مختصر المزني في فروع الشافعية ط العلمية

ص -160-     كتاب الغصب.
قال الشافعي رحمه الله: فإذا شق رجل لرجل ثوبا شقا صغيرا أو كبيرا يأخذ ما بين طرفيه طولا وعرضا أو كسرله شيئا كسرا صغيرا أو كبيرا أو رضضه أو جنى له على مملوك فأعماه أو شجه موضحة فذلك كله سواء ويقوم المتاع كله والحيوان غير الرقيق صحيحا ومكسورا أو صحيحا ومجروحا قد برىء من جرحه ثم يعطى مالك ذلك ما بين القيمتين ويكون ما بقي بعد الجناية لصاحبه نفعة أو لم ينفعه فأما ما جنى عليه من العبد فيقوم صحيحا قبل الجناية ثم ينظر إلى الجناية فيعطي أرشها من قيمة العبد صحيحا كما يعطي الحر من أرش الجناية من ديته بالغا ذلك ما بلغ ولو كانت قيما كما يأخذ الحر ديات قال الشافعي وكيف غلط من زعم أنه إن جنى على عبدي فلم يفسده أخذته وقيمة ما نقصه؟ وإن زاد الجاني معصية الله تعالى فأفسده سقط حقي إلا أن أسلمه يملكه الجاني فيسقط حقي بالفساد حين عظم ويثبت حين صغر ويملك علي حين عصى فأفسد فلم يملك بعضا ببعض ما أفسد؟ وهذا القول خلاف لأصل حكم الله تعالى بين المسلمين في أن المالكين على ملكهم لا يملك عليهم إلا برضاهم وخلاف المعقول والقياس قال: ولو غصب جارية تساوي مائة فزادت في يده بتعليم منه أو لسمن واعتناء من ماله حتى صارت تساوي ألفا ثم نقصت حتى صارت تساوي مائة فإنه يأخذها وتسعمائة معها كما تكون له لو غصبه إياها وهي تساوي ألفا فنقصت تسعمائة وكذلك هذا في البيع الفاسد والحكم في ولدها الذين ولدوا في الغصب كالحكم في بدنها ولو باعها الغاصب فأولدها المشتري ثم استحقها المغصوب أخذ من المشتري مهرها وقيمتها إن كانت ميتة وأخذها إن كانت حية وأخذ منه قيمة أولادها يوم سقطوا أحياء ولا يرجع عليه بقيمة من سقط ميتا ويرجع المشتري على الغاصب بجميع ما ضمنه من قيمة الولد لأنه غره ولا أرده بالمهر لأنه كالشيء يتلفه فلا يرجع بغرمه على غيره وإذا كان الغاصب هو الذي أولدها أخذها وما نقصها ومهر مثلها وجميع ولدها وقيمة من كان منهم ميتا وعليه الحد إن لم يأت بشبهة فإن كان ثوبا فأبلاه المشتري أخذه من المشتري وما بين قيمته صحيحا يوم غصبه وبين قيمته وقد أبلاه ويرجع المشتري على الغاصب بالثمن الذي دفع ولست أنظر في القيمة إلى تغير الأسواق وإنما أنظر إلى تغير الأبدان وإن كان المغصوب دابة فشغلها الغاصب أو لم يشغلها أو دارا فسكنها أو أكراها أو لم يسكنها ولم يكرها عليه كراء مثل كراء ذلك من حين أخذه حتى يرده وليس والغلة بالضمان إلا للمالك الذي قضى له بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأدخل الشافعي رحمه الله على من قال إن الغاصب إذا ضمن سقط عنه الكراء قوله: إذا.

 

