الشرح الكبير على متن المقنع

 (باب الكتابة) الكتابة إعتاق السيد عبده على مال في ذمته يؤدى في نجوم، سميت كتابة لأن السيد يكتب بينه وبينه كتاباً بما اتفقا عليه وقيل سميت كتابة من الكتب وهو الضم لأن المكاتب يضم بعض النجوم إلى بعض ومنه سمي الخرز كتاباً لأنه يضم أحد طرفيه إلى الآخر بخرزه قال الحريري وكاتبين وما خطت أناملهم * حرفاً ولا قرأوا ما خط في الكتب وقال ذو الرمة: وفراء عرفته أنأى خوارزها * مشلشل صنعته بينها الكتب يصف قربة يسيل الماء من بين خرزها وسميت الكتيبة كتيبة لانضمام بعضها إلى بعض والمكاتب يضم نجومه بعضها إلى بعض والنجوم ههنا الاوقات المختلفة لأن العرب كانت لا تعرف الحساب وإنما تعرف الاوقات بطلوع النجوم كما قال بعضهم إذا سهيل أول الليل طلع * فابن اللبون الحق والحق جذع فسميت الأوقات نجوماً والأصل في الكتابة الكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقول الله تعالى (والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكانبوهم إن علمتم فيهم خيرا) وأما السنة فروى

(12/338)


سعيد عن سفيان عن الزهري عن نبهان مولى أم سلمة عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا كان لإحداكن مكاتب وكان عنده ما يؤدي فلتحتجب منه) رواه أبو داود وابن ماجة وروى سهل بن حنيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من أعان غارماً أو غازياً أو مكاتباً في كتابته أظله الله يوم لا ظل إلا ظله) في أحاديث كثيرة سواهما وأجمعت الامة على مشروعية الكتابة (مسألة) (وهي مستحبة لمن يعلم فيه خير وهو الكسب والأمانة وعنه أنها واجبة إذا ابتغاها من سيده أجبر عليها) إذا سأل العبد سيده مكاتبته استحب له اجابته إذا علم فيه خيراً ولم يجب ذلك في ظاهر المذهب وهو قول عامة أهل العلم منهم الحسن والشعبي ومالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي وعن أحمد أنها واجبة إذا دعى العبد المكتسب سيده إليها وهو قول عطاء والضحاك وعمرو بن دينار وداود وقال اسحاق اخشى ان يأتم إن لم يفعل ولا يجبر عليها.
ووجه ذلك قول الله تعالى (والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا) وظاهر الأمر الوجوب وروي أن سيرين أبا محمد بن سيرين كان عبداً لأنس بن مالك فسأله أن يكاتبه فأبى فأخبر سيرين عمر بن الخطاب بذلك فرفع الدرة على أنس وقرأ عليه (والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا) فكاتبه أنس

(12/339)


ولنا أنه إعتاق بعوض فلم يجب عليه كالاستسعاء والآية محمولة على الندب وقول عمر يخالفه فعل أنس قال أحمد الخير صدق وصلاح ووفاء بمال الكتابة ونحو هذا قال ابراهيم وعمرو بن دينار وغيرهما وعبارتهم في ذلك مختلفة وقيل قوة على الكسب والأمانة قال الشافعي وقال ابن عباس غنى وإعطاء المال، وقال مجاهد غنى وأداء، وقال النخعي صدق ووفاء ولا خلاف بينهم في أن من لا خير فيه لا تجب إجابته (مسألة) (وهل تكره كتابة من لا كسب له؟ على روايتين)
قال القاضي ظاهر كلام أحمد كراهته وكان ابن عمر يكرهه وهو قول مسروق والاوزاعي وعن أحمد أنه لا يكره ولم يكرهه الشافعي وإسحاق وابن المنذر وطائفة من أهل العلم لأن جويرية بنت الحارث كاتبها ثابت بن قيس بن شماس فأتت النبي صلى الله عليه وسلم تستعينه في كتابتها فأدى عنها كتابتها وتزوجها واحتج ابن المنذر بأن بريرة كاتبت ولا حرفة لها فلم ينكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجه الأول ما ذكرنا في عتقه قال شيخنا وينبغي أن ينظر في المكاتب فإن كان ممن يتضرر بالكتابة ويضيع لعجزه عن الإنفاق على نفسه ولا يجد من ينفق عليه كرهت كتابته وإن كان يجد من يكفيه مؤنته لم تكره كتابته لحصول النفع بالحرية من غير ضرر فأما جويرة فإنها كانت ذات أهل وكانت ابنة سيد قومه فإذا عتقت رجعت إلى أهلها فأخلف الله لها خيراً من أهلها فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم

(12/340)


وصارت إحدى أمهات المؤمنين وأعتق الناس ما كان بأيديهم من قومها حين بلغهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها وقالوا أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم تر امرأة أعظم بركة على قومها منها وأما بريرة فإن كتابتها تدل على إباحة ذلك وأنه ليس بمنكر ولا خلاف فيه وإنما الخلاف في كراهته قال مسروق إذا سأل العبد مولاه المكاتبة فإن كان له مكسبه أو كان له مال فليكاتبه وإن لم يكن له مال ولا مكسبة فليحسن ملكته ولا يكلفه إلا طاقته (مسألة) (ولا يصح إلا من جائز التصرف فأما المجنون والطفل فلا تصح مكاتبتهما لرقيقهما ولا مكاتبة سيدهما لهما لأن الكتابة نقل الملك بعوض فلا تصح منها كالبيع (مسألة) (فإن كاتب المميز عبده بإذن وليه صح ويحتمل أن لا يصح بناء على قولنا إنه لا يصح بيعه بإذن وليه ولأنه عقد إعتاق فلم يصح منه كالعتق بغير مال ولا يصح بغير إذن وليه بحال (مسألة) (وإن كاتب السيد عبده المميز صح وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي لا يصح فيها جميعها بحال لأنه ليس بمكلف أشبه المجنون ولنا أنه يصح تصرفه وبيعه بإذن وليه فصحت منه الكتابة بذلك كالمكلف ودليل صحة تصرفه قول الله تعالى (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح) والابتلاء الاختبار له بتفويض التصرف
إليه ليعلم هل يقع منه على وجه المصلحة أو لا؟ وهل يغبن في بيعه وشرائه أو لا؟ وإيجاب السيد لعبده

(12/341)


المميز المكاتبة إذن له في قبولها.
إذا ثبت هذا فإن كان السيد المكاتب طفلاً أو مجنوناً فلا حكم لتصرفه ولا قوله وان كاتب المكلف عبده المكلف أو المجنون لم يثبت لهذا التصرف حكم المكاتبة الصحيحة ولا الفاسدة لأنه لا حكم لقولهما لكن إن قال إن أديتما إلى فأنتما حران فأديا عتقا بالصفة لا بالكتابة وما في أيديهما لسيدهما وإن لم يقل ذلك لم يعتقا ذكره أبو بكر وقال القاضي يعتقان وهو مذهب الشافعي لأن الكتابة تتضمن معنى الصفة فيحصل العتق ههنا بالصفة المحضة كما لو قال إن أديت إلي فأنت حر ولنا أنه ليس بصفة صريحاً ولا معنى وإنما هو عقد باطل فأشبه البيع الباطل (فصل) إذا كاتب الذمي عبده ثم أسلما صح لأنه عقد معاوضة أو عتق بصفة وكلاهما يصح منه فإذا ترافعا إلى الحاكم بعد الكتابة نظر في العقد فإن كان موافقاً للشرع أمضاه وإن كانت كتابته فاسدة مثل أن يكون العوض خمراً أو خنزيراً أو غير ذلك من أنواع الفساد ففيه ثلاث مسائل (أحدها) أن يكونا قد تقابضا حال الكفر فتكون الكتابة ماضية والعتق حاصلاً لأن ما تم في حال الكفر لا ينقضه الحاكم ويحكم بالعتق سواء ترافعا قبل الإسلام أو بعده (الثانية) تقابضا بعد الإسلام ثم ترافعا إلى الحاكم فإنه يعتق لأن هذه كتابة فاسدة ويكون حكمها حكم الكتابة الفاسدة المعقودة في الإسلام على ما سنذكره إن شاء الله تعالى

(12/342)


(والثالثة) ترافعا قبل قبض العوض الفاسد أو قبض بعضه فإن الحاكم يرفع هذه الكتابة ويبطلها لأنها كتابة فاسدة لم يتصل بها قبض تنبرم به ولا فرق بين إسلامهما أو إسلام أحدهما فيما ذكرناه من التغليب بحكم الإسلام وقال أبو حنيفة إذا كاتبه على خمر ثم أسلما لم يفسد العقد ويؤدي قيمة الخمر لأن الكتابة كالنكاح ولو مهرها خمراً ثم أسلما لم يفسد العقد ويبطل الخمر ولنا أن هذا عقد لو عقده المسلم كان فاسداً فإذا أسلما قبل التقابض أو أحدهما حكم بفساده
كالبيع الفاسد ويفارق النكاح فانه لو عقده المسلم بخمر كان صحيحاً وإن أسلم مكاتب الذمي لم تنفسخ الكتابة لأنها وقعت صحيحة ولا يجبر على إزالة ملكه لأنه خارج بالكتابة عن تصرف الكافر فيه فإن عجز أجبر على إزالة ملكه عنه حينئذ فإن اشترى مسلماً فكاتبه لم تصح الكتابة لأن الشراء باطل لم يثبت له به ملك وإن أسلم عبده فكاتبه بعد إسلامه لم تصح كتابته لأن الكتابة لا تزيل الملك.
وقال القاضي له ذلك وقد ذكرناه في كتاب البيع فإن عجز عاد رقيقاً قنا واجبة على إزالة ملكه عنه (فصل) وتصح كتابة الحربي عبده في دار الحرب وفي دار الاسلام، وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا تصح لأن ملكه ناقص وحكي عن مالك أنه لا يملك ذلك بدليل أن للمسلم تملكه عليه ولنا قوله تعالى (وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم) وهذه الإضافة إليهم تقتضي صحة أملاكهم فتقتضي صحة تصرفاتهم.
إذا ثبت هذا فإذا كاتب عبده فدخلا مستأمنين إلينا لم يتعرض الحاكم لهما وإن ترافعا إليه نظر بينهما فإن كانت كتابتهما صحيحة ألزمهما حكمها وإن كانت فاسدة بين لهما فسادها

(12/343)


وإن جاءا وقد قهر أحدهما صاحبه بطلت الكتابة لأن العبد إن قهر سيده ملكه فبطلت كتابته بخروجه عن ملك سيده وإن قهره السيد على إبطال الكتابة ورده رقيقاً بطلت لأن دار الفكر دار قهر وإباحة ولهذا لو قهر حر حراً على نفسه ملكه وإن دخلا من غير قهر فقهر أحدهما الآخر في دار الإسلام لم تبطل الكتابة وكانا على ما كانا عليه قبله لأن دار الإسلام دار حظر لا يؤثر فيها القهر إلا بالحق وإن دخلا مستأمنين ثم أرادا الرجوع إلى دار الحرب لم يمنعا وأن أراد السيد الرجوع وأخذ المكاتب معه فأبى المكاتب الرجوع معه لم يجبر لأنه بالكتابة زال سلطانه وإنما له في ذمته حق ومن له دين في ذمة غيره لا يملك إجباره على السفر معه لأجله ويقال للسيد إن أردت الاقامة في دار الإسلام لتستوفي مال الكتابة فاعقد الذمة وأقم إن كانت مدتها طويلة وإن أردت توكيل من يقبض لك نجوم الكتابة فافعل فإذا أدى نجوم الكتابة عتق وهو مخير إن أحب المقام في دار الإسلام عقد على نفسه الذمة وإن أحب الرجوع لم يمنع وإن عجز وفسخ السيد كتابته عاد رقيقاً ويرد إلى سيده والأمان باق لأنه من مال سيده وسيده عقد الأمان لنفسه وماله فإذا اتنقض الامان في
في نفسه بعوده لم ينتقض في ماله وإن كاتبه في دار الحرب فهرب ودخل إلينا بطلت الكتابة لأن ملكه زال بقهره على نفسه فأشبه ما لو قهره على غيره من ماله وسواء جاءنا مسلماً أو غير مسلم وإن جاء بإذن سيده فالكتابة بحالها لأنه لم يقهر سيده فإذا دخل إلينا بأمان بإذن سيده ثم سبى المسلمون سيده

(12/344)


وقتل انتقلت الكتابة إلى ورثته كما لو مات حتف أنفه وإن من عليه الإمام أو فاداه أو هرب فالكتابة بحالها وإن استرقه الإمام فالمكاتب موقوف إن عتق السيد فالكتابة بحالها وإن مات أو قتل فالمكاتب للمسلمين مبقي على ما بقي من كتابته يعتق بالأداء إليهم وولاؤه لهم وإن عجز فهو رقيق لهم فإن أراد المكاتب الأداء قبل عتق سيده وموته أدى إلى الحاكم أو إلى أمينه وكان المال المقبوض موقوفاً على ما ذكرناه ويعتق المكاتب بالأداء وسيده رقيق لا يثبت له ولاء قال أبو بكر يكون الولاء للمسلمين وقال القاضي يكون موقوفاً فإن عتق سيده فهو له وإن مات رقيقاً فهو للمسلمين وإن كان استرقاق سيده بعد عتق المكاتب وثبوت الولاء عليه فقال القاضي يكون ولاؤه موقوفاً فإن عتق السيد كان الولاء له وإن قتل أو مات على رقه بطل الولاء لأنه رقيق لا يورث فبطل الولاء لعدم مستحقه وينبغي أن يكون للمسلمين لأن مال من لا وارث له للمسلمين فكذلك الولاء والله أعلم (فصل) وإن كاتب المرتد عبده فعلى قول أبي بكر الكتابة باطلة لأن ملكه زال بردته وعلى ظاهر المذهب كتابته موقوفة إن أسلم تبينا أنها كانت صحيحة وإن مات على ردته أو قبل بطلت وإن أدى في ردته لم يحكم بعتقه ويكون موقوفاً فإن أسلم سيده تبينا صحة الدفع إليه وعتقه وإن مات على ردته

(12/345)


أو قتل فهو باطل والعبد رقيق وإن كاتبه وهو مسلم وارتد وحجر عليه لم يكن للعبد الدفع إليه ويؤدي إلى الحاكم ويعتق بالاداء وإن دفع إلى المرتد كان موقوفاً كما ذكرنا وإن كاتب المسلم عبده المرتد صحت كتابته لأنه يصح بيعه فإن أدى عتق وإن أسلم فهو على كتابته (فصل) وكتابة المريض صحيحة فإن كان مرض الموت المخوف اعتبر من الثلث لأنه بيع ماله بماله فجرى مجرى الهبة ولذلك ثبت الولاء على المكاتب لكونه معتقاً فإن خرج من الثلث كانت الكتابة
لازمة وإن لم يخرج من الثلث لزمت في قدر الثلث وباقيه موقوف على إجازة الورثة يصح بإجازته ويبطل برده وهذا قول الشافعي وقال أبو الخطاب في رءوس المسائل تجوز الكتابة من رأس المال لأنه عقد معاوضة أشبه البيع والأول أولى (مسألة) ولا يصح إلا بالقول وينعقد بقوله كاتبتك على كذا) لأنه لفظها الموضوع لها فانعقدت بمجرده كلفظ النكاح فيه (مسألة) ولا يفتقر إلى قوله وإن أديت إلى فأنت حر بل متى أدى عتق) وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي لا يعتق حتى يقول ذلك أو ينوي بالكتابة الحرية ويحتمل مثل ذلك عندنا لأن لفظ الكتابة يحتمل المخارجة ويحتمل العتق بالاداء فلابد من تمييز أحدهما عن الآخر ككنايات العتق

(12/346)


ولنا أن الحرية موجب عقد الكتابة فثبتت عند تمامه كسائر أحكامه ولأن الكتابة عقد وضع للعتق فلم يحتج إلى لفظ العتق ولا نيته كالتدبير وما ذكروه من استعمال الكتابة في المخارجة إن ثبت فليس بمشهور فلم يمنع وقوع الحرية به كسائر الألفاظ الصريحة على أن اللفظ المحتمل ينصرف بالقرائن إلى أحد محتمليه كلفظ التدبير فانه يحتمل التدبير في معاشه وغيره وهو صريح في الحرية كذلك هذا.
(مسألة) ولا يصح إلا على عوض معلوم منجم بنجمين فصاعداً) لا تصح إلا على عوض معلوم لأنها عقد معاوضة أشبهت البيع ولا تجوز إلا منجمة مؤجلة هذا ظاهر المذهب وبه قال الشافعي وقال مالك وأبو حنيفة تجوز حالة لأنه عقد على عين فإذا كان عوضه في الذمة جاز أن يكون حالاً كالبيع ولنا أنه قد روي عن جماعة من الصحابة أنهم عقدوا الكتابة ولم ينقل عن واحد منهم عقدها حالة ولو جاز ذلك لم يتفقوا على تركه ولأن الكتابة عقد معاوضة يعجز عن أداء عوضها في الحال فكان من شرطها التأجيل كالسلم على أبي حنيفة ولأنها عقد معاوضة يلحقه الفسخ من شرطه
ذكر العوض فإذا وقع على وجه يتحقق فيه العجز عن العوض لم يصح كما لو أسلم في شئ لا يوجد عند محله ويفارق البيع لأنه لا يتحقق فيه العجز عن العوض لأن المشتري يملك المبيع والعبد لا يملك شيئاً

(12/347)


وما في يده لسيده وفي التنجيم إذا كان أكثر من نجم حكمتان إحداهما ترجع إلى المكاتب وهو التخفيف عليه لأن الأداء مفرقاً أسهل ولهذا تقسط الديون على المعسرين عادة تخفيفاً عليهم والأخرى للسيد وهي أن مدة الكتابة تطول غالباً فلو كانت على نجم واحد لم يظهر عجزه إلا في آخر المدة فإذا عجزه عاد إلى الرق وفاتت منافعه في مدة الكتابة كلها على سيده من غير نفع حصل له وإذا كانت منجمة نجوماً فعجز عن النجم الأول فمدته يسيرة وإن عجز عما بعده فقد حصل للسيد نفع بما أخذ من النجوم قبل عجزه إذا ثبت ذلك فأقله نجمان فصاعداً، وهذا مذهب الشافعي ونقل عن أحمد أنه قال من الناس من يقول نجم واحد ومنهم من يقول نجمان ونجمان أحب إلى وهذا يحتمل أن يكون معناه إني أذهب إلى أنه لا يجوز إلا نجمان ويحتمل أن يكون المستحب نجمين ويجوز نجم واحد، قال ابن أبي موسى هذا على طريق الاختيار وإن جعل المال كله في نجم واحد جاز لأنه عقد يشترط فيه التأجيل فجاز أن يكون إلى أجل واحد كالسلم ولأن اعتبار التأجيل ليتمكن من تسليم العوض وهذا يحصل بنجم واحد، ووجه الأول ما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال الكتابة على نجمين والإيتاء من الثاني وهذا يقتضي أن هذا أقل ما تجوز عليه الكتابة لأن أكثر من نجمين جائز بالإجماع، وروي عن عن عثمان أنه غضب على عبد له فقال لأعاقبنك ولأكاتبنك على نجمين ولو جاز أقل من هذه لعاقبه به في الظاهر، وفي حديث بريرة أنها أتت عائشة فقالت يا أم المؤمنين إني كاتبت أهلي على تسع

(12/348)


أواق في كل عام أوقيه فأعينيني ولأن الكتابة مشتقة من الضم وهو ضم نجم إلى نجم فدل ذلك على افتقارها إلى نجمين والأول أقيس (مسألة) (ويشترط علم ما يؤدي إليه في كل نجم كالثمن في البيع ولئلا يفضي إلى النزاع والاختلاف)
ولا يشترط تساوي النجوم فإذا قال كاتبتك على ألف إلى عشر سنين تؤدي عند انقضاء كل سنة مائة أو قال تؤدي منها مائة عند انقضاء خمس سنين وباقيها عند تمام العشرة أو قال تؤدي في آخر العام الاول مائة وتسعمائة عند انقضاء السنة العاشرة فكل ذلك جائز فإن قال تؤدي في كل عام مائة جاز ويكون أجل كل مائة عند انقضاء السنة، وظاهر قول القاضي وأصحاب الشافعي أنه لا يصح لأنه لا يبين وقت الأداء من العام ولنا قول بريرة كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقيه ولأن الأجل إذا علق بمدة تعلق بأحد طرفيها فان كان بحرف إلى تعلق بأولها كقوله إلى شهر رمضان وإن كان بحرف في كان إلى آخرها لانه جعل جميعها وقت الادائها فإذا أدى في آخرها كان مؤدياً لها في وقتها فلم يتعين عليه الأداء قبله كتأدية الصلاة في آخر وقتها وإن قال تؤديها في عشر سنين أو إلى عشر سنين لم يجز لأنه نجم واحدا ومن أجاز الكتابة على نجم واحد أجازه وإن قال تؤدي بعضها في نصف المدة وباقيها في آخرها

(12/349)


لم يجز لأن البعض يقع على القليل والكثير فيكون مجهولاً (فصل) وتجوز الكتابة على مال يجوز السلم فيه لأنه مال يثبت في الذمة مؤجلاً في معاوضة فجاز ذلك فيه كعقد السلم فإن كان من الأثمان وكان في البلد نقد واحد جاز إطلاقه لأنه ينصرف إليه فاشبه البيع وإن كان فيه نقود بعضها أغلب في الاستعمال جاز للاطلاق أيضاً وانصرف إليه عند الإطلاق كما لو انفرد وإن كانت مختلفة متساوية في الإستعمال وجب بيانه بما يتميز به من غيره من النقود وإن كان من غير الاثمان وجب وصفه بما يوصف به في السلم فأما مالا يصح السلم فيه فلا يجوز أن يكون عوضاً في الكتابة لأنه عقد معاوضة يثبت عوضه في الذمة فلم يجز بعوض مجهول كالسلم، وقال القاضي يصح على عبد مطلق وله الوسط إذا كاتبه على عبد مطلق لم يصح، ذكره أبو بكر وهو قول الشافعي يجوز في أحد الوجهين، وهو قول أبي حنيفة ومالك لأن العتق لا يلحقه الفسخ فجاز أن يكون الحيوان المطلق عوضاً فيه كالعقل.
ولنا أن ما لا يجوز أن يكون عوضاً في البيع والاجارة لا يجوز أن يكون عوضاً في الكتابة كالثوب
المطلق ويفارق العقل لأنه بدل متلف مقدر في الشرع وههنا عوض في عقد أشبه البيع ولأن الحيوان الواجب في العقل ليس بحيوان مطلق بل هو مقيد بجنسه وسنه فلم يصح الإلحاق به ولأن الحيوان المطلق لا تجوز الكتابة عليه بغير خلاف علمناه وإنما الخلاف في العبد المطلق ولم يرد الشرع به بدلاً

(12/350)


في موضع علمناه.
إذا ثبت هذا فإن من صحح الكتابة به أوجب له عبداً وسطاً وهو السندي ويكون وسطاً من السنديين في قيمته كقولنا في الصداق ولا تصح الكتابة على حيوان مطلق غير العبد فيما علمنا ولا على ثوب ولا دار ولذلك لا تجوز على ثوب من ثيابه ولا عمامة من عمائمه ولا غير ذلك من المجهولات وممن اختار الكتابة على العبد الحسن وسعيد بن جبير والنخعي والزهري وابن سيرين، وروي عن أبي برزة وحفصة رضي الله عنهما.
(مسألة) (وتصح على مال وخدمة سواء تقدمت الخدمة أو تأخرت) .
تجوز الكتابة على المنافع المباحة لأنها أحد العوضين في الإجارة فجاز أن تكون عوضاً في الكتابة كالأثمان ويشترط العلم بها كما يشترط في الاجارة فإن كاتبه على خدمة شهر ودينار صح ولا يحتاج إلى ذكر الشهر وكونه عقيب العقد لأن الإجارة تقتضيه فإن عين الشهر بوقت لا يتصل بالعقد مثل أن يكاتبه في المحرم على خدمته في رجب ودينار صح أيضاً كما يجوز أن يؤجره داره شهر رجب في المحرم، وقال أصحاب الشافعي لا يجوز على شهر لا يتصل بالعقد ويشترطون ذكر ذلك ولا يجوزون إطلاقه بناء على قولهم في الإجارة وقد سبق الكلام فيه والخلاف في باب الإجارة ويشترط كون الدينار المذكور مؤجلاً لأن الاجل شرط في عقد الكتابة فإن جعل محل الدينار بعد الشهر بيوم أو أكثر صح بغير خلاف نعلمه وإن جعل محله في الشهر أو بعد انقضائه صح أيضاً وهذا قول بعض أصحاب الشافعي وقال

(12/351)


القاضي لا يصح لانه يكون نجا واحداً وهذا لا يصح لأن الخدمة كلها لا تكون في وقت محل الدينار وإنما يوجد جزء منها يسير مقارباً له وسائرها فيما سواه ولأن الخدمة بمنزلة العوض الحاصل في ابتداء مدتها ولهذا يستحق عوضها جميعه ويكون محلها غير محل الدينار وإنما جازت له حالة لأن المنع من
الحلول في غيرها لأجل العجز عنه في الحال وهذا غير موجود في الخدمة فجازت حالة وإن جعل محل الدينار قبل الخدمة وكانت الخدمة غير متصلة بالعقد بحيث يكون الدينار مؤجلاً والخدمة بعده جاز وإن كانت الخدمة متصلة بالعقد لم يتصور كون الدنيار قبله ولم يجز في أوله، لأنه يكول حالاً ومن شرطه التأجيل.
(فصل) إذا كاتب السيد عبده على خدمة مفردة في مدة واحدة مثل أن يكاتبه على خدمة شهر بعينه أو سنة معينة فحكمه حكم الكتابة على نجم واحد على ما مضى من القول فيه ويحتمل أن يكون كالكتابة على أنجم لأن الخدمة تستوفى في أوقات مفرقة بخلاف المال وإن جعله على شهر بعد شهر كأن كاتبه في أول المحرم على خدمته فيه وفي رجب صح لأنه على نجمين وإن كاتبه على منفعة في الذمة معلومة كخياطة ثوب عينه أو بناء حائط وصفه صح أيضاً إذا كانت على نجمين وإن قال كاتبتك على أن تخدمني هذا الشهر وخياطة كذا على عقيب الشهر صح في قول الجميع وإن قال على أن تخدمني شهراً من وقتي هذا وشهراً عقيب هذا الشهر صح أيضاً وعند الشافعي لا يصح.

(12/352)


ولنا أنه كاتبه على نجمين فصح كالتي قبلها.
(فصل) وإذا كاتب العبد وله مال فماله لسيده إلا أن يشترطه المكاتب فإن كان له سرية أو ولد فهو لسيده، وبه قال الثوري والحسن بن صالح وابو حنيفة وأبو يوسف والشافعي وقال الحسن وعطاء والنخعي وسليمان بن موسى وعمرو بن دينار ومالك وابن أبي ليلى في المكاتب ماله له ووافقنا عطاء وسليمان بن موسى والنخعي وعمرو بن دينار ومالك في الولد واحتج لهم بما روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من أعتق عبداً وله مال فالمال للعبد.
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (من باع عبداً وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع) متفق عليه والكتابة بيع ولأنه باعه نفسه فلم يدخل معه غيره كولده وأقاربه ولأنه هو وماله كانا لسيده فإذا وقع العقد على أحدهما بقي الآخر على ما كان عليه كما لو باعه لأجنبي وحديثهم ضعيف قد ذكرنا ضعفه.
(مسألة) (وإذا أدى ما كوتب عليه أو أبرئ منه عتق لأنه لم يبق لسيده عليه شئ ولا
يعتق قبل أداء جميع الكتابة) .
هذا ظاهر كلام الخرقي، لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال

(12/353)


(المكاتب عبد ما بقي عليه درهم) رواه أبو داود دل بمنطوقه على أنه لا يعتق حتى يؤدي جميع كتابته وبمفهومه على أنه إذا أدى كتابته لا يبقى عبداً قال أحمد في عبد رجلين كاتباه على ألف فأدى تسعمائة ثم أعتق أحدهما نصيبه قال يعتق إلا نصف المائة وقد روي عن عمر وابنه وزيد بن ثابت وعائشة وسعيد بن المسيب والزهري أنهم قالوا المكاتب عبد ما بقي عليه درهم رواه عنهم الأثرم وبه قال القاسم وسليمان بن يسار وعطاء وقتادة والثوري وابن شبرمة ومالك والاوزاعي والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي وروي ذلك عن أم سلمة وروى سعيد بإسناده عن أبي قلابة قال كنا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لا يحتجبن من مكاتب ما بقي عليه درهم وبإسناده عن عطاء أن ابن عمر كاتب غلاماً على ألف دينار فأدى إليه تسعمائة دينار وعجز عن مائة دينار فرده ابن عمر في الرق.
(مسألة) (وما فضل في يده فهو له) .
لأنه كان له قبل العتق فبقي على ما كان وعنه أنه إذا ملك ما يؤدي صار حراً لما روت ام سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا كان لإحداكن مكاتب فكان عنده ما يؤدي فلتحتجب منه) ، رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح فأمرهن بالحجاب بمجرد ملكه لما يؤديه ولأنه مالك لمال الكتابة أشبه ما لو أداه فعلى هذا متى امتنع من الأداء أجبره الحاكم عليه كسائر الديون الحالة على

(12/354)


القادر عليها فإن هلك ما في يديه قبل الأداء صار ديناً في ذمته وقد صار حراً والصحيح أنه لا يعتق حتى يؤدي وهذا قول أكثر أهل العلم لما ذكرنا من حديث عمرو بن شعيب وروى سعيد بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أيما عبد كانت عليه مائة أوقية فأداها إلا عشرة أواق فهو عبد) وفي رواية (من كاتب عبده على مائة أوقية فأداها إلا عشر أواق) أو قال (إلا عشرة دراهم ثم عجز فهو رقيق) رواه الترمذي وقال هذا حديث غريب ولأنه عتق علق بعوض فلم يعتق قبل أدائه كما لو قال إذا
أديت إلي ألفا فأنت حر فعلى هذه الرواية إذا أدى عتق وإن لم يؤد لم يعتق فإن امتنع من الأداء فقال أبو بكر يؤديه الإمام عنه ولا يكون ذلك عجزاً ولا يملك السيد الفسخ وهو قول أبي حنيفة ويحتمل أنه إذا لم يؤد عجزه السيد إن أحب وعاد عبداً غير مكاتب ونحوه قال الشافعي فإنه قال إن شاء عجز نفسه وامتنع من الأداء.
ووجه ذلك أن العبد لا يجبر على اكتساب ما يؤديه في الكتابة فلا يجبر على الأداء كسائر العقود الجائزة.
ووجه الأول أنه قد ثبت للعبد استحقاق الحرية بملك ما يؤدي فلم يملك إبطالها كما لو ادى فإن تلف المال قبل ادائه جاز تعجيزه واسترقاقه وجهاً واحداً.
(فصل) إذا أبرأه السيد من مال الكتابة برئ وعتق لأن ذمته خلت من مال الكتابة فأشبه ما لو أداه وإن ابرأه من بعضه برئ منه وهو على الكتابة فيما بقي لأن الإبراء كالأداء فإن كاتبه على دنانير فأبرأه من دراهم أو بالعكس لم تصح البراءة لأنه ابرأه مما لا يجب عليه إلا أن يريد بقدر ذلك مما لي عليك فإن اختلفا فقال المكاتب إنما

(12/355)


أردت من قيمة ذلك وقال السيد بل ظننت أن لي عليك النقد الذي أبرأتك منه فلم تقع البراءة موضعها فالقول قول السيد مع يمينه لأنه أعرف بنيته فإن مات السيد واختلف المكاتب والورثة فالقول قولهم مع إيمانهم ويحلفون على نفي العلم وإن مات المكاتب واختلف ورثته وسيده فالقول قول السيد لما ذكرنا (مسألة) (فلو مات قبل الأداء كان ما في يده لسيده في الصحيح عنه وعلى الرواية الأخرى لسيده بقية كتابته والباقي لورثته) هذه المسألة تشبه أن تكون مبنية على المسألة التي قبلها إن قلنا إنه لا يعتق بملك ما يؤدي فقد مات رقيقاً وانفسخت كتابته بموته وكان ما في يده لسيده وإن قلنا إنه عتق بملك ما يؤدي فقد مات حراً وعليه لسيده بقية كتابته لأنه دين له عليه والباقي لورثته قال القاضي الأصح إن الكتابة تنفسخ بموته ويموت عبداً وما في يده لسيده رواه الأثرم بإسناده عن عمر وزيد والزهري وبه قال ابراهيم وعمر بن عبد العزيز وقتادة والشافعي لما ذكرناه في التي قلبها ولأنه مات قبل أداء مال الكتابة فوجب أن تنفسخ كما لو لم يكن له مال وكما لو علق عتقه بأداء ألف فمات قبل أدائها وعنه أنه يعتق
ويموت حراً فيكون لسيده بقية كتابته والباقي لورثته روي ذلك عن علي وابن مسعود ومعاوية وبه قال عطاء والحسن وطاوس وشريح والنخعي والثوري والحسن بن صالح ومالك واسحاق وأصحاب

