العدة
شرح العمدة كتاب البيوع قال الله تعالى: {وَأَحَلَّ
اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] والبيع معاوضة المال بالمال (1) ويجوز
بيع كل مملوك فيه نفع مباح
(2) إلا الكلب فإنه لا يجوز بيعه ولا غرم على، متلفه لأن النبي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
[كتاب البيوع]
(قال الله سبحانه: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] ، والبيع
معاوضة المال بالمال) لغرض التملك.
مسألة 1: (ويجوز بيع كل مملوك فيه نفع مباح) ويشترط لصحة البيع أن يكون
المبيع مملوكًا لبائعه أو مأذونًا له فيه، فإن باع ملك غيره بغير إذنه لم
يصح لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لحكيم بن حزام: «لا
تبع ما ليس عندك» رواه ابن ماجه والترمذي وقال: حديث صحيح، يعني ما لا تملك
لأنه ذكره جوابًا له حين سأله أن يبيع الشيء ثم يمضي ويشتريه ويسلمه،
ولاتفاقنا على صحة بيع ماله الغائب عنه، ولأنه عقد على ما لا يقدر على
تسليمه أشبه بيع الطير في الهواء، وعنه يصح ويقف على إجارة المالك، لما
«روى عروة بن الجعد البارقي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- أعطاه دينارًا ليشتري به شاة فاشترى به شاتين ثم باع إحداهما بدينار في
الطريق، قال: فأتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالدينار
والشاة وأخبرته فقال: "بارك الله لك في صفقة يمينك» رواه الأثرم وابن ماجه،
ولأنه عقد له مخير حال وقوعه فيجب أن يقف على إجازته كالوصية فيما زاد على
الثلث لأجنبي، والصحيح الأول، وحديث عروة محمول على أنه كانت وكالته مطلقة
بدليل أنه سلم وتسلم وليس ذلك لغير المالك باتفاق، وأما الوصية فيتأخر فيها
القبول عن الإيجاب، ولا يعتبر أن يكون له تخير حال وقوع العقد، ويجوز فيها
من الغرر ما لا يجوز في البيع فافترقا. وقوله: "فيه نفع مباح" احتراز عما
فيه نفع محرم كآلات اللهو فإنه لا يجوز بيعها لأنها محرمة.
مسألة 2: (إلا الكلب فإنه لا يجوز بيعه) وإن كان معلمًا، لما روى أبو مسعود
(1/239)
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
«نهى عن ثمن الكلب»
(3) ولا يجوز بيع ما ليس بمملوك لبائعه إلا بإذن مالكه أو ولاية عليه
(4) ولا بيع ما لا نفع فيه كالحشرات
(5) ولا ما نفعه محرم كالخمر والميتة
(6) ولا بيع معدوم كالذي تحمله أمته أو شجرته، أو مجهول كالحمل
(7) والغائب الذي لم يوصف ولم تتقدم رؤيته، ولا معجوز عن تسليمه كالآبق
والشارد والطير في الهواء والسمك في الماء
(8) ولا بيع المغصوب إلا لغاصبه أو من يقدر على أخذه منه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
الأنصاري «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن ثمن
الكلب وقال: "ثمن الكلب خبيث» متفق عليه. (ولا غرم على متلفه) لذلك، ولأنه
لا قيمة له.
مسألة 3: (ولا يجوز بيع ما ليس بمملوك لبائعه إلا بإذن مالكه أو ولاية
عليه) لما سبق من حديث حكيم بن حزام.
مسألة 4: (ولا يجوز بيع ما لا نفع فيه كالحشرات) لأنه لا قيمة لها وهي
محرمة أشبهت الميتة.
مسألة 5: (ولا يجوز بيع ما نفعه محرم كالخمر والميتة) لقوله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الله إذا حرم شيئًا حرم ثمنه» [رواه أبو
داود] ، وفي حديث جابر: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يقول: «إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام» متفق
عليه.
مسألة 6: (ولا يجوز بيع معدوم كالذي تحمل أمته أو شجرته) لأنه مجهول غير
مقدور على تسليمه، (ولا يجوز بيع المجهول كالحمل) لجهالته.
مسألة 7: (ولا يجوز بيع الغائب الذي لم يوصف ولم تتقدم رؤيته) لجهالته (ولا
بيع معجوز عن تسليمه كالآبق والطير في الهواء والسمك في الماء) لأن القدرة
على التسليم شرط في صحة البيع ولم يوجد.
مسألة 8: (ولا يجوز بيع المغصوب لذلك إلا لغاصبه أو لمن يقدر على أخذه منه)
لأنه يقدر على تسليمه.
(1/240)
(9) ولا بيع غير معين كعبد من عبيده أو شاة
من قطيعه إلا فيما تتساوى أجزاؤه كقفيز من صبرة
فصل ونهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الملامسة وعن
المنابذة
(10) وعن بيع الحصاة
(11) وعن بيع الرجل على بيع أخيه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 9: (ولا يجوز بيع غير معين كعبد من عبيده أو شاة من قطيعه) لجهالته،
(فإن تساوت أجزاؤه كقفيز من صبرة معينة صح) لأنه يصير معلومًا.
[فصل في حكم بيع الملامسة والمنابذة]
فصل: (ونهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الملامسة
والمنابذة) في المتفق عليه لا نعلم خلافًا بين أهل العلم في فساد هذين
البيعين، وقد روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه:
«نهى عن الملامسة والمنابذة» متفق عليه. والملامسة أن يبيعه شيئًا ولا
يشاهده على أنه متى لمسه وقع البيع، والمنابذة أن يقول: أي ثوب نبذته إلي
فقد اشتريته، وفي البخاري أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - نهى عن المنابذة، وهي طرح الرجل ثوبه بالبيع إلى الرجل قبل أن
يقلبه أو ينظر إليه، ونهى عن الملامسة، والملامسة لمس الثوب لا ينظر إليه،
وعلة المنع من ذلك كون المبيع مجهولًا لا يعلم.
مسألة 10: (ونهى عن بيع الحصاة) فروى مسلم عن أبي هريرة «أن النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن بيع الحصاة» [رواه مسلم] . واختلف في
تفسيره فقيل: هو أن يقول: ارم هذه الحصاة فعلى أي ثوب وقعت فهو لك بكذا،
وقيل: هو أن يقول بعتك من هذه الضيعة مقدار ما تبلغ هذه الحصاة إذا رميتها
بكذا، وقيل: هو أن يبيعه شيئًا فإذا رمى بالحصاة فقد وجب البيع. والعلة في
فساد ذلك ما فيه من الغرر والجهالة، ولا نعلم في فساده خلافًا.
مسألة 11: (ونهى عن بيع الرجل على بيع أخيه) لقوله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يبع بعضكم على بيع بعض» [رواه البخاري] ومعناه
أن الرجلين إذا تبايعا فجاء آخر إلى المشتري فقال: أنا أبيعك مثل هذه
السلعة بدون الثمن الذي اشتريت به، أو قال: أبيعك خيرًا منها
(1/241)
(12) وعن بيع حاضر لباد، وهو أن يكون له
سمسارا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
بثمنها، أو عرض عليه سلعة أخرى حسب ما ذكره، فهذا غير جائز، لنهي النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنه، لما فيه من الإضرار بالمسلم
والإفساد عليه، فيكون حرامًا. فإن خالف وعقد البيع فالبيع باطل لأنه نهى
عنه والنهي يقتضي فساد المنهي عنه.
مسألة 12: (ونهى أن يبيع حاضر لباد) والبادي هاهنا هو من يدخل البلدة من
غير أهلها سواء كان بدويًا أو من قرية أو بلدة أخرى. قال ابن عباس: «نهى
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن تتلقى الركبان، وأن
يبيع حاضر لباد"، قال: فقلت لابن عباس: ما قوله حاضر لباد؟ قال: لا يكون له
سمسارًا» . متفق عليه. وروى مسلم عن جابر قال: قال رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يبع حاضر لباد، دعوا الناس يرزق الله
بعضهم من بعض» ، والمعنى في ذلك أنه متى ترك البدوي يبيع سلعته اشتراها
الناس برخص وتوسع عليهم السعر، فإذا تولى الحاضر بيعها وامتنع أن يبيعها
إلا بسعر البلد ضاق على أهل البلد فيضر بهم، فنهى عنه - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وعنه يصح، وأن النهي اختص بأول الإسلام لما عليهم من
الضيق في ذلك، والأول المذهب لعموم النهي، وما ثبت في حق الصحابة ثبت في
حقنا ما لم يقم على اختصاصهم به دليل.
1 -
فصل: ويشترط لعدم الصحة خمسة شروط: أن يحضر البدوي لبيع سلعته بسعر يومها
جاهلًا سعرها ويقصدها الحاضر وبالناس حاجة إليها، وإنما اشترط ذلك لأن
النهي معلل بالضرر الحاصل من الضيق على أهل المصر وإغلاء أسعارهم، ولهذا
قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «دعوا الناس يرزق الله بعضهم
من بعض» ولا يحصل الضرر إلا باجتماع الشروط الخمسة:
أحدها: أن يحضر البادي لبيع سلعته، فأما إن جاء بها ليأكلها أو يخزنها أو
يهديها فليس في بيع الحاضر له تضييق بل فيه توسعة.
الثاني: أن يحضر ليبيعها بسعر يومها، فأما إن أحضرها وفي نفسه أن لا يبيعها
رخيصة فليس في بيعه له تضييق.
الثالث: أن يقصده الحاضر، فإن كان هو القاصد للحاضر جاز لأن التضييق حصل
منه لا من الحاضر فأشبه ما لو امتنع هو من بيعها إلا بسعر غال.
(1/242)
(13) وعن النجش وهو أن يزيد في السلعة من
لا يريد شراءها
(14) وعن بيعتين في بيعة، وهو أن يقول: بعتك هذا بعشرة صحاح أو عشرين
مكسرة، أو يقول: بعتك هذا على أن تبيعني هذا أو تشتري مني هذا
(15) وقال: «لا تلقوا السلع حتى يهبط بها الأسواق»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
الرابع: أن يكون جاهلًا بسعرها، فإن كان عالمًا بسعرها لم تحصل التوسعة
بتركه بيعها لأن الظاهر أنه لا يبيعها إلا بسعرها.
الخامس: أن يكون بالناس حاجة إلى سلعته كالأقوات ونحوها لأن ذلك هو الذي
يعم الضرر بغلو سعره.
مسألة 13: (ونهى عن النجش، وهو أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها)
ليقتدي به من يريد شراءها يظن أنه لم يزد فيها هذا القدر إلا وهي تساويه
فيغتر بذلك، فهذا خداع وهو حرام. وقد روى ابن عمر «أن النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن النجش» وعن أبي هريرة - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا
تلقوا الركبان، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا تناجشوا، ولا يبع حاضر
لباد» متفق عليهما.
مسألة 14: (ونهى عن بيعتين في بيعة، وهو أن يقول: بعتك هذا بعشرة صحاح أو
عشرين مكسرة) أو بعشرة نقدًا أو عشرين نسيئة، فهذا لا يصح لأن «النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن بيعتين في بيعة» ، حديث صحيح
[رواه الترمذي] وهو هذا، ويحتمل أن يصح بناء على قوله في الإجارة: إن خطته
روميًا فلك نصف درهم، وإن خطته فارسيًا فلك درهم، فإن فيها وجهين.
مسألة 15: (وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تلقوا السلع
حتى يهبط بها الأسواق» رواه البخاري، وروي أنهم كانوا يتلقون الأجلاب
فيشترون منهم الأمتعة قبل أن يهبط بها الأسواق، فربما غبنوهم غبنًا بينًا
فيضروا بهم، وربما أضروا بأهل البلد لأن الركبان إذا وصلوا باعوا أمتعتهم،
وهؤلاء الذين يتلقونهم لا يبيعون سريعًا ويتربصون به السعر، فهو في معنى
بيع الحاضر للبادي فنهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن
ذلك، وروى ابن عباس قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «ولا تلقوا الركبان، ولا يبع حاضر لباد» وعن أبي هريرة مثله،
متفق عليهما، فإن
(1/243)
(16) وقال: «من اشترى طعاما فلا يبعه حتى
يستوفيه»
باب الربا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
خالف وتلقى الركبان واشترى منهم فالبيع صحيح لأن في حديث أبي هريرة -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قال: «لا تلقوا الجلب، فمن تلقاه واشترى منه فإذا أتى السوق فهو بالخيار»
هكذا رواه مسلم، والخيار لا يكون إلا في عقد صحيح، ولأن النهي لا لمعنى في
البيع، بل يعود إلى ضرب من الخديعة يمكن استدراكها بإثبات الخيار فأشبه بيع
المصراة.
مسألة 16: (وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من اشترى طعامًا
فلا يبعه حتى يستوفيه» «وروى ابن عمر قال: " رأيت الذين يشترون الطعام
مجازفة يضربون على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
حتى يؤوه إلى رحالهم» ، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من
اشترى طعامًا فلا يبعه حتى يستوفيه» متفق عليهما، ولمسلم عن ابن عمر: «كنا
نشتري من الركبان جزافًا، فنهانا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أن نبيعه حتى ننقله من مكانه» و [قال ابن المنذر] أجمع أهل
العلم على أن من اشترى طعامًا فليس له أن يبيعه حتى يستوفيه.
[باب الربا]
وهو في اللغة الزيادة، قال الله سبحانه وتعالى: {فَإِذَا أَنْزَلْنَا
عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} [الحج: 5] وقال سبحانه وتعالى:
{أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ} [النحل: 92] أي أكثر
عددًا، ويقال: أربى فلان على فلان إذا زاد عليه.
وهو في الشرع الزيادة في أشياء مخصوصة، وهو محرم بقوله سبحانه: {وَحَرَّمَ
الرِّبَا} [البقرة: 275] ، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله
إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات
الغافلات المؤمنات» ، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لعن
الله آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه» متفق عليهما. وأجمعت الأمة على أن
الربا محرم. والأعيان المنصوصة على الربا
(1/244)
عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر
بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، سواء
بسواء، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد، فمن زاد
أو استزاد فقد أربى»
(17) ولا يجوز بيع مطعوم - مكيل أو موزون - بجنسه إلا مثلًا بمثل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
فيها ستة وهي « (في حديث عبادة بن الصامت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الذهب بالذهب مثلًا بمثل، والفضة بالفضة مثلًا
بمثل، والتمر بالتمر مثلًا بمثل، والبر بالبر مثلًا بمثل، والشعير بالشعير
مثلًا بمثل، والملح بالملح مثلًا بمثل، فمن زاد أو ازداد فقد أربى) ، بيعوا
الذهب بالفضة كيف شئتم يدًا بيد وبيعوا الشعير بالتمر كيف شئتم يدًا بيد
وبيعوًا البر بالشعير كيف شئتم يدًا بيد» ، رواه مسلم.
مسألة 17: (ولا يجوز بيع مطعوم - مكيل أو موزون - بجنسه إلا مثلًا بمثل)
لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نهى عن بيع الطعام
بالطعام إلا مثلًا بمثل» رواه مسلم من حديث معمر بن عبد الله. والمماثلة
المعتبرة في الشرع هي المماثلة في الكيل والوزن، فدل على أنه لا يحرم إلا
في مطعوم يكال أو يوزن، ولا يحرم فيما لا يطعم كالأشنان والحديد، ولا فيما
لا يكال كالبطيخ والرمان، وهي إحدى الروايات في علة الربا عن أحمد، -
رَحِمَهُ اللَّهُ -، فعلى هذه تكون علة الربا في الذهب والفضة الثمنية
لأنها وصف شرف فيصلح العليل بها كالطعام، والرواية الأخرى أن العلة في
الذهب والفضة الوزن والجنس، وفي غيرهما الكيل والجنس، لما روي عن عمار أنه
قال: العبد خير من العبدين والثوب خير من الثوبين، فما كان يدًا بيد فلا
بأس، إنما الربا في النسأ إلا ما كيل أو وزن، وروى الإمام أحمد في المسند
عن أبي حبان عن أبيه عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تبيعوا الدينار بالدينارين ولا الدرهم بالدرهمين
ولا الصاع بالصاعين، فإني أخاف عليكم الربا وهو الربا. فقام إليه رجل فقال:
يا رسول الله أرأيت الرجل يبيع الفرس بالأفراس والنجيبة بالإبل، فقال: لا
بأس إن كان يدًا بيد» ولأن قضية البيع المساواة والمؤثر في تحققها الكيل
والوزن والجنس، فإن الكيل يسوي بينهما صورة، والجنس يسوي بينهما معنى،
فكانا علة. ووجدنا الزيادة في الكيل محرمة دون الزيادة في الطعم بدليل بيع
الثقيلة بالخفيفة فإنه
(1/245)
(18) ولا يجوز بيع مكيل من ذلك بشيء من
جنسه وزنا ولا موزون كيلا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
جائز إذا تساويا في الكيل، ولو كانت العلة في الطعم لجرى الربا في الماء
لكونه مطعومًا، قال الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي}
[البقرة: 249] . والرواية الثالثة أن العلة فيما عدا الأثمان كونه مأكول
جنس فيختص بالمطعومات ويخرج منه ما عداها. والعلة في الذهب والفضة الثمنية
وهو مذهب الشافعي، فيختص الذهب والفضة، ودليله حديث معمر وقد سبق، ولأن
الطعم وصف شرف إذ به قوام الأبدان، والثمنية وصف شرف إذ بها قوام الأموال،
فيقتضي التعليل بهما. ولأنه لو كانت العلة في الأثمان الوزن لما جاز
إسلامهما في الموزونات، لأن أحد وصفي علة ربا الفضل يكفي في تحريم النسأ.
إذا ثبت هذا فعلى الرواية الأولى متى اجتمع الطعم والجنس والكيل والوزن حرم
الربا رواية واحدة، وما وجد فيه أحد الوصفين الطعم والكيل أو الوزن واتحد
جنسه ففيه روايتان واختلاف بين أهل العلم كالأشنان والحديد والرصاص والبطيخ
والرمان، ولا فرق في المأكولات بين ما يؤكل قوتًا أو تفكهًا كالفواكه أو
تداويًا كالإهليلج، فإن الكل واحد في باب الربا. والله أعلم.
