الإنصاف
في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل المجلد الأول
مقدمة
...
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين وعليه نتوكل
الحمد لله المتصف بصفات الكمال المنعوت بنعوت
الجلال والجمال المنفرد بالإنعام والإفضال
والعطاء والنوال المحسن المجمل على ممر الأيام
والليالي أحمده حمدا لا تغير له ولا زوال
وأشكره شكرا لا تحول له ولا انفصال.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا
مثل ولا مثال شهادة أدخرها ليوم لا بيع فيه
ولا خلال.
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى أصح
الأقوال وأسد الأفعال المحكم للأحكام والمميز
بين الحرام والحلال صلى الله عليه وعلى آله
وأصحابه خير صحب وخير آل صلاة دائمة بالغدو
والآصال.
أما بعد فإن كتاب المقنع في الفقه تأليف شيخ
الإسلام موفق الدين أبي محمد عبد الله بن أحمد
بن محمد بن قدامة المقدسي قدس الله روحه ونور
ضريحه من أعظم الكتب نفعا وأكثرها جمعا
وأوضحها إشارة وأسلسها عبارة وأوسطها حجما
وأغزرها علما وأحسنها تفصيلا وتفريعا وأجمعها
تقسيما وتنويعا وأكملها ترتيبا وألطفها تبويبا
قد حوى غالب أمهات مسائل المذهب فمن حصلها فقد
ظفر بالكنز والمطلب فهو كما قال مصنفه فيه
جامعا لأكثر الأحكام ولقد صدق وبر ونصح فهو
الحبر الإمام فإن من نظر فيه بعين التحقيق
والإنصاف وجد ما قال حقا وافيا بالمراد من غير
خلاف إلا أنه رحمه الله تعالى أطلق في بعض
مسائله الخلاف من غير ترجيح فاشتبه على الناظر
فيه الضعيف من الصحيح فأحببت إن يسر الله
تعالى أن أبين الصحيح من المذهب: والمشهور
والمعمول عليه والمنصور وما اعتمده أكثر
الأصحاب وذهبوا إليه ولم يعرجوا على غيره ولم
يعولوا عليه.
فصل
اعلم رحمك الله تعالى أن المصنف رحمه الله
تعالى يكرر في كتابه أشياء كثيرة عبارته فيها
مختلفة الأنواع فيحتاج إلى تبيينها وأن يكشف
عنها القناع.
فإنه تارة يطلق الروايتين أو الروايات أو
الوجهين أو الوجه أو الأوجه أو الاحتمالين أو
الاحتمالات بقوله: "فهل الحكم كذا على روايتين
أو على وجهين
(1/15)
أو فيه روايتان
أو وجهان أو احتمل كذا واحتمل كذا ونحو ذلك
فهذا وشبهه الخلاف فيه مطلق.
والذي يظهر أن إطلاق المصنف وغالب الأصحاب ليس
هو لقوة الخلاف من الجانبين وإنما مرادهم
حكاية الخلاف من حيث الجملة بخلاف من صرح
باصطلاح ذلك كصاحب الفروع ومجمع البحرين:
وغيرهما.
وتارة يطلق الخلاف بقوله: "مثلا جاز أو لم يجز
أو صح أو لم يصح في إحدى الروايتين أو
الروايات أو الوجهين أو الوجوه أو بقوله: "ذلك
على إحدى الروايتين أو الوجهين والخلاف في هذا
أيضا مطلق لكن فيه إشارة ما إلى ترجيح الأول.
وقد قيل إن المصنف قال إذا قلت: ذلك فهو
الصحيح وهو ظاهر مصطلح الحارثي في شرحه وفيه
نظر فإن في كتابه مسائل كثيرة يطلق فيها
الخلاف بهذه العبارة وليست المذهب ولا عزاها
أحد إلى اختياره كما يمر بك ذلك إن شاء الله
تعالى ففي صحته عنه بعد وربما تكون الرواية أو
الوجه المسكوت عنه مقيدا بقيد فاذكره وهو في
كلامه كثير.
وتارة يذكر حكم المسألة مفصلا فيها ثم يطلق
روايتين فيها ويقول: في الجملة بصيغة التمريض
كما ذكره في آخر الغصب أو يحكى بعد ذكر الحكم
إطلاق الروايتين عن الأصحاب كما ذكره في باب
الموصى له ويكون في ذلك أيضا تفصيل فنبينه إن
شاء الله تعالى.
وتارة يطلق الخلاف بقوله: "بعد ذكر حكم
المسألة يحتمل وجهين والغالب أن ذلك وجهان
للأصحاب إلا أنه لم يطلع على الخلاف فوافق
كلامهم أو تابع عبارة غيره.
