الشرح
الكبير على متن المقنع باب زكاة الفطر قال إبن المنذر أجمع أهل
العلم على أن صدقة الفطر فرض.
قال إسحق هو كالإجماع من أهل العلم وحكى ابن عبد البر أن بعض المتأخرين من
أصحاب مالك وداود يقولون هي سنة مؤكدة وسائر العلماء على أنها واجبة لما
روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان على
الناس صاعا من تمر أو صاعا من شعير على كل حر وعبد ذكر أو أنثى من
المسلمين.
متفق عليه، وللبخاري والصغير والكبير من المسلمين وعنه أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم أمر بزكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة، وعن
أبي سعيد قال كنا نخرج زكاة الفطر صاعاً من طعام أو صاعا من شعير أو صاعا
من تمر أو صاعا من أقط أو صاعا من زبيب.
متفق عليهما.
وقال سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز في قوله تعالى (قد أفلح من تزكى)
هو زكاة الفطر واضيفت هذه الزكاة إلى الفطر لانها تجب بالفطر من رمضان قال
ابن قتيبة وقبل لها فطرة لان الفطرة الخلقة قال الله تعالى (فطرة الله التي
فطر الناس عليها) وهذه يراد بها الصدقة عن البدن والنفس، قال بعض أصحابنا
وهل تسمى فرضا مع القول بوجوبها على
(2/645)
روايتين والصحيح أنها فرض لقول ابن عمر:
فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر ولان الفرض إن كان الواجب فهي
واجبة وإن كان الواجب المتأكد فهي متأكدة مجمع عليها على ما حكاه ابن
المنذر * (مسألة) * (وهي واجبة على كل مسلم تلزمه مؤنة نفسه إذا فضل عنده
عن قوته وقوت عياله
يوم العيد وليلته صاع وإن كان مكاتباً) وجملة ذلك أن زكاة الفطر تجب على كل
مسلم تلزمه مؤنة نفسه صغيرا كان أو كبيراً حرا أو عبدا ذكرا أو انثى لما
ذكرنا من حديث ابن عمر وهذا قول عامة أهل العلم وتجب على اليتيم ويخرج عنه
وليه من ماله لا نعلم أحدا خالف فيه إلا محمد بن الحسن قال ليس في مال
الصغير صدقة، وقال الحسن صدقة الفطر على من صام من الاحرار وعلى الرقبق،
وعموم حديث ابن عمر يقتضي وجوبها على اليتيم والصغير مطلقا ولانه مسلم
فوجبت فطرته كما لو كان له أب (فصل) ولا تجب صدقة الفطر على أهل البادية في
قول أكثر أهل العلم روي ذلك عن ابن الزبير، وهو قول الحسن ومالك والشافعي
وابن المنذر وأصحاب الرأي، وقال عطاء والزهري وربيعة لا صدقة عليهم: ولنا
عموم الحديث، ولانها زكاة فوجبت عليهم كزكاة المال ولانهم مسلمون أشبهوا
أهل الامصار (فصل) ولا تجب على كافر أصلي حراً كان أو عبداً، أما المرتد
ففي وجوبها عليه اختلاف ذكرناه فيما مضى، قال شيخنا ولا نعلم خلافا بينهم
في الحر البالغ الكافر أنها لا تجب عليه وقال امامنا ومالك والشافعي وأبو
ثور لا تجب على العبد أيضاً ولا على الصغير ويروى عن عمر بن عبد العزيز
وعطاء
(2/646)
ومجاهد وسعيد بن جبير والنخعي والثوري
وإسحق وأصحاب الرأي أن على السيد المسلم اخراج الفطرة عن عبده الذمي، وقال
أبو حنيفة يخرج عن ابنه الصغير إذا ارتد، ورووا أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال " أدوا عن كل حر وعبد صغير أو كبير يهودي أو نصراني أو مجوسي نصف
صاع من بر " ولأن كل زكاة وجبت بسبب عبده المسلم وجبت عبده الكافر كزكاة
التجارة ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر من المسلمين،
وروى أبو داود عن ابن عباس قال فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة
الفطر طهرة للصائم من الرفث واللغو وطعمة للمساكين من أداها قبل الصلاة فهي
زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات، وحديثهم لم نعرفه
ولم يذكره صحاب السنن، وزكاة التجارة تجب عن القيمة ولذلك تجب في سائر
الحيوانات وسائر الاموال وهذه طهرة
للبدن ولهذا اختص بها الآدميون بخلاف زكاة التجارة (فصل) فإن كان لكافر عبد
مسلم وهل هلال شوال وهو ملكه، فحكي عن أحمد أن على الكافر إخراج صدقة الفطر
عنه، واختاره القاضي وقال ابن عقيل يحتمل أن لا يجب، قال إبن المنذر أجمع
كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن لا صدقة على الذمي في عبده المسلم لقوله
عليه السلام " من المسلمين " ولانه كافر فلم تجب عليه الفطرة كسائر الكفار،
ولانها زكاة فلم تجب على الكفرة كزكاة المال ووجه
(2/647)
الاولى أن العبد من أهل الطهرة فوجب أن
تؤدي عنه الفطرة كما لو كان سيده مسلما وقوله من المسلمين يحتمل أنه أراد
به المؤدى عنه بدليل أنه لو كان للمسلم عبد كافر لم تجب فطرته ولانه ذكر في
الحديث كل عبد وصغير وهذا يدل على أنه أراد المؤدى عنه لا المؤدي ولأصحاب
الشافعي في هذا وجهان كالمذهبين (فصل) وهي واجبة على من قدر عليها ولا
يعتبر في وجوبها النصاب، وبهذا قال أبو هريرة وأبو العالية والشعبي وعطاء
وابن سيرين والزهري ومالك وابن المبارك والشافعي وأبو ثور، وقال أصحاب
الرأي، لا تجب إلا على من يملك مائتي درهم أو ما قيمته نصاب فاضلا عن مسكنه
لقوله عليه السلام " لا صدقة إلا عن ظهر غنى، والفقر لا غنى له فلا تجب
عليه ولأنه تحل له الصدق فلا تجب عليه كالعاجز عنها ولنا ما روى ثعلبة بس
أبي صغير عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أدوا صدقة الفطر
صاعا من قمح " أو قال " بر عن كل إنسان صغير أو كبير حر أو مملوك غني أو
فقير ذكر أو أنثى أما غنيكم فيزكيه الله وأما فقيركم فيرد الله عليه أكثر
مما أعطى " وفي رواية أبي داود صاع من بر أو قمح عن كل اثنين ولأنه حق مال
لا يزيد يزيادة المال فلم يعتبر وجود النصاب له لكفارة ولا يمتنع أن يؤخذ
منه ويعطى كمن وجب عليه العشر والقياس على العاجر لا يصح وحديثهم محمول على
زكاة المال
(2/648)
(فصل) ومن له دار يحتاج اليها لسكناه أو
الى أجرها لنفقته أو ثياب بذلة له أو لمن تلزمه مؤنته أو رقيق يحتاج الى
خدمتهم هو أو من يمونه أو بهائم يحتاجون إلى ركوبها والانتفاع بها في
حوائجهم الاصلية أو سائمة يحتاج إلى نمائها لذلك أو بضاعة يختل ربحها الذي
يحتاج إليه باخراج الفطرة منها
فلا فطرة عليه لذلك لأن هذا مما تتعلق به حاجته الاصلية فلم يلزمه بيعه
كمؤنة نفسه يوم العيد ومن له كتب يحتاج إليها للنظر فيها والحفظ منها لا
يلزمه بيعها، والمرأة إذا كان لها حلي للبس أو الكرى المحتاج اليه لم
يلزمها بيعه في الفطرة وما فضل من ذلك كله عن حوائجه الاصلية وأمكن بيعه أو
صرفه في الفطرة وجبت الفطرة به لانه أمكنه أداؤها من غير ضرر أصلي أشبه ما
لو ملك من الطعام ما يؤديه فاضلاً عن حاجته.
