فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب ط دار الفكر

كتاب اللعان والقذف.
صريحه كزنيت وَيَا زَانِي وَيَا زَانِيَةُ وَزَنَى ذَكَرُك أَوْ فرجك وكرمي بإيلاج حشفة بفرج محرم أو دبر ولخنثى زنى فرجاك ولولد غيره لست ابن فلان إلا لمنفى بلعان ولم يستلحق وكنايته كزنأت وزنأت في الجبل وزنى يدك أو يا فاجر وَأَنْتِ تُحِبِّينَ الْخَلْوَةَ أَوْ لَمْ أَجِدْك بِكْرًا ولعربي يا نبطي ولولده لست ابني وتعريضه كيا ابن الحلال وأنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كِتَابُ اللِّعَانِ وَالْقَذْفِ.
بِمُعْجَمَةٍ وَهُوَ لُغَةً الرَّمْيُ وَشَرْعًا الرَّمْيُ بِالزِّنَا فِي مَعْرِضِ التَّعْيِيرِ وَذِكْرُهُ فِي التَّرْجَمَةِ مِنْ زيادتي واللعان لغة مصدر لا عن وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ جَمْعًا لِلَّعْنِ وَهُوَ الطَّرْدُ وَالْإِبْعَادُ وَشَرْعًا كَلِمَاتٌ مَعْلُومَةٌ جُعِلَتْ حُجَّةً لِلْمُضْطَرِّ إلَى قَذْفِ مَنْ لَطَّخَ فِرَاشَهُ وَأَلْحَقَ الْعَارَ بِهِ أَوْ إلَى نَفْيِ وَلَدٍ كَمَا سَيَأْتِي وَسُمِّيَتْ لِعَانًا لِاشْتِمَالِهَا عَلَى كَلِمَةِ اللَّعْنِ وَلِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْمُتَلَاعِنَيْنِ يَبْعُدُ عَنْ الْآخَرِ بِهَا إذْ يَحْرُمُ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا أَبَدًا وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} 1 الآيات وَسَبَبُ نُزُولِهَا ذَكَرْتُهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَغَيْرِهِ.
" صَرِيحُهُ " أَيْ صَرِيحُ الْقَذْفِ وَهُوَ مَا اُشْتُهِرَ فِيهِ " كَزَنَيْتَ " وَلَوْ مَعَ قَوْلِهِ فِي الْجَبَلِ " ويا زانية ويا زاني وَزَنَى ذَكَرُك أَوْ فَرْجُك " أَوْ بَدَنُك وَإِنْ كَسَرَ التَّاءَ وَالْكَافَ فِي خِطَابِ الرَّجُلِ أَوْ فتحهما في خطاب المرأة وقال للرجل يازانية وَلِلْمَرْأَةِ يَا زَانِي لِأَنَّ اللَّحْنَ فِي ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْفَهْمَ وَلَا يَدْفَعُ الْعَارَ " وَكَرَمْيٍ بِإِيلَاجِ حَشَفَةٍ " أَوْ قَدْرِهَا مِنْ فَاقِدِهَا " بِفَرْجٍ مُحَرَّمٍ " بِأَنْ وُصِفَ الْإِيلَاجُ فِيهِ بِالتَّحْرِيمِ " أَوْ " بإيلاج ذلك ب " دبر " فَإِنْ لَمْ يَصِفْ الْأَوَّلَ بِتَحْرِيمٍ فَلَيْسَ بِصَرِيحٍ لصدقه بالحلال بخلاف الثاني سواء أخوطب بِذَلِكَ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ كَأَنْ يُقَالَ لَهُ أو لجت فِي فَرْجٍ مُحَرَّمٍ أَوْ دُبُرٍ أَوْ أُولِجَ فِي دُبُرِك وَلَهَا أُولِجَ فِي فَرْجِكِ الْمُحَرَّمِ أَوْ دُبُرِكِ فَإِنْ ادَّعَى مَا لَيْسَ زِنًا كَأَنْ قَالَ أَرَدْتُ إيلَاجَهُ فِي فَرْجِ حَلِيلَتِهِ الْحَائِضِ أَوْ الْمُحْرِمَةِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ " وَ " كَقَوْلِهِ " لخنثى زنا فَرْجَاكَ " فَإِنْ ذَكَرَ أَحَدَهُمَا فَكِنَايَةٌ وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِي " وَ " كَقَوْلِهِ " لِوَلَدِ غَيْرِهِ لَسْت ابْنَ فُلَانٍ " هُوَ صَرِيحٌ فِي قَذْفِ أُمِّ الْمُخَاطَبِ " إلا لمنفي بِلِعَانٍ " بِقَيْدٍ زِدْتُهُ بِقَوْلِي " وَلَمْ يُسْتَلْحَقْ" أَيْ لَمْ يَسْتَلْحِقْهُ النَّافِي فَلَيْسَ صَرِيحًا بَلْ كِنَايَةً فَيُسْأَلُ فَإِنْ قَالَ أَرَدْتُ تَصْدِيقَ النَّافِي فِي نِسْبَةِ أُمِّهِ إلَى الزِّنَا فَقَاذِفٌ لَهَا أَوْ أَرَدْت أَنَّ النَّافِيَ نَفَاهُ أَوْ انْتَفَى نَسَبُهُ مِنْهُ شَرْعًا أَوْ أَنَّهُ لَا يُشْبِهُهُ خَلْقًا أَوْ خُلُقًا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ.
وَيُعَزَّرُ لِلْإِيذَاءِ أَمَّا لَوْ قَالَهُ لِمَنْفِيٍّ بَعْدَ اسْتِلْحَاقِهِ فَصَرِيحٌ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ احْتِمَالًا مُمْكِنًا كَقَوْلِهِ لَمْ يَكُنْ ابنه حين نفاه فيصدق بيمينه " وَكِنَايَتُهُ كَزَنَأْتَ وَزَنَأْتِ فِي الْجَبَلِ " بِالْهَمْزِ فِيهِمَا لِأَنَّ الزَّنْءَ هُوَ الصُّعُودُ بِخِلَافِ زَنَأْتِ فِي الْبَيْتِ بِالْهَمْزِ فَصَرِيحٌ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الصُّعُودِ فِي الْبَيْتِ وَنَحْوِهِ زَادَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَنَّ هَذَا كَلَامُ الْبَغَوِيّ وَأَنَّ غَيْرَهُ قَالَ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْبَيْتِ دَرَجٌ يَصْعَدُ إلَيْهِ فِيهَا فَصَرِيحٌ قَطْعًا وَإِنْ كَانَ فَوَجْهَانِ انْتَهَى وَأَوْجَهُهُمَا أَنَّهُ كِنَايَةٌ " وَ " كَقَوْلِهِ لِغَيْرِهِ " زَنَى يَدُكَ " أَوْ رِجْلُك " أَوْ يَا فَاجِرُ " أَوْ يَا فَاسِقُ أَوْ يَا فَاجِرَةُ أَوْ يَا فَاسِقَةُ " وَأَنْتِ تُحِبِّينَ الْخَلْوَةَ أَوْ لَمْ أَجِدْك بكرا " سواء أقاله لِزَوْجَتِهِ أَمْ لِغَيْرِهَا وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُ الْأَصْلِ كَغَيْرِهِ تَخْصِيصَهُ بِالزَّوْجَةِ فِي الْأَخِيرَةِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيُشْبِهُ أَنَّهَا مُصَوَّرَةٌ بِمَنْ لَمْ يُعْلَمْ لَهَا تَقَدُّمُ افْتِضَاضٍ مُبَاحٍ فَإِنْ عُلِمَ فَلَا صَرِيحَ وَلَا كِنَايَةَ " وَلِعَرَبِيٍّ يَا نَبَطِيُّ " نِسْبَةً لِلْأَنْبَاطِ قَوْمٌ يَنْزِلُونَ الْبَطَائِحَ بَيْنَ الْعِرَاقَيْنِ سُمُّوا بِذَلِكَ لِاسْتِنْبَاطِهِمْ الْمَاءَ مِنْ الْأَرْضِ أَيْ إخْرَاجِهِ مِنْهَا وَالْقَذْفُ فِيهِ إنْ أَرَادَهُ لِأُمِّ الْمُخَاطَبِ حَيْثُ نَسَبَهُ إلَى غَيْرِ مَنْ يُنْسَبُ إلَيْهِمْ وَيُحْتَمَلُ أنه لا يريد أنه يُشْبِهُهُمْ فِي السِّيَرِ وَالْأَخْلَاقِ وَتَعْبِيرِي بِالْعَرَبِيِّ أَعَمُّ من تعبيره بالقرشي.