وتارة يقول: فعنه كذا وعنه كذا كما قاله في
باب النذر والمعروف من المصطلح أن الخلاف فيه
مطلق.
وتارة يقول: فقال فلان كذا وقال فلان كذا كما
ذكره في باب الإقرار بالمجمل وغيره وهذا من
جملة الخلاف المطلق فيما يظهر.
وتارة يقول: بعد حكم المسألة ذكره فلان وقال
فلان كذا أو عند فلان كذا وعند فلان كذا كما
ذكره في باب جامع الأيمان وكتاب الإقرار
وغيرهما وهذا في قوة الخلاف المطلق ولو قيل إن
فيه ميلا إلى قوة القول الأول لكان له وجه.
وتارة يقول: بعد ذكر الحكم حكم المسألة في قول
فلان أو فقال فلان كذا وقال غيره كذا كما ذكره
في باب الأضحية والشفعة والنذر وهذا أيضا في
قوة الخلاف المطلق.
وتارة يقول: بعد ذكر حكم المسألة عند فلان
ويحتمل كذا أو فقال فلان كذا ويحتمل كذا كما
ذكره في أواخر باب جامع الأيمان وأواخر باب
شروط من تقبل شهادته فظاهر هذه العبارة أنه ما
اطلع على غير ذلك القول وذكر هو الاحتمال وقد
يكون تابع عبارة غيره وقد يكون في المسألة
خلاف فننبه عليه.
(1/16)
وتارة يقول:
فقال فلان كذا ويقتصر عليه من غير ذكر خلاف
فقد لا يكون فيها خلاف كما ذكره عن القاضي في
باب الفدية في الضرب الثالث في الدماء الواجبة
فهو في حكم المجزوم به وقد يكون فيها خلاف كما
ذكره عن القاضي في باب الهبة.
وتارة يقول: بعد ذكر حكم المسألة في رواية كما
ذكره في واجبات الصلاة وباب محظورات الإحرام
أو يقول: في وجه كما ذكره في أركان النكاح ففي
هذا يكون اختياره في الغالب خلاف ذلك وفيه
إشعار بترجيح المسكوت عنه مع احتمال الإطلاق.
وقد قال في الرعاية الكبرى: في كتاب النفقات
وإن كان الخادم لها فنفقته على الزوج وكذا
نفقة المؤجر والمعار في وجه قال في الفروع
وقوله: "في وجه يدل على أن الأشهر خلافه.
وتارة يحكي الخلاف وجهين وهما روايتان وقد
يكون الأصحاب اختلفوا في حكاية الخلاف فمنهم
من حكى وجهين ومنهم من حكى روايتين ومنهم من
ذكر الطريقتين فأذكر ذلك إن شاء الله تعالى.
وتارة يذكر حكم المسألة ثم يقول: وعنه كذا أو
وقيل: أو وقال فلان أو ويتخرج أو ويحتمل كذا
والأول هو المقدم عند المصنف وغيره وقل أن
يوجد ذلك التخريج أو الاحتمال إلا وهو قول
لبعض الأصحاب بل غالب الاحتمالات للقاضي أبي
يعلى في المجرد وغيره وبعضها لأبي الخطاب
ولغيره وقد تكون للمصنف وسنبين ذلك إن شاء
الله تعالى
فالتخريج في معنى الاحتمال والاحتمال في معنى
الوجه إلا أن الوجه مجزوم بالفتيا به قاله في
المطلع يعني من حيث الجملة وهذا على إطلاقه
فيه نظر على ما يأتي في أواخر كتاب القضاء وفي
القاعدة آخر الكتاب.
والاحتمال تبيين أن ذلك صالح لكونه وجها.
ف التخريج نقل حكم مسألة إلى ما يشبهها
والتسوية بينهما فيه.
والاحتمال يكون إما لدليل مرجوح بالنسبة إلى
ما خالفه أو لدليل مساو له ولا يكون التخريج
أو الاحتمال إلا إذا فهم المعنى.
والقول يشمل الوجه والاحتمال والتخريج وقد
يشمل الرواية, وهو كثير في كلام المتقدمين
كأبي بكر وابن أبي موسى وغيرهما والمصطلح الآن
على خلافه, وربما يكون ذلك القول الذي ذكره
المصنف أو الاحتمال أو التخريج رواية عن
الإمام أحمد.
وربما كان ذلك هو المذهب كما ستراه إن شاء
الله تعالى مبينا.