مسألة 18: (ولا يجوز بيع مكيل من ذلك بجنسه وزنًا، ولا موزون كيلًا) قد سبق
أن قضية البيع المساواة، والمساواة المرعية في الشرع هي المساواة في المكيل
كيلًا وفي الموزون وزنًا، فإذا تحققت المساواة في ذلك لم يضر اختلافها فيما
سواه، وإن لم توجد المساواة في ذلك لم يصح البيع لقول النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الذهب بالذهب وزنًا بوزن، والبر بالبر
كيلًا بكيل» رواه الأثرم في حديث عبادة، ولأبي داود ولفظه: «البر بالبر
مدًا بمد والشعير بالشعير مدًا بمد فمن زاد أو ازداد فقد أربى» ، فأمر
بالمساواة في الموزونات المذكورة في الوزن وأمر بالمساواة في المكيلات في
الكيل، ولأن حقيقة الفضل مبطلة للبيع والمساواة مشترطة فيجب العلم بوجود
الشرط، فلا يجوز بيع المكيل بالمكيل وزنًا لأن تماثلهما في الكيل شرط، فمتى
باع رطلًا خفيفًا منه برطل ثقيل حصل في كفة الخفيف أكثر مما في كفة الثقيل،
فربما حصل في رطل حنطة ثقيلة ثلثا مد ويحصل في رطل الخفيفة مد فيفوت
التساوي المشترط، ولا يجوز بيع الموزون بالموزون كيلًا لإفضائه إلى التفاضل
على مثل ما ذكرنا في الكيل.
(1/246)
(19) وإن اختلف الجنسان جاز بيعه كيف شاء
يدًا بيد
(20) ولم يجز النسأ فيه
(21) ولا التفرق قبل القبض
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 19: (وإن اختلف الجنسان جاز بيعه كيف شاء يدًا بيد) يعني يجوز بيعه
كيلًا ووزنًا وجزافًا، لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قال في الأعيان الستة: «فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم يدًا بيد»
رواه أبو داود.
مسألة 20: (ولم يجز النسأ فيه) لذلك. وفي لفظ أبي داود: «لا بأس ببيع الذهب
بالفضة والفضة أكثرهما يدًا بيد، وأما نسيئة فلا. ولا بأس ببيع البر
بالشعير والشعير أكثرهما يدًا بيد، وأما نسيئة فلا» . فما اتحدت عليه ربا
الفضل فيهما كالمكيل بالمكيل والموزون بالموزون عند من يعلل بهما، والمطعوم
عند من يعلل به، فهذا لا خلاف بين أهل العلم في تحريم النسأ فيهما، وما
اختلفت علتاهما كالمكيل بالموزون ففيه روايتان عن أحمد: إحداهما: لا يجوز
النسأ فيهما بالقياس على ما اتفقت علتهما، والرواية الثانية: يجوز لأنه لم
يجتمع فيهما أحد وصفي علة الربا أشبها الثياب بالحيوان، ويخرج من القسمين
إذا كان أحد العوضين ثمنًا والآخر من غير ثمن فإنه يجوز النسأ فيهما بغير
خلاف، لأن الشرع رخص في السلم، والأصل في رأس المال السلم النقدان، فلو
قلنا لا يجوز انسد باب السلم في الموزونات على ما عليه الأصل الغالب فأثرت
رخصة الشرع في التجويز.
مسألة 21: (ولا يجوز النسأ فيه ولا التفرق قبل القبض) لقوله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يدًا بيد» فيحتمل أنه أراد به القبض وعبر
باليد عن القبض، ويحتمل أنه أراد به الحلول وترك النسيئة، لأننا لو اشترطنا
القبض في جميع ما يحرم فيه النسأ لم يبق فيه ربا نسيئة لكون العقد يفسد
بترك التقابض، والإجماع منعقد على أن من أنواع الربا ربا النسيئة، قال أبو
الخطاب: ما اتفقت علتهما كالحنطة بالشعير والذهب بالفضة لم يجز التفرق
فيهما قبل القبض، وإن فعلا بطل العقد، وما اختلفت علتهما كالمكيل بالموزون
جاز التفرق فيهما قبل القبض، رواية واحدة، قال شيخنا: وهذا ينبغي أن يكون
في غير المطعوم، فأما المطعوم فإن فيه رواية لأن الربا يجري فيه، فعلى هذه
لا يجوز التفرق فيه قبل القبض أيضًا، وعلى الرواية الأخرى يجوز.
(1/247)
(22) إلا في الثمن بالمثمن
(23) وكل شيئين جمعهما اسم خاص فهما جنس واحد
(24) إلا أن يكونا من أصلين مختلفين، فإن فروع الأجناس أجناس، وإن اتفقت
أسماؤها كالأدقة والأدهان
(25) ولا يجوز بيع رطب منها بيابس من جنسه
(26) ولا خالصه بمشوبه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 22: (إلا في الثمن بالمثمن) يعني فإنه يجوز التفرق فيه قبل القبض
والنسأ لما سبق.
مسألة 23: (وكل شيئين جمعهما اسم خاص) [من أصل الخلقة] (فهما جنس واحد)
يشمل أنواعًا كالذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح، فإذا اتفق شيئان
في الاسم الخاص من أصل الخلقة فهما جنس واحد كأنواع التمر والبر، وإن
اختلفا في الاسم من أصل الخلقة فهما جنسان كالستة المذكورة في الخبر لأن
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حرم الزيادة فيها إذا بيع
منها شيء بما يوافقه في الاسم، وأباحها إذا بيع بما يخالفه في الاسم، فدل
على أن ما اتفقا في الاسم جنس، وما اختلفا فيه جنسان.
مسألة 24: (إلا أن يكونا من أصلين مختلفين، فإن فروع الأجناس أجناس) تعتبر
بأصولها، فما أصله جنس واحد فهو جنس واحد وإن اختلفت أسماؤه، وما أصله
أجناس، فهو أجناس (وإن اتفقت أسماؤه) فدقيق الحنطة والشعير جنسان وكذا خل
العنب وخل التمر جنسان وكذلك اللبن، وعنه أنهما جنس واحد، والأول أصح
لأنهما فرعا أصلين مختلفين فكانا جنسين (كالأدقة) .
مسألة 25: (ولا يجوز بيع رطب منها بيابس من جنسه) لأن النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نهى عن بيع التمر بالتمر» متفق عليه، وعن
سعد بن أبي وقاص: "أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سأل عن
«بيع الرطب بالتمر فقال: أينقص الرطب إذا يبس؟ فقالوا: نعم، فنهى عن ذلك»
أخرجه أبو داود، فنهى وعلل بأنه ينقص عن يابسه، فدل على أن رطبه يحرم بيعه
بيابسه.
مسألة 26: (ولا يجوز بيع خالصه بمشوبه) كحنطة فيها شعير أو زوان بخالصة أو
(1/248)
(27) ولا نيئه بمطبوخه
(28) وقد نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن
المزانبة، وهو شراء التمر بالتمر في رءوس النخل
(29) ورخص في بيع العرايا - فيما دون خمسة أوسق - أن تباع بخرصها يأكلها
أهلها رطبا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
غير خالصة، أو لبن مشوب بخالص أو مشوب، أو عسل في شمعه بمثله إلا أن يكون
الخلط يسيرًا لا وقع له كيسير التراب والزوان ودقيق التراب الذي لا يظهر في
الكيل لأنه لا يخل بالتماثل ولا يمكن التحرز منه.
مسألة 27: (ولا يجوز بيع نيئه بمطبوخه) لأن النار تذهب برطوبته وتعقد
أجزاءه فيمتنع تساويهما.
مسألة 28: (ونهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن المزابنة،
وهو اشتراء التمر بالتمر في رءوس النخل) فروى جابر قال: «نهى رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن المحاقلة والمزابنة» متفق عليه،
والمحاقلة بيع الحب في سنبله بجنسه، وروى البخاري عن أنس قال: «نهى رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن المحاقلة والمخاضرة " وهو
بيع الزرع الأخضر والثمرة قبل بدو صلاحها من غير شرط القطع،» وقيل المحاقلة
استكراء الأرض بالحنطة.
مسألة 29: (ورخص رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بيع
العرايا - فيما دون خمسة أوسق - أن تباع بخرصها يأكلها أهلها رطبًا) فروى
أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - رخص في العرايا في خمسة أوسق أو دون خمسة أوسق» متفق عليه،
وإنما يجوز بشروط خمسة:
أحدها: أن يكون دون خمسة أوسق، وعنه يجوز في الخمسة، والمذهب الأول لأن
الأصل تحريم بيع الرطب بالتمر خولف فيما دون الخمسة بالخبر، والخمسة مشكوك
فيها فرد إلى الأصل.
الثاني: أن يكون مشتريها محتاجًا إلى أكلها رطبًا، لما «روى محمود بن لبيد
قال: قلت لزيد بن ثابت: ما عراياكم هذه؟ فسمى رجالًا محتاجين من الأنصار: "
شكوا إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن الرطب يأتي
ولا نقد بأيديهم يبتاعون به رطبًا يأكلونه وعندهم فضول من التمر، فرخص لهم
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يبتاعوا العرية بخرصها
من التمر يأكلونه رطبًا» متفق عليه، والرخصة الثابتة لحاجة لا تثبت مع
عدمها.
(1/249)
باب بيع الأصول والثمار روي عن النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: « (30) من باع نخلا بعد أن
تؤبر فثمرتها للبائع إلا أن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
الثالث: أن لا يكون له نقد يشتري به للخبر.
الرابع: أن يشتريها بخرصها للخبر، ولأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رخص في العرايا أن تباع بخرصها كيلًا» متفق عليه،
ولا بد أن يكون التمر معلومًا بالكيل للخبر، وفي معنى الخرص روايتان:
إحداهما: أن ينظر كم يجيء منها تمرًا فيبيعها بمثله لأنه يخرص في الزكاة
كذلك، والثانية: يبيعها بمثل ما فيها من الرطب لأن الأصل اعتبار المماثلة
في الحال بالكيل، وإذا خولف الدليل في أحدهما وأمكن أن لا يخالف في الآخر
وجب.
الخامس: أن يتقابضا قبل تفرقهما لأنه بيع تمر بتمر فاعتبرت فيه أحكامه إلا
ما استثناه الشرع، والقبض فيها على النخل بالتخلية وفي التمر باكتياله، فإن
كان حاضرًا في مجلس البيع اكتاله وإن كان غائبًا مشى إلى التمر فتسلمه، وإن
قبضه أولًا ثم مشى إلى النخلة فتسلمها جاز، واشترط الخرقي كون النخلة
موهوبة لبائعها، لأن العرية اسم لذلك، واشترط القاضي وأبو بكر حاجة البائع
إلى بيعها، وحديث زيد بن ثابت يرد ذلك مع أن اشتراطه يبطل الرخصة إذ لا
تتفق الحاجتان مع سائر الشروط فتذهب الرخصة، فعلى قولنا يجوز لرجلين شراء
عريتين من واحد، وعلى قولهما لا يجوز ألا ينقصا بمجموعهما عن خمسة أوسق.
[باب بيع الأصول والثمار]
مسألة 30: (ومن باع نخلًا مؤبرًا فالثمر للبائع) متروكًا في النخل إلى
الجذاذ، (إلا أن يشترطه المبتاع) قال ابن عبد البر: الإبار عند أهل العلم
التلقيح، وقيل: التأبير ظهور الثمرة من جف الطلع، والأول أشهر لأن الحكم
متعلق بنفس الظهور دون نفس التلقيح بغير اختلاف بين العلماء، فمتى ظهرت
الثمرة فهي للبائع، وإن لم تظهر فهي للمشتري، لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من ابتاع نخلًا بعد أن تؤبر فثمرتها للذي باعها إلا
أن يشترطها المبتاع" رواه البخاري ومسلم ولفظه: " قد أبرت» .
(1/250)
يشترطها المبتاع»
(31) وكذلك بيع الشجر إذا كان ثمره باديًا
(32) فإن باع الأرض وفيها زرع لا يحصد إلا مرة فهو للبائع ما لم يشترطه
المبتاع
(33) وإن كان يجز مرة بعد أخرى فالأصول للمشتري والجزة الظاهرة عند البيع
للبائع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 31: (وكذلك بيع الشجر إذا كان ثمره باديًا) والشجر على خمسة أضرب:
الأول: ما تكون ثمرته في أكمامها لم يفتح الكمام فتظهر كالنخل، وقد سبق
بيان حكمه، وهو الأصل الذي وردت السنة ببيان حكمه وما عداه مقيس عليه، ومن
هذا الضرب القطن وما يقصد نوره كالورد والياسمين والنرجس والبنفسج، فإنه
يظهر في أكمامه ثم يفتح كمامه فيظهر، فهو كالطلع أن يفتح جنبذه فيظهر نوره
فهو للبائع، وإن لم يظهر فهو للمشتري قياسًا على النخل.
الضرب الثاني: ما له ثمرة بارزة كالجميز والتوت والتين، فما كان منه ظاهرًا
فهو للبائع لأنها ثمرة ظاهرة فهي كالطلع المؤبر، وما ظهر بعد العقد فهو
للمشتري لأنه حدث في ملكه.
الثالث: ما له قشر لا يزول إلا عند الأكل كالرمان والموز فهو للبائع إن كان
ظهر لأن قشره في مصلحته فهو كأجزاء الثمرة.
الرابع: ما له قشران كاللوز والجوز، فهذا للبائع بنفس الظهور لأن قشره لا
يزال في الغالب إلا بعد جذاذه فهو كالرمان. وقال بعض أصحابنا: إن تشقق قشره
الأعلى فهو للبائع، وإلا فهو للمشتري، لأنه لا يدخر في قشره الأعلى بخلاف
الرمان.
الخامس: ما تظهر ثمرته في نوره ثم يتناثر نوره كالعنب والمشمش والتفاح فكان
كتابير النخل، ويحتمل أنه للبائع بظهور نوره، لأن استتار الثمرة بالنور
كاستتار ثمرة النخل بعد التأبير بالقشر الأبيض.
السادس: ما يقصد ورقه كالتوت فيحتمل أنه للمشتري بكل حال قياسًا على سائر
الورق، ويحتمل أنه إن تفتح فهو للبائع وإلا فهو للمشتري لأنه هاهنا كالثمر.
مسألة 32: (فإن باع الأرض وفيها زرع لا يحصد إلا مرة) كالبر والشعير (فهو
للبائع ما لم يشترطه المشتري) لأنه ظاهر فكان للبائع أشبه الثمرة المؤبرة.
مسألة 33: (وإن كان يجز مرة بعد أخرى) كالرطبة والبقول (فالأصول للمشتري
والجزة الظاهرة عند البيع للبائع) إلا أن يشترطه المبتاع لذلك.
(1/251)
فصل « (34) نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها»
(35) ولو باع الثمرة بعد بدو صلاحها على الترك إلى الجذاذ جاز
(36) فإن أصابتها جائحة رجع بها على البائع لقول رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لو بعت من أخيك ثمرًا فأصابته جائحة فلا يحل
لك أن تأخذ منه شيئًا، بم تأخذ مال أخيك بغير حق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 34: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيع
الثمرة حتى يبدو صلاحها» فلو باعها قبل بدو صلاحها لم يجز إلا بشرط القطع
لما روى ابن عمر: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن
بيع الثمار حتى يبدو صلاحها» متفق عليه، وفي لفظ: «نهى عن بيع الثمار حتى
تزهو، وعن بيع السنبل حتى يبيض ويأمن العاهة» رواه مسلم، ولأن في بيعه
غررًا من غير حاجة فلم يجز كما لو اشترط التبقية، وإن باعها بشرط القطع جاز
بالإجماع.
مسألة 35: (ولو باع الثمرة بعد بدو صلاحها على الترك إلى الجذاذ جاز) قال
أبو حنيفة: لا يجوز بشرط التبقية لأنه شرط الانتفاع بملك البائع على وجه لا
يقتضيه العقد فلم يجز كما لو شرط تبقية الطعام في بيته، ولنا أن رسول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نهى عن بيع الثمرة حتى يبدو
صلاحها» فمفهومه أنه أجاز بيعها بعد بدو صلاحها، وثبت أنه إنما نهى عن بيع
يتضمن التبقية لأنه يجوز بشرط القطع، وعنده مطلقًا ثبت أن الذي نهى عنه هو
الذي أجازه، ولأن النقل والتحويل يجب في المبيع بحكم العرف فإذا اشترطه جاز
كما لو اشترط نقل الطعام من ملك البائع حسب الإمكان وفي هذا انفصال عما
قاله.
مسألة 36: (فإن أصابتها جائحة رجع بها على البائع) لما روى جابر أن رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن بعت من أخيك ثمرًا
فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ من ثمنه شيئًا، لم تأخذ مال أخيك بغير
حق» رواه مسلم والإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه، ولفظهما: «من باع ثمرًا
فأصابته جائحة فلا يأخذ من مال أخيه شيئًا، علام يأخذ أحدكم مال أخيه
المسلم؟» . وهذا صريح في الحكم فلا يعدل عنه، وروى مسلم عن جابر: «أن رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بوضع الجوائح» .
(1/252)
((37) وصلاح ثمر النخل أن يحمر أو يصفر،
والعنب أن يتموه، وسائر الثمر أن يبدو فيه النضج ويطيب أكله
باب الخيار (38) البيعان بالخيار ما لم يتفرقا بأبدانهما
(39) فإن تفرقا ولم يترك أحدهما البيع فقد وجب البيع
(40) إلا أن يشترط الخيار لهما أو لأحدهما مدة معلومة فيكونان على
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 37: (وصلاح ثمر النخل أن يحمر أو يصفر، والعنب أن يتموه، وسائر الثمر
أن يبدو فيه النضج ويطيب أكله) لما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أنه: «نهى عن بيع الثمرة حتى تطيب» متفق عليه، و «نهى عن بيع
الثمرة حتى تزهو، قيل: وما تزهو؟ قال: تحمار أو تصفار، ونهى عن بيع الحب
حتى يشتد، ونهى عن بيع العنب حتى يسود» رواه الترمذي.
[باب الخيار]
مسألة 38: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا بابدانهما) لما روى ابن عمر عن
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «البيعان
بالخيار ما لم يتفرقا» متفق عليه، وفي لفظ: «إذا تبايع الرجلان فكل واحد
منهما بالخيار ما لم يتفرقا، وكانا جميعًا، أو يخير أحدهما الآخر فيتبايعا
على ذلك فقد وجب البيع» متفق عليه.