(فصل) وليس على السيد في مكاتبه زكاة الفطر، وهذا قول أبي سلمة بن عبد
لرحمن والثوري والشافعي في أشهر قوليه وأصحاب الرأي وقال عطاء ومالك وابن
المنذر على السيد لأنه عبد أشبه سائر العبيد ولنا قوله عليه السلام " ممن
تمونون " وهذا لا يمونه ولانه لا تلزمه مؤنته أشبه الاجنبي وبهذا فارق سائر
عبيده.
إذا ثبت هذا فان على المكاتب فطرة نفسه وفطرة من تلزمه نفقته كزوجته ورقيقه
وقال أبو حنيفة والشافعي لا يجب عليه قياسا على الثمن ولانها زكاة فلم تجب
على المكاتب كزكاة المال ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض صدقة الفطر
على الحر والعبد والذكر والأنثى وهذا عبد لا يخلو من كونه ذكرا أو انثى
ولانه تلزمه مؤنة نفسه فلزمته الفطرة كالحر ويفارق زكاة المال لأنه يعتبر
لها الغنى والنصاب والحول ولا يحملها أحد عن غيره بخلاف الفطرة ولا يصح
قياسه على القن لأن مؤنة القن على سيده بخلاف المكاتب ويجب على المكاتب
فطرة من يمونه لعموم قوله عليه السلام " عمن تمونون " * (مسألة) * (وإن فضل
بعض صاع فهل يلزمه إخراجه؟ على روايتين)
(2/649)
إحداهما لا يلزمه اختارها ابن عقيل لأنها
طهرة فلا تجب على من يعجز عن بعضها كالكفارة والثانية يلزمه اخراجه لقول
النبي صلى الله عليه وسلم " إذا أمرتكم بأمر فاءتوا منه ما استطعتم "
ولانها طهرة فوجب منها ما قدر عليه كالطهارة بالماء ولأن بعض الصاع يخرج
بمن العبد المشترك فجاز أن يخرج عن غيره كالصاع * (مسألة) * (ويلزمه فطرة
من يمونه من المسلمين) .
إذا وجد ما يؤدي عنهم لحديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض
صدقة الفطر عن كل صغير وكبير حر وعبد ممن تمونون (فصل) والذين يلزم الانسان
فطرتهم ثلاثة أصناف الزوجات والعبيد والاقارب
فاما الزوجات فتلزمه فطرتهن في قول مالك والليث والشافعي وإسحق، وقال أبو
حنيفة والثوري وابن المنذر لا تجب عليه وعلى المرأة فطرة نفسها لقول رسول
الله صلى الله عليه وسلم " صدقة الفطر على كل ذكر وأنثى " ولانها زكاة
فوجبت عليها كزكاة مالها ولنا الخبر الذي رويناه ولأن النكاح سبب تجب به
النفقة فوجبت به الفطرة كالملك والقرابة بخلاف زكاة المال فانها لا تتحمل
بالملك والقرابة، فان كان لامرأته من يخدمها بأجرة فليس على الزوج فطرته
لان الواجب الاجر دون النفقة وإن كان لها نظرت، فإن كانت ممن لا يجب لها
خادم فليس عليه نفقة خادمها ولا فطرته وإن كانت ممن يخدم مثلها فعلى الزوج
أن يخدمها ثم هو مخير بين أن يشتري لها خادما أو يكتري أو ينفق على خادمها
فان اختار الإنفاق على خادمها فعليه فطرته وإن استأجر لها خادما فليس عليه
نفقته ولا فطرته سواء شرط عليه مؤنته أو لم يشترط لان المؤنة اذا كانت أجرة
فهي من مال المستأجر وإن كانت تبرعا فهو كما لو تبرع بالانفاق أجنبي
وسنذكره إن شاء الله تعالى (فصل) الثاني العبيد وتجب فطرتهم على السيد اذا
كانوا لغير التجارة اجماعا وإن كانوا للتجارة فكذلك وهو قول مالك والليث
والاوزاعي والشافعي وإسحق وابن المنذر.