__________
1 سورة النور الآية: 6.

(2/119)


لست بزان ليس قذفا وقوله زنيت بك إقرار بزنا وقذف ولو قال لزوجته يا زانية فقالت زَنَيْتُ بِك أَوْ أَنْت أَزَنَى مِنِّي فَقَاذِفٌ وكانية أو زنيت وأنت أزنى مني فمقرة وقاذفة وَمَنْ قَذَفَ مُحْصَنًا حُدَّ أَوْ غَيْرَهُ عُزِّرَ وَالْمُحْصَنُ مُكَلَّفٌ حُرٌّ مُسْلِمٌ عَفِيفٌ عَنْ زِنًا وَوَطْءِ مَحْرَمٍ مملوكة ودبر حليلة فإن فعل لم يحد قاذفه أو ارتد حد ويرث موجب قذف كل الورثة ويسقط بعفو ولو عفا بعضهم فللباقي كله.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
" وَلِوَلَدِهِ لَسْت ابْنِي " بِخِلَافِهِ فِي وَلَدِ غَيْرِهِ كَمَا مَرَّ لِأَنَّ الْأَبَ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى تَأْدِيبِ وَلَدِهِ يُحْمَلُ مَا قَالَهُ عَلَى التَّأْدِيبِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ وَيُسْأَلُ فَإِنْ قَالَ أَرَدْت أَنَّهُ مِنْ زنا فقاذف لأمه أو أنه لَا يُشْبِهُنِي خُلُقًا أَوْ خَلْقًا فَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ " وَتَعْرِيضِهِ كَيَا ابْنَ الْحَلَالِ وَأَنَا لَسْت بِزَانٍ لَيْسَ قَذْفًا " وَإِنْ نَوَاهُ لِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا تُؤَثِّرُ إذَا احْتَمَلَ اللَّفْظُ الْمَنْوِيَّ وَلَا احْتِمَالَ لَهُ هُنَا وَمَا يُفْهَمُ وَيُتَخَيَّلُ مِنْهُ فَهُوَ أَثَرُ قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ فَاللَّفْظُ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الْقَذْفُ إنْ لَمْ يَحْتَمِلْ غَيْرَهُ فَصَرِيحٌ وَإِلَّا فَإِنْ فُهِمَ مِنْهُ الْقَذْفُ بِوَضْعِهِ فَكِنَايَةٌ وَإِلَّا فتعريض " وَقَوْلُهُ " لِغَيْرِهِ " زَنَيْتُ بِكِ إقْرَارٌ بِزِنًا " عَلَى نَفْسِهِ " وَقَذْفٍ " لِلْمُخَاطَبِ " وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ يَا زَانِيَةُ فَقَالَتْ " جَوَابًا " زَنَيْتُ بِك أَوْ أَنْت أَزَنَى مِنِّي فَقَاذِفٌ " لَهَا لِإِتْيَانِهِ بِلَفْظِ الْقَذْفِ الصريح " وكانية " في قذفه لاحتمال أن يريد إثْبَاتَ الزِّنَا فَتَكُونُ فِي الْأُولَى مُقِرَّةٌ بِهِ وَقَاذِفَةٌ لِلزَّوْجِ وَيَسْقُطُ بِإِقْرَارِهَا حَدُّ الْقَذْفِ عَنْهُ وَيُعَزَّرُ وَتَكُونُ فِي الثَّانِيَةِ قَاذِفَةً فَقَطْ وَالْمَعْنَى أَنْتَ زَانٍ وَزِنَاك أَكْثَرُ مِمَّا نَسَبْتنِي إلَيْهِ وأن تريد نفي الزنا أي لم يطأني غَيْرُك وَوَطْؤُك بِنِكَاحٍ فَإِنْ كُنْت زَانِيَةً فَأَنْتَ زَانٍ أَيْضًا أَوْ أَزَنَى مِنِّي فَلَا تَكُونُ قَاذِفَةً وَتُصَدَّقُ فِي إرَادَتِهَا ذَلِكَ بِيَمِينِهَا " أَوْ " قَالَتْ جَوَابًا أَوْ ابْتِدَاءً " زَنَيْتُ وَأَنْتَ أَزَنَى مِنِّي فَمُقِرَّةٌ " بِالزِّنَا " وَقَاذِفَةٌ " لَهُ وَيَسْقُطُ بِإِقْرَارِهَا حَدُّ الْقَذْفِ عَنْهُ.
" وَمَنْ قَذَفَ مُحْصَنًا حُدَّ " لآية: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} 1 أَوْ غَيْرِهِ عُزِّرَ لِأَنَّهُ أَتَى مَعْصِيَةً لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَقْذُوفُ فِيهِمَا زَوْجَةً أَمْ لَا وَسَيَأْتِي بَيَانُ الْحَدِّ وَشَرْطِهِ فِي بَابِهِ وَبَيَانُ التَّعْزِيرِ فِي آخِرِ الْأَشْرِبَةِ " وَالْمُحْصَنُ مُكَلَّفٌ " وَمِثْلُهُ السَّكْرَانُ " حُرٌّ مُسْلِمٌ عَفِيفٌ عَنْ زِنًا وَوَطْءِ مَحْرَمٍ مَمْلُوكَةٍ " لَهُ ووطء " دُبُرِ حَلِيلَةٍ " لَهُ بِأَنْ لَمْ يَطَأْ أَوْ وطئ وطأ غَيْرَ مَا ذُكِرَ بِخِلَافِ مَنْ زَنَى أَوْ وَطِئَ حَلِيلَتَهُ فِي دُبُرِهَا أَوْ مَحْرَمًا مَمْلُوكَةً لَهُ كَأُخْتِهِ أَوْ عَمَّتِهِ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الْبَاقِي فَلِأَنَّهُ أَفْحَشُ مِنْهُ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ الْعِفَّةَ لَا تَبْطُلُ بِوَطْئِهِ زَوْجَتَهُ فِي عِدَّةِ شُبْهَةٍ أَوْ فِي حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ أَمَتَهُ الْمُزَوَّجَةَ أَوْ الْمُعْتَدَّةَ أَوْ أَمَةَ وَلَدِهِ أَوْ مَنْكُوحَةً بِلَا وَلِيٍّ أَوْ شُهُودٍ وَإِنْ كان حراما لانتفاء ماذكر وَلِقِيَامِ الْمِلْكِ فِي الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ بِأَقْسَامِهِمَا وَقَوْلِي وَدُبُرِ حَلِيلَةٍ مِنْ زِيَادَتِي " فَإِنْ فَعَلَ " شَيْئًا من ذلك بأن وطئ وطأ يُسْقِطُ الْعِفَّةَ لَمْ يُعَدَّ مُحْصَنًا وَإِنْ تَابَ وحسن حاله " ولم يحد قاذفه " لأن العرض إذا انحزم بِذَلِكَ لَمْ تَنْسَدَّ ثُلْمَتُهُ سَوَاءٌ أَقَذَفَهُ بِذَلِكَ الزِّنَا مَثَلًا أَمْ بِزِنًا آخَرَ أَمْ أَطْلَقَ " أَوْ ارْتَدَّ حُدَّ " قَاذِفُهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الزِّنَا مَثَلًا يُكْتَمُ مَا أَمْكَنَ فَظُهُورُهُ يَدُلُّ عَلَى سَبْقِ مِثْلِهِ غَالِبًا وَالرِّدَّةُ عَقِيدَةٌ وَالْعَقِيدَةُ لَا تخفى غالبا فاظهارها يَدُلُّ عَلَى سَبْقِ الْإِخْفَاءِ غَالِبًا وَتَعْبِيرِي بِفِعْلٍ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِزِنًى.
