كفاية الأخيار في حل غاية الإختصار

كتاب الزَّكَاة
بَاب مَا تجب فِيهِ الزَّكَاة وشرائط وُجُوبهَا فِيهِ
(تجب الزَّكَاة فِي خَمْسَة أَشْيَاء الْمَوَاشِي والأثمان والزروع وَالثِّمَار وعروض التِّجَارَة)
الزَّكَاة فِي اللُّغَة النمو وَالْبركَة وَكَثْرَة الْخَيْر يُقَال زكا الزَّرْع إِذا نما وزكا فلَان أَي كَثْرَة بره وخيره
وَهِي فِي الشَّرْع اسْم لقدر من المَال مَخْصُوص يصرف لأصناف مَخْصُوصَة بشرائط وَسميت بذلك لِأَن المَال يَنْمُو ببركة إخْرَاجهَا ودعا الْآخِذ قَالَ الله تَعَالَى {وَمَا آتيتم من زَكَاة تُرِيدُونَ وَجه الله فَأُولَئِك هم المضعفون}
ثمَّ وجوب الزَّكَاة ثَابت بِالْكتاب وَالسّنة وَإِجْمَاع الْأمة قَالَ الله تَعَالَى {وَآتوا الزَّكَاة} وَمن السّنة حَدِيث
(بني الْإِسْلَام على خمس) وَمِنْهَا الزَّكَاة وَلِهَذَا كَانَت أحد أَرْكَان الْإِسْلَام
فَمن جَحدهَا كفر إِلَّا أَن يكون قريب عهد بِالْإِسْلَامِ فَيعرف وَمن منعهَا وَهُوَ يعْتَقد وُجُوبهَا أخذت مِنْهُ قهرا
ثمَّ الزَّكَاة نَوْعَانِ
أَحدهَا يتَعَلَّق بِالْبدنِ وَهِي زَكَاة الْفطر وَسَتَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي محلهَا

(1/168)


وَالثَّانِي يتَعَلَّق بِالْمَالِ وَهِي هَذِه الْأُمُور الَّتِي ذكرهَا الشَّيْخ وَسَتَأْتِي مفصلة فِي محلهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَالله أعلم قَالَ
(فَأَما الْمَوَاشِي فَتجب الزَّكَاة فِي ثَلَاثَة أَجنَاس مِنْهَا وَهِي الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم)
دَلِيل وُجُوبهَا فِي هَذِه الثَّلَاثَة الاجماع وَغَيره وَالْمعْنَى فِي تخصيصها كثرتها وَكَثْرَة نمائها وَكَثْرَة الِانْتِفَاع بهَا مَعَ كَونهَا مأكولة فاحتملت الْمُوَاسَاة بِخِلَاف غَيرهَا وَبِأَن الأَصْل عدم وُجُوبهَا فِي غَيرهَا إِلَّا مَا ثَبت بِدَلِيل خَاص قَالَ
(وشرائط وُجُوبهَا سِتَّة أَشْيَاء الْإِسْلَام وَالْحريَّة وَالْملك التَّام والنصاب والحول والسوم)
مَتى اجْتمعت هَذِه الشُّرُوط فَلَا نزاع فِي وجوب الزَّكَاة وَلَعَلَّ الاجماع مُنْعَقد على ذَلِك
وَاحْترز الشَّيْخ بِالْإِسْلَامِ عَن الْكفْر فالكافر إِن كَانَ أَصْلِيًّا فَلَا زَكَاة عَلَيْهِ لمَفْهُوم قَول الصّديق رَضِي الله عَنهُ هَذِه فَرِيضَة الصَّدَقَة الَّتِي فَرضهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْمُسلمين وَلِأَن الْكَافِر لَا يُطَالب بهَا فِي حَال الْكفْر وَلَا بعد الْإِسْلَام فَأَشْبَهت الصَّلَاة وَأما الْمُرْتَد فَلَا يسْقط عَنهُ مَا وَجب عَلَيْهِ فِي الْإِسْلَام وَإِن حَال الْحول على مَاله وَهُوَ مُرْتَد فَفِيهِ خلاف الصَّحِيح أَنه يَبْنِي على أَقْوَال ملكه وَالصَّحِيح أَن مَاله مَوْقُوف فَإِن عَاد إِلَى الْإِسْلَام وَجَبت وَإِلَّا فَلَا
وَاحْترز الشَّيْخ بِالْحُرِّيَّةِ عَن الرّقّ فَلَا تجب الزَّكَاة على العَبْد لِأَنَّهُ لَا ملك لَهُ وَلَو ملكه السَّيِّد أَو غَيره مَالا لَا يمكلكه
على الصَّحِيح وَالْمُدبر وَأم الْوَلَد كالقن وَأما الْمكَاتب فَلَا زَكَاة عَلَيْهِ أَيْضا لِأَن ملكه ضَعِيف وَلَا على السَّيِّد لِأَن الْمكَاتب مَعَ قدرته على التَّصَرُّف فِي المَال لَا تجب عَلَيْهِ الزَّكَاة فَلِأَن لَا تجب على السَّيِّد أولى فَإِن عتق وَفِي يَده مَال ابْتَدَأَ الْحول فَإِن عجز نَفسه وَصَارَ مَاله لسَيِّده ابْتَدَأَ السَّيِّد الْحول عَلَيْهِ
وَاحْترز الشَّيْخ بِالْملكِ التَّام عَن الْملك الضَّعِيف فَلَا تجب فِيهِ الزَّكَاة
وَيظْهر ذَلِك بِذكر صور فَإِذا وَقع مَاله فِي مضيعة أَو سرق أَو غصب أَو أودعهُ عِنْد شخص فجحده فَهَل تجب الزَّكَاة فِيهِ خلاف الْقَدِيم لَا تجب فِيهِ الزَّكَاة لضعف الْملك بِمَنْع التَّصَرُّف فَأشبه مَال الْمكَاتب والجديد الْأَظْهر أَنَّهَا تجب لِأَن ملكه مُسْتَقر عَلَيْهِ فعلى هَذَا لَا تجب إِخْرَاج الزَّكَاة قبل عود المَال حَتَّى لَو تلف فِي زمَان الْحَيْلُولَة بعد مُضِيّ أَحْوَال سَقَطت الزَّكَاة وَمن الصُّور الدّين الثَّابِت على الْغَيْر وَله أَحْوَال أَحدهَا أَن لَا يكون لَازِما كَمَال الْمُكَاتبَة فَلَا زَكَاة فِيهِ لضعف الْملك

(1/169)


الْحَالة
الثَّانِيَة أَن يكون لَازِما وَهُوَ مَاشِيَة بِأَن أقْرضهُ أَرْبَعِينَ شَاة أَو أسلم إِلَيْهِ فِيهَا وَكَذَا النّصاب فِي الْإِبِل وَالْبَقر وَمضى عَلَيْهِ حول قبل قَبضه فَلَا زَكَاة لِأَن السّوم شَرط وَمَا فِي الذِّمَّة لَا يَتَّصِف بالسوم وَلِأَن الزَّكَاة إِنَّمَا تجب فِي المَال النامي والماشية فِي الذِّمَّة لَا تنمو بِخِلَاف الدَّرَاهِم الثَّابِتَة فِي الذِّمَّة فَإِن سَبَب الزَّكَاة فِيهَا كَونهَا معدة للصرف
الْحَالة الثَّالِثَة أَن يكون الدّين دَرَاهِم أَو دَنَانِير أَو عرُوض تِجَارَة فَفِي وجوب الزَّكَاة قَولَانِ الْقَدِيم لَا زَكَاة فِي الدّين بِحَال لضعف التَّصَرُّف فِيهِ فَأشبه مَال الْكِتَابَة وَالْمذهب الصَّحِيح الْمَشْهُور وجوب الزَّكَاة فِيهِ فِي الْجُمْلَة وتفصيلة إِن كَانَ مُتَعَذر الِاسْتِيفَاء لإعسار من عَلَيْهِ أَو جحوده وَلَا بَيِّنَة لَهُ عَلَيْهِ أَو مطله أَو غيبته فَهُوَ كالمغصوب وَقد مر وَإِن لم يتَعَذَّر الِاسْتِيفَاء بِأَن كَانَ على ملىء باذل أَو على جَاحد عَلَيْهِ بَيِّنَة فَإِن كَانَ حَالا وَجَبت الزَّكَاة وَوَجَب إخْرَاجهَا فِي الْحَال لِأَنَّهُ مَال حَاضر وَإِن كَانَ مُؤَجّلا فَهُوَ كالمغصوب وَلَا يجب الْإِخْرَاج حَتَّى يقبضهُ على الْأَصَح
(فرع) قَالَ فِي شرح الْمُهَذّب لَو اشْترى مَالا زكوياً فَلم يقبضهُ حَتَّى مضى الْحول وَهُوَ فِي يَد البَائِع فَالْمَذْهَب وجوب الزَّكَاة على المُشْتَرِي وَبِه قطع الْجُمْهُور لتَمام الْملك وَقيل لَا تجب قطعا لضَعْفه وتعرضه للإنفساخ وَمنع تفرقه وَقيل فِيهِ الْخلاف فِي الْمَغْصُوب
وَمن الصُّور المَال الْمُلْتَقط فِي السّنة الأولى بَاقٍ على ملك الْمَالِك فَلَا زَكَاة فِيهِ على الْمُلْتَقط وَفِي وُجُوبهَا على الْمَالِك الْخلاف فِي الْمَغْصُوب والضال وَهَذَا إِذا لم يعرفهَا فَإِن عرفهَا وَمضى الْحول وَقُلْنَا بِالصَّحِيحِ إِن الْمُلْتَقط لَا بُد من اخْتِيَاره للتَّمَلُّك بعد التَّعْرِيف نظر إِن لم يتملكها فَهِيَ بَاقِيَة على ملك الْمَالِك وَفِي وجوب الزَّكَاة عَلَيْهِ طَرِيقَانِ أصَحهمَا على الْقَوْلَيْنِ كالسنة الأولى وَالثَّانِي لَا زَكَاة قطعا لتسلط الْمُلْتَقط عَلَيْهَا فِي التَّمَلُّك
وَمن صور الدّين وَنَذْكُر مَا يَتَّضِح بِهِ عدم الْملك التَّام ونشير إِلَيْهِ فَإِذا كَانَ شخص لَهُ مَال تجب فِيهِ الزَّكَاة وَعَلِيهِ دُيُون قدر مَاله أَو أَكثر فَهَل يمْنَع الدّين أَو لَا ولوجوب الزَّكَاة فِيهِ أَقْوَال أظهرها وَهُوَ الْمَذْهَب الَّذِي نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي فِي أَكثر كتبه الجديدة أَنه لَا يمْنَع وُجُوبهَا سَوَاء كَانَ الدّين مُؤَجّلا أَو حَالا وَسَوَاء كَانَ من جنس المَال أم لَا فعلى هَذَا لَو حجر عَلَيْهِ القَاضِي فِي مَاله وَحَال الْحول فِي الزَّمن الْحجر فَهُوَ كالمغصوب فَفِيهِ الْخلاف وَهَذَا إِذا لم يعين القَاضِي لكل غَرِيم شَيْئا فَإِن عين وسلطه على أَخذه فَلم يتَّفق الْآخِذ حَتَّى حَال الْحول فَالْمَذْهَب الَّذِي قطع بِهِ الْجُمْهُور أَنه لَا زَكَاة عَلَيْهِ لضعف ملكه بتسلط الْغُرَمَاء وَقيل فِيهِ خلاف الْمَغْصُوب وَهنا صور كَثِيرَة لَا نطول بذكرها إِذْ الْكتاب مَوْضُوع على افيجاز وَإِلَّا فَفِي الْقلب شَيْء من عدم الْبسط هُنَا وَفِي غَيره وَالله أعلم

(1/170)


وَأما النّصاب فَفِيهِ احْتِرَاز عَمَّا إِذا ملك دون النّصاب فَهَذَا لَا زَكَاة فِيهِ فَلَا تجب الزَّكَاة فِي الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم حَتَّى يكمل النّصاب من كل نوع على مَا يَأْتِي
وَأما الْحول فَفِيهِ احْتِرَاز عَمَّا إِذا ملك نِصَابا أَو أَكثر وَلم يحل عَلَيْهِ الْحول فَإِنَّهُ لَا تجب أَيْضا الزَّكَاة لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(لَا زَكَاة فِي مَال حَتَّى يحول عَلَيْهِ الْحول) وَأجْمع عَلَيْهِ التابعون وَالْفُقَهَاء قَالَ الماوري وَإِن خَالف فِيهِ بعض الْأَصْحَاب وَسمي حولا لِأَنَّهُ ذهب وأتى غَيره
الشَّرْط السَّادِس السّوم وَهُوَ الرَّعْي فِي الْكلأ الْمُبَاح وَاحْتج لَهُ بِكِتَاب أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ
(فِي صَدَقَة الْغنم وَفِي سَائِمَة الْغنم إِذا كَانَت أَرْبَعِينَ إِلَى عشْرين وَمِائَة شَاة) فَدلَّ بمفهومه على أَنه لَا زَكَاة فِي المعلوفة وَوجه الْوُجُوب فِي السَّائِمَة أَن مؤنتها لما توفرت بالسوم احتملت الْمُوَاسَاة بِخِلَاف المعلوفة ثمَّ إِن علفت مُعظم الْحول فَلَا زَكَاة لِكَثْرَة الْمُؤْنَة وَإِن علفت النصق فَمَا دونه فَالصَّحِيح إِن علفت قدرا تعيش بِدُونِهِ بِلَا ضَرَر بَين وَجَبت الزَّكَاة لحلفة الْمُؤْنَة وَإِن كَانَت لَا تعيش بِدُونِهِ أَو تعيش وَلَكِن بِضَرَر بَين فَلَا زَكَاة لظُهُور الْمُؤْنَة ثمَّ مَحل الْخلاف إِذا علفت بِلَا قصد فَإِن علفت على قصد قطع السّوم فَيَنْقَطِع بِهِ بِلَا خلاف وَإِن قل وَقد نَص على ذَلِك الشَّافِعِي وَلَو اعتلفت السَّائِمَة الْقدر الْمُؤثر من الْعلف فَلَا زَكَاة لحُصُول الْمُؤثر وَقيل تجب لِأَنَّهُ لم يَقْصِدهُ
وَاعْلَم أَن الصَّحِيح اشْتِرَاط قصد السّوم دون الْعلف فاعرفه وَلَو علف سَائِمَة لِامْتِنَاع الرَّعْي بالثلج وَنَحْوه وَقصد الاسامة عِنْد الْإِمْكَان فَلَا زَكَاة على الْأَصَح لحُصُول الْمُؤْنَة والسائمة العاملة فِي حرث أَو نضح أَو نقل أَمْتعَة أَو نَحْو ذَلِك لَا زَكَاة فِيهَا لِأَنَّهَا معدة لاستعمال مُبَاح فَأَشْبَهت ثِيَاب الْبدن وَلَا فرق بَين أَن تعْمل للْمَالِك أَو بِالْأُجْرَةِ وَالله أعلم قَالَ
(وَأما الأثملن فشيئان الذَّهَب وَالْفِضَّة وشرائط وجوب الزَّكَاة فيهمَا خمس الْإِسْلَام وَالْحريَّة وَالْملك التَّام والنصاب والحول) من ملك نِصَابا من الْفضة أَو الذَّهَب حولا كَامِلا وَجَبت عَلَيْهِ الزَّكَاة عِنْد وجود هَذِه الشُّرُوط وَنصب الْفضة مِائَتَا دِرْهَم قَالَ ابْن الْمُنْذر بِالْإِجْمَاع وَقد ورد
(لَيْسَ فِيمَا دون خمس أَوَاقٍ

(1/171)