(12/356)


الرأي إلا أن أبا حنيفة قال يكون حراً في آخر جزء من حياته وهذا قول القاضي ووجه هذا الرواية ما تقدم في التي قبلها.
لأنها معاوضة لا تنفسخ بموت أحد المتعاقدين فلا تنفسخ بموت الآخر كالبيع ولأن العبد أحد من تمت به الكتابة فلم تنفسخ بموته كالسيد والأول أولى وتفارق الكتابة البيع لأن كل واحد من المتعاقدين غير معقود عليه ولا يتعلق العقد بعينه فلم ينفسخ بتلفه والمكاتب هو المعقود عليه والعقد متعلق يعينه فإذا تلف قبل تمام الأداء انفسخ العقد كما لو تلف المبيع قبل قبضه ولأنه مات قبل وجود شرط حريته ويتعذر وجودها بعد موته، فأما إن مات ولم يخلف وفاء فلا خلاف في المذهب إن الكتابة تنفسخ بموته ويموت عبداً وما في يده لسيده وهو قول أهل الفتاوي من أئمة الامصار الان يموت بعد أداء ثلاثة أرباع الكتابة عند أبي بكر والقاضي ومن وافقهما فإنه يموت حراً في مقتضى قولهم وسنذكر ذلك إن شاء الله تعالى وقال مالك إن كان له ولد حرا انفسخت الكتابة وإن كان مملوكاً في كتابته أجبر على دفع المال إن كان له مال وإن لم يكن له أجبر على الاكتساب والأداء (فصل) ولا تنفسخ الكتابة بالجنون لأنها عقد لازم فلم تنفسخ بالجنون كالرهن وفارق الموت لأن العقد على العين والموت يفوت العين بخلاف الجنون ولأن القصد من الكتابة العتق والموت ينافيه ولهذا لا يصح عتق الميت والجنون لا ينافيه بدليل صحة عتق المجنون فعلى هذا إن أدى إليه المال عتق لأن السيد إذا قبض منه فقد استوفى حقه الذي كان عليه وله أخذ المال من يده فيتضمن

(12/357)


ذلك براءته من المال فيعتق بحكم العقد وإن لم يؤد إليه كان للسيد أن يحضره عند الحاكم وتثبت الكتابة بالبينة فيبحث الحاكم عن ماله فإن وجد له مالاً سلمه في الكتابة وعتق وإن لم يجد له مالاً جعل له أن يعجزه ويلزمه الإنفاق عليه لأنه عاد قناً ثم إن وجد له الحاكم بعد ذلك مالاً يفي بمال الكتابة أبطل
فسخ السيد لان الباطل بخلاف ما حكم به فبطل حكمه كما إذا أخطأ النص وحكم بالاجتهاد إلا أنه يرد على السيد ما أنفقه من حين الفسخ لأنه لم يكن مستحقاً عليه في الباطن وإن أفاق وأقام البينة أنه كان قد دفع إليه مال الكتابة بطل أيضاً ولا يرد عليه ما انفقه لأنه انفق عليه مع علمه بحريته فكان متطوعاً بذلك فلم يرجع به وينبغي أن يستحلف الحاكم السيد أنه ما استوفى مال الكتابة وهذا قول أصحاب الشافعي ولم يذكره أصحابنا وهو حسن لأنه يحتمل أنه استوفاه والمجنون لا يعبر عن نفسه فيدعيه فيقوم الحاكم مقامه في استحلافه عليه (فصل) وقتل المكاتب كموته في انفساخ الكتابة على ما أسلفنا من الخلاف سواء كان القاتل السيد أو الأجنبي ولا قصاص على قاتله الحر لأن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم للحديث فإن كان القاتل سيده ولم يخلف وفاء انفسخت الكتابة وعاد ما في يده إلى سيده ولم يجب عليه شئ لأنه لو وجب لوجب له فإن قيل فالقاتل لا يستحق بالقتل شيئاً من تركة المقتول قلنا ههنا لا يرجع إليه مال المكاتب ميراثاً بل بحكم ملكه عليه لزوال الكتابة وإنما يمنع القاتل الميراث خاصة الا ترى أن

(12/358)


من له دين مؤجل إذا قتل من عليه الحق حل الدين في رواية وأم الولد إذا قتلت سيدها عتقت وإن كان المكاتب قد خلف وفاء وقلنا إن الكتابة تنفسخ بموته فالحكم كذلك وإن قلنا لا تنفسخ فله القيمة على سيده تصرف إلى ورثته كما لو كانت الجناية على بعض أطرافه في حياته وإن كان الوفاء يحصل بإيجاب القيمة ولا يحصل بدونها وجب كما لو خلف وفاء لان دية المقتول كتركته في قضاء ديونه منها وانصرافها إلى ورثته بينهم على فرائض الله تعالى ولا فرق فيما ذكرنا بين أن يخلف وارثاً أو لا يخلف وارثاً وذكر القاضي أنه إذا لم يخلف وارثاً سوى سيده لم تجب القيمة عليه بحال ولنا أن من لا وارث له يصرف ماله إلى المسلمين ولا حق لسيده فيه لأن صرفه إلى سيده بطريق الإرث والقاتل لا ميراث له وإن كان القاتل أجنبياً وجبت القيمة للسيد إلا في الموضع الذي لا تنفسخ الكتابة تجب لورثته (مسألة) (وإذا عجلت الكتابة قبل محلها لزم السيد الأخذ وعتق)
هذا المنصوص عن أحمد ويحتمل أن لا يلزمه ذلك إذا كان في قبضه ضرر، وذكر أبو بكر فيه رواية أخرى أنه لا يلزمه قبول المال إلا عند نجومه لأن بقاء المكاتب في هذه المدة في ملكه حق له ولم يرض بزواله فلم يزل كما لو علق عتقه على شرط لم يعتق والصحيح في المذهب الأول وهو مذهب الشافعي إلا أن القاضي قال أطلق احمد والخرقي هذا القول وهو مقيد بما لا ضرر في قبضه قبل محله

(12/359)


كالذي لا يفسد ولا يختلف قديمه وحديثه ولا يحتاج إلى مؤنة في حفظه ولا يدفعه في حال خوف يخاف ذهابه فإن اختل أحد هذه الأمور لم يلزمه قبضه مثل أن يكون مما يفسد كالعنب والرطب والبطيخ أو يخاف تلفه كالحيوان فإنه ربما تلف قبل المحل ففاته مقصوده، وإن كان مما يكون حديثه خيراً من قديمه لم يلزمه أيضاً أخذه لأنه ينقص إلى حين الحلول وإن كان مما يحتاج إلى مخزن كالطعام والقطن لم يلزمه أيضاً لأنه يحتاج في أبقائه إلى وقت المحل إلى مؤنة فيتضرر بها ولو كان غير هذا إلا أن البلد مخوف لم يلزمه أخذه لأن في أخذه ضرراً لم يرض بالتزامه وكذلك لو سلمه إليه في طريق مخوف أو في موضع يتضرر بقبضه في لم يلزمه قبضه ولم يعتق المكاتب قال القاضي والمذهب عندي أن فيه تفصيلاً على حسب ما ذكرناه في السلم ولأنه لا يلزم الإنسان التزام ضرر لم يقتضه العقد ولا رضي بالتزامه وأما ما لا ضرر في قبضه فإذا عجله لزم السيد أخذه وذكر أبو بكر أنه يلزمه قبوله من غير تفصيل اعتماداً على إطلاق أحمد القول في ذلك وهو ظاهر إطلاق الخرقي لما روى الأثرم بإسناده عن أبي بكر بن حزم أن رجلاً أتى عمر فقال يا أمير المؤمنين إني كاتبت على كذا وكذا وإني أيسرت بالمال وأتيته به فزعم انه لا يأخذها إلا نجوماً فقال عمر رضي الله عنه يايرفا خذ المال فاجعله في بيت المال وأد إليه نجوماً في كل عام وقد عتق هذا فلما رأى ذلك سيده أخذ المال، وعن عثمان رضي الله عنه نحو هذا

(12/360)


ورواه سعيد بن منصور في سنه عن عمر وعثمان جميعاً، وثنا هشيم عن ابن عون عن محمد بن سيرين أن عثمان قضى بذلك ولأن الأجل حق لمن عليه الدين فإذا قدمه فقد رضي بإسقاط حقه فسقط كسائر الحقوق
فإن قيل إذا علق عتق عبده على فعل في وقت ففعله في غيره لم يعتق قلنا تلك صفة مجردة لا يعتق إلا بوجودها والكتابة معاوضة يبداً فيها بأداء العوض فافترقا ولذلك لو أبرأه من العوض في الكتابة عتق ولو أبرأه من المال في الصفة المجردة لم يعتق قال شيخنا والأولى ما قاله القاضي في أن ما كان في قبضه ضرر لم يلزمه قبضه ولم يعتق ببذله لما ذكره من الضرر الذي لم يقتضه القعد وخبر عمر لا دلالة فيه على وجوب قبض ما فيه ضرر ولأن أصحابنا قالوا لو لقيه في بلد آخر فدفع إليه نجوم الكتابة أو بعضها فامتنع من أخذها لضرر فيه من خوف أو مؤنة حمل لم يلزمه قبوله لما عليه من الضرر فيه وإن لم يكن فيه ضرر لزمه قبضه كذا ههنا وكلام أحمد محمول على ماذا لم يكن في قبضه ضرر وكذلك قول الخرقي وأبي بكر

(12/361)


(فصل) إذا أحضر المكاتب مال الكتابة أو بعضه ليسلمه فقال السيد هذا حرام أو غصب لا أقبله منك سئل العبد عن ذلك فإن أقر به لم يلزم السيد قبوله لأنه لا يلزمه أخذ المحرم ولا يجوز له وإن أنكر وكانت للسيد بينة بدعواه لم يلزمه قبوله وتسمع بينته لأن له حقاً في أن لا يقتضي دينه من حرام ولا يأمن أن يرجع صاحبه عليه به وإن لم تكن له بينة فالقول قول العبد مع يمينه فإن نكل عن اليمين لم يلزم السيد قبوله أيضاً وإن حلف قيل للسيد إما أن تقبضه وإما أن تبرئه ليعتق فإن قبضه وكان تمام كتابته عتق ثم ينظر فإن ادعى أنه حرام مطلقاً لم يمنع منه لأنه لم يقربه لأحد وإنما تحريمه فيما بينه وبين الله تعالى وإن ادعى أنه غصبه من فلان لزمه دفعه إليه لأن قوله وإن لم يقبل في حق المكاتب فإنه يقبل في حق نفسه كما لو قال رجل لعبد في يد غيره هذا حر وأنكر ذلك من العبد في يده لم يقبل قوله عليه فإن انتقل إليه بسبب من الأسباب لزمته حريته فإن أبرأه من مال الكتابة لم يلزمه قبضه لأنه لم يبق له عليه حق وإن لم يبرئه ولم يقبضه كان له دفع ذلك إلى الحاكم ويطالبه بقبضه فينوب الحاكم في قبضه عنه ويعتق العبد كما رويناه عن عمر وعثمان رضي الله عنهما في قبضهما مال الكتابة حين امتنع المكاتب من قبضه (فصل) إذا كاتبه على جنس لم يلزمه قبض غيره فلو كاتبه على دنانير لم يلزمه قبض دراهم ولا عرض وإن كانت على عرض موصوف لم يلزمه قبض غيره وإن كانت على نقد فأعطاه من جنسه خيراً منه وكان

(12/362)


ينفق فيما ينفق فيه الذي كاتيه عليه لزمه أخذه لأنه زاده خيراً وإن كان لا ينفق في بعض البلدان التي ينفق فيها ما كاتبه عليه لم يلزمه قبوله لأن عليه فيه ضرارا (مسألة) ولا بأس ان يجعل المكاتب لسيده ويضع عنه بعض كتابته مثل أن يكاتبه على ألف في نجمين إلى سنة ثم قال عجل لي خمسمائة حتى أضع عنك الباقي أو حتى أبرئك من الباقي أو قال صالحني منه على خمسمائة معجلة جاز ذلك.
وبه يقول طاوس والزهري والنخعي وأبو حنيفة وكرهه الحسن وابن سيرين والشعبي، وقال الشافعي لا يجوز لأن هذا بيع ألف بخمسمائة وهو ربا الجاهلية وهو أن يزيد في الدين لأجل الأجل وهذا أيضاً هبة لأن هذا لا يجوز بين الأجانب والربا يجري بين المكاتب وسيده فلم يجز هذا بينهما كالأجانب.
ولنا أن مال الكتابة غير مستقر ولا هو دين صحيح بدليل أنه لا يجبر على أدائه وله أن يمتنع من أدائه ولا تصح الكفالة به وما يؤديه إلى سيده كسب عبده وإنما جعل الشرع هذا العقد وسيلة إلى العتق وأوجب فيه التأجيل مبالغة في تحصيل العتق وتخفيفاً على المكاتب فإذا أمكنه التعجيل على وجه يسقط عنه يعض ما عليه كان أبلغ في حصول العتق وأخف على العبد ويحصل من السيد إسقاط بعض

(12/363)


ماله على عبده ومن الله تعالى إسقاط بعض ما أوجبه عليه من الأجل لمصلحته ويفارق سائر الديون بما ذكرنا ويفارق الأجانب من حيث إن هذا عبده فهو أشبه بعبده القن وأما قولهم إن الربا يجري بينهما فيمنعه ما ذكره ابن أبي موسى وإن سلمنا فإن هذا مفارق لسائر الربا بما ذكرناه وهو يخالف ربا الجاهلية فإنه اسقاط لبعض الدين وربا الجاهلية زيادة في الدين تفضي إلى نفاد مال المدين وتحمله ما يعجز عن وفائه من الدين فيحبس من أجله وهذا يفضي إلى تعجيل عتق المكاتب وخلاصه من الرق والتخفيف عنه فافترقا (فصل) فإن اتفقا على الزيادة في الأجل والدين مثل أن يكاتبه على ألف في نجمين إلى سنة يؤدي خمسمائة في نصفها والباقي في آخرها فيجعلانها إلى سنتين بألف ومائتين في كل سنة ستمائة أو مثل أن
يحل عليه نجم فيقول أخرني إلى كذا وأزيدك كذا فلا يجوز لأن الدين المؤجل إلى وقت لا يتأخر أجله عن وقته باتفاقهما عليه ولا يتغير أجله بتغييره وإذا لم يتأخر عن وقته لم تصح الزيادة التي في مقابلته ولأن هذا يشبه ربا الجاهلية المحرم وهو الزيادة في الدين للزيادة في الأجل ويفارق المسألة الأولى من هذين الوجهين فإن قيل فكما أن الأجل لا يتأخر فكذلك لا يتعجل ولا يصير المؤجل حالاً فلم يجاز في المسألة الأولى قلنا إنما جاز في المسألة الأولى بالتعجيل فعلاً فإنه إذا دفع إليه الدين

(12/364)


المؤجل قبل محله جاز وجاز للسيد إسقاط باقي حقه عليه وفي هذه المسألة يأخذ أكثر مما وقع عليه العقد فهو ضد المسألة الأولى وهو ممتنع من وجه آخر لأن في ضمن الكتابة أنك متى أديت إلى كذا فأنت حر فإذا أدى إليه ذلك فينبغي أن يعتق فإن قيل فإذا غير الأجل والعوض فكأنهما فسخا الكتابة الأولى وجعلا كتابة ثانية قلنا لم يجر بينهما فسخ وإنما قصدا تغيير العوض والأجل على وجه لا يصح فبطل التغيير وبقي العقد بحاله ويحتمل أن يصح ذلك كما في المسألة الأولى فعلى هذا لو اتفقا على ذلك ثم رجع أحدهما قبل التعجيل فله الرجوع لما ذكرنا من أن الدين المتأخر لا يتأخر عن أجله ولا يتقدم وإنما له أن يؤديه قبل محله ولمن له الدين ترك قبضه في محله وذلك إلى اختياره فإذا وعد به ثم رجع قبل الفعل فله ذلك (فصل) وإن صالح المكاتب سيده عما في ذمته بغير جنسه مئل أن يصالح عن النقود بحنطة أو شعير جاز إلا أنه لا يجوز أن يصالحه على شئ مؤجل لأنه يكون بيع دين بدين وإن صالحه عن الدراهم بدنانير أو عن الحنطة بشعير لم يجز التفرق قبل القبض لأن هذا بيع في الحقيقة فيشترط له القبض في المجلس، وقال القاضي يحتمل أن لا تصح هذه المصالحة مطلقاً لأن هذا دين من شرطه التأجيل فلم تجز المصالحة عليه بغير ولأنه دين غير مستقر فهو كدين السلم، وقال ابن أبي موسى لا يجري الربا بين المكاتب وسيده فعلى قوله تجوز المصالحة كيفما كانت كما تجوز بين العبد القن وسيده والأولى ما ذكرنا ويفارق دين الكتابة دين السلم فإنه يفارق سائر الديون بما ذكرنا في هذه المسألة فمفارقته لدين السلم أعظم

(12/365)


(مسألة) وإذا أدى وعتق فوجد السيد بالعوض عيباً فله أرشه أو قيمته ولا يرتفع العتق) وجملة ذلك أن المكاتب إذا دفع العوض في الكتابة فبان مستحقاً تبين أنه لم يعتق وكان وجود هذا الدفع كعدمه لأنه لم يؤد الواجب عليه وقيل له إن أديت الآن وإلا فسخت كتابتك وإن كان قد مات بعد الأداء فقد مات عبداً فإن بان معيباً مثل أن كاتبه على عروض موصوفة فقبضها فأصاب بها عيباً بعد قبضها نظرت فإن رضي بذلك وأمسكها استقر العتق فإن قيل يستقر العتق ولم يعطه جميع ما وقع عليه العقد فإن ما يقابل العيب لم يقبضه فأشبه ما لو كاتبه على عشرة فأعطاه تسعة قلنا إمساكه العيب راضياً به رضا منه باسقاط حقه فجرى مجرى ابرائه من بقية كتابته وإن اختار إمساكه وأخذ أرش العيب أو رده فله ذلك.
قال أبو بكر وقياس قول أحمد أنه لا يبطل العتق وليس له الرد وله الأرش لأن العتق إتلاف واستهلاك فإذا حكم بوقوعه لم يبطل كعقد الخلع ولأنه ليس المقصود منه المال فأشبه الخلع.
وقال القاضي يتوجه أن له الرد ويحكم بارتفاع العتق الواقع لأن العتق إنما يستقر باستقرار الأداء وقد ارتفع الأداء فارتفع العتق، وهذا مذهب الشافعي لأن الكتابة عقد معاوضة يلحقه الفسخ بالتراضي فوجب أن يفسخ بوجود العيب كالبيع وإن اختار إمساكه وأخذ الأرش فله ذلك وتبين أن العتق لم يقع لأننا تبينا أن ذمته لم تبرأ من مال الكتابة ولا يعتق قبل ظن وقوع

(12/366)


العتق لا يوقعه إذا بان الأمر بخلافه كما لو بان العوض مستحقاً وإن تلفت العين عند السيد أو حدث بها عده عيب استقر أرش العيب والحكم في ارتفاع العتق على ما ذكرنا فيما مضى ولو قال السيد لعبده إن أعطيتني عبداً فأنت حر فأعطاه عبداً فبان حراً أو مستحقاً لم يعتق بذلك لأن معناه إن أعطيتنيه ملكاً ولم يعطه إياه ملكاً ولم يملكه إياه.
(فصل) وإذا دفع إليه مال الكتابة ظاهراً فقال له السيد أنت حر أو قال هذا حر ثم بان العوض مستحقاً لم يعتق بذلك لأن ظاهره الإخبار عما حصل له بالأداء فلو ادعى المكاتب أن السيد قصد
بذلك عتقه وأنكر السيد فالقول قول السيد مع يمينه لأن الظاهر معه وهو أخبر بما نوى.
(فصل) قال رضي الله عنه ويملك المكاتب اكتسابه ومنافعه والشراء والبيع والإجارة والاستئجار والسفر وأخذ الصدقة والإنفاق على نفسه وولده ورقيقه وكل ما فيه صلاح المال يملك المكاتب إكسابه ومنافعه والشراء والبيع باجماع أهل العلم لأن عقد الكتابة لتحصيل العتق ولا يحصل إلا بأداء عوضه ولا يمكنه الاداء إلا بالاكتساب، والبيع والشراء من أقوى جهات الاكتساب فإنه قد جاء في بعض الآثار أن تسعة أعشار الرزق في التجارة ويملك الأجارة والاستئجار قياساً على البيع والشراء ويملك السفر قريباً كان أو بعيداً، وهذا قول الشعبي والنخعي والحسن بن صالح وأبي حنيفة وقد

(12/367)


أطلق أصحابنا القول في ذلك ولم يفرقوا بين السفر الطويل وغيره وقياس المذهب أن له منعه من سفر تحل نجوم كتابته قبل لأنه يتعذر معه استيفاء النجوم في وقتها والرجوع في رقه عند عجزه فمنع منه كالغريم الذي يحل الدين عليه قبل مدة سفره واختلف قوله فقال في موضع له السفر وقال في موضع ليس له السفر إذا كان قصيراً لأنه في حكم الحاضر والموضع الذي منع منه إذا كان بعيداً يتعذر معه استيفاء نجومه والرجوع في رقه عند عجزه.
ولنا أن المكاتب في يد نفسه وإنما للسيد عليه دين أشبه الحر الدين وما ذكروه لا أصل له ويبطل بالحر الغريم وله أخذ الصدقة الواجبة والمستحبة لأن الله تعالى جعل للمكاتبين الأخذ من الواجبة وإذا جاز الأخذ من الواجبة فالمستحبة أولى.
(مسألة) (وإن شرط عليه أن لا يسافر ولا يأخذ الصدقة فهل يصح الشرط؟ على وجهين.
إذا شرط السيد على مكاتبه أن لا يسافر، فقال القاضي الشرط باطل، وهو قول الحسن وسعيد ابن جبير والشعبي والنخعي وأبي حنيفة لأنه ينافي مقتضى العقد فلم يصح شرطه كشرط ترك الاكتساب ولأنه غريم فلم يصح ترك السفر عليه كما لو أقرض لرجل قرضاً بشرط أن لا يسافر وقال أبو الخطاب يصح الشرط وله منعه من السفر وهو قول مالك لقول النبي صلى الله عليه وسلم (المسلمون على شروطهم)

(12/368)


ولأنه شرط له فيه فائدة فلزم كما لو شرط نقداً معلوماً وبيان فائدته أنه لا يأمن إباقه وأنه لا يرجع إلى سيده فيفوت العبد والمال الذي عليه ويفارق القرض فإنه عقد جائز من جانب المقرض متى شاء طالب بأخذه ومنع الغريم السفر قبل إيفائه فكان المنع من السفر حاصلاً بدون شرطه بخلاف الكتابة فإنه لا يمكن السيد منعه من السفر إلا بشرطه وفيه حفظ عبده وماله فلا يمنع من تحصيله وهذا أصح إن شاء الله تعالى فعلى هذا الوجه لسيده منعه من السفر فإن سافر بغير إذنه فله رده إن أمكنه وإن لم يمكنه رده احتمل أن له تعجيزه ورده إلى الرق لأنه لم يف بما شرط عليه أشبه ما لو لم يف بأداء الكتابة واحتمل أن لا يملك ذلك لأنه مكاتب كتابة صحيحة لم يظهر عجزه فلم يملك تعجيزه كما لو لم يشترط عليه.
(فصل) وإن شرط عليه أن لا يسأل الناس فقال أحمد قال جابر بن عبد الله هم على شروطهم إن رأيته يسأل تنهاه فإن قال لا أعود لم يرده عن كتابته في مرة فظاهر هذا أن الشرط صحيح لازم وأنه إن خالف مرة لم يعجزه وإن خالف مرتين أو أكثر فله تعجيزه قال أبو بكر إذا رآه يسأل مرة في مرة عجزه كما إذا حل نجم في نجم عجزه فاعتبر المخالفة في مرتين كحلول نجمين وإنما صح الشرط لقول عليه الصلاة والسلام (المسلمون على شروطهم) ولأن له في هذا فائدة وغرضاً صحيحاً وهو أن

(12/369)


لا يكون كلاً على الناس ولا يطعمه من صدقتهم وأوساخهم وذكر أبو الخطاب أنه لا يصح الشرط لأن الله تعالى جعل للمكاتب سهما عن الصدقة بقوله تعالى (وفي الرقاب) وهم المكاتبون فلا يصح اشتراط ترك طلب ما جعل الله له.
(مسألة) (وله الإنفاق على نفسه وولده ورقيقه وكل ما فيه صلاح المال) .
لأن له التصرف في المال بما يعود بمصلحته ومصلحة ماله والإنفاق على نفسه وولده ورقيقه من أهم المصالح فينفق عليهم ما يحتاجون إليه من مأكلهم ومشربهم وكسوتهم بالمعروف مما لا غنى لهم عنه والحيوان الذي له وله تأديب عبيده وتعزيرهم إذا فعلوا ما يستحقون ذلك لأنه من مصلحة ملكه فملكه كالنفقة عليهم ولا يملك إقامة الحد عليهم لأنه موضع ولاية وما هو من أهلها وله أن يختنهم لأنه من مصلحتهم وله المطالبة بالشفعة والأخذ بها لأنه نوع شراء فإن كان المشتري للشقص سيده
فله أخذه منه لأن له أن يشتري منه وإن اشترى المكاتب شقصاً لسيده فيه شركة فله أخذه من المكاتب بالشفعة لأنه مع سيده في باب البيع والشراء كالأجنبي وإن وجبت للسيد على مكاتبه شفعة فادعى المكاتب أن سيده عفا عنها سمعت دعواه وإن انكره السيد كان عليه اليمين وإن أذن السيد لمكاتبه في البيع بالمحاباة صح منه وكان لسيده الأخذ بالشفعة، لأن بيعه بالمحاباة مع سيده فيه صحيح ويصح إقرار المكاتب بالبيع والشراء والعيب والدين لأنه يصح تصرفه فيه بذلك ومن ملك شيئاً ملك الإقرار به.

(12/370)


(مسألة) (وليس له أن يتزوج ولا يتسرى ولا يتبرع ولا يقرض ولا يحابي ولا يقتص من عبده الجاني على بعض رقيقه ولا يعتق ولا يكاتب إلا بإذن سيده) .
وجملة ذلك أن المكاتب ليس له أن يتزوج إلا بإذن سيده، وهو قول الحسن ومالك والليث وابي حنيفة والشافعي وأبي يوسف، وقال الحسن بن صالح له ذلك، لأنه عقد معاوضة أشبه البيع.
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه فهو عاهر) ولأن على السيد ضرراً لأنه إن عجز رجع عليه ناقص القيمة ويحتاج أن يؤدي المهر والنفقة من كسبه فيعجز عن أداء نجومه فيمنع من ذلك كالتبرع به فعلى هذا إذا تزوج لم يصح وقال الثوري نكاحه موقوف إن أدى تبينا أنه كان صحيحاً وإن عجز فنكاحه باطل.
ولنا الخبر ولأنه تصرف منع منه للضرر فلم يصح كالهبة.
إذا ثبت هذا فإنه يفرق بينهما ولا مهر لها إن كان قبل الدخول وإن كان بعده فعليه مهر المثل يؤدى من كسبه كجنايته فإن أتت بولد لحقه نسبه لأنه من وطئ في نكاح فاسد فإن كانت المرأة حرة فهو حر وإن كانت أمة فهو رقيق لسيدها، فإن أذن له سيده في النكاح صح في قول الجميع فإن الخبر يدل بمفهومه على أنه يصح إذا أذن له لأن المنع من نكاحه لحق السيد فإذا أذن فيه زال المانع وقياساً على ما إذا اذن لعبده القن.