" وَيَرِثُ مُوجَبَ قَذْفٍ " بِفَتْحِ الْجِيمِ مِنْ حَدٍّ وَتَعْزِيرٍ " كُلُّ الْوَرَثَةِ " حَتَّى الزَّوْجَانِ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقُّ آدَمِيٍّ لِتَوَقُّفِ اسْتِيفَائِهِ عَلَى مُطَالَبَةِ الْآدَمِيِّ بِهِ وَحَقُّ الْآدَمِيِّ شَأْنُهُ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ الْمَقْذُوفُ رَقِيقًا وَمَاتَ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ التَّعْزِيرِ اسْتَوْفَاهُ سَيِّدُهُ " وَيَسْقُطُ بِعَفْوٍ " عَنْهُ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ الْمَقْذُوفِ بِأَنْ قَذَفَ حَيًّا ثُمَّ عَفَا قَبْلَ مَوْتِهِ وَبِإِرْثِ الْقَاذِفِ لَهُ " وَلَوْ عَفَا بَعْضُهُمْ " عَنْهُ أَوْ عَنْ بَعْضِهِ " فَلِلْبَاقِي كُلُّهُ " أَيْ اسْتِيفَاءُ كُلِّهِ لِأَنَّهُ الحق ثَبَتَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ كَوِلَايَةِ التَّزْوِيجِ وَحَقِّ الشُّفْعَةِ وَفَارَقَ الْقَوَدَ حَيْثُ يَسْقُطُ كُلُّهُ بِعَفْوِ بَعْضِهِمْ بِأَنَّ لِلْقَوَدِ بَدَلًا يُعْدَلُ إلَيْهِ وَهُوَ الدِّيَةُ بِخِلَافِ مُوجَبِ الْقَذْفِ وَلِأَنَّ مُوجَبَهُ ثَبَتَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ بَدَلًا وَالْقَوَدُ ثَبَتَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ مُبَعَّضًا وَلِذَلِكَ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّ لِبَعْضِهِمْ أَنْ يَنْفَرِدَ بِطَلَبِهِ الْكُلَّ وَاسْتِيفَائِهِ سَوَاءٌ أَحَضَرَ الْبَاقُونَ وَكَمَّلُوا أَمْ لَا وَتَعْبِيرِي بِالْمُوجَبِ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بالحد.
__________
1 سورة النور الآية: 4.

(2/120)


فصل
له قذف زوجة علم زناها أو ظنه مُؤَكَّدًا كَشِيَاعِ زِنَاهَا بِزَيْدٍ مَعَ قَرِينَةٍ كَأَنْ رآها بخلوة فَإِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ فَإِنْ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ أنه ليس منه بِأَنْ لَمْ يَطَأْهَا أَوْ وَلَدَتْهُ لِدُونِ سِتَّةِ أشهر أو لفوق أربع سنين من وطء أو لما بينهما مِنْهُ وَمَنْ زِنًا بَعْدَ اسْتِبْرَاءٍ بِحَيْضَةٍ لَزِمَهُ نفيه وإلا حرم مع قذف ولعان كما لو عزل.
فصل:
لعانه قوله أربعا أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميت به هذه من الزنا وخامسة أن لعنة الله علي إن كنت.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَصْلٌ: فِي قَذْفِ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ.
" لَهُ قَذْفُ زوجة " له " علم زناها " بأن رآها بِعَيْنِهِ " أَوْ ظَنَّهُ " ظَنًّا " مُؤَكَّدًا كَشِيَاعِ زِنَاهَا بزيد مع قرينة كأن رآهما بخلوة " ورآها تَخْرُجُ مِنْ عِنْدِهِ فَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ الشِّيَاعِ لِأَنَّهُ قَدْ يُشِيعُهُ عَدُوٌّ لَهَا أَوْ لَهُ أَوْ مَنْ طَمِعَ فِيهَا فَلَمْ يَظْفَرْ بِشَيْءٍ وَلَا مُجَرَّدُ الْقَرِينَةِ كَالْقَرِينَةِ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا دَخَلَ بَيْتَهَا لِخَوْفٍ أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ طَمَعٍ وَإِنَّمَا جَازَ لَهُ الْقَذْفُ حِينَئِذٍ الْمُرَتَّبُ عَلَيْهِ اللِّعَانُ الَّذِي يَخْلُصُ بِهِ مِنْ الْحَدِّ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى الِانْتِقَامِ مِنْهَا لِتَلْطِيخِهَا فِرَاشَهُ وَلَا يَكَادُ يُسَاعِدُهُ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةٌ أَوْ إقْرَارٌ وَالْأَوْلَى أَنْ يَسْتُرَ عَلَيْهَا وَيُطَلِّقَهَا إنْ كَرِهَهَا هَذَا كُلُّهُ حَيْثُ لَا وَلَدَ " فَإِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ " ظَنًّا مُؤَكَّدًا " أَنَّهُ لَيْسَ منه " مَعَ إمْكَانِ كَوْنِهِ مِنْهُ ظَاهِرًا " بِأَنْ لَمْ يطأها أو لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ " مِنْ وَطْءٍ الَّتِي هِيَ أَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ وَلِأَكْثَرَ مِنْهَا مِنْ الْعَقْدِ " أَوْ لِفَوْقِ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ وَطْءٍ " الَّتِي هِيَ أَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَمْلِ وَفِي مَعْنَى الْوَطْءِ اسْتِدْخَالُ الْمَنِيِّ " أَوْ لِمَا بَيْنَهُمَا " أَيْ بَيْنَ دُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَفَوْقَ أَرْبَعِ سِنِينَ " مِنْهُ ومن زنا بعداستبراء بِحَيْضَةٍ لَزِمَهُ نَفِيهِ " لِأَنَّ تَرْكَهُ يَتَضَمَّنُ اسْتِلْحَاقَهُ وَاسْتِلْحَاقُ مَنْ لَيْسَ مِنْهُ حَرَامٌ كَمَا يَحْرُمُ نَفْيُ مَنْ هُوَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْأَخِيرَةِ مَا صَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَاَلَّذِي صَحَّحَهُ فِي الْأَصْلِ كَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ فِيهَا حِلَّ النَّفْيِ لكن الأولى له أَنْ لَا يَنْفِيَهُ لِأَنَّ الْحَامِلَ قَدْ تَحِيضُ وَطَرِيقُ نَفِيهِ اللِّعَانُ الْمَسْبُوقُ بِالْقَذْفِ فَيَلْزَمَانِ أَيْضًا وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ قَذْفُهَا إذَا عَلِمَ زِنَاهَا أَوْ ظَنَّهُ كَمَا مَرَّ فِي جَوَازِهِ وَإِلَّا فَلَا يَقْذِفُهَا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ زَوْجٍ قَبْلَهُ.
