مختصر المزني في فروع الشافعية ط العلمية

ص -154-     كتاب الإقرار.
باب الإقرار بالحقوق والمواهب والعارية.
قال الشافعي: رحمه الله: ولا يجوز إلا إقرار بالغ حر رشيد ومن لم يجز بيعه لم يجز إقراره فإذا قال الرجل: لفلان علي شيء ثم جحد قيل له: أقرربما شئت مما يقع عليه اسم شيء من مال أوتمرة أوفلس واحلف ما له قبلك غيره فإن أبى حلف المدعي على ما ادعى واستحقه مع نكول صاحبه وسواء قال له علي مال أو مال كثير أو عظيم فإنما يقع عليه اسم مال فأما من ذهب إلى ما تجب فيه الزكاة فلا أعلمه خبرا ولا قياسا أرأيت إذا أغرمت مسكينا يرى الدرهم عظيما أو خليفة يرى ألف ألف قليلا إذا أقر بمال عظيم مائتي درهم والعامة تعلم أن ما يقع في القلب من مخرج قوليهما مختلف فظلمت المقر له إذ لم تعطه من خليفة إلا التافه وظلمت المسكين إذا أغرمته أضعاف العظيم إذ ليس عندك في ذلك إلا محمل كلام الناس وسواء قال: له علي دراهم كثيرة أو عظيمة أو لم يقلها فهي ثلاثة وإذا قال: له علي ألف ودرهم ولم يسم الألف قيل له أعطه أي ألف شئت فلوسا أو غيرها واحلف أن الألف التي أقررت بها هي هذه وكذلك لو أقر بألف وعبد أو ألف ودار لم يجعل الألف الأول عبيدا أو دورا وإذا قال: له علي ألف إلا درهما قيل له: أقر له بأي ألف شئت إذا كان الدرهم مستثنى منها ويبقى بعده شيء قل أوكثر وكذلك لو قال: له علي ألف إلا كرحنطة أو إلا عبدا أجبرته على أن يبقى بعد الاستثناء شيئا قل أوكثر وإن أقر بثوب في منديل أوتمر في جراب فالوعاء للمقر وإن قال له قبلي كذا أقر بما شاء واحدا ولو قال كذا وكذا أقر بما شاء اثنين وإن قال كذا وكذا درهما قيل له أعطه درهمين لأن كذا يقع على درهم ثم قال في موضع آخر: إن قال كذا وكذا درهما قيل له أعطه درهما أو أكثر من قبل أن كذا يقع على أقل من درهم قال المزني: وهذا خلاف الأول وهو أشبه بقوله لأن كذا يقع على أقل من درهم ولا يعطى إلا اليقين قال الشافعي رحمه الله: والإقرار في الصحة والمرض سواء يتحاصون معا ولوأقر لوارث فلم يمت حتى حدث له وارث يحجبه فالإقرار لازم وإن لم يحدث وارث فمن أجاز الإقرار لوارث أجازه ومن أباه رده ولو أقر لغير وارث فصار وارثا بطل إقراره ولو أقر أن ابن هذه الأمة ولده منها ولا مال له غيرها ثم مات فهو ابنه وهما حران بموته ولا يبطل ذلك بحق الغرماء الذي قد يكون مؤجلا ويجوز إبطاله بعد ثبوته ولا يجوز إبطال حرية بعد ثبوتها وإذا أقر الرجل لحمل بدين كان الإقرار باطلا حتى يقول: كان لأبي هذا الحمل أو لجده على مال وهو وارثه.

 

