فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب ط دار الفكر

كتاب الإيلاء
أركانه محلوف به وعليه وَمُدَّةٌ وَصِيغَةٌ وَزَوْجَانِ وَشَرْطٌ فِيهِمَا تَصَوُّرُ وَطْءٍ وصحة طلاق وفي الْمَحْلُوفِ بِهِ كَوْنُهُ اسْمًا أَوْ صِفَةً لِلَّهِ تعالى أو الْتِزَامَ مَا يُلْزَمُ بِنَذْرٍ أَوْ تَعْلِيقِ طَلَاقٍ أو عتق ولم ينحل اليمين إلا بعد أربعة أشهر وفي المحلوف عليه ترك وطء شرعي وفي المدة زيادة على أربعة أشهر بيمين وفي الصيغة لفظ يشعر به صريح كتغييب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كِتَابُ الْإِيلَاءِ
هُوَ لُغَةً الْحَلِفُ وَكَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَغَيَّرَ الشَّرْعُ حُكْمَهُ وَخَصَّهُ بِمَا في آية: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} 1 فَهُوَ شَرْعًا حَلِفُ زَوْجٍ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ وَطْءِ زَوْجَتِهِ مُطْلَقًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا يَأْتِي وَالْأَصْلُ فِيهِ الْآيَةُ السَّابِقَةُ وَهُوَ حَرَامٌ لِلْإِيذَاءِ.
" أَرْكَانُهُ " سِتَّةٌ " مَحْلُوفٌ بِهِ وَ " مَحْلُوفٌ " عَلَيْهِ وَمُدَّةٌ وَصِيغَةٌ وَزَوْجَانِ وَشَرْطٌ فِيهِمَا تَصَوُّرُ وَطْءٍ " مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا " وَصِحَّةُ طَلَاقٍ " مِنْ الزَّوْجِ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا أَوْ مَرِيضًا أَوْ خَصِيًّا أَوْ كَافِرًا أَوْ سَكْرَانَ أَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ أَمَةً أَوْ مَرِيضَةً أَوْ صَغِيرَةً يُتَصَوَّرُ وَطْؤُهَا فِيمَا قَدَّرَهُ مِنْ الْمُدَّةِ وَقَدْ بَقِيَ مِنْهَا قَدْرُ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ فَلَا يَصِحُّ مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمُكْرَهٍ ولا ممن شل أوجب ذكره ولم يبق منه قدر الحشفة لِفَوَاتِ قَصْدِ إيذَاءِ الزَّوْجَةِ بِالِامْتِنَاعِ مِنْ وَطْئِهَا لِامْتِنَاعِهِ فِي نَفْسِهِ وَلَا مِنْ غَيْرِ زَوْجٍ وَإِنْ نَكَحَ مَنْ حَلَفَ عَلَى امْتِنَاعِهِ مِنْ وَطْئِهَا بَلْ ذَلِكَ مِنْهُ مَحْضُ يَمِينٍ وَلَا يَصِحُّ مِنْ رَتْقَاءَ وَقَرْنَاءَ لِمَا مَرَّ فِي الْمَشْلُولِ وَالْمَجْبُوبِ وَتَقَدَّمَ فِي الرَّجْعَةِ صِحَّةُ الْإِيلَاءِ مِنْ الرَّجْعِيَّةِ فَالْمُرَادُ تَصَوُّرُ الْوَطْءِ وَإِنْ تَوَقَّفَ عَلَى رَجْعَةٍ " وَ " شُرِطَ " فِي الْمَحْلُوفِ بِهِ كَوْنُهُ اسْمًا أَوْ صِفَةً لِلَّهِ تَعَالَى " كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ أَوْ وَالرَّحْمَنِ لَا أَطَؤُك " أَوْ " كَوْنُهُ "الْتِزَامَ مَا يُلْزَمُ بِنَذْرٍ أَوْ تَعْلِيقِ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ وَلَمْ يَنْحَلَّ الْيَمِينُ" فِيهِ " إلَّا بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ " كَقَوْلِهِ إنْ وَطِئَتْك فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَلَاةٌ أَوْ صَوْمٌ أَوْ حَجٌّ أَوْ عتق وإن وَطِئْتُك فَضَرَّتُك طَالِقٌ أَوْ فَعَبْدِي حُرٌّ لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ مِنْ الْوَطْءِ بِمَا عَلَّقَهُ بِهِ مِنْ الْتِزَامِ الْقُرْبَةِ أَوْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ أَوْ الْعِتْقِ كَمَا يَمْتَنِعُ مِنْهُ بِالْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَخَرَجَ بِزِيَادَتِي وَلَمْ تَنْحَلَّ إلَى آخِرِهِ مَا إذَا انحلت قبل ذلك كقوله وإن وَطِئْتُك فَعَلَيَّ صَوْمُ الشَّهْرِ الْفُلَانِيِّ وَهُوَ يَنْقَضِي قَبْلَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْيَمِينِ فَلَا إيلَاءَ وَفِي مَعْنَى الْحَلِفِ الظِّهَارُ كَقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي سَنَةً فَإِنَّهُ إيلَاءٌ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ.