" وَإِلَّا " أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ وَلَمْ يَظُنَّ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ بأن ولدته لدون ستة أشهرمن الزِّنَا أَوْ لِفَوْقِهِ وَدُونَ فَوْقِ أَرْبَعُ سِنِينَ منه ومن الوطء بلا استبراء وَكَذَا مِنْ الْوَطْءِ مَعَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ وَلَمْ يَظُنَّ زِنَاهَا أَوْ وَلَدَتْهُ لِفَوْقِ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ الزِّنَا وَدُونَهُ وَفَوْقَ دُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْوَطْءِ " حَرُمَ " نَفْيُهُ رِعَايَةً لِلْفِرَاشِ وَلَا عِبْرَةَ بِرِيبَةٍ يَجِدُهَا فِي نَفْسِهِ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ الْمُدَّةُ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ الزِّنَا لَا مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ لِأَنَّهُ مُسْتَنَدُ اللِّعَانِ فَإِذَا وَلَدَتْهُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْهُ وَلِأَكْثَرَ مِنْ دُونِهَا مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ الزِّنَا فَيَصِيرُ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ فَلَا يَجُوزُ النَّفْيُ رِعَايَةً لِلْفِرَاشِ وَمَا ذَكَرْتُهُ مِنْ حُرْمَةِ النَّفْيِ مَعَ الِاسْتِبْرَاءِ الْمُقَيَّدِ بِمَا مَرَّ وَمِنْ اعْتِبَارِ الْمُدَّةِ مِنْ الْوَطْءِ وَالزِّنَا هُوَ مَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ رَادًّا بِالثَّانِي عَلَى مَنْ اعْتَبَرَ الْمُدَّةَ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ وَاَلَّذِي صَحَّحَهُ الْأَصْلُ حِلُّ النَّفْيِ وَاعْتِبَارُ الْمُدَّةِ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ " مَعَ قَذْفٍ وَلِعَانٍ " فَيَحْرُمَانِ وَإِنْ عَلِمَ زِنَاهَا وَقَالَ الْإِمَامُ الْقِيَاسُ جوازهما انتقاما منها كما لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ وَعَارَضُوهُ بِأَنَّ الْوَلَدَ يَتَضَرَّرُ بِنِسْبَةِ أُمِّهِ إلَى الزِّنَا وَإِثْبَاتِهِ عَلَيْهَا بِاللِّعَانِ لِأَنَّهُ يُعَيَّرُ بِذَلِكَ وَتُطْلَقُ فِيهِ الْأَلْسِنَةُ فَلَا يُحْتَمَلُ هَذَا الضَّرَرُ لِغَرَضِ الِانْتِقَامِ وَالْفِرَاقُ مُمْكِنٌ بِالطَّلَاقِ وَظَاهِرٌ أَنَّ وَطْءَ الشُّبْهَةِ كَالزِّنَا فِي لُزُومِ النَّفْيِ وَحُرْمَتِهِ مَعَ الْقَذْفِ وَاللِّعَانِ " كَمَا لو " وطئ و " عزل " فَإِنَّهُ يَحْرُمُ بِهِ مَا ذُكِرَ رِعَايَةً لِلْفِرَاشِ وَلِأَنَّ الْمَاءَ قَدْ يَسْبِقُ إلَى الرَّحِمِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحِسَّ بِهِ وَفِي كَلَامِي زِيَادَاتٌ يَعْرِفُهَا النَّاظِرُ فِيهِ مَعَ كَلَامِ الْأَصْلِ.
فَصْلٌ: فِي كَيْفِيَّةِ اللِّعَانِ وَشَرْطِهِ وَثَمَرَتِهِ.
وَالْأَصْلُ فِيهِ الْآيَاتُ السَّابِقَةُ وَأَرْكَانُهُ ثَلَاثَةٌ لَفْظٌ وَقَذْفٌ سَابِقٌ عَلَيْهِ وَزَوْجٌ يَصِحُّ طَلَاقُهُ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي.
" لِعَانُهُ " أَيْ الزَّوْجِ " قَوْلُهُ أَرْبَعًا " مِنْ الْمَرَّاتِ " أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتُ بِهِ هَذِهِ مِنْ الزِّنَا " أَيْ زَوْجَتَهُ

(2/121)


من الكاذبين فيه فإن غابت ميزها وإن نفى ولدا قال في كل وإن ولدها أو هذا الولد من زنا ولعانها قولها بعده أَشْهَدُ بِاَللَّهِ أَنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي به من الزنا وخامسة أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيَّ إنْ كَانَ مِنْ الصادقين فيه.
وشرط ولاء الكلمات وتلقين قاض له وصح بِغَيْرِ عَرَبِيَّةٍ وَمِنْ أَخْرَسَ بِإِشَارَةٍ مُفْهِمَةٍ أَوْ كتابة كقذف وسن تغليظ بزمان وهو بعد عصر وعصر جمعة أولى ومكان وهو أشرف بلده فبمكة بين الركن والمقام وبإيلياء عند.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
" وَخَامِسَةً " مِنْ كَلِمَاتِ لِعَانِهِ " أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيَّ إنْ كُنْتُ مِنْ الْكَاذِبِينَ فِيهِ " أَيْ فِيمَا رَمَيْتُ بِهِ هَذِهِ مِنْ الزِّنَا هَذَا إنْ حَضَرَتْ " فَإِنْ غَابَتْ مَيَّزَهَا " عَنْ غَيْرِهَا بِاسْمِهَا وَرَفَعَ نَسَبَهَا وَكُرِّرَتْ كَلِمَاتُ الشَّهَادَةِ لِتَأْكِيدِ الْأَمْرِ وَلِأَنَّهَا أُقِيمَتْ مِنْ الزَّوْجِ مَقَامَ أَرْبَعَةِ شهود من غيره ليقام عليها الحد وهو فِي الْحَقِيقَةِ أَيْمَانٌ وَأَمَّا الْكَلِمَةُ الْخَامِسَةُ فَمُؤَكِّدَةٌ لمفاد الأربع " وإن نفى ولدا قال فِي كُلٍّ " مِنْ الْكَلِمَاتِ الْخَمْسِ " وَأَنَّ وَلَدَهَا أَوْ هَذَا الْوَلَدَ " إنْ حَضَرَ " مِنْ زِنَا " وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لَيْسَ مِنِّي حَمْلًا لِلَفْظِ الزِّنَا عَلَى حَقِيقَتِهِ وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ كَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَعَنْ الْأَكْثَرِينَ لَا بُدَّ مِنْهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ الْوَطْءَ بِشُبْهَةٍ زِنًا وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَصْلِ وَأَمَّا الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ فَلَا يَكْفِي لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ لَا يُشْبِهُهُ خُلُقًا وَخَلْقًا وَلَوْ أَغْفَلَ ذكر الولد في بعض الكلمات إن احْتَاجَ فِي نَفْيِهِ إلَى إعَادَةِ اللِّعَانِ وَلَا تَحْتَاجُ الْمَرْأَةُ إلَى إعَادَةِ لِعَانِهَا.
