الروض
المربع شرح زاد المستقنع ط دار الفكر
كتاب الصيام
مدخل
...
كتاب الصيام:
الصيام لغة: مجرد الإمساك يقال للساكت: صائم
لإمساكه عن الكلام ومنه: {إِنِّي نَذَرْتُ
لِلرَّحْمَنِ صَوْماً} . وفي الشرع: إمساك
بنية عن أشياء مخصوصة في زمن معين من شخص
مخصوص وفرض صوم رمضان في السنة الثانية من
الهجرة قال ابن حجر في شرح الأربعين: في
شعبان: أ هـ فصام رسول الله صلى الله عليه
وسلم تسع رمضانات إجماعا.
رؤية هلال رمضان:
يجب صوم رمضان برؤية هلاله لقوله تعالى:
{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ
فَلْيَصُمْهُ} 1 ولقوله صلى الله عليه وسلم:
"صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته" والمستحب قول
شهر رمضان كما قال الله تعالى ولا يكره قول
رمضان فإن لم ير الهلال مع صحو ليلة الثلاثين
من شعبان أصبحوا مفطرين وكره الصوم لأنه يوم
الشك المنهي عنه وإن حال دونه أي دون هلال
رمضان بأن كان في طلعه ليلة الثلاثين من شعبان
غيم أو قتر بالتحريك أي غيرة وكذا دخان فظاهر
المذهب يجب صومه أي صوم يوم تلك الليلة حكما
ظنيا احتياطا بنية رمضان قال في الإنصاف: وهو
المذهب عند الأصحاب ونصروه وصنفوا فيه
التصانيف وردوا حجج المخالف وقالوا: نصوص أحمد
تدل عليه أ هـ وهذا قول عمر وابنه وعمرو بن
العاص وأبي هريرة وأنس ومعاوية وعائشة وأسماء
ابنتي أبي بكر الصديق رضي الله عنهم لقوله صلى
الله عليه وسلم: "إنما الشهر تسع وعشرون فلا
تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه
فإن غم عليكم فاقدروا له" . قال نافع: كان
عبدالله بن عمر إذا مضى من الشهر تسعة وعشرون
يوما يبعث من ينظر له الهلال فإن رأى فذاك وإن
لم ير ولم يحل دون منظره سحاب ولا قتر أصبح
مفطرا وإن حال دون منظره سحاب أو قتر أصبح
صائما, ومعنى:
ـــــــ
1- سورة البقرة من الآية "185".
(1/157)
"اقدروا له" أي
ضيقوا بأن يجعل شعبان تسعا وعشرين وقد فسره
ابن عمر بفعله وهو راويه وأعلم بمعناه فيجب
الرجوع إلى تفسيره ويجزئ صوم ذلك اليوم إن ظهر
منه وتصلى التراويح تلك الليلة ويجب إمساكه
على من لم يبيت نيته لا عتق أو طلاق معلق
برمضان وإن رؤى الهلال نهارا ولو قبل الزوال
فهو لليلة المقبلة كما لو رؤي آخر النهار وروى
البخاري في تاريخه مرفوعا: "من أشراط الساعة
أن يروا الهلال يقولون: ابن ليلتين" .
و إذا رآه أهل بلد أي متى ثبتت رؤيته ببلد لزم
الناس كلهم الصوم لقوله صلى الله عليه وسلم:
"صوموا لرؤيته" وهو خطاب للأمة كافة فإن رآه
جماعة ببلد ثم سافروا لبلد بعيد فلم ير الهلال
به في آخر الشهر أفطروا.
ويصام وجوبا برؤية عدل مكلف ويكفي خبره بذلك
لقول ابن عمر: تراءى الناس الهلال فأخبرت رسول
الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصام وأمر
الناس بصيامه رواه أبو داود ولو كان أنثى أو
عبدا أو بدون لفظ الشهادة ولا يختص بحاكم
فيلزم الصوم من سمع عدلا يخبر برؤيته تثبت
بقية الأحكام ولا يقبل في شوال وسائر الشهور
إلا ذكران بلفظ الشهادة ولو صاموا ثمانية
وعشرين يوما ثم رأوه قضوا يوما فقط فإن صاموا
بشهادة واحد ثلاثين يوما فلم ير الهلال لم
يفطروا لقوله صلى الله عليه وسلم: "وإن شهد
اثنان فصوموا وأفطروا" أو صاموا لأجل غيم
ثلاثين يوما ولم يروا الهلال لم يفطروا لأن
الصوم إنما كان احتياطا والأصل بقاء رمضان
وعلم منه أنهم لو صاموا بشهادة اثنين ثلاثين
يوما ولم يروه أفطروا صحوا كان أو غيما لما
تقدم ومن رأى وحده هلال رمضان ورد قوله لزمه
الصوم وجميع أحكام الشهر من طلاق وغيره معلق
به لعلمه أنه من رمضان أو رأى وحده هلال شوال
صام ولم يفطر قوله صلى الله عليه وسلم: "الفطر
يوم يفطر الناس والأضحى يوم يضحي الناس" رواه
الترمذي وصححه وإن اشتبهت الأشهر على نحو
مأسور تحرى و أجزأه إن لم يعلم أنه تقدمه
ويقضي ما وافق عيدا أو أيام تشريق.