" وَ " شُرِطَ " فِي الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ تَرْكُ وَطْءٍ شَرْعِيٍّ " فَلَا إيلَاءَ بِحَلِفِهِ عَلَى امْتِنَاعِهِ مِنْ تَمَتُّعِهِ بِهَا بِغَيْرِ وَطْءٍ ولا من وطئها في دبرها وفي قُبُلِهَا فِي نَحْوِ حَيْضٍ أَوْ إحْرَامٍ وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُك إلَّا فِي الدُّبُرِ فَمُولٍ وَالتَّصْرِيحُ بِشَرْعِيٍّ مِنْ زِيَادَتِي " وَ " شُرِطَ " فِي الْمُدَّةِ زِيَادَةٌ " لَهَا " عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ بِيَمِينٍ " وَذَلِكَ بِأَنْ يُطَلِّقَ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا أطؤك.
__________
1 سورة البقرة الآية: 226.

(2/109)


حشفة بفرج ووطء وجماع أو كناية كملامسة ومباضعة وَلَوْ قَالَ إنْ وَطِئْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ فَزَالَ ملكه عنه زال الإيلاء أو حر عن ظهاري وكان ظاهر فمول وإلا حكم بهما ظاهرا أو عَنْ ظِهَارِي إنْ ظَاهَرْت فَمُولٍ إنْ ظَاهَرَ أو.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَوْ يُؤَبِّدَ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُك أَبَدًا أَوْ يُقَيِّدَ بِزِيَادَةٍ عَلَى الْأَرْبَعَةِ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُك خَمْسَةَ أَشْهُرٍ أَوْ يُقَيِّدَ بِمُسْتَبْعَدِ الْحُصُولِ فِيهَا كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُك حَتَّى يَنْزِلَ عِيسَى عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ أَوْ حَتَّى أَمُوتَ أَوْ تَمُوتِي أَوْ يموت فلان فَعُلِمَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُك خَمْسَةَ أَشْهُرٍ فَإِذَا مَضَتْ فَوَاَللَّهِ لَا أَطَؤُك سَنَةً كَانَا إيلَاءَيْنِ فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ فِي الشَّهْرِ الخامس بموجب الإيلاء الأول ومن الْفَيْئَةِ أَوْ الطَّلَاقِ فَإِنْ طَالَبَتْهُ فِيهِ وَفَاءً خَرَجَ عَنْ مُوجِبِهِ وَبِانْقِضَاءِ الْخَامِسِ تَدْخُلُ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ الثَّانِي فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مِنْهَا بِمُوجَبِهِ كَمَا مَرَّ فَإِنْ لَمْ تُطَالِبْ فِي الْإِيلَاءِ الْأَوَّلِ حَتَّى مَضَى الشَّهْرُ الْخَامِسُ مِنْهُ فَلَا تُطَالِبُهُ بِهِ لِانْحِلَالِهِ وَكَذَا إذَا لَمْ تُطَالِبْ فِي الثَّانِي حَتَّى مَضَتْ سَنَةٌ وَخَرَجَ بِمَا ذُكِرَ مَا لَوْ قَيَّدَ بِالْأَرْبَعَةِ أَوْ نَقَصَ عَنْهَا فَلَا يَكُونُ إيلَاءً بَلْ مُجَرَّدُ حَلِفٍ وَمَا لَوْ زَادَ عَلَيْهَا بِيَمِينَيْنِ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَإِذَا مَضَتْ فَوَاَللَّهِ لَا أَطَؤُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أُخْرَى فَلَا إيلَاءَ إذْ بَعْدَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لَا يُمْكِنُ الْمُطَالَبَةُ بِمُوجَبِ الْإِيلَاءِ الْأَوَّلِ لِانْحِلَالِهِ وَلَا بِالثَّانِي إذْ لَمْ تَمْضِ الْمُدَّةُ مِنْ انْعِقَادِهَا وَقُيِّدَتْ الْمُدَّةُ بِمَا ذُكِرَ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَصْبِرُ عَنْ الزَّوْجِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَبَعْدَهَا يَفْنَى صَبْرُهَا أَوْ يَقِلُّ.
