المبدع
شرح المقنع ط عالم الكتب كتاب الحجر
باب الحجر
...
كتاب الحجر
وهو على ضربين حجر لحق الغير نذكر منه هاهنا
الحجر على المفلس
ـــــــ
كتاب الحجر
هو في اللغة المنع والتضييق ومنه سمي الحرام
حجرا قال الله تعالى: {وَيَقُولُونَ حِجْراً
مَحْجُوراً} [الفرقان:22] أي: حراما محرما
وسمي العقل حجرا لأنه يمنع صاحبه من ارتكاب ما
يقبح وتضر عاقبته
وهو في الشرع منع خاص يمنع الإنسان من التصرف
في ماله والأصل في مشروعيته قوله تعالى: {وَلا
تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ}
[النساء:5] أي: أموالهم لكن أضيفت إلى
الأولياء لأنهم قائمون عليها مدبرون لها وقوله
تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء:6]
الآية وإذا ثبت الحجر على هذين ثبت على
المجنون من باب أولى
"وهو على ضربين حجر لحق الغير" أي: لغير
المحجور عليه كالمفلس والمريض والزوجة بما زاد
على الثلث في تبرع على رواية والعبد والمكاتب
والمشتري ماله في البلد أو قريب منه بعد
تسليمه المبيع والراهن والمشتري بعد طلب شفيع
وضرب لحقه كالصغير والمجنون والسفيه "نذكر منه
هاهنا الحجر على المفلس" أي: لحق الغرماء
فالمفلس المعدم ومنه الخبر المشهور "من تعدون
المفلس فيكم؟" قالوا من لا درهم له ولا متاع
قال: "ليس ذلك المفلس ولكن المفلس من يأتي يوم
القيامة بحسنات أمثال الجبال ويأتي وقد ظلم
هذا وأخذ من عرض هذا فيأخذ هذا من حسناته وهذا
من حسناته فإن بقي عليه شيء أخذ من سيئاتهم
فرد عليه ثم طرح في النار" رواه مسلم بمعناه
فقولهم ذلك إخبار عن حقيقة المفلس لأنه عرفهم
ولغتهم وقوله ليس ذلك المفلس يجوز لم يرد به
نفي الحقيقة بل أراد فلس الآخرة لأنه أشد،
(4/187)
ومن لزمه دين
مؤجل لم يطالب به قبل اجله ولم يحجر عليه من
أجله فإن أراد سفرا يحل الدين قبل مدته
فلغريمه منعه إلا أن يوثقه برهن أو كفيل وإن
كان لا يحل قبله ففي منعه روايتان.
ـــــــ
وأعظم حتى إن فلس الدنيا عنده بمنزلة الغنى
ومنه قولهم أفلس بالحجة إذا عدمها وقيل: هو من
قولهم ثمر مفلس إذا خرج منه نواه فهو خروج
الإنسان من ماله
فحجر الفلس منع حاكم من عليه دين حال يعجز عنه
ماله الموجود من التصرف فيه والمفلس من لا مال
له ولا ما يدفع به حاجته وعند الفقهاء من دينه
أكثر من ماله
"ومن لزمه دين مؤجل لم يطالب به قبل" حلول
"أجله" لأنه لا يلزمه أداؤه قبل الأجل ومن شرط
المطالبة لزوم الأداء "ولم يحجر عليه من أجله"
لأن المطالبة لا تستحق فكذا الحجر "فإن أراد
سفرا يحل الدين قبل مدته" أي: قبل قدومه
"فلغريمه منعه" لأن عليه ضررا في تأخير حقه عن
محله "إلا أن يوثقه برهن" يجوز "أو كفيل" مليء
لزوال الضرر إذن
"وإن كان لا يحل قبله ففي منعه روايتان"
إحداهما: له منعه
قال في المغني: هو ظاهر كلام أحمد وقدمه في
المحرر وجزم به في الوجيز وصححه في الفروع لأن
قدومه عند المحل غير متيقن ولا ظاهر فملك منعه
إلا بوثيقة
والثانية: لا يملك منعه وهي ظاهر الخرقي لأن
هذا السفر ليس بأمارة على منع الحق في محله
فلم يملك منعه منه كالسفر القصير والمذهب
أنهما في غيرجهاد متعين زاد في الفروع وأمر
مخوف لأن في ذلك تعريضا لفوات النفس فلا يأمن
من فوات الحق فلو أحرم به لم يملك تحليله
وقال الشيخ تقي الدين وله منع عاجز حتى يقيم
كفيلا ببدنه ووجهه في الفروع.
(4/188)
وإن كان حالا
وله مال يفي به لم يحجر عليه ويأمره الحاكم
بوفائه فإن أبى حبسه فإن أصر على الحبس باع
ماله وقضى دينه.
ـــــــ
"وإن كان حالا" وهو عاجز عن وفاء بعضه حرم
مطالبته والحجر عليه وملازمته "و" إن كان "له
مال يفي به" أي: بدينه الحال "لم يحجر عليه"
لعدم الحاجة إلى ذلك لأن الغرماء يمكنهم
المطالبة بحقوقهم في الحال
"ويأمره الحاكم بوفائه" أي: بعد الطلب لأن
الغرماء إذا طلبوا ذلك منه تعين عليه لما فيه
من فصل القضاء المنتصب له والمذهب يجب إذن على
الفور ويمهل بقدر ذلك اتفاقا لكن إن خاف غريمه
منه احتاط بملازمته أو كفيل أو ترسيم عليه
قاله الشيخ تقي الدين
"فإن أبى حبسه" لما روى عمرو بن الشريد عن
أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لي
الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته" رواه أحمد وأبو
داود وغيرهما
قال أحمد: قال وكيع: عرضه شكواه وعقوبته حبسه
وليس لحاكم إخراجه حتى يتبين له أمره أو يبرئه
غريمه فإذا صح عند الحاكم عسرته أخرجه ولم
يسعه حبسه فإن أصر على عدم الوفاء مع القدرة
ضرب ذكره في المنتخب وغيره
قال في الفصول وغيره يحبسه فإن أبى عزره قال
ويكرر حبسه وتعزيره حتى يقضيه قال الشيخ تقي
الدين لا أعلم فيه نزاعا لكن لا يزاد كل يوم
على أكثر التعزير إن قيل يتقدر
فائدة: روى البخاري من حديث أبي موسى الحبس
على الدين من الأمور المحدثة وأول من حبس عليه
شريح وكان الخصمان يتلازمان قال ابن هبيرة
فأما الحبس الآن على الدين فلا أعرف أنه يجوز
عند أحد من المسلمين وأنا على إزالته حريص ورد
بأن الحبس عليه مذهب مالك والشافعي والنعمان
وأبي عبيد وعبيد الله بن الحسن وغيرهم
"فإن أصر على الحبس" ولم يقض الدين "باع"
الحاكم "ماله وقضى دينه" لما
(4/189)
وإن ادعى
الإعسار وكان دينه عن عوض كالبيع وأعرض أو عرف
له مال سابق حبس إلى أن يقيم بينة على نفاذ
ماله أو إعساره وهل يحلف معها على وجهين،
ـــــــ
روى كعب بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم:
حجر على معاذ ماله وباعه في دين كان عليه رواه
الخلال والدارقطني من رواية إبراهيم بن معاوية
وقد ضعف ورواه الحاكم وقال على شرطهما.
وظاهره: يجب نقل حرب إذا تقاعد بحقوق الناس
يباع عليه ويقضى وقال الشيخ تقي الدين لا
يلزمه ذلك وهو ظاهر ما قدمه في الفروع.
فرع: إذا مطله بحقه أحوجه إلى الشكاية فما
غرمه بسبب ذلك فعلى المماطل "وإن ادعى الإعسار
وكان دينه عن عوض كالبيع والقرض أو عرف له مال
سابق" زاد جماعة والغالب بقاؤه "حبس" لأن
الأصل بقاء ماله وحبسه وسيلة إلى قضاء دينه
كالمقر بيساره. وكذا إذا لزمه عن غير مال
كالضمان وأقر بالملاءة فيقبل قول غريمه أنه لا
يعلم عسرته بدينه "إلى أن يقيم بينة على نفاد
ماله" أي: تلفه وتقبل البينة من أهل الخبرة
الباطنة وغيرها لأن التلف يطلع عليه "أو
إعساره" لأن البينة تظهر عسرته فوجب اعتبارها
وحينئذ لا يجوز حبسه ويجب إنظاره.
ولا تحل ملازمته لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ
ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ}
[البقرة:280] وتعتبر البينة به أن يكون من أهل
الخبرة الباطنة ذكره في المغني والشرح.
"وهل يحلف معها" أي: مع البينة انه معسر "على
وجهين" أحدهما لا يحلف وهو ظاهر كلام أحمد قال
القاضي سواء شهدت بتلف المال أو الإعسار لأنها
بينة مقبولة فلم يستحلف معها كما لو شهدت بأن
هذا عبده والثاني: بلى وذكره ابن أبي موسى عن
أصحابنا لاحتمال أن يكون له مال باطن خفي على
البينة والمذهب كما قطع به الشيخان وصححه في
الرعاية والفروع أنها إن شهدت بالتلف فطلب منه
اليمين على
(4/190)
وإن لم يكن
كذلك حلف وخلي سبيله وإن كان له مال لا يفي
بدينه،
ـــــــ
عسرته لزمه ذلك لأن اليمين على أمر محتمل خلاف
ما شهدت به البينة وإن شهدت بالإعسار فلا لما
فيه من تكذيب البينة
تنبيه: ظاهر كلامهم أنه متى توجه حبسه حبس ولو
كان أجيرا في مدة الإجارة أو امرأة مزوجة لأن
الإجارة والزوجية لا تمنع من الحبس إن قيل به
وذكر الشيخ تقي الدين فيما إذا كان المدعي
امرأة على زوجها فإذا حبس لم يسقط من حقوقه
عليها شيء قبل الحبس بل يستحقه عليها كحبسه في
دين غيره فله إلزامها بملازمة بيته فإن خاف أن
تخرج منه بلا إذنه فله أن يسكنها حيث لا
يمكنها الخروج كما لو سافر عنها
"وإن لم يكن كذلك" أي: لم يكن دينه عن عوض
كأرش جناية أو قيمة متلف أو مهر أو عوض خلع أو
ضمان ولم يقر بالملاءة ولم يعرف له مال سابق
"حلف" أنه لا مال له "وخلي سبيله" لأن الأصل
عدم المال
قال ابن المنذر: الحبس عقوبة ولا نعلم له ذنبا
يعاقب به والأصل عدم ماله بخلاف من علم له مال
فإنه يحبس حتى يعلم ذهابه وفي الترغيب يحبس
إلى ظهور إعساره وفي البلغة إلى أن يثبت وظاهر
الخرقي يحبس في الحالين والمذهب ما تقدم.
مسألة: يحرم أن يحلف معسر لا حق عليه ويتأول
نص عليه ومن سئل عن غريب وظن إعساره شهد.
فائدة: قال أحمد: ثنا عفان ثنا عبد الوارث ثنا
محمد بن جحادة عن سليمان ابن بريدة عن أبيه:
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أنظر
معسرا فله بكل يوم مثله صدقة قبل أن يحل الدين
فإذا حل الدين فأنظره فله بكل يوم مثليه صدقة"
إسناده جيد
"وإن كان له مال لا يفي بدينه" أي: الحال ولا
كسب له ولا ما ينفق منه.
(4/191)
فسأل غرماؤه
الحاكم الحجر عليه لزمته إجابتهم ويستحب
إظهاره والإشهاد عليه.
فصل
ويتعلق بالحجر عليه أربعة أحكام أحدها: تعلق
حق الغرماء بماله فلا يقبل إقراره عليه ولا
يصح تصرفه فيه إلا العتق على إحدى الروايتين.
ـــــــ
غيره أو خيف تصرفه فيه فسأل غرماؤه الحاكم
الحجر عليه لزمته إجابتهم لأنه عليه السلام
حجر على معاذ لما سأله غرماؤه والأصح ان طلب
البعض كالكل وظاهره: أنه لا يحجر عليه من
غيرسؤال الغرماء لكن لو طلبه المفلس وحده
فوجهان المذهب لا يلزمه إجابته. "ويستحب
إظهاره" أي: إظهار الحجر عليه "والإشهاد عليه"
لأن في ذلك إعلاما للناس بحاله فلا يعامله أحد
إلا على بصيرة و ليثبت عند حاكم آخر فلا يحتاج
إلى إبتداء حجر ثان وهل للحاكم أن يشفع في
إسقاط بعض الدين على روايتين.
فصل
"ويتعلق بالحجر عليه أربعة أحكام أحدها تعلق
حق الغرماء بماله" لأنه لو لم يكن كذلك لما
كان في الحجر عليه فائدة ولأنه يباع في ديونهم
فكانت حقوقهم متعلقة به كالرهن "فلا يقبل
إقراره عليه" لأن حقوق الغرماء متعلقة بأعيان
ماله فلم يقبل الإقرار عليه كالعين المرهونة
"ولا يصح تصرفه فيه" لأنه محجور عليه بحكم
الحاكم أشبه السفيه ومرادهم بالتصرف إذا كان
مستأنفا فإن كان غير مستأنف كرد بعيب اشتراه
قبل الحجر وفسخه بالخيار المشترط قبل الحجر
نفذ ولا يتقيد بالأحظ في أصح الوجهين قاله في
البلغة
"إلا العتق على إحدى الروايتين" كالتدبير
اختارها أبو بكر لأنه عتق من
(4/192)
وإن تصرف في
ذمته بشراء أو ضمان أو إقرار صح ويتبع به بعد
فك الحجر عنه،
ـــــــ
مالك فنفذ كالراهن لأن الشارع متشوف إليه
ولذلك صح معلقه وكمل مبعضه زاد في المستوعب
وصدقه بيسير
والثانية: لا ينفذ اختارها أبو الخطاب في رؤوس
المسائل وصححها في المغني والشرح وهي المذهب
لأنه ممنوع من التبرع لحق الغرماء فلم ينفذ
عتقه كالمريض الذي يستغرق بدينه ماله ولأن
الحاكم لم ينشئ الحجر إلا للمنع من التصرف وفي
صحة العتق إبطال لذلك. وعلم من ذلك أن تصرفه
في ملكه بالبيع ونحوه قبل الحجر عليه صحيح نص
عليه لأنه رشيد غير محجور عليه ولأن سبب المنع
الحجر فلا يتقدم سببه وقيل: لا ينفذ واختاره
الشيخ تقي الدين وعنه: له منع ابنه من تصرفه
في ماله إن أضره وعلى الأول يحرم إن أضر
بغريمه ذكره الآدمي البغدادي
فرع: لو أكرى جملا بعينه أو دارا لم ينفسخ
بالفلس والمكتري أحق بها حتى تنقضي مدته.
آخر: يكفر هو وسفيه بصوم فإن فك حجره قبل
تكفيره وقدر كفر بغيره
"وإن تصرف في ذمته بشراء أو ضمان أو إقرار صح"
لأنه أهل للتصرف فالحجر متعلق بماله لا بذمته
منه فوجب صحة تصرفه في ذمته عملا بأهليته
السالمة عن معارضة الحجر. "ويتبع به بعد فك
الحجر عنه" لأنه حق عليه لم يتعلق بماله قبل
فك الحجر لحق الغرماء فوجب أن يتبع به بعد فك
الحجر عنه لزوال العارض وليس لأرباب هذه
الحقوق مشاركة الغرماء لأن من علم بفلسه
وعامله فقد رضي بالتأخير ومن لم يعلم فقد فرط
أما إن ثبت عليه حق ببينة شارك صاحبه الغرماء
لأنه دين ثابت قبل الحجر عليه أشبه ما لو شهد
به قبل الحجر.
(4/193)
وإن جنى شارك
المجني عليه الغرماء وإن جنى عبده قدم حق
المجني عليه بثمنه.
فصل
الثاني: ان من وجد عنده عينا باعها اياه فهو
أحق بها،
__________
"وإن جنى" المفلس "شارك المجني عليه الغرماء"
لأن حقه ثبت على الجاني بغير اختيار من له
الحق ولم يرض بتأخيره كما قبل الحجر عليه
وحكم الجناية إذا كانت موجبة للقصاص وصولح على
مال حكم الجناية الموجبة للمال ابتداء لا يقال
أرش الجناية هنا يقدم على الغرماء كما تقدم
جناية العبد المرهون على حق المرتهن لأن دين
الجناية والغرماء يتعلق فيهما بالذمة بخلاف
جناية العبد المرهون فإنها متعلقة بالعين تفوت
بفواتها
"وإن جنى عبده قدم حق المجني عليه بثمنه" لأن
حقه تعلق بالعين فيقدم على من تعلق حقه بالذمة
كما يقدم حق المرتهن بثمن الرهن على الغرماء
ولأن حق المجني عليه يقدم على المرتهن فأولى
أن يقدم على حق الغرماء
مسألة: إذا وجب له قود فله أخذه وتركه مجانا
نص عليه وما أخذه أو عفا عنه فللغرماء أخذه
وكذا لو عفا مطلقا و قلنا: الواجب بقتل العمد
أحد شيئين.