" وَلِعَانُهَا قَوْلُهَا بَعْدَهُ " أَرْبَعًا " أَشْهَدُ بِاَللَّهِ أَنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ فيما رماني به من الونا وَخَامِسَةٌ " مِنْ كَلِمَاتِ لِعَانِهَا "أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيَّ إنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ فِيهِ " أَيْ فيما رماني به من الزنا للآيات السابقات وَتُشِيرُ إلَيْهِ فِي الْحُضُورِ وَتُمَيِّزُهُ فِي الْغَيْبَةِ كَمَا فِي جَانِبِهَا فِي الْكَلِمَاتِ الْخَمْسِ وَلَا تَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ الْوَلَدِ لِأَنَّ لِعَانَهَا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ وَخُصَّ اللَّعْنُ بِجَانِبِهِ وَالْغَضَبُ بِجَانِبِهَا لِأَنَّ جَرِيمَةَ الزِّنَا أَقْبَحُ مِنْ جَرِيمَةِ الْقَذْفِ وَلِذَلِكَ تَفَاوَتَ الْحَدَّانِ وَلَا رَيْبَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ أَغْلَظُ مِنْ لَعْنَتِهِ فَخُصَّتْ الْمَرْأَةُ بِالْتِزَامِ أَغْلَظِ الْعُقُوبَتَيْنِ هَذَا كُلُّهُ إنْ كَانَ قَذَفَ وَلَمْ تُثْبِتْهُ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ اللِّعَانُ لِنَفْيِ وَلَدٍ كَأَنْ اُحْتُمِلَ كَوْنُهُ مِنْ وطء شبهة أو أثبت قذفه ببينة قال فِي الْأَوَّلِ فِيمَا رَمَيْتُهَا بِهِ مِنْ إصَابَةِ غَيْرِي لَهَا عَلَى فِرَاشِي وَأَنَّ هَذَا الْوَلَدَ مِنْ تِلْكَ الْإِصَابَةِ إلَى آخِرِ كَلِمَاتِ اللِّعَانِ وفي الثاني فيما أثبت عَلَيَّ مِنْ رَمْيِي إيَّاهَا بِالزِّنَا إلَى آخِرِهِ وَلَا تُلَاعِنُ الْمَرْأَةُ فِي الْأَوَّلِ إذْ لَا حَدَّ عَلَيْهَا بِهَذَا اللِّعَانِ حَتَّى يَسْقُطَ بِلِعَانِهَا وَأَفَادَ لَفْظُ بَعْدَهُ اشْتِرَاطَ تَأَخُّرِ لِعَانِهَا عَنْ لِعَانِهِ لِأَنَّ لِعَانَهَا لِإِسْقَاطِ الْعُقُوبَةِ وَإِنَّمَا تَجِبُ الْعُقُوبَةُ عَلَيْهَا بِلِعَانِهِ أَوَّلًا فَلَا حَاجَةَ بِهَا إلَى أَنْ تُلَاعِنَ قَبْلَهُ وَأَفَادَ لَفْظُ خَامِسَةٍ اشْتِرَاطَ تَأَخُّرِ لَفْظَيْ اللَّعْنِ وَالْغَضَبِ عَنْ الْكَلِمَاتِ لِمَا يَأْتِي وَلِأَنَّ الْمَعْنَى إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ فِي الشَّهَادَاتِ الْأَرْبَعِ فَوَجَبَ تَقْدِيمُهَا وَأَفَادَ تَفْسِيرُ اللِّعَانِ بِمَا ذُكِرَ مَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ مِنْ أَنَّهُ لَا يُبَدَّلُ لَفْظُ شَهَادَةٍ أَوْ غَضَبٍ أَوْ لَعْنٍ بِغَيْرِهِ كَأَنْ يُقَالَ احْلِفْ أَوْ اقْسِمْ بِاَللَّهِ اتِّبَاعًا لِنَظْمِ الْآيَاتِ السَّابِقَةِ وَكَالْوَلَدِ فِيمَا ذُكِرَ الْحَمْلُ.
" وَشُرِطَ وَلَاءِ الْكَلِمَاتِ " الْخَمْسِ هَذَا مِنْ زِيَادَتِي فَيُؤَثِّرُ الْفَصْلُ الطَّوِيلُ أَمَّا الْوَلَاءُ بَيْنَ لِعَانِ الزَّوْجَيْنِ فَلَا يشترط كما صرح به الدارمي " وتلقين قاض له " أي اللعان أَيْ لِكَلِمَاتِهِ فَيَقُولُ لَهُ قُلْ كَذَا وَلَهَا قُولِي كَذَا فَلَا يَصِحُّ اللِّعَانُ بِغَيْرِ تَلْقِينٍ كَسَائِرِ الْأَيْمَانِ وَظَاهِرٌ أَنَّ السَّيِّدَ فِي ذَلِكَ كَالْقَاضِي لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَتَوَلَّى لِعَانَ رَقِيقِهِ " وَصَحَّ " اللِّعَانُ " بِغَيْرِ عَرَبِيَّةٍ " وَإِنْ عَرَفَهَا لِأَنَّ اللِّعَانَ يَمِينٌ أَوْ شَهَادَةٌ وَهُمَا فِي اللُّغَاتِ سَوَاءٌ فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ الْقَاضِي غَيْرَهَا وَجَبَ مُتَرْجِمَانِ " وَ " صَحَّ " مِنْ " شَخْصٍ " أَخْرَسَ بِإِشَارَةٍ مُفْهِمَةٍ أَوْ كِتَابَةٍ " كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ كَالشَّهَادَةِ مِنْهُ لِضَرُورَتِهِ إلَيْهِ دُونَهَا لِأَنَّ النَّاطِقِينَ يَقُومُونَ بِهَا وَلِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِي اللِّعَانِ مَعْنَى الْيَمِينِ دُونَ الشَّهَادَةِ " كَقَذْفٍ " مِنْ زِيَادَتِي فَيَصِحُّ بِغَيْرِ عَرَبِيَّةٍ وَمِنْ أَخْرَسَ بِإِشَارَةٍ مُفْهِمَةٍ أَوْ كِتَابَةٍ لِمَا ذُكِرَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا لَمْ يَصِحَّ قَذْفُهُ وَلَا لِعَانُهُ كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ لِتَعَذُّرِ الْوُقُوفِ عَلَى مَا يُرِيدُ.
" وسن تغليظ " اللعان كَتَغْلِيظِ الْيَمِينِ بِتَعْدِيدِ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى لَكِنْ لَا تَغْلِيظَ عَلَى مَنْ لَا يَنْتَحِلُ دِينًا كالزنديق والدهري ويغلظ " بزمان وَهُوَ بَعْدَ " صَلَاةِ " عَصْرٍ " لِأَنَّ الْيَمِينَ الْفَاجِرَةَ حِينَئِذٍ أَغْلَظُ عُقُوبَةً لِخَبَرٍ جَاءَ فِيهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ: " وَ " بَعْدَ صَلَاةِ " عَصْرِ " يَوْمِ " جُمُعَةٍ أولى " إن اتفق ذلك أو أمهل " و " لِأَنَّ سَاعَةَ الْإِجَابَةِ فِيهِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَهُمَا يَدْعُوَانِ فِي الْخَامِسَةِ بِاللَّعْنِ وَالْغَضَبِ وَإِطْلَاقُ الْعَصْرِ مَعَ ذِكْرِ أَوْلَوِيَّةِ عَصْرِ الْجُمُعَةِ مِنْ زِيَادَتِي " وَمَكَانٌ وَهُوَ أَشْرَفُ بَلَدِهِ " أَيْ اللِّعَانِ " فَبِمَكَّةَ بَيْنَ الرُّكْنِ " الْأَسْوَدِ " وَالْمَقَامِ " أَيْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْحَطِيمِ " وَبِإِيلْيَاءَ " أي بيت.

(2/122)


الصخرة وبغيرهما على المنبر وبباب مسجد لمسلم به حدث أكبر وببيعة وكنيسة وبيت نار لأهلها لا صنم لوثني وجمع أقله أربعة وأن يعظهما قاض ويبالغ قبل الخامسة ويتلاعنا من قيام وشرطه زوج يصح طلاقه ولو مرتدا بعد وطء لَا إنْ أَصَرَّ وَقَذَفَ فِي رِدَّةٍ وَلَا وَلَدَ وَيُلَاعِنُ وَلَوْ مَعَ إمْكَانِ بَيِّنَةٍ بِزِنَاهَا لِنَفْيِ وَلَدٍ وَإِنْ عَفَتْ عَنْ عُقُوبَةٍ وَبَانَتْ ولدفعها وإن بانت ولا ولد إلا تعزير تأديب فلو ثبت زناها أَوْ عَفَتْ عَنْ الْعُقُوبَةِ أَوْ لَمْ تَطْلُبْ أو جنت بعد قذفه ولا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْمَقْدِسِ " عِنْدَ الصَّخْرَةِ وَبِغَيْرِهِمَا " مِنْ الْمَدِينَةِ وَغَيْرِهَا " على المنبر " بالجامع وعبيري بِعَلَى هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا صَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ مِنْ أَنَّهُمَا يَصْعَدَانِ الْمِنْبَرَ بِخِلَافِ تَعْبِيرِ الأصل بغد " وَبِبَابِ مَسْجِدٍ لِمُسْلِمٍ بِهِ حَدَثٌ أَكْبَرُ " لِحُرْمَةِ مُكْثِهِ فِيهِ وَيَخْرُجُ الْقَاضِي أَوْ نَائِبُهُ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْكَافِرِ فَيُغَلَّظُ عَلَيْهِ بِمَا يَأْتِي فَإِنْ أُرِيدَ لِعَانُهُ فِي الْمَسْجِدِ غَيْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مُكِّنَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ بِهِ حَدَثٌ أَكْبَرُ أو من فِي نَحْوِ الْحَيْضِ تَلْوِيثُ الْمَسْجِدِ وَتَعْبِيرِي بِذَلِكَ مُوَفٍّ بِالْغَرَضِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ وَحَائِضٌ بِبَابِ مَسْجِدٍ.
