العدة شرح العمدة

كتاب الديات
(1) دية الحر المسلم ألف مثقال من الذهب أو اثنا عشر ألف درهم، أو مائة من الإبل
(2) فإن كانت دية عمد فهي ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة وهن الحوامل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
[كتاب الديات]
والأصل في وجوبها الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب: فقوله سبحانه: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا} [النساء: 92] الآية.
وأما السنة: فما روى أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتب لعمرو بن حزم كتابا إلى أهل اليمن فيه الفرائض والسنن والديات وقال فيه: «إن في النفس الدية مائة من الإبل» رواه النسائي ومالك في الموطأ.

مسألة 1: (دية الحر المسلم ألف مثقال، أو اثنا عشر ألف درهم، أو مائة من الإبل) ؛ لما روى ابن عباس: «أن رجلا من بني عدي قتل، فجعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ديته اثني عشر ألفا» رواه أبو داود وابن ماجه، وفي كتاب عمرو بن حزم أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتب إلى أهل اليمن: " «وإن في النفس المؤمنة مائة من الإبل، وعلى أهل الذهب ألف دينار» رواه النسائي.

مسألة 2: (فإن كانت دية عمد فهي ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة وهي الحوامل) لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من قتل متعمدا دفع إلى أولياء المقتول فإن شاءوا قتلوا وإن شاءوا أخذوا الدية وهي ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة، وما صولحوا عليه فهو لهم» ، وذلك لتشديد القتل، رواه

(1/551)


(3) وتكون حالة في مال القاتل
(4) وإن كان شبه عمد فكذلك في أسنانها
(5) وهي على
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
الترمذي وقال: حديث غريب. وعنه أنها أرباع رواها الجماعة عنه، واختارها الخرقي، لما روى الزهري عن السائب بن يزيد قال: «كانت الدية على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أرباعا: خمسا وعشرين جذعة وخمسا وعشرين حقة وخمسا وعشرين بنت لبون وخمسا وعشرين بنت مخاض» ؛ ولأنه قول ابن مسعود، والخلفة الحوامل؛ لأن في حديث عبد الله بن عمر أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " «ألا إن في قتيل عمد الخطأ قتيل السوط والعصا مائة من الإبل، منها أربعون خلفة في بطونها أولادها» (رواه أبو داود) ، والخلفة هي الحوامل، وقوله: «في بطونها أولادها» تأكيد.

مسألة 3: (وتكون حالة في مال القاتل) أجمع أهل العلم على أن دية العمد تجب في مال القاتل لا تحملها العاقلة، قال ابن المنذر: وهذه قضية الأصل أن بدل المتلف يجب على المتلف، وأرش الجناية يختص بالجاني، وإنما خولف هذا الأصل في الخطأ وشبه العمد تخفيفا عن الجاني، والعامد لا يليق بحاله التخفيف فيبقى على الأصل، ولهذا قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يجني جان إلا على نفسه» ، إذا ثبت هذا فإنها تجب حالة؛ لأن ما وجب بالعمد المحض كان حالا كالقصاص وأرش الجناية في أطراف العبد.

مسألة 4: (وإن كان شبه عمد فكذلك في أسنانها) ؛ لما روى عبد الله بن عمر أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ألا إن في قتيل عمد الخطأ قتيل السوط والعصا مائة من الإبل فيها أربعون خلفة في بطونها أولادها» رواه الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما، وعنه أنها تجب أرباعا، ودليلها حديث السائب بن يزيد، وقد سبق.

مسألة 5: (وهي على العاقلة) في ظاهر المذهب، واختار أبو بكر بن عبد العزيز

(1/552)


العاقلة
في ثلاث سنين
(7) في رأس كل سنة ثلثها
(8) وإن كانت دية خطأ فهي على العاقلة كذلك إلا أنها عشرون بنت مخاض، وعشرون ابن مخاض، وعشرون بنت لبون، وعشرون حقة، وعشرون جذعة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
أنها على القاتل في ماله؛ لأنها موجب فعل قصده فلم تحمله العاقلة كالعمد المحض، ولأنها دية مغلظة أشبهت دية العمد، ولنا ما روى أبو هريرة قال: «اقتتلت امرأتان من هذيل، فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها فقضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بدية المرأة على عاقلتها» متفق عليه؛ ولأنه نوع قتل لا يوجب قصاصا فوجبت ديته على العاقلة كالخطأ، ويخالف العمد المحض؛ لأنه مغلظ من كل وجه لقصده الفعل، وأراد به القتل، وعمد الخطأ مغلظ من وجه وهو قصده الفعل، ومخفف من وجه وهو كونه لم يرد القتل، فاقتضى تغليظا من وجه وهو الأسنان، وتخفيفا من وجه وهو حمل العاقلة لها وتأجيلها.

مسألة 6: وهي تجب في ثلاث سنين) على العاقلة لا نعلم في هذا بين أهل العلم خلافا، وروي ذلك عن عمر وعلي وابن عباس لم يعرف لهم مخالف في عصرهم فكان إجماعا، وحكي عن قوم من الخوارج أنهم قالوا: إن الدية حالة لأنها بدل متلف، وليس بشيء؛ لأن الدية تخالف سائر المتلفات؛ لأنها تجب على غير المتلف ولا تختلف باختلاف صفات المتلف.

مسألة 7: (وتجب في رأس كل حول ثلثها) وابتداء المدة من حين وجوب الدية؛ لأن هذا مال يحصل بانقضاء أجل فكان ابتداؤه من وجوبه كسائر الديون، فإن كان الواجب دية نفس فابتداء مدتها من حين الموت سواء كان قتلا موجبا أو عن سراية جرح، وإن كان الواجب دية يد أو جرح فابتداء المدة من حين الاندمال؛ لأن الأرش لا يستقر إلا بالاندمال.

مسألة 8: (وإن كان القتل خطأ فهي على العاقلة كذلك) يعني في ثلاث سنين؛ لما سبق (إلا أنها عشرون بنت مخاض، وعشرون ابن مخاض، وعشرون بنات لبون، وعشرون حقة، وعشرون جذعة) ، لا يختلف المذهب في أن دية الخطأ أخماسا كما ذكر، وقيل هي أخماس " إلا " أن مكان بني مخاض بني لبون، قال الخطابي: روي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ودى الذي قتل بخيبر بمائة من إبل الصدقة» ، وليس في أسنان الصدقة ابن مخاض، وفيها

(1/553)


(9) ودية الحرة المسلمة نصف دية الرجل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
اختلاف كثير، ولنا ما روى عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «في دية الخطأ عشرون حقة وعشرون جذعة وعشرون بنت مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون ابن مخاض» رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه، ولأن ابن لبون يجب على طريق البدل عن ابنة مخاض في الزكاة إذا لم يجدها فلا يجمع بين البدل والمبدل في واجب، ولأنهما موجبهما واحد فيصير كأنه أوجب أربعين ابنة مخاض، ولأن ما قلناه الأقل فالزيادة عليه لا تثبت إلا بتوقيف يجب الدليل على من ادعاه، فأما دية قتيل خيبر فلا حجة فيه؛ لأنهم لم يدعوا على أهل خيبر قتل صاحبهم إلا عمدا فتكون ديته دية العمد، وهي من أسنان الصدقة إن قلنا تجب أرباعا.
أما وجوبها على العاقلة، فقال ابن المنذر: أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم ولا نعلم خلافا بين أهل العلم في ذلك، وقد ثبتت الأخبار عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قضى بدية الخطأ على العاقلة وأجمع عليه أهل العلم، وقد جعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دية عمد الخطأ على العاقلة بما قد روينا من الحديث فيما سبق، وفيه تنبيه على أن العاقلة تحمل دية الخطأ، والمعنى في ذلك أن جنايات الخطأ تكثر ودية الآدمي كثيرة فإيجابها على الجاني يجحف بماله، فاقتضت الحكمة إيجابها على العاقلة على سبيل المواساة للقاتل والإعانة له تخفيفا عنهما إذ كان معذورا في فعله، ولا خلاف بينهم في أنها مؤجلة في ثلاث سنين فإن عمر وعليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - جعلا دية الخطأ على العاقلة في ثلاث سنين ولا يعرف لهما مخالف في الصحابة، واتبعهم على ذلك أهل العلم، ولأنه مال يجب على سبيل المواساة فلم يجب حالا كالزكاة.

مسألة 9: (ودية الحرة المسلمة نصف دية الرجل) قال ابن المنذر وابن عبد البر: أجمع أهل العلم على أن دية المرأة على نصف دية الرجل، وحكي عن ابن علية والأصم أنهما قالا: ديتها دية الرجل؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «في النفس المؤمنة مائة من الإبل» ، وهو قول شاذ يخالف إجماع الصحابة وسنة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإن في كتاب عمرو بن حزم " ودية المرأة على النصف من دية الرجل " وهو أخص مما ذكروه، وهما في كتاب واحد فيكون ما ذكرناه مفسرا لما ذكروه ومخصصا.

(1/554)


(10) وتساوي جراحها إلى ثلث الدية، فإذا زادت صارت على النصف
(11) ودية الكتابي نصف دية المسلم
(12) ونساؤهم على النصف من ذلك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 10: (وتساوي جراحها جراحة إلى ثلث الدية، فإذا زادت صارت على النصف) روي هذا عن عمر وابن عمر وزيد بن ثابت، لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى يبلغ الثلث من ديتها» أخرجه النسائي، وقال ربيعة: قلت لسعيد بن المسيب: كم في إصبع المرأة؟ قال: عشر، قلت: ففي إصبعين؟ قال: عشرون، قلت: ففي ثلاث أصابع؟ قال: ثلاثون، قلت: ففي أربع أصابع؟ قال: عشرون، قلت: لما عظمت مصيبتها قل عقلها، قال: هكذا السنة يا ابن أخي. وهذا يقتضي سنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، رواه سعيد بن منصور.

مسألة 11: (ودية الكتابي نصف دية المسلم) ، وروي عنه أنها ثلث الدية لكنه رجع عنها، وروى عنه ابنه صالح قال: كنت أذهب إلى أن دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف، فأنا اليوم أذهب إلى نصف دية المسلم، لحديث عمرو بن شعيب وحديث عثمان الذي يرويه الزهري عن سالم عن أبيه.
وهذا صريح في الرجوع إلى أن ديته نصف دية المسلم، وذلك لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «دية المعاهد نصف دية المسلم» ، وفي لفظ " «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى أن عقل أهل الكتاب نصف عقل المسلمين» رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه، ولفظه قال: «دية المعاهد نصف دية الحر» ، قال الخطابي: ليس في دية أهل الكتاب شيء أبين من هذا، ولا بأس بإسناده، وقد قال به الإمام أحمد، وقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أولى.