فصل
"الثاني: أن من وجد عنده عينا باعها اياه فهو
أحق بها" روي عن علي وعمار وأبي هريرة لحديث
أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
"من أدرك متاعه عند إنسان أفلس فهو أحق به"
متفق عليه
قال أحمد: لو أن حاكما حكم أنه أسوة الغرماء
ثم رفع إلى رجل يرى
(4/194)
بشرط أن يكون
المفلس حيا،
ـــــــ
العمل بالحديث جاز له نقض حكمه ذكره في المغني
والشرح ويحتمل أن لا ينقض وحينئذ البائع
بالخيار بين الرجوع فيها وبين أن يكون أسوة
الغرماء وسواء كانت السلعة مساوية لثمنها أو
لا
وظاهره: لا يفتقر الفسخ إلى حكم حاكم لثبوته
بالنص كفسخ المعتقة وقيل: بل بناء على تسويغ
الاجتهاد وهو على التراخي كالرجوع في الهبة
وقيل: على الفور نصره القاضي كخيار الشفعة
وهما مبنيان على الروايتين في الرد بالعيب
قاله في الشرح فلو بذل الغرماء الثمن لصاحب
السلعة لم يلزمه قبوله نص عليه
فإن دفعوا الثمن إلى المفلس فبذله للبائع لم
يكن له الفسخ لأنه زال العجز عن تسليم الثمن
فزال ملك الفسخ كما لو أسقط الغرماء حقهم
وفيما إذا باعه بعد حجره في ذمته وتعذر
الاستيفاء أقوال ثالثها له خيار الفسخ إذا كان
جاهلا به وهو ظاهر كلام جماعة لأن العالم دخل
على بصيرة بخراب الذمة كما لو اشترى معيبا
يعلم عيبه بخلاف الجاهل
ويستثنى من ذلك ما إذا كان المبيع صيدا
والبائع محرم فإنه لا يملك الرجوع فيه كما لو
اشتراه وظاهره: اختصاص هذا الحكم بالبيع وليس
كذلك فلو اقترض مالا ثم أفلس وعين المال قائمة
فله الرجوع فيها
أو أصدق امرأة عينا ثم انفسخ نكاحها بسبب من
جهتها يسقط صداقها إن طلقها قبل الدخول فاستحق
الرجوع في نصفه وقد أفلست ووجد عين ماله فهو
أحق به وظاهره: أنه لا رجوع لورثة البائع
لظاهر الخبر
والأصح: أنه يثبت لهم "بشرط أن يكون المفلس
حيا" إلى أخذها لما روى أبو بكر بن عبد الرحمن
بن الحارث بن هشام: أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: "أيما رجل باع متاعا فأفلس الذي
ابتاعه ولم يقبض الذي باعه من ثمنه شيئا فوجد
متاعه بعينه فهو أحق به وإن مات المشتري فصاحب
المتاع أسوة الغرماء" رواه مالك وأبو داود
مرسلا ورواه أبو داود مسندا من حديث إسماعيل
بن عياش
(4/195)
ولم ينقد من
ثمنها شيئا والسلعة بحالها لم يتلف بعضها،
ـــــــ
عن الزبيدي عن الزهري عن أبي بكر عن أبي هريرة
قال أبو داود وحديث مالك أصح. فعلى هذا:
البائع أسوة الغرماء سواء علم بفلسه قبل الموت
فحجر عليه ثم مات أو مات فتبين فلسه ولأن
الملك انتقل عن المفلس إلى الورثة أشبه ما لو
باعه
وعنه: له الرجوع لما روى عمر بن خلدة قال
أتينا أبا هريرة في صاحب لنا قد أفلس فقال
لأقضينّ فيكم بقضاء رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "من افلس أو مات فوجد رجل متاعه بعينه
فهو احق به" رواه أبو داود
وجوابه: بأنه مجهول الإسناد قاله ابن المنذر
وهذا الشرط لم يذكره في التلخيص والبلغة
"ولم ينقد من ثمنها شيئا" ولا أبرئ من بعضه
فإن كان قد نقد من ثمنها أو أبرئ منه فهو أسوة
الغرماء لأن في الرجوع في قسط ما بقي تبعيضا
للصفقة على المشتري وإضرارا له لا يقال لا ضرر
فيه لكون مال المفلس يباع ولا يبقى لأن الضرر
متحقق مع البيع فإنه لا يرغب فيه كالرغبة
منفردا فينقص ثمنه فيتضرر المفلس والغرماء
ولأنه سبب يفسخ به البيع فلم يجز مع تشقيصه
كالرد بالعيب
"والسلعة بحالها لم يتلف بعضها" للخبر فلو ذهب
بعض أطراف العبد أو عينه أو بعض الثوب أو
انهدم بعض الدار أو تلفت الثمرة فيما إذا
اشترى شجرا مثمرا لم تظهر ثمرته قاله في
والشرح فهو اسوة الغرماء لأنه لم يجدها بعينها
إذ الشارع جعله شرطا في الرجوع
ولا فرق بين أن يرضى بالموجود بجميع الثمن أو
يأخذه بقسطه منه لأنه فات شرط الرجوع
فإن باع بعضه أو وهبه أو وقفه أو خلطه بغيره
على وجه لا يتميز،
(4/196)
ولم تتغير
صفتها بما يزيل اسمها كنسج الغزل وخبز الدقيق
ولم يتعلق بها حق من شفعة أو جناية،
ـــــــ
كزيت بمثله فهو كتلفه وظاهره: ولو كان المبيع
عينين وفيه روايتان إحداهما: ونقلها أبو طالب
لا رجوع بل هو أسوة الغرماء لأنه لم يجد
المبيع بعينه
والثانية: بلى نقلها الحسن بن ثواب وقدمها في
المحرر لأن السالم من المبيع وجده بعينه فيدخل
في العموم وحينئذ يأخذ الباقي بقسطه من الثمن
وعليها يفرق بينها وبين ما إذا قبض بعض الثمن
لأن المقبوض من الثمن مقسط على المبيع فيقع
القبض من ثمن كل واحدة من العينين وقبض شيء من
ثمن ما يريد الرجوع فيه مبطل له بخلاف التلف
فإنه لا يلزم من تلف أحد العينين تلف شيء من
العين الأخرى
"ولم تتغير صفتها بما يزيل اسمها كنسج الغزل
وخبز الدقيق" وجعل الزيت صابونا والخشبة بابا
والشريط إبرا ونحو ذلك لأنه لم يجد متاعه
بعينه فلم يكن له الرجوع كالتلف
وكما لو كان نوى فنبت شجرا قاله ابن المنجا
وفيه شيء فإنهم اختلفوا في الحب إذا صار زرعا
وبالعكس والنوى إذا نبت شجرا والبيض إذا صار
فراخا فذهب القاضي وصاحب التلخيص أنه لا يسقط
الرجوع لأن الخارج هو نفسه والأشهر عندنا أنه
لا يملك الرجوع كما هو ظاهر كلام المؤلف
ودخل في كلامه ما لو كان المبيع أمة بكرا
فوطئها المشتري أنه لا رجوع له لما ذكرنا وفيه
وجه بلى كالرد بالعيب في الأصح ووطء غيره كهو
"ولم يتعلق بها حق" للغير "من شفعة" وجزم به
المحققون لأن حقه أسبق لكونه ثبت بالبيع
والبائع حقه ثبت بالحجر وما كان أسبق فهو أولى
وقال ابن حامد: للبائع أخذه لعموم الخبر وفي
ثالث إن طالب بها فهو أحق لتأكد حقه بالمطالبة
وإلا فلا
"أو جناية" فإن كان المبيع عبدا فجنى ثم أفلس
المشتري فالمذهب: أن
(4/197)
أو رهن ونحوه
ولم تزد زيادة متصلة كالسمن وتعلم صنعة وعنه:
أن الزيادة لا تمنع الرجوع،
ـــــــ
البائع أسوة الغرماء لأن الرهن يمنع الرجوع
وحق الجناية مقدم عليه فأولى أن يمنع
والثاني: لا يمنع لأنه حق يمنع تصرف السيد
بالبيع وغيره فلا يمنع الرجوع كما لو ثبت في
ذمته دين
فعلى هذا يخير إن شاء رجع فيه ناقصا بأرش
الجناية وإن شاء ضرب بثمنه مع الغرماء وقيل:
ما نقص من قيمته رجع بقسطه من ثمنه
"أو رهن" بغير خلاف نعلمه للخبر ولأن المفلس
عقد قبل الفلس عقدا منع نفسه من التصرف فلم
يملك الرجوع كما لو وهبه ولأن في الرجوع
إضرارا بالمرتهن والضرر لا يزال بمثله فإن كان
دين المرتهن دون قيمة الرهن بيع كله فقضى منه
دينه وباقيه يرد على مال المفلس فإن بيع بعضه
فباقيه يشترك فيه الغرماء
وقال القاضي: يرجع فيه البائع لأنه عين ماله
فلو كان المبيع عينين فرهن إحداهما فهل يملك
البائع الرجوع في الأخرى؟ على وجهين بناء على
الروايتين فيما إذا تلفت إحداهما "ونحوه"
كالعتق
مسألة: إذا أفلس بعد خروجه من ملكه بوقف ونحوه
فلا رجوع له فإن أفلس بعد رجوعه إلى ملكه
فأوجه ثالثها إن عاد إليه بفسخ كإقالة فله
الرجوع لا إذا عاد بسبب جديد لأنه لم يصل إليه
من جهته فلو اشتراها ثم باعها ثم اشتراها فقيل
البائع الأول أولى لسبقه وقيل: يقرع
"ولم تزد زيادة متصلة كالسمن وتعلم صنعة" هذا
اختيار الخرقي وقاله في الإرشاد والموجز لأن
الرجوع فسخ بسبب حادث فلم يملك به الرجوع في
عين المال الزائد زيادة متصلة كفسخ النكاح
بالإعسار أو الرضاع
"وعنه: أن الزيادة لا تمنع الرجوع" هذا هو
المنصوص عن أحمد وهو
(4/198)
فأما الزيادة
المنفصلة والنقص بهزال أو نسيان صنعة فلا يمنع
الرجوع،
ـــــــ
المذهب لعموم الخبر ولأنه فسخ لا يمنع منه
الزيادة المنفصلة فكذا المتصلة كالرد بالعيب
وفارق الرد هنا الرد بالفسخ بالإعسار أو
الرضاع من حيث إن الزوج يمكنه الرجوع في قيمة
العين فيحصل له حقه تاما وها هنا لا يمكن
البائع الرجوع في جميع الثمن لمزاحمة الغرماء
فلا يحصل له حقه تاما ونصر في المغني والشرح
الأول
"فأما الزيادة المنفصلة" كالولد والثمرة"
والنقص بهزال أو نسيان صنعة فلا يمنع الرجوع"
بغير خلاف بين أصحابنا قاله في الشرح وفيه شيء
لأن البائع وجد عين ماله فكان أحق به بخلاف
المتصلة وقيل: يمنع وحكاه في الموجز والتبصرة
رواية كالمتصلة وعلى الأول لا فرق بين أن ينقص
بالزيادة أو لا إذا كان على صفته
"والزيادة للمفلس" في ظاهر الخرقي وقاله
القاضي وابن حامد وصححه في المغني والشرح وجزم
به في الوجيز لأنها زيادة حصلت في ملكه فكانت
له يؤيده "الخراج بالضمان"
"وعنه: للبائع "نص عليه وهو الأشهر لأنها
زيادة فكانت للبائع كالمتصلة وحكاه في المغني
قولا لأبي بكر وانه أخذه من قول أحمد في ولد
الجارية ونتاج الدابة وقياسهم على المتصلة
غيرصحيح لأنه يتبع في الفسوخ والرد بالعيب
بخلاف المنفصلة
قال في المغني: ولا ينبغي أن يقع في هذا خلاف
لظهوره وأما نقص المال بذهاب صفة مع بقاء عينه
فلا يمنع لأن فقد الصفة لا يخرجه عن كونه عين
ماله لكن يتخير بين أخذه ناقصا بجميع حقه وبين
أن يضرب مع الغرماء بكمال ثمنه لأن الثمن لا
يتقسط على صفة السلعة من سمن وهزال وعلم ونحوه
فيصير كنقصه لتغير الأسعار
"وإن صبغ الثوب أو قصره" أولت السويق بزيت "لم
يمنع الرجوع" ذكره الأصحاب لأن العين قائمة
مشاهدة لم يتغيراسمها ولا صفتها
(4/199)
والزيادة
للمفلس وعنه: للبائع وإن صبغ الثوب أو قصره لم
يمنع الرجوع والزيادة للمفلس وإن غرس أو بنى
فيها فله الرجوع ودفع قيمة الغراس والبناء
فيملكهما،
ـــــــ
"والزيادة للمفلس" لأنها حصلت بفعله في ملكه
فيكون شريكا للبائع بما زاد عن قيمة الثوب
والسويق وإن حصل نقص فعلى المفلس لكن إن نقصت
قيمتها فيخير البائع بين أخذهما ناقصين ولا
شيء له وبين تركهما وهو أسوة الغرماء لأن هذا
نقص صفته فهو كالهزال
وقيل: لا رجوع إن زادت القيمة لأنه اتصل
بالمبيع زيادة للمفلس فمنعت الرجوع كالسمن
وحاصله إذا قصر الثوب لم يخل من حالين أحدهما
أن لا تزيد قيمته بذلك فللبائع الرجوع
والثاني: أن تزيد قيمته به فظاهر الخرقي أنه
لا يملك الرجوع لأنه زاد زيادة لا تتميز فهي
كالسمن
وقال القاضي وأصحابه: له الرجوع لأنه أدرك
متاعه بعينه فعلى هذا إن كانت القصارة بفعل
المفلس أو بأجرة وفاها فهما شريكان في الثوب
فإن اختار البائع دفع قيمة الزيادة إلى المفلس
لزمه قبولها لأنه يتخلص بذلك من ضرر الشركة
أشبه ما لو دفع الشفيع قيمة البناء إلى
المشتري وإن لم يختر بيع الثوب وأخذ كل واحد
بقدر حقه
فلو كان قيمة الثوب خمسة فصار يساوي ستة
فللمفلس سدسه وللبائع خمسة أسداسه وإن كان
العمل من صانع لم يستوف أجره فله حبس الثوب
على استيفاء أجرته اقتصر عليه في الشرح
"وإن غرس" المفلس الأرض "أو بنى فيها فله" أي:
للبائع "الرجوع" هذا هو الأصح قبل قلع غرس أو
بناء لأنه أدرك متاعه بعينه ومال المشتري دخل
على وجه التبع كالصبغ "ودفع قيمة الغراس
والبناء فيملكهما" لأنهما حصلا في ملكه لغيره
بحق فكان له أخذه بقيمته كالشفيع ويملك البائع
قلعه وضمان
(4/200)
إلا أن يختار
المفلس والغرماء القلع ومشاركته بالنقص فإن
أبوا القلع وأبى البائع دفع القيمة سقط
الرجوع،
ـــــــ
نقصه كالمعير إذا رجع في أرضه بعد غرس
المستعير
والثاني: لا يملك الرجوع إلا بعد القلع لأنه
غرس المفلس وبناؤه فلم يجبر على بيعه لهذا
البائع ولا على قلعه كما لو لم يرجع في الأرض
وعلى الأول لو قلعه المفلس والغرماء لزمهم
تسوية الأرض وأرش نقصها الحاصل به ويضرب
بالنقص مع الغرماء وعلى الثاني لا.
"إلا أن يختار المفلس والغرماء القلع ومشاركته
بالنقص" لأن البائع لا حق له في الغراس
والبناء فلا يملك إجبار مالكهما على المعاوضة
فعلى هذا يرجع في أرضه ويضرب مع الغرماء بأرش
نقصها لأن ذلك نقص حصل لتخليص ملك المفلس فكان
عليه كما لو دخل فصيل دارا فكبر ولم يمكن
إخراجه إلا بالانهدام
"فإن أبوا القلع وأبى البائع دفع القيمة سقط
الرجوع" في الأصح لما فيه من الضرر على
المشتري والغرماء والضرر لا يزال بمثله ولأن
عين مال البائع صارت مشغولة بملك غيره فسقط
حقه من الرجوع كما لو كان مسامير فسمر بها
بابا أو خشبة فبنى عليها دارا وظاهره: أنهم
إذا امتنعوا من القلع لم يجبروا لوضعه بحق
وقال القاضي: له الرجوع لأنه أدرك متاعه بعينه
وكالثوب إذا صبغه وجوابه المنع ولو سلم فيفرق
بينهما من حيث إن الصبغ يفرق في الثوب فصار
كالصفة بخلاف الغراس والبناء فإنها أعيان
متميزة وبأن الثوب لا يراد للبقاء بخلاف الأرض
فعلى قوله إذا رجع في الأرض بقي الغراس
والبناء للمفلس
فإن اتفق الجميع على البيع بيعت الأرض بما
فيها وأخذ كل واحد قدر حصته وقيل: يباع الغرس
مفردا وعلى الأول يقسم الثمن على قدر القيمتين
فتقوم الأرض خالية ثم تقوم وهما بها فقيمة
الأرض خالية للبائع،
(4/201)
ـــــــ
والزيادة للمفلس والغرماء
تنبيه: شرط بعض أصحابنا أيضا أن يكون الثمن
حالا فإن كان مؤجلا فلا رجوع للبائع قاله أبو
بكر وصاحب التلخيص فيه لعدم تمكنه من المطالبة
وظاهر كلامه هنا وقاله الأكثر أن هذا ليس بشرط
والمنصوص أنه يوقف إلى الأجل ثم يعطاه وقال
ابن أبي موسى له أخذه في الحال
ومحل الرجوع إذا استمر العجز عن أخذ الثمن فإن
تجدد للمفلس مال بعد الحجر وقبل الرجوع فلا
رجوع إذن
مسائل
الأولى: لو اشترى أرضا فزرعها ثم أفلس يقر
الزرع لربه مجانا إلى الحصاد فإن اتفق المفلس
والغرماء على الترك أو القطع جاز وإن اختلفوا
وله قيمة بعد القطع قدم قول من يطلبه
الثانية : إذا اشترى نخلا فأطلع ثم أفلس قبل
التأبير فالطلع زيادة متصلة في الأصح وإن كان
بعده فمنفصلة وحكم الشجر كذلك
الثالثة: إذا اشترى غراسا فغرسه في أرضه ثم
أفلس ولم تزد الغراس فله الرجوع فيه فإن أخذه
لزمه تسوية الأرض وأرش نقصها فإن بذل الغرماء
والمفلس له القيمة لم يجبر على قبولها وإن
امتنع من القلع فبذلوا القيمة له ليملكه
المفلس أو أرادوا قلعه وضمان النقص فلهم ذلك
وكذا لو أرادوا قلعه من غيرضمان النقص في
الأصح
الرابعة: إذا اشترى أرضا من شخص وغراسا من آخر
وغرسه فيها ثم أفلس ولم يزد فلكل الرجوع في
عين ماله ولصاحب الأرض قلع الغراس من غير ضمان
فإن قلعه بائعه لزمه تسوية الأرض وأرش نقصها
الحاصل به فإن بذل صاحب الغراس قيمة الأرض
لصاحبها لم يجبر على ذلك وفي العكس إذا امتنع
من القلع له ذلك في الأصح.
(4/202)
فصل
الثالث: بيع الحاكم ماله وقسم ثمنه وينبغي أن
يحضره ويحضر الغرماء ويبيع كل شيء في سوقه،
ـــــــ
الخامسة: رجوع البائع فسخ للبيع لا يحتاج إلى
معرفة المبيع ولا إلى القدرة على تسليمه فلو
رجع بثمن آبق صح وصار له فإن قدر أخذه وإن تلف
فمن ماله وإن بان تلفه حين استرجعه بطل
استرجاعه وإن رجع في مبيع اشتبه بغيره قدم
تعيين المفلس لإنكاره دعوى استحقاق البائع وإن
مات بائع مدينا فمشتر أحق بطعام وغيره ولو قبل
قبضه نص عليه.
فصل
"الثالث: بيع الحاكم ماله وقسم ثمنه" على
الغرماء لأنه عليه السلام لما حجر على معاذ
باع ماله في دينه وقسم ثمنه بين غرمائه ولفعل
عمر ولأنه محجور عليه يحتاج إلى قضاء دينه
فجاز بيع ماله بغير رضاه كالسفيه ولا يباع إلا
بثمن مثله المستقر في وقته أو أكثر لكن إن كان
ماله من جنس الدين قسمه على الغرماء من غير
بيع صرح به في الشرح والفروع. "وينبغي" أي:
يستحب "أن يحضره" أي: المفلس وقت البيع لفوائد
منها أن يحضر ثمن متاعه ويضبطه ومنها أنه أعرف
بالجيد من متاعه فإذا حضر تكلم عليه ومنها أنه
تكثر فيه الرغبة ومنها أنه أطيب لنفسه وأسكن
لقلبه ووكيله كهو قاله في البلغة
"ويحضر الغرماء" لأنه لهم وربما رغبوا في شيء
فزادوا في ثمنه وأطيب لقلوبهم وأبعد للتهمة
قال في الشرح وغيره وربما يجد أحدهم عين ماله
فيأخذها
"ويبيع كل شيء في سوقه" لأنه أحوط وأكثر
لطلابه فلو باعه في غير سوقه بثمن مثله صح لأن
الغرض تحصيل الثمن كالوكالة ويبيع بنقد البلد
لأنه أصلح فإن كان فيه نقود باع بأغلبها فإن
تساوت باع بجنس الدين.
(4/203)
ويترك له من
ماله ما تدعو إليه حاجته من مسكن وخادم وينفق
عليه بالمعروف إلى أن يخلو من قسمه بين غرمائه
ويبدأ ببيع ما يسرع إليه الفساد ثم بالحيوان
ثم بالأثاث ثم بالعقار ويعطي المنادي أجرته من
المال،
ـــــــ
"و" يجب "أن يترك له من ماله ما تدعو إليه
حاجته من مسكن وخادم" لأن ذلك مما لا غنى له
عنه فلم يبع في دينه ككتابه وقوته لكن لو كان
له داران يستغني بإحداهما أو كانت واسعة تفضل
عن مسكن مثله بيع وكذا الخادم إذا كان نفيسا
"وينفق عليه بالمعروف إلى أن يخلو من قسمه بين
غرمائه" لقوله عليه السلام: "ابدأ بنفسك ثم
بمن تعول" لأن ملكه باق عليه قبل القسمة وذكر
في المغني والشرح أنه ينفق عليه من ماله إن لم
يكن له كسب ولم يتعرض المؤلف لنفقة عياله
وكسوتهم
ولا خلاف في وجوب نفقة زوجته وتكون دينا عليه
وكسوتها وكذا أولاده وأقاربه والواجب فيهما
أدنى ما ينفق على مثله ويكسى وتترك له آلة
حرفة أوما يتجر به إن عدمها نص عليه وفي
الموجز والتبصرة وفرس يحتاج إلى ركوبها ونقل
عبد الله يباع الكل إلا المسكن وما يواريه من
ثياب وخادما يحتاجه
"ويبدأ ببيع ما يسرع إليه الفساد" كالفاكهة
ونحوها لأن بقاءه يتلفه بيقين "ثم بالحيوان"
لأنه معرض للإتلاف ويحتاج في بقائه "ثم
بالأثاث" لأنه يخاف عليه وتناله الأيادي "ثم
بالعقار" لأنه لا يخاف تلفه بخلاف غيره وبقاؤه
أشهر له وأكثر لطلابه والعهدة على المفلس فقط
إذا ظهر مستحقا قاله في الشرح
"ويعطي المنادي أجرته من المال" لأن البيع حق
على المفلس لكونه طريقا إلى وفاء دينه وهذا
إذا لم يوجد متبرع
وقيل: أجرته من بيت المال مع إمكانه لأنه من
المصالح فإن لم يمكن،
(4/204)
ويبدأ بالمجني
عليه فيدفع إليه الأقل من الأرش أو ثمن الجاني
ثم بمن له رهن فيختص بثمنه،
ـــــــ
فمن المال وكذا الخلاف فيمن يحفظ المتاع
ويحمله ونحوهما وقيل: لا ينادي على عقار بل
يعلم به أهل البلد وقاله القاضي وجماعة
ويشترط فيه أن يكون ثقة فإن اتفق الكل على ثقة
أمضاه الحاكم وإن كان غير ثقة رده بخلاف
المرهون إذا اتفق الراهن والمرتهن على غيرثقة
لم يكن له رده والفرق أن للحاكم هنا نظرا فإنه
قد يظهر غريم آخر فإن اختلف المفلس في ثقة
والغرماء في آخر قدم المتطوع منهما وإلا قدم
أوثقهما وأعرفهما قاله ابن المنجا
وفي الفروع قدم من شاء منهما والمراد مع
التساوي في الصفات
"ويبدأ بالمجني عليه" أي: إذا كان عبده الجاني
لأن الحق متعلق بعينه يفوت بفواتها بخلاف بقية
الغرماء فلو كان هو الجاني فالمجني عليه أسوة
الغرماء لأن حقه متعلق بالذمة فيدفع إليه
الأقل من الأرش أو ثمن الجاني لأن الأقل إن
كان الأرش فهو لا يستحق إلا أرش الجناية وإن
كان ثمن الجاني فهو لا يستحق غيره لأن حقه
متعلق بعينه
فعلى هذا إذا فضل شيء من ثمن الجاني عن أرش
الجناية قسم على بقية الغرماء "ثم بمن له رهن"
كذا أطلقه في المحرر والوجيز والمذهب أنه مقيد
باللزوم
"فيختص بثمنه" أي: يباع سواء كان بقدر دينه
أولا ويختص المرتهن بثمنه بشرطه وسواء كان
المفلس حيا أو ميتا لأن حقه متعلق بعين الرهن
وذمة الراهن بخلاف الغرماء
وعنه: إذا مات الراهن أو أفلس فالمرتهن أحق به
ولم يعتبر وجود قبضه بعد موته أو قبله وفي
الرعاية يختص بثمن الرهن على الأصح.
(4/205)
فإن فضل له فضل
ضرب به مع الغرماء وإن فضل منه فضل رد على
المال ثم بمن له عين مال يأخذها ثم يقسم
الباقي بين باقي الغرماء على قدر ديونهم فإن
كان فيهم من له دين مؤجل لم يحل وعنه: يحل
ويشاركهم،
ـــــــ
"فإن فضل له فضل ضرب به مع الغرماء" لأنه
ساواهم في ذلك وإن فضل منه أي: من الرهن "فضل
رد على المال" لأنه انفك من الرهن بالوفاء
فصار كسائر مال المفلس
أصل: لم يذكر المؤلف حكم مستأجر العين حيث
أفلس المؤجر وهو أحق بها لأن حقه متعلق بالعين
والمنفعة وهي مملوكة له في هذه المدة بخلاف ما
لو استأجرها في الذمة فإنه أسوة الغرماء لعدم
تعلق حقه بالعين
"ثم بمن له عين مال يأخذها" بالشروط السابقة
"ثم يقسم الباقي بين باقي الغرماء" لتساوي
حقوقهم في تعلقها بذمة المفلس "على قدر
ديونهم" لأن فيه تسوية بينهم ومراعاة لكمية
حقوقهم فلو قضى الحاكم أو المفلس بعضهم لم يصح
لأنهم شركاؤه فلم يجز اختصاصه دونهم ولا
يلزمهم بيان أن لا غريم سواهم بخلاف الورثة
ذكره في الترغيب والفصول وغيرهما لئلا يأخذ
أحدهم ما لا حق له فيه
"فإن كان فيهم من له دين مؤجل لم يحل" هذا هو
المذهب المعروف وحكاه القاضي رواية واحدة لأن
الأجل حق للمفلس فلا يسقط بفلسه كسائر حقوقه
ولأنه لا يوجب حلول ماله فلا يوجب حلول ما
عليه كالإغماء "وعنه: يحل" حكاها أبو الخطاب
دفعا للضرر عن ربه ولأن الإفلاس يتعلق به
الدين بالمال فأسقط الأجل كالموت
"ويشاركهم" كبقية الديون الحالة وعنه: إن وثق
لم يحل لزوال الضرر والأجل نقلها ابن منصور
والأول أصح وقياسهم على الموت مردود بالمنع ثم
بتقدير تسليمه يفرق فإن ذمة الميت خربت بخلاف
المفلس
فعلى هذا لا يوقف له شيء ولا يرجع على الغرماء
إذا حل نعم إذا حل قبل
(4/206)
ومن مات وعليه
دين مؤجل لم يحل إذا وثق الورثة وعنه: يحل،
ـــــــ
القسمة شاركهم وإن كان بعد قسمة البعض شاركهم
في الباقي بجميع دينه ويضرب باقي الغرماء
ببقية ديونهم.
"ومن مات وعليه دين مؤجل لم يحل" هذا هو
المختار لعامة الأصحاب "إذا وثق الورثة" بأقل
الأمرين من قيمة التركة أو الدين بكفيل مليء
أو رهن لأن الأجل حق للميت فورث عنه كسائر
حقوقه
وظاهره: أنه يحل إذا لم يوثقوا على الأشهر جزم
به الشيخان لغلبة الضرر "وعنه: يحل" اختاره
ابن أبي موسى لأنه إما أن يبقى في ذمة الميت
أو الورثة أو متعلق بالمال فالأول منتف
لخرابها وتعذر مطالبته
والثاني: كذلك لأنهم لم يلتزموا الدين ولا رضي
صاحب الدين بذممهم وهي مختلفة متباينة.