" وَ " شُرِطَ " فِي الصِّيغَةِ لَفْظٌ يُشْعِرُ بِهِ " أَيْ بِالْإِيلَاءِ وَفِي مَعْنَاهُ مَا مَرَّ فِي الضَّمَانِ وَذَلِكَ إمَّا " صَرِيحٌ كَتَغْيِيبِ حَشَفَةٍ " هُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ تَغْيِيبِ ذَكَرٍ " بِفَرْجٍ وَوَطْءٍ وَجِمَاعٍ " وَنَيْكٍ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لا أغيب حشفتي بفرجك ولا أَطَؤُك أَوْ لَا أُجَامِعُك أَوْ لَا أَنِيكُك لِاشْتِهَارِهَا فِي مَعْنَى الْوَطْءِ فَإِنْ قَالَ أَرَدْت بِالْوَطْءِ الْوَطْءَ بِالْقَدَمِ وَبِالْجِمَاعِ الِاجْتِمَاعَ لَمْ يُقْبَلْ فِي الظَّاهِرِ وَيُدَيَّنُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَدِينُ أَيْضًا فِيمَا لَوْ قَالَ أَرَدْت بِالْفَرْجِ الدُّبُرَ وَلَا تَدْيِينَ فِي النَّيْكِ كَمَا فِي التَّنْبِيهِ وَالْحَاوِي " أَوْ كِنَايَةٍ كَمُلَامَسَةٍ وَمُبَاضَعَةٍ " وَمُبَاشَرَةٍ وإتيان وغشيان كقوله والله لا ألامسك أَوْ لَا أُبَاضِعُكِ أَوْ لَا أُبَاشِرُك أَوْ لَا آتِيك أَوْ لَا أَغْشَاك فَيَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةِ الْوَطْءِ لِعَدَمِ اشْتِهَارِهَا فِيهِ.
" وَلَوْ قَالَ إنْ وَطِئْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ فَزَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ " بِمَوْتٍ أَوْ بَيْعٍ لَازِمٍ أَوْ بِغَيْرِهِ " زَالَ الْإِيلَاءُ " لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِالْوَطْءِ بَعْدَ ذَلِكَ شَيْءٌ فَلَوْ عَادَ إلَى مِلْكِهِ لَمْ يَعُدْ الْإِيلَاءُ " أَوْ " قَالَ إنْ وَطِئْتُك فَعَبْدِي " حُرٌّ عَنْ ظِهَارِي وَكَانَ " قَدْ " ظَاهَرَ " وَعَادَ " فَمُولٍ " لِأَنَّهُ وَإِنْ لَزِمَهُ عِتْقٌ عَنْ الظِّهَارِ فَعَتَقَ ذَلِكَ الْعَبْدَ وَتَعْجِيلُ عِتْقِهِ زِيَادَةٌ عَلَى مُوجِبِ الظِّهَارِ الْتَزَمَهَا بِالْوَطْءِ فَإِذَا وَطِئَ فِي مُدَّةِ الْإِيلَاءِ أَوْ بَعْدَهَا عَتَقَ الْعَبْدُ عَنْ ظِهَارِهِ " وَإِلَّا " أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ظَاهَرَ " حُكِمَ بِهِمَا " أَيْ بِظِهَارِهِ وَإِيلَائِهِ " ظَاهِرًا " لَا بَاطِنًا لِإِقْرَارِهِ بِالظِّهَارِ وَإِذَا وَطِئَ عَتَقَ الْعَبْدُ عَنْ الظِّهَارِ.
