الإنصاف
في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل كتاب الصيام
مدخل
...
كتاب الصيام
فوائد:
إحداها : الصوم والصيام في اللغة الإمساك وهو
في الشرع عبارة عن إمساك مخصوص في وقت مخصوص
على وجه مخصوص.
الثانية : فرض صوم رمضان في السنة الثانية
إجماعا فصام رسول الله عليه أفضل الصلاة
والسلام تسع رمضانات إجماعا.
الثالثة : المستحب أن يقول "شهر رمضان" كما
قال الله تعالى ولا يكره قول "رمضان" بإسقاط
"شهر" مطلقا على الصحيح من المذهب وذكر المصنف
يكره إلا مع قرينة وذكر الشيخ تقي الدين رحمه
الله تعالى وجها يكره مطلقا وفي المنتخب لا
يجوز.
قوله : "وإن حال دون منظره غيم أو قتر ليلة
الثلاثين وجب صيامه بنية رمضان في ظاهر
المذهب".
وهو المذهب عند الأصحاب ونصروه وصنفوا فيه
التصانيف وردوا حجج المخالف وقالوا نصوص أحمد
تدل عليه وهو من مفردات المذهب.
وعنه لا يجب صومه قبل رؤية هلاله أو إكمال
شعبان ثلاثين.
قال الشيخ تقي الدين: هذا مذهب أحمد المنصوص
الصريح عنه وقال لا أصل للوجوب في كلام الإمام
أحمد ولا في كلام أحد من الصحابه.
ورد صاحب الفروع جميع ما احتج به الأصحاب
للوجوب وقال لم أجد عن أحمد قولا صريحا
بالوجوب ولا أمر به فلا يتوجه إضافته إليه
واختار هذه الرواية أبو الخطاب وابن عقيل ذكره
في الفائق واختارها صاحب التبصرة قاله في
الفروع واختارها الشيخ تقي الدين وأصحابه منهم
صاحب التنقيح والفروع والفائق وغيرهم وصححه
ابن رزين في شرحه.
فعلى هذه الرواية: يباح صومه قال في الفائق
اختاره الشيخ تقي الدين وقيل بل يستحب قال
الزركشي اختاره أبو العباس انتهى.
قال في الاختيارات: وحكى عن أبي العباس أنه
كان يميل أخيرا إلى أنه لا يستحب صومه انتهى.
(3/191)
وعنه الناس تبع
للإمام إن صام صاموا وإلا فيتحرى في كثرة كمال
الشهور ونقصها وإجباره بمن لا يكتفى به وغير
ذلك من القرائن ويعمل بظنه وقيل إلا المنفرد
برؤيته فإنه يصومه على الأصح وقيل الناس تبع
للإمام في الصوم والفطر إلا المنفرد برؤيته
فإنه يصومه حكى هذين القولين صاحب الرعاية.
قلت: المذهب وجوب صوم المنفرد برؤيته على ما
يأتي في كلام المصنف رحمه الله قريبا.
وعنه صومه منهي عنه قاله في الفروع وقال
اختاره أبو القاسم بن منده الأصفهاني وأبو
الخطاب وابن عقيل وغيرهم قال الزركشي وقد قيل
إن هذا اختيار ابن عقيل وأبي الخطاب في
خلافيهما قال والذي نصره أبو الخطاب في الخلاف
الصغير كالأول وأصل هذا في الكبير انتهى.
فعلى هذه الرواية قيل: يكره صومه وذكره ابن
عقيل رواية وقيل النهي للتحريم ونقله حنبل
ذكره القاضي وأطلقهما في الفروع والزركشي
والفائق فقال وإذا لم يجب فهل هو مباح أو
مندوب أو مكروه أو محرم على أربعة أوجه اختار
شيخنا الأول انتهى.
قال بعض الأصحاب: يجيء في صيامه الأحكام
الخمسة قال الزركشي وقول سادس بالتبعية.
وعمل ابن عقيل في موضع من الفنون بعادة غالبة
كمضي شهرين كاملين فالثالث ناقص وقال هو معنى
التقدير وقال أيضا البعد مانع كالغيم فيجب على
كل حنبلي يصوم مع الغيم أن يصوم مع البعد
لاحتماله.
وقال أيضا: الشهور كلها مع رمضان في حق
المطمور كاليوم الذي يشك فيه من الشهر في
التحرز وطلب التحقق ولا أحد قال بوجوب الصوم
بل بالتأخير ليقع أداء أو قضاء كذا لا يجوز
تقديم صوم لا يتحقق من رمضان وقال في مكان آخر
أو يظنه لقبولنا شهادة واحد.
تنبيه: فعلى قول الأصحاب يجوز صومه بنية رمضان
حكما ظنيا بوجوبه احتياطا ويجزئ على الصحيح من
المذهب وعليه أكثر الأصحاب.
وعنه ينويه حكما جازما بوجوبه وذكره بن أبي
موسى عن بعض الأصحاب وجزم به في الوجيز قال
الزركشي حكى عن التميمي.
فعلى المقدم وهو الصحيح يصلي التراويح على أصح
الوجهين اختاره بن حامد والقاضي وجماعة منهم
ولده القاضي أبو الحسين قال في المستوعب في
صلاة التطوع وصاحب الحاوي الكبير هذا الأقوى
عندي قال المجد في شرحه هو أشبه بكلام أحمد في
رواية الفضل القيام قبل الصيام احتياطا لسنة
قيامه ولا يتضمن محذورا والصوم نهي عن تقديمه
قال في تجريد العناية وتصلى التراويح ليلتئذ
في الأظهر قال بن تميم: فعلت في أصح
(3/192)
الوجهين. قال
بن الجوزي هو ظاهر كلام الإمام أحمد واختيار
مشايخنا المتقدمين ذكره في كتاب "درء اللوم
والضيم في صوم يوم الغيم".
والوجه الثاني: لا تصلى التراويح اقتصارا على
النص اختاره أبو حفص والتميميون وغيرهم وجزم
به بن عبدوس في تذكرته وصاحب المنور وصححه في
تصحيح المحرر قال في التلخيص وهو أظهر قال
الناظم هو أشهر القولين وأطلقهما في المحرر
وشرح الهداية والرعايتين والحاوي الصغير
والفائق والزركشي والقواعد الفقهية وهو ظاهر
الفروع.
وأما بقية الأحكام: من حلول الآجال ووقوع
المتعلقات وانقضاء العدد ومدة الإيلاء وغير
ذلك فلا يثبت منها شيء على الصحيح عندهم وقدمه
في الفروع وقال هو أشهر وذكر القاضي احتمالا
تثبت هذه الأحكام كما يثبت الصوم وتوابعه
وتبييت النية ووجوب الكفارة بالوطء فيه ونحو
ذلك قال في القواعد وهو ضعيف قال الزركشي هما
احتمالان للقاضي في التعليق وأطلقهما وعلى
رواية أنه ينويه حكما بوجوبه جاز ما يصلي
التراويح أيضا على الصحيح وجزم به أكثر
الأصحاب وقيل لا يصلي.
فائدة : قال في المستوعب فإن غم هلال شعبان
وهلال رمضان جميعا فعلى الرواية الأولى وهي
المذهب عند الأصحاب يجب أن يقدروا رجبا
وشعبانا ناقصين ثم يصومون ولا يفطرون حتى يروا
هلال شوال ويتموا صومهم اثنين وثلاثين يوما
وعلى هذا فقس إذا غم هلال رجب وشعبان ورمضان.
ويأتي بأتم من هذا عند قوله: "وإن صاموا لأجل
الغيم لم يفطروا".
قوله : "وإذا رؤي الهلال نهارا قبل الزوال
وبعده فهو لليلة المقبلة".
هذا المذهب سواء كان أول الشهر أو آخره جزم به
في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره قال في
الفروع هذا المشهور قال الزركشي هذا المذهب
فعليه لا يجب به صوم ولا يباح به فطر.
وعنه إذا رؤي بعد الزوال فهو لليلة المقبلة
وقبل الزوال للماضية اختاره أبو بكر والقاضي
وقدمه في الفائق.
وعنه إذا رؤي بعد الزوال آخر الشهر فهو لليلة
المقبلة وإلا لليلة الماضية قال في المذهب
فأما إذا رؤي في آخره قبل الزوال فهو للماضية
قولا واحدا وإن كان بعد الزوال فعلى روايتين
انتهى.
وعنه إذا رؤي قبل الزوال وبعده آخر الشهر فهو
لليلة المقبلة وإلا لليلة الماضية.
قوله : "وإذا رأى الهلال أهل بلد لزم الناس
كلهم الصوم".
لا خلاف في لزوم الصوم على من رآه. وأما من لم
يره: فإن كانت المطالع متفقة. لزمهم
(3/193)
الصوم أيضا.
وإن اختلفت المطالع فالصحيح من المذهب لزوم
الصوم أيضا قدمه في الفروع والفائق والرعاية
وهو من المفردات وقال في الفائق والرؤية ببلد
تلزم المكلفين كافة.
وقيل: تلزم من قارب مطلعهم اختاره شيخنا يعني
به الشيخ تقي الدين وقال في الفروع وقال شيخنا
يعني به الشيخ تقي الدين تختلف المطالع باتفاق
أهل المعرفة فإن اتفقت لزم الصوم وإلا فلا
وقال في الرعاية الكبرى يلزم من لم يره حكم من
رآه ثم قال قلت بل هذا مع تقارب المطالع
واتفاقها دون مسافة القصر لا فيما فوقها مع
اختلافها انتهى.
فاختار أن البعد مسافة القصر وفرع فيها على
المذهب وعلى اختياره فقال لو سافر من بلد
لرؤية ليلة الجمعة إلى بلد لرؤية ليلة السبت
فبعد وتم شهره ولم يروا الهلال صام معهم وعلى
المذهب يفطر فإن شهد به وقبل قوله أفطروا معه
على المذهب وإن سافر إلى بلد لرؤية ليلة
الجمعة من بلد لرؤية ليلة السبت وبعد أفطر
معهم وقضى يوما على المذهب ولم يفطر على
الثاني ولو عيد ببلد بمقتضى الرؤية ليلة
الجمعة في أوله وسافرت سفينة أو غيرها سريعا
في يومه إلى بلد الرؤية ليلة السبت وبعد أمسك
معهم بقية يومه لا على المذهب انتهى.
قال في الفروع: كذا قال قال وما ذكره على
المذهب واضح وعلى اختياره فيه نظر لأنه في
الأولى اعتبر حكم البلد المنتقل إليه لأنه صار
من جملتهم وفي الثانية اعتبر حكم المنتقل منه
لأنه التزم حكمه انتهى.
قوله : "ويقبل في هلال رمضان قول عدل واحد".
هذا المذهب نص عليه وعليه جماهير الأصحاب وقال
في الرعاية: ويثبت بقول عدل واحد وقيل حتى مع
غيم وقتر فظاهره أن المقدم خلافه قال في
الفروع والمذهب التسوية وعنه لا يقبل فيه إلا
عدلان كبقية الشهود.
واختار أبو بكر أنه إن جاء من خارج المصر أو
رآه في المصر وحده لا في جماعة قبول قول عدل
واحد وإلا اثنان وحكى هذه رواية قال في
الرعاية وقيل عنه إن جاء من خارج المصر أو رآه
فيه لا في جمع كثير قبل وإلا فلا.
فقال في هذه الرواية: "لا في جمع كثير" ولم
يقل "وإلا اثنان".
فعلى المذهب: هو خبر لا شهادة على الصحيح من
المذهب فيقبل قول عبد وامرأة واحدة.
وقال في المبهج: أما الرؤية: فيصوم الناس
بشهادة الرجل العدل أو امرأتين.
فظاهره: أنه لا يقبل قول امرأة واحدة ويأتي
الخلاف فيها.
وعلى المذهب أيضا: لا يختص بحاكم بل يلزم
الصوم من سمعه من عدل قال بعض الأصحاب ولو رد
الحاكم قوله.
(3/194)
وقال أبو
البقاء: إذا ردت شهادته ولزم الصوم فأخبره
غيره لم يلزمه بدون ثبوت وقيل إن وثق إليه
لزمه ذكره بن عقيل.
وعلى المذهب: لا يعتبر لفظ "الشهادة" وذكر
القاضي في شهادة القاذف أنه شهادة لا خبر
فتنعكس هذه الأحكام وذكر بعضهم وجهين هل هو
خبر أو شهادة قال في الرعاية وفي المرأة
والعبد إذا قلنا يقبل قول عدل وجهان وأطلق في
قبول المرأة الواحدة إذا قلنا يقبل قول عدل
واحد الوجهان في الرعاية الصغرى والنظم
والحاويين والفائق وقال في الكافي يقبل قول
العبد لأنه خبر وفي المرأة وجهان أحدهما يقبل
لأنه خبر والثاني لا يقبل لأن طريقه الشهادة
ولهذا لا يقبل فيه شهادة شاهد الفرع مع إمكان
شاهد الأصل ويطلع عليه الرجل كهلال شوال قال
في الفروع كذا قال.
تنبيه : ظاهر كلام المصنف وغيره أنه لا يقبل
قول الصبي المميز والمستور وهو صحيح وهو
المذهب وقطع به أكثرهم وقال في الفروع يتوجه
في المستور والمميز الخلاف.
فائدة : إذا ثبت الصوم بقول عدل ثبتت بقية
الأحكام على الصحيح من المذهب جزم به المجد في
شرحه في مسألة الغيم وقطع به في القاعدة
الثالثة والثلاثين بعد المائتين وقال صرح به
ابن عقيل في عمد الأدلة وقدمه في الفروع وقال
القاضي في مسألة الغيم مفرقا بين الصوم وبين
غيره وقد يثبت الصوم ما لا يثبت الطلاق والعتق
ويحل الدين وهو شهادة عدل ويأتي إن شاء الله
تعالى إذا علق طلاقها بالحمل فشهد به امرأة.
قوله : "ولا يقبل في سائر الشهور إلا عدلان".
وهو المذهب. وعليه الأصحاب وقطع به أكثرهم
وحكاه الترمذي إجماعا وقال في الرعاية الكبرى
وعنه يقبل في هلال شوال عدل واحد بموضع ليس
فيه غيره فعلى المذهب قال الزركشي قبوله
بشهادة عدلين يحتمل عند الحاكم ويحتمل مطلقا
وبه قطع أبو محمد فجوز الفطر بقولهما لمن يعرف
حالهما ولو ردهما الحاكم لجهله بهما ولكل واحد
منهما الفطر. انتهى.
قوله : "وإذا صاموا بشهادة اثنين ثلاثين يوما
فلم يروا الهلال أفطروا".
وهو المذهب مطلقا وعليه جماهير الأصحاب وقطع
به كثير منهم.
وقيل: لا يفطرون مع الصحو وصححه في الحاويين
قال في الفروع اختاره في المستوعب وأبو محمد
بن الجوزي لأن عدم الهلال يقين فيقدم على الظن
وهو الشهادة انتهى.
قلت: ليس كما قال صاحب المستوعب وصاحب
المستوعب قطع بالفطر فقال: "وإن صاموا بشهادة
عدلين أفطروا وجها واحدا".
(3/195)
قوله : "وإن
صاموا بشهادة واحد فعلى وجهين".
عند الأكثر وقيل هما روايتان وأطلقهما في
الكافي والمغني والرعايتين والفروع والفائق
والشرح.
أحدهما : لا يفطرون وهو الصحيح من المذهب جزم
به في العمدة والمنور والمنتخب وصححه في
التصحيح والمذهب والخلاصة والبلغة والنظم
واختاره بن عبدوس في تذكرته قال في القواعد
أشهر الوجهين لا يفطرون انتهى وقدمه في
الهداية والفصول والمستوعب والهادي والتلخيص
والمحرر وشرح ابن رزين.
والوجه الثاني: يفطرون اختاره أبو بكر وجزم به
في الوجيز والتسهيل وظاهر كلامه في الحاويين
أن على هذا الأصحاب فإنه قال فيها ومن صام
بشهادة اثنين ثلاثين يوما ولم يره مع الغيم
أفطر ومع الصحو يصوم الحادي والثلاثين هذا هو
الصحيح وقال أصحابنا له الفطر بعد إكمال
الثلاثين صحوا كان أو غيما وإن صام بشهادة
واحد فعلى ما ذكرنا في شهادة اثنين وقيل لا
يفطر بحال انتهى.
وقيل: لا يفطرون إن صاموا بشهادة واحد إلا إذا
كان آخر الشهر غيم. قال المجد في شرحه وهذا
حسن إن شاء الله تعالى واختاره في الحاويين.
قوله : "وإن صاموا لأجل الغيم لم يفطروا".
وهو المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به
أكثرهم.
وقيل: يفطرون وقال في الرعاية قلت إن صاموا
جزما مع الغيم أو القتر أفطروا وإلا فلا.
قلت: وكلا القولين ضعيف جدا فلا يعمل بهما.
فعلى المذهب: إن غم هلال شعبان وهلال رمضان
فقد يصام اثنان وثلاثون يوما حيث نقصنا رجب
وشعبان وكانا كاملين وكذا الزيادة إن غم هلال
رمضان وشوال وأكملنا شعبان ورمضان وكانا
ناقصين قال في المستوعب وعلى هذا فقس قال في
الفروع وليس مراده مطلقا.
فائدة: لو صاموا ثمانية وعشرين يوما ثم رأوا
هلال شوال أفطروا قطعا وقضوا يوما فقط على
الصحيح من المذهب ونقله حنبل وجزم به المجد في
شرحه وغيره وقدمه في الفروع وقال ويتوجه تخريج
وإحتمال يعني أنهم يقضون يومين.
قوله : "ومن رأى هلال رمضان وحده وردت شهادته
لزمه الصوم".
وهذا الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب
ونقل حنبل لا يلزمه الصوم واختاره الشيخ تقي
الدين.
(3/196)
قال الزركشي،
وصاحب الفائق هذه الرواية عن أحمد.
فعلى المذهب: يلزمه حكم رمضان فيقع طلاقه
وعتقه المعلق بهلال رمضان وغير ذلك من خصائص
الرمضانية.
وعلى الرواية الثانية: قال في المستوعب
والرعايتين والحاويين وغيرهم لا يلزمه شيء
واختاره الشيخ تقي الدين وظاهر ما قدمه في
الفروع أنه يلزمه جميع الأحكام خلا الصيام على
هذه الرواية ويأتي في باب ما يفسد الصوم عند
قوله: "وإن جامع في يوم رأى الهلال في ليلته
وردت شهادته" بعض ما يتعلق بذلك.
فعلى الأولى: هل يفطر يوم الثلاثين من صيام
الناس لأنه قد اكمل العدة في حقه أم لا يفطر
فيه وجهان ذكرهما أبو الخطاب وقال في
الرعايتين وتابعه في الفائق قلت فعلى الأولة
هل يفطر مع الناس أو قبلهم يحتمل وجهين.
وأطلق الوجهين في الفروع. وقال: ويتوجه عليهما
وقوع طلاقه وحلول دينه المعلقين به قال في
الرعاية قلت فعلى الأولة يقع طلاقه ويحل دينه
المعلقين به.
قلت: وهو الصواب.
وقواعد الشيخ تقي الدين: أنه لا يفطر إلا مع
الناس ولا يقطع طلاقه المعلق ولا يحل دينه.
وتقدم إذا قلنا يقبل قول عدل واحد أنه خبر لا
شهادة فيلزم من أخبره الصوم.
قوله : "وإن رأى هلال شوال وحده لم يفطر".
هذا المذهب نقله الجماعة عن أحمد وعليه أكثر
الأصحاب وقال أبو حكيم يتخرج أن يفطر واختاره
أبو بكر قال ابن عقيل يجب الفطر سرا وهو حسن
وقال في الرعاية الكبرى فيمن رأى هلال شوال
وحده وعنه يفطر وقيل سرا قال في الفروع كذا
قال قال المجد في شرحه لا يجوز إظهار الفطر
إجماعا قال القاضي ينكر على من أكل في رمضان
ظاهرا وإن كان هناك عذر قال في الفروع فظاهره
المنع مطلقا وقيل لابن عقيل يجب منع مسافر
ومريض وحائض من الفطر ظاهرا لئلا يتهم فقال إن
كانت أعذار خفية يمنع من إظهاره كمريض لا
أمارة له ومسافر لا علامة عليه.
تنبيه : قال الشيخ تقي الدين والنزاع في أصل
المسألة مبني على أصل وهو أن الهلال هل هو اسم
لما يطلع في السماء وإن لم يظهر أو أنه لا
يسمى هلالا إلا بالظهور والاشتهار كما يدل
عليه الكتاب والسنة والاعتبار فيه قولان
للعلماء هما روايتان عن الإمام أحمد.
(3/197)
فائدتان :
إحداهما : قال المجد في شرحه المنفرد بمفازة
ليس بقربه بلد يبني على يقين رؤيته لأنه لا
يتيقن مخالفة الجماعة بل الظاهر الرؤية بمكان
آخر.
الثانية : لو رآه عدلان ولم يشهدا عند الحاكم
أو شهدا فردهما لجهله بحالهما لم يجز لأحدهما
ولا لمن عرف عدالتهما الفطر بقولهما في قياس
المذهب قاله المجد في شرحه لما فيه من
الاختلاف وتشتيت الكلمة وجعل مرتبة الحاكم لكل
إنسان وقدمه في الفروع وجزم المصنف والشارح
بالجواز [وهو الصواب].
قوله : "وإذا اشتبهت الأشهر على الأسير تحرى
وصام فإن وافق الشهر أو ما بعده أجزاه".