(1/17)
وتارة يذكر حكم
المسألة ثم يقول: وقيل: عنه كذا كما ذكره في
باب الموصى له وعيوب النكاح أو وحكى عنه كذا
كما ذكره في باب نواقض الوضوء وغيره أو وحكى
عن فلان كذا كما ذكره في باب القسمة بصيغة
التمريض في ذلك وقد يكون بعضهم أثبته لصحته
عنده فتبينه.
وتارة يحكى الخلاف في المسألة ثم يقول: قال
فلان كذا بغير واو ولا يكون ذلك في الغالب إلا
موافقا لما قبله لكن ذكره لفائدة: إما لكونه
أعم أو أخص من الحكم المتقدم أو يكون مقيدا أو
مطلقا والحكم بخلافه ونحوه وربما ذكر ذلك
لمفهوم ما قبله كما ذكره في العاقلة عن أبي
بكر وهي عبارة عقدة.
وتارة يقول: بعد ذكر المسألة في ظاهر المذهب
أو وظاهر المذهب كذا أو في الصحيح من المذهب:
أو في الصحيح عنه أو في المشهور عنه ولا يقول:
ذلك إلا وثم خلاف والغالب أن ذلك كما قال وقد
يكون ظاهر المذهب والصحيح من المذهب: عنده دون
غيره كما ذكره في باب سجود السهو وغيره.
و"ظاهر المذهب"هو المشهور في المذهب.
وتارة يقول: "في أصح الروايتين أو الوجهين أو
على أظهر الروايتين أو الوجهين"ولا تكاد تجد
ذلك إلا المذهب وقد يكون المذهب خلافه ويكون
الأصح والأظهر عند المصنف ومن تابعه.
وتارة يطلق الخلاف ثم يقول: "أولاهما كذا"كما
ذكره في تفريق الصفقة والعدد وهذا يكون
اختياره وقد يكون المذهب كما في العدد.
وتارة يقول: بعد حكايته الخلاف "والأول أصح أو
وهي أصح"كما ذكره في الكفاءة وغيرها ويكون في
الغالب كما قال وقد يكون ذلك اختياره.
وتارة يقول: "والأول أقيس وأصح"كما قاله في
المساقاة أو والأول أحسن كما ذكره في آخر باب
ميراث الغرقى والهدمى وهذا يكون اختياره
وتارة يصرح باختياره فيقول: "وعندي كذا أو هذا
الصحيح عندي أو والأقوى عندي كذا أو والأولى:
كذا أو وهو أولى"وهذا في الغالب يكون رواية أو
وجها وقد يكون اختاره بعض الأصحاب وربما كان
المذهب.
(1/18)
وتارة يقدم
شيئا ثم يقول: "والصحيح كذا"كما ذكره في كتاب
العتق وغيره ويكون كما قال وربما كان ذلك
اختياره.
وتارة يقول: "قال أصحابنا: أو وقال أصحابنا:
أو وقال بعض أصحابنا كذا ونحوه"وقد عرف من
اصطلاحه أن اختياره مخالف لذلك.
وتارة يقول: اختاره شيوخنا أو عامة شيوخنا كما
ذكره في كتاب الظهار وفي آخر باب طريق الحكم
وصفته.
وتارة يقول: نص عليه وهو اختيار الأصحاب كما
ذكره في باب طريق الحكم وصفته والمذهب يكون
كذلك.
وتارة يذكر الحكم ثم يقول: هذا المذهب ثم يحكي
خلافا كما ذكره في باب صريح الطلاق وكنايته أو
يذكر قولا ثم يقول: والمذهب كذا كما ذكره في
باب الاستثناء في الطلاق أو يقول: "والمذهب
الأول"كما ذكره في كتاب النفقات ويكون المذهب
كما قال.
وتارة يذكر حكم المسألة ثم يقول: أومأ إليه
أحمد وعند فلان كذا كما ذكره في باب الربا أو
يقدم حكما ثم يقول: وأومأ في موضع بكذا كما
ذكره في كتاب الغصب وهذا يؤخذ من مدلول كلامه.
وتارة يقول: "ويفعل كذا في ظاهر كلامه"كما
ذكره في باب ستر العورة والغصب وشروط القصاص
والزكاة والقضاء.
و"الظاهر"من الكلام هو اللفظ المحتمل معنيين
فأكثر هو في أحدهما: أرجح أو ما تبادر منه عند
إطلاقه معنى مع تجويز غيره.
ويأتي هذا والذي قبله وغيرهما أول القاعدة آخر
الكتابن.