ص -161-     اكترى قميصا فائتزر به أو بيتا فنصب فيه رحى أنه ضامن وعليه الكراء قال: ولو استكره أمة أو حرة فعليه الحد والمهر ولا معنى للجماع إلا في منزلتين إحداهما أن تكون هي زانية محدودة فلا مهر لها ومنزلة تكون مصابة بنكاح فلها مهرها ومنزلة تكون شبهة بين النكاح الصحيح والزنا الصريح فلما لم يختلفوا أنها إذا أصيبت بنكاح فاسد أنه لا حد عليها ولها المهر عوضا من الجماع انبغى أن يحكموا لها إذا استكرهت بمهر عوضا من الجماع لأنها لم تبح نفسها فإنها أحسن حالا من العاصية بنكاح فاسد إذا كانت عالمة قال الشافعي رحمه الله: في السرقة حكمان: أحدهما لله عز وجل والآخر للادميين فإذا قطع لله تعالى أخذ منه ما سرق للآدميين فإن لم يؤخذ فقيمته لأني لم أجد أحدا ضمن مالا بعينه بغصب أو عدوان فيفوت إلا ضمن قيمته ولا أجد في ذلك موسرا مخالفا لمعسر وفي المغتصبة حكمان أحدهما لله والآخر للمغتصبة بالمسيس الذي العوض منه المهر فأثبت ذلك والحد على المغتصب كما أثبت الحد والغرم على السارق ولو غصب أرضا فغرسها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس لعرق ظالم حق" فعليه أن يقلع غرسه ويرد ما نقصت الأرض ولو حفر فيها بئرا فأراد الغاصب دفنها فله ذلك وإن لم ينفعه وكذلك لو زوق دارا كان له نزع التزويق حتى يرد ذلك بحاله وكذلك لو نقل عنها ترابا كان له أن يرد ما نقل عنها حتى يوفيه إياها بالحال التي أخذها قال المزني: غير هذا أشبه بقوله لأنه يقول: لو غصب غزلا فنسجه ثوبا أو نقرة فطبعها دنانير أو طينا فضربه لبنا فهذا أثر لا عين ومنفعة للمغصوب ولا حق في ذلك للغاصب فكذلك نقل التراب عن الأرض والبئر إذا لم تبن بطوب أثر لا عين ومنفعة للمغصوب ولا حق في ذلك للغاصب مع أن هذا فساد لنفقته وإتعاب بدنه وأعوانه بما فيه مضرة على أخيه ولا منفعة له فيه قال الشافعي رحمه الله: وإن غصب جارية فهلكت فقال: ثمنها عشرة فالقول قوله مع يمينه ولو كان له كيل أو وزن فعليه مثل كيله ووزنه ولو كان ثوبا فصبغه فزاد في قيمته قيل للغاصب إن شئت فاستخرج الصبغ على أنك ضامن لما نقص وإن شئت فأنت شريك بما زاد الصبغ فإن محق الصبغ فلم تكن له قيمة قيل ليس لك ههنا مالك يزيد فإن شئت فاستخرجه وأنت ضامن لنقصان الثوب وإن شئت فدعه وإن كان ينقص الثوب ضمن النقصان وله أن يخرج الصبغ على أن يضمن ما نقص الثوب وإن شاء ترك قال المزني: هذا نظير ما مضى في نقل التراب ونحوه قال الشافعي رحمه الله: ولوكان زيتا فخلطه بمثله أو خير منه فإن شاء أعطاه من هذا مكيلته وإن شاء أعطاه مثل زيته وإن خلطه بشر منه أو صبه في بان فعليه مثل زيته ولو أغلاه على النار أخذه وما نقصت مكيلته أو قيمته وكذلك لوخلط دقيقا بدقيق فكالزيت وإن كان قمحا فعفن عنده رده وقيمة ما نقص وإن غصبه ثوبا وزعفرانا فصبغه به فربه بالخيار إن شاء أخذه وإن شاء قومه أبيض وزعفرانه صحيحا وضمنه قيمة ما نقص ولوكان لوحا فأدخله في سفينة أو بنى عليه جدارا أخذ بقلعه أوخيطا خاط به ثوبه فإن خاط به جرح إنسان أو حيوان ضمن الخيط ولم ينزع ولو غصب طعاما فأطعمه من أكله ثم استحق كان.

 

