الروض المربع شرح زاد المستقنع ط المؤيد

 [كتاب الإقرار]
وهو الاعتراف بالحق، مأخوذ من المقر، وهو المكان، كأن المقر يجعل الحق في موضعه، وهو إخبار عما في نفس الأمر لا إنشاء. و (يصح) الإقرار (من مكلف) لا من صغير غير مأذون في تجارة، فيصح في قدر ما أذن له فيه، (مختار غير محجور عليه) ، فلا يصح من سفيه إقرار بمال. (ولا يصح) الإقرار (من مكره) هذا محترز قوله: مختار، إلا أن يقر بغير ما أكره عليه، كأن يكره على الإقرار بدرهم فيقر بدينار. ويصح من سكران ومن أخرس بإشارة معلومة، ولا يصح بشيء في يد غيره أو تحت ولاية غيره، كما لو أقر أجنبي على صغير أو وقف في ولاية غيره أو اختصاصه. وتقبل من مقر دعوى إكراه بقرينة، كترسيم عليه، وتقدم بينة إكراه على طواعية. (وإن أكره على وزن مال فباع ملكه لذلك) أي لوزن ما أكره عليه (صح) البيع، لأنه لم يكره على البيع ويصح إقرار صبي أنه بلغ باحتلام إذا بلغ عشرا، ولا يقبل بسن إلا ببينة كدعوى جنون.
(ومن أقر في مرضه) ولو مخوفا ومات فيه (بشيء فكإقراره في صحته) لعدم تهمته فيه، (إلا في إقراره) أي إقرار المريض (بالمال لوارثه) حال إقراره، بأن يقول له: دعلي

(1/728)


كذا، أو يكون للمريض عليه دين فيقر بقبضه منه (فلا يقبل) هذا الإقرار من المريض، لأنه متهم فيه إلا ببينة، أو إجارة، (وإن أقر) المريض (لامرأته بالصداق فلها مهر المثل بالزوجية لا بإقراره) ، لأن الزوجية دلت على المهر ووجوبه فإقراره إخبار بأنه لم يوفه، (ولو أقر) المريض (أنه كان أبانها) أي زوجته (في صحته لم يسقط إرثها) بذلك إن لم تصدقه، لأن قوله له غير مقبول عليها بمجرده، (وإن أقر) المريض بمال (لوارث فصار عند الموت أجنبيا) أي غير وارث، بأن أقر لابن ابنه ولا ابن له ثم حدث له ابن (لم يلزم إقراره) اعتبارا لحالته لأنه كان متهما (لا أنه) أي الإقرار (باطل) بل هو صحيح موقوف على الإجازة كالوصية لوارث، (وإن أقر) المريض (لغير وارث) كابن ابنه مع وجود ابنه، (أو أعطاه) شيئا (صح) الإقرار والإعطاء، (وإن صار عند الموت وارثا) ؛ لعدم التهمة إذ ذاك، ومسألة العطية
ذكرها في " الترغيب "، والصحيح أن العبرة فيها بحال الموت، كالوصية عكس الإقرار. وإن أقر قن بمال، أو بما يوجبه كالجناية لم يؤخذ به إلا بعد عتقه إلا مأذونا له فيما يتعلق بتجارة، وإن أقر بحد، أو طلاق، أو قود طرف أخذ به في الحال.
(وإن أقرت امرأة) ولو سفيهة (على نفسها بنكاح ولم يدعه) أي النكاح (اثنان قبل) إقرارها؛ لأنه حق عليها، ولا تهمة فيه، وإن كان المدعي اثنين، فمفهوم كلامه لا يقبل، وهو رواية، والأصح يصح إقرارها، جزم به في " المنتهى " وغيره. وإن أقاما بينتين قدم أسبق النكاحين، فإن جهل فقول ولي، فإن جهله الولي فسخا، ولا ترجيح بيد.

(1/729)


(وإن أقر وليها) المجبر (بالنكاح) صح إقراره، (أو) أقر به الولي (الذي أذنت له) أن يزوجها (صح) إقراره به لأنه يملك عقد النكاح عليها، فملك الإقرار به كالوكيل. ومن ادعى نكاح صغيرة بيده فرق حاكم بينهما، ثم إن صدقته إذا بلغت قبل.
(وإن أقر) إنسان (بنسب صغير، أو مجنون مجهول النسب أنه ابنه، ثبت نسبه) ولو أسقط به وارثا معروفا، لأنه غير متهم في إقراره، لأنه لا حق للوارث في الحال، (فإن كان) المقر به (ميتا ورثه) المقر، وشرط الإقرار بالنسب إمكان صدق المقر، وأن لا ينفي به نسبا معروفا، وإن كان المقر به مكلفا، فلا بد أيضا من تصديقه. (وإن ادعى) إنسان (على شخص) مكلف (بشيء فصدقه صح) تصديقه وأخذ به؛ لحديث «لا عذر لمن أقر» . والإقرار يصح بكل ما أدى معناه، كصدقت، أو نعم، أو أنا مقر بدعواك، أو أنا مقر فقط، أو خذها، أو اتزنها، أو اقبضها، أو أحرزها ونحوه، لا إن قال: أنا أقر، أو لا أنكر، أو يجوز أن تكون محقا ونحوه.