وقال عطاء
(2/650)
والنخعي والثوري وأصحاب الرأي لا تلزمه
فطرتهم لأنها زكاة ولا تجب في مال واحد زكاتان وقد وجب فيهم زكاة التجارة
فيمتنع وجوب الزكاة الاخرى كالسائمة اذا كانت للتجارة ولنا عموم الأحاديث
وقول ابن عمر فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر على الحر والعبد
وفي حديث عمرو بن شعيب " ألا إن صدقة الفطر واجبة على كل مسلم ذكر أو أنثى
حر أو عبد صغير أو كبير " ولأن نفقتهم واجبة اشبهوا عبيد القنية وزكاة
الفطر تجب على البدن ولهذا تجب على الاحرار وزكاة التجارة تجب عن القيمة
وهي المال بخلاف السوم والتجارة فأنهما يجبان بسبب مال واحد ومتى كان عبيد
التجارة في يد المضارب وجبت فطرتهم من مال المضاربة لأن مؤنتهم منها وحكى
ابن المنذر عن الشافعي انها على رب المال ولنا أن الفطرة تابعة للنفقة وهي
من المال فكذلك الفطرة
(فصل) وأما عبيد عبيده فإن قلنا أن العبد لا يملكهم بالتمليك ففطرتهم على
السيد لانهم ملكه وهذا ظاهر كلام الخرقي وقول مالك والشافعي وأصحاب الرأي
وإن قلنا يملك بالتمليك فقد قيل لا تجب فطرتهم على أحد لأن السيد لا يملكهم
وملك العبد ناقص والصحيح وجوب فطرتهم على العبد لأن نفقتهم واجبة عليه
فكذلك فطرتهم وعدم تمام الملك لا يمنع وجوب الفطرة بدليل وجوبها على
المكاتب عن نفسه وعبيده مع نقص ملكه (فصل) وأما زوجة العبد فذكر أصحابنا
المتأخرون أن فطرتها على نفسها إن كانت حرة وعلى سيدها إن كانت أمة قال
شيخنا رحمه الله وقياس المذهب عندي وجوب فطرتها على سيد العبد لوجوب نفقتها
عليه كما أنه يجب على الزوج نفقة خادم امرأته مع أنه لا يملكها لوجوب
نفقتها ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أدوا صدقة الفطر عمن تمونون "
وهذه ممن يمون وهكذا لو زوج الابن أباه وكان ممن تجب عليه نفقته ونفقة
امرأته فعليه فطرتهما
(2/651)
* (مسألة) * (فإن لم يجد ما يؤدي عن جميعهم
بدأ بنفسه ثم بامرأته ثم برقيقه ثم بولده ثم بأمه ثم بأبيه ثم بالاقرب
فالاقرب في الميراث) إذا لم يفضل عنده إلا صاع أخرجه عن نفسه لقوله عليه
السلام " ابدأ بنفسك ثم بمن تعول " ولأن الفطرة تبنى عليه النفقة فكما أنه
يدأ بنفسه في النفقة فكذلك في الفطرة فان فضل صاع أخرجه عن امرأته لأن
نفقتها آكد لأنها تجب على سبيل المعاوضة مع اليسار والاعسار ونفقة الأقارب
صلة إنما تجب مع اليسار فان فضل آخر أخرجه عن رقيقه لوجوب نفقتهم في
الاعسار أيضاً قال ابن عقيل ويحتمل تقديمهم على الزوجة لأن فطرتهم متفق
عليها وفطرتها مختلف فيها فان فضل آخر أخرجه عن ولده الصغير لأن نفقته
منصوص عليها ومجمع عليها وفي الوالد والولد الكبير وجهان أحدهما يقدم الولد
لانه كبعضه أشبه الصغير والثاني الوالد لأنه كبعض ولده ويقدم فطرة الام على
فطرة الأب لأن الأم مقدمة في البر بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم
للأعرابي حين قال من أبر؟ قال " أمك " قال ثم من؟ قال " أمك " قال ثم من؟
قال " أمك " قال ثم من؟ قال " أباك " ولأنها ضعيفة عن
الكسب ويحتمل تقديم فطرة الأب وحكاه ابن أبي موسى رواية عن أحمد لقوله عليه
السلام " أنت ومالك لأبيك " ثم بالجد ثم بالاقرب على ترتيب الميراث ويحتمل
تقديم فطرة الولد على فطرة المرأة لما روى أبو هريرة قال أمر النبي صلى
الله عليه وسلم بالصدقة فقام رجل فقال يا رسول الله عندي دينار قال " تصدق
به على نفسك " قال عندي آخر قال " تصدق به على ولدك " قال عندي آخر قال "
تصدق به على زوجك " قال عندي آخر قال " تصدق به على خادمك " قال عندي آخر
قال " أنت أبصر " فقدم الولد في الصدقة عليها فكذلك الصدقة عنه ولان الولد
كبعضه فيقدم كتقديم نفسه ولأنه اذا ضيع ولده لم يجد من ينفق عليه والزوجة
اذا لم ينفق عليها فرق بينهما وكان لها من يمونها من زوج أو ذي رحم ولأن
نفقة
(2/652)
الزوجة على سبيل المعاوضة فكانت أضعف في
استتباع الفطرة من النفقة الواجبة على سبيل الصلة لأن وجوب زيادة عليه
يتصدق بها عنه ولذلك لم تجب فطرة الاجير المشروط نفقته بخلاف القرابة فانها
كما اقتضت صلته بالانفاق عليه اقتضت صلته بتطهيره باخراج الفطرة عنه والله
أعلم * (مسألة) * (ويستحب الإخراج عن الجنين ولا يجب) يستحب إخراج الفطرة
عن الجنين لأن عثمان رضي الله عنه كان يخرجها عنه ولأنها صدقة عمن لا تجب
عليه فكانت مستحبة كسائر صدقات التطوع وظاهر المذهب أن فطرة الجنين غير
واجبة وهو قول أكثر أهل العلم قال ابن المنذر كل من نحفظ عنه من علماء
الأمصار لا يوجب على الرجل زكاة الفطر عن الجنين في بطن أمه وعن أحمد رحمه
الله رواية أخرى أنها تجب عليه لأنه آدمي تصح الوصية له وبه ويرث فيدخل في
عموم الأخبار ويقاس على المولود ولنا أنه جنين فلم تتعلق به الزكاة كأجنة
البهائم ولأنه لم تثبت له أحكام الدنيا إلا في الارث والوصية بشرط خروجه
حيا فحكم هذا كسائر الأحكام * (مسألة) * (ومن تكفل بمؤنة شخص في شهر رمضان
لم تلزمه فطرته عند أبي الخطاب والمنصوص انها تلزمه) وهذا قول أكثر الاصحاب
وقد نص عليه أحمد في رواية أبي داود فيمن ضم الى نفسه يتيمة يؤدي عنها
لعموم قوله عليه السلام " أدوا صدقة الفطر عمن تمونون " وهذا ممن يمون
ولأنه شخص
يتفق عليه فلزمته فطرته كعبده واختار أبو الخطاب أنه لا تلزمه فطرته لأنه
لا تلزمه مؤنته فلم تلزمه فطرته كما لو لم يمنه وهذا قول أكثر أهل العلم
وهو الصحيح إن شاء الله وكلام أحمد في هذا محمول على الاستحباب والحديث
محمول على من تلزمه مؤنته لا على حقيقة المؤنة بدليل انه تلزمه فطرة الآبق
ولم يمنه ولو ملك عبداً عند غروب الشمس أو تزوج أو ولد له ولد لزمته فطرتهم
لوجوب مؤنتهم
(2/653)
عليه وإن لم يمنهم ولو باع عبده أو طلق
امرأته أو ماتا أو مات ولده لم تلزمه فطرتهم وان مانهم ولأن قوله " عمن
تونون " فعل مضارع يقتضي الحال لو الاستقبال دون الماضي ومن مانه في رمضان
إنما وجدت منه المؤنة في رمضان وإنما وجدت منه المؤنة في الماضي فلا يدخل
في الخبر ولو دخل فيه لاقتضى بعمومه وجوب الفطرة على من مانه ليلة واحدة
لأنه ليس في الخبر ما يقتضي تقييده بالشهر ولا بغيره فالتقييد بمؤنة الشهر
تحكم، فعلى هذا تكون فطرته على نفسه كما لو لم يمنه وعلى قول اصحابنا
المعتبر الانفاق في جميع الشهر وقال ابن عقيل قياس مذهبنا انه اذا مانه آخر
ليلة وجبت فطرته قياساً على من ملك عبداً عند غروب الشمس، فإن مانه جماعة
في الشهر كله أو مانه انسان في بعض الشهر فعلى تخريج ابن عقيل تكون فطرته
