العدة
شرح العمدة
كتاب الطهارة
باب أحكام المياه (1) خلق الماء طهوراً، يطهر من الأحداث والنجاسات
(2) ولا تحصل الطهارة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح
العُمْدة]
[كتاب الطهارة]
[باب أحكام المياه]
باب أحكام المياه مسألة 1: (خلق الماء طهوراً، يطهر من الأحداث والنجاسات)
لقوله سبحانه: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً
لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: 11] وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «اللهم طهرني بالماء والثلج والبرد» متفق عليه، والطهور: هو
الطاهر في نفسه المطهر لغيره، وهو الذي نزل من السماء أو نبع من الأرض وبقي
على أصل خلقته، فهذا يرفع الأحداث ويزيل الأنجاس للآية.
مسألة 2: (ولا تحصل الطهارة بمائع غيره) أما طهارة الحدث فلقوله سبحانه
وتعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء:
43] نقلنا سبحانه وتعالى عند عدم الماء إلى التراب، فلو كان ثم مائع يجوز
الوضوء به لنقلنا إليه، فلما نقلنا عنه إلى التراب دل على أنه لا تصح
الطهارة للحدث إلا به.
وأما الطهارة من النجاسات فلا تجوز إلا بالماء لقوله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأسماء في دم الحيضة: «حتيه ثم اقرصيه ثم اغسليه
بالماء» أمر، والأمر يقتضي الوجوب.
وخص الماء بالذكر فيدل على أنه لا يجوز بمائع غيره، ولأنها طهارة فلا تجوز
بغير الماء كطهارة الحدث.
(1/13)
بمائع غيره
(3) فإذا بلغ الماء قلتين أو كان جارياً لم ينجسه شيء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 3: (فإذا بلغ الماء قلتين أو كان جارياً لم ينجسه شيء) . أما إذا بلغ
قلتين لم ينجسه شيء فلقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا
بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء» أخرجه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن،
ولفظه: «لم يحمل الخبث» ، وأخرجه الإمام أحمد في المسند، وأما إذا كان
جارياً فلا ينجسه شيء وإن قل، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
لما سئل عن بئر بضاعة وما يلقى فيها من الحيض ولحوم الكلاب والنتن: «إن
الماء طهور لا ينجسه شيء» رواه الترمذي قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -:
حديث بئر بضاعة صحيح، وهو عام في القليل والكثير.
فإن قيل: يعارضه حديث القلتين، قلنا: عنه ثلاثة أجوبة:
أحدها: أن حديث بئر بضاعة أصح فلا يعارضه، ولأن حديث القلتين ضعيف من حيث
الاستدلال به فإن القلال تختلف، وتقديرهما بخمس قرب من أين ذلك؟ وتقدير
القربة بمائة رطل يحتاج إلى دليل، فإن التقدير إنما يصار إليه بالنص ولا
نص، وحديث ابن جريج «رأيت قلال هجر تسع القلة قربتين أو قربتين وشيئا» غير
مقبول.
الثاني: أن دلالته على تنجيس اليسير إنما هو بالمفهوم، وحديث بئر بضاعة يدل
على طهارته بالمنطوق فكان مقدماً.
الثالث: أن حديث القلتين محمول على الماء الواقف، فإنا قد أجمعنا على أن ما
قبل النجاسة في الماء الجاري لا يتنجس، لأنه لم يصل إليها وما بعدها كذلك
لأنها لن تصل إليه بخلاف الواقف.
فإن قيل: حديث بئر بضاعة دخله التخصيص بالقليل الواقف فإنا قد أجمعنا على
أنه ينجس بوقوع النجاسة فيه وإن لم يتغير فنقيس عليه القليل الجاري.
قلنا: لا يصح ذلك، وبيانه من وجهين:
أحدهما: أن الجاري له قوة ليست للواقف، فإنه يدفع التغير عن نفسه، لأنه
يدفع بعضه بعضاً وليس كذلك الواقف.
(1/14)
(4) إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه
(5) وما سوى ذلك ينجس بمخالطة النجاسة
(6) والقلتان ما قارب مائة وثمانية أرطال بالدمشقي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
والثاني: أن الجاري لو ورد على النجاسة طهرها فكذا إذا وردت عليه قياساً
لأحد الواردين على الآخر، وليس هذا للواقف، فإن صب الواقف على النجاسة صار
جارياً، والله تعالى أعلم وأحكم.
مسألة 4: (إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه) . يعني أن الماء إذا تغيرت
إحدى صفاته بالنجاسة ينجس على كل حال قلتين أو أكثر أو أقل وهذا أمر مجمع
عليه، قال الإمام أحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ليس فيه حديث، ولكن الله
سبحانه حرم الميتة فإذا تغير بها فكذلك طعم الميتة وريحها فلا يحل له، وقول
أحمد: " ليس فيه حديث " يعني ليس فيه حديث صحيح.
مسألة 5: (وما سوى ذلك ينجس بمخالطة النجاسة) : يعني أن ما دون القلتين
يتنجس بمخالطة النجاسة وإن لم يتغير، لأن تحديده بالقلتين يدل على أن ما
دونهما يتنجس، ولأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا
ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات» متفق عليه، فدل على نجاسته من
غير تغير، وفي رواية: «طهور إناء أحدكم» ... " وعنه أنه طاهر لقوله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الماء طهور لا ينجسه شيء» قال
أحمد: حديث بئر بضاعة صحيح، ولأنه لم يتغير بالنجاسة أشبه الكثير.
مسألة 6: (والقلتان ما قارب مائة وثمانية أرطال بالدمشقي) سميت قلة لأنها
تقل بالأيدي وهما خمسمائة رطل بالعراقي. وعنه أربعمائة رطل؛ لأنه يروى عن
ابن جريج أنه قال: «رأيت قلال هجر فرأيت القلة منها تسع قربتين أو قربتين
وشيئاً» ، فالاحتياط أن يجعل الشيء نصفاً فيكونان خمس قرب كل قربة مائة رطل
وهو تقريب لا تحديد في الأصح، لأن القربة إنما جعلت مائة رطل تقريباً،
والشيء إنما جعل نصفاً احتياطاً فإنه يستعمل بما دون النصف وهذا لا تحديد
فيه.
وفيه قول آخر أنه تحديد لأن ما وجب بالاحتياط صار فرضاً كغسل جزء من الرأس،
(1/15)
(7) وإن طبخ في الماء ما ليس بطهور وكذلك
ما خالطه فغلب على اسمه أو استعمل في رفع حدث سلب طهوريته
(8) وإذا شك في طهارة الماء أو غيره ونجاسته بنى على اليقين
(9) وإن خفي موضع النجاسة من الثوب أو غيره غسل ما يتيقن به غسلها
(10) وإن اشتبه ماء طاهر بنجس ولم يجد غيرهما تيمم وتركهما
(11) وإن اشتبه طهور بطاهر توضأ من كل واحد منهما
(12) وإن اشتبهت الثياب الطاهرة بالنجسة صلى في كل ثوب صلاة بعدد النجس
وزاد صلاة
(13) وتغسل نجاسة الكلب والخنزير سبعاً إحداهن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
وفائدة هذا إذا نقص الرطل أو الرطلان إذا قلنا: إنه تقريب لا ينجس الماء،
وإن قلنا: إنه تحديد نجس.
مسألة 7: (وإن طبخ في الماء ما ليس بطهور) سلب طهوريته إجماعا (وكذلك ما
خالطه فغلب على اسمه) فصار حبراً أو صبغاً (أو استعمل في رفع حدث سلب
طهوريته) أيضاً، لأنه زال عنه إطلاق اسم الماء أشبه ما لو تغير بزعفران،
وعنه لا يسلب طهوريته لأنه استعمال لم يغير الماء أشبه ما لو تبرد به.
مسألة 8: (وإذا شك في طهارة الماء أو غيره ونجاسته بنى على اليقين) لأنه
الأصل.
مسألة 9: (وإن خفي موضع النجاسة من الثوب أو غيره غسل ما يتيقن به غسلها)
يعني يغسل حتى يتيقن أن الغسل قد أتى على النجاسة، كمن تنجست إحدى كميه لا
يعلم أيهما غسل الكمين، أو تيقن أن الثوب قد وقعت عليه نجاسة لا يعلم
موضعها غسل جميع الثوب لتحصل الطهارة بيقين.
مسألة 10: (وإن اشتبه ماء طاهر بنجس ولم يجد غيرهما تيمم وتركهما) .
مسألة 11: (وإن اشتبه طهور بطاهر توضأ من كل واحد منهما) وصلى صلاة واحدة
لأنه إذا فعل ذلك حصلت له الطهارة بيقين.
مسألة 12: (وإن اشتبهت الثياب الطاهرة بالنجسة صلى في كل ثوب صلاة بعدد
النجس وزاد صلاة) لأنه أمكنه تأدية فرضه بيقين من غير مشقة تلزمه كما لو
اشتبه المطلق بالمستعمل.
مسألة 13: (وتغسل نجاسة الكلب والخنزير سبعاً إحداهن بالتراب) لقوله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
(1/16)
بالتراب
(14) ويجزئ في سائر النجاسات ثلاث منقية
(15) وإن كانت النجاسة على الأرض فصبة واحدة تذهب بعينها لقوله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صبوا على بول الأعرابي ذنوباً من ماء»
(16) ويجزئ في بول الغلام الذي لم يأكل الطعام النضح
(17) وكذلك المذي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
«إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً إحداهن بالتراب» متفق عليه،
فنقيس عليه نجاسة الخنزير.
مسألة 14: (ويجزئ في سائر النجاسات ثلاث منقية) لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا قام أحدكم من نومه فلا يدخل يده في الإناء
حتى يغسلها ثلاثاً، فإنه لا يدري أين باتت يده» علل بوهم النجاسة، ولا يزيل
وهم النجاسة إلا ما يزيل حقيقتها. وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «إنما يجزئ أحدكم إذا ذهب إلى الغائط ثلاثة أحجار منقية»
(رواه الدارقطني) فإذا أجزأت ثلاثة أحجار في الاستجمار فالماء أولى، لأنه
أبلغ في الإنقاء، وعنه سبع مرات في غير نجاسة الكلب والخنزير قياساً عليها،
وعنه مرة قياساً على النجاسة على الأرض.
مسألة 15: (وإن كانت النجاسة على الأرض فصبة واحدة تذهب بعينها لقوله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صبوا على بول الأعرابي ذنوباً من
ماء» وفي رواية: «سجلاً من ماء» (رواه أبو داود) .
مسألة 16: (ويجزئ في بول الغلام الذي لم يأكل الطعام النضح) وهو أن يغمره
بالماء وإن لم يزل عينه، لما روت «أم قيس بنت محصن أنها أتت بابن لها صغير
لم يأكل الطعام إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فأجلسه في حجره فبال على ثوبه، فدعا بماء فنضحه ولم يغسله» (متفق عليه) .
مسألة 17: (وكذلك المذي) ، وفي كيفية تطهيره روايتان: إحداهما: يجزئ نضحه
(1/17)
(18) ويعفى عن يسيره ويسير الدم وما تولد
منه من القيح والصديد ونحوه وحد اليسير هو ما لا يفحش في النفس
(19) ومني الآدمي
(20) وبول ما يؤكل لحمه طاهر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
لما روى «سهل بن حنيف قال: كنت ألقى من المذي شدة وعناء فقلت: يا رسول
الله، فكيف بما أصاب ثوبي منه؟ قال: " يكفيك أن تأخذ كفاً من ماء فتنضح به
حيث ترى أنه أصاب منه» قال الترمذي: حديث صحيح، والثانية: يجب غسله لأن
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بغسل الذكر منه، ولأنه
نجاسة من كبير أشبه البول، وعنه أنه كالمني لأنه خارج بسبب الشهوة أشبه
المني، ويعفى عن يسيره لأنه يشق التحرز منه لكونه يخرج من غير اختيار.