ص -162-     للمستحق أخذ الغاصب به فإن غرمه فلا شيء للواهب على الموهوب له وإن شاء أخذ الموهوب له فإن غرمه فقد قيل يرجع به إلى الواهب وقيل لا يرجع به قال المزني رحمه الله: أشبه بقوله إن هبة الغاصب لا معنى لها وقد أتلف الموهوب له ما ليس له ولا للواهب فعليه غرمه ولا يرجع به فإن غرمه الغاصب رجع به عليه هذا عندي أشبه بأصله قال الشافعي رحمه الله: ولو حل دابة أو فتح قفصا عن طائر فوقفا ثم ذهبا لم يضمن لأنهما أحدثا الذهاب ولو حل زقا أو راوية فاندفقا ضمن إلا أن يكون الزق ثبت مستندا فكان الحل لا يدفع ما فيه ثم سقط بتحريك أو غيره فلا يضمن لأن الحل قد كان ولا جناية فيه ولو غصبه دارا فقال الغاصب: هي بالكوفة فالقول قوله مع يمينه ولو غصبه دابة فضاعت فأدى قيمتها ثم ظهرت ردت عليه ورد ما قبض من قيمتها لأنه أخذ قيمتها على أنها فائتة فكان الفوت قد بطل لما وجدت ولو كان هذا بيعا ما جاز أن تباع غائبة كعين جني عليها فابيضت أو على سن صبي فانقلعت فأخذ أرشها بعد أن أيس منها ثم ذهب البياض ونبتت السن فلما عادا رجع حقهما وبطل الأرش بذلك فيهما وقال في موضع آخر: ولو قال الغاصب: أنا أشتريها منك وهي في يدي قد عرفتها فباعه إواها فالبيع جائز قال المزني: رحمه الله: منع بيع الغائب في إحدى المسألتين وأجازه في الأخرى قال الشافعي رحمه الله: ولو باعه عبدا وقبضه المشتري ثم أقر البائع أنه غصبه من رجل فإن أقر المشتري نقضنا البيع ورددناه إلى ربه وإن لم يقر فلا يصدق على إبطال البيع ويصدق على نفسه فيضمن قيمته وإن رده المشتري بعيب كان عليه أن يسلمه إلى ربه المقر له به فإن كان المشتري أعتقه ثم أقر البائع أنه للمغصوب لم يقبل قول واحد منهما في رد العتق وللمغصوب القيمة إن شاء أخذناها له من المشتري المعتق ويرجع المشتري على الغاصب بما أخذ منه لأنه أقر أنه باعه ما لا يملك وإن كسر لنصراني صليبا فإن كان يصلح لشيء من المنافع مفصلا فعليه ما بين قيمته مفصلا ومكسورا وإلا فلا شيء عليه وإن أراق له خمرا أو قتل له خنزيرا فلا شيء عليه ولا قيمة لمحرم لأنه لا يجري عليه ملك واحتج على من جعل له قيمة الخمر والخنزير لأنهما ماله فقال: أرأيت مجوسيا اشترى بين يديك غنما بألف درهم ثم وقذها كلها ليبيعها فحرقها مسلم أو مجوسي فقال لك: هذا مالي وهذه ذكاته عني وحلال في ديني وفيه ربح كثير وأنت تقرني على بيعه وأكله وتأخذ مني الجزية عليه فخذ لي قيمته فقال: أقول ليس ذلك بالذي يوجب لك أن أكون شريكا لك في الحرام ولا حق لك قال: فكيف حكمت بقيمة الخنزير والخمر وهما عندك حرام؟.

مختصرالشفعة من الجامع من ثلاثة كتب متفرقة من بين وضع وإملاء على موطأ مالك ومن اختلاف الأحاديث.
ومما أوجبت فيه على قياس قوله والله الموفق للصواب قال الشافعي رحمه الله: أخبرنا مالك عن الزهري عن سعيد وأبي سلمة أن.

 

ص -163-     رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة"1 ووصله من غير حديث مالك و أيوب وأبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل معنى حديث مالك2 واحتج محتج بما روي عن أبي رافع "أن النبي صلى قال: "الجار أحق بسقبه"3 وقال: فأقول للشريك الذي لم يقاسم وللمقاسم شفعة كان لصيقا أو غير لصيق إذا لم يكن بينه وبين الدار طريق نافذة قلت له: فلم أعطيت بعضا دون بعض واسم الجوار يلزمه فمنعت من بينك وبينه ذراع إذا كان نافذا وأعطيت من بينك وبينه رحبة أكثر من ألف ذراع إذا لم تكن نافذة؟ فقلت له: فالجار أحق بسقبه لا يحتمل إلا معنيين لكل جار أو لبعض الجيران دون بعض فلما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم لا شفعة فيما قسم دل على أن الشفعة للجار الذي لم يقاسم دون الجار الذي قاسم و حديثك لا يخالف حديثنا لأنه مجمل وحديثنا مفسر والمفسر يبين المجمل قال: وهل يقع اسم الجوار على الشريك؟ قلت: نعم امرأتك أقرب إليك أم شريكك؟ قال: بل امرأتي لأنها ضجيعتي قلت: فالعرب تقول امرأة الرجل جارته قال: وأين؟ قلت: قال الأعشى4:

أجارتنا بيني فإنك طالقه                                    وموموقة ما كنت فينا ووامقه

أجارتنا بيني فإنك طالقه                                    كذاك أمورالناس تغدو وطارقه

وبيني فإن البين خير من العصا                            وأن لا تزالي فوق رأسك بارقه

حبستك حتى لامني الناس كلهم                       وخفت بأن تأتي لدي ببائقه

وذوقي فتى حي فإني ذائق                               فتاة لحي مثل ما أنت ذائقه

فقال عروة: نزل الطلاق موافقا لطلاق الأعشى قال الشافعي رحمه الله: وحديثنا أثبت إسنادا مما روى عبد الملك عن عطاء عن جابر وأشبههما لفظا وأعرفهما في الفرق بين المقاسم وبين من لم يقاسم لأنه إذا باع مشاعا باع غير متجزىء فيكون شريكه أحق به لأن حقه شائع فيه وعليه في الداخل سوء مشاركة ومؤنة مقاسمة وليس كذلك المقسوم قال الشافعي رحمه الله: ولا شفعة إلا في مشاع وللشفيع الشفعة بالثمن الذي وقع به البيع فإن علم فطلب مكانه فهي له وإن أمكنه فلم يطلب بطلت ثمفعته فإن علم فأخر الطلب فإن كان له عذر من حبس أو غيره فهو على شفعته وإلا فلا شفعة له ولا يقطعها طول غيبته وإنما يقطعها أن يعلم فيترك فإن اختلفا في الثمن فالقول قول المشتري مع يمينه وإن اشتراها بسلعة فهي له بقيمة السلعة وإن تزوج بها فهي للشفيع بقيمة المهر فإن طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصف قيمة الشقص وإن.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 4/4.
2 انظر الأم 4/4.
3 انظر الأم 4/4, 5, 9.
4 انظر الأم 4/6.

 

ص -164-     اشتراها بثمن إلى أجل قيل للشفيع إن شئت فعجل الثمن وتعجل الشفعة وإن شئت فدع حتى يحل الأجل قال الشافعي رحمه الله: ولو ورثه رجلان فمات أحدهما وله ابنان فباع أحدهما نصيبه فأراد أخوه الشفعة دون عمه فكلاهما سواء لأنهما فيها شريكان قال المزني: رحمه الله: هذا أصح من أحد قوليه إن أخاه أحق بنصيبه قال المزني: وفي تسويته بين الشفعتين على كثرة ما للعم على الأخ قضاء لأحد قوليه على الآخر في أخذ الشفعاء بقدر الأنصباء ولم يختلف قوله في المعتقين نصيبين من عبد أحدهما أكثر من الآخر في أن جعل عليهما قيمة الباقي منه بينهما سواء إذا كانا موسرين قضى ذلك من قوله على ما وصفنا قال الشافعي رحمه الله: ولورثة الشفيع أن يأخذوا ما كان يأخذه أبوهم بينهم على العدد امرأته وابنه في ذلك سواء قال المزني: وهذا يؤكد ما قلت أيضا قال الشافعي رحمه الله: فإن حضر أحد الشفعاء أخذ الكل بجميع الثمن فإن حضر ثان أخذ منه النصف بنصف الثمن فإن حضر ثالث أخذ منهما الثلث بثلث الثمن حتى يكونوا سواء فإن كان الاثنان اقتسما كان للثالث نقض قسمتهما فإن سلم بعضهم لم يكن لبعض إلا أخذ الكل أو الترك وكذلك لو أصابها هدم من السماء إما أخذ الكل بالثمن وإما ترك ولو قاسم وبنى قيل للشفيع: إن شئت فخذ بالثمن وقيمة البناء اليوم أودع لأنه بنى غيرمتعد فلا يهدم ما بنى قال المزني: هذا عندي غلط وكيف لا يكون متعديا وقد بنى فيما للشفيع فيه شرك مشاع ولولا أن للشفيع فيه شركا ما كان شفيعا إذ كان الشريك إنما يستحق الشفعة لأنه شريك في الدار والعرصة بحق مشاع فكيف يقسم وصاحب النصيب وهو الشفيع غائب والقسم في ذلك فاسد وبنى فيما ليس له فكيف يبني غير متعد؟ والمخطىء في المال والعامد سواء عند الشافعي ألا ترى لو أن رجلا اشترى عرصة بأمر القاضي فبناها فاستحقها رجل أنه يأخذ عرصته ويهدم الباني بناءه ويقلعه في قول الشافعي رحمه الله فالعامد والمخطىء في بناء ما لا يملك سواء قال الشافعي رحمه الله: ولو كان الشقص في النخل فزادت كان له أخذ زائده قال: ولا شفعة في بئر لا بياض لها لأنها لا تحتمل القسم وأما الطريق التي لا تملك فلا شفعة فيها ولا بها وأما عرصة الدار تكون محتملة للقسم وللقوم طريق إلى منازلهم فإذا بيع منها شيء ففيه الشفعة قال: ولولي اليتيم وأبي الصبي أن يأخذا بالشفعة لمن يليان إذا كنت غبطة فإن لم يفعلا فإذا وليا مالهما أخذاها فإن اشترى شقصا على أنهما جميعا بالخيار فلا شفعة حتى يسلم البائع قال: ولوكان الخيار للمشتري دون البائع فقد خرج من ملك البائع وفيه الشفعة ولو كان مع الشفعة عرض والثمن واحد فإنه يأخذ الشفعة بحصتها من الثمن وعهدة المشتري على البائع وعهدة الشفيع على المشتري قال المزني رحمه الله: وهذه مسائل أجبت فيها على معنى قول الشافعي رحمه الله قال المزني: وإذا تبرأ من عيوب الشفعة ثم أخذها الشفيع كان له الرد على المشتري فإن استحقت من.