مسألة 12: (ونساؤهم على النصف من ذلك) يعني على النصف من دياتهم لا نعلم في هذا خلافا، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن دية المرأة نصف دية الرجل،

(1/555)


(13) ودية المجوسي ثمانمائة درهم
(14) ونساؤهم على النصف
(15) ودية العبد والأمة قيمتهما بالغة ما بلغت
(16) ومن بعضه حر ففيه بالحساب من دية حر وقيمة عبد
(17) ودية الجنين إذا سقط ميتا غرة عبد أو أمة قيمتها خمس من الإبل موروثة عنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
ولأنه لما كان دية نساء المسلمين على النصف من ديات رجالهم كذلك نساء أهل الذمة على النصف من دياتهم.

مسألة 13: (ودية المجوسي ثمانمائة درهم) وهو قول أكثر أهل العلم، وهو قول عمر وعثمان وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وقال عمر بن عبد العزيز: ديته كدية الكتابي نصف دية مسلم؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «سنوا بهم سنة أهل الكتاب» ، ولأنهم يقرون بالجزية فأشبهوا أهل الكتاب، وقال أصحاب الرأي: ديته كدية المسلم؛ لأنه محقون الدم فأشبه المسلم، ولنا قول عمر وعثمان وابن مسعود: دية المجوسي ثمانمائة درهم، ولا مخالف لهم، وأما قولهم «سنوا بهم سنة أهل الكتاب» فالمراد به في أخذ جزيتهم وحقن دمائهم، بدليل أن ذبائحهم لا تباح، ولا تنكح نساؤهم، ولا يجوز اعتباره بالمسلم ولا الكتابي لنقص أحكامه عنهما، وذلك مما يوجب نقصان ديته كما نقصت دية المرأة عن دية الرجل.

مسألة 14: ونساؤهم على النصف) من دياتهم بالإجماع، وجراح كل أحد معتبرة من ديته، وجراح كل امرأة منهم تساوي جراح رجالهم إلى الثلث.

مسألة 15: (ودية العبد والأمة قيمتهما بالغة ما بلغت) فإذا قتلهما قاتل وجبت قيمتهما؛ لأنهما أموال لسيدهما، والمال يضمن بقيمته مهما بلغت ويصير كما لو أتلف عليه حيوان أو متاع فإنه تجب قيمة ذلك، وكذلك في العبد والأمة.

مسألة 16: (ومن بعضه حر ففيه بالحساب من دية حر وقيمة عبد) فإذا كان نصفه حرا ونصفه قنا كان فيه نصف دية حر ونصف قيمة عبد؛ لأنه لو كان جميعه حرا لوجب دية حر فيجب في نصفه نصف ديته، ولو كان كله عبدا لوجب فيه كمال قيمته، فيجب في نصفه نصف قيمته.

مسألة 17: (ودية الجنين الحر إذا سقط) من الضربة (ميتا غرة عبد أو أمة قيمتها

(1/556)


18 - ولو شربت الحامل دواء فأسقطت به جنينها فعليها غرة لا ترث منها شيئا
(19) وإن كان الجنين كتابيا ففيه عشر دية أمه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
خمس من الإبل موروثة عنه) فيجب في جنين الحرة المسلمة غرة وهو قول أكثرهم، روي ذلك عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " أنه استشار الناس في إملاص المرأة، فقال المغيرة بن شعبة: «شهدت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى فيه بغرة عبد أو أمة، قال: لتأتين بمن يشهد معك، فشهد له محمد بن مسلمة» ، وعن أبي هريرة قال: «اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها، فاختصموا إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن دية جنينها غرة عبد أو أمة، وقضى بدية المرأة على عاقلتها، وورثها ولدها» (متفق عليه) ، واشترط كون الجنين حرا؛ لأن الخبر ورد فيه، وإن كان مملوكا ففيه عشر قيمة أمه كما قلنا في جنين الحرة يجب فيه عشر دية أمه، وإنما تجب الغرة إذا سقط من الضربة، ويعلم ذلك بأن يسقط عقيبها أو يبقى بها سالما إلى أن يسقط؛ لأنه إذا سقط من الضربة كان قاتلا له فوجبت ديته كما لو ضربه بعد الولادة فقتله، ويجب أن تكون الغرة قيمتها نصف عشر الدية وهي خمس من الإبل، وإذا لم يجد الغرة انتقل إلى خمس من الإبل على ظاهر كلام الخرقي، وعلى قول غيره من أصحابنا ينتقل إلى خمسين دينارا أو ستمائة درهم، إذا ثبت هذا فإن الغرة موروثة عن الجنين كأنه سقط حيا؛ لأنها دية له وبدل عنه فيرثها ورثته كما لو قتل بعد الولادة وكدية الكبير.

مسألة 18: (ولو شربت الحامل دواء فأسقطت به جنينها فعليها غرة لا ترث منها شيئا) أجمعوا على ذلك ولأنها إذا أسقطت بالدواء جنينا فهي القاتلة للجنين الجانية عليه، فلزمها ضمانه بالغرة كما لو جنى عليه غيرها، ولا ترث من الغرة شيئا؛ لأن القاتل لا يرث وتكون الغرة لبقية الورثة من كانوا، وعليها عتق رقبة، وكذلك كل من ضرب عليه عتق رقبة في ماله؛ لأن الله سبحانه قال: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] ، وقد ثبت للجنين الإيمان تبعا لأبويه، ولأنها نفس مضمونة بالدية فوجب فيها الكفارة كالكبير.

مسألة 19: (وإن كان الجنين كتابيا ففيه عشر دية أمه) ؛ لأن الجنين المسلم فيه عشر دية أمه فكذلك الجنين الكتابي فيه عشر دية أمه.

(1/557)


(20) وإن كان عبدا ففيه عشر قيمة أمه
(21) وإن سقط الجنين حيا ثم مات من الضربة ففيه دية كاملة إذا كان سقوطه لوقت يعيش في مثله
باب العاقلة وما تحمله
وهي عصبة القاتل كلهم قريبهم وبعيدهم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 20: (وإن كان عبدا ففيه عشر قيمة أمه) ، وقال أبو حنيفة: يعتبر الجنين بنفسه إن كان ذكرا ففيه نصف عشر قيمته، وإن كان أنثى ففيه عشر قيمتها؛ لأنه متلفة فكان بدله معتبرا بنفسه كسائر المتلفات، ولنا أنه جنين مات بالجناية في بطن أمه فلم يختلف بالذكورة ولا بالأنوثة كجنين الحرة، ويفارق سائر المتلفات فإنه لا يضمن بجميع قيمته، ولأنه يتعذر تقويمه وتمييز الذكر من الأنثى.

مسألة 21: (وإن سقط الجنين حيا ثم مات من الضربة ففيه دية كاملة) قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن في الجنين يسقط حيا من الضرب الدية كاملة؛ ولأنه مات من جناية بعد ولادته فكانت فيه دية كاملة كما لو قتله بعد وضعه، وإنما تجب ديته إذا سقط حيا وتعلم حياته بالاستهلال أو التنفس أو شرب اللبن أو العطاس، وإنما يجب ضمانه إذا سقط من الضربة ومات ويعلم بها، ذلك بأن يموت في الحال أو يبقى متألما إلى أن يموت، فيعلم أنه مات من الجناية، كما إذا ضرب رجلا فمات عقيب ضربه أو بقي متألما حتى مات، إذا ثبت هذا فإن الدية كاملة إنما تجب فيه (إذا كان سقوطه لوقت يعيش في مثله) ، وهو أن يكون لستة أشهر فصاعدا، فإن كان دون ذلك ففيه غرة كما لو سقط ميتا، وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: فيه دية كاملة؛ لأننا علمنا حياته، وقد تلف من جنايته، ولنا أنه لم يعلم فيه حياة يتصور بقاؤه بها فلم تجب فيه دية كما لو ألقته ميتا وكالمذبوح، وقولهم إننا علمنا بحياته إذا سقط ميتا وله ستة أشهر فقد علمنا حياته.

[باب العاقلة وما تحمله]
والعاقلة عصبة القاتل كلهم قريبهم وبعيدهم من النسب والموالي) لا خلاف بين أهل العلم أن العاقلة هم العصبات، وأن غيرهم من الإخوة للأم وسائر ذوي الأرحام والزوج ليس من العاقلة، واختلفت الرواية في الأبناء والآباء هل هم من العاقلة؟ ففيه روايتان عن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إحداهما: أن كل العصبات من العاقلة يدخل فيه آباء الرجل

(1/558)


(22) من النسب والموالي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
وأبناؤه وإخوته وعمومته وأبناؤهم، وهو اختيار أبي بكر والشريف أبي جعفر، لما روى أبو داود بإسناده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: «قضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن عقل المرأة بين عصبتها من كانوا لا يرثون منها شيئا إلا ما فضل عن ورثتها، وإن قتلت فعقلها بين ورثتها» ؛ ولأنهم عصبة أشبهوا الإخوة، يحققه أن العقل موضوع على التناصر، وهم من أهله.
والرواية الثانية: ليس هم من العاقلة، لما روى أبو هريرة قال: «اقتتلت امرأتان من هذيل، فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها، فاختصموا إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بدية المرأة على عاقلتها وورثها ولدها ومن معهم» متفق عليه، وفي رواية: «ثم ماتت القاتلة فجعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ميراثها لبنتها والعقل على العصبة» رواه أبو داود والترمذي، وفي رواية عن جابر بن عبد الله قال: «فجعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دية المقتولة على عاقلتها وعصبتها وبرأ زوجها وولدها، قال: فقال: عاقلة المقتولة ميراثها لنا، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ميراثها لزوجها وولدها» رواه أبو داود.
إذا ثبت هذا في الأولاد قسنا عليه الوالد؛ لأنه في معناه، ولأن مال والده وولده كماله، ولهذا لم تقبل شهادتهما له فلا تجب فيه دية كما لا تجب في ماله، وظاهر كلام الخرقي أن الإخوة كالوالد في أن فيه روايتين، وغيره من أصحابنا يخصون الروايتين بالولد والوالد، ويجعلون الإخوة من العصبة بكل حال، وهو الصحيح.
مسألة 22: وسائر العصبة من العاقلة - بعدوا أو قربوا - (من النسب والموالي) ؛ لأنهم عصبة فيدخلون في تحمل العقل كالقريب، ولا يعتبر أن يكونوا وارثين في الحال، بل متى كانوا بحال يرثون لولا الحجب عقلوا؛ «لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى بالدية بين عصبة المرأة من كانوا» ، والمولى من عصبته يعقل عنه، إلا أنه لا يعقل إلا ما يفضل عن المناسبين، فيقسم أولا على الإخوة ثم بنيهم ثم الأعمام ثم بنيهم، فإن فضل بعد جميع المناسبين فضلة من الدية قسم على المولى وعصبته، فإن لم يكن له عصبات أو كانوا وفضل عنهم شيء من الدية قسم على مولى المولى ثم على عصبة مولى المولى ثم على هذا الترتيب بحسب ما ذكرنا في الميراث، فإن فضل عن جميعهم شيء كان في بيت المال.