على من مانه آخر ليلة وعلى قول غيره يحتمل أن لا تجب فطرته على أحد ممن
مانه لانه سبب الوجب المؤنة في جميع الشهر ولم توجد ويحتمل أن تجب على
الجميع فطرة واحدة بالحصص لأنهم اشتركوا في سبب الوجوب أشبه ما لو اشتركوا
في ملك عبد * (مسألة) * (وإذا كان العبد بين شركاء فعليهم صاع وعنه على كل
واحد صاع وكذلك الحكم فيمن بعضه حر) فطرة العبد المشترك واجبة على مواليه
وبه قال مالك ومحمد بن سلمة وعبد الملك والشافعي ومحمد بن الحسن وأبو ثور
وقال الحسن وعكرمة والثوري وابو حنيفة وأبو يوسف لا فطرة على واحد منهم
لأنه ليس عليه لأحد منهم ولاية تامة أشبه المكاتب ولنا عموم الأحاديث ولأنه
عبد مسلم مملوك لمن يقدر على الفطرة وهو من أهلها فلزمته كمملوك الواحد
وفارق المكاتب فإنه لا يلزم سيده مؤنته ولأن المكاتب يخرج عن نفسه زكاة
الفطر بخلاف القن والولاية غير معتبرة في وجوب الفطرة بدليل عبد الصبي، ثم
إن ولايته للجميع فتكون فطرته
(2/654)
عليهم واختلفت الرواية في قدر الواجب على
كل واحد منهم ففي احداهما على كل واحد صاع لأنها طهرة فوجب تكميلها على كل
واحد من الشركاء ككفارة القتل والثانية على الجميع صاع واحد على كل واحد
بقدر ملكه فيه هذا الظاهر عن أحمد قال قوران رجع أحمد عن هذه المسألة وقال
يعطى كل واحد منهم نصف صاع يعني رجع عن إيجاب صاع كامل على كل واحد وهذا
قول سائر من أوجب فطرته على سادته لأن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب صاعا
عن كل واحد وهذا عام في المشترك وغيره ولأن نفقته تقسم عليهم فكذلك فطرته
التابعة لها ولأنه شخص واحد فلم يجب عنه أكثر من صاع كسائر الناس ولأنها
طهرة فوجبت على سادته بالحصص كماء الغسل من الجنابة اذا احتيج اليه وبهذا
ينتقض ما ذكرناه للرواية الأولى (فصل) (ومن بعضه حر ففطرته عليه وعلى سيده
وبه قال الشافعي وأبو ثور وقال مالك على الحر بحصته وليس على العبد شئ)
ولنا أنه مسلم تلزم مؤنته شخصين من أهل الفطرة فكانت فطرته عليهما كالمشترك
وهل يلزم كل واحد منهما صاع أو بالحصص ينبني على ما ذكرنا في العبد المشترك
فإن كان أحدهما معسراً فلا شئ عليه وعلى الاحرار القدر الواجب عليه فإن كان
بين السيد والعبد مهايأة أو كان المشتركون في العبد قدتها يؤوا عليه لم
تدخل الفطرة في المهايأة لان المهايأة معاوضة كسب بكسب والفطرة حق لله
تعالى فلم تدخل في ذلك كالصلاة) ولو ألحقت القافة ولداً برجلين أو أكثر
فالحكم في فطرته كالحكم في العبد المشترك وكذلك المعسر القريب لأثنين أو
لجماعة نفقته عليهم وفطرته عليهم حكمها حكم فطرة العبد المشترك على ما ذكر
فيه * (مسألة) * (وإن عجز زوج المرأة عن فطرتها فعليها أو على سيدها إن
كانت أمة فطرتها ويحتمل أن لا تجب) إذا أعسر بفطرة زوجته فعليها فطرة نفسها
أو على سيدها إن كانتت مملوكة لانها تتحمل إذا
(2/655)
كان ثم متحمل فإذا لم يكن عاد اليها
كالنفقة ويحتمل أن لا يجب عليها شئ لانها لم نجب على من وجد سبب الوجوب في
حقه لعسرته فلم تجب على غيره كفطرة نفسه ويفارق النفقة فان وجوبها آكد
لانها مما لابد
منه وتجب على المعسر والعاجز وبرجع عليه بها عند يساره والفطرة بخلافها *
(مسألة) * (ومن كان له غائب أو آبق فعليه فطرته إلا أن يشك في حياته فتسقط)
تجب فطرة العبد الحاضر والغائب الذي تعلم حياته والآبق والمرهون والمغصوب
قال إبن المنذر اجمع عوام أهل العلم على أن على المرء زكاة الفطر عن مملوكه
الحاضر غير المكاتب والمغصوب والآبق والغائب تجب فطرته إذا علم أنه حي سواء
رجا رجعته أو أيس منها، وسواء كان مطلقاً أو محبوساً كالاسير وغيره قال إبن
المنذر: أكثر أهل العلم يرون أن تؤدى زكاة الفطر عن الرقيق غائبهم وحاضرهم
لأنه مالك لهم فوجبت فطرتهم عليه كالحاضرين، وممن أوجب فطرة الآبق الشافعي
وأبو ثور وابن المنذر والزهري إذا علم مكانه، والاوزاعي إن كان في دار
الاسلام، ومالك إن كانت غيبته قريبة، ولم يوجبها عطاء والثوري وأصحاب الرأي
لأنه لا يلزمه الانفاق عليه فلا تجب فطرته كالمرأة الناشز ولنا أنه ماله
فوجبت زكاته في حال غيبته كمال التجارة، ويحتمل أن لا يلزمه اخراج زكاته
حتى يرجع كزكاة الدين والمغصوب ذكره ابن عقيل، ووجه القول الأول أن زكاة
الفطر تجب تابعة للنفقة والنفقة تجب مع الغيبة بدليل أن من رد الآبق رجع
بنفقته، فأما من شك في حياته وانقطعت أخباره لم تجب فطرته.
نص عليه في رواية صالح لأنه لا يعلم بقاء ملكه عليه، ولأنه لو أعتقه عن
كفارته لم يجزئه فلم تجب فطرته كالميت * (مسألة) * (وإن علم حياته بعد ذلك
أخرج لما مضى) لأنه بان له وجود سبب الوجوب في الزمن الماضي فوجب عليه
الاخراج لما مضى كما لو سمع بهلاك
(2/656)
ماله الغائب، ثم بان له أنه كان سليما
والحكم في القريب الغائب كالحكم في العبيد لأنهم ممن تجب فطرتهم مع الحضور
فكذلك مع الغيبة كالعبيد، ويحتمل أن لا تجب فطرتهم مع الغيبة لأنه لا يلزمه
بعث نفقتهم اليهم ولا يرجعون بالنفقة الماضية * (مسألة) * (ولا يلزم الزوج
فطرة الناشز وقال أبو الخطاب تلزمه) اذا نشزت المرأة في وقت وجوب الفطرة
ففطرتها على نفسها دون زوجها لأن نفقتها لا تلزمه،
واختار أبو الخطاب أن عليه فطرتها لان الزوجية ثابتة عليها فلزمته فطرتها
كالمريضة التي لا تحتاج إلى نفقة والأول أصح لأن هذه ممن لا تلزمه مؤنته
فلا تلزمه فطرته كالاجنبية، وفارق المريضة لان عدم الانفاق عليها لعدم
الحاجة لا لخلل في المقتضي لها فلا يمنع ذلك من ثبوت تبعها بخلاف الناشز
وكذلك كل امرأة لا تلزمه نفقتها كغير المدخول بها إذا لم تسلم اليه،
والصغيرة التي لا يمكن الاستمتاع بها فإنه لا تلزمه نفقتها ولا فطرتها
لانها ليست ممن يمون * (مسألة) * (ومن لزم غيره فطرته فأخرج عن نفسه بغير
إذنه فهل يجزئه على وجهين) من وجبت نفقته على غيره كالمرأة والنسيب الفقير
اذا أخرج عن نفسه باذن من تجب عليه صح بغير خلاف نعلمه لأنه نائب عنه، وإن
أخرج بغير إذنه ففيه وجهان (أحدهما) يجزئه لانه أخرج فطرة نفسه فأجزأه
كالتي وجبت عليه (والثاني) لا يجزئه لانه أدى ما وجب على غيره بغير إذنه
فلم يصح كالمؤدي عن غيره * (مسألة) * (ولا يمنع الدين وجوب الفطرة إلا أن
يكون مطالباً به) انما لم يمنع الدين الفطرة لانها آكد بدليل وجوبها على
الفقير وشمولها لكل مسلم قدر على اخراجها ووجوب تحملها عمن وجبت نفقته على
غيره ولا تتعلق بقدر من المال فجرى مجرى النفقة، ولان زكاة
(2/657)
المال تجب بالملك والدين يؤثر في الملك
فأثر فيها، وهذه تجب على البدن والدين لا يؤثر فيه.