ويلزم الصوم في شهر رمضان لكل مسلم لا كافر
ولو أسلم في أثنائه قضى الباقي فقط مكلف لا
صغير ومجنون قادر لا مريض يعجز عنه للآية وعلى
ولي صغير مطيق أمره به وضربه عليه ليعتاده
وإذا قامت البينة في أثناء النهار برؤية
الهلال تلك الليلة وجب الإمساك والقضاء لذلك
اليوم الذي أفطره على كل من صار في أثنائه
أهلا لوجوبه أي وجوب الصوم وإن لم يكن حال
الفطر من أهل وجوبه وكذا حائض ونفساء طهرتا في
أثناء النهار فيمسكان ويقضيان و كذا مسافر قدم
مفطرا يمسك ويقضي
(1/158)
وكذا لو برئ
مريض مفطرا أو بلغ صغير في أثنائه مفطرا أمسك
وقضى فإن كانوا صائمين أجزأهم وإن علم مسافر
أنه يقدم غدا لزمه الصوم لا صغير علم أنه يبلغ
غدا لعدم تكليفه.
الأعذار المبيحة للفطر:
ومن أفطر لكبر أو مرض لا يرجى برؤه أطعم لكل
يوم مسكينا ما يجزئ في كفارة مد بر أو نصف صاع
من غيره لقول ابن عباس في قوله تعالى:
{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} 1:
ليست بمنسوخة هي للكبير الذي لا يستطيع الصوم
رواه البخاري والمريض الذي لا يرجى برؤه في
حكم الكبير لكن إن كان الكبير أو المريض الذي
لا يرجى برؤه مسافرا فلا فدية لفطره بعذر
معتاد ولا قضاء له لعجزه عنه.
وسن الفطر لمريض يضره الصوم و لمسافر يقصر ولو
بلا مشقة لقوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً
أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ
أُخَرَ} 2 ويكره لهما الصوم ويجوز وطء لمن به
مرض ينتفع به فيه ولا كفارة فيه أو به شبق ولم
تندفع شهوته بدون الوطء ويخاف تشقق انثييه ولا
كفارة ويقضي ما لم يتعذر لشبق فيطعم كالكبير
وإن سافر ليفطر حرم وإن نوى حاضر صوم يوم ثم
سافر في أثنائه فله الفطر إذا فارق بيوت قريته
ونحوها لظاهر الآية والأخبار الصريحة والأفضل
عدمه وإن أفطرت حامل أو أفطرت مرضع خوفا على
أنفسهما فقط أو مع الولد قضتا أي قضتا الصوم
فقط من غير فدية لأنهما بمنزلة المريض الخائف
على نفسه و إن أفطرتا خوفا على ولديهما فقط
قضتا عدد الأيام وأطعمتا وأي وجب على من يمون
الولد أن يطعم عنهما لكل يوم مسكينا ما يجزئ
في كفارة لقوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ
يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} قال
ابن عباس: كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة
الكبيرة وهما يطيقان الصيام أن يفطرا ويطعما
مكان كل يوم مسكينا والحبلى و المرضع إذا
خافتا على أولادهما أفطرتا وأطعمتا رواه أبو
داود وروي عن ابن عمر: وتجزئ هذه الكفارة إلى
مسكين واحد جملة ومتى قبل رضيع ثدي غيرها وقدر
أن يستأجر له لم تفطر وظئر3 كأم ويجب الفطر
على من احتاجه لإنقاذ معصوم من هلكة كغرق وليس
لمن أبيح له الفطر برمضان صوم غيره فيه.
ومن نوى الصوم ثم جن أو أغمي عليه جميع النهار
ولم يفق جزءا منه لم يصح
ـــــــ
1- سورة البقرة من الآية "184".
2- سورة البقرة من الآية "185".
3- الظئر: المرضعة.
(1/159)
صومه لأن الصوم
الشرعي الإمساك مع النية فلا يضاف للمجنون ولا
للمغمى عليه فإن أفاقا جزءا من النهار صح
الصوم سواء كان من أول النهار أو آخره لا إن
نام جميع النهار فلا يمنع صحة صومه لأن النوم
عادة ولا يزول به الإحساس بالكلية ويلزم
المغمى عليه القضاء أي قضاء الصوم الواجب زمن
الإغماء لأن مدته لا تطول غالبا فلم يزل به
التكليف فقط بخلاف المجنون فلا قضاء عليه
لزوال تكليفه.
النية في الصيام:
ويجب تعيين النية بأن يعتقد أنه يصوم من رمضان
أو قضائه أو نذر أو كفارة لقوله صلى الله عليه
وسلم: "وإنما لكل امرئ ما نوى" من الليل لما
روى الدارقطني بإسناده عن عمرة عن عائشة
مرفوعا: "من لم يبيت الصيام قبل طلوع الفجر
فلا صيام" وقال: إسناده كلهم ثقات. ولا فرق
بين أول الليل ووسطه وآخره ولو أتى بعدها
بمناف للصوم من نحو أكل ووطء لصوم كل يوم واجب
لأن كل يوم عبادة مفردة لا يفسد صومه بفساد
صوم غيره لا نية الفرضية أي لا يشترط أن ينوي
كون الصوم فرضا لأن التعيين يجزئ عنه ومن قال:
أنا صائم غدا إن شاء الله مترددا فسدت نيته لا
متبركا1 كما لا يفسد الإيمان بقوله: أنا مؤمن
إن شاء الله غير متردد في الحال ويكفي في
النية الأكل والشرب2 بنية الصوم.