(1/559)


(23) إلا الصبي والمجنون والفقير ومن يخالف دينه دين القاتل
(24) ويرجع في تقدير ما يحمله كل واحد منهم إلى اجتهاد الإمام، فيفرض عليه قدرا يسهل ولا يشق
(25) وما فضل فعلى القاتل، وكذلك الدية في حق من لا عاقلة له
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 23: (إلا الصبي والمجنون والفقير ومن يخالف دينه دين القاتل) وذلك؛ لأن تحمل العقل على سبيل المواساة فلا يلزم الفقير كالزكاة، ولأن حمل الدية وجب على سبيل النصرة، والصبي والمجنون ليسا من أهلها فلا يلزمهم العقل، وكذلك المرأة، وقال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن المرأة والصبي الذي لم يبلغ لا يعقلان مع العاقلة، وأجمعوا على أن الفقير لا يلزمه شيء لما سبق، ومن يخالف دينه فليس من أهل نصرته وموالاته فلا يعقل عنه كالصبي.

مسألة 24: (ويرجع في تقدير ما يحمله كل واحد منهم إلى اجتهاد الإمام، فيفرض عليه قدرا يسهل عليه ولا يشق) ؛ لأنه لم يرد فيه تقدير من الشرع فيرجع فيه إلى اجتهاد الحاكم؛ لأنه يحتاج إلى نظر واجتهاد فأشبه النفقات وتقدير المتعة للمتزوجة بغير صداق إذا طلقها قبل الدخول.

مسألة 25: (وما فضل عن العاقلة فهو على القاتل، وكذلك الدية في حق من لا عاقلة له) حكم من لم يكن له عاقلة تحمل الجميع كحكم من لا عاقلة له، وقد ذكر الخرقي فيمن لا عاقلة له روايتين: إحداهما: يؤدى عنه من بيت المال؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ودى الأنصاري المقتول في خيبر من إبل الصدقة، ولأن بيت المال للمسلمين وهم يرثون كما ترثه عصباته، والرواية الأخرى: لا يجب ذلك؛ لأن بيت المال فيه حق النساء والصبيان والمعتوهين والفقراء ولا عقل عليهم، ولأن العقل بالتعصيب لا بالميراث ولم يثبت أن مال بيت المال لعصبات هذا، فأما تحمل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دية الأنصاري فلا يلزم؛ لأنه قتيل أهل الذمة وبيت المال لا يعقل عنهم، فإن قلنا بالرواية الأولى فلم يكن له عاقلة أصلا أخذ من بيت المال، وإن كان له من عاقلته من يحمل بعض الدية فرض عليهم على قدر الواجب عليهم والباقي من بيت المال، فإذا لم يمكن الأخذ من بيت المال فقال الشافعي: ليس على القاتل شيء في أحد قوليه، وفي الآخر تكون الدية على القاتل؛ لأن الدية تجب عليه ابتداء ثم تحملها العاقلة عنه، فإذا لم يكن متحمل بقيت عليه، ولعموم

(1/560)


(26) ولا تحمل العاقلة عمدا، ولا عبدا، ولا صلحا، ولا اعترافا، ولا ما دون الثلث
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
قَوْله تَعَالَى: {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] ؛ ولأنه يتعذر حمل الدية عن القاتل فلزمته كما لو ثبت القتل باعترافه، قال شيخنا: ويتخرج في المذهب مثل ذلك، ولأن أصحابنا قالوا في المرتد إذا قتل رجلا خطأ فالدية في ماله مؤجلة؛ لأنه لا عاقلة له، فينبغي أن يثبت هذا الحكم في كل من لا عاقلة له لوجود العلة فيه، وقالوا في نصراني رمى بسهم ثم أسلم ثم قتل السهم رجلا: الدية في ماله؛ لأنه تعذر حمل العاقلة فكذا هذا.

مسألة 26: (ولا تحمل العاقلة عمدا، ولا عبدا، ولا صلحا، ولا اعترافا، ولا ما دون الثلث) ؛ لما روى ابن عباس عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «لا تحمل العاقلة عمدا ولا عبدا ولا صلحا ولا اعترافا» وروي عن ابن عباس موقوفا عليه.
وفي هذه المسألة خمس مسائل: الأولى: أنها لا تحمل العمد، وقد أجمع العلماء على أن العاقلة لا تحمل العمد الموجب للقصاص في نفس ولا طرف، وعن مالك أن الجنايات التي لا قصاص فيها تحملها العاقلة كالجائفة والمأمومة؛ لأنها جناية لا قصاص فيها فأشبهت الخطأ، ولنا حديث ابن عباس؛ ولأنها جناية عمد فلا تحملها العاقلة كقتل الأب ابنه والموضحة، وأما سقوط القصاص في الجائفة والمأمومة بخلاف الخطأ فإن انتفاء القصاص فيه لكونه معذورا فيه، فيقتضي أن تواسيه العاقلة فيه.
والمسألة الثانية: أنها لا تحمل العبد، فإذا قتله قاتل وجبت قيمته في مال القاتل، ولا شيء على عاقلته خطأ كان أو عمدا، وقال أبو حنيفة: تحمله العاقلة؛ لأنه آدمي يجب لقتله القصاص والكفارة فحملت العاقلة بدله كالحر، ولنا حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، ولأن الواجب في العبد القيمة، وهي تختلف باختلاف صفاته فلا تحملها العاقلة كسائر القيمة وكضمان أطرافه وبهذا فارق الحر.
والمسألة الثالثة: أنها لا تحمل الصلح، قال القاضي: معناه إن صالح الأولياء عن دم العمد إلى الدية فلا تحمله العاقلة لكونه حصل عن جناية العمد، ويحتمل أنه إذا ادعى عليه قتل عمد فينكر ثم يصالح الأولياء على الإنكار على مال فلا تحمله العاقلة؛ لأنه مال ثبت بمصالحته واختياره فجرى مجرى اعترافه، وقد سبق فيه حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -.

(1/561)


(27) ويتعاقل أهل الذمة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
والمسألة الرابعة: أن العاقلة لا تحمل الاعتراف، وهو أن يعترف إنسان بقتل خطأ أو شبه عمد فلا تحمله العاقلة، ولا نعلم فيه مخالفا، وهو قول ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، ولأنا لو أوجبنا الدية عليهم لأوجبنا عليهم حقا بإقرار غيرهم ولا يقبل إقرار شخص على غيره، ولأنه متهم في أن يواطئ على ذلك ليأخذ الدية من عاقلته. إذا تقرر هذا فإنه إذا اعترف وجبت الدية عليه حالة ولا يصح إقراره ولا يلزمه شيء، لكونه إقرارا على غيره، ولنا قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا} [النساء: 92] ؛ ولأنه مقر بجناية على غيره لا يصح إقراره كجناية العمد، ولأنه محل مضمون بالدية لو ثبت بالبينة فيضمن إذا اعترف كسائر المحال، وإنما سقطت عنه الدية في محل الوفاق لتحمل العاقلة له، فإذا لم تتحملها العاقلة بقي وجوبها عليه كسائر الديون.
المسألة الخامسة: أن العاقلة لا تحمل ما دون الثلث، والصحيح عن الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن العاقلة تحمل القليل والكثير؛ لأن من وجب عليه الكثير لزمه القليل كالجاني، وقال أبو حنيفة: تحمل العاقلة السن والموضحة وما فوقها وهو نصف عشر الدية؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل الغرة التي في الجنين على العاقلة وقيمتها نصف عشر الدية، ولا تحمل ما دونه؛ لأنه ليس فيه أرش مقدر يجري مجرى ضمان الأموال، ولنا ما روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قضى في الدية أن لا تحمل منها العاقلة شيئا حتى تبلغ الدية عقل المأمومة، ولأن الأصل وجوب الضمان على الجاني على مقتضى قاعدة سائر الجنايات، لكن خولف الأصل في ما زاد على الثلث لكونه كثيرا يجحف بالجاني، ففيما عداه يبقى على قضية القياس لقتله وعدم إجحافه به، والدليل على كثرة الثلث وقلة ما دونه قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الثلث كثير» (رواه البخاري) ، وبهذا يفارق الثلث ما دونه، وأما الغرة فلا نسلمها إلا أن يقتل الجنين مع الأم فتحملها العاقلة؛ لأن موجب الجناية يزيد على الثلث، وإن سلمنا فإنما تحملها العاقلة؛ لأنها دية آدمي على سبيل الكلام.

مسألة 27: (ويتعاقل أهل الذمة) فإذا كان القاتل ذميا فعقله على عصبته من أهل دينه المعاهدين، وعنه لا يتعاقلون، ولنا أنهم عصبة يرثونه فيعقلون عنه كعصبة المسلم من

(1/562)


(28) ولا عاقلة لمرتد
(29) ولا لمن أسلم بعد جنايته
(30) أو انجر ولاؤه بعدها
(31) وجناية العبد في رقبته، إلا أن يفديه السيد بأقل الأمرين من أرشها أو قيمته
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
المسلمين، ولا يعقل عنه مناسبوه من المسلمين لأنهم لا يرثونه، ولا عصبته الذين بدار الحرب لأن الموالاة والنصرة منهم منقطعة، وهل يعقل اليهودي عن النصراني أو النصراني عن اليهودي؟ على وجهين، بناء على الروايتين في توارثهما، فإن لم يكن للذمي عصبة لم يعقل عنه بيت المال؛ لأن المسلمين لا يرثونه، وإنما ينقل ماله إلى بيت المال إذا لم يكن له وارث فيأخذه بخلاف مال المسلمين.

مسألة 28: (ولا عاقلة لمرتد) ؛ لأن عصبته من المسلمين لا يرثونه فلا يعقلون عنه، ولا يقر على الكفر فيعقل عنه الكفار، ولو رماه وهو مسلم ثم ارتد ثم أصابه السهم لم يعقل عنه المسلمون؛ لأنه قتل وهو مرتد، ولا عصبته الكفار؛ لأنه رمى وهو مسلم، ولأنهم لا يرثونه فتكون الدية في ماله.

مسألة 29: (ولا عاقلة لمن أسلم بعد جنايته) فلو قتل وهو كافر ثم أسلم لم تعقل عنه عصبته الكفار؛ لأنه مسلم، والكفار لا يرثونه فلا يعقلون عنه، ولا يعقل عنه المسلمون؛ لأنه جنى وهو كافر، ولو رمى يهودي طائرا بسهم ثم أسلم ووقع السهم في مسلم فقتله لم تعقل عنه عصبته المسلمون؛ لأن إرسال السهم كان قبل إسلامه، ولا عصبته الذميون؛ لأنه قتله وهو مسلم فيكون في مال الجاني.