مسألة 39: (فإن تفرقا ولم يترك أحدهما البيع فقد وجب البيع) والتفرق يكون
بالأبدان، فإن ابن عمر كان يمشي خطوات حتى يلزمه البيع إذا أراد لزومه، ولا
خلاف في لزومه بعد التفرق، والمرجع فيه إلى عرف الناس وعاداتهم، لأن الشارع
علق عليه حكمًا ولم يبينه فدل على أنه أبقاه على ما يعرفه الناس كالقبض
والإحراز، فالتفرق العرفي هو التفرق بالأبدان، كذلك فسره ابن عمر، وتفسيره
أولى لأنه راوي الحديث.
مسألة 40: (إلا أن يشترط الخيار لهما أو لأحدهما مدة معلومة فيكونان على
(1/253)
شرطهما وإن طالت المدة إلا أن يقطعاه
(41) وإن وجد أحدهما بما اشتراه عيبا لم يكن علمه فله رده أو أخذ أرش العيب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
شرطهما وإن طالت المدة إلا أن يقطعاه) لأنه حق يعتمد الشرط فجاز ذلك فيه
كالأجل، ولا يجوز مجهولًا لأنها مدة ملحقة بالعقد فلم يصح مجهولًا
كالتأجيل، وهل يفسد به العقد؟ على روايتين: إحداهما: لا يفسد لحديث بريدة،
والثانية: يفسد لأنه عقد قارنه شرط فأفسد أشبه نكاح الشغار، وعنه يصح
مجهولًا لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المؤمنون على
شروطهم» رواه الترمذي وقال: حديث صحيح. فعلى هذا إذا كان الخيار مطلقًا مثل
أن يقول: لك الخيار متى شئت أو إلى الأبد فهما على خيارهما أبدا أو يقطعاه،
وإن قال: إلى أن يقوم زيد أو ينزل المطر ثبت الخيار إلى زمن اشتراطه أو
يقطعاه قبله.
مسألة 41: (وإن وجد أحدهما بما اشترى عيبًا لم يكن علمه فله رده أو أخذ أرش
العيب) والعيب كالمرض أو ذهاب جارحة أو سن، وفي الرقيق من فعله كالزنا
والسرقة والإباق، فمن اشترى معيبًا لم يعلمه فله الخيار بين الرد وأخذ
الثمن، لأنه بذل الثمن ليسلم له مبيع سليم، ولم يسلم له فثبت له الرجوع في
الثمن كما في المصراة، وبين الإمساك وأخذ الأرش لأن الجزء الفائت بالعيب
يقابله جزء من الثمن، فإذا لم يسلم له كان له ما يقابله كما لو تلف في يده.
1 -
فصل: ومعنى الأرش أن ينظر ما بين قيمته سليمًا ومعيبًا فيؤخذ قدره من
الثمن، فإذا نقصه العيب عشر قيمته فأرشه عشر ثمنه، لأن ذلك هو المقابل
للجزء الفائت. مثاله: أن يكون قد اشترى منه سلعة بخمسة عشر فيظهر فيها عيب،
فتقوم صحيحة بعشرة ومعيبة بتسعة، فقد نقصها العيب عشر قيمتها فيرجع المشتري
على البائع بعشر الثمن دينار ونصف. وحكمة ذلك أن المبيع مضمون على المشتري
بالثمن، ففوات جزء من المبيع يسقط عنه ضمان ما قابله من الثمن أيضًا،
ولأننا لو ضمناه نقصان القيمة أفضى إلى أن يجمع المشتري الثمن والمثمن وهو
أن تكون قيمة المبيع عشرة وقد اشتراه بخمسة ويكون العيب ينقصه نصف قيمته
وذلك خمسة فيرجع بها فهذا ضمناه بما ذكرناه.
(1/254)
(42) وما كسبه المبيع أو حدث فيه من نماء
منفصل قبل علمه بالعيب فهو له لأن الخراج بالضمان
(43) وإن تلفت السلعة أو عتق العبد أو تعذر رده فله أرش العيب
(44) وقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تصروا الإبل
والغنم، فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها، إن رضيها
أمسكها وإن سخطها ردها وصاعا من تمر»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 42: (وما كسبه المبيع أو حدث فيه من نماء منفصل قبل علمه بالعيب فهو
له) لما روت عائشة «أن رجلًا ابتاع غلامًا فاستعمله ما شاء الله ثم وجد به
عيبًا فرده فقال: يا رسول الله إنه استعمل غلامي، فقال رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (الخراج بالضمان) » رواه أبو داود، وعنه:
ليس له رده دون نمائه لأنه تبع له أشبه النماء المتصل كالسمن واللبن
والتعلم والحمل والثمرة قبل الظهور، فإنه إذا أراد الرد رده بزيادته
إجماعًا لأنها لا تنفرد عن الأصل في الملك فلم يجز رده دونها.
مسألة 43: (وإن تلفت السلعة أو أعتق العبد أو تعذر رده فله أرش العيب) أما
إذا أعتق العبد ثم ظهر على عيب قديم فله الأرش بغير خلاف نعلمه، وإن تلف
المبيع أو تعذر الرد وكذا إن باعه أو وهبه وهو غير عالم بعيبه نص عليه لأن
البائع لم يوفه ما أوجبه له العقد فكان له الرجوع عليه كما لو أعتقه، وإن
فعل ذلك مع علمه بالعيب فلا أرش له لرضاه به معيبًا حيث تصرف فيه مع علمه
بعيبه ذكره القاضي، وعنه في البيع والهبة له الأرش، ولم يعتبر علمه وهو
قياس المذهب، لأننا جوزنا له إمساكه بالأرش وتصرفه فيه كإمساكه، وذكر أبو
الخطاب رواية فيمن باعه ليس له شيء لأنه استدرك ظلامته ببيعه فلم يكن له
أرش كما لو زال العيب، فإن رد عليه المبيع كان له حينئذ الرد أو الأرش كما
لو لم يبعه أصلًا.
مسألة 44: (وقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تصروا
الإبل...... " الحديث) التصرية في اللغة: الجمع، يقال: صرى الماء في الحوض
وصرى الطعام في فيه إذا جمعه، وصرى الماء في ظهره إذا ترك الجماع، وأنشد
أبو عبيدة:
(1/255)
(45) فإن علم بتصريتها قبل حلبها ردها ولا
شيء معها
(46) وكذلك كل مدلس لا يعلم تدليسه فله رده كجارية حمر وجهها أو سود شعرها
أو جعده، أو رحى ضم الماء وأرسله عليها عند عرضها على المشتري
(47) وكذلك لو وصف المبيع بصفة يزيد بها ثمنه فلم يجدها فيه كصناعة في
العبد أو كتابة، أو أن الدابة هملاجة والفهد صيود أو معلم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
رأت غلامًا قد صرى في فقرته ... ماء الشباب عنفوان شرته
ويقال: المصراة المحفلة، وهو من الجمع أيضًا، ومنه سميت مجامع الناس محافل،
والتصرية حرام إذا أراد بها التدليس لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «من غشنا فليس منا» متفق عليه، (فمن اشترى مصراة وهو لا يعلم
فهو بالخيار بين أن يقبلها وبين أن يردها وصاعًا من تمر) وهو قول جماعة من
أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما روى أبو هريرة
عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «لا تصروا الإبل
والغنم، فمن ابتاعها بعد فإنه بخير النظرين بعد أن يحلبها، إن شاء أمسكها
وإن شاء ردها وصاعًا من تمر» متفق عليه، ولأن هذا تدليس بما يختلف الثمن
باختلافه فوجب به الرد كما لو كانت شمطاء فسود شعرها، فإذا ردها رد بدل
اللبن صاعًا من تمر كما جاء في الحديث، وفي لفظ: «ردها ورد صاعًا من تمر لا
سمراء» يعني لا يرد قمحًا.
مسألة 45: (فإن علم بتصريتها قبل حلبها ردها ولا شيء معها) لأن الصاع إنما
وجب عوضًا عن اللبن، ولذلك قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-: «من اشترى غنمًا مصراة فاحتلبها فإن رضيها أمسكها وإن سخطها ففي حلبتها
صاع من تمر» رواه البخاري. وهذا لم يأخذ لها لبنًا فلا يلزمه رد شيء، قال
ابن عبد البر: هذا ما لا اختلاف فيه.
مسألة 46: (وكذلك كل مدلس لا يعلم بتدليسه له رده كجارية حمر وجهها أو سود
شعرها أو جعده، أو رحى ضم الماء وأرسله عليها عند عرضها على المشتري) لأنه
تدليس بما يختلف به الثمن فأثبت الخيار في الرد كالتصرية.
مسألة 47: (وكذلك لو وصف المبيع بصفة يزيد بها في ثمنه فلم يجدها فيه
(1/256)
أو أن الطائر مصوت ونحوه
(48) ولو أخبره بثمن المبيع فزاد عليه رجع عليه بالزيادة وحظها من الربح إن
كان مرابحة
(50) وإن بان أنه غلط على نفسه خير المشتري بين رده وإعطائه ما غلط به)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
كصناعة في العبد أو كتابة أو أن الدابة هملاجة أو الفهد صيود أو معلم، أو
أن الطير مصوت ونحو هذا) فله الرد لذلك.
مسألة 48: (ولو أخبره بثمن المبيع فزاد عليه رجع عليه بالزيادة وحظها من
الربح إن كان مرابحة) يثبت الخيار في بيع المرابحة للمشتري إذا أخبره
البائع بزيادة في الثمن كاذبًا، كما لو أخبره بأنه كاتب أو صانع فاشتراه
بثمن كثير وبان بخلافه فثبت للمشتري الخيار بين الرد والإمساك مع الحظ نص
عليه لأنه لا يأمن الخيانة في الثمن أيضًا، وظاهر كلام الخرقي أنه لا خيار
له لأنه لم يذكره.
1 -
مسألة 49: ولا بد من معرفة المشتري رأس المال، لأن العلم بالثمن شرط ولا
يحصل إلا بمعرفة رأس المال، والمرابحة أن يخبر برأس المال ثم يبيعه بربح
معلوم فيقول: رأس مالي مائة بعتك بها وربح عشرة، فهو جائز غير مكروه لأن
الثمن معلوم، ثم إذا بان ببينة أو إقرار أن رأس المال تسعون فالبيع صحيح
لأنه زيادة في الثمن فلم يمنع صحة البيع كالمعيب، وللمشتري أن يرجع على
البائع بما زاد وهو عشرة وحظها من الربح وهو درهم فيبقى على المشتري تسعة
وتسعون درهمًا.
مسألة 50: (وإن بان أنه غلط على نفسه) يعني البائع (خير المشتري بين رده
وإعطائه ما غلط له) فإذا قال في المرابحة: رأس مالي فيه مائة والربح عشرة
ثم عاد فقال: غلطت بل رأس مالي فيه مائة وعشرة لم يقبل قوله في الغلط إلا
ببينة تشهد أن رأس ماله على ما قاله، ذكره ابن المنذر عن الإمام أحمد -
رَحِمَهُ اللَّهُ -، وذكر القاضي عن الإمام أحمد رواية: يقبل قول البائع مع
يمينه إذا كان معروفًا بالصدق، وإن لم يكن معروفًا بالصدق فقد جاز البيع،
قال: لأنه لما دخل معه في المرابحة فقد ائتمنه، والقول قول الأمين مع يمينه
كالوكيل والمضارب، وعنه رواية ثالثة أنه لا يقبل قول البائع وإن أقام بينة
حتى يصدقه المشتري، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه أقر بالثمن
وتعلق به حق الغير فلا يقبل رجوعه ولا بينة لإقراره بكذبه، ولنا أنها بينة
عادلة شهدت بما يحتمل الصدق فتقبل كما
(1/257)
(51) وإن بان أنه مؤجل ولم يخبره بتأجيله
فله الخيار بين رده وإمساكه
(52) وإن اختلف البيعان في قدر الثمن تحالفا، ولكل واحد منهما الفسخ إلا أن
يرضى بما قال صاحبه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
تقبل سائر البينات، ولا يصح قولهم إنه أقر فإن الإقرار إنما يكون للغير
وحالة إخباره لم يكن عليه حق لغيره فلم يكن إقرارًا، قال الخرقي: وله أن
يحلفه أن وقت ما باعها لم يعلم أن شراءها أكثر، وهذا صحيح، فإنه لو أخبر
بذلك عالم بكذب نفسه لزمه البيع بما عقد عليه من الثمن لأنه تعاطى مسببه
عالمًا بالضرر فلزمه، كما لو اشترى معيبًا عالمًا بعيبه، وإذا كان البيع
يلزمه فادعى عليه العلم لزمته اليمين، فإن نكل قضى عليه، وإن حلف خير
المشتري بين قبول قوله بالثمن والزيادة التي غلط بها وحظها من الربح وبين
فسخ العقد، وإنما أثبتنا له الخيار لأنه إنما دخل على أن الثمن مائة وعشرة،
فإذا بان أكثر فعليه ضرر في التزامه فلم يلزمه كالمعيب [إذا رضيه المشتري]
وإن اختار أخذها بمائة وعشرين لم يكن للبائع خيار لأنه زاده خيرًا، فهو
كالمعيب إذا رضيه المشتري، وإن اختار البائع إسقاط الزيادة عن المشتري فلا
خيار له أيضًا لأنه قد بذلها بالثمن الذي وقع عليه العقد وتراضيا عليه.
مسألة 51: (وإن بان أنه مؤجل ولم يخبره بتأجيله فله الخيار بين رده
وإمساكه) يعني أن المشتري يكون مخيرًا بين الرد وبين الإمساك بالثمن حالًا،
لأن البائع لم يرض بذمته وقد تكون ذمته دون ذمة البائع فلا يلزمه الرضا
بذلك. وحكى ابن المنذر عن الإمام أحمد أنه إن كان المبيع قائمًا فهو مخير
بين الفسخ وأخذه بالثمن مؤجلًا لأنه الثمن الذي اشترى به البائع، والتأجيل
صفة له فأشبه المخير بزيادة في القدر، فإن للمشتري أن يحط ما زاده ويأخذ
بالباقي، وإن علم ذلك بعد تلف المبيع حبس المال بقدر الأجل.
مسألة 52: (وإن اختلف البيعان في قدر الثمن تحالفا، ولكل واحد منهما الفسخ
إلا أن يرضى بما قال صاحبه) فمتى اختلفا في قدر الثمن والسلعة قائمة
تحالفا، فيبدأ بيمين البائع فيحلف ما بعته بعشرة وإنما بعته بخمسة عشر، ثم
يحلف المشتري ما اشتريته بخمسة عشر وإنما اشتريته بعشرة، لما روى ابن مسعود
عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «إذا اختلف
المتبايعان وليس بينهما بينة والمبيع قائم بعينه، فالقول ما قال البائع أو
يترادان البيع» رواه
(1/258)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
ابن ماجه. وفي لفظ: "تحالفا" ولأن البائع يدعي عقدًا بثمن ينكره المشتري،
والمشتري يدعي عقدًا ينكره البائع، والقول قول المنكر مع يمينه، ويبدأ
بيمين البائع لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل القول
ما قال البائع، وفي لفظ: «إذا اختلف المتبايعان فالقول قول البائع،
والمشتري بالخيار» رواه أحمد والشافعي، معناه: إن شاء أخذ وإن شاء حلف،
ولأن جنبة البائع أقوى لأنهما إذا تحالفا رجع المبيع إليه فكانت البداءة به
أولًا كصاحب اليد.
1 -
مسألة 53: فإذا تحالفا لم ينفسخ العقد بنفس التحالف، لأنه عقد وقع صحيحًا
فتنازعهما وتعارضهما في الحجة لا يوجب الفسخ كما لو أقام كل واحد منهما
بينة بما ادعاه، لكن يقال للمشتري أترضى بما قال البائع؟ فإن رضيه أجبر
البائع على قبول ذلك لأنه حصل له ما ادعاه، وإن لم يرضه، قيل للبائع: أترضى
بما قال المشتري؟ فإن رضيه أجبر المشتري على قبول ذلك، وإن لم يرضيا فسخ
العقد. وظاهر كلام أحمد أن لكل واحد منهما الفسخ لقوله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أو يترادان البيع» وظاهره استقلالهما كذلك، وفي قصة
ابن مسعود: باع الأشعث بن قيس رقيقًا من رقيق الإمارة فاختلفا في الثمن
فروى له عبد الله هذا الحديث، قال: فإني أرى أن أرد البيع، فرده، ولا فسخ
لاستدراك الظلامة أشبه الرد في العيب.
[فصل فيما إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة]
1
فصل: وإن كانت السلعة تالفة تحالفا ورجعا إلى قيمة مثلها كما لو كانت
باقية، وعنه القول قول المشتري مع يمينه، اختارها أبو بكر لقوله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة
تحالفا» فمفهومه أنه لا يشرع التحالف عند عدمها، ولأنهما اتفقا على نقل
السلعة إلى المشتري واختلفا في عدة زائدة يدعيها البائع والمشتري ينكرها،
والقول قول المنكر، وتركنا هذا القياس حال قيام السلعة للحديث ففيما عداه
تبقى على مقتضى القياس. ووجه الأولى أن كل واحد منهما مدع ومنكر فتشرع
اليمين لهما كحال قيام السلعة، وقوله في حديثهم "تحالفا" لم يثبت في شيء من
الأخبار، وعلى أن التحالف إذا ثبت مع قيام السلعة مع أنه يمكن معرفة ثمنها
لمعرفة قيمتها فإن الظاهر أن الثمن يكون بالقيمة، فمع تعذر ذلك يكون أولى،
فإذا اختلفا جميعًا فسخنا البيع كما نفسخه مع بقائها ويرد
(1/259)
باب السلم عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا - قال: «قدم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين، فقال: " من أسلف في ثمر
فليسلف في كيل معلوم أو وزن معلوم إلى أجل معلوم» ويصح السلم في كل ما
ينضبط بالصفة إذا ضبطه بها وذكر قدره بما يقدر به من كيل أو وزن أو ذرع أو
وعد، وجعل له أجلا معلوما وأعطاه الثمن قبل تفرقهما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
البائع الثمن والمشتري قيمة السلعة، فإن اختلفا في قيمتها رجعا إلى قيمة
مثلها موصوفًا بصفاتها، فإن اختلفا في صفاتها فالقول قول المشتري مع يمينه
لأنه غارم والقول قول الغارم.