صَدَقَة وَكَانَت الْأُوقِيَّة فِي عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرْبَعِينَ وَقد جَاءَ مُصَرحًا بِهِ فِي حَدِيث وَلَا فرق فِي الْفضة بَين المضروبة وَغَيرهَا كالقراضة والتبر والسبائك وَبَعض الْحل على مَا يَأْتِي وَالله أعلم وَأما الذَّهَب فنصابه عشرُون مِثْقَالا وَيَأْتِي تَتِمَّة هَذَا عِنْد الْموضع الَّذِي يذكرهُ الشَّيْخ قَالَ
(وَأما الزروع فَتجب فِيهَا الزَّكَاة بِثَلَاثَة شَرَائِط أَن يكون مِمَّا يزرعه الآدميون وَأَن يكون قوتاً مدخراً وَأَن يكون نِصَابا)
تجب الزَّكَاة فِي الْحُبُوب بِشَرْط أَن تكون مِمَّا يقتات فِي حَال الِاخْتِيَار والقوت عبارَة عَمَّا يسْتَمْسك فِي الْمعدة وَأَن يكون مِمَّا ينبته الآدميون أَي يزرع جنسه الآدميون وَكَذَا الَّذِي ينْبت بِنَفسِهِ كَمَا إِذا تناثر حب لمن تلْزمهُ الزَّكَاة أَو حمله المَاء أَو الْهَوَاء وَإِن لم يزرعه الْآدَمِيّ ذَلِك كالحنطة وَالشعِير والذرة والدخن والأرز والماش والعدس وَمَا أشبه ذَلِك وَكَذَا القطنية أَي القطاني كالعدس والحمص والماش والباقلاء وَهِي الفول واللوبيا والهريظان وَهُوَ الجلبان وَقد ثَبت وجوب الزَّكَاة فِي بعض هَذَا وقسنا عَلَيْهِ مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ وَعُمُوم قَوْله تَعَالَى {وَآتوا حَقه يَوْم حَصَاده} وَوجه اخْتِصَاص وُجُوبهَا بِمَا يقتات لِأَن الاقتيات ضَرُورِيّ لَا حَيَاة بِدُونِهِ فَلذَلِك أوجب الشَّارِع صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهَا شَيْئَيْنِ لأرباب الضرورات بِخِلَاف مَا لَا يقتات من الإبزار كالكمون والكراويا وَكَذَا الخضروات كالقثاء والبطيخ وَنَحْو ذَلِك فَلَا ضَرُورَة تَدْعُو إِلَيْهِ لِأَن أكله تتمات وَلَا بُد مَعَ ذَلِك من وجوب النّصاب وَقدر النّصاب يَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَقَول الشَّيْخ مدخراً كَذَا شَرطه الْعِرَاقِيُّونَ وَالله أعلم قَالَ
(وَأما الثِّمَار فَتجب الزَّكَاة شَيْئَيْنِ مِنْهَا ثَمَر النّخل وثمر الْكَرم وشرائط وجوب الزَّكَاة فِيهَا أَرْبَعَة أَشْيَاء الْإِسْلَام وَالْحريَّة وَالْملك التَّام والنصاب)
من ملك من ثَمَر النّخل وَالْكَرم مَا تجب فِيهِ الزَّكَاة وَهُوَ متصف بِهَذِهِ الشُّرُوط وَجَبت الزَّكَاة عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاع قَالَ بعض الشُّرَّاح وَفِي الحَدِيث
(أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يخرص الْعِنَب كَمَا يخرص النّخل وَتُؤْخَذ زَكَاته زبيباً كَمَا تُؤْخَذ صَدَقَة النّخل تَمرا) وَقدر النّصاب سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَوجه اخْتِصَاص التَّمْر وَالزَّبِيب أَنَّهُمَا يقتاتان فأشبها الْحبّ بِخِلَاف غَيرهمَا من الثِّمَار فَإِنَّهُ إِنَّمَا يُؤْكَل تلذذاً أَو تنعماً أَو تأدماً فَلَيْسَ بضروري فَلَا تلِيق بِهِ الْمُسَاوَاة الْوَاجِبَة وَذَلِكَ كالكمثرى

(1/172)


وَالرُّمَّان والخوخ والسفرجل والتين قَالَ فِي أصل الرَّوْضَة لَا تجب فِي التِّين بِلَا خلاف
قلت الْجَزْم بِعَدَمِ الْوُجُوب فِي التِّين مَمْنُوع فَفِيهِ مقَالَة بِالْوُجُوب بل هُوَ فِي معنى الزَّبِيب بل أولى لِأَنَّهُ قوت أَكثر من الزَّبِيب فَإِن صَحَّ الحَدِيث فِي الْعِنَب فالتين فِي مَعْنَاهُ وَإِن لم يَصح وَهُوَ الَّذِي ادّعى غير التِّرْمِذِيّ أَنه مُنْقَطع بل قَالَ البُخَارِيّ إِنَّه غير مَحْفُوظ لِأَنَّهُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من طَرِيقين وَفِي كل مِنْهُمَا قَادِح وَحِينَئِذٍ فَإِن ألحق الْعِنَب بِالنَّخْلِ فالتين مثله وَأولى وَلَا يمْتَنع ذَلِك أَلا ترى أَنا ألحقنا بِالْحِنْطَةِ الشّعير وَمَا اشْترك مَعَهُمَا فِي القوتية وَإِن لم يكن فِيهِ قُوَّة الاقتيات الَّتِي فيهمَا وَقد يُجَاب بِأَن التِّين لَا يتَصَوَّر فِيهِ الْخرص وَالله أعلم وَلَا تجب فِي الْجَوْز واللوز والموز والمشمش وَكَذَا الزَّيْتُون على الْجَدِيد الصَّحِيح وَنَحْو ذَلِك وَالله أعلم قَالَ
(وَأما عرُوض التِّجَارَة فَتجب الزَّكَاة فِيهَا بالشرائط الْمَذْكُورَة فِي الْأَثْمَان)
الْعرُوض مَا عدا النَّقْدَيْنِ فَكل عرض أعد للتِّجَارَة بشروطها وَجَبت فِيهِ الزَّكَاة وَاحْتج لوُجُوب الزَّكَاة بقوله تَعَالَى {أَنْفقُوا من طَيّبَات مَا كسبتم} قَالَ مُجَاهِد نزلت فِي التِّجَارَة وَفِي السّنة أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ
(فِي الْبَز صدقتها) والبز يُطلق على الثِّيَاب الْمعدة للْبيع عِنْد البزازين وَزَكَاة الْعين لَا تجب فِي الثِّيَاب فَتعين الْحمل على زَكَاة التِّجَارَة وَالله أعلم
وَاعْلَم أَنه يشْتَرط مَعَ مَا ذكره الشَّيْخ من الشُّرُوط أَنه لَا بُد من كَون الْعرُوض تصير مَال تِجَارَة وَأَن يقْصد الاتجار عِنْد اكْتِسَاب ملك الْعرُوض وَلَا بُد أَن يكون الْملك بمعاوضة مَحْضَة فَلَو كَانَ فِي ملكه عرُوض قنية فَجَعلهَا فِي التِّجَارَة لم تصر عرُوض تِجَارَة على الصَّحِيح الَّذِي قطع بِهِ الجماهير سَوَاء دخلت فِي ملكه بِإِرْث أَو هبة أَو شِرَاء وَقَوْلنَا بمعاوضة مَحْضَة يَشْمَل مَا إِذا دخل فِي ملكه بِالشِّرَاءِ سَوَاء اشْترى بِعرْض أَو نقد أَو دين حَال مُؤَجل وَإِذا ثَبت حكم التِّجَارَة لَا يحْتَاج فِي كل مُعَاملَة إِلَى نِيَّة جَدِيدَة وَفِي معنى الشِّرَاء لَو صَالح على دين لَهُ فِي ذمَّة إِنْسَان على عرُوض بنية التِّجَارَة فَإِنَّهُ يصير مَال تِجَارَة لقصد التِّجَارَة وَقت دُخُوله فِي ملكه بمعاوضة مَحْضَة بِخِلَاف الْهِبَة الْمَحْضَة الَّتِي لَا ثَوَاب فِيهَا وَكَذَا الاحتطاب والاحتشاش والاصطياد وَالْإِرْث فَلَيْسَتْ من أَسبَاب التِّجَارَة وَلَا أثر لاقتران النِّيَّة بذلك وَكَذَلِكَ الرَّد بِالْغَيْبِ والاسترداد حَتَّى لَو بَاعَ عرضا للْقنية بِعرْض للْقنية ثمَّ وجد بِمَا أَخذه عَيْبا فَرده وَقصد الْمَرْدُود عَلَيْهِ بِأَخْذِهِ للتِّجَارَة لم يصر مَال تِجَارَة وَكَذَا لَو كَانَ عِنْده ثوب للْقنية فَاشْترى بِهِ عبدا للتِّجَارَة ثمَّ رد عَلَيْهِ الثَّوْب بِالْعَيْبِ انْقَطع حول التِّجَارَة وَلم يكن الثَّوْب الْمَرْدُود مَال تِجَارَة بِخِلَاف مَا لَو كَانَ للتِّجَارَة فَإِنَّهُ يبْقى حكم التِّجَارَة وَكَذَا لَو تبَايع

(1/173)


تاجران ثمَّ تَقَايلا يسْتَمر حكم التِّجَارَة فِي الْحَالين وَلَو كَانَ عِنْده ثوب للتِّجَارَة فَبَاعَهُ بِعَبْد للْقنية فَرد عَلَيْهِ الثَّوْب بِالْعَيْبِ لم يعد حكم التِّجَارَة لِأَن قصد الْقنية قطع حول التِّجَارَة وَالرَّدّ والاسترداد ليسَا من التِّجَارَة وَلَو خَالع زَوجته وَقصد بعوض الْخلْع التِّجَارَة أَو تزوجت امْرَأَة وقصدت بصداقها التِّجَارَة فَالصَّحِيح أَن عوض الْخلْع وَالصَّدَاق يصيران مَال تِجَارَة لوُجُود الْمُعَاوضَة وَقصد التِّجَارَة وَقت دخولهما فِي ملك الزَّوْج وَالزَّوْجَة وَلَو أجر الشَّخْص مَاله أَو نَفسه وَقصد بِالْأُجْرَةِ إِذا كَانَت عرضا للتِّجَارَة تصير مَال تِجَارَة لِأَن الاجارة مُعَاوضَة وَكَذَا الحكم فِيمَا إِذا كَانَ تصرفه فِي الْمَنَافِع بِأَن كَانَ يسْتَأْجر المستغلات ويؤجرها على قصد التِّجَارَة فَإِذا أردْت معرفَة مَا يصير مَال تِجَارَة وَمَا لايصير فاحفظ الضَّابِط وَقل كل عرض ملك بمعاوضة مَحْضَة بِقصد التِّجَارَة فَهُوَ مَال تِجَارَة فَإِن لم يكن مُعَاوضَة أَو كَانَت وَلكنهَا غير مَحْضَة فَلَا تصير الْعرُوض مَال تِجَارَة وَإِن قصد التِّجَارَة وَلِهَذَا تَتِمَّة تَأتي عِنْد كَلَام الشَّيْخ وَتقوم عرُوض التِّجَارَة عِنْد آخر الْحول بِمَا اشْتريت بِهِ وَالله أعلم قَالَ
بَاب أنصبة مَا يجب فِيهِ الزَّكَاة
(وَأول نِصَاب الْإِبِل خمس وفيهَا شَاة وَفِي عشر شَاتَان وَفِي خمس عشرَة ثَلَاث شِيَاه وَفِي عشْرين أَربع شِيَاه وَفِي خمس وَعشْرين بنت مَخَاض من الْإِبِل وَفِي سِتّ وَثَلَاثِينَ بنت لبون وَفِي سِتّ وَأَرْبَعين حقة وَفِي إِحْدَى وَسِتِّينَ جَذَعَة وَفِي سِتّ وَسبعين بِنْتا لبون وَفِي إِحْدَى وَتِسْعين حقتان وَفِي مائَة وَإِحْدَى وَعشْرين ثَلَاث بَنَات لبون ثمَّ فِي كل أَرْبَعِينَ بنت لبون وَفِي كل خمسين حقة)
الدَّلِيل على أَن أول نِصَاب الْإِبِل خمس قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
(لَيْسَ فِيمَا دون خمس ذود من الْإِبِل صَدَقَة) ثمَّ ايجاب الشَّاة فِي الْإِبِل على خلاف الأَصْل لِأَنَّهَا من غير الْجِنْس لَكِن فِي مَشْرُوعِيَّة ذَلِك رفق بالجانبين إِذْ إِخْرَاج بعير فِي خَمْسَة أَبْعِرَة فِيهِ إجحاف بالمالك وَفِي عدم إِيجَاب الزَّكَاة إجحاف بالفقراء فانضمت الْمصلحَة لَهما بِالشَّاة وَأما كَون الزَّكَاة فِي عشر شَاتَان إِلَى آخر كَلَام الشَّيْخ وَهُوَ فِي كل أَرْبَعِينَ بنت لبون وَفِي كل خمسين حقة فَالْأَصْل فِي ذَلِك كتاب أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ الَّذِي بَعثه إِلَى الْبَحْرين وَفِي أَوله
(بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم هَذِه فَرِيضَة الصَّدَقَة الَّتِي فَرضهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْمُسلمين فَمن سَأَلَهَا من الْمُسلمين على وَجههَا فليعطها وَمن سَأَلَ فَوْقهَا فَلَا يُعْط) إِلَى آخِره

(1/174)


وَاعْلَم أَن الشَّاة الْوَاجِبَة فِيمَا دون خمس وَعشْرين من الْإِبِل هِيَ الْجَذعَة من الضَّأْن وَهِي مَا لَهَا سنة على الصَّحِيح وَمن الْمعز مَاله سنتَانِ على الصَّحِيح إِذْ الشَّاة تصدق على الْغنم والمعز وَالأَصَح أَنه يتَخَيَّر بَينهمَا وَلَا يتَعَيَّن غَالب غنم الْبَلَد نعم لَا يجوز أَن ينْتَقل إِلَى غنم بلد آخر إِلَّا إِذا كَانَت مُسَاوِيَة لَهَا فِي الْقيمَة أَو أَعلَى مِنْهَا وَلَا يشْتَرط فِي الشَّاة أَن تكون نَاقِصَة الْقيمَة عَن الْبَعِير بل يجوز أَن تكون قيمَة الشَّاة أَكثر من قيمَة الْبَعِير ثمَّ بنت الْمَخَاض الْمَأْخُوذَة فِي خمس وَعشْرين مَا لَهَا سنة وَدخلت فِي الثَّانِيَة وَسميت بذلك لِأَنَّهُ قد آن لأمها أَن تحمل مرّة أُخْرَى فَتَصِير من ذَوَات الْمَخَاض وَهِي الْحَوَامِل والمخاض ألم الْولادَة وَأما بنت اللَّبُون فلهَا سنتَانِ وَسميت بذلك لِأَن أمهَا قد آن لَهَا أَن تضع ثَانِيًا وَيصير لَهَا لبن وَأما الحقة فلهَا ثَلَاث سِنِين سميت بذلك لِأَنَّهَا اسْتحقَّت أَن تركب وَيحمل عَلَيْهَا وَقيل لِأَنَّهَا اسْتحقَّت أَن يطرقها الْفَحْل وَأما الجدعة فلهَا أَربع سِنِين وطعنت فِي الْخَامِسَة وَكَذَا جَمِيع الْأَسْنَان السَّابِقَة وَسميت جَذَعَة لِأَنَّهَا تجذع مقدم أسنانها أَي تسقطه وَقَالَ الْأَصْمَعِي لِأَن أسنانها بعد ذَلِك لَا تسْقط وَهَذَا السن هُوَ أحد أَسْنَان الزَّكَاة وَالله أعلم قَالَ
(وَأول نِصَاب الْبَقر ثَلَاثُونَ وفيهَا تبيع وَفِي أَرْبَعِينَ مُسِنَّة)
وعَلى هَذَا لَا يجب فِي الْبَقر شَيْء حَتَّى يبلغ ثَلَاثِينَ فَهُوَ أول نِصَاب الْبَقر لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بعث معَاذًا إِلَى الْيمن وَأمره أَن يَأْخُذ من الْبَقر من كل ثَلَاثِينَ تبيعاً وَمن كل أَرْبَعِينَ مُسِنَّة) وَقَالَ الرَّوْيَانِيّ هَذَا مجمع عَلَيْهِ والتبيع ابْن سنة وَدخل فِي الثَّانِيَة وَسمي بِهِ لِأَنَّهُ يتبع أمه فِي المرعى وَقيل لِأَن قرنه يتبع أُذُنه أَي يساويها وَلَو أخرج تبيعاً فقد زَاد خيرا ثمَّ يسْتَقرّ الْأَمر فِي كل ثَلَاثِينَ تبيع وَفِي كل أَرْبَعِينَ مُسِنَّة وَهَكَذَا أبدا وَلَو أخرج عَنْهَا تبعين جَازَ على الصَّحِيح وَسميت مُسِنَّة لتكامل أسنانها وَقَالَ الْأَزْهَرِي لطلوع سنّهَا وَالله أعلم قَالَ
(وَأول نِصَاب الْغنم أَرْبَعُونَ وفيهَا شَاة جَذَعَة من الضَّأْن أَو ثنية من الْمعز وَفِي مائَة وَإِحْدَى وَعشْرين شَاتَان وَفِي مِائَتَيْنِ وَوَاحِدَة ثَلَاث شِيَاه ثمَّ فِي كل مائَة شَاة)
لَا يجب فِي الْغنم شَيْء حَتَّى تبلغ أَرْبَعِينَ فَفِيهَا شَاة لما ورد فِي كتاب أبي بكر رَضِي الله عَنهُ وَفِيه
(وَفِي صَدَقَة الْغنم فِي سائمتها إِذا كَانَت أَرْبَعِينَ إِلَى عشْرين وَمِائَة شَاة فَإِذا زَادَت على عشْرين وَمِائَة شَاة فَفِيهَا شَاتَان فَإِذا زَادَت على مِائَتَيْنِ إِلَى ثلثمِائة فَفِيهَا ثَلَاث شياة فَإِذا زَادَت