" أَوْ " قَالَ إنْ وَطِئْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ " عَنْ ظِهَارِي إنْ ظَاهَرْت فَمُولٍ إنْ ظَاهَرَ " وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِالْوَطْءِ قَبْلَ الظِّهَارِ لِتَعْلِيقِ الْعِتْقِ بِالظِّهَارِ مَعَ الْوَطْءِ فَإِذَا ظَاهَرَ صَارَ مُولِيًا وَإِذَا وَطِئَ فِي مُدَّةِ الْإِيلَاءِ أَوْ بَعْدَهَا عَتَقَ الْعَبْدُ لِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَلَا يَقَعُ الْعِتْقُ عَنْ الظِّهَارِ اتفاقا لأن اللفظ المفيد له عن سبق الظهار والعتق وإنما يَقَعُ عَنْ الظِّهَارِ بِلَفْظٍ يُوجَدُ بَعْدَهُ قَالَ الرافعي وتقدم في الطلاق أنه إذا عتق بشرطين بغير عطف فإن تقدم الْجَزَاءَ عَلَيْهِمَا أَوْ أَخَّرَهُ عَنْهُمَا اُعْتُبِرَ فِي.

(2/110)


فضرتك طالق فمول فإن وطىء طلقت وزال الإيلاء أو لِأَرْبَعٍ وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُكُنَّ فَمُولٍ مِنْ الرَّابِعَةِ إن وطىء ثلاثا فَلَوْ مَاتَ بَعْضُهُنَّ قَبْلَ وَطْءٍ زَالَ الْإِيلَاءُ أو لَا أَطَأُ كُلًّا مِنْكُنَّ فَمُولٍ مِنْ كُلٍّ أو والله لا أطؤك سنة إلا مرة فمول إن وطىء وبقي أكثر من الأربعة.
فصل:
يمهل بلا قاض أربعة أشهر من الإيلاء أو زوال الردة والمانع الآتيين أو رجعة ويقطع المدة ردة بعد دخول.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حُصُولِ الْمُعَلَّقِ وُجُودُ الشَّرْطِ الثَّانِي قَبْلَ الْأَوَّلِ وَإِنْ تَوَسَّطَ بَيْنَهُمَا كَمَا صَوَّرُوهُ هُنَا فَيَنْبَغِي أن يراجع كما مر فَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ إذَا حَصَلَ الثَّانِي تَعَلَّقَ بِالْأَوَّلِ فَلَا يُعْتَقُ الْعَبْدُ إذَا تَقَدَّمَ الْوَطْءُ أَوْ أَنَّهُ إذَا حَصَلَ الْأَوَّلُ تَعَلَّقَ بِالثَّانِي عَتَقَ انْتَهَى فَإِنْ تَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَتُهُ أَوْ قَالَ مَا أَرَدْت شَيْئًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا إيلَاءَ مطلقا لكن الأوفق بما فسر به الآية: {قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا} 1 مِنْ أَنَّ الشَّرْطَ الْأَوَّلَ شَرْطٌ لِجُمْلَةِ الثَّانِي وَجَزَائِهِ أَنْ يَكُونَ مُولِيًا إنْ وَطِئَ ثُمَّ ظَاهَرَ وَكَتَقَدُّمِ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ فِيمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ مُقَارَنَتُهُ لَهُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ السُّبْكِيُّ.