ويصح صوم النفل بنية من النهار قبل الزوال أو
بعده لقول معاذ وابن مسعود وحذيفة وحديث عائشة
قالت: دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم ذات
يوم فقال: "هل عندكم من شيء؟" فقلنا: لا قال:
"فإني إذا صائم" . رواه الجماعة إلا البخاري.
وأمر بصوم يوم عاشوراء3 في أثنائه ويحكم
بالصوم الشرعي المثاب عليه من وقتها ولو نوى
إن كان غدا من رمضان فهو فرض لم يجزئه لعدم
جزمه بالنية وإن قال ذلك ليلة الثلاثين من
رمضان وقال: وإلا فأنا مفطر فبان من رمضان
أجزأه لأنه بنى على أصل لم يثبت زواله ومن نوى
الإفطار أفطر أي صار كمن لم ينو لقطعه النية
وليس كمن أكل أو شرب فيصح أن ينويه نفلا بغير
رمضان ومن قطع نية نذر أو كفارة ثم نواه نفلا
أو قلب نيتهما إلى نفل صح كما لو انتقل من فرض
صلاة إلى نفلها.
ـــــــ
1- أي إن قالها على سبيل التبرك فالنية قائمة
لكن إن قالها وهو يعني أنه قد يفعل وقد لا
يفعل كان مترددا ولم تنعقد النية بقوله هذا.
2- أي تناول طعام السحور.
3- عاشوراء: هو يوم العاشر من محرم.
(1/160)
باب ما يفسد الصوم ويوجب الكفارة
مدخل
...
1- باب ما يفسد الصوم ويوجب الكفارة:
وما يتعلق بذلك من أكل أو شرب أو استعط 1 بدهن
أو غيره فوصل إلى حلقه أو دماغه أو احتقن أو
اكتحل بما يصل أي بما يعلم وصوله إلى حلقه
لرطوبته أو حدته من كحل أو صبر أو قطور أو
ذرور أو إثمد كثير أو يسير مطيب فسد صومه لأن
العين منفذ وإن لم يكن معتادا أو أدخل إلى
جوفه شيئا من أي موضع كان غير إحليله فلو قطر
فيه أو غيب فيه شيئا فوصل إلى المثانة لم يبطل
صومه أو استقاء أي استدعى القيئ فقاء فسد أيضا
لقوله صلى الله عليه وسلم: "من استقاء عمدا
فليقض" حسنه الترمذي أو استمنى فأمنى أو أمذى
أو باشر دون الفرج أو قبل أو لمس فأمنى أو
أمذى أو كرر النظر فأنزل منيا فسد صومه لا إن
أمذى أو حجم أو احتجم وظهر دم عامدا ذاكرا في
الكل لصومه فسد صومه لقول رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "أفطر الحاجم والمحجوم" رواه أحمد
والترمذي قال ابن خزيمة: ثبتت الأخيار عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم بذلك ولا يفطر بفصد
ولا شرط ولا رعاف.
لا إن كان ناسيا أو مكرها ولو بوجور مغمى عليه
معالجة فلا يفسد صومه وأجزأه لقوله صلى الله
عليه وسلم: "عفي لأمتي الخطأ والنسيان وما
استكرهوا عليه" . ولحديث أبي هريرة مرفوعا:
"من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه
فإنما أطعمه الله وسقاه" . متفق عليه أو طار
إلى حلقه ذباب أو غبار من طريق أو دقيق أو
دخان لم يفطر لعدم إمكان التحرز من ذلك أشبه
النائم أو فكر فأنزل لم يفطر لقوله صلى الله
عليه وسلم: "عفي لأمتي ما حدثت به أنفسها ما
لم تعمل أو تتكلم به" وقياسه على تكرار النظر
غير مسلم لأنه دونه أو احتلم لم يفسد صومه لأن
ذلك ليس بسبب من جهته وكذا لو ذرعه القيئ أي
غلبه
أو أصبح في فيه طعام فلفظه أي طرحه لم يفسد
صومه وكذا لو شق عليه أن يلفظه فبلعه مع ريقه
من غير قصد لما تقدم وإن تميز عن ريقه وبلعه
باختياره أفطر ولا يفطر إن لطخ باطن قدمه بشئ
فوجد طعمه بحلقه, أو اغتسل أو تمضمض أو استنثر
يعني استنشق أو زاد على الثلاث في المضمضمة أو
الاستنشاق أو بالغ فيهما فدخل الماء حلقه لم
يفسد صومه لعدم القصد وتكره المبالغة في
المضمضمة والاستنشاق للصائم وتقدم وكرها له
عبثا أو إسرافا أو لحر أو عطش كغوصه في ماء
لغير غسل مشروع أو تبرد ولا يفسد صومه بما دخل
حلقه من غير قصد.