إن وافق صوم الأسير ومن في معناه كالمطمور ومن
بمفازة ونحوهم شهر رمضان فلا نزاع في الإجزاء
وإن وافق ما بعده ما بعده فتارة يوافق رمضان
القابل وتارة يوافق ما قبل رمضان القابل فإن
وافق ما قبل رمضان القابل فلا نزاع في الإجزاء
كما جزم به المصنف لكن إن صادف صومه شوالا أو
ذا الحجة صام بعد الشهر يوما مكان يوم العيد
وأربعا إن قلنا لا تصام أيام التشريق.
ويأتي ما إذا صام شهرا كاملا عن رمضان وكان
أحدهما ناقصا في "باب ما يكره ويستحب".
وإن وافق رمضان السنة القابلة فقال المجد في
شرحه قياس المذهب لا يجزئه عن واحد منهما إن
اعتبرنا نية التعيين وإن لم نعتبرها وقع عن
رمضان الثاني وقضى الأول واقتصر عليه في
الفروع.
قوله : "وإن وافق قبله لم يجزه".
هذا المذهب نص عليه وعليه الأصحاب وقال في
الفائق قلت وتتوجه الصحة بناء على أن فرضه
اجتهاده.
فعلى المذهب لو صام شعبان ثلاث سنين متوالية
ثم علم بعد ذلك صام ثلاثة أشهر شهرا على إثر
شهر كالصلاة إذا فاتته نقله مهنا وذكره أبو
بكر في التنبيه قال في الفروع ومرادهم والله
أعلم أن هذه المسألة كالشك في دخول وقت الصلاة
على ما سبق وسبق في باب النية تصح نية القضاء
بنية الأداء وعكسه إذا بان خلاف ظنه للعجز
عنها انتهى.
فائدة : لو تحرى وشك هل وقع صومه قبل الشهر أو
بعده أجزأه كمن تحرى في الغيم وصلى ولو صام
بلا اجتهاد فحكمه حكم من خفيت عليه القبلة على
ما تقدم ولو ظن أن الشهر لم يدخل فصام ثم تبين
أنه كان دخل لم يجزه وسبق في القبلة وجه
بالإجزاء فكذا هنا.
(3/198)
ولو شك في
دخوله فكما لو ظن أنه لم يدخل وقال في الرعاية
يحتمل وجهين قال في الفروع كذا قال.
ونقل مهنا: إن صام لا يدرى هو رمضان أو لا
فإنه يقضي إذا كان لا يدري ويأتي ما يتعلق
بالقضاء في بابه.
قوله : "ولا يجب الصوم إلا على المسلم العاقل
البالغ القادر على الصوم".
احترازا من غير القادر كالعاجز عن الصوم لكبر
أو مرض لا يرجى برؤه وما في معناه على ما يأتي
إن شاء الله تعالى.
قوله : "ولا يجب على كافر ولا مجنون".
تقدم حكم الكافر في كتاب الصلاة والردة تمنع
صحة الصوم إجماعا فلو ارتد في يوم ثم أسلم فيه
أو بعده أو ارتد في ليلة ثم أسلم فيها فجزم
المصنف وغيره بقضائه وقال المجد ينبني على
الروايتين فيما إذا وجد الموجب في بعض اليوم
فإن قلنا يجب وجب هنا وإلا فلا وأما المجنون
فيأتي حكمه بعد ذلك.
قوله : "ولا صبي".
يعني لا يجب الصوم عليه وهو الصحيح من المذهب
مطلقا وعليه جماهير الأصحاب قال القاضي المذهب
عندي رواية واحدة لا يجب الصوم حتى يبلغ وعنه
يجب على المميز إن أطاقه وإلا فلا اختاره أبو
بكر وبن أبي موسى وأطلقهما في الحاويين وأطلق
في الترغيب وجهين وأطلق ابن عقيل الروايتين
ومرادهم إذا كان مميزا كما صرح به جماعة.
وعنه يجب على من بلغ عشر سنين وأطاقه وقد قال
الخرقي يؤخذ به إذا.
فائدة: أكثر الأصحاب أطلق الإطاقة وهو ظاهر ما
قدمه في الفروع وقدمه في الرعاية وحدد بن أبي
موسى إطاقته بصوم ثلاثة أيام متوالية ولا
يضره.
قوله : "لكن يؤمر به إذا أطاقه ويضرب عليه
ليعتاده".
يعني: على القول بعدم الوجوب قال أكثر الأصحاب
يكون الأمر بذلك والضرب عند الإطاقة قاله في
الفروع وذكر المصنف قول الخرقي وقال اعتباره
بالعشر أولى لأمره عليه أفضل الصلاة والسلام
بالضرب على الصلاة عندها وقال المجد لا يؤخذ
به ويضرب عليه فيما دون العشر كالصلاة وعلى
كلا القولين يجب ذلك على الولي صرح به جماعة
من الأصحاب واقتصر عليه في الفروع وقال ابن
رزين يسن لوليه ذلك.
فائدة : حيث قلنا بوجوب الصوم على الصبي فإنه
يعصي بالفطر ويلزمه الإمساك والقضاء كالبالغ.
(3/199)
قوله : "وإذا
قامت البينة بالرؤية في أثناء النهار لزمهم
الإمساك والقضاء".
وهذا المذهب وعليه الأصحاب وذكر أبو الخطاب
رواية لا يلزم الإمساك وأطلقهما في الهداية
وقال الشيخ تقي الدين يمسك ولا يقضي وأنه لو
لم يعلم بالرؤية إلا بعد الغروب لم يلزمه
القضاء.
قوله : "وإن أسلم كافر أو أفاق مجنون أو بلغ
صبي فكذلك".
يعني يلزمهم الإمساك والقضاء إذا وجد ذلك في
أثناء النهار وهذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب
وعنه لا يجب الإمساك ولا القضاء وقدمه ابن
رزين وقال لأنه لم يدرك وقتا يمكنه التلبس قال
الزركشي وهو ظاهر كلام الخرقي في الكافي
وأطلقهما في الهداية والمستوعب والخلاصة
والمحرر والفائق والشرح وأطلقهما في المجنون
في المغني وقال الزركشي وحكى أبو العباس رواية
فيما أظن واختارها يجب الإمساك دون القضاء
والقضاء في حق هؤلاء من مفردات المذهب ويأتي
أحكام المجنون.
فائدة : لو أسلم الكافر الأصلي في أثناء الشهر
لم يلزمه قضاء ما سبق منه بلا خلاف عند الأئمة
الأربعة.
قوله : "وإن بلغ الصبي صائما" أي بالسن
والاحتلام "أتم ولا قضاء عليه عند القاضي".
كنذره إتمام نفل قال في الخلاصة والبلغة فلا
قضاء في الأصح وصححه في تصحيح المحرر وقدمه في
المستوعب والتلخيص وشرح ابن رزين "وعند أبي
الخطاب عليه القضاء" كالصلاة إذا بلغ في
أثنائها وجزم به في الإفادات والوجيز وأطلقهما
في الهداية والمذهب والكافي والمغني والهادي
والمجد في شرحه ومحرره والنظم والرعايتين
والحاويين والفروع والفائق والشرح، والخلاف
هنا مبني على الصحيح من المذهب في المسألة
التي قبلها.
فائدة : لو علم أنه يبلغ في أثناء اليوم بالسن
لم يلزمه الصوم قبل زوال عذره لوجود المبيح
قاله الأصحاب ولو علم المسافر أنه يقدم غدا
لزمه الصوم. على الصحيح نقله أبو طالب وأبو
داود كمن نذر صوم يوم يقدم فلان وعلم قدومه في
غد وهو من المفردات.
وقيل: يستحب لوجود سبب الرخصة قال المجد وهو
أقيس لأن المختار أن من سافر في أثناء يوم له
الفطر.
قوله : "وإن طهرت حائض أو نفساء أو قدم
المسافر مفطرا فعليهم القضاء".
(3/200)
إجماعا. وفي
الإمساك روايتان وأطلقهما في الهداية والتلخيص
والبلغة والمحرر والرعايتين والحاويين والشرح.
إحداهما : يلزمه الإمساك وهو المذهب وعليه
أكثر الأصحاب قال في الفروع لزمهم الإمساك على
الأصح وصححه في التصحيح وفصول ابن عقيل قال في
تجريد العناية أمسكوا على الأظهر ونصره في
المبهج وجزم به في الإيضاح والوجيز والإفادات
وقدمه في المستوعب والفائق.
والرواية الثانية: لا يلزمهم الإمساك.
وتقدم أن من أبيح له الفطر من الحائض والمريض
وغيرهما لا يجوز لهم إظهاره عند قوله: "وإن
رأى هلال شوال وحده لم يفطر".
ويأتي في أحكام أهل الذمة منعهم من إظهار
الأكل في رمضان.
فوائد :
الأولى : لو بريء المريض مفطرا فحكمه حكم
الحائض والنفساء والمسافر.
الثانية : لو أفطر المقيم متعمدا ثم سافر في
أثناء اليوم أو تعمدت المرأة الفطر ثم حاضت في
أثناء اليوم لزمهم الإمساك في السفر والحيض
نقله بن القاسم وحنبل فيعايى بها ووجه في
الفروع عدم الإمساك مع الحيض والسفر خلافا.
وقال في المستوعب وعنه في صائم أفطر عمدا أو
لم ينو الصوم حتى أصبح لا إمساك عليه قال في
الفروع كذا قال.
وأطلق جماعة الروايتين في الإمساك وقال في
الفصول يمسك من لم يفطر وإلا فروايتان ونقل
الحلواني إذا قال المسافر أفطر غدا أنه كقدومه
مفطرا وجعله القاضي محل وفاق.
الثالثة : إذا قلنا لا يجب الإمساك فقدم مسافر
مفطرا فوجد امرأته قد طهرت من حيضها جاز أن
يطأها فيعايى بها.
الرابعة : لو حاضت امرأة في أثناء يوم فقال
الإمام أحمد تمسك كمسافر قدم هذا الصحيح من
المذهب وجعلها القاضي كعكسها تغليبا للواجب
ذكره ابن عقيل في المنثور وذكر في الفصول فيما
إذا طرأ المانع روايتين وذكره المجد قال في
الفروع يؤخذ من كلام غيره إن طرأ جنون وقلنا
يمنع الصحة وأنه لا يقضى أنه هل يقضى على
روايتين في إفاقته في أثناء يوم بجامع أنه
أدرك جزءا من الوقت قال في الفروع وظاهر
كلامهم الإمساك مع المانع وهو أظهر.
الخامسة : لا يلزم من أفطر في صوم واجب غير
رمضان الإمساك ذكره جماعة وقدمه في الفروع
وقيل يلزم.
(3/201)
قوله : "ومن
عجز عن الصوم لكبر أو مرض لا يرجى برؤه أفطر
وأطعم عن كل يوم مسكينا".
بلا نزاع لكن لو كان الكبير مسافرا أو مريضا
فلا فدية لفطره بعذر معتاد ذكره القاضي في
الخلاف قاله في الفروع وقال المجد في شرحه
ذكره القاضي في تعليقه وهما كتاب واحد ولا
قضاء عليه والحالة هذه للعجز عنه وتبع القاضي
من بعده فيعايى بها.
ويأتي حكم الكفارة إذا عجز عنها بعد أحكام
الحامل والمرضع.
ويأتي آخر باب ما يفسد الصوم إذا عجز عن كفارة
الوطء وغيره.
فائدتان :
إحداهما : لو أطعم العاجز عن الصوم لكبر أو
مرض لا يرجى برؤه ثم قدر على القضاء فالصحيح
من المذهب أن حكمه حكم المعضوب في الحج إذا حج
عنه ثم عوفي على ما يأتي في كلام المصنف في
كتاب الحج جزم به المجد وغيره وقدمه في الفروع
وغيره وذكر بعض الأصحاب احتمالين أحدهما هذا
والثاني يلزمه القضاء بنفسه.
الثانية : المراد بالإطعام هنا ما يجزئ في
الكفارة قاله الأصحاب.
تنبيه : ظاهر قوله "أفطر وأطعم عن كل يوم
مسكينا" أنه لا يجزئ الصوم عنهما وهو صحيح وهو
المذهب وعليه الأصحاب.
وقال الشيخ تقي الدين: لو تبرع إنسان بالصوم
عمن لا يطيقه لكبر ونحوه أو عن ميت وهما
معسران توجه جوازه لأنه أقرب إلى المماثلة من
المال وحكى القاضي في صوم النذر في حياة
الناذر نحو ذلك.
قوله : "والمريض إذا خاف الضرر والمسافر استحب
لهما الفطر".
أما المريض إذا خاف زيادة مرضه أو طوله أو كان
صحيحا ثم مرض في يومه أو خاف مرضا لأجل العطش
أو غيره فإنه يستحب له الفطر ويكره صومه
وإتمامه إجماعا.
فوائد :
إحداها : من لم يمكنه التداوي في مرضه وتركه
يضر به فله التداوي نقله حنبل فيمن به رمد
يخاف الضرر بترك الاكتحال لتضرره [بالصوم]
كتضرره بمجرد الصوم.
الثانية : مفهوم قوله : "والمريض إذا خاف
الضرر" أنه إذا لم يخف الضرر لا يفطر وهو صحيح
وعليه الأصحاب وجزم به في الرعاية في وجع رأس
وحمى ثم قال قلت إلا أن يتضرر قال في الفروع
كذا قال.
(3/202)
وقيل لأحمد:
متى يفطر المريض قال إذا لم يستطع قيل مثل
الحمى قال وأي مرض أشد من الحمى؟.
الثالثة : إذا خاف التلف بصومه أجزأ صومه وكره
على الصحيح من المذهب وقدمه في الفروع وقال في
عيون المسائل والانتصار والرعايتين والحاويين
والفائق وغيرهم يحرم صومه قال في الفروع ولم
أجدهم ذكروا في الإجزاء خلافا وذكر جماعة في
صوم الظهار أنه يجب فطره بمرض مخوف.
الرابعة : لو خاف بالصوم ذهاب ماله فسبق أنه
عذر في ترك الجمعة والجماعة في صلاة الخوف.
الخامسة : لو أحاط العدو ببلد والصوم يضعفهم
فهل يجوز الفطر ذكر الخلال روايتين وقال ابن
عقيل إن حصر العدو بلدا أو قصد المسلمون عدوا
لمسافة قريبة لم يجز الفطر والقصر على الأصح
ونقل حنبل إذا كانوا بأرض العدو وهم بالقرب
أفطروا عند القتال.
واختار الشيخ تقي الدين: الفطر للتقوى على
الجهاد وفعله هو وأمر به لما نزل العدو دمشق
وقدمه في الفائق وهو الصواب فعلى القول
بالجواز يعايى بها.
وذكر جماعة فيمن هو في الغزو وتحضر الصلاة
والماء إلى جنبه يخاف إن ذهب إليه على نفسه أو
فوت مطلوبه فعنه يتيمم ويصلي اختاره أبو بكر.
وعنه لا يتيمم ويؤخر الصلاة وعنه إن لم يخف
على نفسه توضأ وصلى وسبق ذلك في التيمم وأن
المذهب أنه يتيمم ويصلي.
السادسة : لو كان به شبق يخاف منه تشقق أنثييه
جامع وقضى ولا يكفر نقله الشالنجي.
قال الأصحاب: هذا إذا لم تندفع شهوته بدونه
فإن اندفعت شهوته بدون الجماع لم يجز له
الجماع وكذا إن أمكنه أن لا يفسد صوم زوجته لم
يجز وإلا جاز للضرورة فإذا تضرر بذلك وعنده
امرأة حائض وصائمة فقيل وطء الصائمة أولى
لتحريم الحائض بالكتاب ولتحريمها مطلقا صححه
العلامة بن رجب في القاعدة الثانية عشرة بعد
المائة [وقدمه ابن رزين في شرحه].
وقيل: يتخير لإفساد صومها وأطلقهما في الفروع
[وهما احتمالان بوجهين مطلقين في المغني
والشرح].
السابعة : لو تعذر قضاؤه لدوام شبقه فحكمه حكم
العاجز عن الصوم لكبر أو مرض لا يرجى برؤه على
ما تقدم قريبا ذكره في الفروع وغيره.
الثامنة : حكم المرض الذي ينتفع فيه بالجماع
حكم من يخاف من تشقق أنثييه.
قوله : "والمسافر يستحب له الفطر".
وهذا المذهب. وعليه الأصحاب ونص عليه وهو من
المفردات سواء وجد مشقة أم لا وفيه وجه أن
الصوم أفضل ذكره في القاعدة الثانية والعشرين
من القواعد الأصولية.
(3/203)
فوائد :
إحداها : المسافر هنا هو الذي يباح له القصر
على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب وقال
الشيخ تقي الدين يباح له الفطر ولو كان السفر
قصيرا.
الثانية : لو صام في السفر أجزأه على الصحيح
من المذهب كما قطع به المصنف هنا وعليه
الأصحاب ونقل حنبل لا يعجبني واحتج حنبل بقوله
عليه أفضل الصلاة والسلام: "ليس من البر الصوم
في السفر" قال في الفروع: والسنة الصحيحة ترد
هذا القول ورواية حنبل تحتمل عدم الإجزاء
ويؤيده تفرد حنبل وحملها على رواية الجماعة
أولى.
فعلى المذهب: لو صام فيه كره على الصحيح من
المذهب وحكاه المجد عن الأصحاب قال وعندي لا
يكره إذا قوي عليه واختاره الآجري وظاهر كلام
ابن عقيل في مفرداته وغيره لا يكره بل تركه
أفضل قال وليس الصوم أفضل وهو من المفردات
وفرق بينه وبين رخصة القصر أنها مجمع عليها
تبرأ بها الذمة قال في الفروع ورد بصوم المريض
وبتأخير المغرب ليلة المزدلفة.
الثالثة : لو سافر ليفطر حرم عليه.
قوله : "ولا يجوز أن يصوما في رمضان عن غيره".
يعني المسافر والمريض أما المريض فلا نزاع في
عدم الجواز.
وأما المسافر: فالمذهب وعليه الأصحاب أنه لا
يجوز مطلقا.
وقيل: للمسافر صوم النفل فيه قال في الرعاية
وهو غريب بعيد.
فعلى المذهب: لو خالف وصام عن غيره فهل يقع
باطلا أو يقع ما نواه قال في الفروع هي مسألة
تعيين النية يعني الآتية في أول الفصل من هذا
الباب.
وعلى المذهب: أيضا لو قلب صوم رمضان إلى نفل
لم يصح له النفل ويبطل فرضه إلا على رواية عدم
التعيين.
فائدة : لو قدم من سفره في أثناء النهار وكان
لم يأكل فهل ينعقد صومه نفلا قال القاضي لا
ينعقد نفلا ذكره عنه في الفصول واقتصر عليه.
قوله : "ومن نوى الصوم في سفره فله الفطر".
هذا المذهب مطلقا وعليه الأصحاب وعنه لا يجوز
له الفطر بالجماع لأنه لا يقوى على السفر.
فعلى الأول قال أكثر الأصحاب لأن من له الأكل
له الجماع كمن لم ينو وذكر جماعة من الأصحاب
منهم المصنف والشارح أنه يفطر بنية الفطر فيقع
الجماع بعد الفطر.
(3/204)
فعلى هذا: لا
كفارة بالجماع اختاره القاضي وأكثر الأصحاب
قاله المجد وقدمه في الفروع وذكر بعضهم رواية
أنه يكفر وجزم به على هذا قال في الفروع وهو
أظهر انتهى.
وعلى الرواية الثانية: إن جامع كفر على الصحيح
عليها وعنه لا يكفر لأن الدليل يقتضي جوازه
فلا أقل من العمل به في إسقاط الكفارة لكن له
الجماع بعد فطره بغيره كفطره بسبب مباح.
ويأتي ذلك في كلام المصنف في آخر باب ما يفسد
الصوم وهو قوله: "وإن نوى الصوم في سفره ثم
جامع فلا كفارة عليه".
فائدة : المريض الذي يباح له الفطر حكمه حكم
المسافر فيما تقدم قاله المصنف والمجد وغيرهما
وجعله القاضي وأصحابه وبن شهاب في كتب الخلاف
أصلا للكفارة على المسافر بجامع الإباحة وجزم
جماعة من الأصحاب بالإباحة على النفل.
ونقل مهنا في المريض يفطر بأكل فقلت يجامع قال
لا أدري فأعدت عليه فحول وجهه عني.
قوله : "وإن نوى الحاضر صوم يوم ثم سافر في
أثنائه فله الفطر".
هذا المذهب مطلقا وعليه الأصحاب سواء كان طوعا
أو كرها وهو من مفردات المذهب ولكن لا يفطر
قبل خروجه.
وعنه لا يجوز له الفطر مطلقا ونقل بن منصور إن
نوى السفر من الليل ثم سافر في أثناء النهار
أفطر وإن نوى السفر في النهار وسافر فيه فلا
يعجبني أن يفطر فيه والفرق أن نية السفر من
الليل تمنع الوجوب إذا وجد السفر في النهار
فيكون الصيام قبله مراعى بخلاف ما إذا طرأت
النية والسفر في أثناء النهار.
قال في القواعد: وعنه لا يجوز له الفطر بجماع
ويجوز بغيره.
فعلى المنع: لو وطىء وجبت الكفارة على الصحيح.
وجعلها بعض الأصحاب كمن نوى الصوم في سفره ثم
جامع على ما تقدم قريبا.
وعلى الجواز وهو المذهب الأفضل له أن لا يفطر
ذكره القاضي وابن عقيل وبن الزاغوني وغيرهم
واقتصر عليه في الفروع وغيره فيعايى بها.
قوله : "والحامل والمرضع إذا خافتا على
أنفسهما أفطرتا وقضتا".
يعني من غير إطعام وهذا المذهب وعليه جماهير
الأصحاب وقطع به أكثرهم وذكر بعضهم رواية
بالإطعام.