(12/371)


(فصل) وليس له التسري بغير إذن سيده لأن ملكه ناقص.
وقال الزهري لا ينبغي لأهله أن يمنعوه من التسري.
ولنا أن على السيد فيه ضرراً فمنع منه كالتزويج وبيان الضرر أنه ربما أحبلها والحمل عيب في بنات آدم وربما تلفت وربما ولدت فصارت أم ولد يمتنع عليه بيعها في أداء كتابته فإن عجز رجعت إلى سيده ناقصة وإذا منع من التزويج لضرره فهذا أولى فإن أذن له سيده جاز وقال الشافعي لا يجوز في أحد القولين لأنه أمر يضر به وربما أفضى إلى منعه من العتق فلم يجز بإذن السيد.
ولنا أنه لو أذن لعبده القن في التسري جاز فللكاتب أولى ولأن المنع كان لأجل الضرر بالسيد فجاز بإذنه كالتزويج إذا ثبت هذا فإنه إن تسري بإذن سيده أو غير إذنه فلا حد عليه لشبهة الملك ولا مهر عليه لأنه لو وجب لوجب له ولا يجب على الإنسان شئ لنفسه فإن ولدت فالنسب لاحق به لأن الحد إذا سقط للشبهة لحقه النسب ويكون الولد مملوكاً له لأنه ابن أمته ولا يعتق عليه لأن ملكه غير تام وليس له بيعه لأنه ولده ويكون موقوفاً على كتابته فإن أدى عتق وعتق الولد لأنه ملك لأبيه الحر وإن عجز وعاد إلى الرق فولده رقيق أيضاً ويكونان مملوكين للسيد (فصل وليس له أن يزوج عبيده وإماءه بغير إذن سيده وهذا قول الشافعي وابن المنذر وذكر عن مالك أن له ذلك إذا كان على وجه النظر لأنه عقد على منفعه فملكه كالإجارة وحكي

(12/372)


عن القاضي أنه في الخصال له تزويج الأمة دون العبد لأنه يأخذ عوضاً عن تزويجها بخلاف العبد ولأنه عقد على منافعها أشبه إجارتها ولنا أن على السيد فيه ضرراً لأنه إن زوج العبد لزمته نفقة امرأته ومهرها وشغله بحقوق النكاح ونقص قيمته وإن زوج الأمة ملك الزوج بضعها ونقصت قيمتها وقلت الرغبات فيها وربما امتنع بيعها بالكلية وليس ذلك من جهات المكاسب فربما أعجزه ذلك عن أداء نجومه وإن عجز عاد رقيقاً للسيد مع ما تعلق بهم من الحقوق ولحقهم من النقص وفارق الإجارة فإنها من جهات المكاسب عادة فعلى
هذا إن وجب تزويجهم لطلبهم ذلك وحاجتهم إليه باعهم فإن العبد متى طلب التزويج حين سيده بين بيعه وتزويجه وإن أذن السيد في ذلك جاز لأن الحق له والمنع منه (فصل) وليس له استهلاك ماله ولا هبته وبه قال الحسن ومالك والثوري والشافعي والثوري وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه خلافاً لأن حق سيده لم ينقطع عنه لأنه قد يعجز فيعود إليه ولأن القصد من الكتابة تحصيل العتق بالأداء وهبة ماله تفوت ذلك وتجوز بإذن سيده وقال أبو حنيفة لا تجوز لأنه يفوت المقصود بالكتابة وعن الشافعي كالمذهبين ولنا أن الحق لا يخرج عنهما فجاز باتفاقهما كالراهن والمرتهن ولا تصح الهبة بالثواب وقال الشافعي في أحد قوليه تصح لأن فيها معاوضة

(12/373)


ولنا أن الاختلاف في تقدير الثواب يوجب الغرر ولأن عوضها يتأخر فهو كالبيع نسيئة وإن أذن السيد فيها جازت ولذلك إن وهب لسيده أو لابن سيده الصغير جاز لأن قبوله للهبة إذن فيها وليس له أن بحابي في البيع ولا يزيد في الثمن الذي اشترى به لأنه اتلاف للمال على سيده فأشبه الهبة ولا يجوز له أن يعير دابته ولا يهدي هدية وأجاز ذلك أصحاب الرأي ويحتمل جواز اعارة دابته وهدية المأكول ودعائه إليه كالمأذون له لأن المكاتب لا ينحط عن درجته ووجه الأول أنه تبرع بماله فلم يجز كالهبة وليس له أن يوصي بماله ولا يحط عن المشتري شيئاً ولا يقرض لأنه يعرضه للاتلاف ولا يضمن ولا يتكفل با؟؟ وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي لأن ذلك تبرع بماله فهو كالهبة ولا يقتص من عبده الجاني على بعض رقيقه ذكره أبو بكر لأن فيه اتلاف المال على سيده وقال القاضي له أن يقتص من الجناة عليه وعلى رقيقه ويأخذ الأرش لأن فيه مصلحته (فصل) ولا يعتق رقيقه إلا بإذن سيده وبه قال الحسن والاوزاعي ومالك والشافعي وأبو حنيفة لأن فيه ضرراً على سيده بتفويت ماله فيما لا يحصل له به مال أشبه الهبة فإن أعتق لم يصح إعتاقه ويتخرج أن يصح ويقف على إذن سيده وقال أبو بكر هو موقوف على آخر أمر المكاتب فإن أدى عتق معتقه وإن لم يؤد رق قال القاضي هذا قياس المذهب كقولنا في ذوي الأرحام إنهم موقوفون
ولنا أنه تبرع بماله بغير إذن سيده فكان باطلا كالهبة ولأنه تصرف تصرفا منع منه لحق سيده

(12/374)


فكان باطلاً كسائر ما منع منه ولا يصح قياسه على ذوي أرحامه لأن عتقهم ليس بتصرف منه وإنما يعتقهم الشرع على مالكهم بملكهم والمكاتب ملكه ناقص فلم يتقوا به فإذا عتق كمل ملكه فعتقوا حينئذ والمعتق إنما يعتق بالإعتاق الذي كان باطلاً فلا تتبين صحته إذا كمل الملك لأن كمال الملك في في الثاني لا يوجب كونه كاملاً حين الإعتاق ولذلك لا يصح سائر تبرعاته بأدائه فإن أذن فيه سيده صح وقال الشافعي في أحد قوليه لا يصح لأن تبرعه بماله يفوت المقصود من كتابته وهو العتق الذي هو حق لله تعالى أو فيه حق له فلا يجوز تفويته ولأن العتق لا ينفك من الولاء وليس من أهله ولأن ملك المكاتب ناقص والسيد لا يملك إعتاق ما في يده ولا هبته فلم يصح إذنه فيه ولنا أن الحق لا يخرج عنهما فإذا اتفقا على التبرع به جاز كالراهن والمرتهن وما ذكروه يبطل بالنكاح فإنه لا يملكه ولا يملكه السيد عليه وإذا أذن فيه جاز وأما الولاء فإنه يكون موقوفاً فإن عتق المكاتب لان له وإلا فهو لسيده كما يرق مماليكه من ذوي أرحامه هذا قول القاضي وقال أبو بكر يكون لسيده كان إعتاقه إنما صح بإذن سيده فكان كنائبه (فصل) قال شيخنا وليس له أن يحج إذا احتاج إلى انفاق ماله فيه وذكر في كتاب الاعتكاف أن له أن يحج بغير إذن سيده لأنه كالحر المدين ونقل الميموني عن أحمد للمكاتب أن يحج من المال الذي جمعه إذا لم يأت نجمه قال شيخنا وذلك محمول على أنه يحج بإذن سيده أما بغير إذنه فلا يجوز

(12/375)


لأنه تبرع بما ينفق ماله فيه فلم يجز كالعتق فأما إن أمكنه الحج من غير انفاق ماله كالذي يتبرع له إنسان باحجاجه أو يخدم من ينفق عليه فيجوز إذا لم يأت نجمه لأن هذا يجري مجرى تركه المكسب وليس ذلك مما يمنع منه (فصل) وليس للمكاتب أن يكاتب إلا بإذن سيده وهذا قول الحسن والشافعي لأن الكتابة نوع إعتاق فلم تجز من المكاتب كالمنجر ولأنه لا يملك الإعتاق فلم يملك الكتابة كالمأذون واختيار
القاضي جواز الكتابة وهو الذي ذكره أبو الخطاب في رءوس المسائل وهو قول مالك وابي حنيفة والثوري والاوزاعي لأنه نوع معاوضة فأشبه البيع وقال أبو بكر هو موقوف كقوله في العتق المنجز فإن أذن فيها السيد صحت، وقال الشافعي فيها قولان وقد ذكرنا ذلك فيما تقدم (مسألة) (وولاء من يعتقه ويكاتبه لسيده) إذا كاتب عبده فعجزا جميعاً صارا رقيقين للسيد وإن أدى المكاتب الأول ثم أدى الثاني فولاء كل واحد منهما لمكاتبه وإن أدى الأول وعجز الثاني صار رقيقاً للأول وإن عجز الأول وأدى الثاني فولاؤه للسيد الأول وإن أدى الثاني قبل عتق الأول عتق قال أبو بكر وولاؤه للسيد وهو قول أبي حنيفة لأن العتق لا ينفك عن الولاء والولاء لا يوقف لأنه سبب يورث به فهو كالنسب

(12/376)


ولأن الميراث لا يقف كذلك سببه، وقال القاضي هو موقوف إن أدى عتق والولاء له وإلا فهو للسيد، وهذا أحد قولي الشافعي لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الولاء لمن اعتق) ولأن العبد ليس بملك له ولا يجوز أن يثبت له الولاء على من لم يعتق في ملكه وقولهم لا يجوز أن يقف كما لو يقف النسب والميراث ليس كذلك فإن النسب يقف على بلوغ الغلام وانتسابه إذا لم تلحقه القافة بأحد الواطئين وكذلك الميراث يوقف على أن الفرق بين النسب والميراث وبين الولاء أن الولاء يجوز أن يقع لشخص ثم ينتقل وهو ما يجره مولى الأب من مولى الأم فجاز أن يكون موقوفاً والنسب والميراث بخلاف ذلك فإن مات المعتق قبل عتق المكاتب وقلنا الولاء للسيد ورثه، وإن قلنا هو موقوف فميراثه أيضاً موقوف.
(مسألة) (وليس له أن يبيع نسيئة وان باعا لسلعة بأضعاف قيمتها وهذا مذهب الشافعي) لأن فيه تغريراً بالمال وهو ممنوع منه لتعلق حق السيد به.
قال القاضي ويتخرج الجواز بناء على المضارب أن له البيع نسيئة في إحدى الروايتين فيخرج ههنا مثله وسواء أخذ ضميناً أو رهيناً أو لم يأخذ لأن الغرر باق لأنه يحتمل أن يتلف الرهن ويفلس الغريم والضمين، ويحتمل أن يجوز مع الرهن والضمين لأن الوثيقة قد حصلت به والعوارض نادرة على خلاف الأصل فإن باع

(12/377)


بأكثر من قيمته حالاً وجعل الزيادة مؤجلة جاز لأن الزيادة ربح وإن اشترى نسيئة جاز لأنه لا غرر فيه ولا يجوز أن يدفع به رهناً لأن الرهن أمانة وقد يتلف أو يجحده الغريم وليس له أن يدفع ماله سلما لأنه في معنى البيع نسيئة وله أن يستسلف في ذمته لأنه في معنى الشراء نسيئة وله أن يقترض لانه ينتفع بالمال وليس له أن يدفع ماله مضاربة لأنه يسلمه إلى غيره فيغرر به وفي الرهن والمضاربة وجه آخر أنه لا يجوز وله أن يأخذ قراضاً لأنه من أنواع الكسب ومذهب الشافعي في هذا الفصل كله على ما ذكرنا (مسألة) (ولا يكفر بالمال وعنه له ذلك بإذن سيده) إذا لزمت المكاتب كفارة ظاهر أو جماع في رمضان أو قتل أو كفارة يمين لم يكن له التكفير بالمال لأنه عبد ولأنه في حكم المعسر بدليل أنه لا تلزمه زكاة ولا نفقة قريب وله أخذ الزكاة لحاجته وكفارة العبد والمعسر الصيام وإن أذن له سيده في التكفير بالمال جاز لأنه بمنزلة التبرع ولأن المنع لحقه وقد أذن فيه ولا يلزمه التكفير بالمال وإن أذن فيه السيد لأن عليه ضرراً لما يفضي إليه من تفويت حريته كما أن التبرع لا يلزمه بإذن سيده وقال القاضي المكاتب كالعبد القن في التكفير ومتى أذن له سيده في التكفير بالمال انبنى على ملك العبد بالتمليك فإن قلنا لا يملك لم يصح تكفيره بغير الصيام سواء أذن فيه أو لم يأذن لأنه يكفر بما ليس بمملوك له وإن قلنا يملك بالتمليك صح تكفيره بالإطعام إذا أذن فيه السيد وأن أذن

(12/378)


له في تكفير بالعتق فهل يصح؟ على روايتين نذكرهما في تكفير العبد إن شاء الله تعالى قال شيخنا والصحيح أن هذا التفصيل لا يتوجه في المكاتب لأنه يملك المال بغير خلاف وإنما ملكه ناقص لتعلق حق سيده به فإذا أذن له سيده فيه صح كالتبرع (مسألة) (وهل له أن برهن أو يضارب؟ يحتمل وجهين) (أحدهما) لا يجوز لأن في دفع ماله إلى غيره تغريراً به وفي الرهن خطر لأنه قد يتلف أو يجحده الغريم وهذا مذهب الشافعي (والثاني) يجوز لأنه قد يرى الحظ فيه بدليل أن لولي اليتيم أن يفعله
في مال اليتيم فجاز كاجارته (مسألة) (وليس له شراء ذوي رحمه إلا بإذن سيده) لأنه تصرف يؤدي إلى إتلاف ماله لأنه يخرج من ماله ما يجوز التصرف فيه في مقابلة ما لا يجوز له التصرف فيه أشبه الهبة وهذا قول الشافعي وقال القاضي له ذلك وهو قول الثوري واسحاق وأصحاب الرأي لأنه اشترى مملوكاً لا ضرر على السيد في شرائه فصح كالأجنبي وبيانه أنه يأخذ كسبهم وإن عجز صاروا رقيقاً لسيده ولأنه يصح أن يشتريه غيره فصح شراؤه له كالأجنبي ويفارق الهبة لأنها تفوت المال بغير عوض ولا نفع يرجع إلى الكاتب ولاء السيد ولأن السبب تحقق وهو صدور التصرف من أهله في محله ولم يتحقق المانع لأن ما ذكروه لا نص فيه ولا له أصل يقاس عليه فإن أذن

(12/379)


فيه سيده جاز وهو قول مالك لأن المنع لحق سيده فجاز بإذنه وهو قول بعض أصحاب الشافعي وقال بعضهم فيه قولان (مسألة) (وله أن يقبلهم إذا وهبوا له أو وصي له بهم) لأنه إذا ملك شراءهم مع ما فيه من بذل ماله فلأن يجوز بغير عوض أولى وعند من لا يرى جواز شرائهم بغير إذن السيد لا يجوز قبولهم إلا إذا لم يكن فيه ضرر بماله كما قالوا في ولي اليتيم إذا وصى لليتيم بمن يعتق عليه (مسألة) (وإذا ملكهم فليس لهم بيعهم ولا هبتهم ولا إخراجهم عن ملكه) وقال أصحاب الرأي له بيع من عدا الوالدين والمولودين لأنهم ليست قرابتهم قرابة جزئية ولا بعضية فأشبهوا الأجانب ولنا أنه ذو رحم يعتق عليه إذاعته فلا يجوز بيعه كالوالدين والمولودين ولأنه لا يملك بيعهم إذا كان حراً فلا يملكه مكاتباً كوالديه (فصل) ولا يعتقون بمجرد ملكه لهم لأنه لو باشرهم بالعتق أو أعتق غيرهم لم يقع العتق فلأن لا يقع بالشراء الذي أقيم مقامه أولى ومتى أدى وهم في ملكه عتقوا لأنه كمل ملكه فيهم وزال تعلق
حق سيده عنهم فعتقوا حينئذ وولاؤهم له دون سيده لأنهم عتقوا عليه بعد زوال ملكه سيده عنه

(12/380)


فصاروا بمنزلة ما لو اشتراهم بعد عتقه وإن عجز ورد في الرق صاروا عبيداً للسيد لأنهم من ماله فيصيرون للسيد بعجزه كعبيده الأجانب وله كسبهم لأنهم مماليكه أشبه الأجانب ونفقتهم عليه بحكم الملك لا بحكم القرابة وكذلك الحكم في ولده من أمته قياساً عليهم (فصل) فإن أعتقهم السيد لم يعتقوا لأنه لا يملكهم فلم يملك التصرف فيهم، وإن أعتقهم المكاتب بغير إذن سيده لم يعتقوا لتعلق حق سيده بهم وإن أعتقهم بإذنه عتقوا كما لو أعتق غيرهم من عبيده وإن اعتقه سيده عتق وصاروا رقيقاً للسيد كما لو عجز لأن كتابته تبطل بعتقه كما تبطل بموته وعلى ما اختاره شيخنا يعتقون لأنه عتق قبل فسخ الكتابة فوجب أن يعتقوا كما لو عتق بالإبراء من مال الكتابة أو بأدائه يحقق هذا أن الكتابة عقد لازم يستفيد بها المكاتب ملك رقيقه واكسابه ويبقى حقه السيد في ملك رقبته على وجه لا يزول إلا بالإداء أو ما يقوم مقامه فلا يتسلط السيد على إبطالها فيما يرجع إلى إبطال حق المكاتب وإنما يتسلط على إبطال حقه من رقبة المكاتب فينفذ في ماله دون مال الكاتب وقد ذكرنا مثل هذا فيما مضى وإن مات المكاتب ولم يخلف وفاء عادوا رقيقاً وقال أبو يوسف ومحمد يسعون في الكتابة على نجومها وكذلك ام وولده وقال أبو حنيفة في

(12/381)


الولد خاصة إن جاء بالكتابة حالة قبلت منه وعتق ولنا أنه عبد للمكاتب فصار بموته لسيده إذا لم يخلف وفاء كالأجنبي وإن خلف وفاء انبنى على الروايتين في فسخ الكتابة على ما تقدم (مسألة) (وولد المكاتبة الذي ولدته في الكتابة يتبعها) تصح كتابة الأمة كما تصح كتابة العبد بغير خلاف وقد دل عليه حديث بريرة وحديث جويرة بنت الحارث ولأنها داخلة في عموم قوله تعالى (والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً) فإذا أتت المكاتبة بولد من غير سيدها من نكاح أو غيره
فهو تابع لها فإن عتقت بالأداء أو بالإبراء عتق وإن فسخت كتابتها وعادت إلى الرق عاد رقيقا قنا وهذا قول شريح ومالك والثوري وأبي حنيفة وإسحاق وسواء في هذا ما كان حملاً حال الكتابة أو حدث بعدها وقال أبو ثور وابن المنذر هو عبد قن لا يتبع أمه وللشافعي قولان كالمذهبين واحتجوا بأن الكتابة غير لازمة من جهة العبد فلا تسري إلى الولد كالتعليق بالصفة ولنا أن الكتابة سبب ثابت للعتق لا يجوز إبطاله فسرى إلى الولد كالاستيلاد ويفارق التعليق بالصفة فإن السيد يملك إبطاله بالبيع إذا ثبت هذا فالكلام في الولد في فصول أربعة في قيمته إذا تلف وفي كسبه وفي نفقته وفي

(12/382)


عتقه، أما قيمته إذا تلف فقال أبو بكر هي لأمه تستعين بها على كتابتها لأن السيد لا يملك التصرف فيه مع كونه عبداً فلا يستحق قيمته لانه بمنزلة جزء منها ولو جنى على جزء منها كان أرشه لها كذلك ولدها وإذا لم يستحقها هو كانت لأمه لأن الحق لا يخرج عنهما ولأن ولدها لو ملكته بهبة أو شراء فقتل كانت قيمته لها فكذلك إذا تبعها يحققه أنه إذا تبعها صار حكمه حكمها فلا يثبت ملك السيد في منافعه ولا في أروش الجناية عليه كما لا يثبت له ذلك فيها وقال الشافعي في أحد قوليه تكون القيمة لسيدها لانها لو قتلت كانت قيمتها لسيدها فكذلك ولدها والفرق بينهما أن الكتابة تبطل بقتلها فيصير مالها لسيدها بخلاف ولدها فإن العقد باق بعد قتله فنظير هذا إتلاف بعض أعضائها والحكم في إتلاف بعض أعضائه كالحكم في إتلافه، وأما كسبه وأرش الجناية عليه فينبغي أن يكون لامه أيضاً لأن ولدها جزء منها تابع لها فأشبه بقية أجزائها ولأن أداءها لكتابتها سبب لعتقه وحصول الحرية له فينبغي أن يصرف ذلك فيه بمنزلة صرفه إليه إذ في عجزها رقه وفوات كسبه عليه، وأما نفقته فعلى أمه لأنها تابعة لكسبه وكسبه لها ونفقته عليها وأما عتقه فإنه يعتق بأدائها أو إبرائها ويرق بعجزها لأنه تابع لها وإن ماتت المكاتبة في كتابتها بطلت كتابتها وعاد رقيقا قنا لا أن يخلف وفاء فيكون على الروايتين، وإن أعتقها سيدها لم يعتق ولدها لأنه إنما تبعها في حكم الكتابة وهو العتق بالأداء وما حصل الأداء إنما حصل عتقها بأمر لا يتبعها

(12/383)


فيه فأشبه ما لو لم تكن مكاتبة ومقتضى قول أصحابنا الذين قالوا تبطل كتابتها بعتقها أن يعود ولدها رقيقاً ومقتضى قول شيخنا أنه يبقى على حكم الكتابة ويعتق بالأداء لأن العقد لم يوجد ما يبطله وإنما سقط الأداء عنها لحصول الحرية بدونه فإذا لم يكن لها ولد يتبعها في الكتابة ولا في يدها مال يأخذه لم يظهر حكم بقاء العقد ولم يكن في بقائه فائدة فانتفى لانتفاء فائدته وفي مسئلتنا في بقائه فائدة لإفضائه إلى عتق ولدها فينبغي أن يبقى ويحتمل أن يعتق بإعتاقها لأنه جرى مجرى ابرائها من المال والحكم فيما إذا عتقت باستيلاد أو تدبير أو تعليق بصفة كالحكم فيما إذا أعتقها لأنها عتقت بغير الكتابة وإن أعتق السيد الولد دونها صح عتقه نص عليه أحمد في رواية مهنا لأنه مملوك له فصح عتقه كأمه ولأنه لو أعتقه معها صح عتقه ومن صح عتقه مع غيره صح مفرداً كسائر مماليكه.
قال القاضي: وقد كان يجب أن لا ينفذ عتقه لأن فيه ضرراً بأمه لتفويت كسبه عليها فإنها كانت تسعين به في كتابتها ولعل أحمد نفذ عتقه تغليباً للعتق والحصيح أنه يعتق وما ذكره القاضي من الضرر لا يصح لوجوه (أحدها) أن الضرر إنما يحصل في حق من له كسب يفضل عن نفقته فأما من لا كسب له فتخليصها من نفقته نفع محض ومن له كسب لا يفضل عن نفقته فلا ضرر في اعتاقه لأنه لا يفضل لها من كسبه شئ تنتفع به فكان ينبغي أن يقيد الحكم الذي ذكره بهذا القيد (الثاني) أن النفع بكسبه ليس بواجب لها لأنها لا تملك إجباره على الكسب فلم يكن الضرر بفواته معتبراً في حقها

(12/384)


(الثالث) أن مطلق الضرر لا يكفي في منع العتق الذي يحقق مقتضيه ما لم يكن له أصل يشهد له بالاعتبار ولم يذكر له أصلاً ثم هو ملغي بعتق المفلس والراهن وسراية العتق إلى ملك الشريك فإنه يعتق مع وجود الضرر بتفويت الحق اللازم فهذا أولى.
(فصل) فأما ولد ولدها فإن ولد ابنها حكمه حكم أمه لأن ولد المكاتب لا يتبعه وأما ولد بنتها فهو كبنتها وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا تسري الكتابة إليه لأن السراية إنما تكون مع الاتصال
وهذا ولد منفصل فلا يسري إليه بدليل أن أم الولد قبل أن يستولدها لا يسري إليه الاستيلاد وهذا الولد اتصل بأمه دون جدته ولنا أن ابنتها ثبت لها حكمها تبعاً فيجب أن يثبت لابنتها حكمها تبعاً كما ثبت لها حكم أمها ولأن البنت تبعت أمها فيجب أن يتبعها ولدها لأن علة اتباعها لأمها موجودة في ولدها ولأن البنت تعلق بها حق العتق فيجب أن يسري إلى ولدها كالمكاتبة وهذا الخلاف في ولد البنت التابعة لأمها في الكتابة فأما المولودة قبل الكتابة فلا تدخل في الكتابة فابنتها أولى (مسألة) (وإن أشترى زوجته صح وانفسخ نكاحها) يجوز للمكاتب شراء امرأته وللمكاتبة شراء زوجها لأن ذلك يجوز لغير المكاتب فجاز للمكاتب كشراء الأجانب وينفسخ النكاح بذلك وقال الشافعي لا ينفسخ لأن المكاتب لا يملك بدليل أنه لا يجوز له الشراء ولا يعتق والده وولده إذا اشتراه فأشبه العبد القن

(12/385)


ولنا أن المكاتب يملك ما اشتراه بدليل أنه تثبت له الشفعة على سيده ولسيده عليه ويجري الربا بينه وبينه وإنما منع لتسري لتعلق حق سيده بما في يده كما يمنع الراهن من الوطئ مع ثبوت ملكه ولذلك لم يعتق عليه ذوو رحمه وإذا اشترى أحدهما الآخر فله التصرف فيه لأنه أجنبي منه.
(مسألة) (وإن استولد أمته فهل تصير أم ولد يمتنع عليه بيعها؟ على وجهين) إذا استولد المكاتب أمته قبل عتقه وعجزه فإنها تصير أم ولد للمكاتب وليس له بيعها نص عليه أحمد لأن ولدها له حرمة الحرية ولا يجوز بيعه ويعتق بعتق أبيه وكذلك أمه فعلى هذا لا يجوز بيعها وتكون موقوفة مع المكاتب إن أعتق فهي أم ولده وإن رق رقت، وقال القاضي في موضع لا تصير أم ولد بحال وله بيعها لأنها حملت بمملوك في ملك غير تام وللشافعي قولان كهذين الوجهين (فصل) قال الشيخ رحمه الله (ولا يملك السيد شيئاً من كسبه ولا بيعه درهماً بدرهمين)
لا يملك شيئاً من كسب المكاتب لأنه اشترى نفسه من سيده ليملك ماله وكسبه ومنافعه فلا

(12/386)


يبقى ذلك لبائعه كسائر المبيعات ويجري الربا بينه وبين سيده لأنه معه في باب المعاوضة كالأجنبي وقال ابن أبي موسى لا ربا بينهما لأنه عبد في الأظهر من قوله ولا ربا بين العبد وسيده ولهذا جاز أن يعجل لسيده ويضع عنه بعض كتابته وله وطئ مكاتبته إذا شرط ولو حملت منه صارت له بذلك أم ولد، ووجه الأول أن السيد مع مكاتبه في باب المعاملة كالأجنبي بدليل أن لكل واحد منهما الشفعة على صاحبه ولا يملك كل واحد منهما التصرف فيما بيد صاحبه وإنما يتعلق لسيده حق فيما بيده لكونه بعرضية أن يعجزه فيعود إليه وهذا لا يمنع جريان الربا بينهما كالأب مع ابنه فعلى هذا القول لا يجوز التفاضل بينهما فيما يحرم التفاضل فيه بين الأجنبيين ولا النساء فيما يحرم فيه النساء بين الأجانب.
(فصل) فإن كان لكل واحد منهما على صاحبه دين مثل أن كان للسيد على مكاتبه دين من الكتابة أو غيرها وللمكاتب على سيده دين وكانا نقداً من جنس واحد حالين أو مؤجلين أجلاً واحداً تقاصا وتساقطا لأنهما إذا تساقطا بين الأجانب فمع السيد ومكاتبه أولى وإن كانا نقداً من جنسين كدراهم ودنانير فقال ابن أبي موسى لو كان له على سيده ألف درهم ولسيده على مائة دينار فجعلها قصاصاً بها جاز بخلاف الحرين.
وقال القاضي لا يجوز هذا لأنه بيع دين بدين وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الدين بالدين ولأنه

(12/387)


لا يجوز بين الأجنبيين فلم يجز بين المكاتب وسيده كسائر المحرمات وفارق العبد القن فإنه باق في تصرف سيده وما في يده ملك خالص لسيده أخذه والتصرف فيه فعلى هذا لا يجوز وإن تراضيا به وعلى قول ابن أبي موسى يجوز إذا تراضيا بذلك وتبايعاه ولا يثبت التقاص قبل تراضيهما به لأنه بيع فإن كانا عرضين او عرضا ونقداً لم تجز المقاصة فيهما بغير تراضيهما بحال سواء كان العوض من جنس حقه أو من غير جنسه وإن تراضيا بذلك لم يجز أيضاً لأنه بيع دين بدين وإن قبض أحدهما من الآخر
حقه ثم دفعه إلى الآخر عوضاً عن ماله في ذمته جاز إذا لم يكن الثابت في الذمة عن سلم فإن كان ثبت عن سلم لم يجز أخذ عوضه قبل قبضه وفي الجملة أن حكم المكاتب مع سيده في هذا حكم الأجانب إلا على قول ابن أبي موسى الذي ذكرناه.
(مسألة) وإن ججنى عليه فعليه أرش جنايته) إذا جنى السيد على مكاتبه فلا قصاص عليه لأمرين (أحدهما) أنه حر والمكاتب عبد (والثاني) أنه ملكه ولا يقتص من المالك لمملوكه ولكن يجب الأرش ولا يجب إلا باندمال الجرح لأنه قبل الاندمال لا تؤمن سرايته إلى نفسه فيسقط أرشه ومتى سرى الجرح إلى نفسه انفسخت الكتابة وكان كقتله فإذا ندمل الجرح وجب له أرشه حينئذ فإن كان من جنس مال الكتابة وقد حل عليه نجم تقاصا وإن كان من غير جنس مال الكتابة أو كان النجم لم يحل لم يتقاصا ولكل واحد

(12/388)


منهما مطالبة صاحبه بما يستحقه فإن رضي المكاتب بتعجيل الواجب له عما لم يحل من نجومه جاز إذا كان من جنس مال الكتابة (مسألة) وإن حبسه مدة فعليه أرفق الامرين به من إنظاره مثل تلك المدة أو أجرة مثله) إذا حبسه سيده فقد أساء ولا يحتسب عليه بمدته في أحد الوجوه (والثاني) يحتسب عليه بمدته لأن مال الكتابة دين مؤجل فيحتسب بمدة الحبس من الأجل كسائر الديون المؤجلة فعلى هذا الوجه يلزمه أجر مثله في المدة التي حبسه فيها والأول أصح لأن على سيده تمكينه من التصرف مدة كتابته فإذا حبسه مدة وجب عليه تأخيره مثل تلك المدة ليستوفي الواجب له ولأن حبسه يقضي إلى ابطال الكتابة وتفويت مقصودها ورد، إلى الرق ولأن عجزه عن أداء نجومه في محلها بسبب من سيده فلم يستحق به فسخ العقد كما لو منع البائع المشتري من أداء الثمن لم يستحق فسخ البيع لذلك ولو منعت المرأة زوجها من الإنفاق عليها لم تستحق فسخ العقد لذلك (والثالث) يلزم سيده أرفق الامرين به من إنظاره مثل تلك المدة أو أجرة مثله فيها لأنه وجد سببهما فكان للمكاتب أنفعهما.
(مسألة) (وليس له أن يطأ مكاتبته إلا أن يشترط) وطئ المكاتبة من غير شرط حرام في قول أكثر أهل العلم منهم سعيد بن المسيب والحسن والزهري

(12/389)


ومالك والليث والثوري والشافعي وأصاب الرأي وقيل له وطؤها في الوقت الذي لا يشغلها الوطئ عن السعي عما هي فيه لأنها ملك يمينه فتدخل في عموم قوله تعالى (أو ما ملكت أيمانهم) ولنا أن الكتابة عقد أزال ملك استخدامها وملك عوض منفعة بضعها فيما إذا وطئت بشبهة فأزال حل وطئها كالبيع والآية مخصوصة بالمزوجة فنقيس عليها محل النزاع ولأن الملك ههنا ضعيف لأنه قد زال عن منافعها جملة ولهذا لو وطئت بشبهة كان المهر لها وتفارق أم الولد فإن ملكه باق عليها وإنما يزول بموته فأشبهت المدبرة والموصى بها وإنما امتنع البيع لانها ستحقت العتق بموته استحقاقاً لازماً لا يمكن زواله.
(فصل) فإن شرط وطأها فله ذلك، وبه قال سعيد بن المسيب وقال سائر من ذكرنا ليس له وطؤها لأنه لا يملكه مع إطلاق العقد فلم يملكه بالشرط كما لو زوجها أو أعتقها، وقال الشافعي إذا شرط ذلك في عقد الكتابة فسد لأنه شرط فاسد فأفسد العقد كما لو شرط عوضاً فاسداً وقال مالك لا يفسد العقد به لأنه لا يخل بركن العقد ولا شرطه فلم يفسد كالصحيح.
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (المؤمنون عند شروطهم) ولأنها مملوكة له شرط نفعها فصح كشرط استخدامها.
يحقق هذا أن منعه من وطئها مع بقاء ملكه عليها ووجود المقتضي لحل وطئها انما كان لحقها فإذا اشترطه عليها جاز كالخدمة ولأنه استثنى بعض ما كان له فسح كاشتراط الخدمة وفارق البيع فإنه يزيل ملكه عنها.