" أَوْ " قَالَ إنْ وَطِئْتُك " فَضَرَّتُك طَالِقٌ فَمُولٍ " من المخاطبة " فإن وطىء " فِي مُدَّةِ الْإِيلَاءِ أَوْ بَعْدَهَا " طَلُقَتْ " أَيْ الضَّرَّةُ لِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ " وَزَالَ الْإِيلَاءُ " إذْ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِوَطْئِهَا بَعْدُ " أَوْ " قَالَ " لِأَرْبَعٍ وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُكُنَّ فَمُولٍ مِنْ الرَّابِعَةِ إنْ وَطِئَ ثَلَاثًا " مِنْهُنَّ فِي قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ لِحُصُولِ الْحِنْثِ بِوَطْئِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَطَأْ ثَلَاثًا مِنْهُنَّ لِأَنَّ الْمَعْنَى لَا أَطَأُ جَمِيعَكُنَّ فَلَا يَحْنَثُ بِمَا دُونَهُنَّ " فَلَوْ مَاتَ بَعْضُهُنَّ قَبْلَ وَطْءٍ زَالَ الْإِيلَاءُ " لِعَدَمِ الْحِنْثِ بِوَطْءِ مَنْ بَقِيَ وَلَا نَظَرَ إلَى تَصَوُّرِ الْوَطْءِ بَعْدَ الْمَوْتِ لِأَنَّ اسْمَ الْوَطْءِ إنَّمَا يَنْطَلِقُ عَلَى مَا فِي الْحَيَاةِ بِخِلَافِ مَوْتِ بَعْضِهِنَّ بَعْدَ وَطْئِهَا لَا يُؤَثِّرُ " أَوْ " قَالَ لِأَرْبَعٍ وَاَللَّهِ " لَا أَطَأُ كُلًّا مِنْكُنَّ فَمُولٍ مِنْ كُلٍّ " مِنْهُنَّ لِحُصُولِ الْحِنْثِ بِوَطْءِ كُلِّ وَاحِدَةٍ وَهَذِهِ مِنْ بَابِ عُمُومِ السَّلْبِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا مِنْ بَابِ سَلْبِ الْعُمُومِ وَقَضِيَّةُ مَا ذُكِرَ أَنَّهُ لَوْ وَطِئَ وَاحِدَةً لَا يَزُولُ الْإِيلَاءُ فِي الْبَاقِيَاتِ وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ الْإِمَامُ لِتَضَمُّنِ ذَلِكَ تَخْصِيصَ كُلٍّ مِنْهُنَّ بِالْإِيلَاءِ وَاَلَّذِي فِي الرَّوْضَةِ وَالشَّرْحَيْنِ عَنْ تَصْحِيحِ الْأَكْثَرِينَ أنه يزول فيهن كَمَا لَوْ قَالَ لَا أَطَأُ وَاحِدَةً مِنْكُنَّ وَفِيهِ بَحْثٌ لِلشَّيْخَيْنِ ذَكَرْته مَعَ الْجَوَابِ عَنْهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَطَأُ وَاحِدَةً مِنْكُنَّ فَإِنْ قَصَدَ الِامْتِنَاعَ عَنْ وَاحِدَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَمُولٍ مِنْهَا فَقَطْ أَوْ وَاحِدَةٍ مُبْهَمَةٍ عَيَّنَهَا أَوْ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ أَوْ أطلق فمول منهن فلو وطئ واحدة حَنِثَ وَانْحَلَّ الْإِيلَاءُ فِي الْبَاقِيَاتِ " أَوْ " قَالَ " وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُك سَنَةً إلَّا مَرَّةً " مَثَلًا " فَمُولٍ إنْ وَطِئَ وَبَقِيَ " مِنْ السَّنَةِ " أَكْثَرُ مِنْ " الْأَشْهُرِ " الْأَرْبَعَةِ " لِحُصُولِ الْحِنْثِ بِالْوَطْءِ بَعْدَ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَقِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ أَوْ أَقَلُّ فَلَيْسَ بِمُولٍ بَلْ حَالِفٌ.
فَصْلٌ: فِي أَحْكَامِ الْإِيلَاءِ مِنْ ضَرْبِ مُدَّةٍ وَغَيْرِهِ.
" يُمْهَلُ " وُجُوبًا الْمَوْلَى وَلَوْ " بِلَا قَاضٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ " إمَّا " مِنْ الْإِيلَاءِ أَوْ " مِنْ " زَوَالِ الردة والمانع الآتيين أو " من.
__________
1 سورة الجمعة الآية: 6.