قال الزركشي: هو نص أحمد في رواية الميموني
وصالح وذكره وتأوله القاضي على خوفها على
ولدها وهو بعيد انتهى.
(3/205)
فائدة : يكره
لهما الصوم والحالة هذه قولا واحدا.
قوله : "وإن خافتا على ولديهما أفطرتا وقضتا
وأطعمتا عن كل يوم مسكينا".
إذا خافتا على ولديهما أفطرتا على الصحيح من
المذهب بلا ريب وأطلقه أكثر الأصحاب وقال
المجد في شرحه وتبعه في الفروع إن قبل ولد
المرضعة ثدي غيرها وقدرت أن تستأجر له أو له
ما يستأجر منه فلتفعل ولتصم وإلا كان لها
الفطر انتهيا ولعله مراد من أطلق.
فوائد :
إحداها : يكره لها الصوم والحالة هذه على
الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب وذكر ابن
عقيل في [فنونه] النسخ إن خافت حامل ومرضع على
حمل وولد حال الرضاع لم يحل الصوم وعليها
الفدية وإن لم تخف لم يحل الفطر.
الثانية : يجوز الفطر للظئر وهي التي ترضع ولد
غيرها إن خافت عليه، أو على نفسها قاله
الأصحاب وذكر في الرعاية قولا أنه لا يجوز لها
الفطر إذا خافت على رضيعها وحكاه ابن عقيل في
الفنون عن قوم.
قلت: لو قيل إن محل ما ذكره الأصحاب إذا كانت
محتاجة إلى رضاعه أو هو محتاج إلى رضاعها فأما
إذا كانت مستغنية عن إرضاعه أو هو مستغن عن
إرضاعها لم يجز لها الفطر.
الثالثة : يجب الإطعام على من يمون الولد على
الصحيح من المذهب قدمه في الفروع وقال ابن
عقيل في الفنون يحتمل أنه على الأم وهو أشبه
لأنه تبع لها ولهذا وجبت كفارة واحدة ويحتمل
أنه بينها وبين من تلزمه نفقته من قريب أو من
ماله لأن الإرفاق لهما.
وكذلك الظئر فلو لم تفطر الظئر فتغير لبنها أو
نقص خير المستأجر فإن قصدت الإضرار أثمت وكان
للحاكم إلزامها الفطر بطلب المستأجر ذكره بن
الزاغوني.
وقال أبو الخطاب: إن تأذى الصبي بنقصه أو
تغيره لزمها الفطر فإن أبت فله الفسخ قال في
الفروع فيؤخذ من هذا أنه يلزم الحاكم إلزامها
بما يلزمها وإن لم تقصد به الضرر بلا طلب قبل
الفسخ قال وهذا متجه.
الرابعة : يجوز صرف الإطعام إلى مسكين واحد
جملة واحدة بلا نزاع قال في الفروع وظاهر
كلامهم إخراج الإطعام على الفور لوجوبه قال
وهذا أقيس انتهى.
قلت: قد تقدم في أول باب إخراج الزكاة أن
المنصوص عن الإمام أحمد لزوم إخراج النذر
المطلق والكفارة على الفور وهذا كفارة.
وقال المجد: إن أتى به مع القضاء جاز لأنه
كالتكملة له.
(3/206)
الخامسة : لا
يسقط الإطعام بالعجز على الصحيح من المذهب.
وهو ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله واختاره
المجد وجزم به في المستوعب والمحرر وقدمه في
الفروع.
وقيل: يسقط اختاره ابن عقيل وصححه في الحاوي
الكبير وجزم به في الكافي والحاوي الصغير
وقدمه في الشرح.
وذكر القاضي وأصحابه يسقط في الحامل والمرضع
ككفارة الوطء بل أولى للعذر.
ولا يسقط الإطعام عن الكبير والميؤس بالعجز
ولا إطعام من أخر قضاء رمضان وغيره غير كفارة
الجماع وجزم به في المحرر وقدمه في الفائق.
السادسة : لو وجد آدميا معصوما في تهلكة كغريق
ونحوه فقال بن الزاغوني في فتاويه يلزمه
إنقاذه ولو أفطر وياتي في الديات أن بعضهم ذكر
في وجوبه وجهين وذكر بعضهم هنا وجهين هل يلزمه
الكفارة كالمرضع يحتمل وجهين.
قال في التلخيص بعد أن ذكر الفدية على الحامل
والمرضع للخوف على جنينهما وهل يلحق بذلك من
افتقر إلى الإفطار لإنقاذ غريق يحتمل وجهين
وجزم في القواعد الفقهية بوجوب الفدية وقال لو
حصل له بسبب إنقاذه ضعف في نفسه فأفطر فلا
فدية عليه كالمريض انتهى.
فعلى القول بالكفارة هل يرجع بها على المنقذ
قال في الرعاية يحتمل وجهين قال في الفروع
ويتوجه أنه كإنقاذه من الكفار ونفقته على
الآبق.
قلت: بل أولى وأولى أيضا من المرضع.
وقالوا: يجب الإطعام على من يمون الولد على
الصحيح كما تقدم.
قوله : "ومن نوى الصوم قبل الفجر ثم جن أو
أغمي عليه جميع النهار لم يصح صومه".
هذا المذهب وعليه الأصحاب وذكر في المستوعب أن
بعض الأصحاب خرج من رواية صحة صومه رمضان بنية
واحدة في أوله أنه لا يقضي من أغمي عليه أياما
بعد نيته المذكورة.
قوله : "وإن أفاق جزءا منه صح صومه".
إذا أفاق المغمى عليه جزءا من النهار صح صومه
بلا نزاع والجنون كالإغماء على الصحيح من
المذهب وعليه أكثر الأصحاب وجزم به في الحاوي
وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
وقيل: يفسد الصوم بقليل الجنون اختاره بن
البنا والمجد وقال بن الزاغوني في الواضح هل
من شرطه إفاقته جميع يومه أو يكفي بعضه فيه
روايتان.
(3/207)
قوله : "ويلزم
المغمى عليه القضاء دون المجنون".
الصحيح من المذهب: لزوم القضاء على المغمى
عليه وعليه أكثر الأصحاب.
وقيل: لا يلزمه قال في الفائق وهو المختار.
وتقدم ما نقله في المستوعب من التخريج.
والصحيح من المذهب: أن المجنون لا يلزمه
القضاء سواء فات الشهر كله بالجنون أو بعضه
وعليه الأصحاب وعنه يلزم القضاء مطلقا وعنه إن
أفاق في الشهر قضى وإن أفاق بعده لم يقض لعظم
مشقته.
فائدة : لو جن في صوم قضاء أو كفارة ونحو ذلك
قضاه بالوجوب السابق.
قوله : "ولا يصح صوم واجب إلا أن ينويه من
الليل معينا".
هذا المذهب نص عليه يعني أنه لا بد من تعيين
النية وهو أن يعتقد أنه يصوم من رمضان أو من
قضائه أو نذره أو كفارته قال القاضي في الخلاف
اختارها أصحابنا أبو بكر وأبو حفص وغيرهما
واختارها القاضي أيضا وابن عقيل والمصنف
وغيرهم قال في الفروع واختارها الأصحاب قال
الزركشي هي أنصهما واختيار الأكثرين وعنه لا
يجب تعيين النية لرمضان.
فعليها: يصح بنية مطلقة وبنية نفل ليلا وبنية
فرض تردد فيها.
واختار المجد: يصح بنية مطلقة لتعذر صرفه إلى
غير رمضان ولا يصح بنية مقيدة بنفل أو نذر أو
غيره لأنه ناو تركه فكيف يجعل كنية النفل وهذا
اختيار الخرقي في شرحه للمختصر واختاره الشيخ
تقي الدين إن كان جاهلا وإن كان عالما فلا
وقال في الرعاية فيما وجب من الصوم في حج أو
عمرة يتخرج أن لا يجب نية التعيين.
تنبيه: قوله : "إلا أن ينويه من الليل".
يعني تعتبر النية من الليل لكل صوم واجب بلا
نزاع ولو أتى بعد النية بما يبطل الصوم لم
يبطل على الصحيح من المذهب نص عليه وعليه
جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم وقال بن
حامد يبطل.
قلت: وهذا بعيد جدا وأطلقهما في الحاويين.
فوائد :
الأولى : لو نوت حائض صوم غد وقد عرفت الطهر
ليلا فقيل يصح لمشقة المقارنة.
قلت: وهو الصواب.
وقيل: لا يصح لأنها ليست أهلا للصوم وأطلقهما
في الفروع بقيل وقيل.
(3/208)
وقال في
الرعاية: إن نوت حائض صوم فرض ليلا وقد انقطع
دمها أو تمت عادتها قبل الفجر صح صومها وإلا
فلا.
الثانية : لا تصح النية في نهار يوم لصوم غد
على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب وقد شمله
قول المصنف "إلا أن ينويه من الليل" وعنه يصح
نقلها بن منصور فقال من نوى الصوم عن قضاء
رمضان بالنهار ولم ينو من الليل فلا بأس إلا
أن يكون فسخ النية بعد ذلك فقوله: "ولم ينوها
من الليل" يبطل به تأويل القاضي وقوله: "عن
قضاء رمضان" يبطل به تأويل ابن عقيل على أنه
يكفي لرمضان نية في أوله وأقرها أبو الحسين
على ظاهرها.
الثالثة : يعتبر لكل يوم نية مفردة على الصحيح
من المذهب وعليه أكثر الأصحاب وعنه يجزئ في
أول رمضان نية واحدة لكله نصرها أبو يعلى
الصغير على قياسه النذر المعين وأطلقهما في
المحرر والفائق.
فعليها: لو أفطر يوما لعذر أو غيره لم يصح
صيام الباقي بتلك النية جزم به في المستوعب
وغيره.
وقيل: يصح قدمه في الرعاية فقال وقيل ما لم
يفسخها أو يفطر فيه يوما.
قوله : "ولا يحتاج إلى نية الفريضة".
هذا المذهب. وعليه أكثر الأصحاب وقال بن حامد
يجب ذلك وأطلقهما في التلخيص والبلغة والمحرر
والرعايتين والحاويين.
فائدتان:
إحداهما : لا يحتاج مع التعيين إلى نية الوجوب
على الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب وقال
بن حامد يحتاج إلى ذلك.
الثانية : لو نوى خارج رمضان قضاءا ونفلا أو
قضاءا وكفارة ظهار فهو نفل إلغاءا لهما
بالتعارض فتبقى نية أصل الصوم جزم به المجد في
شرحه وقدمه في الفروع وقيل على أيهما يقع فيه
وجهان.
قوله : "وإن نوى إن كان غدا من رمضان فهو فرضي
وإلا فهو نفل لم يجزه".
وهذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب وهو مبني على
أنه يشترط تعيين النية على ما تقدم قريبا وعنه
يجزئه وهي مبنية على رواية أنه لا يجب تعيين
النية لرمضان واختار هذه الرواية الشيخ تقي
الدين قال في الفائق نصره صاحب المحرر وشيخنا
وهو المختار انتهى.
ونقل صالح عن أحمد رواية ثالثة بصحة النية
المترددة والمطلقة مع الغيم دون الصحو لوجوب
صومه.
(3/209)
فوائد :
منها : لو نوى إن كان غدا من رمضان فصومي عنه
وإلا فهو عن واجب عينه بنيته لم يجزه عن ذلك
الواجب وفي إجزائه عن رمضان إن بان منه
الروايتان المتقدمتان.
ومنها : لو نوى إن كان غدا من رمضان فصومي عنه
وإلا فأنا مفطر لم يصح وفيه في ليلة الثلاثين
من رمضان وجهان للشك والبناء على الأصل قدم في
الرعاية الصحة قال في القاعدة الثامنة والستين
صح صومه في أصح الوجهين لأنه بنى على أصل لم
يثبت زواله ولا يقدح تردده لأنه حكم صومه مع
الجزم.
والوجه الثاني: لا يجزئه اختاره أبو بكر.
ومنها : إذا لم يردد النية بل نوى ليلة
الثلاثين من شعبان أنه صائم غدا من رمضان بلا
مستند شرعي كصحو أو غيم ولم نوجب الصوم به
فبان منه فعلى الروايتين فيمن تردد أو نوى
مطلقا وظاهر رواية صالح والأثرم يجزئه مع
اعتبار التعيين لوجودها قاله في الفروع هنا
وقال في كتاب الصيام ومن نواه احتياطا بلا
مستند شرعي فبان منه فعنه لا يجزئه وعنه بلى
وعنه يجزئه ولو اعتبر نية التعيين وقيل في
الإجزاء وجهان وتأتي المسألة انتهى.
ومنها : لا شك مع غيم وقتر على الصحيح من
المذهب وعنه بلى قال في الفائق وهو المختار
قال بل هو أضعف ردا إلى الأصل.
ومنها : لو نوى الرمضانية عن مستند شرعي أجزأه
كالمجتهد في الوقت.
ومنها : لو قال أنا صائم غدا إن شاء الله
تعالى فإن قصد بالمشيئة الشك والتردد في العزم
والقصد فسدت نيته وإلا لم تفسد ذكره القاضي في
التعليق وابن عقيل في الفنون واقتصر عليه في
الفروع لأنه إنما قصد أن فعله للصوم بمشيئة
الله وتوفيقه وتيسيره كما لا يفسد الإيمان
بقوله أنا مؤمن إن شاء الله تعالى غير متردد
في الحال ثم قال القاضي وكذا نقول في سائر
العبادات لا تفسد بذكر المشيئة في نيتها.
ومنها : لو خطر بقلبه ليلا أنه صائم غدا فقد
نوى قال في الروضة ومعناه لغيره الأكل والشرب
بنية الصوم نية عندنا وكذا قال الشيخ تقي
الدين هو حين يتعشى يتعشى عشاء من يريد الصوم
ولهذا يفرق بين عشاء ليلة العيد وعشاء ليالي
رمضان.
قوله : "ومن نوى الإفطار أفطر".
هذا المذهب نص عليه وزاد في رواية يكفر إن
تعمده وعليه أكثر الأصحاب وقال بن حامد لا
يبطل صومه.
(3/210)
تنبيه : معنى
قوله: "من نوى الإفطار أفطر" أي صار كمن لم
ينو لا كمن أكل فلو كان في نفل ثم عاد ونواه
جاز نص عليه وكذا لو كان عن نذر أو كفارة أو
قضاء فقطع نيته ثم نوى نفلا جاز ولو قلب نية
نذر وقضاء إلى النفل كان حكمه حكم من انتقل من
فرض صلاة إلى نفلها على ما تقدم في باب نية
الصلاة.
وعلى المذهب: لو تردد في الفطر أو نوى أنه
سيفطر ساعة أخرى أو قال إن وجدت طعاما أكلت
وإلا أتممت فكالخلاف في الصلاة قيل يبطل لأنه
لم يجزم النية نقل الأثرم لا يجزئه عن الواجب
حتى يكون عازما على الصوم يومه كله.
قلت: وهذا الصواب.
وقيل: لا يبطل لأنه لم يجزم نية الفطر والنية
لا يصح تعليقها وأطلقهما في الفروع والزركشي.
قوله : "ويصح صوم النفل بنية من النهار قبل
الزوال وبعده".
هذا المذهب نص عليه قال في الفروع وعليه أكثر
الأصحاب منهم القاضي في أكثر كتبه وهو من
المفردات ومنهم بن أبي موسى والمصنف وصححه في
الخلاصة وتصحيح المحرر.
وقال القاضي: لا يجزئه بعد الزوال اختاره في
المجرد وهو رواية عن الإمام أحمد واختاره ابن
عقيل وبن البنا في الخصال وقدمه في الرعايتين
والحاويين وأطلقهما في المذهب ومسبوك الذهب
والتلخيص والبلغة والمحرر.
فائدة : يحكم بالصوم الشرعي المثاب عليه من
وقت النية على الصحيح من المذهب نقله أبو طالب
قال المجد وهو قول جماعة من أصحابنا منهم
القاضي في المناسك من تعليقه واختاره المصنف
والشارح وغيرهما.
قال في الفروع: وهو أظهر وقدمه في الكافي
والشرح والحاويين والفائق والزركشي.
وقيل: يحكم بالصوم من أول النهار اختاره
القاضي في المجرد وأبو الخطاب في الهداية
والمجد في شرحه وجزم به في الخلاصة وقدمه في
المستوعب والرعايتين وأطلقهما في القواعد
الفقهية.
فعلى المذهب: يصح تطوع حائض طهرت وكافر أسلم
ولم يأكلا بقية اليوم.
قلت: فيعايى بها.
وعلى الثاني: لا يصح لامتناع تبعيض صوم اليوم
وتعذر تكميله لفقد الأهلية في بعضه.
قال في الفروع: ويتوجه يحتمل أن لا يصح عليهما
لأنه لا يصح منهما صوم كمن أكل ثم نوى صوم
بقية يومه وما هو ببعيد.
(3/211)
باب ما يفسد الصوم ويوجب الكفارة
قوله : "أو استعط".
سواء كان بدهن أو غيره فوصل إلى حلقه أو دماغه
فسد صومه هذا المذهب وعليه الأصحاب وقال
المصنف في الكافي إن وصل إلى خياشيمه أفطر
لنهيه عليه أفضل الصلاة والسلام الصائم عن
المبالغة في الاستنشاق.
قوله : "أو احتقن أو داوى الجائفة بما يصل إلى
جوفه".
فسد صومه وهذا المذهب وعليه الأصحاب واختار
الشيخ تقي الدين عدم الإفطار بمداواة جائفة
ومأمومة وبحقنه.
فائدتان:
إحداهما : مثل ذلك في الحكم لو أدخل شيئا إلى
مجوف فيه قوة تحيل الغذاء أو الدواء من أي
موضع كان ولو كان خيطا ابتلعه كله أو بعضه أو
طعن نفسه أو طعنه غيره بإذنه بشيء في جوفه
فغاب كله أو بعضه فيه.
الثانية : يعتبر العلم بالواصل على الصحيح من
المذهب وقطع المجد في شرحه بأنه يكفي الظن قال
في الفروع كذا قال.
قوله : "أو اكتحل بما يصل إلى حلقه".
فسد صومه وسواء كان بكحل أو صبر أو قطور أو
ذرور إو إثمد مطيب وهذا المذهب في ذلك كله نص
عليه وعليه أكثر الأصحاب وقال بن أبي موسى
الاكتحال بما يجد طعمه كصبر يفطر.
ولا يفطر الإثمد غير المطيب إذا كان يسيرا نص
عليه.
واختار الشيخ تقي الدين أنه لا يفطر بذلك كله.
وقال بن عقيل: يفطر بالكحل الحاد دون غيره.
تنبيه: قوله: "بما يصل إلى حلقه" يعني يتحقق
الوصول إليه وهذا الصحيح من المذهب وجزم المجد
في شرحه إن وصل يقينا أو ظاهرا أفطر كالواصل
من الأنف كما تقدم عنه فيما إذا احتقن أو داوى
الجائفة.
قوله : "أو داوي المأمومة".
فسد صومه هذا المذهب وعليه الأصحاب إلا الشيخ
تقي الدين فإنه قال لا يفطر بذلك كما تقدم عنه
قريبا.
(3/212)
قوله : "أو
استقاء".
يعني: فقاء فسد صومه هذا المذهب سواء كان
قليلا أو كثيرا وعليه أكثر الأصحاب.
قال المصنف وغيره: هذا ظاهر المذهب [وعليه
الأصحاب] قال المجد [في شرحه] وغيره: هذا أصح
الروايات.
قال الزركشي: هذا المذهب بلا ريب وجزم به في
الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره وقال في
الفروع ويتوجه أن لا يفطر به وعنه لا يفطر إلا
بملء الفم اختاره ابن عقيل وعنه بملئه أو نصفه
كنقض الوضوء.
قال ابن عقيل في الفصول: ولا وجه لهذه الرواية
عندي وعنه إن فحش أفطر وإلا فلا وقاله القاضي
وذكر بن هبيرة أنها الأشهر.
قال بن عبدوس في تذكرته: واستقائه ناقضا.
واحتج القاضي بأنه لو تجشأ لم يفطر وإن كان لا
يخلو أن يخرج معه أجزاء نجسة لأنه يسير كذا ها
هنا قال في الفروع: كذا قال.
ويتوجه ظاهر كلام غيره: إن خرج معه نجس فإن
قصد به القيء فقد استقاء فيفطر وإن لم يقصد لم
يستقىء فلم يفطر وإن نقض الوضوء وذكر ابن عقيل
في مفرداته أنه إذا قاء بنظره إلى ما يغثيه
يفطر كالنظر والفكر.
قوله : "أو استمنى".
فسد صومه يعني إذا استمنى فأمنى وهذا المذهب
وعليه جماهير الأصحاب وقيل لا يفسد.
قوله : "أو قبل أو لمس فأمنى".
فسد صومه هذا المذهب وعليه الأصحاب ووجه في
الفروع احتمالا بأنه لا يفطر ومال إليه ورد ما
احتج به المصنف والمجد.
فائدتان :
إحداهما : لو نام نهارا فاحتلم لم يفسد صومه
وكذا لو أمنى من وطء ليل أو أمنى ليلا من
مباشرة نهارا قال في الفروع وظاهره ولو وطىء
قرب الفجر ويشبهه من اكتحل إذن.
الثانية : لو هاجت شهوته فأمنى أو أمذى ولم
يمس ذكره لم يفطر على الصحيح من المذهب وخرج
بلى.
(3/213)
قوله : "أو
أمذى".
يعني: إذا قبل أو لمس فأمذى فسد صومه هذا
الصحيح من المذهب نص عليه وعليه أكثر الأصحاب.