فأما عند المطالبة بالدين فتسقط الفطرة لوجوب ادائه عندها وتأكده بكونه حق
آدمي معين لا يسقط بالاعسار وكونه أسبق سبباً وأقدم وجوباً يأثم بتأخيره
(فصل) وإن مات من وجبت عليه الفطرة قبل ادائها أخرجت من ماله، فإن كان عليه
دين وله مال يفي بهما قضيا جميعاً، وإن لم يف بهما قسم بين الدين والصدقة
بالحصص نص عليه أحمد في زكاة المال أن التركة تقسم بينهما فكذا ههنا، فإن
كان عليه زكاة مال وصدقة الفطر ودين فزكاة الفطر والمال كالشئ الواحد
لاتحاد مصرفهما فيحاصان الدين، وأصل هذا أن حق الله تعالى وحق الآدمي اذا
تعلقا بمحل واحد فكانا في الذمة أو كانا في العين تساويا في الاستيفاء
(فصل) وإذا مات المفلس وله عبيد فهل شوال قبل قسمتهم بين الغرماء ففطرتهم
على الورثة لأن الدين لا يمنع نقل التركة، بل غايته أن يكون رهنا بالدين
وفطرة الرهن على مالكه (فصل) ولو مات عبيده أو من يمونه بعد وجوب الفطرة لم
تسقط لأنها دين ثبت في ذمته بسبب عبده فلم يسقط بموته كما لو استدان العبد
باذنه ديناً وجب في ذمته، ولان زكاة المال لا تسقط بفطرته فالفطرة أولى،
فان زكاة المال تتعلق بالعين في إحدى الروايتين وزكاة الفطر بخلافه *
(مسألة) * (وتجب بغروب الشمس من ليلة الفطر، فمن أسلم بعد ذلك أو ملك عبداً
أو زوجة أو ولد لم تلزمه فطرته، وإن وجد ذلك قبل الغروب وجبت) ولو كان حين
الوجوب معسراً ثم أيسر في ليله تلك أو في يومه لم يجب عليه شئ، ولو كان وقت
الوجوب موسراً ثم أعسر لم تسقط عنه اعتباراً بحالة الوجوب ومن مات ليلة
الفطر بعد غروب الشمس فعليه صدقة الفطر نص عليه أحمد، وبهذا قال الثوري
وإسحق ومالك في إحدى الروايتين
(2/658)
عنه، والشافعي في أحد قوليه.
وقال الليث وأبو ثور وأصحاب الرأي: تجب بطلوع الفجر يوم العيد وهي رواية عن
مالك لأنها قربة تتعلق بالعيد فلم يتقدم وقتها يوم العيد كالاضحية ولنا قول
ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر طهرة للصائم من الرفث
واللغو، ولانها تضاف إلى الفطر فكانت واجبة به كزكاة المال، وذلك لان
الاضافة دليل الاختصاص والسبب اخص بحكمه من غيره، والاضحية لا تتعلق بطلوع
الفجر ولا هي واجبة، ولا تشبه ما نحن فيه، فعلى هذا إذا غربت والعبد المبيع
في مدة الخيار، أو وهب له عبد فقبله ولم يقبضه أو اشتراه ولم يقبضه فالفطرة
على المشتري والمتهب لأن الملك له والفطرة على المالك، ولو أوصي له بعبد أو
مات الموصي قبل غروب الشمس فلم يقبل الموصى له حتى غربت فالفطرة عليه في
أحد الوجهين، والآخر على ورثة الموصي بناء على الوجهين في الموصى به هل
ينتقل بالموت أو من حين القبول، ولو مات الموصى له قبل الرد والقبول فقبل
ورثته وقلنا بصحة قبولهم فهل تكون فطرته على ورثة الموصي أو في تركة الموصى
له؟ على وجهين.
وقال القاضي فطرته في تركة الموصى له لانا حكمنا بانتقال الملك من حين موت
الموصى له، فإن كان موته بعد هلال
شوال ففطرة العبد في تركته لأن الورثة انما قبلوه له، وإن كا موته قبل هلال
شوال ففطرته على الورثة، ولو أوصى لرجل برقبة عبد ولآخر بنفعه فقبلا كانت
الفطرة على مالك الرقبة لان الفطرة تجب بالرقبة لا بالمنفعة، ولهذا تجب على
من لا نفع فيه، ويحتمل أن تكون تبعا لنفقته وفيها ثلاثة أوجه (أحدها) أنها
على مالك نفعه (والثاني) أنها على مالك رقبته (والثالث) في كسبه * (مسألة)
* (ويجوز إخراجها قبل العيد بيومين) ولا يجوز قبل ذلك.
قال ابن عمر: كانوا يعطونها قبل الفطر بيوم أو يومين.
وقال بعض أصحابنا
(2/659)
يجوز تعجيلها بعد نصف الشهر كما يجوز تعجيل
أذان الفجر والدفع من مزدلفة بعد نصف الليل.
وقال أبو حنيفة: يجوز تعجيلها من أول الحول لانها زكاة أشبهت زكاة المال.
وقال الشافعي: يجوز من أول شهر رمضان لان سبب الصدقة الصوم والفطر عنه،
فإذا وجد أحد السببين جاز تعجيلها كزكاة المال بعد مالك النصاب ولنا ما روى
الجوزجاني ثنا يزيد بن هارون أنا أبو معشر عن نافع عن ابن عمر قال: كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر به فيقسم.
