَمْ يُزْعِجْهُ فَغَاصِبٌ لِنِصْفِهَا " لِاسْتِيلَائِهِ مَعَ الْمَالِكِ عَلَيْهَا هَذَا " إنْ عُدَّ مُسْتَوْلِيًا " عَلَى مَالِكِهَا فَإِنْ لَمْ يُعَدَّ مُسْتَوْلِيًا عَلَيْهِ لِضَعْفِهِ فَلَا يَكُونُ غَاصِبًا لِشَيْءٍ مِنْهَا وَكَذَا لَوْ دخلها لا بقصد الاستيلاء كأن دخلها ينظر هَلْ تَصْلُحُ لَهُ أَوْ لِيَتَّخِذَ مِثْلَهَا " وَلَوْ مَنَعَ الْمَالِكَ بَيْتًا مِنْهَا " دُونَ بَاقِيهَا " فَغَاصِبٌ له فقط " أي دون باقيها لقصده الِاسْتِيلَاءَ عَلَيْهِ " وَعَلَى الْغَاصِبِ رَدٌّ " لِلْمَغْصُوبِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَمَوِّلًا سَوَاءٌ أَكَانَ مَالًا كَحَبَّةِ بر أم لا ككلب نافع وزبل وَخَمْرٍ مُحْتَرَمَةٍ لِخَبَرِ: "عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ".
" وَضَمَانُ مُتَمَوِّلٍ تَلِفَ " بِآفَةٍ أَوْ إتْلَافٍ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُتَمَوِّلِ كَحَبَّةِ بُرٍّ وَكَلْبٍ وَزِبْلٍ فَلَا ضَمَانَ فِيهِ وَكَذَا لَوْ كَانَ التَّالِفُ غَيْرَ مُحْتَرَمٍ كَمُرْتَدٍّ وَصَائِلٍ أَوْ الْغَاصِبُ غَيْرَ أَهْلٍ لِلضَّمَانِ كَحَرْبِيٍّ وَالتَّقْيِيدُ بِالْمُتَمَوِّلِ هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي مِنْ زِيَادَتِي وَاسْتَطْرَدُوا هُنَا مَسَائِلَ يَقَعُ فِيهَا الضَّمَانُ بِلَا غَصْبٍ بِمُبَاشَرَةٍ أَوْ سَبَبٍ فَتَبِعْتهمْ كَالْأَصْلِ بِقَوْلِي " كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ " أي أتلف شخص متمولا " بيد مالكه أن فَتَحَ زِقًّا مَطْرُوحًا " عَلَى أَرْضٍ " فَخَرَجَ مَا فيه بالفتح " وتلف " أَوْ مَنْصُوبًا فَسَقَطَ بِهِ وَخَرَجَ مَا فِيهِ " بِذَلِكَ وَتَلِفَ " أَوْ " فَتَحَ " بَابًا عَنْ غَيْرِ مُمَيِّزٍ كَطَيْرٍ " وَعَبْدٍ مَجْنُونٍ وَهَذَا أَعَمُّ وَأَوْلَى من قوله ولو فتح قفصا عن طَائِرٍ إلَى آخِرِهِ " فَذَهَبَ حَالًا " وَإِنْ لَمْ يهيجه فإنه يضمنه لأن الإتلاف فعله وخروج ذلك المؤدي إلى ضياعه ناشىء عَنْ فِعْلِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْمُتْلَفُ غير متمول سواء أكان مالا كحبة برأم لا ككلب وزبل ومنه غَيْرُ الْمُحْتَرَمِ وَمَا لَوْ كَانَ الْفَاعِلُ غَيْرَ أَهْلٍ لِلضَّمَانِ نَظِيرَ مَا مَرَّ وَبِخِلَافِ مَا لو كان فِي الزِّقِّ الْمَطْرُوحِ أَوْ الْمَنْصُوبِ جَامِدًا وَخَرَجَ بتقريب نار إليه فالضمان على المقرب وَبِخِلَافِ مَا لَوْ سَقَطَ الزِّقُّ بِعُرُوضِ رِيحٍ أَوْ نَحْوِهِ فَخَرَجَ مَا فِيهِ وَفُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا لَوْ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ فَأَذَابَتْهُ وَخَرَجَ حَيْثُ يَضْمَنُهُ الْفَاتِحُ بِأَنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ مُحَقَّقٌ فَقَدْ يَقْصِدُهُ الْفَاتِحُ وَلَا كَذَلِكَ الرِّيحُ وَبِخِلَافِ مَا لَوْ مَكَثَ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ ثُمَّ ذَهَبَ فَلَا يَضْمَنُهُ الْفَاتِحُ لِأَنَّ ضَيَاعَهُ لَمْ يَنْشَأْ عَنْ فِعْلِهِ لِأَنَّ ذَهَابَهُ بَعْدَ مُكْثِهِ يشعر باختياره.
__________
1 النساء: 29.

(1/274)


إن جهل ويده أمينة بلا اتهاب كوديعة فعكسه ومتى أتلف فالقرار عليه وإن حمله الغاصب عليه لغرضه كأن قدم له طعاما فأكله فلو قدمه لمالكه فأكله برئ.
فصل:
يضمن مغصوب متقوم تلف بأقصى قيمة من غصب إلى تلف وأبعاضه بما نقص منه إلا إن تلفت من رقيق ولها مقدر من حر فبأكثر الأمرين ومثلى وَهُوَ مَا حَصَرَهُ كَيْلٌ أَوْ وَزْنٌ وَجَازَ سلمه كماء وتراب ونحاس ومسك وقطن ودقيق بِمِثْلِهِ فِي أَيْ مَكَان حَلَّ بِهِ الْمِثْلِيُّ فَإِنْ فُقِدَ فَبِأَقْصَى قِيَمِ الْمَكَانِ مِنْ غَصْبٍ إلى فقد ولو نقل المغصوب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
" وَضَمِنَ آخِذُ مَغْصُوبٍ " مِنْ الْغَاصِبِ وَإِنْ جَهِلَ الْغَصْبَ وَكَانَتْ يَدُهُ أَمِينَةً تَبَعًا لِأَصْلِهِ وَالْجَهْلِ وَإِنْ أُسْقِطَ الْإِثْمُ لَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ نَعَمْ لا ضمان على الحاكم ونائبه إذا أخذه لِمَصْلَحَةٍ وَلَا عَلَى مَنْ انْتَزَعَهُ لِيَرُدَّهُ عَلَى مَالِكِهِ إنْ كَانَ الْغَاصِبُ حَرْبِيًّا أَوْ عَبْدًا لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَلَا عَلَى مَنْ تَزَوَّجَ الْمَغْصُوبَةَ مِنْ الْغَاصِبِ جَاهِلًا بِالْحَالِ " وَالْقَرَارُ عَلَيْهِ " أَيْ على آخذه " إن تلف عنده " كَغَاصِبٍ مِنْ غَاصِبٍ فَيُطَالَبُ بِكُلِّ مَا يُطَالَبُ بِهِ الْأَوَّلُ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْأَوَّلِ إنْ غرم عَلَيْهِ الْأَوَّلُ إنْ غَرِمَ إلَّا إذَا كَانَتْ الْقِيمَةُ فِي يَدِ الْأَوَّلِ أَكْثَرَ فَيُطَالَبُ بِالزَّائِدِ الْأَوَّلُ فَقَطْ " إلَّا إنْ جَهِلَ " الْحَالَ " وَيَدُهُ " فِي أَصْلِهَا " أَمِينَةٌ بِلَا اتِّهَابٍ كَوَدِيعَةٍ " وَقِرَاضٍ " فَعَكْسُهُ " أَيْ فَالْقَرَارُ عَلَى الْغَاصِبِ لَا عَلَيْهِ لِأَنَّ يَدَهُ نَائِبَةٌ عَنْ يَدِ الْغَاصِبِ فَإِنْ غَرِمَ الْغَاصِبُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ وَإِنْ غَرِمَ هُوَ رَجَعَ عَلَى الْغَاصِبِ وَمِثْلُهُ مَا لَوْ صَالَ الْمَغْصُوبُ عَلَى شَخْصٍ فَأَتْلَفَهُ وَخَرَجَ بِزِيَادَتِي بِلَا اتِّهَابِ الْمُتَّهِبِ فَالْقَرَارُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ يده أمينة لأنه أخذ لِلتَّمَلُّكِ " وَمَتَى أَتْلَفَ " الْآخِذُ مِنْ الْغَاصِبِ " فَالْقَرَارُ عَلَيْهِ وَإِنْ " كَانَتْ يَدُهُ أَمِينَةً أَوْ " حَمَلَهُ الْغَاصِبُ عَلَيْهِ لَا لِغَرَضِهِ " أَيْ الْغَاصِبِ " كَأَنْ قَدَّمَ لَهُ طَعَامًا " مَغْصُوبًا " فَأَكَلَهُ " لِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى السَّبَبِ لَكِنْ إنْ قَالَ لَهُ هُوَ مُلْكِي وَغَرِمَ لَمْ يَرْجِعُ عَلَى الْمُتْلِفِ لِاعْتِرَافِهِ أَنَّ ظَالِمَهُ غَيْرُهُ وَقَوْلِي لَا لِغَرَضِهِ أَعَمُّ مِمَّا عَبَّرَ بِهِ وَخَرَجَ بِهِ مَا لَوْ كَانَ لِغَرَضِهِ كَأَنْ أَمَرَهُ بِذَبْحِ الشَّاةِ وَقَطْعِ الثَّوْبِ فَفَعَلَ جَاهِلًا فَالْقَرَارُ عَلَى الْغَاصِبِ " فلو قدمه " الغاصب " لمالكه فأكله برىء" وَلَوْ كَانَ الْمَغْصُوبُ رَقِيقًا فَقَالَ الْغَاصِبُ لِمَالِكِهِ أعتقه فأعتقه جاهلا نفذ العتق وبرىء الْغَاصِبُ.