وقيل: لا يفطر اختاره الآجري وأبو محمد الجوزي
والشيخ تقي الدين نقله عنه في الاختيارات قال
في الفروع وهو أظهر.
قلت: وهو الصواب.
واختار في الفائق: أن المذي عن لمس لا يفسد
الصوم وجزم به في نهاية ابن رزين ونظمها.
ويأتي في كلام المصنف في آخر الباب "إذا جامع
دون الفرج فأنزل أو لم ينزل" وما يتعلق به.
قوله : "أو كرر النظر فأنزل".
فسد صومه وهذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب وقال
الآجري لا يفسد.
تنبيه : مفهوم قوله: "أو كرر النظر فأنزل" أنه
لو كرر النظر فأمذى لا يفطر وهو صحيح وهو
المذهب وعليه أكثر الأصحاب قال الزركشي هذا
الصحيح.
وقال في الفروع: القول بالفطر أقيس على المذهب
كاللمس وروى عن أبي بكر عبد العزيز.
ومفهوم كلامه أيضا: أنه إذا لم يكرر النظر لا
يفطر وهو صحيح وسواء أمنى أو أمذى وهو المذهب
وعليه أكثر الأصحاب لعدم إمكان التحرز وقيل
يفطر بهما.
ونص الإمام أحمد: يفطر بالمني لا بالمذي وقطع
به القاضي.
ويأتي قريبا "إذا فكر فأنزل وكذا إذا فكر
فأمذى".
ويأتي بعد ذلك هل "تجب الكفارة بالقبلة واللمس
وتكرار النظر؟".
قوله : "أو حجم أو احتجم".
فسد صومه هذا المذهب فيهما وعليه جماهير
الأصحاب ونص عليه وهو من المفردات وعنه إن
علما النهي أفطرا وإلا فلا.
واختار الشيخ تقي الدين: إن مص الحاجم
القارورة أفطر وإلا فلا ويفطر المحجوم عنده إن
خرج الدم وإلا فلا.
وقال الخرقي: أو احتجم فظاهره أن الحاجم لا
يفطر.
ولا نعلم أحدا من الأصحاب فرق في الفطر وعدمه
بين الحاجم والمحجوم.
(3/214)
قال في الفروع:
كذا قال قال ولعل مراده ما اختاره شيخنا أن
الحاجم يفطر إذا مص القارورة.
قال الزركشي: كان من حقه أن يذكر الحاجم أيضا.
فائدتان :
إحداهما : قال في الفروع ظاهر كلام الإمام
أحمد والأصحاب أنه لا فطر إن لم يظهر دم قال
وهو متوجه واختاره شيخنا وضعف خلافه انتهى.
قلت: قال في الفائق ولو احتجم فلم يسل دم لم
يفطر في أصح الوجهين.
وجزم بالفطر ولو لم يظهر دم في الفصول والمذهب
ومسبوك الذهب والمستوعب والتلخيص والرعايتين
والحاويين والمنور والزركشي فقال لا يشترط
خروج الدم بل يناط الحكم بالشرط.
الثانية : لو جرح نفسه لغير التداوي بدل
الحجامة لم يفطر.
تنبيه : ظاهر كلام المصنف أنه لا يفطر بغير
الحجامة فلا يفطر بالفصد وهو أحد الوجهين
والصحيح منهما قال في التلخيص والبلغة لا يفطر
بالفصد على أصح الوجهين وصححه الزركشي واختاره
بن عبدوس في تذكرته وجزم به القاضي في التعليق
وصاحب المستوعب والمحرر فيه والمنور وقدمه
المجد في شرحه وصاحب الفروع.
والوجه الثاني: يفطر به جزم به بن هبيرة عن
الإمام أحمد قال الشيخ تقي الدين هذا أصح
الوجهين واختاره هو وصاحب الفائق وأطلقهما في
الحاويين وقال في الرعايتين الأولى إفطار
المفصود دون الفاصد قال في الفائق ولا فطر على
فاصد في أصح الوجهين واختاره الشيخ تقي الدين.
فعلى القول بالفطر: هل يفطر بالتشريط قال في
الرعاية يحتمل وجهين وقال الأولى إفطار
المشروط دون الشارط واختاره الشيخ تقي الدين
وصححه في الفائق.
وظاهر كلام المصنف وغيره: أنه لا يفطر بإخراج
دمه برعاف وغيره وهو صحيح وهو المذهب واختار
الشيخ تقي الدين الإفطار بذلك.
قوله : "عامدا ذاكرا لصومه فسد صومه وإن فعله
ناسيا أو مكرها لم يفسد".
يعني: أنه إذا فعل ما تقدم ذكره عامدا ذاكرا
لصومه مختارا يفسد صومه وإن فعله ناسيا أو
مكرها سواء أكره على الفطر حتى فعله أو فعل به
لم يفسد صومه وهذا المذهب في ذلك كله ونقله
الجماعة عن الإمام أحمد ونقله الفضل في
الحجامة وذكره ابن عقيل في مقدمات الجماع
وذكره الخرقي في الإمناء بقبلة أو تكرار نظر
وقال في المستوعب: المساحقة كالوطء
(3/215)
فيما دون الفرج
وكذا من استمنى فأنزل المني وذكر أبو الخطاب
أنه كالأكل في النسيان.
وقال في الرعاية الكبرى: من فعل بعض ذلك جاهلا
أو مكرها فلا قضاء في الأصح وعنه يفطر
بالحجامة ناس اختاره ابن عقيل في التذكرة
لظاهر الخبر.
واختار ابن عقيل أيضا: الفطر بالاستمناء ناسيا
وقيل يفطر باستمناء قال في الفروع والمراد
مقدمات الجماع وذكر في الرعاية الفطر إن أمنى
بغير مباشرة مطلقا وقيل عامدا أو أمذى بغير
المباشرة عامدا وقيل أو ساهيا.
وقال في المكره: لا قضاء في الأصح وقيل يفطر
إن فعل بنفسه كالمريض ولا يفطر إن فعله غيره
به بأن صب في حلقه ماء مكرها أو نائما أو دخل
في فيه ماء المطر.
فوائد :
إحداها : لو أوجر المغمى عليه لأجل علاجه لم
يفطر على الصحيح من المذهب وقيل يفطر.
الثانية : الصحيح من المذهب أن الجاهل
بالتحريم يفطر بفعل المفطرات ونص عليه في
الحجامة وعليه أكثر الأصحاب قال المجد هو قول
غير أبي الخطاب وقدمه في الفروع والحاوي
الصغير والمحرر قال الزركشي هو اختيار
الشيخين.
وقيل: لا يفطر كالمكره والناسي وجزم به في
الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب
والخلاصة والتبصرة والتلخيص والبلغة والرعاية
الصغرى واقتصر على كلام أبي الخطاب في الحاوي
الكبير وصححه في الرعاية الكبرى وقدمه المجد
في شرحه لأنه لم يتعمد المفسد كالناسي.
الثالثة : لو أراد من وجب عليه الصوم أن يأكل
أو يشرب في رمضان ناسيا أو جاهلا فهل يجب
إعلامه على من رآه فيه وجهان وأطلقهما في
الفروع والرعاية الكبرى.
إحداهما : يلزمه الإعلام.
قلت: هو الصواب وهو في الجاهل آكد لفطره به
على المنصوص.
والوجه الثاني : لا يلزمه إعلامه ووجه في
الفروع وجها ثالثا بوجوب إعلام الجاهل لا
الناسي قال ويتوجه مثله إعلام مصل أتى بمناف
لا يبطل وهو ناس أو جاهل انتهى.
قلت: ولهذه المسألة نظائر.
منها: لو علم نجاسة ماء فأراد جاهل به
استعماله هل يلزمه إعلامه قدمه في الرعاية أو
لا يلزمه إن قيل إزالتها شرط أقوال.
ومنها: لو دخل وقت صلاة على نائم هل يجب
إعلامه أو لا أو يجب إن ضاق الوقت جزم به في
التمهيد وهو الصواب أقوال لأن النائم كالناسي.
(3/216)
ومنها: لو
أصابه ماء ميزاب هل يلزم الجواب للمسئول أو لا
أو يلزم إن كان نجسا اختاره الأزجي وهو الصواب
أقوال.
وتقدم ذلك في كتاب الطهارة والصلاة.
وسبق أيضا: أنه يجب على المأموم تنبيه الإمام
فيما يبطل لئلا يكون مفسدا لصلاته مع قدرته.
الرابعة : لو أكل ناسيا فظن أنه قد أفطر فأكل
عمدا فقال في الفروع: يتوجه أنها مسألة الجاهل
بالحكم فيه الخلاف السابق وقال في الرعاية يصح
صومه ويحتمل عدمه قال في الفروع كذا قال
انتهى.
قلت: ويشبه ذلك لو اعتقد البينونة في الخلع
لأجل عدم عود الصفة ثم فعل ما حلف عليه على ما
يأتي في آخر باب الخلع.
تنبيه : ظاهر كلام المصنف أنه لا كفارة عليه
فيما تقدم من المسائل حيث قلنا يفسد صومه وهو
صحيح وهو المذهب وعليه أكثر الأصحاب سوى
المباشرة بقبلة أو لمس أو تكرار نظر وفكر على
خلاف وتفصيل يأتي قريبا إن شاء الله تعالى.
ونقل حنبل يقضي ويكفر للحقنة ونقل محمد بن
عبدك يقضي ويكفر من احتجم في رمضان وقد بلغه
الخبر وإن لم يبلغه قضى فقط.
قال المجد: فالمفطرات المجمع عليها أولى وقال
قال بن البنا على هذه الرواية يكفر بكل أما
فطره بفعله كبلع حصاة وقيء وردة وغير ذلك.
وقال في الرعاية بعد رواية محمد بن عبدك وعنه
يكفر من أفطر بأكل أو شرب أو استمناء فاقتصر
على هذه الثلاثة وقال في الحاويين وفي
الاستمناء سهوا. وجهان.
وخص الحلواني رواية الحجامة بالمحجوم وذكر بن
الزاغوني على رواية الحجامة كما ذكره بن البنا
لأنه أتى بمحظور الصوم كالجماع وهو ظاهر
اختيار أبي بكر الآجري وصرح في أكل وشرب.
تنبيه : حيث قلنا يكفر هنا فهي ككفارة الجماع
على الصحيح من المذهب مطلقا وقيل يكفر للحجامة
ككفارة الحامل والمرضع على ما تقدم وأطلقهما
في الفائق والزركشي.
قوله : "وإن طار إلى حلقه ذباب أو غبار".
لم يفسد صومه هذا المذهب وعليه الأصحاب وحكى
في الرعاية قولا أنه يفطر من طار إلى حلقه
غبار إذا كان غير ماش أو غير نخال أو وقاد وهو
ضعيف جدا.
قوله : "أو قطر في إحليله".
لم يفسد صومه وهو المذهب نص عليه وعليه أكثر
الأصحاب وقطع به أكثرهم وقيل يفطر إن وصل إلى
مثانته وهو العضو الذي يجتمع فيه البول داخل
الجوف.
(3/217)
قوله : "أو فكر
فأنزل".
لم يفسد صومه وكذا لو فكر فأمذى وهو الصحيح من
المذهب فيهما وهو ظاهر كلام الإمام أحمد وعليه
أكثر الأصحاب قال في الفروع وهو أشهر قال
الزركشي هذا أصح الوجهين وقال أبو حفص البرمكي
وابن عقيل يفطر بالإنزال والمذي إذا حصل بفكره
وقيل يفطر بهما إن استدعاهما وإلا فلا.
قوله : "أو احتلم".
لم يفسد صومه بلا نزاع.
قوله : "أو ذرعه القيء".
لم يفسد صومه بلا نزاع وكذا لو عاد إلى جوفه
بغير اختياره فأما إن أعاده باختياره أو قاء
ما لا يفطر به ثم أعاده باختياره أفطر.
قوله : "أو أصبح في فيه طعام فلفظه".
لم يفسد صومه بلا نزاع وكذا لو شق لفظه فبلعه
مع ريقه بغير قصد أو جرى ريقه ببقية طعام تعذر
رميه أو بلع ريقه عادة لم يفطر وإن أمكنه لفظه
بأن تميز عن ريقه فبلعه باختياره أفطر نص
عليه.
قال أحمد فيمن تنخع دما كثيرا في رمضان أحسن
عنه ومن غير الجوف أهون وإن بصق نخامة بلا قصد
من مخرج الحاء المهملة ففي فطره وجهان مع أنه
في حكم الظاهر قاله في الفروع كذا قيل وجزم به
في الرعاية.
قلت: الصواب عدم الفطر.
قوله : "أو اغتسل".
يعني إذا أصبح لم يفسد صومه لو أخر الغسل إلى
بعد طلوع الفجر واغتسل صح صومه بلا نزاع وكذا
على الصحيح من المذهب لو أخره يوما كاملا صح
صومه ولكن يأثم وهذا المذهب من حيث الجملة ومن
حيث التفصيل يبطل صومه حيث كفرناه بالترك
بشرطه وحيث لم نكفره بالترك لم يبطل ولكن يأثم
وهذا المذهب.
وقال في المستوعب: يجيء على الرواية التي تقول
يكفر بترك الصلاة إذا تضايق وقت التي هي بعدها
أن يبطل الصوم إذا تضايق وقت الظهر قبل أن
يغتسل ويصلي الفجر قال في الفروع كذا قال قال
ومراده ما قاله في الرعاية كما قدمناه من
التفصيل انتهى.
(3/218)
قلت: وإنما لم
يرتض صاحب الفروع كلامه في المستوعب لأن
الصحيح من المذهب أن لا يكفر بمجرد ترك الصلاة
ولو ترك صلوات كثيرة بل لا بد من دعائه إلى
فعلها كما تقدم ذلك في كتاب الصلاة.
فائدتان:
إحداهما : حكم الحائض تؤخر الغسل إلى ما بعد
طلوع الفجر حكم الجنب على ما تقدم على الصحيح
من المذهب.
ونقل صالح في الحائض تؤخر الغسل بعد الفجر
تقضى.
الثانية : يستحب للجنب والحائض إذا طهرت ليلا
الغسل قبل الفجر.
قوله : "وإن زاد على الثلاث أو بالغ فيهما
فعلى وجهين".
وأطلقهما في الهداية والمستوعب والخلاصة
والكافي والهادي والمغني والتلخيص والبلغة
وشرح المجد والمحرر والشرح والرعايتين
والحاويين وشرح بن منجا والنظم والفروع
والفائق.
أحدهما : لا يفطر وهو المذهب صححه في التصحيح
قال في العمدة لو تمضمض أو استنشق فوصل إلى
حلقه ماء لم يفسد صومه وجزم به في الإفادات
وناظم المفردات وهو منها ويأتي كلامه في
الوجيز والمنور.
والوجه الثاني: يفطر صححه في المذهب ومسبوك
الذهب وقدمه ابن رزين في شرحه وجزم في الفصول
بالفطر بالمبالغة وقال به إذا زاد على الثلاث.
وقيل: يبطل بالمبالغة دون الزيادة اختاره
المجد قال في الوجيز والمنور لو دخل حلقه ماء
طهارة ولو بمبالغة لم يفطر.
وظاهر كلام الإمام أحمد: إبطال الصوم
بالمجاوزة على الثلاث فإنه قال إذا جاوز
الثلاث فسبق الماء إلى حلقه يعجبني أن يعيد
الصوم قاله ابن عقيل والمجد في شرحه.
فائدتان :
إحداهما : لو تمضمض أو استنشق لغير طهارة فإن
كان لنجاسة ونحوها فحكمها حكم الوضوء وإن كان
عبثا أو لحر أو عطش كره نص عليه وفي الفطر به
الخلاف المتقدم في الزائد على الثلاث وكذا
الحكم إن غاص في الماء في غير غسل مشروع أو
أسرف في الغسل المشروع على الصحيح من المذهب
قدمه في الفروع وقال المجد في شرحه إن فعله
لغرض صحيح فكالمضمضة المشروعة وإن كان عبثا
فكمجاوزة الثلاث.
ونقل صالح: يتمضمض إذا أجهد.
(3/219)
الثانية : لا
يكره للصائم الغسل واختار المجد أن غوصه في
الماء كصبه عليه ونقل حنبل لا بأس به إذا لم
يخف أن يدخل الماء حلقه أو مسامعه وجزم به
بعضهم وقال في الرعاية يكره في الأصح.
فإن دخل حلقه: ففي فطره وجهان وقيل له ذلك ولا
يفطر انتهى.
ونقل بن منصور وأبو داود وغيرهما يدخل الحمام
ما لم يخف ضعفا.
فائدتان :
إحداهما: قوله: "ومن أكل شاكا في طلوع الفجر
فلا قضاء عليه".
يعني إذا دام شكه وهذا بلا نزاع مع أنه لا
يكره الأكل والشرب مع الشك في طلوعه ويكره
الجماع مع الشك نص عليهما.
الثانية : لو أكل يظن طلوع الفجر فبان ليلا
ولم يجدد نية صومه الواجب قضاء قال في الفروع
كذا جزم به بعضهم.
وما سبق من أن له الأكل حتى يتيقن طلوعه يدل
على أنه لا يمنع نية الصوم وقصده غير اليقين
والمراد والله أعلم اعتقاد طلوعه انتهى.
قوله : "وإن أكل شاكا في غروب الشمس فعليه
القضاء".
يعني إذا دام شكه وهذا إجماع وكذا لو أكل يظن
بقاء النهار إجماعا فلو بان ليلا فيهما لم يقض
وعبارة بعضهم صح صومه.
فائدة : قال في الفروع: وإن أكل يظن الغروب ثم
شك ودام شكه لم يقض وجزم به.
وقال في القاعدة التاسعة والخمسين بعد المائة:
يجوز الفطر من الصيام بغلبة ظن غروب الشمس في
ظاهر المذهب ومن الأصحاب من قال لا يجوز الفطر
إلا مع تيقن الغروب وبه جزم صاحب التلخيص
والأول أصح انتهى.
قال الزركشي: لو أكل ظانا أن الفجر لم يطلع أو
أن الشمس قد غربت فلم يتبين له شيء فلا قضاء
عليه ولو تردد بعد قاله أبو محمد.
وأوجب صاحب التلخيص القضاء في ظن الغروب ومن
هنا قال: يجوز الأكل بالاجتهاد في أول اليوم
دون آخره وأبو محمد يجوزه بالاجتهاد فيهما.
قوله : "وإن أكل معتقدا أنه ليل فبان نهارا
فعليه القضاء".
وهو المذهب وعليه الأصحاب وحكى في الرعاية
رواية لا قضاء على من جامع يعتقده ليلا فبان
نهارا.
واختار الشيخ تقي الدين: أنه لا قضاء عليه.
(3/220)
واختار صاحب
الرعاية إن أكل يظن بقاء الليل فأخطأ لم يقض
لجهله وإن ظن دخوله فأخطأ قضى وتقدم إذا أكل
ناسيا فظن أنه أفطر فاكل متعمدا.
قوله : "وإذا جامع في نهار رمضان في الفرج
قبلا كان أو دبرا".
يعني بفرج أصلي في فرج أصلي "فعليه القضاء
والكفارة عامدا كان أو ساهيا".
لا خلاف في وجوب القضاء والكفارة على العامد
والصحيح من المذهب أن الناسي كالعامد في
القضاء والكفارة نقله الجماعة عن الإمام أحمد
وعليه أكثر الأصحاب قال الزركشي هو المشهور
عنه والمختار لعامة أصحابه وهو من مفردات
المذهب.
وعنه لا يكفر اختارها بن بطة قال الزركشي
ولعله مبني على أن الكفارة ماحية ومع النسيان
لا إثم ينمحي.
وعنه ولا يقضى أيضا اختاره الآجري وأبو محمد
الجوزي والشيخ تقي الدين وصاحب الفائق.
تنبيهات
الأول : قوله "قبلا كان أو دبرا" هو المذهب
وعليه الأصحاب. ووجه في الفروع تخريجا من
الغسل والحد لا يقضى ولا يكفر إذا جامع في
الدبر لكن إن أنزل فسد صومه وقد قاس جماعة
عليهما.
الثاني : شمل كلام المصنف رحمه الله تعالى
الحي والميت من الآدمي وهو الصحيح وهو المذهب
وعليه جماهير الأصحاب وقال في المستوعب إن
أولج في آدمي ميت ففي الكفارة وجهان وأطلقهما
في الرعاية الصغرى والحاويين ويأتي حكم وطء
البهيمة الميتة.
الثالث : شمل كلام المصنف أيضا المكره وهو
الصحيح من المذهب ونص عليه وعليه أكثر الأصحاب
وسواء أكره حتى فعله أو فعل به من نائم وغيره
وعنه لا كفارة عليه مع الإكراه والنسيان
واختار ابن عقيل أنه لا كفارة على من فعل به
من نائم ونحوه.
وعنه كل أمر غلب عليه الصائم فليس عليه قضاء
ولا غيره قال أكثر الأصحاب كما قال المصنف.
وهذا يدل على إسقاط القضاء والكفارة مع
الإكراه والنسيان.
قال ابن عقيل في مفرداته: الصحيح في الأكل
والوطء إذا غلب عليهما لا يفسدان قال فأنا
أخرج في الوطء رواية من الأكل وفي الأكل رواية
من الوطء ونفى القاضي في تعليقه هذه الرواية
وقال يجب القضاء رواية واحدة وكذا قال
الشيرازي وغيره.
واختار الشيخ تقي الدين: أنه لا قضاء مع
الإكراه واختاره في الفائق.
وقيل: يقضي من فعل بنفسه لا من فعل به من نائم
وغيره.
وقيل: لا قضاء مع النوم فقط وذكر بعضهم نص
أحمد لعدم حصول مقصوده.