[باب السلم]
(باب السلم عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «قدم رسول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - – المدينة وهم يسلفون في الثمار
السنة والسنتين، فقال: " من أسلف في ثمر فليسلف في كيل معلوم أو وزن معلوم
إلى أجل معلوم» ويصح السلم في كل ما ينضبط بالصفة إذا ضبطه بها وذكر قدره
بما يقدر به من كيل أو وزن أو ذرع أو وعد، وجعل له أجلا معلوما وأعطاه
الثمن قبل تفرقهما) وهو نوع من البيع يصح بألفاظه وبلفظ السلم والسلف،
ويعتبر فيه شروط البيع، ويزيد عليه بشروط: منها أن يكون مما يمكن ضبط صفاته
التي يختلف الثمن باختلافها ظاهرًا كالمكيل أو الموزون أو المذروع أو
المعدود - لأنه بيع بصفة فيشترط للكل إمكان ضبطها - لما روي عن النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أنه قدم المدينة وهم يسلفون في
الثمار السنة والسنتين والثلاث فقال: "من أسلف فليسلف في كيل معلوم أو وزن
معلوم إلى أجل معلوم» متفق عليه، فثبت جواز السلم في ذلك بالخبر، وقسنا
عليه ما يضبط بالصفة لأنه في معناه، فأما المعدود المختلف كالحيوان
والفواكه والبقول والجلود والرءوس ونحوها، ففي الحيوان روايتان: إحداهما:
لا يصح السلم فيه لما روي عن ابن عمر أنه قال: " إن من الربا أبوابًا لا
تخفى، وإن منها السلم في السن " رواه الجوزجاني، ولأن الحيوان يختلف
اختلافًا متباينًا فلا يمكن ضبطه، وإن استقصى صفاته التي يختلف فيها الثمن
تعذر تسليمه مثل أزج الحاجبين أكحل العينين أقنى الأنف أشم العرنين أهدب
الأشفار، فأشبه السلم في الحوامل من الحيوان. وعنه صحة السلم فيه وهو ظاهر
المذهب، لأن أبا رافع قال: «استسلف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - من رجل بكرًا» رواه مسلم. وروى عبد الله بن عمرو بن العاص
(1/260)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
قال: «أمرني النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن أبتاع له
البعير بالبعيرين وبالأبعرة إلى مجيء الصدقة» (رواه أبو داود) ، ولأنه ثبت
في الذمة صداقًا فثبت في السلم كالثياب. وأما حديث ابن عمر فهو محمول على
أنهم كانوا يشترطون من ضراب فحل بني فلان، كذلك قال الشعبي: إنما كره ابن
مسعود السلم في الحيوان لأنهم اشترطوا لقاح فحل معلوم. رواه سعيد. ولو
أضافه إلى لقاح بني فلان، لقبيلة كبيرة أو بلد كبير صح، كما إذا أضاف إلى
غلة بلد كبير أو قرية كبيرة. وقد روي حديث علي أنه باع جملًا له يدعى
عصيفير بعشرين بعيرًا إلى أجل، وهو قول ابن مسعود وابن عباس وابن عمر.
[فصل في حكم السلم في الفواكه والمعدودات]
1
فصل: وأما الفواكه والمعدودات كالجوز والبيض والبطيخ والرمان والبقول
ونحوها ففيها روايتان: إحداهما: لا يصح لما ذكرناه في الحيوان وأنه لا يمكن
ضبطه بالصفات المقصودة التي يختلف بها الثمن. والثانية يصح، لأن التفاوت
يسير ويمكن ضبطه، بعضه بالصغر والكبر وبعضه بالوزن، فصح السلم فيه
كالمزروع.
1 -
فصل: وفي الرءوس والأطراف والجلود مثل ذلك. أما الرءوس ففيها روايتان
أيضًا: إحداهما: لا يجوز السلم فيها لأن أكثرها عظام واللحم فيها قليل،
والثانية: يصح لأنه لحم فيه عظم يجوز شراؤه فجاز السلم فيه كبقية اللحم،
وكثرة العظام لا تمنع بيعه فلا تمنع السلم فيه، والجلود تختلف أيضًا،
فالورك ثخين قوي، والصدر ثخين رخو، والبطن رقيق ضعيف، والظهر قوي، فيحتاج
إلى وصف كل موضع فيه، ولا يمكن ذرعه لاختلاف أطرافه فلا يجوز السلم فيه،
ووجه الجواز أن التفاوت فيه معلوم فلم يمنع صحة السلم فيه [كالحيوان، فإنه
يشتمل على الرءوس والأطراف والجلد ولم يمنع صحة السلم فيه] فكذلك هاهنا.
الشرط الثاني: أن يصفه بما يختلف به الثمن ظاهرًا فيذكر جنسه ونوعه وقدره
وبلده وحداثته وقدمه وجودته ورداءته، لأن السلم عوض يثبت في الذمة فلا بد
من كونه معلومًا بالوصف كالثمن، ولأن العلم شرط في البيع، وطريقه إما
الرؤية أو الوصف، والرؤية
(1/261)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
ممتنعة في المسلم فيه فيتعين الوصف. فيذكر الجنس والنوع والجودة والرداءة،
فهذه مجمع عليها وما سوى ذلك فيه خلاف، وما لا يختلف به الثمن لا يحتاج إلى
ذكره لأن العرض لا يختلف باختلافها ولا يضر جهالتها.
الشرط الثالث: أن يذكر قدره بالكيل في المكيل والوزن في الموزون والذرع في
المذروع لحديث ابن عباس في أول الباب، ولأنه عوض غير مشاهد ثبت في الذمة
فاشترط معرفة قدره كالثمن، فلو أسلم في المكيل وزنًا أو في الموزون كيلًا
لم يصح لأنه مبيع اشترط معرفة قدره فلم يجز بغير ما هو مقدر به كالربويات،
وعنه ما يدل على الجواز لأنه يخرجه عن الجهالة وهو الغرض.
1 -
فصل: ولا بد أن يكون المكيال معلومًا عند العامة، فإن قدره بإناء أو صنجة
بعينها غير معلومة لم يصح لأنه قد يهلك فيجهل قدره، وهذا غرر لاحتياج العقد
إليه.
الشرط الرابع: أن يشترط أجلًا معلومًا له وقع في الثمن كالشهر ونحوه، فإن
أسلم حالًا لم يصح لحديث ابن عباس، ولأن السلم إنما جاز رخصة للرفق ولا
يحصل الرفق إلا بالأجل فلا يصح بدونه كالكتابة.
1 -
فصل: ولا بد أن يكون الأجل مقدرًا بزمن معلوم للخبر، فإن أسلم إلى الحصاد
لم يجز لأن ابن عباس قال: لا تتبايعوا إلى الحصاد والدياس ولا تتبايعوا إلا
إلى شهر معلوم، ولأن ذلك يختلف فلم يجز أن يجعله أجلًا كقدوم زيد، وعنه أنه
قال: أرجو أن لا يكون به بأس، لأن عمر كان يبتاع إلى العطاء، ولأنه لا
يتفاوت تفاوتًا كثيرًا.
الشرط الخامس: أن يكون المسلم فيه عام الوجود في محله مأمون الانقطاع فيه
لأن القدرة على التسليم شرط ولا تتحقق إلا بذلك، فإن كان لا يوجد فيه لم
يصح لذلك.
الشرط السادس: أن يقبض رأس مال السلم في مجلس العقد قبل تفرقهما لقوله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أسلف فليسلف في كيل معلوم»
والإسلاف التقديم، سمي سلفًا لما فيه من تقديم رأس المال، فإذا تأخر لم يكن
سلمًا فلم يصح، ولأنه يصير بيع دين بدين، فإن تفرقا قبل قبضه بطل، وإن
تفرقا قبل قبض بعضه بطل فيما لم يقبض، وفي المقبوض وجهان بناء على تفريق
الصفقة.
(1/262)
(54) ويجوز السلم في شيء يقبضه أجزاء
متفرقة في أوقات معلومة
(55) وإن أسلم ثمنا واحدا في شيئين لم يجز حتى يبين ثمن كل جنس
(56) ومن أسلف في شيء لم يصرفه إلى غيره
(57) ولا يصح بيع المسلم فيه قبل قبضه
(58) ولا الحوالة به
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
الشرط السابع: أن يسلم في الذمة، فإن أسلم في عين لم يصح لأنه ربما تلف قبل
وجوب تسليمه فلم يصح، كما لو أسلم في مكيال معين غير معلوم القدر، ولأنه
يمكن بيعه في الحال فلا حاجة إلى السلم فيه.
مسألة 54: (ويجوز السلم في شيء يقبضه أجزاء متفرقة في أوقات معلومة) لأن كل
بيع جاز في أجل واحد جاز في أجلين وآجال كبيوع الأعيان.
مسألة 55: (وإن أسلم ثمنًا واحدًا في شيئين لم يجز حتى يبين ثمن كل جنس)
مثل أن يسلم دينارًا في قفيز حنطة وقفيز شعير ولا يبين ثمن الحنطة من
الدينار ولا ثمن الشعير لأن ما يقابل كل واحد من الجنسين مجهول فلم يصح،
كما لو عقد عليه عقدًا مفردًا بثمن مجهول، ولأن فيه غررًا لا نأمن الفسخ
بتعذر أحدهما فلا يعرف ما يرجع به، وهذا غرر يؤثر مثله في السلم.
مسألة 56: (ومن أسلف في شيء لم يصرفه إلى غيره) كمن أسلف في حنطة لا يجوز
أن يأخذ شعيرًا، ومن أسلف في عسل لا يجوز أن يأخذ زيتًا لقوله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أسلف في شيء فلا يصرفه إلى غيره» رواه
أبو داود.
مسألة 57: (ولا يصح بيع المسلم فيه قبل قبضه) لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نهى عن بيع الطعام قبل قبضه وعن ربح ما لم يضمن»
رواه الترمذي وقال: صحيح ولفظه "لا يحل" ولأنه مبيع لم يدخل في ضمانه فلم
يجز بيعه كالطعام قبل قبضه.
مسألة 58: (ولا يجوز الحوالة به) لأنها إنما تجوز بدين مستقر والسلم يعرض
للفسخ.
(1/263)
(59) وتجوز الإقالة فيه
(60) أو في بعضه لأنها فسخ السلم
باب القرض وغيره عن أبي رافع «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - استسلف من رجل بكرا فقدمت عليه إبل الصدقة فأمر أبا رافع أن
يقضي الرجل بكره فرجع إليه أبو رافع فقال: لم أجد فيها إلا خيارا رباعيا،
فقال: " أعطوه فإن خير الناس أحسنهم قضاء»
(61) ومن اقترض شيئًا فعليه رد مثله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 59: (وتجوز الإقالة فيه) لأنها فسخ، قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ
عنه من أهل العلم على أن الإقالة في جميع ما أسلم فيه جائزة، ولأن الإقالة
فسخ للعقد ورفع له من أصله فلم يكن بيعًا.
مسألة 60: (وتجوز الإقالة في بعضه) في إحدى الروايتين لأنها مندوب إليها،
وكل معروف جاز في الجميع جاز في البعض كالإبراء والإنظار، وفي الأخرى لا
يجوز لأن المثمن في الغالب نقل منه الثمن لأجل التأجيل، فإذا أقاله في
البعض بقي البعض بالباقي من الثمن وبمنفعة الجزء الذي حصلت الإقالة فيه فلم
يجز، كما لو اشترط ذلك في ابتداء العقد، وخرج عليه الإبراء والإنظار لأنه
لا يتعلق به شيء من ذلك.
[باب القرض وغيره]
باب القرض أجمع المسلمون على جوازه واستحبابه للمقرض، وهو من المرافق
المندوب إليها، وروى ابن مسعود أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قال: «ما من مسلم يقرض قرضًا مرتين إلا كان كصدقة مرة» رواه
ابن ماجه، و (عن أبي رافع «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - استسلف من رجل بكرًا، فقدمت إبل الصدقة فأمر أبا رافع أن يقضي
الرجل بكره، فرجع إليه أبو رافع فقال: لم أجد فيه إلا خيارا رباعيا، فقال:
"أعطوه، فإن خير الناس أحسنهم قضاء» رواه مسلم.
مسألة 61: (ومن اقترض شيئًا فعليه رد مثله) فيجب رد المثل في المكيل
والموزون لأنه يجب مثله في الإتلاف ففي القرض أولى، فإن أعوزه المثل فعليه
قيمته حين أعوزه لأنها حينئذ ثبتت في الذمة، وفي الجواهر ونحوها ترد
القيمة، لأنها من ذوات القيمة، وفي ما سوى ذلك وجهان:
(1/264)
(62) ويجوز أن يرد خيرًا منه
(63) وأن يقترض تفاريق ويرد جملة إذا لم يكن شرط
(64) وإن أجله لم يتأجل
(65) ولا يجوز شرط شيء لينتفع به المقرض
(66) إلا أن يشترط رهنًا أو كفيلًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
أحدهما: ترد القيمة لأن ما أوجب المثل في المثلى أوجب قيمته في غير
كالإتلاف.
والثاني: يرد المثل لحديث أبي رافع، ولأن ما ثبت في الذمة في السلم ثبت في
القرض كالمثلى بخلاف الإتلاف فإنه عدوان فأوجب القيمة لأنها أحضر والقرض
ثبت للرفق فهو أسهل، فعلى هذا يعتبر مثله في الصفات تقريبًا.
مسألة 62: (ويجوز أن يرد خيرًا منه) يعني خيرًا مما أخذ لخبر أبي رافع.
مسألة 63: (ويجوز أن يقترض تفاريق ويرد جملة إذا لم يشترط) لأنه إذا اقترض
متفرقًا صار عليه جملة، فإذا رد جملة فقد أدى ما عليه من غير زيادة ولا
نقصان ويصير كما لو اقترض جملة ورده بالتفاريق فإنه يجوز لذلك، ولا يجوز
ذلك بشرط لأن فيه نفعًا للمقرض فيكون قرضًا جر نفعًا فلا يجوز كما لو شرط
زيادة في القدر.
مسألة 64: (وإن أجله لم يتأجل) لأنه يثبت في الذمة حالًا والتأجيل في الحال
عدة وتبرع فلا يلزمه كتأجيل العارية.
مسألة 65: (ولا يجوز شرط شيء ينتفع به المقرض) نحو أن يسكنه داره أو يقضيه
خيرًا منه أو أن يبيعه أو يشتري منه أو يؤجره أو يستأجر منه أو يهدي إليه
أو يعمل له عملًا ونحوه لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«نهى عن بيع وسلف» رواه الترمذي وقال: حديث صحيح. وعن أُبيّ بن كعب وابن
مسعود وابن عباس أنهم نهوا عن قرض جر منفعة، ولأنه عقد إرفاق وشرط ذلك فيه
يخرجه عن موضوعه.
مسألة 66: (إلا أن يشترط رهنًا أو كفيلًا) لأن «النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رهن درعه على شعير أخذه لأهله» . متفق عليه.
(1/265)
(67) ولا يقبل هدية المقترض إلا أن يكون
بينهما عادة بها قبل القرض
باب أحكام الدين (68) من لزمه دين مؤجل لم يطلب به قبل أجله، ولم يحجر عليه
من أجله، ولم يحل تفليسه
(69) ولا بموته إذا وثقه الورثة برهن أو كفيل
(70) وإن أراد سفرا يحل قبل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 67: (ولا يقبل هدية المقترض إلا أن يكون بينهما عادة بها قبل القرض)
لما روى ابن ماجه عن أنس قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «إذا أقرض أحدكم قرضًا فأهدى إليه أو حمله على الدابة فلا
يركبها ولا يقبله إلا أن يكون قد جرى بينه وبينه قبل ذلك» .
[باب أحكام الدين]
مسألة 68: (من لزمه دين مؤجل لم يطالب به قبل أجله) لأنه لا يلزمه أداؤه
قبل أجله، (ولم يحجر عليه من أجله) لأنه لا يستحق المطالبة به قبل أجله فلم
يملك منعه من ماله بسببه، (ولم يحل تفليسه) لأن الأجل حق له فلا يسقط بفلسه
كسائر حقوقه.
مسألة 69: (ولا يحل بموته إذا وثقه الورثة) اختاره الخرقي لقول النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من ترك حقًا فلورثته» (رواه
البخاري) ، والتأجيل حق له فينتقل إلى ورثته، ولأنه لا يحل به ما له عليه
كالجنون، وعنه أنه يحل لأن بقاءه ضرر على الميت لبقاء ذمته مرتهنة به، وعلى
الوارث ضرر أيضًا لمنعه التصرف في التركة، وعلى الغريم بتأخير حقه وربما
تلفت التركة. وعلى الروايتين يتعلق الحق بالتركة كتعلق الأرش بالجاني.
ويمنع الوارث التصرف فيها إلا برضا الغريم أو يوثق الحق بضمين مليء أو رهن
يفي بالحق إن كان مؤجلًا فإنهم قد لا يكونون أملياء فيؤدي تصرفهم إلى فوات
الحق، وإن تلفت التركة قبل التصرف فيها سقط الحق كما لو تلف الجاني.
مسألة 70: (فإن أراد سفرًا يحل الدين قبل موته، أو الغزو تطوعًا فلغريمه
منه إلا أن يوثقه) برهن أو كفيل مليء لأنه ليس له تأخير الحق عن محله، وفي
السفر تأخيره عن محله، وإن كان لا يحل قبله ففي منعه روايتان:
إحداهما: له منعه لأن قدومه عند المحل غير متيقن ولا ظاهر فملك منعه منه
كالأول.
(1/266)
مدته، أو الغزو تطوعا فلغريمه منعه إلا أن
يوثق بذلك
(71) وإن كان الدين حالًا على معسر وجب إنظاره
(72) فإن ادعى الإعسار حلف وخلى سبيله إلا أن يعرف له مال قبل ذلك فلا يقبل
قوله إلا ببينة
(73) فإن كان موسرا لزمه وفاؤه، فإن أبى حبس حتى يوفيه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
والأخرى: ليس له منعه لأنه لا يملك المطالبة به في الحال ولا يعلم أن السفر
مانع منه عند الحلول فأشبه السفر القصير.
مسألة 71: (وإن كان الدين حالًا على معسر وجب إنظاره) يعني ولا يحبس لأن
مفهوم قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لي الواجد يحل عقوبته»
أن غير الواجد لا تحل عقوبته، ولأن حبسه لا يفيد صاحب الدين وإنما هو محض
إضرار في حق المديون، وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا
ضرر ولا ضرار» الحديث في المسند (رواه أحمد) ، ولأنه إذا كان خارج الحبس
ربما حصل واكتسب وسعى في قضاء الدين، وفي الحبس لا يقدر على ذلك.