(1/175)


على ثلثمِائة فَفِي كل مائَة شَاة) اعْلَم أَن الْجَذعَة من الضَّأْن مَا لَهَا سنة والثنية من الْمعز مَا لَهَا سنتَانِ وهما المأخوذتان لقَوْل عمر رَضِي الله عَنهُ للساعي
(لَا تَأْخُذ الأكولة وَلَا الربي وَلَا فَحل الْغنم وَخذ الْجَذعَة والثنية) وَقَول الشَّيْخ ثمَّ فِي كل مائَة شَاة يَعْنِي إِذا بلغت أَرْبَعمِائَة لِأَنَّهَا إِذا بلغت مِائَتَيْنِ وَجب أَربع شِيَاه ثمَّ يسْتَقرّ الْحساب فِي كل مائَة شَاة وَاعْلَم أَنه لَو اتَّحد نوع الْمَاشِيَة أَخذ الْفَرْض مِنْهُ لِأَنَّهَا المَال مِثَاله كَانَت الْإِبِل كلهَا عراباً وَهِي إبل الْعَرَب أَو كلهَا بَخَاتِي وَهِي إبل التّرْك لَهَا سنامان وَكَذَا الْبَقر لَو كَانَت كلهَا جواميس أَو كلهَا عراباً وَهُوَ النَّوْع الْغَالِب أَو كَانَت غنمه كلهَا ضأناً أَو جَمِيعهَا معزاً فتؤخذ من النَّوْع فَلَو اخْتلفت الصّفة مَعَ اتِّحَاد النَّوْع وَلَا نقص فعامة الْأَصْحَاب على أَن السَّاعِي يَأْخُذ أنفعهما للْمَسَاكِين فَلَو أَخذ عَن ضَأْن ومعز أَو عَكسه فَهَل يجوز الصَّحِيح نعم بِشَرْط رِعَايَة الْقيمَة لِاتِّحَاد الْجِنْس فَإِن اخْتلفت كضأن ومعز فَالْأَظْهر أَنه يخرج مَا شَاءَ مقسطاً عَلَيْهِمَا بِالْقيمَةِ رِعَايَة للجانبين مِثَاله كَانَت ثَلَاثُونَ عَنْزًا وَعشر نعجات أَخذ عَنْزًا أَو نعجة بِقِيمَة ثَلَاثَة أَربَاع عنز وَربع نعجة فَإِذا قيل مثلا قيمَة عنز تجزى بِدِينَار وَقِيمَة النعجة المجزية دِينَارَانِ أخرج عَنْزًا أَو نعجة قيمتهَا دِينَار وَربع وعَلى هَذَا الْقيَاس وَلَو كَانَت مَاشِيَته صحاحاً ومراضاً لم تجز الْمَرِيضَة وَكَذَا المعيبة لقَوْله تَعَالَى {وَلَا تيمموا الْخَبيث مِنْهُ تنفقون} وَفِي الحَدِيث
(وَلَا تُؤْخَذ فِي الصَّدَقَة هرمة وَلَا ذَات عوار) والهرمة العاجزة عَن كَمَال الْحَرَكَة بِسَبَب كبرها والعوار الْعَيْب رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ بِلَفْظ الْعَيْب وَقَالَ إِنَّه حسن وَيجب أَن يخرج صَحِيحه لائقة بِالْحَال مِثَاله لَهُ أَرْبَعُونَ شَاة نصفهَا صِحَاح وَنِصْفهَا مراض قيمَة كل صَحِيحَة دِينَارَانِ وَقِيمَة كل مَرِيضَة دِينَار فَعَلَيهِ صَحِيحَة بِقِيمَة نصف صَحِيحَة وَنصف مَرِيضَة وَذَلِكَ دِينَار وَنصف وَربع وعَلى هَذَا الْقيَاس وَلَو كَانَت مَاشِيَته كلهَا مَرِيضَة أَو كلهَا مَعِيبَة أخذت الزَّكَاة مِنْهَا لِأَنَّهَا مَاله قَالَ الله تَعَالَى {خُذ من أَمْوَالهم صَدَقَة} وَلِأَن الْفُقَرَاء إِنَّمَا ملكوا مِنْهُ فَهُوَ كَسَائِر الشُّرَكَاء ثمَّ إِنَّا لَو كلفنا الْمَالِك غير الَّذِي عِنْده لأجحفنا بِهِ وَكَذَا لَو تمخضت كلهَا ذُكُورا أَخذ الذّكر كَمَا تُؤْخَذ الْمَرِيضَة عَن المراض وَقيل لَا يَجْزِي الذّكر لِأَن التَّنْصِيص جَاءَ فِي الْإِنَاث وَكَذَا تُؤْخَذ الصَّغِيرَة أَي فِي الصغار فِي الْجَدِيد كَمَا تُؤْخَذ الْمَرِيضَة فِي المراض وَقد ورد فِي قصَّة أبي بكر رَضِي الله عَنهُ حِين قَالَ فِي أهل الرِّدَّة
(وَالله لَو مَنَعُونِي عنَاقًا كَانُوا يؤدونها إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

(1/176)


لقاتلتهم عَلَيْهِ) والعناق هِيَ الصَّغِيرَة من الْغنم مَا لم تجذع وَصُورَة كَون الْمَأْخُوذ من الصغار بِأَن تَمُوت الْأُمَّهَات فِي أثْنَاء الْحول أَو بِأَن يملك أَرْبَعِينَ من صغَار الْبَقر أَو الْمعز فَإِن واجبها مَاله سنتَانِ وَلَا تُؤْخَذ الأكولة المسمنة بِالْأَكْلِ وَلَا الربي وَهِي حَدِيثَة الْعَهْد بالنتاج لِأَنَّهَا من كرائم الْأَمْوَال وَلَا حَامِل لنَهْيه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَن ذَلِك وَنقل ابْن الرّفْعَة عَن الْأَصْحَاب أَن الَّتِي طرقها الْفَحْل كالحامل لِأَن الْغَالِب فِي الْبَهَائِم الْعلُوق من مرّة بِخِلَاف الآدميات فَلَو كَانَت مَاشِيَته كلهَا كرائم طالبناه بِوَاحِدَة مِنْهَا بِخِلَاف مَا لَو كَانَت كلهَا حوامل لَا نطالبه بحامل لِأَن الْأَرْبَعين فِيهَا شَاة وَالْحَامِل شَاتَان كَذَا نَقله الإِمَام عَن صَاحب التَّقْرِيب وَاسْتَحْسنهُ نعم لَو رَضِي الْمَالِك باعطاء الأكولة وَالْحَامِل فَإِنَّهَا تُؤْخَذ مِنْهُ وَكَذَا الربي وَسميت بذلك لِأَنَّهَا تربي وَلَدهَا وَهَذَا الِاسْم يُطلق عَلَيْهَا إِلَى خَمْسَة عشر يَوْمًا من وِلَادَتهَا قَالَه الْأَزْهَرِي وَقَالَ الْجَوْهَرِي إِلَى تَمام شَهْرَيْن وَالله أعلم قَالَ
(فصل والخليطان يزكيان زَكَاة الْوَاحِد بشرائط سَبْعَة إِذا كَانَ المراح وَاحِدًا والمسرح وَاحِدًا والراعي وَاحِدًا والفحل وَاحِدًا وَالْمشْرَب وَاحِدًا والحالب وَاحِدًا وَمَوْضِع الْحَلب وَاحِدًا)
اعْلَم أَن الْخلطَة على نَوْعَيْنِ
أَحدهمَا خلْطَة اشْتِرَاك وَتسَمى خلْطَة الشُّيُوع وَالْمرَاد بهَا أَنَّهَا لَا يتَمَيَّز نصيب أحد الرجلَيْن أَو الرِّجَال عَن نصيب غَيره
وَالثَّانِي خلْطَة الْجوَار بِأَن يكون مَال كل وَاحِد معينا مُمَيّزا عَن مَال غَيره وَلَكِن يجاوره بمجاورة المَال الْوَاحِد على مَا ذكره الشَّيْخ وَلكُل وَاحِد من الخليطين أثر فِي الزَّكَاة فَيجْعَل مَال الشخصين أَو الْأَشْخَاص بِمَنْزِلَة الشَّخْص الْوَاحِد ثمَّ الْخلطَة قد توجب الزَّكَاة وَإِن كَانَ عِنْد الِانْفِرَاد لَا تجب كَمَا لَو كَانَ لوَاحِد عشرُون شَاة وَلآخر عشرُون شَاة فخلطا وَجب شَاة وَلَو انْفَرد كل وَاحِد لم يجب شَيْء وَقد تقلل الْخلطَة الزَّكَاة كرجلين خلطاً أَرْبَعِينَ شَاة يجب عَلَيْهِمَا شَاة وَلَو إنفراد وَجب على كل وَاحِد شاه وَقد تكْثر الخلطه الزكاه كَمَا لَو خلطا مائَة شاه وشاه لمثلهَا فَإِنَّهَا توجب على كل وَاحِد شَاة وَنصف شَاة وَلَو انْفَرد كل وَاحِد وَجب عَلَيْهِ شَاة إِذا عرفت هَذَا فَالْأَصْل فِي خلْطَة الْجوَار قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(لَا يجمع بَين متفرق وَلَا يفرق بَين مُجْتَمع خشيَة الصَّدَقَة وَمَا كَانَ

(1/177)


من خليطين فَإِنَّهُمَا يتراجعان بَينهمَا بِالسَّوِيَّةِ) ثمَّ خلط الْجوَار لَا بُد فِيهَا من شُرُوط
أَحدهَا الِاتِّحَاد فِي المراح بِضَم الْمِيم وَهُوَ مأوى الْمَاشِيَة لَيْلًا
الثَّانِي الِاتِّحَاد فِي المسرح وَهُوَ المرعى وَمِنْهُم من يُفَسر المسرح بِالْمَكَانِ الَّتِي تَجْتَمِع فِيهِ قبل سوقها إِلَى المرعى وَلَا بُد مِنْهُ أَيْضا بالِاتِّفَاقِ كَمَا قَالَه النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة وَكَذَا لَا بُد من الِاتِّحَاد فِي الْمَمَر من المسرح إِلَى المرعى قَالَه النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب
الثَّالِث الِاتِّحَاد فِي الرَّاعِي وَفِيه خلاف وَالأَصَح أَنه يشْتَرط وَمعنى الِاتِّحَاد أَن لَا يخْتَص أحدهم براع وَلَا بَأْس بِتَعَدُّد الرُّعَاة بِلَا خلاف
الرَّابِع الِاتِّحَاد فِي الْفَحْل وَفِيه خلاف أَيْضا وَالْمذهب الَّذِي قطع بِهِ الْجُمْهُور أَنه يشْتَرط وَفِي الحَدِيث
(والخليطان مهما اجْتمعَا فِي الْفَحْل والحوض والراعي) وَالْمرَاد بالفحل الْجِنْس وَالشّرط أَن تكون مُرْسلَة بَين الْمَاشِيَة لَا يخْتَص وَاحِد بفحل سَوَاء كَانَت الفحول مُشْتَركَة أَو لأَحَدهمَا أَو مستعارة
الْخَامِس الِاتِّحَاد فِي المشرب وَيُقَال لَهُ المشرع أَيْضا بِأَن تشرب الْمَاشِيَة من نهر أَو عين أَو بِئْر أَو حَوْض أَو مياه مُتعَدِّدَة بِحَيْثُ لَا تخْتَص غنم أحد بالمشرب من مَوضِع دون غَيره وَقَالَ فِي التَّتِمَّة وَيشْتَرط أَيْضا الِاتِّحَاد فِي الْموضع الَّذِي تَجْتَمِع فِيهِ للسقي والموضع الَّذِي تتنحى إِلَيْهِ إِذا شربت ليشْرب غَيرهَا
السَّادِس الِاتِّحَاد فِي الحالب وَهَذَا لَيْسَ بِشَرْط وَكَذَا لَا يشْتَرط اتِّحَاد الْإِنَاء الَّذِي تحلب فِيهِ وَلَا خلط اللَّبن وَلَا نِيَّة الْخَلْط على الصَّحِيح الْمَنْصُوص فِي الْأَرْبَعَة
السَّابِع الِاتِّحَاد فِي الْحَلب بِفَتْح اللَّام وَهُوَ وضع الْحَلب وَحكي إسكانها وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح الْمَنْصُوص وَالله أعلم
وَاعْلَم أَنه يشْتَرط مَعَ مَا ذَكرْنَاهُ كَون الْمَجْمُوع نِصَابا فَلَو ملك زيد عشْرين وَآخر عشْرين وخلطا وَبَقِي لأَحَدهمَا شَاة بِلَا خلْطَة فَلَا زَكَاة أصلا وَيشْتَرط أَيْضا أَن يكون الخليطان من أهل الزَّكَاة فَلَو كَانَ أَحدهمَا ذِمِّيا أَو مكَاتبا فَلَا زَكَاة وَلَا أثر للخطة بل إِن كَانَ نصيب الْمُسلم الْحر نِصَابا وَزَكَاة زَكَاة الِانْفِرَاد وَإِلَّا فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَيشْتَرط أَيْضا دوَام الْخلطَة فِي جَمِيع السّنة فَلَو فرقا فِي شَيْء من ذَلِك تَنْقَطِع الْخلطَة وَإِن كَانَ يَسِيرا نعم لَو وَقع التَّفْرِيق الْيَسِير بِلَا قصد فَلَا يُؤثر وَيَقَع

(1/178)