ص -155-     فيكون إقرارا له قال المزني: رحمه الله: هذا عندي خلاف قوله في كتاب الوكالة في الرجل يقرأن فلانا وكيل لفلان في قبض ما عليه إنه لا يقضي عليه بدفعه لأنه مقر بالتوكيل في مال لا يملكه ويقول له: إن شئت فادفع أودع وكذلك هذا إذا أقر بمال لرجل وأقر عليه أنه مات وورثه غيره وهذا عندي بالحق أولى وهذا وذاك عندي سواء فيلزمه ما أقر به فيهما على نفسه فإن كان الذي ذكر أنه مات حيا وأنكر الذي له المال الوكالة رجعا عليه بما أتلف عليهما قال الشافعي ولو قال: هذا الرقيق له إلا واحدا كان للمقر أن يأخذ أيهم شاء ولو قال: غصبت هذه الدار من فلان وملكها لفلان فهي لفلان الذي أقر أنه غصبها منه ولا تجوز شهادة للثاني لأنه غاصب ولو قال غصبتها من فلان لا بل من فلان كانت للأول ولا غرم عليه للثاني وكان الثاني خصما للأول ولا يجوز إقرار العبد في المال إلا بأن يأذن له سيده في التجارة فإن لم يأذن له سيده فمتى عتق وملك غرم ويجوز إقراره في القتل والقطع والحد لأن ذلك على نفسه ولو قال رجل: لفلان علي ألف فأتاه بألف فقال: هي هذه التي أقررت لك بها كانت لك عندي وديعة فقال: بل هذه وديعة وتلك أخرى فالقول قول المقر مع يمينه لأن من أودع شيئا فجائزأن يقول: لفلان عندي ولفلان علي لأنه عليه ما لم يهلك وقد يودع فيتعدى فيكون عليه دينا فلا ألزمه إلا باليقين ولو قال: له عندي ألف درهم وديعة أو مضاربة دينا كانت دينا لأنه قد يتعدى فيها فتكون مضمونة عليه ولو قال: دفعها إلي أمانة على أني ضامن لها لم يكن ضامنا بشرط ضمان ما أصله أمانة ولو قال: له في هذا العبد ألف درهم سئل عن قوله فإن قال نقد فيه ألفا قيل كم لك منه؟ فما قال إنه له منه اشتراه به فهوكما قال مع يمينه ولا أنظر إلى قيمة العبد قلت أو كثرت لأنهما قديغبنان ويغبنان ولو قال: له في ميراث أبي ألف درهم كان إقرارا على أبيه بدين ولو قال: في ميراثي من أبي كانت هبة إلا أن يريد إقرارا ولو قال: له عندي ألف درهم عارية كانت مضمونة ولو أقر في عبد في يده لفلان وأقرالعبد لغيره فالقول قول الذي هو في يده ولو أقر أن العبد الذي تركه أبوه لفلان ثم وصل أو لم يصل دفعه أو لم يدفعه فقال: بل لفلان آخر فهو للأول ولا غرم عليه للآخر ولا يصدق على إبطال إقراره في مال قد قطعه للأول وإذا شهدا على رجل أنه أعتق عبده فردا ثم اشترياه فإن صدقهما البائع رد الثمن وكان له الولاء وإن كذبهما عتق بإقرارهما والولاء موقوف فإن مات العبد وترك مالا كان موقوفا حتى يصدقهما فيرد الثمن إليهما والولاء له دونهما قال المزني رحمه الله: أصل قوله إن من له حق منعه ثم قدر عليه أخذه ولا يخلو المشتريان في قولهما في العتق من صدق أو كذب فإن كان قولهما صدقا فالثمن دين لهما على الجاحد لأنه باع مولى به وما ترك فهو لمولاه ولهما أخذ الثمن منه وإن كان قولهما كذبا فهو عبدهما وما ترك فهو لهما واليقين أن لهما قدر الثمن من مال الميت إذا لم يكن له وراث غير بائعه وترك أكثر من الثمن وإن كان ما ترك أقل من الثمن لم يكن لهما غيره قال الشافعي رحمه الله: ولو قال: له علي دراهم ثم قال: هي نقص أو زيف لم يصدق وإن قال: هي.

 