(12/390)


(مسألة) (وإن وطئها من غير أن يشترط أو وطئ أمتها أدب ولم يبلغ به الحد) .
إذا وطئها من غير شرط لم يجب عليه الحد لشبهة الملك في قول عامة الفقهاء، وروي عن الحسن والزهري أنهما قالا عليه الحد لأنه عقد عليها عقد معاوضة يحرم الوطئ فأوجب
الحد بوطئها كالبيع.
ولنا أنها مملوكته فلم يجب عليه الحد بوطئها كالمرهونة والمستأجرة ويخالف البيع فإنه يزيل الملك والكتابة لا تزيله بدليل قوله عليه السلام (المكاتب عبد ما بقي عليه درهم) وعليه مهرها إذا وطئها بغير شرط، لأنه استوفى منفعتها الممنوع من استيفائها فأشبه منافع بدنها فإن كانا عالمين عزرا وإن كانا جاهلين عزرا وإن كان أحدهما عالماً والآخر جاهلاً عزر العالم وعزر الجاهل ولا تخرج بالوطئ عن الكتابة وقال الليث إن طاوعته فقد فسخت كتابتها وعادت قنا ولنا أنه عقد لازم عقد لازم فلم ينفسخ بالمطاوعة على الوطئ كالإجارة والبيع بعد لزومه ويجب لها المهر مطاوعة كانت أو مكرهة وبه قال الحسن والثوري والحسن بن صالح والشافعي وقال قتادة يجب إذا أكرهها ولا يجب إذا طاوعته ونقله المزني عن الشافعي لأن المطاوعة بذلت نفسها بغير عوض فصارت كالزانية ومنصوص الشافعي وجوبه في الحالين وأنكر أصحابه ما نقله المزني وقالوا لا يعرف وقال مالك لا شئ عليه لأنها ملكه

(12/391)


ولنا أنه عوض منفعتها فوجب لها كعوض بدنها ولأن المكاتبة في يد نفسها ومنافعها لها ولهذا لو وطئها أجنبي كان المهر لها وإنما وجب في حال المطاوعة لأن الحد سقط عنه للشبهة فوجب لها المهر كما لو وطئ امرأة بشبهة عقد مطاوعة، فإن تكرر وطؤها وكان قد ادى مهر الوطئ الأول فللثاني مهر أيضاً لأن الأداء قطع حكم الوطئ وإن لم يكن أدى عن الأول لم يجب إلا مهر واحد لأن هذا عن وطئ الشبهة فلم يجب إلا مهر واحد كالوطئ في النكاح الفاسد (فصل) فأما إن وطئها مع الشرط فلا حد عليه ولا مهر ولا تعزير لانه وطئ يملكه ويباح له فأشبه وطأها قبل كتابتها، وإذا وجب لها المهر بالوطئ فإن كان لم يحل عليها نجم فلها المطالبة وإن كان قد حل عليها وكان المهر من غير جنسه فلها المطالبة أيضاً به وإن كان من جنسه تقاصا وأخذ ذو الفضل فضله.
(مسألة) (فإن أولدها صارت أم ولد له سواء وطئها بشرط أو بغير شرط)
لأنه أحبلها بحر في ملكه فكانت أم ولد كغير المكاتبة والولد حر لأنه ولده من مملوكته ويلحقه نسبه لذلك ولانه من وطئ سقط فيه الحد للشبهة فأشبه ولد المغرور ولا تلزمه قيمته لأنها وضعته في ملكه

(12/392)


(فصل) وليس له وطئ بنت مكاتبته لأنها تابعة لها موقوفة معها فلم يبح وطؤها كأمها ولا يباح ذلك بالشرط لأن حكم الكتابة ثبت فيها تبعاً ولم يكن وطؤها مباحاً حال العقد فيشترط فإن وطئها فلا حد عليه ويأثم ويعزر لأنه وطئ وطئها محرماً ولها المهر حكمه حكم كسبها يكون لامها تسعتين به في كتابتها لأن ذلك سبب حريتها فإن أحبلها صارت أم ولد له والولد حر لأنه أحبلها بحر في ملكه ويلحقه نسبه ولا تجب عليها قيمتها لأن أمها لا تملكها ولا قيمة ولدها لأنها وضعته في ملكه (فصل) وليس له وطئ جارية مكاتبة ولا مكاتبته اتفاقاً فإن فعل أثم وعزر ولا حد عليه لشبهة الملك لأنه يملك مالكها وعليه مهرها لسيدها وولده منها حر يلحقه نسبه لأن الحد سقط لشبهة الملك وتصير أم ولد له وعليه قيمتها لسيدها لأنه أخرجها بوطئه عن ملكه ولا تجب عليه قيمة الولد لأنها وضعته في ملكه ويحتمل أن تلزمه قيمته لأنه أخرجه بوطئه عن أن يكون مملوكاً لسيدها فأشبه ولد المغرور (فصل) ولا يملك السيد إجبار مكاتبته ولا ابنتها ولا أمتها على التزويج لأنه زال ملكه بعقد الكتابة عن نفعها ونفع بعضها وعن عوضه وليس لواحدة منهن التزويج بغير إذنه لأن عليه ضرراً في ذلك فإنه يثبت حقاً للزوج فيها فربما عجزت وعادت إليه على وجه لا يملك وطأها فإن تراضيا بذلك

(12/393)


جاز لأن الحق لا يخرج عنهما وهو وليها وولي ابنتها وجاريتها جميعاً لأن الملك له فأشبه الجارية القن والمهر للمكاتبة على ما ذكرنا في مهرهن إذا وطئهن السيد (مسألة) (فإن أدت عتقت وإن مات سيدها قبل أدائها عتقت وسقط ما بقي من كتابتها وما في يدها لها إلا أن يكون بعد عجزها وقال أصحابنا هو لورثة سيدها وكذلك الحكم فيما إذا
أعتق المكاتب سيده) قذ ذكرنا أن السيد إذا استولد مكاتبته صارت أم ولد له والولد حر ونسبه لاحق به ولا تبطل كتابتها بذلك لأنها عقد لازم من جهة سيدها وقد اجتمع لها سببان يقتضيان العتق أيهما سبق صاحبه ثبت حكمه هذا قول الزهري ومالك والليث والثوري والشافعي وأصحاب الرأي وابن المنذر وقال الحاكم تبطل كتابتها لأنها سبب للعتق فتبطل بالاستيلاد كالتدبير ولنا أنها عقد معاوضة فلا تبطل بالوطئ كالبيع ولأنها سبب للعتق لا يملك السيد الرجوع عنه فلم يبطل بذلك كالتعليق بصفة وما ذكره يبطل بالتعليق بالصفة وتفارق الكتابة التدبير من وجوه (أحدها) أن حكم التديبر والاستيلاد واحد وهو العتق عقيب الموت والاستيلاد أقوى لأنه يعتبر من رأس المال ولا سبيل إلى إبطاله بحال فاستغنى به عن التدبير والكتابة سبب يتعجل به العتق بالأداء ويكون ما فضل من كسبها لها وتملك بها منافعها وكسبها وتخرج عن تصرف سيدها وهذا لا يحصل بالاستيلاد فيجب أن تبقى لبقاء فائدتها

(12/394)


(الثاني) أن الكتابة أقوى من التدبير للزومها وكونها لا تبطل بالرجوع عنها ولا بيع المكاتب ولا هبته (الثالث) أن التدبير تبرع والكتابة عقد معاوضة لازم.
إذا ثبت هذا فإنه يجتمع لها سببان كل واحد منهما يقتضي الحرية فأيهما تم قبل صاحبه ثبتت الحرية به كما لو انفرد لأن انضمام أحدهما إلى الآخر مع كونه لا ينافيه لا يمنع ثبوت حكمه فان ادت عتق بالكتابة وما فضل من كسبها فهو لها لأن المعتق بالكتابة له ما فضل من نجومه وإن عجزت وردت في الرق بطل حكم الكتابة وبقي لها حكم الاستيلاد منفرداً كما لو لم تكن مكاتبة وله وطؤها وتزويجها وإجارتها وتعتق بموته وما في يدها لورثة سيدها فإن مات سيدها قبل عجزها عتقت بأنها أم ولد وسقطت الكتابة لأن الحرية حصلت فسقط العوض المبذول في تحصيلها كما لو باشرها سيدها بالعتق وما في يدها لورثة سيدها في قول الخرقي وأبي الخطاب لأنها عتقت بحكم الاستيلاد فبطل حكم الكتابة فأشبهت غير المكاتبة
وقال القاضي في المجرد وابن عقيل في الفصول ما فضل في يدها لها وهو قول الشافعي لأن العتق إذا وقع في الكتابة لا يبطل حكمها كالإبراء من مال الكتابة ولأن ملكها كان ثابتاً على ما في يدها ولم يحدث إلا ما يزيل حق سيدها عنها فيقتضي زوال حقه عما في يدها يدها وتقرير ملكها وخلوصه لها كما اقتضى ذلك في نفسها وهذا أصح

(12/395)


(مسألة) (وكذلك الحكم فيما إذا أعتق المكاتب سيده يكون كسبه له في قول القاضي ومن وافقه، وعلى قياس قول الخرقي ومن وافقه يكون لسيده كما لو عتقت الأمة المكاتبة ويحتمل أن يكون لسيدها أيضاً على قول الخرقي ومن وافقه لأن السيد أعتقه برضاه فيكون رضا منه بإعطائه ماله بخلاف العتق بالاستيلاد فإنه حصل بغير رضا الورثة واختيارهم ولأنه لو كان مال المكاتب يصير إلى السيد اعتاقه لتمكن السيد من أخذ مال المكاتب متى شاء فمتى كان له غرض في أخذ ماله إما لكونه يفضل عن نجوم الكتابة وإما الغرض له في بعض أعيان ماله أو لكونه يتعجله قبل أن تحل نجوم الكتابة أعتق وأخذ ماله وهذا ضرر على المكاتب لم يرد الشرع به ولا يقتضيه عقد الكتابة فوجب أن لا يشرع (فصل) وإن أتت المكاتبة بولد من غير سيدها بعد استيلادها فله حكمها بالعتق بكل واحد من السببين أيهما سبق عتق به كالأم سواء لأنه تابع لها فيثبت له ما ثبت لها وإن ماتت المكاتبة بقي للولد سبب الاستيلاد وحده فإن اختلفا في ولدها فقالت ولدته بعد كتابتي أو بعد ولادتي وقال السيد بل قبله فقال أبو بكر القول قول السيد مع يمينه وهذا قول الشافعي لأن الاصل كون الأمة وولدها رقيقاً لسيدها له التصرف فيهما وهو يدعي ما يمنع التصرف ثم، وإن زوج مكاتبه أمته ثم باعها منه واختلفا في ولدها فقال السيد هو لي لأنها ولدته قبل بيعها لك وقال المكاتب بل بعده فالقول قول المكاتب لأنهما اختلفا في ملكه ويد المكاتبة عليه فكان القول قول صاحب اليد مع يمينه كسائر الاموال ويفارق ولد المكاتب لأنها لا تدعي ملكه

(12/396)


(فصل) وإن كاتب اثنان جاريتهما ثم وطئها أحدهما أدب فوق أدب الواطئ المكاتبة الخالصة
له لان الوطئ ههنا حرم من وجهين الشركة والكتابة فهو آكد وإثمه أعظم وعليه لها مهر مثلها على ما أسلفناه فيما إذا كان السيد واحداً فان لم يكن حل نجم قبضت المهر فإذا حل نجمها سلمته إليهما وإن حل نجمها وهو من جنس مال الكتابة وكان في يدها بقدره دفعته إلى الذي لم يطأها واحتسب على الواطئ بالمهر وإن لم يكن في يدها شئ وكان بقدر نجمها أو دونه أخذت من الواطئ نصفه وسلمته إلى الآخر وإن لم يكن من جنس مال الكتابة فاتفقا على أخذه عوضاً عن مال الكتابة فالحكم فيه كما لو كان من جنسها وإن لم يتفقا قبضت ودفعت ما عليها من مال الكتابة من عوضه أو غيره وإن عجرت ففسخا الكتابة وكان في يدها بقدر المهر أخذه الذي لم يطأ وسقط المهر من ذمة الواطئ وإن لم يكن في يدها شئ كان للذي لم يطأ أن يرجع على الواطئ بنصفه لأنه وطئ جارية مشتركة بينهما فإن حبلت منه صارت أم ولد له وعليه نصف قيمتها لشريكه مع نصف المهر الواجب لها موسراً كان أو معسراً فإن كان موسراً أداه في الحال وإن كان معسراً فهو في ذمته هذا ظاهر كلام الخرقي فعلى هذا تصير أم ولد للواطئ ومكاتبة له كأنه اشتراها وتكون مبقاة على ما بقي من كتابتها وتعتبر قيمتها مكاتبة مبقاة على ما بقي من كتابتها واختار القاضي أنه إن كان معسراً لم يسر الإحبال لأنه بمنزلة

(12/397)


لا عتاق بالقول يعتبر اليسار في سرايته ونصيب الواطئ قد ثبت له حكم الاستيلاد وحكم الكتابة ونصيب شريكه لم يثبت له إلا حكم الكتابة فإن أدت إليهما عتقت وبطل حكم الاستيلاد ونصفها قن لا يقوم على الوارث وإن كان موسراً لأنه ليس بعتق وان مات الواطئ قبل عجزها عتق نصيبه وسقط حكم الكتابة فيه وكان الباقي مكاتباً وإن كان الواطئ موسراً فقد ثبت لنصفها حكم الاستيلاد ونصفها الآخر موقوف فإن أدت إليهما عتقت كلها وولاؤها لهما وإن عجزت وفسخت الكتابة قومناها حيئنذ على الواطئ فيدفع إلى شريكه قيمة نصيبه ويصير جميعها أم ولد له فإن مات التقت عليه وكان ولاؤها له وهذا مذهب الشافعي وله قول آخر أنها تقوم على الموسر وتبطل عكتابة في نصف الشريك ويصير جميعها أم ولد ونصفها مكاتباً للواطئ فإن أدت نصيبه إليه عتقت وسرى إلى الباقي لأنه ملكه وعتق جميعها وإن عجزت ففسخت الكتابة كانت أم ولد له خاصة
فإذا مات عتقت كلها ولنا أن بعضها أم ولد فكان جميعها كذلك كما لو كان الشريك موسراً يحقق هذا أن الولد حاصل من جميعها وهو كله من الواطئ ونسبه لاحق به فينبغي أن يثبت ذلك لجميعها ويفارق الإعتاق فإنه أضعف على ما بينا من قبل ولنا على أن الكتابة لا تبطل بالتقويم أنها عقد لازم فلا تبطل مع بقائها بفعل صدر منه كما لو

(12/398)


استولدها وهو في ملكه أو كما لو لم تحبل منه وأما الولد فهو حر لأنه من وطئ فيه شبهة ونسبه لاحق به لذلك ولا تلزمه قيمته لأنها وضعته في ملكه وروي عن أحمد في هذا روايتان (إحداهما) لا تجب قيمته لان نصيب شريكه انتقل إليه من حين العلوق وفي تلك الحال لم تكن له قيمة فلم يضمنه (والثانية) عليه نصف قيمته لأنه كان من سبيل هذا النصف أن يكون مملوكاً لشريكه فقد أتلف رقه عليه فكان عليه نصف قيمته قال القاضي هذا الرواية أصح في المذهب وذكر هاتين الروايتين أبو بكر وذكر أنها إن وضعته بعد التقويم فلا شئ على الواطئ وإن وضعته قبل التقويم غرم نصف قيمته فإن ادعى الواطئ لها لاستبراء فأتت بالولد لأكثر من ستة أشهر من حين الاستبراء لم يلحق به ولم تصر أم ولد وكان حكم ولدها حكمها وإن أتت به لأقل من ستة أشهر من حين الاستبراء لحق به كما لو كان قبل الاستبراء لأنا تبينا أنها كانت حاملاً وقت الاستبراء فلم يكن ذلك استبراء (مسألة) (وان وطئاها جميعاً فقد وجب لها على كل واحد منهما مهر مثلها) فإن كانت في الحالين على صفة واحدة فهما سواء في الواجب عليهما وإن كانت بكراً حين وطئها الأول فعليه مهر بكر وعلى الآخر مهر ثيب فإن كان نجمها لم يحل فلها مطالبتهما بالمهرين وإن كان قد حل وهو من جنس المهر تقاصا على ما ذكرنا في المقاصة فإن أدت إليهما عتقت وكان لها المطالبة بالمهرين وإن عجزت نفسها وفسخا الكتابة بعد قبضها المهرين وكانا سواء لم يملك أحدهما

(12/399)


مطالبة الاخر بشئ لأنها قبضتهما وهي مستحقة لذلك فإن كانا في يدها اقتسماهما وإن تلفا أو بعضهما
فلا شئ لهما لأن السيد لا يثبت له دين على مملوكه وإن كان الفسخ قبل قبض المهرين وهما سواء سقط عن كل واحد ما عليه وإن كان أحدهما أقل من الاخر تقاضا منهما بقدر أقلهما ويرجع من عليه أقلهما على الآخر بنصف الزيادة وإن قبضت من أحدهما دون الآخر رجع المقبوض منه على الآخر بنصف ما عليه وإن قبضت البعض من أحدهما دون الآخر أو قبضت من أحدهما أكثر من الآخر رجع من قبض منه الأكثر على الآخر بنصف الزيادة التي أداها فإن أفضاها أحدهما بوطئه فعليه لها ثلث قيمتها لأن الإفضاء في الحرة يوجب ثلث ديتها فيوجب في الأمة ثلث قيمتها وهو مذهب الشافعي وهذا الخلاف مبني على الواجب في إفضاء الحرة وسنذكره إن شاء الله تعالى فإن فسخت الكتابة رجع من لم يفضها على الآخر بنصف قيمة الافضاء على الخلاف المذكور فإن إدعى كل واحد منهما على الآخر أنه الذي أفضاها أو وطئها حلف كل واحد منهما وبرئ وإن نكل أحدهما قضي عليه وإن كان الخلاف قبل عجزها فادعت على أحدهما فالقول قوله مع يمينه وإن ادعت على أحدهما غير معين لم تسمع الدعوى (مسألة) (وإن ولدت من أحدهما صارت ام ولد له) ويغرم لشريكه نصف قيمتها وهل يغرم نصف قيمة ولدها؟ على روايتين

(12/400)


وقد ذكرنا ذلك والخلاف فيه فيما إذا وطئها أحدهما (مسألة) (وان أتت بولد وألحق بهما صارت أم ولد لهما يعتق نصفها بموت أحدهما وباقيها بموت الآخر كما لو كان سيدها واحداً واستولدها فإنها تعتق بموته وعند القاضي لا يسري استيلاد أحدهما إلى نصيب شريكه) لأنه انعقد له سبب استحقاقه للولاء على نصيبه بالكتابة فلم يجز ابطاله بالسراية إلا أن يعجز فينظر حينئذ فإن كان موسراً قوم عليه نصيب شريكه وإلا فلا وقد ذكرنا قول القاضى واجبنا عنه فيما سبق (فصل) فأما إن أولدها كل واحد منهما واتفقا على السابق منهما فعلى قول الخرقي تصير أم ولد له وولده حر يلحقه نسبه والخلاف في ذلك كالخلاف فيما إذا انفرد بإيلادها سواء، وأما الثاني فقد وطئ
أم ولد غيره بشبهة وأولدها فلا تصير أم ولد له لأنها مملوكة غيره فأشبه ما لو باعها ثم أولدها وعليه مهرها لها لأن الكتابة لم تبطل والولد حر لأنه من وطئ شبهة وعليه قيمته للأول لأنه فوت رقه عليه وكان من سبيله أن يكون رقيقاً له حكمه حكم أمه فتلزمه قيمته على هذه الصفة وقد ذكرنا في وجوب نصف قيمة الأول خلافاً فإن قلنا بوجوبها تقاصا بما لو أحد منهما على صاحبه في القدر الذي تساويا فيه ويرجع ذو الفضل بفضله وتعتبر القيمة يوم الولادة لأنها أول حال أمكن التقويم فيها وذكر القاضي في المسألة أربعة أحوال

(12/401)


(أحدها) أن يكونا موسرين فالحكم على ما ذكرنا إلا أنه جعل المهر الواجب على الثاني للأول وهذا مذهب الشافعي ولا يصح هذا لأن الكتابة لا تبطل بالاستيلاد ومهر المكاتبة لها دون سيدها ولأن سيدها لو وطئها وجب عليه المهر لها فلأن لا يملك المهر الواجب على غيره أولى ولأنه عوض نفعها فكان لها كأجرتها (الثاني) أن يكون الأول موسراً والثاني معسرا فيكون الحال الأول سواء قال القاضي إلا أن ولده يكون مملوكاً لإعساره بقيمته وهذا غير صحيح لأن الولد لا يرق بإعسار والده بدليل ولد المغرور من امة والواطئ بشبهة وكل موضع حكمنا بحرية الولد لا يختلف بالإعسار واليسار وإنما يعتبر اليسار في سراية العتق وليس عتق هذا بطريق السراية إنما هو لأجل الشبهة في الوطئ فلا وجه لاعتبار التساوي فيه والصحيح أنه حر وتجب قيمته في ذمة أبيه (الحال الثالث) أن يكونا معسرين فإنها تصير أم ولد للأول ونصفها للثاني قال وعلى كل واحد منهما نصف مهرها لصاحبه وفي ولد كل واحد منهما وجهان (أحدهما) أن يكون كله حراً وفي ذمة أبيه نصف قيمته لشريكه (والثاني) نصف حر وباقيه عبد لشريكه إلا أن نصف الولد الأول عبد قن لأنه تابع للنصف الباقي من الأم وأما النصف الباقي من ولد الثاني فحكمه حكم أمه لأنه ولد منها بعد أن ثبت لنصفها حكم الاستيلاد للأول فكان نصفه الرقيق تابعاً لها في ذلك ولعل القاضي أراد

(12/402)


ما إذا عجزت وفسخت الكتابة، فأما إذا كانت باقية على الكتابة فلها المهر كاملاً على كل واحد منهما إذا حكم برق نصف ولدها وجب أن يكون له حكمها في الكتابة لأن ولد المكاتبة يكون تابعاً لها (الحال الرابع) أن يكون الأول معسراً والثاني موسراً فحكمه حكم الثالث سواء إلا أن ولد الثاني حر لأن الحرية تثبت لنصفه بفعل أبيه وهو موسر فسرى إلى جميعه وعلى نصف قيمته لشريكه ولم تقوم عليه الأم لأن نصفها أم ولد للأول ولو صح هذا لوجب أن لا يقوم عليه نصف الولد لأن حكمه حكم أمه في هذا فإذا منع حكم الاستيلاد السراية في الأم منعه فيما هو تابع لها ومذهب الشافعي في هذا الفصل قريب مما ذكر القاضي (فصل) وإن اختلفا في السابق منهما فادعى كل واحد منهما أنه السابق فعلى قولنا لها المهر على كل واحد منهما وكل واحد منهما يقر لصاحبه بنصف قيمة الجارية لأنه يقول صارت أم ولد لي بإحبالي إياها ووجب لشريكي علي نصف قيمتها ولي عليه قيمة ولده لأنه يقول أولدتها بعد أن صارت أم ولد لي وهل يكون مقراً لها بنصف قيمة ولدها؟ على وجهين سبق ذكرهما فعلى هذا إن استوى ما يدعيه وما يقر به تقاصا وتساقطا ولا يمين على صاحبه لأنه يقول لي عليك مثل مالك على والجنس واحد فتساقطا وإن زاد ما يقر به فلا شئ عليه لأن خصمه يكذبه في إقراره وإن زاد ما يدعيه فله اليمين على صاحبه في الزيادة ويثبت للأمة حكم العتق في نصيب كل واحد منهما بموته لإقراره بذلك ولا يقبل قوله على شريكه في إعتاق نصيبه

(12/403)


وقال أبو بكر في الأمة قولان (أحدهما) أن يقرع بينهما فتكون أم ولد لمن تقع القرعة له (والثاني) تكون أم ولد لهما ولا يطؤها واحد منهما قال وبالأول أقول وأما القاضي فاختار أنهما إن كانا موسرين فكل واحد منهما يدعي المهر على صاحبه ويقر له بنصفه وهذا مذهب الشافعي لأن المهر عندهم لسيدها دونها ولا يعتق شئ منها بموت الأول لاحتمال أن تكون أم ولد للآخر فإذا مات الآخر عتقت لأن سيدها قد مات يقيناً وإن كانا معسرين فكل واحد منهما يقر بأن نصفها أم ولده ويصدقه الآخر لأن الاستيلاد لا يسري مع الإعسار وكل واحد منهما يقر لصاحبه بنصف المهر والآخر
يصدقه فيتقاصان إن تساويا وإن فضل أحدهما صاحبه نظرت فإن كان كل واحد منهما يدعي الفضل تحالفا وسقط وإن كان كل واحد منهما يقر بالفضل سقط لتكذيب المقر له به وفي الولد وجهان (أحدهما) يكون حراً فيكون كل واحد منهما يدعي على الآخر نصف قيمة الولد (والوجه الثاني) نصفه حر فيقربان نصف الولد مملوك لشريكه فيكون الولد بينهما من غير يمين وعلى الوجه الأول يتقاصان إن استوت قيمة الولدين ولا يمين في الموضعين وأيهما مات عتقه نصيبه وولاؤه له وإن كان أحدهما موسراً والآخر معسراً فالموسر يقر للمعسر بنصف قيمة الأمة ونصف مهر مثلها ويدعي عليه جميع المهر وقيمة الولد والمعسر يقر للموسر بنصف المهر ونصف قيمة الولد فيسقط إقرار الموسر للمعسر بنصف قيمة الجارية لكونه لا يدعيه ولا يصدقه فيه ويتقاصان بالمهر لاستواءهما فيه ويدفع المعسر إلى الموسر نصف قيمة الولد لإقراره به ويحلف على ما يدعيه عليه من الزيادة لأنه ادعى عليه

(12/404)


جميع قيمة الولد فأقر له بنصفها ويحلف له الموسر على نصف قيمة الولد الذي ادعاه المعسر عليه وأما الجارية فإن نصيب الموسر منها أم ولد بغير خلاف بينهما فيه وباقيه يتنازعانه فإن مات الموسر أولاً عتق نصيبه وولاؤه لورثته فإذا مات المعسر عتق باقيها وإن مات المعسر أولاً لم يعتق منها شئ فإذا مات الموسر عتق جميعها ويجئ على قول أبي بكر أن يقرع بينهما في النصف المختلف فيه (فصل) فإن وطئاها معاً فأتت بولد لم تخل من ثلاثة أقسام (أحدها) أن لا يمكن أن يكون من واحد منهما مثل أن تأتي به بعد استبرائها منهما أو بعد أربع سنين منذ وطئها كل واحد منهما فيكون منفياً عنهما مملوكاً لهما حكمه حكم أمه في العتق بأدائها وتقبل دعوى الاستبراء من كل واحد منهما لأن دعوى الاستبراء في الأمة كاللعان في الحرة (القسم الثاني) أن يكون من أحدهما بعينه دون صاحبه والحكم فيه حكم ما إذا ولدت من أحدهما بعينه من وجوب المهر لها وقيمة نصفها لشريكه مع الخلاف في ذلك فأما الذي لم تحبل من وطئه فإن كان الأول فعليه المهر لها وإن كان الثاني فقد وطئ أم ولد غيره فإن كانت الكتابة باقية فعليه المهر لها أيضاً وإن كانت قد فسخت فالمهر للذي استولدها وقد وجب للثاني على الأول نصف قيمتها وفي
قيمة نصف الولد روايتان فإن كان المهر للأول تقاصا بقدر أقل الحقين وإن كان المهر لها رجع بحقه على الذي أحبلها وأما القاضي فقال في هذا القسم الحكم في الأول كالحكم فيه إذا انفرد بالوطئ على ما مضى من التفصيل وأما الثاني فإن وطئها بعد ولادتها من الأول نظرنا فإن وطئها بعد الحكم بكونها أم ولد للأول فعليه مهر مثلها فإن كان فسخ الكتابة في حق نفسه لعجزها فالمهر له لأنها أم ولده وإن

(12/405)


كان لم يفسخ فالمهر بينه وبينها نصفين وإن وطئها بعد زوال الكتابة في حقه وقبل الحكم بأنها أم ولد للأول سقط عنه نصف مهر لأن نصفها قن له وعليه النصف لها إن لم يكن الأول فسخ الكتابة أوله إن فسخ وإن كان الأول معسراً فنصيبه منها أم ولد له ولها عليهما المهران والحكم فيما إذا عجزت أو أدت قد تقدم فأما إن كان الولد من الثاني فالحكم في وطئ الأول كالحكم فيه إذا وطئ منفرداً ولم يحبلها، وأما الثاني فإن كان موسراً قوم عليه نصيب شريكه عند العجز فإن فسخا الكتابة قومناها عليه وصارت أم ولد له وإن رضي الثاني بالمقام على الكتابة قومنا عليه نصيب الأول وصارت كلها أم ولد له ونصفها مكاتب ويرجع الأول على الثاني بنصف المهر ونصف قيمة الولد على إحدى الروايتين ويرجع الثاني على الأول بنصف المهر فيتقاصان به إن كان باقيا عليهما وإن كان الثاني معسراً فالحكم فيه كما لو ولدت من الأول وكان معسراً لا فصل بين المسلتين (القسم الثالث) أمكن أن يكون الولد من كل واحد منهما فيرى القافة معهما فيلحق بمن ألحقوه به منهما فمن ألحق به فحكمه حكم ما لو عرف أنه منه بغير قافة (مسألة) (ويجوز بيع المكاتب ومشتريه يقوم مقام المكاتب) وممن قال يجوز بيع المكاتب عطاء والنخعي والليث وابن المنذر وهو قديم قولي الشافعي قال ولا وجه لقول ما قال لا يجوز وحكى أبو الخطاب رواية أخرى عن أحمد أنه لا يجوز بيعه وهو قول مالك وأصحاب الرأي والجديد من قولي الشافعي لأنه عقد يمنع استحاق كسبه فمنع بيعه كبيعه

(12/406)


لأجنبي وعتقه، وقال الزهري وأبو الزناد يجوز بيعه برضاه ولا يجوز بغيره وحكي ذلك عن أبي يوسف
لأن بريرة إنما بيعت برضاها وطلبها ولأن لسيده استيفاء منافعه برضاه ولا يجوز بغير رضاه كذلك بيعه ولنا ما روى عروة عن عائشة أنها قالت جاءت بريرة إلى فقالت يا عائشة إني كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقيه فأعينيني ولم تكن قضت من كتابتها شيئاً فقالت لها عائشة ونقست فيها ارجعي إلى أهلك ان أحوا أن أعطيهم ذلك جميعاً فعلت فذهبت بريرة إلى أهلها فعرضت عليهم ذلك فأبوا وقالوا إن شاءت أن تحتسب عليك فلتفعل ويكون ولاؤك لنا فذكرت ذلك عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " لا يمنعك ذلك منها ابتاعي وأعتقي إنما الولاء لمن أعتق " فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فحمد الله واثنى عليه ثم قال (أما بعد فما بال ناس يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله من اشترط شرطاً ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط قضاء الله أحق وشرطه أوثق وإنما الولاء لمن أعتق) متفق عليه، قال ابن المنذر بيعت بريرة بعلم النبي صلى الله عليه وسلم وهي مكاتبة لم ينكر ذلك ففي ذلك أبين البيان ان بيعه جائز ولا أعلم خبراً يعارضه ولا أعلم في شئ من الأخبار دليلاً على عجزها وتأوله الشافعي على أنها كانت قد عجزت وكان بيعها فسخاً لكتابتها وهذا التأويل بعيد يحتاج إلى دليل في غاية القوة وليس في الخبر ما يدل عليه بل قولها أعينيني على كتابتي دليل على بقائها على الكتابة ولأنها أخبرتها أن نجومها في كل عام أوقية فالعجز إنما يكون بمضي عامين عند من لا يرى العجز إلا بحول

(12/407)


نجمين أو بمضي عام عند الآخرين والظاهر ان شراء عائشة لها كان في أول كتابتها ولا يصح قياسه على أم الولد لأن سبب حريتها مستقر على وجه لا يمكن فسخه بحال فأشبه الوقف والمكاتب يجوز رده إلى الرق وفسخ كتابته إذا عجز فافترقا قال ابن أبي موسى هل للسيد أن يبيع المكاتب باكثر مما كان عليه؟ على روايتين ولأن المكاتب عبد مملوك لسيده لم يتحتم عتقه فجاز بيعه كالمعلق عتقه بصفة والدليل على أنه مملوك قول النبي صلى الله عليه وسلم (المكاتب عبد ما بقي عليه درهم) ولأن مولاته لا يلزمها أن تحتجب منه إذا لم يملك ما يؤدي لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا كان لإحداكن مكاتب فملك ما يؤدي فلتحتجب منه يدل بمفهومه على أنها لا تحتجب منه قبل ذلك وإنما سقط الحجاب عنه لكونه مملوكها ولأنه يصح عتقه ولا يصح عتق من ليس بمملوك ولأنه يرجع عند العجز إلى كونه قناً ولو صار حراً
ما عاد إلى الرق ويفارق إعتاقه لأنه يزيل الرق بالكلية وليس بعقد إنما هو إسقاط للملك فيه وأما بيعه فلا يمنع للمشترى بيعه وأما البائع فلم يبق له فيه ملك بخلاف مسئلتنا.
(فصل) وتجوز هبته والوصية به وقد روي عن أحمد أنه منع هبته لأن الشرع إنما ورد ببيعه والصحيح جوازها لأن ما كان في معنى المنصوص عليه يثبت الحكم فيه.
(فصل) ومشتريه يقوم فيه مقام المكاتب.
وجملة ذلك أن الكتابة لا تنفسخ بالبيع ولا يجوز إبطالها لا نعافي هذا خلافاً قال ابن المنذر

(12/408)


أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن بيع السيد مكاتبه على أن يبطل كتابته ببيعه إذا كان ماضياً فيها مؤدياً ما يجب عليه من نجومه في أوقاتها غير جائز وذلك لأنها عقد لازم فلا يبطل بالبيع كالإجارة والنكاح ويبقى على كتابته عند المشتري وعلى نجومه كما كان عند البائع مبقى على ما بقي من كتابته يؤدي إلى المشتري ما كان يؤدي إلى البائع (مسألة) (فإن أدى عتق وولاؤه له وإن عجز عاد قناً له، وإن لم يعلم أنه مكاتب فله الرد والأرش) إذا أدى إلى المشتري عتق لأن حق المكاتب فيه انتقل إلى المشتري فصار المشتري هو المعتق وولاؤه له لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما الولاء لمن أعتق) وقد دل عليه حديث بريرة لانه جعل ولاءها لعائشة حين اشترتها وأعتقتها وإن عجز عاد قناً له لأنه صار سيده فقام مقام المكاتب وإن لم يعلم أنه مكاتب ثم علم ذلك فله فسخ البيع أو أخذ الأرش لأن الكتابة عيب لكون المشتري لا يقدر على التصرف فيه ولا يستحق كسبه ولا استخدامه ولا الوطئ إن كانت أمة فملك الفسخ كشراء الأمة المزوجة فيخير حينئذ بين الفسخ والرجوع بالثمن وبين الإمساك مع الأرش على ما ذكرنا في البيع

(12/409)


(فصل) فأما بيع الدين الذي على المكاتب من نجومه فلا يصح وبهذا قال أبو حنيفة
والشافعي وأبو ثور وقال عطاء وعمرو بن دينار ومالك يصح لأن السيد يملكها في ذمة المكاتب فجاز بيعها كسائر أمواله ولنا أنه دين غير مستقر فلم يجز بيعه كدين السلم ودليل عدم الاستقرار أنه معرض للسقوط بعجز المكاتب ولأنه لا يملك السيد إجبار العبد على أدائه ولا الزامه بتحصيله فلم يجز بيعه كالعدة بالتبرع ولأنه غير مقبوض وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع ما لم يقبض فإن باعه فالبيع باطل وليس للمشتري مطالبة المكاتب بتسليمه إليه وله الرجوع بالثمن على البائع إن كان دفعه إليه وإن سلم المكاتب إلى المشتري نجومه ففيه وجهان (أحدهما) يعتق لأن البيع يضمن الإذن في القبض فأشبه قبض الوكيل (والثاني) لا يعتق لأنه لم يستنبه في القبض وإنما قبض لنفسه بحكم البيع الفاسد فكان القبض فاسداً فلم يعتق بخلاف وكيله فإنه استنابه ولو صرح بالإذن لم يكن مستنيباً له في القبض وإنما إذنه في القبض بحكم المعاوضة فلا فرق بين التصريح وعدمه فإن قلنا يعتق بالأداء برئ المكاتب من مال الكتابة ويرجع السيد على المشتري بما قبضه لانه كالنائب عنه فإن كان من جنس الثمن وكان قد تلف تقاصا بقدر أقلهما ورجع ذو الفضل بفضله وإن قلنا لا يعتق بذلك فمال الكتابة باق في ذمة المكاتب ويرجع المكاتب على المشتري بما