مسألة 18: (ويعفى عن يسير الدم) في غير المائعات (وما تولد منه من القيح
والصديد) لأنه لا يمكن التحرز منه، فإن الغالب أن الإنسان لا يخلو من حكة
أو بثرة. وروي عن جماعة من الصحابة الصلاة مع يسير الدم ولم يعرف لهم
مخالف، (وحد اليسير هو ما لا يفحش في النفس) ، لقول ابن عباس - قال الخلال:
الذي استقر عليه قوله -: إن الفاحش ما يستفحشه كل إنسان في نفسه.
مسألة 19: (ومني الآدمي) طاهر، لأن «عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كانت
تفرك المني من ثوب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» متفق
عليه، ولأنه بدء خلق الآدمي أشبه الطين، وعنه أنه نجس ويعفى عن يسيره
كالدم، لأن «عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كانت تغسله من ثوب رسول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» (رواه البخاري) حديث صحيح، وعنه لا
يعفى عن يسيره لأنه يمكن التحرز منه.
مسألة 20: (وبول ما يؤكل لحمه طاهر) لأن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أمر العرنيين أن يشربوا من أبوال إبل الصدقة وألبانها، ولو كان
نجساً ما أمرهم به» . متفق عليه، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-: «صلوا في مرابض الغنم» (رواه الترمذي) ولا تخلو من أبعارها، ولم يكن لهم
مصليات، فدل على طهارته. قال الترمذي: حديث حسن.
(1/18)
باب الآنية (21) لا يجوز استعمال آنية
الذهب والفضة في طهارة ولا غيرها، لما روى حذيفة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في
صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة»
(22) وحكم المضبب بهما حكمهما إلا أن تكون الضبة يسيرة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
فإن قيل: إنما أذن في شرب أبوال الإبل للتداوي.
قلنا: لا يصح ذلك لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
«إن الله لم يجعل فيما حرم عليكم شفاء» رواه أحمد في كتاب الأشربة. وفي لفظ
رواه ابن أبي الدنيا في ذم المسكر: «إن الله لم يجعل في حرام شفاء» وعنه
أنه نجس، لأنه رجيع من حيوان أشبه بول ما لا يؤكل لحمه، وحكم الروث والمني
حكم البول قياساً عليه.
[باب الآنية]
مسألة 21: (لا يجوز استعمال آنية الذهب والفضة في طهارة ولا غيرها، لما روى
حذيفة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا تشربوا في
آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في
الآخرة» وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الذي يشرب في آنية
الذهب والفضة فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم» متفق عليهما، توعد عليه بالنار
فدل على تحريمه، ولأن فيه سرفاً وخيلاء وكسر قلوب الفقراء.
مسألة 22: (وحكم المضبب بهما حكمهما) ، لأنه إذا استعمله فقد استعملهما
(إلا أن تكون الضبة يسيرة من الفضة) كتشعب القدح فلا بأس بها إذا لم
يباشرها بالاستعمال، لما روي أن «قدح رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - انكسر فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة» رواه
(1/19)
من الفضة
(23) ويجوز استعمال سائر الآنية الطاهرة واتخاذها
(24) واستعمال أواني
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
البخاري. واشترط أبو الخطاب أن يكون لحاجة، لأن الرخصة وردت في شعب القدح
وهو لحاجة. وقال القاضي: يباح من غير حاجة لأنه يسير.
مسألة 23: (ويجوز استعمال سائر الآنية الطاهرة واتخاذها) ولو كانت ثمينة
مثل الياقوت والبلور والعقيق، وغير ثمينة كالخزف والخشب والصفر والجلود،
لأن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ من تور من صفر،
وتور من حجارة، ومن قربة وإداوة، واغتسل من جفنة» - روى البخاري «من تور
الصفر» - وإنما جاز استعمال الثمين لأنه ليس فيه كسر قلوب الفقراء لأنه لا
يعرفه إلا خواص الناس.
مسألة 24: (ويجوز استعمال أواني أهل الكتاب وثيابهم ما لم تعلم نجاستها)
وهم قسمان:
من لا يستحل الميتة كاليهود فأوانيهم طاهرة لأن «النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أضافه يهودي بخبز وإهالة سنخة» ، أخرجه الإمام أحمد -
رَحِمَهُ اللَّهُ - في الزهد، وتوضأ عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من جرة
نصرانية.
والثاني: من يستحل الميتات كعباد الأصنام والمجوس وبعض النصارى، فما لم
يستعملوه من آنيتهم فهو طاهر، وما استعملوه فهو نجس، لما روى «أبو ثعلبة
الخشني قال: قلت: يا رسول الله إنا بأرض قوم من أهل الكتاب أفنأكل في
آنيتهم؟ قال: "لا تأكلوا فيها، إلا أن لا تجدوا غيرها فاغسلوها ثم كلوا
فيها» متفق عليه، وما شك في استعمال فهو طاهر، لأن الأصل طهارته. وذكر أبو
الخطاب أن أواني الكفار طاهرة كذلك.
وفي كراهية استعمالها روايتان: إحداهما: يكره لهذا الحديث، والثانية: لا
يكره لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أكل فيها.
فأما ثيابهم فما لم يلبسوا أو علا من ثيابهم كالعمامة والطيلسان فهو طاهر،
لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه كانوا يلبسون
ثياباً من نسج الكفار، وما لاقى عوراتهم فقال الإمام أحمد - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ -: أحب إلي أن يعيد إذا صلى فيها، فيحتمل وجوب الإعادة وهو قول
القاضي لأنهم يتعبدون بالنجاسة، ويحتمل أن لا يجب وهو قول أبي الخطاب، لأن
الأصل الطهارة فلا تزول عنها بالشك. وعنه أن من لا تحل ذبيحتهم لا يستعمل
ما استعملوه من آنيتهم إلا
(1/20)
أهل الكتاب وثيابهم ما لم تعلم نجاستها
(25) وصوف الميتة وشعرها طاهر
(26) وكل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
بعد غسلها لحديث أبي ثعلبة، لأنه يدل على غسل آنية من لا تحل ذبيحته لكونه
أمر بغسل آنية أهل الكتاب وإن كانت ذبائحهم حلالاً.
مسألة 25: (وصوف الميتة وشعرها طاهر) لأنه لا روح فيه ولا يحله الموت فلا
ينجس بالموت كالبيض إذا كان في الدجاجة، ودليل أنه لا روح فيه أنه لا يحس
ولا يألم ولأنه لو انفصل حال الحياة كان طاهراً ولو كانت فيه حياة لتنجس
بذلك؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما أبين من حي فهو
ميت» رواه الترمذي بمعناه وقال: حديث حسن غريب. والنمو لا يدل على الحياة
بدليل الحشيش والبيض.
مسألة 26: (وكل جلد ميتة دبغ أو لم يدبغ فهو نجس) لما روى أحمد في مسنده
بإسناده عن عبد الله بن عكيم أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- كتب إلى جهينة: «كنت رخصت لكم في جلود الميتة، فإذا أتاكم كتابي هذا فلا
تنتفعوا منها بإهاب ولا عصب» (رواه الترمذي) قال الإمام أحمد: إسناده جيد
يرويه يحيى بن سعيد، عن شعبة، عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، قال الترمذي:
سمعت أحمد بن الحسن يقول: كان أحمد بن حنبل يذهب إلى هذا الحديث لما ذكر
فيه قبل وفاته بشهرين وكان يقول: هذا آخر أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم ترك أحمد هذا الحديث لما اضطربوا في إسناده حيث
روى بعضهم فقال: عن عبد الله بن عكيم عن أشياخ من جهينة. ولأنه جزء من
الميتة فلم يطهر بالدباغ كاللحم. وعنه يطهر منها جلد ما كان طاهراً حال
الحياة، لأن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وجد شاة ميتة
فقال: "هلا انتفعتم بجلدها" قالوا: إنها ميتة قال: "إنما حرم أكلها» (رواه
مسلم) وفي لفظ: «ألا أخذوا
(1/21)
جلد ميتة دبغ أو لم يدبغ فهو نجس
(27) وكذلك عظامها
(28) وكل ميتة نجسة إلا الآدمي
(29) وحيوان الماء الذي لا يعيش إلا فيه «لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في البحر: هو الطهور ماؤه الحل ميتته»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
إهابها فدبغوه فانتفعوا به» رواه مسلم، وفي حديث ابن عباس أن النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا دبغ الإهاب فقد طهر» (رواه
مسلم) .
مسألة 27: (وكذلك عظامها) ، لأن ذلك من أجزائها فيدخل في عموم قوله سبحانه:
{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] .
مسألة 28: (وكل ميتة نجسة) لقوله سبحانه: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ
الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] (إلا الآدمي) لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لأبي هريرة: «سبحان الله، إن المؤمن لا ينجس»
متفق عليه، ولم يفرق بين الحياة والموت، ولأنه لو نجس بالموت لم يجب غسله،
لأنه يكون تكثيراً للنجاسة. وعنه ما يدل على نجاسته بالموت، لأنه حيوان له
نفس سائلة أشبه سائر الحيوانات.
مسألة 29: (وحيوان الماء الذي لا يعيش إلا فيه) طاهر إذا مات حلال الأكل
«لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في البحر: هو الطهور
ماؤه الحل ميتته» قال الترمذي: حديث حسن
(1/22)
(30) وما لا نفس له سائلة إذا لم يكن
متولداً من النجاسات
باب قضاء الحاجة (31) يستحب لمن أراد دخول الخلاء أن يقول: بسم الله أعوذ
بالله من الخبث
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
صحيح، وقال الله سبحانه: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ
مَتَاعًا لَكُمْ} [المائدة: 96] وحل الأكل يدل على الطهارة، لأن النجس لا
يحل أكله.
مسألة 30: (وما لا نفس له سائلة) إذا مات فهو طاهر (إذا لم يكن متولداً من
النجاسات) لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا وقع
الذباب في إناء أحدكم فليمقله - أي يغمسه - ثلاث مرات ثم ليطرحه فإن في أحد
جناحيه شفاء وفي الآخر داء وأنه يتقي بالذي فيه الداء» (رواه البخاري) قال
ابن المنذر: ثبت أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال
ذلك، ولولا أنه طاهر بعد موته لما أمر بمقله ثلاثاً؛ لأن الظاهر أنه يموت
بذلك فيتنجس الطعام فيكون أمراً بإفساده، ولأنه لا نفس له سائلة أشبه دود
الخل فإنه لا ينجس المائع الذي تولد منه إجماعاً، وأما ما تولد من النجاسات
فينجس لأن أصله نجس.
[باب قضاء الحاجة]
مسألة 31: (يستحب لمن أراد دخول الخلاء أن يقول: بسم الله) لما روي عن علي
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخل الكنيف أن يقول: بسم
الله» رواه ابن ماجه. ويقول أيضاً ما روى أنس أن النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا دخل الخلاء قال: «اللهم إني أعوذ بك من الخبث
والخبائث» متفق عليهما، ويقول ما روى
(1/23)
والخبائث ومن الرجس الشيطان الرجيم،
(32) وإذا خرج قال: غفرانك، الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني
(33) ويقدم رجله اليسرى في الدخول واليمنى في الخروج
(34) ولا يدخله بشيء فيه ذكر الله تعالى إلا من حاجة
(35) ويعتمد في جلوسه على
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
أبو أمامة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «لا
يعجز أحدكم أن يقول إذا دخل مرفقه: اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس
الخبيث المخبث الشيطان الرجيم» رواه ابن ماجه. قال أبو عبيد: الخبث بسكون
الباء: الشر، والخبائث: الشياطين. وقيل: الخبث بضم الباء، والخبائث: ذكور
الشياطين وإناثهم.