قال يزيد: أظن قال يوم الفطر ويقول " أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم "
والامر للوجوب، ومتى قدمها بالزمن الكثير لم يحصل اغناؤهم بها يوم العيد،
وسبب وجوبها الفطر بدليل اضافتها اليه وزكاة المال سببها ملك النصاب،
والمقصود اغناء الفقير بها في الحول كله فجاز اخراجها في جميعه، وهذا
المقصود منها الاغناء في وقت مخصوص فلم يجز تقديمها قبل الوقت، أما تقديمها
بيوم أو يومين فجائز لما روى البخاري بإسناده عن ابن عمر قال: فرض رسول
الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر من رمضان - وقال في آخره - وكانوا
يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين، وهذا إشارة إلى جميعهم فيكون إجماعاً، ولأن
تعجيلها بهذا القدر لا يخل بالمقصود منها، فإن الظاهر أنها تبقى أو بعضها
إلى يوم العيد فيستغنى بها عن الطواف والطلب فيه، ولانها زكاة فجاز تعجيلها
قبل وجوبها كزكاة المال * (مسألة) * (والأفضل إخراجها يوم العيد قبل
الصلاة) لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى
الصلاة في حديث ابن عمر، وقال في
حديث ابن عباس " من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد
الصلاة فهي صدقة من الصدقات " فان أخرها عن الصلاة ترك الافضل لما ذكرنا من
السنة، ولان المقصود منها الاغناء عن الطواف والطلب في هذا اليوم فمتى
أخرها لم يحصل اغناؤهم في جميعه، ومال إلى هذا القول عطاء
(2/660)
ومالك وموسى بن وردان وأصحاب الرأي.
وقال القاضي: إذا أخرجها في بقية اليوم لم يكره، وقد ذكرنا من الخبر
والمعنى ما يقتضي الكراهة * (مسألة) * (ويجوز في سائر اليوم لحصول الاغناء
في اليوم إلا أنه يكون قد ترك الافضل على ما ذكرنا) فان أخرها عنه أثم
لتأخيره الحق الواجب عن وقته ولزمه القضاء لأنه حق مال وجب فلا يسقط بفوات
وقته كالدين، وحكي عن ابن سيرين والنخعي الرخصة في تأخيرها عن يوم العيد،
وحكاه ابن المنذر عن أحمد، وروي محمد بن يحيى الكحال قال: قلت لأبي عبد
الله: فإن أخرج الزكاة ولم يعطها؟ قال نعم إذا أعدها لقوم واتباع سنة رسول
الله صلى الله عليه وسلم أولى (فصل) قال الشيخ رحمه الله: والواجب في
الفطرة صاع من البر والشعير ودقيقهما وسويقهما والتمر والزبيب ومن الاقط في
إحدى الروايتين الكلام في هذه المسألة في أمور ثلاثة (أحدها) أن الواجب في
صدقة الفطر صاع عن كل انسان من جميع أجناس المخرج، وبه قال مالك والشافعي
وإسحق، وروي عن أبي سعيد الخدري والحسن وأبي العالية.
وروي عن ابن الزبير ومعاوية أنه يجزئ نصف صاع من البر خاصة وهو مذهب سعيد
ابن المسيب وعطاء وطاوس ومجاهد وعمر بن عبد العزيز وعروة بن الزبير وأبي
سلمة وسعيد بن جبير وأصحاب الرأي، واختلفت الرواية عن علي وابن عباس
والشعبي فروي صاع وروي نصف صاع، وعن أبي حنيفة في الزبيب روايتان: احداهما
صاع والاخرى نصف صاع، واحتجوا بما روي ثعلبة أبن أبي صعير عن أبيه عن النبي
صلى الله عليه وسلم أنه قال " صاع من بر أو قمح على كل اثنين " رواه أبو
داود وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث
مناديا في فجاج مكة ألا إن صدقة الفطر واجبة على كل مسلم ذكر أو أنثى، حر
أو عبد، صغير أو كبير، مدان من قمح أو سواه صاعاً من
طعام.
قال الترمذي هذا حديث حسن غريب
(2/661)
ولنا ما روى أبو سعيد الخدري قال: كنا نخرج
زكاة الفطر إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام أو
صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من زبيب أو صاعا من أقط، فلم نزل
نخرجه حتى قدم معاوية المدينة فتكلم فكان فيما كلم الناس: إني لأرى مدين من
سمراء الشام تعدل صاعا من تمر.
فأخذ الناس بذلك.
قال أبو سعيد: فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه وروى ابن عمر أن النبي صلى
الله عليه وسلم فرض صدقة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير، فعدل الناس
إلى نصف صاع من بر.
متفق عليهما.
ولأنه جنس يخرج في صدقة الفطر فكان صاعا كسائر الاجناس فأما أحاديثهم فال
تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قاله ابن المنذر، وحديث ثعلبة ينفرد به النعمان بن راشد قال البخاري وهو
يهم كثيراً.
وقال مهنا.
ذكرت لاحمد حديث ثعلبة بن أبي صعير في صدقة الفطر نصف صاع من بر، فقال ليس
بصحيح انما هو مرسل يرويه معمر وابن جريج عن الزهري مرسلا قلت من قبل من
هذا؟ قال من قبل النعمان بن أبي راشد ليس هو بقوي في الحديث، وسألته عن ابن
أبي صعير أمعروف هو؟ قال من يعرف أبن أبي صعير؟ ليس هو معروف وضعفه أحمد
وابن المديني جميعاً.
وقال ابن عبد البر: ليس دون الزهري من تقوم به حجة، وقد روي أبو إسحاق
الجوزجاني حديث ثعلبة باسناده عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم " أدوا صدقة الفطر صاعا من قمح - أو قال بر - عن كل إنسان صغير أو
كبير " وهذا حجة لنا واسناده حسن، قال الجوزجاني والنصف صاع ذكره عن النبي
صلى الله عليه وسلم وروايته ليس تثبت، ولأن ما ذكرناه أحوط مع موافقته
القياس (فصل) والصاع خمسة أرطال وثلث بالعراقي وقد دللنا عليه فيما مضى
وذكرنا الاختلاف فيه والأصل فيه الكيل وانما قدره العلماء بالوزن ليحفظ
وينقل وقد روى جماعة عن أحمد أنه قال الصاع وزنته وقدرته فوجدته خمسة أرطال
وثلثا حنطة، وروي عنه تقديره بالعدس أيضاً واذا كان الصاع خمسة أرطال وثلثا
من الحنطة والعدس وهما من أثقل الحبوب فمتى أخرج من غيرهما خمسة أرطال
وثلثا
(2/662)
فهي أكثر من صاع وقال محمد بن الحسن أن
أخرج خمسة أرطال وثلثا برا لم يجزئه لأن البر يختلف فيكون ثقيلا وخفيفاً
وقال الطحاوي يخرج ثمانية أرطال مما يستوي كيله ووزنه وهو الزبيب والماش
ومقتضى كلامه أنه إذا أخرج ثمانية أرطال مما هو أثقل منهما لم يجزئه حتى
يزيد شيئاً يعلم أنه قد بلغ صاعا قال شيخنا والأولى لمن أخرج من الثقيل
بالوزن أن يحتاط فيزيد شيئاً يعلم به أنه قد بلغ صاعا وقدر الصاع بالرطل
الدمشقي رطل وسبع وقدره بالدراهم ستمائة درهم وخمسة وثمانون درهما وخمسة
أسباع درهم ويجزي إخراج مد بالدمشقي من سائر الاجناس لأنه أكثر من صاع
يقينا والله أعلم.