مسألة 72: (وإن ادعى الإعسار حلف وخلى سبيله) لأن الأصل الإعسار (إلا أن
يعرف له مال قبل ذلك فلا يقبل قوله إلا ببينة) لأن الأصل بقاء المال، ويحبس
حتى يقيم البينة على نفاد ماله وإعساره، وعليه اليمين مع البينة أنه معسر
لأنه صار بهذه البينة كمن لم يعرف له مال.
مسألة 73: (وإن كان موسرًا لزمه وفاؤه) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «مطل الغني ظلم» (رواه البخاري) (فإن أبى حبس حتى يوفيه)
لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليّ الواجد يحل عقوبته
وعرضه» من المسند، فإن أصر باع الحاكم ما له وقضى دينه، لما روى ابن عمر -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: ألا إن أسيفع جهينة رضي من دينه أن يقال سائق
الحاج فادَّان مغرمًا، فمن له مال فليحضر، فإنا بايعو ماله وقاسموه بين
غرمائه.
(1/267)
(74) فإن كان ماله لا يفي بدينه كله فسأل
غرماؤه الحاكم الحجر عليه لزمه إجابتهم
(75) فإذا حجر عليه لم يجز تصرفه في ماله
(76) ولم يقبل إقراره عليه)
(77) ويتولى الحاكم قضاء دينه
(78) ويبدأ بمن له أرش جناية من رقيقه فيدفع إلى المجني عليه أقل الأمرين
من أرشها أو قيمة الجاني، ثم بمن له رهن فيدفع إليه أقل الأمرين من دينه أو
ثمن رهنه، وله أسوة الغرماء في بقية دينه
(79) ثم من وجد متاعه الذي باعه بعينه لم يتلف بعضه ولم يزد زيادة متصلة
ولم يأخذ من ثمنه شيئا فله أخذه لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «من
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 74: (وإن كان ماله لا يفي بدينه كله فسأل غرماؤه الحجر عليه لزمه
إجابتهم) لما روى كعب بن مالك «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - حجر على معاذ وباع ماله» رواه الخلال، ولأن فيه دفعًا للضرر عن
الغرماء فلزم ذلك لقضائهم.
مسألة 75: (وإذا حجر عليه لم يجز تصرفه في ماله) لا ببيع ولا هبة ولا وقف
ولا غير ذلك، لأنه حجر ثبت بالحكم فمنع تصرفه كالحجر للسفه.
مسألة 76: (ولا يقبل إقراره على ماله) لذلك.
مسألة 77: (ويتولى الحاكم قضاء دينه) فيبيع ما يمكن بيعه ويقسم بين غرمائه
لأن ذلك هو المقصود بالحجر.
مسألة 78: (ويبدأ بمن له أرش جناية من رقيقه فيدفع إلى المجني عليه أقل
الأمرين من ثمنه أو أرش جنايته) وما فضل رد إلى الغرماء (ثم بمن له رهن
فيدفع إليه أقل الأمرين من دينه أو ثمن رهنه) لأن ذلك مقدم على حق الغرماء
[لأن حقه تعين في الرهن] ، وإن بقي منه بقية ردها إلى الغرماء (وله أسوة
الغرماء في بقية دينه) يعني صاحب الرهن، وإن لم يف ثمن الرهن بدينه شارك
الغرماء في بقية دينه.
مسألة 79: (ثم من وجد متاعه الذي باعه فهو أحق به) لما روى أبو هريرة -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قال: «من وجد متاعه بعينه عند إنسان قد أفلس فهو أحق به» متفق عليه، ولا
يكون أحق به إلا بشروط:
أحدها: أن تكون بحالها سالمة لم يتلف بعضها، فإن تلف بعضها أو باعه المفلس
أو
(1/268)
أدرك متاعه بعينه عند إنسان قد أفلس فهو
أحق به من غيره»
(80) ويقسم الباقي بين الغرماء على قدر ديونهم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
وهبه أو وقفه فله أسوة الغرماء، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-: «من أدرك متاعه بعينه فهو أحق به» (رواه مسلم) والذي تلف بعضه لم يوجد
بعينه.
الشرط الثاني: أن لا يزيد زيادة متصلة كالسمن والكبر وتعلم صنعة، فإن وجد
ذلك منع الرجوع لأنه فسخ بسبب حادث فمنعته الزيادة المتصلة كالرجوع في
الصداق للطلاق قبل الدخول، وعنه أن الزيادة لا تمنع الرجوع للخبر، ولأنه
فسخ فلم تمنعه الزيادة كالرد بالعيب، فأما الزيادة المتصلة فلا تمنع الرجوع
لأنه يملك الرجوع في العين دونها والزيادة للمفلس في ظاهر المذهب، لأنها
نماء ملكه المنفصل فكانت له كما لو ردها بعيب، ولأن قول النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الخراج بالضمان» (رواه أبو داود) يدل على
أن النماء للمشتري لكون الضمان عليه، وقال أبو بكر: هي للبائع نص عليه
قياسًا على المتصلة، والفرق ظاهر لأن المتصلة تتبع في الفسوخ دون المنفصلة.
الشرط الثالث: أن لا يكون البائع أخذ من ثمنها شيئًا فإن قبض بعضه فلا رجوع
له، لما روى أبو هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه
قال: «أيما رجل باع سلعته فأدرك سلعته بعينها عند رجل قد أفلس ولم يكن قد
قبض من ثمنها شيئًا فهي له، وإن كان قد قبض من ثمنها شيئًا فهو أسوة
الغرماء» رواه أبو داود،، ولأن في الرجوع في الباقي تبعيض الصفقة على
المفلس، فلم يجز كما لو لم يقبض شيئًا.
الشرط الرابع: أن لا يتعلق بها حق غير حق المفلس، فإن خرجت عن ملكه ببيع أو
غيره لم يرجع لأنه تعلق بها حق غيره أشبه ما لو أعتقها.
الشرط الخامس: أن يكون المفلس حيًا، فإن مات فله أسوة الغرماء، لما روى أبو
هريرة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «فإن مات فصاحب
المتاع أسوة الغرماء» رواه أبو داود، ولأن الملك انتقل عن المفلس فأشبه ما
لو باعه.
مسألة 80: (ويقسم الباقي بين الغرماء على قدر ديونهم) لأن ذلك هو المقصود
ببيع متاعه وهو المقصود من الحجر عليه.
(1/269)
(81) وينفق على المفلس وعلى من تلزمه مؤنته
من ماله إلى أن يفرغ من القسمة
(82) فإن وجب له حق بشاهد فأبى أن يحلف لم يكن لغرمائه أن يحلفوا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 81: (وينفق على المفلس وعلى من تلزمه مؤنته من ماله إلى أن يفرغ من
القسمة) وذلك أنه إذا حجر عليه فإن كان ذا كسب يفي بنفقته ومن تلزمه نفقته
فنفقته في كسبه، لأنه لا حاجة إلى إخراج ماله وهو يكسب ما ينفقه، ولأنه
مستغن بكسبه عن ماله فلم يجز أخذ ماله كما لم يجز أخذ زيادة عن النفقة، وإن
كان كسبه دون نفقته كملناها من ماله، وإن لم يكن ذا كسب أنفق عليه من ماله
في مدة الحجر، وإن طالت؛ لأن ملكه قبل القسمة باق، وقد قال - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ابدأ بنفسك ثم بمن تعول» .
ومعلوم أن فيمن يعوله من تجب عليه نفقته وتكون دينًا عليه وهي الزوجة، فإذا
قدم نفقة نفسه على نفقة الزوجة فكذلك على حق الغرماء.
ولأن الحي آكد حرمة من الميت لأنه مضمون بالإتلاف، وتقديم تجهيز الميت
ومؤنته على دينه، متفق عليه، فنفقته أولى.
وتقدم أيضًا نفقة من تلزمه نفقته من أقاربه مثل الوالدين والمولودين وغيرهم
ممن تجب نفقتهم لأنهم يجرون مجرى نفسه؛ لأنهم يعتقون عليه إذا ملكهم كما
يعتقون إذا ملك نفسه فيما إذا كان مكاتبًا فعتق وهم في ملكه، وكانت نفقتهم
كنفقته.
وتقدم نفقة زوجته لأن نفقتها آكد من نفقة الأقارب لأنها تجب على طريق
المعاوضة وفيها معنى الإحياء كما في الأقارب.
مسألة 82: (وإن وجب له حق بشاهد فأبى أن يحلف لم يكن لغرمائه أن يحلفوا)
وذلك أن المفلس في الدعوى كغيره، فإذا ادعى حقًا له به شاهد عدل وحلف مع
شاهده ثبت المال وتعلقت به حقوق الغرماء، وإن امتنع لم يجبر لأنه قد لا
يعلم صدق الشاهد، وقد يعلم كذبه.
ولا يملك الغرماء أن يحلفوا مع الشاهد لأنهم يثبتون ملكًا لغيرهم لتتعلق
حقوقهم به بعد ثبوته فلم يجز، كما لم يجز لزوجته أن تحلف لإثبات ملك لزوجها
لتتعلق نفقتها به، وفارق الورثة لأنهم يثبتون ملكًا لأنفسهم إذا حلفوا بعد
موت مورثهم.
(1/270)
باب الحوالة والضمان (83) ومن أحيل بدينه
على من عليه مثله فرضي فقد برئ المحيل
(84) ومن أحيل على مليء لزمه أن يحتال لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
[باب الحوالة والضمان]
مسألة 83: (ومن أحيل بدينه على من عليه مثله فرضي فقد برئ المحيل) ولصحة
الحوالة شروط:
أحدها: تماثل الحقين لأن الحوالة تحويل الحق ونقله فيعتبر نقله عن صفته،
ويعتبر التماثل في الجنس والصفة والحلول والتأجيل، فلو أحال من عليه أحد
النقدين بالآخر لم يصح، ولو أحال عن المصرية بمنصورية أو عن الصحاح بمكسرة
لم يصح، ولو كان دين أحدهما حالًا والآخر مؤجلًا أو أجل أحدهما مخالفًا
لأجل الآخر لم يصح لما سبق.
الشرط الثاني: أن يحيل برضاه لأنه الحق عليه فلا يلزمه أداؤه من جهة بعينها
ولا يعتبر رضاء المحال عليه لأن للمحيل أن يستوفي الحق بنفسه وبوكيله، وقد
أقام المحال مقام نفسه في القبض فلزم المحال عليه الأداء إليه كما لو وكله
في الاستيفاء منه.
الشرط الثالث: أن يحيل على دين مستقر لأن مقتضاها إلزام المحال عليه الدين
مطلقًا ولا يثبت ذلك فيما هو معرض للسقوط، فلو أحال على مال الكتابة أو دين
السلم لم يصح لأنها تعرض للسقوط بالفسخ لأجل انقطاع المسلم فيه لقوله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره»
ومال الكتابة معرض للسقوط بالعجز.
الشرط الرابع: أن يحيل بمال معلوم لأنها إن كانت بيعًا فلا يصح في المجهول،
وإن كانت تحول الحق فيعتبر فيها التسليم والجهالة تمنع منه.
مسألة 84: (ومن أحيل على مليء لزمه أن يحتال) والمليء الموسر وذلك لقوله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع»
(رواه أبو داود) ولأن للمحيل إيفاء الحق بنفسه وبوكيله وقد أقام المحال
عليه مقامه في الإيفاء فلم يكن للمحتال الامتناع.
(1/271)
(85) وإن ضمنه عنه ضامن لم يبرأ وصار الدين
عليهما ولصاحبه مطالبة من شاء منهما
(86) فإن استوفى من المضمون عنه أو أبرأه برئ ضامنه
(87) وإن أبرأ الضامن لم يبرأ الأصيل
(88) وإن استوفى من الضامن رجع عليه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 85: (وإن ضمنه عنه ضامن لم يبرأ وصار الدين عليهما ولصاحبه مطالبة من
شاء منهما) لأن الضمان ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في التزام الحق،
فثبت في ذمتهما جميعًا، ولصاحب الحق مطالبة من شاء منهما في الحياة والموت،
لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الزعيم غارم» رواه أبو
داود، والترمذي وقال: حديث حسن، يقال: زعيم وضمين وقبيل وحميل وصبير بمعنى.
مسألة 86: (فإن استوفى من المضمون عنه أو أبرأه برئ ضامنه) لأن الضامن تبع
للمضمون عنه فزال بزوال أصله كالرهن.
مسألة 87: (وإن أبرأ الضامن لم يبرأ الأصيل) لأن التوثقة انحلت من غير
استيفاء فلم يسقط الدين كالرهن إذا انفسخ من غير استيفاء.
مسألة 88: (وإن استوفى من الضامن رجع عليه) يعني رجع الضامن على المضمون
عنه، أما إذا قضاه متبرعًا لم يرجع بشيء كما لو بنى داره بغير إذنه، وإن
نوى الرجوع وكان الضمان والقضاء بغير إذن المضمون عنه فهل يرجع؟ على
روايتين:
إحداهما: يرجع لأنه قضاء مبرئ من دين واجب لم يتبرع به وكان على من هو
عليه، كما لو قضاه الحاكم عند امتناعه.
الثانية: لا يرجع لأنه تصرف له بغير إذنه فلم يرجع به كما لو بنى داره أو
علف دابته بغير إذنه.
1 -
مسألة 89: وإن أذن له في القضاء فله الرجوع بأقل الأمرين مما قضى فيه أو
قدر الدين لأنه قضى دينه بإذنه فهو كوكيله.
1 -
مسألة 90: وإن ضمن بإذنه رجع عليه لأنه يضمن الإذن في الأداء فأشبه ما لو
أذن
(1/272)
(91) ومن كفل بإحضار من عليه دين فلم يحضره
لزمه ما عليه
(92) فإن مات برئ كفيله
باب الرهن (93) وكل ما جاز بيعه جاز رهنه، وما لا فلا
(94) ولا يلزم إلا بالقبض
(95) وهو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
فيه صريحًا ويرجع بأقل الأمرين مما قضى أو قدر الدين، لأنه إن قضاه بأقل
منه فإنما يرجع بما غرم، وإن أدى أكثر منه فالزائد لا يجب أداؤه لتبرعه به.
مسألة 91: (ومن كفل بإحضار من عليه دين فلم يحضره لزمه ما عليه) لعموم قوله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الزعيم غارم» ولأنها أحد نوعي
الكفالة فوجب بها الغرم كالكفارة بالمال.
مسألة 92: (فإن مات برئ كفيله) لأن الحضور سقط عن المكفول به فيبرأ كفيله
كما برئ الضامن ببراءة المضمون عنه، ويحتمل أن لا يسقط ويطالب بما عليه لأن
الدين لم يسقط عن المكفول به فأشبه المضمون عنه إذا لم يبرأ من الدين.
[باب الرهن]
مسألة 93: (وكل ما جاز بيعه جاز رهنه، وما لا فلا) لأن المقصود من الرهن
الاستيثاق بالدين باستيفائه من ثمنه عند تعذر استيفائه من الراهن، وهذا
يحصل مما يجوز بيعه، فأما ما لا يصح بيعه فلا يصح رهنه كالحُر وأم لولد،
لأن مقصود الرهن لا يحصل منه.
مسألة 94: (ولا يصح إلا بالقبض) لقوله سبحانه: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ}
[البقرة: 283] ، ولأنه عقد إرفاق فافتقر إلى القبض كالقرض، وعنه في غير
المكيل والموزون أنه يلزم بمجرد العقد قياسًا على البيع، والمذهب الأول؛
لأن البيع معاوضة وهذا إرفاق فهو أشبه بالقرض.
مسألة 95: (وقبض المنقول بالنقل وبالتخلية فيما سواه) وذلك لأن القبض في
الرهن كالقبض في البيع والهبة، فإن كان منقولًا فقبضه نقله أو تناوله
كالثوب والعبد والكتاب ونحو ذلك، والمكيل رهنه بالكيل فقبضه اكتياله لقوله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا سميت فكل» (رواه ابن ماجه) ،
وإن كان موزونًا فقبضه بالوزن، «وقال ابن عمر: "كنا نشتري
(1/273)
نقله إن كان منقولا والتخلية فيما سواه
(96) وقبض أمين المرتهن يقوم مقام قبضه
(97) والرهن أمانة عند المرتهن أو أمينه لا يضمنه إلا أن يتعدى
(98) ولا ينتفع المرتهن بشيء منه إلا ما كان مركوبا أو محلوبا فللمرتهن أن
يركب ويحلب بمقدار العلف
(99) وللراهن غنمه من غلته وكسبه ونمائه لكن يكون رهنا معه
(100) وعليه غرمه من مؤنته
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
الطعام من الركبان جزافًا، فنهانا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أن نبيعه حتى ننقله من مكانه» متفق عليه. وأما العقار والثمار
على الشجر فقبض ذلك بالتخلية بين مرتهنه وبينه من غير حائل بأن يفتح له باب
الدار ويسلم إليه مفاتيحها.
مسألة 96: (وقبض أمين المرتهن يقوم مقام قبضه) لأنه وكيله ونائبه، واستدامة
القبض شرط في اللزوم كحالة الابتداء للآية، وعنه أن القبض واستدامته في
المتعين ليس بشرط في البيع فلم يشترط في الرهن.
مسألة 97: (والرهن أمانة عند المرتهن وعند أمينه لا يضمنه إلا أن يتعدى)
فإن تلف بغير تعد منه فلا شيء عليه لأنه أمين فأشبه المودع.
مسألة 98: (ولا ينتفع المرتهن بشيء من الرهن، إلا ما كان مركوبًا أو
محلوبًا فيحلب ويركب بقدر العلف) متحريًا للعدل في ذلك، سواء تعذر الإنفاق
من المالك أم لم يتعذر، لما روى أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال:
قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الرهن يركب بنفقته،
ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونًا، وعلى الذي يركب ويشرب النفقة» رواه
البخاري، وفي لفظ «فعلى المرتهن علفها ولبن الدر ويشرب، وعلى الذي يشرب
نفقته ويركب» .
مسألة 99: (وللراهن غنمه من غلته وكسبه ونمائه) لأنه نماء ملكه فأشبه غير
المرهون (لكنه يكون رهنًا معه) لأنه عقد وارد في الأصل فثبت حكمه في نمائه
كالبيع، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الرهن من راهنه له
غنمه وعليه غرمه» .