فَصْلٌ: فِي بَيَانِ حُكْمِ الْغَصْبِ وَمَا يُضْمَنُ بِهِ الْمَغْصُوبُ وَغَيْرُهُ.
" يُضْمَنُ مَغْصُوبٌ مُتَقَوِّمٌ تَلِفَ " بِإِتْلَافٍ أَوْ بِدُونِهِ حَيَوَانًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَلَوْ مُكَاتَبًا وَمُسْتَوْلَدَةً " بِأَقْصَى قِيَمِهِ مِنْ " حِينِ: " غُصِبَ إلَى " حِينِ: " تَلِفَ " وَإِنْ زَادَ عَلَى دِيَةِ الْحُرِّ لِتَوَجُّهِ الرَّدِّ عَلَيْهِ حَالَ الزِّيَادَةِ فَيَضْمَنُ الزَّائِدَ وَالْعِبْرَةُ فِي ذَلِكَ بِنَقْدِ مَكَانِ التَّلَفِ إنْ لَمْ يَنْقُلْهُ وَإِلَّا فَيُتَّجَهُ كما فِي الْكِفَايَةِ اعْتِبَارُ نَقْدِ أَكْثَرِ الْأَمْكِنَةِ الْآتِي بيانها " و " يضمن " أبعاضه بِمَا نَقَصَ مِنْهُ " أَيْ مِنْ الْأَقْصَى " إلَّا إن تلفت " بِأَنْ أَتْلَفَهَا الْغَاصِبُ أَوْ غَيْرُهُ " مِنْ رَقِيقٍ وَلَهَا " أَرْشٌ " مُقَدَّرٌ مِنْ حُرٍّ " كَيَدٍ وَرِجْلٍ " ف " ضمن " بِأَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ " مِمَّا نَقَصَ وَالْمُقَدَّرُ فَفِي يَدِهِ أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ مِمَّا نَقَصَ وَنِصْفُ قِيمَتِهِ لِاجْتِمَاعِ الشَّبَهَيْنِ فَلَوْ نَقَصَ بِقَطْعِهَا ثُلُثَا قِيمَتِهِ لَزِمَاهُ النِّصْفُ بِالْقَطْعِ وَالسُّدُسُ بِالْغَصْبِ نَعَمْ إنْ قَطَعَهَا الْمَالِكُ ضَمِنَ الْغَاصِبُ الزَّائِدَ عَلَى النِّصْفِ فَقَطْ وَتَعْبِيرِي بِأَقْصَى قِيَمِهِ فِي الْحَيَوَانِ وَبِأَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ فِي الرَّقِيقِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِهِ فِي الْأَوَّلِ بالقيمة وفي الثاني بالقدر فإذا تلفت الْأَبْعَاضَ مِنْ الرَّقِيقِ وَلَيْسَ مَغْصُوبًا وَجَبَ الْمُقَدَّرُ فَقَطْ كَمَا سَيَأْتِي فِي آخَرِ كِتَابِ الدِّيَاتِ " و " يضمن مغصوب " مثلى " تلف " وَهُوَ مَا حَصَرَهُ كَيْلٌ أَوْ وَزْنٌ وَجَازَ سَلَمُهُ " أَيْ السَّلَمُ فِيهِ " كَمَاءٍ " لَمْ يَغْلِ " وَتُرَابٍ وَنُحَاسٍ " بِضَمِّ النُّونِ أَشْهَرُ مِنْ كَسْرِهَا كَمَا مَرَّ.
" وَمِسْكٍ وَقُطْنٍ " وَإِنْ لَمْ يُنْزَعْ حَبُّهُ " وَدَقِيقٍ " وَنُخَالِهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ " بِمِثْلِهِ " أَيْ يضمن بمثله لآية: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} 1 وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى التَّالِفِ وَمَا عَدَا ذَلِكَ مُتَقَوِّمٌ كَالْمَذْرُوعِ وَالْمَعْدُودِ وَمَا لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ كَمَعْجُونٍ وَغَالِيَةٍ وَمَعِيبٍ وَأَوْرَدَ عَلَى التَّعْرِيفِ الْبُرَّ الْمُخْتَلِطَ بِشَعِيرٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ مَعَ أَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الْمِثْلُ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى التَّالِفِ فَيَخْرُجُ الْقَدْرُ الْمُحَقَّقُ مِنْهُمَا ويجاب بأن إيجاب رد مثله كَوْنُهُ مِثْلِيًّا كَمَا فِي إيجَابِ رَدِّ مِثْلِ المتقوم في القرض.
__________
1 البقرة: 194.