مسألة 30: (ولا عاقلة لمن انجر ولاؤه بعدها) يعني بعد جنايته، وصورة ذلك إذا تزوج عبد معتقة قوم فأولدها فولاء الوالد لمولاه، فإن جنى الولد فعقله على مولى أمه، فإن أعتق أبوه انتقل الولاء إلى موالي الأب وانقطع عن موالي الأم لأن الولاء انجر عنهم فلا يعقلونه لأنهم لا يرثونه، ولا يعقل عنه موالي الأب؛ لأنه جنى وهو مولى غيرهم، ولو جرح ابن المعتقة رجلا ثم انجر ولاؤه إلى موالي أبيه ثم سرت الجناية فالحكم كذلك؛ لأن موالي الأم لا يعقلون لانقطاع الولاء عنهم، وموالي الأب لا يعقلون؛ لأن سبب السراية كان قبل حصول الولاء لهم.

مسألة 31: (وجناية العبد في رقبته، إلا أن يفديه السيد بأقل الأمرين من أرشها أو

(1/563)


(32) ودية الجناية عليه ما نقص من قيمته في مال الجاني
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
قيمته) هذا في الجناية التي تودي بالمال إما لكونها موجبة للقصاص فعفي عنه إلى المال، وإما لكونها لا توجب إلا المال كسائر جناياته، فإن أرش جميع ذلك يتعلق برقبته؛ لأنه لا يخلو إما أن يتعلق برقبته أو بذمته أو بذمة سيده أو لا يجب شيء، ولا يمكن إلغاؤها؛ لأنها جناية آدمي فيجب اعتبارها كجناية الحر، ولا يمكن تعلقها بذمته لإفضاء ذلك إلى فوات حق المجني عليه أو تأخيره، ولا بذمة السيد؛ لأنه لم يجن والجاني هو العبد وله يد وقصد، فثبت أنها تتعلق برقبته؛ ولأن الضمان موجب جنايته فيتعلق برقبته كالقصاص، ثم لا يخلو أرش الجناية من أن يكون بقدر قيمة العبد فما دون أو أكثر، فإن كان بقدرها فما دون فالسيد مخير بين أن يفديه بأرش جنايته أو يسلمه إلى ولي الجناية فيملكه؛ لأنه إن دفع أرش الجناية فهو الذي وجب للمجني عليه فلم يملك المطالبة بأكثر منه، وإن سلم العبد فقد أدى المحل الذي تعلق الحق به؛ ولأن حق المجني عليه لا يتعلق بأكثر من الرقبة وقد أداها، فإن طالب بتسليمه إليه وأبى ذلك سيده لم يجبر عليه لما ذكرنا، وإن دفع السيد عبده فأبى قبوله وقال: بعه وادفع إلي ثمنه فهل يلزم السيد ذلك؟ على روايتين:
إحداهما: لا يلزمه بيعه؛ لأن الحق لم يثبت في ذمته ولم يتعلق بغير الجاني فلم يلزمه أكثر من تسليمه كما لو أصدق المرأة عبدا بعينه.
والثانية: يلزم السيد الأقل من قيمته أو أرش جنايته ولا يلزم الجاني أخذ العبد؛ لأن الدين تعلق به على وجه لم يملكه ولا يجب مثله فأشبه الرهن.
وأما إن كانت الجناية أكثر من قيمته ففيه روايتان: إحداهما: أن سيده مخير بين أن يفديه بأقل الأمرين من قيمته أو أرش جنايته، وبين أن يسلمه لما ذكرنا في القسم الذي قبله.
والثانية: أنه مخير بين تسليمه وبين فدائه بأرش جنايته بالغة ما بلغت؛ لأنه إذا عرض للبيع ربما رغب فيه راغب بأكثر من قيمته، فإذا أمسكه فقد فوت تلك الزيادة على المجني عليه، ووجه الأولى أن الشارع قد جعل للسيد فداءه فكان الواجب عليه قيمته كسائر المتلفات.

مسألة 32: (ودية الجناية عليه - يعني على العبد - ما نقص من قيمته) ؛ لأن ضمانه ضمان الأموال فيجب فيه ما نقص كالبهائم، ولأن ما ضمن بالقيمة بالغا ما بلغ ضمن بعضه بما نقص كسائر الأموال، وعنه إن كانت الجناية عليه في شيء مثله مؤقت في الحر كاليد والعين فهو في العبد مقدر من قيمته؛ لأن ديته قيمته، ففي يده نصف قيمته، وفي

(1/564)


(33) وجناية البهائم هدر
(34) إلا أن تكون في يد إنسان كالراكب والقائد والسائق فعليه ضمان ما جنت بيدها أو فمها دون ما جنت برجلها أو ذنبها
(35) وإن تعدى بربطها في ملك غيره أو طريق ضمن جنايتها كلها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
موضحته نصف عشر قيمته، وما أوجب الدية من الحر كاليدين والرجلين والأنف والذكر والأنثيين أوجب قيمة العبد، وهذا يروى عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ولم يعرف له مخالف من الصحابة، ولأنه آدمي يضمن في القصاص والكفارة فكان في أطرافه مقدرا كالحر، ولأن أطرافه منها مقدر من الحر فكان فيها مقدرا من العبد كالشجاج الأربع، ولأن ما وجب في شجاجه مقدرا وجب في أطرافه مقدرا كالحر، إذا ثبت هذا فإنها تجب (في مال الجاني) ؛ لأن العاقلة لا تحمل العبد كما سبق.

مسألة 33: (وجناية البهائم هدر) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «العجماء جبار» والعجماء: البهيمة، وقوله: جبار أي: هدر، كقوله: " «والبئر جبار والمعدن جبار» (رواه مسلم) أي هدر يعني إذا استأجر من يحفر له في بئر أو معدن فوقع عليه فقتله فهو هدر.

مسألة 34: (إلا أن تكون البهيمة في يد إنسان كالراكب والقائد والسائق، فعليه ضمان ما جنت يدها أو فمها دون ما جنت رجلها أو ذنبها) ؛ لأن اليد والفم يمكنه التحفظ منهما، وليس كذلك الرجل فإنه لا يمكنه التحفظ منها كما لو لم تكن يده عليها، وقد روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «والرجل جبار» في حديث أبي هريرة، وروى سعيد بإسناده عن هذيل بن شرحبيل عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " وذنبها كرجلها "، وعنه رواية أخرى يضمن جناية الرجل، قال القاضي: وهي أصح؛ لأنه يشاهدها فهي كاليد أو الفم.

مسألة 35: (وإن تعدى بربطها في ملك غيره أو طريق ضمن جنايتها كلها) ؛ لأنه متعد بذلك، وإن كان الطريق واسعا ففيه روايتان: إحداهما: يضمن أيضا؛ لأن انتفاعه بالطريق مشروط بالسلامة، وكذلك لو ترك في الطريق طينا أو ما أشبه فزلق فيه إنسان ضمن، والثانية: لا يضمن؛ لأن له أن يقفها في طريق لا يضيق بها على الناس فلم يكن متعديا فلم يضمن، كما لو جلس فعثر به إنسان.

(1/565)


(36) وما أتلفت من الزرع نهارا لم يضمنه إلا أن تكون في يده، وما أتلفت ليلا فعليه ضمانه
باب ديات الجراح
(كل ما في إنسان منه شيء واحد ففيه دية كلسانه وأنفه وذكره وسمعه وبصره وشمه وعقله وكلامه وبطشه ومشيه، وكذلك في كل واحد من صعره - وهو أن يجعل وجهه في جانبه - وتسويد وجهه وخديه واستطلاق بوله أو غائطه، وقرع رأسه ولحيته دية)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 36: (وما أفسدت البهيمة من الزرع نهارا لم يضمنه إلا أن تكون في يده، وما أتلفت ليلا فعليه ضمانه) لما روى مالك عن الزهري عن حرام بن سعد بن محيصة «أن ناقة للبراء دخلت حائط قوم فأفسدت فيه فقضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن على أهل الأموال حفظها بالنهار، وما أفسدت بالليل فهو مضمون عليهم» ، قال ابن عبد البر: إن كان هذا مرسلا فهو مشهور، حدث به الأئمة الثقات واستعمله فقهاء الحجاز بالقبول، ولأن العادة من أهل المواشي إرسالها في النهار للرعي وحفظها ليلا، وعادة أهل الحوائط حفظها نهارا دون الليل، فإن رعت ليلا كان التفريط من أهلها بتركهم حفظها في وقت عادة الحفظ، وإن أتلفت نهارا كان التفريط من أهل الزرع، فكان عليهم، وقد فرق النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينهما وقضى على كل إنسان بالحفظ في وقت عادته. وأما غير الزرع فلا يضمن؛ لأن البهيمة لا تتلف ذلك عادة فلا يحتاج إلى حفظها عنه بخلاف الزرع، وهذا إذا لم تكن يد أحد عليها، فإن كان صاحبها معها أو غيره فعلى من يده عليها ضمان ما أتلفته من نفس أو مال على ما سبق في المسألة قبلها.

[باب الجراح]
باب ديات الجراح
(كل ما في الإنسان منه شيء واحد ففيه دية كلسانه وأنفه وذكره وسمعه وبصره وشمه وعقله وكلامه وبطشه ومشيه، وكذلك في كل واحد من صعره وهو أن يجعل وجهه في جانبه، وتسويد وجهه وخديه، واستطلاق بوله أو غائطه، وقرع رأسه ولحيته دية) ، وذلك أن كل عضو لم يخلق الله سبحانه في الإنسان منه إلا واحدا كاللسان والأنف وجميع ما ذكرنا ففيه دية كاملة؛ لأن في إتلافه إذهاب منفعة الجنس وإذهاب منفعة الجنس كإتلاف النفس.

(1/566)


(37) وما فيه منه شيئان ففيهما الدية وفي أحدهما نصفها، كالعينين والحاجبين والشفتين والأذنين واللحيين واليدين والثديين، والإليتين والأنثيين والأسكتين والرجلين
(38) وفي الأجفان الأربعة الدية، وفي أهدابها الدية، وفي كل واحد ربعها
(40) فإن قلعها بأهدابها وجبت دية واحدة
(41) وفي أصابع اليدين الدية، وفي أصابع الرجلين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 37: (وما فيه منه شيئان ففيهما الدية وفي أحدهما نصفها، كالعينين والحاجبين والشفتين والأذنين واللحيين واليدين والثديين، والإليتين والأنثيين والأسكتين والرجلين) ؛ لأن منفعة الجنس تذهب بذهابهما فكان فيهما الدية، وفي إتلاف أحدهما إذهاب نصف منفعة الجنس فكان فيه نصف الدية لا نعلم في هذا خلافا، وقد روى الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتب إليه وكان في كتابه: «وفي الأنف إذا أوعب جدعا الدية، وفي اللسان الدية، وفي الشفتين الدية، وفي البيضتين الدية، وفي الذكر الدية، وفي الصلب الدية، وفي العينين الدية، وفي الرجل الواحدة نصف الدية» رواه النسائي وغيره، ورواه ابن عبد البر وقال: كتاب عمرو بن حزم معروف عند العلماء، وما فيه متفق عليه إلا قليلا.