والثالث: ممنوع لأنه لا يجوز تعليقه على
الأعيان وتأجيله لأنه ضرر على الميت لأن ذمته
مرتهنة بدينه وعلى صاحب المال لتأخر حقه وقد
يسقط لتلف العين وعلى الورثة لأنهم لا ينتفعون
بالأعيان ولا يتصرفون فيها
وظاهره: ولو قبله ربه وعنه: لا يحل مطلقا
اختاره أبو محمد الجوزي كدينه
مسائل
الأولى: إذا ورثه بيت المال فوجهان أحدهما يحل
لعدم وارث معين ولهذا للإمام أن يقطع الأراضي
وإن كانت لجميع المسلمين والثاني: ينتقل إلى
بيت المال ويضمن الإمام للغرماء.
الثانية: ظاهر كلامهم أنه إذا جن وعليه دين
مؤجل أنه لا يحل وفي التلخيص كما سبق وكذا في
حله بجنون
الثالثة: إذا مات وعليه دين حال ودين مؤجل و
قلنا: لا يحل وماله بقدر
(4/207)
وإن ظهر غريم
بعد قسم ماله رجع على الغرماء بقسطه وإن بقيت
على المفلس بقية وله صنعة فهل يجبر على إيجار
نفسه لقضائها؟ على روايتين
ـــــــ
الحال فهل يترك له ما يخصه ليأخذه أو يوفى
الحال ويرجع على ورثته صاحب المؤجل بحصته إذا
حل أو لا يرجع فيه أوجه.
الرابعة: إذا مات وعليه دين لم يمنع نقل
التركة إلى الورثة فإن تصرفوا فيها صح كتصرف
السيد في الجاني فإن تعذر وفاؤه فسخ تصرفهم
وعنه: يمنع
وفي الانتصار الصحيح أنه في ذمة ميت والتركة
رهن وفي الترغيب الدين وإن قل يمنعه من التصرف
نظرا له فعلى ذلك لا يصح تصرف كل من الغرماء
والورثة إلا بإذن الآخر وإن ضمنه ضامن وحل على
أحدهما لم يحل على غيره
"وإن ظهر غريم بعد قسم ماله" لم ينقض خلافا ل
المكافي "رجع على الغرماء بقسطه" لأنه لو كان
حاضرا شاركهم فكذا إذا ظهر وفي المغني هي قسمة
بان الخطأ فيها كقسمة أرضا أو ميراثا ثم بان
شريك أو وارث قال الأزجي فلو كان له ألف
اقتسمها غريماه نصفين ثم ظهر ثالث دينه كدين
أحدهما رجع على كل واحد بثلث ما قبضه وإن كان
أحدهما قد أتلف ما قبضه فظاهر المذهب أن
الثالث: يأخذ من الآخر ثلث ما قبضه من غير
زيادة.
فرع: ذكر المؤلف في فتاويه لو وصل مال لغائب
فأقام رجل بينة أن له عليه دينا وأقام آخر
بينة إن طالبا جميعا اشتركا وإن طالب أحدهما
اختص به لاختصاصه بما يوجب التسليم وعدم تعلق
الدين بماله قال في الفروع ومراده ولم يطالب
أصلا وإلا شاركه مالم يقبضه
"وإن بقيت على المفلس بقية" من الديون "وله
صنعة فهل يجبر على إيجار نفسه لقضائها؟ على
روايتين" الأشهر أنه يجبر لأنه عليه السلام
باع سرقا في دينه القدرة أبعرة رواه الدارقطني
من رواية خالد بن مسلم الزنجي وفيه ضعف
والحر لا يباع فعلم أنه باع منافعه إذ المنافع
تجري مجرى الأعيان في صحة
(4/208)
ولا ينفك عنه
الحجر إلا بحكم حاكم فإذا فك عنه الحجر فلزمته
ديون وحجر عليه شارك غرماء الحجر الأول غرماء
الحجر الثاني: فإن كان المفلس حق له به شاهد
واحد فأبى أن يحلف معه،
ـــــــ
العقد عليها وتحريم أخذ الزكاة فكذا هنا ولأن
الإجارة عقد معارضة فجاز إجباره عليها كبيع
ماله وكوقف وأم ولد استغني عنها
والثانية: لا لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو
عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ}
االبقرة ولقوله عليه السلام: "خذوا ما وجدتم
فليس لكم إلا ذلك" رواه مسلم
ولأنه تكسب للمال فلم يجبر عليه كقبول هبة
ووصية وتزويج أم ولد ورد مبيع وإمضائه وفيه
وجه مع الأحظ وأخذ دية عن قود والأول أصح
والآية محمولة على من لا صنعة له وادعاء الفسخ
في الحديث بعيد لأنه يلزم ثبوته بالاحتمال
بدليل أنه لم يثبت أن بيع الحر كان جائزا في
وقت في شريعتنا فتبين أن المراد ببيعه بيع
منافعه مع انه أحسن من حمله النسخ وحينئذ يبقى
الحجر ببقاء دينه إلى الوفاء
ولو طلبوا إعادته لما بقي بعد فك الحاكم لم
يجبهم
"ولا ينفك عنه الحجر إلا بحكم حاكم" لأنه ثبت
بحكمه فلا يزول إلا به كالمحجور عليه لسفه
وقيل: يزول بقسمة ماله لأنه حجر عليه لأجله
فإذا زال ملكه عنه زال الحجر كزوال حجر
المجنون بزوال جنونه والفرق واضح فإنه ثبت
بنفسه فزال بزواله بخلاف هذا ولأن فراغ ماله
يحتاج إلى معرفة وبحث فوقف ذلك على الحاكم
بخلاف الجنون
"فإذا فك عنه الحجر فلزمته ديون" وظهر له مال
"وحجر عليه شارك غرماء الحجر الأول غرماء
الحجر الثاني" لأنهم تساووا في ثبوت حقوقهم في
ذمته فوجب أن يتساووا في المشاركة كغرماء
الميت إلا أن الأولين يضربون ببقية ديونهم
والآخرين يضربون بجميعها. "فإن كان للمفلس حق
له به شاهد واحد فأبى أن يحلف معه" لم يجبر
(4/209)
لم يكن الغرماء
أن يحلفوا.
فصل
الحكم الرابع: انقطاع المطالبة عن المفلس فمن
أقرضه شيئا أو باعه لم يملك المطالبة حتى ينفك
الحجر عنه.
فصل
الضرب الثاني: المحجور عليه لحظه وهو الصبي
والمجنون والسفيه،
__________
لأنا لا نعلم صدق الشاهد "لم يكن للغرماء أن
يحلفوا" لأنهم يثبتون ملكا لغريمهم لتتعلق
حقوقهم به بعد ثبوته فلم يجز كالمرأة تحلف
لإثبات ملك زوجها لتتعلق نفقتها به وكالورثة
قبل موت موروثهم
وعلم منه أن المفلس إذا حلف مع شاهده ثبت
المال وتعلقت به حقوق الغرماء.
فصل
"الحكم الرابع: انقطاع المطالبة عن المفلس"
للنص ولأن قوله: {فَنَظِرَةٌ} خبر بمعنى الأمر
أي: أنظروه إلى يساره مع قوله ليس لكم إلا ذلك
"فمن اقرضه شيئا أو باعه لم يملك مطالبته"
لتعلق حق الغرماء بعين ماله "حتى ينفك الحجر
عنه" لأنه هو الذي أتلف ما له بمعاملة من لا
شيء له لكن إذا وجد البائع والمقرض أعيان
مالهما فهل لهما الرجوع فيها؟ على وجهين
أحدهما: لهما ذلك للخبر والثاني: لا فسخ لهما
لأنهما دخلا على بصيرة بخراب الذمة كما لو
اشترى معيبا يعلم به.
فصل
"الضرب الثاني: المحجور عليه لحظه" إذ المصلحة
تعود عليه بخلاف المفلس "وهو الصبي والمجنون
والسفيه" إذ الحجر على هؤلاء حجر عام لأنهم
يمنعون
(4/210)
فلا يصح تصرفهم
قبل الإذن ومن دفع إليهم ماله ببيع أو قرض رجع
فيه ما كان باقيا وإن تلف فهو من ضمان مالكه
علم بالحجر أو لم يعلم وإن جنوا فعليهم أرش
جنايتهم ومتى عقل المجنون وبلغ الصبي ورشدا
انفك الحجر عنهما بغير حكم حاكم نص عليه،
ـــــــ
التصرف في أموالهم وذممهم "فلا يصح تصرفهم قبل
الإذن" لأن تصحيح تصرفهم يفضي إلى ضياع مالهم
وفيه ضرر عليهم "ومن دفع إليهم" أو إلى أحدهم
"ماله ببيع أو قرض رجع فيه ما كان باقيا" لأنه
عين ماله "وإن تلف" أو أتلفه "فهو من ضمان
مالكه" لأنه سلطه عليه برضاه
وقيل: يضمن مجنون "علم بالحجر" لأنه فرط "أو
لم يعلم" لتفريطه لكونه في مظنة الشهرة وقيل:
يضمن سفيه جهل حجره هذا إذا كان صاحبه سلطه
عليه فأما إن حصل في يده باختيار مالكه من
غيرتسليط كالوديعة والعارية فوجهان فيه
ومن أعطوه مالا ضمنه حتى يأخذه وليه وإن أخذه
ليحفظه لم يضمنه في الأصح وكذا إن أخذ مغصوبا
ليحفظه لربه "وإن جنوا فعليهم أرش جنايتهم"
لأنه لا تفريط من المالك والإتلاف يستوي فيه
الأهل وغيره وكذا حكم المغصوب لحصوله في يده
بغير اختيار المالك
"ومتى عقل المجنون وبلغ الصبي ورشدا انفك
الحجر عنهما" فأما المجنون فبالاتفاق لأن
الحجر عليه لجنونه فإذا زال وجب زوال الحجر
لزوال علته وأما الصبي فلقوله تعالى: {فَإِنْ
آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً} [النساء
الآية:6].
"بغير حكم حاكم نص عليه" وفي المغني والشرح
بغير خلاف في المجنون وفيه وجه أنه يفتقر إليه
كالسفيه لأنه موضع اجتهاد فاحتيج في معرفة ذلك
إليه وأما الصبي فلأن اشتراط ذلك زيادة على
النص ولأنه محجور عليه بغير حكم حاكم فيزول
بغير حكمه كالحجر على المجنون وفيه وجه وسواء
رشده الولي أو لا.
(4/211)
ودفع إليهما
مالهما ولا ينفك قبل ذلك بحال والبلوغ يحصل
بالاحتلام،
ـــــــ
قال الشيخ تقي الدين: فلو نوزع في الرشد فشهد
شاهدان قبل لأنه قد يعلم بالاستفاضة ومع عدمها
له اليمين على وليه أنه لا يعلم رشده ولو تبرع
وهو تحت الحجر فقامت بينة برشده نفذ "ودفع
إليهما مالهما" لأن المانع من الدفع هو الحجر
وقد زال وحكاه ابن المنذر اتفاقا لأن منعه من
التصرف إنما كان لعجزه عنه وحفظا لماله فإذا
صار أهلا للتصرف زال الحجر لزوال سببه
"ولا ينفك قبل ذلك بحال" ولو صار شيخا وروى
الجوزجاني في المترجم قال كان القاسم بن محمد
يلي أمر شيخ من قريش ذي أهل ومال لضعف عقله
ولأن المجنون الحجر عليه لجنونه فوجب استمراره
عليه والصبي علق الله تعالى: الدفع إليه
بشرطين والحكم المعلق بهما منتف بانتفاء
أحدهما
قال ابن المنذر: وأكثر علماء الأمصار من أهل
الحجاز والشام والعراق يرون الحجر على كل مضيع
لماله صغيرا كان أو كبيرا
فرع: إذا كان لرجل مال وهو يقتر على نفسه
ويضيق على عياله ويمنعهم من تناول الأشياء
التي يتناولها أدنى الناس فيحجر الحاكم عليه
بمعنى أنه ينصب له وليا ينفق عليه وعلى عياله
بالمعروف وفيه احتمال وهو المذهب
"والبلوغ يحصل بالاحتلام" وهو خروج المني من
القبل بغير خلاف لقوله تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ
الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ
فَلْيَسْتَأْذِنُوا} [النور:59] ولقوله عليه
السلام: "وعن الصبي حتى يحتلم"
قال ابن المنذر: أجمعوا على أن الفرائض
والأحكام تجب على المحتلم العاقل
"أو بلوغ خمسة عشر سنة" أي: استكمالها لما روى
ابن عمر قال:
(4/212)
أو بلوغ خمسة
عشر سنة أو نبات الشعر الخشن حول القبل وتزيد
الجارية بالحيض والحمل،
ـــــــ
عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد
وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني وعرضت عليه
يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني
متفق عليه ولمسلم فاستصغرني وردني مع الغلمان
فإن قلت: بين أحد والخندق سنتان وجوابه: أن
عرضه يوم أحد كان في أول سنة أربع عشرة ويوم
الخندق عند استكمال خمس عشرة سنة لا يقال
إجازته يوم الخندق لقوته لا لبلوغه لأنه صرح
به في الخبر السابق مع أن رواية البيهقي
بإسناد حسن ولم يرني بلغت رافعة للسؤال
يؤيده ما روى الشافعي أن عمر بن عبد العزيز
كتب إلى عماله أن لا يفرضوا إلا لمن بلغ خمس
عشرة سنة
"أو نبات الشعر الخشن حول القبل" لأنه عليه
السلام لما حكم سعد بن معاذ في بني قريظة فحكم
بقتلهم وسبي ذراريهم وأمر أن يكشف عن مؤتزريهم
فمن أنبت فهو من المقاتلة ومن لم ينبت فهو من
الذرية فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم
فقال: "لقد حكم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة"
متفق عليه وقضية عطية القرظي شاهدة بذلك رواه
الخمسة والحاكم وقال على شرطهما ولأن الإنبات
يلازمه البلوغ غالبا ويستوي فيه الذكر والأنثى
كالاحتلام
والخنثى يعتبر فيه الإنبات حول الفرجين
وتقييده الشعر بالخشن ليخرج الزغب الضعيف فإنه
ينبت للصغير
"وتزيد الجارية" على الذكر "بالحيض" بغير خلاف
نعلمه لقوله عليه السلام: "لا يقبل الله صلاة
حائض إلا بخمار" رواه الترمذي وحسنه وعنه: لا
يحكم ببلوغها بغيره نقلها جماعة قال أبو بكر:
هي قول أول
"والحمل" لأنه دليل إنزالها ولأن الله تعالى
أجرى العادة بخلق الولد من ماءيهما لقوله
تعالى: {فَلْيَنْظُرِ الْأِنْسَانُ مِمَّ
خُلِقَ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ يَخْرُجْ
(4/213)
والرشد الصلاح
في المال ولا يدفع إليه ماله حتى يختبر،
ـــــــ
مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ}
[الطارق:5-7] فعلى هذا يحكم ببلوغها في الوقت
الذي حملت فيه قاله في الشرح
والمذهب: أنه يحكم ببلوغها إذا ولدت منذ ستة
أشهر لأنه اليقين وفي التلخيص فإن كانت ممن لا
يوطأ كأن طلقها زوجها وأتت بولد لأكثر مدة
الحمل من حين طلاقها فيحكم ببلوغها قبل
المفارقة
تنبيه: إذا حاض خنثى مشكل من فرجه وأنزل من
ذكره وقيل: أو وجد أحدهما أو وجدا من مخرج
واحد فقد بلغ فإن أمنى وحاض من مخرج واحد فلا
ذكر ولا أنثى وفي البلوغ وجهان وقيل: لا يحكم
بأن الخنثى ذكر بإنزاله من فرجه ولا بأنه أنثى
بحيضه ولا ببلوغه بهما معا ولا بأحدهما
والصحيح أن الإنزال علامة البلوغ مطلقا
"والرشد: الصلاح في المال" في قول أكثر
العلماء لقوله تعالى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ
مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ
أَمْوَالَهُمْ } [النساء:6] قال ابن عباس:
يعني صلاحا في أموالهم
وقال مجاهد: إذا كان عاقلا ولأن العدالة لا
تعتبر في الرشد في الدوام فلا تعتبر في
الابتداء كالزهد في الدنيا وهو مصلح لماله
أشبه العدل فعلى هذا يدفع إليه ماله وإن كان
مفسدا لدينه كمن يترك الصلاة ويمنع الزكاة
ونحو ذلك
وقيل: والدّين اختاره ابن عقيل وقال: هو
الأليق بمذهبنا قال في التلخيص نص عليه لأن
الفاسق غيررشيد واستدل ابن عقيل بالآية
الكريمة فإنها نكرة في سياق الامتنان فتعم
"ولا يدفع إليه ماله حتى يختبر" لقوله تعالى:
{وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء:6] أي:
اختبروهم فعلق الدفع على الاختبار والبلوغ
وإيناس الرشد فوجب اختباره بتفويض التصرف إليه
وهو يختلف "فإن كان من أولاد التجار فبأن
يتكرر منه البيع والشراء فلا
(4/214)
فإن كان من
أولاد التجار فبأن يتكرر منه البيع والشراء
فلا يغبن وإن كان من أولاد الرؤساء والكتاب
فبأن يستوفي على وكيله فيما وكله فيه والجارية
بشرائها القطن واستجادته ودفعها الأجرة إلى
الغزالات والاستيفاء عليهن وأن يحفظ ما في يده
عن صرفه فيما لا فائدة فيه كالغناء والقمار
وشراء المحرمات ونحوه وعنه: لا يدفع إلى
الجارية مالها بعد رشدها حتى تتزوج وتلد أو
تقيم في بيت الزوج سنة،
ـــــــ
يغبن" غالبا غبنا فاحشا "وإن كان من أولاد
الرؤساء والكتاب" وهو المراد من قوله في
المغني والشرح وإن كان من أولاد الدهاقين
والكبراء الذين يصان أمثالهم عن الأسواق "فبأن
يستوفي على وكيله فيما وكله فيه" وزاد أبان
يدفع إليه نفقة مدة لينفقها في مصالحه فإن
صرفها في مواقعها ومصارفها فهو رشيد
"والجارية بشرائها القطن واستجادته" وكذا
الكتان والإبريسم "ودفعها الأجرة إلى الغزالات
والاستيفاء عليهن" فإذا وجدت ضابطة لما في
يدها مستوفية من وكيلها دل على رشدها
"و" يشترط مع ما ذكرنا "أن يحفظ ما في يده عن
صرفه فيما لا فائدة فيه كالغناء والقمار وشراء
المحرمات ونحوه" كالخمر وآلات اللهو لأن من
صرف ماله في ذلك عد سفيها مبذرا عرفا فكذا
شرعا ولأن الشخص قد يحكم بسفهه بصرف ماله في
المباح فلأن يحكم بسفهه في صرف ماله في المحرم
بطريق الأولى: قاله ابن المنجا وفيه نظر فإن
ابن عقيل وجماعة ذكروا أن ظاهر كلام أحمد أن
التبذير والإسراف ما أخرجه في الحرام لقوله لو
أن الدنيا لقمة فوضعها الرجل في في أخيه لم
يكن إسرافا لكن قال الشيخ تقي الدين إذا أصرفه
في مباح قدرا زائدا على المصلحة وقال ابن
الجوزي في التبذير قولان أحدهما: إنفاق المال
حق الثاني: الإسراف المتلف للمال لقوله تعالى:
{إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ
الشَّيَاطِينِ} الإسراء وظاهره: أنه إذا أصرفه
فيما فيه فائدة أو ليس بحرام لا يكون قادحا
فيه وفي النهاية يقدح إذا تصدق بحيث يضر
بعياله أو كان وحده ولم يثق بإمانة "وعنه"
نقلها أبو طالب عنه "لا يدفع إلى الجارية
مالها بعد رشدها حتى تتزوج وتلد أو تقيم في
بيت الزوج سنة"،
(4/215)
ووقت الاختبار
قبل البلوغ وعنه: بعده.
فصل
ولا تثبت الولاية على الصبي والمجنون إلا للأب
ثم لوصيه،
ـــــــ
اختارها أبو بكر والقاضي والشيرازي وابن عقيل
لما روى شريح قال عهد إلي عمر بن الخطاب أن لا
أجيز لجارية عطية حتى تحول في بيت زوجها حولا
أو تلد رواه سعيد في سننه ولم نعرف له مخالفا
والأول أشهر وأصح وهو أنها إذا بلغت ورشدت دفع
إليها مالها وكالرجل وكالتي دخل بها وحديث عمر
لم يعلم انتشاره في الصحابة فلا يترك به عموم
الكتاب مع أنه خاص في منع العطية فلم يمنع من
تسليم مالها فعلى هذه الرواية إذا لم تتزوج
دفع إليها إذا عنست أي: كبرت وبرزت للرجال
وقيل: يدوم عليها "ووقت الاختبار قبل البلوغ"
على الأصح لقوله تعالى: {وَابْتَلُوا
الْيَتَامَى} [النساء:6] الآية فظاهرها أن
ابتلاءهم قبل البلوغ لأنه سماهم يتامى وإنما
يكون ذلك قبل البلوغ ومد اختبارهم إلى البلوغ
بلفظ حتى فدل على أنه قبله ولأن تأخيره إلى
البلوغ يقتضي الحجر على البالغ الرشيد لكونه
ممتدا حتى يختبر ويعلم رشده واختباره يمنع ذلك
وقيل: يمنعه في الجارية لنقص خبرتها بالخفر
وبالجملة هو مخصوص بالمراهق الذي يعرف
المعاملة والمصلحة "وعنه: بعده" فيهما أومأ
إليه أحمد لأن تصرفه قبل ذلك تصرف ممن لم يوجد
فيه مظنة العقل وبيع الاختبار وشراؤه صحيح.
فصل
"ولا تثبت الولاية على الصبي والمجنون إلا
للأب" الرشيد لأنها ولاية فقدم فيها الأب
كولاية النكاح ولكمال شفقته ولهذا يجوز أن
يشتري لنفسه من مال ولده بخلاف غيره وظاهره:
ولو كافرا على ولده الكافر وتكفي العدالة
ظاهرا لأن تفويضها إلى الفاسق تضييع للمال فلم
يجز كالسفيه
وقيل: ومستور ثم لوصيه ما لم يعلم فسقه لأنه
نائبه أشبه وكيله في
(4/216)
ثم للحاكم ولا
يجوز لوليهما أن يتصرف في مالهما إلا على وجه
الحظ لهما فإن تبرع أو حابى أو زاد على النفقة
عليهما أو على من تلزمهما مؤنته بالمعروف ضمن،
ـــــــ
الحياة وظاهره: ولو بجعل وثم متبرع ذكره في
الخلاف ونقل ابن منصور لا يقبض للصبي إلا الأب
أو وصي وقاض فظاهره التسوية بين الأخيرين
والمذهب يقدم الوصي
وعنه: يلي الجد ففي تقديمه على وصيه وجهان
وجوابه أن الجد لا يدلي بنفسه وإنما يدلي
بالأب فلم يل مال الصغير كالأخ
"ثم للحاكم" لأن الولاية انقطعت من جهته فثبتت
للحاكم كولاية النكاح لأنه ولي من لا ولي له
أي: بالصفات المعتبرة فإن لم يوجد فأمين يقوم
به اختاره الشيخ تقي الدين وقال في حاكم عاجز
كالعدم نقل ابن الحكم فيمن عنده مال تطالبه
الورثة فيخاف من أمره نرى أن يخبر الحاكم
ويرفعه إليه
قال: أما حكامنا هؤلاء اليوم فلا أرى أن يتقدم
إلى أحد منهم شيئا وظاهره: أنه لا ولاية لغير
هؤلاء لأن المال محل الخيانة ومن سواهم قاصر
مأمون على المال فلم يملكه كالأجنبي. لكن سأله
الأثرم عن رجل مات وله ورثة صغار كيف أصنع
فقال إن لم يكن لهم وصي ولهم أم مشفقة يدفع
إليها
"ولا يجوز لوليهما أن يتصرف في مالهما إلا على
وجه الحظ لهما" لقوله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا
مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ
أَحْسَنُ} [الأنعام:152] والمجنون في معناه
ولقوله عليه السلام: "لا ضرر ولا إضرار" رواه
أحمد
"فإن تبرع" بهبة أو صدقة "أو حابى" بزيادة أو
نقصان "أو زاد على النفقة عليها أو على من
تلزمهما مؤنته بالمعروف ضمن" لأنه مفرط فضمن
كتصرفه في مال غيرهما ومراده والله أعلم أن
يضمن القدر الزائد على الواجب لا مطلقا.