مسألة 32: (وإذا خرج قال: غفرانك، الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني)
لما روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «كان رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا خرج من الخلاء قال: غفرانك» رواه
أبو داود والترمذي، ولما روى أنس أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - كان يقول ذلك إذا خرج. أخرجه ابن ماجه.
مسألة 33: (ويقدم رجله اليسرى في الدخول واليمنى في الخروج) ، لأن اليسرى
للأذى واليمنى لما سواه.
مسألة 34: (ولا يدخله بشيء فيه اسم الله تعالى إلا من حاجة) تنزيهاً له،
وقد روى أنس قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
إذا دخل الخلاء وضع خاتمه» ، رواه أبو داود، وقال: هذا حديث منكر، وقيل:
إنما وضع خاتمه، لأن فيه: " محمد رسول الله" فإن أدار فصه إلى باطن كفه فلا
بأس، فإن احتاج إلى ذلك دخل به وستره، لأنها حالة ضرورة.
مسألة 35: (ويعتمد في جلوسه على رجله اليسرى) ، لأنه أسهل لخروج الخارج
(1/24)
رجله اليسرى
(36) وإن كان في الفضاء أبعد واستتر
(37) ويرتاد لبوله موضعاً رخواً
(38) ولا يبول في ثقب ولا شق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
وروى سراقة بن مالك قال: «علمنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - إذا أتينا الخلاء أن نتوكأ على اليسرى» ، رواه الطبراني في
معجمه.
مسألة 36: (وإن كان في الفضاء أبعد واستتر) لما روى المغيرة قال: «كان رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا ذهب أبعد» ، رواه أبو
داود، وعن جابر قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
إذا أراد الخلاء - يعني البراز - انطلق حتى لا يراه أحد» ، رواه أبو داود،
وفي مسلم عن المغيرة قال: «كنت مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فأتى حاجته فأبعد في المذهب حتى توارى عني» ، ويستتر لأن النبي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من أتى الغائط فليستتر، فإن
لم يجد إلا أن يجمع كثيباً من رمل فليستدبره» وفي حديث: «خرج ومعه درقة
فاستتر بها ثم بال» ، رواهما أبو داود.
مسألة 37: (ويرتاد لبوله موضعاً رخواً) لكيلا يترشش عليه منه، قال أبو
موسى: «كنت مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأراد أن يبول
فأتى دمثاً في أصل جدار فبال ثم (قال) : "إذا أراد أحدكم أن يبول فليرتد
لبوله» رواه أبو داود.
مسألة 38: (ولا يبول في ثقب ولا شق) لما روى أبو داود عن عبد الله بن عباس
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - نهى أن يبال في الجحر» ، قيل لقتادة: وما يكره من البول في
الجحر؟ قال: يقال: إنها مساكن الجن، ولا يؤمن أن يخرج منه حيوان فيلسعه، أو
يكون مسكناً للجن فيؤذيهم بذلك فيؤذونه.
(1/25)
(39) ولا طريق ولا ظل نافع ولا تحت شجرة
مثمرة
(40) ولا يستقبل شمساً ولا قمراً ولا يستقبل القبلة (41) ولا يستدبرها لقول
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا تستقبلوا القبلة بغائط
ولا بول ولا تستدبروها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 39: (ولا يبول في طريق ولا ظل نافع ولا تحت شجرة مثمرة) ، لأنه يؤذي
الناس بذلك، وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اتقوا
اللاعنين، قالوا: وما اللاعنان؟ قال: الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم»
أخرجه مسلم.
مسألة 40: (ولا يستقبل شمساً ولا قمراً) تكريماً لهما، (ولا يستقبل القبلة)
في الفضاء، لما روى أبو أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يولها
ظهره، شرقوا أو غربوا» قال أبو أيوب: فقدمنا الشام فوجدنا فيها مراحيض قد
بنيت نحو القبلة، فننحرف عنها ونستغفر الله عز وجل، متفق عليه، ولمسلم عن
أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا جلس أحدكم إلى حاجته فلا يستقبل القبلة ولا
يستدبرها» ".
1 -
مسألة 41: وفي استدبارها في الفضاء روايتان: إحداهما لا يجوز للخبر،
والأخرى: يجوز، لما روى «ابن عمر قال: رقيت يوماً على بيت حفصة فرأيت النبي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على حاجته مستقبل الشام مستدبر
الكعبة» ، متفق عليه.
1 -
مسألة 42: وفي استقبالها في البنيان روايتان: إحداهما: لا يجوز لعموم
النهي، والأخرى: يجوز لما روى عراك عن عائشة «أن رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذكر له أن قوماً يكرهون استقبال القبلة
بفروجهم قال: أقد فعلوها؟ استقبلوا بمقعدي القبلة» ، قال الإمام أحمد: أحسن
ما روي في الرخصة حديث عائشة وإن كان مرسلاً فإن مخرجه حسن، وسماه مرسلاً
لأن عراكاً لم يسمع من عائشة. وعن مروان الأصغر قال: رأيت ابن عمر أناخ
راحلته مستقبل القبلة ثم جلس فبال إليها. فقلت: يا أبا عبد الرحمن أليس قد
نهي عن
(1/26)
ويجوز ذلك في البنيان (43) وإذا انقطع
البول مسح من أصل ذكره إلى رأسه ثم ينتره ثلاثاً
(44) ولا يمس ذكره بيمينه، ولا يستجمر بها
(45) ثم يستجمر وتراً
(46) ثم يستنجي بالماء
(47) فإن اقتصر على الاستجمار أجزأه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
هذا؟ قال: إنما نهي عنه في الفضاء، فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك
فلا بأس، رواه أبو داود.
مسألة 43: (وإذا انقطع البول مسح من أصل ذكره إلى رأسه ثم ينتره ثلاثاً)
ليخرج ما قرب من رأس الذكر ولا يخرج بعد الاستنجاء.
مسألة 44: (ولا يمس ذكره بيمينه، ولا يستجمر بها) لما روى أبو قتادة أن
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يمسكن أحدكم ذكره
بيمينه ولا يتمسح من الخلاء بيمينه» متفق عليه، وقالت عائشة: «كانت يمين
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لطهوره وطعامه، وكانت يده
اليسرى للخلاء وما سواه من أذى» ، أخرجه أبو داود.
مسألة 45: (ثم يستجمر وتراً) ، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-: «من استجمر فليوتر» متفق عليه، ولأبي داود «من استجمر فليوتر، من فعل
فقد أحسن ومن لا فلا حرج» .
مسألة 46: (ثم يستنجي بالماء) ، لأن «عائشة قالت: مرن أزواجكن أن يتبعوا
الحجارة الماء من أثر الغائط والبول، فإني أستحيهم، وإن رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يفعله» ، قال الترمذي: حديث صحيح.
مسألة 47: (فإن اقتصر على الاستجمار أجزأه) إذا أنقى وأكمل العدد، لقوله
(1/27)
(48) وإنما يجزئ الاستجمار إذا لم يتعد
الخارج موضع الحاجة
(49) ولا يجزئ أقل من ثلاث مسحات منقية
(50) ويجوز الاستجمار بكل طاهر
(51) ويكون منقياً
(52) إلا الروث والعظام
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب
معه بثلاثة أحجار فإنها تجزئ عنه» رواه أبو داود.
مسألة 48: (وإنما يجزئ الاستجمار إذا لم يتعد الخارج موضع الحاجة) مثل أن
يتعدى إلى الصفحتين ومعظم الحشفة فلا يجزئ إلا الماء، لأن ذلك نادر فلم
يجزئ فيه المسح كيده.
مسألة 49: (ولا يجزئ أقل من ثلاث مسحات منقية) إما بحجر ذي شعب ثلاث أو
بثلاثة أحجار، لأن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر
بثلاثة أحجار وقال: "فإنها تجزئ عنه» أخرجه أبو داود، وقال: «لا يستنجي
أحدكم بدون ثلاثة أحجار» رواه مسلم، فإن لم ينق بثلاث مسحات زاد حتى ينقي،
والإنقاء أن يخرج الأخير ليس عليه بلة.
مسألة 50: (ويجوز الاستجمار بكل طاهر) ، لأن «النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ألقى الروثة وقال: "إنها ركس» رواه البخاري.
مسألة 51: (ويكون منقياً) لأنه المقصود من الاستجمار، فلا يجزئ الزجاج
والفحم الرخو لأنه لا ينقي.
مسألة 52: (إلا الروث والعظام) لما روى ابن مسعود أن النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام فإنه
زاد إخوانكم من الجن» رواه الترمذي.
(1/28)
(53) وما له حرمة
باب الوضوء (54) لا يصح الوضوء ولا غيره من العبادات إلا أن ينويه، لقول
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما الأعمال بالنيات،
وإنما لكل امرئ ما نوى»
(55) ثم يقول: بسم الله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 53: (وما له حرمة) يعني لا يستنجى بما له حرمة كالطعام، لأن «النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن الاستجمار بالروث والرمة» وعلل
ذلك بكونه زاد إخواننا من الجن أن لا تفسده عليهم، فزادنا أولى أن لا يجوز
الاستجمار به، فإن حرمة بني آدم أعظم فحرمة زادهم أكثر، وكذلك الورق
المكتوب وما يتصل بحيوان كيده وذنبه وصوفه المتصل به، لأن له حرمة أشبه
الطعام
[باب الوضوء]
مسألة 54: (لا يصح الوضوء ولا غيره من العبادات إلا أن ينويه، لقول رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما
لكل امرئ ما نوى» متفق عليه من حديث عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
-.
مسألة 55: (ثم يقول: بسم الله) وهي سنة وليست واجبة، لما روى سعيد في سننه
عن مكحول أنه قال: إذا تطهر الرجل وذكر اسم الله تعالى طهر جسده كله، وإذا
لم يذكر اسم الله حين يتوضأ لم يطهر فيه إلا مكان الوضوء، ونحوه عن الحسن
بن عمار، ولأن الوضوء عبادة فلا تجب فيه التسمية كسائر العبادات، أو طهارة
فلا تجب فيها التسمية كالطهارة من النجاسة، وعنه أنها واجبة مع الذكر لما
روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا وضوء لمن لم
يذكر اسم الله عليه» رواه أبو داود والترمذي، إلا أن الإمام أحمد - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - قال: ليس يثبت في هذا حديث ولا أعلم فيه حديثاً له إسناد
جيد.
(1/29)
(56) ويغسل كفيه ثلاثاً
(57) ثم يتمضمض ويستنشق ثلاثاً يجمع بينها بغرفة واحدة أو ثلاث
(58) ثم يغسل وجهه ثلاثاً من منابت شعر الرأس إلى ما انحدر من اللحيين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 56: (ويغسل كفيه ثلاثاً) وذلك سنة، لأن عثمان وصف وضوء النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «فأفرغ على يديه من إنائه
فغسلهما ثلاث مرات» ، متفق عليه، ولأن اليدين آلة نقل الماء إلى الأعضاء
ففي غسلهما احتياط لجميع الوضوء.
