الروض
المربع شرح زاد المستقنع ط المؤيد [باب الخلع]
وهو فراق الزوجة بعوض بألفاظ مخصوصة، سمي بذلك لأن المرأة تخلع نفسها من
الزوج كما تخلع اللباس، قال تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ
لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: 187] .
(1/552)
(من صح تبرعه) وهو الحر الرشيد غير المحجور
عليه (من زوجة وأجنبي صح بذله لعوضه) ومن لا فلا؛ لأنه بذل مال في مقابلة
ما ليس بمال ولا منفعة، فصار كالمتبرع (فإذا
كرهت) الزوجة (خلق زوجها أو خلقه) أبيح الخلع. والخلق بفتح الخاء: صورته
الظاهرة، وبضمها: صورته الباطنة (أو) كرهت (نقص دينه أو خافت إثما بترك حقه
أبيح الخلع) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ
اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] ،
وتسن إجابتها إذا إلا مع محبته لها فيسن صبرها وعدم افتدائها (وإلا) يكن
حاجة إلى الخلع، بل بينهما الاستقامة (كره ووقع) لحديث ثوبان مرفوعا: «أيما
امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة» رواه
الخمسة غير النسائي (فإن عضلها ظلما للافتداء) أي: لتفتدي منه (ولم يكن)
ذلك (لزناها أو نشوزها أو تركها فرضا، ففعلت) أي: افتدت منه حرم ولم يصح؛
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا
آتَيْتُمُوهُنَّ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [النساء:
19] ، فإن كان لزناها أو نشوزها أو تركها فرضا جاز وصح؛ لأنه ضرها بحق
(1/553)
(أو خالعت الصغيرة والمجنونة والسفيهة) ولو
بإذن الولي (أو) خالعت (الأمة بغير إذن سيدها لم يصح) الخلع لخلوه عن بذل
عوض ممن يصح تبرعه (أو وقع الطلاق رجعيا إن) لم يكن تمام عدة أو (كان)
الخلع المذكور (بلفظ الطلاق أو نيته) لأنه لم يستحق به عوضا فإن تجرد عن
لفظ الطلاق ونيته فلغو. ويقبض عوض الخلع زوج رشيد ولو مكاتبا أو محجورا
عليه لفلس وولي الصغير ونحوه ويصح الخلع ممن يصح طلاقه.
[فصل الخلع بلفظ صريح الطلاق وكنايته]
فصل (والخلع بلفظ صريح الطلاق أو كنايته) أي: كناية الطلاق (وقصده) به
الطلاق (طلاق بائن) لأنها بذلت العوض لتملك نفسها وأجابها لسؤالها (وإن
وقع) الخلع (بلفظ الخلع أو الفسخ أو الفداء) بأن قال خلعت أو فسخت أو فاديت
(ولم ينوه طلاقا كان فسخا لا ينقص به عدد الطلاق) روي عن ابن عباس، واحتج
بقوله تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] ، ثم قال: {فَلا
جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] ، ثم قال:
{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا
غَيْرَهُ} [البقرة: 230] ، فذكر تطليقتين والخلع وتطليقة بعدهما، فلو كان
الخلع طلاقا لكان رابعا، وكنايات الخلع: باريتك وأبرأتك وأبنتك. لا يقع بها
إلا بنية أو قرينة كسؤال
وبذل عوض، ويصح بكل لغة من أهلها لا معلقا
(1/554)
(ولا يقع بمعتدة من خلع طلاق ولو واجهها)
الزوج (به) روي عن ابن عباس وابن الزبير، ولأنه لا يملك بضعها فلم يلحقها
طلاقه كالأجنبية.
(ولا يصح شرط الرجعة فيه) أي: في الخلع ولا شرط خيار ويصح الخلع فيهما (وإن
خالعها بغير عوض) لم يصح لأنه لا يملك فسخ النكاح لغير مقتض يبيحه (أو)
خالعها (بمحرم) يعلمانه كخمر وخنزير ومغصوب (لم يصح) الخلع ويكون لغوا
لخلوه عن العوض.
(ويقع الطلاق) المسئول على ذلك (رجعيا إن كان بلفظ الطلاق أو نيته) لخلوه
عن العوض وإن خالعها على عبد فبان حرا أو مستحقا صح الخلع وله قيمته ويصح
على رضاع ولده ولو أطلقا وينصرف إلى حولين أو تتمتهما، فإن مات رجع ببقية
المدة يوما فيوما (وما صح مهرا) من عين مالية ومنفعة مباحة (صح الخلع به)
لعموم قَوْله تَعَالَى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}
[البقرة: 229] .