(4/217)
ولا يجوز أن
يشتري من مالهما شيئا لنفسه ولا يبيعهما إلا
الأب ولوليهما مكاتبة رقيقهما وعتقه على مال
وتزويج إمائهما والسفر بمالهما،
ـــــــ
"ولا يجوز أن يشتري من مالهما شيئا لنفسه"
لأنه عليه السلام نهى الوصي عن ذلك والحاكم في
معناه "ولا يبيعهما" لأنه كالشراء معنى
فيساويه حكما "إلا الأب" فيجوز اتفاقا لأنه
يلي بنفسه فجاز أن يتولى طرفي العقد كالنكاح
والتهمة بين الوالد وولده منتفية إذ من طبعه
الشفقة عليه والميل إليه وترك حظ نفسه لحظه
وبهذا فارق الوصي والحاكم. "ولوليهما مكاتبة
رقيقهما" لأن فيه تحصيلا لمصلحة الدنيا
والآخرة وفي الشرح إذا كان الحظ فيه مثل أن
تكون قيمته مائة فيكاتبه على مائتين وفي
الترغيب أنها تجوز لغير الحاكم. "وعتقه على
مال" لأنه معاوضة لليتيم فيها حظ فملكها وليه
كالبيع وظاهره: مطلقا لكن في الشرح إذا أعتقه
بمال بقدر قيمته أو أقل لم يجز لعدم الحظ فيه
وظاهره: أنه لا يجوز عتقه مجانا وعنه: بلى
لمصلحة اختاره أبو بكر بأن تكون له أمة لها
ولد يساويان مجتمعين مائة ولو أفردت ساوت
مائتين ولا يمكن إفرادها بالبيع فتعتق الأخرى
لتكثر قيمة الباقية.
فرع: له هبة ما له بعوض قاله القاضي وجماعة
"وتزويج إمائهما" إن كان فيه مصلحة لأن فيه
إعفافهن وتحصينهن عن الزنى ووجوب نفقتهن على
الأزواج والمراد إذا طلبن منه ذلك أو رأى
المصلحة فيه لأنه نائب عن مالكهن وعبر في
المحرر والفروع بالرقيق وهو أعم. وعنه: يجوز
لخوف فساده وعنه: لا يزوج أمة لتأكد حاجته
إليها فيتوجه على هذا إذا كان اليتيم مستغنيا
عن خدمتها أنه يجوز تزويجها إذا كان فيه مصلحة
وفي الرعاية له تزويج عبده بأمته وتزويجها
بغير عبده ولا يزوج عبده بغير أمته
"والسفر بمالهما" للتجارة وغيرها في مواضع
آمنة في قول الجمهور لما روى
(4/218)
والمضاربة به
والربح كله لليتيم وله دفعه مضاربة بجزء من
الربح وبيعه نساء وقرضه برهن،
ـــــــ
عبد الله بن عمرو مرفوعا: "من ولي يتيما له
مال فليتجر به ولا يتركه حتى تأكله الصدقة"
وروي موقوفا على عمر وهو أصح ولأنه احظ للمولى
عليه لكون نفقته في ربحه كما يفعله البالغون
في أموالهم ولا يتجر إلا في المواضع الآمنة
ومنع في المجرد والمغني والكافي من السفر به
إلا لضرورة
"والمضاربة به والربح كله لليتيم" أي: إذا
أتجر الولي بنفسه لأنه نماء مال اليتيم فلا
يستحقه غيره إلا بعقد ولا يعقدها الولي لنفسه
للتهمة وفيه وجه يجوز أن يأخذ مضاربة لنفسه
لأنه جاز له أن يدفعه بذلك فجاز له أخذه
"وله دفعه مضاربة بجزء من الربح" لأن عائشة
ابضعت مال محمد بن أبي بكر إذ الولي نائب عنه
فيما فيه مصلحته وهذا مصلحة لما فيه من
استبقاء ماله وحينئذ فللمضارب ما وافقه عليه
الولي من الربح في قولهم جميعا وقيل: أجرة
مثله وعند ابن عقيل بأقلهما
"وبيعه نساء" أي: إلى أجل إذا كان الحظ فيه
قاله في الشرح لأنه قد يكون الثمن فيه أكثر
لأن الأجل يأخذ قسطا من الثمن "وقرضه" على
الأصح فيهما "برهن" لأنه أجود من إيداعه لما
فيه من تعريضه للتلف
وقوله: "برهن" يحتمل أنه شرط فيهما فيأخذ على
الثمن في الأولى: رهنا قال في الشرح أو كفيلا
موثقا به فيحفظ الثمن به وفي الثانية واضح
وظاهره: أنه لا يجوز بغير رهن لأنه قد لا يأمن
عوده لفلس ونحوه وقاله أيضا في الترغيب
والمذهب زاد في المستوعب وإشهاد فيه روايتان
فإن أمكنه أخذ الرهن وتركه فاحتمالان والمذهب
جوازهما لمصلحة جزم به في المحرر والوجيز
وقدمه في الفروع وذكر في المغني والشرح يقرضه
لحاجة سفر أو خوف عليه أو غيرهما
وعلى المذهب لا يقرضه إلا لمليء أمين ليأمن
جحوده ويقدر على
(4/219)
وشراء العقار
لهما وبناؤه بما جرت عادة أهل بلده به إذا رأى
المصلحة في ذلك كله وله شراء الأضحية لليتيم
الموسر نص عليه،
ـــــــ
الإيفاء ذكره في الشرح ولا يقرضه لمودة
ومكافأة نص عليه
فرع: له إيداعه مع إمكان قرضه ذكره في المغني
وظاهره: متى جاز إيداعه وظاهر كلام الأكثر
يجوز إيداعه لقولهم يتصرف بالمصلحة وقد يراه
مصلحة ولا ضمان عليه إن تلف لعدم تفريطه وفي
الكافي لا يودعه إلا لحاجة وانه يقرضه لحظه
بلا رهن
"وشراء العقار لهما" لأنه مصلحة لكونه يحصل
منه المغل مع بقاء الأصل وإذا جازت المضاربة
فيه فهذا أولى "وبناؤه" لأنه في معنى الشراء
إلا أن يكون الشراء أحظ وهو ممكن فيتعين
تقديمه "بما جرت عادة أهل بلده به" وكذا في
الوجيز لأنه العرف وقال الأصحاب يبنيه بالآجر
دون اللبن لأنه إذا هدم فسد بخلاف الأول ولا
بالجص لأنه يلتزق بالآجر ولو قدر فيفضي إلى
كسره
وفي المغني أن له بناءه بما يرى الحظ فيه وليس
كل الأماكن يبنى فيها بالآجر ولا يقدر فيها
على الجيد وإن وجد فبقيمة كثيرة جدا
فلو قيد البناء بذلك أفضى إلى فوات الحظ فيحمل
قولهم على من عادتهم البناء به كالعراق ونحوها
ولا يصح حمله في حق غيرهم
"إذا رأى المصلحة في ذلك كله" هذا راجع إلى
قوله: "ولوليهما... إلى آخره" لأن المصلحة إذا
انتفت في شيء من ذلك لم يكن قربانا بالتي هي
أحسن وقد نهي عنه وظاهر الشرح أنه راجع إلى
الشراء والبناء وفيه شيء
"وله شراء الأضحية لليتيم الموسر نص عليه"
لأنه يوم عيد وفرح وجبر قلبه وإلحاقه بمن له
أب كالثياب الحسنة مع استحباب التوسعة في هذا
اليوم وهذا إذا كان موسرا لا يتضرر بشرائها
فعلى هذا يحرم صدقته منها وفي الانتصار عن
أحمد يجب لقوله للوصي التضحية عن اليتيم من
ماله فدل أنها كزكاة.
(4/220)
وتركه في
المكتب وأداء الأجرة عنه ولا يبيع عقارهما إلا
لضرورة أو غبطة وهو أن يزاد في ثمنه الثلث
فصاعداً،
ـــــــ
وعنه: لا يجوز ذلك لأنها إخراج من ماله بغير
عوض فلم يجز كالهدية وحمل في المغني كلام أحمد
على حالين فيمنع منها إذا كان الطفل لا يعقلها
ولا يفرح بها ولا ينكسر قلبه بتركها وعكسه
بعكسه
فائدة: ويفعل في مال اليتيم ما هو أرفق له من
خلط وإفراد فلو مات من يتجر ليتيمه ولنفسه
بماله وقد اشترى شيئا ولم يعرف لمن هو فالمذهب
أنه يقرع فمن قرع حلف وأخذ وله الإذن لصغيرة
في لعب بلعب غير مصورة وشراؤها بمالها نص
عليهما
"وتركه في المكتب" ليتعلم الخط وما ينفعه
"وأداء الأجرة عنه" لأنه من مصالحه أشبه نفقة
مأكوله وملبوسه وكذا مداواته بأجرة بغير إذن
حاكم نص عليه
ويجوز أن يسلمه في صناعة لمصلحته قاله في
الشرح وله حمله بأجرة ليشهد الجماعة قاله في
المجرد والفصول وإذنه في تصدقه بيسير قاله في
المذهب
"ولا يبيع عقارهما إلا لضرورة" كحاجتهما إلى
نفقة أو كسوة أو قضاء دين وليس له ما يدفع به
حاجته لأن الضرورة لا بد من دفعها "أو غبطة"
بأن يزاد في ثمنه زيادة على ثمن المثل قاله
القاضي في الموضعين المذكورين وذكر هذا في
الفروع قولا ثم فسرها المؤلف تبعا لأبي الخطاب
"وهو أن يزاد في ثمنه الثلث فصاعداً" لتكون
المصلحة ظاهرة بينة والمذهب أن للولي البيع
للمصلحة بدون ما ذكره المؤلف لأنه قد يكون
بيعه أولى لكونه في مكان لا غلة فيه أو فيه
غلة يسيرة أو لسوء الجار أو ليعمر به عقاره
الآخر أو ذلك قال في الشرح متى كان الحظ في
بيعه جاز وإلا فلا وهذا اختيار شيخنا وهو
الصحيح إن شاء الله تعالى.
(4/221)
وإن وصى
لأحدهما بمن يعتق عليه ولا تلزمه نفقته لإعسار
الموصى له أو لغير ذلك وجب على الولي قبول
الوصية وإلا لم يجز له قبولها.
فصل
ومن فك عنه الحجر فعاود السفه أعيد الحجر،
ـــــــ
وحاصله أنه لا يباع إلا بثمن المثل فلو نقص
منه لم يصح ذكره في المغني والشرح
"وإن وصى لأحدهما بمن يعتق عليه ولا تلزمه
نفقته لإعسار الموصى له أو غير ذلك وجب على
الولي قبول الوصية" لأنه مصلحة محضة لا ضرر
فيها وإلا لم يجز له قبولها أي: إذا لزمته
النفقة حرم على الولي قبولها لما فيه من الضرر
بتفويت ماله بالنفقة عليه.
فصل
"ومن فك عنه الحجر" لرشده أو بلوغه ودفع إليه
ماله "فعاود السفه أعيد الحجر عليه" في قول
الجماهير لما روى عروة بن الزبير: أن عبد الله
بن جعفر ابتاع بيعا فقال علي لآتين عثمان
ليحجر عليك فأتى عبد الله بن جعفر الزبير فذكر
ذلك له فقال الزبير أنا شريكك في البيع فأتى
علي عثمان فذكر لي القضية فقال الزبير أنا
شريكه في البيع فقال عثمان كيف أحجر على رجل
شريكه الزبير رواه الشافعي
قال أحمد: لم أسمع هذا إلا من أبي يوسف القاضي
وهذه قضية اشتهرت ولم تنكر فكانت إجماعا ولأنه
سفيه فيحجر عليه كما لو بلغ سفيها نظرا إلى
دوران الحكم مع العلم والحاجر هنا الحاكم نقله
الجماعة وهو وليه وقيل: أو أبوه وقيل: إن زال
الحجر برشده بلا حكم عاد بمجرده
وجه الأول: أن التبذير يختلف فيحتاج إلى
الاجتهاد وإذا افتقر السبب إلى الاجتهاد لم
يثبت إلا بحكم الحاكم كالحجر على المفلس بخلاف
الجنون،
(4/222)
ولا ينظر في
ماله إلا الحاكم ولا ينفك عنه إلا بحكمه وقيل:
ينفك عنه بمجرد رشده ويستحب إظهار الحجر عليه
والإشهاد عليه ويصح تزوجه بإذن وليه وقال
القاضي: يصح من غيرإذنه،
ـــــــ
فإنه لا يفتقر إلى الاجتهاد بغير خلاف
فرع: لو فسق ولم يبذر لم يحجر عليه وإن اعتبر
في رشده إصلاح دينه فوجهان "ولا ينظر في ماله
إلا الحاكم" لأن الحجر عليه يفتقر إلى الحاكم
فكذا النظر في ماله "ولا ينفك عنه" أي: عن
السفيه "إلا بحكمه" على الصحيح لأنه حجر ثبت
بحكمه فلم يزل إلا به كالمفلس.
"وقيل: ينفك عنه بمجرد رشده" قاله أبو الخطاب
لأن سبب الحجر زال فيزول بزواله كما في حق
الصبي والمجنون
وجوابه: بأن الرشد يفتقر إلى اجتهاد في معرفته
وزوال تبذيره فكان كابتداء الحجر عليه وفارق
الصبي والمجنون فإن الحجر عليهما بغير حكم
حاكم فيزول بغير حكمه
فرع: الشيخ الكبير ينكر عقله يحجر عليه قاله
أحمد يعني إذا كبر واختل عقله كالمجنون لعجزه
عن التصرف في ماله ونقل المروزي أرى أن يحجر
الابن على الأب إذا أسرف بأن يضعه في الفساد
وشراء المغنيات ونحوه
"ويستحب إظهار الحجر عليه" ليظهر أمره
"والإشهاد عليه" وقد صرح بالعلة فقال "لتجتنب
معاملته" وقد علم منه أن الإشهاد عليه ليس
بشرط لأنه ينتشر أمره لشهرته وإن رأى الحاكم
أن ينادي عليه بذلك ليعرفه الناس فعل قاله في
الشرح
"ويصح تزوجه بإذن وليه" قاله أبو الخطاب وقدمه
في الرعاية لأنه لا يأذن إلا بما فيه مصلحة له
وحاجته تدعو إليه وليس مآله إلى التبذير
وظاهره: أنه لا يصح بغير إذنه لأنه تصرف يجب
به مال فلم يصح بغير إذن وليه كالشراء
"وقال القاضي: يصح من غيرإذنه" جزم به في
الوجيز وصححه في
(4/223)
وهل يصح عتقه
على روايتين وإن أقر بحد أو قصاص أو نسب أو
طلق زوجته أخذ به
ـــــــ
الفروع لأنه عقد غير مالي فصح منه كخلعه
وطلاقه ولزوم المال فيه بطريق الضمن وفي
إجباره وجهان فإن أذن ففي لزومه تعيين المرأة
وجهان ويتقيد بمهر المثل ويحتمل لزومه زيادة
إذن فيها كتزويجه بها في وجه فإن عضله استقل
وإن علم أنه يطلق اشترى له جارية وإن خالع على
مال لم يدفع إليه وقال القاضي: بلى فعلى الأول
إذا أتلفه بعد قبضه لا ضمان عليه ولا تبرأ
المرأة بدفعه إليه وهو من ضمانها إن أتلفه أو
تلف في يده لأنها سلطته عليه
"وهل يصح عتقه على روايتين" أرجحهما وجزم به
في الوجيز أنه لا يصح لأنه تبرع أشبه هبته
ووقفه ولأنه محجور عليه لحفظ ماله فلم يصح
كعتق الصبي
والثانية: بلى لأنه عتق من مكلف تام الملك فصح
كالمفلس والراهن ورد بأن الحجر عليهما لحق
غيرهما وفي عتقهما خلاف وظاهره: أنه يصح
تدبيره ووصيته لأن ذلك محض مصلحة لأنه تقرب
إلى الله تعالى: بماله بعد غناه عنه وكذا يصح
استيلاده وتعتق الأمة بموته لأنه إذا صح من
المجنون فمن السفيه أولى
فرع: يكفر بصوم كمفلس وإن فك حجره قبل تكفيره
وقدر عتق ويستقل بما لا يتعلق بمال مقصوده
"وإن أقر" أي: المحجور عليه "بحد" أي: بما
يوجبه كالزنى والسرقة "أو قصاص أو نسب أو طلق
زوجته أخذ به" قال ابن المنذر هو إجماع من
نحفظ عنه لأنه غير متهم في نفسه والحجر إنما
يتعلق بماله فنقل على نفسه إذ الحجر لا تعلق
له به والطلاق ليس بتصرف في المال فلا يمنع
كالإقرار بالحد بدليل أنه يصح من العبد بغير
إذن سيده مع منعه من التصرف في المال.
(4/224)
وإن أقر بمال
لم يلزمه في حال حجره ويحتمل أن لا يلزمه
مطلقا وحكم تصرف وليه حكم تصرف ولي الصبي
والمجنون.
فصل
وللولي أن يأكل من مال المولى عليه بقدر عمله
إذا احتاج إلى ذلك.
ـــــــ
تنبيه: لو اقر بما يوجب قصاصا فعفى المقر له
على مال فوجهان
"وإن اقر بمال" كالدين أو ما يوجبه كجناية
الخطأ وشبه العمد وإتلاف المال وغصبه "لم
يلزمه في حال حجره" لأنه محجور عليه لحظه أشبه
الصبي ولو قتلناه في الحال لزال معنى الحجر
وظاهره: أنه يلزمه ما أقر به بعد فك الحجر عنه
في قول عامة الأصحاب لأنه مكلف فيلزمه ما أقر
به عند زواله كالراهن والمفلس.
"ويحتمل أن لا يلزمه مطلقا" اختاره المؤلف
ونصره في الشرح لأن المنع من نفوذ إقراره في
حال الحجر عليه حفظ ماله ودفع الضرر عنه
ونفوذه بعد فكه عنه لا يفيد إلا تأخير الضرر
عليه إلى أكمل حالتيه لكن إن علم صحة ما أقر
به كدين جناية ونحوه لزمه أداؤه ذكره في الشرح
والوجيز
"وحكم تصرف وليه حكم تصرف ولي الصبي والمجنون"
على ما سلف لأن ولايته على السفيه لحظه أشبه
ولي الصبي.
فصل
"وللولي أن يأكل من مال المولى عليه بقدر عمله
إذا احتاج إلى ذلك" لقوله تعالى: {وَمَنْ
كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ}
[النساء:6] ولما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن
جده: أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم
فقال: إني فقير وليس لي شيء ولي يتيم فقال:
"كل من مال يتيمك غير مسرف" رواه أبو بكر وروى
ابن بطة عن الحسن العرني مرفوعا معناه.
ولأنه إنما يستحق بعمله فتقيد بقدره والمذهب
كما جزم به الجماعة:
(4/225)
وهل يلزمه عوضه
إذا أيسر على روايتين وكذلك يخرج في الناظر في
الوقف
ـــــــ
أن له الأقل من أجرة مثله أو قدر كفايته لأنه
يستحقه بالعمل والحاجة جميعا فلم يجز أن يأخذ
إلا ما وجد فيه وفي الأيضاح إذا قدره حاكم
وقيده في الرعاية والوجيز إن شغله ذلك عن كسب
ما يقوم بكفايته
قال ابن رزين: يأكل فقير ومن يمنعه من معاشه
بمعروف وظاهره: أنه لا يحل له تناول شيء مع
غناه لقوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً
فَلْيَسْتَعْفِفْ} [النساء:6] وعنه: بلى
اختاره ابن عقيل كالعمل في الزكاة وحمل الآية
على الاستحباب
وعنه: لا يجوز للوصي أن يأكل شيئا من مال
اليتيم مطلقا
"وهل يلزمه عوضه إذا أيسر على روايتين" كذا في
المحرر الأصح أنه لا يلزمه لأن ذلك جعل عوضا
له عن عمله فلم يلزمه عوضه كالأجير والمضارب
ولأنه يقال أمر بالأكل ولم يذكر عوضا
والثانية: بلى وقاله مجاهد وعطاء وسعيد بن
جبير لأنه استباحة بالحاجة من مال غيره فلزمه
عوضه كالمضطر إلى طعام غيره وجوابه بأن العوض
وجب عليه في ذمته بخلافه هنا وهذا الخلاف في
غيرالأب قاله في المغني والشرح وإذا قلنا: برد
البدل فيتوجه برده إلى الحاكم لأنه لا يبرئ
نفسه بنفسه
"وكذلك يخرج في الناظر في الوقف" إذا لم يشرط
له شيئا وهذا التخريج ذكره أبو الخطاب وغيره
لأنه يساوي الوصي معنى وحكما ونص أحمد في
الناظر أنه يأكل بمعروف وظاهره: ولو لم يكن
محتاجا قاله في القواعد وعنه: أيضا إذا اشترط
قيل له فيقضي دينه قال ما سمعت
قال الشيخ تقي الدين: لا يقدم بمعلومه بلا شرط
إلا أن يأخذ أجرة عمله مع فقره كوصي اليتيم
وفرق القاضي بين الوصي بأنه لا يمكنه موافقته
على
(4/226)
ومتى زال الحجر
عنه فادعى على الولي تعديا أو ما يوجب ضمانا
فالقول قول الولي وكذلك القول قوله في دفع
المال إليه بعد رشده وهل للزوج أن يحجر على
امرأته في التبرع بما زاد على الثلث من مالها
على روايتين.