مسألة 57: (ثم يتمضمض ويستنشق ثلاثاً يجمع بينها بغرفة واحدة أو ثلاث) لما
روى عبد الله بن زيد أن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
تمضمض واستنشق ثلاثاً بثلاث غرفات» متفق عليه، وروى البخاري أن «النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تمضمض واستنثر ثلاثاً ثلاثا من غرفة
واحدة» ، وإن أفرد لكل عضو ثلاث غرفات جاز، لأن الكيفية في الغسل غير
واجبة.
والمضمضة والاستنشاق واجبان في الطهارتين الصغرى والكبرى، لأن غسل الوجه
فيهما واجب بغير خلاف، وهما من الوجه ظاهراً [بدليل أحكام خمسة] يفطر
الصائم بوصول القيء إليهما إذا استدعاه، ولا يفطر بوضع الطعام فيهما، ولا
يحد بوضع الخمر فيهما، ولا تنشر حرمة الرضاع بوصول اللبن إليهما، ويجب
غسلهما من النجاسة، وهذه أحكام الظاهر، ولو كانا باطنين لانعكست هذه
الأحكام.
وعنه أن الاستنشاق وحده واجب لأن فيه أحاديث صحاحاً تخصه، منها قوله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من توضأ فليستنثر» وفي رواية لأبي
داود: «فليجعل في أنفه ماء ثم ليستنثر» متفق عليهما، ولمسلم: «من توضأ
فليستنشق» وفي رواية لأبي داود عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «استنثروا مرتين بالغتين أو ثلاثاً» وهذا
أمر يقتضي الوجوب.
وعنه أنهما واجبان في الكبرى دون الصغرى، لأن الكبرى يجب فيها غسل كل ما
أمكن غسله من الجسد كبواطن الشعور الكثيفة ولم يمسح فيها [في الكبرى] على
الحوائل فوجبا فيها بخلاف الصغرى.
مسألة 58: (ثم يغسل وجهه ثلاثاً من منابت شعر الرأس إلى ما انحدر من
اللحيين
(1/30)
والذقن طولاً، ومن الأذن إلى الأذن عرضاً
(59) ويخلل لحيته إن كانت كثيفة وإن كانت تصف البشرة لزمه غسلها
(60) ثم يغسل يديه إلى المرفقين ثلاثاً، ويدخلهما في الغسل
(61) ثم يمسح رأسه مع الأذنين، يبدأ بيديه من مقدمه ثم يمرهما إلى قفاه ثم
يردهما إلى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
والذقن طولاً، ومن الأذن إلى الأذن عرضاً) لما روي عن علي «أن النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ ثلاثاً ثلاثاً» ، قال الترمذي:
حديث علي أحسن شيء في هذا الباب وأصح، وفي رواية ابن ماجه «توضأ ثلاثاً
ثلاثاً وقال: ["هذا وضوء الأنبياء من قبلي» وفي حديث عثمان «أنه توضأ
ثلاثاً ثلاثاً وقال] : "من توضأ نحو وضوئي هذا ثم قام وركع ركعتين لا يحدث
فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه» رواه مسلم، وقوله: من منابت شعر الرأس
أي في حق غالب الناس ولا يعتبر كل أحد في نفسه، بل لو كان أصلع غسل إلى حد
منابت الشعر في الغالب، والأقرع الذي ينزل شعره في وجهه يغسل منه الذي ينزل
عن حد الغالب.
مسألة 59: (ويخلل لحيته) كالشوارب (إن كانت كثيفة) ، لأن «النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يخلل لحيته» (وإن كانت تصف البشرة لزمه
غسلها) ، لأنها إذا كانت تصف البشرة حصلت المواجهة بالبشرة فوجب غسلها وغسل
الشعر الذي فيها تبعاً لها، وإن كانت لا تصف البشرة حصلت المواجهة بها
فأجزأ غسلها من غسل البشرة.
مسألة 60: (ثم يغسل يديه إلى المرفقين ثلاثاً، ويدخل المرفقين في الغسل) ،
لقوله سبحانه: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] ويجب غسل
المرفقين، لأن «جابراً قال: كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- إذا توضأ أمر الماء على مرفقيه» ، وهذا يصلح بياناً للآية.
مسألة 61: (ثم يمسح رأسه مع الأذنين) ، لقوله: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ}
[المائدة: 6] وروى
(1/31)
مقدمه
(62) ثم يغسل رجليه إلى الكعبين ثلاثاً ويدخلهما في الغسل
(63) ويخلل أصابعهما
(64) ثم يرفع نظره إلى السماء فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
(65) والواجب من ذلك النية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
عبد الله بن زيد في صفة وضوء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قال: «فمسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى
قفاه، ثم ردهما إلى المكان، الذي بدأ منه» متفق عليه، والباء في قوله:
{بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] للإلصاق، فكأنه قال: وامسحوا رءوسكم كقوله:
{فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6] قال ابن
برهان: من زعم أن الباء للتبعيض فقد جاء أهل اللغة بما لا يعرفونه، وقوله:
(مع الأذنين) أي أنهما من الرأس يمسحان معه، لقوله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «والأذنان من الرأس» رواه أبو داود، وروت الربيع «أن
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسح برأسه وصدغيه وأذنيه مسحة
واحدة» ، رواه الترمذي وصححه.
مسألة 62: (ثم يغسل رجليه إلى الكعبين ثلاثاً) لقوله سبحانه:
{وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] «وتوضأ النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فغسل رجليه» متفق عليه، وفعله مفسر لمحمل
الآية، ورأى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أقواماً
يتوضئون وأعقابهم تلوح فقال: «ويل للأعقاب من النار» رواه مسلم.
مسألة 63: (ويخلل أصابعهما) لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - للقيط بن صبرة: «أسبغ الوضوء وخلل الأصابع» وهو حديث صحيح رواه
الترمذي.
مسألة 64: (ثم يرفع نظره إلى السماء) إذا فرغ من وضوئه ثم يقول ما روى عمر
عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «من توضأ فأحسن
الوضوء ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً
عبده ورسوله فتح الله له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء» رواه
مسلم.
مسألة 65: (والواجب من ذلك النية) وهي شرط لطهارة الأحداث كلها لما روي عن
عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: سمعت رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «إنما الأعمال بالنيات
(1/32)
(66) والغسل مرة مرة ما خلا الكفين
(67) ومسح الرأس كله
(68) وترتيب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
وإنما لكل امرئ ما نوى» متفق عليه، ولأنها عبادة فلا تصح بغير نية كالصلاة،
ولأنها طهارة للصلاة فاعتبرت لها النية كالتيمم.
مسألة 66: (والغسل مرة مرة) [يعني الغسل الواجب مرة مرة] لأن «النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ مرة مرة وقال: "هذا وضوء من لم
يتوضأ به لم يقبل الله منه صلاة" ثم توضأ مرتين مرتين وقال: "وهذا وضوء، من
توضأه أعطاه الله كفلين من الأجر "ثم توضأ ثلاثاً ثلاثاً وقال: "وهذا وضوئي
ووضوء المرسلين قبلي» أخرجه ابن ماجه.
وقوله: (ما خلا الكفين) يعني أن غسلهما غير واجب، وقد ذكرنا ذلك في السنن.
مسألة 67: (ومسح الرأس كله) [فرض] لحديث عبد الله بن زيد وقد سبق، وعنه
يجزئ مسح بعضه، ونقل عن سلمة بن الأكوع أنه كان يمسح مقدم رأسه، وابن عمر
مسح اليافوخ، ودليله ما روى المغيرة بن شعبة «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسح بناصيته و [كمل المسح على] عمامته» ، ولأن من مسح
بعض رأسه يقال مسح برأسه كما يقال: مسح برأس اليتيم، وقيل رأسه.
واختلف أصحابنا في قدر البعض المجزئ، قال القاضي: قدر الناصية لحديث
المغيرة.
وحكى أبو الخطاب عن أحمد لا يجزئ إلا مسح أكثره لأن الأكثر يطلق عليه اسم
الشيء الكامل.
مسألة 68: (وترتيب الوضوء على ما ذكرنا) لأن الله سبحانه أمر بغسل الأعضاء
وذكر فيها [أي الأعضاء] ما يدل على الترتيب، فإنه أدخل ممسوحاً بين
مغسولين، والعرب لا تقطع النظير عن نظيره إلا لفائدة، والفائدة هاهنا
الترتيب، وسيقت الآية لبيان الواجب فيكون واجباً، ولهذا لم يذكر فيها شيئاً
من السنن، ولأنه متى اقتضى اللفظ الترتيب كان مأموراً به والأمر يقتضي
الوجوب، وكل من حكى وضوء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حكاه
(1/33)
الوضوء على ما ذكرنا
(69) ولا يؤخر غسل عضو حتى ينشف الذي قبله
(70) والمسنون
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مرتباً، وهو مفسر لما في كتاب الله تعالى، وتوضأ النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرتباً وقال: «هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به»
أي بمثله.
مسألة 69: (ولا يؤخر غسل عضو حتى ينشف الذي قبله) وذلك هو الموالاة وفيها
روايتان: إحداهما ليست واجبة؛ لأن المأمور به الغسل وقد أتى به، والثانية
هي واجبة لأن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - روى «أن رجلاً ترك
موضع ظفر من قدمه فأبصره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فقال: "ارجع فأحسن وضوءك" فرجع ثم صلى» ، رواه مسلم، وروى أبو داود والأثرم
«أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى رجلاً يصلي وفي ظهر
قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء فأمره النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يعيد الوضوء والصلاة» ، وقال الأثرم: ذكر أبو عبد
الله إسناد هذا الحديث، قلت له: إسناده جيد؟ قال: نعم، ولو لم تجب الموالاة
أجزأه غسلها، ولأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والى بين
الغسل، وقوله: " ولا يؤخر غسل عضو حتى ينشف الذي قبله "يعني في الزمان
المعتدل، قال ابن عقيل: التفريق المبطل ما يفحش في العادة لأنه لم يحد في
الشرع فيرجع فيه إلى العادة كالتفرق والإحراز.
مسألة 70: (والمسنون التسمية) وقد سبق بيانه، (وغسل الكفين) وقد سبق أيضاً،
(والمبالغة في المضمضة والاستنشاق إلا أن يكون صائماً) وصفة المبالغة
اجتذاب الماء بالنفس إلى أقصى الأنف، وفي المضمضة وهي إدارة الماء في أقصى
الفم، وهو مستحب إلا أن يكون صائماً لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - للقيط بن صبرة: «وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً» أخرجه
الترمذي وقال: حديث صحيح.
(1/34)
التسمية وغسل الكفين والمبالغة في المضمضة
والاستنشاق إلا أن يكون صائماً
(71) وتخليل اللحية والأصابع ومسح الأذنين
(72) وغسل الميامن قبل المياسر
(73) والغسل ثلاثاً ثلاثاً
(74) وتكره الزيادة عليها
(75) والإسراف في الماء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 71: (وتخليل اللحية والأصابع) وقد سبق، (ومسح الأذنين) مستحب أيضاً
لما روى ابن عباس: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسح
برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما» ، قال الترمذي: حديث صحيح.
مسألة 72: (وغسل الميامن قبل المياسر) لقول عائشة: «كان النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحب التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه
كله» ، متفق عليه، وعن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا توضأتم فابدأوا
بميامنكم» رواه أبو داود وابن ماجه، وحكى علي وعثمان - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا - «وضوء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فبدأ
باليمنى قبل اليسرى» ، رواهما أبو داود.