مسألة 38: (وفي الأجفان الأربعة الدية) ؛ لأن بإذهابها تفوت منفعة الجنس جميعا، (وفي كل واحد منها ربع الدية) لأن كل ذي عدد تجب الدية في جميعه تجب في كل واحد بحصته من الدية كالعينين والأصابع، ولأن فيها جمالا ظاهرا ومنفعة كاملة فإنها تكن العين وتحفظها وتقيها الحر والبرد وتكون كالغلق عليها يطبقه إذا شاء ويفتحه إذا شاء ولولاها لقبح منظره فوجب أن يكون فيها الدية كاليدين.
1 -
مسألة 39: وتجب الدية في أهداب العينين بمفردها، وهو الشعر الذي على الأجفان؛ لأن فيها جمالا ومنفعة فوجب فيها الدية كالأجفان.

مسألة 40: (فإن قطع الأجفان بأهدابها لم يجب أكثر من دية واحدة) ؛ لأن الشعر يزول تبعا لزوال الأجفان فلم يجب فيها شيء كالأصابع إذا قطع الكف وهي عليه.

مسألة 41: (وفي أصابع اليدين الدية، وفي أصابع الرجلين الدية، وفي كل إصبع

(1/567)


الدية، وفي كل إصبع عشرها
(42) وفي كل أنملة ثلث عقلها إلا الإبهام في كل أنملة نصف عقلها
(43) وفي كل سن خمس من الإبل إذا لم تعد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
عشرها) ولا نعلم فيه مخالفا إلا عن عمر ثم رجع عنه إلى ما في كتاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لآل حزم فأخذ به وترك قوله الأول، وبهذه الجملة قال عمر وعلي وزيد وابن عباس، وقد روى ابن عباس أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «دية أصابع اليدين والرجلين عشر من الإبل لكل إصبع» أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، ورواه أبو داود عن أبي موسى عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وفي كتاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعمرو بن حزم: «وفي كل إصبع من أصابع اليدين والرجلين عشر من الإبل» ولأنه جنس ذو عدد تجب فيه الدية فكانت سواء في الدية كالأسنان والأجفان.

مسألة 42: (وفي كل أنملة ثلث عقلها) فديتها مقسومة على عدد أناملها لكل إصبع ثلاث أنامل (إلا الإبهام فإنها أنملتان) ، ففي كل أنملة من غير الإبهام ثلث عقلها ثلاثة أبعر وثلث ثلث دية الإصبع، وفي كل أنملة من الإبهام خمس من الإبل نصف ديتها، والحكم في أصابع اليدين والرجلين سواء لعموم الخبر فيهما وحصول الاتفاق عليهما.

مسألة 43: (وفي كل سن خمس من الإبل إذا لم تعد) لا نعلم خلافا بينهم في أن دية الأسنان من الإبل خمس في كل سن، روي ذلك عن عمر وابن عباس ومعاوية - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وفي كتاب عمرو بن حزم عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «وفي السن خمس من الإبل» رواه النسائي، وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «في الأسنان خمس خمس» رواه أبو داود.
والأضراس والأنياب كالأسنان، روي ذلك عن ابن عباس ومعاوية - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -؛ ولأن قوله في الخبر: «في كل سن خمس من الإبل» ولم يفصل، فدخل في عمومها الأضراس والأنياب لأنها أسنان، وروى أبو داود عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الأصابع سواء، والأسنان سواء،

(1/568)


(44) وفي مارن الأنف
(45) وحلمة الثدي
(46) والكف والقدم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
الشفة والضرس سواء، هذه وهذه سواء» وهذا نص، وإذا ثبت هذا فإن ديتها تجب إذا لم تعد، فإن عادت لم تجب ديتها كما لو نتف شعره فعاد مثله.

مسألة 44: (وفي مارن الأنف الدية) بغير خلاف بينهم حكاه ابن عبد البر وابن المنذر عن من يحفظ عنه من أهل العلم، وفي كتاب عمرو بن حزم عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «في الأنف إذا أوعب مارنه جدعا الدية» ؛ ولأنه عضو فيه جمال ومنفعة ليس في البدن منها إلا شيء واحد فكانت فيه دية كاللسان، وإنما الدية في مارنه وهو ما لان منه هكذا قال الخليل وغيره، ولأن الذي يقطع منه ذلك فانصرف الخبر إليه.

مسألة 45: (وفي حلمتي الثدي الدية) نص عليه؛ لأن المنفعة بها تتعلق بالحلمتين بهما يشرب اللبن فهما كالأصابع مع الكف، وحكم ثدي الرجل كحكم ثدي المرأة؛ لأن ما وجب فيه من المرأة وجب فيه من الرجل كسائر الأعضاء، ولأنه أذهب الجمال على الكمال، فوجبت الدية كأذني الأصم وأنف الأخشم.

مسألة 46: (وفي الكف الدية وكذلك القدم) يعني الكف بأصابعه، والقدم بأصابعه إذا قطعه وجبت ديته كاملة؛ لأنه قطع يده أو رجله فوجبت ديتها لذهاب نفعها، وخص ذلك بالقدم والكف؛ لأن فيه زيادة بيان وتعريف أن قطع ذلك يوجب الدية كما لو قطع اليد من المرفق فإنه يجب دية اليد لا غير، ولو قطع الرجل مع الركبة وجبت ديتها؛ لأن ذلك يسمى يدا وتسمى رجلا فهو داخل في مسمى اليد والرجل فلم يكن فيه أكثر من دية، هذا ظاهر المذهب، وقال القاضي: في الزائد حكومة، يعني إذا قطع من المرفق أو من الركبة وجبت عليه دية اليد والرجل وفي الزائد عن الكوع والكعب حكومة لأن اليد اسم لها، إلى الكوع بدليل الآية وهي قوله سبحانه: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] ، ولا تقطع إلا من الكوع، ولنا أن اليد اسم للجميع إلى المنكب بدليل قَوْله تَعَالَى: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] ، ولما نزلت آية التيمم مسح الصحابة إلى المناكب، وقال ثعلب: اليد إلى

(1/569)


(47) وحشفة الذكر
(48) وما ظهر من السن
(49) وتسويدها دية العضو كله
(50) وفي بعض ذلك بالحساب من ديته
(51) وفي الأشل من اليد والرجل والذكر وذكر الخصي والعنين ولسان الأخرس والعين الغائمة والسن السوداء والذكر دون حشفته والثدي دون حلمته والأنف دون أرنبته والزائد من الأصابع وغيرها حكومة)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
المنكب، فإذا قطعها من فوق الكوع فما قطع إلا اليد فلا يكون فيها إلا دية اليد، ولا يمتنع أن يجب في الكل مثل ما يجب في البعض كما لو قطع الذكر من أصله لم يجب إلا دية، ولو قطع الحشفة وجبت الدية، ولو قطع الأصابع وجبت الدية، ولو قطعها مع الكوع لم يجب إلا دية.

مسألة 47: (وفي حشفة الذكر الدية) ولا نعلم مخالفا فيه؛ لأن منفعة الذكر تكمل بالحشفة كما تكمل منافع اليد بالأصابع فكملت الدية بقطعها كالأصابع.

مسألة 48: (ويجب فيما ظهر من السن ديتها) ؛ لأن السن اسم لما ظهر من اللثة، فإذا كسره من ذلك الحد وجبت الدية، وما في اللثة يسمى سنخا فإن قلعه بسنخه لم يزد الأرش، كما أن أصل الأصابع في الكف، فإذا قطعها وجبت الدية وإذا قطع معها الكف لم يزد الأرش.

مسألة 49: (وإن جنى على السن فسودها وجبت عليه ديتها) روي ذلك عن زيد بن ثابت، وحكي عن الإمام أحمد فيها روايتان أشهرهما: أن في تسويدها كمال ديتها؛ لأنه أذهب الجمال على الكمال فكملت ديتها، كما لو قطع أذن الأصم وأنف الأخشم، ولأنه قول زيد ولم يعرف له مخالف من الصحابة.

مسألة 50: (وفي بعض ذلك بالحساب من ديته) فإذا قطع شيئا من مارن الأنف أو الثدي، أو الحشفة، أو الذكر، أو كسر بعض السن، فإن كان النصف وجب نصف ديته، وإن كان أقل من ذلك أو أكثر وجب بحسابه.

مسألة 51: (وفي الأشل من اليد والرجل والذكر وذكر الخصي والعنين ولسان الأخرس والعين الغائمة والسن السوداء والذكر دون حشفته والثدي دون حلمته والأنف دون أرنبته والزائد من الأصابع وغيرها حكومة) اليد الشلاء اليابسة التي قد ذهبت منها منفعة البطش، واختلفت الرواية عن أحمد فيها وفي السن السوداء والعين الغائمة وهي التي

(1/570)


(55) وفي الأشل من الأنف والأذن وأنف الأخشم وأذن الأصم ديتها كاملة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
ذهب بصرها وصورتها باقية، فعنه: فيهن حكومة؛ لأنه لا يمكن إيجاب دية كاملة لكونها قد ذهبت منفعتها ولا مقدر فيها فتجب فيها الحكومة كاليد الزائدة، وعنه يجب في كل واحدة ثلث ديتها لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: «قضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في العين الغائمة السادة لمكانها بثلث الدية، وفي اليد الشلاء إذا قطعت ثلث ديتها، وفي السن السوداء إذا قلعت ثلث ديتها» رواه النسائي، وأخرجه أبو داود مختصرا في العين وحدها، وروي ذلك عن عمر، ولأنها كاملة الصورة فكان فيها مقدر كالصحيحة.
1 -
مسألة 52: وكذلك الرجل الشلاء والذكر الأشل وذكر الخصي وذكر العنين، وكذلك كل عضو ذهب نفعه وبقيت صورته، فذلك على روايتين: إحداهما: تجب حكومة كما سبق، والثانية: ثلث الدية بالقياس على ما مضى.
1 -
مسألة 53: وفي لسان الأخرس روايتان أيضا كالروايتين في اليد الشلاء، قال القاضي: في معنى ذلك الإصبع الزائدة ونحوها، قال شيخنا - رَحِمَهُ اللَّهُ -: والصحيح أن الواجب في الزائد حكومة؛ لأن الأصلي الباقية صورته بقي جماله بعد ذهاب نفعه، والزائد لا جمال فيه بل هو يشين في الخلقة فلا يصح قياسه على ما بقي جماله.
1 -
مسألة 54: وأما الذكر دون حشفته ففيه وجهان: أحدهما: حكومة، والثاني: ثلث ديته كما لو قطع الكف بعد ذهاب الأصابع، والحكم في الثدي دون حلمته كالذكر دون حشفته وعلى قياسه الأنف دون أرنبته؛ لأنه يشبه الذكر دون حشفته فيكون حكمه حكمه.