ـــــــ
الأجرة والوكيل يمكنه
"ومتى زال الحجر عنه فادعى على الولي تعديا أو
ما يوجب ضمانا" كدعوى النفقة وقدرها ووجود
الغبطة والضرورة والمصلحة والتلف
"فالقول قول الولي" مع يمينه لأنه يقبل قوله
في عدم التفريط فكذا هنا كالمودع وهذا ما لم
يخالف عادة وعرفا وظاهره: أنه يحلف الولي ولو
كان حاكما وهو رواية
والمذهب أنه لا يحلف الحاكم فلو قال أنفقت
عليك منذ سنتين فقال منذ سنة قدم قول الصبي
لأن الأصل يوافقه وظاهره: أن الحظ والغبطة لا
تفتقر إلى ثبوت ذلك عند الحاكم. "وكذلك القول
قوله في دفع المال إليه بعد رشده" هذا هو
المذهب لأنه أمين أشبه المودع وقيل: يقبل قول
الصبي لقوله تعالى: {فَإِذَا دَفَعْتُمْ
إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا
عَلَيْهِمْ} [النساء:6] فمتى ترك الإشهاد فقد
فرط فلزمه الضمان فعليه لا يقبل قول الولي إلا
ببينة وكذلك الحكم في المجنون والسفية
"وهل للزوج" الرشيد قاله في الرعاية "أن يحجر
على امرأته" أي: الرشيدة "في التبرع بما زاد
على الثلث من مالها على روايتين" كذا في
الرعاية أرجحهما ليس له منعها وهي ظاهر الخرقي
وجزم بها في الوجيز وقدمها في الفروع لقوله
تعالى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً
فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ}
[النساء:6] وهي ظاهرة في فك الحجر عنهن
وإطلاقهن في التصرف بدليل قوله عليه السلام:
"يا معشر النساء تصدقن ولو من حليكن" وكن
يتصدقن ويقبل منهن ولم يستفصل.
(4/227)
ـــــــ
ولأن من وجب دفع ماله إليه لرشده جاز له
التصرف بغير إذن كالغلام
والثانية: يملك منعها من ذلك أي: بزيادة على
الثلث نصره القاضي وأصحابه لما روى عمرو بن
شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: "لا يجوز للمرأة عطية في مالها إلا
بإذن زوجها إذ هو مالك عصمتها" رواه أبو داود
ولأن حق الزوج يتعلق بمالها وينتفع به وإذا
أعسر بالنفقة أنظرته فجرى مجرى حقوق الورثة
المتعلقة بمال المريض
وجوابه: بأن شعيبا لم يدرك عبد الله بن عمرو
وليس لهم حديث يدل على تحديد المنع بالثلث
وقياسهم على المريض فاسد لأن المرض سبب يفضي
إلى وصول المال إليهم بالميراث والزوجية إنما
تجعله من أهل الميراث فهي أحد وصفي العلة فلا
يثبت الحكم بمجردها كما لا يثبت لها الحجر على
زوجها وظاهره: أنه لا يملك منعها من التبرع
بما دون الثلث وعنه: بلى صححها في عيون
المسائل قال لا تهب شيئا إلا بإذنه ولا ينفذ
عتقها إلا بإذنه لظاهر الخبر.
(4/228)
فصل في الإذن
يجوز لولي الصبي المميز أن يأذن له في التجارة
في إحدى الروايتين،
ـــــــ
فصل في الإذن
"يجوز لولي الصبي المميز أن يأذن له في
التجارة في إحدى الروايتين" جزم به في الوجيز
وهو المرجح لقوله تعالى: {وَابْتَلُوا
الْيَتَامَى} [النساء:6] الآية أي: اختبروهم
لتعلموا رشدهم وإنما يتحقق ذلك بتفويض الأمر
إليهم من البيع والشراء ونحوه ولأنه عاقل
محجور عليه فصح تصرفه بإذن وليه كالعبد
والثانية: لا يصح حتى يبلغ لأنه غير مكلف كغير
المميز ولأن العقل لا يمكن الوقوف منه على
الحد الذي يصلح به التصرف لخفائه فجعل الشارع
له ضابطا وهو البلوغ فعلى المذهب لو تصرف بلا
إذن لم يصح وقيل:
(4/228)
ويجوز ذلك لسيد
العبد ولا ينفك عنهما الحجر إلا فيما أذن لهما
فيه وفي النوع الذي أمرا به وإن أذن له في
جميع أنواع التجارة لم يجز له أن يؤجر نفسه
ولا يتوكل لغيره وهل له أن يوكل فيما يتولى
مثله بنفسه على وجهين،
ـــــــ
بلى ويقف على الإجازة وبناهما في الشرح على
تصرف الفضولي
"ويجوز ذلك لسيد العبد" بغير خلاف نعلمه لأن
الحجر عليه إنما كان لحق السيد فجاز له التصرف
بإذنه لزوال المانع
"ولا ينفك عنهما الحجر إلا فيما أذن لهما فيه
وفي النوع الذي أمرا به" لأن كل واحد منهما
يتصرف بالإذن من جهة آدمي فوجب أن يختص بما
أذن له فيه وأمره به دون غيره كالوكيل
والمضارب
وفي الانتصار رواية إن أذن لعبده في نوع ولم
ينه عن غيره ملكه أي: جاز أن يتجر في غيره
وينفك عنه الحجر مطلقا لأن إطلاق الإذن لا
يتبعض كبلوغ الصبي وجوابه بأنه ينتقض بما إذا
أذن له في شراء ثوب يلبسه ونحوه والرق سبب
الحجر وهو موجود وظاهر كلامهم أنه كمضارب في
البيع نسيئة وغيره ودل كلامه على أنه إذا كان
لاثنين فأذن له أحدهما أنه لا يجوز له التصرف
لأنه يقع بمجموعه
"وإن أذن له في جميع أنواع التجارة لم يجز له
أن يؤجر نفسه ولا يتوكل لغيره" لأنه عقد على
نفسه فلا يملكه إلا بإذن كبيع نفسه وتزويجه
ولأن ذلك يشغله عن التجارة المقصودة بالإذن
وفي إيجار عبيده وبهائمه خلاف في الانتصار وفي
صحة شراء من يعتق على سيده وامرأته وزوج ربة
المال وجهان أصحهما صحته وعليه إن صح وعليه
دين فقيل يعتق وقيل: يباع فيه ومثله مضارب
والأشهر يصح كمن نذر عتقه وشراءه من حلف لا
يملكه. "وهل له أن يوكل فيما يتولى مثله بنفسه
على وجهين" أحدهما: لا يجوز جزم به في الوجيز
لأنه متصرف بالإذن فاختص بما أذن فيه،
(4/229)
وإن رآه سيده
أو وليه يتجر فلم ينهه لم يصر مأذونا له وما
استدان العبد فهو في رقبته يفديه سيده أو
يسلمه وعنه: يتعلق بذمته يتبع به بعد العتق
إلا المأذون له هل يتعلق برقبته أو ذمة سيده؟
على روايتين.
ـــــــ
والثاني: بلى لأنه ملك التصرف بنفسه فملكه
بنائبه كالمالك الرشيد ولأنه أقامه مقام نفسه.
"وإن رآه سيده أو وليه يتجر فلم ينهه لم يصر
مأذونا له" كتزويجه وبيعه ماله لأنه تصرف
يفتقر إلى الإذن فلم يقم السكوت مقامه كما لو
تصرف أحدهما في الرهن والآخر ساكت وكتصرف
الأجانب
"وما استدان العبد" يقال استدان وادان وتدين
بمعنى واحد "فهو في رقبته" نقله الجماعة
"يفديه سيده أو يسلمه" كالجناية
"وعنه: يتعلق بذمته يتبع به بعد العتق" لأن
صاحب الحق رضي بتأخير حقه لكونه عامل من لا
مال له فعلى المذهب إن أعتقه فعلى مولاه نقله
أبو طالب
"إلا المأذون له هل يتعلق برقبته أو ذمة سيده
على روايتين" وحاصله أن لتصرف العبد حالتين
إحداهما أن يكون غيرمأذون له ولتصرفه حالتان
إحداهما: أن يتصرف ببيع أو شراء بعين المال
فهذا لا يصح على المذهب كالغاصب
وقيل: بلى ويقف على الإجازة كالفضولي
الثانية: أن يتصرف في ذمته وفيه وجهان وحكاهما
المجد روايتين إحداهما: يصح تصرفه إلحاقا له
بالمفلس إذا الحجر عليه لحق السيد
والثانية: لا يصح لأنه محجور عليه كالسفيه
فعلى الأول ما اشتراه أو اقترضه إن وجد في يده
انتزع منه لتحقق إعساره قاله في المغني
والتلخيص
وإن أخذه سيده لم ينتزع منه على المشهور لأنه
وجد مملوكه بحق أشبه ما
(4/230)
ـــــــ
لو وجد في يده صيدا ونحوه واختار في التلخيص
جواز الانتزاع منه لأن الملك وقع للسيد ابتداء
وإن تلف بيد السيد لم يضمنه واستقر ثمنه في
رقبة العبد أو ذمته على الخلاف وكذا إن تلف في
يد العبد وعلى الثاني: وهو فساد التصرف يرجع
مالك العين حيث وجدها فإن كانت تالفة فله
قيمته أو مثله إن كان مثليا ثم إن كان التلف
في يد العبد رجع عليه وتعلق برقبته كالجناية
وعنه: يتعلق بذمته لعموم ما روي عن الفقهاء
التابعين من أهل المدينة قال كانوا يقولون دين
المملوك في ذمته رواه البيهقي في سننه وإن كان
التلف بيد السيد فكذلك على مقتضى كلام المجد
وفي المغني والشرح والتلخيص أنه يرجع إن شاء
على السيد وإن شاء على العبد
الحالة الثانية: أن يكون مأذونا له فما
استدانه ببيع أو قرض فأشهر الروايات أنه يتعلق
بذمة السيد لأنه غر الناس بمعاملته وقيده في
الوسيلة بما إذا كان قدر قيمته والمذهب مطلقا
ولا فرق في الذي استدانه بين أن يكون في الذي
أذن فيه أو لا بأن يأذن له في التجارة في البر
فيتجر في غيره لأنه لا ينفك أن يظن الناس أنه
مأذون له في ذلك أيضا
وعنه: يتعلق برقبة العبد كجنايته ولأنه قابض
للمال المتصرف فيه أشبه غير المأذون له وعنه:
يتعلق بذمة السيد لإذنه ورقبة العبد لقبضه
وعنه: بذمته ونقل صالح وعبد الله يؤخذ السيد
بما أدان لما أذن له فيه فقط ونقل ابن منصور
إذا أدان فعلى سيده وإن جنى فعلى سيده وفي
الروضة إذا أذن له مطلقا لزمه كلما ادان
وإن قيده بنوع لم يذكر فيه استدانة فبرقبته
كغير المأذون وبنى الشيخ تقي الدين الخلاف في
أن تصرفه مع الإذن هل هو لسيده فيتعلق ما
ادانه بذمته كوكيله أو لنفسه فيتعلق برقبته
فيه روايتان.
(4/231)
وإذا باع السيد
عبده المأذون له شيئا لم يصح في أحد الوجهين
وفي الآخر يصح إذا كان عليه دين بقدر قيمته
ويصح إقرار المأذون له في قدر ما أذن له فيه
وإن حجر عليه وفي يده مال ثم أذن له فاقر به
صح ولا يبطل الاذن بالإباق،
ـــــــ
ومحل الخلاف ما إذا ثبت ببينة أو إقرار السيد
أما إذا أنكره السيد ولا بينة به فإنه يتعلق
بذمة العبد إن أقر به وإلا فهو هدر قاله
الزركشي ومقتضى كلام الأكثر جريان الخلاف.
"وإذا باع السيد عبده المأذون له شيئا لم يصح
في أحد الوجهين" هذا ظاهر المذهب لأنه مملوكه
فلا يثبت له دين في ذمته كغير المأذون له "وفي
الآخر يصح إذا كان عليه دين بقدر قيمته" لأنه
إذا قلنا: إن الدين يتعلق برقبته فكأنه صار
مستحقا لأصحاب الديون فيصير كعبد غيره وقيل:
يصح مطلقا "ويصح إقرار المأذون له في قدر ما
أذن له فيه" لأن مقتضى الإقرار الصحة ويجوز
ترك فيما لم يأذن له فيه سيده لحق السيد فوجب
أن يبقى فيما عداه على مقتضاه
وظاهره: أنه لا يصح فيما زاد لما ذكرنا
"وإن حجر عليه وفي يده مال ثم أذن له فأقربه
صح" لأن المانع من صحة إقراره الحجر عليه وقد
زال ولأن تصرفه فيه صحيح فصح إقراره به كالحر
وقيل: لا يصح إلا في الشيء اليسير.
"ولا يبطل الإذن بالإباق" في الأصح لأنه لا
يمنع ابتداء الإذن له في التجارة فلم يمنع
استدامته كما لو غصبه غاصب أو حبس بدين عليه
وكتدبير واستيلاد
وقيل: يبطل به لأنه يزيل ولاية السيد عنه في
التجارة بدليل أنه لا يجوز بيعه ولا هبته.
وجوابه: بأن سبب الولاية باق وهو الرق مع أنه
يجوز بيعه وهبته لمن يقدر عليه ويبطل بالمغصوب
وفيه بكتابة وحرية وأسر خلاف في الانتصار،
(4/232)
ولا يصح تبرع
المأذون له بهبة الدراهم وكسوة الثياب
ويجوزهديته للمأكول وإعارة دابته وهل لغير
المأذون الصدقة من قوته بالرغيف ونحوه إذا لم
يضر به؟ على روايتين،
ـــــــ
وفي الموجز والتبصرة يزول ملكه بحرية وغيرها
كحجر على سيده وليس إباقه فرقة نص عليه
فرع: له معاملة عبد ولو لم يثبت كونه مأذونا
له خلافا للنهاية نقل مهنا فيمن اشترى من عبد
ثوبا فوجد به عيبا فقال العبد أنا غيرمأذون لي
في التجارة لم يقبل منه لأنه إنما أراد أن
يدفع عن نفسه ولو أنكر سيده إذنه يتوجه الخلاف
وقال الشيخ تقي الدين: إن علم بتصرفه لم يقبل
ولو قدر صدقه فتسليطه عدوانا منه فيضمن وفي
طريقة بعض أصحابنا التجار أتلفوا أموالهم لما
لم يسألوا الولي إذ الأصل عدم الإذن للعبد وهو
ظاهر
"ولا يصح تبرع المأذون له بهبة الدراهم وكسوة
الثياب" ونحوه لأن ذلك ليس من التجارة ولا
يحتاج إليه كغير المأذون له وظاهره: وإن قل
"ويجوز هديته للمأكول وإعارة دابته" وعمل دعوة
ونحوه بلا إسراف لأنه عليه السلام كان يجيب
دعوة المملوك وروى أبو سعيد مولى أبي أسيد أنه
تزوج فحضر دعوته جماعة من الصحابة منهم ابن
مسعود وأبو حذيفة وأبو ذر فامهم وهو يومئذ عبد
رواه صالح في مسائله ولأنه مما جرت به عادة
التجار فيما بينهم فيدخل في عموم الإذن
وقال في النهاية الأظهر أنه لا يجوز لأنه تبرع
بمال مولاه فلم يجز كنكاحه وكمكاتب في الأصح
"وهل لغير المأذون الصدقة من قوته بالرغيف
ونحوه إذا لم يضر به على روايتين" أصحهما: له
ذلك بمالايضره لأنه مما جرت العادة بالمسامحة
فيه فجاز كصدقة المرأة من بيت زوجها والثانية:
المنع منه لأن المال لسيده وإنما أذن له في
الأكل فلم يملك الصدقة به كالضيف لا يتصدق بما
أذن له في أكله.
(4/233)
وهل للمرأة
الصدقة من بيت زوجها بغير إذنه بنحو ذلك على
روايتين
ـــــــ
مسألة: ما كسبه العبد غير المأذون من مباح أو
قبله من هبة ووصية فلسيده وكذا اللقطة وقيل:
لا يقبل الكل إلا بإذنه وإن قيل أو التقط وعرف
بلا إذنه فهو للعبد إن قلنا: يملك بالتمليك
ولا يصح قبول سيده عنه مطلقا فإن لم يملك
واختاره الأصحاب فهو لسيده يعتقه ولسيده أخذه
منه ولا يتصرف في ملكه إلا بإذن سيده
"وهل للمرأة الصدقة من بيت زوجها بغير إذنه
بنحو ذلك؟" أي: باليسير "على روايتين" المشهور
في المذهب: لها ذلك لما روت عائشة قالت قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أنفقت
المرأة من طعام زوجها غير مفسدة كان لها أجرها
بما أنفقت ولزوجها أجر ما كسب وللخازن مثل ذلك
لا ينقص بعضهم من أجر بعض شيئا" متفق عليه ولم
يذكر إذنا إذالعادة السماح وطيب النفس به إلا
أن تضطرب العادة ويشك في رضاه أو يكون بخيلا
ويشك في رضاه فلا يجوز
والثانية: لا نقلها أبو طالب لما روى أبو
أمامة الباهلي قال سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول: "لا تنفق المرأة شيئا من
بيتها إلا بإذن زوجها" قيل يا رسول الله ولا
الطعام قال "ذلك أفضل أموالنا" رواه سعيد
ولأنها تبرعت بمال غيرها فلم يجز كالصدقة
بثيابه والأول أصح لأن أحاديثها خاصة صحيحة
فتقدم على غيرها
والإذن العرفي كالحقيقي إلا أن يمنعها من
التصرف فيه مطلقا وكمن يطعمها ولم يعلم رضاه
ولم يفرق أحمد ويلحق بها من كان في بيته
كجاريته وعبده المتصرف في بيت سيده لوجود
المعنى فيه.
(4/234)
باب الوكالة
تصح الوكالة بكل قول يدل على الإذن،
ـــــــ
باب الوكالة
الوكالة بفتح الواو وكسرها التفويض يقال وكله
أي: فوض إليه ووكلت أمري إلى فلان أي: فوضت
إليه واكتفيت به وقد تطلق ويراد بها الحفظ وهي
اسم مصدر بمعنى التوكيل. واصطلاحا التفويض في
شيء خاص في الحياة والأحسن فيها أنها استنابة
الجائز التصرف مثله فيما تدخله النيابة
وهي جائزة بالإجماع وسنده قوله تعالى:
{فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ
إِلَى الْمَدِينَةِ} [الكهف:19] الآية وقد وكل
صلى الله عليه وسلم عروة بن الجعد في شراء
الشاة وأبا رافع في تزوج ميمونة وعمرو بن أمية
الضمري في تزوج أم حبيبة
والمعنى شاهد بذلك لأن الحاجة تدعو إليه فإن
كل أحد لا يمكنه فعل ما يحتاج إليه بنفسه.
"تصح الوكالة بكل قول يدل على الإذن" نص عليه
نحو افعل كذا أو أذنت لك في فعله لأنه لفظ دال
على الإذن فصح كلفظها الصريح ونقل جعفر إذا
قال بع هذا ليس بشيء حتى يقول وكلتك فاعتبر
انعقادها بلفظها الصريح وتأوله القاضي على
التأكيد لنصه على انعقاد البيع باللفظ
والمعاطاة كذا الوكالة قال ابن عقيل هذا دأب
شيخنا أن يحمل نادر كلام أحمد على أظهره
ويصرفه عن ظاهره والواجب أن يقال كل لفظ رواية
ويصحح الصحيح.
قال الأزجي: ينبغي أن يعول في المذهب على هذا
لئلا يصير المذهب رواية واحدة وقد دل كلام
القاضي على انعقادها بفعل دال كبيع.
(4/235)
وكل قول أو فعل
يدل على القبول ويصح القبول على الفور
والتراخي بأن يوكله في بيع شيء فيبيعه بعد سنة
أو يبلغه أنه وكله منذ شهر فيقول قبلت ولا
يجوز التوكيل والتوكل في شيء إلا ممن يصح
تصرفه فيه.
ـــــــ
وهو ظاهر كلام المؤلف فيمن دفع ثوبه إلى قصار
أو خياط قال في الفروع وهو أظهر وكالقبول
وظاهره: أنها تصح مؤقتة ومعلقة بشرط نص عليه
كوصية وإباحة أكل وقضاء وإمارة وكتعليق تصرف.
واختار في عيون المسائل أنه لا يصح تعليقها
بشرط كتعليق فسخها.
"وكل قول" والأصح "أو فعل يدل على القبول" لأن
وكلاء النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنهم
سوى امتثال أوامره ولأنه إذن في التصرف فجاز
القبول بالفعل كاكل الطعام وكذا سائر العقود
الجائزة كشركة ومضاربة ومساقاة ونحوها.
"ويصح القبول على الفور" بلا شبهة كسائر
العقود "والتراخي بأن يوكله في بيع شيء فيبيعه
بعد سنة أو يبلغه أنه وكله منذ شهر فيقول
قبلت" لأن قبول وكلائه عليه السلام كان بفعلهم
وكان متراخيا عن توكله اياهم ولأنه إذن في
التصرف والإذن قائم ما لم يرجع عنه أشبه
الإباحة.
وظاهره: أنه يعتبر تعيين الوكيل وقاله القاضي
وأصحابه وفي الانتصار ولو وكل زيدا وهو أو لم
يعرف موكله لم يصح.
"ولا يجوز التوكيل والتوكل في شيء إلا ممن يصح
تصرفه فيه" لأن من لا يصح تصرفه بنفسه فنائبه
أولى فلو وكله في بيع ما سيملكه أو طلاق من
يتزوجها لم يصح إذ الطلاق لا يملكه في الحال
ذكره الأزجي.
وذكر غيره إن قال إن تزوجت هذه فقد وكلتك في
طلاقها أو إن اشتريت هذا العبد فقد وكلتك في
عتقه صح إن قلنا: يصح تعليقهما على ملكهما
وإلا فلا.
وكل من صح تصرفه بنفسه صح منه ما ذكرنا لأن
كلا منهما يملك التصرف.
(4/236)
ويجوز التوكيل
في كل حق آدمي من العقود والفسوخ والعتق
والطلاق والرجعة وتملك المباحات من الصيد
والحشيش ونحوه،
ـــــــ
بنفسه فجاز أن يستنيب غيره وأن ينوب عن غيره
لانتفاء المفسد وشرطه أن يكون مما تدخله
النيابة فلا يصح توكيل فاسق في إيجاب نكاح إلا
على رواية وفي قبوله وجهان. ويصح توكيل المرأة
في طلاق نفسها وغيرها وتوكيل العبد في قبول
نكاح لأنه يجوز أن يقبله لنفسه بإذن سيده
وللمكاتب أن يوكل فيما يتصرف فيه بنفسه وله أن
يتوكل لغيره بجعل لأنه من اكتساب المال وليس
له أن يتوكل بغير جعل إلا بإذن سيده وصحة
وكالة المميز في طلاق وغيره مبني على صحته منه
وفي الرعاية روايتان لنفسه أو غيره بلا إذن
ويصح أن يتوكل واجد للطول في قبول نكاح أمة
لمباح له وغني لفقير في قبول زكاة لأن سلبهما
القدرة تنزيها وقبول نكاح أخته ونحوها من أبيه
الأجنبي قاله في الوجيز وغيره. "ويجوز التوكيل
في كل حق آدمي من العقود" لأنه عليه السلام
وكل عروة ابن الجعد في الشراء وسائر العقود
كالإجارة والقرض والمضاربة والإبراء في معناه
لأن الحاجة تدعو إليه لأنه قد لا يحسن البيع
والشراء أو لا يمكنه الخروج إلى السوق أو يحط
ذلك من منزلته فأباحها الشارع دفعا للحاجة
وتحصيلا للمصلحة
ومقتضاه أنه يصح التوكيل في الإقرار وقيل:
التوكيل فيه إقرار جزم به في المحرر وفي إثبات
القصاص وفي المطالبة بالحقوق وإثباتها
والمحاكمة فيها حاضرا كان الموكل أو غائبا
صحيحا أو مريضا في قول الجمهور
"والفسوخ والعتق والطلاق" لأنه يجوز التوكيل
في الإنشاء فجاز في الإزالة بطريق الأولى:
"والرجعة" لأن الحاجة تدعو إلى ذلك "وتملك
المباحات من الصيد والحشيش ونحوه" كإحياء
الموات واستيفاء المواريث لأنها تملك مال بسبب
لا يتعين عليه فجاز كالابتياع والاتهاب.