(3/221)
فوائد :
الأولى : حيث فسد الصوم بالإكراه فهو في
الكفارة كالناسي على الصحيح من المذهب وقيل
يرجع بالكفارة على من أكرهه.
قلت: وهو الصواب.
وقيل: يكفر من فعل بالوعيد دون غيره.
الثانية : لو جامع يعتقده ليلا فبان نهارا وجب
القضاء على الصحيح من المذهب قال في الفروع
جزم به الأكثر وذكر في الرعاية رواية أنه لا
يقضى واختاره الشيخ تقي الدين والصحيح من
المذهب أنه يكفر اختاره الأصحاب قاله المجد
وأنه قياس من أوجبها على الناسي وأولى انتهى
وهو من مفردات المذهب وعنه لا يكفر وأطلقهما
في الفروع.
فعلى الثانية: إن علم في الجماع أنه نهارا
ودام عالما بالتحريم لزمته الكفارة بناء على
من وطىء بعد فساد صومه.
الثالثة : لو أكل ناسيا أو اعتقد الفطرية ثم
جامع فحكمه حكم الناسي والمخطىء إلا أن يعتقد
وجوب الإمساك فيكفر على الصحيح على ما يأتي.
قوله : "ولا يلزم المرأة كفارة مع العذر".
هذا المذهب نص عليه وعليه أكثر الأصحاب وذكر
القاضي رواية تكفر وذكر أيضا أنها مخرجة من
الحج.
وعنه تكفر وترجع بها على الزوج اختاره بعض
الأصحاب قاله في التلخيص.
قلت: وهو الصواب.
قال في الرعايتين: وعنه لا تسقط فيكفر عنها.
وقال ابن عقيل: إن أكرهت حتى مكنت لزمتها
الكفارة وإن غصبت أو أتيت نائمة فلا كفارة
عليها.
فائدتان :
إحداهما : الصحيح من المذهب فساد صوم المكرهة
على الوطء نص عليه وعليه أكثر الأصحاب وهو
ظاهر كلام المصنف هنا.
وعنه لا يفسد اختاره في الروضة وأطلقهما في
مسبوك الذهب.
وقيل: يفسد إن قبلت لا المقهورة والنائمة.
وأفسد بن أبي موسى صوم غير النائمة.
(3/222)
الثانية : لو
جومعت المرأة ناسية فلا كفارة عليها وإن
أوجبناها على الناسي قال في الفروع وهو الأشهر
واختاره أبو الخطاب وجماعة وهو ظاهر كلام
المصنف هنا.
وقيل: حكمها حكم الرجل الناسي على ما تقدم
ذكره القاضي وقدمه في الفروع وقال في الفروع
ويتخرج أن لا يفسد صومها مع النسيان وإن فسد
صومه لأنه مفسد لا يوجب كفارة انتهى.
وكذا الخلاف والحكم: إذا جومعت جاهلة ونحوها.
وعنه يكفر عن المعذورة بإكراه أو نسيان أو جهل
ونحوه كأم ولده إذا أكرهها وقلنا يلزمها
الكفارة.
قوله : "وهل يلزمها مع عدمه على روايتين".
يعني: إذا طاوعته وأطلقهما في الهداية
والمستوعب والخلاصة والهادي والكافي والتلخيص
والمحرر والحاوي الكبير والفائق والشرح.
إحداهما : يلزمها وهو المذهب اختاره أبو بكر
وجزم به في المنور وتذكرة بن عبدوس وقدمه في
الفصول والرعايتين والحاوي الصغير والفروع
[وصححه في المحرر].
والرواية الثانية: لا يلزمها كفارة جزم به في
الوجيز.
وعنه يلزم الزوج كفارة واحدة عنهما خرجها أبو
الخطاب من الحج وضعفه غير واحد لأن الأصل عدم
التداخل.
فائدتان :
إحداهما : لو طاوعت أم ولده على الوطء كفرت
بالصوم على الصحيح من المذهب وقيل يكفر عنها
سيدها.
الثانية : لو أكره الرجل الزوجة على الوطء
دفعته بالأسهل فالأسهل ولو أفضى ذلك إلى ذهاب
نفسه كالمار بين يدي المصلي ذكره ابن عقيل
واقتصر عليه في الفروع.
قوله : "وإن جامع دون الفرج فأنزل أفطر".
هذا المذهب وعليه الأصحاب ووجه في الفروع
احتمالا لا يفطر بالإنزال إذا باشر دون الفرج
ومال إليه.
فائدة: لو أمذى بالمباشرة دون الفرج أفطر أيضا
على الصحيح من المذهب نص عليه وعليه أكثر
الأصحاب واختار الآجري وأبو محمد الجوزي
والشيخ تقي الدين أنه لا يفطر بذلك قال في
الفروع وهو أظهر.
قلت: وهو الصواب.
(3/223)
وتقدم نظير ذلك
إذا قبل أو لمس فأمنى أو أمذى أول الباب فإن
المسألة واحدة.
تنبيه : ظاهر كلام المصنف أنه يفطر أيضا إذا
كان ناسيا وجزم به الخرقي فقال ومن جامع دون
الفرج فأنزل عامدا أو ساهيا فعليه القضاء.
قال الزركشي: هذا المشهور عنه والمختار لعامة
أصحابه والقاضي وابن عقيل وغيرهما وقدمه في
المستوعب والرعايتين وجزم به في الوجيز
والصحيح من المذهب أنه لا يفطر إذا كان ناسيا
سواء أمنى أو أمذى ونقله الجماعة عن الإمام
أحمد وقدمه في الفروع.
قوله : "أو وطىء بهيمة في الفرج أفطر".
الصحيح من المذهب: أن الإيلاج في البهيمة
كالإيلاج في الآدمي نص عليه وعليه الأصحاب قال
الزركشي وقيل عنه لا تجب الكفارة بوطء
البهيمة.
ومبنى الخلاف عند الشريف وأبي الخطاب على وجوب
الحد بوطئها وعدمه انتهى.
قال في الفروع: وخرج أبو الخطاب في الكفارة
وجهين بناء على الحد وكذا خرجه القاضي رواية
بناء على الحد انتهى وقال بن شهاب لا يجب
بمجرد الإيلاج فيه غسل ولا فطر ولا كفارة قال
في الفروع كذا قال.
فائدة : الإيلاج في البهيمة الميتة كالإيلاج
في البهيمة الحية على الصحيح من المذهب وقيل
الحكم مخصوص بالحي فقط قدمه في الرعاية الكبرى
قال في الفروع كذا قيل.
قوله : "وفي الكفارة وجهان".
وهما روايتان في المجامع دون الفرج يعني إذا
جامع دون الفرج فأنزل أو وطء بهيمة في الفرج
وقلنا يفطر فأطلق الخلاف فيما إذا جامع دون
الفرج فأنزل وأطلقهما في الهداية والمذهب
ومسبوك الذهب والمستوعب والتلخيص والكافي
والمحرر والرعايتين والحاويين والفروع.
إحداهما : لا تجب الكفارة وهي المذهب اختاره
المصنف والشارح وصاحب النصيحة والخلاصة
والمحرر والفائق قال في الفروع وهي أظهر قال
ابن رزين وهي أصح وقدمه في النظم.
والرواية الثانية: تجب الكفارة اختارها الأكثر
منهم الخرقي وأبو بكر وبن أبي موسى والقاضي.
قال الزركشي: هي المشهورة من الروايتين حتى إن
القاضي في التعليق لم يذكر غيرها. قال في
الفروع: اختارها الأكثر وجزم به في الإفادات
والوجيز وقدمه في الفائق وشرح ابن رزين.
فعلى الأولى: لا كفارة على الناسي أيضا بطريق
أولى.
(3/224)
وعلى الثانية:
يجب عليه أيضا كالعامد على الصحيح جزم به
الخرقي والوجيز وصاحب التبصرة وقدمه في
الفروع.
قال الزركشي: هي المشهورة عنه والمختارة لعامة
أصحابه والقاضي وغيره وقال المصنف وصاحب
الروضة وغيرهما لا كفارة على الناسي.
فائدة : لو أنزل المجبوب بالمساحقة فحكمه حكم
الواطىء دون الفرج إذا أنزل قاله الأصحاب
وكذلك إذا تساحقت امرأتان فأنزلتا [إن قلنا
يلزم المطاوعة كفارة وإلا فلا كفارة قاله في
الفروع وغيره قال في المغني إذا تساحقتا
فأنزلتا] فهل حكمهما حكم المجامع في الفرج أو
لا كفارة عليهما بحال فيه وجهان مبنيان على أن
الجماع من المرأة هل يوجب الكفارة على روايتين
وأصح الوجهين لا كفارة عليهما لأنه ليس بمنصوص
عليه ولا في معنى المنصوص عليه فيبقى على
الأصل انتهى وكذلك الاستمناء على الصحيح من
المذهب وقال القاضي في التعليق لا كفارة
بالاستمناء معتمدا على نص أحمد وبالفرق.
فائدتان :
إحداهما: الصحيح من المذهب أن القبلة واللمس
ونحوهما إذا أنزل أو أمذى به لا تجب به
الكفارة ولو أوجبناها في المجامعة دون الفرج
قال في الفروع اختارها الأصحاب.
وعنه حكم ذلك حكم الوطء دون الفرج اختارها
القاضي وجزم به في الهداية والمذهب ومسبوك
الذهب والمستوعب والتلخيص والمحرر والإفادات
وأطلقهما في الفروع ونص أحمد إن قبل فأمذى لا
يكفر.
الثانية : لو كرر النظر فأمنى فلا كفارة على
الصحيح من المذهب كما لو لم يكرره وعنه هو
كاللمس إذا أمنى به وجزم في الإفادات بوجوب
الكفارة بذلك واختاره القاضي في تعليقه وقدمه
في الفائق وأطلق الروايتين في الهداية والفصول
والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والتلخيص.
وقيل: إن أمنى بفكره أو نظره واحدة عمدا أفطر
وفي الكفارة وجهان.
وأما إذا وطىء بهيمة في الفرج فأطلق المصنف في
وجوب الكفارة بذلك إذا قلنا يفطر وجهين
وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب
والمستوعب والخلاصة والحاوي والتلخيص والبلغة
والرعايتين والحاويين.
أحدهما : هو كوطء الآدمية وهو الصحيح ونص عليه
وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره
وقدمه في الفروع وغيره.
والوجه الثاني: لا تجب الكفارة بذلك خرجه أبو
الخطاب من القول بعدم وجوب الحد بوطء البهيمة
وخرجه القاضي رواية بناء على الحد وهو احتمال
في الكافي وتقدم قول بن شهاب لا يجب بمجرد
الإيلاج فيه غسل ولا فطر ولا كفارة.
(3/225)
قوله : "وإن
جامع في يوم رأى الهلال في ليلته وردت شهادته
فعليه القضاء والكفارة".
وهذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب ونقل حنبل لا
يلزمه الصوم اختاره الشيخ تقي الدين.
فعلى هذه الرواية: قال في المستوعب وتبعه في
الرعايتين والحاويين واختاره الشيخ تقي الدين
لا يلزمه شيء من الأحكام الرمضانية من الصوم
وغيره وتقدم ذلك عند قوله في كتاب الصيام "ومن
رأى هلال رمضان وحده وردت شهادته".
قوله : "وإن جامع في يومين ولم يكفر فهل يلزمه
كفارة أو كفارتان على وجهين".
وأطلقهما في الهداية والفصول والمغني والهادي
والكافي والشرح والنظم والفروع والزركشي وشرح
بن منجا.
أحدهما : يلزمه كفارتان وهو المذهب وحكاه بن
عبد البر عن الإمام أحمد رحمه الله كيومين في
رمضانين واختاره بن حامد والقاضي في خلافه
وجامعه وروايتيه والشريف وأبو الخطاب في
خلافيهما وبن عبدوس في تذكرته ونصره المجد في
شرحه.
قال في الخلاصة: لزمه كفارتان في الأصح قال في
المذهب ومسبوك الذهب هذا المشهور في المذهب
قال في التلخيص هذا أصح الوجهين قال في تجريد
العناية لزمه اثنتان في الأظهر وجزم به في
الإيضاح والإفادات والمنور وهو ظاهر المنتخب
وقدمه في المذهب ومسبوك الذهب والمحرر
والرعايتين والحاويين والفائق.
والوجه الثاني: لا يلزمه إلا كفارة واحدة
كالحدود وهو ظاهر كلام الخرقي واختاره أبو بكر
وبن أبي موسى قال في المستوعب واختاره القاضي
وقدمه هو وابن رزين في شرحه.
فائدة : قال المجد في شرحه فعلى قولنا
بالتداخل لو كفر بالعتق في اليوم الأول عنه ثم
في اليوم الثاني عنه ثم استحقت الرؤية الأولى
لم يلزمه بدلها وأجزأته الثانية عنهما ولو
استحقت الثانية وحدها لزمه بدلها ولو استحقتا
جميعا أجزأه بدلهما وقيل واحدة لأن محل
التداخل وجود السبب الثاني قبل أداء موجب
الأول ونية التعيين لا تعتبر فتلغو وتصير كنية
مطلقة هذا قياس مذهبنا انتهى.
قوله : "وإن جامع ثم كفر ثم جامع في يومه
فعليه كفارة ثانية".
هذا المذهب نص عليه وعليه الأصحاب وهو من
مفردات المذهب.
وذكر الحلواني رواية لا كفارة عليه وخرجه ابن
عقيل من أن الشهر عبادة واحدة وذكره بن عبد
البر إجماعا بما يقتضي دخول أحمد فيه.
(3/226)
تنبيه : مفهوم
كلام المصنف أنه لو جامع ثم جامع قبل التكفير
أنه لا يلزمه إلا كفارة واحدة وهو صحيح وهو
المذهب وعليه الأصحاب قال المصنف بغير خلاف
انتهى وعنه عليه كفارتان.
فعلى المذهب: تعدد الواجب وتداخل موجبه ذكره
صاحب الفصول والمحرر وغيرهما. وعلى الثاني: لم
يجب بغير الوطء الأول شيء.
قوله : "وكذلك كل من لزمه الإمساك إذا جامع".
يعني عليه الكفارة وهذا المذهب وعليه جماهير
الأصحاب ونص الإمام أحمد في مسافر قدم مفطرا
ثم جامع لا كفارة عليه.
فاختار المجد: حمل هذه الرواية على ظاهرها وهو
وجه ذكره بن الجوزي في المذهب وذكر القاضي في
تعليقه وجها فيمن لم ينو الصوم لا كفارة عليه
وحمل القاضي وأبو الخطاب هذه الرواية على أنه
لا يلزمه الإمساك.
فائدة : لو أكل ثم جامع ففيه الخلاف المتقدم
ذكره في الفروع.
قوله : "ولو جامع وهو صحيح ثم جن أو مرض أو
سافر لم تسقط عنه".
وكذا لو حاضت أو نفست وهذا المذهب في ذلك كله
ونص عليه في المرض وعليه الأصحاب.
وذكر أبو الخطاب في الانتصار وجها: تسقط
الكفارة بحدوث حيضة ونفاس لمنعهما الصحة
ومثلهما موت وكذا جنون إن منع طريان الصحة.
فائدة : وإن كانت كالأجنبية لو مات في أثناء
النهار بطل صومه.
وفائدة بطلان صومه: أنه لو كان نذرا وجب
الإطعام عنه من تركته وإن كان صوم كفارة تخيير
وجبت الكفارة في ماله.
قوله : "وإن نوى الصوم في سفره ثم جامع فلا
كفارة عليه".
هذا الصحيح من المذهب جزم به في الوجيز وغيره
وقدمه في الفروع وغيره واختاره القاضي وأكثر
الأصحاب قاله المجد قال المصنف وغيره يفطر
بنية الفطر فيقع الجماع بعد الفطر.
وذكر بعض الأصحاب رواية: عليه الكفارة وجزم به
على هذا قال في الفروع وهو أظهر وتقدم رواية
عند قول المصنف "ومن نوى الصوم في سفره فله
الفطر" أنه لا يجوز الفطر بالجماع فعليها إن
جامع كفر على الصحيح من المذهب وعنه لا يكفر.
(3/227)
قوله : "ولا
تجب الكفارة بغير الجماع في صيام رمضان".
يعني في نفس أيام رمضان وهذا المذهب وعليه
الأصحاب وقطع به أكثرهم وذكر في الرعاية رواية
يكفر إن أفسد قضاء رمضان.
فائدة : لو طلع الفجر وهو مجامع فإن استدام
فعليه القضاء والكفارة بلا نزاع وإن لم يستدم
بل نزع في الحال مع أول طلوع الفجر فكذلك عند
بن حامد والقاضي ونصره ابن عقيل في الفصول
وجزم به في المبهج في موضع من كلامه وفي
المنور ونظم المفردات وهو منها.
قال في الخلاصة: فعليه القضاء والكفارة في
الأصح.
وقال أبو حفص: لا قضاء عليه ولا كفارة قال في
الفائق وهو المختار.
واختاره الشيخ تقي الدين قاله في القواعد
وأطلقهما في الإيضاح والمبهج في موضع آخر
والهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب
والهادي والمغني والتلخيص والمحرر والشرح
والرعايتين والحاويين والفروع وذكر القاضي أن
أصل ذلك اختلاف الروايتين في جواز وطء من قال
لزوجته إن وطئتك كنت علي كظهر أمي قبل كفارة
الظهار فإن جاز فالنزع ليس بجماع وإلا كان
جماعا وقال بن أبي موسى يقضي قولا واحدا وفي
الكفارة عنه خلاف قال المجد وهذا يقتضي
روايتين.
إحداهما: يقضي قال وهو أصح عندي لحصوله مجامعا
أول جزء من اليوم أمر بالكف عنه بسبب سابق من
الليل واختاره بن عبدوس في تذكرته.
قال بن رجب في القاعدة الثامنة والخمسين:
المذهب أنه يفطر بذلك وفي الكفارة روايتان
وقال ينبغي أن يقال إن خشي مفاجأة الفجر أفطر
وإلا فلا وتقدم في باب الحيض بعض ذلك.
قوله : "والكفارة عتق رقبة فإن لم يجد فصيام
شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين
مسكينا".
الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب أن الكفارة
هنا واجبة على الترتيب كما قدمه المصنف.
وعنه أن الكفارة على التخيير فبأيها كفر أجزأه
قدمه في تجريد العناية ونظم نهاية ابن رزين.
ويأتي ذلك أيضا في أول الفصل الثالث من كتاب
الظهار.
(3/228)
فائدتان :
إحداهما : لو قدر على العتق في الصيام لم
يلزمه الانتقال نص عليه ويلزمه إن قدر عليه
قبل الشروع في الصوم.
الثانية : لا يحرم الوطء هنا قبل التكفير ولا
في ليالي صوم الكفارة قال في التلخيص وهذه
الكفارة مرتبة ككفارة الظهار سواء إلا في
تحريم الوطء قبل التكفير وفي ليالي الصوم إذا
كفر [به] فإنه يباح وجزم به في الرعايتين
والحاويين وقدمه في الفروع ككفارة القتل ذكره
فيها القاضي وأصحابه.
وذكر بن الحنبلي في كتاب أسباب النزول أن ذلك
يحرم عليه عقوبة وجزم به.
قوله : "فإن لم يجد سقطت عنه".
الصحيح من المذهب أن [هذه] الكفارة تسقط عنه
بالعجز عنها نص عليه وعليه أكثر الأصحاب قال
المصنف والشارح وصاحب الفروع وغيرهم هذا ظاهر
المذهب وجزم [به] في الوجيز وغيره وقدمه في
الفروع وغيره وقال في الرعاية الكبرى فإن عجز
وقت الجماع عنها بالمال وقيل والصوم سقطت نص
عليه قال في الفروع كذا قال.
وعنه لا تسقط. قال في الفروع ولعل هذه الرواية
أظهر وقال في الرعاية الكبرى وغيره تفريعا على
الرواية الثانية فلو كفر عنه غيره بإذنه فله
أخذها وجزم به في المحرر وقدمه في الحاويين
وقيل وبدون إذنه وعنه لا يأخذها وأطلق بن أبي
موسى في أنه هل يجوز له أكلها أم كان خاصا
بذلك الأعرابي على روايتين.
وقال في الفروع: ويتوجه احتمال أنه عليه أفضل
الصلاة والسلام رخص للأعرابي فيه لحاجته ولم
تكن كفارة.
فوائد :
إحداها : لا تسقط غير هذه الكفارة بالعجز عنها
ككفارة الظهار واليمين وكفارات الحج ونحو ذلك
على الصحيح من المذهب نص عليه وعليه جماهير
الأصحاب قال المجد وغيره وعليه أصحابنا.
وعنه تسقط. وذكر غير واحد تسقط ككفارة وطء
الحائض بالعجز على الأصح وعنه تسقط ككفارة وطء
الحائض بالعجز عنها كلها لأنه لا بدل فيها.
وقال ابن حامد: تسقط مطلقا كرمضان وتقدم في
كتاب الصيام بعد أحكام الحامل والمرضع هل يسقط
الإطعام بالعجز وتقدم ككفارة وطء الحائض في
بابه.
الثانية : حكم أكله من الكفارات بتكفير غيره
عنه حكم كفارة رمضان على الصحيح من المذهب
وعنه جواز أكله مخصوص بكفارة رمضان اختاره أبو
بكر وأطلقهما في المحرر.
(3/229)
الثالثة : لو
ملكه ما يكفر به وقلنا له أخذه هناك فله هنا
أكله وإلا أخرجه عن نفسه وهذا الصحيح من
المذهب.