ـــــــ
1- استعط: استعمل السعوط وهو ذرور يشمها المرء
طلبا للعطاس لإراحة الصدر والجيوب الأنفية مما
تجمع من مادة مخاطية والسعوط المستعمل حاليا
هو تبغ مطحون.
(1/161)
ومن أكل أو شرب
أو جامع شاكا في طلوع فجر ولم يتبين له طلوعه
صح صومه ولا قضاء عليه ولو تردد لأن الأصل
بقاء الليل لا إن أكل ونحوه شاكا في غروب
الشمس من ذلك اليوم الذي هو صائم فيه ولم
يتبين بعد ذلك أنها غربت فعليه قضاء الصوم
الواجب لأن الأصل بقاء النهار أو أكل ونحوه
معتقدا أنه ليل فبان نهارا أي فبان طلوع الفجر
أو عدم غروب الشمس قضى لأنه لم يتم صومه وكذا
يقضي إن أكل ونحوه يعتقد نهارا فبان ليلا ولم
يجدد نية لواجب لا من أكل ظانا غروب شمس ولم
يتبين له الخطأ.
(1/162)
فصل في الجماع في رمضان:
ومن جامع في نهار رمضان ولو في يوم لزمه
إمساكه أو رأى الهلال ليلته وردت شهادته فغيب
حشفة ذكره الأصلي في قبل أصلى أو دبر و لو
ناسيا أو جاهلا أو مكرها فعليه القضاء
والكفارة أنزل أو لا ولو أولج خنثى مشكل ذكره
في قبل خنثى مشكل أو قبل امرأة أو أولج رجل
ذكره في قبل خنثى مشكل لم يفسد صوم واحد منهما
إلا أن ينزل كالغسل وكذا إذا أنزل مجبوب أو
امرأتان بمساحقة.
وإن جامع دون الفرج ولو عمدا فأنزل منيا أو
مذيا أو كانت المرأة المجامعة معذورة بجهل أو
نسيان أو إكراه فالقضاء ولا كفارة وإن طاوعت
عامدة عالمة فالكفارة أيضا أو جامع من نوى
الصوم في سفره المباح فيه القصر أو في مرض
يبيح الفطر أفطر ولا كفارة لأنه صوم لا يلزم
المضي فيه أشبه التطوع ولأنه يفطر بنية الفطر
فيقع الجماع بعده.
وإن جامع في يومين متفرقين أو متواليين أو
كرره أي كرر الوطء في يوم ولم يكفر للوطء
الأول فكفارة واحدة في الثانية وهي ما إذا كرر
الوطء في يوم قبل أن يكفر قال في المغني و
الشرح: بغير خلاف وفي الأولى وهي ما إذا جامع
في يومين اثنتان لأن كل يوم عبادة مفردة.
وإن جامع ثم كفر ثم جامع في يومه فكفارة ثانية
لأنه وطء محرم وقد تكرر فتتكرر هي كالحج.
وكذلك من لزمه الامساك كمن لم يعلم برؤية
الهلال إلا بعد طلوع الفجر أو نسي النية أو
أكل عامدا إذا جامع فعليه الكفارة لهتكه حرمة
الزمن ومن جامع وهو معافى ثم مرض أو جن أو
سافر لم تسقط الكفارة عنه لاستقرارها كما لو
لم يطرأ العذر.
(1/162)
ولا تجب
الكفارة بغير الجماع في صيام رمضان لأنه لم
يرد به نص وغيره لا يساويه والنزع جماع
والإنزال بالمساحقة كالجماع على ما في المنتهى
وهي أي كفارة الوطء في نهار رمضان عتق رقبة
مؤمنة سليمة من العيوب الضارة بالعمل فإن لم
يجد رقبة فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع
الصوم فإطعام ستين مسكينا لكل مسكين مد بر أو
نصف صاع تمر أو زبيب أو شعير أو أقط فإن لم
يجد شيئا يطعمه للمساكين سقطت الكفارة لأن
الأعرابي لما دفع إليه النبي صلى الله عليه
وسلم التمر ليطعمه للمساكين فأخبره بحاجته
قال: "أطعمه لأهلك" ولم يأمره بكفارة أخرى ولم
يذكر له بقاءها في ذمته بخلاف كفارة حج وظهار
ويمين ونحوها ويسقط الجميع بتكفير غيره عنه
بإذنه.
(1/163)
2-
باب ما يكره
ويستحب في الصوم:
وحكم القضاء أي قضاء الصوم يكره لصائم جمع
ريقه فيبتلعه للخروج من خلاف من قال بفطره.
ويحرم على الصائم بلع النخامة سواء كانت من
جوفه أو صدره أو دماغه ويفطر بها فقط أي لا
بالريق إن وصلت إلى فمه لأنها من غير الفم
وكذلك إذا تنجس فمه بدم أو قيء ونحوه فبلعه
وإن قل لإمكان التحرز منه وإن أخرج من فمه
حصاة أو درهما أو خيطا ثم أعاده فإن كثر ما
عليه أفطر وإلا فلا ولو أخرج لسانه ثم أعاده
لم يفطر بما عليه ولو كثر لأنه لم ينفصل عن
محله ويفطر بريق أخرجه إلى ما بين شفتيه ثم
بلعه ويكره ذوق طعام بلا حاجة قال المجد:
المنصوص عنه أنه لا بأس به لحاجة ومصلحة وحكاه
هو والبخاري عن ابن عباس.