(12/410)


دفعه إليه ويرجع المشتري على البائع فإن سلمه المشتري إلى البائع لم يصح تسليمه لأنه قبضه بغير إذن المكاتب فأشبه ما لو أخذه من ماله بغير إذنه وإن كان من غير جنس مال الكتابة تراجعا بما لكل واحد منهما على الآخر وإن باعه ما أخذه بماله في ذمته وكان مما يجوز البيع فيه جاز إذا كان ما قبضه السيد باقياً وإن كان قد تلف ووجبت قيمته وكان من جنس مال الكتابة تقاصا وإن كان المقبوض من جنس مال الكتابة فتحاسبا به جاز (فصل) وإذا كان للمكاتب ولد تبعه في الكتابة فباعهما صح لأنهما ملكه ولا مانع من بيعهما ويكونان عند المشتري كما كانا عند البائع سواء وإن باع أحدهما دون صاحبه أو باع أحدهما الرجل وباع الآخر لغيره لم يصح لوجهين
(أحدهما) أنه لا يجوز التفريق بين الوالد وولده في البيع إلا بعد البلوغ على إحدى الروايتين (والثاني) أن الولد تابع لوالده وله كسبه وعليه نفقته فصار في معنى مملوكه فلم يجز التفريق بينهما وعلى الرواية الأخرى يحتمل أن يجوز بيعه بعد البلوغ لأنه محل للبيع صدر فيه التصرف من أهله ويكون عند من هو عنده على ما كان عليه قبل بيعه لوالده كسبه وعليه نفقته وأرش جنايته ويعتق بعتقه كما لو بيع مع والده (فصل) وتصح الوصية لمكاتبه لأنه مع سيده في المعاملة كالأجنبي ولذلك جاز دفع زكاته

(12/411)


إليه فإن قال ضعوا عن مكانبي بعض كتابته أو بعض ما عليه وضعوا ما شاءوا قليلاً كان أو كثيراً وقد ذكرنا نحوه في الوصايا (مسألة) (وإن اشترى كل واحد من المكاتبين الآخرين صح شراء الأول وبطل شراء الثاني وسواء كانا لواحد أو لاثنين) لا خلاف في أن المكاتب يصح شراؤه للعبيد والمكاتب يجوز بيعه على ما ذكرنا في الصحيح من المذهب فإذا اشترى أحدهما الآخر صح شراؤه وملكه لأن التصرف صدر من أهله في محله وسواء كانا مكاتبين لسيد واحد أو لاثنين فإن عاد الثاني فاشترى الذي اشتراه لم يصح لأنه سيده ومالكه وليس للملوك أن يملك مالكه لأنه يفضي إلى تناقض الأحكام إذ كل واحد منهما يقول لصاحبه أنا سيدك ولي عليك مال الكتابة تؤديه إلي وإن عجزت فلي فسخ كتابتك وردك إلى أن تكون رقيقاً وهذا تناقض وإذا تناقض بملك المرأة زوجها ملك اليمين لثبوت ملكه عليها في النكاح فههنا أولى ولأنه لو صح هذا لتقاصا الدينين إذا تساويا وعتقا جميعاً إذا ثبت هذا فشراء الأول صحيح والمبيع منهما باق على كتابته فإن أدى عتق وولاؤه موقوف فإن أدى سيده كتابته كان الولاء له لأنه عتق بادائه إليه وإن عجز فولاؤه لسيده لأن العبد لا يثبت له ولأن السيد يأخذ ماله فكذلك حقوقه هذا مقتضى قول القاضي ومقتضى قول أبي بكر أن الولاء

(12/412)


لسيده لأن المكاتب عبد لا يثبت له الولاء فيثبت لسيده ذكر ذلك فيما إذا أعتق بإذن سيده أو كاتب عبده فأدى كتابته وهذا نظيره، ويحتمل أن يفرق بينهما لكون العتق ثم بإذن السيد فيحصل الإنعام عنه بإذنه فيه وههنا لا يفتقر إلى إذنه فلا نعمة له عليه فلا يكون له عليه ولاء ما لم يعجز سيده (مسألة) (فإن لم يعلم السابق منهما فسد البيعان) وهذا قول أبي بكر ويرد كل واحد منهما إلى كتابته لأن كل واحد منهما مشكوك في صحة بيعه فيرد إلى اليقين وذكر القاضي أنه يجري مجرى ما إذا زوج الوليان فأشكل الأول منهما فيقتضي هذا أن يفسخ البيعان كما يفسخ النكاحان، وعلى قول أبي بكر لا يحتاج إلى الفسخ لأن النكاح إنما احتيج فيه إلى الفسخ من أجل المرأة فإنها منكوحة نكاحاً صحيحاً لواحد منهما يقيناً فلا يزول إلا بفسخ وفي مسئلتنا لم يثبت يقين البيع في واحد بعينه فلم يفتقر إلى فسخ (مسألة) (وإن أسر العدو المكاتب فاشتراه رجل فأحب سيده أخذه بما اشتراه وإلا فهو عند مشتريه مبقي على ما بقي من كتابته يعتق بالأداء وولاؤه له) إذا أسر الكفار مكاتباً ثم استنقذه المسلمون فالكتابة بحالها فإن أخذ في الغنائم فعلم بحاله أو أدركه سيده قبل قسمه اخذه بغير شئ وهو على كتابته كمن لم يؤسر وإن لم يدركه حتى قسم وصار في سهم بعض الغانمين أو اشتراه رجل من الغنيمة قبل قسمه أو من المشركين وأخرجه إلى سيده

(12/413)


فإن السيد أحق به بالثمن الذي ابتاعه به وفيما إذا كان غنيمة رواية أخرى أنه إذا قسم فلا حق لسيده فيه بحال فيخرج في المشتري مثل ذلك وعلى كل تقدير فإن سيده إن أخذه فهو مبقي على ما بقي من كتابته وإن تركه فهو في يد مشتريه مبقى على ما بقي من كتابته يعتق بالأداء في الموضعين وولاؤه لمن يؤدي إليه كما لو اشتراه من سيده وقال أبو حنيفة والشافعي لا يثبت عليه ملك للكفار ويرد إلى سيده بكل حال ووافق أبو حنيفة والشافعي في المكاتب والمدبر خاصة لأنهما عنده لا يجوز بيعهما ولا نقل الملك فيهما فأشبها أم الولد وقد تقدم الكلام في الدلالة على أن ما أدركه صاحبه مقسوماً لا يستحق صاحبه أخذه بغير شئ
وكذلك ما اشتراه مسلم من دار الحرب وفي أن المكاتب والمدبر يجوز بيعهما بما يغني عن إعادته ههنا (فصل) وهل يحتسب عليه بالمدة التي كان فيها عند الكفار؟ على وجهين (أحدهما) لا يحتسب عليه بها لأن الكتابة اقتضت تمكينه من التصرف والكسب في هذه المدة فإذا لم يحصل ذلك لم يحتسب كما لو حسبه سيده فعلى هذا يبني على ما مضى من المدة قبل الأسر وتلغى مدة الأسر كأنها لم توجد (والثاني) يحتسب عليه بها لأنها من مدة الكتابة مضت بغير تفريظ من سيده فاحتسب عليه بها كمرضه ولأنه مدين مضت مدة من أجل دينه في حبسه فاحتسب عليه كسائر الغرماء وفارق ما إذا حبسه سيده بما ذكرناه فعلى هذا إذا حل عليه نجم عند استنقاذه جازت مطالبته به وإن حل ما يجوز تعجيزه بترك أدائه فلسيده تعجيزه ورده إلى الرق وهل له ذلك بنفسه أو بحكم الحاكم؟ فيه وجهان

(12/414)


(أحدهما) له ذلك لأنه تعذر عليه الوصول إلى المال في وقته أشبه ما لو كان حاضراً والمال غائباً يتعذر إحضاره وأداؤه في مدة قريبة كان لسيده الفسخ والمال ههنا إما معدوم وإما غائب يتعذر أداؤه وفي كلا الحالتين يجوز الفسخ (والثاني) ليس له ذلك إلا بحكم الحاكم لأنه مع الغيبة يحتاج إلى أن يبحث هل له مال أم لا؟ وليس كذلك إذا كان حاضراً فإنه يطالبه فإن أدى وإلا فقد عجز نفسه فإن فسخ الكتابة بنفسه أو بحكم الحاكم ثم خلص المكاتب وادعى أن له مالاً في وقت الفسخ يفي بما عليه وأقام بذلك بينة بطل الفسخ ويحتمل أن لا يبطل حتى يثبت أنه كان يمكنه أداؤه لأنه إذا كان متعذر الأداء كان وجوده كعدمه (فصل) (قال الشيخ رضي الله عنه وإن جنى على سيده أو أجنبي فعليه فداء نفسه مقدماً على الكتابة وقال أبو بكر يتحاصان) وجملة ذلك أن المكاتب إذا جنى جناية موجبة للمال تعلق أرشها برقبته ويؤدي من المال الذي في يده وبهذا قال الحسن والحكم وحماد والاوزاعي ومالك والحسن بن صالح والشافعي وأبو ثور وقال عطاء والنخعي وعمرو بن دينار جنايته على سيده وقال عطاء ويرجع سيده بها عليه وقال الزهري
إذا قتل رجلاً خطأ كانت كتابته وولاؤه لولي المقتول إلا أن بفديه سيده ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يجني جان إلا على نفسه) ولأنها جناية عبد فلم تجب في ذمة سيده كالقن

(12/415)


إذا ثبت هذا فإنه يبدأ بأداء الجناية قبل الكتابة سواء حل عليه نجم أو لم يحل نص عليه أحمد وهو المعمول به في المذهب وذكر أبو بكر قولاً آخر أن السيد يشارك ولي الجناية فيضرب بما حل من نجوم كتابته لأنهما دينان فيتحاصان قياساً على سائر الديون ولنا أن أرش الجناية من العبد يقدم على سائر الحقوق المتعلقة به ولذلك قدمت على حق المالك وحق المرتهن وغيرهما فوجب أن تقدم ههنا.
يحققه أن ملك الكتابة مقدم على ملك السيد في عبده فيجب تقديمه على عوض وهو مال الكتابة بطريق الأولى لأن الملك فيه قبل الكتابة كان مستقراً ودين الكتابة غير مستقر فإذا قدم على المستقر فعلى غيره أولى.
إذا ثبت هذا فإنه يفدي نفسه بأقل الامرين من قيمته أو أرش جنايته لأنه إن كان أرش الجناية أقل فلا يلزمه أكثر من موجب جنايته وهو أرشها، وإن كان أكثر لم يكن عليه أكثر من قيمته لأنه لا يلزمه أكثر من بذل المحل الذي تعلق به الأرش فإن بدأ بدفع المال إلى ولي الجناية فوفى بأرش الجناية وإلا باع الحاكم منه بما يفي من أرشها وباقيه باق على كتابته وإن اختار السيد الفسخ فله ذلك ويعود عبداً قناً مشتركاً بين السيد والمشتري وإن أبقاه السيد على الكتابة فأدى عتق بالكتابة وسرى العتق إلى باقيه إن كان المكاتب موسراً ويقوم عليه وإن كان معسراً عتق منه ما عتق وباقيه رقيق فإن لم يكن في يده مال ولم يف بالجناية إلا قيمته كلها بيع كله فيها وبطلت كتابته

(12/416)


(فصل) وإن بدأ بدفع المال إلى سيده وكان ولي الجناية سأل الحاكم فحجر على المكاتب ثبت الحجر عليه وكان النظر فيه إلى الحاكم فلا يصح دفعه إلى سيده ويرتجعه الحاكم ويسلمه إلى ولي الجناية فإن وفى وإلا كان الحكم فيه على ما ذكرنا من قبل وإن لم يكن الحاكم حجر عليه صح دفعه إلى السيد لأنه يقضي حقاً عليه فجاز كما لو قضى بعض غرمائه قبل الحجر عليه فإن كان ما دفعه
إليه جميع مال الكتابة عتق (مسألة) (وعليه فداء نفسه ويكون الأرش في ذمته فيضمن ما كان عليه قبل العتق ويفديه بأقل الأمرين من قيمته أو أرش جنايته) لأنه لا يلزم أكثر مما كان واجباً عليه بالجناية فإن أعتقه السيد فعليه فداؤه بذلك لأنه أتلف محل الاستحقاق فأشبه ما لو قتله (مسألة) (وإن عجز فلسيده تعجيزه ويفديه أيضاً بما ذكرناه وقال أبو بكر فيه رواية أخرى أنه يفديه بأرش الجناية بالغة ما بلغت) لأنه لو سلمه احتمل أن يرغب فيه راغب بأكثر من قيمته فقد فوت تلك الزيادة بإعتاقه (فصل) فإن كانت الجناية على سيده فيما دون النفس فالسيد خصمه فيها فإن كانت موجبة للقصاص فلسيده القصاص كما يجب على عبده القن لأن القصاص يجب للزجر فيحتاج إليه العبد في حق سيده

(12/417)


وإن عفا على مال أو كانت موجبة للمال وجب له لأن المكاتب مع سيده كالأجنبي يصح أن يبايعه ويثبت له في ذمته المال والحقوق كذلك الجناية ويفدي نفسه بأقل الأمرين كالجناية على الأجنبي وعنه يفديه بأرش الجناية كله فإن وفى ما في يده بما عليه فلسيده مطالبته به وإن لم يف به فلسيده تعجيزه فإذا عجزه وفسخ الكتابة سقط عنه مال الكتابة وأرش الجناية وعاد عبداً قناً ولا يثبت للسيد على عبده القن مال وإن أعتقه سيده ولا مال في يده سقط الأرش لأنه متعلق برقبته وقد أتلفها وإن كان في يده مال لم يسقط لأن الحق كان متعلقاً بالذمة وما في يده من المال فإذا تلفت الرقبة بقي الحق متعلقاً بالمال فاستوفي منه كما لو عتق بالأداء وهل يجب أقل الأمرين أو أرش الجناية كله؟ على وجهين ويستحق السيد مطالبته بأرش الجناية قبل أداء مال الكتابة لما ذكرنا من قبل في حق الأجنبي وإن اختار تأخير الأرش والبداية بقبض مال الكتابة جاز ويعتق إذا قبض مال الكتابة كله وقال أبو بكر لا يعتق بالأداء قبل أرش الجناية لوجوب تقديمه على مال الكتابة ولنا أن الحقين أن الحقين جميعاً للسيد فإذا تراضيا على تقديم أحدهما على الآخر جاز لأن الحق لهما لا يخرج
عنهما ولأنه لو بدأ باداء مال الكتابة في حق الأجنبي عتق ففي حق السيد أولى ولأن أرش الجناية لا يلزم أداؤه قبل اندمال الجرح فيمكن تقديم وجوب الأداء عليه إذا ثبت هذا فإنه إذا أدى عتق ويلزمه أرش الجناية سواء كان في يده مال أو لم يكن لأن عتقه بسبب من جهته فلم يسقط ما عليه بخلاف ما

(12/418)


إذا اعتقه سيده فإنه أتلف محل حقه بخلاف هذا وهل يلزمه أقل الأمرين أو جميع الأرش؟ على وجهين وإن كانت جنايته على نفس سيده فلورثته القصاص في العمد والعفو على مال وفي الخطأ المال وحكم الورثة مع المكاتب حكم سيده معه لأن الكتابة انتقلت إليهم والعبد لو عاد قناً كان لهم وإن جني على موروث سيده فورثه سيده فالحكم فيه كما لو كانت الجناية على سيده فيما دون النفس على ما مضى (فصل) وإن جنى المكاتب جنايات تعلقت برد رقبته واستوى الأول والآخر في الاستيفاء ولم يقدم الأول على الثاني إن كانت موجبة للمال لأنها تعلقت بمحل واحد وكذا إن كان بعضها في حال كتابته وبعضها بعد تعجيزه فهي سواء ويتعلق جميعها بالرقبة فإن كان فيها ما يوجب القصاص فالولي الجناية استيفاؤه وتبطل حقوق الآخرين فإن عفا إلى مال صار حكمه حكم الجناية الموجبة للمال فإن أبرأه بعضهم استوفى الباقون لأن حق كل واحد يتعلق برقبته يستوفيه إذا انفرد فإذا اجتمعوا تزاحموا فإذا أبرأه بعضهم سقط حقه وتزاحم الباقون كما لو انفردوا كما في الوصايا وديون الميت فإن أدى وعتق فالضمان عليه وإن أعتقه سيده فعليه الضمان وأيهما ضمن فالواجب عليه أقل الأمرين كما ذكرنا في الجناية الواحدة ولأنه لو عجزه الغرماء وعاد قنا بيع وتحاصوا في ثمنه كذلك ههنا فأما إن عجزه سيده وعاد قناً خير بين فدائه وتسليمه فإن اختار فداءه فداه بأقل الامرين كما لو أعتقه أو قتله

(12/419)


وفيه رواية أخرى أنه يلزمه أرش الجناية كله لأنه لو سلمه احتمل أن يرغب فيه راغب بأكثر من قيمته فقد فوت تلك الزيادة باختياره إمساكه فكان عليه جميع الأرش ويفارق ما إذا اعتقه أو قتله لأن المحل تلف فتعذر تسليمه فلم يجب أكثر من قيمته والمحل ههنا باق يمكن تسليمه وبيعه وقد ذكرناه فإن أراد المكاتب فداء
نفسه قبل تعجيزه أو أعتقه ففيما تفدى به نفسه وجهان بناء على ما إذا عجزه سيده والله أعلم (مسألة) وإن لزمته ديون تعلقت بذمته بيع بها بعد العتق) إذا اجتمع على المكاتب ثمن مبيع أو عوض قرض أو غيرهما من الديون مع مال الكتابة وفي يده ما يفي بها فله أداؤها ويبدأ بأيها شاء كالحر وإن لم يف بها ما في يده وكلها حالة ولم يحجر الحاكم عليه فخص بعضهم بالقضاء صح كالحر وإن كان فيها مؤجل فعجله بغير إذن سيده لم يجز لأن تعجيله تبرع فلم يجز بغير إذن سيده كالهبة وإن كان بإذن سيده جاز كالهبة وإن كان التعجيل للسيد فقبوله بمنزلة إذنه وإن كان الحاكم قد حجر عليه بسؤال غرمائه فالنظر إلى الحاكم وإنما يحجر عليه بسؤالهم فإن حجر عليه بغير سؤالهم لم يصح لأن الحق لهم فلا يستوفى بغير إذنهم وإن سأله سيده الحجر عليه لم يجبه إلى ذلك لأن حقه غير مستقر فلا يحجر عليه من أجله وإذا حجر عليه بسؤال الغرماء فقال القاضي عندي أنه يبدأ بقضاء ثمن المبيع وعوض القرض يستوي بينهما ويقدمهما على أرش الجناية ومال الكتابة لأن أرش الجناية محله الرقبة فإذا لم يحصل مما في يده استوفي من رقبته

(12/420)


وهذا مذهب الشافعي وقد ذكرنا أن اصحابنا والشافعي اتفقوا على تقديم أرش الجناية على مال الكتابة فيما مضى وإذا لم يحجر عليه ودفع إلى السيد مال الكتابة عتق وبقيمة الديون في ذمته يتبع بها بعد العتق لأنه صار حراً فهو كالأحرار ولأن المداين رضي بذمته حين أدائه فكان له ما رضي به كالحر.
(فصل) وإذا جنى بعض عبيد المكاتب جناية توجب القصاص فللمجني عليه الخيار بين القصاص والمال فإن اختار المال أو كانت الجناية خطأ أو شبه عمد أو إتلاف مال تعلق أرشها برقبته وللمكاتب فداؤه بأقل الأمرين من قيمته أو أرش جنايته لأنه بمنزلة شرائه وليس له فداؤه بأكثر من قيمته كما لا يجوز له أن يشتريه بذلك إلا أن يأذن فيه سيده فإن كان الأرش أقل من قيمته لم يكن له تسليمه لأنه تبرع بالزائد وإن زاد الأرش على قيمته فهل يلزمه تسليمه أو يفديه باقل الامين؟ على روايتين:
(فصل) فإن ملك المكاتب ابنه أو بعض ذوي رحمه المحرم أو ولد له ولد من أمته فجنى جناية تعلق أرشها برقبته فللمكاتب فداؤه بغير إذن سيده كما يفدي غيره من عبيده.
وقال القاضي في المجرد ليس له فداؤه بغير إذنه وهو مذهب الشافعي لأنه إتلاف لا له فإن ذوي رحمه ليسوا بمال له ولا يتصرف فيهم فلم يجز له إخراج ماله في مقابلتهم ولا شراؤهم كالتبرع ويفارق

(12/421)


العبد الأجنبي فإنه ينتفع به وله صرفه في كتابته وكان له فداؤه وشراؤه كسائر أمواله ولكن إن كان لهذا الجاني كسب فدي منه وإن لم يكن له كسب بيع في الجناية إن استغرقت قيمته وإن لم تستغرقها بيع بعضه فيها وما بقي للمكاتب.
ولنا أنه عبد له حي فملك فداءه كسائر عبيده ولا نسلم أنه لا يملك شراءه وقولهم لا يتصرف فيه قلنا إلا أن كسبه له فإن عجز المكاتب صار رقيقاً معه لسيده وإن أدى المكاتب لم يتضرر السيد بعتقهم وانتفع به المكاتب وإذا دار أمره بين نفع وانتفاء ضرر وجب أن لا يمنع منه وفارق التبرع فإنه يفوت المال على السيد فإن قيل فيه ضرر وهو منعه من أداء الكتابة فإنه إذا صرف المال فيه ولم يقدر على صرفه في الكتابة عجز عنها قلنا هذا الضرر لا يمنع المكاتب منه بدليل ما لو ترك الكسب مع إمكانه أو امتنع من الأداء مع قدرته عليه فإنه لا يمنع منه ولا يجبر على كسب ولا أداء فكذلك لا يمنع مما هو في معناه ولا مما يفضي إليه ولأن غاية الضرر في هذا المنع من اتمام الكتابة وليس اتمامها واجباً عليه فأشبه ترك الكسب بل هذا أولى لوجهين (أحدهما) أن هذا فيه نفع للسيد لمصيرهم عبيداً له (والثاني) أن فيه نفعاً للمكاتب باعتاق ولده وذوي رحمه ونفعا لهم بالاعتاق على تقدير الأداء فإذا لم يمنع مما يساويه في المضرة من غير نفع فيه فلأن لا يمنع مما فيه نفع لازم لإحدى الجهتين أولى وولد المكاتبة يدخل في كتابتها والحكم في جنايته كالحكم في ولد المكاتب سواء

(12/422)


(فصل) وإن جنى بعض عبيد المكاتب على بعض جناية موجبها المال لم يثبت لها حكم لأنه لا يجب للسيد على عبده مال وإن كان موجبها القصاص فقال أبو بكر ليس له القصاص لأنه إتلاف لماله باختياره
وهذا الذي ذكره شيخنا في الكتاب المشروح وذكره أبو الخطاب في رءوس المسائل، وقال القاضي له القصاص لأنه من مصلحة ملكه فإنه لو لم يقتص أفضى إلى إقدام بعضهم على بعض وليس له العفو على مال لما ذكرنا ولا يجوز بيعه في أرش الجناية لأن الأرش لا يثبت له في رقبة عبده فإن كان الجاني من عبيده ابنه لم يجز بيعه لذلك وقال أصحاب الشافعي يجوز بيعه في أحد الوجهين لأنه لا يملك بيعه قبل جنايته فيستفيد بالجناية ملك بيعه.
ولنا أنه عبده فلم يجب له عليه أرش كالأجنبي وما ذكروه ينتقض بالرهن إذا جنى على راهنه (فصل) فإن جنى عبد المكاتب عليه جناية موجبها المال كانت هدراً لما ذكرنا وإن كان موجبها القصاص فله ان يقتض فيما دون النفس لأن العبد يقتص منه لسيده وإن عفا على مال سقط القصاص ولم يجب المال فإن كان الجاني أباه لم يقتص منه لأن الوالد لا يقتل بولده وإن جنى المكاتب عليه لمى يقتص منه لأن السيد لا يقتص منه لعبده وقال القاضي فيه وجه آخر أنه يقتص منه لأن حكم الأب معه حكم الأحرار بدليل أنه لا يملك بيعه والتصرف فيه وجعلت حريته موقوفة على حريته قال القاضي ولا نعلم موضعاً يقتص فيه المملوك من مالكه غير هذا الموضع

(12/423)


(فصل) وإن جنى على المكاتب فيما دون النفس فأرش الجناية له دون سيده لثلاثة معان (أحدهما) أن كسبه له وذلك عوض عما يتعطل بقطع يده من كسبه (والثاني) أن المكاتبة تستحق المهر في النكاح لتعلقه بعضو من أعضائها كذلك بدل العوض (الثالث) أن السيد أخذ مال الكتابة بدلا عن نفس المكاتب فلا يجوز أن يستحق عنه عوضا آخر ثم لا يخلو من ثلاثة أحوال (أحدهما) أن يكون الجاني سيده فلا قصاص عليه لأمرين (أحدهما) أنه حر والمكاتب عبد (والثاني) أنه ملكه ولا يقتص من المالك لمملوكه ولكن يجب الأرش إذا اندمل الجرح على ما يذكر في الجنايات ولأنه قبل الاندمال لا تؤمن سرايته إلى نفسه فيسقط أرشه فإذا ثبت هذا فسرى الجرح إلى نفسه انفسخت الكتابة وكان الحكم فيه كما لو قتله فإن اندمل لجرح وجب له أرشه على سيده ويتقاصان إن كان من جنس مال الكتابة وقد حل عليه نجم وإن كان من غير جنس مال
الكتابة أو لم يحل عليه نجم لم يتقاصا ويطالب كل واحد منهما بما يستحقه فإن اتفقا على أن يجعل أحدهما عوضا عن الآخر وكانا من جنسين لم يجز لأنه بيع دين بدين فإن قبض أحدهما حقه ثم دفعه إلى الآخر عوضاً عن حقه جاز وإن رضي المكاتب بتعجيل الواجب له عما لم يحل من نجومه جاز إذا كان من جنس مال الكتابة

(12/424)


(الحال الثانية) إذا كان الجاني أجنبياً حراً فلا قصاص، لا يقتل بالعبد فإن سرى الجرح إلى نفسه انفسخت كتابته وعلى الجاني قيمته لسيده وإن اندمل الجرح فعليه أرشه له فإن أدى الكتابة وعتق ثم سرى الجرح إلى نفسه وجبت ديته لأن اعتبار الضمان بحالة الاستقرار ويكون ذلك لورثته فإن كان الجاني السيد أو غيره من ورثته لم يرث منه شيئاً لأن القاتل لا يرث ويكون لبيت المال إن لم يكن له وارث ومن اعتبر الجناية بحالة ابتدائها أوجب على الجاني قيمته ويكون أيضاً لورثته (الحال الثالث) إذا كان الجاني عبداً أو مكاتباً فإن كان موجب الجناية القصاص وكانت على النفس انفسخت الكتابة وسيده بالخيار بين القصاص والعفو على مال يتعلق برقبة الجاني وإن كانت فيما دون النفس كقطع يده فللمكاتب استيفاء القصاص وليس لسيده منعه كما أن المريض يقتص ولا يعترض عليه ورثته والمفلس يقتص ولا يعترض عليه غرماؤه وإن عفا على مال ثبت له وإن عفا مطلقاً انبنى على الروايتين في موجب العمد وإن قلنا موجبه القصاص عيناً صح ولم يثبت له مال وليس لسيده مطالبته باشتراط مال لأن ذلك تكسب ولا يملك إجباره على الكسب وإن قلنا الواجب أحد أمرين ثبت له دية الجرح لأنه لما ثبت القصاص تعين المال ولا يصح عفوه عن المال لأنه لا يملك التبرع بغير إذن سيده وإن صالح على بعض الأرش فحكمه حكم العفو إلى غير مال (فصل) وإذا مات المكاتب وعليه ديون وأروش جنايات ولم يكن ملك ما يؤدي في كتابته

(12/425)


انفسخت الكتابة وسقط أرش الجنايات لأنها متعلقة برقبته وقد تلفت ويستوفي ديوته مما كان في يده فإن لم يف بها سقط الباقي قال أحمد ليس على سيده قضاء دينه هذا كان يسعى لنفسه وإن كان
قد ملك ما يؤدي في كتابته انبنى ذلك على الروايتين في عتق المكاتب بملك ما يؤديه وقد ذكرنا فيه روايتين الظاهر منهما أنه لا يعتق بذلك فتنفسخ الكتابة أيضاً ويبدأ بقضاء الدين على ما ذكرنا في الحال الأول وهذا قول زيد بن ثابت وسعيد بن المسيب والحسن وشريح وعطاء وعمرو بن دينار وأبي الزناد ويحيى الانصاري وربيعة والاوزاعي وأبي حنيفة والشافعي (والثانية) أنه إذا املك ما يؤدي صار حراً فعلى هذا يضرب السيد مع الغرماء بما حل من نجومه روي نحو هذا عن شريح والنخعي والشعبي والحكم وحماد وابن أبي ليلى والثوري والحسن ابن صالح لأنه دين حال فيضرب به كسائر الديون ويجئ على قول من قال إن الدين يحل بالموت أن يضرب بجميع مال الكتابة لانه فدحل بالموت والمذهب الأول الذي نقله الجماعة عن أحمد وقد روى سعيد في سننه ثنا هشيم ثنا منصور وسعيد عن قتادة قال ذكرت لسعيد بن المسيب قول شريح في المكاتب إذا مات وعليه دين وبقية من مكاتبته فقلت إن شريحاً قضى أن مولاه يضرب مع الغرماء فقال سعيد أخطأ شريح قضى زيد بالدين قبل المكاتبة (فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (وهي عقد لازم من الطرفين لا يدخلها خيار ولا يملك أحدهما فسخها

(12/426)


وجملة ذلك أن الكتابة عقد لازم من الطرفين لأنها عقد معاوضة أشبه عقد النكاح والبيع ولا يدخلها خيار لأن الخيار شرع لدفع الغين عن المال والسيد دخل على بصيرة أن الحظ لعبده فلا معنى للخيار ولا يملك أحدهما فسخها قياساً على سائر العقود اللازمة وعنه أن العبد يملك ذلك وسنذكره ولا يجوز تعليقها على شرط مستقبل كسائر عقود المعاوضات (مسألة) (ولا تنفسخ بموت السيد لا نعلم في ذلك خلافاً ولا تنفسخ بجنونه ولا الحجر عليه لأنه عقد لازم أشبه البيع) (مسألة) (ويعتق بالأداء إلى سيده وقد ذكرنا ذلك وبالأداء إلى الورثة) لأنه انتقل إليهم مع بقاء الكتابة فهو كالأداء إلى موروثهم ويكون مقسوماً بينهم على قدر مواريثهم كسائر ديونه فإذا كان له أولاد ذكور وإناث فللذكر مثل حظ الأنثيين ولا يعتق حتى
يؤدي إلى كل ذي حق حقه فإن أدى إلى بعضهم دون بعض لم يعتق كما لو كان بين شركاء فأدى إلى بعضهم فإن كان بعضهم غائباً وله وكيل دفع نصيبه إلى وكيله وإن لم يكن له وكيل دفع نصيبه إلى الحاكم وعتق وإن كان مولياً عليه دفع إلى وليه إما أبيه أو وصيه أو الحاكم أو أمينه فإن كان له وصيان لم يبرأ إلا بالدفع إليهما معاً وإن كان الوارث رشيداً قبض لنفسه ولا تصح الوصية ليقبض له لأن الرشيد ولي نفسه وإن كان بعضهم رشيداً وبعضهم مولياً عليه فحكم كل واحد منهم حكمه

(12/427)