(2/111)


ومانع وطء بها حسي أو شرعي غير نحو حيض كَمَرَضٍ وَجُنُونٍ وَنُشُوزٍ وَتَلَبُّسٍ بِفَرْضٍ نَحْوِ صَوْمٍ وتستأنف المدة بزواله فإن مضت ولم يطأ ولا مانع بها طالبته بفيئة ثم بطلاق ولو تركت حقها والفيئة تغييب حشفة بقبل وإن كان المانع به وهو طبيعي كمرض فبفيئة لسان ثم بطلاق أو بشرعي كإحرام فبطلاق فإن عصى بوطء لم يطالب فإن أباهما طلق عليه القاضي طلقة ويمهل يوما ولزمه بوطء كفارة يمين إن حلف بالله.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
" رَجْعَةٍ " لِرَجْعِيَّةٍ لَا مِنْ الْإِيلَاءِ مِنْهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ تَبِينَ وَإِنَّمَا لَمْ يُحْتَجْ فِي الْإِمْهَالِ إلَى قَاضٍ لِثُبُوتِهِ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ بِخِلَافِ الْعُنَّةِ لِأَنَّهَا مُجْتَهَدٌ فِيهَا " وَيَقْطَعُ الْمُدَّةَ" أَيْ الأشهر الأربعة " ردة بَعْدَ دُخُولٍ " وَلَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا وَبَعْدَ الْمُدَّةِ لِارْتِفَاعِ النِّكَاحِ أَوْ لِاخْتِلَالِهِ بِهَا فَلَا يُحْسَبُ زَمَنُهَا مِنْ الْمُدَّةِ وَإِنْ أَسْلَمَ الْمُرْتَدُّ فِي الْعِدَّةِ وَشُمُولُ الرِّدَّةِ لِمَا بَعْدَ الْمُدَّةِ مِنْ زِيَادَتِي " وَمَانِعُ وَطْءٍ بِهَا " أَيْ بِالزَّوْجَةِ " حِسِّيٌّ أَوْ شَرْعِيٌّ غَيْرُ نَحْوِ حَيْضٍ " كَنِفَاسٍ وَذَلِكَ " كَمَرَضٍ وَجُنُونٍ وَنُشُوزٍ وَتَلَبُّسٍ بِفَرْضٍ نَحْوِ صَوْمٍ " كَاعْتِكَافٍ وَإِحْرَامِ فَرْضَيْنِ لِامْتِنَاعِ الْوَطْءِ مَعَهُ بِمَانِعٍ مِنْ قِبَلِهَا " وَتَسْتَأْنِفُ الْمُدَّةَ بِزَوَالِهِ " أَيْ الْقَاطِعِ وَلَا تَبْنِي عَلَى مَا مَضَى لِانْتِفَاءِ التَّوَالِي الْمُعْتَبَرِ فِي حُصُولِ الْإِضْرَارِ أَمَّا غَيْرُ الْمَانِعِ كصوم نفل والمانع الْقَائِمُ بِهِ مُطْلَقًا أَوْ بِهَا وَكَانَ نَحْوَ حَيْضٍ فَلَا يَقْطَعُ الْمُدَّةَ لِأَنَّ الزَّوْجَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ تَحْلِيلِهَا وَوَطْئِهَا فِي الْأُولَى وَالْمَانِعُ مِنْ قِبَلِهِ فِي الثَّانِيَةِ وَلِعَدَمِ خُلُوِّ الْمُدَّةِ عَنْ الْحَيْضِ غَالِبًا فِي الثَّالِثَةِ وَأُلْحِقَ بِهِ النِّفَاسُ لِمُشَارَكَتِهِ لَهُ فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ وَالتَّصْرِيحُ بِأَنَّ الْمَانِعَ الشَّرْعِيَّ يَقْطَعُ الْمُدَّةَ مِنْ زِيَادَتِي.