وتارة يقول: "نص عليه"أو والمنصوص كذا أو قال
أحمد كذا ونحوه وقد يكون في ذلك خلاف فأذكره
وربما ذكره المصنف.
والنص والمنصوص هو الصريح في معناه.
وتارة يقطع بحكم مسألة وقد يزيد فيها فيقول:
بلا خلاف في المذهب كما ذكره في كتاب القضاء
وغيره أو يقول: وجها واحدا أو رواية واحدة وهو
كثير في كلامه ويكون في الغالب فيها خلاف كما
ستراه وربما كان المسكوت عنه هو المذهب بل
ربما جزم في كتبه بشيء والمذهب خلافه كما ذكره
في كتاب الطهارة في مسألة اشتباه الطاهر
بالطهور.
وتارة يذكر المسألة ثم يقول: فالقياس كذا ثم
يحكى غيره كما ذكره في كتاب الديات أو يذكر
الحكم ثم يقول: والقياس كذا كما ذكره في باب
تعارض البينتين أو يذكر حكم المسألة ثم يقول:
في قياس المذهب ويقتصر عليه كما ذكره في كتاب
الصداق واللعان أو يذكر الحكم ثم يقول: وقياس
المذهب كذا كما ذكره في باب الهبة وفي الغالب
يكون ذلك.
(1/19)
اختياره وربما
كان المذهب كما ستراه.
وتارة يحكي بعض الأقوال ثم يقول: ولا عمل عليه
كما ذكره في كتاب الفرائض وأحكام أمهات
الأولاد وشروط القصاص وربما قواه بعض الأصحاب
واختاره فيكون قوله: "ولا عمل عليه عنده وعند
من تابعه.
وتارة يقول: هو أو غيره بعد حكايته الخلاف هذا
قول قديم رجع عنه كما ذكره في الغصب والهبة
وغيرهما وقد يكون اختاره بعض الأصحاب.
واعلم أنه إذا روى عن الإمام أحمد رواية وروى
عنه أنه رجع عنها فهل تسقط تلك الرواية ولا
تذكر لرجوعه عنها أو تذكر وتثبت في التصانيف
نظرا إلى أن الروايتين عن اجتهادين في وقتين
فلم ينقض أحدهما: بالآخر ولو علم التاريخ
بخلاف نسخ الشارع فيه اختلاف بين الأصحاب ذكره
المجد في شرحه وغيره في باب التيمم عند قوله:
"وإن وجده فيها بطلت وعنه لا تبطل ويأتي هناك
أيضا.
قلت: عمل الأصحاب على ذكرها وإن كان الثاني
مذهبه فعلى هذا يجوز التخريج والتفريع والقياس
عليه كالقول الثاني.
قال في الرعاية فإن علم التاريخ فالثاني [...]
مذهبه قيل الأول إن جهل رجوعه عنه وقيل: أو
علم وقلنا مذهبه ما قاله تارة [...]
وقال في الفروع فإن تعذر الجمع وعلم التاريخ
فقيل الثاني مذهبه وقيل: والأول وقيل: ولو رجع
عنه.
وقال في أصوله وإن علم أسبقهما فالثاني مذهبه
وهو ناسخ اختاره في التمهيد والروضة والعدة
وذكر كلام الخلال وصاحبه كقولهما هذا قول قديم
أو أول والعمل على كذا كنصين قال الإمام أحمد
إذا رأيت ما هو أقوى أخذت به وتركت القول
الأول وجزم به الآمدي وغيره وقال بعض أصحابنا
والأول مذهبه أيضا لأن الاجتهاد لا ينقض
بالاجتهاد وفيه نظر ويلزمه ولو صرح بالرجوع
وبعض أصحابنا خالف وذكره بعضهم مقتضى كلامهم
انتهى.
وتارة يحكي الخلاف ثم يقول: والعمل على الأول
كما ذكره في باب كتاب القاضي إلى القاضي ويكون
الحكم كما قال.
وتارة يحكي بعض الروايات أو الأقوال ثم يقول:
وهو بعيد كما ذكره في باب حد الزنى والقذف
وغيرهما وقد يكون اختاره بعض الأصحاب فأذكره.
وتارة يذكر حكم مسألة ثم يخرج منها إلى
نظيرتها مما لا نقل فيها عنده كما ذكره في
أواخر باب الحجر في قوله: "وكذلك يخرج في
الناظر في الوقف وفي باب الوكالة بقوله:
"وكذلك يخرج في الأجير والمرتهن فيكون إما
تابع غيره أو قاله من عنده.