مسألة 73: (والغسل ثلاثاً ثلاثاً) لأن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - توضأ ثلاثاً ثلاثاً ثم قال: "هذا وضوئي ووضوء المرسلين قبلي»
أخرجه ابن ماجه.
مسألة 74: (وتكره الزيادة عليها) لما في رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
قال: «جاء أعرابي إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسأله
عن الوضوء فأراه ثلاثاً ثلاثاً ثم قال: "هذا الوضوء، فمن زاد على هذا فقد
أساء وظلم» أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه.
مسألة 75: (ويكره الإسراف في الماء) لأن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - مر على سعد وهو يتوضأ فقال: "لا تسرف" قال: يا رسول الله أفي
الماء إسراف؟ قال: "نعم، وإن كنت على نهر جار» رواه ابن ماجه.
(1/35)
(76) ويسن السواك
(77) عند تغير الفم وعند القيام من النوم وعند الصلاة لقول رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم
بالسواك عند كل صلاة»
(78) ويستحب في سائر الأوقات إلا للصائم بعد الزوال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 76: (ويسن السواك) في جميع الأوقات، لأن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا - قالت: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا
دخل بيته بدأ بالسواك» ، رواه مسلم، وروى أحمد في المسند أن النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب» رواه
البخاري عن عائشة تعليقاً، وروي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أنه كان كثيراً ما يولع بالسواك.
مسألة 77: ويتأكد استحبابه في ثلاثة مواضع: (عند تغير الفم) لأن الأصل
استحبابه لإزالة الرائحة، (وعند القيام من النوم) لما روى حذيفة قال: كان
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا قام من الليل يشوص
فاه بالسواك، متفق عليه، يعني يغسله، يقال: شاصه وماصه إذا غسله، (وعند
الصلاة لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لولا أن
أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة» متفق عليه.
مسألة 78: (ويستحب في سائر الأوقات) لما سبق (إلا للصائم بعد الزوال) فلا
يستحب، قال ابن عقيل: لا يختلف المذهب أنه لا يستحب للصائم السواك بعد
الزوال، وهل يكره؟ على روايتين:
إحداهما: يكره لأنه يزيل خلوف فم الصائم وهو أطيب عند الله من ريح المسك،
ولأنه أثر عبادة مستطاب شرعاً فكرهت إزالته كدم الشهيد.
والثانية: لا يكره لأن عامر بن ربيعة قال: «رأيت رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما لا أحصي يتسوك وهو صائم» ، قال الترمذي:
حديث حسن.
(1/36)
باب مسح الخفين (79) يجوز المسح على الخفين
وما أشبههما من (80) الجوارب (81) الصفيقة التي (82) تثبت في القدمين،
والجراميق
التي (83) تجاوز الكعبين
في (84) الطهارة الصغرى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
[باب المسح على الخفين]
مسألة 79: (يجوز المسح على الخفين) من غير خلاف لما روى جرير قال: «رأيت
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بال ثم توضأ ومسح على
خفيه» ، متفق عليه، قال إبراهيم: كان يعجبهم هذا لأن إسلام جرير كان بعد
نزول المائدة.
مسألة 80: (ويجوز المسح على الجوارب والجراميق) ، لما روى المغيرة «أن رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسح على الجوربين والنعلين» ،
أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، قال أحمد: يذكر المسح على الجوربين عن
سبعة أو ثمانية من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -،
والجرموق في معنى الخف، لأنه ملبوس ساتر للقدم يمكن متابعة المشي فيه أشبه
الخف.
مسألة 81: ويشترط للجورب (أن يكون صفيقاً يستر القدم) لأنه إذا كان خفيفاً
يصف القدم لم يجز المسح عليه لأنه غير ساتر فلم يجز المسح عليه كالخف
المخرق. مسألة 82: ويشترط (أن يثبت في القدم) بنفسه من غير شد، فإن كان
يسقط من القدم لسعته أو ثقله لم يجز المسح عليه، لأن الذي تدعو الحاجة إليه
هو الذي يثبت بنفسه، ولأن الأصل في المسح هو الخف وغيره مقيس عليه، والخف
يثبت بنفسه، فما لا يثبت بنفسه لا يلحق به.
مسألة 83: ويشترط في الجرموق (أن يجاوز الكعبين) لأنهما من محل الفرض،
فيشترط سترهما كبقية القدم.
مسألة 84: ويختص المسح (بالطهارة الصغرى) دون الكبرى لما روى صفوان بن عسال
المرادي قال: «أمرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا
كنا مسافرين - أو سفراً - أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من
جنابة، لكن من غائط وبول ونوم» ، حديث صحيح رواه
(1/37)
(85) يوماً وليلة للمقيم، وثلاثاً للمسافر
(86) من الحدث إلى مثله، لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «يمسح المسافر ثلاثا أيام ولياليهن، والمقيم يوماً وليلة»
(87) ومتى مسح ثم انقضت المدة أو خلع قبلها بطلت طهارته
(88) ومن مسح مسافراً ثم أقام
أو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
الترمذي، إلا الجبيرة فإنه يمسح عليها في الكبرى أيضاً إلى أن يحلها، لحديث
صاحب الشجة، وسيأتي إن شاء الله.
مسألة 85: (ويمسح المقيم يوماً وليلة، وثلاثاً للمسافر) لما روى عوف بن
مالك: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بالمسح على
الخفين ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويوماً وليلة للمقيم» ، قال أحمد: هذا
أجود حديث في المسح لأنه في غزوة تبوك، آخر غزاة غزاها النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو آخر فعله، وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - قال: «جعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
للمقيم يوماً وليلة وللمسافر ثلاثة أيام ولياليهن» ، رواه مسلم.
1 -
مسألة 86: وابتداء مدة المسح من الحدث بعد اللبس إلى مثله، لأن النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «يمسح المسافر ثلاثة أيام
ولياليهن والمقيم يوماً وليلة» ، رواه ابن ماجه، وقوله: «يمسح المسافر»
يعني يستبيح المسح، وإنما يستبيحه من حين الحدث، ولأنها عبادة مؤقتة فاعتبر
أول وقتها من حين جواز فعلها كالصلاة، ومن المسح بعده لأن النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بالمسح ثلاثة أيام فاقتضى أن تكون
الثلاثة كلها يمسح فيها.
مسألة 87: (ومتى مسح ثم انقضت المدة أو خلع قبلها بطلت طهارته) لأن المسح
أقيم مقام الغسل، فإذا زال بطلت الطهارة في القدمين فبطلت في جميعها، لأنها
لا تتبعض، وعنه يجزيه مسح رأسه وغسل قدميه في ذلك كله لأنه زال بدل غسلهما
فأجزأه المبدل كالمتيمم يجد الماء.
مسألة 88: (ومن مسح مسافراً ثم أقام أتم مسح مقيم) لأنها عبادة يختلف حكمها
في الحضر والسفر، فإذا وجد أحد طرفيها في الحضر غلب حكم الحضر كالصلاة.
(1/38)
(89) مقيماً ثم سافر أتم مسح مقيم
(90) ويجوز المسح على العمامة إذا كانت ذات ذؤابة
(91) ساترة لجميع الرأس إلا ما جرت العادة بكشفه
(92) ومن شرط المسح على جميع ذلك أن يلبسه على طهارة كاملة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 89: (وإن مسح مقيماً ثم سافر أتم مسح مقيم) كذلك، وعنه يتم مسح مسافر
لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يمسح المسافر ثلاثة أيام»
رواه أبو داود، وهذا مسافر، واختار هذه الرواية أبو بكر عبد العزيز [غلام]
الخلال وقال: رجع أحمد عن قوله الأول إلى هذا.
مسألة 90: (ويجوز المسح على العمامة إذا كانت ذات ذؤابة) لما روى المغيرة
قال: «توضأ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومسح على
الخفين والعمامة» حديث صحيح [رواه الترمذي] وعن عمرو بن أمية قال: «رأيت
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يمسح على عمامته وخفيه»
رواهما البخاري، ويشترط أن يكون لها ذؤابة أو محنكة، لأن ما لا ذؤابة لها
ولا حنك تشبه عمائم أهل الذمة، وقد نهي عن التشبه بهم فلم تستبح بها الرخصة
كالخف المغصوب، وإن كانت ذات حنك ولم يكن لها ذؤابة جاز المسح عليها لأنها
تفارق عمائم أهل الذمة.
مسألة 91: (ويشترط أن تكون ساترة لجميع الرأس إلا ما جرت العادة بكشفه) عفي
عنه للحرج.
مسألة 92: (ومن شرط المسح على جميع ذلك أن يلبسه على طهارة كاملة) لما روى
المغيرة قال: «كنت مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في
سفر فأهويت لأنزع خفيه، قال: "دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين" فمسح عليهما» ،
متفق عليه.
(1/39)
(93) ويجوز المسح على الجبيرة
(95) إذا لم يتعد بشدها موضع الحاجة إلى أن يحلها)
(96) والرجل والمرأة في ذلك سواء، إلا أن المرأة لا تمسح على العمامة
باب نواقض الوضوء وهي سبعة: الخارج من السبيلين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 93: (ويجوز المسح على الجبيرة) «لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الذي أصابه حجر في رأسه فشجه: "إنما كان يكفيه أن
يتيمم ويعمر - أو يعصب - على جرحه خرقة ويمسح عليها ويغسل سائر جسده» رواه
أبو داود، وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «انكسرت إحدى زندي
فأمرني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن أمسح عليها» ،
رواه ابن ماجه، ولأنه ملبوس يشق نزعه أشبه الخف.
1 -
مسألة 94: وفي اشتراط تقدم الطهارة لها روايتان: إحداهما: يشترط كالخف فإن
لبسها على غير طهارة أو جاوز بها موضع الحاجة وخاف الضرر بنزعها تيمم لها
كالجريح، والثانية: لا يشترط، لأنه مسح أجيز للضرورة فلم يشترط تقدم
الطهارة له كالتيمم.
مسألة 95: (ويشترط أن لا يتجاوز بالشد موضع الحاجة) لأن المسح عليها إنما
جاز للضرورة فوجب أن يتقيد الجواز بموضع الضرورة ويمسح عليها (إلى أن
يحلها) لأن الحاجة تدعو إلى ذلك.
مسألة 96: (والرجل والمرأة في ذلك سواء) ، لأن ذلك ثبت رخصة وما ثبت رخصة
استوى فيه الرجل والمرأة كسائر الرخص [وهذا في الخف وما في معناه والجبيرة،
فأما العمامة فلا يجوز المسح عليها للمرأة، لأنها إن لبستها لغير حاجة فهي
محرمة عليها لتشبهها بالرجال، والرخص لا تستباح بالمعصية، وإن احتاجت إلى
لبسها فهو نادر لا يفرد بحكم، والله أعلم] .
[باب نواقض الوضوء]
(وهي سبعة: أحدها: الخارج من السبيلين) قليلاً كان أو كثيراً، وهو نوعان:
معتاد
(1/40)
والخارج النجس من سائر البدن إذا فحش،
وزوال العقل إلا النوم اليسير جالساً أو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
كالبول والغائط فينقض بغير خلاف قاله ابن عبد البر، قال الله سبحانه: {أَوْ
جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: 43] والثاني نادر كالدود
والشعر والحصى فينقض لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
للمستحاضة: «توضئي لكل صلاة» رواه أبو داود، ودمها غير معتاد ولأنه خارج من
السبيلين أشبه المعتاد.