(الامر الثاني) أنه لا يجوز العدول عن هذه الاجناس المذكورة مع القدرة
عليها سواء كان المعدول اليه قوت بلده أو لم يكن وقال أبو بكر يتوجه قول
آخر إنه يعطي ما قام مقام الخمسة على ظاهر الحديث صاعاً من طعام والطعام قد
يكون البر والشعير وما دخل في الكيل قال وكلا القولين محتمل وأقيسهما لا
يجوز غير الخمسة إلا أن يعدمها فيعطي ما قام مقامها وقال مالك يخرج من غالب
قوت البلد وقال الشافعي أي قوت كان الأغلب على الرجل أدى زكاة الفطر منه
واختلف أصحابه فمنهم من قال كقول مالك ومنهم من قال الاعتبار بغالب قوت
المخرج ثم إن عدل عن الواجب إلى أعلى منه جاز وإن عدل إلى دونه جاز في أحد
القولين لقوله عليه السلام " اغنوهم عن الطلب " والغنى يحصل بالقوت والثاني
لا يجوز لأنه عدل عن الواجب الى أدنى منه فلم يجزئه كما لو عدل عن الواجب
في زكاة المال الى أدنى منه ولنا قول ابن عمر فرض رسول الله صلى الله عليه
وسلم صدقة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير.
متفق عليه.
وروى أبو سعيد قال كنا نخرج زكاة الفطر صاعاً من طعام أو صاعا من تمر أو
صاعا من شعير أو صاعا من زبيب، متفق عليه، وفي لفظ لمسلم كنا نخرج إذ كان
فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر عن كل صغير أو كبير حر أو
مملوك صاعاً من طعام أو صاعا من أقط أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو
صاعا من زبيب.
فقصروها على أجناس معدودة فلم يجز العدول عنها كما لو أخرج القيمة وكما لو
أخرج عن زكاة المال من غير جنسه والاغناء يحصل بالاخراج من المنصوص عليه
فلا منافاة بين الخبرين
(2/663)
لكونهما جميعاً يدلان على وجوب الاغناء
بأحد الاجناس المفروضة.
والسلت نوع من الشعير فيجوز اخراجه لدخوله في المنصوص عليه وقد صرح بذكره
في بعض ألفاظ حديث ابن عمر قال كان الناس يخرجون صدقة الفطر على عهد رسول
الله صلى الله عليه وسلم صاعا من شعير أو تمر أو سلت أو زبيب رواه أبو داود
(الامر الثالث) انه يجوز اخراج أحد الاصناف المذكورة أيها شاء وإن لم يكن
قوتا له وقال مالك يخرج من غالب قوت البلد وقال الشافعي أي قوت كان أغلب
على الرجل أخرج منه ولنا أن خبر الصدقة ورد بحرف " أو " هي للتخيير بين هذه
الاصناف فوجب التخيير فيه ولأنه عدل الى منصوص عليه فجاز كما لو عدل إلى
الاعلا ولأنه خير بين الزبيب والتمر والاقط ولم يكن الزبيب والاقط قوتا
لأهل المدينة فدل على أنه لا يعتبر أن يكون قوتاً للمخرج (فصل) ويجوز إخراج
الدقيق نص عليه أحمد وكذلك السويق قال أحمد قد روي عن ابن سيرين دقيق أو
سويق وقال مالك والشافعي لا يجوز اخراجهما لحديث ابن عمر ولأن منافعه نقصت
فهو كالخبز ولنا حديث أبي سعيد وفي بعض ألفاظه أو صاعا من دقيق رواه
النسائي ثم شك سفيان بعد فقال دقيق أو سلت ولأن الدقيق والسويق أجزاء الحب
بحتا يمكن كيله وادخاره فجاز اخراجه كالحب وذلك لأن الطحن انما فرق أجزاءه
وكفى الفقير مؤنته فأشبه ما لو نزع نوى التمر ثم أخرجه ويفارق الخبز فانه
قد خرج عن حال الادخار والكيل والمأمور به صاع وهو مكيل وحديث ابن عمر لم
يقتض ما ذكروه ولم يعملوا به (فصل) وفي جواز اخراج الاقط إذا قدر على غيره
من الاجناس المذكورة روايتان أحدهما يجزئه لحديث أبي سعيد المذكور والثانية
لا يجزئه لأنه جنس لا تجب الزكاة فيه فلم يجز اخراجه مع القدرة على غيره من
الاصناف المنصوص عليها كاللحم ويحمل الحديث على من هو قوت له أو لم
(2/664)
يقدر على غيره وقال الخرقي ان أخرج أهل
البادية الأقط أجزأ اذا كان قوتهم فظاهر انه يجوز اخراجه وان قدر على غيره
إذا كان من اهل البادية وكان قوتا له وعلى قوله ينبغي أن يجزئ غير أهل
البادية اذا كان قوتهم أيضاً لأن الحديث لم يفرق وحديث أبي سعيد يدل عليه
وهم من غير أهل البادية ولعله انما ذكر أهل البادية لأن الغالب أنه لا
يقتاته غيرهم وقال أبو الخطاب في اخراج الاقط لمن قدر عليه غيره مطلقاً
روايتان وظاهر حديث أبي سعيد يدل على خلافه وذكر القاضي أنا إذا قلنا يجواز
اخراج الاقط وعدمه اخرج لبنا لأنه أكمل من الاقط لكونه يجئ منه الاقط وغيره
وحكاه أبو ثور عن الشافعي وقال الحسن إن لم يكن بر ولا شعير اخرج صاعا من
لبن وما ذكره القاضي لا يصح فإنه لو كان اكمل من الاقط لجاز اخراجه مع
وجوده ولان الاقط اكمل من اللبن من وجه لانه بلغ حالة الادخار وهو جامد
بخلاف اللبن لكن يكون حكم اللبن حكم اللحم يجزئ اخراجه عند عدم الاصناف
المنصوص عليها على قول ابن حامد ومن وافقه وكذلك الجبن وما أشبهه * (مسألة)
* ولا يجزئ غير ذلك إلا أن يعدمه فيخرج مما يقتات عند ابن حامد وعند ابن
بكر يخرج ما يقوم مقام المنصوص لا يجوز إخراج غير الاجناس المذكورة مع
القدرة عليها لأن في بعض ألفاظ حديث أبي سعيد فرض رسول الله صلى الله عليه
وسلم صدقة الفطر صاعاً من طعام أو صاعا من شعير أو صاعا من تمز أو صاعا من
أقط رواه النسائي ولما ذكرنا إلا أن يعدمها فيخرج مما يقتات عند ابن حامد
كالذرة والدخن واللحم واللبن وسائر ما يقتات لأن مبناها على المواساة وقال
أبو بكر يخرج ما يقوم مقام المنصوص عند عدمه من كل مقتات من الحب والتمر
كالذرة والدخن والأرز والتين اليابس وأشباهه لانه أشبه بالمنصوص عليه فكان
أولى من غيره وهذا ظاهر كلام الخرقي.