ص -156-     من سكة كذا وكذا صدق مع يمينه كان أدنى الدراهم أو أوسطها أو جائزة بغير ذلك البلد أو غيرجائزة كما لو قال: له علي ثوب أعطاه أي ثوب أقر به وإن كان لا يلبسه أهل بلده قال المزني رحمه الله في قوله: إذا قال: له علي دريهم أو دريهمات فهي وازنة قضاء على قوله إذا قال: له علي دراهم فهي وازنة ولا يشبه الثوب نقد البلد كما لو اشترى بدرهم سلعة جازلمعرفتهما بنقد البلد وإن اشتراها بثوب لم يجز لجهلهما بالثوب قال الشافعي رحمه الله: ولو قال: له علي درهم في دينار فإن أراد درهما ودينارا وإلا فعليه درهم ولو قال: له علي درهم ودرهم فهما درهمان وإن قال: له علي درهم فدرهم قيل: إن أردت فدرهم لازم فهو درهم ولو قال: درهم تحت درهم أو درهم فوق درهم فعليه درهم لجواز أن يقول فوق درهم في الجودة أو تحته في الرداءة وكذلك لو قال: درهم مع درهم أو درهم معه دينار لأنه قد يقول مع دينار لي ولو قال: له علي درهم قبله درهم أو بعده فعليه درهمان ولو قال: له علي قفيز حنطة معه دينار كان عليه قفيز لأنه قد يقول مع دينار لي ولو قال: له علي قفيز لا بل قفيزان لم يكن عليه إلا قفيزان ولو قال: له علي دينار لا بل قفيز حنطة كان مقرا بهما ثابتا على القفيز راجعا عن الدينار فلا يقبل رجوعه ولو قال: له علي دينار فقفيز حنطة لزمه الدينار ولم تلزمه الحنطة ولو أقر له يوم السبت بدرهم وأقر له يوم الأحد بدرهم فهو درهم وإذا قال: له علي ألف درهم وديعة فكما قال لأنه وصل فلو سكت عنه ثم قال من بعده هي وديعة وقد هلكت لم يقبل منه لأنه حين أقر ضمن ثم ادعى الخروج فلا يصدق ولو قال: له من مالي ألف درهم سئل فإن قال هبة فالقول قوله لأنه أضافها إلى نفسه فإن مات قبل أن يتبين فلا يلزمه إلا أن يقر ورثته ولو قال: له من داري هذه نصفها فإن قال هبة فالقول قوله لأنه أضافها إلى نفسه فإن مات قبل أن يتبين لم يلزمه إلا أن يقر ورثته ولو قال: له من هذه الدار نصفها لزمه ما أقر به ولو قال هذه الدار لك هبة عارية أو هبة سكنى كان له أن يخرجه منها متى شاء ولوأقر للميت بحق وقال هذا ابنه وهذه امرأته قبل منه قال المزني: هذا خلاف قوله فيما مضى من الإقرار بالوكالة في المال وهذا عندي أصح قال الشافعي رحمه الله: ولو قال: بعتك جاريتي هذه فأولدتها فقال: بل زوجتنيها وهي أمتك فولدها حر والأمة أم ولد بإقرار السيد وإنما ظلمه بالثمن ويحلف ويبرأ فإن مات فميراثه لولده من الأمة وولاؤها موقوف ولو قال: لا أقر ولا أنكر فإن لم يحلف حلف صاحبه مع نكوله واستحق ولو قال: وهبت لك هذه الداروقبضتها ثم قال: لم تكن قبضتها فأحلف أحلفته لقد قبضها فإن نكل رددت اليمين على صاحبه ورددتها إليه لأنه لا تتم الهبة إلا بالقبض عن رضا الواهب ولو أقر أنه باع عبده من نفسه بألف فإن صدقه العبد عتق والألف عليه وإن أنكر فهو حر والسيد مدعي الألف وعلى المنكر اليمين ولو أقر لرجل بذكر حق من بيع ثم قال: لم أقبض المبيع أحلفته ما قبض ولا يلزمه الثمن إلابالقبض ولو شهد شاهد على إقراره بألف وآخر بألفين فإن زعم الذي شهد بالألف أنه شك في الألفين وأثبت ألفا فقد ثبت له ألف بشاهدين فإن.

 

ص -157-     أراد الألف الأخرى حلف مع شاهده وكانت له ولو قال أحد الشاهدين: من ثمن عبد وقال الاخر: من ثمن ثياب فقد بينا أن الألفين غير الألف فلا يأخذ إلا بيمين مع كل شاهد منهما ولو أقر أنه تكفل له بمال على أنه بالخيار وأنكر المكفول له الخيار فمن جعل الإقرار واحدا أحلفه على الخيار وأبرأه لأنه لا يجوز بخيار ومن زعم أنه يبعض إقراره ألزمه ما يضره وأسقط ما ادعى المخرج به قال المزني رحمه الله: قوله الذي لم يختلف أن الإقرار واحد وكذا قال في المتبايعين إذا اختلفا في الخيار أن القول قول البائع مع يمينه وقد قال: إذا أقر بشيء فوصفه ووصله قبل قوله ولم أجعل قولا واحدا إلا حكما واحدا ومن قال: أجعله في الدراهم والدنانير مقرا وفي الأجل مدعيا لزمه إذا أقر بدرهم نقد البلد لزمه فإن وصل إقراره بأن يقول طبرى جعله مدعيا لأنه ادعى نقصا من وزن الدرهم ومن عينه ولزمه لو قال له: علي ألف إلا عشرة أن يلزمه ألفا وله أقاويل كذا قال الشافعي: ولو ضمن له عهدة دار اشتراها وخلاصها واستحقت رجع بالثمن على الضامن إن شاء ولو أقر أعجمي بأعجمية كان كالإقرار بالعربية ولو شهدوا على إقراره ولم يقولوا بأنه صحيح العقل فهو على الصحة حتى يعلم غيرها.