ذَلِك مغتفراً نعم لَو اطلعا عَلَيْهِ فأقرا على ذَلِك ارْتَفَعت الْخلطَة وَاعْلَم أَن الْخلطَة تُؤثر فِي الْمَوَاشِي بِلَا خلاف وَهل يُؤثر فِي الثِّمَار والزروع والنقدين وأموال التِّجَارَة فِي قَولَانِ اصحهما نعم لِأَن الارتفاق الْحَاصِل فِي الْمَاشِيَة يحصل أَيْضا فِي هَذِه الْأَنْوَاع وَأَيْضًا فعموم قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(لَا يفرق بَين مُجْتَمع) الحَدِيث وَهُوَ يتَنَاوَل هَذِه الْأَنْوَاع فَيشْتَرط فِي المعشرات اتِّحَاد الناطور والأكار وَهُوَ الْفَلاح والعمال والملقح واللقاط وَالنّهر والجرين وَهُوَ البيدر وَفِي غير ذَلِك اتِّحَاد الْحَانُوت والحارس وَالْمِيزَان والوزان والناقد والمنادي والمتقاضي قَالَ الْبَنْدَنِيجِيّ وَالْجمال قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب وَإِن كَانَ فِي الدَّرَاهِم وَلكُل وَاحِد كيس فيتحدا فِي الصندوق وَفِي أَمْتعَة التِّجَارَة بِأَن يَكُونَا فِي مخزن وَاحِد وَلم يُمَيّز أَحدهمَا عَن الآخر فِي شَيْء مِمَّا سبق وَحِينَئِذٍ تثبت الْخلطَة وَالله أعلم قَالَ
(فصل وَأول نِصَاب الذَّهَب عشرُون مِثْقَالا وَفِيه ربع الْعشْر وَهُوَ نصف مِثْقَال وَفِيمَا زَاد فبحسابه ونصاب الْوَرق مِائَتَا دِرْهَم وفيهَا ربع الْعشْر وَهُوَ خَمْسَة دَرَاهِم وَفِيمَا زَاد فبحسابه)
زَكَاة الذَّهَب وَالْفِضَّة ثَابِتَة بِالْكتاب وَالسّنة واجماع الْأمة قَالَ الله تَعَالَى {وَالَّذين يكنزون الذَّهَب وَالْفِضَّة وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيل الله فبشرهم بِعَذَاب أَلِيم} وَالْمرَاد بالكنز هُنَا مَا لم تُؤَد زَكَاته وَفِي صَحِيح مُسلم
(مَا من صَاحب ذهب وَلَا فضَّة لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقّهَا إِلَّا إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة صفحت لَهُ صَفَائِح من نَار فأحمي عَلَيْهَا فِي نَار جَهَنَّم فتكوى بهَا جَبهته وجنبه وظهره كلما بردت أُعِيدَت لَهُ) الحَدِيث وحقها زَكَاتهَا وَأما نصابها فَكَمَا ذكره الشَّيْخ وَفِي الحَدِيث
(فِي الرقة ربع الْعشْر) والرقة الْفضة وَالذَّهَب وَادّعى ابْن الْمُنْذر أَن الْإِجْمَاع مُنْعَقد على أَن نِصَاب الْفضة مِائَتَا دِرْهَم وعَلى أَن نِصَاب الذَّهَب عشرُون مِثْقَالا إِذا بلغت قيمَة الذَّهَب مِائَتي دِرْهَم لِأَن الدِّينَار كَانَ فِي عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بإثني عشر وَنصف فَقَط ينحط سعره وَقد يغلو أَي هَذَا مَحل الْإِجْمَاع وَدون الْمِائَتَيْنِ وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين الْمَضْرُوب وَغَيره كَمَا مر والمثقال لم يخْتَلف قدره فِي الْجَاهِلِيَّة وَلَا فِي الْإِسْلَام وَأما الدَّرَاهِم فَهُوَ سِتَّة دوانق وكل عشرَة دَرَاهِم سَبْعَة مَثَاقِيل

(1/179)


ذهب وَهَذَا التَّقْدِير على سَبِيل التَّحْدِيد حَتَّى لَو نقص حَبَّة أَو بعض حَبَّة فَلَا زَكَاة وَإِن راج رواج النّصاب التَّام أَو زَاد على التَّام لجودة نَوعه وَلَو نقص فِي بعض الموازين وَتمّ فِي بَعْضهَا فَالصَّحِيح أَنه لَا زَكَاة وَقطع بِهِ جمَاعَة وَيشْتَرط أَن يملك النّصاب حولا كَامِلا وَأَن يكون الذَّهَب وَالْفِضَّة خالصين فَلَا زَكَاة فِي الْمَغْشُوش مِنْهُمَا حَتَّى يبلغ الْخَالِص من الذَّهَب عشْرين مِثْقَالا وَمن الْفضة مِائَتي دِرْهَم وَحِينَئِذٍ فَتجب الزَّكَاة وَتخرج من الْخَالِص فَلَو أخرج من الْمَغْشُوش فَالشَّرْط أَن يبلغ الْخَالِص مِنْهُمَا قدر الْوَاجِب وَلَو أخرج خَمْسَة مغشوشة عَن مِائَتي دِرْهَم خَالِصَة لم يُجزئهُ وَلَو ملك مِائَتي دِرْهَم مغشوشة فَلَا زَكَاة فَإِذا بلغت قدرا يكون الْخَالِص قدر نِصَاب وَجَبت وَإِذا أخرج مِنْهَا فَيجب أَن يكون الْمخْرج فِيهِ من الْخَالِص قدر ربع الْعشْر وَقَوله وَفِيمَا زَاد فبحسابه وَلَو قل بِخِلَاف الزَّائِد على النّصاب فِي الْمَوَاشِي حَيْثُ كَانَت الأوقاص عفوا وَالْفرق ضَرَر الْمُشَاركَة فِي الْمَوَاشِي وَهنا لَا مُشَاركَة وَالله أعلم قَالَ
(وَلَا تجب فِي الْحلِيّ الْمُبَاح زَكَاة) هَل تجب الزَّكَاة فِي الْحلِيّ الْمُبَاح فِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا تجب فِيهِ الزَّكَاة
(لِأَن امراةً أَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي يَد ابْنَتهَا سلسلتان غليظتان من ذهب فَقَالَ لَهَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أتقضين زَكَاة هَذَا فَقَالَت لَا فَقَالَ لَهَا أَيَسُرُّك أَن يسورك الله بهما يَوْم الْقِيَامَة سِوَارَيْنِ من نَار فخلعتهما وألقتهما ألى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَت هما لله وَلِرَسُولِهِ)
وَالْقَوْل الثَّانِي وَهُوَ الْأَظْهر وَهُوَ الَّذِي جزم بِهِ الشَّيْخ أَنه لَا تجب لِأَنَّهُ معد لاستعمال مُبَاح فَأشبه العوامل من الْإِبِل وَالْبَقر رَوَاهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيح إِلَى ابْن عمر وَعَائِشَة رَضِي الله عَنْهُم وَكَانَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا تحلي بَنَات أَخِيهَا أيتاماً فِي حجرها فَلَا تخرج مِنْهَا الزَّكَاة وَأجِيب عَن الحَدِيث الأول بِأَن الْحلِيّ كَانَ فِي أول الْإِسْلَام محرما على النِّسَاء قَالَه القَاضِي أَبُو الطّيب وَكَذَا نَقله الْبَيْهَقِيّ وَغَيره وَأجِيب أَيْضا بِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لم يحكم على الْحلِيّ مُطلقًا بِالْوُجُوب إِنَّمَا حكم على فَرد خَاص مِنْهُ وَهُوَ قَوْله هَذَا لِأَنَّهُ كَانَ فِيهِ سرف بِدَلِيل قَوْله غليظتان

(1/180)


وَنحن نسلم أَن مَا فِيهِ سرف يحرم لبسه وَتجب فِيهِ الزَّكَاة وَفِي هَذَا الحَدِيث فَائِدَة وَهُوَ قَول أَصْحَابنَا الْأُصُولِيِّينَ إِن وقائع الْأَعْيَان لَا تعم ثمَّ إِذا وَجَبت الزَّكَاة فِي الحلى إِمَّا على قَول الَّذِي يُوجب الزَّكَاة أَو فِيمَا فِيهِ السَّرف كالخلخال أَو السوار الثمين الَّذِي زنته مِائَتَا دِينَار أَو اخْتلفت قِيمَته ووزنه بِأَن كَانَ وَزنه مِائَتَيْنِ وَقِيمَته ثلثمِائة اعْتبرت الْقيمَة على الصَّحِيح فنسلم للْفُقَرَاء نصِيبهم مِنْهُ مشَاعا ثمَّ يَشْتَرِيهِ مِنْهُم إِن أَرَادَ وَقيل يجوز أَن يعطيهم خَمْسَة دَرَاهِم
وَقَوله فِي الْحلِيّ الْمُبَاح احْتَرز بِهِ عَن الْمحرم فَإِنَّهُ تجب فِيهِ الزَّكَاة بِالْإِجْمَاع قَالَه النَّوَوِيّ فَمن ذَلِك مَا هُوَ محرم لعَينه كالأواني والملاعق والمجامر والمكاحل وَنَحْو ذَلِك من الذَّهَب أَو الْفضة على مَا مر فِي الْأَوَانِي أَو كَانَ محرما بِالْقَصْدِ بِأَن يقْصد الرجل بحلي النِّسَاء الَّذِي يملكهُ كالسوار والخلخال والطوق أَن يلْبسهُ أَو يلْبسهُ غلمانه أَو قصدت الْمَرْأَة بحلي الرجل كالسيف وَنَحْوه أَن تلبسه أَو تلبسه جواريها أَو غَيْرهنَّ من النِّسَاء أَو أعد الرجل حلي الرِّجَال لنسائه وجواريه أَو أعدت الْمَرْأَة حلي النِّسَاء لزَوجهَا أَو غلمانها فَكل ذَلِك حرَام وَتجب فِيهِ الزَّكَاة وَلَو اتخذ حليا وَقصد كنزه فَقَط فَالْمَذْهَب الَّذِي قطع بِهِ الْجُمْهُور وجوب الزَّكَاة فِيهِ وَإِن قصد إِجَارَته لمن لَهُ اسْتِعْمَاله فَلَا زَكَاة فِيهِ على الْأَصَح كَمَا لَو اتَّخذهُ لغيره وَالِاعْتِبَار بِقصد الْأُجْرَة كَأَجر العوامل من الْبَقر وَالْإِبِل
وَاعْلَم أَن حكم الْقَصْد الطارىء كالمقارن فِي جَمِيع مَا ذَكرْنَاهُ فَلَو اتَّخذهُ قَاصِدا اسْتِعْمَالا محرما ثمَّ غير قَصده إِلَى مُبَاح بَطل حكمه فَلَو عَاد الْقَصْد الْمحرم ابْتِدَاء الْحول وَكَذَا لَو قصد الْكَنْز ابْتِدَاء الْحول وَكَذَا نَظَائِره وَإِذا قُلْنَا لَا زَكَاة فِي الْحلِيّ فانكسر فَلهُ أَحْوَال
أَحدهَا أَن ينكسر بِحَيْثُ لَا يمْنَع الِاسْتِعْمَال فَلَا تَأْثِير لانكساره
الثَّانِيَة أَن يمْتَنع الِاسْتِعْمَال وَيحْتَاج إِلَى سبك وصوغ فَهَذَا تجب الزَّكَاة فِيهِ وَأول حوله من الانكسار
الْحَالة الثَّالِثَة أم يمْتَنع اسْتِعْمَاله إِلَّا أَنه لَا يحْتَاج إِلَى صوغ وَيقبل الْإِصْلَاح بالإلحام فَإِن قصد جعله تبراً أَو دَرَاهِم أَو قصد كنزه انْعَقَد الْحول عَلَيْهِ من يَوْم الانكسار وَإِن قصد اصلاحه فَلَا تجب الزَّكَاة على الصَّحِيح لدوام صُورَة الْحلِيّ وَقصد الْإِصْلَاح وَإِن لم يقْصد شَيْئا فَالصَّحِيح وجوب الزَّكَاة وَالله أعلم
(فرغ) يجوز للنِّسَاء لبس أَنْوَاع الْحلِيّ من الذَّهَب وَالْفِضَّة كالطوق والسوار والخلخال والتعاويذ وَهِي الحروز وَفِي جَوَاز اتخاذهن النِّعَال من الذَّهَب وَالْفِضَّة خلاف وَالصَّحِيح الْجَوَاز وَقيل لَا للإسراف وَقد تقدم فِي جَوَاب الحَدِيث أَن مَا فِيهِ السَّرف أَمر نسبي وَفِي جَوَاز التحلي بِالدَّرَاهِمِ

(1/181)


وَالدَّنَانِير المثقوبة الَّتِي تجْعَل فِي القلادة وَجْهَان أصَحهمَا فِي أصل الرَّوْضَة التَّحْرِيم وَقَالَ فِي شرح الْمُهَذّب فِي بَاب مَا يجوز لبسه صحّح الرَّافِعِيّ أَن ذَلِك لَا يجوز وَلَيْسَ الْأَمر كَمَا قَالَه بل الْأَصَح الْجَوَاز قَالَ الاسنائي وَمَا فِي الرَّوْضَة سَهْو وحكاية الْخلاف مَمْنُوع بل يجوز لبس ذَلِك للنِّسَاء قطعا بِلَا كَرَاهَة وَصرح بِهِ فِي الْبَحْر وَالله أعلم قَالَ
(فصل ونصاب الزروع وَالثِّمَار خَمْسَة أوسق قدرهَا ألف وسِتمِائَة رَطْل بالبغدادي وَفِيمَا زَاد فبحسابه) وَقد ورد
(لَيْسَ فِيمَا دون خَمْسَة أوسق صَدَقَة) وَفِي رِوَايَة مُسلم
(لَيْسَ فِي حب وَلَا ثَمَر صَدَقَة حَتَّى يبلغ خَمْسَة أوسق) والوسق سِتُّونَ صَاعا وَالِاعْتِبَار بِمِكْيَال الْمَدِينَة قَالَ الحناطي وقدرها بِالْوَزْنِ ألف وسِتمِائَة رَطْل بالبغدادي لِأَن الوسق سِتُّونَ صَاعا وَنقل ابْن الْمُنْذر الْإِجْمَاع على ذَلِك فَتكون الْخَمْسَة الأوسق ثلثمِائة صَاع والصاع أَرْبَعَة أَمْدَاد وَذَلِكَ ألف وَمِائَتَا مد وَالْمدّ رَطْل وَثلث فَيكون الْحَاصِل مَا ذكره الشَّيْخ وَهُوَ ألف وسِتمِائَة رَطْل وَإِنَّمَا قدر بالبغدادي لِأَنَّهُ الرطل الشَّرْعِيّ ووزنها بالدمشقي ثلثمِائة وَسِتَّة وَأَرْبَعُونَ رطلا وَثلثا رَطْل وَهَذَا تَفْرِيع على مَا يَقُوله الرَّافِعِيّ أَن رَطْل بَغْدَاد مائَة وَثَلَاثُونَ درهما وَأما عِنْد النَّوَوِيّ فرطل بَغْدَاد مائَة وَثَمَانِية وَعِشْرُونَ درهما وَأَرْبَعَة أَسْبَاع دِرْهَم فعلى هَذَا تكون الأوسق ثلثمِائة واثنين وَأَرْبَعين رطلا وَسِتَّة أَسْبَاع رَطْل كَمَا قَالَه فِي الْمِنْهَاج وَأما فِي الرَّوْضَة فَقَالَ إِنَّه بالدمشقي ثلثمِائة وَاثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ رطلا وَنصف رَطْل وَثلث رَطْل وَسبعا أُوقِيَّة وَاعْلَم أَن الِاعْتِبَار فِي الأوسق بِالْكَيْلِ على الصَّحِيح لَا بِالْوَزْنِ وَإِنَّمَا قدرُوا ذَلِك بِالْوَزْنِ استظهاراً وَهل ذَلِك على سَبِيل التَّحْدِيد أَو التَّقْرِيب قَالَ النَّوَوِيّ فِي أصل الرَّوْضَة الْأَصَح عِنْد الْأَكْثَرين أَنه تَحْدِيد وَقيل تقريب وَصحح فِي شرح مُسلم وَفِي كتاب الظِّهَار من شرح الْمُهَذّب عكس ذَلِك وَقَالَ الصَّحِيح أَنه تقريب وَالثَّانِي أَنه تَحْدِيد وَكَذَا صَححهُ فِي كِتَابه رُؤُوس الْمسَائِل وَعلله بِأَنَّهُ مُجْتَهد فِيهِ وَاعْلَم أَن الِاعْتِبَار فِي ذَلِك الْمِقْدَار فِي الرطب إِذا صَار تَمرا جافاً وَفِي الْعِنَب إِذا صَار زبيباً هَذَا إِذا تتمر أَو تزبب وَإِلَّا أخذت الزَّكَاة مِنْهُمَا فِي الْحَال كَونهمَا رطبا وَعِنَبًا لِأَن ذَلِك هُوَ أكمل أحوالهما فالاعتبار بِهِ أما فِي الْحُبُوب فوقت الْإِخْرَاج حَال تصفيتها من تبنها وقشرها إِلَّا إِذا كَانَ يدّخر فِيهِ ويؤكل مَعَه كالذرة تطحن مَعَ قشرها

(1/182)