 

ص -165-     الشفيع رجع بالثمن على المشتري ورجع المشتري على البائع ولو كان المشتري اشتراها بدنانير بأعيانها ثم أخذها الشفيع بوزنها فاستحقت الدنانير الأولى فالشراء والشفعة باطل لأن الدنانير بعينها تقوم مقام العرض بعينه في قوله ولو استحق الدنانير الثانية كان على الشفيع بدلها قال: ولو حط البائع للمشتري بعد التفرق فهي هبة له وليس للشفيع أن يحط قال المزني: رحمه الله: وإذا ادعى عليه أنه اشترى شقصا له فيه شفعة فعليه البينة وعلى المنكر اليمين فإن نكل وحلف الشفيع قضيت له بالشفعة ولوأقام الشفيع البينة أنه اشتراها من فلان الغائب بألف درهم فأقام ذلك الذي في يديه البينة أن فلانا أودعه إياها قضيت له بالشفعة ولا يمنع الشراء الوديعة ولو أن رجلين باعا من رجل شقصا فقال الشفيع: أنا آخذ ما باع فلان وأدع حصة فلان فذلك له في القياس قوله وكذلك لو اشترى رجلان من رجل شقصا كان للشفيع أن يأخذ حصة أيهما شاء ولو زعم المشتري أنه اشتراها بألف درهم فأخذها الشفيع بألف ثم أقام البائع البينة أنه باعه إياها بألفين قضى له بألفين على المشتري ولا يرجع على الشفيع لأنه مقر أنه استوفى جميع حقه ولوكان الثمن عبدا فأخذه الشفيع بقيمة العبد ثم أصاب البائع بالعبد عيبا فله رده ويرجع البائع على المشتري بقيمة الشقص وإن استحق العبد بطلت الشفعة ورجع البائع فأخذ شقصه ولو صالحه من دعواه على شقص لم يجز في قول الشافعي إلا أن يقر المدعي عليه بالدعوى فيجوز وللشفيع أخذ الشفعة بمثل الحق الذي وقع به الصلح إن كان له مثل أو قيمته إن لم يكن له مثل ولوأقام رجلان كل واحد منهما بينة أنه اشترى من هذه الدار شقصا وأراد أخذ شقص صاحبه بشفعته فإن وقتت البينة فالذي سبق بالوقت له الشفعة وإن لم تؤقت وقتا بطلت الشفعة لأنه يمكن أن يكونا اشتريا معا وحلف كل واحد منهما لصاحبه على ما ادعاه ولوأن البائع قال: قد بعت من فلان شقصي بألف درهم وأنه قبض الشقص فأنكر ذلك فلان وادعاه الشفيع فإن الشفيع يدفع الألف إلى البائع ويأخذ الشقص وإذا كان للشقص ثلاثة شفعاء فشهد اثنان على تسليم الثالث فإن كانا سلما جازت شهادتهما لأنهما لا يجران إلى أنفسهما وإن لم يكونا سلما لم يجز شهادتهما لأنهما يجران إلى أنفسهما ما سلمه صاحبهما ولو ادعى الشفيع على رجل أنه اشترى الشقص الذي في يديه من صاحبه الغائب ودفع إليه ثمنه وأقام عدلين بذلك عليه أخذ بشفعته ونفذ الحكم بالبيع على صاحبه الغائب قال المزني: رحمه الله: هذا قول الكوفيين وهو عندي ترك لأصلهم في أنه لا يقضي على غائب وهذا قضى عليه بأنه باع وقبض الثمن وأبرأ منه إليه المشتري وبذلك أوجبوا الشفعة للشفيع قال المزني: رحمه الله: ولو اشترى شقصا وهو شفيع فجاء شفيع آخر فقال له المشتري: خذها كلها بالثمن أوح وقال هو: بل اخذ نصفها كان ذلك له لأنه مثله وليس له أن يلزم شفعته لغيره قال المزني: ولو شجه موضحة عمدا فصالحه منها على شقص وهما يعلمان أرش.