مسألة 55: (وفي الأشل من الأذن والأنف وأنف الأخشم وأذن الأصم ديتها كاملة) ؛ لأن نفعها وجمالها باق بعد شللها فإن منفعة الأذن جمع الصوت ومنع دخول الماء والهواء في صماخه فإذا قطعها وجبت ديتها، ولأنه قطع أذنا فيها الجمال والنفع فأشبه ما لو قطعها قبل الشلل، والأنف الأشل كذلك؛ لأنه قطع أنفا فيه الجمال والنفع فوجبت ديته كغير الأشل، وأنف الأخشم - يعني الذي لا يشم - تجب ديته كما لو قطع أذن الأصم فإنه يجب ديتها كاملة لما ذكرناه.

(1/571)


باب الشجاج وغيرها الشجاج هي جروح الرأس والوجه وهي تسع: أولها الحارصة: وهي التي تشق الجلد شقا لا يظهر منه دم، ثم البازلة: التي ينزل منها دم يسير، ثم الباضعة: التي تبضع اللحم بعد الجلد، ثم المتلاحقة: التي أخذت في اللحم، ثم السمحاق: التي بينها وبين العظم قشرة رقيقة، فهذه الخمس لا توقيت فيها ولا قصاص بحال، (56) ثم الموضحة وهي التي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
[باب الشجاج وغيرها]
(والشجاج هي جراح الرأس والوجه) فإنه يسمى شجاجا خاصة دون جراح سائر البدن، والشجاج المسماة (تسعة) : منها خمس لا توقيت فيها، وباقيها مقدر. فأما التي لا توقيت فيها فقال الأصمعي: (أولها الحارصة وهي التي تشق اللحم قليلا) ، ومنه حرص القصار للثوب، (ثم البازلة وهي التي يبزل منها الدم) أي يسيل، وتسمى الدامية أيضا، (ثم الباضعة وهي التي تشق اللحم بعد الجلد، ثم المتلاحمة وهي التي أخذت في اللحم) ، ولم تبلغ السمحاق، (ثم السمحاق وهي التي تصل إلى قشرة رقيقة) أو جلدة بين اللحم والعظم، تسمى الجراح الموصلة إلى تلك الجلدة سمحاقا باسمها، ويسميها أهل المدينة الملطاء وهي التي تأخذ اللحم كله حتى تخلص منه. (فهذه خمس لا توقيت فيها ولا قصاص) أي لم نجد عن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيها حكما ولا توقيتا، وأكثر الفقهاء لا يرون فيها توقيتا، وهو الصحيح عن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعنه رواية أخرى في الدامية بعير، وفي الباضعة بعيران، وفي الملاحمة ثلاثة أبعرة، وفي السمحاق أربعة أبعرة، وهذا يروى عن زيد بن ثابت، صار أحمد إلى ذلك اتباعا لزيد؛ لأن مثل هذا لا يكاد يصدر إلا عن توقيت، ووجه الأول أنها جراحات لم يرد فيها توقيت في الشرع فكان الواجب فيها حكومة كجراحات البدن أو كالحارصة، وروى مكحول قال: «قضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الموضحة بخمس من الإبل ولم يقض فيما دونها» .
مسألة 56: (ثم الموضحة) وهي من الشجاج (وهي التي وصلت إلى العظم) سميت موضحة؛ لأنها أبدت وضح العظم أي بياضه، أجمع أهل العلم على أن أرشها

(1/572)


وصلت إلى العظم وفيها خمس من الإبل
(57) والقصاص إذا كانت عمدا
(58) ثم الهاشمة، وهي التي توضح العظم وتهشمه وفيها عشر من الإبل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مقدر، قاله ابن المنذر، وفي كتاب عمرو بن حزم عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وفي الموضحة خمس من الإبل» ، وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «في المواضح خمس خمس» ، رواه أبو داود، والنسائي، والترمذي، وقال: حديث حسن. والموضحة في الوجه والرأس سواء، وعنه رواية أخرى: يجب في موضحة الوجه عشر من الإبل وهو قول سعيد بن المسيب؛ لأن تشيينها أكثر، والأول ظاهر المذهب وهو الصحيح الذي يوافق عموم الخبر، ويشهد له النظر، فإن التقدير لا يصار إليه بالرأي والاختيار، أما كثرة الشين فلا عبرة به بدليل التسوية بين الصغير والكبير.

مسألة 57: (وفيها القصاص إذا كانت عمدا) ؛ لقوله سبحانه: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] ؛ ولأن لها حدا تنتهي إليه فأشبهت اليد، وقوله في الشجاج وهي جروح الرأس والوجه يعني أنها تختص بالرأس والوجه، فلو أوضحه في غيرهما لم يكن فيه مقدر، وهذا قول أكثرهم، وقال بعضهم: إن أوضحه في غير الرأس والوجه كانت موضحة مقدرة، ولنا أن اسم الموضحة إنما يطلق على الجراحة المخصوصة بالرأس والوجه، وقول الخليفتين الراشدين الموضحة في الرأس والوجه سواء يدل على أن باقي البدن بخلافه، ولأن الشين فيهما أكثر منه في سائر البدن فلا يلحق به، ثم إن إيجاب ذلك في سائر البدن يفضي إلى أن يجب في موضحة العضو أكثر من ديته مثل أن يوضح عن عظم أنملة فيجب فيها خمس من الإبل وديتها ثلاثة وثلث.

مسألة 58: (ثم الهاشمة، وهي التي توضح العظم وتهشمه) سميت هاشمة لهشمها العظم (وفيها عشر من الإبل) روي ذلك عن زيد بن ثابت، ومثل ذلك الظاهر أنه توقيف ولأنه لم يعرف له مخالف في عصره فكان إجماعا، ولأنها شجة فوق الموضحة تختص

(1/573)


(59) ثم المنقلة وهي التي توضح وتهشم وتنقل عظامها، وفيها خمسة عشر من الإبل
(60) ثم المأمومة وهي التي تصل إلى جلدة الدماغ وفيها ثلث الدية
(61) وفي الجائفة ثلث الدية وهي التي تصل إلى الجوف
(62) فإن خرجت من جانب آخر فهي جائفتان
(63) وفي الضلع بعير، وفي الترقوتين بعيران
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
باسم فكان فيها مقدر كالمأمومة، وهي في الوجه والرأس سواء على ما ذكرناه في الموضحة.

مسألة 59: (ثم المنقلة وهي التي توضح وتهشم وتنقل عظامها، وفيها خمسة عشر من الإبل) بإجماع أهل العلم، حكاه ابن المنذر في كتاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعمرو بن حزم قال: «وفي المنقلة خمس عشرة من الإبل» .

مسألة 60: (ثم المأمومة وهي التي تصل إلى جلدة الدماغ) وهي الآمة أيضا، وهي الجراحة الواصلة إلى أم الدماغ وهي جلدة فيها الدماغ، سميت أم الدماغ لأنها تحوطه وتجمعه، فإذا وصلت الجراحة إليها سميت آمة ومأمومة، يقال: أم الرجل آمة ومأمومة، وأرشها ثلث الدية؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " في كتاب عمرو: «وفي المأمومة ثلث الدية» ، وعن ابن عمر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثل ذلك، ونحوه عن علي.

مسألة 61: (وفي الجائفة ثلث الدية وهي التي تصل إلى الجوف) ؛ لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في كتاب عمرو بن حزم: «وفي الجائفة ثلث الدية» ، وعن ابن عمر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثل ذلك.

مسألة 62: (فإن جرحه في جوفه فخرجت من الجانب الآخر فهي جائفتان) ؛ لما روى سعيد بن المسيب: " أن رجلا رمى رجلا بسهم فأنفذه فقضى أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بثلثي الدية "، ولا مخالف له أخرجه سعيد، قال أصحابنا: وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قضى في الجائفة إذا نفذت في الجوف بأرش جائفتين، ولأنه أنفذه في موضعين فأشبه ما إذا كان من الظاهر إلى الباطن.

مسألة 63: (وفي الضلع بعير، وفي الترقوتين بعيران) هكذا ذكره الخرقي، وقال القاضي: إن المراد بقوله: الترقوة الترقوتان معا، وإنما اكتفى بلفظ الواحد لإدخال الألف

(1/574)


(64) وفي الزندين أربعة أبعرة
(65) وما عدا هذا مما لا مقدر فيه ولا هو في معناه ففيه حكومة
(66) وهي أن يقوم المجني عليه كأنه عبد لا جناية به، ثم يقوم وهي به قد برأت فما نقص من قيمته فله بقسطه من الدية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
واللام المقتضية للاستغراق، والترقوة العظم الممدود من النحر إلى الكتف، ولكل واحد ترقوتان ففي كل ترقوة بعير، وهو قول عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ولما كانت الترقوة عظمتين في كل واحد بعير كان في الضلع بعير أيضا.

مسألة 64: (وفي الزندين أربعة أبعرة) لأن فيهما أربعة عظام ففي كل عظم بعير يروى ذلك عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وقيل في ذلك حكومة، وما روى سعيد حدثنا هشيم حدثنا يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب أن عمرو بن العاص كتب إلى عمر في أحد الزندين إذا كسر فكتب إليه عمر: إن فيه بعيرين، وإذا كسر الزندان ففيهما أربعة من الإبل.

مسألة 65: (وما عدا هذا مما لا يقدر فيه ولا هو في معناه ففيه حكومة) وذلك أن لنا مقدرا، وما هو في معناه، وغيره، فالمقدر ما نص النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على أرشه وبين قدره كقوله: «في الأنف الدية، وفي اللسان الدية» ، وقد سبق ذكره، وما هو في معناه كالإليتين والثديين والحاجبين فذلك ملحق بالمقدر، وقد سبق أيضا، وأما غير المقدر والذي ليس في معناه فكالشجاج التي دون الموضحة وجراحات البدن سوى الجائفة وقطع الأعضاء وكسر العظام المذكورة فيجب فيها حكومة؛ لأنها ليست في معنى المقدر.