غَالِبا فَيدْخل القشر فِي الْحساب لِأَنَّهُ طَعَام وَإِن كَانَ يزَال تنعماً كَمَا يزَال قشر الْحِنْطَة وَفِي دُخُول القشرة السُّفْلى من الفول وَجْهَان الْمَذْهَب أَنَّهَا لَا تدخل فِي الْحساب كَذَا نَقله الرَّافِعِيّ عَن صَاحب الْعدة وَأقرهُ وَتَبعهُ فِي الرَّوْضَة لَكِن قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب بعد نَقله إِنَّه غَرِيب وَقَول الشَّيْخ وَفِيمَا زَاد فبحسابه يَعْنِي الزَّائِد على النّصاب تجب الزَّكَاة فِيهِ كالنقد وَالله أعلم
(فرع) غلَّة الْقرْيَة وثمار الْبُسْتَان الموقوفين على الْمَسَاجِد والرباطات أَو الْمدَارِس أَو على القناطر أَو على الْفُقَرَاء أَو على الْمَسَاكِين لَا زَكَاة فيهمَا إِذْ لَيْسَ لَهما مَالك معِين وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح بل الْمَذْهَب الَّذِي قطع بِهِ الْجُمْهُور وَأما الْمَوْقُوف على مُعينين فَتجب فِيهِ الزَّكَاة كَمَا إِذا وقف نخل بُسْتَان فأثمرت خَمْسَة أوسق نعم لَو وقف أَرْبَعِينَ شَاة على جمَاعَة مُعينين فَإِن قُلْنَا الْملك فِي الْمَوْقُوف لَا ينْتَقل فَلَا زَكَاة وَإِن قُلْنَا يملكونه فَلَا زَكَاة أَيْضا على الصَّحِيح لضعف ملكهم وَالله أعلم قَالَ
(وفيهَا إِن سقيت بِمَاء السَّمَاء أَو السيح الْعشْر وَإِن سقيت بدواليب أوغرب نصف الْعشْر)
يجب فِيمَا سقِِي بِمَاء السَّمَاء وَنَحْوه كالثلج والسيح وَهُوَ المَاء الْجَارِي على وَجه الأَرْض بِسَبَب سد النَّهر الْعَظِيم من الزروع وَالثِّمَار الْعشْر وَكَذَا البعل وَهُوَ الَّذِي يشرب من النَّهر بعروقه لقُرْبه من المَاء وَأما مَا يشرب بالنواضح وَهِي مَا يَسْتَقِي عَلَيْهَا من الْحَيَوَانَات أَو الدواليب أَو اشْتَرَاهُ أَو أسقاه بالغرب وَهُوَ الدَّلْو الْكَبِير فَفِيهِ نصف الْعشْر وَالْمعْنَى من جِهَة الْفرق عدم الْمُؤْنَة فِي الأول وَحُصُول الْمُؤْنَة فِي الثَّانِي وَالْأَصْل فِي ذَلِك قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
(فِيمَا سقت السَّمَاء والعيون أَو كَانَ عثرياً الْعشْر وَفِيمَا يسقى بالنضح نصف الْعشْر) وَفِي رِوَايَة
(فِيمَا سقت الْأَنْهَار والغيم الْعشْر وَفِيمَا سقِِي بالساقية نصف الْعشْر) وَفِي رِوَايَة
(فِي البعل الْعشْر) وانعقد الْإِجْمَاع على مَا ذَكرْنَاهُ قَالَه الْبَيْهَقِيّ وَغَيره والعثري بِعَين مُهْملَة وثاء مثلثلة مَفْتُوحَة وَرَاء مُهْملَة هُوَ الَّذِي لَا يشرب إِلَّا من الْمَطَر بِأَن تحفر حفيرة يجْرِي فِيهَا المَاء من السَّيْل إِلَى أصُول الشّجر وَتسَمى تِلْكَ الحفرة عاثوراً لِأَن الْمَار يتعثر فِيهَا إِذا لم يشْعر بهَا وَلَو سقيت الثِّمَار والزروع بِمَا يُوجب الْعشْر وَبِمَا يُوجب نصف الْعشْر على السوَاء وَجب ثَلَاثَة أَربَاع الْعشْر عملا بالتقسيط وَإِن غلب أَحدهمَا فيقسط أَيْضا على الْأَظْهر وَإِن جهل الْأَمر فَلم يدر بِمَا سقِِي أَكثر

(1/183)


جَعَلْنَاهُ نِصْفَيْنِ لِأَن الأَصْل فِي كل وَاحِد عدم الزِّيَادَة على صَاحبه وَحِينَئِذٍ فَيجب ثَلَاثَة أَربَاع الْعشْر وَلَو علمنَا أَن أَحدهمَا أَكثر وجهلنا عينه فقد تحققنا أَن الْوَاجِب ينقص عَن الْعشْر وَيزِيد على نصف الْعشْر فَيَأْخُذ قدر الْيَقِين إِلَى أَن يتَبَيَّن الْحَال قَالَه الْمَاوَرْدِيّ قَالَ
(فصل وَتقوم عرُوض التِّجَارَة عِنْد آخر الْحول بِمَا اشْتريت بِهِ وَيخرج من ذَلِك ربع الْعشْر)
قد علمت أَن النّصاب والحول معتبران فِي زَكَاة التِّجَارَة وَهَذَا لَا خلاف فِي اشْتِرَاطه لعُمُوم الْأَخْبَار لَكِن فِي وَقت الِاعْتِبَار فِي الْحول خلاف الصَّحِيح أَن الِاعْتِبَار بآخر الْحول لِأَن الْوُجُوب يتَعَلَّق بالقيمه لَا بِالْعينِ وتقويم الْعرُوض فِي كل لَحْظَة يشق ويحوج إِلَى مداومة الْأَسْوَاق ومراقبة ذَلِك فَاعْتبر وَقت الْوُجُوب وَهُوَ آخر الْحول وَقيل يعْتَبر بِجَمِيعِهِ وَقيل بطرفيه فعلى الصَّحِيح إِن كَانَ مَال التِّجَارَة اشْتَرَاهُ بِدَرَاهِم أَو دَنَانِير وَكَانَ النَّقْد نِصَابا قوم بِهِ فِي آخر الْحول فَإِن بلغت قِيمَته نِصَابا زَكَاة وَإِلَّا فَلَا وَإِن كَانَ رَأس المَال نَقْدا وَلكنه دون النّصاب قوم بِالنَّقْدِ أَيْضا على الصَّحِيح وَهَذَا ينطبق على كَلَام الشَّيْخ بِمَا اشْتريت بِهِ سَوَاء كَانَ ثمن مَال التِّجَارَة نِصَابا أم لَا أما لَو كَانَ رَأس المَال عرضا بِأَن ملك مَال التِّجَارَة بِعرْض للْقنية أَو غَيره فَيقوم بغالب نقد الْبَلَد من الدَّرَاهِم أَو الدَّنَانِير فَإِن بلغ بِهِ نِصَابا زَكَاة وَإِلَّا فَلَا وَإِن كَانَ يبلغ بِغَيْرِهِ نِصَابا وَلَو كَانَ فِي الْبَلَد نقدان متساويان فَإِن بلغ بِأَحَدِهِمَا قوم بِهِ وَإِن بلغ بهما فَالصَّحِيح أَن الْمَالِك يتَخَيَّر فَيقوم بِمَا شَاءَ مِنْهُمَا وَقيل يُرَاعِي الأغبط للْمَسَاكِين والنقد هُوَ الْمَضْرُوب من الذَّهَب وَالْفِضَّة وَلَو ملك مَال التِّجَارَة بِنَقْد وَغَيره من الْعرُوض فَمَا قَابل الدَّرَاهِم قوم بهَا وَمَا قَابل الْعرُوض قوم بِنَقْد الْبَلَد وَلَو لم يعلم مَا اشْتَرَاهُ بِهِ قوم بِنَقْد الْبَلَد قَالَه الرَّوْيَانِيّ فِي الْبَحْر هَذَا مَا يتَعَلَّق بآخر الْحول أما ابْتِدَاء الْحول فَينْظر فِي رَأس المَال إِن كَانَ نَقْدا وَهُوَ نِصَاب بِأَن اشْترى بِمِائَتي دِرْهَم أَو عشْرين دِينَارا مَال تِجَارَة فابتداء الْحول من حِين ملك النّصاب وَيَبْنِي حول التِّجَارَة عَلَيْهِ أَي على حول النّصاب وَهَذَا إِذا اشْترى بِعَين النّصاب أما إِذا اشْترى بنصاب فِي الذِّمَّة ثمَّ نَقده فِي ثمنه فَيَنْقَطِع حول النَّقْد ويبتدىء حول التِّجَارَة من وَقت الشِّرَاء وَإِن كَانَ رَأس المَال دَرَاهِم أَو دَنَانِير إِلَّا أَنَّهَا دون النّصاب فابتداء الْحول من حِين ملك عرض التِّجَارَة هَذَا كُله إِذا ملك مَال التِّجَارَة بِنَقْد أما إِذا ملكه بِغَيْر نقد فَينْظر إِن ملكه بِعرْض لَا زَكَاة فِيهِ كالثياب وَالْعَبِيد فابتداء الْحول من وَقت ملك التِّجَارَة وَإِن كَانَ رَأس مَال التِّجَارَة مِمَّا تجب فِيهِ الزَّكَاة بِأَن ملك مَال التِّجَارَة بنصاب من السَّائِمَة فَقيل يَبْنِي على حول الْمَاشِيَة كَمَا لَو ملك بنصاب من الدَّرَاهِم أَو الدَّنَانِير وَالصَّحِيح الَّذِي قطع بِهِ الْجُمْهُور أَن حول الْمَاشِيَة يَنْقَطِع ويبتدىء حول التِّجَارَة من حِين ملك مَال التِّجَارَة لاخْتِلَاف زَكَاة الْمَاشِيَة وَالتِّجَارَة قدرا ووقتاً بِخِلَاف زَكَاة النَّقْد مَعَ التِّجَارَة

(1/184)


(فرع) إِذا فرعنا على الْأَظْهر أَن الِاعْتِبَار بآخر الْحول فَلَو بَاعَ الْعرض فِي أثْنَاء الْحول بِنَقْد وَهُوَ دون النّصاب ثمَّ اشْترى بِهِ سلْعَة فَالصَّحِيح أَنه يَنْقَطِع الْحول ويبتدىء حول التِّجَارَة من حِين اشْتَرَاهَا لِأَن النُّقْصَان عَن النّصاب قد تحقق بالتنضيض وَهُوَ الثّمن الْحَاصِل الناض وَأما قبل ذَلِك فَإِن النُّقْصَان كَانَ مظنوناً وَقيل لَا يَنْقَطِع الْحول كَمَا لَو بادل بسلعة نَاقِصَة عَن النّصاب فَإِن الْحول لَا يَنْقَطِع على الصَّحِيح لِأَن الْمُبَادلَة مَعْدُودَة من التِّجَارَة وَالله أعلم قَالَ
(وَمَا استخرج من معادن الذَّهَب وَالْفِضَّة يخرج مِنْهُ ربع الْعشْر فِي الْحَال)
الْمَعَادِن جمع مَعْدن بِفَتْح الْمِيم وَكسر الدَّال وَهُوَ اسْم للمكان الَّذِي خلق الله تَعَالَى فِيهِ الْجَوَاهِر من الذَّهَب وَالْفِضَّة وَالْحَدِيد والنحاس وَنَحْو ذَلِك وَسمي بذلك لإِقَامَة مَا أَنْبَتَهُ الله فِيهِ تَقول عدن بِالْمَكَانِ إِذا أَقَامَ بِهِ وَمِنْه جنَّات عدن قَالَ النَّوَوِيّ وَقد أَجمعت الْأمة على وجوب الزَّكَاة فِي الْمَعْدن وَلَا زَكَاة فِي الْمَعْدن إِلَّا فِي الذَّهَب وَالْفِضَّة هَذَا هُوَ الْمَذْهَب الَّذِي قطع بِهِ الْأَصْحَاب وَقيل تجب فِي كل مَعْدن كالحديد وَنَحْوه فَإِذا استخرج شخص نِصَابا من الذَّهَب وَالْفِضَّة وَجَبت عَلَيْهِ الزَّكَاة وَيشْتَرط النّصاب دون الْحول أما النّصاب فلعموم الْأَدِلَّة وَوجه عدم وجوب الْحول أَن وُجُوبه فِي غير الْمَعْدن لأجل تَكَامل النَّمَاء والمستخرج من الْمَعْدن نَمَاء فِي نَفسه فَأشبه الثِّمَار والزروع وَلَو استخرج اثْنَان من مَعْدن مَمْلُوك لَهما أَو مُبَاح وَجَبت عَلَيْهِمَا الزَّكَاة على الْأَصَح وَزَكَاة الْمَعْدن ربع الْعشْر لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(فِي الرقة الْعشْر) وَالله أعلم قَالَ
(وَمَا يُوجد من الرِّكَاز فَفِيهِ الْخمس)
الرِّكَاز دَفِين الْجَاهِلِيَّة وَيجب فِيهِ الْخمس لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(وَفِي الرِّكَاز الْخمس) وَيصرف مصرف الزَّكَاة على الْمَذْهَب وَلَا يشْتَرط فِيهِ الْحول بِلَا خلاف وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ بِالْإِجْمَاع لِأَن الْحول يُرَاد للإستنماء وَهُوَ كُله نَمَاء وَلَا مشقة فِيهِ غَالِبا نعم يشْتَرط النّصاب والنقد على الْمَذْهَب لِأَن مُسْتَفَاد من الأَرْض فاختص بِمَا يجب فِيهِ الزَّكَاة قدرا ونوعاً كالمعدن وَالثَّانِي لَا يشترطان فِيهِ وَبِه قَالَ الإِمَام مَالك وَأَبُو حنيفَة وَأحمد لعُمُوم قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
(وَفِي الرِّكَاز الْخمس) وَاعْلَم أَن هَذَا فِي الْمَوْجُود الَّذِي هُوَ جاهلي يَعْنِي وجد على ضرب الجاهليه الَّذين هم قبل الْإِسْلَام وَسموا بالجاهلية لِكَثْرَة جهالتهم وَيعرف ضَربهمْ بِأَن يكون عَلَيْهِ اسْم ملك من مُلُوكهمْ أَو صَلِيب

(1/185)


كَمَا نَقله ابْن الرّفْعَة عَن الْأَصْحَاب قَالَ الرَّافِعِيّ وَفِيه اشكال إِذْ لَا يلْزم من كَونه على ضَربهمْ أَن يكون من دفنهم لجَوَاز أَن يكون أَخذ مُسلم ثمَّ دَفنه وَالْعبْرَة إِنَّمَا هِيَ بدفنهم وَتَبعهُ ابْن الرّفْعَة على هَذَا الاشكال وَالْجَوَاب عَن ذَلِك أَن الأَصْل وَالظَّاهِر عدم الْأَخْذ ثمَّ الدّفن وَلَو فتحنا هَذَا الْبَاب لم يكن لنا ركاز أَلْبَتَّة وَلَو كَانَ الْمَوْجُود عَلَيْهِ ضرب الْإِسْلَام بِأَن كَانَ عَلَيْهِ شبء من الْقُرْآن أَو اسْم ملك من مُلُوك الْإِسْلَام لم يملكهُ الْوَاجِد بِمُجَرَّد الْأَخْذ بل يجب عَلَيْهِ أَن يردهُ إِلَى مَالِكه إِن علمه فَإِن آخِره وَلَو لَحْظَة مَعَ الْعلم عصى فَإِن لم يعلم الْوَاجِد صَاحبه فَالصَّحِيح الَّذِي قطع بِهِ الْجُمْهُور أَنه لقطَة يعرفهُ الْوَاجِد سنة وَقَالَ أَبُو عَليّ هُوَ مَال ضائع يمسِكهُ الْوَاجِد للْمَالِك أبدا أَو يحفظه الإِمَام فِي بَيت المَال وَلَا يملك بِحَال
قلت هَذَا فِي غير زَمَاننَا الْفَاسِد حِين كَانَ بَيت المَال منتظماً أما فِي زَمَاننَا فإمام النَّاس هُوَ وَأَتْبَاعه ظلمَة غشمة وَكَذَا قُضَاة الرشا الَّذين يَأْخُذُونَ أَمْوَال الْأَصْنَاف الَّذين جعلهَا الله تَعَالَى لَهُم بِنَصّ الْقُرْآن يدفعونها إِلَى الظلمَة ليعينوهم على الْفساد فَيحرم دفع ذَلِك وأشباهه إِلَيْهِم وَمن دفع شَيْئا من ذَلِك إِلَيْهِم عصى لإعانته لَهُم على تَضْييع مَال من جعله الله لَهُ وَهَذَا لَا نزاع فِيهِ وَلَا يتَوَقَّف فِي ذَلِك إِلَّا غبي أَو معاند عَافَانَا الله من ذَلِك وَالله أعلم وَلَو لم يعرف أَن الْمَوْجُود جاهلي أَو إسلامي كالتبر والحلي وَمَا يضْرب مثله فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام فَفِيهِ قَولَانِ الْأَشْهر الْأَظْهر أَنه لقطَة تَغْلِيبًا لحكم الْإِسْلَام وَالله أعلم قَالَ
بَاب زَكَاة الْفطر
(فصل وَتجب زَكَاة الْفطر بِثَلَاثَة أَشْيَاء الْإِسْلَام وغروب الشَّمْس من آخر يَوْم من رَمَضَان)
يُقَال لَهَا زَكَاة الْفطر لِأَنَّهَا تجب بِالْفطرِ وَيُقَال لَهَا زَكَاة الْفطْرَة أَي الْخلقَة يَعْنِي زَكَاة الْبدن لِأَنَّهَا تزكي النَّفس أَي تطهرها وتنمي عَملهَا ثمَّ الأَصْل فِي وُجُوبهَا مَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ
(فرض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زَكَاة الْفطر على النَّاس صَاعا من تمر أَو صَاعا من شعير على كل حر أَو عبد ذكر أَو أُنْثَى من الْمُسلمين) وَادّعى ابْن الْمُنْذر أَن الْإِجْمَاع مُنْعَقد على وُجُوبهَا
ثمَّ شَرط وجوبا الْإِسْلَام لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
(من الْمُسلمين) وَادّعى الْمَاوَرْدِيّ