(الثاني خروج النجاسات من سائر البدن) وذلك نوعان: غائط وبول فينقض قليله
وكثيره لدخوله في عموم النص [وهو من سائر البدن] المذكور، والثاني: دم وقيح
فينقض كثيره [لا الصديد] لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
لفاطمة: «إنه دم عرق فتوضئي لكل صلاة» رواه الترمذي، علل بكونه دم عرق وهذا
كذلك، ولأنها نجاسة خارجة من البدن أشبهت الخارج من السبيل، ولا ينقض
يسيره، لقول ابن عباس في الدم: إذا كان فاحشاً فعليه الإعادة، قال أحمد:
عدة من الصحابة تكلموا فيه: ابن عمر عصر بثرة فخرج دم فصلى ولم يتوضأ، وابن
أبي أوفى عصر دملاً، وابن عباس قال: إذا كان فاحشاً [فإنه ينقض] ، وابن
المسيب أدخل أصابعه العشر أنفه فأخرجها ملطخة بالدم وهو في الصلاة، ولم
يعرف لهم مخالف فكان إجماعاً.
(الثالث زوال العقل) وهو نوعان:
أحدهما: النوم لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «العينان وكاء
السه، فمن نام فليتوضأ» رواه أبو داود، ولقول صفوان: لكن من بول وغائط
ونوم، ولأن النوم هو مظنة الحدث فقام مقامه كسائر المظنات، ولا يخلو من
أربعة أحوال: أحدها: أن يكون مضطجعاً [على شقه] أو
(1/41)
قائماً، ولمس الذكر بيده
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
متكئاً [أو مستلقيا] أو معتمداً على شيء فينقض قليله وكثيره للخبر، [وعنه
في المسند: والمحتبي إذا كثر، فمفهومه أنه لا ينقض اليسير ذكرها القاضي في
الوجهين] والثاني: أن يكون جالساً غير معتمد على شيء فلا ينقض قليله لما
روى أنس بن مالك أن أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
كانوا ينتظرون العشاء فينامون قعوداً ثم يصلون ولا يتوضأون، رواه مسلم،
ولأنه يشق التحرز منه وأكثر وجوده في منتظري الصلاة فعفي عنه، وإن كثر نقض
لأنه لا يعلم بالخارج مع استثقاله ويمكن التحرز منه، الثالث: القائم، فيه
روايتان: أولاهما: إلحاقه بحالة الجلوس لأنه في معناه، والثانية: ينقض
يسيره لأنه لا يتحفظ تحفظ الجالس، الرابع: الراكع والساجد فيه روايتان:
أولاهما: أنه كالمضطجع [لأن ينفرج محل الحدث فلا يتحفظ أشبه المضطجع] ،
والثانية: أنه كالجالس، لأنه على [حال من] أحوال الصلاة أشبه الجالس،
والمرجع في اليسير والكثير إلى العرف والعادة.
النوع الثاني: زوال العقل بجنون أو إغماء أو سكر فينقض الوضوء لأنه لما نص
على النقض بالنوم نبه على نقضه بهذه الأشياء، لأنها أبلغ في إزالة العقل،
ولا فرق بين الجالس وغيره والقليل والكثير، لأن صاحب هذه الأمور لا يحس
بحال بخلاف النائم فإنه إذا نبه انتبه.
(الرابع لمس الذكر بيده) وفيه ثلاث روايات: إحداهن: لا ينقض لما روى قيس بن
طلق عن أبيه «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل عن الرجل
يمس فرجه وهو في الصلاة قال: " وهل هو إلا بضعة منك» رواه أبو داود [وصححه
الطحاوي وغيره وضعفه الشافعي وأحمد، قال أبو زرعة: قيس لا تقوم بروايته
حجة، وقيل منسوخ] ، والثانية: ينقض لما روت بسرة بنت صفوان أن النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من مس ذكره فليتوضأ» رواه أبو
داود، قال أحمد هو
(1/42)
وأن تمس بشرته بشرة أنثى لشهوة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
حديث صحيح، وروى أبو هريرة نحوه وهو متأخر عن حديث طلق، لأن في حديث طلق
أنه قدم وهم يؤسسون المسجد وأبو هريرة قدم حين فتحت خيبر فيكون ناسخاً له،
وسواء مسه ببطن الكف أو بظهره، ولأن أبا هريرة روى أن النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره ليس
بينهما ستر فليتوضأ» رواه أحمد في مسنده، واليد المطلقة تتناول اليد إلى
الكوع لأنه لما قال: {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] في حق
السارق تناول ذلك لا غير.
مسألة 97: ولا ينقض اللمس بالذراع لأنه ليس من اليد، الرواية الثالثة إن
قصد إلى مسه نقض، ولا ينقض من غير قصد لأنه لمس فلم ينقض من غير قصد كلمس
النساء.
(الخامس أن تمس بشرته بشرة أنثى) وفيه ثلاث روايات: إحداهن: ينقض بكل حال
لقوله سبحانه: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً
فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] والثانية: لا ينقض بحال لما روي «أن النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل عائشة ثم صلى ولم يتوضأ» ، رواه
أبو داود، و [قال: هو مرسل] لأنه يرويه إبراهيم النخعي عن عائشة ولم يسمع
منها، وقالت عائشة: «فقدت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فجعلت أطلبه فوقعت يدي على قدميه وهو ساجد» ، رواه مسلم، ولو بطل وضوؤه
لفسدت صلاته، والرواية الثالثة: وهي ظاهر المذهب أنه ينقض إذا كان (لشهوة)
ولا ينقض لغير شهوة جمعاً بين الآية والخبر، ولأن اللمس ليس بحدث إنما هو
داع إلى الحدث فاعتبرت الحالة التي يدعو فيها إلى الحدث كالنوم ولا فرق [في
اللمس] بين الصغيرة والكبيرة وذات المحرم وغيرها لعموم الدليل فيه.
(1/43)
والردة عن الإسلام، وأكل لحم الجزور، لما
روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قيل له: أنتوضأ من
لحوم الإبل؟ قال: نعم توضأوا منها، قيل: أفنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن
شئت فتوضأ، وإن شئت فلا تتوضأ
(98) ومن تيقن الطهارة وشك في الحدث، أو تيقن الحدث وشك في الطهارة فهو على
ما تيقن منهما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
(السادس الردة عن الإسلام) وهو أن ينطق بكلمة الكفر أو يعتقدها أو يشك شكاً
يخرجه عن الإسلام فينتقض وضوؤه لقول الله عز وجل: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ
لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] والطهارة عمل، ولأن الردة حدث لقول
ابن عباس: الحدث حدثان وأشدهما حدث اللسان، فيدخل في عموم قوله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى
يتوضأ» متفق عليه، ولأنها طهارة عن حدث فأبطلتها الردة كالتيمم.
(السابع أكل لحم الجزور) لما روى جابر بن سمرة «أن رجلاً سأل النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت
فتوضأ وإن شئت فلا تتوضأ. قال: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم توضأ من
لحوم الإبل» رواه مسلم، قال أحمد: حديثان صحيحان عن النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حديث البراء بن عازب وحديث جابر بن سمرة.
مسألة 98: (ومن تيقن الطهارة وشك في الحدث، أو تيقن الحدث وشك في الطهارة
فهو على ما تيقن منهما) لما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أنه قال: «إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه هل خرج منه
شيء أم لم يخرج فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً» متفق
عليه، ولأن اليقين لا يزول بالشك.
(1/44)
باب الغسل من الجنابة (99) والموجب له خروج
المني وهو الماء الدافق
(100) والتقاء الختانين
(101) والواجب فيه النية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
[باب الغسل من الجنابة]
مسألة 99: (والموجب له خروج المني الدافق) بلذة، لأن أم سليم قالت: «يا
رسول الله إن الله لا يستحي من الحق، هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟
فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "نعم، إذا رأت
الماء» متفق عليه.
مسألة 100: (والتقاء الختانين) ، وهو تغييب الحشفة في الفرج [قبلا كان أو
دبرا، من آدمي أو بهيمة، حي أو ميت] وإن عري عن الإنزال لقول النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا جلس بين شعبها الأربع، ومس
الختان الختان وجب الغسل» رواه مسلم، وختان الرجل الجلدة التي تبقى بعد
القطع، وختان المرأة جلدة [كعرف الديك] في أعلى الفرج يقطع منها في الختان،
فإذا غابت الحشفة في الفرج تحاذى ختاناهما فيقال التقيا وإن لم يتماسا،
وغير ذلك مقيس عليه لأنه فرج أشبه قبل المرأة.
مسألة 101: (والواجب فيه النية، وتعميم بدنه بالغسل مع المضمضة والاستنشاق)
واعلم أن الغسل ضربان: كمال، وإجزاء، فالكمال أن يتوضأ [كما يتوضأ] للصلاة،
ثم يغتسل، وقد دل عليه حديث عائشة وميمونة، فروت عائشة «أن رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا اغتسل من الجنابة غسل يديه
ثلاثاً، وتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يخلل شعره بيده حتى إذا ظن أنه قد أروى
بشرته أفاض عليه الماء ثلاث مرات، ثم غسل سائر جسده» ، وقالت ميمونة: «وضع
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وضوء الجنابة فأفرغ على
يديه فغسلهما مرتين أو ثلاثاً، ثم أفرغ بيمينه على شماله فغسل مذاكيره، ثم
ضرب يده بالأرض - أو الحائط - مرتين أو
(1/45)
، (102) وتعميم بدنه بالغسل مع المضمضة
والاستنشاق
(103) وتسن التسمية ويدلك بدنه بيده، ويفعل كما «روت ميمونة قالت: سترت
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاغتسل من الجنابة، فبدأ فغسل
يديه، ثم صب بيمينه على شماله فغسل فرجه وما أصابه ثم ضرب بيده على الحائط
والأرض، ثم توضأ وضوءه للصلاة، ثم أفاض الماء على بدنه، ثم تنحى فغسل
رجليه»
(104) ولا يجب نقض الشعر في غسل الجنابة إذا روى أصوله
(105) وإذا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
ثلاثاً، ثم تمضمض واستنشق وغسل وجهه وذراعيه ثم أفاض الماء على رأسه، ثم
غسل سائر جسده، فأتيته بالمنديل فلم يردها وجعل ينفض الماء بيديه» ، متفق
عليهما.
1 -
مسألة 102: وأما صفة الإجزاء فهو أن يعم بدنه بالماء في الغسل، وينوي به
الغسل والوضوء، ويتمضمض ويستنشق، لأن ذلك هو المأمور به بقوله: {وَإِنْ
كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] وقوله: {حَتَّى
تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43] .
مسألة 103: (وتسن التسمية) لما سبق في الوضوء (وأن يدلك بدنه بيده) ليصل
الماء إلى جميع بدنه.
مسألة 104: (ولا يجب نقض الشعر) ، لأن الله سبحانه وتعالى قال: {حَتَّى
تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43] أوجب الغسل ولم يذكر نقض الشعر ولو كان واجباً
لذكره، لكن يجب غسله وتروية أصوله، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «تحت كل شعرة جنابة، فاغسلوا الشعر وأنقوا البشرة» رواه
الترمذي.