و يكره مضغ علك قوي وهو الذي كلما مضغه صلب
وقوي لأنه يحلب البلغم ويجمع الريق ويورث
العطش وإن وجد طعمهما أي طعم الطعام والعلك في
حلقه أفطر لأنه أوصله إلى جوفه.
ويحرم مضغ العلك المتحلل مطلقا إجماعا قاله في
المبدع إن بلع ريقه وإلا فلا هذا معنى ما ذكره
في المقنع و المغني و الشرح لأن المحرم إدخال
ذلك إلى جوفه ولم يوجد وقال في الإنصاف:
والصحيح من المذهب أنه يحرم مضغ ذلك ولو لم
يبتلع ريقه وجزم به الأكثر أ هـ وجزم به في
الإقناع و المنتهى ويكره أن يدع بقايا الطعام
بين أسنانه وشم ما لا يؤمن أن يجذبه نفس كسحيق
مسك.
(1/163)
وتكره القبلة
ودواعي الوطء لمن تحرك شهوته لأنه صلى الله
عليه وسلم نهى عنها شابا ورخص لشيخ1 رواه أبو
داود من حديث أبي هريرة ورواه سعيد عن أبي
هريرة وأبي الدرداء وكذا عن ابن عباس بإسناد
صحيح وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل
وهو صائم لما كان مالكا لأربه وغير ذي الشهوة
في معناه وتحرم إن ظن إنزالا.
ويجب مطلقا اجتناب كذب وغيبة ونميمة وشتم
ونحوه لقوله صلى الله عليه وسلم: "من لم يدع
قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع
طعامه وشرابه" . رواه أحمد والبخاري وأبو داود
وغيرهم قال أحمد: ينبغي للصائم أن يتعاهد صومه
من لسانه ولا يماري ويصون صومه كانوا إذا
صاموا قعدوا في المساجد وقالوا نحفظ صومنا ولا
نغتاب أحدا ولا يعمل عملا يجرح به صومه وسن له
كثرة قراءة وذكر وصدقة وكف لسانه عما يكره وسن
لمن شتم قوله جهرا إني صائم لقوله صلى الله
عليه وسلم: "فإن شاتمه أحد أو قاتله فليقل:
إني امرؤ صائم" و يسن تأخير سحور إن لم يخش
طلوع فجر ثان لقول زيد بن ثابت: تسحرنا مع
النبي صلى الله عليه وسلم ثم قمنا إلى الصلاة
قلت: كم كان بينهما ؟ قال: قدر خمسين آية متفق
عليه وكره جماع مع شك في طلوع فجر لا سحور.
و سن تعجيل فطر لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا
يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر" متفق عليه
والمراد إذا تحقق غروب الشمس2 وله الفطر بغلبة
الظن وتحصل فضيلته بشرب وكمالها بأكل ويكون
على رطب لحديث أنس كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم يفطر على رطبات قبل أن يصلي فإن لم
تكن فعلى تمرات فإن لم تكن تمرات حسا حسوات من
ماء رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن غريب
فإن عدم الرطب فتمر فإن عدم فـ على ماء لما
تقدم وقول ما ورد عند فطره ومنه: اللهم لك صمت
وعلى رزقك أفطرت3 سبحانك وبحمدك اللهم تقبل
مني إنك أنت السميع العليم.
ويستحب القضاء أي قضاء رمضان فورا متتابعا لأن
القضاء يحكي الأداء وسواء أفطر بسبب محرم أو
لا وإن لم يقض على الفور وجب العزم عليه ولا
يجوز تأخير قضائه إلى رمضان آخر من غير عذر
لقول عائشة: كان يكون علي الصوم من رمضان فما
ـــــــ
1- لأن الشاب سريع الاهتياج فيقوده ذلك إلى
الجماع وحتى إلى الإنزال بغير جماع أما الشيخ
فبطيء التأثر.
2- ويتحقق الغروب ببدء انتشار العتمة لجهة
الشرق لأن جهة الغروب تستمر مضيئة لفترة بعد
الغروب وإعتام جهة الغرب إعتاما كاملا هو دخول
وقت العشاء.
3- ويستحب أن يقول بعد هذا: وبك آمنت وعليك
توكلت ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن
شاء الله.
(1/164)
أستطيع أن
أقضيه إلا في شعبان لمكان رسول الله صلى الله
عليه وسلم متفق عليه. فلا يجوز التطوع قبله
ولا يصح فإن فعل أي أخره بلا عذر حرم عليه
وحينئذ فعليه مع القضاء إطعام مسكين لكل يوم
ما يجزئ في كفارة رواه سعيد بإسناد جيد عن ابن
عباس والدارقطني بإسناد صحيح عن أبي هريرة وإن
كان لعذر فلا شيء عليه وإن مات بعد أن أخره
لعذر فلا شيء ولغير عذر أطعم عنه لكل يوم
مسكين كما تقدم ولو بعد رمضان آخر لأنه بإخراج
كفارة واحدة زال تفريطه والإطعام من رأس ماله
أوصى به أو لا وإن مات وعليه صوم كفارة أطعم
عنه كصوم متعة و لا يقضى عنه ما وجب بأصل
الشرع من صلاة وصوم.