[فصل فيمن وصل بإقراره ما يسقطه]
فصل (إذا وصل بإقراره ما يسقطه، مثل أن يقول له: علي ألف لا تلزمني ونحوه) ، كله علي ألف من ثمن خمر، أو له علي ألف مضاربة، أو وديعة تلفت، (لزمه الألف) ؛ لأنه أقر به، وادعى منافيا ولم يثبت فلم يقبل منه.

(1/730)


(وإن قال) : له علي ألف وقضيته أو برئت منه، أو قال: (كان له علي) كذا (وقضيته) ، أو برئت منه (فقوله) أي قول المقر (بيمينه) ولا يكون
مقرا، فإذا حلف خلي سبيله، لأنه رفع ما أثبته بدعوى القضاء متصلا، فكان القول قوله، (ما لم تكن) عليه (بينة) فيعمل بها، (أو يعترف بسبب الحق) من عقد، أو غصب، أو غيرها فلا يقبل قوله في الدفع، أو البراءة إلا ببينة لاعترافه بما يوجب الحق عليه. ويصح استثناء النصف، فأقل في الإقرار، فله علي عشرة إلا خمسة، يلزمه خمسة، وله هذه الدار ولي هذا البيت يصح، ويقبل ولو كان أكثرها. (وإن قال: له علي مائة ثم سكت سكوتا يمكنه الكلام فيه، ثم قال زيوفا) ، أي معيبة، (أو مؤجلة لزمه مائة جيدة حالة) ، لأن الإقرار حصل منه بالمائة مطلقا، فينصرف إلى الجيد الحال وما أتى به بعد سكوته لا يلتفت إليه؛ لأنه يرفع به حقا لزمه. (وإن أقر بدين مؤجل) بأن قال بكلام متصل: له علي مائة مؤجلة إلى كذا، ولو قال: ثمن مبيع ونحوه، (فأنكر المقر له الأجل) ، وقال: هي حالة، (فقول المقر مع يمينه) في تأجيله؛ لأنه مقر بالمال بصفة التأجيل، فلم يلزمه إلا كذلك، وكذا لو قال: له علي ألف مغشوشة، أو سود، لزمه كما أقر، (وإن أقر أنه وهب) وأقبض، (أو) أقر أنه (رهن وأقبض) ما عقد عليه، (أو أقر) إنسان (بقبض ثمن أو غيره) من صداق، أو أجرة، أو جعالة ونحوها (ثم أنكر) المقر الإقباض، أو (القبض ولم يجحد الإقرار) الصادر منه، (وسأل إحلاف خصمه) على ذلك، (فله ذلك) أي تحليفه، فإن نكل حلف هو وحكم له، لأن العادة جارية بالإقرار بالقبض قبله.
(وإن باع شيئا، أو وهبه، أو أعتقه ثم أقر) البائع، أو الواهب، أو المعتق (أن ذلك) الشيء المبيع، أو الموهوب، أو المعتق (كان لغيره، لم يقبل قوله) ؛ لأنه إقرار على غيره، (ولم

(1/731)


ينفسخ البيع ولا غيره) من الهبة والعتق، (ولزمته غرامته) للمقر له لأنه فوته عليه. (وإن قال: لم يكن) ما بعته أو وهبته ونحوه (ملكي ثم ملكته بعد) البيع ونحوه، (وأقام بينة) بما قاله، (قبلت) بينته، (إلا أن يكون قد أقر أنه ملكه أو) قال: (إنه قبض ثمن ملكه) ، فإن قال ذلك (لم يقبل منه) بينة لأنها تشهد بخلاف ما أقر به، وإن لم يقم بينة لم يقبل مطلقا. ومن قال: غصبت هذا العبد من زيد، لا بل من عمرو، أو غصبته من زيد وغصبه هو من عمرو، أو قال: هو لزيد بل لعمرو، فهو لزيد ويغرم قيمته لعمرو.

[فصل في الإقرار بالمجمل]
فصل
في الإقرار بالمجمل وهو ما احتمل أمرين فأكثر على السواء ضد المفسر. (إذا قال) إنسان: (له) أي لزيد
مثلا: (علي شيء أو) قال: له علي (كذا) أو كذا كذا، أو كذا وكذا، أو له علي شيء وشيء (قيل له) أي للمقر: (فسره) أي فسر ما أقررت به ليتأتى إلزامه به، (فإن أبى) تفسيره (حبس حتى يفسره) لوجوب تفسيره عليه، (فإن فسره بحق شفعة أو) فسره (بأقل مال قبل) تفسيره، إلا أن يكذبه المقر له ويدعي جنسا آخر، أو لا يدعي شيئا فيبطل إقراره. (وإن فسره) أي فسر ما أقر به مجملا (بميتة أو