(1/275)


طولب برده وبأقصى قيمه للحيلولة وَلَوْ تَلِفَ الْمِثْلِيُّ فَلَهُ مُطَالَبَتُهُ بِمِثْلِهِ فِي غير المكان إن لم يكن لنقله مؤنة وأمن وإلا فبأقصى قيم المكان وَيُضْمَنُ مُتَقَوِّمٌ أُتْلِفَ بِلَا غَصْبٍ بِقِيمَتِهِ وَقْتَ تلف فإن تلف بسراية جناية فبألأقصى وَلَا يُرَاقُ مُسْكِرٌ عَلَى ذِمِّيٍّ لَمْ يُظْهِرْهُ ويرد عليه كمحترم على مسلم وَلَا شَيْءَ فِي إبْطَالِ أَصْنَامٍ وَآلَاتِ لَهْوٍ وتفصيل بلا كسر فإن عجز أبطلها كيف تيسر وَيَضْمَنُ فِي غَصْبِ مَنْفَعَةِ مَا يُؤَجَّرُ إلَّا حرا فبتفويت كبضع ونحو مسجد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَبِأَنَّ امْتِنَاعَ السَّلَمِ فِي جُمْلَتِهِ لَا يُوجِبُ امْتِنَاعَهُ فِي جُزْأَيْهِ الْبَاقِيَيْنِ بِحَالِهِمَا وَرَدُّ الْمِثْلِ إنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ إلَيْهِمَا وَالسَّلَمُ فِيهِمَا جَائِزٌ وَيَضْمَنُ الْمِثْلِيَّ بِمِثْلِهِ " فِي أَيْ مَكَان حَلَّ به المثلى " ولوتلف فِي مَكَان نُقِلَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ كَانَ مُطَالَبًا بِرَدِّهِ فِي أَيْ مَكَان حَلَّ بِهِ وَإِنَّمَا يَضْمَنُ الْمِثْلِيَّ بِمِثْلِهِ إذَا بَقِيَ لَهُ قِيمَةٌ فَلَوْ أَتْلَفَ مَاءً بِمَفَازَةٍ مَثَلًا ثُمَّ اجْتَمَعَا عِنْدَ نَهْرٍ وَجَبَتْ قِيمَتُهُ بِالْمَفَازَةِ وَلَوْ صَارَ المثلى متقوما أو مِثْلِيًّا كَجَعْلِ الدَّقِيقِ خُبْزًا وَالسِّمْسِمِ شَيْرَجًا وَالشَّاةِ لَحْمًا ثُمَّ تَلِفَ ضُمِنَ بِمِثْلِهِ إلَّا أَنْ يكون الآخر أكثر قيمة فيضمن به في الثَّانِي وَبِقِيمَتِهِ فِي الْآخَرَيْنِ وَالْمَالِكُ فِي الثَّانِي مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْمِثْلَيْنِ أَمَّا لَوْ صَارَ الْمُتَقَوِّمُ مُتَقَوِّمًا كَإِنَاءِ نُحَاسٍ صِيَغَ مِنْهُ حُلِيٌّ فَيَجِبُ فِيهِ أَقْصَى الْقِيَمِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ.
" فَإِنْ فُقِدَ " الْمِثْلُ حِسًّا أَوْ شَرْعًا كَأَنْ لَمْ يُوجَدْ بِمَكَانِ الْغَصْبِ وَلَا حَوَالَيْهِ أَوْ وُجِدَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ " فَ " يُضْمَنُ " بِأَقْصَى قِيَمِ الْمَكَانِ " الَّذِي حَلَّ بِهِ الْمِثْلِيُّ "مِنْ" حِينِ: " غُصِبَ إلَى " حِينِ: " فُقِدَ " لِلْمِثْلِ لِأَنَّ وُجُودَ الْمِثْلِ كَبَقَاءِ الْعَيْنِ فِي لُزُومِ تَسْلِيمِهِ فَلَزِمَهُ ذَلِكَ كَمَا فِي الْمُتَقَوِّمِ وَلَا نَظَرَ إلَى مَا بَعْدَ الْفَقْدِ كَمَا لَا نَظَرَ إلَى مَا بَعْدَ تَلَفِ الْمُتَقَوِّمِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمِثْلُ مَفْقُودًا عِنْدَ التَّلَفِ كَمَا صَوَّرَهُ الْمُحَرَّرُ وَإِلَّا ضُمِنَ بِالْأَكْثَرِ مِنْ الْغَصْبِ إلَى التَّلَفِ وَتَعْبِيرِي فِي هَذَا وَفِيمَا قَبْلَهُ أَعَمُّ مِمَّا عَبَّرَ بِهِ " وَلَوْ نُقِلَ الْمَغْصُوبُ " وَلَوْ مُتَقَوِّمًا لِمَكَانٍ آخَرَ " طُولِبَ بِرَدِّهِ " إلَى مَكَانِهِ " وَبِأَقْصَى قِيَمِهِ " مِنْ الْغَصْبِ إلَى الْمُطَالَبَةِ " لِلْحَيْلُولَةِ " بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِكِهِ إنْ كَانَ بِمَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ وَإِلَّا فَلَا يُطَالَبُ إلَّا بِالرَّدِّ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهَذَا قَدْ يَظْهَرُ فِيمَا إذَا لَمْ يُخَفْ هَرَبُ الْغَاصِبِ أو تواريه وإلا فالأوجه عدم التفرقة بَيْنَ الْمَسَافَتَيْنِ وَمَعْنَى كَوْنِ الْقِيمَةِ لِلْحَيْلُولَةِ أَنَّهُ إذا رد إليه الْمَغْصُوبَ رَدَّهَا إنْ بَقِيَتْ وَإِلَّا فَبَدَلَهَا لِأَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَهَا لِلْحَيْلُولَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَلَكَهَا مِلْكَ قَرْضٍ وَتَعْبِيرِي بِمَا ذُكِرَ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِهِ بِمَا ذَكَرَهُ.
" وَلَوْ تَلِفَ الْمِثْلِيُّ فَلَهُ مُطَالَبَتُهُ بِمِثْلِهِ فِي غَيْرِ الْمَكَانِ " الَّذِي حَلَّ بِهِ المثلى " إنْ لَمْ يَكُنْ لِنَقْلِهِ مُؤْنَةٌ " كَنَقْدٍ يَسِيرٍ " وأمن " الطريق الذي حل به المثلى فيطالب لِلْفَيْصُولَةِ سَوَاءٌ أَنُقِلَ مِنْ مَكَانِ الْغَصْبِ أَمْ لَا فَلَا يُطَالَبُ بِالْمِثْلِ وَلَا لِلْغَاصِبِ تَكْلِيفُهُ قَبُولَ الْمِثْلِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ وَقَوْلِي وَأَمِنَ مِنْ زِيَادَتِي وَتَعْبِيرِي بِمَا ذُكِرَ أولى مما ذكره ومعنى كون القيمة للفيصولة أَنَّهُ إذَا غَرِمَهَا ثُمَّ اجْتَمَعَا فِي الْمَكَانِ الْمَذْكُورِ لَيْسَ لِلْمَالِكِ رَدُّهَا وَطَلَبُ الْمِثْلِ وَلَا للآخر استرداد القيمة وبدل الْمِثْلِ " وَيُضْمَنُ مُتَقَوِّمٌ أُتْلِفَ بِلَا غَصْبٍ بِقِيمَتِهِ وَقْتَ تَلَفٍ " لِأَنَّهُ بَعْدَهُ مَعْدُومٌ وَضَمَانُ الزَّائِدِ فِي الْمَغْصُوبِ إنَّمَا كَانَ بِالْغَصْبِ وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا وَلَوْ أَتْلَفَ عَبْدًا مُغَنِّيًا لَزِمَهُ تَمَامُ أو قيمتها أَوْ أَمَةً مُغَنِّيَةً لَمْ يَلْزَمْهُ مَا زَادَ على قيمته بِسَبَبِ الْغِنَاءِ عَلَى النَّصِّ الْمُخْتَارِ فِي الرَّوْضَةِ لِأَنَّ اسْتِمَاعَهُ مِنْهَا مُحَرَّمٌ عِنْدَ خَوْفِ الْفِتْنَةِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْعَبْدَ الْأَمْرَدَ كَذَلِكَ " فَإِنْ تَلِفَ بسراية جناية فبالأقصى " من الجنابة إلَى التَّلَفِ يَضْمَنُ لِأَنَّا إذَا اعْتَبَرْنَا الْأَقْصَى فِي الْغَصْبِ فَفِي نَفْسِ الْإِتْلَافِ أَوْلَى.