" وَبِبِيعَةٍ وَكَنِيسَةٍ وَبَيْتِ نَارٍ لِأَهْلِهَا " وَهُمْ النَّصَارَى فِي الْأَوَّلِ وَالْيَهُودُ فِي الثَّانِي وَالْمَجُوسُ فِي الثالث لأنهم يعظمونها كتعظيمنا المسجد وَيَحْضُرُهَا الْقَاضِي أَوْ نَائِبُهُ كَغَيْرِهَا مِمَّا مَرَّ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَعْظِيمُ الْوَاقِعَةِ وَزَجْرُ الْكَاذِبِ عَنْ الْكَذِبِ وَالْيَمِينُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُعَظِّمُهُ الْحَالِفُ أغلظ وتجوز مراعاة اعتقادهم لشبهة الْكِتَابِ كَمَا رُوعِيَ فِي قَبُولِ الْجِزْيَةِ " لَا " بَيْتُ " صَنَمٍ لِوَثَنِيٍّ " لِأَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ فِي الْحُرْمَةِ وَلِأَنَّ دُخُولَهُ مَعْصِيَةٌ بِخِلَافِ دُخُولِ الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ وَبَيْتِ النَّارِ وَاعْتِقَادُهُمْ فِيهِ غَيْرُ مرعى فَيُلَاعِنُ بَيْنَهُمْ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ وَصُورَتُهُ أَنْ يَدْخُلُوا دَارَنَا بِأَمَانٍ أَوْ هُدْنَةٍ وَيَتَرَافَعُوا إلَيْنَا وَالتَّغْلِيظُ فِي حَقِّ الْكُفَّارِ بِالزَّمَانِ مُعْتَبَرٌ بِأَشْرَفِ الْأَوْقَاتِ عِنْدَهُمْ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ " وَجَمْعٍ " أَيْ وَبِحَضْرَةِ جَمْعٍ مِنْ أَعْيَانِ الْبَلَدِ " أَقَلُّهُ أَرْبَعَةٌ " لِثُبُوتِ الزِّنَا بِهِمْ وَيُعْتَبَرُ كَوْنُهُمْ مِمَّنْ يَعْرِفُ لُغَةَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ وَكَوْنُهُمْ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ " وَ " سن " أن يعظمهما قَاضٍ " وَلَوْ بِنَائِبِهِ كَأَنْ يَقُولَ إنَّ عَذَابَ الدنياأهون مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ وَيَقْرَأَ عَلَيْهِمَا: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ} 1 الْآيَةَ " وَ " أَنْ " يُبَالِغَ " فِي الْوَعْظِ " قَبْلَ الْخَامِسَةِ " فَيَقُولُ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ فَإِنَّ الْخَامِسَةَ مُوجِبَةٌ لِلَّعْنِ وَيَقُولُ لَهَا مِثْلَ ذَلِكَ بِلَفْظِ الْغَضَبِ لَعَلَّهُمَا يَنْزَجِرَانِ وَيَتْرُكَانِ فَإِنْ أَبَيَا لَقَّنَهُمَا الْخَامِسَةَ " وَ " أَنْ " يَتَلَاعَنَا مِنْ قِيَامٍ " لِيَرَاهُمَا النَّاسُ وَيَشْتَهِرَ أَمْرُهُمَا وَتَجْلِسَ هِيَ وَقْتَ لِعَانِهِ وَهُوَ وَقْتَ لِعَانِهَا.
" وَشَرْطُهُ " أَيْ الْمُلَاعِنِ " زَوْجٌ يَصِحُّ طَلَاقُهُ " عَلَى مَا يَأْتِي " وَلَوْ " سَكْرَانَ وذميا ورقيقا ومحدودا في قذف ولو " مرتدا بعد وطء " أواستدخال مَنِيٍّ فَيَصِحُّ لِعَانُهُ وَإِنْ قَذَفَ فِي الرِّدَّةِ وَأَصَرَّ عَلَيْهَا فِي الْعِدَّةِ لِتَبَيُّنِ وُقُوعِهِ فِي النِّكَاحِ فِيمَا إذَا لَمْ يُصِرَّ وَكَمَا لَوْ قَذَفَهَا زَوْجُهَا ثُمَّ أَبَانَهَا فِيمَا إذَا قَذَفَهَا قَبْلَ الرِّدَّةِ وَأَصَرَّ وَكَمَا لَوْ أَبَانَهَا ثُمَّ قَذَفَهَا بِزِنًا مُضَافٍ إلَى حَالِ النِّكَاحِ فِيمَا إذَا قَذَفَهَا فِي الرِّدَّةِ وَأَصَرَّ وَثَمَّ وَلَدٌ " لا إن أصر فِي رِدَّةٍ وَلَا وَلَدَ " ثَمَّ فَلَا يَصِحُّ لِعَانُهُ لِتَبَيُّنِ الْفُرْقَةِ مِنْ حِينِ الرِّدَّةِ مَعَ وُقُوعِ الْقَذْفِ فِيهَا وَلَا وَلَدَ وَيُلَاعِنُ وَلَوْ مَعَ إمْكَانِ بَيِّنَةٍ بِزِنَاهَا" لِأَنَّهُ حُجَّةٌ كَالْبَيِّنَةِ وَصَدَّنَا عَنْ الْأَخْذِ بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} 2 مِنْ اشْتِرَاطِ تَعَذُّرِ الْبَيِّنَةِ الْإِجْمَاعُ فَالْآيَةُ مُؤَوَّلَةٌ بِأَنْ يُقَالَ فَإِنْ لَمْ يَرْغَبْ فِي الْبَيِّنَةِ فَيُلَاعِنُ كَقَوْلِهِ: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} 3 عَلَى أَنَّ هَذَا الْقَيْدَ خَرَجَ عَلَى سَبَبٍ وَسَبَبُ الْآيَةِ كَانَ الزَّوْجُ فِيهِ فَاقِدًا لِلْبَيِّنَةِ وَشَرْطُ الْعَمَلِ بِالْمَفْهُومِ أَنْ لَا يَخْرُجَ الْقَيْدُ عَلَى سَبَبٍ فَيُلَاعِنُ مُطْلَقًا " لِنَفْيِ وَلَدٍ وَإِنْ عَفَتْ عَنْ عُقُوبَةٍ " لِقَذْفٍ " وَبَانَتْ " مِنْهُ بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ لِحَاجَتِهِ إلَى ذَلِكَ " وَلِدَفْعِهَا " أي العقوبة بطلب لها من الزوجة أوالزاني كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي.
" وَإِنْ بَانَتْ وَلَا وَلَدَ " لِحَاجَتِهِ إلَى إظْهَارِ الصِّدْقِ وَالِانْتِقَامِ مِنْهَا " إلَّا تَعْزِيرَ تَأْدِيبٍ " لِكَذِبٍ مَعْلُومٍ كَقَذْفِ طِفْلَةٍ لَا تُوطَأُ أَوْ لِصِدْقٍ ظَاهِرٍ كَقَذْفِ كَبِيرَةٍ ثَبَتَ زِنَاهَا بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ أَوْ لِعَانٍ مِنْهُ مَعَ امْتِنَاعِهَا مِنْهُ فَلَا يُلَاعِنُ فِيهِمَا لِدَفْعِهِ أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِتَيَقُّنِ كَذِبِهِ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الْحَلِفِ عَلَى أَنَّهُ صَادِقٌ فَيُعَزَّرُ لَا لِلْقَذْفِ لِأَنَّهُ كَاذِبٌ فِيهِ قَطْعًا فَلَمْ يُلْحِقْ بِهَا عَارًا بَلْ مَنْعًا لَهُ مِنْ الْإِيذَاءِ وَلِلْخَوْضِ فِي الْبَاطِلِ وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ اللِّعَانَ لِإِظْهَارِ الصِّدْقِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فَلَا مَعْنَى لَهُ وَلِأَنَّ التَّعْزِيرَ فِيهِ لِلسَّبِّ وَالْإِيذَاءِ فَأَشْبَهَ التَّعْزِيرَ بِقَذْفِ صَغِيرَةٍ لَا تُوطَأُ وَالتَّعْزِيرُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُسْتَثْنَى منه يقال له تعزير تكذيب أن كَانَ لِكَذِبٍ ظَاهِرٍ كَقَذْفِ ذِمِّيَّةٍ وَأَمَةٍ وَصَغِيرَةٍ تُوطَأُ وَلَا يُسْتَوْفَى هَذَا التَّعْزِيرُ إلَّا بِطَلَبِ المقذوفة حتى لو كانت.