 

ص -166-     الموضحة كان للشفيع أخذه بالأرش ولو اشترى ذمي من ذمي شقصا بخمر أو خنزير وتقابضا ثم قام الشفيع وكان نصرانيا أو نصرانية فأسلم ولم يزل مسلما فسواء لا شفعة له في قياس قوله لأن الخمر والخنزير لا قيمة لهما عنده بحال والمسلم والذمي في الشفعة سواء ولا شفعة في عبد ولا أمة ولا دابة ولا مالا يصلح فيه القسم هذا كله قياس قول الشافعي ومعناه وبالله التوفيق.

مختصرالقراض إملاء وما دخل في ذلك من كتاب اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلي.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه صير ربح ابنيه في المال الذي تسلفا بالعراق فربحا فيه بالمدينة فجعله قراضا عندما قال له رجل من أصحابه: لو جعلته قراضا ففعل1 وأن عمر رضي الله عنه دفع مالا قراضا على النصف قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولا يجوز القراض إلا في الدنانير والدراهم التي هي أثمان للأشياء وقيمها قال: وإن قارضه وجعل رب المال معه غلامه وشرط أن الربح بينه وبين العامل والغلام أثلاثا فهو جائز وكان لرب المال الثلثان وللعامل الثلث ولا يجوز أن يقارضه إلى مدة من المدد ولا يشترط أحدهما درهما على صاحبه وما بقي بينهما أو يشترط أن يوليه سلعة أو على أن يرتفق أحدهما في ذلك بشيء دون صاحبه أو يشترط أن لا يشتري إلا من فلان أو لا يشتري إلا سلعة بعينها واحدة أو نخلا أو دواب يطلب ثمر النخل ونتاج الدواب ويحبس رقابها فإن فعل ذلك كله فاسد فإن عمل فيه فله أجر مثله والربح والمال لربه قال: ولو اشترط أن يشتري صنفا موجودا في الشتاء والصيف فجائز وإذا سافر كان له أن يكتري من المال من يكفيه بعض المؤنة من الأعمال التي لا يعملها العامل وله النفقة بالمعروف وإن خرج بمال لنفسه كانت النفقة على قدر المالين بالحصص وما اشترى فله الرد بالعيب وكذلك الوكيل وإن اشترى وباع بالدين فضامن إلا أن يأذن له وهو مصدق في ذهاب المال مع يمينه وإن اشترى من يعتق على رب المال بإذنه عتق وإن كان بغير إذنه فالمضارب ضامن والعبد له والمالك إنما أمره أن يشتري من يحل له أن يربح في بيعه فكذلك العبد المأذون له في التجارة يشتري أبا سيده فالشراء مفسوخ لأنه مخالف ولا مال له وقال في كتاب الدعوى والبينات في شراء العبد: من يعتق على مولاه قولان: أحدهما جائز والاخر لا يجوز قال المزني: قياس قوله الذي قطع به أن البيع مفسوخ لأنه لاذمة له قال الشافعي فإن اشترى المقارض أبا نفسه بمال رب المال وفي المال فضل أو لا فضل فيه فسواء ولا يعتق عليه لأنه إنما يقوم مقام وكيل اشترى لغيره فبيعه جائزولا ربح للعامل إلا بعد قبض رب المال ماله ولا يستوفيه ربه إلا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 6/13.