" وَلَا يُرَاقُ مُسْكِرٌ عَلَى ذِمِّيٍّ لَمْ يُظْهِرْهُ " بِنَحْوِ شُرْبٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ لِأَنَّهُ مُقَرَّرٌ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِهِ فَإِنْ أَظْهَرَهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَوْ لِمِثْلِهِ أُرِيقَ عَلَيْهِ لِتَعَدِّيهِ وَإِطْلَاقِي إظْهَارَهُ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْجِزْيَةِ فَتَقْيِيدُ الْأَصْلِ كالروضة وأصلها بِالشُّرْبِ وَالْبَيْعِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ " وَيُرَدُّ " الْمُسْكِرُ الْمَذْكُورُ " عَلَيْهِ " لِإِقْرَارِهِ عَلَيْهِ فَإِنْ تَلِفَ فَلَا ضَمَانَ لِعَدَمِ الْمَالِيَّةِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ " كَمُحْتَرَمٍ " أَيْ كَمَا يَجِبُ رَدُّ مُسْكِرٍ مُحْتَرَمٍ " عَلَى مُسْلِمٍ " إذَا غُصِبَ مِنْهُ لِأَنَّ لَهُ إمْسَاكَهُ لِيَصِيرَ خَلًّا بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُحْتَرَمِ وَفَسَّرَ الشيخان هنا الخمرة المحترمة بما عصر لَا بِقَصْدِ الْخَمْرِيَّةِ وَفِي الرَّهْنِ بِمَا عُصِرَ بِقَصْدِ الْخَلِّيَّةِ وَتَعْبِيرِي فِيمَا ذُكِرَ بِالْمُسْكِرِ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالْخَمْرِ " وَلَا شَيْءَ فِي إبْطَالِ أَصْنَامٍ وَآلَاتِ لَهْوٍ " كَطُنْبُورٍ لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةُ الِاسْتِعْمَالِ ولا حرمة لصنعتها " وتفصيل " في إبطالها " بلا كسر" لزوال الإثم بذلك " فإن عجز " عن تفصيلها " أبطلها كف تَيَسَّرَ " إبْطَالُهَا بِكَسْرٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَا يَجُوزُ إحْرَاقُهَا إذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ طَرِيقًا لِأَنَّ رُضَاضَهَا مُتَمَوَّلٌ مُحْتَرَمٌ فَمَنْ أَحْرَقَهَا لَزِمَهُ قِيمَتُهَا مَكْسُورَةً بالحد المشروع ومن.

(1/276)


فصل:
يحلف غاصب في تلفه وقيمته وثياب رقيق وعيب خلقي ولو رده ناقص قيمة فلا شيء وَلَوْ غَصَبَ ثَوْبًا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ فَصَارَتْ بِرُخْصٍ درهما ثم بلبس نصفه رده مع خمسة أو تلف أحد خفين مغصوبا وَقِيمَتُهُمَا عَشَرَةٌ وَقِيمَةُ الْبَاقِي دِرْهَمَانِ لَزِمَهُ ثَمَانِيَةٌ كما لو أتلفه بيد مالكه ولو حدث نقص يسري لتلف كأن جعل البر هريسة فكتالف وَلَوْ جَنَى مَغْصُوبٌ فَتَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ مَالٌ فَدَاهُ الغاصب بالأقل من قيمته والمال فإن تلف في يده غرمه المالك وللمجنى عليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
جَاوَزَهُ بِغَيْرِ إحْرَاقٍ لَزِمَهُ التَّفَاوُتُ بَيْنَ قِيمَتِهَا مَكْسُورَةً بِالْحَدِّ الْمَشْرُوعِ وَقِيمَتِهَا مُنْتَهِيَةً إلَى الْحَدِّ الَّذِي أَتَى بِهِ وَيَشْتَرِكُ فِي جَوَازِ إزَالَةِ الْمُنْكَرِ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى وَلَوْ أَرِقَّاءَ أَوْ فَسَقَةً وَالصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ وَيُثَابُ عَلَيْهَا كَمَا يُثَابُ الْبَالِغُ وَإِنَّمَا تَجِبُ عَلَى قَادِرٍ غَيْرِ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ.
" وَيَضْمَنُ فِي غَصْبِ مَنْفَعَةِ مَا يُؤَجَّرُ " كدار ودابة بتقويتها وَفَوَاتِهَا كَأَنْ يَسْكُنَ الدَّارَ أَوْ يَرْكَبَ الدَّابَّةَ أَوْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ مُتَقَوِّمَةٌ كَالْأَعْيَانِ سَوَاءٌ أَكَانَ مَعَ ذَلِكَ أَرْشٌ نَقَصَ أَمْ لَا وَيُضْمَنُ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ سَلِيمًا قَبْلَ النَّقْصِ وَمَعِيبًا بَعْدَهُ فَإِنْ تَفَاوَتَتْ الْأُجْرَةُ فِي الْمُدَّةِ ضُمِنَتْ كُلُّ مُدَّةٍ بِمَا يُقَابِلُهَا أَوْ كَانَ لِلْمَغْصُوبِ صَنَائِعُ وَجَبَ أُجْرَةُ أَعْلَاهَا إنْ لم يمكن جمعها وَإِلَّا فَأُجْرَةُ الْجَمِيعِ كَخِيَاطَةٍ وَحِرَاسَةٍ وَتَعْلِيمِ قُرْآنٍ " إلَّا حُرًّا فَبِتَفْوِيتٍ " تُضْمَنُ مَنْفَعَتُهُ بِأَنْ يَقْهَرَهُ عَلَى عَمَلٍ نَعَمْ إنْ قَهَرَ عَلَيْهِ مُرْتَدًّا فَلَا أُجْرَةَ لَهُ إنْ مَاتَ مُرْتَدًّا أَمَّا فَوَاتُهَا كَأَنْ يَحْبِسَ حُرًّا فَلَا يَضْمَنُهَا بِهِ لِأَنَّ الْحُرَّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ " كَبِضْعٍ وَنَحْوِ مَسْجِدٍ " كَشَارِعٍ وَرِبَاطٍ فَتُضْمَنُ مَنْفَعَتُهَا بِالتَّفْوِيتِ بِأَنْ يَطَأَ الْبِضْعَ فَيَضْمَنُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ كَمَا سَيَأْتِي وَكَأَنْ يَشْغَلَ الْمَسْجِدَ وَنَحْوَهُ بِأَمْتِعَةٍ لَا بالفوات كأن يحبس امرأة ويمنع الناس المسجد ونحوه بلا إشغال بِأَمْتِعَةٍ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ وَخَرَجَ بِمَا يُؤَجَّرُ مَا لَا يُؤَجَّرُ أَيْ ما لا تصح إجارته لكونه غير مال كَكَلْبٍ وَخِنْزِيرٍ أَوْ لِكَوْنِهِ مُحَرَّمًا كَآلَاتِ لَهْوٍ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ كَالْحُبُوبِ فَلَا تُضْمَنُ مَنْفَعَتُهُ إذْ لَا أُجْرَةَ لَهُ وَقَوْلِي وَنَحْوَ مَسْجِدٍ من زيادتي.
فَصْلٌ:
فِي اخْتِلَافِ الْمَالِكِ وَالْغَاصِبِ وَضَمَانِ مَا ينقص به المغصوب وما يذكر معها.