وقيل: هل له أكله أو يلزمه التكفير به على
روايتين ذكره في الرعاية والفروع وجزم في
الحاويين أنه ليس له أخذها هنا ويأتي في كتاب
الظهار شيء من أحكام الكفارة لرمضان وغيره
مقدار ما يطعم كل مسكين وصفته.
(3/230)
باب ما يكره وما يستحب وحكم القضاء
قوله : "يكره للصائم أن يجمع ريقه فيبتلعه وأن
يبتلع النخامة وهل يفطر بها على وجهين".
إذا جمع ريقه وابتلعه قصدا كره بلا نزاع ولا
يفطر به على الصحيح من المذهب وعليه أكثر
الأصحاب كما لو ابتلعه قصدا ولم يجمعه وجزم به
في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
وفيه وجه آخر يفطر بذلك فيحرم فعله وأطلقهما
في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب
والخلاصة والرعايتين والحاويين والفائق.
فوائد :
إحداها : لو أخرج ريقه إلى ما بين شفتيه ثم
أعاده وبلعه حرم عليه وأفطر به على الصحيح من
المذهب قدمه في الفروع وجزم به في الرعايتين
والحاويين وغيرهم وقال المجد لا يفطر إلا إذا
خرج إلى ظاهر شفتيه ثم يدخله ويبلعه لإمكان
التحرز منه عادة كغير الريق.
الثانية : لو أخرج حصاة من فمه أو درهما أو
خيطا ثم أعاد فإن كان ما عليه كثيرا فبلعه
أفطر وإن كان يسيرا لم يفطر على الصحيح من
المذهب.
وقيل: يفطر.
الثالثة : لو أخرج لسانه ثم أدخله إلى فيه بما
عليه وبلعه لم يفطر ولو كان كثيرا على الصحيح
من المذهب وعليه أكثر الأصحاب منهم القاضي
وجزم به في المذهب وغيره وقدمه في الفروع
وغيره قال في الفروع أطلقه الأصحاب وقال ابن
عقيل يفطر وأطلقهما في مسبوك الذهب والرعايتين
والحاويين.
الرابعة : لو تنجس فمه أو خرج إليه قيء أو قلس
فبلعه أفطر نص عليه وإن قل,
(3/230)
لإمكان التحرز
منه وإن بصقه وبقي فمه نجسا فبلع ريقه فإن
تحقق أنه بلع شيئا نجسا أفطر وإلا فلا.
وأما النخامة إذا بلعها: فأطلق المصنف في
الفطر به وجهين.
واعلم أن النخامة تارة تكون من جوفه وتارة
تكون [من دماغه وتارة تكون من] حلقه فإذا وصلت
إلى فمه ثم بلعها فللأصحاب فيها ثلاث طرق.
أحدها : إن كانت من جوفه أفطر بها قولا واحدا
وإلا فروايتان وهذه الطريقة هي الصحيحة وهي
طريقة صاحب الفروع وغيره.
إحداهما : يفطر فيحرم وهو المذهب جزم به بن
عبدوس في تذكرته وصاحب المنور وقدمه في المحرر
والشرح.
والثانية : لا يفطر فيكره جزم به في الوجيز
وأطلقهما في الفروع.
الطريق الثاني: في بلع النخامة من غير تفريق
روايتان وهي طريقة القاضي وغيره قاله في
المستوعب وجزم بها في المذهب ومسبوك الذهب
والمجد في شرحه ومحرره والمصنف هنا وفي المغني
والنظم وغيرهم وقدمها في المستوعب والرعايتين
والحاويين والفائق وغيرهم.
إحداهما : يفطر بذلك وهو المذهب جزم به بن
عبدوس في تذكرته والمنور وقدمه في المحرر
والشرح.
والثانية : لا يفطر به صححه في الفصول وجزم به
في الوجيز وأطلقهما في المذهب ومسبوك الذهب
والمستوعب والرعايتين والحاويين والفائق
والمغني.
الطريق الثالث: إن كانت من دماغه أفطر قولا
واحدا وإن كانت من صدره فروايتان وهي طريقة بن
أبي موسى نقله عنه في المستوعب.
قوله : "ويكره ذوق الطعام".
هكذا قال جماعة وأطلقوا منهم صاحب الهداية
والمذهب والمحرر والمنور وهو ظاهر ما قدمه في
الفروع وقال ابن عقيل يكره من غير حاجة ولا
بأس به للحاجة وقال أحمد أحب إلي أن يجتنب ذوق
الطعام فإن فعل فلا بأس قال المجد في شرحه
والمنصوص عن أحمد أنه لا بأس به إذا كان
لمصلحة وحاجة كذوق الطعام من القدر والمضغ
للطفل ونحوه واختاره أبو بكر في التنبيه وحكاه
أحمد عن بن عباس.
فعلى الأول: إن وجد طعمه في حلقه أفطر لإطلاق
الكراهة.
وعلى الثاني: إذا ذاقه فعليه أن يستقصي في
البصق ثم إن وجد طعمه في حلقه لم يفطر
كالمضمضة وإن لم يستقص في البصق أفطر لتفريطه
على الصحيح من المذهب وقدمه في
(3/231)
الفروع وجزم
جماعة يفطر مطلقا.
قلت: هو ظاهر كلام المصنف هنا.
وقال في الفروع: ويتوجه الخلاف في مجاوزة
الثلاث.
قوله : "ويكره مضغ العلك الذي لا يتحلل منه
أجزاء".
قال في الهداية والمستوعب وغيرهما وهو الموميا
واللبان الذي كلما مضغه قوي وهذا المذهب نص
عليه وعليه الأصحاب لأنه يحلب الفم ويجمع
الريق ويورث العطش ووجه في الفروع احتمالا لا
يكره.
وقال في الرعاية في تحريم ما لا يتحلل غالبا:
وفطره بوصوله أو طعمه إلى حلقه وجهان وقال في
الرعاية الصغرى والحاويين وفي تحريم ما لا
يتحلل وجهان وقيل يكره بلا حاجة.
فعلى المذهب: هل يفطر إن وجد طعمه في حلقه أم
لا فيه وجهان وضعفهما في الكافي والفروع
والمغني والفروع.
أحدهما : لا يفطر وهو ظاهر كلام المصنف هنا
لأن مجرد وجود الطعم لا يفطر كمن لطخ باطن
قدمه بحنظل إجماعا ومال إليه المصنف والشارح.
والوجه الثاني: يفطر وجزم به في الوجيز وقدمه
ابن رزين في شرحه.
قوله : "ولا يجوز مضغ ما يتحلل منه أجزاء".
هذا مما لا نزاع فيه في الجملة بل هو إجماع.
قوله : "إلا أن لا يبلع ريقه".
يعني فيجوز وهكذا قال في الكافي والنظم
والوجيز وجزموا به بهذا القيد والصحيح من
المذهب أنه يحرم مضغ ذلك ولو لم يبتلع ريقه
وجزم به الأكثر وقدمه في الفروع وقال وفرض
بعضهم المسألة في ذوقه يعني يحرم ذوقه وإن لم
يذقه لم يحرم قال في الرعايتين ويحرم ذوق ما
يتحلل أو يتفتت وقيل إن بلع ريقه وإلا فلا.
قوله : "وتكره القبلة إلا أن تكون ممن لا تحرك
شهوته على إحدى الروايتين".
فاعل القبلة لا يخلو: إما أن يكون ممن تحرك
شهوته أو لا فإن كان ممن تحرك شهوته فالصحيح
من المذهب كراهة ذلك فقط جزم به في الهداية
والمبهج والمذهب ومسبوك الذهب والخلاصة والنظم
والوجيز والرعاية الصغرى والحاويين وقدمه في
الفروع والرعاية الكبرى وصححه.
وعنه تحرم جزم به في المستوعب وغيره.
(3/232)
تنبيه : محل
الخلاف إذا لم يظن الإنزال فإن ظن الإنزال حرم
عليه قولا واحدا.
وإن كان ممن لا تحرك شهوته فالصحيح من المذهب
أنها لا تكره قال في الفائق ولا تكره له
القبلة إذا لم تحرك شهوته على أصح الروايتين
قال في المبهج والوجيز وتكره القبلة بشهوة.
فمفهومه: لا تكره بلا شهوة وصححه في النظم
وقدمه في الفروع والمحرر والرعاية الصغرى
وصححه في الرعاية الكبرى.
وعنه تكره لاحتمال حدوث الشهوة وقدمه في
الرعاية الكبرى وأطلقهما في الهداية والمذهب
ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والمغني
والكافي والشرح والحاويين.
تنبيه : الظاهر أن الخلاف الذي أطلقه المصنف
عائد إلى من لا تحرك شهوته وعليه شرح الشارح
وبن منجا وصاحب التلخيص ولأن الخلاف فيه أشهر.
ويحتمل أن يعود على من تحرك شهوته فيكون تقدير
الكلام على هذا: وتكره القبلة على إحدى
الروايتين إلا أن يكون ممن لا تحرك شهوته فلا
تكره.
لكن يبعد هذا أن المصنف لم يحك الخلاف في
المغني والكافي.
فائدة : إذا خرج منه مني أو مذي بسبب ذلك فقد
تقدم في أول الباب الذي قبله وإن لم يخرج منه
شيء لم يفطر وذكره بن عبد البر إجماعا.
واعلم أن مراد من اقتصر من الأصحاب كالمصنف
وغيره على ذكر القبلة دواعي الجماع بأسرها
أيضا ولهذا قاسوه على الإحرام وقالوا عبادة
تمنع الوطء فمنعت دواعيه قال في الكافي وغيره
واللمس وتكرار النظر كالقبلة لأنهما في معناها
وقال في الرعاية بعد أن ذكر الخلاف في القبلة
وكذا الخلاف في تكرار النظر والفكر في الجماع
فإن أنزل أثم وأفطر والتلذذ باللمس والنظر
والمعانقة والتقبيل سواء هذا كلامه وهو مقتضى
ما في المستوعب وغيره.
قوله : "فإن شتم استحب أن يقول إني صائم".
يحتمل أن يكون مراده: أن يقول ذلك بلسانه في
الفرض والنفل مع نفسه يزجر نفسه بذلك ولا يطلع
الناس عليه وهو احد الوجوه جزم به في الرعاية
الكبرى وهو ظاهر كلامه هو وصاحب الفائق وغيره
وظاهر ما قدمه في الفروع.
ويحتمل أن يكون مراده: أن يقوله جهرا في رمضان
وغيره وهو الوجه الثاني للأصحاب واختاره الشيخ
تقي الدين.
ويحتمل أن يكون مراده أن يقوله جهرا في رمضان
وسرا في غيره زاجرا لنفسه وهو الوجه الثالث
واختاره المجد وذلك للأمن من الرياء وهو
المذهب على ما اصطلحناه.
(3/233)
تنبيهان
أحدهما : قوله : "ويستحب تعجيل الإفطار".
إجماعا. يعني إذا تحقق غروب الشمس.
الثاني : قوله : "ويستحب تأخير السحور".
إجماعا إذا لم يخش طلوع الفجر ذكره أبو الخطاب
والأصحاب قال في الفروع وظاهر كلام الشيخ يعني
به المصنف استحباب السحور مع الشك وذكر المصنف
أيضا قول أبي داود قال أبو عبد الله "إذا شك
في الفجر يأكل حتى يستيقن طلوعه" قال في
الفروع ولعل مراد غير الشيخ الجواز وعدم المنع
بالشك وكذا جزم بن الجوزي وغيره يأكل حتى
يستيقن وقال إنه ظاهر كلام الإمام أحمد وكذا
خص الأصحاب المنع بالمتيقن كشكه في نجاسة
طاهر.
قال الآجري وغيره ولو قال لعالمين ارقبا الفجر
فقال أحدهما طلع الفجر وقال الآخر لم يطلع أكل
حتى يتفقا.
وذكر ابن عقيل في الفصول: إذا خاف طلوع الفجر
وجب عليه أن يمسك جزءا من الليل ليتحقق له صوم
جميع اليوم وجعله أصلا لوجوب صوم يوم ليلة
الغيم وقال لا فرق ثم ذكر هذه المسألة في
موضعها وأنه لا يحرم الأكل مع الشك في الفجر
وقال بل يستحب قال في الفروع كذا قال وقال في
المستوعب والرعاية الأولى أن لا يأكل مع شكه
في طلوعه وجزم به المجد مع جزمه بأنه لا يكره.
فوائد :
الأولى : تقدم عند قوله ومن أكل شاكا في طلوع
الفجر فلا قضاء عليه أنه لا يكره الأكل والشرب
مع الشك في طلوعه ويكره الجماع نص عليهما.
الثانية : قال في الفروع لا يجب إمساك جزء من
الليل في أوله وآخره في ظاهر كلام جماعة وهو
ظاهر ما سبق أو صريحه وذكر بن الجوزي أنه أصح
الوجهين.
وقطع جماعة من الأصحاب بوجوب الإمساك في أصول
الفقه وفروعه وأنه مما لا يتم الواجب إلا به
وذكره ابن عقيل في الفنون وأبو يعلى الصغير في
صوم يوم ليلة الغيم.
الثالثة : المذهب يجوز له الفطر بالظن قاله في
الفروع وغيره.
وقال في التلخيص: يجوز الأكل بالاجتهاد في أول
اليوم لا يجوز في آخره إلا بيقين ولو أكل ولم
يتيقن لزمه القضاء في الآخر ولم يلزمه في
الأول انتهى.
قال في القواعد الأصولية: وهو ضعيف.
(3/234)
الرابعة : إذا
غاب حاجب الشمس الأعلى أفطر الصائم حكما وإن
لم يطعم ذكره في المستوعب وغيره وجزم به في
الفروع فلا يثاب على الوصال كما هو ظاهر
المستوعب واقتصر عليه في الفروع وقال وقد
يحتمل أنه يجوز له الفطر وقال والعلامات
الثلاث في قوله عليه أفضل الصلاة والسلام "
إذا أقبل الليل من ها هنا وأدبر النهار من ها
هنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم" متلازمة
وإنما جمع بينها لئلا يشاهد غروب الشمس فيعتمد
على غيرها ذكره النووي في شرح مسلم عن العلماء
قال في الفروع كذا قال قال ورأيت بعض أصحابنا
يتوقف في هذا ويقول يقبل الليل مع بقاء الشمس
ولعله ظاهر المستوعب انتهى.
قلت: وهذا مشاهد.
الخامسة : تحصل فضيلة السحور بأكل أو شرب قال
المجد في شرحه وكمال فضيلته بالأكل.
قوله : "وأن يفطر على التمر فإن لم يجد فعلى
الماء".
هكذا قال كثير من الأصحاب وقال في المغني
والشرح والفروع والفائق يسن أن يفطر على الرطب
فإن لم يجد فعلى التمر فإن لم يجد فعلى الماء
وقال في الوجيز: ويفطر على رطب أو تمر أو ماء
وقال في الحاويين يفطر على تمر أو رطب أو ماء
وقال في الرعايتين ويسن أن يعجل فطره على تمر
أو ماء.
قوله : "وأن يقول اللهم لك صمت وعلى رزقك
أفطرت سبحانك وبحمدك اللهم تقبل مني إنك أنت
السميع العليم".
هكذا ذكره جماعة من الأصحاب منهم المصنف وأبو
الخطاب قال في الفروع وهو أولى واقتصر عليه
جماعة وذكره بن حمدان وزاد "بسم الله" وذكره
بن الجوزي وزاد في أوله "بسم الله والحمد لله"
وبعد قوله: "وعلى رزقك أفطرت": "وعليك توكلت"
وذكر بعض الأصحاب قول بن عمر "كان النبي صلى
الله عليه وسلم يقول إذا أفطر: "ذهب الظمأ
وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله تعالى".
فوائد :
إحداها : يستحب أن يدعو عند فطره فإن له دعوة
لا ترد.
الثانية : يستحب أن يفطر الصوام. "ومن فطر
صائما فله مثل أجره من غير أن ينقص من أجره
شيء" قاله في الفروع وظاهر كلامهم من أي شيء
كان كما هو ظاهر الخبر وقال الشيخ تقي الدين
مراده بتفطيره أن يشبعه.
الثالثة : يستحب له كثرة قراءة القرآن والذكر
والصدقة.
(3/235)
قوله : "ويستحب
التتابع في قضاء رمضان ولا يجب".
هذا المذهب وعليه الأصحاب ونص عليه وذكره
القاضي في الخلاف في أن الزكاة تجب على الفور
إن [قلنا: إن] قضاء رمضان على الفور واحتج
بنصه في الكفارة ويأتي في الباب الذي يليه هل
يصح التطوع بالصيام قبل [قضاء] رمضان لهم أم
لا؟.
تنبيه : كلام المصنف وغيره ممن أطلق مقيد بما
إذا لم يبق من شعبان إلا ما يتسع للقضاء فقط
فإنه في هذه الصورة يتعين التتابع قولا واحدا.
فائدتان :
إحداهما : هل يجب العزم على فعل القضاء قال في
الفروع يتوجه الخلاف في الصلاة ولهذا قال ابن
عقيل في الصلاة لا تنتفي إلا بشرط العزم على
النفل في ثاني الوقت قال وكذا كل عبادة
متراخية.
الثانية : من فاته رمضان كاملا سواء كان تاما
أو ناقصا لعذر كالأسير والمطمور ونحوهما أو
غيره قضى عدد أيامه مطلقا كأعداد الصلوات على
الصحيح من المذهب اختاره صاحب المستوعب
والمصنف والمجد في شرحه وقدمه في الفروع وعند
القاضي إن قضى شهرا هلاليا أجزأه سواء كان
تاما أو ناقصا وإن لم يقض شهرا صام ثلاثين
يوما وهو ظاهر كلام الخرقي قال المجد وهو ظاهر
كلام الإمام أحمد وقال هو أشهر قال في الرعاية
الصغرى أجزأ شهر هلالي ناقص على الأصح وقدمه
في المحرر والرعاية الكبرى والنظم والحاويين
والفائق وجزم به في الإفادات والمنور
والتلخيص.
فعلى الأول: من صام من أول شهر كامل أو من
أثناء شهر تسعة وعشرين يوما وكان رمضان الفائت
ناقصا أجزأه عنه اعتبارا بعدد الأيام.
وعلى الثاني: يقضي يوما تكميلا للشهر بالهلال
أو العدد ثلاثين يوما.
قوله : "ولا يجوز تأخير قضاء رمضان إلى رمضان
آخر من غير عذر".
نص عليه وهذا بلا نزاع فإن فعل فعليه القضاء
وإطعام مسكين لكل يوم وهذا المذهب بلا ريب
وعليه الأصحاب وظاهره ولو أخره رمضانات ولم
يمت وهو كذلك ووجه في الفروع احتمالا لا يجب
الإطعام لظاهر قوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ
أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185]
وتقدم قريبا: أن قضاء رمضان على التراخي على
الصحيح.
فائدة : يطعم ما يجزئ كفارة ويجوز الإطعام قبل
القضاء ومعه وبعده قال المجد الأفضل تقديمه
عندنا مسارعة إلى الخير وتخلصا من آفات
التأخير.
(3/236)
قوله : "وإن
أخره لعذر فلا شيء عليه وإن مات".
هذا المذهب بلا ريب نص عليه وعليه الأصحاب
وذكر في التلخيص رواية يطعم عنه كالشيخ
الكبير.
وقال أبو الخطاب في الانتصار: يحتمل أن يجب
الصوم عنه أو التكفير.
تنبيه : ظاهر قوله: "وإن أخره لغير عذر فمات
قبل رمضان آخر أطعم عنه لكل يوم مسكين".
أنه لا يصام عنه وهو صحيح وهو المذهب وعليه
الأصحاب وقال أبو الخطاب في الانتصار في جواب
من قال العبادة لا تدخلها النيابة فقال لا
نسلم بل النيابة تدخل الصلاة والصيام إذا وجبت
وعجز عنها بعد الموت.
وقال أيضا فيه: فأما سائر العبادات فلنا رواية
أن الوارث ينوب عنه في جميعها في الصوم
والصلاة انتهى.
ومال الناظم إلى جواز صوم رمضان عنه بعد موته
فقال لو قيل به لم أبعد.
وقال في الفائق: ولو أخره لا لعذر فتوفى قبل
رمضان آخر أطعم عنه لكل يوم مسكين والمختار
الصيام عنه انتهى.
وقال بن عبدوس في تذكرته: ويصح قضاء نذر قلت
وفرض عن ميت مطلقا كاعتكاف انتهى.
وقال الشيخ تقي الدين: إن تبرع بصومه عمن لا
يطيقه لكبر ونحوه أو عن ميت وهما معسران يتوجه
جوازه لأنه أقرب إلى المماثلة من المال.
قوله : "وإن مات بعد أن أدركه رمضان آخر فهل
يطعم عنه لكل يوم مسكين أو اثنان على وجهين".
وحكاهما في الفائق روايتين وأطلقهما قال
الزركشي فوجهان وقيل روايتان.
أحدهما : يطعم عنه لكل يوم مسكين فقط وهو
المذهب نص عليه وجزم به في الوجيز والمستوعب
ومال إليه المجد في شرحه وقدمه في الفروع
والمغني والشرح والكافي.
قال الزركشي: وهو ظاهر إطلاق الخرقي والقاضي
والشيرازي وغيرهم.
والوجه الثاني: يطعم عنه لكل يوم مسكينان
لاجتماع التأخير والموت بعد التفريط جزم به في
الهداية والمذهب والخلاصة والتلخيص والمحرر
والإفادات والمنور وقدمه في الرعايتين
والحاويين.
واختار الشيخ تقي الدين: لا يقضي من أفطر
متعمدا بلا عذر وكذلك الصلاة وقال لا تصح عنه
وقال ليس في الأدلة ما يخالف هذا وهو من
مفردات المذهب.
(3/237)
فائدتان :
إحداهما : الإطعام يكون من رأس المال أوصى به
أو لم يوص.