وإن مات وعليه صوم نذر أو حج نذر أو اعتكاف
نذر أو صلاة نذر استحب لوليه قضاؤه لما في
الصحيحين: أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله
عليه وسلم فقالت: إن أمي ماتت وعليها صوم نذر
أفأصوم عنها ؟ قال: "نعم" ولأن النيابة تدخل
في العبادة بحسب خفتها وهو أخف حكما من الواجب
بأصل الشرع والولي هو الوارث فإن صام غيره جاز
مطلقا لأنه تبرع وإن خلف تركة وجب الفعل
فيفعله الولي أو يدفع إلى من يفعله عنه ويدفع
في الصوم عن كل يوم طعام مسكين وهذا كله فيمن
أمكنه صوم ما نذره فلم يصمه فلو أمكنه بعضه
قضى ذلك البعض فقط والعمرة مرة في ذلك كالحج.
(1/165)
باب صوم التطوع:
وفيه فضل عظيم لحديث: "كل عمل ابن آدم له
الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف فيقول
الله تعالى: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به"
. وهذه الإضافة للتشريف التعظيم.
يسن صيام ثلاثة أيام من كل شهر والأفضل أن
يجعلها أيام الليالي البيض لما روى أبو ذر أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "إذا صمت من
الشهر ثلاثة أيام فصم ثلاث عشرة وأربع عشرة
وخمس عشرة" رواه الترمذي وحسنه وسميت بيضا
لابيضاض ليلها كله بالقمر و صوم الاثنين
والخميس لقوله صلى الله عليه وسلم: "هما يومان
تعرض فيهما الأعمال على رب العالمين وأحب أن
يعرض عملي وأنا صائم" رواه أحمد والنسائي. و
سن صوم ست من شوال لحديث: "من صام رمضان
وأتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر" أخرجه
مسلم. ويستحب تتابعها وكونها عقب العيد لما
فيه من المسارعة إلى الخير و يسن صوم شهر
المحرم لحديث: "أفضل الصيام بعد رمضان شهر
الله المحرم" رواه مسلم وآكده العاشر ثم
التاسع لقوله صلى الله عليه وسلم: "لئن بقيت
إلى قابل لأصومن التاسع والعاشر" احتج به أحمد
وقال: إن اشتبه
(1/165)
عليه أول الشهر
صام ثلاثة أيام ليستيقن صومها وصوم عاشوراء
كفارة سنة ويسن فيه التوسعة على العيال و صوم
تسع ذي الحجة لقوله صلى الله عليه وسلم: "ما
من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من
هذه الأيام" -يعني العشر- قالوا: يا رسول الله
ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال: "ولا الجهاد
في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم
يرجع من ذلك بشئ" . رواه البخاري. و آكده يوم
عرفة لغير حاج بها وهو كفارة سنتين لحديث:
"صيام يوم عرفة أحتسب على الله يكفر السنة
التي قبله والسنة التي بعده" . وقال في صيام
عاشوراء: "إني أحتسب على الله أن يكفر السنة
التي قبله" رواه مسلم ويلي يوم عرفة في
الآكدية يوم التروية وهو الثامن.
وأفضله أي أفضل صوم التطوع صوم يوم وفطر يوم
لأمره صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمرو
قال: "هو أفضل الصيام" متفق عليه. وشرطه أن لا
يضعف البدن حتى يعجز عما هو أفضل من الصيام
كالقيام بحقوق الله تعالى وحقوق عباده اللازمة
وإلا فتركه أفضل.
ويكره إفراد رجب بالصوم لأن فيه إحياء لشعار
الجاهلية فإن أفطر منه أو صام معه غيره زالت
الكراهة و كره إفراد يوم الجمعة لقوله صلى
الله عليه وسلم: "لا تصوموا يوم الجمعة إلا
وقبله يوم أو بعده يوم" متفق عليه. و إفراد
يوم السبت لحديث: "لا تصوموا يوم السبت إلا
فيما افترض عليكم" رواه أحمد. وكره صوم يوم
النيروز والمهرجان1 وكل عيد للكفار أو يوم
يفردونه بالتعظيم و يوم الشك وهو يوم الثلاثين
من شعبان إذا لم يكن غيم ولا نحوه لقول عمار:
من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم
صلى الله عليه وسلم رواه أبو داود والترمذي
وصححه والبخاري تعليقا ويكره الوصال وهو أن لا
يفطر ببن اليومين أو الأيام ولا يكره إلى
السحر وتركه أولى.
ويحرم صوم يومي العيدين إجماعا للنهي المتفق
عليه ولو في فرض و يحرم صيام أيام التشريق
لقوله صلى الله عليه وسلم: "أيام التشريق أيام
أكل وشرب وذكر لله" رواه مسلم. إلا عن دم متعة
أو قران فيصح صوم أيام التشريق لمن عدم الهدي
لقول ابن عمر وعائشة: لم يرخص في أيام التشريق
أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي2 رواه البخاري.