" يَحْلِفُ غَاصِبٌ " فَيُصَدَّقُ " فِي تَلَفِهِ " أَيْ الْمَغْصُوبِ إنْ ادَّعَاهُ وَأَنْكَرَهُ الْمَالِكُ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ صَادِقًا وَيَعْجَزُ عَنْ الْبَيِّنَةِ فَلَوْ لَمْ نُصَدِّقْهُ لَتُخُلِّدَ الْحَبْسُ عَلَيْهِ فَيَغْرَمُ بَعْدَ حَلْفِهِ بَدَلَهُ مِنْ مِثْلٍ أَوْ قِيمَةٍ لِمَالِكِهِ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ الْوُصُولِ إلَيْهِ بِيَمِينِ الْغَاصِبِ " وَ " فِي " قِيمَتِهِ " بَعْدَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى تَلَفِهِ أَوْ بَعْدَ حَلْفِ الْغَاصِبِ عَلَيْهِ " وَ " فِي " ثِيَابِ رَقِيقٍ " مَغْصُوبٍ كَأَنْ قَالَ هِيَ لِي وَقَالَ الْمَالِكُ بَلْ هِيَ لِي " وَ " فِي " عَيْبٍ خِلْقِيٍّ " بِهِ كَأَنْ قَالَ كَانَ أَعْمَى أَوْ أَعْرَجَ خِلْقَةً وَقَالَ الْمَالِكُ بَلْ حَدَثَ عِنْدَك وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ مِنْ الزِّيَادَةِ فِي الْأُولَى من هذه الثلاثة وَعَدَمُ مَا يَدَّعِيهِ الْمَالِكُ فِي الثَّالِثَةِ وَلِثُبُوتِ يَدِهِ فِي الثَّانِيَةِ عَلَى الْعَبْدِ وَمَا عَلَيْهِ وَخَرَجَ بِالْخِلْقِيِّ الْحَادِثُ كَأَنْ قَالَ بَعْدَ تَلَفِ الْمَغْصُوبِ كَانَ أَقْطَعَ أَوْ سَارِقًا وَأَنْكَرَ الْمَالِكُ فَيُصَدَّقُ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ السَّلَامَةُ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ رَدِّهِ فَالْمُصَدَّقُ الْغَاصِبُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ مِنْ الزِّيَادَةِ " وَلَوْ رَدَّهُ نَاقِصَ قِيمَةٍ " لِرُخْصٍ " فَلَا شَيْءَ " عَلَيْهِ لِبَقَائِهِ بِحَالِهِ " وَلَوْ غَصَبَ ثَوْبًا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ فَصَارَتْ بِرُخْصٍ دِرْهَمًا ثُمَّ بِلُبْسٍ " مَثَلًا " نِصْفَهُ " أَيْ نِصْفَ دِرْهَمٍ " رَدَّهُ " وَأُجْرَتَهُ " مَعَ خَمْسَةٍ " وَهِيَ قِسْطُ التَّالِفِ مِنْ أَقْصَى قِيَمِهِ وَهُوَ الْعَشَرَة " أَوْ تَلِفَ " بِآفَةٍ أَوْ إتْلَافِ " أَحَدِ خُفَّيْنِ " أَيْ فَرْدَيْ خُفٍّ " مَغْصُوبًا " وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الْبَاقِي " وَقِيمَتُهُمَا عَشَرَةٌ وَقِيمَةُ الْبَاقِي دِرْهَمَانِ لَزِمَهُ ثَمَانِيَةٌ " خَمْسَةٌ قِيمَةُ التَّالِفِ وَثَلَاثَةٌ أَرْشُ التَّفْرِيقِ الْحَاصِلِ بِذَلِكَ " كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ " أَيْ أَحَدَهُمَا " بِيَدِ مَالِكِهِ " وَالْقِيمَةُ لَهُمَا وَلِلْبَاقِي مَا ذَكَرَ فَيَلْزَمُهُ ثَمَانِيَةٌ.
" وَلَوْ حَدَثَ " بِالْمَغْصُوبِ " نَقْصٌ يسري لتلف كان " هُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ بِأَنْ " جَعَلَ الْبُرَّ هَرِيسَةً " أَوْ الدَّقِيقَ عَصِيدَةً " فَكَتَالِفٍ " لِإِشْرَافِهِ عَلَى التَّلَفِ فَيَضْمَنُ بَدَلَهُ مِنْ مِثْلٍ أَوْ قِيمَةٍ وهل يملكه الغاصب إتماما للتشبيه بالتلف أَوْ يَبْقَى لِلْمَالِكِ لِئَلَّا يَقْطَعَ الظُّلْمُ حَقَّهُ وجهان رَجَّحَ مِنْهُمَا ابْنُ يُونُسَ الْأَوَّلَ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْإِمَامِ وَصَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ وَإِنْ كَانَ الْمُخْتَارُ عِنْدَهُ مَا اسْتَحْسَنَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَنَسَبَهُ الْإِمَامُ إلَى النَّصِّ مِنْ أَنَّ الْمَالِكَ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ جَعْلِهِ كَالتَّالِفِ وَبَيْنَ أَخْذِهِ مَعَ أَرْشِ عَيْبٍ سَارٍ أَيْ شَأْنُهُ السِّرَايَةُ وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ أَرْشِ عَيْبٍ وَاقِفٍ " وَلَوْ جَنَى " رَقِيقٌ " معصوب فتعلق برقبته مال فداه الغاصب ".

(1/277)


أخذ حقه مما أخذه المالك ثم يرجع على الغاصب كما لورد فبيع في الجناية ولو غصب أرضا فنقل ترابها رده أو مثله كما كان بطلب أو لغرضه وعليه أجرة مدة رد مع أرش نقص ولو غصب دهنا وأغلاه فنقصت عينه رده وغرم الذاهب أو قيمته لزمه أرش أو هما غرم الذاهب مع أرش نقصه ولا يجبر سمن نقص هزال ويجبر نسيان صنعة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وجوبا لحصول الجناية فِي يَدِهِ " بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَالْمَالِ " الَّذِي وَجَبَ بِالْجِنَايَةِ " فَإِنْ تَلِفَ " الْجَانِي " فِي يَدِهِ " أي الغاصب " غرمه المالك " أقصى قيمته " وَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَخْذُ حَقِّهِ مِمَّا أَخَذَهُ الْمَالِكُ " لِأَنَّهُ بَدَلُ الرَّقَبَةِ " ثُمَّ يَرْجِعُ " الْمَالِكُ بِمَا أخذه مِنْهُ " عَلَى الْغَاصِبِ " لِأَنَّهُ أَخَذَ بِجِنَايَةٍ فِي يَدِهِ وَأَفَادَ التَّرْتِيبُ بِثُمَّ أَنَّهُ لَوْ طَلَبَ مِنْهُ الْمَالِكُ الْأَرْشَ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ الْقِيمَةَ لَمْ يَجِبْ إلَيْهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ لِاحْتِمَالِ الْإِبْرَاءِ نَعَمْ لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِالْأَدَاءِ كَمَا يُطَالِبُ بِهِ الضَّامِنُ الْمَضْمُونَ ذَكَرَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ مَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أَنَّ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَخْذَ حَقِّهِ مِنْ الْغَاصِبِ " كَمَا لَوْ رَدَّ " الْجَانِي لِمَالِكِهِ " فَبِيعَ فِي الْجِنَايَةِ " فَيَرْجِعُ الْمَالِكُ بِمَا أَخَذَهُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ عَلَى الْغَاصِبِ لِمَا مَرَّ.