وقد يكون في المسألة نقل خاص لم يطلع عليه
فأذكره إن ظفرت أو يذكر حكم مسألة,
(1/20)
ثم يخرج فيها
قولا من نظيرتها وهو كثير في كلامه والحكم
كالتي قبلها.
وتارة يذكر حكمين مختلفين منصوص عليهما في
مسألتين متشابهتين ثم يخرج من إحداهما: حكمها
إلى الأخرى كما ذكره في باب ستر العورة وغيره.
وللأصحاب في جواز النقل والتخريج في مثل هذا
وأشباهه خلاف ويأتي في الباب المذكور في أول
كتاب الوصايا والقذف وغيرهما ويأتي ذلك في
القاعدة آخر الكتاب محررا إن شاء الله تعالى.
وتارة يذكر حكم مسألة ولها مفهوم فربما ذكرت
المفهوم وما فيه من المسائل والخلاف إن كان
وظفرت به.
وربما أطلق العبارة وهي مقيدة بقيد قد قيدها
به المحققون من الأصحاب أو بعضهم فأنبه عليه
وأذكر من قاله من الأصحاب إن تيسر تارة يكون
كلامه عاما والمراد الخصوص أو عكسه وقصد ضرب
المثال فنبينه وسيمر بك ذلك إن شاء الله
تعالى.
وللمصنف في كتابه عبارات مختلفة في حكاية
الخلاف غير ذلك ليس في ذكرها كبير فائدة: فيما
نحن بصدده فلذلك تركنا ذكرها.
وأحشى على كل مسألة إن كان فيها خلاف واطلعت
عليه وأبين ما يتعلق بمفهومها ومنطوقها وأبين
الصحيح من المذهب: من ذلك كله فإنه المقصود
والمطلوب من هذا التصنيف وغيره داخل تبعا.
وهذا هو الذي حداني إلى جمع هذا الكتاب لمسيس
الحاجة إليه وهو في الحقيقة تصحيح لكل ما في
معناه من المختصرات فإن أكثرها بل والمطولات
لا تخلو من إطلاق الخلاف.
وقد أذكر مسائل لا خلاف فيها توطئة لما بعدها
لتعلقها بها أو لمعنى آخر أبينه وأذكر القائل
بكل قول واختياره ومن صحح وضعف وقدم وأطلق إن
تيسر ذلك.
وأذكر إن كان في المسألة طرق للأصحاب ومن
القائل بكل طريق.
وقد يكون للخلاف فوائد مبينة عليه فأذكرها إن
تيسر وإن كان فيها خلاف ذكرته وبينت الراجح
منه.
وقد يكون التفريع على بعض الروايات أو الوجوه
دون بعض فأذكره وربما ذكره المصنف أو بعضه
فأكمله.
وربما ذكرت المسألة في مكانين أو أكثر أو أحلت
أحدهما: على الآخر ليسهل الكشف. على
(1/21)
من أرادها.
وليس غرضي في هذا الكتاب الاختصار والإيجاز
وإنما غرضي الإيضاح وفهم المعنى.
وقد يتعلق بمسألة الكتاب بعض فروع فأنبه على
ذلك بقولي فائدة: أو فائدتان أو فوائد فيكون
كالتتمة له وإن كان فيه خلاف ذكرته وبينت
المذهب منه.
وإن كان المذهب أو الرواية أو القول من مفردات
المذهب نبهت على ذلك بقولي وهو من المفردات أو
من مفردات المذهب إن تيسر.
وربما تكون المسألة غريبة أو كالغريبة فأنبه
عليها بقولي فيعايى بها.
وقد يكون في بعض نسخ الكتاب زيادة أو نقص
زادها من أذن له المصنف في إصلاحه أو نقصها أو
تكون النسخ المقروءة على المصنف مختلفة كما في
باب ذكر الوصية بالأنصباء والأجزاء وصلاة
الجماعة فأنبه على ذلك وأذكر الاختلاف.
وربما يكون اختلاف النسخ مبنيا على اختلاف بين
الأصحاب فأبينه إن شاء الله تعالى وأذكر بعض
حدود ذكرها المصنف أو غيره وأبين من ذكرها ومن
صحح أو زيف إن تيسر.
واعلم أنه إذا كان الخلاف في المسألة قويا من
الجانبين ذكرت كل من يقول: بكل قول ومن قدم
وأطلق وأشبع الكلام في ذلك مهما استطعت إن شاء
الله تعالى.
وإن كان المذهب ظاهرا أو مشهورا والقول الذي
يقابله ضعيفا أو قويا ولكن المذهب خلافه أكتفي
بذكر المذهب وذكر ما يقابله من الخلاف من غير
استقصاء في ذكر من قدم وأخر فإن ذكره تطويل
بلا فائدة:.