ـــــــ
1- وهذان عيدان فارسيان مجوسيان أحدهما رأس
السنة والآخر عيد الربيع وحال هذان حال عيد شم
النسيم في مصر فهو عيد قبطي فرعوني الأصل
وثني.
2- ولا يحوز صيام التطوع للمرأة المتزوجة إلا
بموافقة زوجها لأن هذا يحرمه حقه الشرعي في
الاستمتاع بها فإن كان غائبا عنها في سفر جاز.
(1/166)
ومن دخل في فرض
موسع من صوم أو غيره حرم قطعه كالمضيق فيحرم
خروجه من الفرض بلا عذر لأن الخروج من عهدة
الواجب متعين ودخلت التوسعة في وقته رفقا
ومظنة للحاجة فإذا شرع تعينت المصلحة في
إتمامه ولا يلزم الإتمام في النفل من صوم
وصلاة ووضوء وغيرها لقول عائشة: يا رسول الله
أهدي لنا حيس -وهو التمر مع السمن- فقال:
"أرنيه فلقد أصبحت صائما" فأكل, رواه مسلم
وغيره وزاد النسائي بإسناد جيد: "إنما مثل صوم
التطوع مثل الرجل يخرج من ماله الصدقة فإن شاء
أمضاها وإن شاء حبسها" وكره خروجه منه بلا
عذر. ولا قضاء فاسده أي لا يلزمه قضاء ما فسد
من النفل إلا الحج والعمرة فيجب إتمامهما
لانعقاد الإحرام لازما فإن أفسدهما أو فسدا
لزمه القضاء.
ليلة القدر:
وترجى ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان
لقوله صلى الله عليه وسلم: "تحروا ليلة القدر
في العشر الأواخر من رمضان" متفق عليه وفي
الصحيحين: "من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا
غفر له ما تقدم من ذنبه" زاد أحمد: "وما تأخر"
. وسميت بذلك لأنه يقدر فيها ما يكون في تلك
السنة أو لعظم قدرها عند الله أو لأن للطاعات
فيها قدرا عظيما وهي أفضل الليالي وهي باقية
لم ترفع للأخبار وأوتاره آكد لقوله صلى الله
عليه وسلم: "اطلبوها في العشر الأواخر في ثلاث
بقين أو خمس بقين أو سبع بقين أو تسع بقين"
وليلة سبع وعشرين أبلغ أي أرجى لها لقول ابن
عباس وأبي بن كعب وغيرهما وحكمة إخفائها
ليجتهدوا في طلبها ويدعو فيها لأن الدعاء
مستجاب فيها بما ورد عن عائشة قالت: يا رسول
الله: إن وافقتها فبم أدعو؟ قال: قولي: "اللهم
إنك عفو تحب العفو فاعف عني" رواه أحمد وابن
ماجة وللترمذي معناه وصححه ومعنى العفو:
الترك. وللنسائي من حديث أبي هريرة مرفوعا:
"سلوا الله العفو والعافية والمعافاة الدائمة
فما أوتي أحد بعد يقين خيرا من معافاة" فالشر
الماضي يزول بالعفو والحاضر بالعافية
والمستقبل بالمعافاة لتضمنها دوام العافية.
(1/167)
باب الاعتكاف:
هو لغة: لزوم الشئ ومنه {يَعْكُفُونَ عَلَى
أَصْنَامٍ لَهُمْ} واصطلاحا: لزوم مسجد أي
لزوم مسلم عاقل ولو مميز لا غسل عليه مسجدا
ولو ساعة لطاعة الله تعالى ويسمى جوازا ولا
يبطل بإغماء وهو مسنون كل وقت إجماعا لفعله
صلى الله عليه وسلم ومداومته عليه واعتكف
أزواجه بعده ومعه وهو في رمضان آكد لفعله صلى
الله عليه وسلم وآكده في عشره الأخير.
ويصح الاعتكاف بلا صوم لقول عمر: يا رسول الله
إني نذرت في الجاهلية أن
(1/167)
أعتكف ليلة
بالمسجد الحرام فقال النبي صلى الله عليه
وسلم: "أوف بنذرك" رواه البخاري ولو كان الصوم
شرطا لما صح اعتكاف الليل ويلزمان أي الاعتكاف
والصوم بالنذر فمن نذر أن يعتكف صائما أو بصوم
أو يصوم معتكفا أو باعتكاف لزمه الجمع وكذا لو
نذر أن يصلي معتكفا ونحوه لقوله صلى الله عليه
وسلم: "من نذر أن يطيع الله فليطعه" رواه
البخاري وكذا لو نذر صلاة بسورة معينة ولا
يجوز لزوجة اعتكاف بلا إذن زوجها ولا لقن بلا
إذن سيده ولهما تحليلهما من تطوع مطلقا ومن
نذر بلا إذن.