وانفرد فإن أذن بعضهم في الأداء إلى الآخر وكان الدي اذن رشيدا فأذى إلى الآخر جميع حقه عتق نصيبه ولا يسري إلى نصيبه شريكه إن كان معسراً ويسري إليه إن كان موسراً ويقوم عليه نصيب شريكه كله كما لو كان بين شريكين فأعتق أحدهما نصيبه وهذا ظاهر كلام الخرقي وهو أحد قولي الشافعي وقال القاضي لا يسري عتقه وإن كان موسراً وهذا القول الثاني للشافعي وقال أبو حنيفة لا يعتق إلا بأداء جميع مال الكتابة لأنه أدى بعض مال الكتابة فأشبه ما لو أداه إلى السيد فإن ابرأوه من مال الكتابة برئ منه وعتق وإن ابرأه بعضهم عتق نصيبه وكذلك إن أعتق نصيبه منه عتق والخلاف في هذا كله كالخلاف فيما إذا أدى إلى بعضهم بإذن الآخر ولنا على أنه يعتق نصيب من أبرأ من حقه عليه أو استوفى نصيبه بإذن شركائه أنه ابرأه من جميع ماله عليه فوجب أن يلحقه العتق كما لو أبرأه سيده من جميع مال الكتابة وفارق ما إذا أبرأه سيده من بعض مال الكتابة لأنه ما أبرأه من جميع حقه ولنا على سراية عتقه أنه إعتاق لبعض العبد الذي يجوز إعتاقه من موسر جائز التصرف غير محجور عليه فوجب أن يسري عتقه كما لو كان قناً ولأنه عتق حصل بفعله واختياره فسرى كمحل الوفاق فإن قيل في السراية اضرار بالشركاء لأنه قد يعجز فيرد إلى الرق قلنا إذا كان العتق في محل الوفاق يزيل الرق المتمكن الذي لا كتابة فيه فلأن يزيل عرضية ذلك بطريق الأولى

(12/428)


(فصل) وإذا عتق بالأداء إلى الورثة فولاؤه لسيده في إحدى الروايتين وهو اختيار الخرقي يختص
به عصباته دون أصحاب الفروض وهذا قول أكثر الفقهاء واختاره أبو بكر ونقله إسحاق ابن منصور عن أحمد وإسحاق وروى حنبل وصالح بن أحمد عن أبيه قال اختلف الناس في المكاتب يموت سيده وعليه بقية من كتابته قال بعض الناس الولاء للرجال والنساء وقال بعضهم لا ولاء للنساء لأن هذا إنما هو دين على المكاتب ولا يرث النساء من الولاء إلا ما كاتبن أو أعتقن والذي يغلب على أنهن يرثن ولو عجز المكاتب بعد وفاة السيد رد رقيقاً، وهذا قول طاوس والزهري لأن المكاتب انتقل إلى الورثة بموت السيد بدليل أنهم لو أعتقوه بعد عتقهم لكان ولاؤه لهم كما لو انتقل بالشراء ولأنه يؤدي إلى الورثة فكان ولاؤه لهم كما لو أدى إلى المشتري ووجه الأول أن السيد هو المنعم بالعتق فكان الولاء له كما لو أدى إليه ولأن الورثة إنما ينتقل إليهم ما بقي للسيد وإنما بقي له دين في ذمة المكاتب والفرق بين الميراث والشراء أن السيد نقل حقه في البيع باختياره فلم يبق له فيه حق من وجه والوارث يخلف الموروث ويقوم مقامه ويلي على موروثه ولا ينتقل إليه شئ أمكن بقاؤه لموروثه والولاء مما أمكن بقاؤه للموروث فوجب أن لا ينتقل عنه وقذ ذكرنا ذلك في باب الولاء (فصل) وإن أعتقه الورثة صح عتقهم لأنه ملك لهم فصح عتقهم له ولأن السيد لو أعتقه نفذ عتقه وهم يقومون مقام موروثهم وولاؤه لهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الولاء لمن اعتق) وإن أعتق

(12/429)


بعضهم نصيبه فعتق عليه كله بالسراية قوم عليه نصيب شركائه وكان ولاؤه له وإن لم يسر لكونه معسراً أو لغير ذلك فله ولاء ما أعتقه للخبر ولأنه منعم عليه فكان الولاء له كغير المكاتب وقال القاضي إن أعتقوه كلهم قبل عجزه كان الولاء للسيد وإن أعتق بعضهم لم يسر عتقه ثم ينظر فإن أدى إلى الباقين عتق كله وكان ولاؤه للسيد وإن عجز فردوه إلى الرق كان ولاء نصيب المعتق له لأنه لولا إعتاقه لعاد سهمه رقيقاً كسهام سائر الورثة فلما أعتقه كان هو المنعم عليه فكان الولاء له دونهم فأما إن أبرأه الورثة كلهم عتق وكان ولاؤه على الروايتين اللتين ذكرناهما فيما إذا أدى إليهم لأن الإبراء جرى مجرى أداء ما عليه ويحتمل أن يكون الولاء لهم لأنهم أنعموا عليه بما عتق به أشبه ما لو أعتقوه وإن أبرأه بعضهم من نصيبه كان في ولائه ما ذكرنا من الخلاف
(فصل) إذا باع الورثة المكاتب أو وهبوه صح بيعهم وهبتهم لأنهم يقومون مقام موروثهم وهو يملك بيعه وهبته كذلك ورثته ويكون عند المشتري الموهوب له مبقي على ما بقي من كتابته إن عجز فعجزه عاد رقيقاً له، وإن أدى عتق وكان ولاؤه لمن يؤدي إليه على الرواية التي نقول إن ولاءه للورثة إذا أدى إليهم وأما على الرواية الأخرى فيحتمل أن لا يصح بيعه ولا هبته لأن ذلك يقتضي إبطال سبب ثبوت الولاء للسيد الذي كاتبه وليس ذلك للورثة ويحتمل أن يصح ويكون الولاء للسيد إن أعتق بالكتابة، لأن السيد عقدها فعتق بها فكان ولاؤه له ويفارق ما باعه

(12/430)


السيد، لأن السيد ببيعه أبطل حق نفسه وله ذلك بخلاف الورثة فإنهم لا يملكون إبطال حق موروثهم (فصل) إذا وصى السيد بمال الكتابة صح فإن سلم مال الكتابة إلى الموصى له أو وكيله أو وليه إن كان محجوراً عليه برئ منه وعتق وولاؤه لسيده الذي كاتبه لأنه المنعم عليه وإن ابرأه من المال عتق لأنه برئ من مال الكتابة فأشبه ما لو أدى وإن أعتقه لم يعتق لأنه لا يملك رقبته وإنما وصى له بالمال الذي عليه وإن عجز ورد في الرق صار عبداً للورثة وما قبضه الموصى له من المال فهو له لأنه قبضه بحكم الوصية الصحيحة والأمر في تعجيزه إلى الورثة لأن الحق يثبت لهم بتعجيزه ويصير عبداً لهم فكانت الخيرة في ذلك إليهم وتبطل وصية الموصى له بتعجيزه وإن وصى بمال الكناية للمساكين ووصى إلى من يقبضه ويفرقه بينهم صح ومتى سلم المال إلى الوصي برئ وعتق وإن ابرأه منه لم يبرأ لأن الحق لغيره فإن دفعه المكاتب إلى المساكين لم يبرأ منه ولم يعتق لأن التعيين إلى الوصي دونه وإن وصى بدفع المال إلى غرمائه تعين القضاء منه كما لو وصى به عطية لهم فإن كان إنما وصى بقضاء ديونه مطلقاً كان على المكاتب أن يجمع بين الورثة والوصي بقضاء الدين ويدفعه إليهم بحضرته لأن المال للورثة ولهم قضاء الدين منه ومن غيره وللوصي في قضاء الدين حق لأن له منعهم من التصرف في التركة قبل قضاء الدين

(12/431)


(فصل) إذا مات رجل وخلف ابنين وعبداً فادعى العبد أن سيده كاتبه فصدقاه ثبتت الكتابة لأن الحق لهما وإن أنكراه وكانت له بينة ثبتت الكتابة وعتق بالاداء إليهما وإن عجز فلهما رده إلى الرق وإن لم يعجزاه وصبرا عليه لم يملك الفسخ وإن عجزه أحدهما وأبى الآخر تعجيزه بقي نصفه على الكتابة ورق النصف الآخر فإن لم تكن له بينة فالقول قولهما مع أيمانهما لأن الأصل بقاء الرق وعدم الكتابة وتكون أيمانهما على نفي العلم لأنها يمين على نفي فعل الغير فإن حلفا ثبت رقه وإن نكلا قضي عليهما أوردت اليمين عليه عند من يرى ردها فيحلف العبد وتثبت الكتابة وإن حلف أحدهما ونكل الآخر قضي برق نصفه وكتابة نصفه وإن صدقه أحدهما وكذبه الآخر ثبتت الكتابة في نصفه وعليه البينة في نصفه الآخر فإن لم تكن بينة وحلف المنكر صار نصفه مكاتبا ونصف رقيقاً قناً فإن شهد المقر على أخيه قبلت شهادته لأنه لا يجر إلى نفسه نفعاً ولا يدفع عنها ضرراً فإن كان معه شاهد آخر كملت الشهادة وثبتت الكتابة في جميعه وإن لم يشهد غيره فهل يحلف العبد معه؟ على روايتين وإن لم يكن عدلاً أو لم يحلف العبد معه وحلف المنكر كان نصفه مكاتباً ونصفه رقيقاً ويكون كسبه بينه وبين المنكر نصفين ونفقته من كسبه لأنها على نفسه وعلى مالك نصفه فإن لم يكن له كسب كان على المنكر نصف نفقته ثم إن اتفق هو ومالك نصفه على المهايأة مياومة أو مشاهرة أو كيفما كان جاز فإن طلب أحدهما ذلك وامتنع الآخر أجبر عليها في ظاهر كلام أحمد وهو قول أبي حنيفة، لأن

(12/432)


المنافع مشتركة بينهما فإذا أراد أحدهما حيازة نصيبه من غير ضرر لزم الآخر إجابته كالأعيان ويحتمل أن لا يجبر وهو قول الشافعي لأن المهايأة تأخير حقه الحال لكون المنافع في هذا اليوم مشتركة بينهما فلا تجب الإجابة إليه كتأخير دينه الحال فإن اقتسما الكسب مناصفة أو مهايأة جاز فإن لم يف بأداء نجومه فللمقر رده في الرق وما في يده له خاصة لأن المنكر قد أخذ حقه من الكسب وإن اختلف المنكر والمقر فيما في يد المكاتب فقال المنكر هذا كان في يده قبل دعوى الكتابة أو كسبه في حياة ابينا وأنكر ذلك المقر فالقول قوله مع يمينه لأن المدعي يدعي كسبه في وقت الأصل عدمه فيه ولأنه لو اختلف هو والمكاتب في ذلك كان القول قول المكاتب فكذلك من يقوم مقامه وإن أدى
الكتابة عتق نصيب المقر خاصة ولم يسر إلى نصيب شريكه لأنه لم يباشر العتق ولم ينسب إليه وإنما كان السبب من أبيه وهذا حاك عن أبيه مقر بفعله فهو كالشاهد ولأن المقر بزعم أن نصيب أخيه حر أيضاً لأنه قد قبض من العبد مثل ما قبض فقد حصل أداء مال الكتابة إليهما فعتق كله بذلك وولاء النصف للمقر لأن أخاه لا يدعيه والمقر يدعي أنه كله عتق بالكتابة وهذا الولاء الذي على هذا النصف من نصيبي من الولاء وقال أصحاب الشافعي في ذلك وجهان (أحدهما) كقولنا (والثاني) أن الولاء بين الابنين لأنه يثبت لموروثهما فكان لهما بالميراث

(12/433)


قال شيخنا والصحيح ما قلناه لما ذكرنا ولا يمتنع ثبوت الولاء للأب واختصاص أحد الابنين به كما لو أدعى أحدهما ديناً لأبيه على إنسان وأنكره الآخر فإن المدعي يأخذ نصيبه من الدين ويختص به دون أخيه وإن كان يرثه عن الأب ولذلك لو ادعياه معا وأقاما به شاهداً وأحداً فحلف أحدهما مع الشاهد وأبى الآخر فإن أعتق أحدهما حصته عتق وسرى إلى باقيه إن كان موسراً هذا قول الخرقي لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أعتق شركا له في عبد وكان له ما يبلغ قيمة العبد قوم عليه قيمة العدل وأعطي شركاؤه حصصهم) ولأنه موسر عتق نصيبه من عبد مشترك فسرى إلى باقيه كغير المكاتب وقال أبو بكر والقاضي لا يعتق إلا حصته لأنه إن كان المعتق المقر فهو منفذ وإن كان المنكر لم يسر إلى نصيب المقر لأنه مكاتب لغيره وفي سراية العتق إليه إبطال سبب الولاء عليه فلم يجز ذلك (مسألة) (وإن حل نجم فلم يؤده فللسيد الفسخ وعنه لا يعجز حتى يحل نجمان وعنه لا يعجز حتى يقول قد عجزت) اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله فيما يجوز به للسيد فسخ الكتابة فروي عنه أنه يجوز له الفسخ إذا عجز عن نجم واحد وهو قول الحارث العكلي وابي حنيفة والشافعي لأن السيد دخل على أن يسلم له مال الكتابة على الوجه الذي كاتبه عليه ويدفع إليه المال في نجومه فإذا لم يسلم له لم يلزمه

(12/434)


عتقه لأنه عجز عن أداء النجم في وقته فجاز في وقته فجاز فسخ كتابته كالنجم الأخير ولأنه تعذر العوض في عقد معاوضة ووجد عين ماله فكان له الرجوع كما لو باع سلعة فأفلس المشتري قبل نقد ثمنها (والرواية الثانية) أن السيد لا يملك الفسخ حتى يحل نجمان قبل أدائها وهو ظاهر كلام الخرقي قال القاضي وهو ظاهر كلام أصحابنا روي ذلك عن الحكم وابن أبي ليلى وأبي يوسف والحسن بن صالح لما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال لا يرد المكاتب في الرق حتي يتوالى عليه نجمان ولأن ما بين النجمين محل الأداء الأول فلا يتحقق العجز عنه حتى يفوت محله بحلول الثاني (والراية الثالثة) أنه لا يعجز حتى يقول قد عجزت رواها عنه ابن أبي موسى وروي عنه أنه إذا أدى أكثر مال الكتابة لم يرد إلى الرق واتبع بما بقي وإذا قلنا للسيد الفسخ لم تنفسخ الكتابة بالعجز بل له مطالبة المكاتب بل حل من نجومه لأنه دين له حل فأشبه دينه على الأجنبي وله الصبر عليه وتأخيره به سواء كان قادراً على الأداء أو عاجزا لأنه حق له سمع بتأخيره أشبه الدين على الأجنبي فإن اختار الصبر عليه لم يملك العبد الفسخ بغير خلاف نعلمه قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن المكاتب إذا حل عليه نجم ونجم أو نجومه كلها فوقف السيد عن مطالبته وتركه بحاله أن الكتابة لا تنفسخ ما داما ثابتين على العقد الأول وأن أجله به ثم بدا له الرجوع فله ذلك لأن الحال لا يتأجل بالتأجيل كالقرض وإن اختار

(12/435)


السيد فسخ كتابته ورده إلى الرق فله ذلك بغير حضور حاكم ولا سلطان ولا يلزمه الاستبناء به، فعل ذلك ابن عمر وهو قول شريح والنخعي وأبي حنيفة والشافعي، وقال ابن أبي ليلى لا يكون عجزه إلا عند قاض، وحكي نحوه عن مالك، وقال الحسن إذا عجز استؤني بعد العجز سنتين، وقال الأوزاعي شهرين ولنا ما روى سعيد بإسناده عن ابن عمر أنه كاتب عبداً له على ألف دينار وعجز عن مائة دينار فرده في الرق وبإسناده عن عطية العوفي عن ابن عمر أنه كاتب عبده على عشرين ألفاً فأدى عشرة آلاف ثم أتاه فقال إني طفت العراق والحجاز فردني في الرق فرده وروي عنه أنه كاتب عبداً له
على ثلاثين ألفاً فقال له أنا عاجز فقال له امح كتابتك فقالي امح أنت وروى سعيد بإسناده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فقال (أيما رجل كاتب غلامه على مائة أوقية فعجز عن عشر أواق فهو رقيق) ولأنه عقد عجز عن عوضه فملك فسخه كالمسلم إذا تعذر المسلم فيه فإن قيل فلم كانت الكتابة لازمة من جهة السيد غير لازمة من جهة العبد؟ قلنا بل هي لازمة من الطرفين ولا يملك العبد فسخها وإنما له أن يعجز نفسه ويمتنع من الكسب وإنما جاز له ذلك لوجهين (أحدهما) أن الكتابة تتضمن اعتاقاً بصفة ومن علق عتقه بصفة لم يملك إبطالها ويلزم وقوع العتق بالصفة ولا يلزم العبد الإتيان بها ولا الإجبار عليها

(12/436)


(الثاني) أن الكتابة لحظ العبد دون سيده فكان لازماً لمن ألزم نفسه حظ غيره وصاحب الحظ بالخيار فيه كمن ضمن لغيره شيئاً أو كفل له أو رهن عنده رهناً (فصل) وإذا حل النجم على المكاتب وماله حاضر عنده طولب به ولم يجز الفسخ قبل الطلب كما لا يجوز فسخ البيع والسلم بمجرد وجوب الدفع قبل الطلب فإن طلب منه فذكر أنه غائب عن المجلس في ناحية من نواحي البلد أو قريب منه على مسافة لا تقصر فيها الصلاة لم يمكن إحضاره قريباً لم يجز فسخ الكتابة وأمهل بقدر ما يأتي به إذا طلب الإمهال لأن هذا يسير لا ضرر فيه وإن كان معه مال من غير جنس مال الكتابة فطلب الإمهال ليبيعه بجنس مال الكتابة أمهل وإن كان المال غائباً أكثر من مسافة القصر لم يلزم الامهال وهذا قول الشافعي وقال أبو حنيفة إن كان له مال حاضر أو غائب يرجو قدومه استؤني يومين وثلاثة لا أزيده على ذلك لأن الثلاثة آخر حد القلة والقرب لما بيناه فيما مضى وما زاد عليها في حد الكثرة وهذا كله قريب بعضه من بعض فأما إذا كان قادراً على الأداء واجداً لما يؤديه فامتنع من أدائه أو قال قد عجزت فقال الشريف أبو جعفر وجماعة من أصحابنا المتأخرين بملك السيد الفسخ وهذا الذي ذكره شيخنا في الكتاب المشروح وظاهر كلام

(12/437)


الخرقي وهذا مذهب الشافعي وقال أبو بكر بن جعفر ليس له ذلك ويجبر على تسليم العوض وهو قول
أبي حنيفة ومالك والاوزاعي وقد ذكر ذلك في كتاب البيع وفيه رواية أخرى أنه إذا قدر على اداء المال كله أنه يصير حراً بملك ما يؤدي وقد ذكرناها (فصل) فإن حل النجم والمكاتب غائب بغير إذن سيده فله الفسخ وإن كان غاب بإذنه لم يكن له أن يفسخ لأنه أذن في السفر المانع من الأداء لكن يرفع الأمر إلى الحاكم ليجعل للسيده فسخ الكتابة وإن كان قادراً على الأداء طالبه بالخروج إلى البلد الذي فيه السيد ليؤدي مال الكتابة أو يوكل من يفعل ذلك فإن فعله في أول حال الإمكان عند خروج القافلة إن كان لا يمكنه الخروج إلا معها لم يجز الفسخ وإن أخره مع الإمكان ومضى زمن المسير ثبت للسيد خيار الفسخ وإن كان قد جعل للوكيل الفسخ عند امتناع المكاتب من الدفع إليه جاز وله الفسخ إذا ثبتت وكالته ببينة بحيث يأمن المكاتب إنكار السيد فإن لم يثبت ذلك لم يلزم المكاتب الدفع إليه وكان له عذر يمنع جواز الفسخ لأنه لا يأمن أن يسلم إليه فينكر السيد وكالته ويرجع على المكاتب بالمال وسواء صدقه في أنه وكيل أو كذبه فإن كتب حاكم البلد الذي فيه السيد إلى حاكم البلد الذي فيه المكاتب ليقبض منه المال لم يلزمه ذلك لأن هذا توكيل لا يلزم الحاكم الدخول فيه فإن الحاكم لا يكلف القبض للبالغ الرشيد فإن اختار القبض جرى مجرى الوكيل ومتى قبض منه المال عتق

(12/438)


(مسألة) (وليس للعبد فسخها بحال) لأنها عقد لازم ومقصودها ثبوت الحرية في العبد وذلك حق لله تعالى فلا يملك العبد فسخه وإن كان له فيه حظ وعنه له ذلك لأن العقد لحظه فملك فسخه كالمرتهن له فسخ الرهن دون الراهن وإن اتفق هو والسيد على فسخها جاز لأن الحق لهما فجاز باتفاقهما كفسخ البيع والإجارة (مسألة) (ولو زوج ابنته من مكاتبه ثم مات انفسخ النكاح) إذا زوج السيد ابنته من مكاتبه برضاها ثم مات السيد وكانت من الورثة انفسخ النكاح وبهذا قال الشافعي ويحتمل أن لا ينفسخ حتى يعجز وبه قال أبو حنيفة لأنها لا ترثه وإنما تملك نصيبها من الدين الذي عليه بدليل أن الوارث لو أبرأ المكاتب من الدين عتق وكان الولاء للميت لا للوارث
فإن عجز وعاد رقيقاً قلنا انفسخ النكاح حينئذ لأنها ملكت نصيبها منه ولنا أن المكاتب مملوك لسيده ولا يعتق بموته فوجب أن ينتقل إلى ورثته كسائر أملاكه ولأنها لا يجوز لها ابتداء نكاحه لأجل الملك فانفسخ نكاحها بتجدد ذلك فيه كالعبد القن، وأما كون الولاء للميت فلأن السبب وجد منه فنسب العتق إليه وثبت الولاء له إذا ثبت هذا فلا فرق بين أن ترثه كله أو ترث بعضه لأنها إذا ملكت منه جزءاً انفسخ النكاح فيه فبطل في باقيه لأنه لا ينجز فإن كانت لا ترث أباها لمانع من موانع الميراث فنكاحها

(12/439)


باق بحاله والحكم في سائر الورثة من النساء كالحكم في البنت وكذلك لو تزوج رجل مكاتبة فورثها أو بعضها انفسخ نكاحه لذلك (مسألة) (ويجب على السيد أن يؤتيه ربع مال الكتابة إن شاء وضعه عنه وإن شاء قبضه ثم دفعه إليه) الكلام في الإيتاء في خمسة فصول وجوبه وقدوه وجنسه ووقت جوازه ووقت وجوبه (الفصل الأول) أنه يجب على السيد إيتاء المكاتب شيئاً مما كوتب عليه روي ذلك عن علي رضي الله عنه وبه قال الشافعي وإسحاق وقال بريدة والحسن والنخعي والثوري ومالك وابو حنيفة ليس بواجب لأنه عقد معاوضة فلا يجب فيه الإيتاء كسائر عقود المعاوضات ولنا قول الله تعالى (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) وظاهر الأمر الوجوب قال علي رضي الله عنه: ضعوا عنه ربع مال الكتابة وعن ابن عباس قال ضعوا عنهم مكاتبتهم شيئاً وتفارق الكتابة سائر العقود فإن القصد بها رفق العبد بخلاف غيرها ولأن الكتابة يستحق بها الولاء على العبد مع المعاوضة فكذلك يجب أن يستحق العبد على السيد شيئاً فإن قيل المراد بالإيتاء إعطاؤه سهماً من الصدقة والندب إلى التصدق عليه وليس ذلك واجباً بدليل أن العقد يوجب العوض عليه فكيف يقتضي إسقاط شئ منه؟ قلنا أما الأول فإن علياً وابن عباس فسراه بما ذكرنا وهما أعلم بتأويل القرآن وحمل

(12/440)


الأمر على الندب يخالف مقتضى الأمر فلا يصار إليه إلا بدليل وقولهم أن العقد يوجب عليه فلا يسقط عنه قلنا إنما يجب الرفق به عند آخر كتابته رفقاً به ومواساة له وشكراً لنعمة الله تعالى كما تجب الزكاد مواساة من النعمة التي أنعم الله تعالى بها على عبده ولأن العبد ولي جمع هذا المال وتعب فيه فاقتضى الحال مواساته منه كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإطعام عبده من الطعام الذي ولي حره ودخانه واختص هذا بالوجوب لأن فيه معونة على العتق وإعانة لمن يحق على الله تعالى عونه فإن أبا هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثلاثة حق على الله تعالى عونهم المجاهد في سبيل الله والمكاتب الذي يريد الأداء والناكح الذي يريد العفاف) قال الترمذي هذا حديث حسن (الفصل الثاني) في قدره وهو الربع ذكره الخرقي وأبو بكر وغيرهما من أصحابنا روي ذلك عن علي وقال قتادة العشر وقال الشافعي وابن المنذر يجزي ما يقع عليه الاسم وهو قول مالك إلا أنه عنده مستحب لقول الله تعالى (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) ومن للتبعيض والقليل بعض فيكتفي به وقال ابن عباس ضعوا عنهم من مكاتبتهم شيئاً ولأنه قد ثبت أن المكاتب لا يعتق حتى يؤدي جميع الكتابة بما ذكرنا من الأخبار ولو وجب إيتاؤه الربع لوجوب أن يعتق إذا أدى ثلاثة أرباع الكتابة ولا يجب عليه أداء مال يجب رده إليه وقد روي عن ابن عمر أنه كاتب عبداً له على خمسة وثلاثين ألفاً فأخذ منه ثلاثين وترك له خمسة

(12/441)


ولنا ما روى أبو بكر باسناده عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) قال (ربع المكاتبة) وروي موقوفاً عن علي ولأنه مال يجب إيتاؤه مواساة بالشرع فكان مقدراً كالزكاة ولأن حكمة إيجابه الرفق بالمكاتب وإعانته على تحصيل العتق وهذا لا يحصل باليسير الذي هو أقل ما يقع عليه الاسم فلم يجز أن يكون هو الواجب وقول الله تعالى (وآتوهم من مال الله) إذا ورد غير مقدر فيه فإن السنة بينته وقدرته كالزكاة (الفصل الثالث) في جنسه إن قبض مال الكتابة ثم أعطاه منه أجزأ لأن الآية تقتضيه، وإن وضع عنه مما وجب عليه جاز لأن الصحابة رضي الله عنهم فسروا الآية بذلك ولأنه أبلغ في النفع
وأعون على حصول العتق فيكون أفضل من الإيتاء وتدل الآية عليه من طريق التنبيه وإن أعطاه من جنس مال الكتابة من غيره جاز ويحتمل أن لا يلزم المكاتب قبوله، وهو ظاهر كلام الشافعي لأن الله تعالى أمر بالإيتاء منه ولنا أنه لا فرق في المعنى بين الإيتاء منه والإيتاء من غيره إذا كان من جنسه فوجب أن يتساويا في الأجزاء كالزكاة وغير المنصوص إذا كان في معناه ألحق به ولذلك جاز الحط عنه وليس هو بإيتاء لما كان في معناه وإن آتاه من غير جنسه مثل أن يكاتبه على دراهم فيعطيه دنانير أو عروضاً لم يلزمه قبوله لأنه لم يؤته منه ولا من جنسه ويحتمل اللزوم لحصول الرفق به فإن رضي المكاتب بها جاز

(12/442)


(الفصل الرابع) في وقت جوازه وهو من حين العقد لقول الله تعالى (فكاتبوتهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم) وذلك يحتاج إليه من حين العقد وكلما عجله كان أفضل لأنه يكون أنفع كالزكاة (الفصل الخامس) في وقت وجوبه وهو حين العتق لأن الله تعالى أمر بايتائه من المال الذي آتاه وإذا آتى المال عتق فيجب ايتاؤه حينئذ قال علي رضي الله عنه الكتابة على نجمين والإيتاء من الثاني فإن مات السيد قبل ايتائه فهو دين في تركته لأنه حق واجب فهو كسائر ديونه فإن ضاقت التركة عنه وعن غيره من الديون تحاصوا في التركة بقدر حقوقهم ويقدم على الوصايا لأنه دين وقد قضى النبي صلى الله عليه وسلم أن الدين قبل الوصية (مسألة) (فإن أدى ثلاثة أرباع الكتابة وعجز عن الربع عتق ولم تنفسخ الكتابة في قول القاضي وأصحابه) وهو قول أبي بكر لأنه يجب رده إليه فلا يرد إلى الرق لعجزه عنه لأنه عجز عن أداء حق هو له لا حق للسيد فيه فلا معنى لتعجيزه فيما يجب رده إليه وقال علي رضي الله عنه يعتق بقدر ما أدى لما روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إذا أصاب المكاتب حداً وميراثاً ورث بحساب ما عتق منه ويؤدي المكاتب بحصة ما أدى دية حر وما بقي دية عبد) رواه الترمذي وقال حديث حسن، وروي عن عمر وعلي أنه إذا أدى الشطر فلا رق عليه وروي ذلك عن النخعي

(12/443)


وقال عبد الله بن مسعود إذا أدى قدر قيمته فهو غريم وظاهر كلام الخرقي أنه لا يعتق حتى يؤدي جميع الكتابة وروى الأثرم عن عمر وابنه وزيد بن ثابت وعائشة وسعيد بن المسيب والزهري أنهم قالوا: المكاتب عبد ما بقي عليه درهم وهو قول القاسم وسالم وسليمان بن يسار وعطاء وقتادة والثوري وابن شبرمة ومالك والاوزاعي والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي، وروي ذلك عن أم سلمة لما روى سعيد ثنا هشيم عن حجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (أيما رجل كاتب غلامه على مائة أوقية فعجز عن عشر أواق فهو رقيق) وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (المكاتب عبد ما بقي عليه درهم) رواه أبو داود ولأنه عوض عن المكاتب فلا يعتق قبل ادائه كالقدر المتفق عليه ولأنه لو عتق بعضه لسرى إلى باقيه كما لو باشره بالعتق فأما حديث ابن عباس فمحمول على مكاتب لرجل مات وخلف ابنين فأقر أحدهما بكتابته وأنكر الآخر فأدى إلى المقر وما أشبهها من الصور جمعاً بين الأخبار وتوفيقاً بينها وبين القياس، ولأن قول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا كان لإحداكن مكاتب وكان عنده ما يؤدي فلتحتجب منه) دليل على اعتبار جميع ما يؤدي وروى سعيد بإسناده عن أبي قلابة قال: كن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحتجبن من

(12/444)


ما بقي عليه دينار ويجوز أن يتوقف العتق على اداء الجميع وإن وجب رد البعض إليه كما لو قال ااذا اديت إلى فأنت حر ولله علي رد ربعها إليك فإنه لا يعتق حتى يؤديها وإن وجب عليه رد بعضها (فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (وإذا كاتب عبيداً له كتابة واحدة بعوض واحد صح) مثل أن يكاتب ثلاثة أعبد له بألف فيصح في قول أكثر أهل العلم منهم عطاء وسليمان بن موسى وابو حنيفة ومالك والحسن بن صالح واسحاق وهو المنصوص عن الشافعي وقال بعض أصحابه فيه قول آخر إنه لا يصح لأن العقد مع ثلاثة كعقود ثلاثة عوض كل واحد منهم مجهول فلم يصح كما لو باع
كل واحد منهم لواحد صفقة واحدة بعوض واحد ولنا أن جملة العوض معلومة وإنما جهل تفصيله فلم يمنع صحة العقد كما لو باعهم لواحد وعلى قول من قال إن العوض يكون بينهم على السواء فقد علم أيضاً تفصيل العوض وعلى كل واحد منهم ثلث وكذا يقول فيما لو باعهم لثلاثة إذا ثبت هذا فكل واحد منهم مكاتب بحصته من الألف يقسم بينهم على قدر قيمتهم حين العقد لأنه حين المعاوضة وزوال سلطان السيد عنهم فإذا أداه عتق، وهذا قول عطاء وسليمان بن موسى والحسن بن صالح والشافعي واسحاق وقال أبو بكر عبد العزيز يتوجه لأبي

(12/445)


عبد الله قول آخر أن العوض بينهم على عدد رؤوسهم فيتساوون فيه لأنه أضيف إليهم إضافة واحدة فكان بينهم بالسوية كما لو أقر لهم بشئ ولنا أن هذا عوض فيتقسط على المعوض كما لو اشترى شقصاً وسيفاً وكما لو اشترى عبيداً فرد واحداً منهم بعيب أو تلف أحدهم ورد الآخر ويخالف الإقرار فإنه ليس بعوض إذا ثبت هذا فأيهم أدى حصته عتق وهذا قول الشافعي وقال ابن أبي موسى لا يعتق واحد منهم حتى يؤدي جميع الكتابة وحكي ذلك عن أبي بكر وهو قول مالك وحكي عنه أنه إذ امتنع أحدهم من الكسب مع القدرة عليه أجبر عليه الباقون واحتجوا بأن الكتابة واحدة بدليل أنه لا يصح من كل واحد منهم الكتابة بقدر حصته دون الباقين ولا يحصل العتق إلا بأداء جميع الكتابة كما لو كان المكاتب واحداً وقال أبو حنيفة إن لم يقل لهم السيد إن أديتم عتقتم فأيهم أدى بحصته عتق وإن أدوا جميعها عتقوا كلهم ولم يرجع على صاحبه بشئ وإن قال لهم إن أديتم عتقتم لم يعتق واحد منهم حتى يؤدي الكتابة كلها ويكون بعضهم حميلاً عن بعض ويأخذ أيهم شاء بالمال وأيهم أداها عتقوا كلهم ويرجع على صاحبيه بحصتهما ولنا أنه عقد معاوضة مع ثلاثة فيبرأ كل واحد منهم بأداء حصته كما لو اشتروا عبيداً وكما لو لم يقل لهم إن أديتم عتقتم على أبي حنيفة فإن قوله ذلك لا يؤثر لأن استحقاق العتق بأداء العوض لا بهذا القول بدليل أنه يعتق بالاداء بدون هذا القول ولم يثبت كون هذا القول مانعاً من العتق وقوله إن