 

ص -167-     وقد باع أباه ولو كان يملك من الربح شيئا قبل أن يصير المال إلى ربه كان مشاركا له ولو خسر حتى لا يبؤ إلا أقل من رأس المال كان فيما بقي شريكا لأن من ملك شيئا زائدا ملكه ناقصا قال: ومتى شاء ربه أخذ ماله قبل العمل وبعده ومتى شاء العامل أن يخرج من القراض خرج منه وإن مات رب المال صار لوارثه فإن رضي ترك المقارض على قراضه وإلا فقد انفسخ قراضه وإن مات العامل لم يكن لوارثه أن يعمل مكانه ويبيع ما كان في يديه مع ما كان من ثياب أو أداة السفر وغير ذلك مما قبل أو كثر فإن كان فيه فضل كان لوارثه وإن كان خسران كان ذلك وإن قارض العامل بالمال آخر بغير إذن صاحبه فهو ضامن فإن ربح فلصاحب المال شطر الربح ثم يكون للذي عمل شطره فيما يبقى قال المزني: هذا قوله قديما وأصل قوله الجديد المعروف أن كل عقد فاسد لا يجوز وإن جوز حتى يبتدأ بما يصلح فإن كان اشترى بعين المال فهو فاسد وإن كان اشترى بغير العين فالشراء جائز والربح والخسران للمقارض الأول وعليه الضمان وللعامل الثاني أجر مثله في قياس قوله قال الشافعي وإن حال على سلعة في القراض حول وفيها ربح ففيها قولان: أحدهما: أن الزكاة على رأس المال والربح وحصة ربح صاحبه ولا زكاة على العامل لأن ربحه فائدة فإن حال الحول منذ قوم صار للمقارض ربح زكاه مع المال لأنه خليط يربحه وإن رجعت السلعة إلى رأس المال كان لرب المال والقول الثاني: أنها تزكي بربحها لحولها لأنها لرب المال ولا شيء للعامل في الربح إلا بعد أن يسلم إلى رب المال ماله قال المزني: هذا أشبه بقوله لأنه قال: لو اشترى العامل أباه وفي المال ربح كان له بيعه فلو ملك من أبيه شيئا لعتق عليه وهذا دليل من قوله على أحد قوليه وقد قال الشافعي رحمه الله: لو كان له ربح قبل دفع المال إلى ربه لكان به شريكا ولو خسر حتى لا يبقى إلا قدر رأس المال كان فيما بقي شريكا لأن من ملك شيئا زائدا ملكه ناقصا قال الشافعي رحمه الله: ومتى شاء رب المال أخذ ماله ومتى أراد العامل الخروج من القراض فذلك له قال المزني رحمه الله: وهذه مسائل أجبت فيها على قوله وقياسه وبالله التوفيق قال المزني: من ذلك لو دفع إليه ألف درهم فقال: خذها فاشتر بها هرويا أو مرويا بالنصف كان فاسدا لأنه لم يبين فإن اشترى فجائز وله أجر مثله وإن باع فباطل لأن البيع بغير أمره قال: فإن قال: خذها قراضا أو مضاربة على ما شرط فلان من الربم لفلان فإن علما ذلك فجائز وإن جهلاه أو أحدهما ففاسد فإن قارضه بألف درهم على أن ثلث ربحها للعامل وما بقي من الربح فثلثه لرب المال وثلثاه للعامل فجائز لأن الأجزاء معلومة وإن قارضه على دنانير فحصل في يديه دراهم أو على دراهم فحصل في يديه دنانير فعليه بيع ما حصل حتى يصير مثل ما لرب المال في قياس قوله وإذا دفع مالا قراضا في مرضه وعليه ديون ثم مات بعد أن اشترى وباع وربح أخذ العامل ربحه واقتسم الغرماء ما بقي من ماله إن اشترى عبدا وقال العامل: اشتريته لنفسي بمالي وقال رب المال: بل في القراض بمالي فالقول قول العامل مع يمينه لأنه في يده والآخر مدع فعليه البينة.