" وَلَوْ غَصَبَ أَرْضًا فَنَقَلَ تُرَابَهَا " بِكَشْطِهِ عَنْ وَجْهِهَا أَوْ حَفَرَهَا " رَدَّهُ " إنْ بَقِيَ " أَوْ مِثْلَهُ " إنْ تَلِفَ " كَمَا كَانَ " قَبْلَ النَّقْلِ مِنْ انْبِسَاطٍ أَوْ غَيْرِهِ " بِطَلَبٍ " مِنْ مَالِكِهَا " أَوْ لِغَرَضِهِ " أَيْ الْغَاصِبِ وَإِنْ مَنَعَهُ الْمَالِكُ مِنْ الرَّدِّ كَأَنْ دَخَلَ الْأَرْضَ نَقْصٌ يَرْتَفِعُ بِالرَّدِّ أَوْ نَقَلَ التُّرَابَ إلَى مَكَان وَأَرَادَ تَفْرِيغَهُ مِنْهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَلَبٌ وَلَا غَرَضٌ لَمْ يُرَدَّ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَا غَرَضَ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَرَضٌ سِوَى دَفْعِ الضَّمَانِ بِتَعَثُّرٍ بِالْحَفِيرَةِ أَوْ بِنَقْصِ الْأَرْضِ وَمَنَعَهُ الْمَالِكُ مِنْ الطَّمِّ فِيهِمَا وَأَبْرَأَهُ مِنْ الضَّمَانِ فِي الثَّانِيَةِ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الطَّمُّ وَانْدَفَعَ عَنْهُ الضَّمَانُ وَلَوْ رَدَّ التُّرَابَ وَمَنَعَهُ الْمَالِكُ مِنْ بَسْطِهِ لَمْ يَبْسُطْهُ وَإِنْ كَانَ فِي الْأَصْلِ مَبْسُوطًا وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ يَرُدُّ التُّرَابَ إلَى مَكَانِهِ إذَا لَمْ يَدْخُلْ الْأَرْضَ نَقْصٌ مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَتَيَسَّرْ نَقْلُهُ إلَى مَوَاتٍ وَنَحْوِهِ فِي طَرِيقِ الرد فإن تيسر قال الإمان لَا يَرُدُّهُ إلَّا بِإِذْنٍ " وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مُدَّةِ رَدٍّ " لِلتُّرَابِ إلَى مَكَانِهِ وَإِنْ كَانَ آتِيًا بِوَاجِبٍ كَمَا تَلْزَمُهُ أُجْرَةُ مَا قَبْلَهُ " مَعَ أَرْشِ نَقْصٍ " فِي الْأَرْضِ بَعْدَ الرَّدِّ إنْ كان.
" ولو غصب دهنا " كزيت " وأغلاه فَنَقَصَتْ عَيْنُهُ " دُونَ قِيمَتِهِ " رَدَّهُ وَغَرِمَ الذَّاهِبَ " بِأَنْ يَرُدَّ مِثْلَهُ وَلَا يَنْجَبِرُ نَقْصُهُ بِزِيَادَةِ قِيمَتِهِ لِأَنَّ لَهُ مِقْدَارًا وَهُوَ الْمِثْلُ فَأَوْجَبْنَاهُ كَمَا لَوْ خَصَى عَبْدًا فَزَادَتْ قِيمَتُهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ " أَوْ " نَقَصَتْ " قِيمَتُهُ " دُونَ عَيْنِهِ " لزمه أرش أوهما " أَيْ أَوْ نَقَصَتْ الْعَيْنُ وَالْقِيمَةُ مَعًا " غَرِمَ الذَّاهِبَ " وَرُدَّ الْبَاقِيَ " مَعَ أَرْشِ نَقْصِهِ " إنْ نقصت.

(1/278)


تذكرها لا تعلم أخرى وَلَوْ غَصَبَ عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ ثُمَّ تَخَلَّلَ رَدَّهُ مع أرش أو خَمْرًا فَتَخَلَّلَتْ أَوْ جِلْدَ مِيتَةٍ فَدَبَغَهُ رَدَّهُمَا.
فصل:
زيادة المغصوب إن كانت أثرا كقصارة وطحن فلا شيء لغاصب وأزالها إن أمكن بطلب أو لغرضه ولزمه أرش نقص أو عينا كبناء وغراس كلف القلع والأرش وإن صبغ الثَّوْبَ بِصَبْغَةٍ وَأَمْكَنَ فَصْلُهُ كَلَّفَهُ وَإِلَّا فَإِنْ نقصت قيمته لزمه أرش أو زادت اشتركا ولو خلط مغصوبا بغيره وأمكن تمييزه لزمه وإلا فكتالف وله أن يعطيه منه إن خلطه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قِيمَتُهُ كَمَا لَوْ كَانَ صَاعًا يُسَاوِي دِرْهَمًا فَرَجَعَ بِإِغْلَائِهِ إلَى نِصْفِ صَاعٍ يُسَاوِي أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ دِرْهَمٍ فَإِنْ لَمْ تَنْقُصْ قِيمَةُ الْبَاقِي فَلَا أَرْشَ وَإِنْ لَمْ يَنْقُصْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَلَا شَيْءَ غَيْرُ الرَّدِّ وَلَوْ غَصَبَ عَصِيرًا فَأَغْلَاهُ فَنَقَصَتْ عَيْنُهُ دُونَ قِيمَتِهِ لَمْ يَضْمَنْ مِثْلَ الذَّاهِبِ لِأَنَّ الذَّاهِبَ مِنْهُ مَائِيَّةٌ لَا قِيمَةَ لَهَا وَالذَّاهِبُ مِنْ الدُّهْنِ دُهْنٌ مُتَقَوِّمٌ " وَلَا يَجْبُرُ سِمَنٌ " طَارَ " نَقْصَ هُزَالٍ " حَصَلَ قَبْلَهُ كَأَنْ غَصَبَ بَقَرَةً سَمِينَةً فَهَزَلَتْ ثُمَّ سَمِنَتْ عِنْدَهُ لِأَنَّ السِّمَنَ الثَّانِيَ غَيْرُ الأول " ويجبر نسيان صيغة " عِنْدَهُ " تَذَّكَّرَهَا " عِنْدَهُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَوْ عِنْدَ الْمَالِكِ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ مُتَجَدِّدًا عُرْفًا " لَا تَعْلَمُ " صَنْعَةً " أُخْرَى " فَلَا يُجْبَرُ نِسْيَانُ تِلْكَ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ.
" وَلَوْ غَصَبَ عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ ثُمَّ تَخَلَّلَ رَدَّهُ " لِلْمَالِكِ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ " مَعَ أَرْشٍ " لِنَقْصِهِ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَنْقَصَ مِنْ قِيمَةِ الْعَصِيرِ لِحُصُولِهِ فِي يَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَنْقُصْ عَنْ قِيمَتِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُ الرَّدِّ فَإِنْ تَخَمَّرَ وَلَمْ يَتَخَلَّلْ رَدَّ مثله من العصير وَلَزِمَ الْغَاصِبَ الْإِرَاقَةُ قَالَ الشَّيْخَانِ وَلَوْ جُعِلَتْ الْمُحْتَرَمَةُ بِيَدِ الْمَالِكِ مُحْتَرَمَةً بِيَدِ الْغَاصِبِ لَكَانَ جائزا أو ما قَالَاهُ مُتَّجَهٌ " أَوْ " غَصَبَ " خَمْرًا فَتَخَلَّلَتْ أَوْ جلد فَدَبَغَهُ رَدَّهُمَا " لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ لِأَنَّهُمَا فَرْعُ مَا اخْتَصَّ بِهِ فَيَضْمَنُهُمَا الْغَاصِبُ.
فَصْلٌ: فِيمَا يَطْرَأُ عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْ زِيَادَةٍ وَغَيْرِهَا.