مسألة 100: (وعليه غرمه من مؤنته ومخزنه وكفنه إن مات) ويلزمه جميع نفقته
من كسوة وعلف وحرز وحائط وسقي وتسوية وجذاذ وتجفيف، لما روي عن النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه
(1/274)
ومخزنه وكفنه إن مات)
(101) وإن أتلفه أو أخرجه من الرهن بعتق أو استيلاد فعليه قيمته تكون رهنًا
مكانه
(103) وإن جنى عليه غيره فهو الخصم فيه، وما قبض بسببه فهو رهن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
قال: «الرهن من راهنه، له غنمه وعليه غرمه» وهذا من غرمه لأنه ملكه فكانت
عليه نفقته كالذي في يده ويلزمه كفنه إنه مات كما يلزمه في الذي في يده.
مسألة 101: (وإن أتلفه أو أخرجه من الرهن بعتق أو استيلاد فعليه قيمته تكون
رهنًا) ، فلا يجوز للراهن عتق المرهون لأن فيه إضرارًا بالمرتهن وإسقاط حقه
اللازم له، فإن فعل نفذ عتقه، نص عليه، لأنه محبوس لاستيفاء حق فنفذ فيه
عتق المالك كالمحبوس على ثمنه وتؤخذ منه قيمته تكون رهنًا مكانه لأنه أبطل
حق الوثيقة بغير إذن المرتهن فلزمه قيمته كما لو قتله.
1 -
مسألة 102: وأما إذا وطئ جاريته المرهونة فأولدها خرجت من الرهن وأخذت منه
قيمتها فجعلت رهنًا، وذلك أن الراهن ليس له وطء جاريته المرهونة لأنه يفضي
بذلك إلى أن يخرجها من الرهن فيفوت حق المرتهن، فإن وطئها فلا حد عليه
لأنها ملكه، فإن كانت بكرًا فعليه ما نقصها، إن شاء جعله رهنًا وإن شاء
جعله قضاء من الحق، فإن لم تحمل منه فهي رهن بحالها كما لو استخدمها، وإن
ولدت فولده حر وتصير أم ولد له لأنه أحبلها في ملكه وتخرج من الرهن موسرًا
كان أو معسرًا كما لو أعتقها، وعليه قيمتها يوم أحبلها لأنها وقت إتلافها
تجعل رهنًا، وكذلك إن تلفت بسبب الحمل.
مسألة 103: (وإن جنى عليه غيره فهو الخصم فيه، وما قبض بسببه فهو رهن) فإن
كانت الجناية عليه موجبة للقصاص فلسيده الاقتصاص وله أن يعفو لأنه مالكه،
فإن اقتص فعليه قيمة أقلها قيمة من العبد الجاني والعبد المرهون، فإن كانت
قيمة المرهون عشرة وقيمة الجاني مائة لم يلزمه إلا عشرة لأنه إنما فوت على
المرتهن عشرة، وإن كانت قيمة المرهون مائة وقيمة الجاني عشرة لم يلزمه إلا
عشرة لأن هذا هو المقدار الذي فوته على المرتهن يجعل ذلك رهنًا مكانه في
أحد الوجهين؛ لأنه أتلف مالًا بسبب إتلاف الرهن فغرم قيمته، كما لو كانت
الجناية موجبة للمال، والوجه الثاني لا شيء عليه لأنه لم يجب بالجناية مال
ولا استحق بحال، وليس على الراهن السعي للمرتهن في اكتساب مال، وكذلك إن
جنى على سيده فاقتص منه أو ورثته.
1 -
(1/275)
(106) وإن جنى الرهن فالمجني عليه أحق
برقبته فإن فداه فهو رهن بحاله
(107) وإذا حل الدين فلم يوفه الراهن بيع وأوفى الحق من ثمنه وباقيه للراهن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 104: وإن عفا السيد عن مال أو كانت الجناية موجبة للمال فاقتص منه
جعل رهنًا مكانه لأنه بدل عنه فقام مقامه، وإن عفا السيد عن مال لم يصح
عفوه لأنه محل تعلق به حق المرتهن فلم يصح عفوه عنه، كما لو قبضه المرتهن
ويلزمه العفو في حقه، فإذا فك الرهن رد إلى الجاني. وقال أبو الخطاب: يصح
عفو السيد عن المال ويؤخذ منه قيمته تكون رهنًا لأنه أتلفه بعفوه. وقال
القاضي: تؤخذ قيمته من الجاني فتجعل مكانه فإذا زال الرهن ردت إلى الجاني
كما لو أقر على عبده المرهون بالجناية.
1 -
مسألة 105: وإن عفا السيد عن القصاص إلى غير مال انبنى على موجب العمد، فإن
قلنا أحد شيئين فهو كالعفو عن المال، وإن قلنا القصاص فهو كالاقتصاص وفيه
وجهان.
مسألة 106: (وإن جنى الرهن فالمجني عليه أحق برقبته) وقدم على حق المرتهن
لأنه [فداؤه فإن يقدم على] المالك فأولى أن يقدم على المرتهن ولسيده فداؤه
(فإن فداه فهو رهن بحاله) فإن كان أرش الجناية أكثر من ثمنه فطلب المجني
عليه تسليمه للبيع وأراد الراهن فداءه فله ذلك؛ لأنه حق المجني عليه في
قيمته لا في عينه، ولسيده الخيار بين أن يسلمه إلى ولي الجناية فيملكه وبين
أن يفديه بالأقل من قيمته أو أرش جنايته لأنه لا يلزمه أكثر من قيمة العبد
ولا أكثر من الجناية، فإن كانت قيمته عشرين وأرش الجناية عشرة أو قيمته
عشرة وأرش الجناية عشرين لم يلزمه أكثر من عشرة؛ لأنها أقل الأمرين منهما
لأن ما يدفعه عوض عنه فلم يلزمه أكثر من قيمته، وعنه يلزمه أرش جنايته كلها
أو تسليمه لأنه ربما رغب فيه راغب فاشتراه بأكثر من قيمته فينتفع به المجني
عليه، فإن فداه فهو رهن بحاله لأن حق المرتهن لم يبطل وإنما قدم حق المجني
عليه لقوته، فإذا زال ظهر حق المرتهن، وإن سلمه بطل الرهن لما ذكرنا.
مسألة 107: (وإذا حل الدين فلم يوفه الراهن بيع ووفى الحق من ثمنه وباقيه
للراهن) وذلك أن الراهن إذا امتنع من وفاء الدين عند حلوله فإن كان أذن
المرتهن في بيعه أو للعدل الذي هو في يده باعه ووفى الدين؛ لأن هذا هو
المقصود من الرهن وقد باعه بإذن
(1/276)
(108) وإذا شرط الرهن أو الضمين في بيع
فأبى الراهن أن يسلمه وأبى الضمين أن يضمن خُيِّر البائع بين الفسخ أو
إقامته بلا رهن ولا ضمين
باب الصلح (109) ومن أسقط بعض دينه أو وهب غريمه بعض العين التي في يده جاز
ما لم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
صاحبه في قضاء دينه فيصح كما في غير الرهن، وإلا رفع الأمر إلى الحاكم
فيجبره على وفاء الدين أو بيع الرهن، فإن لم يفعل باعه الحاكم وقضى دينه
لأن ولاية الحاكم على ذلك نافذة، ولأن مقتضى الرهن الإيفاء من ثمنه فجاز
للحاكم ذلك كما لو أذن فيه.
مسألة 108: (وإذا شرط الرهن أو الضمين في بيع فأبى الراهن أن يسلمه أو أبى
الضمين أن يضمن خير البائع بين الفسخ أو إقامته بلا رهن ولا ضمين) وذلك أن
البيع بهذا الشرط صحيح، والشرط صحيح أيضًا لأنه من مصلحة العقد غير مناف
لمقتضاه، ولا نعلم في صحته خلافًا إذا كان معلومًا، فيشترط معرفة الرهن
والضمين معًا إما بالمشاهدة أو الصفة التي يعلم بها الموصوف كما في السلم
ويتعين القبض، ويعرف الضمين بالإشارة إليه أو تعريفه بالاسم والنسب، ولا
يصح بالصفة بأن يقول رجل غني من غير تعيين لأن الصفة لا تأتي عليه بخلاف
الرهن، ولو قال بشرط رهن أو ضمين لكان فاسدًا لأن ذلك يختلف وليس له عرف
ينصرف إليه بالإطلاق. إذا ثبت هذا فإن المشتري إذا وفى بالشرط وسلم الرهن
أو ضمن له الضمين لزم البيع، وإن امتنع الراهن من تسليم الرهن، أو أبى
الضامن أن يضمن عنه، فللبائع الخيار بين فسخ البيع - لأنه إنما بذل ماله
بهذا الشرط، فإذا لم يسلم له استحق الفسخ كما لو لم يأته بالثمن - وبين
إتمامه أو الرضى به بلا رهن ولا ضمين؛ لأن ذلك حقه وقد أسقطه، فيلزمه البيع
عند ذلك كما لو لم يشترطه.
[باب الصلح]
مسألة 109: (ومن أسقط بعض دينه أو وهب غريمه بعض العين التي له في يده جاز
ما لم يجعل وفاء الباقي شرطًا في الهبة والإبراء أو يمنعه حقه إلا بذلك)
وذلك لأن الإنسان لا يمنع من إسقاط حقه ولا من استيفائه، قال أحمد: ولو شفع
فيه شافع لم يأثم لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كلم
غرماء جابر فوضعوا عنه الشطر، وكلم كعب بن مالك فوضع عن غريمه الشطر، ويجوز
للقاضي فعل ذلك لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعله
(رواه البخاري) ، ولو قال
(1/277)
يجعل وفاء الباقي شرطا في الهبة والإبراء
أو يمنعه حقه إلا بذلك
(110) أو يضع بعض المؤجل ليعجل له الباقي
(111) ويجوز اقتضاء الذهب عن الورق والورق عن الذهب إذا أخذها بسعر يومها
وتقابضا في المجلس
(112) ومن كان له دين على غيره لا يعلمه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
للغريم: أبرأتك من بعضه بشرط أن توفيني بقيته - أو على أن توفيني باقيه -
لم يصح لأنه جعل إبراءه عوضًا عن إعطائه فيكون معاوضًا لبعض حقه ببعض، ولا
تصح بلفظ الصلح لأن معنى صالحني عن المائة بخمسين أي بعني، وذلك غير جائز
لما ذكرناه، ولأنه ربًا.
مسألة 110: (أو يضع له بعض المؤجل ليعجل له الباقي) يعني لو صالح عن المؤجل
ببعضه حالًا مثل أن يصالح عن المائة المؤجلة بخمسين حالة لم يجز لأنه ربًا،
وهو بيع بعض ماله بماله ولأن بيع الحلول غير جائز.
مسألة 111: (ويجوز اقتضاء الذهب عن الورق والورق عن الذهب إذا أخذها بسعر
يومها وتقابضا في المجلس) وذلك أنه إذا صالحه عن أثمان بأثمان فهذا صرف
يعتبر له شروط الصرف من القبض في المجلس وسائر شروطه.
مسألة 112: (ومن كان له على غيره حق لا يعلمه المدعى عليه فصالحه على شيء
جاز، فإن كان أحدهما يعلم كذبه في نفسه فالصلح باطل) في حقه وهذا هو الصلح
على الإنكار، وهو أن يدعي على إنسان عينًا في يده أو دينًا في ذمته لمعاملة
أو جناية أو إتلاف أو غصب أو تفريط في وديعة أو مضاربة ونحو ذلك فينكره
ويصالحه بمال، فيصح إذا كان المنكر معتقدًا بطلان الدعوى فيدفع إليه المال
افتداء ليمينه ودفعًا للخصومة عن نفسه، والمدعي يعتقد صحتها فيأخذه عوضًا
عن حقه الثابت له لأنه صلح يصح مع الأجنبي فيصح بين الخصمين كالصلح في
الإقرار، ويكون بيعًا في حق المدعي لأنه يأخذ المال عوضًا عن حقه فيلزمه
حكم إقراره حتى لو كان العوض شقصًا وجبت الشفعة، وإن وجد به عيبًا فله رده
ويكون إبراء في حق المنكر لاعتقاده أن ملكه لم يتجدد بالصلح وإنما يدفع
المال افتداء ليمينه لا عوضا، فلو كان المدعي شقصًا لم تجب فيه الشفعة، ولو
وجد فيه عيبًا لم يملك رده، كمن اشترى عبدًا قد أقر بحريته فإن كان أحدهما
يعلم كذب نفسه فالصلح باطل في الباطن وما يأخذه بالصلح حرام لأنه يأكل مال
أخيه بباطله ويستخرجه منه بشره، وهو في الظاهر صحيح لأن ظاهر حال المسلمين
الصحة والحق.
(1/278)
المدعى عليه فصالحه على شيء جاز، وإن كان
أحدهما يعلم كذب نفسه فالصلح في حقه باطل
(113) ومن كان له حق على رجل لا يعلمان قدره فاصطلحا عليه جاز
باب الوكالة (114) وهي جائزة في كل ما تجوز النيابة فيه إذا كان الموكل
والوكيل ممن يصح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 113: (ومن كان له حق على رجل لا يعلمان قدره فاصطلحا عليه جاز) لأن
الحق لهما لا يخرج عنهما، فإذا اتفقا عليه جاز كما لو اتفقا على أن يتبارآ.
[باب الوكالة]
مسألة 114: (وهي جائزة في كل ما تجوز النيابة فيه إذا كان الموكل والوكيل
ممن يصح ذلك منه) تجوز الوكالة بإجماع الأمة في الجملة، وتجوز في الشراء
والبيع والنكاح، لأن النيابة تدخلها بدليل «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعطى عروة بن الجعد دينارًا وأمره أن يشتري به شاة» ،
وقال الله سبحانه وتعالى: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ
إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ
بِرِزْقٍ مِنْهُ} [الكهف: 19] وقال تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ
لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [التوبة: 60]
فجوز العمل عليها، «وقال جابر بن عبد الله للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: "إني أريد الخروج إلى خيبر، فقال: ائت وكيلي فخذ منه خمسة
عشرة وسقًا، فإذا ابتغى منك آية فضع يدك على ترقوته» (رواه الدارقطني) ،
وروي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكّل عمرو بن أمية
الضمري في قبول نكاح أم حبيبة، وأبا رافع في قبول نكاح ميمونة» .
وتجوز الوكالة بشرط أن تكون فيما تدخله النيابة كالبيع والشراء والنكاح لما
سبق.
وتجوز في الرهن والحوالة والضمان والكفالة والشركة والوديعة والمضاربة
والجعالة والمساقاة والإجارة والقرض والوصية "والصلح" والهبة والوقف
والصدقة والفسخ والإبراء والقسمة لأنها كلها تدخلها النيابة وهي في معنى
البيع في الحاجة إلى التوكيل فيها فيثبت فيها حكمه، ولا نعلم في شيء من ذلك
خلافًا.
ويشترط أن يكون الموكل والوكيل ممن يصح ذلك منه بنفسه، لأن من لا يصح تصرفه
بنفسه فكيف يصح بنائبه.
(1/279)
ذلك منه
(115) وهي عقد جائز تبطل بموت كل واحد منهما وفسخه لها وجنونه والحجر عليه
لسفه
(116) وكذلك في كل عقد جائز كالشركة والمساقاة والمزارعة والجعالة
والمسابقة
(117) وليس للوكيل أن يفعل إلا ما تناوله الإذن لفظًا أو عرفًا
(118) وليس
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 115: (وهي عقد جائز تبطل بموت كل واحد منهما وجنونه والحجر عليه
لسفه) لأنه يخرج بذلك عن أهلية التصرف، ويبطل بفسخ كل واحد منهما لأنه إذن
في التصرف، فملك كل واحد منهما إبطاله كالإذن في أكل الطعام.
مسألة 116: (وكذلك الحكم في كل عقد جائز كالشركة والمساقاة والمزارعة
والجعالة والمسابقة) لذلك.
مسألة 117: (وليس للوكيل أن يفعل إلا ما تناوله الإذن لفظًا أو عرفًا) لأن
الإنسان ممنوع من التصرف في حق غيره، وإنما أبيح لوكيله التصرف فيه بإذنه
فيجب اختصاص تصرفه فيما تناوله إذنه، إما لفظًا كقوله بع ثوبي بعشرة، وإما
عرفًا كبيعه الثوب بعشرة وزيادة إما من جنس العشرة كبيعه بأحد عشر وما زاد
عليها، أو من غير جنسها كعشرة وثوب؛ لأن الزيادة تنفعه ولا تضره، وكل أحد
يريد ذلك ويرضاه بحكم العرف.
مسألة 118: (وليس للوكيل توكيل غيره) وذلك أن الوكيل لا يخلو من ثلاثة
أحوال: أحدها: أن ينهاه الموكل عن التوكيل فلا يجوز له ذلك رواية واحدة؛
لأن ما نهاه عنه غير داخل في إذنه فلم يجز له كما لو لم يوكله. الثاني: أذن
له في التوكيل فيجوز له رواية واحدة لأنه عقد إذن له فيه فكان له ذلك كما
لو أذن له في البيع ولا نعلم في هذين خلافًا. الثالث: أطلق الوكالة فلا
يخلو من ثلاثة أحوال: أحدها: أن يكون العمل مما يرتفع الوكيل عن مثله
كالأعمال الدينية في حق أشراف الناس المرتفعين عن فعلها في العادة، فإنه
يجوز له التوكيل فيها لأنها إذا كانت مما لا يفعله الوكيل بنفسه عادة انصرف
الإذن إلى ما جرت به العادة من الاستنابة به فيه. الحال الثاني: أن يكون
عملًا لا يرتفع عن مثله إلا أنه عمل كثير لا يقدر الوكيل على فعل جميعه،
فإنه يجوز له التوكيل فيه أيضًا لما ذكرنا. الحال الثالث: أن يكون مما لا
يرتفع عنه الوكيل ويمكنه عمله بنفسه فليس له أن يوكل فيه؛ لأنه لم يأذن له
في التوكيل ولا تضمنه إذنه فلم يجز كما لو نهاه عنه، ولأنه استئمان فإذا
استأمنه فيما يمكنه النهوض به لم يكن له أن يوليه من لم يأمنه عليه
كالوديعة،
(1/280)
له توكيل غيره
(119) ولا الشراء من نفسه ولا البيع لها إلا بإذن موكله
(120) وإن اشترى لإنسان ما لم يأذن له فيه فأجازه جاز وإلا لزم من اشتراه
(121) والوكيل أمين لا ضمان عليه فيما يتلف إذا لم يتعد والقول قوله في
الرد والتلف ونفي التعدي
(122) وإذا قضى الدين بغير بينة ضمن
(123) إلا أن يقضيه بحضرة الموكل
(124) ويجوز التوكيل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
وعنه له أن يوكل فيه لأن الوكيل يملك التصرف بنفسه فيملكه بنائبه كالملك
وكما لو وكله فيما لا يتولى مثله بنفسه.