باب إقرار الوارث بوارث.
قال الشافعي رحمه الله: الذي أحفظ من قول المدنيين فيمن ترك ابنين فأقر أحدهما بأخ أن نسبه لا يلحق ولا يأخذ شيئا لأنه أقر له بمعنى إذا ثبت ورث وورث فلما لم يثبت بذلك عليه حق لم يثبت له وهذا أصح ما قيل عندنا والله أعلم وذلك مثل أن يقر أنه باع دارا من رجل بألف فجحد المقر له البيع فلم نعطه الدار وإن أقر صاحبها له وذلك أنه لم يقل إنها ملك له إلا ومملوك عليه بها شيء فلما سقط أن يكون مملوكا عليه سقط الإقرار له فإن أقر جميع الورثة ثبت نسبه وورث وورث واحتج بحديث النبي صلى الله عليه وسلم في ابن وليدة زمعة وقوله:
"هو لك يا عبد بن زمعة الولد للفراش وللعاهر الحجر"1 وقال في المرأة تقدم من أرض الروم ومعها ولد فيدعيه رجل بأرض الإسلام أنه ابنه ولم يكن يعرف أنه خرج إلى أرض الروم فإنه يلحق به وإذا كانت له أمتان لا زوج لواحدة منهما فولدتا ولدين فأقر السيد أن أحدهما ابنه ولم يبين فمات أريتهما القافة فأيهما ألحقوه به جعلناه ابنه وورثناه منه وجعلنا أمه أم ولد وأوقفنا ابنه الآخر وأمه فإن لم تكن قافة لم نجعل واحدا منهما ابنه وأقرعنا بينهما فأيهما خرج سهمه أعتقناه وأمه وأوقفنا الآخر وأمه قال المزني: وسمعت الشافعي رحمه الله يقول: لو قال عند وفاته لثلاثة أولاد لأمته أحد هؤلاء ولدي ولم يبين وله ابن معروف يقرع بينهم فمن خرج سهمه عتق ولم يثبت له نسب ولا ميراث وأم الولد تعتق بأحد الثلاثة قال المزني رحمه الله: يلزمه على أصله المعروف أن يجعل للابن.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث أخرجه البيهقي 7/412.

 

ص -158-     المجهول مورثا موقوفا يمنع منه الابن المعروف وليس جهلنا بأيها الابن جهلا بأن فيهم ابنا وإذا عقلنا أن فيهم ابنا فقد علمنا أن له مورث ابن ولو كان جهلنا بأيهم الابن جهلا بأن فيهم ابنا لجهلنا بذلك أن فيهم حرا وبيعوا جميعا وأصل الشافعي رحمه الله: لو طلق نساءه إلا واحدة ثلاثا ثلاثا ولم يبين أنه يوقف مورث واحدة حتى يصطلحن ولم يجعل جهله بها جهلا بمورثها وهذا ذاك عندي في القياس سواء قال المزني رحمه الله: وأقول أنا في الثلاثة الأولاد إن كان الأكبر هو الابن فهو حر والأصغر والأوسط حران بأنهما ابنا أم ولد وإن كان الأوسط هو الابن فهو حر و الأصغر حر بأنه ابن أم ولد وإن كان الأصغر هو الابن فهوحر بالبنوة فالأصغر على كل حال حر لا شك فيه فكيف يرق إذا وقعت عليه القرعة بالرق وتمكن حرية الأوسط في حالين ويرق في حال و تمكن حرية الأكبر في حال ويرق في حالين و يمكن أن يكونا رقيقين للابن المعروف والابن المجهول نصفين ويمكن أن يكون الابن هو الأكبر فيكون الثلاثة أحرارا فالقياس عندي على معنى قول الشافعي أن أعطي اليقين وأقف الشك فللابن المعروف نصف الميراث لأنه والذي أقر به ابنان فله النصف والنصف الآخر موقوف حتى يعرف أو يصطلحوا والقياس على معنى قول الشافعي الوقف إذا لم أدر أهما عبدان أو حران أم عبد وحر أن يوقفا ومورث ابن حتى يصطلحوا قال الشافعي رحمه الله: وتجوز الشهادة أنهم لا يعرفون له وارثا غير فلان إذا كانوا من أهل المعرفة الباطنة وإن قالوا: بلغنا أن له وارثا غيره لم يقسم الميراث حتى يعلم كم هو فإن تطاول ذلك دعى الوارث بكفيل للميراث ولا نجبره وإن قالوا: لا وارث غيره قبلت على معنى لا نعلم فإن كان ذلك منهم على الإحاطة كان خطأ ولم أردهم به لأنه يؤول بهم إلى العلم.