مسألة 105: (وإذا نوى بغسله الطهارتين أجزأ عنهما) لأنهما عبادتان من جنس
(1/46)
نوى بغسله الطهارتين أجزأ عنهما
(106) وكذلك لو تيمم للحدثين والنجاسة على بدنه أجزأ عن جميعها وإن نوى
بعضها فليس له إلا ما نوى بهما وجهه وكفيه
باب التيمم وصفته أن يضرب بيديه على الصعيد الطيب ضربة واحدة فيمسح بهما
وجهه وكفيه، «لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعمار:
إنما كان يكفيك هكذا" وضرب بيديه الأرض فمسح وجهه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
فتدخل الصغرى في الكبرى كالعمرة مع الحج، وهو صفة الإجزاء لما سبق، وعنه لا
يجزئ الغسل عن الوضوء، لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فعل ذلك، ولأن الجنابة والحدث وجدا منه فوجبت لهما الطهارتان كما لو كانا
متفرقين.
مسألة 106: (وكذلك لو تيمم للحدثين والنجاسة على بدنه أجزأ عن جميعها) لما
سبق، (وإن نوى بعضها فليس له إلا ما نوى) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «ليس للمرء من عمله إلا ما نوى» رواه البخاري.
[باب التيمم]
(وصفته أن يضرب بيديه على الصعيد الطيب ضربة واحدة فيمسح بهما وجهه وكفيه،
لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث عمار: «إنما كان
يكفيك هكذا" وضرب بيديه الأرض فمسح بهما وجهه وكفيه» متفق عليه، وقال
القاضي: المسنون ضربتان يمسح بإحداهما وجهه وبالأخرى يديه إلى المرفقين،
لما روى ابن الصمة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
«التيمم ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين» رواه مالك، ولنا ما سبق،
وأما حديث ابن الصمة ففي الصحيح: «مسح وجهه ويديه» رواه البخاري، فيكون حجة
لنا، لأن اليد عند إطلاق الشرع تتناول اليد إلى الكوع بدليل قوله سبحانه:
{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً}
[المائدة: 38] الآية، وذكر الضربتين فيه فلم يصح، قال أحمد: من قال ضربتين
فإنما هو شيء زاده.
(1/47)
وكفيه»
(107) وإن تيمم بأكثر من ضربة أو مسح أكثر جاز
(108) وله شروط أربعة: أحدها: العجز عن استعمال الماء، إما لعدمه أو لخوف
الضرر من استعمال لمرض أو برد شديد)
(109) أو لخوف العطش على نفسه أو رفيقه أو بهيمته، أو خوف على نفسه أو ماله
في طلبه
(110) أو تعذر إلا بثمن كثير
(111) فإن أمكنه استعماله في بعض بدنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 107: (وإن تيمم بأكثر من ضربة أو مسح أكثر جاز) ، لحديث ابن الصمة
فإنه دل على جواز التيمم بضربتين، وحديث عمار يدل على الإجزاء بضربة، ولا
تنافي بينهما، ولأن الله سبحانه قال: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ
وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6] ولم يذكر عدداً، ومن ضرب ضربتين أو مسح
أكثر من اليد [إلى الكوع] فقد وفى بموجب النص.
مسألة 108: (وله شروط أربعة: أحدها: العجز عن استعمال الماء، إما لعدمه)
لقوله سبحانه: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] (أو
لخوف الضرر من استعماله لمرض أو برد شديد) أو جرح، لقوله سبحانه: {وَإِنْ
كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [النساء: 43] الآية «ولحديث عمرو:
احتلمت في ليلة باردة فخشيت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت وصليت بأصحابي، وعلم
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذلك فلم يأمره بالإعادة» ،
رواه أبو داود.
مسألة 109: (أو لخوف العطش على نفسه) حكاه ابن المنذر إجماعاً (أو لخوفه
على رفيقه أو بهيمته، أو خوف على نفسه أو ماله في طلبه) ، لأنه خائف الضرر
باستعماله فجاز له التيمم لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«لا ضرر ولا ضرار» رواه ابن ماجه.
مسألة 110: (أو تعذر إلا بثمن كثير) يزيد على ثمن المثل، أو لمن يعجز عن
أدائه كذلك.
مسألة 111: (فإن أمكنه استعماله في بعض بدنه) ولم يمكن في بعضه كالمجروح
استعمله وتيمم للباقي لأنه خائف على نفسه أشبه المريض.
(1/48)
(112) أو وجد ماء لا يكفيه لطهارته استعمله
وتيمم للباقي، الثاني: دخول الوقت فلا يتيمم لفريضة قبل وقتها ولا لنافلة
في وقت النهي عنها، الثالث: النية
(113) فإن تيمم لنافلة لم يصل بها فرضاً
(114) وإن تيمم لفريضة فله فعلها وفعل ما شاء من الفرائض
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 112: (وإن وجد ماء لا يكفي لطهارته لزمه استعماله وتيمم للباقي)
لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه
ما استطعتم» رواه البخاري، هذا إن كان جنباً، وإن كان محدثاً فعلى وجهين:
أحدهما يلزمه استعماله كالجنب، والثاني لا يلزمه، وهذا مبني على وجوب
الموالاة، وفيها روايتان، فإن قلنا بوجوبها لم يلزمه استعماله لأنه لا
يفيد، وإن قلنا إنها غير واجبة لزمه، لأنها تفيد رفع الحدث عن بعض بدنه،
وأما الجنابة فليس فيها موالاة لأن الأصل عدم الموالاة في الطهارتين، لأن
الله أمر بالغسل فيها [لا غير] وإنما وجبت في الوضوء لأن «النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر الذي رأى في قدمه لمعة لم يصبها الماء
بإعادة الوضوء والصلاة» ، أخرجه أبو داود، فبقي غسل الجنابة على الأصل.
الشرط (الثاني: دخول الوقت فلا يجوز التيمم لفرض قبل دخول وقته ولا لنافلة
في وقت النهي عنها) لأنه قبل الوقت مستغن عن التيمم فلم يجز تيممه، كما لو
تيمم وهو واجد الماء، ولأن التيمم إنما جاز للحاجة إلى الصلاة، وقبل الوقت
هو غير محتاج إلى الصلاة، وكذلك وقت النهي.
الشرط (الثالث: النية) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما
الأعمال بالنيات» رواه البخاري.
مسألة 113: (فإن تيمم لنافلة لم يصل به فرضاً) لأن التيمم لا يرفع الحدث،
فلا يباح الفرض حتى ينويه لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«إنما الأعمال بالنيات» رواه مسلم.
مسألة 114: (وإن تيمم لفريضة فله فعلها) لأنه نواها (وله فعل ما شاء من
(1/49)
والنوافل حتى يخرج وقتها الرابع: التراب،
فلا يتيمم إلا بتراب طاهر له غبار
(115) ويبطل التيمم ما يبطل طهارة الماء
(116) وخروج الوقت
(117) والقدرة على استعمال الماء
(118) وإن كان في الصلاة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
الفرائض والنوافل حتى يخرج وقتها) لأنها طهارة أباحت فرضاً فأباحت سائر ما
ذكرناه، أشبه الوضوء.
الشرط (الرابع: التراب، فلا يتيمم إلا بتراب طاهر) لأن الله سبحانه قال:
{فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] قال ابن عباس: الصعيد تراب
الحرث، والطيب الطاهر، ويشترط أن يكون (له غبار) لقوله سبحانه:
{فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6] و"من"
للتبعيض، وما لا غبار له لا يمسح بشيء منه.
مسألة 115: (ويبطل التيمم ما يبطل طهارة الماء) لأنه بدل عنه.
مسألة 116: (ويبطل بخروج الوقت) ، لأنها طهارة ضرورة فتقدر بقدر الضرورة،
وقدر الضرورة الوقت فتقيد به، لأنه وقت الحاجة.
مسألة 117: (ويبطل بالقدرة على استعمال الماء) : لقوله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «التراب كافيك ما لم تجد الماء، فإذا وجدت الماء
فأمسه جلدك» أخرجه أبو داود.
مسألة 118: وتبطل طهارته (وإن كان في الصلاة) لأنه لو كان خارج الصلاة
لبطلت فكذلك في الصلاة.
(1/50)
باب الحيض (ويمنع عشرة أشياء: فعل الصلاة،
ووجوبها)
(119) وفعل الصيام
(120) والطواف
(121) وقراءة القرآن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
[باب الحيض]
(ويمنع الحيض عشرة أشياء: فعل الصلاة، ووجوبها) ، لقوله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا «أقبلت الحيضة فدعي الصلاة» متفق عليه، وقالت
عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «كنا نحيض على عهد رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة» ،
متفق عليه، ولو كانت واجبة لأمر بقضائها.
مسألة 119: (وفعل الصيام) ولا يسقط وجوبه لحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا -، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أليس إحداكن إذا
حاضت لم تصم ولم تصل " قلن بلى» ، رواه البخاري.
مسألة 120: (والطواف) بالبيت، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
لعائشة: «إذا حضت فافعلي ما يفعل الحاج، غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري»
متفق عليه.
مسألة 121: (وقراءة القرآن) ، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-: «لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن» رواه أبو داود.
(1/51)
(122) ومس المصحف
(123) واللبث في المسجد
(124) والوطء في الفرج
(125) وسنة الطلاق
(126) والاعتداد بالأشهر
(127) ويوجب الغسل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 122: (ومس المصحف) ، لقوله سبحانه: {لا يَمَسُّهُ إِلا
الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] .
مسألة 123: (واللبث في المسجد) ، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «لا أحل المسجد لحائض» رواه أبو داود.
مسألة 124: (والوطء في الفرج) لقوله سبحانه: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي
الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] ، ولقوله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اصنعوا كل شيء إلا النكاح» رواه
أبو داود.
مسألة 125: (وسنة الطلاق) لأن «ابن عمر لما طلق امرأته وهي حائض أمره رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالرجعة حتى تطهر [ثم تحيض ثم
تطهر] ، ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك» ، رواه البخاري.
مسألة 126: (والاعتداد بالأشهر) ، لأنها إذا صارت ممن تحيض اعتدت بالحيض
لقوله سبحانه: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:
228] .
مسألة 127: (ويوجب الغسل) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها ثم اغتسلي وصلي» متفق عليه.
(1/52)
(128) والبلوغ
(129) والاعتداد به
(130) فإذا انقطع الدم أبيح فعل الصوم
(131) والطلاق
(132) ولم يبح سائرها حتى تغتسل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 128: (والبلوغ) يعني يثبت به البلوغ، لقوله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار» رواه أبو داود،
أوجب عليها السترة بوجود الحيض، فدل على أن التكليف حصل به، وإنما يحصل ذلك
بالبلوغ.
مسألة 129: (والاعتداد به) يعني إذا وجد اعتدت به، لقوله سبحانه:
{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ}
[البقرة: 228] وقبل أن تحيض كانت تعتد بالشهور لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ
فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] .
مسألة 130: (فإذا انقطع الدم أبيح فعل الصوم) للحائض كما يباح للجنب.
مسألة 131: (ويباح الطلاق) إذا انقطع الدم، لأنه إنما حرم طلاق الحائض وهذه
طاهر.
مسألة 132: (ولا يباح سائرها حتى تغتسل) ، أما الصلاة فلا تباح لها لقيام
الحدث بها وكذا الطواف لأنه صلاة، ولا يباح لها قراءة القرآن ولا مس المصحف
ولا اللبث في المسجد لقيام الحدث الأكبر بها ولما سبق في أول الباب، ولا
يباح الوطء في الفرج، لأن الله سبحانه أباحه بشرطين انقطاع الدم والغسل
بقوله سبحانه: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222]
معناه حين ينقطع دمهن، ثم قال: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [البقرة: 222] معناه
اغتسلن {فَأْتُوهُنَّ} [البقرة: 222] .
1 -
مسألة 133: وأما منع الاعتداد بالأشهر فباق، لأنها صارت ممن تحيض فعدتها
الحيض.