مسألة 119: (وليس للوكيل الشراء من نفسه ولا البيع لها إلا بإذن) لأن العرف
في العقد أن يعقده مع غيره فحمل التوكيل عليه، ولأنه يلحقه تهمة ويتنافى
الغرضان فلم يجز كما لو نهاه عنه، وعنه يجوز لأنه امتثل أمره وحصل غرضه فصح
كما لو كان من أجنبي، وإنما يصح بشرط أن يزيد على مبلغ ثمنه في النداء أو
يوكل من يبيع ويكون هو أحد المشترين لتنتفي التهمة. قال القاضي: ويحتمل أن
لا يشترط ذلك لأنه قد امتثل أمره، فأما إذا أذن له في ذلك فقد عمل بمقتضى
التوكيل.
مسألة 120: (وإن اشترى لإنسان ما لم يأذن له فيه فأجازه جاز) لأن المشتري
في الذمة لا ينصرف في حق المشترى له إنما ينصرف في ذمة نفسه، فتحصيل شيء له
موقوف على إجازته ورضاه، فإن أجازه كان له (وإن رده لزم من اشتراه) لأنه
ألزم به.
مسألة 121: (والوكيل أمين لا ضمان عليه فيما يتلف إذا لم يتعد) لأنه نائب
والمالك أشبه المودع (والقول قوله في الرد والتلف ونفي التعدي) لذلك.
مسألة 122: (وإن قضى الدين بغير بينة) وأنكره الغريم (ضمن) لأن الموكل لا
يقبل قوله على الغريم فكذلك وكيله.
مسألة 123: (إلا أن يكون قضاه بحضرة الموكل) فلا ضمان عليه، لأن التفريط من
الموكل حيث لم يشهد، وإن قضاه في غيبته ولم يشهد ضمن لأنه أذن له في قضاء
مبرم ولم يوجد، وعن أحمد، - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لا يضمن إلا أن يكون أمره
بالإشهاد فلم يفعل، فعلى هذه الرواية إن صدقه الموكل لم يضمن الوكيل وإن
كذبه فالقول قول الوكيل لأنه أمينه فيقبل قوله عليه في تصرفه كما يقبل قوله
في البيع والقبض.
مسألة 124: (ويجوز التوكيل بجعل وبغيره) لأنه تصرف لغيره لا يلزمه فجاز أخذ
(1/281)
بجعل وبغيره، فلو قال: بع هذا بعشرة فما
زاد فلك صح
باب الشركة (125) وهي على أربعة أضرب: شركة العنان، وهي أن يشتركا بماليهما
وبدنيهما
وشركة الوجوه، وهي أن يشتركا فيما يشتريان بجاهيهما، والمضاربة: وهي أن
يدفع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
العوض عنه كرد الآبق. (فإذا قال: بعه بعشرة فما زاد فهو لك صح) وله الزيادة
لأن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان لا يرى بذلك بأسًا.
[باب الشركة]
مسألة 125: (وهي على أربعة أضرب: شركة العنان، وهي أن يشتركا بماليهما
وبدنيهما) وربحه لهما، فينفذ تصرف كل واحد منهما بحكم الملك في نصيبه
والوكالة في نصيب شريكه، وهي جائزة بالإجماع، ذكره ابن المنذر، وإنما اختلف
في بعض شروطها. وسميت شركة العنان لأنهما يتساويان في المال والتصرف
كالفارسين إذا سويا بين فرسيهما وتساويا في السير، فإن عنانيهما يكونان
سواء. ولا تصح إلا بشرطين:
"أحدهما" أن يكون رأس المال دراهم أو دنانير، ولا خلاف في صحة الشركة بهما
لأنهما أثمان البياعات وقيم الأموال.
مسألة 126: ولا يصح بالعروض، وهو ظاهر المذهب، لأن هذه الشركة لا تخلو إما
أن تقع على الأعيان، أو قيمتها، أو أثمانها. لا يجوز وقوعها على الأعيان
لأنها تقتضي الرجوع عند المفاضلة برأس المال ولا مثل لها فيرجع إليه، وقد
تزيد قيمة جنس أحدهما دون الآخر فيستوعب بذلك جميع الربح وتنقص قيمته فيؤدي
إلى مشاركة الآخر في ثمن ملكه الذي ليس بربح، ولا على أثمانها لأنها معدومة
حال العقد ولا يملكانها، ولأنها تصير عند من يجوزها شركة معلقة على شرط وهو
بيع الأعيان، ولا يجوز أن تكون واقعة على قيمتها لأن القيمة غير متحققة
المقدار فيفضي إلى التنازع، ولأن القيمة قد تزيد في أحدهما قبل بيعه
فيشاركه الآخر في ثمن العين التي هي ملكه، وعنه يجوز وتجعل قيمتها وقت
العقد برأس المال، ودليله أن مقصود الشركة أن يملك كل واحد منهما نصف مال
الآخر وينفذ تصرفهما، وهذا موجود في العروض فصحت الشركة فيها كالأثمان.
"الشرط الثاني" أن يشترطا لكل واحد منهما جزءًا من الربح مشاعًا معلومًا،
ولا خلاف في
(1/282)
أحدهما إلى الآخر مالا يتجر فيه ويشتركان
في ربحه، وشركة الأبدان، وهي أن يشتركا فيما يكسبان بأبدانهما من المباح،
إما بصناعة أو احتشاش أو اصطياد ونحوه، لما روي «عن عبد الله بن مسعود -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: اشتركت أنا وسعد وعمار يوم بدر، فجاء سعد
بأسيرين ولم آت أنا وعمار بشيء»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
ذلك في المضاربة المحضة، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن للعامل أن
يشترط على رب المال ثلث الربح أو نصفه أو ما يجمعان عليه بعد أن يكون ذلك
"معلومًا" جزءًا من أجزاء، ولأن استحقاق المضارب للربح بعمله فجاز ما
يتفقان عليه من قليل وكثير كالأجرة في الإجارة وكالجزء من الثمرة في
المساقاة والمزارعة.
الضرب الثاني: (شركة الوجوه، وهو أن يشتركا فيما يشتريان بجاههما) وثقة
التجار بهما، فما ربحا فهو بينهما لأن مبناها على الوكالة والكفالة؛ لأن كل
واحد منهما وكيل صاحبه فيما يشتريه ويبيعه كفيل عنه بذلك، والملك بينهما
على ما شرطاه نصفين أو أثلاثًا أو أرباعًا، والوضيعة على قدر ملكيهما فيه
ويبيعان فما رزق الله تعالى فهو بينهما على ما شرطاه فهو جائز، ويحتمل [أن
يكون] على قدر ملكيهما وهما في جميع تصرفاتهما وما يجب لهما وعليهما في
إقرارهما وخصومتهما بمنزلة شريكي العنان على ما سبق.
الضرب الثالث: (المضاربة، وهو أن يدفع أحدهما ماله إلى آخر يتجر فيه والربح
بينهما) ويسمى مضاربة وقراضًا، وينعقد بلفظهما وكل ما يؤدي معناهما لأن
القصد المعنى فجاز بما دل عليه كالوكالة، وأجمع أهل العلم على جواز
المضاربة في الجملة، ذكره ابن المنذر، ويروى ذلك عن جماعة من الصحابة ولا
مخالف لهم في عصرهم فيكون إجماعًا، ولأن بالناس حاجة إليها فإن الدراهم
والدنانير لا تنمو إلا بالتقليب والتجارة، وليس كل من يملكها يحسن التجارة،
ولا كل من يحسن له رأس مال، فاحتيج إليها من الجانبين، فشرعها الله سبحانه
لدفع الحاجتين.
الضرب الرابع: (شركة الأبدان، وهي أن يشتركا فيما يكسبان بابدانهما من
المباح: إما بصناعة أو احتشاش أو اصطياد ونحوه) كالاحتطاب والتلصص على دار
الحرب، وفي المعادن وسائر المباحات، فهي صحيحة (لما روي «عن عبد الله بن
مسعود أنه قال:
(1/283)
(127) والربح في جميع ذلك على ما شرطاه
والوضيعة على قدر المال
(128) ولا يجوز أن يجعل لأحدهما دراهم معينة ولا ربح بشيء معين
(129) والحكم في المساقاة والمزارعة كذلك
(130) وتجبر الوضيعة من الربح
(131) وليس لأحدهما البيع بنسيئة
(132) ولا أخذ شيء من الربح إلا بإذن الآخر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
اشتركت أنا وسعد وعمار يوم بدر فلم أجئ أنا وعمار بشيء وجاء سعد بأسيرين»
رواه أبو داود واحتج به أحمد.
مسألة 127: (والربح في جميع ذلك على ما شرطاه) لأن الحق لا يخرج عنهما
(والوضيعة على قدر المال) وهي الخسارة على كل واحد منهما بقدر ماله: إن كان
متساويًا تساويا في الخسران، وإن كان أثلاثًا كان أثلاثًا، ولا نعلم فيه
خلافًا.
مسألة 128: (ولا يجوز أن يجعل لأحدهما دراهم معينة ولا ربح بشيء معين) لأن
ذلك يفضي إلى جهل حق كل واحد منهما من الربح، ومن شرط المضاربة كون ذلك
معلومًا فيفسد بها العقد، لأن الفساد لمعنى في العوض المعقود عليه فأفسد
العقد كما لو جعل رأس المال خمرًا أو خنزيرًا، ويخرج في ذلك روايتان:
إحداهما: لا يبطل به عقد الشركة لأنه إذا حذف من الشرط بقي الإذن بحاله.
والأخرى: يبطل العقد لأنه إنما رضي بالعقد بهذا الشرط فإذا فسد فات الرضا
به ففسد كالشروط الفاسدة في البيع.
مسألة 129: (والحكم في المساقاة والمزارعة كذلك) يعني أن ذلك عقد جائز
يشترط له من الشروط ما يشترط للمضاربة، ويفسده ما يفسدها. وسيأتي ذكرها إن
شاء الله.
مسألة 130: (وتجبر الوضيعة من الربح) لأن الربح هو الفاضل عن رأس المال،
وما لم يفضل فليس بربح، وهذا لا نعلم فيه خلافًا.
مسألة 131: (وليس لأحدهما البيع نسيئة) لأن فيه تغريرًا بالمال. وفيه وجه
آخر يجوز لأن عادة التجار البيع نسأ والربح فيه أكثر.
مسألة 132: (وليس له أن يأخذ من الربح شيئًا إلا بإذن الآخر) لأنه إذا أخذ
من الربح شيئًا يكون قرضًا في ذمته فلا يجوز إلا بإذن كما في الوديعة.
(1/284)
باب المساقاة والمزارعة (133) تجوز
المساقاة في كل شجر له ثمر بجزء من ثمره مشاع معلوم
(134) والمزارعة في الأرض بجزء من زرعها، سواء كان البذر منهما أو من
أحدهما لقول ابن عمر: «عامل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من زرع وثمر " وفي لفظ: " على أن يعمروها من
أموالهم» وعلى العامل ما جرت العادة بعمله
(135) ولو دفع إلى رجل دابة يعمل عليها وما حصل بينهما جاز على قياس ذلك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
[باب المساقاة والمزارعة]
مسألة 133: (وتجوز المساقاة في كل شجر له ثمر بجزء من ثمره مشاع معلوم) لما
روى عبد الله بن عمر قال: «عامل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع» متفق عليه، وقال
أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: «عامل
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أهل خيبر بالشطر، ثم أبو
بكر وعمر وعثمان وعلي، ثم أهلوهم إلى اليوم يعطون الثلث والربع» .
مسألة 134: (وتجوز المزارعة في الأرض بجزء من زرعها سواء كان البذر منهما
أو من أحدهما لحديث ابن عمر، وفي لفظ: على أن يعمروها من أموالهم) ولرسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شطر ما يخرج منها من ثمر أو
زرع (رواه البخاري) (وعلى العامل ما جرت العادة بعمله) في المساقاة
والمزارعة من الحرث والإبار والتلقيح وإصلاح طرق الماء والحصاد والدراس
والذرى لأن لفظهما يقتضي ذلك، وموضعها أن العمل من العامل، وأصل المال وما
يتعلق ببقائه من رب المال فيلزمه ما فيه حفظ الأصل كسد الحيطان وإنشاء
الأنهار وعمل الدولاب وما يديره وشراء ما يلقح به، فإذا أطلق العقد فعلى كل
واحد منهما ما ذكرنا، وإن شرطا ذلك كان تأكيدًا.
مسألة 135: (ولو دفع إلى رجل دابة يعمل عليها وما حصل بينهما جاز على قياس
(1/285)
باب إحياء الموات (136) وهي الأرض الدائرة
التي لا يعرف لها مالك فمن أحياها ملكها، لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أحيا أرضا ميتة فهي له»
(137) وإحياؤها عمارتها بما تتهيأ به لما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
ذلك) لأنه يشبه ما لو دفع ماله إلى من يتجر فيه والربح بينهما، ويشترط أن
يكون ما بينهما معلومًا كالمضاربة.
[باب إحياء الموات]
مسألة 136: (وهي الأرض الدائرة التي لا يعرف لها مالك) وهي نوعان:
أحدهما: أرض لم يجر عليها ملك فهذه تملك بالإحياء، لما روى جابر بن عبد
الله قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أحيا
أرضًا ميتة فهي له» أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
النوع الثاني: ما كان فيها من آثار الملك ولا يعلم لها مالك ففيها روايتان:
إحداهما: تملك بالإحياء للخبر، ولما روى طاوس أن النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «عادي الأرض لله ولرسوله ثم هي لكم بعد» رواه
أبو عبيد في الأموال، ولأنه في دار الإسلام فيملك كاللقطة، والثانية: لا
تملك لأنها إما لمسلم أو ذمي أو بيت المال فلم يجز إحياؤها كما لو تعين
مالكها.
مسألة 137: (وإحياؤها عمارتها بما تتهيأ به لما يراد منها) والمرجع في ذلك
إلى العرف، فما تعارفه الناس أنه إحياء فهو إحياء لأن الشرع ورد به ولم
يثبته فيرجع فيه إلى العرف، كما رجعنا إلى ذلك في القبض والإحراز، فإذا ثبت
هذا فإن الأرض تحيا دارًا للسكنى أو حظيرة ومزرعة، فأما الدار فأن يبني
حيطانها وسقفها لأنها لا تكون للسكنى إلا كذلك، وإن أرادها حظيرة فإحياؤها
بحائط جرت به عادة مثلها، وإن أرادها للزراعة فأن يحوط عليها بتراب أو غيره
مما تتميز به عن غيرها ويسوق إليها ماء من نهر وبئر فإنها تصير محياة، وإن
لم يزرعها، وإن كانت من الأرض التي لا تحتاج إلى ماء فأن يعمل فيها ما
تتهيأ به للزراعة من قلع أحجارها وأشجارها وتمهيدها. وذكر القاضي رواية
أخرى في
(1/286)
يراد منها كالتحويط عليها، وسوق الماء
إليها إن أرادها للزرع، وقلع أشجارها وأحجارها المانعة من غرسها وزرعها،
(138) وإن حفر فيها بئرا فوصل إلى الماء ملك حريمه، وهو خمسون ذراعا من كل
جانب إن كانت عادية وحريم البئر البديء خمسة وعشرون ذراعا
باب الجعالة وهي أن يقول: من رد لقطتي أو ضالتي أو بنى لي هذا الحائط فله
كذا، فمن فعل ذلك استحق الجعل، لما روى أبو سعيد «أن قوما لُدغ رجل منهم
فأتوا أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالوا: هل
فيكم من راقٍ؟ فقالوا: لا، حتى تجعلوا لنا شيئًا، فجعلوا لهم قطعيًا من
الغنم، فجعل رجل منهم يقرأ بفاتحة الكتاب ويرقي ويتفل حتى برأ، فأخذوا
الغنم وسألوا عن ذلك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال:
وما يدريكم أنها رقية؟ خذوا واضربوا لي معكم بسهم»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
صفة الإحياء وهو أن يحوزها بحائط أو يجري لها ماء، لما روى ابن عبد البر في
كتابه عن سعيد وغيره من أصحاب قتادة عن قتادة عن الحسن عن سمرة أن رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من أحاط حائطًا على أرض
فهي له» رواه أبو داود وأحمد في المسند، ومثله عن جابر عن النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولأن الحائط حاجز منيع فكان إحياء أشبه ما لو
جعلها للغنم حظيرة.
مسألة 138: (وإن حفر بئرًا فوصل إلى الماء ملك حريمه، وهو خمسون ذراعًا من
كل جانب إن كانت عادية وحريم البئر البديء خمسة وعشرون ذراعًا) لما روى
الدارقطني بإسناده عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه
قال: «حريم البئر البديء خمسة وعشرون ذراعًا وحريم العادي خمسون ذراعًا» .
[باب الجعالة]
(وهي أن يقول: من رد لقطتي أو ضالتي أو بنى لي هذا الحائط فله كذا، فمن فعل
ذلك استحق الجعل) لقوله سبحانه وتعالى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ
بَعِيرٍ} [يوسف: 72] وروى أبو مسعود «أن ناسًا من أصحاب رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتوا حيًّا من أحياء العرب فلم يقروهم،
فبينما هم كذلك إذ لُدغ سيد أولئك، فقالوا: هل فيكم من راق؟ فقالوا: لم
تقرونا فلا نفعل أو
(1/287)
(139) ولو التقط اللقطة قبل أن يبلغه الجعل
لم يستحقه
باب اللقطة وهي على ثلاثة أضرب: أحدها: ما تقل قيمته فيجوز أخذه والانتفاع
به من غير تعريف لقول جابر: «رخص لنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - في العصا والسوط وأشباهه يلتقطه الرجل ينتفع به» ، الثاني:
الحيوان الذي يمتنع بنفسه من صغار السباع كالإبل والخيل ونحوها فلا يجوز
أخذها، «لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل عن ضالة
الإبل فقال: " ما لك ولها؟ دعها، معها حذاؤها وسقاؤها، ترد الماء وتأكل
الشجر حتى يأتيها ربها»
(140) ومن أخذ هذا لم يملكه ولزمه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
تجعلوا لنا جعلًا، فجعلوا لهم قطيع شياه، فجعل رجل منهم يقرأ بأم القرآن
ويجمع ريقه ويتفل، فبرأ الرجل، فأتوهم بالشاء فقالوا: لا نأخذها حتى نسأل
عنها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، [فسألوا عنها رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] فقال: " وما يدريك أنها رقية،
خذوها واضربوا لي فيها بسهم» متفق عليه، ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك في رد
الضالة ونحوها فجاز كالأجرة.