(1/732)


خمر) ، أو كلب لا يقتنى، (أو) بما لا يتمول، (كقشر جوزة) وحبة بر، أو رد سلام، أو تشميت عاطس ونحوه (لم يقبل) منه ذلك لمخالفته لمقتضى الظاهر.
(ويقبل) منه تفسيره (بكلب مباح نفعه) لوجوب رده، (أو حد قذف) ، لأنه حق آدمي كما مر. وإن قال المقر: لا علم لي بما أقررت به، حلف إن لم يصدقه المقر له وغرم له أقل ما يقع عليه الاسم، وإن مات قبل تفسيره لم يؤخذ وارثه بشيء ولو خلف تركة لاحتمال أن يكون المقر به حد قذف، وإن قال: له علي مال، أو مال عظيم، أو خطير، أو جليل ونحوه، قبل تفسيره بأقل متمول حتى بأم ولد. (وإن قال) إنسان عن إنسان: (له علي ألف رجع في تفسير جنسه إليه) أي إلى المقر لأنه أعلم بما أراده (فإن فسره بجنس واحد) من ذهب، أو فضة، أو غيرهما، (أو) فسره (بأجناس قبل منه) ذلك، لأن لفظه يحتمله، وإن فسره بنحو كلاب لم يقبل، وله علي ألف ودرهم، أو وثوب ونحوه، أو دينار وألف، أو ألف وخمسون درهما، أو خمسون وألف درهم، أو ألف إلا درهما، فالمجمل من جنس المفسر معه، وله في هذا العبد شرك أو شركة، أو هو لي وله، أو شركة بينا، أو له فيه سهم رجع في تفسير حصة الشريك إلى المقر، وله علي ألف إلا قليلا يحمل على ما دون النصف.
(وإذا قال) المقر عن إنسان: (له علي ما بين درهم وعشرة لزمه ثمانية) ، لأن ذلك هو مقتضى لفظه. (وإن قال) : له علي (ما بين درهم إلى عشرة أو) قال: له علي (من درهم إلى عشرة لزمه تسعة) لعدم دخول الغاية، وإن قال: أردت بقولي من درهم إلى عشرة

(1/733)


مجموع الأعداد، أي الواحد والاثنين والثلاثة والأربعة والخمسة والستة والسبعة والثمانية والتسعة والعشرة، لزمه خمسة وخمسون، وله ما بين هذا الحائط إلى هذا الحائط، لا يدخل الحائطان، وله علي درهم فوق درهم، أو تحت درهم، أو مع درهم، أو فوقه درهم، أو تحته، أو معه درهم، أو قبله، أو بعده درهم بل درهمان لزمه درهمان.
(وإن قال) إنسان عن آخر: (له علي درهم، أو دينار لزمه أحدهما) ، ويرجع في تعيينه
إليه، لأن " أو " لأحد الشيئين، وإن قال: له درهم بل دينار لزماه. (وإن قال) المقر: (له علي تمر في جراب أو) قال: له علي (سكين في قراب أو) قال له: (فص في خاتم ونحوه) كله ثوب في منديل، أو عبد عليه عمامة، أو دابة عليها سرج، أو زيت في زق، (فهو مقر بالأول) دون الثاني، وكذا لو قال: له عمامة على عبد، أو فرس مسرجة، أو سيف في قراب ونحوه.
وإن قال: له خاتم فيه فص، أو سيف بقراب كان إقرارا بهما، وإن أقر له بخاتم وأطلق ثم جاءه بخاتم فيه فص وقال: ما أردت الفص، لم يقبل قوله، وإقراره بشجر، أو بشجرة ليس إقرارا بأرضها فلا يملك غرس مكانها لو ذهبت ولا يملك رب الأرض قلعها، وإقراره بأمة ليس إقرارا بحملها، وكذا لو أقر ببستان شمل الأشجار وبشجرة شمل الأغصان.

وهذا آخر ما تيسر جمعه، والله أسأل أن يعم نفعه، ,أن يجعله خالصًا لوجهه الكريم وسببا للفوز لديه بجنات النعيم، والحمد الله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه على مدى الأوقات آمين.

(1/734)


قال ذلك وكتبه جامعه فقير رحمة ربه العلي الشيخ منصور بن يونس بن صلاح الدين بن حسن بن أحمد بن علي بن إدريس البهوتي الحنبلي عفا الله عنه ـ وقال: فرغت منه يوم الجمعة ثالث شهر ربيع الثاني من شهور سنة ثلاث وأربعين وألف، والحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين. آمين آمين آمين، والحمد لله رب العالمين.

* * *
وفي النسخة الثانية:
وكتبه الفقير إسماعيل البثنوي، غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين والمسلمات آمين. وكان الفراغ من هذا الكتاب العظيم يوم الجمعة في شهر ربيع الثاني من شهور سنة ثمانية وخمسون وألف من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام. والحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

(1/735)