(4/237)
إلا الظهار
واللعان والأيمان ويجوز أن يوكل من يقبل له
النكاح ومن يزوج وليته إذا كان الوكيل ممن يصح
منه ذلك لنفسه وموليته ويصح في كل حق لله
تعالى: تدخله النيابة من العبادات
ـــــــ
وقيل: من وكل في احتشاش واحتطاب فهل يملك
الوكيل ما أخذه أو موكله فيه وجهان. "إلا
الظهار" لأنه قول منكر وزور يحرم عليه فعله
فلم تجز الاستنابة فيه كالايلاء "واللعان
والأيمان" لأنها أيمان فلا تدخلها النيابة
كالعبادات البدنية والنذر والقسامة كذلك
ويستثنى أيضا القسم بين الزوجات لأنها تتعلق
بالزوج لأمر يختص به والشهادة لأنا تتعلق
بالشاهد والرضاع لأنه يختص بالمرضعة والالتقاط
فإذا فعل ذلك فالتقط كان أحق به من الأمر
والاغتنام لأنه يستحق بالحضور والغصب والجناية
لأنه محرم
"ويجوز أن يوكل من يقبل له النكاح" لفعله عليه
السلام ولأن الحاجة قد تدعو إلى ذلك فإنه ربما
احتاج إلى التزوج من مكان بعيد لا يمكنه السفر
إليه كما تزوج عليه السلام أم حبيبة وهي بأرض
الحبشة
"ومن يزوج وليته" لأن الحاجة تدعو إلى ذلك
اشبه البيع "إذا كان الوكيل ممن يصح ذلك منه
لنفسه وموليته" يحترز به عن الصبي والمجنون
فإن توكيلهما غيرصحيح وعن الفاسق فإن توكيله
في الإيجاب كذلك لأنه لا يصح أن يتولى نكاح
موليته بنفسه إذ لا ولاية لفاسق وفيه إشعار
بأنه يصح أن يكون وكيلا في القبول وقد تقدم
"ويصح في كل حق لله تعالى: تدخله النيابة من
العبادات" كتفرقة صدقة وزكاة ونذر وكفارة لأنه
عليه السلام كان يبعث عماله لقبض الصدقات
وتفريقها وحديث معاذ شاهد بذلك وكذا الحج
والعمرة فإنه يجوز أن يستنيب من يفعله بشرطه
ويجوز أن يقول لغيره أخرج زكاة مالي من مالك
فأما العبادات البدنية المحضة كالصلاة والصوم
والطهارة من الحدث فلا يجوز التوكيل فيها
فإنها تتعلق ببدن من هي عليه وكذا الصيام
المنذور فإنه
(4/238)
والحدود في
إثباتها واستيفائها ويجوز الاستيفاء في حضرة
الموكل وغيبته إلا القصاص وحد القذف عند بعض
أصحابنا لا يجوز في غيبته ولا يجوز للوكيل
التوكيل فيما يتولى مثله بنفسه إلا بإذن
الموكل،
ـــــــ
يفعل عن الميت وليس بتوكيل
لكن يستثنى من الصلاة ركعتا الطواف فإنها تبع
للحج ومن الطهارة صب الماء وإيصاله إلى
الاعضاء وتطهير البدن والثوب من النجاسة
"والحدود في إثباتها واستيفائها" لقوله عليه
السلام: "واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن
اعترفت فارجمها" فاعترفت فأمر بها فرجمت متفق
عليه فقد وكله في الإثبات والاستيفاء جميعا
وقال أبو الخطاب: لا يجوز في إثباتها لأنها
تسقط بالشبهات وقد أمرنا بدرئها والتوكيل يوصل
إلى الإيجاب وجوابه الخبر وبأن الحاكم إذا
استناب دخل فيها الحدود فإذا دخلت في التوكيل
بطريق العموم فالتخصيص بدخولها أولى والوكيل
يقوم مقام الموكل في درئها بالشبهات
"ويجوز الاستيفاء في حضرة الموكل وغيبته" نص
عليه لعموم الأدلة ولأن ما جاز استيفاؤه في
حضرة الموكل جاز في غيبته كسائر الحقوق "إلا
القصاص وحد القذف عند بعض أصحابنا لا يجوز في
غيبته" وقد أومأ إلي أحمد لأنه يحتمل أن يعفو
عنه حال غيبته فيسقط وهذه شبهة تمنع الاستيفاء
لأن العفو مندوب إليه فإذا حضر الموكل احتمل
أن يرحمه فيعفو.
والمذهب له الاستيفاء في الغيبة مطلقا أما
الزنى وشبهه فظاهر لأنه لا يحتمل العفو حتى
يدرأ بالشبهة واحتمال العفو في غيره بعيد لأن
الظاهر أنه لو عفا لأعلم وكيله به والأصل عدمه
فلا يؤثر ألا ترى أن قضاة رسول الله صلى الله
عليه وسلم كانوا يحكمون في البلاد ويقيمون
الحدود التي تدرأ بالشبهات مع احتمال الفسخ
"ولا يجوز للوكيل التوكيل فيما يتولى مثله
بنفسه إلا بإذن الموكل" نقله ابن
(4/239)
وعنه: يجوز
وكذلك الوصي والحاكم ويجوز توكيله فيما لا
يتولى مثله بنفسه،
ـــــــ
منصور لأنه لم يأذن له في التوكيل ولا تضمنه
إذنه لكونه يتولى مثله ولأنه استئمان فيما
يمكنه النهوض فيه فلم يكن له أن يوليه من لا
يأمنه عليه كالوديعة
"وعنه: يجوز" نقلها حنبل لأن الوكيل له أن
يتصرف بنفسه فملكه نائبه كالمالك ورد بأن
المالك يتصرف في ملكه كيف شاء بخلاف الوكيل
وهذا مع الإطلاق فلو نهاه عنه لم يجز بغير
خلاف لأن ما نهاه عنه ليس بداخل في إذنه فلم
يجز كما لو لم يوكله وعكسه إذا أذن له فيه أو
قال اصنع ما شئت فإنه يجوز بغير خلاف لأنه عقد
أذن له فيه فكان له فعله كالتصرف المأذون فيه
"وكذلك الوصي والحاكم" أي: حكمهما حكم الوكيل
لأن كل واحد منهما متصرف بالإذن كالوكيل لكن
قال القاضي المنصوص عن أحمد جوازه وقدمه في
المحرر ونقل في المغني عن القاضي في المصراة
أنه يجوز للوصي أن يستنيب مطلقا وفي الوكيل
روايتان. والفرق أن الوكيل يمكنه الاستئذان
بخلاف الوصي ثم قال وقال أبو بكر في الوصي
روايتان كالوكيل قال في المغني والجمع بينهما
أولى لأنه متصرف في مال غيره بالإذن أشبه
الوكيل وإنما يتصرف فيما اقتضته الوصية
كالوكيل إنما يتصرف فيما اقتضته الوكالة ويلحق
بهذا مضارب وولي في نكاح غيرمجبر وقيل: يجوز
من الولي أبا كان أو غيره قدمه في الشرح.
مسألة: يجوز للحاكم أن يستنيب من غير مذهبه
ذكره القاضي في الأحكام السلطانية وابن حمدان
في الرعاية وفي الفروع إذا استناب حاكم من غير
أهل مذهبه إن كان لكونه أرجح فقد أحسن وإلا لم
تصح الاستنابة إذا لم يمنع إن كان له الحكم
وهو مبني على تقليد غيرإمامه وإلا انبنى هل
يستنيب فيما لا يملكه كتوكيل مسلم ذميا في
شراء خمر وانه نائب المستنيب أو الأول
"ويجوز توكيله فيما لا يتولى مثله بنفسه" أي:
إذا كان العمل مما يرتفع
(4/240)
أو يعجز عنه
لكثرته ويجوز توكيل عبد غيره بإذن سيده ولا
يجوز بغير إذنه فإن وكله بإذنه في شراء نفسه
من سيده فعلى وجهين
ـــــــ
الوكيل عن مثله كالأعمال الدنيئة في حق أشراف
الناس المرتفعين عن فعله عادة فإن الإذن ينصرف
إلى ما جرت به العادة أو كان يعمله بنفسه لكنه
"يعجز عنه لكثرته" لأن الوكالة اقتضت جواز
التوكيل فجاز في جميعه كما لو أذن فيه لفظا
وقال القاضي: عندي أنه يوكل فيما زاد على ما
يتمكن من فعله لأن التوكيل إنما جاز للحاجة
فاختص بها بخلاف وجود إذنه فإنه مطلق ولا يوكل
إلا أمينا إلا أن يعين له سواه فإنه يجوز
مطلقا لأنه قطع نظره بتعيينه وعلى الأول لو
وكل أمينا فصار خائنا فله عزله لأن تمكينه من
التصرف مع الخيانة تفريط ووكل عنك وكيل وكيله
ووكل عني أو يطلق وكيل موكله في الأصح ولا
يوصي وكيل مطلقا
"ويجوز توكيل عبد غيره بإذن سيده" لأن المنع
لحقه فإذا اذن صار كالحر وكالتصرف "ولا يجوز
بغير إذنه" لأنه محجور عليه "فإن وكله بإذنه"
وقيل: أولا "في شراء نفسه من سيده فعلى وجهين"
وفي الفروع روايتان إحداهما: يصح نصرها في
الشرح وجزم بها في الوجيز وغيره لأنه يجوز أن
يو كله في شراء عبد غيره،فجاز أن يشتري نفسه،
كالمرأة لما جاز تو كيلها في طلاق غيرها جاز
توكيلها في طلاق نفسها.
والثانية: لا؛ لأن يد العبد كيد سيده، أشبه
مالو وكله في الشراء من نفسه، ولهذا يحكم
للإنسان بما في يد غيره، وفي "المغني"
و"الشرح": إن هذا الوجه لايصح ؛لأن أكثر ما
يقدر جعل توكيل كتوكيل سيده ؛ولأن الولي في
النكاح يجوز أن يتولى طرفي العقد، فكذا هنا،
فلو قال العبد اشتريت نفسي لزيد وصدقاه صح،
ولزم زيد الثمن، وإن قال السيد ما اشتريت نفسك
إلا لنفسك عتق ؛لإقرار السيد على نفسه بما
يعتق به العبد، ويلزم العبد الثمن في ذمّته
لسيده.
(4/241)
والوكالة عقد
جائز بين الطرفين، لكل منهما فسخها. وتبطل
بالموت والجنون والحجر للسفيه،
ـــــــ
لأن الظاهر وقوع العقد له، وإن صدقه السيد،
وكذّب زيد نظرت في تكذيبه، فإن كذبه في
الوكالة حلف، وبرئ، وللسيد فسخ البيع واسترجاع
عبده لتعذر ثمنه، وإن صدقه في الوكالة وقال:
مااشتريت نفسك لي، قبل قول العبد؛لأن الوكيل
يقبل قوله في التصرف المأذون فيه.
تنبيه: لو وكل العبد في إعتاق عبيده، والمرأة
في طلاق نسائه، لم يملك إعتاق نفسه، ولا هي
طلاق نفسها؛ لأنه بإطلاقه ينصرف إلى التصرف في
غيره، وقيل: بلى؛ لأن اللفظ يعمه، فلو وكل
غريمه في إبراء نفسه صح، كتوكيل العبد في
إعتاق نفسه، فلو وكله في إبراء غرمائه لم يملك
إبراء نفسه في المشهور، كما لو وكله في حبس
غرمائه أوخصومتهم."والوكالة عقد جائز من
الطرفين"، لأنها من جهة الموكل إذن،ومن جهة
الوكيل بدل نفع،وكلاهما جائز "لكل واحد منهما
فسخها" أي: متى شاء لأنها إذن في التصرف فملكه
كالإذن في أكل طعامه
وإن قال كلما عزلتك فقد وكلتك انعزل بكلما
وكلتك فقد عزلتك وهي الوكالة الدورية قال في
التلخيص وهي على أصلنا صحيحة في صحة التعليق
وصورتها أن تقول كلما عزلتك فأنت وكيلي وطريقه
في العزل أن يقول كلما عدت وكيلي فقد عزلتك
وهي فسخ معلق بشرط
وقال الشيخ تقي الدين: لا يصح لأنه يؤدي إلى
أن تصير العقود الجائزة لازمة وذلك تغيير
لقاعدة الشرع وليس مقصود المعلق إيقاع الفسخ
وإنما قصده الامتناع من التوكيل وحله قبل
وقوعه والعقود لا تفسخ قبل انعقادها
"وتبطل بالموت والجنون" المطبق وفيه وجه وهو
ظاهر الوجيز والحجر للسفه لأن الوكالة تعتمد
الحياة والعقل وعدم الحجر فإذا انتفى ذلك
انتفت صحتها لانتفاء ما يعتمد عليه وهو أهلية
التصرف وظاهره: أن الحجر لفلس لا يبطلها وصرح
به في المغني والشرح لأن الوكيل لم
(4/242)
وكذلك كل عقد
جائز كالشركة والمضاربة ولا تبطل بالسكر
والإغماء والتعدي وهل تبطل بالردة وحرية عبده
على وجهين.
ـــــــ
يخرج عن أهلية التصرف
لكن إن حجر على الموكل فإن كانت الوكالة في
أعيان ماله بطلت لانقطاع تصرفه فيها وإن كانت
في غيرها فلا وتبطل أيضا في طلاق الزوجة
بوطئها وفي عتق العبد بكتابته وتدبيره ذكره في
المحرر "وكذلك كل عقد جائز كالشركة والمضاربة"
لأن الكل مشترك معنى فوجب أن يساويه حكما
"ولا تبطل بالسكر" لأنه لا يخرجه عن أهلية
التصرف فإن فسق به بطلت فيما ينافيه كالإيجاب
في النكاح لخروجه عن أهليه التصرف بخلاف
الوكيل في القبول فإنه لا ينعزل بفسق موكله
ولا بفسقه في الأشهر لأنه يجوز أن يقبل لنفسه
فجاز لغيره كالعدل لكن إن كان وكيلا فيما
تشترط فيه الأمانة كوكيل ولي اليتيم وولي
الوقف انعزل بفسقه وفسق موكله
"والإغماء" لانه لا تثبت عليه الولاية وكذا
النوم وإن خرج عن أهلية التصرف "والتعدي" أي:
تعدي الوكيل كلبس الثوب وركوب الدابة لأن
الوكالة اقتضت الأمانة والإذن فإذا زالت
الأولى بالتعدي بقي الإذن بحاله
والوجه الثاني: أنها تبطل به لأنها عقد أمانة
فبطلت بالتعدي كالوديعة ورد بالفرق فإن
الوديعة مجرد أمانة فنافاها التعدي بخلاف
الوكالة فإنها إذن في التصرف وتضمنت الأمانة
وأطلقهما في المحرر والفروع
فعلى الأول: يصير ضامنا فإذا تصرف كما قال
موكله صح وبرئ من ضمانه لدخوله في ملك المشتري
وضمانه ويصيرالثمن في يده أمانة فإذا اشترى
شيئا وظهر به عيب صار مضمونا عليه لأن العقد
المزيل للضمان زال فعاد ما زال به
"وهل تبطل بالردة وحرية عبده على وجهين"
أحدهما وجزم به في الوجيز أنها لا تبطل بالردة
لأنها لا تمنع ابتداء الوكالة فكذا لا تمنع
استدامتها كسائر الكفر وسواء لحق بدار الحرب
أولا.
(4/243)
وهل ينعزل
الوكيل بالموت والعزل قبل علمه؟ على روايتين.
ـــــــ
والثاني: تبطل بها إذا قلنا: يزول ملكه ويبطل
تصرفه والوكالة تصرف وفي المغني إن كانت من
الوكيل لم تبطل لأن ردته لا تؤثر في تصرفه
وإنما تؤثر في ماله وإن كانت من الموكل فوجهان
مبنيان على صحة تصرف المرتد في ماله وفي الشرح
إنها لا تبطل بردة الموكل فيما له التصرف فيه
فأما الوكيل في ماله فينبني على صحة تصرف نفسه
فإن قلنا: يصح تصرفه لم تبطل وإن قلنا: هو
موقوف فهي كذلك وإن قلنا: يبطل تصرفه بطلت فإن
كانت حال ردته فالأوجه
الثانية: إذا وكل عبده ثم أعتقه لم تبطل قدمه
في الشرح وصححه وجزم به في الوجيز لأن زوال
ملكه لا يمنع ابتداء الوكالة فلا يمنع
استدامتها وكإباقة
والثاني: بلى لأن توكيل عبده ليس بتوكيل في
الحقيقة وإنما هو استخدام بحق الملك فيبطل
بزوال الملك وكذا الخلاف فيما إذا باعه أو وكل
عبد غيره ثم باعه سيده فلو اشتراه الموكل منه
لم تبطل لأن ملكه اياه لا ينافي اذنه له في
البيع والشراء
وكذا الخلاف فيما إذا وكل عبد غيره ثم أعتقه
وفي المغني أنها لا تبطل وجها واحدا لأن هذا
توكيل في الحقيقة والعتق غير مناف وفي جحدها
من أحدهما وقيل: عمدا وجهان والأشهر فيهن أنها
لا تبطل
تنبيه: تبطل بتلف العين الموكل في التصرف فيها
لأن محلها قد ذهب فلو وكله في الشراء مطلقا
ونفد ما دفعه إليه بطلت لأنه إنما وكله في
الشراء به وإن استقرضه الوكيل فهو كتلفه ولو
عزل عوضه لأنه لا يصير للموكل حتى يقبضه
"وهل ينعزل الوكيل بالموت والعزل قبل علمه؟
على روايتين" لا خلاف أن الوكيل إذا علم بموت
الموكل أو عزله ان تصرفه باطل وإن لم يعلم
فاختار الأكثر وذكر الشيخ تقي الدين أنه
الأشهر أن تصرفه غيرنافذ لأنه رفع عقد
(4/244)
وإذا وكل اثنين
لم يجز لأحدهما الانفراد بالتصرف إلا أن يجعل
ذلك.
ـــــــ
لا يفتقر إلى رضى صاحبه فصح بغير علمه كالطلاق
والثانية: ونص عليها في رواية ابن منصور وغيره
أنه لا ينعزل اعتمادا على أن الحكم لا يثبت في
حقه قبل العلم كالأحكام المبتدأة ولقوله
تعالى: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ}
[البقرة:275] الآية وينبني عليهما تضمينه
واختار الشيخ تقي الدين أنه لا يضمن لأنه لم
يفرط وذكر وجها أنه ينعزل بالموت لا بالعزل
وقاله جمع من العلماء
واعلم أن القاضي والمؤلف وجماعة يجعلون الخلاف
في نفس انفساخ الوكالة قبل العلم وظاهر الخرقي
والشرح وكلام المجد يجعلونه في نفوذ التصرف
وهو أوفق لمنصوص أحمد وليس بينهما فرق في
المغني ولهذا قال الشيخ تقي الدين هو لفظي
وذكر أنه لو باع أو تصرف فادعى أنه عزله قبله
لم يقبل فلو أقام بينة ببلد آخر وحكم به حاكم
فإن لم ينعزل قبل العلم صح تصرفه وإلا كان
حكما على الغائب
ولو حكم قبل هذا الحكم بالصحة حاكم لا يرى
عزله قبل العلم فإن كان بلغه ذلك نفذ والحكم
الناقض له مردود وإلا وجوده كعدمه والحاكم
الثاني: إذا لم يعلم بأن العزل قبل العلم أو
علم ولم يره أو رآه ولم ير نقض الحكم المتقدم
فحكمه كعدمه
فرع: لا ينعزل مودع قبل علمه خلافا لأبي
الخطاب فما بيده أمانة ومثله مضارب
"وإذا وكل اثنين لم يجز لأحدهما الانفراد
بالتصرف" لأنه لم يرض تصرف أحدهما منفردا
بدليل إضافة الغير إليه "إلا أن يجعل ذلك" أي:
الانفراد بالتصرف إليه لأنه مأذون فيه أشبه ما
لو كان منفردا فلو وكلهما في حفظ ماله حفظاه
معا في حرز لهما لأن قوله افعلا كذا يقتضي
اجتماعهما على فعله بخلاف بعتكما حيث كان
منقسما بينهما لأنه لا يمكن أن يكون الملك
لهما على الاجتماع فلو غاب أحدهما لم يكن
للآخر أن يتصرف.
(4/245)
ولا يجوز
للوكيل في البيع أن يبيع لنفسه وعنه: يجوز إذا
زاد على مبلغ ثمنه في النداء أو وكل من يبيع
وكان هو أحد المشترين.