 

ص -168-     وإن قال العامل: اشتريته من مال القراض فقال رب المال: بل لنفسك وفيه خسران فالقول قول العامل مع يمينه لأنه مصدق فيما في يديه ولو قال العامل: اشتريت هذا العبد بجميع الألف القراض ثم اشتريت العبد الثاني بتلك الألف قبل أن أنقد كان الأول في القراض والثاني للعامل وعليه الثمن وإن نهى رب المال العامل أن يشتري ويبيع وفي يديه عرض اشتراه فله بيعه وإن كان في يديه عين فاشترى فهو متعد والثمن في ذمته والربح له والوضيعة عليه وإن كان اشترى بالمال بعينه فالشراء باطل في قياس قوله ويترادان حتى ترجع السلعة إلى الأول فإن هلكت فلصاحبها قيمتها على الأول ويرجع بها الأول على الثاني ويتردان الثمن المدفوع ولو قال العامل ربحت ألفا ثم قال: غلطت أو خفت نزع المال مني فكذبت لزمه إقراره ولم ينفعه رجوعه في قياس قوله ولو اشترى العامل أو باع بما لا يتغابن الناس بمثله فباطل وهو للمال ضامن ولو اشترى في القراض خمرا أو خنزيرا أو أم ولد دفع الثمن فالشراء باطل وهو للمال ضامن في قياس قوله.

المساقاة مجموعة من إملأء ومسائل شتى جمعتهامنه لفظا.
قال الشافعي رحمه الله: ساقى رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر على أن نصف الثمر لهم وكان يبعث عبد الله بن رواحة فيخرص بينه وبينهم ثم يقول: إن شئتم فلكم وإن شئتم فلي1 قال الشافعي ومعنى قوله في الخرص إن شئتم فلكم وإن شئتم فلي أن يخرص النخل كله كأنه خرصها مائة وسق وعشرة أوسق رطبا ثم قدر أنها إذا صارت تمرا نقصت عشرة أوسق فصحت منها مائة وسق تمرا فيقول: إن شئتم دفعت إليكم النصف الذي ليس لكم الذي أنا فيه قيم لأهله على أن تضمنوا لي خمسين وسقا تمرا من تمر يسميه ويصفه ولكم أن تأكلوها وتبيعوها رطبا كيف شئتم وإن شئتم فلي أن أكون هكذا مثلكم وتسلمون إلي نصفكم وأضمن لكم هذه المكيلة قال الشافعي رحمه الله: وإذا ساقى على النخل أو العنب بجزء معلوم فهي المساقاة التي ساقى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا دفع إليه أرضا بيضاء على أن يزرعها المدفوعة إليه فما أخرج الله منها من شيء فله جزء معلوم فهذه المخابرة التي نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ترد إحدى السنتين بالأخرى فالمساقاة جائزة بما وصفت في النخل والكرم دون غيرهما لأنه عليه الصلاة والسلام أخذ صدقة ثمرتهما بالخرص وثمرهما مجتمع بائن من شجره لا حائل دونه يمنع إحاطة الناظر إليه وثمر غيرهما متفرق بين أضعاف ورق لا يحاط بالنظر إليه فلا نجوز المساقاة إلا على النخل والكرم وتجوز المساقاة سنين وإذا ساقاه على نخل وكان فيه بياض لا يوصل إلى عمله إلا بالدخول على النخل وكان لا يوصل إلى سقيه إلا بشرك النخل في الماء فكان غير متميز جاز أن يساقي عليه مع النخل لا منفردا وحده ولولا الخبر فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دفع إلى أهل خيبر النخل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 4/11.

 

ص -169-     على أن لهم النصف من النخل والزرع وله النصف وكان الزرع كما وصفت بين ظهراني النخل لم يجز ذلك وليس للمساقي في النخل أن يزرع البياض إلا بإذن ربه فإن فعل فكمن زرع أرض غيره ولا تجوز المساقاة إلى على جزء معلوم قل ذلك أو كثر وإن ساقاه على أن له ثمر نخلات بعينها من الحائط لم يجز وكذلك لو اشترط أحدهما على صاحبه صاعا من تمر لم يجز وكان له أجرة مثله فيما عمل ولو دخل في النخل على الإجارة بأن عليه أن يعمل ويحفظ بشيء من التمر قبل يبدو صلاحه فالإجارة فاسدة وله أجر مثله فيما عمل وكل ما كان فيه مستزاد في الثمر من إصلاخ الماء وطريقه وتصريف الجريد وإبار النخل وقطع الحشيش المضر بالنخل ونحوه جاز شرطه على العامل فأما شد الحظار فليس فيه مستزاد ولا صلاح في الثمرة فلا يجوز شرطه على العامل.