مسألة 66: (والحكومة أن يقوم المجني عليه كأنه عبد لا جناية به، ثم يقوم وهي به قد برأت، فما نقص من قيمته فله نقصه من ديته) قال ابن المنذر: كل من نحفظ عنه من أهل العلم يرى أن معنى قولهم حكومة أن يقال: إذا أصيب الإنسان بجرح لا عقل له معلوم كم قيمة هذا المجروح لو كان عبدا لم يجرح هذا الجرح، فإن قيل: مائة دينار، قيل: وكم قيمته وقد أصابه هذا الجرح وانتهى برؤه؟ قيل: خمسة وتسعون، فالذي يجب له على الجاني نصف عشر الدية، وإن قالوا: تسعون، فعشر الدية، وإن زاد أو نقص فعلى هذا المثال، وإنما كان كذلك؛ لأن جملته مضمونة بالدية فأجزاؤه مضمونة فيها، كما أن المبيع لما كان مضمونا على البائع بالثمن كان أرش المعيب الموجود فيه مقدرا من الثمن، فيقال: كم قيمته لا عيب فيه؟ قالوا: عشرة، فيقال: وكم قيمته والعيب فيه؟ فإذا قيل: تسعة علم

(1/575)


(67) إلا أن تكون الجناية على عضو فيه مقدر فلا يجاوز به أرش المقدر، مثل أن يشجه دون الموضحة فلا يجب أكثر من أرشها، أو يجرح أنملة فلا يجب أكثر من ديتها
باب كفارة القتل ومن قتل مؤمناً أو ذمياً بغير حق أو شارك فيه أو في إسقاط جنين فعليه كفارة، وهي تحرير رقبة مؤمنة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله، سواء كان مكلفاً أو غير مكلف، حراً أو عبداً
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
أنه نقص عشر قيمته فيجب أن يرد من الثمن عشره أي قدر كان، وتقديره عبدا ليمكن تقويمه، ويجعل العبد أصلا للحكم فيما لا توقيت فيه، والحر أصلا للعبد فيما فيه توقيت.

مسألة 67: (إلا أن تكون الجناية على عضو فيه مقدر فلا يجاوز به أرش المقدر، مثل أن يشجه دون الموضحة فلا يجب أكثر من أرشها، أو يجرح أنملة فلا يجب أكثر من ديتها) ، وذلك مثل أن يشجه سمحاقا في وجهه فينقص عشر قيمته فتقتضي الحكومة أن يجب فيه عشر من الإبل ودية الموضحة خمس، فهاهنا يعلم غلط المقوم؛ لأن الجراحة لو كانت موضحة لم تزد على خمس من الإبل مع زيادتها على السمحاق قليلا فلأنه لا يجب في بعضها زيادة على خمس أولى، وكذلك لو جرح أنملة فبلغ أرشها بالحكومة خمسا من الإبل فإنه يرد إلى دية الأنملة المجروحة وينقص عنها شيئا، ذكره القاضي وفي التي قبلها، وقال: من المحال أن يجب في الجناية على العضو أكثر من ديته، فما زاد علمنا غلط المقوم، وإن كانت الجناية في محل لا مقدر فيه وجب فيه ما أخرجته الحكومة بالغا ما بلغ.

[باب كفارة القتل]
(ومن قتل مؤمنا) غير متعمد (أو ذميا بغير حق أو شارك فيه أو في إسقاط جنين فعليه كفارة، وهي تحرير رقبة مؤمنة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله سبحانه، سواء كان مكلفا أو غير مكلف، حرا أو عبدا) ، والأصل في كفارة القتل قوله سبحانه: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] ، وأجمعوا على أن على القاتل خطأ الكفارة للآية، وتجب في قتل الصغير والكبير لعموم الآية، وتجب بقتل العبد كما تجب بقتل الحر لعموم الآية، وتجب بقتل الذمي والمستأمن، وهو قول أكثرهم لقوله سبحانه: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92]

(1/576)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
والذمي والمستأمن لهما ميثاق؛ ولأنه مقتول ظلما فأشبه المسلم.
1 -
مسألة 68: وإن قتل صبي أو مجنون وجبت الكفارة في مالهما؛ لعموم قوله سبحانه: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] ، وهما قد قتلا مؤمنا، وكذلك الكافر إذا قتل تجب عليه الكفارة؛ لأنه حق مال يتعلق بالقتل فتعلقت به كالدية.
1 -
مسألة 69: والمشهور في المذهب أنه لا كفارة في قتل العمد، وعنه تجب فيه وهو قول الشافعي، لما روى واثلة بن الأسقع قال: " «أتينا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في صاحب لنا قد أوجب بالقتل، فقال: أعتقوا عنه رقبة يعتق الله تعالى بكل عضو منها عضوا منه من النار» (رواه أبو داود) ، ولأنها إذا وجبت في الخطأ ففي العمد أولى؛ لأنه أعظم إثما وأكبر جرما، ولنا مفهوم قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] ، ثم ذكر قتل العمد فلم يوجب فيه كفارة فمفهومه أنه لا كفارة فيه، وروي أن سويد بن الصامت «قتل رجلا فأوجب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - القود ولم يوجب كفارة» ، ولأنه فعل يوجب القتل فلا يوجب كفارة كالزنا من المحصن، وخبر واثلة يحتمل أنه أمرهم بالإعتاق عنه تبرعا وكذلك أمر به غير القاتل، وما ذكره من المعنى لا يصح؛ لأنه يحتمل أنها وجبت في الخطأ لقلة إثمه لتمحو أثر التفريط فلا يلزم إيجابها في موضع كبر إثمه وتعاظم جرمه بحيث لا يمكنها رفعه.
1 -
مسألة 70: ومن شارك في قتل يوجب الكفارة لزمته الكفارة، ويلزم كل واحد من شركائه كفارة وهو قول أكثرهم، وحكى أبو الخطاب عن الإمام أحمد رواية أن عليهم كفارة واحدة؛ لعموم قوله: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] ، و " من " تتناول الواحد والجماعة، ولأنه لم يوجب إلا دية وكفارة، والدية لا تتعدد بالفاعلين كذلك الكفارة، ولأنها كفارة تتعلق بالقتل فإذا اشترك في سببها الجماعة وجبت كفارة واحدة ككفارة الصيد، ولنا أنها كفارة لا تتبعض بدليل أنها لا تنقسم على الأطراف، وما لا يتبعض إذا

(1/577)


(72) ولو تصادم نفسان فماتا فعلى كل واحد منهما كفارة، ودية صاحبه على عاقلته
(73) وإن كانا فارسين فمات فرساهما فعلى كل واحد منهما ضمان فرس الآخر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
اشترك في سببه الجماعة وجب تكميله كالقصاص، ويخالف كفارة الصيد؛ لأنها تجب بدلا، ولهذا تجب في أبعاضه، وكذلك الدية.
1 -
مسألة 71: وإن شارك في ضرب بطن امرأة فألقت جنينا سواء كان ميتا أو حيا ثم مات فعليه الكفارة، وعلى كل واحد من شركائه كفارة، كما إذا قتل جماعة رجلا، ودليلها ما سبق في المسألة قبلها، وقال أبو حنيفة: لا كفارة على من ضرب بطن امرأة فألقت جنينا، سواء كان حيا أو ميتا، جماعة أو واحدا؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أوجب فيه الغرة ولم يوجب الكفارة، ولنا قول الله سبحانه: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] ، وقد ثبت للجنين الإيمان تبعا لأبويه، ولأنها نفس مضمونة بالدية فوجبت فيها الكفارة كالكبير، وما ذكره من الحديث فلا يدل على نفي الكفارة كما قال: «في نفس المؤمن مائة من الإبل» ، ولم يذكر الكفارة، فيحتمل أن يكون ترك ذكرها اعتمادا على عموم الآية.

مسألة 72: (ولو تصادم نفسان فماتا فعلى كل واحد منهما كفارة، ودية صاحبه على عاقلته) وإنما لزم كل واحد منهما كفارة؛ لأنه قتل صاحبه بصدمته له فوجبت عليه كفارة كما لو لكمه فقتله، ويجب على الآخر كفارة لذلك، وأما الدية في المتصادمين فتجب دية كل واحد منهما على عاقلة صاحبه؛ لأنه قاتل خطأ أو شبه عمد، وفيه الدية على العاقلة على ما سبق، فإن كان المتصادمان امرأتين حاملتين فأسقطت كل واحدة منهما جنينا فعلى كل واحدة منهما نصف ضمان جنينها ونصف ضمان جنين صاحبتها؛ لأنهما اشتركتا في قتله، وعلى كل واحدة منهما عتق ثلاث رقاب: واحدة لقتلها صاحبتها، والثانية لمشاركتها في قتل جنينها، والثالثة لمشاركتها في قتل جنين صاحبتها.

مسألة 73: (وإن كانا فارسين فمات فرساهما فعلى كل واحد منهما ضمان فرس الآخر) ؛ لأن التلف حصل بفعليهما فيستويان في الضمان سواء استوى فعلاهما أو اختلف، كما لو جرح أحد الشريكين جرحا والآخر مائة جرح، وقال الشافعي: يجب على كل واحد منهما نصف قيمة دابة الآخر؛ لأنهما استويا في الاصطدام فكل منهما مات في الفعلين فوجب على كل واحد نصف قيمة دابة الآخر كما لو جرح كل واحد منهما نفسه

(1/578)


(74) وإن كان أحدهما واقفاً والآخر سائراً فعلى السائر ضمان دابة الواقف وعلى عاقلته ديته
(75) إلا أن يكون الواقف متعدياً بوقوفه كالقاعد في طريق ضيق أو ملك السائر فعليه الكفارة وضمان السائر ودابته
(76) ولا شيء على السائر ولا على عاقلته
(77) وإذا رمى ثلاثة بالمنجنيق فقتل الحجر معصوماً فعلى كل واحد منهم كفارة وعلى عاقلته ثلث الدية، وإن قتل أحدهم فكذلك إلا أنه يسقط ثلث ديته في مقابلة فعله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
وجرح صاحبه، ولنا أن كل واحد منهما ماتت دابته من صدمة صاحبه وإنما هو قربها إلى محل الجناية فلزم الآخر ضمانها كما لو كانت واقفة، بخلاف الجراحة، فإذا ثبت هذا فإن كانتا سواء تقاصا، وان كانت قيمة إحداهما أكثر من الأخرى فله فضل قيمة دابته.

مسألة 74: (وإن كان أحدهما واقفا والآخر سائرا فعلى السائر ضمان دابة الواقف) نص عليه الإمام أحمد؛ لأنه قتلها بصدمته، وإن ماتت دابة السائر فهي هدر؛ لأنه هو الذي قتلها بصدمته وعلى عاقلته ديته.