فظن بهذا التصنيف خيرا فربما عثرت فيه بمسائل
وفوائد وغرائب ونكت كثيرة لم تظفر بمجموعها في
غيره فإني نقلت: فيه من كتب كثيرة من كتب
الأصحاب من المختصرات والمطولات من المتون
والشروح.
فمما نقلت منه من المتون
الخرقي والتنبيه: وبعض الشافي لأبي بكر عبد
العزيز.
وتهذيب الأجوبة لابن حامد.
والإرشاد لابن أبي موسى والجامع الصغير
والأحكام السلطانية والروايتين والوجهين ومعظم
التعليقة وهي الخلاف الكبير.
والخصال وقطعة من المجرد ومن الجامع الكبير
للقاضي أبي يعلى.
(1/22)
ومن عيون
المسائل من المضاربة إلى آخره لابن شهاب
العكبري.
والهداية ورءوس المسائل والعبادات الخمس
وأجزاء من الانتصار لأبي الخطاب.
والفصول والتذكرة وبعض المفردات لابن عقيل.
ورءوس المسائل للشريف أبي جعفر.
وفروع القاضي أبي الحسين.
ومن مجموعه من الهبة إلى آخره بخطه.
والعقود والخصال لابن البنا.
والإيضاح والإشارة وغالب المبهج لأبي الفرج
الشيرازي.
وإلإفصاح لابن هبيرة.
والغنية للشيخ عبد القادر.
والروايتين والوجهين للحلواني.
والمذهب ومسبوك الذهب في تصحيح المذهب لابن
الجوزي.
والمذهب الأحمد في مذهب أحمد والطريق الأقرب
لولده يوسف.
والمستوعب للسامري.
والخلاصة لأبي المعالي ابن منجا.
والكافي والهادي ورأيت في نسخة معتمدة أن اسم
الهادي عمدة العازم في تلخيص المسائل الخارجة
عن مختصر أبي القاسم والعمدة مع المقنع للمصنف
والبلغة.
ومن التلخيص إلى الوصايا للشيخ فخر الدين ابن
تيمية.
والمحرر للمجد.
والمنظومة لابن عبد القوي.
والرعاية الكبرى: والصغرى وزبدتها والإفادات
بأحكام العبادات وآداب المفتي لابن حمدان.
ومختصر ابن تميم إلى أثناء الزكاة.
والوجيز للشيخ الحسين بن السري البغدادي ونظمه
للشيخ جلال الدين نصر الله البغدادي والنهاية
لابن رزين:.
ومن الحاوي الكبير إلى الشركة والحاوي الصغير
وجزء من مختصر المجرد من البيوع للشيخ أبي نصر
عبد الرحمن مدرس المستنصرية.
والفروق للزريراني.
(1/23)
والمنور في
راجح المحرر.
والمنتخب للشيخ تقي الدين أحمد بن محمد الآدمي
البغدادي.
والتذكرة والتسهيل لابن عبدوس المتأخر على ما
قيل.
والفروع والآداب الكبرى والوسطى للعلامة شمس
الدين بن مفلح.
ومن الفايق إلى النكاح للشيخ شرف الدين بن
قاضي الجبل.
وإدراك الغاية في اختصار الهداية للشيخ صفي
الدين عبد المؤمن بن عبد الحق.
واختيارات الشيخ تقي الدين جمع القاضي علاء
الدين بن اللحام البعلى ولم يستوعبها.
وجملة من مجاميعه وفتاويه ومجاميع غيره
وفتاويه.
والهدى للعلامة ابن القيم وغالب كتبه.
ومختصر ضخم لابن أبي المجد.
والقواعد الفقهية للعلامة الشيخ زين الدين بن
رجب.
والقواعد الأصولية وتجريد العناية في تحرير
أحكام النهاية للقاضي علاء الدين بن اللحام
ونظم مفردات المذهب للقاضي عز الدين المقدسي
والتسهيل للبعلي.
ومما نقلت: منه من الشروح
الشرح الكبير لشيخ الإسلام شمس الدين بن أبي
عمر علي المقنع وهو المراد بقولي الشرح
والشارح.
وشرح أبي البركات ابن منجا عليه.
وقطعة من مجمع البحرين: لابن عبد القوي إلى
أثناء الزكاة عليه.
وقطعة لابن عبيدان: إلى ستر العورة عليه.
وقطعة من الحارثي من العارية إلى الوصايا
عليه.