(1/53)
(134 ويجوز الاستمتاع من الحائض بما دون
الفرج لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اصنعوا كل
شيء غير النكاح»
(135) وأقل الحيض يوم وليلة، وأكثره خمسة عشر يوماً
(136) وأقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يوماً
(137) ولا حد لأكثره
(138) وأقل سن تحيض له المرأة تسع سنين
(139) وأكثره ستون
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 134: (ويجوز الاستمتاع من الحائض بما دون الفرج) كالقبلة ونحوها لما
روي أن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «كان رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأمرني فأتزر فيباشرني وأنا حائض» ، متفق
عليه، و (قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اصنعوا كل شيء إلا
النكاح» .
مسألة 135: (وأقل الحيض يوم وليلة، وأكثره خمسة عشر يوماً) لأن الشارع علق
على الحيض أحكاماً ولم يبين أقله وأكثره، فعلم أنه رد ذلك إلى العرف،
والعرف شاهد بذلك، قال عطاء: رأينا من تحيض يوماً ورأينا من تحيض خمسة عشر
يوماً، وحكي ذلك عن غيره.
مسألة 136: (وأقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يوماً) لما روى [شريح] عن
علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه سئل عن امرأة ادعت انقضاء عدتها في شهر
فقال لشريح: قل فيها، قال: إن جاءت ببطانة من أهلها يشهدون أنها حاضت في
شهر ثلاث مرات تترك الصلاة فيها وإلا فهي كاذبة، فقال علي: قالون، يعني جيد
بلسان الروم، وهذا اتفاق منهما على إمكان ثلاث حيضات في شهر، ولا يمكن إلا
بما ذكرنا من أقل الطهر، ويكون أقل الحيض يوماً وليلة، وعنه أقله خمسة عشر
لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تمكث إحداكن شطر عمرها
لا تصلي» رواه أحمد.
مسألة 137: (وليس لأكثره حد) لأنه لا نص فيه ولا نعلم له دليلاً.
مسألة 138: (وأقل سن تحيض له المرأة تسع سنين) فإذا رأت قبل ذلك دماً فليس
بحيض ولا تتعلق به أحكامه لأنه لم يثبت في الوجود لامرأة حيض قبل ذلك، وقد
روي عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت: إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي
امرأة.
مسألة 139: (وأكثره ستون) سنة، لأنها إذا بلغت ذلك يئست من الحيض لأنه لم
يوجد بمثلها حيض معتاد، فإن رأت دماً فهو دم فساد.
1 -
(1/54)
(141) والمبتدأة إذا رأت الدم لوقت تحيض في
مثله جلست
(142) فإن انقطع لأقل من يوم وليلة فليس بحيض وإن جاوز ذلك ولم يعبر أكثر
الحيض فهو حيض فإذا تكرر ثلاثة أشهر بمعنى واحد صار عادة
(143) وإن عبر أكثر الحيض فالزائد استحاضة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 140: وعنه أن أكثره خمسون سنة، فإن رأت دماً بعد الخمسين ففيه
روايتان: إحداهما: هو دم فساد أيضاً، لأن عائشة قالت: إذا بلغت المرأة
خمسين سنة خرجت من حد الحيض، والثانية: إن تكرر بها الدم فهو حيض، وهذه
أصح؛ لأن ذلك قد وجد فروي أن هند بنت أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة ولدت
موسى بن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولها
ستون سنة، ذكره الزبير بن بكار في كتاب النسب وقال: لا تلد لخمسين إلا
عربية، ولا تلد لستين إلا قرشية، وعنه أن نساء العجم ييئسن في خمسين سنة،
ونساء العرب إلى ستين لأنهن أقوى جبلة.
مسألة 141: (والمبتدأة إذا رأت الدم لوقت تحيض لمثله جلست) يعني تركت
الصلاة [لأنه يمكن أن يكون حيضا فتركت الصلاة من أجله كغير المبتدأة] .
مسألة 142: (فإن انقطع لأقل من يوم وليلة فليس بحيض) ويكون دم فساد، (وإن
جاوز ذلك ولم يعبر أكثر الحيض فهو حيض) لأنه دم يصلح أن يكون حيضاً فتجلسه
كاليوم والليلة، (فإذا تكرر ثلاثة أشهر بمعنى واحد صار عادة) لتكراره في
الأشهر الثلاثة، لأن العادة من المعاودة، وعنه إذا زاد على يوم وليلة
روايات أربع: إحداهن: هذه المذكورة، والثانية: تغتسل عقيب اليوم والليلة
وتصلي لأن العبادة واجبة بيقين، وما زاد على أقل الحيض مشكوك فيه فلا
تسقطها بالشك، فإن انقطع دمها ولم يعبر أكثر الحيض اغتسلت غسلاً ثانياً ثم
تفعل ذلك في شهر آخر، وعنه في شهرين آخرين، فإن كان في الأشهر كلها مدته
واحدة علمت أن ذلك حيضها فانتقلت إليه وعملت عليه وأعادت ما صامته من الفرض
لأنا تبينا أنها صامته في حيضها، والثالثة: تجلس ستاً أو سبعاً لأنه غالب
حيض النساء، ثم تغتسل وتصلي، والرابعة: تجلس عادة نسائها لأن الغالب أنها
تشبههن في ذلك.
مسألة 143: (وإن عبر) يعني زاد على (أكثر الحيض فالزائد استحاضة، وعليها أن
تغتسل عند آخر الحيض) لأن الحائض إذا طهرت وجب عليها الغسل [بالإجماع] ،
لقوله سبحانه وتعالى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} [البقرة: 222]
الآية.
(1/55)
وعليها أن تغتسل عند آخر الحيض
(144) وتغسل فرجها وتعصبه ثم تتوضأ لوقت كل صلاة وتصلي وكذا حكم من به سلس
البول وما في معناه
(145) فإذا استمر بها الدم في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 144: والمستحاضة في حكم الطاهرات في وجوب العبادة وفعلها، (فإذا
أرادت الصلاة غسلت فرجها وما أصابها من الدم حتى إذا استنقت عصبت فرجها)
واستوثقت بالشد والتلجم، وهو أن تستثفر بخرقة مشقوقة الطرفين تشدهما على
جنبيها ووسطها على الفرج، وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
في حديث أم سلمة: «لتستثفر بثوب» رواه أبو داود، وقال لحمنة: «تلجمي» رواه
الترمذي، (ثم تتوضأ لوقت كل صلاة وتصلي) لما روي «أن النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لحمنة بنت جحش حين شكت إليه كثرة الدم: "
أنعت لك الكرسف» رواه أبو داود، يعني به القطن، تحشي به المكان، «قالت: إنه
أشد من ذلك، قال: "تلجمي» ، وفي حديث أم سلمة أن امرأة كانت تهراق الدماء
على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فاستفتت لها أم
سلمة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: «لتنظر عدة
الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها
[بترك الصلاة قدر ذلك الذي أصابها] فإذا هي خلفت ذلك فلتغتسل ثم لتستثفر
بثوب ثم لتصل» رواه أبو داود.
(ومن به سلس البول في معنى الاستحاضة) ولا فرق بينهما [ومثله الجريح الذي
لا يرفأ دمه] .
مسألة 145: (فإذا استمر بها الدم في الشهر الآخر فإن كانت معتادة فحيضها
أيام عادتها) لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لفاطمة بنت
أبي حبيش: «دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها ثم اغتسلي وصلي»
متفق عليه.
(1/56)
الشهر الآخر فإن كانت معتادة فحيضها أيام
عادتها
(146) وإن لم تكن معتادة وكان لها تمييز - وهو أن يكون بعض دمها أسود
ثخيناً وبعضه أحمر رقيقاً - فحيضها زمن الأسود الثخين
(147) وإن كانت مبتدأة أو ناسية لعادتها ولا تمييز لها فحيضها من كل شهر
ستة أيام أو سبعة، لأنه غالب عادات النساء
(148) والحامل لا تحيض
(148) إلا أن ترى الدم قبل ولادتها بيوم أو يومين أو ثلاثة فيكون دم نفاس
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 146: (وإن لم تكن معتادة وكان لها تمييز - وهو أن يكون بعض دمها أسود
ثخيناً وبعضه أحمر رقيقاً - فحيضها زمن الأسود الثخين) لما روي «أن فاطمة
بنت أبي حبيش قالت: يا رسول الله إني أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ قال:
"إن ذلك عرق وليس بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، فإذا أدبرت
فاغسلي عنك الدم وصلي» متفق عليه، يعني بإقباله سواده ونتنه، وبإدباره رقته
وحمرته، وفي لفظ قال لها: «إذا كان دم الحيض فإنه أسود يعرف فأمسكي عن
الصلاة، فإذا كان الآخر فتوضئي، إنما ذلك عرق» رواه النسائي، ولأنه خارج من
الفرج موجب للغسل فيرجع إلى صفته عند الاشتباه كالمذي والمني.
مسألة 147: (وإن كانت مبتدأة أو ناسية لعادتها ولا تمييز لها فحيضها من كل
شهر ستة أيام أو سبعة، لأنه غالب عادات النساء) ، وعنه تجلس عادة نسائها
لأن الظاهر أنها تشبههن في ذلك، وعنه أقله، لأنه اليقين، وعنه أكثره يصلح
أن يكون حيضاً.
مسألة 148: (والحامل لا تحيض) ، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- في سبايا أوطاس: «لا توطأ حامل حتى تضع، ولا حائل حتى تستبرئ بحيضة» رواه
أبو داود، فجعل وجود الحيض علماً على براءة الرحم، ولو كان يجتمع معه لم
يكن وجوده علماً على عدمه.
مسألة 149: (إلا أن ترى الدم قبل ولادتها بيومين أو ثلاثة فيكون دم نفاس)
لأنه دم سببه الولادة فكان نفاساً كالخارج بعد الولادة، والله أعلم.
(1/57)
باب النفاس وهو الدم الخارج بسبب الولادة،
وحكمه حكم الحيض فيما يحل ويحرم ويجب ويسقط به وأكثره أربعون يوماً
(150) ولا حد لأقله، ومتى رأت الطهر اغتسلت وهي طاهرة
(151) وإن عاد في مدة الأربعين فهو نفاس أيضاً
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
[باب النفاس]
(وهو الدم الخارج بسبب الولادة، وحكمه حكم الحيض فيما يحل ويحرم ويجب ويسقط
به) لأنه دم حيض مجتمع احتبس لأجل الحمل (وأكثره أربعون يوماً) لما روت أم
سلمة «قالت: كانت النفساء على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - تقعد بعد نفاسها أربعين يوماً أو أربعين ليلة» رواه أبو داود،
والترمذي، وقال: أجمع أهل العلم من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومن بعدهم من التابعين أن النفساء تدع الصلاة أربعين
يوماً، إلا أن ترى الطهر قبل ذلك فتغتسل وتصلي.
مسألة 150: (وليس لأقله حد، أي وقت رأت الدم لطهر فهي طاهر) تغتسل وتصلي
كالحيض.
مسألة 151: (فإن عاد في مدة الأربعين فهو نفاس) لأنه في مدته أشبه الأول،
وعنه أنه مشكوك فيه، تصوم وتصلي وتقضي الصوم احتياطاً، لأن الصوم واجب
بيقين فلا يجوز تركه لعارض مشكوك فيه، ويفارق الحيض المشكوك فيه وهو ما زاد
على الست والسبع في حق الناسية فإنه يتكرر ويشق قضاؤه والنفاس بخلافه.
(1/58)
|