ـــــــ
ولا للحاكم ضم أمين ليتصرفا بخلاف ما لو مات
أحد الوصيين فإن للحاكم ضم أمين والفرق أن
الموكل رشيد جائز التصرف لا ولاية للحاكم عليه
بخلاف الوصية فإن له نظرا في حق الميت واليتيم
ولهذا لو لم يوص إلى أحد أقام الحاكم أمينا في
النظر لليتيم فإن كان أحدهما غائبا فادعى
الحاضر وأقام بينة سمعها الحاكم وحكم بثبوتها
لهما فإذا حضر الغائب تصرفا معا
لا يقال: هو حكم للغائب لأنه يجوز تبعا لحق
الحاضر كما يجوز أن يحكم بالوقف لمن لم أصحهما
لأجل من يستحقه في الحال فلو جحدها الغائب أو
عزل نفسه لم يكن للآخر أن يتصرف
"ولا يجوز للوكيل في البيع أن يبيع لنفسه" على
المذهب لأن العرف في البيع بيع الرجل من غيره
فحملت الوكالة عليه وكما لو صرح به ولأنه
يلحقه تهمة ويتنافى الغرضان في بيعه لنفسه فلم
يجز كما لو نهاه وكذا شراؤه من نفسه لكن لو
أذن له جاز ويتولى طرفيه في الأصح فيهما إذا
انتفت التهمة كأب الصغير
وكذا توكيله في بيعه وآخر في شرائه ومثله نكاح
ودعوى فيدعي أحدهما ويجيب عن الآخر ويقيم حجة
كل واحد منهما وقال الأزجي في الدعوى الذي يقع
الاعتماد عليه لا يصح للتضاد
"وعنه: يجوز إذا زاد على مبلغ ثمنه في النداء
أو وكل من يبيع وكان هو أحد المشترين" لأن
بذلك يحصل غرض الموكل من الثمن أشبه ما لو
باعه لأجنبي وفي الكافي والشرح أن الجواز معلق
بشرطين أحدهما: أن يزيد على مبلغ ثمنه في
النداء الثاني: أن يتولى النداء غيره قال
القاضي يحتمل أن يكون الثاني: واجبا وهو أشبه
بكلامه ويحتمل أن يكون مستحباز وفي الفروع
وعنه: يبيع من نفسه إذا زاد ثمنه في النداء
وقيل: أو وكل
(4/246)
وهل يجوز أن
يبيعه لولده أو والده أو مكاتبه على وجهين ولا
يجوز أن يبيع نساء ولا يغير نقد البلد ويحتمل
أن يجوز كالمضارب،
ـــــــ
بائعا وهو ظاهر رواية حنبل وقيل: هما وذكر
الأزجي احتمالا لا يعتبران لأن دينه وأمانته
تحمله على الحق وربما زاد لا يقال كيف يوكل
بالبيع وهو ممنوع منه على المشهور لأنه يجوز
التوكيل فيما لا يتولى مثله بنفسه والنداء مما
لم تجر العادة أن يتولاه أكثر الوكلاء بأنفسهم
قال ابن المنجا: وفيه نظر لأن الوكيل إذا جاز
له أن يعطي ما وكل فيه لمن ينادي عليه لما ذكر
فالعقد لا بد له من عاقد ومثله يتولاه فلا
يجوز أن يوكل عنه غيره ويمكن التخلص من ورود
هذا الإشكال بأن يجعل بدل التوكيل في البيع
التوكيل في الشراء
"وهل يجوز أن يبيعه لولده" الكبير "أو والده
أو مكاتبه؟ على وجهين" كذا أطلقهما في المحرر
والفروع أحدهما: المنع لأنه متهم في حقهم
ويميل إلى ترك الاستقصاء عليهم في الثمن
كتهمته في حق نفسه ولذلك لا تقبل شهادته لهم
والثاني: يجوز لأنهم غيره وقد امتثل أمر
الموكل ووافق العرف في بيع غيره أشبه الأجنبي
وذكر الأزجي أن الخلاف في الأخوة والأقارب
كذلك
فرع: الحاكم وأمينه وناظر الوقف والمضارب
كالوكيل
"ولا يجوز أن يبيع نساء ولا يغير نقد البلد"
على المذهب لأن الموكل لو باع بنفسه وأطلق
انصرف إلى الحلول ونقد البلد فكذا وكيله فلو
تصرف بغير ذلك لنفع وغرض لم يصح لأن عقد
الوكالة لم يقتضه وفيه احتمال وهو رواية في
الموجز وكما لو وكله في شراء بلح في الصيف
وفحم في الشتاء فخالف ذكره أبو الخطاب ومحله
في الفحم في غير تجارة
فإن كان في البلد نقدان باع بأغلبهما فإن
تساويا خير
"ويحتمل أن يجوز" هذا رواية عن أحمد لقوله بع
كيف شئت كالمضارب على الأصح فيه والفرق بينهما
من حيث إن المقصود في المضاربة الربح وهو في
النساء أكثر ولا يتعين ذلك في الوكالة بل ربما
كان المقصود
(4/247)
وإن باع بدون
ثمن المثل أو بأنقص مما قدره له صح ويضمن
النقص ويحتمل أن لا يصح وإن باع بأكثر من ثمن
المثل صح
ـــــــ
تحصيل حاجته فتفوت بتأخير الثمن ولأن استيفاء
الثمن في المضاربة على المضارب فيعود الضرر
عليه واستيفاء الثمن في الوكالة على الموكل
فيعود ضرر الطلب عليه وهو لم يرض به
وهذا الخلاف إنما هو مع الإطلاق فلو عين له
شيئا تعين ولم يجز مخالفته لأنه متصرف بإذنه.
فائدة: إذا ادعيا الإذن في ذلك قبل قولهما
وقيل: قول المالك
"وإن باع بدون ثمن المثل أو بأنقص مما قدره له
صح" نص عليه وقدمه في المحرر وصححه ابن المنجا
لأن من صح بيعه بثمن المثل صح بدونه كالمريض
"ويضمن" الوكيل "النقص" لأن فيه جمعا بين حظ
المشتري بعدم الفسخ وحظ البائع بوجوب التضمين
وأما الوكيل فلا يعتبر حظه لأنه مفرط وفي قدره
وجهان أحدهما ما بين ثمن المثل وما باعه
والثاني: ما يتغابن الناس به وما لا يتغابنون
لأن ما يتغابن الناس به عادة كدرهم في عشرة
فإنه يصح بيعه به ولا ضمان عليه لأنه لا يمكن
التحرز منه فلو حضر من يزيد على ثمن المثل لم
يجز أن يبيعه به لأن عليه طلب الحظ لموكله فلو
باع به ثم حضر من يزيد في مدة الخيار لم يلزمه
فسخ العقد على الأشهر لأن الزيادة منهي عنها
"ويحتمل أن لا يصح" هذا رواية عنه وصححها في
المغني
وذكر في الشرح أنها أقيس وفي الفروع هي أظهر
لأنه بيع غيرمأذون فيه أشبه بيع الأجنبي وقيل:
هو كتصرف الفضولي نص عليه فإن تلف فضمن الوكيل
رجع على مشتر كتلفه عنده وعلى الصحة لا يضمن
عبد لسيده ولا صبي لنفسه
"وإن باع بأكثر من ثمن المثل صح" لأنه باع
المأذون وزاده خيرا زيادة منفعة والعرف يقتضيه
أشبه ما لو وكله في الشراء فاشتراه
(4/248)
سواء أكانت
الزيادة من جنس الثمن الذي أمره به أو لم تكن
وإن قال بعه بدرهم فباعه بدينار صح في أحد
الوجهين وإن قال بعه بألف نساء فباعه بألف
حالة صح،
ـــــــ
بدون ثمن المثل أو بأنقص مما قدره له "سواء
أكانت الزيادة من جنس الثمن الذي أمره به" كمن
أذن له في البيع بمائة درهم فباعه بها وبعشرة
أخرى "أولم تكن" كدينار وثوب وقيل: لا يصح جنس
الأثمان
تنبيه: يجوز للوكيل البيع والشراء بشرط الخيار
له وقيل: مطلقا وتزكية بينة خصمه ومخاصمة في
ثمن مبيع بان مستحقا في وجه وإن شرط الخيار
فلموكله ولنفسه لهما ولا تصح لنفسه فقط ويختص
بخيار مجلس ويختص به موكله إن حضره
فائدة: الوصي وناظر الوقف كالوكيل فيما إذا
باع بدون ثمن المثل أو اشترى بأكثر منه ذكره
الشيخ تقي الدين وتضمينه مع اجتهاده وعدم
تفريطه مشكل فإن قواعد المذهب تشهد له بروايتي
فيما إذا رمى إلى صف الكفار يظنه كافرا فبان
مسلما ففي ضمان دينه روايتان
"وإن قال بعه بدرهم فباعه بدينار صح في أحد
الوجهين" هذا هو الأشهر لأنه مأذون فيه عرفا
فإن من رضي بدرهم رضي مكانه بدينار
والثاني: وهو قول القاضي لا يصح لأنه خالف
موكله في الجنس أشبه ما لو باعه بثوب يساوي
دينارا أو كما لو قال بعه بمائة درهم فباعه
بمائة ثوب قيمتها أكثر من الدراهم وأطلقهما في
الفروع
ولو باعه بدرهم وعرض فالأصح لا تبطل في زائد
بحصته وإن اختلط الدرهم بآخر له عمل بظنه
ويقبل قوله حكما ذكره القاضي
"وإن قال بعه بألف نساء فباعه بألف حالة صح"
في الأصح لأنه زاده خيرا فهو كما له وكله في
بيعه بعشرة فباعه بأكثر منها وظاهره: أنه إذا
باع حالا بدون ثمنها نسيئة أو بدون ما عينه له
لم ينفذ تصرفه لأنه خالف موكله.
(4/249)
إن كان لا
يستضر بحفظ الثمن في الحال وإن وكله في الشراء
فاشترى بأكثر من ثمن المثل أو بأكثر مما قدره
له أو وكله في بيع شيء فباع نصفه لم يصح وإن
اشتراه بما قدره له مؤجلا أو قال اشتر لي شاة
بدينار فاشترى له شاتين تساوي إحداهما دينارا
أو اشترى له شاة تساوي دينارا بأقل منه صح،
ـــــــ
وشرط المؤلف "إن كان لا يستضر بحفظ الثمن في
الحال" جزم به في الوجيز فظاهره أنه إذا استضر
بحفظ الثمن في الحال أنه لا يصح لأن حكم الإذن
إنما يثبت في المسكوت عنه لتضمنه المصلحة فإذا
كان يتضرر به علم انتفاؤها فتنتفي الصحة
وحكم خوف التلف والتعدي عليه كذلك لاشتراك
الكل في المعنى وما ذكره المؤلف هو قول
والمذهب صحته مطلقا مالم ينهه والثاني: لا يصح
للمخالفة
"وإن وكله في الشراء فاشترى بأكثر من ثمن
المثل أو بأكثر مما قدره له" لم يصح لأنه تصرف
غيرمأذون فيه وهذا إذا كان مما يتغابن الناس
بمثله ذكره في الشرح وهذا يشكل بما سبق
والمذهب فيه كما قدمه في المحرر وجزم به في
الوجيز أنه يصح ويضمن الزيادة هو ومضارب
"أو وكله في بيع شيء فباع نصف لم يصح" لأنه
بيع غيرمأذون فيه ولما فيه من الضرر أشبه ما
لو وكله في شراء شيء فاشترى بعضه ومحله ما إذا
باعه بدون ثمن المثل فلو باعه بثمن جميعه صح
ذكره في المغني والشرح والوجيز وعلى الأول ما
لم يبع الباقي أو يكن عبيدا أو صبرة ونحوها
فيصح مفرقا ما لم يأمره ببيعه صفقة واحدة
"وإن اشتراه بما قدره له مؤجلا" صح في الأصح
لأنه زاده خيرا وقيل: إن لم يتضرر وقيل: لا
يصح للمخالفة "أو قال اشتر لي شاة بدينار
فاشترى له شاتين تساوي إحداهما دينارا أو
اشترى له شاة تساوي دينارا بأقل منه صح" لما
روى أحمد عن سفيان عن شبيب هو ابن غرقدة سمع
الحي
(4/250)
وإلا فلا.
ـــــــ
يخبرون عن عروة بن الجعد: أن النبي صلى الله
عليه وسلم بعث معه بدينار يشتري له به أضحيه
وقال مرة أو شاة فاشترى له اثنتين فباع واحدة
بدينار وأتاه بالأخرى فدعا له بالبركة فكان لو
اشترى التراب لربح فيه
وفي رواية: قال: هذا ديناركم وهذه شاتكم قال:
"كيف صنعت؟!" فذكره ورواه البخاري في ضمن حديث
متصل لعروة حدثنا علي بن عبد الله ثنا سفيان
ولأنه حصل له المأذون فيه وزيادة وفي الأخيرة
حصل المقصود وزيادة لأنه مأذون فيه عرفا فإن
من رضي بشراء شيء بدينار يرضى بأقل منه وكذا
إذا اشترى شاتين كل منهما تساوي دينارا وفيه
رواية في المبهج كفضولي وإن أبقى ما يساويه
ففي بيع الآخر بغير إذن الموكل وجهان أحدهما:
لا يجوز لأنه غيرمأذون فيه أشبه بيع الشاتين
والثاني: وهو ظاهر كلام أحمد الجواز لظاهر
الخبر "وإلا فلا" يصح إذا كانت كل منهما تساوي
أقل من دينار لأنه لم يحصل له المقصود فلم يقع
البيع له لكونه غيرمأذون فيه لفظا ولا عرفا
وكذا الشاة الموكل في شرائها بدينار تساوي أقل
منه لما ذكرنا
وفي عيون المسائل إن ساوى كل منهما نصف دينار
صح للموكل لا للوكيل وإن كان كل واحدة لا
تساوي نصف دينار فروايتان إحداهما يصح ويقف
على إجازة الموكل لخبر عروة
تنبيه: إذا وكله في شراء معين بمائة فاشتراه
بدونها جاز ما لم ينهه عن الشراء بأقل منها
لمخالفة قوله ونصه وإن قال اشتره بها ولا
تشتره بخمسين جاز له شراؤه بما فوق الخمسين
فإن اشتراه بما دون الخمسين جاز في وجه ومن
وكل في شراء شيء معين بثمن معلوم فله شراؤه
لنفسه بمثل ذلك الثمن وغيره
"وليس له شراء معيب" أي: لا يجوز له لأن
الإطلاق يقتضي السلامة،
(4/251)
وليس له شراء
معيب فإن وجد بما اشترى عيبا فله الرد فإن قال
البائع موكلك قد رضي بالعيب فالقول قول الوكيل
مع يمينه إنه لا يعلم ذلك
ـــــــ
ولذلك جاز له الرد به ومحله ما لم يعينه له
موكله فإن فعل عالما بعيبه لزمه إن لم يرضه
موكله ولم يرده وكذا لا يرده الموكل وحكاه في
الحاشية قولا وفيه نظر فإن اشتراه بعين المال
لم يصح على المذهب
"فإن وجد بما اشترى عيبا" أي: جهل عيبه "فله
الرد" لأنه قائم مقام الموكل وله أيضا الرد
لأنه ملكه فإن حضر قبل رد الوكيل ورضي بالعيب
لم يكن للوكيل رده لأن الحق له بخلاف المضارب
لأن له حقا فلا يسقط برضى غيره فإن طلب البائع
الإمهال حتى يحضر الموكل لم يلزمه ذلك لأنه لم
يأمن فوات الرد فإن أخره بناء على قول فلم يرض
به الموكل فله الرد وإن قلنا: هو على الفور
لأنه أخره بإذن البائع وإن أنكر البائع أن
الشراء وقع له لزم الوكيل وقيل: الموكل وله
أرشه
وذكر الأزجي إن جهل عيبه وقد اشترى بعين المال
فهل يقع عن الموكل؟ فيه خلاف
"فإن قال البائع موكلك قد رضي بالعيب فالقول
قول الوكيل مع يمينه" لأنه منكر والقول قوله
معها لأن الأصل عدم الرضى فلا يقبل إلا ببينة
فإن لم يقمها لم يستحلف الوكيل إلا أن يدعي
علمه فيحلف على نفي العلم ذكره في الشرح
"إنه لا يعلم ذلك" أي: لا يعلم رضى موكله لأنه
يجوز أن يعلم رضاه وهو مسقط للردة وإنما كانت
على النفي لأنها على فعل الغير فإذا حلف أخذ
حقه في الحال وقيل: يقف على حلف موكله إن طلبه
الخصم وكذا قول كل غريم لوكيل غائب في قبض حقه
أبرأني موكلك أو قبضه ويحكم ببينة إن حكم على
غائب
"فإن رده فصدق الموكل البائع في الرضى بالعيب
فهل يصح الرد؟ على
(4/252)
فإن رده فصدق
الموكل البائع في الرضى بالعيب فهل يصح الرد
على وجهين وإن وكله في شراء معين فاشتراه
ووجده معيبا فهل له رده قبل إعلام الموكل على
وجهين فإن قال اشتر لي بعين هذا الثمن فاشترى
له في ذمته لم يلزم الموكل فإن قال اشتر لي في
ذمتك وانقد الثمن فاشترى بعينه صح ولزم
الموكل،
ـــــــ
وجهين" كذا في الشرح والفروع أشهرهما لا يصح
الرد وهو باق للموكل لأن رضى الموكل بالعيب
عزل للوكيل عن الرد ومنع له بدليل أن الوكيل
لو علمه لم يكن له الرد فعلى هذا للموكل
استرجاعه وللبائع رده عليه
والثاني: يصح بناء على أن الوكيل لا ينعزل قبل
العلم بعزله فيكون الرد صادف ولاية فعلى هذا
يجدد الموكل العقد
"وإن وكله في شراء معين فاشتراه ووجده معيبا
فهل له رده قبل إعلام الموكل؟ على وجهين" كذا
في الفروع أحدهما: له ذلك لأن الأمر يقتضي
السلامة أشبه ما لو وكله في شراء موصوف
والثاني: وهو الأشهر: لا لأن الموكل قطع نظره
بالتعيين فربما رضيه بجميع صفاته وعلى الأول
المعين وإن علم عيبه قبل شرائه فهل له شراؤه
فيه وجهان مبنيان على رده إذا علم عيبه بعد
شرائه والمقدم له شراؤه
"فإن قال: اشتر لي بعين هذا الثمن فاشترى له
في ذمته لم يلزم الموكل" لأن الثمن إذا تعين
انفسخ العقد بتلفه أو كونه مغصوبا ولم يلزمه
ثمن في ذمته وهذا غرض صحيح للموكل فلم تجز
مخالفته
وظاهره: ولو نقد المعين ويقع الشراء للوكيل
وهل يقف على إجازة الموكل فيه الروايتان "فإن
قال: اشتر لي في ذمتك وانقد الثمن فاشترى
بعينه صح ولزم الموكل" ذكره أصحابنا لأنه أذن
له في عقد يلزمه به الثمن مع بقاء الدراهم
وتلفها فكان إذنا في عقد لا يلزمه الثمن إلا
مع بقائها.
(4/253)
وإن أمره ببيعه
في سوق بثمن فباعه به في آخر صح وإن قال بعه
لزيد فباعه من غيره لم يصح.
ـــــــ
وقيل: إن رضي به وإلا بطل وقيل: لا يصح لأنه
قد يكون له غرض في الشراء في الذمة لشبهة فيها
أو يختار وقوع عقد لا ينفسخ بتلفها ولا تبطل
بتحريمها فلم يجز مخالفة غرضه لصحته وإن أطلق
جاز وليس له العقد مع فقير وقاطع طريق إلا أن
يأمره نقله الأثرم
"وإن أمره ببيعه في سوق بثمن فباعه به في آخر
صح" لأن القصد البيع بما قدره له وقد حصل
كالإجارة وغيرها هذا إذا كان هو وغيره سواء
فإن كان له غرض صحيح تعين كما لو كان السوق
معروفا بجودة النقد أو كثرة الثمن أو حله أو
صلاح أهله
"وإن قال بعه لزيد فباعه من غيره لم يصح" بغير
خلاف نعلمه لأنه قد يقصد نفعه فلا تجوز
مخالفته
وفي المغني والشرح إلا أن يعلم بقرينة أو صريح
أنه لا غرض له في عين المشتري
قاعدة: حقوق العقد وهي تسليم الثمن وقبض
المبيع والرد بالعيب وضمان الدرك يتعلق
بالموكل لأنه لا يعتق قريب وكيل عليه وقال أبو
حنيفة يدخل في ملك الوكيل ثم ينتقل عنه إلى
الموكل ورد بأنه قبل عقدا لغيره فوجب أن ينتقل
الملك إليه كالأب والوصي وكما لو تزوج له
ويتفرع: عليهما: لو وكل مسلم ذميا في شراء خمر
فاشتراه له لم يصح على الأول لا الثاني: وإذا
باع الوكيل بثمن معين ثبت الملك للموكل في
الثمن وإن كان في الذمة فللموكل والوكيل
المطالبة به وعنده ليس للموكل المطالبة به
وفي المغني والشرح إن اشترى وكيل في شراء في
الذمة فكضامن وقال الشيخ تقي الدين فيمن وكل
في بيع أو استئجار فإن لم يتم موكله في العقد
فضامن وإلا فروايتان وظاهر المذهب يضمنه ولو
وكل رجلا
(4/254)
وإن وكله في
بيع شيء ملك تسليمه ولم يملك قبض ثمنه صح إلا
بقرينة فإن تعذر قبضه لم يلزم الوكيل شيء وإن
وكله في بيع فاسد أو كل قليل وكثير لم يصح،
ـــــــ
يستسلف له ألفا في كر حنطة ففعل ملك الموكل
ثمنها والوكيل ضامن
"وإن وكله في بيع شيء ملك تسليمه" لأن إطلاق
الوكالة في البيع يقتضي التسليم لكونه من
تمامه "ولم يملك قبض ثمنه" كذا أطلقه الأكثر
لأنه قد يوكل في البيع من لا يأمنه على قبض
الثمن والمذهب عند الشيخين أنه يقيد "إلا
بقرينة" فعلى هذا إن كانت قرينة الحال تدل على
القبض مثل توكيله في بيع شيء في سوق غائب عن
الموكل أو بموضع يضيع الثمن بترك قبض الوكيل
له كان إذنا في قبضه فإن تركه ضمنه لأنه يعد
مفرطا
وإن لم تدل القرينة على ذلك لم يكن له قبضه
وقيل: يملكه مطلقا لأنه من موجب البيع فملكه
كتسليم المبيع فلا يسلمه قبله فإن فعل ضمنه
وعلى الأول "فإن تعذر قبضه لم يلزم الوكيل
شيء" كظهور مبيعه مستحقا أو معيبا كحاكم
وأمينه ولأنه ليس بمفرط فيه لكونه لا يملكه
تنبيه: وكله في شراء شيء ملك تسليم ثمنه لأنه
من تتمته وحقوقه كتسليم المبيع فإن اشترى عبدا
فنقد ثمنه فخرج مستحقا فهل يملك أن يخاصم
البائع في الثمن على وجهين. وإن اشترى شيئا
وقبضه وأخر تسليم ثمنه لغير عذر فهلك في يده
ضمنه نص عليه وليس لوكيل في بيع تقليبه على
مشتر إلا بحضرته وإلا ضمن ذكره في النوادر
ويتوجه العرف ولا بيعه ببلد آخر في الأصح
فيضمن ويصح ومع مؤنة نقل لا ذكره في الانتصار
"وإن وكله في بيع فاسد" أي: لم يصح ولم يملكه
لأن الله تعالى: لم يأذن فيه ولأن الموكل لا
يملكه فوكيله كذلك وأولى وكشرطه على وكيل في
بيع أن لا يسلمه المبيع "أو كل قليل وكثير لم
يصح" ذكره الأزجي اتفاق الأصحاب لأنه يدخل فيه
كل شيء من هبة ماله وطلاق نسائه وإعتاق رقيقه
فيعظم الغرر
(4/255)
وإن وكله في
بيع ماله كله صح وإن قال اشتر لي ما شئت أو
عبدا بما شئت لم يصح حتى يذكر النوع وقدر
الثمن وعنه: ما يدل على أنه يصح وإن وكله في
الخصومة لم يكن وكيلا في القبض.