" زِيَادَةُ الْمَغْصُوبِ إن كانت أثرا كقاصرة " لِثَوْبٍ " وَطَحْنٍ " لِبُرٍّ " فَلَا شَيْءَ لِغَاصِبٍ " بِسَبَبِهَا لِتَعَدِّيهِ بِهَا وَبِهَذَا فَارَقَ الْمُفْلِسَ حَيْثُ يُشَارِكُ الْبَائِعَ كَمَا مَرَّ " وَأَزَالَهَا إنْ أَمْكَنَ " زَوَالُهَا كأن صاغ حُلِيًّا أَوْ ضَرَبَ النُّحَاسَ إنَاءً " بِطَلَبٍ " مِنْ الْمَالِكِ " أَوْ لِغَرَضِهِ " أَيْ الْغَاصِبِ كَأَنْ يَكُونَ ضربه دراهم بغير إذن السلطان أو غير عياره فيخاف التغرير وَقَوْلِي أَوْ لِغَرَضِهِ مِنْ زِيَادَتِي " وَلَزِمَهُ " مَعَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ " أَرْشُ نَقْصٍ " لِقِيمَتِهِ قَبْلَ الزِّيَادَةِ سواء أحصل النقص بها أم بإزالتها وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَرَضٌ فِي الْإِزَالَةِ سِوَى عَدَمِ لُزُومِ الْأَرْشِ وَمَنَعَهُ الْمَالِكُ مِنْهَا وَأَبْرَأهُ مِنْهُ امْتَنَعَتْ عَلَيْهِ وَسَقَطَ عَنْهُ الْأَرْشُ وَخَرَجَ بِمَا ذَكَرَ مَا لَوْ انْتَفَى الطَّلَبُ وَالْغَرَضُ فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الْإِزَالَةُ فَإِنْ أَزَالَ لَزِمَهُ الْأَرْشُ وَمَا لَوْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا وَكَانَ النَّقْصُ لَمَّا زَادَ عَلَى قِيمَتِهِ قَبْلَ الزِّيَادَةِ بِسَبَبِهَا فَلَا يَلْزَمُهُ أَرْشُ النَّقْصِ " أَوْ " كَانَتْ زِيَادَتُهُ " عَيْنًا كَبِنَاءٍ وَغِرَاسٍ كُلِّفَ الْقَلْعَ " لَهَا مِنْ الْأَرْضِ وَإِعَادَتَهَا كَمَا كَانَتْ " وَالْأَرْشُ " لِنَقْصِهَا إنْ نَقَصَتْ مَعَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَقَوْلِي وَالْأَرْشُ مِنْ زِيَادَتِي.
" وَإِنْ صَبَغَ" الْغَاصِبُ " الثَّوْبَ بِصَبْغَةٍ وَأَمْكَنَ فَصْلُهُ كُلِّفَهُ " أَيْ الْفَصْلَ كَمَا في البناء والغرس وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمَالِكَ إذَا رَضِيَ بِالْبَقَاءِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لَا يُكَلَّفُ الْغَاصِبُ ذَلِكَ بَلْ يَجُوزُ لَهُ " وَإِلَّا " أَيْ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَصْلُهُ " فَإِنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ لَزِمَهُ أَرْشٌ " لِلنَّقْصِ لِحُصُولِهِ بِفِعْلِهِ " أَوْ زَادَتْ " قِيمَتُهُ بِالصَّبْغِ " اشْتَرَكَا " فِي الثَّوْبِ بِالنِّسْبَةِ فَإِذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ قَبْلَ الصَّبْغِ عَشْرَةً وَبَعْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ فَلِصَاحِبِهِ الثُّلُثَانِ وَلِلْغَاصِبِ الثُّلُثُ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ صَبْغِهِ قَبْلَ اسْتِعْمَالِهِ عَشَرَةً وَإِنْ صَبَغَهُ تَمْوِيهًا فَلَا شَيْءَ لَهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ اشْتِرَاكَهُمَا عَلَى جِهَةِ الشُّيُوعِ بَلْ أَحَدُهُمَا بِثَوْبِهِ وَالْآخَرُ بِصَبْغِهِ كَمَا ذَكَرَهُ جَمْعٌ مِنْ الْأَصْحَابِ قَالَ.

(1/279)


بمثله أو بأجود ولو غصب خشبة وَبَنَى عَلَيْهَا أَوْ أَدْرَجَهَا فِي سَفِينَةٍ وَلَمْ تعفن ولم يخف تلف معصوم كلف إخراجها ولو وطىء مَغْصُوبَةً حُدَّ زَانٍ مِنْهُمَا وَوَجَبَ مَهْرٌ إنْ لَمْ تَكُنْ زَانِيَةً وَوَطْءُ مُشْتَرٍ مِنْهُ كَوَطْئِهِ وإن أحبلها بزنا فالولد رقيق غير نسيب أو بغيره فحر نسيب وعليه قيمته وقت انفصاله حيا ويرجع على الغاصب بها وبأرش نقص بنائه وغراسه لا بغرم ما تلف أو تعيب عنده أو منفعة استوفاها وكل ما لو غرمه رجع به لو غرمه الغاصب لم يرجع به وما لا فيرجع ومن انبنت يده على يد غاصب فكمشتر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْإِسْنَوِيُّ وَمِنْ فَوَائِدِهِ أَنَّهُ لَوْ زَادَتْ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا فَازَ بِهِ صَاحِبُهُ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا أَطْلَقَ الْجُمْهُورُ الْمَسْأَلَةَ وَفِي الشَّامِلِ وَالتَّتِمَّةِ إنْ نَقَصَ لِانْخِفَاضِ سِعْرِ الثِّيَابِ فَالنَّقْصُ عَلَى الثَّوْبِ أَوْ سِعْرِ الصَّبْغِ أَوْ بِسَبَبِ الصَّنْعَةِ فَعَلَى الصَّبْغِ وَإِنْ زَادَ سِعْرُ أَحَدِهِمَا بِارْتِفَاعِهِ فَالزِّيَادَةُ لِصَاحِبِهِ أَوْ بِسَبَبِ الصَّنْعَةِ فَهِيَ بَيْنَهُمَا فَيُمْكِنُ تَنْزِيلُ الْإِطْلَاقِ عَلَيْهِ انْتَهَى وَحَكَى ابْنُ الرِّفْعَةِ هَذَا التَّفْصِيلَ عَنْ الْقَاضِيَيْنِ حُسَيْنٍ وَأَبِي الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَسُلَيْمٍ وَخَرَجَ بِصَبْغِهِ صَبْغُ غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ صَبْغٌ الثالث فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ أَوْ صَبْغُ مَالِكِ الثَّوْبِ فَلَا يَأْتِي فِيهِ الِاشْتِرَاكُ وَبِزِيَادَةِ قِيمَتِهِ وَنُقْصِهَا مَا لَوْ لَمْ تَزِدْ قِيمَتُهُ وَلَمْ تَنْقُصْ فَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ وَلَا عَلَيْهِ.
" وَلَوْ خَلَطَ مَغْصُوبًا بغيره وَأَمْكَنَ تَمْيِيزُهُ " مِنْهُ كَبُرٍّ أَبْيَضَ بِأَحْمَرَ أَوْ بِشَعِيرٍ " لَزِمَهُ " تَمْيِيزُهُ وَإِنْ شُقَّ عَلَيْهِ " وَإِلَّا " أَيْ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَمْيِيزُهُ كَزَيْتٍ بِزَيْتٍ أَوْ بِشَيْرَجٍ " فَكَتَالِفٍ " سَوَاءٌ أَخَلَطَهُ بِمِثْلِهِ أَمْ بأجود أم بأردأ فللمالك تغريمه " وله " أي للغاصب " أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْهُ " أَيْ مِنْ الْمَخْلُوطِ " إنْ خَلَطَهُ " أَيْ الْمَغْصُوبَ " بِمِثْلِهِ أَوْ بِأَجْوَدَ" دُونَ الْأَرْدَأِ إلَّا أَنْ يَرْضَى بِهِ وَلَا أَرْشَ لَهُ وَقَوْلِي وَلَهُ إلَى آخِرِهِ مِنْ زِيَادَتِي "ولو غصب خشبة" مثلا " وبنى عليها وأدرجها فِي سَفِينَةٍ وَلَمْ تَعَفْنَ وَلَمْ يُخَفْ " مِنْ إخْرَاجِهَا " تَلَفُ مَعْصُومٍ " مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ أَوْ غَيْرِهِمَا " كُلِّفَ إخْرَاجَهَا " وَرَدَّهَا إلَى مَالِكِهَا وأرش نقصا إنْ نَقَصَتْ مَعَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَإِنْ عَفَنَتْ بحيث لو أخرجت منها لَمْ يَكُنْ لَهَا قِيمَةٌ فَهِيَ كَالتَّالِفَةِ أَوْ خِيفَ مِنْ إخْرَاجِهَا مَا ذُكِرَ كَأَنْ كَانَتْ أَسْفَلَ السَّفِينَةِ وَهِيَ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ فَيَصْبِرُ الْمَالِكُ إلَى أَنْ يَزُولَ الْخَوْفُ كَأَنْ تَصِلَ السَّفِينَةُ إلَى الشَّطِّ وَيَأْخُذُ الْقِيمَةَ لِلْحَيْلُولَةِ وَخَرَجَ بالمعصوم غير المعصوم كَالْحَرْبِيِّ وَمَالِهِ وَالتَّقْيِيدُ بِلَمْ تَعْفَنْ فِي الصُّورَتَيْنِ وَبِلَمْ يُخَفْ تَلَفُ مَعْصُومٍ فِي الْأُولَى مِنْ زيادتي.