مسألة 75: (إلا أن يكون الواقف متعديا بوقوفه كالقاعد في طريق ضيق أو ملك السائر فعليه الكفارة) ؛ لأنه خطأ (و) يلزمه (ضمان السائر) إن مات من الصدمة (وضمان دابته) ؛ لأنه متعد في وقوفه في موضع ليس له الوقوف فيه فأشبه ما لو وضع في الطريق حجرا أو جلس في طريق فعثر به إنسان.

مسألة 76: (ولا شيء على السائر ولا على عاقلته) ؛ لأن الواقف اختص بالتعدي فكان مهدرا أو فاختص بالضمان كالصائل.

مسألة 77: (وإذا رمى ثلاثة بالمنجنيق فقتل الحجر معصوما فعلى كل واحد منهم كفارة) ؛ لأن الله سبحانه قال: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] ، وليس في ذلك خلاف علمناه؛ لأن كل واحد منهم مشارك في إتلاف آدمي معصوم (وتجب ديته على عواقلهم أثلاثا) ، وإن كانوا لم يقصدوا الرمي كان خطأ تجب ديته على عواقلهم مخففة، وإن عمدوا واحدا بعينه فهو شبه عمد؛ لأنه لا يمكن قصد رجل بعينه بالمنجنيق، وإنما يتفق وقوعه بمن يقع به فتجب الدية مغلظة على العاقلة، وعند أبي بكر أن دية شبه العمد على الجاني في ماله. مسألة 78: والكفارة لا تتبعض، فكملت في حق كل واحد، فإن كان (القتيل)

(1/579)


(79) وإن كانوا أكثر من ثلاثة سقطت حصة القتيل وباقي الدية في أموال الباقين
باب القسامة «روى سهل بن أبي حثمة ورافع بن خديج أن محيصة وعبد الله بن سهل انطلقا قبل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
منهم لم تسقط الكفارة عنه؛ لأنه شارك في قتل نفسه، والكفارة تجب بحق الله تعالى فوجبت عليه بالمشاركة في قتل نفسه كما تجب بالمشاركة في قتل غيره، وأما الدية ففيها ثلاثة أوجه: أحدها: أن على عاقلة كل واحد منهم ثلث الدية، ويجب ثلثها على عاقلة المقتول لورثته، وهذا ينبني على إحدى الروايتين في أن جناية المرء على نفسه خطأ تحملها عاقلته. والوجه الثاني: أن ما قابل فعل المقتول هدر لا تضمنه العاقلة ولا غيرها، ويجب الثلثان الباقيان على عاقلة شريكيه، وهذا ينبني على الرواية الأخرى في أن جناية الإنسان على نفسه هدر. والثالث: أن يلغى فعل المقتول في نفسه، وتجب ديته بكمالها على عاقلة الآخرين.

مسألة 79: (وإن كانوا أكثر من ثلاثة فالدية حالة في أموالهم) هذا صحيح في المذهب سواء كان المقتول منهم أو من غيرهم، إلا أنه إذا كان منهم يكون فعل المقتول في نفسه هدرا؛ لأنه لا تجب عليه لنفسه ويكون باقي الدية في أموال شركائه حالا؛ لأن التأجيل في الديات إنما يكون فيما تحمله العاقلة تخفيفا عنهم كي لا يشق عليهم؛ لأنهم يتحملونه مواساة، وهذا لا تحمله العاقلة؛ لأنها لا تحمل ما دون الثلث، والقدر اللازم لكل واحد منهم دون الثلث، وذكر أبو بكر رواية أخرى أن العاقلة تحملها؛ لأن الجناية فعل واحد وجبت دية تزيد على الثلث، والصحيح الأول؛ لأن كل واحد منهم يختص بموجب فعله دون فعل شركائه، وتحمل العاقلة إنما شرع للتخفيف عن الجاني فيما يشق ويثقل، وما دون الثلث يسير على ما أسلفناه، والذي يلزم كل واحد دون الثلث، وقوله: إنه فعل واحد، قلنا: بل هي أفعال، فإن فعل كل واحد منهم غير فعل الآخر، وإنما موجب الجميع واحد، فأشبه ما لو جرحه كل واحد جرحا فماتت النفس بجميعها.

[باب القسامة]
قال القاضي: القسامة هي الأيمان إذا كثرت، يقال: قسامة على وجه المبالغة، والأصل فيها ما روى يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار « (عن سهل بن أبي حثمة ورافع بن خديج أن

(1/580)


خيبر فتفرقا في النخل فقتل عبد الله بن سهل فاتهموا اليهود به، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته " فقالوا: أمر لم نشهده فكيف نحلف؟ قال: " فتبرئكم يهود بأيمان خمسين منهم " قالوا: قوم كفار، فوداه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من قبله»
(80) فمتى وجد قتيل فادعى أولياؤه على رجل قتله وكانت بينهم عداوة ولوث - كما كان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
محيصة بن مسعود وعبد الله بن سهل انطلقا قبل خيبر فتفرقا في النخل، فقتل عبد الله بن سهل، فاتهموا اليهود به) ، فجاء أخوه عبد الرحمن وابنا عمه حويصة ومحيصة للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فتكلم عبد الرحمن في أمر أخيه - وهو أصغرهم - (فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته، فقالوا: أمر لم نشهده فكيف نحلف؟ قال: فتبرئكم يهود بأيمان خمسين منهم، قالوا: يا رسول الله قوم كفار ضلال، قال: فوداه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من قبله) قال سهل: " فدخلت مربدا لهم فركضتني ناقة من تلك الإبل» متفق عليه.

مسألة 80: (فمتى وجد قتيل فادعى أولياؤه على رجل قتله وكانت بينهم عداوة ولوث - كما كان بين الأنصار وأهل خيبر - أقسم الأولياء على واحد منهم خمسين يمينا واستحقوا دمه) إذا كانت الدعوى عمدا، فإن لم يحلفوا له حلف المدعى عليه خمسين يمينا ويودى، ودليل هذه المسألة جميعها حديث سهل بن أبي حثمة ورافع بن خديج، ولا بد من اللوث - وهو العداوة - ولأن اليهود كانوا أعداء الأنصار فإنهم قالوا ليس لنا عدو بخيبر غير اليهود فقضى لهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذلك، وينبغي أن تكون الدعوى عمدا؛ لأنه قال: «تحلفون خمسين يمينا على رجل منهم فيدفع برمته» ، والرمة الحبل الذي يربط به من عليه القود يقاد به، وفي لفظ: «تحلفون وتستحقون دم صاحبكم» ، وإنما أراد دم القاتل، ولأنها حجة يثبت بها قتل العمد فيثبت بها القود كالبينة، هذا إذا حلف المدعون، فإن لم يحلفوا حلف المدعى عليه خمسين يمينا وبرئ؛ لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فتبرئكم يهود بأيمان خمسين منهم» أي يتبرأون منكم، وفي لفظ: «فيحلفون خمسين يمينا ويبرأون من دمه» ، وحكى أبو الخطاب عن أحمد رواية أخرى أنهم يحلفون ويغرمون الدية كقول أصحاب الرأي، ووجهه قول عمر وحديث سليمان بن يسار أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعلها

(1/581)


بين الأنصار وأهل خيبر - أقسم الأولياء على واحد منهم خمسين يمينا واستحقوا دمه، فإن لم يحلفوا حلف المدعى عليه خمسين وبرئ
(81) فإن نكلوا فعليهم الدية
(82) فإن لم يحلف المدعون ولم يرضوا بيمين المدعى عليه فداه الإمام من بيت المال
(83) ولا يقسمون على أكثر من واحد
(84) وإن لم يكن بينهم عداوة ولا لوث حلف المدعى عليه يمينا واحدة وبرئ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
على اليهود؛ لأنه وجد بين أظهرهم، والأولى أولى؛ لأنه قد ثبت أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يغرم اليهود الدية وأنه أداها من عنده، ولأنها أيمان مشروعة في حق المدعى عليه فيبرأ منها كسائر الحقوق.

مسألة 81: (فإن نكل المدعى عليهم عن اليمين فعليهم الدية) وعنه رواية أخرى أنهم يحبسون حتى يحلفوا، والأولى أنهم لا يحبسون؛ لأنها يمين مشروعة في حق المدعى عليه فلم يحبس عليها كسائر الأيمان، ولا يجب القصاص؛ لأن النكول حجة ضعيفة فلا يتغلظ بها الدم كالشاهد واليمين، قال القاضي: ويديه الإمام من بيت المال؛ لأنه مال وجب لامتناع الأيمان في القسامة فكانت (الدية) في بيت المال كما لو امتنع المدعون منها نص عليه أحمد، وقال أبو الخطاب: فيه رواية أخرى أن الدية تجب عليهم؛ لأنه حكم ثبت بالنكول فيثبت في حقهم هاهنا بالنكول كسائر الدعاوى.

مسألة 82: (فإن لم يحلف المدعون ولم يرضوا بيمين المدعى عليه وداه الإمام من بيت المال) بدليل حديث سهل حين أبى أهله أن يحلفوا ولم يقبلوا أيمان اليهود، فوداه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من عنده كراهة أن يطل دمه.

مسألة 83: (ولا يقسمون على أكثر من واحد) لا يختلف المذهب في ذلك؛ لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته» فخص بها الواحد، ولأنها بينة ضعيفة خولف بها الأصل في قتل الواحد فيقتصر عليه بقاء على الأصل فيما عداه، ولا تخفى مخالفة الأصل فإنها تثبت باللوث، واللوث شبهة تغلب على الظن صدق المدعي، والقود يسقط بالشبهات ولا يثبت بها.

مسألة 84: (وإن لم يكن بينهم عداوة حلف المدعى عليه يمينا واحدة وبرئ) فمتى لم يكن لوث لم يحلف المدعون ابتداء بغير خلاف علمناه بين أهل العلم، وهل يحلف

(1/582)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
المدعى عليه؟ على روايتين: إحداهما: يحلف؛ لعموم قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «واليمين على المدعى عليه» ، ولأنها دعوى في حق آدمي فيستحلف فيها كالدعوى في المال، والرواية الأخرى: لا يحلف ويخلى سبيله سواء كانت الدعوى خطأ أو عمدا؛ لأن النكول بدل وبدل هذه الأشياء لا يصح، فلا تكون اليمين حقا (للمدعى عليه، ولأنها دعوى فيها لا يجوز بدل فلم يستحلف فيها كالحدود، والأول أصح لموافقته العمومات والأصول) ، وإذا قلنا بمشروعية اليمين فهي يمين واحدة؛ لأنها يمين يعضدها الظاهر والأصل فلم تغلظ كما في سائر الدعاوى، وفي قول الشافعي يحلفون خمسين يمينا، فإن ادعى على جماعة فهل يحلف كل واحد منهم خمسين يمينا أو تقسم بينهم؟ على قولين.

(1/583)