الثانية : لا يجزئ صوم كفارة عن ميت وإن أوصى
به نص عليه وإن كان موته بعد قدرته عليه وقلنا
الاعتبار بحالة الوجوب أطعم عنه ثلاثة مساكين
لكل يوم مسكين ذكره القاضي.
ولو مات وعليه صوم شهر من كفارة: أطعم عنه
أيضا نص عليه.
قوله : "وإن مات وعليه صوم أو حج أو اعتكاف
منذور فعله عنه وليه".
إذا مات وعليه صوم منذور فعله عنه وليه على
الصحيح من المذهب نص عليه وعليه الأصحاب قاله
في الفروع وغيره وهو من المفردات واختار ابن
عقيل أن صوم النذر عن الميت كقضاء رمضان على
ما سبق وقدمه في الفروع.
فائدتان :
إحداهما : يجوز صوم جماعة عنه في يوم واحد
ويجزئ عدتهم من الأيام على الصحيح اختاره
المجد في شرحه قال في الفروع هو أظهر وقدمه
الزركشي وحكاه الإمام أحمد عن طاوس.
وحمل المجد ما نقل عن أحمد على صوم شرطه
التتابع وتعليل القاضي يدل عليه.
ونقل أبو طالب: يصوم واحد قال القاضي في
الخلاف فمنع الاشتراك كالحجة المنذورة تصح
النيابة فيها من واحد لا من جماعة.
الثانية : يجوز أن يصوم غير الولي بإذنه
وبدونه على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع
وقال جزم به القاضي [والأكثر منهم المصنف في
المغني].
وقيل: لا يصح إلا بإذنه وذكر المجد أنه ظاهر
نقل حرب يصوم أقرب الناس إليه ابنه أو غيره.
قال في الفروع: فيتوجه يلزم من الاقتصار على
النص أنه لا يصام بإذنه.
فائدتان :
الأولى : قوله : "فعله عنه وليه".
يستحب للولي فعله.
واعلم أنه إذا كان له تركه وجب فعله فيستحب
للولي الصوم وله أن يدفع إلى من يصوم عنه من
تركته عن كل يوم مسكينا وجزم به في القاعدة
الرابعة والأربعين بعد المائة فإن لم يكن له
تركه لم يلزمه شيء.
(3/238)
وقال في
المستوعب وغيره: ومع امتناع الولي من الصوم
يجب إطعام مسكين من مال الميت عن كل يوم ومع
صوم الورثة لا يجب.
وجزم المصنف في مسألة من نذر صوما يعجز عنه أن
صوم النذر لا إطعام فيه بعد الموت بخلاف
رمضان.
قال في الفروع: ولم أجد في كلامه خلافه وقال
المجد لم يذكر القاضي في المجرد أن الورثة إذا
امتنعوا يلزمهم استنابة ولا إطعام.
الثانية : لا كفارة مع الصوم عنه أو الإطعام
على الصحيح من المذهب.
واختار الشيخ تقي الدين: أن الصوم عنه بدل
مجزىء عنه بلا كفارة.
وأوجب في المستوعب الكفارة قال كما لو عين
بنذره صوم شهر فلم يصمه فإنه يجب القضاء
والكفارة قال في الرعاية إن لم يقضه عنه ورثته
أو غيرهم أطعم عنه من تركته لكل يوم فقير مع
كفارة يمين وإن قضى كفته كفارة يمين وعنه مع
العذر المتصل بالموت.
تنبيهات
الأول : هذا التفريع كله فيمن أمكنه صوم ما
نذره فلم يصمه حتى مات فأما إن أمكنه صوم بعض
ما نذره قضي عنه ما أمكنه صومه فقط قدمه في
الفروع قال المجد في شرحه ذكره القاضي وبعض
أصحابنا وذكره ابن عقيل أيضا وذكر القاضي في
مسألة الصوم عن الميت أن من نذر صوم شهر وهو
مريض ومات قبل القدرة عليه يثبت الصيام في
ذمته ولا يعتبر إمكان أدائه ويخير وليه بين أن
يصوم عنه أو ينفق على من يصوم عنه.
واختار المجد: أنه يقضى عن الميت ما تعذر فعله
بالمرض دون المتعذر بالموت وقال في القاعدة
التاسعة عشرة وأما المنذورات ففي اشتراط
التمكن لها من الأداء وجهان.
فعلى القول بالقضاء: هل يقضى الصائم الفائت
بالمرض خاصة أو الفائت بالمرض والموت على
وجهين.
الثاني : هذا كله إذا كان النذر في الذمة فأما
إن نذر صوم شهر بعينه فمات قبل دخوله لم يصم
ولم يقض عنه قال المجد في شرحه وهذا مذهب سائر
الأئمة ولا أعلم فيه خلافا وإن مات في أثنائه
سقط باقيه فإن لم يصمه لمرض حتى انقضى ثم مات
في مرضه فعلى الخلاف السابق فيما إذا كان في
الذمة.
هذه أحكام من مات وعليه صوم نذر وأما من مات
وعليه حج منذور فالصحيح من المذهب أن وليه
يفعله عنه ويصح منه وعليه أكثر الأصحاب ونص
عليه الإمام أحمد وفي الرعاية قول لا يصح قال
في الفروع كذا قال.
(3/239)
فوائد :
إحداها : لا يعتبر تمكنه من الحج في حياته على
الصحيح من المذهب قدمه في الفروع والمجد في
شرحه وقال هو ظاهر كلامه وهو أصح وقال القاضي
في خلافه في الفقير إذا نذر الحج ولم يملك بعد
النذر زادا ولا راحلة حتى مات لا يقضى عنه
كالحج الواجب بأصل الشرع.
قال المجد: وعليه قياس كل صورة مات قبل التمكن
كالذي يموت قبل مجيء الوقت أو عند خوف الطريق
قال وهذه المسألة شبيهة بمسألة أمن الطريق
وسعة الوقت هل هو في حجة الفرض شرط للوجوب في
الذمة أو للزوم الأداء؟.
الثانية : حكم العمرة المنذورة حكم الحج
المنذور إذا مات وهي عليه.
الثالثة : يجوز أن يحج عنه حجة الإسلام بإذن
وليه بلا نزاع وبغير إذنه على الصحيح من
المذهب واختاره ابن عقيل والمجد وهو ظاهر ما
قدمه في الفروع.
وقيل: لا يصح بغير إذنه اختاره أبو الخطاب في
الانتصار.
ويأتي ذلك في كتاب الحج.
فعلى المذهب: له الرجوع بما أنفق على التركة
وكذا لو أعتق عنه في نذر أو أطعم عنه في كفارة
إذا قلنا يصح ذكره في القاعدة الخامسة
والسبعين في ضمن تعليل القاضي.
وأما إذا مات وعليه اعتكاف منذور فالصحيح من
المذهب أنه يفعل عنه نقله الجماعة عن الإمام
أحمد وعليه الأصحاب ونقلابنإبراهيم وغيره
ينبغي لأهله أن يعتكفوا عنه وحكى في الرعاية
قولا لا يصح أن يعتكف عنه قال في الفروع
فيتوجه على هذا أن يخرج عنه كفارة يمين ويحتمل
أن يطعم عنه لكل يوم مسكين انتهى.
فعلى المذهب: إن لم يمكنه فعله حتى مات
فالخلاف السابق كالصوم.
وقيل: يقضي وقيل لا فعليه يسقط إلى غير بدل.
تنبيه : اعلم أن في نسخة المصنف كما حكيته في
المتن هكذا "وإن مات وعليه صوم أو حج أو
اعتكاف منذور" فلفظة "منذور" مؤخرة عن
الاعتكاف وهكذا في نسخ قرئت على المصنف فغير
ذلك بعض أصحاب المصنف المأذون له بالإصلاح.
فقال: "وإن مات وعليه صوم منذور أو حج أو
اعتكاف فعله عنه وليه" لأن تأخير لفظه "منذور"
لا يخلو من حالين: إما أن يعيده إلى الثلاثة
أو إلى الأخير وهو الاعتكاف وعلى كليهما يحصل
في الكلام خلل لأنه لو عاد إلى الاعتكاف فقط
بقي الصوم مطلقا والولي لا يفعل الواجب بالشرع
من الصوم وإن عاد إلى الثلاثة بقي الحج مشروطا
بكونه منذورا ولا يشترط ذلك لأن الولي يفعل
الحج الواجب بالشرع أيضا فلذلك غير.
ولا يقال: إذا قدمنا لفظة منذور على الحج
والاعتكاف يبقى الاعتكاف مطلقا. لأنا
(3/240)
نقول: لا يكون
الاعتكاف واجبا إلا بالنذر.
قلت: والذي يظهر أن كلام المصنف على [صفة] ما
قاله من غير تغيير أولى ولا يرد على المصنف
شيء مما ذكر لأن مراده هنا النيابة في
المنذورات لا غير ولذلك ذكر الصلاة المنذورة
والصوم المنذور فكذا الاعتكاف والحج وأما كون
الحج إذا كان واجبا بالشرع يفعل فهذا مسلم وقد
صرح به المصنف في كتاب الحج فقال ومن وجب عليه
الحج فتوفي قبله أخرج عنه من جميع ماله حجة
وعمرة وهذا واضح ولذلك ذكر غالب الأصحاب مثل
ما قال المصنف هنا فيذكرون الصوم والحج
والاعتكاف المنذورات والله أعلم.
قوله : "وإن كانت عليه صلاة منذورة فعلى
روايتين".
وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب
والمستوعب والخلاصة والهادي والتلخيص والبلغة
والمجد في شرحه ومحرره والشارح والرعايتين
والحاويين والفروع والفائق والزركشي.
إحداهما: يفعل عنه وهو المذهب. [...] حرب.
وجزم به في الإفادات والوجيز والمنور والمنتخب
وهو ظاهر ما جزم به في العمدة وصححه في
التصحيح والنظم وقدمه في المغني قال القاضي
اختارها أبو بكر والخرقي وهي الصحيحة قال في
الفروع اختاره الأكثر واختارهابنعبدوس في
تذكرته قال الزركشي اختاره أبو بكر والقاضي في
التعليق وغيرهما وهو من مفردات المذهب.
والرواية الثانية: لا يفعل عنه نقلها الجماعة
عن أحمد قالابنمنجا في شرحه وهي أصح قال في
إدراك الغاية لا يفعل في الأشهر قال في نظم
النهاية لا يفعل في الأظهر فعلى المذهب تصح
وصيته بها.
تنبيهات
أحدها : قال في القاعدة الرابعة والأربعين بعد
المائة كثير من الأصحاب يطلق ذكر "الوارث"
هنا. وقال ابن عقيل وغيره هو الأقرب فالأقرب
وكذلك قال الخرقي هو الوارث من العصبة.
الثاني : هذه الأحكام كلها وهو القضاء إذا كان
الناذر قد تمكن من الأداء فأما إذا لم يتمكن
من الأداء فالصحيح من المذهب أنه كذلك فلا
يشترط التمكن وقيل يشترط.
الثالث : ظاهر كلام المصنف: أنه لا يفعل غير
ما ذكر من الطاعات المنذورة عن الميت وهو ظاهر
كلام كثير من الأصحاب لاقتصارهم على ذلك وقال
في الإيضاح من نذر طاعة فمات فعلت وقال الخرقي
ومن نذر أن يصوم فمات قبل أن يأتي به صام عنه
ورثته من أقاربه.
(3/241)
وكذلك كل ما
كان من نذر وطاعة وكذا قال في العمدة وقال في
المستوعب يصح أن يفعل عنه كل ما كان عليه من
نذر وطاعة إلا الصلاة فإنها على روايتين وقال
المجد في شرحه قصة سعد بن عبادة تدل على أن كل
نذر يقضى وكذا ترجم عليها في كتابه المنتقى
بقضاء كل المنذورات عن الميت.
وقال ابن عقيل وغيره لا تفعل طهارة منذورة عنه
مع لزومها بالنذر.
قال في الفروع: ويتوجه في فعلها عن الميت
ولزومها بالنذر ما سبق في صوم يوم الغيم هل هي
مقصودة في نفسها أم لا مع أن قياس عدم فعل
الولي لها أن لا تفعل بالنذر وإن لزمت الطهارة
لزم فعل صلاة ونحوها بها كنذر المشي إلى
المسجد يلزم تحية صلاة الركعتين على ما يأتي
في النذر انتهى.
قلت: فيعايى بها.
وقال في الفروع: ظاهر كلام الأصحاب: أن الطواف
المنذور كالصلاة المنذورة.
(3/242)
باب صوم التطوع
قوله : "وأفضله صوم داود عليه السلام كان يصوم
يوما ويفطر يوما".
هذا الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب ونص عليه
وكان أبو بكر النجاد من الأصحاب يسرد الصوم
فظاهر حاله أن سرد الصوم أفضل.
فائدتان :
إحداهما : يحرم صوم الدهر إذا دخل فيه يومي
العيدين وأيام التشريق ذكره القاضي وأصحابه بل
عليه الأصحاب وعبر القاضي وأصحابه بالكراهة
ومرادهما كراهة تحريم ذكره المصنف والمجد
وغيرهما وهو واضح.
وإن أفطر أيام النهي جاز صومه ولم يكره على
الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب نقل صالح
إذا أفطرها رجوت أن لا بأس به واختار الكراهة
المصنف وهو رواية الأثرم.
وقال الشيخ تقي الدين: الصواب قول من جعله
تركا للأولى أو كراهة.
الثانية: قوله : "ويستحب صيام أيام البيض من
كل شهر".
هذا بلا نزاع واعلم أنه يستحب صيام ثلاثة أيام
من كل شهر. والأفضل أن تكون أيام
(3/242)
البيض نص عليه
فإنها أفضل نص عليه وسميت بيضاء لابيضاضها
ليلا بالقمر ونهارا بالشمس وهذا الصحيح.
وذكر أبو الحسن التميمي في كتابه اللطيف الذي
لا يسع جهله إنما سميت بيضاء لأن الله تعالى
تاب فيها على آدم وبيض صحيفته وهي الثالث عشر
والرابع عشر والخامس عشر.
تنبيه : ظاهر قوله: "ومن صام رمضان وأتبعه بست
من شوال فكأنما صام الدهر".
أن الأولى: متابعة الست إذ المتابعة ظاهرها
التوالي وهو ظاهر كلام الخرقي وجماعة كثيرة من
الأصحاب وصرح بعض الأصحاب بذلك وجزم به في
المذهب ومسبوك الذهب.
والصحيح من المذهب: حصول فضيلتها بصومها
متتابعة ومتفرقة ذكره كثير من الأصحاب منهم
صاحب الهداية والمستوعب والمغني والشرح
والمحرر والرعاية الصغرى والفائق وغيرهم وهو
ظاهر كلامه في الخلاصة والتلخيص والوجيز
والحاويين وغيرهم لإطلاقهم صومها وقال في
الرعاية الكبرى وإن فرقها جاز وقدمه في الفروع
وقال وهو ظاهر كلام الإمام أحمد في أول الشهر
وآخره قال في اللطائف هذا قول أحمد واختاره
الشيخ تقي الدين واستحب بعض الأصحاب التتابع
وأن يكون عقيب العيد قال في الفروع وهذا أظهر
ولعله مراد أحمد والأصحاب لما فيه من المسارعة
إلى الخير وإن حصلت الفضيلة بغيره.
فائدتان :
إحداهما : ظاهر كلام المصنف أن الفضيلة لا
تحصل بصيام الستة في غير شوال وهو صحيح وصرح
به كثير من الأصحاب وقال في الفروع ويتوجه
احتمال تحصل الفضيلة بصومها في غير شوال وقال
في الفائق ولو كانت من غير شوال ففيه نظر.
قلت: وهذا ضعيف مخالف للحديث وإنما ألحق
بفضيلة رمضان لكونه حريمه لا لكون الحسنة بعشر
أمثالها ولأن الصوم فيه يساوي رمضان في فضيلة
الواجب قاله في الفروع ويتوجه تحصيل فضيلتها
لمن صامها وقضى رمضان وقد أفطره لعذر قال
ولعله مراد الأصحاب وما ظاهره خلافه خرج على
الغالب المعتاد انتهى قلت وهو حسن.
الثانية: قوله: "وصيام يوم عاشوراء كفارة سنة
ويوم عرفة كفارة سنتين".
وهذا بلا نزاع قال بن هبيرة أما كون صوم يوم
عرفة بسنتين ففيه وجهان.
أحدهما: لما كان يوم عرفة في شهر حرام بين
شهرين حرامين كفر سنة قبله وسنة بعده.
والثاني: إنما كان لهذه الأمة وقد وعدت في
العمل بأجرين.
وإنما كفر عاشوراء السنة الماضية لأنه تبعها
وجاء بعدها والتكفير بالصوم إنما يكون لما مضى
لا لما يأتي.
(3/243)
قوله : "ولا
يستحب لمن كان بعرفة".
هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وفطره أفضل
واختار الآجري أنه يستحب لمن كان بعرفة إلا
لمن يضعفه وحكى الخطابي عن أحمد مثله.
وقيل: يكره صيامه اختاره جماعة من الأصحاب.
فعلى المذهب: يستثنى من ذلك إذا عدم المتمتع
والقارن الهدي فإنه يصوم عشرة أيام ثلاثة في
الحج ويستحب أن يكون آخرها يوم عرفة عند
الأصحاب وهو المشهور عن أحمد على ما يأتي في
كلام المصنف في باب الفدية.
تنبيه : عدم استحباب صومه لتقويه على الدعاء
قاله الخرقي وغيره وعن الشيخ تقي الدين لأنه
يوم عيد.
فائدتان :
الأولى : سمي يوم عرفة للوقوف بعرفة فيه وقيل
لأن جبريل حج بإبراهيم عليه الصلاة والسلام
فلما أتى عرفة قال عرفت قال عرفت وقيل لتعارف
حواء وآدم بها.
الثانية : ظاهر كلام المصنف وأكثر الأصحاب أن
يوم التروية في حق الحاج ليس كيوم عرفة في عدم
الصوم وجزم في الرعاية بما ذكره بعضهم أن
الأفضل للحاج الفطر يوم التروية ويوم عرفة
بهما انتهى.
وسمى "يوم التروية" لأن عرفة لم يكن بها ماء
وكانوا يرتوون من الماء إليها وقيل لأن
إبراهيم عليه الصلاة والسلام رأى ليلة التروية
الأمر بذبح ابنه فأصبح يتروى هل هو من الله أو
حلم فلما رآه الليلة الثانية عرف أنه من الله.
قوله : "ويستحب صوم عشر ذي الحجة".
بلا نزاع وأفضله يوم التاسع وهو يوم عرفة ثم
يوم الثامن وهو يوم التروية وهذا المذهب وعليه
الأصحاب وقال في الرعايتين والفائق وآكد العشر
الثامن ثم التاسع.
قلت: وهو خطأ وقال في الفروع ولا وجه لقول
بعضهم آكده الثامن ثم التاسع ولعله أخذه من
قوله في الهداية آكده يوم التروية وعرفة.
قوله : "وأفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله
المحرم".
قال عليه أفضل الصلاة والسلام "أفضل الصلاة
بعد المكتوبة جوف الليل وأفضل الصيام بعد شهر
رمضان شهر الله المحرم" رواه مسلم. فحمله صاحب
الفروع على ظاهره وقال لعله عليه أفضل الصلاة
والسلام لم يلتزم الصوم فيه لعذر أو لم يعلم
فضله إلا أخيرا انتهى.
(3/244)
وحمله بن رجب
في لطائفه على أن صيامه أفضل من التطوع المطلق
بالصيام. بدليل قوله عليه أفضل الصلاة والسلام
أفضل الصلاة بعد المكتوبة جوف الليل قال ولا
شك أن الرواتب أفضل فمراده بالأفضلية في
الصلاة والصوم والتطوع المطلق وقال صوم شعبان
أفضل من صوم المحرم لأنه كالراتبة مع الفرائض
قال فظهر أن فضل التطوع ما كان قريبا من رمضان
قبله أو بعده وذلك ملتحق بصيام رمضان لقربه
منه وهو أظهر انتهى.
فوائد :
الأولى : أفضل المحرم اليوم العاشر وهو يوم
عاشوراء ثم التاسع وهو تاسوعاء ثم العشر
الأول.
الثانية : لا يكره إفراد العاشر بالصيام على
الصحيح من المذهب وقد أمر الإمام أحمد بصومهما
ووافق الشيخ تقي الدين أنه لا يكره وقال مقتضى
كلام أحمد أنه يكره.
الثالثة : لم يجب صوم يوم عاشوراء قبل فرض
رمضان على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع
وقال اختاره الأكثر منهم القاضي قال المجد هو
الأصح من قول أصحابنا.
وعنه أنه كان واجبا ثم نسخ اختاره الشيخ تقي
الدين ومال إليه المصنف والشارح.
قوله : "ويكره إفراد رجب بالصوم".
هذا المذهب وعليه الأصحاب وقطع به كثير منهم
وهو من مفردات المذهب وحكى الشيخ تقي الدين في
تحريم إفراده وجهين قال في الفروع ولعله أخذه
من كراهة أحمد.
تنبيه : مفهوم كلام المصنف أنه لا يكره إفراد
غير رجب بالصوم وهو صحيح لا نزاع فيه قال
المجد لا نعلم فيه خلافا.
فائدتان :
إحداهما : تزول الكراهة بالفطر من رجب ولو
يوما أو بصوم شهر آخر من السنة قال المجد وإن
لم يله.