ـــــــ
والضرر ولأن التوكيل لا بد وأن يكون في تصرف
معلوم
ومثله: وكلتك في شراء ما شئت من المتاع
الفلاني فلو قال وكلتك بما إلي من التصرفات
فاحتمالان وقيل: يصح في كل قليل وكثير كبيع
ماله أو المطالبة بحقوقه أو الإبراء أو ما شاء
منه يؤيده قول المروذي بعث بي أبو عبد الله في
حاجة وقال كل شيء تقول على لساني فأنا قلته
"وإن وكله في بيع ماله كله صح" لأنه يعرف ماله
فيقل الغرر وذكر الأزجي في بع من عبيدي من شئت
أن من للتبعيض فلا يبيعهم إلا واحدا ولا الكل
لاستعمال هذا في الأقل غالبا وقال هذا ينبني
على أصل وهو استثناء الأكثر وفيه نظر "وإن قال
اشتر لي ما شئت أو عبدا بما شئت لم يصح" لأن
ما يمكن شراؤه والشراء به يكثر فيكثر فيه
الغرر
"حتى يذكر النوع" وعليه اقتصر القاضي لأنه إذا
ذكر نوعا فقد أذن في أغلاه ثمنا فيقل الغرر
فيه "وقدر الثمن" وهو رواية لانتفاء الغرر فمن
اعتبره جوز أن يذكر أكثر الثمن وأقله وحكاه في
الفروع قولا واقتصر عليه في الشرح وصريح كلامه
أنه لا بد للصحة من اعتبار الأمرين وقاله أبو
الخطاب
"وعنه: ما يدل على أنه يصح" فإنه روي عنه فيمن
قال ما اشتريت من شيء فهو بيننا أن هذا جائز
وأعجبه وهذا توكيل في شراء كل شيء لأنه إذن في
التصرف فجاز من غيرتعيين كالإذن في التجارة
وكما لو قال بع من مالي ما شئت والإطلاق يقتضي
شراء عبد مسلم عند ابن عقيل لجعله الكفر عيبا
"وإن وكله في الخصومة لم يكن وكيلا في القبض"
لأن الإذن لم يتناوله نطقا ولا عرفا لأنه قد
يرضى للخصومة من لا يرضاه للقبض إذ معنى
الوكالة في الخصومة الوكالة في إثبات الحق
وذكر ابن البنا في تعليقه: أنه وكيل في
(4/256)
وإن وكله في
القبض كان وكيلا في الخصومة في أحد الوجهين
وإن وكله في قبض الحق من إنسان لم يكن له قبضه
من وارثه،
ـــــــ
القبض لأنه مأمور فتكون الخصومة ولا تنقطع إلا
به وعلم منه جواز التوكيل في الخصومة. وذكر
القاضي في قوله تعالى: {وَلا تَكُنْ
لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً} [النساء:105] أنه لا
يجوز لأحد أن يخاصم عن غيره في إثبات حق أو
نفيه وهو غيرعالم بحقيقة أمره وفي المغني في
الصلح نحوه. ولا يصح ممن علم ظلم موكله في
الخصومة قاله في الفنون فظاهره يصح إذا لم
يعلم فلو ظن ظلمه جاز ويتوجه المنع ومع الشك
احتمالان
وعلى ما ذكره لا يقبل إقراره على موكله بقبض
ولا غيره نص عليه ويقبل إقراره بعيب فيما باعه
واختار جماعة لا وله إثبات وكالته في غيبة
موكله في الأصح وإن قال أجب خصمي عني احتمل
لخصومة واحتمل بطلانها ذكره في الفروع
"وإن وكله في القبض كان وكيلا في الخصومة في
أحد الوجهين" جزم به في الوجيز وهو المذهب
لأنه لا يتوصل إلى القبض إلا بالتثبت فكان
إذنا فيه عرفا لأن القبض لا يتم إلا به فملكه
كما لو وكله في شراء شيء ملك تسليم ثمنه
والثاني: لا يملكها لأنهما معنيان مختلفان
فالوكيل في أحدهما لا يكون وكيلا في الآخر
وكعكسه وأطلق في المحرر والفروع الخلاف وقيل:
إن كان الموكل عالما بجحد من عليه الحق أو
مطله كان توكيلا في الخصومة لوقوف القبض عليه
وعلى الجواز لا فرق بين كون الحق عينا أو دينا
"وإن وكله في قبض الحق من إنسان لم يكن له
قبضه من وارثه" لأنه لم يؤمر بذلك ولا يقتضيه
العرف ومقتضاه أن له قبضه من وكيله وهو كذلك
لأنه قائم مقامه
فإن قلت: فالوارث نائب عن الموروث فهو كالوكيل
وجوابه أن الوكيل
(4/257)
وإن قال: اقبض
حقي الذي قبله فله القبض من وارثه وإن قال
اقبضه اليوم لم يملك قبضه غدا وإن وكله في
الإيداع فأودع ولم يشهد لم يضمن وإن وكله في
قضاء دين فقضاه ولم يشهد فأنكره الغريم ضمن
إلا أن يقضيه بحضرة الموكل.
ـــــــ
إذا دفع بإذنه جرى مجرى تسليمه وليس الوارث
كذلك فإن الحق انتقل إليهم واستحقت المطالبة
عليهم لا بطريق النيابة عن الموروث ولهذا لو
حلف لا يفعل شيئا حنث بفعل وكيله دون مورثه
"وإن قال: اقبض حقي الذي قبله" أو عليه "فله
القبض من وارثه" لأن الوكالة اقتضت قبض حقه
مطلقا فشمل القبض من الوارث لأنه من حقه "وإن
قال: اقبضه اليوم لم يملك قبضه غدا" لتقييدها
بزمان معين لأنه قد يختص غرضه في زمن حاجته
إليه "وإن وكله في الإيداع فأودع ولم يشهد لم
يضمن" إذا أنكر المودع نقله الأصحاب لعدم
الفائدة في الإشهاد إذ المودع يقبل قوله في
الرد والتلف فلم يكن مفرطا في عدم الإشهاد
وفيه وجه وذكره القاضي رواية أنه يضمن لأن
الوديعة لا تثبت إلا ببينة فهو كما لو وكله في
قضاء دين وبأن الفائدة في الإشهاد هو ثبوت
الوديعة فلو مات أخذت من تركته فإن قال الوكيل
دفعت المال إلى المودع فأنكر قبل قول الوكيل
لأنهما اختلفا في تصرفه فيما وكل فيه
"وإن وكله في قضاء دين فقضاه ولم يشهد فأنكره
الغريم ضمن" الوكيل لأنه مفرط حيث لم يشهد قال
القاضي سواء صدقه أو كذبه لأنه إنما أذن في
قضاء مبرئ ولم يوجد
"إلا أن يقضيه بحضرة الموكل" فإنه لا يضمن على
الأصح لأن حضوره قرينة رضاه بالدفع بغير بينة
وقيل: لا يضمن بناء على أن الساكت لا ينسب
إليه قول
وعنه: لا يرجع بشيء إلا أن يكون أمر بالإشهاد
فلم يفعل قدمه في الفروع لتفريطه فعليها إن
صدقه الموكل في الدفع لم يرجع عليه بشيء وإن
كذبه قبل قول الوكيل مع يمينه لأنه ادعى فعل
ما أمره به موكله.
(4/258)
فصل
والوكيل أمين لا ضمان عليه فيما تلف في يده من
غير تفريط والقول قوله مع يمينه في الهلاك
ونفي التفريط،
ـــــــ
وعنه: لا يضمن مطلقا اختاره ابن عقيل كقضائه
بحضرته وعلى اعتبارها إذا اشهد عدولا فماتوا
أو غابوا فلا ضمان لعدم تفريطه وإن أشهد بينة
فيها خلاف فوجهان
وقال ابن حمدان: إن كان لموكله الامتناع من
الوفاء بدون الإشهاد لزم الوكيل الإشهاد فإن
تركه ضمن وإن لم يكن لموكله الامتناع لم يلزمه
ولا ضمان بتركه فإن قال أشهدت فماتوا أو أذنت
فيه بلا بينة أو قضيت بحضرتك صدق الموكل للأصل
ويتوجه في الأولى: لا وان في الثانية: الخلاف
كما هو ظاهر كلام بعضهم ذكره في الفروع.
فصل
"والوكيل أمين لا ضمان عليه فيما تلف في يده
بغير تفريط" لأنه نائب المالك في اليد والتصرف
فكان الهلاك في يده كالهلاك في يد المالك
كالمودع وكذا حكم كل من في يده شيء لغيره على
سبيل الأمانة كالوصي ونحوه وظاهره: سواء كان
بجعل أولا وأنه لا فرق بين تلف العين الموكل
فيها أو تلف ثمنها لأنه أمين
وظاهره: أنه يضمن إن فرط بأن لا يحفظ ذلك في
حرز مثلها وفي المغني أو يركب الدابة أو يلبس
الثوب أو يطلب منه المال فيمتنع من دفعه لغير
عذر لأن التعدي أبلغ من التفريط. "والقول قوله
مع يمينه في الهلاك ونفي التفريط" أي: إذا
ادعى الموكل عليه ما يقتضي الضمان لأنه أمين
والأصل براءة ذمته مما يدعى عليه ولو كلف
إقامة البينة على ذلك لامتنع الناس من الدخول
في الأمانات مع دعوى الحاجة إليها.
(4/259)
ولو قال بعت
الثوب وقبضت الثمن فتلف فالقول قوله وإن
اختلفا في رده إلى الموكل فالقول قوله إن كان
متطوعا وإن كان بجعل فعلى وجهين وكذلك يخرج في
الأجير والمرتهن.
ـــــــ
والمذهب أنه إذا ادعى التلف بأمر ظاهر كحريق
عام ونهب جيش كلف إقامة البينة عليه ثم يقبل
قوله فيه
"ولو قال بعت الثوب وقبضت الثمن فتلف فالقول
قوله" ذكره ابن حامد لأنه يملك البيع والقبض
فقبل قوله فيهما كالولي المجبر ولأنه أمين
ويتعذر إقامة البينة على ذلك فلا يكلفها
كالمودع وقيل: لا يقبل قوله لأنه يقر بحق
لغيره على موكله فلم يقبل كما لو أقر بدين
عليه
فرع: وكله في شراء شيء فاشتراه واختلفا في قدر
ثمنه قبل قول الوكيل وقال القاضي: يقبل قول
الموكل إلا أن يكون عين له الشراء بما ادعاه
فقال اشتر لي عبدا بألف فادعى أنه اشتراه بها
قبل قوله وإلا فالموكل لأن من قبل قوله في أصل
شيء قبل في صفته
"وإن اختلفا في رده" سواء كان العين أو ثمنها
"إلى الموكل فالقول قوله إن كان متطوعا" قولا
واحدا قاله في المحرر لأنه قبض المال لنفع
مالكه فقط فقبل قوله فيه كالوصي والمودع وقيل:
لا وجزم به ابن الجوزي في قوله تعالى:
{فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} [النساء:6] الآية
ولم يخالفه وعلى الأول يقبل مع يمينه
وفي التذكرة ان من قبل قوله من الأمناء لم
يحلف والتلف كالرد "وإن كان بجعل فعلى وجهين"
أشهرهما أنه لا يقبل إلا ببينة لأنه قبض المال
لنفع نفسه فلم يقبل قوله في ذلك كالمستعير
والثاني: بلى لأنه أمين
"وكذلك يخرج في الأجير والمرتهن" لاشتراك الكل
في قبض العين لمنفعة القابض ونص أحمد في
المضارب أنه لا يقبل قوله كالمستعير فلو أنكر
الوكيل قبض المال ثم ثبت فادعى الرد أو التلف
لم يقبل لثبوت خيانته بجحده ولو أقام به بينة
في وجه لأنه مكذب لها.
(4/260)
ـــــــ
والثاني: يقبل لأنه يدعي ذلك قبل وجود خيانته
مسألة: كل أمين قبل قوله في الرد وطلب منه فهل
له تأخيره حتى يشهد عليه فيه وجهان إن قلنا:
يحلف وإلا لم يؤخره لذلك وفيه احتمال ومن لا
يقبل قوله في الرد كالمستعير ولا حجة عليه
بالأخذ لم يؤخر رده للإشهاد عليه وقال ابن
حمدان بلى كما لو أخذه وفي ذمته مال لزيد أو
في يده لم يلزمه دفعه إلى وكيله حتى يشهد عليه
بقبضه
ومن عليه دين بحجة لم يلزمه دفعه إلى ربه إلا
ببينة تشهد عليه بقبضه
فرع: إذا تلف ما وكل في بيعه أو الشراء به
بتعد أو تفريط أو أتلفه هو أو غيره لم يتصرف
في بدله بحال وإن وزن من ماله بدل الثمن
واشترى بعينه لموكله ما أمره به لم يصح وكذا
إن اشتراه في نعته ثم نقده وعنه: هو موقوف على
إجازة موكله
"وإن قال: أذنت لي في البيع نساء وفي الشراء
بخمسة" أو قال: وكلتك في بيع هذا العبد قال بل
في بيع الأمة "فانكره فعلى وجهين" المذهب أنه
يقبل قول الوكيل ونص عليه في المضارب لأنه
أمين في التصرف فقبل قوله كالخياط
والثاني: وقاله القاضي وجزم به في الوجيز يقبل
قول المالك لأنه يقبل قوله في أصل الوكالة
فكذا في صفتها فعليه لو قال اشتريت لك هذه
الجارية فقال إنما أذنت في شراء غيرها قبل قول
المالك مع يمينه فإذا حلف برئ من الشراء ثم إن
كان الشراء وقع بعين المال فهو باطل وترد
الجارية إلى بائعها إن صدقه وإن كذبه ان
الشراء لغيره أو بمال غيره صدق البائع لأن
الظاهر أن ما في يد الإنسان له
فإن ادعى الوكيل علمه بذلك حلف أنه لا يعلم
ولزم الوكيل غرامة الثمن للموكل ودفع الثمن
للبائع وتبقى الجارية في يده لا تحل له لأنه
إن كان صادقا فهي للموكل وإن كان كاذبا فهي
للبائع فإن أراد حلها اشتراها ممن
(4/261)
وإن قال اذنت
له في البيع نساء وفي الشراء بخمسة فأنكره
فعلى وجهين وإن قال وكلتني أن أتزوج لك فلانة
ففعلت وصدقته المرأة فأنكر فالقول قول المنكر
بغير يمين وهل يلزم الوكيل نصف الصداق على
وجهين
ـــــــ
هي له في الباطن فإن امتنع رفع الأمر إلى
الحاكم ليرفق به لبيعه اياها ليثبت له الملك
ظاهرا وباطنا ويصير ما ثبت له في ذمته قصاصا
بالذي أخذ منه الآخر ظلما فإن امتنع لم يجبر
لأنه عقد مراضاة ذكره في المغني والشرح
وإن قال بعتكها إن كانت لي أو إن كنت أذنت لك
في شرائها بكذا فقال القاضي لا يصح لتعليقه
على شرط وقيل: بلى لأن هذا أمر واقع يعلمان
وجوده فلا يضر جعله شرطا كبعتك هذه الأمة إن
كانت أمة
فرع: إذا قبض الوكيل الثمن فهو أمانة في يده
لا يلزمه تسليمه قبل طلبه ولا يضمنه بتأخيره
فإن طلبه فأخر الرد مع إمكانه فتلف ضمنه فإن
وعده رده ثم ادعى أنه كان رده أو تلف فإن صدقه
الموكل فظاهر وإن كذبه لم يقبل وإن أقام به
بينة فوجهان
"وإن قال وكلتني أن أتزوج لك فلانة ففعلت
وصدقته المرأة فأنكر فالقول قول المنكر"
لأنهما اختلفا في أصل الوكالة فقبل قول الموكل
إذ الأصل عدمها ولم يثبت أنه أمينه فقبل قوله
عليه "بغير يمين" نص عليه لأن الوكيل يدعي حقا
لغيره
ومقتضاه أنه يستحلف إذا ادعته المرأة صرح به
في المغني والشرح والوجيز لأنها تدعي الصداق
في ذمته فإذا حلف لم يلزمه شيء
"وهل يلزم الوكيل نصف الصداق على وجهين" وذكر
غيره روايتين أصحهما لا يلزمه شيء لتعلق حقوق
العقد بالموكل وهذا ما لم يضمنه فإن ضمنه فلها
الرجوع عليه بنصفه لضمانه عنه
والثاني: يلزمه نصف الصداق لأنه ضامن للثمن في
البيع وللبائع مطالبته فكذا هنا ولأنه فرط حيث
لم يشهد على الزوج بالعقد والصداق والأول
أولى،
(4/262)
ويجوز التوكيل
بجعل وبغيره فلو قال بع ثوبي بعشرة فما زاد
فلك صح.
ـــــــ
ويفارق الشراء لأن الثمن مقصود للبائع والعادة
تعجيله بخلاف النكاح قاله في المغني والشرح
ويلزم الموكل طلاقها في المنصوص لإزالة
الاحتمال
وقيل: لا لأنه لم يثبت في حقه نكاح ولو مات
أحدهما لم يرثه الآخر لأنه لم يثبت صداقها
فترثه وهو منكر أنها زوجته فلا يرثها
تنبيه: قد علم مما سبق أنه إذا صدق على
الوكالة فيقبل قول الوكيل وكذا في كل تصرف وكل
فيه وهو المذهب لأنه مأذون له أمين قادر على
الإنشاء وهو أعرف
وعنه: يقبل قول موكله في النكاح لأنه لا تتعذر
إقامة البينة عليه لكونه لا ينعقد إلا بها
ذكره القاضي وغيره كأصل الوكالة
"ويجوز التوكيل بجعل" أي: معلوم لأنه عليه
السلام كان يبعث عماله لقبض الصدقات ويجعل لهم
على ذلك جعلا ولأنه تصرف لغيره لا يلزمه فهو
كرد الآبق وظاهره: أنه يستحق الجعل بالبيع
مثلا قبل قبض الثمن جزم به في المغني والشرح
ما لم يشرطه عليه ويستحقه ببيعه نساء إن صح
وفي الفروع هل يستحقه قبل تسليم ثمنه يتوجه
الخلاف فإن كان الجعل مجهولا فسدت ويصح تصرفه
بالإذن وله أجر مثله
"وبغيره" أي: بغير جعل بغير خلاف نعلمه لأنه
عليه السلام وكل أنيسا في إقامة الحد وعروة في
الشراء بغير جعل
"فلو قال بع ثوبي بعشرة فما زاد فلك صح" نص
عليه روي عن ابن عباس رواه سعيد بإسناد جيد
ولم نعرف له في عصره مخالفا فكان كالإجماع
وكرهه الثوري وفاقا لأبي حنيفة والشافعي لأنه
أجر مجهول يحتمل الوجود والعدم.
(4/263)
فصل
وإن كان عليه حق لإنسان فادعى رجل أنه وكيل
صاحبه في قبضه فصدقه لم يلزمه الدفع إليه وإن
كذبه لم يستحلف وإن دفعه إليه فأنكر صاحب الحق
الوكالة حلف ورجع على الدافع وحده وإن كان
المدفوع وديعة فوجدها أخذها وإن تلفت فله
تضمين من شاء منهما ولا يرجع من ضمنه على
الآخر.
ـــــــ
ورد بأنها عين تنمي بالعمل عليها فهو كدفع
ماله مضاربة وبه علل أحمد فعلى هذا إن باعه
بزيادة فهي له وإن باعه بما عينه فلا شيء له
لأنه جعل له الزيادة وهي معدومة فهو كالمضارب
إذا لم يربح.
فصل
"وإن كان عليه حق لإنسان فادعى رجل أنه وكيل
صاحبه في قبضه فصدقه لم يلزمه الدفع إليه" لأن
عليه فيه منعه لجواز أن ينكر الموكل الوكالة
فيستحق الرجوع عليه اللهم إلا أن تقوم به بينة
وسواء كان الحق في ذمته أو وديعة عنده
"وإن كذبه لم يستحلف" لعدم فائدة استحلافه وهو
الحكم عليه بالنكول "وإن دفعه إليه فأنكر صاحب
الحق الوكالة حلف" أي: الموكل لأنه يحتمل صدق
الوكيل فيها "ورجع على الدافع وحده" لأن حقه
في ذمته ولم يبرأ منه بتسليمه إلى غير وكيله
ويرجع الدافع على الوكيل مع بقائه أو تعديه
وظاهره: أنه إذا صدق الوكيل برئ الدافع "وإن
كان المدفوع وديعة فوجدها" صاحبها "أخذها"
لأنها عين حقه
"وإن تلفت فله تضمين من شاء منهما" أي: من
الدافع والقابض لأن الدافع ضمنها بالدفع
والقابض قبض مالا يستحقه "ولا يرجع من ضمنه
على الآخر" لأن كل واحد منهما يدعي أن ما
يأخذه المالك ظلم ويقر بأنه لم يوجد من صاحبه
تعد فلا يرجع على صاحبه بظلم غيره إلا أن يكون
الدافع
(4/264)
وإن كان ادعى
أن صاحب الحق أحاله به ففي وجوب الدفع إليه مع
التصديق واليمين مع الإنكار وجهان وإن ادعى
أنه مات وأنا وارثه لزمه الدفع إليه مع
التصديق واليمين مع الإنكار.
ـــــــ
دفعها إلى الوكيل من غير تصديق فيرجع على
الوكيل ذكره الشيخ تقي الدين وفاقا لكونه لم
يقر بوكالته ولم يثبت ببينة
قال ومجرد التسليم ليس تصديقا ثم قال وإن صدقه
ضمن في أحد القولين في مذهب أحمد بل نصه لأنه
متى لم يتبين صدقه فقد غره نقل مهنا فيمن بعث
إلى من عنده دنانير أو ثياب يأخذ دينارا أو
ثوبا فأخذ أكثر فالضمان على الباعث يعني الذي
أعطاه ويرجع هو بالزيادة على الرسول وهو ظاهر
كلام أبي بكر
"وإن كان ادعى أن صاحب الحق أحاله به ففي وجوب
الدفع إليه مع التصديق واليمين مع الإنكار
وجهان" كذا في المحرر أحدهما وهو الأولى:
والأشبه أنه لا يلزمه ذلك لأن الدفع إليه
غيرمبرئ لاحتمال أن ينكر المحيل الحوالة فهو
كدعوى الوكالة والوصية
والثاني: يلزمه الدفع إليه لأنه معترف أن الحق
انتقل إليه أشبه الوارث ورد بأن وجوب الدفع
إلى الوارث كونه مستحقا والدفع إليه مبرئ
بخلافه هنا فإلحاقه بالوكيل أولى ووجوب اليمين
مع الإنكار وعدمه مخرج على وجوب الدفع مع
التصديق ولهذا عطفه عليه
وتقبل بينة المحال عليه على المحيل فلا يطالبه
وتعاد لغائب محتال بعد دعواه فيقضي بها له إذن
"وإن ادعى أنه مات وأنا وارثه لزمه الدفع إليه
مع التصديق" لأنه لا وارث له سواه بغير خلاف
نعلمه لأنه مقر له بالحق وأنه يبرأ بهذا الدفع
فلزمه كما لو جاء صاحب الحق "واليمين مع
الإنكار" أي: على نفي العلم لأنها على نفي فعل
الغير وإنما لزمته هنا لأن من لزمه الدفع مع
الإقرار لزمه اليمين مع الإنكار كسائر الحقوق
المالية.
(4/265)
ـــــــ
مسائل
الأولى: قال أحمد: إذا دفع إلى رجل ثوبا
ليبيعه فوهب له المشتري منديلا فالمنديل لصاحب
الثوب.
وقال في رجل وكل آخر في اقتضاء دين وغاب فأخذ
الوكيل به رهنا فتلف الرهن في يد الوكيل أساء
في أخذه ولا ضمان عليه.
وقال في رجل أعطى آخر دراهم يشتري بها شيئا
فخلطها بدراهمه فضاعا فلا شيء عليه وقال
القاضي: إن خلطها بما لا يتميز ضمنها إن كان
بغير إذنه كالوديعة.
الثانية: الوكالة والعزل لا يثبت بخبر الواحد
وقيل: بلى فعلى الأول إن أخبر بتوكيل وظن صدقه
تصرف بشرط الضمان إن أنكر الموكل وقال الأزجي
إذا تصرف بناء على هذا الخبر فهل يضمن فيه
وجهان.
الثالثة: إذا شهد بها اثنان ثم قال أحدهما
عزله لم تثبت وكالته ويتوجه بلى كقوله بعد
الحكم بصحتها وكقول واحد غيرهما فلو قالا عزله
ثبت العزل ولو أقاما الشهادة حسبة بلا دعوى
الوكيل فشهدا عند حاكم ان فلانا الغائب وكل
هذا فإن اعترف أو قال ما علمت هذا وأنا أتصرف
عنه ثبتت الوكالة وعكسه ما لم أعلم صدقه وإن
أطلق طولب بالتفسير.
(4/266)
|