وشرح مناسكه للقاضي موفق الدين المقدسي مجلد
كبير.
والمغني للمصنف علي الخرقي وشرح القاضي عليه.
وشرح ابن البنا عليه.
وشرح ابن رزين: عليه.
وشرح الأصفهاني عليه.
وشرح الزركشي عليه.
وقطعة من شرح الطوفي إلى النكاح عليه.
وقطعة من شرح العمدة للشيخ تقي الدين.
(1/24)
ومختصر المغني
لابن عبيدان: بخطه.
ومن مختصر المغني لابن حمدان إلى آخر كتاب
الجمعة بخطه وسماه التقريب وهو كتاب عظيم.
وشرح بهاء الدين عليها.
وشرح صفي الدين على المحرر.
وقطعة للشيخ تقي الدين عليه.
وتعليقة لابن خطيب السلامية عليه.
وقطعة للمجد إلى صفة الحج على الهداية.
وقطعة من شرح أبي البقاء عليها.
وقطعة من شرح الوجيز للزركشي من أول العتق إلى
أثناء الصداق.
وقطعة من شرح الوجيز للشيخ حسن بن عبد الناصر
المقدسي من كتاب الإيمان إلى آخر الكتاب وهو
الجزء السابع وقطعة من شرح أبي حكيم عليها.
والنكت على المحرر والحواشي على المقنع للشيخ
شمس الدين بن مفلح.
وحواشي شيخنا على المحرر والفروع.
وحواشي قاضي القضاة محب الدين أحمد بن نصر
الله البغدادي على الفروع.
وتصحيح الخلاف المطلق الذي في المقنع للشيخ
شمس الدين النابلسي.
وتصحيح شيخنا قاضي القضاة عز الدين الكتاني
على المحرر وغير ذلك من التعاليق والمجاميع
والحواشي.
وقطعة من شرح البخاري لابن رجب وغير ذلك مما
وقفت عليه.
واعلم أن من أعظم هذه الكتب نفعا وأكثرها علما
وتحريرا وتحقيقا وتصحيحا للمذهب كتاب الفروع
فإنه قصد بتصنيفه تصحيح المذهب وتحريره وجمعه
وذكر فيه أنه يقدم غالبا المذهب وإن اختلف
الترجيح أطلق الخلاف إلا أنه رحمه الله تعالى
لم يبيضه كله ولم يقرأ عليه وكذلك الوجيز فإنه
بناه على الراجح من الروايات المنصوصة عنه
وذكر أنه عرضة على الشيخ العلامة أبي بكر عبد
الله بن الزريراني فهذبه له إلا أن فيه مسائل
كثيرة ليست المذهب وفيه مسائل كثيرة تابع فيها
المصنف على اختياره وتابع في بعض المسائل صاحب
المحرر والرعاية وليست المذهب وسيمر بك ذلك إن
شاء الله.
وكذلك التذكرة لابن عبدوس فإنه بناها على
الصحيح من الدليل وكذلك ابن عبد القوي في مجمع
البحرين: فإنه قال فيه أبتدئ بالأصح في المذهب
نقلا أو الأقوى دليلا وإلا قلت:.
(1/25)
مثلا روايتان
أو وجهان وكذا قال في نظمه:
ومهما تأتي الابتدا براجح
... فإني به عند الحكاية أبتدي
وكذلك ناظم المفردات فإنه بناها على الصحيح
الأشهر وفيها مسائل ليست كذلك وكذلك الخلاصة
لابن منجا فإنه قال فيها أبين الصحيح من
الرواية والوجه وقد هذب فيها كلام أبي الخطاب
في الهداية وكذلك الإفادات بأحكام العبادات
لابن حمدان فإنه قال فيها أذكر هنا غالبا صحيح
المذهب ومشهوره وصريحه ومشكوره والمعمول عندنا
عليه والمرجوع غالبا إليه.
تنبيه: اعلم وفقك الله تعالى وإيانا أن طريقتي
في هذا الكتاب النقل عن الإمام أحمد والأصحاب
أعزو إلى كل كتاب ما نقلت: منه وأضيف إلى كل
عالم ما أروي عنه فإن كان المذهب ظاهرا أو
مشهورا أو قد اختاره جمهور
الأصحاب وجعلوه منصورا فهذا لا إشكال فيه وإن
كان بعض الأصحاب يدعي أن المذهب خلافه.