* (مسألة) * (ولا يخرج حبا معيباً ولا خبزاً) لا يجوز أن يخرج حبا معيباً
كالمسوس والمبلول والقديم الذي تغير طعمه لقول الله تعالى (ولا تيمموا
الخبيث منه تنفقون) فان كان القديم لم يتغير طعمه إلا أن الحديث أكثر قيمة
جاز اخراجه لعدم العيب فيه والافضل الأجود قال أحمد كان ابن
(2/665)
سيرين يجب أن ينقى الطعام وهو أحب إلي
ليكون على الكمال ويسلم مما يخالطه من غيره فان كان المخالط له يأخذ حظا من
المكيال وكان كثيراً بحيث يعد عيباً فيه لم يجزئه وإن لم يكثر جاز إخراجه
إذا زاد على المخرج قدراً يزيد على ما فيه من غيره ليكون المخرج صاعا
كاملا.
ولا يجوز إخراج الخبز
ولا الهريسة ولا الكبولا وأشباهها لأنه خرج عن الكيل والادخار ولا الخل
والدبس لأنهما ليسا قوتا * (مسألة) * (ويجزئ إخراج صاع من أجناس) إذا كان
من الاجناس المنصوص عليها لأن كل واحد منهما يجزئ منفرداً فاجزأ بعض من هذا
وبعض من الآخر كفطرة العبد المشترك اذا أخرج كل واحد من جنس * (مسألة) *
(وأفضل المخرج التمر ثم ما هو أنفع للفقراء بعده) وهذا قول مالك قال إبن
المنذر واستحب مالك اخراج العجوة منه واختار الشافعي وأبو عبيد اخراج البر
وقال بعض أصحاب الشافعي يحتمل أن الشافعي قال ذلك لأن البر كان أغلا في
زمنه لأن المستحب أن يخرج أغلاها ثمناً وأنفسها لأن النبي صلى الله عليه
وسلم سئل عن أفضل الرقاب فقال " أغلاها ثمناً وأنفسها عند أهلها " وإنما
اختار أحمد اخراج التمر اقتداء بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى
بإسناده عن أبي مجلز قال قلت لأبن عمر إن الله قد أوسع والبر أفضل من التمر
قال إن أصحابي سلكوا طريقاً وأحب أن أسلكه (1) وظاهر هذا أن جماعة الصحابة
كانوا يخرجون التمر فأحب ابن عمر موافقتهم وسلوك طريقهم وأحب أحمد أيضاً
الاقتداء بهم واتباعهم وروي البخاري عن ابن عمر قال فرض رسول الله صلى الله
عليه وسلم صدقة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير فعدل الناس به نصف صاع
من بر فكان ابن عمر يخرج التمر فاعوز أهل المدينة من التمر فأعطى شعيراً
ولان التمر فيه قوت وحلاوة وهو أقرب تناولا وأقل كلفة فكان أولى.
والافضل بعد التمر البر وقال بعض أصحابنا الزبيب لانه أقرب تناولا وأقل
كلفة أشبه التمر ولنا أن البر أنفع في الاقتيات وأبلغ في دفع حاجة الفقير
ولذلك قال أبو مجلز لابن عمر البر
__________
(1) سبب ذلك الظاهر أنه كان غالب قوت أهل المدينة وفقراء مصر والشام إذا
وجد عندهم التمر يوم العيد لا يغنيهم عن سؤال القوت لانه في عرفهم حلوى
وعقبة طعام لا قوت وكذلك الزبيب
(2/666)
أفضل من التمر فلم ينكره بن عمر وانما عدل
عنه اتباعا لاصحابه وسلوك طريقتهم ولهذا عدل نصف صاع منه بصاع من غيره
وتفضيل التمر انما كان لاتباع الصحابة فيبقى فيما عداه على قضية الدليل
ويحتمل
أن يكون الافضل بعد التمر ما كان أعلا قيمة وأكثر نفعاً لما ذكرنا من
الحديث * (مسألة) * (ويجوز أن يعطي الجماعة ما يلزم الواحد والواحد ما يلزم
الجماعة) أما إعطاء الجماعة ما يلزم الواحد فلا نعلم فيه خلافاً اذا أعطى
من كل صنف ثلاثة لانه دفع الصدقة الى مستحقها وأما إعطاء الواحد ما يلزم
الجماعة فان الشافعي ومن وافقه أوجبوا تفريق الصدقة على ستة أصناف من كل
صنف ثلاثة وقد روي مثل هذا عن أحمد وسنذكر ذلك فيما بعد هذا الباب إن شاء
الله تعالى وظاهر المذهب الجواز وبه قال مالك وأبو ثور وأصحاب الرأي وابن
المنذر لانها صدقة لغير معين فجاز صرفها إلى واحد كالتطوع (فصل) ومصرف صدقة
الفطر مصرف سائر الزكوات لعموم قوله تعالى (إنما الصدقات للفقراء) الآية
ولانها زكاة أشبهت زكاة المال فلا يجوز دفعها إلى من لا يجوز دفع زكاة
المال إليه وبهذا قال مالك والليث والشافعي وأبو ثور وقال أبو حنيفة يجوز
وعن عمرو بن ميمون وعمرو بن شرحبيل ومرة الهمداني أنهم كانوا يعطون منها
الرهبان ولنا انها زكاة فلم يجز دفعها الى غير المسلمين كزكاة المال، وزكاة
المال لا يجوز دفعها إلى غير المسلمين إجماعاً قال إبن المنذر: أجمع أهل
العلم على أنه لا يجوز أن يعطي من زكاة المال احدا من أهل الذمة (فصل) فإن
دفعها إلى مستحقها فأخرجها آخذها الى دافعها أو جمعت الصدقة عند الامام
ففرقها على أهل السهمان فعادت الى انسان صدقته فاختار القاضي جواز ذلك قال
لأن أحمد نص فيمن له نصاب من الماشية والزروع أن الصدقة تؤخذ منه وترد اليه
إذا لم يكن له قدر كفايته وهو مذهب الشافعي لان قبض الامام أو المستحق ازال
ملك المخرج وعادت اليه بسبب أخر أشبه ما لو عادت
(2/667)
اليه بميراث وقال أبو بكر مذهب أحمد أنه لا يحل له أخذها لانها طهرة فلم
يجز له أخذها كشراتها لأن عمر رضي الله عنه أراد أن يشتري الفرس الذي حمل
عليه في سبيل الله فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " لا تسترها ولا تعد
في صدقتك فإن العائد في صدقته كالعائد في قيئه " فإن عادت إليه بالشراء
ففيه من الخلاف مثل ما ذكرنا والمنصوص أنه لا يجوز فإن عادت إليه بالميراث
فله أخذها لانها رجعت اليه بغير فعل منه والله أعلم. |