(1/186)


الْإِجْمَاع على ذَلِك فَلَا فطْرَة على كَافِر عَن نَفسه وَهل تجب إِذا ملك عبدا مُسلما فِيهِ خلاف يَأْتِي عِنْد قَول الشَّيْخ وَعَمن تلْزمهُ نَفَقَته من الْمُسلمين وَبِالْجُمْلَةِ فَالْأَصَحّ أَنَّهَا تجب عَلَيْهِ لأجل عَبده الْمُسلم وَفِي وَقت وُجُوبهَا أَقْوَال أظهرها وَنَصّ عَلَيْهِ الشَّافِعِي فِي الْجَدِيد أَنَّهَا تجب بغروب الشَّمْس لِأَنَّهَا مُضَافَة إِلَى الْفطر كَمَا مر فِي لفظ الحَدِيث وَالثَّانِي أَنَّهَا تجب بِطُلُوع الْفجْر يَوْم الْعِيد لِأَنَّهَا قربَة تتَعَلَّق بالعيد فَلَا تتقدم عَلَيْهِ كالأضحية وَالثَّالِث تتَعَلَّق بالأمرين فَلَو ملك عبدا بعد الْغُرُوب فَلَا تجب فطرته على المُشْتَرِي على القَوْل الْأَظْهر وَكَذَا لَو ولد لَهُ ولد بعد الْغُرُوب أَو تزوج فَلَا فطْرَة عَلَيْهِ لعدم إِدْرَاك وَقت الْوُجُوب وَالله أعلم قَالَ
(وَوُجُود الْفضل عَن قوته وقوت عِيَاله فِي ذَلِك الْيَوْم ويزكي عَن نَفسه وَعَمن تلْزمهُ نَفَقَته من السلمين)
هَذَا هُوَ السَّبَب الثَّالِث لوُجُوب زَكَاة الْفطر وَهُوَ الْيَسَار فالمعسر لَا زَكَاة عَلَيْهِ قَالَ ابْن الْمُنْذر بِالْإِجْمَاع وَلَا بُد من معرفَة الْمُعسر وَهُوَ كل من لم يفضل عَن قوته وقوت من تلْزمهُ نَفَقَته آدَمِيًّا كَانَ أَو غَيره لَيْلَة الْعِيد ويومه مَا يُخرجهُ فِي الْفطْرَة فَهُوَ مُعسر وَهل يشْتَرط كَون الصَّاع الْمخْرج فَاضلا عَن مَسْكَنه وخادمه الَّذِي يحْتَاج إِلَيْهِ للْخدمَة فِيهِ وَجْهَان فِي الرَّوْضَة بِلَا تَرْجِيح وَرجح الرَّافِعِيّ فِي الْمُحَرر وَالشَّرْح الصَّغِير أَنه يشْتَرط ذَلِك وَكَذَا صَححهُ النَّوَوِيّ فِي الْمِنْهَاج وَشرح الْمُهَذّب وَكَذَا يشْتَرط أَن يكون الصَّاع الْمخْرج فَاضلا عَمَّا ذكرنَا وَعَن دست ثوب يَلِيق بِهِ صرح بِهِ الإِمَام وَالْمُتوَلِّيّ وَالنَّوَوِيّ فِي نكت التَّنْبِيه وَهل يمْنَع الدّين وجوب الْفطْرَة لَيْسَ فِي الشَّرْح الْكَبِير وَالرَّوْضَة تَرْجِيح بل نقلا عَن إِمَام الْحَرَمَيْنِ الِاتِّفَاق على أَنه يمْنَع وُجُوبهَا كَمَا أَن الْحَاجة إِلَى نَفَقَة الْقَرِيب تمنع وُجُوبهَا إِلَّا أَن الرَّافِعِيّ فِي الشَّرْح الصَّغِير رجح أَن الدّين لَا يمْنَع وجوب زَكَاة الْفطر كَمَا يمْنَع وحوب زَكَاة المَال قَالَ وَفِي كَلَام الشَّافِعِي وَالْأَصْحَاب مَا يدل على أَن الدّين لَا يمْنَع الْوُجُوب لَكِن رجح صَاحب الْحَاوِي الصَّغِير أَن الدّين يمْنَع الْوُجُوب وَبِه جزم النَّوَوِيّ فِي نكت التَّنْبِيه وَنَقله عَن الْأَصْحَاب وَقَول الشَّيْخ وَعَمن تلْزمهُ نَفَقَته
اعْلَم أَن الْجِهَات الَّتِي تتحمل زَكَاة الْفطر ثَلَاثَة الْملك وَالنِّكَاح والقرابة فَمن تلْزمهُ نَفَقَته بِسَبَب مِنْهَا لزمَه فطْرَة الْمُنفق عَلَيْهِ وَيسْتَثْنى من ذَلِك مسَائِل يلْزمه نَفَقَة ذَلِك الشَّخْص وَلَا تجب فطرته مِنْهَا الابْن تلْزمهُ نَفَقَة زَوْجَة أَبِيه وَفِي وجوب زَكَاة افطر عَلَيْهِ بسبها وَجْهَان أصَحهمَا عِنْد الْغَزالِيّ فِي جمَاعَة أَنَّهَا تجب عَلَيْهِ كَالنَّفَقَةِ وأصحهما عِنْد الْبَغَوِيّ وَغَيره لَا تجب وَصَححهُ النَّوَوِيّ فِي زِيَادَة الرَّوْضَة وصححناه فِي الْمُحَرر والمنهاج وَيجْرِي الْوَجْهَانِ فِي مُسْتَوْلدَة الْأَب وَمِنْهَا لَو كَانَ للْأَب ابْن بَالغ وَالْوَالِد فِي نَفَقَة أَبِيه فَوجدَ قوت الْوَلَد يَوْم الْعِيد وَلَيْلَته لم تجب فطرته على الْأَب وَكَذَا الابْن الصَّغِير إِذا كَانَت الْمَسْأَلَة بِحَالِهَا كالكبير وَمِنْهَا الْقَرِيب الْكَافِر الَّذِي تجب

(1/187)


نَفَقَته وَكَذَا العَبْد الْكَافِر وَالْأمة الْكَافِرَة تجب نَفَقَتهم دون فطرتهم وَكَذَا زَوجته الْكَافِرَة وَعَن هَؤُلَاءِ احْتَرز الشَّيْخ بقوله من الْمُسلمين وَمِنْهَا زَوْجَة الْمُعسر أَو العَبْد إِذا كَانَت موسرة فَإِن نَفَقَتهَا مُسْتَقِرَّة فِي ذمَّته وَلَا تجب فطرتها بل تجب عَلَيْهَا على الْأَصَح عِنْد الرَّافِعِيّ وَخَالفهُ النَّوَوِيّ فصحح عدم الْوُجُوب وَكَذَا الْأمة الْمُزَوجَة بِعَبْد أَو مُعسر تجب فطرتها على سَيِّدهَا على الْأَصَح دون نَفَقَتهَا فَإِنَّهَا وَاجِبَة على الزَّوْج وَمِنْهَا إِذا كَانَ لَهُ عبد لَا مَال لَهُ غَيره بعد قوت يَوْم الْعِيد وَلَيْلَته وَبعد صَاع يُخرجهُ عَن فطْرَة نَفسه وَقُلْنَا بِالصَّحِيحِ إِنَّه فِي هَذِه الصُّورَة أَنه يبْدَأ بِنَفسِهِ حكى الإِمَام فِيهِ ثَلَاثَة أوجه الْأَصَح أَنه إِن كَانَ مُحْتَاجا إِلَيْهِ لخدمته فَهُوَ كَسَائِر الْأَمْوَال
وَالثَّانِي يُبَاع مِنْهُ بِقدر الْفطْرَة
وَالثَّالِث لَا تجب الزَّكَاة أصلا فعلى الصَّحِيح فِي معنى خدمته خدمَة من تلْزمهُ خدمته من قريب وَزَوْجَة وَلَو كَانَ مُحْتَاجا إِلَى العَبْد لعمله فِي أرضه أَو مَاشِيَته فَإِن الْفطْرَة تجب قَالَه النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب وَأطلق فِي الْمِنْهَاج وَلم يذكر التَّقْيِيد بِالْخدمَةِ وَالله أعلم قَالَ
(فَيخرج صَاعا من قوت بَلَده وَقدره خَمْسَة أَرْطَال وَثلث بالعراقي)
من وَجَبت عَلَيْهِ زَكَاة الْفطر يلْزمه أَن يخرج صَاعا من قوته لحَدِيث ابْن عمر الْمُتَقَدّم وَهُوَ خَمْسَة أَرْطَال وَثلث بالعراقي ووزنه سِتّمائَة دِرْهَم وَثَلَاثَة وَتسْعُونَ درهما وَثلث دِرْهَم وَهَذَا عِنْد الرَّافِعِيّ لِأَنَّهُ يَقُول إِن رَطْل بَغْدَاد مائَة وَثَلَاثُونَ درهما وَقَالَ النَّوَوِيّ إِن الرطل مائَة وَثَمَانِية وَعِشْرُونَ درهما وَأَرْبَعَة أَسْبَاع دِرْهَم وَالِاعْتِبَار فِي الصَّاع بِالْكَيْلِ وَإِنَّمَا قدر الْعلمَاء الصَّاع بِالْوَزْنِ استظهاراً قَالَ النَّوَوِيّ قد يسْتَشْكل ضبط الصَّاع بالأرطال فَإِن الصَّاع الْمخْرج بِهِ فِي زَمَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مكيال مَعْرُوف وَيخْتَلف قدره وزنا باخْتلَاف جنس مَا يخرج كالذرة والحمص وَغَيرهمَا فَالصَّوَاب الِاعْتِمَاد على الْكَيْل دون الْوَزْن فَالْوَاجِب أَن يخرج بِصَاع معاير بالصاع الَّذِي كَانَ يخرج بِهِ فِي من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمن لم يجد وَجب عَلَيْهِ أَن يخرج قدرا يتَيَقَّن أَنه لَا ينقص عَنهُ وعَلى هَذَا فالتقدير بِخَمْسَة أَرْطَال وَثلث تقريب وَقَالَ جمَاعَة من الْعلمَاء إِنَّه قدر أَربع حفنات بكفي رجل معتدل الْكَفَّيْنِ وَالله أعلم
إِذا عرفت هَذَا فَكل مَا يجب فِيهِ الْعشْر فَهُوَ صَالح لإِخْرَاج الْفطْرَة مِنْهُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَب الْمَشْهُور وَفِي قَول لَا يجزىء الحمص والعدس ويجزىء الأقط على الصَّحِيح وَقَالَ النَّوَوِيّ يَنْبَغِي الْقطع بِجَوَازِهِ لصِحَّة الحَدِيث فِيهِ وَالأَصَح أَن الْجُبْن وَاللَّبن فِي مَعْنَاهُ وَهَذَا فِيمَن ذَلِك قوته

(1/188)


وَإِلَّا فَلَا يجزىء وَلَا خلاف أَنه لَا يجزىء السّمن وَلَا الْجُبْن المنزوع الزّبد وَلَا يجزىء التِّين وَلَا لحم الصَّيْد وَإِن كَانَ يقتات بهما فِي بعض الجزائر لِأَن النَّص ورد فِي بعض المعشرات وقسنا عَلَيْهِ الْبَاقِي بِجَامِع الاقتيات
وَاعْلَم أَن شَرط الْمخْرج أَن لَا يكون مسوساً وَلَا معيبا كَالَّذي لحقه مَاء أَو نداوة الأَرْض وَنَحْو ذَلِك كالعتيق الْمُتَغَيّر اللَّوْن والرائحة وَكَذَا المدود وَشرط الْمخْرج أَن يكون حبا فَلَا تجزىء الْقيمَة بِلَا خلاف وَكَذَا لَا يجزىء الدَّقِيق وَلَا السويق وَلَا الْخبز لِأَن الْحبّ يصلح لما لَا يصلح لَهُ هَذِه الثَّلَاثَة وَهُوَ مورد النَّص فَلَا يَصح إِلْحَاق هَذِه الْأُمُور بالحب لِأَنَّهَا لَيست فِي معنى الْحبّ فاعرفه ثمَّ الْوَاجِب غَالب قوت بَلَده لِأَن نفوس الْفُقَرَاء متشوقة إِلَيْهِ وَقيل الْوَاجِب قوت نَفسه فعلى الصَّحِيح وَهُوَ أَن الْوَاجِب غَالب قوت بَلَده لِأَن نفوس الْفُقَرَاء متشوفه إِلَيْهِ وَقيل الْوَاجِب قوت نَفسه فعلى الصَّحِيح وَهُوَ أَن الْوَاجِب غَالب قوت الْبَلَد لَو كَانُوا يقتاتون أجناساً لَا غَالب فِيهَا أخرج مَا شَاءَ وَقيل يجب الْأَعْلَى احْتِيَاطًا ثمَّ مَا المُرَاد بالغالب قَالَ فِي أصل الرَّوْضَة قَالَ الْغَزالِيّ فِي الْوَسِيط الْمُعْتَبر غَالب قوت الْبَلَد وَقت وجوب الْفطْرَة لَا فِي جَمِيع السّنة وَقَالَ فِي الْوَجِيز غَالب قوت الْبَلَد يَوْم الْفطْرَة وَالله أعلم
وَمَا فِي الْوَسِيط صرح بِهِ صَاحب الذَّخَائِر وَكَلَام شرح الْمُهَذّب قَالَ الاسنائي يَقْتَضِي أَن المُرَاد بقوت الْبَلَد إِنَّمَا هُوَ فِي وَقت من الْأَوْقَات قَالَ فتفطن لَهُ وَصُورَة مَسْأَلَة شرح الْمُهَذّب الَّتِي ذكرهَا الاسنائي فِيمَا إِذا كَانُوا يقتاتون أجناساً لَا غَالب فِيهَا وَلَو كَانُوا يقتاتون قمحاً مخلوطاً بشعير أَو بذرة أَو بحمص وَنَحْو ذَلِك فَإِن كَانَ على السوَاء تخير وَإِلَّا وَجب الْإِخْرَاج من الْأَكْثَر وَيحرم تَأْخِير الزَّكَاة عَن يَوْم الْعِيد وَيسْتَحب إخْرَاجهَا قبل صَلَاة الْعِيد وَيجوز تَعْجِيلهَا من أول رَمَضَان وَالله أعلم
(فرع) لَو أخرج من مَاله فطْرَة وَلَده الصَّغِير جَازَ وَإِن كَانَ الصَّغِير غَنِيا فَلِأَنَّهُ يسْتَقلّ بتمليكه فَكَأَنَّهُ ملكه ثمَّ أخرج عَنهُ وَالْجد فِي معنى الْأَب وَهَذَا بِخِلَاف الْوَلَد الْكَبِير فَإِنَّهُ لَا يخرج عَنهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ كَالْأَجْنَبِيِّ نعم لَو كَانَ الابْن الْكَبِير مَجْنُونا جَازَ أَن يخرج عَنهُ لِأَنَّهُ لَا يُمكن أَن يملكهُ لِأَنَّهُ كالصغير
وَاعْلَم أَن التَّقْيِيد بالوالد يخرج الْوَصِيّ والقيم فَإِنَّهُ لَا يجوز أَن يخرج عَنهُ من مَاله إِلَّا بِإِذن القَاضِي كَذَا جزم بِهِ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب لِأَن اتِّحَاد الْمُوجب والقابض يخْتَص بِالْأَبِ وَالْجد وَالْأَفْضَل صرف الْفطْرَة إِلَى أَقَاربه الَّذين لَا تلْزمهُ نَفَقَتهم وَالْأولَى أَن يبْدَأ بِذِي الرَّحِم الْمحرم كالأخوات والأخوة والأعمام والأخوال وَيقدم الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب ثمَّ الْقَرَابَة الَّذين لَيْسُوا بمحرمين عَليّ كأولاد الْعم وَالْخَال ثمَّ بالجار وَالله أعلم قَالَ