مسألة 139: (ولو التقط اللقطة قبل أن يبلغه الجعل لم يستحقه) لأنه يجب عليه
ردها إذا وجدها فلا يجوز له الأخذ على الواجب.
[باب اللقطة]
(وهي على ثلاثة أضرب: أحدها: ما تقل قيمته فيجوز أخذه والانتفاع به) كالسوط
والشسع والرغيف فيملك (بلا تعريف، لما روى جابر قال: «رخص لنا رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في العصا والسوط والحبل وأشباهه
يلتقطه الرجل ينتفع به» رواه أبو داود. (الثاني) الحيوان الذي يمتنع بنفسه
من صغار السباع كالإبل والخيل والبقر والبغال، فلا يجوز التقاطها لقوله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لما سئل عن ضالة الإبل في حديث زيد
بن مالك: "ما لك ولها؟ دعها فإن معها حذاءها وسقاءها ترد الماء وتأكل الشجر
حتى يجدها ربها» متفق عليه.
مسألة 140: (ومن أخذ هذا لم يملكه ولزمه ضمانه) لأنه أخذ ملك غيره بغير
إذنه ولا إذن الشارع له، فهو كالغاصب.
(1/288)
ضمانه ولم يبرأ إلا بدفعه إلى نائب الإمام)
(الثالث: ما تكثر قيمته من الأثمان والمتاع والحيوان الذي لا يمتنع من صغار
السباع فيجوز أخذه، ويجب تعريفه حولا في مجامع الناس كالأسواق وأبواب
المساجد، فمتى جاء طالبه فوصفه دفعه إليه بغير بينة)
(141) وإن لم يعرف فهو كسائر ماله، ولا يتصرف فيه حتى يعرف وعاءه ووكاءه
وصفته، فمتى جاء طالبه فوصفه دفع إليه أو مثله إن كان قد هلك
(142) وإن كان حيوانا يحتاج إلى مؤنة أو شيئا يخشى تلفه فله أكله قبل
التعريف أو بيعه ثم يعرفه لما روى زيد بن خالد قال: «سئل رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن لقطة الذهب والورق فقال: " اعرف
وكاءها وعفاصها ثم عرفها سنة، فإن جاء طالبها يوما من الدهر فادفعها إليه "
وسأله عن الشاة فقال: " خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب» (143) وإن
هلكت اللقطة في حول التعريف من غير تعد فلا ضمان فيها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
(الثالث: ما تكثر قيمته كالأثمان والمتاع والحيوان الذي لا يمتنع بنفسه من
صغار السباع فيجوز أخذه ويجب تعريفه حولا في مجامع الناس كالأسواق وأبواب
المساجد، فمتى جاء طالبه فوصفه دفع إليه بغير بينة) لما روى زيد بن خالد
الجهني قال: «سئل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن لقطة
الذهب والورق فقال: اعرف وكاءها وعفاصها ثم عرفها سنة، فإن لم تعرف
فاستنفقها ولتكن وديعة عندك، فإن جاء طالبها يومًا من الدهر فادفعها إليه»
الحديث متفق عليه.
مسألة 141: (وإن لم يعرف فهو كسائر ماله، ولا يتصرف فيه حتى يعرف وعاءه
ووكاءه وصفته، فمتى جاء طالبه فوصفه دفعه إليه أو مثله إن كان قد هلك)
لحديث زيد.
مسألة 142: (وإن كان حيوانًا يحتاج إلى مؤنة أو يخشى تلفه فله أكله قبل
التعريف أو بيعه ثم يعرفه) لأن في حديث زيد: وسأله عن الشاة فقال: «خذها
فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب» .
1 -
مسألة 143: وإن هلكت اللقطة في حول التعريف من غير تعد فلا ضمان فيها لأنها
عنده أمانة فهي كالمودع.
(1/289)
فصل: في اللقيط: هو الطفل المنبوذ (144)
وهو محكوم بحريته وإسلامه
(145) وما وجد عنده من المال فهو له
(146) وولايته لملتقطه إذا كان مسلمًا عدلًا ونفقته في بيت المال إن لم يكن
معه ما ينفق عليه
(147) وما خلفه فهو فيء
(148) ومن ادعى نسبه ألحق به إلا إن كان كافرا ألحق به نسبا لا دينا
(149) ولم يسلم إليه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
[فصل في اللقيط]
(فصل في اللقيط، وهو الطفل المنبوذ وهو محكوم بحريته) لما روى سعيد عن
سفيان عن الزهري أنه سمع شبيبًا أبا جميلة قال: وجدت ملقوطًا فأتيت به عمر
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فقال عريفي: يا أمير المؤمنين إنه رجل صالح،
فقال عمر: أكذلك هو؟ قال: نعم. فقال: اذهب فهو حر ولك ولاؤه وعلينا نفقته،
أو قال: رضاعه. وقال ابن المنذر: أجمع عوام أهل العلم على أن اللقيط حر،
ولأن الأصل في الآدميين الحرية فيكون حرًا. مسألة 144: (ويحكم بإسلامه) في
دار الإسلام إذا كان فيها مسلم لأنه اجتمع الدار وإسلام من فيها.
مسألة 145: (وما يوجد عنده من المال فهو له) وكذلك ما يوجد عليه من الثياب
والحلي أو تحته من فراش أو سرير أو غيره لأنه آدمي حر فأشبه البالغ.
مسألة 146: (وولايته لملتقطه إذا كان مسلمًا عدلًا) لحديث أبي جميلة، يعني
ولاية حفظه والإنفاق عليه (ونفقته في بيت المال إن لم يكن معه ما ينفق
عليه) لذلك.
مسألة 147: (وما خلفه فهو فيء) وذلك أن ميراث اللقيط وديته إن قتل لبيت
المال إن لم يخلف وارثًا معروفًا [كغيره من المسلمين] وأما حديث أبي جميلة
وقول عمر: "ولاؤه لك" فقال ابن المنذر: هو رجل مجهول وما يقوم بحديثه حجة،
يعني أبا جميلة. ويحتمل أن عمر عني لك ولاية حفظه والقيام به، وحديث واثلة
«تحوز المرأة ثلاث مواريث: عتيقها ولقيطها وولدها الذي لاعنت عليه» لا يثبت
أيضًا، فيكون حكمه في الميراث حكم من ثبت نسبه وانقرض أهله يدفع ميراثه إلى
بيت المال.
مسألة 148: (ومن ادعى نسبه ألحق به) مسلمًا كان أو كافرًا؛ لأنه أقر له بحق
لا ضرر فيه على أحد فقبل كما لو أقر له بمال، ويتبع الكافر نسبًا لا دينًا،
لأنه محكوم بإسلامه بالدار فلا يزول ذلك بدعوى كافر.
مسألة 149: (ولم يدفع إليه) يعني إلى الكافر، لأنه لا ولاية لكافر على
مسلم.
(1/290)
باب السبق وتجوز المسابقة بغير جعل في
الأشياء كلها
(150) ولا تجوز بجعل إلا في الخيل والإبل والسهام لقول رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر»
(151) فإن كان الجعل من غير المستبقين جاز، وهو للسابق منهما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
[باب السبق]
(تجوز المسابقة بغير جعل في الأشياء كلها) الدواب والأقدام والسفن
والمزاريق وغيرها، لما روى ابن عمر «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - "سابق بين الخيل من الحفياء إلى ثنية الوداع، وبين التي لم
تضمر من ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق» متفق عليه. وسابق النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عائشة على قدميه، وسابق سلمةُ بن الأكوع
رجلًا من الأنصار بين يدي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-، «ومر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على قوم يربعون حجرًا
أي يرفعونه ليعلم الشديد منهم فلم ينكر عليهم» .
مسألة 150: (ولا تجوز بعوض إلا في الخيل والإبل والسهام لما روى أبو هريرة
أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا سبق إلا في نصل
أو خف أو حافر» رواه أبو داود، فتعين حمله على المسابقة بعوض جمعًا بينه
وبين ما سبق من الأحاديث. والمراد بالحافر الخيل خاصة، وبالخف الإبل،
وبالنصل السهام، لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس
من اللهو ثلاث: تأديب الرجل فرسه، وملاعبة أهله، ورميه بقوسه ونبله» (رواه
أبو داود) ولأن غير الخيل والإبل لا تصلح للكر ولا للفر في القتال، وغير
السهام لا يعتاد الرمي بها فلم تجز المسابقة بها كالبقر.
مسألة 151: (فإن كان الجعل من غير المستبقين جاز، وهو للسابق منهما) لأنه
(1/291)
(152) وإن كان من أحدهما فسبق المخرج أو
جاءا معا أحرز سبقه ولا شيء له سواه
(153) وإن سبق الآخر أخذه
(154) وأن أخرجا جميعا لم يجز إلا أن يدخلا بينهما محللا يكافئ فرسه
فرسيهما، أو بعيره بعيريهما، أو رميه رميهما، لقول رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أدخل فرسا بين فرسين وهو لا يأمن أن
يسبق فليس بقمار، ومن أدخل فرسا بين فرسين وقد أمن أن يسبق فهو قمار»
(155) فإن سبقهما أحرز سبقيهما، وإن سبق أحدهما أحرز سبق نفسه وأخذ سبق
صاحبه
(156) ولا بد من تحديد المسافة وبيان الغاية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
إخراج مال لمصلحة فجاز أن يكون من غيرهما كارتباط الخيل في سبيل الله عز
وجل ويكون للسابق منهما لأنه ليس بقمار.
مسألة 152: (وإن كان العوض من أحدهما فسبق المخرج أو جاءا معًا أحرز سبقه
ولا شيء له سواه) أما إذا جاءا معًا فلا شيء لهما لأنه لم يسبق واحد منهما،
وإن سبق المخرج أحرز سبقه ولم يأخذ من الآخر شيئًا لأنه لو أخذ شيئًا كان
قمارًا.
مسألة 153: (وإن سبق الآخر أحرز سبق صاحبه) لأنه ليس بقمار.
مسألة 154: (وإن أخرجا جميعًا لم يجز) لأنه يكون قمارًا (إلا أن يدخلا
بينهما محللًا) وهو ثالث لم يخرج (يكافئ فرسه فرسيهما أو بعيره بعيريهما أو
رميه رميهما، لما روى أبو هريرة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قال: «من أدخل فرسًا بين فرسين وهو لا يأمن أن يسبق فليس
بقمار، ومن أدخل فرسًا بين فرسين وهو آمن أن يسبق فهو قمار» رواه أبو داود،
فجعله قمارًا إذا أمن أن يسبق لأنه لا يخلو كل واحد منهما أن يغنم أو يغرم،
وإذا لم يأمن أن يسبق لم يكن قمارًا لأن كل واحد لا يخلو من ذلك.
مسألة 155: (فإن سبقهما أحرز سبقيهما) بالاتفاق (وإن سبق أحد المستبقين
وحده أحرز سبق نفسه وأخذ سبق صاحبه) ولم يأخذ من المحلل شيئًا، وإن سبق أحد
المستبقين والمحلل الثالث أحرز السابق مال نفسه ويكون سبق المسبوق بين
السابق والمحلل نصفين.
مسألة 156: (ولا بد من تحديد المسافة والغاية) بما جرت به العادة، لأن
الغرض
(1/292)
(157) وقدر الإصابة وصفتها وعدد الرشق
(159) وإنما تكون المسابقة في الرمي على الإصابة لا على البعد
باب الوديعة وهي أمانة عند المودع لا ضمان عليه فيها إإلا أن يتعدى
وإن لم يحفظها في حرز
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
معرفة أسبقهما وأرماهما، ولا يعلم ذلك إلا بتساويهما في الغاية، ولأن
أحدهما قد يكون مقصرًا في أول عدوه سريعًا في انتهائه، وقد يكون بالضد
فيحتاج إلى غاية تجمع حاليه.
مسألة 157: (ويشترط معرفة عدد الإصابة وصفتها وعدد الرشق) الرشق بكسر الراء
عبارة عن عدد الرمي الذي يتفقان عليه، والرشق بفتح الراء الرمي نفسه مصدر
رشقت رشقًا أي رميت رميًا. اشترط معرفة عدده لأن الحذق في الرمي لا يعلم
إلا بذلك، وعدد الإصابة ينبغي أن يكون معلومًا فيكون الرشق مثلًا عشرين
والإصابة خمسة فيقولان: أيُّنا سبق إلى خمس إصابات من عشرين رمية فهو
السابق، اشترط ذلك ليبين أحذقهما.
1 -
مسألة 158: وأما صفة الإصابة فإن أطلقاها تناولها على أي صفة كانت لأنها
إصابة، فإن قالا: "خواصل" كانت تأكيدًا لأنه اسم لها كيفما كانت، وتسمى
الإصابة أيضًا "القرع" ويقال "قرطس" إذا أصاب، ومن أسماء الإصابة الموارق
وهو ما نفذ الغرض ووقع من الجانب الآخر ويسمى "الصادر" أيضًا، ومن أسمائها
"خواسق" وهو ما خرق الغرض وثبت فيه، و "خوارق" وهو ما خرق الغرض ولم يثبت
فيه، و "خواصر" وهو ما وقع في أحد جانبي الغرض، ومنه الخاصرة لأنها في جانب
الإنسان، فإن عيَّنا شيئًا من ذلك تقيدت المناضلة به لأن المرجع في ذلك إلى
شرطها.
مسألة 159: (وإنما تكون المسابقة في الرمي على الإصابة لا على البعد) لأن
المقصود منها الإصابة، وليس البعد مقصودًا.
[باب الوديعة]
(وهي أمانة عند المودع لا ضمان عليه فيها إلا أن يتعدى) سواء ذهب معها شيء
من مال المودع أو لم يذهب، وعنه إن ذهبت من بين ماله غرمها، لما روي عن عمر
بن الخطاب أنه ضمن أنس بن مالك وديعة ذهبت من بين ماله، ودليل الأولى أن
الله
(1/293)
مثلها
أو مثل الحرز الذي أمر بإحرازها فيه
(162) أو تصرف فيها لنفسه
(163) أو خلطها بما لا تتميز منه
(164) أو أخرجها لينفقها ثم ردها
(165) أو كسر ختم كيسها
(166) أو جحدها ثم أقر بها
(167) أو امتنع من ردها عند طلبها مع إمكانه ضمنها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
سبحانه سماها أمانة، والضمان ينافي الأمانة، ويروى عن عمرو بن شعيب عن أبيه
عن جده أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ليس على
المودع ضمان» (رواه ابن ماجه) ، ويروى ذلك عن جماعة من الصحابة، ولأن
المستودع يحفظها لصاحبها متبرعًا فلو ضمن لامتنع الناس من قبول الودائع
فيضر بهم لحاجتهم إليها، وما روي عن عمر محمول على التفريط من أنس في حفظها
فلا ينافي ما ذكرناه، فأما إن تعدى فيها أو فرط في حفظها فتلفت ضمنها بغير
خلاف نعلمه.
مسألة 160: (ويلزمه حفظها في حرز مثلها، فإن تركها في دون حرز مثلها ضمن)
لأن الإيداع يقتضي الحفظ، فإن أطلق حمل على المتعارف وهو حرز المثل، وهو ما
جرت العادة بحفظ مثلها فيه، والدراهم والدنانير في الصناديق من وراء
الأقفال، والثياب في البيوت والمخازن من وراء السكاكر والأغلاق، والخشب في
الحضائر والغنم في الصبر.
مسألة 161: (فإن أمره صاحبها بإحرازها في حرز فجعلها في دونه ضمن) لأن
صاحبها لم يرضه، وإن أحرزها في مثله أو فوقه لم يضمن؛ لأن من رضي شيئًا رضي
مثله وفوقه، وقيل: يضمن لأنه خالف أمره لغير حاجة [أشبه ما لو نهاه] .
مسألة 162: (وإن تصرف فيها لنفسه) فركب الدابة لغير نفعها أو لبس الثوب
فتلف، (ضمن) لأنه تعدى فيها فبطل استئمانه.
مسألة 163: (وإن خلطها بما لا تتميز منه) فقد فوت على نفسه إمكان ردها
بعينها فوجب أن (يضمنها) كما لو ألقاها في مهلكة.
مسألة 164: (وإن أخرجها لينفقها ثم ردها ضمن) لأنه هتك الحرز بغير عذر.
مسألة 165: (وإن كسر ختم كيسها ضمن) لذلك.
مسألة 166: (وإن جحدها ثم أقر بها ضمنها) لأنه بجحده بطل استئمانه عليها.
مسألة 167: (وإن امتنع من ردها عند طلبها مع إمكانه ضمنها) لأنه تعدى
بالامتناع من ردها فصار كالغاصب.
(1/294)
(168) وإن قال: ما أودعتني، ثم ادعى تلفها
أو ردها لم يقبل منه
(169) وإن قال: ما لك عندي شيء، ثم ادعى ردها أو تلفها قبل
(170) والعارية مضمونة وإن لم يتعد فيها المستعير
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 168: (وإن قال: ما أودعتني، ثم ادعى تلفها أو ردها لم يقبل منه) لأنه
مكذب لإنكاره الأول معترف على نفسه بالكذب المنافي للأمانة.
مسألة 169: (وإن قال: ما لك عندي شيء، ثم ادعى ردها أو تلفها قبل) لأن من
تلفت الوديعة عنده من غير تفريط من حرزه فلا شيء لمالكها عنده.
مسألة 170: (والعارية مضمونة وإن لم يتعد فيها المستعير) لما روي عن النبي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال في خطبته عام حجة الوداع:
«العارية مؤداة والمنحة مردودة والدين مقضي والزعيم غارم» وروى صفوان بن
أمية «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استعار منه يوم حنين
أدراعًا، فقال: أغصبًا يا محمد؟ قال: بل عارية مضمونة» رواه أبو داود.
(1/295)
|