(12/446)


هذا العقد كتابة واحدة ممنوع فإن العقد مع جماعة عقود بدليل البيع ولا يصح القياس على كتابة الواحد لأن ما قدره في مقابلة عتقه وههنا في مقابلة عتقه ما يخصه فافترقا إذا ثبت هذا فإنه إن شرط عليهم في العقد أن كان واحد منهم ضامن عن الباقين فسد الشرط والعقد صحيح وقال أبو الخطاب فيه رواية أخرى أن الشرط صحيح وخرجه ابن حامد وجهاً بناء على الروايتين في ضمان الحر لمال الكتابة وقال الشافعي العقد والشرط فاسدان لأن الشرط فاسد ولا يمكن تصحيح العقد بدونه لأن السيد إنما رضي بالعقد بهذا الشرط فإذا لم يثبت لم يكن راضياً بالعقد وقال مالك وأبو حنيفة العقد والشرط صحيحان لأنه من مقتضى العقد عندهما ولنا أن مال الكتابة ليس بلازم ولا مآله إلى اللزوم فلم يصح ضمانة كما لو جعل المال صفة مجردة في العتق فقال إن أديت إلي ألفا فأنت حر ولأن الضامن لا يلزمه أكثر من المضمون عنه ومال الكتابة لا يلزم المكاتب فلا يلزم الضامن ولأن الضمان تبرع وليس للمكاتب التبرع ولان لا يملك الضمان عن حر ولا عمن ليس معه في الكتابة فكذلك من معه وأما العقد فصحيح بدليل أن الكتابة لا تفسد بفساد الشرط بدليل خبر بريرة (فصل) إذا مات بعض المكاتبين سقط قدر حصته نص عليه أحمد في رواية حنبل وكذلك إن أعتق بعضهم وعن مالك إن أعتق السيد أحدهم وكان مكتسباً نفذ عتقه لعدم الضرر فيه وهذا مبني على أنه لا يعتق واحد منهم حتى يؤدي جميع مال الكتابة وقد مضى الكلام فيه

(12/447)


(فصل) فإن أدى أحد المكاتبين عن صاحبه أو عن مكاتب آخر قبل أداء ما عليه بغير علم سيده لم يصح لأن هذا تبرع وليس له التبرع بغير إذن سيده فإن كان قد حل نجم صرف ذلك فيه وإن لم يكن حل عليه نجم فله الرجوع فيه وإن علم السيد بذلك ورضي بقبضه عن الآخر صح لأن قبضه له راضياً مع العلم دليل على الإذن فيه فجاز كما لو أذن فيه صريحاً وإن كان الأداء بعد أن عتق صح سواء علم السيد أو لم يعلم فإذا أراد الرجوع على صاحبه بما أدى عنه وكان قد قصد التبرع عليه لم يرجع به وإن أداه محتسباً بالرجوع عليه بإذن المؤدى عنه رجع عليه لأنه قرض وإن كان بغير إذنه
لم يرجع عليه لأنه تبرع عليه بأداء ما لا يلزمه اداؤه بغير إذنه فلم يرجع عليه كما لو تصدق عنه صدقة تطوع وبهذا فارق سائر الديون وإن كان بإذنه وطلب استيفاءه قدم على أداء مال الكتابة كسائر الديون وإن عجز عن أدائه فحكمه حكم سائر الديون وهذا كله مذهب الشافعي (مسألة) (وإن اختلفوا بعد الاداء في قدر ما أدى كل واحد منهم فالقول قول من يدعي أداء قدر الواجب عليه) وهذا إذا أدوا وعتقوا فقال من كثرت قيمته ادينا على قدر قيمنا وقال الآخر بل أدينا على السواء فبقيت لنا على الاكثر بقيمة فمن جعل العوض بينهم على عددهم قال القول قول من يدعي التسوية ومن جعل على كل واحد قدر حصته فعنده فيه وجهان (أحدهما) القول قول من يدعي

(12/448)


التسوية لأن أيديهم على المال فيتساوون فيه (والثاني) قول من يدعي أداء قدر الواجب عليه لان الظاهران الإنسان لا يؤدي إلا ما عليه (فصل) فإن جنى بعضهم فجنايته عليه دون صاحبه وبهذا قال الشافعي وقال مالك يؤدون كلهم أرشه فإن عجزوا رقوا ولنا قول الله تعالى (ولا تزر وازرة وزر أخرى) وقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يجني جان إلا على نفسه) ولأنه لو اشترك رجلان وتعاقدا لم يحمل أحدهما جناية صاحبه فكذا ههنا ولأن ما لا يصح لا يتضمنه عقد الكتابة ولا يجب على أحدهما بفعل الآخر كالقصاص وقد بينا أن كل واحد منهما مكاتب بقدر حصته فهو كالمنفرد بعقده (فصل) إذا شرط المكاتب في كتابته أن يوالي من شاء فالشرط بالطل والولاء لمن أعتق لا نعلم في بطلان الشرط خلافاً لما روت عائشة رضي الله عنها قالت كانت في بريرة ثلاث قضيات أراد أهلها أن يبيعوها ويشترطوا الولاة فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال (اشتريها واشترطي لهم الولاء فإنما الولاء لمن أعتق) فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فحمد الله وانثى عليه ثم قال (أما بعد

(12/449)


فما بال أناس يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله؟ من اشترط شرطاً ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق وشرط الله أوثق إنما الولاء لمن أعتق) متفق عليه ولأن الولاء لا يصح نقله بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الولاء وهبته وقال (إنما الولاء لمن أعتق) ولأنه لحمة كلحمة النسب فلم يصح اشتراطه لغير صاحبه كالقرابة ولأنه حكم العتق فلم يصح اشتراطه لغير المعتق كما لا يصح اشتراط حكم النكاح لغير الناكح ولا حكم البيع لغير العاقد وسواء شرط أن يوالي من شاء أو شرط لبائعه أو لرجل آخر بعينه ولا تفسد الكتابة بهذا الشرط نص عليه أحمد وقال الشافعي تفسد به كما لو شرط عوضاً مجهولاً ويتخرج لنا مثل ذلك بناء على الشروط الفاسدة في البيع ولنا حديث بريرة فإن أهلها شرطوا لهم الولاء فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بشرائها مع هذا الشرط وقال (إنما الولاء لمن اعتق) ويفارق جهالة العوض فإنه ركن العقد لا يمكن تصحيح العقد إلا به وربما أفضت جهالته إلى التنازع والاختلاف وهذا شرط زائد فإذا حذفناه بقي العقد صحيحاً بحاله فإن قيل المراد بقوله عليه السلام (اشترطي لهم الولاء) أي عليهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يأمر بالشرط الفاسد واللام تستعمل بمعنى على كقوله تعالى (وإن أسأتم فلها) قلنا لا يصح لثلاث وجوه (أحدها) أنه مخالف وضع اللفظ والاستعمال (والثاني) أن أهل بريرة أبو هذا الشرط فكيف يأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بشرط لا يقبلونه؟

(12/450)


(الثالث) أن ثبوت الولاء لها لا يحتاج إلى شرط لأنه مقتضى العتق وحكمه ولأن في بعض الألفاظ (لا يمنعنك هذا الشرط منها، ابتاعي وأعتقي) وإنما أمرها النبي صلى الله عليه وسلم بالشرط تعريفاً لنا ان وجود هذا الشرط كعدمه وأنه لا ينقل الولاء عن المعتق (فصل) فإن شرط السيد على المكاتب أن يرثه دون ورثته أو مزاحمتهم في مواريثهم فهو شرط فاسد في قول عامة العلماء منهم الحسن وعطاء وشريح وعمر بن عبد العزيز والنخعي واسحاق وأجاز اياس بن معاوية أن يشرط شيئاً من ميراثه ولا يصح لأنه يخالف كتاب الله وكل شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل وروى سعيد ثنا هشيم عن منصور عن ابن سيرين
بإسناده أن رجلاً كاتب مملوكه واشترط ميراثه فلما مات المكاتب خاصم ورثته إلى شريح فقضى شريح بميراث المكاتب لورثته فقال الرجل ما يغني شرطي منذ عشرين سنة؟ فقال شريح كتاب الله أنزله على نبيه قبل شرطك بخمسين سنة ولا تفسد الكتابة بهذا الشرط كالذي قبله (فصل) فإن شرط عليه خدمة معلومة بعد العتق جاز وبه قال عطاء وابن شبرمة وقال مالك والزهري لا يصح لأنه ينافي مقتضى العقد أشبه ما لو شرط ميراثه ولنا أنه روي عن عمر رضي الله عنه أنه أعتق كل من يصلي من سبي العرب وشرط عليهم: أن تخدمو الخليفة من بعدي ثلاث سنوات ولأنه اشترط خدمة في عقد الكتابة أشبه ما لو شرطها قبل

(12/451)


العتق ولأنه شرط نفعاً معلوماً أشبه ما لو شرط عوضاً معلوماً ولا نسلم أن ينافي مقتضى العقد فإن مقتضاه العتق عند الأداء وهذا لا ينافيه (فصل) إذا كاتبه على ألفين في رأس كل شهر ألف وشرط أن يعتق عند أداء الأول صح في قياس المذهب ويعتق عند أدائه لأن السيد لو أعتقه بغير أداء شئ صح فكذلك إذا أعتقه عند أذاء البعض ويبقى الآخر ديناً عليه بعد عتقه كما لو باعه نفسه به (مسألة) وتجوز كتابة بعض عبده فإذا أدى عتق كله قاله أبو بكر) لأنها معاوضة فصحت في بعضه كالبيع فإذا أدى جميع كتابته عتق كله لأنه إذا سرى العتق فيه إلى ملك غيره فإلى ملكه أولى ويجب أن يؤدي إلى سيده مثلي كتابته لأن نصف كسبه يستحقه سيده بما فيه من الرق ونصفه يؤدي في الكتابة إلا أن يرضي سيده بتأدية الجميع في الكتابة فيصح وإذا استوفى المال كله عتق نصفه بالكتابة وباقيه بالسراية (مسألة) وتجوز كتابة حصته من العبد المشترك بغير إذن شريكه) إذا كان لرجل نصف عبد فكاتبه صح سواء كان باقيه حراً أو مملوكاً لغيره وسواء أذن الشريك أو لم يأذن وهذا ظاهر قول الخرقي وأبي بكر وهو قول الحكم وابن أبي ليلى وحكي عن الحسن البصري والحسن بن صالح ومالك والعنبري وكره الثوري وحماد كتابته بغير إذن شريكه، وقال

(12/452)


الثوري إن فعل رددته إلا أن يكون بعده فيضمن لشريكه نصف ما في يده وقال أبو حنيفة يصح بإذن الشريك ولا يصح بغير إذنه وهو أحد قولي الشافعي إلا أن أبا حنيفة قال الإذن في ذلك إذن في تأدية مال الكتابة من جميع كسبه ولا يرجع الاذن بشئ منه، وقال أبو يوسف ومحمد يكون جميعه مكاتباً، وقال الشافعي في أحد قوليه إن كان باقيه حراً صحت كتابته وإن كان ملكاً لم يصح سواء أذن فيه الشريك أم لم يأذن لأن كتابته تقتضي إطلاقه في الكسب والسفر وملك نصفه يمنع ذلك ويمنعه أخذ نصيبه من الصدقات لئلا يصير كسباً فيستحق سيده نصفه ولأنه إذا أدى عتق جميعه فيفضي إلى أن يؤدي نصف كتابته ثم يعتق جميعه ولنا أنه عقد معاوضة على نصيبه فصح كبيعه ولانه ملك لم يصح بيعه وهبته فصحت كتابته كما لو ملك جميعه ولأنه ينفذ إعتاقه فصحت كتابته كالعبد الكامل وكما لو كان باقيه حراً عند الشافعي أو أذن فيه الشريك عند الباقين وقولهم إنه يقتضي المسافرة والكسب وأخذ الصدقة قلنا أما المسافرة فليست من المقتضيات الأصلية فوجود مانع منها لا يمنع أصل العقد، وأما الكسب وأخذ الصدقة فإنه لا يمنع كسبه وأخذه الصدقة بجزئه المكاتب ولا يستحق الشريك شيئاً منه لأنه إنما يستحق ذلك بالجزء المكاتب ولا حق للشريك فيه فكذلك ما حصل به كما لو ورث شيئاً بجزئه الحر، وأما الكسب فإن هايأه مالك نصفه فكسب في نوبته شيئاً لم يشاركه فيه أيضاً وإن لم يهايئه فكسب

(12/453)


بجملته شيئاً كان بينهما له بقدر ما فيه من الجزء المكاتب ولسيده الباقي لأنه كسبه بجزئه المملوك فيه فأشبه ما لو كسب قبل كتابته فقسم بين سيديه وقولهم إنه يفضي إلى أن يؤدي بعض الكتابة فيعتق جميعه قلنا يبطل هذا بما لو علق عتق نصيبه على أداء مال فإنه يؤدي عوض البعض ويعتق الجميع على أنا نقول لا يعتق حتى يؤدي جميع الكتابة فإن جميع الكتابة هو الذي كاتبه عليه مالك نصفه ولم يبق منها شئ فلا يعتق حتى يؤدي جميعها ولأنه لا يعتق الجميع بالأداء وإنما يعتق الجزء المكاتب لا غير وباقيه إن كان المكاتب معسراً لم يعتق وإن كان موسراً عتق بالسراية لا بالكتابة ولا يمتنع هذا كما لو أعتق
بعضه عتق جميعه وإذا جاز عتق جميعه باعتاق بعضه بطريق السراية جاز ذلك فيما يجري مجرى العتق (مسألة) (وإذا أدى ما كوتب عليه ومثله لسيده الآخر عتق كله إن كان الذي كاتبه موسراً وعليه قيمة حصة شريكه) وجملة ذلك أن أحد الشريكين إذا كاتب نصيبه لم تسر الكتابة ولم يتعد الجزء الحر الذي كاتبه لأن الكتابة عقد معاوضة فلم تسر كالبيع وليس للعبد أن يؤدي إلى مكاتبه شيئاً حتى يؤدي إلى شريكه مثله سواء أذن الشريك في كتابته أو لم يأذن لأنه إنما أذن في كتابة نصيب شريكه وذلك يقتضي أن يكون نصيبه باقياً له هذا إذا كان الكسب لجميعه فإن أدى الكتابة من جميع كسبه لم

(12/454)


يعتق لأن الكتابة الصحيحة تقتضي العتق ببراءته من العوض وذلك لا يحصل بدفع ما ليس له وإن أدى إليهما جميعاً عتق كله لأن نصفه يعتق بالأداء فإذا عتق سرى إلى سائره ان كان الذي كاتبه موسراً وتلزمه قيمة نصيب شريكه لأن عتقه بسبب من جهته أشبه ما لو باشره بالعتق أو علق عتق نصيبه بصفة فعتق بها فأما إن ملك شيئاً بجزئه المكاتب كمن هايأه سيده فكسب شيئاً في نوبته أو أعطي من الصدقة من سهم الرقاب فلا حق لسيده فيه وله أداء جميعه في كتابته لأنه يستحق ذلك بما فيه من الكتابة فأشبه النصف الباقي بعد إعطاء الشريك حقه ولو كان ثلثه حراً وثلثه مكاتباً وثلثه رقيقاً فورث بجزئه الحر ميراثاً وأخذ بجزئه المكاتب من سهم الرقاب فله دفع ذلك كله في كتابته لأنه ما استحق بجزئه الرقيق شيئاً منه فلا يستحق مالكه منه شيئاً وإذا أدى جميع كتابته عتق فإن كان الذي كاتبه معسراً لم يسر العتق ولم يتعد نصيبه كما إذا واجهه بالعتق إلا على الرواية التي نقول فيها بالاستسعاء فإنه يستسعى في نصيب الذي لم يكاتب وإن كان موسراً سرى إلى باقيه (مسألة) (وإن أعتق الشريك قبل أدائه عتق عليه كله إن كان موسراً وعليه قيمة نصيب المكاتب وقال أبو بكر والقاضي لا يسري إلى النصف المكاتب) لأنه قد انعقد للمكاتب سبب الولاء فلا يجوز ابطاله إلا أن يعجز فيقوم عليه حينئذ، وقال ابن أبي ليلى عتق الشريك موقوف حتى تنظر ما يصنع في الكتابة فإن أداها عتق وكان المكاتب

(12/455)


ضامناً لقيمة نصيب شريكه وولاؤه كله للمكاتب وإن عجز سرى عتق الشريك وضمن نصف القيمة للمكاتب وولاؤه كله له وأما الشافعي فلا يجوز كتابته إلا بإذن شريكه في أحد قوليه فإن كاتبه بإذن شريكه فأعتق الذي لم يكاتب فهل يسري في الحال أو يقف على العجز؟ فيه قولان ولنا أنه عتق لجزء من العبد من موسر غير محجور عليه فسرى إلى باقيه كالقن وقولهم إنه يفضي إلى إبطال الولاء قلنا إذا كان العتق يؤثر في إبطال الملك الثابت الذي الولاء من بعض آثاره فلأن يؤثر في نقل الولاء بمفرده أولى ولأنه لو أعتق عبداً له أولاد من معتقة قوم نقل ولاءهم إليه فإذا نقل ولاءهم الثابت بإعتاق غيرهم فلأن ينقل ولاء لم يثبت بعد بإعتاق من عليه الولاء أولى ولأنه نقل الولاء عمن لم يغرم له عوضاً فلأن ينقله بالعوض أولى فانتقال الولاء في موضع جر الولاء ينبه على سراية العتق وانتقال الولاء إلى المعتق لكونه أولى من ثلاثة أوجه (أحدها) أن الولاء ثم ثابت وهذا بعرض الثبوت (الثاني) أن النقل حصل ثم يا عتاق غيره وههنا بإعتاقه (الثالث) أنه انتقل بغير عوض وههنا بعوض (فصل) وإن كان المعتق معسراً لم يسر عتقه وكان نصيبه حراً وباقيه على الكتابة فإن أدى عتق عليهما وكان ولاؤه بينهما وإن عجز عاد الجزء المكاتب رقيقاً قناً إلا على الرواية التي تقول يستسعى العبد فانه يستعى عند عجزه في قيمة باقيه ولا يستسعى في حال الكتابة لأن الكتابة سعاية فيما اتفقا

(12/456)


عليه فاستغني بها عن السعاية فيما يحتاج إلى التقويم فإذا عجز وفسخت الكتابة بطلت ورجع إلى السعاية في القيمة وحديث ابن عمر حجة لما ذهبنا اله وهو ما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من أعتق شركا له في عبد فإن كان معه ما يبلغ قيمة العبد قوم عليه قيمة العدل وأعطي شركاؤه حصصهم وعتق جميع العبد وإلا فقد عتق منه ما عتق) متفق عليه ورواه مالك في الموطأ عن نافع عن ابن عمر وهذا الحديث حجة على من خالفه وهذا قول الخرقي والله تعالى أعلم (مسألة) (وإن كاتبا عبدهما جاز سواء كان على التساوي أو التفاضل ولا يجوز أن يؤدي
إليهما إلا على التساوي) إذا كان العبد لرجلين فكاتباه معا سواء تساويا في العوض أو اختلفا فيه وسواء اتفق نصيباهما فيه أو اختلفا وسواء كان في عقد واحد أو عقدين صح وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي لا يجوز أن يتفاضلا في المال مع التساوي في الملك ولا التساوي في المال مع التفاضل في الملك لأن ذلك يؤدي إلى أن ينتفع أحدهما بمال الآخر لأنه إذا دفع إلى أحدهما أكثر من قدر ملكه ثم عجز رجع عليه الآخر بذلك

(12/457)


ولنا أن كل واحد منهما يعقد على نصيبه عقد معاوضة فجاز أن يختلفا في العوض كالبيع وما ذكره لا يلزم لأن انتفاع أحدهما بمال الآخر إنما يكون عند العجز وليس ذلك من مقتضيات العقد وإنما يكون عند زواله فلا يضر ولأنه إنما يؤدي إليهما على التساوي فإذا عجز قسم ما كسبه بينهما على قدر الملكين فلم يكن أحدهما منتفعاً إلا بما يقابل ملكه وعاد الأمر بعد زوال الكتابة إلى حكم الرق كأنه لم يزل فإن قيل فالتساوي في الملك يقتضي التساوي في أدائه إليهما ويلزم منه وفاء كتابة أحدهما قبل الآخر فيعتق نصيبه ويسري إلى نصيب صاحبه ويرجع الآخر عليه بنصف قيمته قلنا يمكن أداء كتابته إليهما دفعة واحدة فيعتق عليهما ويمكن أن يكاتب أحدهما على مائة في نجمين في كل نجم خمسون ويكاتب الآخر على مائتين في نجمين في الأول خمسون وفي الثاني مائة وخمسون فيكون وقتهما واحداً فيؤدي إلى كل واحد منهما حقه على أن أصحابنا قد قالوا لا يسري العتق إلى نصيب الآخر ما دام مكاتباً فلا يفضي إلى ما ذكروه وإن قدر إفضاؤه إليه فلا مانع فيه من صحة الكتابة فإنه لا يخل بمقصود الكتابة وهو العتق بها ويكون سراية العتق من غير ضرر بأن يكاتبه على مثلي قيمته فإذا عتق عليه غرم لشريكه نصف قيمته وسلم إليه باقي المال وحصل له ولاء العبد ولا ضرر في هذا ثم لو كان فيه ضرر لكنه قد رضي به حين كتابته على أقل مما كاتبه به شريكه والضرر المرضي به من جهة المضرور لا عبرة به كما لو باشره بالعتق أو أبرأه من مال الكتابة فإنه يعتق عليه ويسري عتقه ويغرم لشريكه وهو جائز فهذا أولى بالجواز

(12/458)


(فصل) ولا يجوز أن يختلفا في التنجيم ولا أن يكون لأحدهما في النجوم قبل النجم الأخير أكثر من الآخر في أحد الوجهين لأنه لا يجوز أن يؤدي إليهما إلا على السواء ولا يجوز تقديم أحدهما بالوفاء على الآخر واختلافهما في ميقات النجوم وقدر المؤدي يفضي إلى ذلك (والثاني) يجوز لأنه يمكن أن يعجل لمن تأخر نجمه قبل محله ويعطي من قل نجمه أكثر من الواجب له ويمكن أن يأذن له أحدهما في الدفع إلى الآخر قبله أو أكثر منه ويمكن أن ينظره من حل نجمه أو يرضي من له الكثير بأخذ دون حقه وإذا أمكن افضاء العقد إلى مقصوده فلا يبطله باحتمال عدم الإفضاء إليه (فصل) وليس للمكاتب أن يؤدي إلى أحدهما أكثر من الآخر ولا يقدم أحدهما على الآخر ذكره القاضي وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي قال شيخنا لا أعلم فيه خلافاً لأنهما سواء فيه فيستويان في كسبه وحقهما متعلق بما في يده تعلقاً واحداً فلم يكن له أن يخص احدهما بشئ منه دون الآخر ولأنه ربما عجز فيعود إلى الرق ويتساويان في كسبه فيرجع أحدهما على الآخر بما في يده من الفضل بعد انتفاعه به مدة فإن قبض أحدهما دون الآخر شيئاً لم يصح القبض وللآخر أن يأخذ منه حصته إذا لم يكن أذن في القبض فإن أذن فيه ففيه وجهان ذكرهما أبو بكر (أحدهما) يصح لأن المنع لحقه فجاز بإذنه كما لو أذن المرتهن للراهن في التصرف فيه أو أذن المشتري للبائع في قبض المبيع قبل أن يوفيه

(12/459)


ثمنه أو اذنا للمكاتب في التبرع ولأنهما لو أذنا له في الصدقة بشئ صح قبض المصدق عليه له كذلك ههنا (والثاني) لا يجوز وهو اختيار أبي بكر ومذهب أبي حنيفة وأحد قولي الشافعي واختيار المزني لأن ما في يد المكاتب ملك له فلا ينفذ إذن غيره فيه وإنما حق سيده في ذمته والأول أصح إن شاء الله تعالى لأن الحق لهم لا يخرج عنهم فإذا اتفقوا على شئ فلا وجه للمنع وقولهم إنه ملك للمكاتب تعليق على العلة ضد ما تقتضيه لأن كونه ملكاً له يقتضي جواز تصرفه فيه على حسب اختياره وإنما المنع لتعلق حق سيده به فإذا أذن زال المانع فصح التقبيض لوجود مقتضيه وخلوه من المانع ثم يبطل بما ذكرنا من المسائل فعلى هذا الوجه إذا دفع إلى أحدهما مال الكتابة بإذن صاحبه عتق نصيبه من
المكاتب لأنه استوفى حقه ويسري العتق إلى باقيه إن كان موسراً وعليه قيمة حصة شريكه لأن عتقه بسببه وهذا قول الخرقي ويضمنه في الحال بنصف قيمته مكاتباً مبقى على ما بقي من كتابته وولاؤه كله له وما في يده من المال للذي لم بقبض منه بقدر ما قبضه صاحبه والباقي بين العبد وبين سيده الذي عتق عليه لان نصفه عتق بالكتابة ونصفه بالسراية فحصة ما عتق بالكتابة للعبد وحصة ما عتق بالسراية للسيد وعلى ما اختاره شيخنا يكون الباقي كله للعبد لأن الكسب كان ملكاً له فلا يزول ملكه عنه بعتقه كما لو عتق بالأداء وقال أبو بكر والقاضي لا يسري العتق في الحال وإنما يسري عند عجزه فعلى قولهما يكون باقياً على الكتابة فإن أدى إلى الآخر عتق عليهما وولاؤه لهما

(12/460)


وما يبقى في يده من كسبه فهو له وإن عجز وفسخت الكتابة قوم على الذي أدى إليه وكان ولاؤه كله له وتنفسخ الكتابة في نصفه، وإن مات فقد مات ونصفه حر ونصفه رقيق ولسيده الذي لم يعتق نصيبه أن يأخذ مما خلفه مثلما أخذه شريكه من مال الكتابة وله نصف ما يبقى والباقي لورثة العبد فإن لم يكن له وارث من نسبه فهو للذي أدى إليه بالولاء وإن قلنا لا يصح القبض فما أخذه القابض بينه ويين شريكه ولا تعتق حصته من المكاتب لأنه لم يستوف عوضه ولغير القابض مطالبة القابض بنصيبه مما قبضه كما لو قبض بغير إذنه وإن لم يرجع غير القابض بنصيبه حتى أدى المكاتب إليه كتابته صح وعتق عليهما جميعاً، وإن مات العبد قبل استيفاء الآخر حقه فقد مات عبداً ويستوفي الذي لم يقبض من كسبه بقدر ما أخذ صاحبه والباقي بينهما قال أحمد في رواية ابن منصور في عبد بين رجلين كاتباه فأدى إلى أحدهما كتابته ثم مات وهو يسعى للآخر لمن ميراثه؟ قال أحمد كل ما كسب العبد في كتابته فهو بينهما ويرجع هذا على الآخر بنصيبه مما أخذ وميراثه بينهما قال ابن منصور: قال اسحاق بن راهويه كما قال (فصل) عجز مكاتبهما فلهما الفسخ والإمضاء فإن فسخا جميعاً أو أمضيا الكتابة جاز ما اتفقا عليه وإن فسخ أحدهما وأمضى الآخر جاز وعاد نصفه رقيقاً قناً ونصفه مكاتباً وقال القاضي تنفسخ الكتابة في جميعه وهو مذهب الشافعي لأن الكتابة لو بقيت في نصفه لعاد ملك الذي
فسخ الكتابة إليه ناقصاً

(12/461)


ولنا أنها كتابة عن ملك أحدهما فلم تنفسخ بفسخ الآخر كما لو انفرد بكتابته ولأنهما عقدان مفردان فلم ينفسخ أحدهما بفسخ الآخر كالبيع وما حصل من القبض لا يمنع لأنه إنما حصل ضمناً لتصرف الشريك في نصيبه فإذا لم يمنع العقد في ابتدائه فلأن لا يبطله في دوامه أولى ولأن ضرره حصل بعقده وفسخه فلا يزال بفسخ عقد غيره ولأن في فسخ الكتابة ضرراً بالمكاتب وسيده وليس دفع الضرر عن الشريك الذي فسخ بأولى من دفع الضرر عن الذي لم يفسخ لوجوه ثلاثة (أحدهما) أن ضرر الذي فسخ حصل ضمناً لبقاء عقد شريكه في ملك نفسه وضرر شريكه يزول بزوال عقده وفسخ تصرفه في ملكه (الثاني) أن ضرر الذي فسخ لم يعتبره الشرع في موضع ولا أصل لما ذكروه من الحكم ولا يعرف له نظير فيكون بمنزلة المصالح المرسلة التي وقع الأجماع على اطراحها وضرر شريكه بفسخ عقده معتبر في سائر عقوده من بيعه وهتبه وغير ذلك فيكون أولى (الثالث) إن ضرر الفسخ يتعدى إلى المكاتب فيكون ضرراً باثنين وضرر الفاسخ لا يتعداه، ثم لو قدر تساوي الضررين لوجب ابقاء الحكم على ما كان عليه ولا يجوز إحداث الفسخ من غير دليل راجح (فصل) وإذا عجز المكاتب ورد في الرق وكان في يده مال فهو لسيده سواء كان من كسبه أو صدقة تطوع أو وصية وما كان من صدقة مفروضة ففيه روايتان (إحداهما) هو لسيده وهو قول

(12/462)


أبي حنيفة وقال عطاء يجعله في السبيل أحب إلي وإن أمسكه فلا بأس (والرواية الثانية) يؤخذ ما بقي في يده فيجعل في المكاتبين نقلها حنبل وهو قول شريح والنخعي والثوري واختار أبو بكر والقاضي أنه يرد إلى أربابه وهو قول إسحاق لأنه إنما دفع إليه ليصرف في العتق فإذا لم يصرف فيه وجب رده كالعازي والغارم وابن السبيل ووجه الرواية الأولى أن ابن عمر رد مكاتباً في الرق فأمسك ما أخذه منه ولأنه يأخذ لحاجته فلم يرد ما أخذه كالفقير والمسكين، وأما الغازي فإنه يأخذ لحاجتنا إليه بقدر ما يكفيه لغزوه.
فأما
الغارم فإن غرم لإصلاح ذات البين فهو كالغازي يأخذ لحاجتنا إليه وإن غرم لمصلحة نسفه فهو كمسئلتنا لا يرده (فصل) فأما ما أداه إلى سيده قبل عجزه فلا يجب رده بحال لأن المكاتب صرفه في الجهة التي أخذه لها وثبت ملك سيده عليه ملكاً مستقراً فلم يزل ملكه عنه كما لو عتق المكاتب ويفارق ما في يد المكاتب فإن ملك سيده لم يثبت عليه قبل هذا والخلاف في ابتداء ثبوته وما تلف في يد المكاتب لم يرجع به عليه سواء عجز أو أدى لأن ماله تلف في يده أشبه ما لو تلف في يد سائر أصناف الصدقة وإن اشترى به عرضاً وعجز والعرض في يده ففيه من الخلاف مثل ما لو وجده بعينه لأن العرض عوضه وقائم مقامه فأشبه ما لو أعطى الغازي من الصدقة ما اشترى به فرساً وسلاحاً ثم فضل عن حاجته (فصل) وموت المكاتب قبل الأداء كعجزه فيما ذكرنا لأن سيده يأخذ ما في يده قبل حصول

(12/463)