(1/189)


بَاب أهل الزَّكَاة
(فصل وتدفع الزَّكَاة إِلَى الْأَصْنَاف الثَّمَانِية الَّذين ذكرهم الله تَعَالَى فِي كِتَابه بقوله سُبْحَانَهُ {إِنَّمَا الصَّدقَات للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين والعاملين عَلَيْهَا والمؤلفة قُلُوبهم وَفِي الرّقاب والغارمين وَفِي سَبِيل الله وَابْن السَّبِيل} أَو إِلَى من يُوجد مِنْهُم)
قد علمت الْأَمْوَال الَّتِي تجب فِيهَا الزَّكَاة وَقدر الزَّكَاة وَهَذَا الْفَصْل مَعْقُود لمن يَسْتَحِقهَا فَإِن دفع زَكَاته لغير مستحقيها لفقد الشُّرُوط الْمُعْتَبرَة لم تَبرأ ذمَّته مِنْهَا والمستحقون لَهَا هم الْأَصْنَاف الَّذين ذكرهم الله تَعَالَى فِي الْقُرْآن الْعَظِيم وهم ثَمَانِيَة
الصِّنْف الأول الْفُقَرَاء وحد الْفَقِير هُوَ الَّذِي لَا مَال لَهُ وَلَا كسب أَو لَهُ مَال أَو كسب وَلَكِن لَا يَقع موقعاً من حَاجته كمن يحْتَاج إِلَى عشرَة مثلا وَلَا يملك إِلَّا دِرْهَمَيْنِ وَهَذَا لَا يسلبه اسْم الْفقر وَكَذَا ملك الدَّار الَّتِي يسكنهَا وَالثَّوْب الَّذِي يتجمل بِهِ لَا يسلبه اسْم الْفقر وَكَذَا العَبْد الَّذِي يَخْدمه قَالَ ابْن كج وَلَو كَانَ لَهُ مَال على مَسَافَة الْقصر يجوز لَهُ الْأَخْذ إِلَى أَن يصل إِلَى مَاله وَلَو كَانَ لَهُ دين مُؤَجل فَلهُ أَخذ كِفَايَته إِلَى حُلُول الدّين وَلَو قدر على الْكسْب فَلَا يعْطى لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
(لَا حَظّ فِيهَا لَغَنِيّ وَلَا لذِي مرّة سوي وَهِي الْقُوَّة) وَفِي رِوَايَة
(وَلَا لذِي قُوَّة مكتسب) وَلَو قدر على الْكسْب إِلَّا أَنه مشتغل بالعلوم الشَّرْعِيَّة وَلَو أقبل على الْكسْب لانقطع عَن التَّحْصِيل حلت لَهُ الزَّكَاة على الصَّحِيح الْمَعْرُوف وَقيل لَا يعْطى مُطلقًا ويكتسب وَقيل إِن كَانَ نجيباً يُرْجَى تفقهه ونفعه اسْتحق وَإِلَّا فَلَا وَكَثِيرًا مَا يسكن الْمدَارِس من لَا يأتى مِنْهُ التَّحْصِيل بل هُوَ معطل نَفسه فَهَذَا لَا يعْطى بِلَا خلاف وَلَو كَانَ مُقبلا على الْعِبَادَة لَكِن الْكسْب يمنعهُ عَنْهَا وَعَن أوراده الَّتِي استغرق بهَا الْوَقْت فَهَذَا لَا تحل لَهُ الزَّكَاة لِأَن الِاسْتِغْنَاء عَن النَّاس أولى
وَاعْلَم أَن الْفَقِير المكفي بِنَفَقَة من تلْزمهُ نَفَقَته وَكَذَا الزَّوْجَة المكفية بِنَفَقَة زَوجهَا لَا يعطيان كَمَا لَو وقف على الْفُقَرَاء أَو أوصى لَهُم فَإِنَّهُمَا لَا يعطيان هَذَا هُوَ الصَّحِيح وَمحل الْخلاف فِي مَسْأَلَة الْقَرِيب إِذا أعطَاهُ غير من تلْزمهُ النَّفَقَة من سهم الْفُقَرَاء أَو الْمَسَاكِين أما من تلْزمهُ النَّفَقَة

(1/190)


فَلَا يجوز لَهُ دَفعهَا إِلَيْهِ قطعا لِأَنَّهُ بذلك يدْفع عَن نَفسه النَّفَقَة فترجع فَائِدَة ذَلِك إِلَيْهِ وَالله أعلم
الصِّنْف الثَّانِي الْمَسَاكِين لِلْآيَةِ والمسكين هُوَ الَّذِي يملك مَا يَقع موقعاً من كِفَايَته وَلَا يَكْفِيهِ بِأَن كَانَ مثلا مُحْتَاجا إِلَى عشرَة وَعِنْده سَبْعَة وَكَذَا من يقدر أَن يكْتَسب كَذَلِك حَتَّى لَو كَانَ تَاجِرًا أَو كَانَ مَعَه رَأس مَال تِجَارَة وَهُوَ النّصاب جَازَ لَهُ أَن يَأْخُذ وَوَجَب عَلَيْهِ أَن يدْفع زَكَاة رَأس مَاله نظرا إِلَى الْجَانِبَيْنِ
وَاعْلَم أَن الْمُعْتَبر من قَوْلنَا يَقع موقعاً من كِفَايَته الْمطعم وَالْمشْرَب والملبس وَسَائِر مَا لَا بُد لَهُ مِنْهُ على مَا يَلِيق بِالْحَال من غير إِسْرَاف وَلَا تقتير
قلت قد كثر الْجَهْل بَين النَّاس لَا سِيمَا فِي التُّجَّار الَّذين قد شغفوا بتحصيل هَذِه المزبلة للتلذذ بِأَكْل الطّيب وَلبس الناعم والتمتع بِالنسَاء الحسان والسراري إِلَى غير ذَلِك وَبَقِي لَهُم بِكَثْرَة مَالهم عَظمَة فِي قُلُوب الأراذل من المتصوفة الَّذين قد اشْتهر عَنْهُم أَنهم من أهل الصّلاح المنقطين لعبادة رَبهم قد اتخذ كل مِنْهُم زَاوِيَة أَو مَكَانا يظْهر فِيهِ نوعا من الذّكر وَقد لف عَلَيْهِم من لَهُ زِيّ الْقَوْم وَرُبمَا انْتَمَى أحدهم إِلَى أحد رجال الْقَوْم كالأحمدية والقادرية وَقد كذبُوا فِي الانتماء فَهَؤُلَاءِ لَا يسْتَحقُّونَ شَيْئا من الزكوات وَلَا يحل دفع الزَّكَاة إِلَيْهِم وَمن دَفعهَا إِلَيْهِم لم يَقع الْموقع وَهِي بَاقِيَة فِي ذمَّته وَأما بَقِيَّة الطوائف وهم كَثِيرُونَ كالقلندرية والحيدرية فهم أَيْضا على اخْتِلَاف فرقهم فيهم الحلولية والملحدة وهم أكفر من الْيَهُود وَالنَّصَارَى فَمن دفع إِلَيْهِم شَيْئا من الزكوات أَو من التطوعات فَهُوَ عَاص بذلك ثمَّ يلْحقهُ بذلك من الله الْعقُوبَة إِن شَاءَ وَيجب على كل من يقدر على الْإِنْكَار أَن يُنكر عَلَيْهِم وإثمهم مُتَعَلق بالحكام الَّذين جعلهم الله تَعَالَى فِي مناصبهم لإِظْهَار الْحق وقمع الْبَاطِل وإماتة مَا جَاءَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بإماتته وَالله أعلم
(فرع) الصَّغِير إِذا لم يكن لَهُ من ينْفق عَلَيْهِ فَقيل لَا يعْطى لاستغنائه بِمَال الْيَتَامَى من الْغَنِيمَة وَالأَصَح أَنه يعْطى فَيدْفَع إِلَى قيمه لِأَنَّهُ قد لَا يكون فِي نَفَقَته غَيره وَلَا يسْتَحق سهم الْيَتَامَى لِأَن أَبَاهُ فَقير قلت أَمر الْغَنِيمَة فِي زَمَاننَا هَذَا قد تعطل فِي بعض النواحي لجور الْحُكَّام فَيَنْبَغِي الْقطع بِجَوَاز إِعْطَاء الْيَتِيم إِلَّا أَن يكون شريفاً فَلَا يعْطى وَإِن منع من خمس الْخمس على الصَّحِيح وَالله أعلم
الصِّنْف الثَّالِث الْعَامِل وَهُوَ الَّذِي اسْتَعْملهُ الإِمَام على أَخذ الزكوات ليدفعها إِلَى مستحقيها كَمَا أمره الله تَعَالَى فَيجوز لَهُ أَخذ الزَّكَاة بِشَرْطِهِ لِأَنَّهُ من جملَة الْأَصْنَاف فِي الْآيَة الْكَرِيمَة وَلَا حق للسُّلْطَان فِي الزَّكَاة وَلَا لوالي الاقليم وَكَذَا القَاضِي بل رزقهم إِذا لم يتطوعوا من خمس الْخمس المرصد لمصَالح الْعَامَّة وَمن شَرط الْعَامِل أَن يكون فَقِيها فِي بَاب الزَّكَاة حَتَّى يعرف مَا يجب من المَال وَقدر الْوَاجِب والمستحق من غَيره وَأَن يكون أَمينا حرا لِأَنَّهَا ولَايَة

(1/191)


فَلَا يجوز أَن يكون الْعَامِل مَمْلُوكا وَلَا فَاسِقًا كشربه الْخمر والمكسة وَأَعْوَان الظلمَة قَاتل الله من أهْدر دين الله الَّذِي شَرعه لنَفسِهِ وَأرْسل بِهِ رَسُوله وَأنزل بِهِ كِتَابه وَيشْتَرط أَن يكون مُسلما لقَوْله تَعَالَى {لَا تَتَّخِذُوا بطانة من دونكم} وَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ
(لَا تَأْمَنُوهُمْ وَقد خَوَّنَهُمْ الله وَلَا تقربوهم وَقد أبعدهم الله) وَقد ذكرت تَتِمَّة كَلَام عمر وَمَا سَببه فِي كتابي
(قمع النُّفُوس) وَهُوَ مِمَّا لَا يسْتَغْنى عَنهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيّ إِذا عين لَهُ الإِمَام شَيْئا يَأْخُذهُ لم يشْتَرط الْإِسْلَام قَالَ النَّوَوِيّ وَفِي ذَلِك نظر قل وَمَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ ضَعِيف جدا وَلم يذكرهُ فِيمَا أعلم غَيره وَكَيف يَقُول بذلك حَتَّى يكون للْكَافِرِ على الْمُسلم سَبِيل وَقد قَالَ الله تَعَالَى {وَلنْ يَجْعَل الله للْكَافِرِينَ على الْمُؤمنِينَ سَبِيلا} لَا سِيمَا فِي زَمَاننَا هَذَا الْفَاسِد وَقد رَأَيْت بعض الظلمَة قد سلط بعض أهل الذِّمَّة على أَخذ شَيْء بِالْبَاطِلِ من مُسلم فأوقفه موقف الذلة وَالصغَار فَالصَّوَاب الْجَزْم بِعَدَمِ جَوَاز ذَلِك وَلَا خلاف أَن يصنعه هَؤُلَاءِ الْأُمَرَاء من تَرْتِيب ديوَان ذمِّي على أقطاعه ليضبط لَهُ مَاله ويتسلط على الفلاحين وَغَيرهم فَإِنَّهُ لَا يجوز لِأَن الله تَعَالَى قد فسقهم فَمن ائتمنهم فقد خَالف الله وَرَسُوله وَقد وثق بِمن خونه الله تَعَالَى وَالله أعلم
الصِّنْف الرَّابِع الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم لِلْآيَةِ الْكَرِيمَة يَعْنِي عِنْد الْحَاجة إِلَيْهِم فيعطون لاستمالة قُلُوبهم والمؤلفة قُلُوبهم ضَرْبَان مُسلمُونَ وكفار فَلَا يعْطى الْكَافِر من الزَّكَاة بِلَا خلاف لكفرهم وَهل يُعْطون من خمس الْخمس قيل نعم لِأَنَّهُ مرصد للْمصَالح وَهَذَا مِنْهَا وَالصَّحِيح أَنهم لَا يُعْطون شَيْئا أَلْبَتَّة لِأَن الله تَعَالَى قد أعز الْإِسْلَام وَأَهله عَن تألف الْكفَّار وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا أَعْطَاهُم حِين كَانَ الْإِسْلَام ضَعِيفا وَقد زَالَ ذَلِك وَالله أعلم
وَأما مؤلفة الْإِسْلَام فصنف دخلُوا فِي الْإِسْلَام ونيتهم ضَعِيفَة فيعطون تألفاً ليثبتوا وصنف آخر لَهُم شرف فِي قَومهمْ نطلب بتأليفهم إِسْلَام نظائرهم وصنف إِن أعْطوا جاهدوا من يليهم أَو يقبضوا الزَّكَاة من مانعيها وَالْمذهب أَنهم يُعْطون وَالله أعلم
الصِّنْف الْخَامِس الرّقاب لِلْآيَةِ الْكَرِيمَة وهم المكاتبون لِأَن غَيرهم من الأرقاء لَا يملكُونَ فَيدْفَع إِلَيْهِم مَا يعينهم على الْعتْق بِشَرْط أَن يكون مَعَه مَا يَفِي بنجومه وَيشْتَرط كَون الْكِتَابَة صَحِيحَة وَيجوز صرف الزَّكَاة إِلَيْهِم قبل حُلُول النَّجْم على الْأَصَح وَلَا يجوز صرف ذَلِك إِلَى سَيّده إِلَّا بِإِذن الْمكَاتب لَكِن إِن دفع إِلَى السَّيِّد سقط عَن الْمكَاتب بِقدر المصروف إِلَى السَّيِّد لِأَن من أدّى دين غَيره بِغَيْر إِذْنه بَرِئت ذمَّته وَالله أعلم
الصِّنْف السَّادِس الغارمون لِلْآيَةِ الْكَرِيمَة وَالدّين على ثَلَاثَة أضْرب

(1/192)