" ولو وطىء " الغاصب أمة " مغصوبة حد زان منهما " بِأَنْ كَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ مُخْتَارًا أَوْ مُدَّعِيًا جهله وبعد إسلامه ونشأ قريبا من العلماء " ووجب مهر " على الواطىء وَلَوْ زَانِيًا " إنْ لَمْ تَكُنْ زَانِيَةً " وَإِلَّا فَلَا مَهْرَ إذْ لَا مَهْرَ لِبَغِيٍّ وَكَالزَّانِيَةِ مُرْتَدَّةٌ مَاتَتْ عَلَى رِدَّتِهَا وَلَوْ كَانَتْ بِكْرًا لزمه أرش بكارة مع مهر ثيب " ووطء مُشْتَرٍ مِنْهُ" أَيْ مِنْ الْغَاصِبِ " كَوَطْئِهِ " فِي الْحَدِّ وَالْمَهْرِ وَأَرْشِ الْبَكَارَةِ فَيُحَدُّ الزَّانِي وَيَجِبُ على الواطىء الْمَهْرُ إنْ لَمْ تَكُنْ زَانِيَةً وَأَرْشُ الْبَكَارَةِ " وَإِنْ أَحْبَلَهَا " أَيْ الْغَاصِبُ أَوْ الْمُشْتَرِي مِنْهُ " بزنا فالولد رقيق " للسيد " غير نَسِيبٌ " لِأَنَّهُ مِنْ زِنَا " أَوْ بِغَيْرِهِ فَحُرٌّ نَسِيبٌ " لِلشُّبْهَةِ " وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ " لِتَفْوِيتِهِ رِقَّهُ بِظَنِّهِ " وَقْتَ انْفِصَالِهِ حَيًّا " لِلسَّيِّدِ لِأَنَّ التَّقْوِيمَ قَبْلَهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ " وَيَرْجِعُ " الْمُشْتَرِي " عَلَى الْغَاصِبِ بِهَا " لِأَنَّهُ غَرَّهُ بِالْبَيْعِ لَهُ وَخَرَجَ بِزِيَادَتِي حَيًّا مَا لَوْ انْفَصَلَ مَيِّتًا فَإِنْ انْفَصَلَ بِلَا جِنَايَةٍ فَلَا قِيمَةَ عَلَيْهِ أَوْ بِجِنَايَةٍ فَعَلَى الْجَانِي ضَمَانُهُ وَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ الْغَاصِبِ وَالْمُشْتَرِي مِنْهُ وَيُقَالُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الرَّقِيقِ الْمُنْفَصِلِ مَيِّتًا بجناية وفي ضمان الغاصب بِلَا جِنَايَةٍ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْأَوْجَهُ نَعَمْ لِثُبُوتِ الْيَدِ عَلَيْهِ تَبَعًا لِأُمِّهِ وَمِثْلُهُ الْمُشْتَرِي مِنْهُ وَيَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ وَقْتَ انْفِصَالِهِ لَوْ كَانَ حيا وَيَضْمَنُهُ الْجَانِي بِعُشْرِ قِيمَةِ أُمِّهِ كَمَا يَضْمَنُ الْجَنِينَ الْحُرَّ بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ كَمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ مِمَّا يَأْتِي فِي كِتَابِ الْجِنَايَةِ فَتَضْمِينُ الْمَالِكِ لِلْغَاصِبِ وَلِلْمُشْتَرِي مِنْهُ بِذَلِكَ وَسَيَأْتِي ثُمَّ إنْ بَدَّلَ الْجَنِينَ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ تَحْمِلُهُ العاقلة وقولي ولو وطىء إلَى آخِرِهِ أَوْلَى مِمَّا عَبَّرَ بِهِ.
" وَ " يَرْجِعُ عَلَيْهِ أَيْضًا " بِأَرْشِ نَقْصِ بِنَائِهِ وَغِرَاسِهِ " إذَا قَلَعَهُمَا الْمَالِكُ لِأَنَّهُ غَرَّهُ بِالْبَيْعِ " لَا بِغُرْمِ مَا تَلِفَ " عِنْدَهُ " أَوْ تَعَيَّبَ " مِنْ الْمَغْصُوبِ " عِنْدَهُ " أَيْ الْمُشْتَرِي فَلَا يَرْجِعُ بِهِ إذا أغرمه لِلْمَالِكِ عَلَى الْغَاصِبِ لِأَنَّ الشِّرَاءَ عَقْدُ ضَمَانٍ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ " أَوْ " بِغُرْمِ " مَنْفَعَةٍ اسْتَوْفَاهَا " كَالسُّكْنَى وَالرُّكُوبِ وَالْوَطْءِ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مُقَابِلَهُ بِخِلَافِ غُرْمِ مَنْفَعَةٍ لَمْ يَسْتَوْفِهَا لِأَنَّهُ لَمْ يُتْلِفْهَا وَلَا الْتَزَمَ ضَمَانَهَا " وَكُلُّ مَا لَوْ غَرِمَهُ " الْمُشْتَرِي " رَجَعَ بِهِ " عَلَى الْغَاصِبِ كَقِيمَةِ الْوَلَدِ وَأُجْرَةِ الْمَنْفَعَةِ الْفَائِتَةِ تَحْتَ يَدِهِ " لَوْ غَرِمَهُ الْغَاصِبُ " ابْتِدَاءً " لَمْ يَرْجِعْ بِهِ " عَلَى المشتري " وما لا فَيَرْجِعُ " أَيْ وَكُلُّ مَا لَوْ غَرِمَهُ الْمُشْتَرِي لا.

(1/280)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ كَأُجْرَةِ مَنْفَعَةٍ اسْتَوْفَاهَا لَوْ غَرِمَهُ الْغَاصِبُ ابْتِدَاءً رَجَعَ بِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي نَعَمْ لَوْ غَرِمَ قِيمَةَ الْعَيْنِ وَقْتَ الْغَصْبِ لِكَوْنِهَا أَكْثَرَ لَمْ يَرْجِعْ بِالزَّائِدِ عَلَى الأكثر من قيمته وَقْتِ قَبْضِ الْمُشْتَرِي إلَى التَّلَفِ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي وَلِذَلِكَ لَا يُطَالَبُ بِهِ ابْتِدَاءً كَذَا اسْتَثْنَى هَذَا وَلَا يُسْتَثْنَى لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَغْرَمُ الزَّائِدَ فَلَا يَصْدُقُ بِهِ الضَّابِطُ الْمَذْكُورُ " وَ " كُلُّ " مَنْ انْبَنَتْ " بنون فموحدة فنون " يده على غَاصِبٍ فَكَمُشْتَرٍ " فِي الضَّابِطِ الْمَذْكُورِ فِي الرُّجُوعِ وعدمه.

(1/281)