(ويكره) خلعها (بأكثر مما أعطاها) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - في حديث جميلة: «ولا تزداد» . ويصح الخلع إذا لِقَوْلِهِ
تَعَالَى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229]
. (وإن خالعت حامل بنفقة عدتها صح) ولو قلنا النفقة للحمل لأنها في التحقيق
في حكم المالكة لها مدة الحمل (ويصح) الخلع (بالمجهول كالوصية) ولأنه إسقاط
لحقه من البضع وليس
(1/555)
بتمليك شيء، والإسقاط يدخله المسامحة (فإن
خالعته على حمل شجرتها أو) حمل (أمتها أو ما في يدها أو بيتها من دراهم أو
متاع أو على عبد) مطلق ونحوه (صح) الخلع، وله ما يحصل وما في بيتها أو يدها
(وله مع عدم الحمل) فيما إذا خالعها على نحو حمل شجرتها (و) مع عدم
(المتاع) فيما إذا خالعها على ما في بيتها من المتاع (و) مع عدم (العبد) لو
خالعها على ما في بيتها من عبد (أقل مسماه) أي: أقل ما يطلق عليه الاسم من
هذه الأشياء لصدق الاسم به، وكذا لو خالعها على عبد مبهم أو نحوه، له أقل
ما يتناوله الاسم (و) له (مع عدم الدراهم) فيما إذا خالعها على ما بيدها من
الدراهم (ثلاثة) دراهم؛ لأنها أقل الجمع.
[فصل إذا قال لزوجته متى أو إذا أعطيتني ألفا
فأنت طالق]
فصل (وإذا قال) الزوج لزوجته أو غيرها (متى) أعطيتني ألفا (أو إذا) أعطيتني
ألفا (أو إن أعطيتني ألفا فأنت طالق طلقت) بائنا (بعطيته) الألف (وإن
تراخى) الإعطاء لوجود المعلق عليه ويملك الألف بالإعطاء وإن قال إن أعطيتني
هذا العبد فأنت طالق فأعطته إياه طلقت ولا شيء له إن خرج معيبا وإن بان
مستحقا لدم فقتل فأرش عيبه ومغصوبا أو حرا هو أو بعضه لم تطلق لعدم صحة
الإعطاء، وإن قال أنت طالق وعليك ألف أو بألف ونحوه فقبلت بالمجلس، بانت
واستحقه، وإلا وقع رجعيا ولا ينقلب بائنا لو بذلته بعد (وإن قالت اخلعني
على ألف أو) اخلعني (بألف أو) اخلعني (ولك ألف ففعل) أي: خلعها ولو لم يذكر
الألف (بانت واستحقها) من غالب نقد البلد إن
(1/556)
أجابها على الفور لأن السؤال كالمعاد في
الجواب (و) إن قالت (طلقني واحدة بألف فطلقها ثلاثا استحقها) لأنه أوقع ما
استدعته وزيادة (وعكسه بعكسه) فلو قالت طلقني ثلاثا بألف فطلق أقل منها لم
يستحق شيئا لأنه لم يجبها لما بذلت العوض في مقابلته (إلا في واحدة بقيت)
من الثلاث فيستحق الألف ولو لم تعلم ذلك لأنها كملت وحصلت ما يحصل بالثلاث
من البينونة والتحريم حتى تنكح زوجا غيره.
(وليس للأب خلع زوجة ابنه الصغير) والمجنون (ولا طلاقها) لحديث: «إنما
الطلاق لمن أخذ بالساق» رواه ابن ماجه والدارقطني (ولا) للأب (خلع ابنته
بشيء من مالها) لأنه لا حظ لها في ذلك وهو بذل للمال في غير مقابلة عوض
مالي فهو كالتبرع، وإن بذل العوض من ماله صح كالأجنبي. ويحرم خلع الحيلة
ولا يصح (ولا يسقط الخلع غيره من الحقوق) فلو خالعته على شيء لم يسقط مالها
من حقوق زوجية وغيرها بسكوت عنها، وكذا لو خالعته ببعض ما عليه لم يسقط
الباقي كسائر الحقوق. (وإن علق طلاقها بصفة) كدخول الدار (ثم أبانها فوجدت)
الصفة حال بينونتها (ثم نكحها) أي: عقد عليها بعد وجود الصفة (فوجدت) الصفة
(بعده) أي: بعد
(1/557)
النكاح (طلقت) وكذا لو حلف بالطلاق ثم بانت
عادت الزوجية ووجد المحلوف عليه فتطلق لوجود الصفة ولا تنحل بفعلها حال
البينونة ولو كانت الأداة لا تقتضي التكرار؛ لأنها لا تنحل إلا على وجه
يحنث به؛ لأن اليمين حل
وعقد، والعقد يفتقر إلى الملك فكذا الحل، والحنث لا يحصل بفعل الصفة حال
البينونة فلا تنحل اليمين به (كعتق) فلو علق عتق قنه على صفة ثم باعه فوجدت
ثم ملكه ثم وجدت عتق لما سبق (وإلا) توجد الصفة بعد النكاح والملك (فلا)
طلاق ولا عتق بالصفة حال البينونة وزوال الملك؛ لأنهما إذا ليسا محلا
للوقوع.
(1/558)
|