" فَإِنْ مَضَتْ " أَيْ الْمُدَّةُ " وَلَمْ يَطَأْ وَلَا مَانِعَ بِهَا " أَيْ الزَّوْجَةِ " طَالَبَتْهُ بِفَيْئَةٍ " أَيْ رُجُوعٍ إلَى الْوَطْءِ الَّذِي امْتَنَعَ مِنْهُ بِالْإِيلَاءِ " ثُمَّ " إن لم يفيء طَالَبَتْهُ " بِطَلَاقٍ " لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ " وَلَوْ تَرَكَتْ حَقَّهَا " فَإِنَّ لَهَا مُطَالَبَتَهُ بِذَلِكَ لِتَجَدُّدِ الضَّرَرِ وَلَيْسَ لِسَيِّدِ الْأَمَةِ مُطَالَبَتُهُ لِأَنَّ التَّمَتُّعَ حَقُّهَا وَيُنْتَظَرُ بلوغ المراهقة ولا تطالب وَلِيُّهَا لِذَلِكَ وَمَا ذَكَرْتُهُ مِنْ التَّرْتِيبِ بَيْنَ مُطَالَبَتِهَا بِالْفَيْئَةِ وَالطَّلَاقِ هُوَ مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ تَبَعًا لِظَاهِرِ النَّصِّ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَصْلِ أَنَّهَا الْأَصْلِ أَنَّهَا تَرَدُّدُ الطَّلَبِ بَيْنَهُمَا وَهُوَ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي مَوْضِعٍ وَصَوَّبَ الزَّرْكَشِيُّ وغيره الأول " والفيئة " تحصل ب " تغييب حَشَفَةٍ " أَوْ قَدْرِهَا مِنْ فَاقِدِهَا " بِقُبُلٍ " فَلَا يكفي تغييب مَا دُونَهَا بِهِ وَلَا تَغْيِيبُهَا بِدُبُرٍ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعَ حُرْمَةِ الثَّانِي لَا يُحَصِّلُ الْغَرَضَ وَلَا بُدَّ فِي الْبِكْرِ مِنْ إزَالَةِ بَكَارَتِهَا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَبَعْضُ الْأَصْحَابِ أَمَّا إذَا كَانَ بِهَا مَانِعٌ كَحَيْضٍ وَمَرَضٍ وَصِغَرٍ فلا مطالبة لها لامتناع الوطء المطلوب حينئذ " وإن كان المانع به " أي الزوج " وهو طبيعي كَمَرَضٍ فَ" تُطَالِبُهُ " بِفَيْئَةِ لِسَانٍ " بِأَنْ يَقُولَ إذا قدرت فئت " ثم " إن لم يفئ طالبته " بطلاق " وهذه مِنْ زِيَادَتِي " أَوْ شَرْعِيٌّ كَإِحْرَامٍ " وَصَوْمٍ وَاجِبٍ " فَ " تُطَالِبُهُ " بِطَلَاقٍ " لِأَنَّهُ الَّذِي يُمْكِنُهُ لِحُرْمَةِ الْوَطْءِ.
" فَإِنْ عَصَى بِوَطْءٍ " وَلَوْ فِي الدُّبُرِ أَيْ وَلَمْ يُقَيِّدْ إيلَاءَهُ بِهِ وَلَا بِالْقُبُلِ " لَمْ يُطَالَبْ " لِانْحِلَالِ الْيَمِينِ " فَإِنْ أَبَاهُمَا " أَيْ الفيئة والطلاق " طلق عليه القاضي طَلْقَةً " نِيَابَةً عَنْهُ بِسُؤَالِهَا لَهُ لَا يُقَالُ سُقُوطُ الْمُطَالَبَةِ بِالْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ يُنَافِي عَدَمَ حُصُولِ الْفَيْئَةِ بِالْوَطْءِ فِيهِ لِأَنَّا نَمْنَعُ ذَلِكَ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ سُقُوطِ الْمُطَالَبَةِ حُصُولُ الْفَيْئَةِ كَمَا لَوْ وَطِئَ مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا " ويمهل " إذا استمهل " يوما " فأقل ليفئ فِيهِ لِأَنَّ مُدَّةَ الْإِيلَاءِ مُقَدَّرَةٌ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا بِأَكْثَرَ مِنْ مُدَّةِ التَّمَكُّنِ مِنْ الْوَطْءِ عَادَةً كَزَوَالِ نُعَاسٍ وَشِبَعٍ وَجُوعٍ وفراغ صيام " ولزمه بِوَطْئِهِ " فِي مُدَّةِ إيلَائِهِ " كَفَّارَةُ يَمِينٍ " بِقَيْدٍ زِدْته بِقَوْلِي " إنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ " فَإِنْ حَلَفَ بِالْتِزَامِ مَا يَلْزَمُ فَإِنْ كَانَ بِقُرْبَةٍ لَزِمَهُ مَا الْتَزَمَهُ أَوْ كَفَّارَةُ يَمِينٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ النَّذْرِ أَوْ بِتَعْلِيقِ طَلَاقٍ أَوْ عتق وقع بوجود الصفة.

(2/112)