ولا يصح الاعتكاف إلا بنية لحديث: "إنما
الأعمال بالنيات" ولا يصح إلا في مسجد لقوله
تعالى: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي
الْمَسَاجِدِ} 1 يجمع فيه أي تقام فيه الجماعة
لأن الاعتكاف في غيره يفضي إما إلى ترك
الجماعة أو تكرر الخروج إليها كثيرا مع إمكان
التحرز منه وهو مناف للاعتكاف إلا من لا تلزمه
الجماعة كـ المرأة والمعذور والعبد ف يصح
اعتكافهم في كل مسجد للآية وكذا من اعتكف من
الشروق إلى الزوال مثلا سوى مسجد بيتها وهو
الموضع الذي تتخذه لصلاتها في بيتها لأنه ليس
بمسجد حقيقة ولا حكما لجواز لبثها فيه حائضا
وجنبا ومن المسجد ظهره ورحبته المحوطة ومنارته
التي هي أو بابها فيه وما زيد فيه المسجد
الجامع أفضل لرجل تخلل اعتكافه جمعة.
ومن نذره أي الاعتكاف أو الصلاة في مسجد غير
المساجد الثلاثة : مسجد مكة والمدينة والأقصى
وأفضلها المسجد الحرام فمسجد المدينة فالأقصى
لقوله صلى الله عليه وسلم: "صلاة في مسجدي هذا
خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام"
رواه لجماعة إلا أبا داود لم يلزمه جواب من أي
لم يلزمه الاعتكاف أو الصلاة فيه أي في المسجد
الذي عينه إن لم يكن من الثلاثة لقوله صلى
الله عليه وسلم: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة
مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد
الأقصى" فلو تعين غيرها بتعيينه لزمه المضي
إليه واحتاج لشد الرحل إليه لكن إن نذر
الاعتكاف في جامع لم تجزئه في مسجد لا تقام
فيه الجمعة, وإن عين لاعتكافه أو صلاته الأفضل
كالمسجد الحرام لم يجز اعتكافه أو صلاته فيما
دونه كمسجد المدينة أو الأقصى وعكسه بعكسه فمن
نذر اعتكافا أو صلاة بمسجد المدينة أو الأقصى
أجزأه بالمسجد الحرام لما روى أحمد وأبو داود
عن جابر أن رجلا قال يوم الفتح: يا رسول الله
إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت
المقدس فقال: "صل هاهنا" فسأله فقال: "صل ها
هنا" فسأله فقال: "شأنك إذا" .
ـــــــ
1- سورة البقرة من الآية "187".
(1/168)
ومن نذر
اعتكافا زمنا معينا كعشر ذي الحجة دخل معتكفه
قبل ليلته الأولى فيدخل قبيل الغروب من اليوم
الذي قبله وخرج من معتكفه بعد آخره أي بعد
غروب الشمس آخر يوم منه وإن نذر يوما دخل قبل
فجره وتأخر حتى تغرب شمسه وإن نذر زمنا معينا
تابعه ولو أطلق وعددا فله تفريقه ولا تدخل
ليلة يوم نذره كيوم أجلة نذرها.
ولا يخرج المعتكف من معتكفه إلا لما لا بد له
منه كإتيانه بمأكل ومشرب لعدم من يأتيه بهما
وكقىء بغتة وبول وغائط وطهارة واجبة وغسل
متنجس يحتاجه وإلى جمعة وشهادة لزمتاه والأولى
أن لا يبكر لجمعة ولا يطيل الجلوس بعدها وله
المشي على عادته وقصد بيته لحاجته إن لم يجد
مكانا يليق به بلا ضرر ولا منة وغسل يده بمسجد
في إناء من وسخ ونحوه لا بول وفصد وحجامة
بإناء فيه أو في هوائه ولا يعود مريضا ولا
يشهد جنازة حيث وجب عليه الاعتكاف متتابعا ما
لم يتعين عليه ذلك لعدم من يقوم به إلا أن
يشترطه أي يشترط في ابتداء اعتكافه الخروج إلى
عيادة مريض أو شهود جنازة وكذا كل قربة لم
تتعين عليه وما له منه بد كعشاء ومبيت ببيته
لا الخروج للتجارة ولا التكسب بالصنعة في
المسجد ولا الخروج لما شاء وإن قال: متى مرضت
أو عرض لي عارض خرجت فله شرطه وإذا زال العذر
وجب الرجوع إلى اعتكاف واجب.
وإن وطئ المعتكف في فرج أو أنزل بمباشرة دونه
فسد اعتكافه ويكفر كفارة يمين إن كان الاعتكاف
منذورا لإفساد نذره لا لوطئه ويبطل أيضا
اعتكافه بخروجه لما له منه بد ولو قل. ويستحب
اشتغاله بالقرب 1 من صلاة وقراءة وذكر ونحوهما
واجتناب ما لا يعنيه -بفتح الياء- أي يهمه
لقوله صلى الله عليه وسلم: "من حسن إسلام
المرء تركه ما لا يعنيه" ولا بأس أن تزوره
زوجته في المسجد وتتحدث معه وتصلح رأسه أو
غيره ما لم يلتذ بشئ منها وله أن يتحدث مع من
يأتيه ما لم يكثر ويكره الصمت إلى الليل وإن
نذره لم يف به وينبغي لمن قصد المسجد أن ينوي
الاعتكاف مدة لبثه فيه لاسيما إن كان صائما
ولا يجوز البيع والشراء فيه للمعتكف وغيره ولا
يصح.
ـــــــ
1- القرب والقربات ما يقرب العبد إلى ربه وهي
جمع قربة.
(1/169)
|