مقصود الكتابة وإن أدى وبقي في يده شئ فحكمه في رده وأخذه حكم سيده في ذلك عند عجزه لأنه مال لم يؤده في كتابته بقي بعد زوالها، فإن كان قد استدان ما أداه في الكتابة وبقي عنده من الصدقة ما يقضي به دينه لم يلزمه رده لأنه محتاج إليه بسبب الكتابة فأشبه ما يحتاج إليه في أدائها (فصل) إذا قال السيد لمكاتبه متى عجزت بعد موتي فأنت حر فهذا تعليق للحرية على صفة تحدت بعد الموت وفيه اختلاف ذكرناه، فإن قلنا لا يصح فلا كلام وإن قلنا يصح فمتى عجز بعد الموت صار حراً بالصفة، فإن ادعى العجز قبل حلول النجم لم يعتق لأنه لم يجب عليه شئ يعجز عنه.
وإن كان بعد حلوله ومعه ما يؤديه لم يقبل قوله لأنه غير عاجز وإن لم يكن معه مال ظاهر فصدقه الورثة عتق وإن كذبوه فالقول قوله مع يمينه لأن الأصل عدم المال وعجزه فإذا حلف عتق وإذا عتق بهذه الصفة كان ما في يده له إن لم تكن كتابته فسخت لأن العجز لا تنفسخ به الكتابة وإنما يثبت به استحقاق الفسخ والحرية تحصل به بأول وجوده فتكون الحرية قد حصلت له في حال كتابته فيكون ما في يده له كما لو عتق بالإبراء من مال الكتابة ومقتضى قول بعض أصحابنا أن كتابته تبطل ويكون ما في يده لورثة سيده (فصل) إذا كاتب عبداً في صحته ثم أعتقه في مرض موته أو أبرأه من مال الكتابة فإن كان
يخرج من ثلثه الأقل من قيمته أو مال كتابته عتق مثل أن يكون له سوى المكاتب مائتان وقيمة

(12/464)


المكاتب مائة ومال الكتابة مائة وخمسة فانا نعتير قيمته دون مال الكتابة وهي تخرج من الثلث وإن كان بالعكس اعتبرنا مال الكتابة ونفذ العتق ويعتبر الباقي من مال الكتابة دون ما أدي منها وإنما اعتبرنا الأقل لأن قيمته إن كانت أقل فهي قيمة ما أتلف بالإعتاق ومال الكتابة ما استقر عليه فإن للعبد إسقاطه بتعجيز نفسه أو يمتنع من أدائه فلا يجبر عليه فلم يحتسب له به وإن كان عوض الكتابة أقل اعتبرناه لأنه يعتق بأدائه ولا يستحق السيد عليه سواه وقد ضعف ملكه فيه وصار عوضه وإن كان كل واحد منهما لا يخرج من الثلث مثل أن يكون ماله سوى المكاتب مائة فإنا نضم الأقل من قيمته أو مال الكتابة ونعمل بحسابه قيعتق منه ثلثاه ويبقى ثلثه بثلث مال الكتابة فإن أداه عتق وإلا رق منه ثلثه ويحتمل أنه إذا كان مال الكتابة مائة وخمسين فيفي ثلثه بخمسين فأداها أن نقول قد زاد مال الميت لأنه حسب على الورثة بمائة وحصل لهم ثلثه خمسون فقد زاد مال الميت فينبغي أن يزيد ما يعتق منه لأن هذا المال يحصل لهم بعقد السيد والإرث عنه ويجب أن يكون المعتبر من مال الكتابة ثلاثة أرباعه لأن ربعه يجب إيتاؤه للمكاتب فلا يحسب من مال الميت فإن كان ثلاثة أرباع مال الكتابة مائة وخمسين وقيمة العبد مائة وللميت مائة أخرى عتق من العبد ثلثاه وحصل للورثة من كتابة البعد خمسون عن ثلث العبد المحسوب عليهم ثلث المائة فقد زاد لهم ثلث الخمسين فيعتق من العبد قدر ثلثها وهو تسع الخمسين وذلك نصف تسعه فصار العتق ثابتاً في ثلثيه ونصف تسعه

(12/465)


وحصل للورثة المائة وثمانية أتساع الخمسين وهو مثلا ما عتق منه.
فإن قيل لم أعتقتم بعضه وقد بقي عليه بعض مال الكتابة؟ قلنا إنما أعتقنا بعضه ههنا بإعتاق سيده لا الكتابة، ولما كان العتق في مرض موته نفذ في ثلث ماله وبقي باقيه لحق الورثة، والموضع الذي لا يعتق إلا بأداء جميع الكتابة إذا كان عتقه بها لأنه إذا بقي عليه شئ فما حصل لاستيفاء يخص المعاوضة فلم تثبت الحرية في العوض (فصل) فإن وصى سيده بإعتاقه أو إبرائه من الكتابة وكان يخرج من ثلثه أقل الامرين من
قيمته أو مال الكتابة فالحكم فيه كالحكم فيما إذا أعتقه في مرضه أو أبرأه إلا أنه لا يحتاج ههنا إلى إيقاع العتق لأنه أوصى به وإن لم يخرج الأقل منهما من ثلثه عتق منه بقدر الثلث ويسقط من الكتابة بقدر ما عتق ويبقى باقيه على باقي الكتابة فإذا أداه عتق جميعه وإن عجز عتق منه بقدر الثلث ورق الباقي.
وقياس المذهب أن يتنجز عتق ثلثه في الحال وإن لم يحصل للورثة في الحال شئ لأن حق الورثة متحقق الحصول فإنه إن أدى وإلا عاد الباقي قناً وذكر القاضي فيه وجهاً آخر أنه لا يتنجز عتق شئ منه إذا لم يكن للميت مال سواه لئلا يتنجز للوصية ما عتق ويتأخر حق الوارث ولذلك لو كان له مال غائب أو دين حاضر لم يتنجز وصيته من الحاضر والأول أصح لما ذكرناه وأما الحاضر والغائب فإنه إن كان موصى له بالحاضر أخذ ثلثه في الحال ووقف الباقي على قدوم الغائب فقد حصل

(12/466)


للموصى له ثلث الحاضر ولم يحصل للورثة شئ في الحال فهي كسمئلتنا ولم تكمل له جميع وصيته لأن الغائب غير موثوق بحصوله فإنه ربما تلف بخلاف ما نحن فيه.
فأما الزيادة الحاصلة بزيادة مال الكتابة فإنها تقف على أدائه (فصل) قال الخرقي وإذا كان العبد لتلاثة فجاءهم بثلثمائة درهم فقال بيعوني نفسي بها فأجابوه فلما عاد إليهم ليكتبوا له كتابا أنكر أحدهم أن يكون أخذ شيئاً وشهد الرجلان عليه بالأخذ فقد صار العبد حراً بشهادة الشريكين إذا كانا عدليل ويشاركهما فيما أخذا من المال وليس على العبد الشئ، اعترض على الخرقي في هذه المسألة حيث أجاز له شراء نفسه بعين ما في يده مع أنه قد ذكر في باب العتق: إذا قال العبد لرجل اشترني من سيدي بهذا المال وأعتقني فاشتراه بعين المال كان الشراء والعتق باطلاً ويكون السيد قد أخذ ماله.
فأجاب القاضي عن هذا الإشكال بوجوه: منها أن يكون مكاتباً وقوله بيعوني نفسي بهذه أي أعجل لكم الثلاثمائة وتضعون عني ما بقي من كتابتي ولهذا ذكرها في باب المكاتب (الثاني) أن يكون العبد لأجنبي قال له اشتر نفسك بها من غير أن يملكه إياها (الثالث) أن يكون عتقاً بصفة تقديره إذا قبضنا منك هذه الدراهم فأنت حر (الرابع) أن يكون سادته رضوا ببيعه نفسه بما في يده وفعلهم ذلك معه إعتاق منهم مشروط بتأدية ذلك إليهم فتكون صورته صورة
البيع ومعناه العتق بشرط الأداء كما لو قال بعتك نفسك بخدمتي سنة فإن منافعه مملوكة لسيده وقد صح

(12/467)


هذا فيها فكذا ههنا قال شيخنا وهذا الوجه أظهر إن شاء الله تعالى لأنه لا يحتاج إلى تأويل ومتى أمكن حمل الكلام على ظاهره لم يجز تأويله بغير دليل.
إذا تقرر هذا فمتى اشتري العبد نفسه من سادته عتق لأن البيع يخرجه عن ملكهم ولا يثبت عليه ملك آخر إلا أنه ههنا لا يعتق إلا بالقبض لأنا جعلناه عتقاً مشروطاً به ولهذا قال الخرقي وقد صار العبد حراً بشهادة الشريكين اللذين شهدا بالقبض ولو عتق بالبيع لعتق باعترافهم به لا بالشهادة بالقبض ومتى أنكر أحدهم أخذ نصيبه من الثمن فشهد عليه شريكاه وكانا عدلين قبلت شهادتهما لأنهما شهدا للعبد بأداء ما يعتق به فقبلت شهادتهما كالأجنبيين ويرجع المشهود عليه عليهما فيشاركهما فيما أخذاه لأنهما اعترفا بأخذ مائتين من ثمن العبد والعبد مشترك بينهم فثمنه يجب أن يكون بينهم ولأن ما في يد العبد لهم والذي أخذاه كان في يده فيجب أن يشترك فيه الجميع ويكون بينهم بالسوية وشهادتهما فيما لهما فيه نفع غير مقبولة ودفع مشاركته لهما فيه نفع لهما فلم تقبل شهادتهما فيه وقبلت بما ينتفع به العبد دون ما ينتفعان به كما لو اقر بشئ لغيرهما فيه نفع فإن إقرارهما يقبل فيما عليهما دون مالهما وقياس المذهب أن لا تقبل شهادتهما على شريكهما بالقبض لأنهما يدفعان بها عن أنفسهما ضرراً ومغرماً ومن شهد بشهادة يجر إلى نفسه نفعاً بطلت شهادته في الكل وإنما يقبل ذلك في الإقرار لأن العدالة غير معتبرة فيه والتهمة لا تمنع من صحته بخلاف الشهادة فعلى هذا القياس يعتق نصيب الشاهدين باقرارهما ويبقى نصيب المشهود عليه موقوفاً على

(12/468)


القبض وله مطالبته بنصيبه أو مشاركة صاحبيه بما أخذ فإن شاركهما أخذ منهما ثلثي مائة ورجع على العبد بتمام المائة ولا يرجع المأخوذ منه على الآخر بشئ لأنه إن أخذ من العبد فهو يقول ظلمني وأخذ مني مرتين وإن أخذ من الشاهدين فهما يقولان ظلمنا وأخذ منا ما لا يستحقه علينا ولا يرجع المظلوم على غير ظالمه وإن كانا غير عدلين فكذلك سواء قلنا إن شهادة العدلين مقبولة أو لا لأن غير العدل لا تقبل شهادته وانما يؤاخذ بإقراره وإن أنكر الثالث البيع فنصيبه باق على الرق.
إذا حلف
إلا أن يشهدا عليه بالبيع ويكونان عدلين فتقبل شهادتهما لأنهما لا يجران إلى نفسهما بهذه الشهادة نفعاً (فصل) وإذا كان العبد بين شريكين فكاتباه بمائة فادعى دفعها إليهما وصدقاه عتق وإن أنكراه ولم تكن بينة فالقول قولهما مع أيمانهما وإن أقر أحدهما وأنكر الآخر عتق نصيب المقر، وأما المنكر فعلى قول الخرقي تقبل شهادة شريكيه عليه إذا كانا عدلا فيحلف العبد مع شهادتهما ويصير حراً ويرجع المنكر على الشاهد فيشاركه فيما أخذه، وأما القياس فيقتضي أن لا تسمع شهادة شريكه عليه لانه يدفع بشهادته عن نفسه مغرماً والقول قول السيد مع يمينه فإذا حلف فله مطالبة شريكه بنصف ما اعترف به وهو خمسة وعشرون لأن ما قبضه كسب العبد وهو مشترك بينهما فإن قيل فالمنكر ينكر قبض شريكه فكيف يرجع عليه؟ قلنا إنما ينكر قبض نفسه وشريكه مقر بالقبض ويجوز أن يكون قد قبض فلم يعلم به وإذا أقر بمتصور لزمه حكم اقراره ومن حكمه جواز رجوع شريكه عليه

(12/469)


فإن قيل لو كان عليه دين لاثنين فوفى أحدهما لم يرجع الآخر على شريكه فلم رجع ههنا؟ قلنا إن كان الدين ثابتاً بسبب واحد فما قبض أحدهما منه رجع به الآخر عليه كمسئلتنا وعلى أن هذا يفارق الدين لكون الدين لا يتعلق بما في يد الغريم إنما يتعلق بذمته حسب والسيد يتعلق حقه بما في يد المكاتب فلا يدفع شيئاً منه إلى أحدهما إلا كان حق الآخر ثابتاً فيه.
إذا ثبت هذا فإنه إن رجع على العبد بخمسين استقر ملك الشريك على ما أخذه ولم يرجع العبد عليه بشئ لأنه إنما قبض حقه، وإن رجع على الشريك رجع عليه بخمسة وعشرين وعلى العبد بخمسة وعشرين ولم يرجع أحدهما على الآخر بما أخذه منه لما ذكرنا من قبل، وإن عجز العبد باداء ما رجع به عليه فله تعجيزه واسترقاقه ويكون نصفه حراً ونصفه رقيقاً ويرجع على الشريك بنصف ما أخذه ولا تسري الحرية فيه لأن الشريك والعبد يعتقدان أن الحرية ثابتة في جميعه وأن المنكر غاصب لهذا النصف الذي استرقه ظالماً باسترقاقه والمنكر يدعي رق العبد جميعه ولا يعترف بحرية شئ منه لأنه يزعم أنه ما قبضت نصيبي من كتابته وشريكي إن قبض شيئاً استحق نصفه بغير إذني فلا يعتق شئ منه بهذا القبض وسراية العتق ممتنعة على كلا القولين والسراية إنما تكون فيما إذا أعتق بعضه وبقي بعضه رقيقاً وجميعهم متفقون
على خلاف ذلك وهذا منصوص الشافعي (فصل) فإن ادعى العبد أنه دفع المائة إلى أحدهما ليدفع إلى شريكه حقه ويأخذ الباقي فأنكر

(12/470)


المدعى عليه حلف وبرئ فإن قال إنما دفعت إلى حقي وإلى شريكي حقه ولا بينة للعبد فالقول قول المدعى عليه في أنه لم يقبض إلا قدر حقه مع يمينه ولا نزاع ببن العبد وبين الآخر لأنه لم يدع عليه شيئاً وله مطالبة العبد بجميع حقه وله مطالبته بنصفه ومطالبة القابض بنصف ما قبضه فإن اختار مطالبة العبد فله القبض منه بغير يمين وإن اختار الرجوع على شريكه بنصفه فللشريك عليه اليمين أنه لم يقبض من المكاتب شيئاً لأنه لو أقر بذلك لسقط حقه من الرجوع فإذا أنكره لزمته اليمين فان شهد القابض على شريكه بالقبض لم تقبل شهادته لمعنيين (أحدهما) أن المكاتب لم يدع عليه شيئاً وإنما تقبل البينة إذا شهدت بصدق المدعي (الثاني) أنه يدفع عن نفسه مغرماً فإن عجز العبد فلغير القابض أن يسترق نصفه ويقوم عليه نصيب شريكه لأن العبد معترف برقة غير مدع لحرية هذا النصيب بخلاف التي قبلها ويحتمل أن لا يقوم أيضاً لأن القابض يدعي حرية جميعه والمنكر يدعي ما يوجب رق جميعه فإنهما يقولان ما قبضه قبضه بغير حق فلا يعتق حتى يسلم إلى مثل ما سلم إليه وإذا كان أحدهما يدعي جميعه والآخر يدعي جزأه فما اتفقا على حرية البعض دون البعض (فصل) وإن اعترف المدعي بقبض المائة على الوجه الذي ادعاه المكاتب وقال قد دفعت إلى شريكي نصفها فأنكر الشريك فالقول قوله مع يمينه وله مطالبة من شاء منهما بجميع حقه وللمرجوع عليه أن يحلفه فإن رجع على الشريك فأخذ منه خمسين كان له ذلك لأنه اعترف بقبض المائة كلها

(12/471)


ويعتق المكاتب لأنه وصل إلى كل واحد منهما قدر حقه من الكتابة ولا يرجع الشريك عليه بشئ لأنه يعترف له بأداء ما عليه وبراءته منه وإنما يزعم أن شريكه ظلمه فلا يرجع على غير ظالمه وإن رجع على العبد فله أن يأخذ منه الخمسين لأنه يزعم أنه ما قبض شيئاً من كتابته وللعبد الرجوع على القابض بها سواء صدقه في دفعها إلى المنكر أو كذبه لأنه وإن دفعها فقد دفعها دفعا غير مبر فكان
مفرطاً ويعتق العبد بأدائها فإن عجز عن أدائها فله أن يأخذها من القابض ثم يسلمها فإن تعذر ذلك فله تعجيزه واسترقاق نصفه ومشاركة القابض في الخمسين التي قبضها عوضاً عن نصيبه ويقوم على الشريك القابض إن كان موسراً إلا أن يكون العبد يصدقه في دفع الخمسين إلى شريكه فلا يقوم لأنه يعترف أنه حر وأن هذا ظلمه باسترقاق نصفه الحر وإن أمكن الرجوع على القبض بالخمسين ودفعها إلى المنكر فامتنع من ذلك فهل يملك المنكر تعجيزه واسترقاق

(12/472)


نصفه؟ على وجهين بناء على القول في تعجيز العبد نفسه مع القدرة على الأداء إن قلنا له ذلك فللمنكر استرقاقه، وإن قلنا ليس له ذلك فليس للمنكر استرقاقه لأنه قادر على الأداء فإن قيل فلم لا يرجع المنكر على القابض بنصف ما قبضه إذا استرق نصف العبد؟ قلنا لأنه لو رجع بها لكان قابضاً جميع حقه من مال الكتابة فيعتق المكاتب بذلك إلا أن يتعذر قبضها في نجومها فتنفسخ الكتابة ثم يطالب بها بعد ذلك فيكون له الرجوع بنصفها كما لو كانت غائبة في بلد آخر وتعذر تسليمها حتى فسخت الكتابة والله أعلم (فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (وإن اختلفا في الكتابة فالقول قول من ينكرها) لأن الأصل معه (مسألة) (وإن اختلفا في عوضها فالقول قول السيد في إحدى الروايتين) إذا اختلفا في عوض الكتابة فقال السيد كاتبتك على ألفين وقال المكاتب على ألف فعنه ثلاث روايات (أحدها) القول قول السيد ذكره الخرقي قال القاضي هذا المذهب نص عليه أحمد

(12/473)


في رواية الكوسج وهو قول الثوري والاوزاعي واسحاق وقال أبو بكر اتفق أحمد والشافعي على أنهما يتحالفان ويترادان وهو قول أبي يوسف ومحمد لأنهما اختلفا في عوض العقد القائم بينهما فيتحالفان إذا لم تكن بينة كالمتبايعين وحكي عن أحمد رواية ثالثة أن القول قول المكاتب وهو قول أبي حنيفة لأنه منكر للألف الزائد والقول قول المنكر لأنه مدعى عليه فيدخل في عموم قوله عليه السلام (ولكن اليمين على المدعي عليه) ووجه الأولى أنه اختلاف في الكتابة فالقول قول
السيد فيه كما لو اختلفا في أصلها ويفارق البيع من وجهين (أحدهما) أن الأصل في البيع عدم ملك كل واحد منهما لما صار إليه والأصل في المكاتب وكسبه أنه لسيده فالقول قوله فيه (الثاني) أن التحالف في البيع مفيد ولا فائدة في التحالف في الكتابة فإن الحاصل منه يحصل بيمين السيد وحده وبيان ذلك أن الحاصل بالتحالف فسخ الكتابة ورد العبد إلى الرق إذا لم يرض بما حلف عليه سيده وهذا يحصل عند من جعل القول قول السيد مع يمينه فلا يشرع التحالف مع عدم فائدته

(12/474)


وإنما قدمنا قول المنكر في سائر المواضع لأن الأصل معه والأصل ههنا مع السيد لأن الأصل ملكه للعبد وكسبه.
إذا ثبت هذا فمتى حلف السيد ثبتت الكتابة بألفين كما لو اتفقا عليها وسواء كان اختلافهما قبل العتق او بعده مثل أن يدفع إليه ألفين فيعتق ثم يدعي المكاتب أن أحدهما عن الكتابة والآخر وديعة ويقول السيد بل هي جميعاً مال الكتابة ومن قال بالتحالف قال إذا تحالفا فلكل واحد منهما فسخ الكتابة إلا أن يرضي بقول صاحبه وإن كان التحالف بعد العتق في مثل الصورة التي ذكرناها لم ترتفع الحرية لأنها لا يمكن رفعها بعد حصولها ولا إعادة الرق بعد رفعه ولكن يرجع السيد بقيمة ويرد إليه ما أدى إليه فإن كانا من جنسن واحد تقاصا بقدر أقلهما وأخذ ذو الفضل فضله (مسألة) (وإن اختلفا في وفاء مالها فقال العبد أديت وعتقت وأنكر السيد فالقول قول السيد مع يمينه) لأنه منكر والقول قول المنكر وإن اختلفا في ابرائه من مال الكتابة أو شئ منه فالقول قول السيد مع يمينه لذلك

(12/475)


(فصل) إذا كاتب عبدين واستوفى من أحدهما ولم يدر أيهما استوفى فقياس المذهب أن يقرع بينهما فمن خرجت له القرعة عتق ورق الآخر كما لو أعتق عبداً من عبيده وأنسيه وإن ادعى الآخر عليه أنه أدى فعليه اليمين أنه ما أدى فإن نكل عتق الآخر وإن مات السيد قبل القرعة أقرع الورثة فإن ادعى الآخر عليهم أنه المؤدي فعليهم اليمين أنهم لا يعلمون أنه أدى لأنها يمين على نفي فعل الغير
فإن أقام أحد العبدين بينة أنه أدى عتق سواء كان قبل القرعة أو بعدها في حياة سيده أو بعد موته وإن كان ذلك قبل القرعة تعينت الحرية فيه ورق الآخر فإن كان بعدها فكذلك لأن القرعة ليست عتقاً وإنما هي معينة للعتق والبينة أقوى منها فيثبت بها خطأ القرعة فيتبين بقاء الرق في الذي ظننا حريته كما تبينا حرية من ظننا رقه ولأن من لم يؤد لا يصير مؤديا بوقوع القرعة له فلا يوجد حكمه الذي هو العتق ويتخرج على قول أبي بكر وابن حامد أن يعتقا على ما نذكر في الطلاق، وكذلك الحكم فيما إذا ذكر السيد المؤدي منهما ومتى ادعى الآخر أنه أدى فله اليمين على المدعى عليه من

(12/476)


السيد والورثة إلا أن السيد يحلف على البت، وأما الورثة فإن ادعى أنه دفع إلى موروثهم حلفوا على نفي العلم وإن ادعى أنه دفع إليهم حلفوا على البت وعلى كل واحد من الورثة يمين لأن كل واحد منهم مدعى عليه فلزمته اليمين كما لو انفرد بالدعوى (فصل) إذا كان للمكاتب أولاد من معتقة غير سيده فقال سيده قد أدى إلى وعتق فانجر ولاء ولده إلي فأنكر ذلك مولى أمهم وكان المكاتب حياً صار حراً بهذا القول لأنه إقرار من سيده بعتقه وينجر ولاء ولده إليه وإن كان ميتاً فالقول قول مولى أمهم لأن الأصل بقاء الرق وبقاء ولائهم له فيحلف ويبقى ولاؤهم له (مسألة) (وإن أقام العبد شاهداً وحلف معه أو شاهد وامرأتين ثبت الأداء وعتق وهذا قول الشافعي) لأن النزاع بينهما في أداء المال والمال يقبل فيه الشاهد واليمين والرجل والمرأتان فإن قيل القصد من هذه الشهادة العتق وهو لا يثبت بشاهد ويمين قلنا بل يثبت بشاهد

(12/477)


ويمين في رواية، وإن سلمنا أن الشهادة لا تثبت لكن الشهادة ههنا بأداء المال والعتق يحصل عند أدائه بالعقد الأول ولم يشهد الشاهد به ولا بينهما فيه نزاع ولا يمتنع أن يثبت بشهادة الواحد ما يترتب عليه أمر لا يثبت إلا بشاهدين كما أن الولادة تثبت بشهادة النساء ويترتب عليها ثبوت النسب الذي لا يثبت بشهادة النساء ولا بشاهد واحد
(فصل) فإن لم يكن للعبد شاهد وأنكر السيد فالقول قوله فإن قال لي شاهد غائب أنظر ثلاثاً فإن جاء وإلا حلف السيد ثم متى جاء شاهده وأدى الشهادة ثبتت حريته وإن جرح شاهده فقال لي شاهد آخر أنظر ثلاثاً لما ذكرناه (فصل) وإن أقر السيد بقبض مال الكتابة عتق العبد إذا كان ممن يصح اقراره وإن أقر بذلك في مرض موته قبل لأنه إقرار لغير وارث فيقبل وإن قال استوفيت كتابتي كلها عتق العبد وإن قال استوفيتها كلها إن شاء الله أو إن شاء زيد عتق ولم يؤثر الاستثناء لأن هذا الاستثناء لا

(12/478)


مدخل له في الاقرار قال أحمد في رواية أبي طالب إذا قال له ألف إن شاء الله كان مقراً بها ولأن هذا الاستثناء تعليق بشرط والذي يتعلق بالشرط إنما هو المستقبل، وأما الماضي فلا يمكن تعليقه لأنه قد وقع على صفة لا يتغير عنها بالشرط وإنما يدل الشرط على الشك فيه فكأنه قال استوفيت كتابتي وأنا أشك فيه فيلغو الشك ويثبت الاقرار وإن قال استوفيت آخر كتابتي وقال إنما أردت أني استوفيت النجم الآخر دون ما قبله وادعى العبد اقراره باستيفاء الكل فالقول قول السيد لأنه أعرف بمراده والله أعلم (فصل) قال رضي الله عنه (والكتابة الفاسدة مثل أن يكاتبه على خمر أو خنزير تغلب فيها حكم الصفة في أنه إذا أدى عتق ولا يعتق بالإبراء) إذا كاتبه كتابة فاسدة على عوض مجهول أو حال أو محرم كالخمر والخنزير فقد روي عن أحمد رحمه الله ما يدل عليه أن الكتابة على العرض المحرم باطلة لا يعتق بالأداء فيها اختاره أبو بكر فإنه

(12/479)


روي عن أحمد أنه قال: إذا كاتبه كتابة فاسدة فأدى ما كوتب عليه عتق ما لم تكن الكتابة محرمة فحكم بالعتق بالأداء إلا في المحرمة واختار القاضي أنه يعتق بالاداء كسائر الكتابات الفاسدة ويمكن حمل كلام القاضي على ما إذا جعل السيد الأداء شرطاً للعتق فقال إذا أديت لي فأنت حر فأدى فإنه يعتق بالصفة المجردة لا بالكتابة ويثبت في هذه الكتابة حكم الصفة في العتق بوجودها لا حكم الكتابة فأما إن شرط في
في الكتابة شرطاً فاسداً فالمنصوص أنه لا يفسدها لكن يلغو الشرط وتصح الكتابة ويتخرج أن يفسدها بناء على الشروط الفاسدة في البيع وهو مذهب الشافعي وقد ذكرناه فأما الكتابة الفاسدة التي لا تكون عوضاً محرماً فإنها تساوي الصحيحة في أربعة أحكام (أحدها) أنه يعتق ما كوتب عليه سوا صرح بالصفة بأن يقول إذا أديت إلى فأنت حر أو لم يقل لأن معنى الكتابة يقتضي هذا فيصير كالمصرح به فيعتق بوجوده كالصحيحة (الثاني) إذا أعتقه بالأداء لم تلزمه قيمة نفسه ولم يرجع على سيده بما أعطاه ذكره أبو بكر وهو

(12/480)


ظاهرا كلام أحمد وقال الشافعي يتراجعان فيجب على العبد قيمته وعلى السيد ما أخذه فيتقاصان بقدر أقلهما إن كانا من جنس واحد ويأخذ ذو الفضل فضله لأنه عقد معاوضة فاسد فوجب التراجع فيه كالبيع الفاسد ولنا أنه عقد كتابة حصل العتق فيه بالأداء فلم يجب التراجع كما لو كان العقد صحيحاً ولأن ما يأخذه السيد فهو من كسب عبده الذي يملك كسبه فلم يجب رده والعبد عتق بالصفة فلم تجب عليه قيمته كما لو قال إن دخلت الدار فأنت حر وأما البيع الفاسد فإنه إن كان بين هذا وسيده فلا رجوع على السيد بما أخذه وإن كان بينه وبين غيره فإنه أخذ مالا يستحقه ودفع إلى الآخر ما لا يستحقه بعقد المقصود منه المعاوضة بخلاف هذا في مسئلتنا (الثالث) أن المكاتب يملك التصرف في كسبه لأن عقد الكتابة تضمن الإذن في ذلك وله أخذ الصدقات والزكوات لأنه مكاتب يعتق بالأداء أشبه الكتابة الصحيحة (الرابع) أنه إذا كاتب جماعة كتابة فاسدة فأدى أحدهم حصتهم عتق على قول من قال إنه يعتق

(12/481)


بالكتابة الصحيحة بأداء حصته لأن معنى العقد أن كل واحد منهم مكاتب بقدر حصته متى أدى إلى كل واحد منكم قدر حصته فهو حر ومن قال لا يعتق في الصحيحة إلا أن يؤدي جميعهم فههنا أولى (فصل) وتفارق الصحيحة في ثلاثة أحكام (أحدها) أن السيد إذا أبرأه من المال لم تصح البراءة ولم يعتق بذلك لأن المال غير ثابت في العقد بخلاف الكتابة الصحيحة وصار هذا كالصفة المجردة
في قوله إذا أديت إلي ألفا فأنت حر (الثاني) أن لكل واحد من السيد والمكاتب فسخها سواء كان ثم صفة أو لم تكن وهذا قول أصحاب الشافعي لأن الفاسد لا يلزم حكمه والصفة ههنا مبنية على المعاوضة وتابعة لها لأن المعاوضة هي المقصودة فلما أبطل المعاوضة التي هي الأصل بطلت الصفة المبنية عليها بخلاف الصفة المجردة ولأن السيد لم يرض بهذه الصفة إلا بأن يسلم له العوض المسمى فإذا لم يسلم كان له إبطالها بخلاف الصحيحة فإن العوض سلم له فكان العقد لازماً له

(12/482)


(الثالث) أنه لا يلزم السيد أن يؤدي إليه شيئاً من الكتابة لأن العتق ههنا بالصفة المجردة فأشبه ما لو قال إذا أديت إلي ألفا فأنت حر (مسألة) (وتنفسخ بموت السيد وجنونه والحجر للسفه) اختلف في انفساخها بموت السيد فذهب القاضي وأصحابه إلى بطلانها به وهو قول الشافعي لأنه عقد جائز من الطرفين لا يئول إلى اللزوم فبطل بالموت كالوكالة ولأن المغلب فيها حكم الصفة المجردة والصفة تبطل بالموت كذلك هذه الكتابة وقال أبو بكر لا تبطل بالموت ويعتق بالأداء إلى الوارث وهو قول أبي حنيفة لأنه مكاتب يعتق بالأداء إلى السيد فيعتق بالأداء إلى الوارث كالكتابة الصحيحة في باب العتق بالأداء فكذلك في هذا واختلف في انفساخها بجنون السيد والحجر عليه والخلاف فيه كالخلاف في بطلانها بموته قال شيخنا والأولى أنها لا تبطل ههنا إلا بالصفة المجردة لا بذلك والمغلب في هذه الكتابة حكم الصفة المجردة فلا تبطل به فعلى هذا لو أدى إلى سيده

(12/483)


بعد ذلك عتق ولا يعتق عند من أبطالها (فصل) ويملك السيد أخذ ما في يده وإن فضل من الأداء فضل فهو لسيده هذا قول أبي الخطاب لأن كسب العبد لسيده بحكم الأصل والعقد ههنا فاسد لم يثبت الحكم في وجوب العوض في ذمته فلم ينقل الملك في المعوض كسائر العقود الفاسدة ولأن المغلب فيها حكم الصفة المجردة وهي

(12/484)


لا تثبت له في كسبه فكذا ههنا وفارق الكتابة الصحيحة فإنها أثبتت الكتابة في العوض فاثبتته في المعوض وقال القاضي ما في يد المكاتب وما يكسبه وما يفضل في يده بعد الاداء وهو مذهب

(12/485)


الشافعي لأنها كتابة يعتق بالأداء فيها فيثبت هذا الحكم فيها كالصحيحة والأول أصح لما بين الفاسدة والصحيحة من الفروق (مسألة) (وهل يتبع المكاتبة ولدها فيها؟ على وجهين)

(12/486)


(أحدها) يتبعها لأنها كتابة تعتق فيها بالأداء فيعتق ولدها به كالكتابة الصحيحة (والثاني) لا يتبعها وهو أقيس وأصح لأن الأصل بقاء الرق فيه فلا يزول إلا بنص أو معنى نص وما وجد واحد منهما ولا يصح القياس على الكتابة الصحيحة لما ذكرنا من الفرق بينهما فيما تقدم فيبقى على الأصل (مسألة) (وقال أبو بكر لا تنفسخ بموت السيد ولا جنونه ولا الحجر عليه للسفه) وقد ذكرناه

(12/487)