__________
1 سورة آل عمران الآية: 77.
2 سورة النور الآية: 6.
3 سورة البقرة الآية: 282.

(2/123)


ولد فلا لعان ويتعلق بلعانه انفساخ وحرمة مؤبدة وانتفاء نسب نفاه وسقوط عقوبة عنه لها وللزاني إن سماه فيه وحصانتها في حقه إن لم تلاعن ووجوب عقوبة زناها ولها لعان لدفعها وإنما ينفي به ممكنا منه ولو ميتا وإلا كأن ولدته لستة أشهر من العقد أو طلق بمجلسه فلا يلاعن لنفيه والنفي فوري إلا لعذر تعسر فيه إشهاد وله نفي حمل وانتظار وضعه لتحققه فإن قال جهلت الوضع وأمكن حلف لا أَحَدِ تَوْأَمَيْنِ بِأَنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا سِتَّةُ أشهر ولو.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
صَغِيرَةً أَوْ مَجْنُونَةً اُعْتُبِرَ طَلَبُهَا بَعْدَ كَمَالِهَا وَتَعْزِيرُ التَّأْدِيبِ فِي الطِّفْلَةِ الْمَذْكُورَةِ يَسْتَوْفِيهِ الْقَاضِي مَنْعًا لِلْقَاذِفِ مِمَّا مَرَّ وَفِي غَيْرِهَا لَا يُسْتَوْفَى إلَّا بِطَلَبِ الْغَيْرِ وَتَعْبِيرِي بِمَا ذُكِرَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ إلَّا تَعْزِيرَ تَأْدِيبٍ لِكَذِبٍ.
" فَلَوْ ثَبَتَ زِنَاهَا " بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارِ " أَوْ عَفَتْ عَنْ الْعُقُوبَةِ أَوْ لَمْ تَطْلُبْ " أَيْ الْعُقُوبَةَ " أَوْ جَنَتْ بَعْدَ قَذْفِهِ وَلَا وَلَدَ " فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ " فَلَا لِعَانَ " لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لِانْتِفَاءِ طَلَبِ الْعُقُوبَةِ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ وَسُقُوطِهَا في البقية فإن كان تم وَلَدٌ فَلَهُ اللِّعَانُ لِنَفْيِهِ كَمَا عُرِفَ وَتَعْبِيرِي هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي بِالْعُقُوبَةِ الشَّامِلَةِ لِلتَّعْزِيرِ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالْحَدِّ " وَيَتَعَلَّقُ بِلِعَانِهِ انْفِسَاخٌ " ظَاهِرًا وَبَاطِنًا كَالرَّضَاعِ وَتَعْبِيرِي بِذَلِكَ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِهِ بفرقة " وَحُرْمَةٌ مُؤَبَّدَةٌ " وَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ لِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ " الْمُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا " " وَانْتِفَاءُ نَسَبٍ نَفَاهُ " بِلِعَانِهِ حَيْثُ كَانَ وَلَدٌ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ " وَسُقُوطُ عُقُوبَةٍ " مِنْ حَدٍّ أَوْ تَعْزِيرٍ " عَنْهُ لَهَا وَلِلزَّانِي" بِقَيْدٍ زِدْته بِقَوْلِي " إنْ سَمَّاهُ فِيهِ " أَيْ فِي لِعَانِهِ لِلْآيَاتِ السَّابِقَةِ فِي الْأُولَى وَقِيَاسًا عَلَيْهَا فِي الثَّانِيَةِ " وَ " سُقُوطُ " حَصَانَتِهَا فِي حَقِّهِ " لِأَنَّ اللِّعَانَ فِي حَقِّهِ كَالْبَيِّنَةِ " إنْ لَمْ تُلَاعِنْ " فَإِنْ لَاعَنَتْ لَمْ تَسْقُطْ حَصَانَتُهَا فِي حَقِّهِ إنْ قَذَفَهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ الزِّنَا لَا إنْ قَذَفَهَا بِهِ أَوْ أَطْلَقَ وَخَرَجَ بِقَوْلِي فِي حَقِّهِ حَصَانَتُهَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَلَا تَسْقُطُ وَقَوْلِي وَحَصَانَتُهَا إلَى آخِرِهِ مِنْ زِيَادَتِي " وَ " يَتَعَلَّقُ بِلِعَانِهِ أَيْضًا " وُجُوبُ عُقُوبَةِ زِنَاهَا " عَلَيْهَا وَلَوْ ذِمِّيَّةً لِمَا مَرَّ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ} 1 وَلَهَا لِعَانٌ لِدَفْعِهَا أَيْ الْعُقُوبَةِ الثَّابِتَةِ بِلِعَانِهِ فَإِنْ أَثْبَتَهَا بِبَيِّنَةٍ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُلَاعِنَ لِدَفْعِهَا لِأَنَّ اللِّعَانَ حُجَّةٌ ضَعِيفَةٌ فَلَا تُقَاوِمُ الْبَيِّنَةَ.
" وَإِنَّمَا يَنْفِي بِهِ " أَيْ بِلِعَانِهِ وَلَدًا " مُمْكِنًا " كَوْنُهُ " مِنْهُ وَلَوْ مَيِّتًا " لِأَنَّ نَسَبَهُ لَا يَنْقَطِعُ بِالْمَوْتِ بَلْ يُقَالُ هَذَا الْمَيِّتُ وَلَدُ فُلَانٍ " وَإِلَّا " أَيْ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ كَوْنُهُ مِنْهُ " كَأَنْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ " فَأَقَلَّ " مِنْ الْعَقْدِ " لِانْتِفَاءِ زَمَنِ الْوَطْءِ وَالْوَضْعِ " أَوْ " لِأَكْثَرَ مِنْهَا بِزَمَنِهِمَا وَ " طَلَّقَ بِمَجْلِسِهِ " أَيْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ أَوْ كَانَ الزَّوْجُ مَمْسُوحًا لِانْتِفَاءِ إمْكَانِ الْوَطْءِ أَوْ نَكَحَ وَهُوَ بِالْمَشْرِقِ وَهِيَ بِالْمَغْرِبِ لِانْتِفَاءِ إمْكَانِ اجْتِمَاعِهِمَا " فَلَا يُلَاعِنُ لِنَفْيِهِ " لِانْتِفَاءِ إمْكَانِ كَوْنِهِ مِنْهُ فَهُوَ مَنْفِيٌّ عَنْهُ بِلَا لِعَانٍ هَذَا إنْ كَانَ الْوَلَدُ تَامًّا وإلا فالمعتبر مضي المدة الْمَذْكُورَةِ فِي الرَّجْعَةِ " وَالنَّفْيُ فَوْرِيٌّ " كَالرَّدِّ بِعَيْبٍ يجامع الضَّرَرِ بِالْإِمْسَاكِ " إلَّا لِعُذْرٍ " كَأَنْ بَلَغَهُ الْخَبَرُ لَيْلًا فَأَخَّرَ حَتَّى يُصْبِحَ أَوْ حَضَرَتْهُ الصَّلَاةُ فَقَدَّمَهَا أَوْ كَانَ جَائِعًا فَأَكَلَ أَوْ مَرِيضًا أَوْ مَحْبُوسًا وَلَمْ يُمْكِنْهُ إعْلَامُ الْقَاضِي بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَجِدْهُ فَأَخَّرَ فَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ إنْ " تَعَسَّرَ " عَلَيْهِ " فِيهِ إشْهَادٌ " بِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى النَّفْيِ وَإِلَّا بَطَلَ حَقُّهُ كَمَا لَوْ أَخَّرَ بِلَا عُذْرٍ فَيَلْحَقُهُ الْوَلَدُ وَهَذَا الْقَيْدُ مِنْ زِيَادَتِي.