الأول الدّين الَّذِي لزمَه لمصْلحَة نَفسه فَيعْطى من الزَّكَاة مَا يقْضِي بِهِ دينه إِن كَانَ دينه فِي غير مَعْصِيّة والإسراف فِي النَّفَقَة حرَام ذكره الرَّافِعِيّ هُنَا وَتَبعهُ النَّوَوِيّ وَقَالا فِي بَاب الْحجر إِنَّه مُبَاح وَيشْتَرط أَن يكون عِنْده مَا يقْضِي مِنْهُ دينه فَلَو وجد مَا يقْضِي مِنْهُ من نقد أَو عرض فَلَا يعْطى على الْأَظْهر لقدرته على الْوَفَاء وَلَو وجد مَا يقْضِي بعض الدّين أعْطى الْبَقِيَّة وَلَو كَانَ يقدر على الِاكْتِسَاب فَالْأَصَحّ أَنه يعْطى لِأَنَّهُ لَا يقدر على الْوَفَاء إِلَّا بعد زمن وَفِيه ضَرَر لَهُ وَلِصَاحِب الدّين وَهل يشْتَرط أَن يكون الدّين حَالا فِيهِ خلاف صحّح الرَّافِعِيّ أَنه يشْتَرط حُلُوله وَصحح النَّوَوِيّ اشْتِرَاط الْحُلُول
الضَّرْب الثَّانِي الدّين الَّذِي لزمَه لاصلاح ذَات الْبَين يَعْنِي تبَاين طَائِفَتَانِ أَو شخصان أَو خَافَ من ذَلِك فاستدان طلبا للإصلاح وَإِسْكَان الْفِتَن وَذَلِكَ بِأَن تمارى طَائِفَتَانِ فِي قَتِيل وَلم يظْهر الْقَاتِل فَتحمل الدِّيَة لذَلِك قضى دينه من سهم الغارمين إِن كَانَ فَقِيرا أَو غَنِيا بعقار قطعا وَكَذَا بعروض وَكَذَا إِن كَانَ غَنِيا بِنَقْد على الصَّحِيح
الضَّرْب الثَّالِث الدّين الَّذِي لزمَه بِضَمَان وَله أَحْوَال
أَحدهَا أَن يكون الضَّامِن والمضمون عَنهُ معسرين فَيعْطى الضَّامِن مَا يقْضِي بِهِ الدّين
الْحَالة الثَّانِيَة أَن يَكُونَا موسرين فَلَا يعْطى
الْحَالة الثَّالِثَة أَن يكون الْمَضْمُون عَنهُ مُوسِرًا والضامن مُعسرا فَإِن ضمن بِإِذْنِهِ لم يُعْط وَإِن ضمن بِغَيْر إِذْنه أعطي على الصَّحِيح لِأَنَّهُ لَا يرجع عَلَيْهِ
الْحَالة الرَّابِعَة أَن يكون الْمَضْمُون عَنهُ مُعسرا فَيعْطى الْمَضْمُون عَنهُ وَلَا يعْطى الضَّامِن على الْأَصَح
وَاعْلَم أَنه إِنَّمَا يعْطى الْغَارِم عِنْد بَقَاء الدّين فَأَما إِذا أَدَّاهُ من مَاله فَلَا يعْطى لِأَنَّهُ لم يبْق غارماً وَكَذَا لَو بذل مَاله ابْتِدَاء لم يُعْط لِأَنَّهُ لَيْسَ بغارم وَالله أعلم
(فرع) لَو كَانَ شخص عَلَيْهِ دين فَقَالَ الْمَدِين لصَاحب الدّين ادْفَعْ عَن زكاتك حَتَّى أقضيك دينك فَفعل أَجزَأَهُ عَن الزَّكَاة وَلَا يلْزم الْمَدِين الدّفع إِلَيْهِ عَن دينه وَلَو قَالَ صَاحب الدّين اقبض مَا عَلَيْك لأرده عَلَيْك من زكاتي فَفعل صَحَّ الْقَضَاء وَلَا يلْزم رده فَلَو دفع إِلَيْهِ وَشرط أَن يَقْضِيه ذَلِك عَن دينه لم يُجزئهُ وَلَا يَصح قَضَاؤُهُ بهَا وَلَو نوياه بِلَا شَرط جَازَ وَلَو كَانَ عَلَيْهِ دين فَقَالَ جعلته عَن زكاتي لَا يُجزئهُ على الصَّحِيح حَتَّى يقبضهُ ثمَّ يردهُ إِلَيْهِ وَقيل يُجزئهُ كَمَا لَو كَانَ وَدِيعَة وَلَو كَانَ لَهُ عِنْد الْفَقِير حِنْطَة وَدِيعَة فَقَالَ كل لنَفسك كَذَا وَكَذَا وَنوى زَكَاة فَفِي إجزائه عَن الزَّكَاة وَجْهَان وَجه الْمَنْع أَن الْمَالِك لم يُوكله فَلَو كَانَ الْفَقِير وَكيلا بِالشِّرَاءِ فَاشْتَرَاهُ وَقَبضه فَقَالَ الْمُوكل خُذْهُ لنَفسك ونواه عَن الزَّكَاة أَجزَأَهُ وَلَا يحْتَاج إِلَى وَكيله وَالله أعلم

(1/193)


الصِّنْف السَّابِع فِي سَبِيل الله للآيه الْكَرِيمَة وهم الْغُزَاة الَّذين لَا رزق لَهُم فِي الفىء وَأَصْحَاب الفىء يسمون المرتزقة وَلَا يصرف شَيْء من الصَّدقَات إِلَى الْغُزَاة المرتزقة كَمَا لَا يصرف شَيْء من الْفَيْء إِلَى المتطوعة وَلَو عدم الْفَيْء لم يُعْط المرتزقة من الصَّدقَات فِي الْأَصَح وَالله أعلم
الصِّنْف الثَّامِن ابْن السَّبِيل لِلْآيَةِ الْكَرِيمَة وَهُوَ الْمُسَافِر وَسمي بِهِ لملازمته السَّبِيل وَهُوَ الطَّرِيق وَيشْتَرط أَن لَا يكون سَفَره مَعْصِيّة فَيعْطى فِي سفر الطَّاعَة قطعا وَكَذَا فِي الْمُبَاح كَطَلَب الضَّالة على الصَّحِيح وَيشْتَرط أَن لَا يكون مَعَه مَا يحْتَاج إِلَيْهِ فَيعْطى من لَا مَال لَهُ أصلا وَكَذَا من لَهُ مَال فِي غير الْبَلَد الْمُنْتَقل مِنْهُ وَالله أعلم قَالَ
(وَلَا يقْتَصر على أقل من ثَلَاثَة من كل صنف إِلَّا الْعَامِل)
اعْلَم أَنه يجب اسْتِيعَاب الْأَصْنَاف الثَّمَانِية عِنْد الْقُدْرَة عَلَيْهِم فَإِن فرق بِنَفسِهِ أَو فرق الإِمَام وَلَيْسَ هُنَاكَ عَامل فرق على سَبْعَة وَأَقل مَا يجزىء أَن يدْفع إِلَى ثَلَاثَة من كل صنف لِأَن الله تَعَالَى ذكرهم بِلَفْظ الْجمع إِلَّا الْعَامِل فَإِنَّهُ يجوز أَن يكون وَاحِدًا يَعْنِي إِذا حصلت بِهِ الْكِفَايَة فَلَو صرف إِلَى اثْنَيْنِ مَعَ الْقُدْرَة على الثَّالِث غرم للثَّالِث وَلَو لم يجد إِلَّا دون الثَّلَاثَة من كل صنف أعطي من وجد وَهل يصرف بَاقِي السهْم إِلَيْهِ إِن كَانَ مُسْتَحقّا أم يَنْقُلهُ إِلَى بلد آخر قَالَ فِي زِيَادَة الرَّوْضَة الْأَصَح أَنه يصرف إِلَيْهِ وَمِمَّنْ صَححهُ الشَّيْخ نصر الْمَقْدِسِي وَنَقله هُوَ وَغَيره عَن الشَّافِعِي وَدَلِيله ظَاهر وَالله أعلم قَالَ
(وَخَمْسَة لَا يجوز دَفعهَا إِلَيْهِم الْغَنِيّ بِمَال أَو كسب)
لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(وَلَا حَظّ فِيهَا لَغَنِيّ وَلَا لذِي مرّة سوي وَهِي الْقُوَّة) نعم لَو لم يجد من يستكسبه أعْطى فَلَا يعْطى هَؤُلَاءِ الحرافشة وَلَا أهل البطالات من المتصوفة كمن بسط لَهُ جلدا فِي زَاوِيَة من زَوَايَا الْجَامِع وَلبس مِرْطًا دلّس بِهِ على الْأَغْنِيَاء من أهل الدُّنْيَا الَّذين لَا حَظّ لَهُم فِي الْعلم يُعْطون بجهالتهم من لَا يسْتَحق ويذرون الْمُسْتَحق وَالله أعلم قَالَ
(وَالْعَبْد) أَي لَا يجوز صرف الزَّكَاة إِلَى العبيد لأَنهم أَغْنِيَاء بِنَفَقَة مواليهم أَو لأَنهم لَا يملكُونَ قَالَ
(وَبَنُو هَاشم وَبَنُو الْمطلب)

(1/194)


أَي لَا يجوز دفع الزَّكَاة إِلَى بني هَاشم وَبني الْمطلب لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(إِن هَذِه الصَّدَقَة أوساخ النَّاس وَإِنَّهَا لَا تحل لمُحَمد وَلَا لآل مُحَمَّد) وَوضع الْحسن فِي فِيهِ تَمْرَة فنزعها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بلعابه وَقَالَ
(كخ كخ إِنَّا آل مُحَمَّد لَا تحل لنا الصَّدقَات) وَفِي موَالِي بني هَاشم وَبني الْمطلب خلاف قيل يجوز الدّفع إِلَيْهِم لِأَن منع ذَوي الْقُرْبَى لشرفهم وَهُوَ مَفْقُود فيهم وَالأَصَح أَنَّهَا لَا تحل لَهُم أَيْضا لِأَن مولى الْقَوْم مِنْهُم قَالَ
(وَمن تلْزم الْمُزَكي نَفَقَته لَا تدفع إِلَيْهِم باسم الْفُقَرَاء أَو الْمَسَاكِين)
لأَنهم مستغنون بنفقتهم فَأشبه من يكْتَسب كل يَوْم مَا يَكْفِيهِ لَا يعْطى وَهَذَا هُوَ الْأَصَح وَقيل يُعْطون لِأَن اسْم الفقرا صَادِق عَلَيْهِم وَهَذَا فِيمَا إِذا حصل لَهُم الْكِفَايَة بنفقتهم أما من لَا يَكْتَفِي فَلهُ الْأَخْذ حَتَّى لَو كَانَت الزَّوْجَة لَا تكتفي بِنَفَقَة الزَّوْج قَالَ الْقفال بِأَن كَانَت مَرِيضَة أَو كَثِيرَة الْأكل أَو كَانَ لَهَا من يلْزمهَا نَفَقَته فلهَا أَخذ الزَّكَاة قَالَ ابْن الرّفْعَة وَيَنْبَغِي أَن تَأْخُذ باسم المسكنة وَقَوله باسم الْفُقَرَاء أَو الْمَسَاكِين يُؤْخَذ مِنْهُ أَنه يَأْخُذ بِغَيْرِهِ كاسم العاملين والغارمين وَغَيرهم وَهُوَ كَذَلِك إِذا كَانُوا بِهَذِهِ الصِّفَات وَالله أعلم قَالَ
(وَالْكَافِر) أَي لَا يجوز دفع الزَّكَاة إِلَى كَافِر لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِمعَاذ رَضِي الله عَنهُ
(فأعلمهم أَن عَلَيْهِم صَدَقَة تُؤْخَذ من أغنيائهم فَترد على فقرائهم) فَإِذا لم تُؤْخَذ إِلَّا من غَنِي مُسلم لم تعط إِلَّا لفقير مُسلم وَسَوَاء فِي ذَلِك زَكَاة الْفطر وَالْمَال لعُمُوم الْخَبَر وَقد تمسك الْأَصْحَاب بِمَنْع نقل الزَّكَاة عَن بلد المَال بِهَذَا الحَدِيث وَفِي التَّمَسُّك بِهِ نظر ظَاهر قَالَ النَّوَوِيّ رَحمَه الله فِي شرح مُسلم وَهَذَا الِاسْتِدْلَال لَيْسَ بِظَاهِر لِأَن الظَّاهِر أَن الضَّمِير فِي فقرائهم مُحْتَمل لفقراء الْمُسلمين ولفقراء تِلْكَ الْبَلدة ولفقراء تِلْكَ النَّاحِيَة وَهَذَا الِاحْتِمَال أظهر وَالله أعلم وَأَيْضًا فَإِن الآيه فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدقَات للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين} الْآيَة هِيَ عَامَّة وَقَوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
(تُؤْخَذ من أغنيائهم فَترد فِي فقرائهم) دلَالَة ظَاهِرَة فِي أهل الْيمن فتقييده بِكُل قَرْيَة من أَيْن ذَلِك على أَن

(1/195)


الْأَصْحَاب مَعَ القَوْل بِعَدَمِ جَوَاز النَّقْل فِي الِاعْتِدَاد بدفعها إِلَى فُقَرَاء غير بلد المَال طَرِيقَانِ وَقيل قَولَانِ وَقيل يجزىء قطعا بل قَالَ الرَّوْيَانِيّ فِي الْبَحْر يجوز النَّقْل قطعا وَالَّذِي يَنْبَغِي أَنه يجوز النَّقْل إِلَى الْقَرَابَة إِن كَانَ فِي تِلْكَ النَّاحِيَة جزما لوُجُود الْمَعْنى الَّذِي علل بِهِ من منع النَّقْل فَإنَّا شاهدنا تشوف الْقَرَابَة إِلَى ذَلِك بِشَرْط أَن لَا يكون فِي بلد المَال من اشتدت حَاجته فَإِن اضْطر إِلَى الْأَخْذ دفع إِلَيْهِ فَإِن تساوى الْقَرَابَة وفقير الْبَلَد شرك بَينهم وَالله أعلم قَالَ
بَاب صَدَقَة التَّطَوُّع
(فصل صَدَقَة التَّطَوُّع سنة وَهِي فِي شهر رَمَضَان آكِد وَيسْتَحب التَّوسعَة فِيهِ)
وَكَذَا عِنْد الْأُمُور المهمة وَعند الْمَرَض وَالسّفر وبمكة وَالْمَدينَة شرفهما الله تَعَالَى تَعَالَى وَفِي الْغَزْو وَالْحج وَفِي الْأَوْقَات الفاضلة كعشر ذِي الْحجَّة وَأَيَّام الْعِيد وَيسْتَحب أَن يحسن إِلَى ذَوي رَحمَه وجيرانه وصرفها إِلَيْهِم أفضل من غَيرهم وَكَذَا زَكَاة الْفَرْض وَالْكَفَّارَة وَأَشد الْقَرَابَة عَدَاوَة أفضل وصرفها سرا أفضل والقرابة الْبَعِيدَة الدَّار مُقَدّمَة على الْجَار الْأَجْنَبِيّ لِأَنَّهَا صَدَقَة وصلَة وَيكرهُ التَّصَدُّق بالردىء
والحذر من أَخذ مَال فِيهِ شُبْهَة ليتصدق بِهِ قَالَ عبد الله بن عمر لِأَن أرد درهما من حرَام أحب إِلَيّ من أَن أَتصدق بِمِائَة ألف دِرْهَم ثمَّ بِمِائَة ألف حَتَّى بلغ سِتّمائَة ألف وَمن عِنْده نَفَقَة عِيَاله وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ لِعِيَالِهِ وَدينه لَا يجوز لَهُ أَن يتَصَدَّق بِهِ وَإِن فضل عَن ذَلِك شَيْء فَهَل يسْتَحبّ أَن يتَصَدَّق بِجَمِيعِ الْفَاضِل فِيهِ أوجه أَصَحهَا إِن صَبر على الضّيق فَنعم وَإِلَّا فَلَا وَلَا يحل للغني أَخذ صَدَقَة التَّطَوُّع مظْهرا للفاقة قَالَه العمراني وَاسْتَحْسنهُ النَّوَوِيّ وَاسْتدلَّ لَهُ بقول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الَّذِي مَاتَ من أهل الصّفة فوجدوا لَهُ دينارين فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(كَيَّتَانِ من نَار) وَمن يحسن الصَّنْعَة يحرم عَلَيْهِ السُّؤَال وَمَا يَأْخُذهُ حرَام قَالَه الْمَاوَرْدِيّ وَغَيره وَيسْتَحب التَّصَدُّق وَلَو بِشَيْء نزر قَالَ الله تَعَالَى {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ} وَفِي الحَدِيث الصَّحِيح
(اتَّقوا النَّار وَلَو بشق تَمْرَة) وَيسْتَحب أَن يخص بِنَفَقَتِهِ أهل الْخَيْر والمحتاجين وَمن تصدق بِشَيْء كره لَهُ أَن يَتَمَلَّكهُ من جِهَة من دفْعَة إِلَيْهِ بمعاوضة أَو هبة وَيحرم الْمَنّ بِالصَّدَقَةِ وَإِذا من بَطل ثَوَابهَا وَيسْتَحب أَن يتَصَدَّق بِمَا يُحِبهُ قَالَ الله تَعَالَى {لن تنالوا الْبر حَتَّى تنفقوا مِمَّا تحبون} وَالله أعلم قَالَ

(1/196)