وإن كان الترجيح مختلفا بين الأصحاب في مسائل
متجاذبة المأخذ فالاعتماد في معرفة المذهب من
ذلك على ما قاله المصنف والمجد والشارح وصاحب
الفروع والقواعد الفقهية والوجيز والرعايتين
والنظم والخلاصة والشيخ تقي الدين وابن عبدوس
في تذكرته فإنهم هذبوا كلام المتقدمين ومهدوا
قواعد المذهب بيقين.
فإن اختلفوا فالمذهب ما قدمه صاحب الفروع فيه
في معظم مسائله.
فإن أطلق الخلاف أو كان من غير المعظم الذي
قدمه فالمذهب ما اتفق عليه الشيخان أعني
المصنف والمجد أو وافق أحدهما: الآخر في أحد
اختياريه وهذا ليس على إطلاقه وإنما هو في
الغالب فإن اختلفا فالمذهب مع من وافقه صاحب
القواعد الفقهية أو الشيخ تقي الدين وإلا
فالمصنف لا سيما إن كان في الكافي ثم المجد.
وقد قال العلامة ابن رجب في طبقاته في ترجمة
ابن المنى وأهل زماننا ومن قبلهم إنما يرجعون
في الفقه من جهة الشيوخ والكتب إلى الشيخين
الموفق والمجد انتهى.
فإن لم يكن لهما ولا لأحدهما: في ذلك تصحيح
فصاحب القواعد الفقهية ثم صاحب الوجيز ثم صاحب
الرعايتين فإن اختلفا فالكبرى ثم الناظم ثم
صاحب الخلاصة ثم تذكرة ابن عبدوس ثم من بعدهم
أذكر من قدم أو صحح أو اختار إذا ظفرت به وهذا
قليل جدا.
وهذا الذي قلنا من حيث الجملة وفي الغالب وإلا
فهذا لا يطرد ألبتة بل قد يكون المذهب ما قاله
أحدهم في مسألة ويكون المذهب ما قاله الآخر في
أخرى وكذا غيرهم باعتبار النصوص والأدلة
والموافق له من الأصحاب.
هذا ما يظهر لي من كلامهم ويظهر ذلك لمن تتبع
كلامهم وعرفه وسننبه على بعض ذلك في أماكنه.
(1/26)
وقد قيل إن
المذهب فيما إذا اختلف الترجيح ما قاله
الشيخان ثم المصنف ثم المجد ثم الوجيز ثم
الرعايتين.
وقال بعضهم إذا اختلفا في المحرر والمقنع
فالمذهب ما قاله في الكافي.
وقد سئل الشيخ تقي الدين عن معرفة المذهب في
مسائل الخلاف فيها مطلق في الكافي والمحرر
والمقنع والرعاية والخلاصة والهداية وغيرها
فقال طالب العلم يمكنه معرفة ذلك من كتب أخر
مثل كتاب التعليق للقاضي والانتصار لأبي
الخطاب وعمد الأدلة لابن عقيل وتعليق القاضي
يعقوب وابن الزاغوني وغير ذلك من الكتب الكبار
التي يذكر فيها مسائل الخلاف ويذكر فيها
الراجح وقد اختصرت هذه الكتب في كتب مختصرة
مثل رؤوس المسائل للقاضي أبي يعلى والشريف أبي
جعفر ولأبي الخطاب وللقاضي أبي الحسين وقد نقل
عن أبي البركات جدنا أنه كان يقول: لمن يسأله
عن ظاهر المذهب إنه ما رجحه أبو الخطاب في
رؤوس مسائله قال ومما يعرف منه ذلك المغني
لأبي محمد وشرح الهداية لجدنا ومن كان خبيرا
بأصول أحمد ونصوصه عرف الراجح من مذهبه في
عامة المسائل انتهى كلام الشيخ تقي الدين وهو
موافق لما قلناه أولا ويأتي بعض ذلك في أواخر
كتاب القضاء.
واعلم رحمك الله أن الترجيح إذا اختلف بين
الأصحاب إنما يكون ذلك لقوة الدليل من
الجانبين وكل واحد ممن قال بتلك المقالة إمام
يقتدى به فيجوز تقليده والعمل بقوله: "ويكون
ذلك في الغالب مذهبا لإمامه لأن الخلاف إن كان
للإمام أحمد فواضح وإن كان بين الأصحاب فهو
مقيس على قواعده وأصوله ونصوصه وقد تقدم أن
الوجه مجزوم بجواز الفتيا به والله سبحانه
وتعالى أعلم.
وسميته بالإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف
وأنا أسأل الله أن يجعله خالصا لوجهه الكريم
وأن يدخلنا به جنات النعيم وأن ينفع به مطالعه
وكاتبه والناظر فيه إنه سميع قريب.
وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
(1/27)
|