الثانية : قال في الفروع لم يذكر أكثر الأصحاب
استحباب صوم رجب وشعبان واستحسنه بن أبي موسى
في الإرشاد قال بن الجوزي في كتاب أسباب
الهداية يستحب صوم الأشهر الحرم وشعبان كله
وهو ظاهر ما ذكره المجد في الأشهر الحرم وجزم
به في المستوعب وقال آكد شعبان يوم النصف
واستحب الآجري صوم شعبان ولم يذكر غيره.
وقال الشيخ تقي الدين: في مذهب أحمد وغيره
نزاع قيل يستحب صوم رجب وشعبان وقيل يكره
فيفطر ناذرهما بعض رجب.
(3/245)
قوله : "وإفراد
يوم الجمعة".
يعني يكره وهذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب
ونص عليه قال المجد لا نعلم فيه خلافا وقال
الآجري يحرم صومه ونقل حنبل لا أحب أن يتعهده
قال الشيخ تقي الدين لا يجوز صوم يوم الجمعة
وحكاه في الرعاية وجها.
قوله : "ويوم السبت".
يعني يكره إفراد يوم السبت بالصوم وهو المذهب
وعليه الأصحاب واختار الشيخ تقي الدين أنه لا
يكره صيامه مفردا وأنه قول أكثر العلماء وأنه
الذي فهمه الأثرم من روايته وأن الحديث شاذ أو
منسوخ وقال هذه طريقة قدماء أصحاب الإمام أحمد
الذين صحبوه كالأثرم وأبي داود وأن أكثر
أصحابنا فهم من كلام الإمام أحمد الأخذ
بالحديث انتهى ولم يذكر الآجري كراهة غير صوم
يوم الجمعة فظاهره لا يكره غيره.
قوله : "ويوم الشك".
يعني أنه يكره صومه.
واعلم أنه إذا أراد أن يصوم يوم الشك فتارة
يصومه لكونه وافق عادته.
وتارة يصومه موصولا قبله وتارة يصومه عن قضاء
فرض وتارة يصومه عن نذر معين أو مطلق وتارة
يصومه بنية الرمضانية احتياطا وتارة يصومه
تطوعا من غير سبب فهذه ست مسائل.
إحداها : إذا وافق صوم يوم الشك عادته فهذا لا
يكره صومه وقد استثناه المصنف في كلامه بعد
ذلك.
الثانية : إذا صامه موصولا بما قبله من الصوم
فإن كان موصولا بما قبل النصف فلا يكره قولا
واحدا وإن وصله بما بعد النصف لم يكره على
الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب.
وقيل: يكره ومبناهما على جواز التطوع بعد نصف
شعبان فالصحيح من المذهب أنه لا يكره ونص عليه
وإنما يكره تقدم رمضان بيوم أو يومين.
وقيل: يكره بعد النصف اختاره بن عبدوس في
تذكرته وقدمه في الرعايتين وأطلقهما في
الحاويين ومال صاحب الفروع إلى تحريم تقدم
رمضان بيوم أو يومين.
الثالثة : إذا صامه عن قضاء فرض فالصحيح من
المذهب أنه لا يكره وعنه يكره صومه قضاء جزم
به الشيرازي في الإيضاح وبن هبيرة في الإفصاح
وصاحب الوسيلة فيها قال في الفروع فيتوجه طرده
في كل واجب للشك في براءة الذمة.
(3/246)
الرابعة : إذا
وافق نذر معين يوم الشك أو كان النذر مطلقا لم
يكره صومه قولا واحدا.
الخامسة : إذا صامه بنية الرمضانية احتياطا
كره صومه ذكره المجد وغيره واقتصر عليه في
الفروع.
السادسة : إذا صامه تطوعا من غير سبب فالصحيح
من المذهب يكره وعليه جماهير الأصحاب كما قطع
به المصنف هنا قال في الكافي قاله أصحابنا قال
الزركشي هو قول القاضي وأبي الخطاب والأكثرين
وقال المجد وهو ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه
الله.
وقيل: يحرم صومه فلا يصح وهو احتمال في الكافي
ومال إليه فيه واختاره بن البنا وأبو الخطاب
في عباداته الخمس والمجد وغيرهم وجزم به بن
الزاغوني وغيره ومال إليه في الفروع وهما
روايتان في الرعاية.
وعنه لا يكره صومه حكاه الخطابي عن الإمام
أحمد.
السابعة : يوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان
إذا لم يكن في السماء علة ليلة الثلاثين ولم
يتراءى الناس الهلال قدمه في الفروع وقال
القاضي وأكثر الأصحاب أو شهد به من ردت شهادته
قال القاضي أو كان في السماء علة وقلنا لا يجب
صومه.
قوله : "ويوم النيروز والمهرجان".
يعني يكره صومهما وهو المذهب وعليه جماهير
الأصحاب وقطع به كثير منهم وهو من مفردات
المذهب واختار المجد أنه لا يكره لأنهم لا
يعظمونهما بالصوم.
فوائد :
منها: قال المصنف والمجد ومن تبعهما وعلى قياس
كراهة صومهما كل عيد للكفار أو يوم يفردونه
بالتعظيم.
وقال الشيخ تقي الدين: لا يجوز تخصيص صوم
أعيادهم.
ومنها: النيروز والمهرجان عيدان للكفار قال
الزمخشري النيروز الشهر الثالث من الربيع
والمهرجان اليوم السابع من الخريف.
ومنها: يكره الوصال وهو أن لا يفطر بين
اليومين فأكثر على الصحيح من المذهب وقيل يحرم
واختاره بن البنا قال الإمام أحمد لا يعجبني
وأومأ إلى إباحته لمن يطيقه وتزول الكراهة
بأكل تمرة ونحوها وكذا بمجرد الشرب على ظاهر
ما رواه المروذي عنه ولا يكره الوصال إلى
السحر نص عليه ولكن ترك الأولى وهو تعجيله
الفطر.
ومنها: هل يجوز لمن عليه صوم فرض أن يتطوع
بالصوم قبله فيه روايتان وأطلقهما في الهداية
والمغني والمجد في شرحه والشرح والفروع
والفائق.
إحداهما : لا يجوز ولا يصح وهو المذهب نص عليه
في رواية حنبل. وقال في
(3/247)
الحاويين: لم
يصح في أصح الروايتين واختاره بن عبدوس في
تذكرته وجزم به في المذهب ومسبوك الذهب
والإفادات والمنور وقدمه في المستوعب والخلاصة
والمحرر والرعايتين وابن رزين في شرحه وهو من
مفردات المذهب.
والرواية الثانية: يجوز ويصح قدمه في النظم
قال في القاعدة الحادية عشرة جاز على الأصح.
قلت: وهو الصواب.
فعلى المذهب وهو عدم الجواز فهل يكره القضاء
في عشر ذي الحجة أم لا يكره فيه روايتان
وأطلقهما في المغني والشرح وشرح المجد والفائق
والفروع.
قلت: الصواب عدم الكراهة.
وهذه الطريقة هي الصحيحة وهي طريقة المجد في
شرحه وتابعه في الفروع. وقال هذه الطريقة هي
الصحيحة قال المصنف في المغني وهذا أقوى عندي
قال في الفروع لأنا إذا حرمنا التطوع قبل
الفرض كان أبلغ من الكراهة فلا تصح تفريعا
عليه انتهى.
ولنا طريقة أخرى قالها بعض الأصحاب وهي إن
قلنا بعدم جواز التطوع قبل صوم الفرض لم يكره
القضاء في عشر ذي الحجة بل يستحب لئلا يخلو من
العبادة بالكلية وإن قلنا بالجواز كره القضاء
فيها لتوفيرها على التطوع لبيان فضله فيها مع
فضل القضاء قال في المغني قاله بعض أصحابنا.
وقال في الرعايتين والحاويين ويباح قضاء رمضان
في عشر ذي الحجة وعنه يكره وقال في الكبرى
أيضا ويحرم نفل الصوم قبل قضاء فرضه لحرمته نص
عليه وعنه يجوز.
فائدة: لو اجتمع ما فرض شرعا ونذر بدىء
بالمفروض شرعا إن كان لا يخاف فوت المنذور وإن
خيف فوته بدىء به ويبدأ بالقضاء أيضا إن كان
النذر مطلقا.
قوله : "ولا يجوز صوم يومي العيدين عن فرض ولا
تطوع وإن قصد صيامهما كان عاصيا ولم يجزه عن
فرض".
الصحيح من المذهب: أنه لا يصح صوم يومي
العيدين عن فرض ولا نفل وعليه الأصحاب وحكاه
بن المنذر إجماعا وعنه يصح عن فرض نقله مهنا
في قضاء رمضان وفي الواضح رواية يصح عن نذره
المعين.
قوله : "ولا يجوز صيام أيام التشريق تطوعا"
بلا نزاع "وفي صومها عن الفرض روايتان".
وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب
والمستوعب والخلاصة والكافي،
(3/248)
والمغني
والتلخيص والبلغة وشرح المجد والشرح والرعاية
الصغرى والزركشي وشرح بن منجا هنا والحاوي
الكبير.
إحداهما : لا يجوز اختاره بن أبي موسى والقاضي
قال في المبهج وهي الصحيحة وقدمه الخرقي وابن
رزين في شرحه قال الزركشي وهي التي ذهب إليها
أحمد أخيرا وجزم به في الوجيز والمنتخب.
والرواية الثانية: يجوز صححه في التصحيح
والنظم واختاره بن عبدوس في تذكرته وقدمه في
المحرر والرعاية الكبرى في باب صوم النذر
والتطوع وجزم به في المنور وذكر الترمذي عن
أحمد جواز صومها عن دم المتعة خاصة قال
الزركشي خص بن أبي موسى الخلاف بدم المتعة
وكذا ظاهر كلام ابن عقيل تخصيص الرواية بصوم
المتعة وهو ظاهر العمدة فإنه قال ونهى عن صيام
أيام التشريق إلا أنه أرخص في صومها للمتمتع
إذا لم يجد هديا واختاره المجد في شرحه.
قلت: وقدم المصنف في هذا الكتاب في باب الفدية
أنها تصام عن دم المتعة إذا عدم وجزم به في
الإفادات وصححه في الفائق في باب أقسام النسك
وقدمه في الرعاية الكبرى في آخر باب الإحرام
قال بن منجا في شرحه في باب الفدية هذا المذهب
وقدمه الشارح هناك والناظم.
قوله : "ومن دخل في صوم أو صلاة تطوع استحب له
إتمامه ولم يجب".
هذا المذهب نص عليه وعليه الأصحاب وعن أحمد
يجب إتمام الصوم ويلزمه القضاء ذكره بن البنا
والمصنف في الكافي ونقل حنبل في الصوم إن
أوجبه على نفسه فأفطر بلا عذر أعاد قال القاضي
أي نذره وخالفه ابن عقيل وذكره أبو بكر في
النفل وقال تفرد به حنبل وجميع الأصحاب نقلوا
عنه لا يقضى وفي الرعاية وغيرها رواية في
الصوم لا يقضى المعذور.
وعنه يلزم إتمام الصلاة بخلاف الصوم قال
المصنف في الكافي والمجد مال إلى ذلك أبو
إسحاق الجوزجاني وقال الصلاة ذات إحرام وإحلال
كالحج قال المجد والرواية التي حكاها بن البنا
في الصوم تدل على عكس هذا القول لأنه خصه
بالذكر وعلل رواية لزومه بأنه عبادة يجب
بإفسادها الكفارة العظمى فلزمت بالشروع كالحج
قال والصحيح من المذهب التسوية.
قوله : "وإن أفسده فلا قضاء عليه".
هذا مبني على الصحيح من المذهب كما تقدم ولكن
يكره خروجه منه بلا عذر على الصحيح من المذهب
قال في الفروع وعلى المذهب يكره خروجه يتوجه
لا يكره إلا لعذر وإلا كره في الأصح.
(3/249)
فوائد :
الأولى : هل يفطر لضيفه قال في الفروع يتوجه
أنه كصائم دعي يعني إلى وليمة وقد صرح الأصحاب
في الاعتكاف يكره تركه بلا عذر.
الثانية : لم يذكر أكثر الأصحاب سوى الصوم
والصلاة وقال في الكافي وسائر التطوعات من
الصلاة والاعتكاف وغيرهما كالصوم والحج
والعمرة وقيل الاعتكاف كالصوم على الخلاف يعني
إذا دخل في الاعتكاف وقد نواه مدة لزمته
ويقضيها ذكره بن عبد البر إجماعا ورد المصنف
والمجد كلام بن عبد البر في ادعائه الإجماع.
الثالثة : لو نوى الصدقة بمال مقدر وشرع في
الصدقة به فأخرج بعضه لم يلزمه الصدقة بباقيه
إجماعا قاله المصنف وغيره ولو شرع في صلاة
تطوع قائما لم يلزمه إتمامها قائما بلا خلاف
في المذهب وذكر القاضي وجماعة أن الطواف
كالصلاة في الأحكام إلا فيما خصه الدليل قال
في الفروع فظاهره أنه كالصلاة هنا قال ويتوجه
على كل حال إن نوى طواف شوط أو شوطين أجزأ
وليس من شرطه تمام الأسبوع كالصلاة.
الرابعة : لا تلزم الصدقة والقراءة والأذكار
بالشروع.
وأما نفل الحج والعمرة فيأتي حكمه في آخر باب
الفدية عند قوله: "ومن رفض إحرامه ثم فعل
محظورا فعليه فداؤه".
الخامسة : لو دخل في واجب موسع كقضاء رمضان
كله قبل رمضان والمكتوبة في أول وقتها وغير
ذلك كنذر مطلق وكفارة إن قلنا يجوز تأخيرهما
حرم خروجه منه بلا عذر قال المصنف بغير خلاف
قال المجد لا نعلم فيه خلافا فلو خالف وخرج
فلا شيء عليه غير ما كان عليه قبل شروعه وقال
في الرعاية وقيل يكفر إن أفسد قضاء رمضان.
قوله : "وتطلب ليلة القدر في العشر الأخير من
رمضان".
هذا المذهب وعليه الأصحاب منهم المصنف في
العمدة والهادي وقال في الكافي والمغني تطلب
في جميع رمضان قال الشارح يستحب طلبها في جميع
ليالي رمضان وفي العشر الأخير آكد وفي ليالي
الوتر آكد انتهى.
قلت: يحتمل أن تطلب في النصف الأخير منه
لأحاديث وردت في ذلك وهو مذهب جماعة من
الصحابة خصوصا ليلة سبعة عشر لا سيما إذا كانت
ليلة جمعة.
قوله : "وليالي الوتر آكد".
هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب واختار المجد
أن كل العشر سواء.
فائدة : قال الشيخ تقي الدين الوتر يكون
باعتبار الماضي فتطلب ليلة القدر ليلة إحدى
وعشرين وليلة ثلاث وعشرين إلى آخره ويكون
باعتبار الباقي لقوله عليه أفضل الصلاة
والسلام
(3/250)
"لتاسعة تبقى"
فإذا كان الشهر ثلاثين يكون ذلك ليالي لأشفاع
فليلة الثانية تاسعة تبقى وليلة الرابعة سابعة
تبقى كما فسره أبو سعيد الخدري وإن كان الشهر
ناقصا كان التاريخ بالباقي كالتاريخ بالماضي.
قوله : "وأرجاها ليلة سبع وعشرين".
هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وهو من
المفردات وقال المصنف في الكافي وأرجاها الوتر
من ليالي العشر قال في الفروع كذا قال وقيل
أرجاها ليلة ثلاث وعشرين وقال في الكافي أيضا
والأحاديث تدل على أنها تنتقل في ليالي الوتر
قال بن هبيرة في الإفصاح الصحيح عندي أنها
تنتقل في أفراد العشر فإذا اتفقت ليالي الجمع
في الأفراد فأجدر وأخلق أن تكون فيها وقال
غيره تنتقل في العشر الأخير وحكاه بن عبد البر
عن الإمام أحمد.
قلت: وهو الصواب الذي لا شك فيه.
وقال المجد: ظاهر رواية حنبل أنها ليلة معينة.
فعلى هذا: لو قال أنت طالق ليلة القدر قبل مضي
ليلة أول العشر وقع الطلاق في الليلة الأخيرة
وإن مضى منه ليلة وقع الطلاق في السنة الثانية
في ليلة حلفه فيها.
وعلى قولنا إنها تنتقل في العشر: إن كان قبل
مضي ليلة منه وقع الطلاق في الليلة الأخيرة
وإن كان مضى منه ليلة وقع الطلاق في الليلة
الأخيرة من العام المقبل واختاره المجد قال في
الفروع وهو أظهر قال المجد ويتخرج حكم العتق
واليمين على مسألة الطلاق.
قلت: هو الصواب.
قلت: تلخص لنا في المذهب عدة أقوال.
وقد ذكر الشيخ الحافظ الناقد شهاب الدين أحمد
بن حجر العسقلاني في شرح البخاري أن في ليلة
القدر للعلماء خمسة وأربعين قولا وذكر أدلة كل
قول أحببت أن أذكرها هنا ملخصه فأقول:
قيل: وقعت خاصة بسنة واحدة * وقعت في زمنه
عليه أفضل الصلاة والسلام * خاصة بهذه الأمة *
ممكنة في جميع السنة * تنتقل في جميع السنة *
ليلة النصف من شعبان * مختصة برمضان * ممكنة
في جميع لياليه * أول ليلة منه * ليلة النصف
منه * ليلة سبعة عشر.
قلت: أو إن كانت ليلة جمعة ذكره في اللطائف.
ثمان عشرة * تسع عشرة * حادي عشرين * ثاني
عشرين * ثالث عشرين * رابع عشرين * خامس عشرين
* سادس عشرين * سابع عشرين * ثامن عشرين *
تاسع عشرين * ثلاثين *
(3/251)
أرجاها ليلة
إحدى وعشرين * ثلاث وعشرين * سبع وعشرين *
تنتقل في جميع رمضان * في النصف الأخير * في
العشر الأخير كله * في أوتار العشر الأخير *
مثله بزيادة الليلة الأخيرة * في السبع
الأواخر * وهل هي الليالي السبع من آخر الشهر؟
* أو في آخر سبع من الشهر؟ * منحصرة في السبع
الأواخر منه * في أشفاع العشر الأوسط * والعشر
الأخير * مبهمة في العشر الأوسط * أو آخر ليلة
* أو أول ليلة * أو تاسع ليلة * أو سابع عشرة
* أو إحدى وعشرين * أو آخر ليلة في سبع * أو
ثمان من أول النصف الثاني * ليلة ست عشرة * أو
سبع عشرة * ليلة سبع عشرة * أو تسع عشرة * أو
إحدى وعشرين * ليلة تسع عشرة * أو إحدى وعشرين
* أو ثلاث وعشرين * ليلة إحدى وعشرين * أو
ثلاث وعشرين * أو خمس وعشرين * ليلة اثنتين
وعشرين * أو ثلاث وعشرين * ليلة ثلاث وعشرين *
أو سبع وعشرين * الثالثة من العشر الأخير * أو
الخامسة منه.
وزدنا قولا على ذلك.
فوائد :
إحداها : لو نذر قيام ليلة القدر قام العشر
كله وإن كان نذره في أثناء العشر فحكمه حكم
الطلاق على ما تقدم ذكره القاضي في التعليق في
النذور.
الثانية : قال جماعة من الأصحاب يسن أن ينام
متربعا مستندا إلى شيء نص عليه.
الثالثة : ليلة القدر أفضل الليالي على الصحيح
من المذهب وحكاه الخطابي إجماعا وعنه ليلة
الجمعة أفضل ذكرها ابن عقيل قال المجد في شرحه
وهذه الرواية اختيار بن بطة وأبي الحسن الجوزي
وأبي حفص البرمكي لأنها تابعة لأفضل الأيام.
وقال الشيخ تقي الدين: ليلة الإسراء أفضل في
حقه عليه أفضل الصلاة والسلام من ليلة القدر.
وقال الشيخ تقي الدين أيضا: يوم الجمعة أفضل
أيام الأسبوع إجماعا.
وقال: يوم النحر أفضل أيام العام وكذا ذكره
المجد في شرحه في صلاة العيد قال في الفروع
وظاهر ما ذكره أبو حكيم أن يوم عرفة أفضل قال
وظهر مما سبق أن هذه الأيام أفضل من غيرها
ويتوجه على اختيار شيخنا بعد يوم النحر يوم
القر الذي يليه.
قال في الغنية: إن الله اختار من الأيام أربعة
الفطر والأضحى وعرفة ويوم عاشوراء واختار منها
يوم عرفة.
وقال أيضا: إن الله اختار للحسين الشهادة في
أشرف الأيام وأعظمها وأجلها وأرفعها عند الله
منزلة.
الرابعة : قال في الفروع: عشر ذي الحجة أفضل
على ظاهر ما في العمدة وغيرها وسبق كلام شيخنا
في صلاة التطوع.
(3/252)
وقال الشيخ تقي
الدين أيضا: قد يقال ذلك وقد يقال ليالي عشر
رمضان الأخير وأيام ذلك أفضل قال والأول أظهر
لوجوه وذكرها.
الخامسة : رمضان أفضل الشهور ذكره جماعة من
الأصحاب وذكره بن شهاب فيمن زال عذره وذكروا
أن الصدقة فيه أفضل.
وقال في الغنية: إن الله اختار من الشهور
أربعة رجب وشعبان ورمضان والمحرم واختار منها
شعبان وجعله شهر النبي صلى الله عليه وسلم
فكما أنه أفضل الأنبياء فشهره أفضل الشهور قال
في الفروع كذا قال.
وقال بن الجوزي قال القاضي في قوله تعالى:
{مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة: 36]
إنما سماها حرما لتحريم القتال فيها ولتعظيم
انتهاك المحارم فيها أشد من تعظيمه في غيرها
كذلك تعظيم الطاعات وذكر ابن الجوزي معناه.
(3/253)
|