" وَلَهُ نَفْيُ حَمْلٍ وَانْتِظَارُ وَضْعِهِ " بِقَيْدٍ زِدْته بِقَوْلِي " لِتَحَقُّقِهِ " أَيْ لِتَحَقُّقِ كَوْنِهِ وَلَدًا إذْ مَا يُتَوَهَّمُ حَمْلًا قَدْ يَكُونُ رِيحًا فَيَنْفِيهِ بَعْدَ وَضْعِهِ بِخِلَافِ انْتِظَارِ وَضْعِهِ لِرَجَاءِ مَوْتِهِ فَلَوْ قَالَ عَلِمْتُهُ وَلَدًا وَأَخَّرْت رَجَاءَ وَضْعِهِ مَيِّتًا فَأُكْفَى اللِّعَانَ بَطَلَ حَقُّهُ مِنْ النَّفْيِ لِتَفْرِيطِهِ " فَإِنْ " أَخَّرَ وَ " قَالَ جَهِلْت الْوَضْعَ وَأَمْكَنَ " جَهْلُهُ " حَلَفَ " فَيُصَدَّقُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يُوَافِقُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُمْكِنْ كَأَنْ غَابَ وَاسْتُفِيضَ الْوَضْعُ وَانْتَشَرَ وَلَوْ ادَّعَى جَهْلَ النَّفْيِ أَوْ الْفَوْرِيَّةِ وَقَرُبَ إسْلَامُهُ أَوْ نَشَأَ بَعِيدًا عَنْ الْعُلَمَاءِ أَوْ كَانَ عَامِّيًّا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ " لَا " نَفْيِ " أَحَدِ تَوْأَمَيْنِ بِأَنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ " بِأَنْ وُلِدَا مَعًا أَوْ تَخَلَّلَ بَيْنَ وَضْعَيْهِمَا دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمْ يُجْرِ الْعَادَةَ بِأَنْ يَجْتَمِعَ فِي الرَّحِمِ وَلَدٌ مِنْ مَاءِ رَجُلٍ وَوَلَدٌ مِنْ مَاءِ آخَرَ لِأَنَّ الرحم إذا اشتمل على المني اسْتَدَّ فَمُهُ فَلَا يَتَأَتَّى قَبُولُهُ مَنِيَّ آخَرَ فَالتَّوْأَمَانِ مِنْ مَاءِ رَجُلٍ وَاحِدٍ فِي حَمْلٍ وَاحِدٍ فَلَا يَتَبَعَّضَانِ لُحُوقًا وَلَا انْتِفَاءً فَلَوْ نَفَى أَحَدَهُمَا بِاللِّعَانِ ثُمَّ وَلَدَتْ الثَّانِي فَسَكَتَ عَنْ نَفْيِهِ لَحِقَهُ الْأَوَّلُ مَعَ الثَّانِي وَلَمْ يُعْكَسْ لِقُوَّةِ اللُّحُوقِ عَلَى النَّفْيِ لِأَنَّهُ مَعْمُولٌ بِهِ بَعْدَ النَّفْيِ وَلَا كَذَلِكَ النَّفْيُ بَعْدَ الِاسْتِلْحَاقِ وَلِأَنَّ الْوَلَدَ يَلْحَقُ بِغَيْرِ اسْتِلْحَاقٍ عِنْدَ إمْكَانِ كَوْنِهِ مِنْهُ وَلَا يَنْتَفِي عَنْهُ عِنْدَ إمْكَانِ كَوْنِهِ مِنْ غَيْرِهِ إلَّا بِالنَّفْيِ أَمَّا إذَا كَانَ بَيْنَ وَضْعَيْ الْوَلَدَيْنِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ.
__________
1 سورة النور الآية: 8.

(2/124)


هنىء بولد فَأَجَابَ بِمَا يَتَضَمَّنُ إقْرَارًا كَآمِينَ أَوْ نَعَمْ لم ينف ولو بانت ثم قذفها بزنا مطلق أو مضافا لما بعد النكاح لاعن لنفي ولد وإلا فلا لعان وله إنشاؤه ويلاعن لنفيه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَأَكْثَرُ فَهُمَا حَمْلَانِ يَصِحُّ نَفْيُ أَحَدِهِمَا وَمَا وَقَعَ فِي الْوَسِيطِ مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَتَوْأَمَانِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ مِنْ أَنَّ الْعُلُوقَ لَا يُقَارِنُ أَوَّلَ الْمُدَّةِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا قَدَّمْته فِي الْوَصِيَّةِ.
" وَلَوْ هُنِّئَ بِوَلَدٍ " كَأَنْ قِيلَ لَهُ مُتِّعْتَ بِوَلَدِك أَوْ جَعَلَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَدًا صَالِحًا " فَأَجَابَ بِمَا يَتَضَمَّنُ إقْرَارًا كَآمِينَ أَوْ نَعَمْ لَمْ يُنْفَ " بِخِلَافِ مَا إذَا أَجَابَ بِمَا لَا يَتَضَمَّنُ إقْرَارًا كَقَوْلِهِ جَزَاك اللَّهُ خَيْرًا أَوْ بَارَكَ عَلَيْكَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ قَصَدَ مُكَافَأَةَ الدُّعَاءِ بِالدُّعَاءِ " وَلَوْ بَانَتْ " مِنْهُ " ثُمَّ قَذَفَهَا " فإن قذفها " بزنامطلق أو مضاف لما بعد النكاح لا عن لِنَفْيِ وَلَدٍ " يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ كَمَا فِي صُلْبِ النِّكَاحِ وَتَسْقُطُ عُقُوبَةُ الْقَذْفِ عَنْهُ بِلِعَانِهِ وَيَجِبُ بِهِ عَلَى الْبَائِنِ عُقُوبَةُ الزِّنَا الْمُضَافِ إلى بعدالنكاح بِخِلَافِ الْمُطْلَقِ وَيَسْقُطُ بِلِعَانِهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ فَلَا لِعَانَ كَالْأَجْنَبِيِّ وَلِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَى الْقَذْفِ حِينَئِذٍ " وَإِلَّا " بِأَنْ قَذَفَهَا بِزِنًا مُضَافٍ إلَى مَا قَبْلَ نِكَاحِهِ وَهُوَ مَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْأَصْلُ أَوْ إلَى مَا بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ " فَلَا لِعَانَ " سَوَاءٌ أَكَانَ ثَمَّ وَلَدٌ لِتَقْصِيرِهِ إذْ كَانَ حَقُّهُ أن يطلق القذف أو يضفيه إلَى مَا بَعْدَ النِّكَاحِ أَمْ لَا إذْ لَا ضَرُورَةَ إلَى الْقَذْفِ " وَ " لَكِنْ " لَهُ إنْشَاؤُهُ " أَيْ الْقَذْفِ الْمُطْلَقِ أَوْ الْمُضَافِ إلَى بَعْدَ النِّكَاحِ " وَيُلَاعِنُ لِنَفْيِهِ " أَيْ الْوَلَدِ بَلْ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ إنْ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ وَتَسْقُطُ عُقُوبَةُ الْقَذْفِ عَنْهُ بِلِعَانِهِ فإن لم ينش عوقب.

(2/125)